الأفلاطونية المحدثة: هي فلسفة تعزى في أصلها إلى أفلوطين المصري وتابعه غيره عليها، وهي تجمع بين فلسفة أفلاطون وأرسطوا والرواقيين والفيثاغوريين، فهي فلسفة دينية تذهب إلى احتواء المعتقدات السائدة والأساطير والطقوس، وعبادات الشرق والسحر والكيمياء القديمة، وقد أثرت تأثيراً قوياً في النصرانية. انظر: الموسوعة الفلسفية
(ص 56) .
جنديسابور: مدينة بخورستان، فتحها المسلمون صلحاً سنة 19 هـ في عهد عمر بن الخطاب (. معجم البلدان
(2/171) .
النساطرة: فرقة من النصارى تنسب إلى نسطور المتوفى سنة 451 م الذي ادعى: أن المسيح له طبيعتان إلهية وبشرية وأن مريم أم الإنسان وليس أم الإله، ومن النصارى من يعزو إليه أنه يقول: أن المسيح لم يكن إلهاً وإنما كان إنساناً، والنساطرة على القول الأول. وقد عقد مجمع أفسس سنة 431م من أجل مقالته وطرد نسطور من الكنيسة إلا أن مذهبه انتشر في فارس والعراق وهو المذهب الرسمي هناك. وقد استمر وجودهم هناك إلى العصر الحديث، إلا أن أعدادهم قليلة. انظر: معجم الحضارات السامية (ص 846) ، قاموس المذاهب والأديان ص209، موسوعة الأديان 2/661.
السريان: تسمية تطلق على نصارى سورية وهم ينقسمون إلى عدة كنائس منها الكنيسة النسطورية، واليعقوبية، والمارونية، والكلدانية والملكانية. انظر: معجم الحضارات السامية (ص474) .
فيلون اليهودي كان نحو 20 ق. م-40م. وكان من أسرة غنية بالاسكندرية من ضمن الجالية اليهودية التي بها، وقد درس الفلسفة وشرح التوراة بالرمز والتأويل وفق الفلسفة اليونانيةخاصة مذهب أفلاطون. الموسوعة الفلسفية (ص 356) .(6/171)
اليعاقبة: هم فرقة من من فرق النصارى القائلين بالطبيعة الواحدة وهو مذهب أقباط مصر، وينتسبون إلى يعقوب البرادعي، وهو أسقف الرها من أصل سوري ولد نحو 490م وتوفي 578م كان له نشاط في تنظيم كنيسة الطبيعة الواحدة، فنسبوا إليه وإلا فالمذهب أقدم منه يعود إلى مجمع أفسس عام 431م. معجم الحضارات السامية (ص 917) .
انظر في هذا: كتاب الفهرست لابن النديم ص338-340، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام د/ محمد علي أبو ريان 90-104، تاريخ الفلسفة في الإسلام، ت. ج دي بور 36-38.
المأمون هو عبد الله بن هارون الرشيد الخليفة العباسي تولى الخلافة بعد خلع أخيه الأمين سنة 198هـ وتوفي سنة 218هـ. الإعلام للزركلي (4/142) .
المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد الخليفة العباسي تولى الخلافة بعد أخيه المأمون بعهد منه سنة 218هـ وتوفي سنة 227هـ. الأعلام للزركلي (7/127) .
الواثق بالله هارون بن محمد بن هارون الرشيد الخليفة العباسي تولى الخلافة بعد أبيه المعتصم سنة 227هـ وتوفي سنة 232هـ. الأعلام للزركلي (8/62) .
أفلاطون، ولد نحو 427 وتوفي نحو 347 ق. م من مشاهير فلاسفة اليونان، وهو تلميذ سقراط ومعلم أرسطو. الموسوعة الفلسفية (ص 52) ، والمنجد في الأعلام (ص 54) .
أرسطو طاليس ولد نحو 384 وتوفي نحو 322 ق. م، وهو أشهر فلاسفة اليونان وأكثرهم تأثيراً فيمن بعدهم وهو مربي الأسكندر المقدوني وتلميذ أفلاطون. انظر: الموسوعة الفلسفية (ص 35) والمنجد في الأعلام (ص 34) .
أبقراط الحكيم أحد أطباء اليونان ولد في حدود 460 ق. م. انظر: في سبيل موسوعة فلسفية ص11.(6/172)
هي دعوى المعتزلة بأن القرآن مخلوق فمال إلى قولهم، وأخذ به المأمون وحمل الناس على القول به وامتحنهم في ذلك، وقد دامت هذه المحنة خلال آخر حياة المأمون ثم المعتصم ثم الواثق إلى أن جاء المتوكل سنة 232هـ ورفع المحنة عن الناس وأوقف الجدل في القرآن وكان ثبت في ذلك الامتحان الإمام أحمد بن حنبل، وأبى أن يقول إن القرآن مخلوق فحبس وجلد على ذلك فصبر حتى جاء الفرج في زمن المتوكل على الله سنة 237 هـ فانقمع المعتزلة وارتفعت راية السنة. انظر: البداية والنهاية (9/296-342) .
ابن سينا كما هو معلوم من عائلة باطنية، إلا أن قوله في التوحيد من جنس مقالة الفارابي، وليست من جنس مقالة الباطنيين، كما سيتبين.
هو يعقوب بن إسحاق أبو يوسف الكندي. كان له حظوة عند المأمون والمعتصم، نشأ في البصرة ثم في بغداد وتوفي نحو سنة 260هـ. الأعلام للزركلي (8/195) ، موسوعة الفلسفة (2/297) .
موسوعة الفلسفة (2/301-302) .
هو محمد بن محمد بن طرخان أبو نصر الفارابي من أهل فارس درس ببغداد واتصل بسيف الدولة الحمداني أمير حلب وأخذ الفلسفة عن رجل نصراني يسمى يوحنا بن حيلان، وكان من رفقائه في الدرس أبو بشر متى بن يونس القنائي، ومن تلاميذه يحي بن عدي، وكل هؤلاء من النصارى، وقد اعتنى الفارابي بكتب أرسطو عناية خاصة حتى قال: ((قرأت السماع لأرسطو أربعين مرة وأرىأني محتاج إلى معاودته)) . توفي في دمشق سنة 329هـ وهو في الثمانين من عمره. انظر: تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب (ص 13-17) .
تاريخ الفلسفة في الإسلام ص 209.(6/173)
هو أبو علي بن الحسين بن عبد الله بن سينا الملقب بالشيخ الرئيس، فارسي الأصل، نشأ في بلاد ما وراء النهر، وكان ذكياً حاز كثيراً من العلوم في وقت مبكر من عمره، وبرز في مجال الطب ووضع كتاب ((القانون في الطب)) وهو من أشهر كتبه، وكان أبوه وأخوه اسماعيليين، وقد تتلمذ على كتب أرسطو، واستفاد من الفارابي كثيراً في فهمها ومعرفتها. توفي سنة 428هـ. انظر: فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب (ص 53) .
الشفا (1/354) ، الرسالة العرشية ص 16، 22، موسوعة الفلسفة (1/48-49) .
معنى السلب: أي يقال ليس بجاهل ولا عاجز ولا ميت.
الإضافة: بالنسبة إلى ما هو سبب فيه وهي عندهم جميع صفات الأفعال مثل خالق وبارئ ومصور، فهي مضافة إليه على اعتبار أنه سبب فيها وليس أنه فاعلها.
المركب منهما مثل المريد والقادر، فإنهما مركبان من العلم الذي هو عندهم العقل والإضافة الذي هو سبب في وجوده كالخلق والرزق. انظر: هذه التعريفات في الرسالة العرشية (ص54) .
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله المدني. زين العابدين. كان مع أبيه الحسين رضي الله عنه حين قتل، إلا أنه سلم. قال الزهري: ما رأيت أحداً كان أفقه منه، ولكنه كان قليل الحديث. توفي سنة 94هـ، وقيل: بعدها. انظر تهذيب التهذيب (7/304) .
محمد بن علي بن الحسين، أبو جعفر. قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، وليس يروي عنه من يحتج به. وذكره النسائي في فقهاء أهل المدينة من التابعين. وسئل عن أبي بكر وعمر، فقال: ما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما. توفي سنة 118هـ. انظر تهذيب التهذيب (9/350) .(6/174)
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الهاشمي، المدني. قال الساجي: كان صدوقاً مأموناً. إذا حدث عنه الثقات فحديثه مستقيم. وقيل له: إن جاراً لي يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر، فقال جعفر: برىء الله من جارك. والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر. توفي سنة 148هـ. انظر تهذيب التهذيب (2/103) .
إسماعيل بن جعفر بن محمد. يعرف بالأعرج، كان أكبر ولد أبيه، ومات في حياة أبيه سنة 133هـ، ودفن بالبقيع. انظر: الشجرة الزكية في الأنساب وسير آل بيت النبوة ص428.
محمد بن إسماعيل بن جعفر الهاشمي. إمام عند القرامطة، وعند الدروز أول الأئمة المستورين، وكانت وفاته نحو 198هـ. انظر: فرق الشيعة ص72-74، الأعلام للزركلي (6/34) . والرافضة الاثنا عشرية تعرض عن إسماعيل وابنه محمد، ويجعلون الإمام بعد جعفر ابنه موسى الكاظم. انظر: أصول مذهب الشيعة،1/104،105.
انظر: فرق الشيعة للنوبختي ص 68، الملل والنحل للشهرستاني (1/191) ، أديان وفرق (ص 144) ، فرق معاصرة
(1/310) .
أحمد حميد الدين الكرماني، من أصل فارسي من مدينة كرمان، تلقى علومه في المدارس الإسماعيلية، يلقب بحجة العراقيين. توفي بعد سنة 412هـ. انظر معجم الأعلام (ص 49) .
راحة العقل (ص 130) .
راحة العقل (ص 147) .
إبراهيم بن الحسن الهمداني الحامدي، أحد دعاة الإسماعيلية وعلمائها في اليمن، توفي سنة 557 هـ، الأعلام (1/36) .
نقلاً عن: الحركات الباطنية في العالم الإسلامي (ص 85) .
لم أقف له على ترجمة.
الكافية ضمن ثلاث رسائل إسماعيلية لعارف تامر (ص 25) .
منصور بن نزار. من خلفاء الدولة الفاطمية. تولى الخلافة وعمره أحد عشر عاماً في القاهرة، وتوفي وعمره ست وثلاثون سنة، وذلك عام 411هـ، بعد أن دعا إلى تأليه نفسه. انظر الأعلام (7/305) .
انظر: موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب والأحزاب ص344، عقيدة الدروز عرض ونقد ص121.
هكذا في المطبوع، ولعلها " ولا مستقبل"
أضواء على مسلك التوحيد ص71.(6/175)
انظر في ذلك: الرد على المنطقيين ص364.
انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/326، بمعناه.
انظر: نهاية الأقدام في علم الكلام ص 128، غاية المرام في علم الكلام ص 9.
صحيح مسلم، كتاب الإيمان (1/388) ، بشر ح النووي.
انظر ص 378.
انظر ص 379.
انظر: التعريفات ص137.
انظر المراجع في ذلك في الدراسة الأولى " قول الفلاسفة الوثنيين في التوحيد عرض ونقد في ضوء مذهب السلف ".
موسوعة الفلسفة (1/306 - 307) .
المرجع السابق (2/304) ، وانظر تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام ص98.
انظر تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام ص149.
انظر: موسوعة الفلسفة 2/104-106، تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام 149-152.
الشفا لابن سينا (1/402-406) ، وانظر: موسوعة الفلسفة (1/50) .
انظر: في سبيل موسوعة فلسفية (ص 47) .
الشفا (1/407) .
في سبيل موسوعة فلسفية (ص 48) .
الشفا (1/415) .
في سبيل موسوعة فلسفية (ص 43) .
راحة العقل (ص 176) .
المصدر السابق (ص 181) .
المصدر السابق (ص 197) .
راحة العقل (ص 159) .
تحفة المستجيبين لأبي يعقوب السجستاني (ص 13-14) ضمن مجموعة ((ثلاث رسائل إسماعيلية)) .
ضمن مجموعة ((ثلاث رسائل إسماعيلية)) (ص 25-26) .
انظر: اخوان الصفا لمصطفى غالب (ص 49-54) .
إخوان الصفا (ص 68) .
المرجع السابق (ص 91) . وانظر: الحركات الباطنية في الإسلام (ص 179-180) .
أضواء على مسلك التوحيد ((الدرزية)) (ص 81-83) .
أضواء على مسلك التوحيد (ص 83-84) .
سبق أن رددنا على دعوى الفلاسفة في الدراسة الأولى.
مجموع الفتاوى (11/6، 16) ، الرسالة القشيرية (ص 126) ، فرق معاصرة (2/578) .
الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الحزاز، أبو القاسم الصوفي، شيخ الصوفية في زمانه. توفي سنة 297هـ. الأعلام (2/141) .
الحسين بن منصور الحلاج. قتل ببغداد في دعوى الحلول سنة 309هـ. الأعلام (2/260) .
محمد بن سليمان بن محمد الحنفي، أبو سهل الصعلوكي، فقيه شافعي. توفي في نيسابور سنة 369هـ. الأعلام
(6/149) .(6/176)
الرسالة القشيرية (ص 126-128) ، التصوف المنشأ والمصادر (ص 20-35) .
انظر: كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم، فتح الباري (1/165) .
أبو نضرة المنذر بن مالك بن قطعة البصري. قال ابن حجر: ثقة. توفي سنة 109هـ. التقريب ص347.
ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (1/399) ، وأخرجه ابن سعد في الطبقات مختصراً (3/499) .
مجموع الفتاوى (11/6-19) .
السري السقطي: هو خال الجنيد، متقدم من زهاد الصوفية. توفي سنة 253هـ.
انظر: تاريخ بغداد 9/192، الرسالة القشيرية ص10..
سهل بن عبد الله التستري. متوفى سنة 283هـ. انظر: الرسالة القشيرية ص15.
انظر في المراحل كتاب الصوفية نشأتها وتطورها (ص 20) .
انظر: الموسوعة الصوفية، عبد المنعم الحفني ص128.
اللمع لأبي سراج الطوسي ص382 نقلاً عن تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي ص485.
محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي الملقب بالشيخ الأكبر، فيلسوف توفي سنة 638هـ. الأعلام (9/281) .
عمر بن علي بن مرشد الحموي المصري ابن الفارض، أشعر المتصوفين، توفي سنة 632هـ. الأعلام (5/55) .
انظر: مصرع التصوف (ص 64) ، وهذه هي الصوفية (ص 29) .
هذه هي الصوفية (ص 174-175) .
هذا كلامه على حديث ((حبب إلي من دنياكم النساء والطيب)) .
فصوص الحكم (ص 217) .
فصوص الحكم (1/90) .
المصدر السابق (1/130) .
المصدر السابق (1/200) .
عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس مغرب (ص 28) .
عنقا مغرب (ص 29) ، ويلاحظ أنه في هذا الكتاب قد ألغز ألغازاً شديداً وحجب المقصود تحت عبارات تلاعب فيها ساتراً لعقيدته مرة وملوحاً بها أخرى.
عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن سبعين الأشبيلي،من الفلاسفة القائلين بوحدة الوجود متوفى سنة 669هـ. الأعلام (3/280) .
نقلاً عن بغية المرتاد لشيخ الإسلام (ص 419) .
عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي مكثر من التصنيف، متصوف توفي سنة 1143هـ. الأعلام (4/32) .(6/177)
محمد بن فضل الله البرهابنوري الهندي، صوفي من القائلين بوحدة الوجود، توفي سنة 1029هـ في الهند. الأعلام
(6/331) .
القول المتين في بيان توحيد العارفين (ص 4) .
سبق ذكر أقوالهم والرد عليها في الدراسة الأولى.
هكذا فهمتها من كلامه مع شدة انغلاق عبارته وإلغازه.
كلام غير ظاهر المعنى وإنما أراد منه إثبات أن الحقيقة المحمدية قطعة منه سبحانه ومنها أوجد العالم أو ظهر في العالم.
عنقا مغرب (ص 33-45) .
عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي صوفي من دعاة وحدة الوجود توفي سنة 832هـ. الأعلام (4/50) .
القول المتين في بيان توحيد العارفين (ص 11-17) .
يقصد أسماء الله تعالى.
يقصد أن يظهر لأسماء الله وصفاته ذات.
هكذا في المطبوعة ويبدو أنها (فعندما) .
عنقا مغرب (ص 35) .
المصدر السابق.
فصوص الحكم (1/103) .
المصدر السابق (ص 204) .
محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف القونوي الرومي صدر الدين صوفي ربيب ابن عربي توفي سنة 673هـ. الأعلام (6/30) .
نقل هذا عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في بغية المرتاد (ص 410) .
سليمان بن علي بن عبد الله الكرمي التلمساني يتبع طريقة ابن عربي، توفي سنة 690هـ. الأعلام (3/130) .
نقلاً عن بغية المرتاد ص 419-421.
مصرع التصوف ص 64، هذه هي الصوفية ص 29-30. وقد سبق أن ذكرنا الأبيات من قبل عند ذكر مراحل التصوف.
عامر بن عامر أبو الفضل عزالدين. صوفي متشيع، كان يعيش في القرن الثامن الهجري. انظر: الموسوعة الصوفية ص281.
هذه هي الصوفية (57) .
القول المتين في بيان توحيد العارفين (ص 5،9) .
أكسينوفان القولوفوني. فيلسوف يوناني، كان نحو 570-480ق. م. انظر: موسوعة الفلسفة والفلاسفة (1/176) .
برمنيدس الإلياني. فبلسوف يوناني، له قصيدة في الطبيعة ادعى فيها التوحيد المطلق، وعدم التغير، وأزلية كل شيء. كان نحو 540-450ق. م. المنجد ص127.(6/178)
الرواقيون: نسبة إلى الرواق الذي اتخذه زينون مقراً له يجتمع فيه مع أصحابه في أثينا، فسموا رواقيين. والرواقية فلسفة خلقية، ومن قولهم القول بوحدة الوجود. انظر: الموسوعة الفلسفية ص214.
أفلاطون. ولد نحو 427، وتوفي نحو 347ق. م. من مشاهير فلاسفة اليونان،وهو تلميذ سقراط، ومعلم أرسطو. الموسوعة الفلسفية ص52، والمنجد في الأعلام ص54.
أرسطوطاليس. ولد نحو 384، وتوفي نحو 322ق. م. وهو أشهر فلاسفة اليونان، وأكثرهم تأثيراً فيمن بعدهم، وهو مربي الإسكندر المقدوني، وتلميذ أفلاطون.
انظر: الموسوعة الفلسفية ص35، والمنجد في الأعلام ص34.
أفلوطين.ولد نحو 205م، وتوفي 270م، وهو فيلسوف مصري، متأثر بأفلاطون، وتعزى إليه مع آخرين الأفلاطونية الحديثة، وكان يسعى في فلسفته للتوفيق بين المعتقدات الدينية النصرانيةوالفلسفة اليونانية، وكان له تأثير كبير على النصرانية.الموسوعة الفلسفية ص57، والمنجد في الأعلام ص56.
انظر الدراسة الأولى " قول فلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية " ص384.
انظر ما سبق ص 387.
انظر فصوص الحكم (ص 201، 210، 212) .
ختم الولاية دعوى ادعاها الحكيم الترمذي،وادعاها لنفسه ابن عربي وغيره من الكذبة وهي أنه كما للأنبياء خاتم فللأولياء خاتم يأخذ علمه من المشكاة التي يأخذ منها خاتم الأنبياء، وهم يفضلون ختم الولاية على ختم النبوة. انظر: فصوص الحكم (2/30) ، هذه هي الصوفية (ص 127) .
كما يدعي ابن عربي في كتابه الفصوص (ص 47) حيث يزعم أن الرسول هو الذي أعطاه كتاب الفصوص في المنام، وأمره أن يخرجه للناس، ثم زعم (ص 56) أن الله أطلعه في سره على ما أودع في آدم عليه السلام وجعل ذلك في كتابه الفصوص حسب ما حُدَّ له.
المصادر والمراجع
أديان وفرق. أمين القضاة. ط1. عمان: دار عمار /1411هـ.(6/179)
اصطلاحات الصوفية. عبد الرزاق أحمد القاشاني. تحقيق: محمد كمال إبراهيم. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب /1961م.
أصول مذهب الشيعة. ناصر عبد الله القفاري. ط2 /1415هـ.
أضواء على مسلك التوحيد. سامي نسيب مكارم. بيروت: دار صادر /1966م.
الأعلام. خير الدين الزركلي.ط8. بيروت: دار العلم /1989م.
البداية والنهاية. الجافظ ابن كثير. تحقيق: أحمد عبد الوهاب قدح. دار زمزم/1414هـ بغية المرتاد. ابن تيمية. تحقيق: موسى الدويش. ط1. مكتبة العلوم والحكم / 1408هـ
تاريخ بغداد. أبو بكر أحمد البغدادي. بيروت: دار الكتب.
تاريخ الفكر الفلسفي. محمد أبو ريان. ط2. بيروت: دار النهضة العربية /1976م.
تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام.د. مصطفى شاهين. الفجالة. دار الثقافة والنشر.
تاريخ الفلسفة في الإسلام. ت. ج.دي بور عربه: محمد أبو ريدة.ط5.دار النهضة.
تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب. محمد لطفي جمعة. المكتبة العلمية.
التصوف المنشأ والمصدر. إحسان إلهي ظهير.ط1. إدارة ترجمان السنة /1406هـ.
تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي. محمد أحمد لوح. ط1. الرياض: دار الهجرة.
التعرف لمذهب أهل التصوف. أبو بكر محمد الكلاباذي. تقديم: محمود أمين النواوي. ط2. الكليات الأزهرية /1400هـ.
التعريفات. علي بن محمد الجرجاني. ط1. بيروت: دار الكتب /1403هـ.
ثلاث رسائل إسماعيلية. تحقيق: عارف تامر. ط1. دار الآفاق الجديدة /1403هـ.
الحركات الباطنية في العالم الإسلامي. محمد أحمد الخطيب.ط1. عمان: مكتبة الأقصى.
دراسات في الأديان. سعود بن عبد العزيز الخلف.ط1. المدينة: مكتبة العلوم والحكم.
راحة العقل. أحمد حميد الدين الكرماني. مصطفى غالب. ط2. بيروت: دار الأندلس.
الرد على المنطقيين. ابن تيمية. ط4. مكة: المكتبة الإمدادية /1402هـ.(6/180)
الرسالة العرشية (ضمن مجموعة رسائل ابن سينا) . ط: حيدر أباد /1354هـ.
الرسالة القشيرية. عبد الكريم القشيري. بيروت: دار الكتاب العربي.
الشجرة الزكية في الأنساب وسيرة آل بيت النبوة. يوسف جمل الليل. الرياض: دار الحازمي للطباعة والنشر.
الشفا. ابن سينا. تحقيق: إبراهيم مدكور. وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر.
الصوفية نشأتها وتطورها. محمد العبده، طارق عبد الحليم.ط1. دار الأرقم: 1406هـ
عقيدة الدروز عرض ونقد. محمد أحمد الخطيب. ط3. الرياض: دار عالم الكتب.
عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس مغرب. ابن عربي. الناشر: محمد علي صبيح.
فرق الشيعة. النوبختي. تحقيق: عبد المنعم الحفني. ط1. دار الرشاد /1412هـ.
فرق معاصرة. غالب عواجي. ط1. مكتبة لينة /1414هـ.
فصوص الحكم. محي الدين بن عربي. ط2. دار الكتاب العربي /1400هـ.
القول المتين في بيان توحيد العارفين. عبد الغني النابلسي. الناشر: محمد علي صبيح.
مصرع التصوف. برهان الدين البقاعي. ت: عبد الرحمن الوكيل. مكتبة الباز /1400هـ.
معجم البلدان. شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت الحموي.بيروت: دار صادر / 1404هـ
معجم الحضارات السامية. هنري.س. عبودي. ط2. لبنان: جروس برس /
1411هـ.
الملل والنحل. الشهرستاني.تحقيق: محمد سيد كيلاني. بيروت: دار المعرفة.
الموسوعة الصوفية. عبد المنعم الحفني. ط1. دار الرشاد /1412هـ.
موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب والأحزاب. عبد المنعم الحفني. ط2. القاهرة: مكتبة مدبولي /1999م.
هذه هي الصوفية. عبد الرحمن الوكيل. ط3. بيروت: دار الكتب /1399هـ.(6/181)
حكم
نقض الوضوء بأكل لحم الإبل
د / علي بن محمد الأخضر العربي
الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية - كلية التربية
فرع جامعة الملك عبد العزيز - بالمدينة
ملخص البحث
يبين البحث أن الفقهاء اختلفوا في كون أكل لحم الإبل ناقضاً للوضوء على قولين:
... الأول: يرى أن أكل لحم الإبل ناقض للوضوء، وهو قول الظاهرية، والمعتمد عند الحنابلة، وإليه ذهب الإمام الشافعي في القديم، واختاره بعض فقهاء المالكية كابن العربي وبعض فقهاء الشافعية كابن خزيمة وأبي ثور وابن المنذر والبيهقي والنووي.
... الثاني: يرى أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، والشافعية - في الصحيح عندهم -، والزيدية.
وبعد استعراض أدلة كل فريق بالتفصيل وماورد عليها من مناقشات وردود تبين للباحث رجحان أدلة القائلين بأن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، وعليه فإن القول الراجح في المسألة هو القول بالنقض.
• • •
مقدمة البحث:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، قائد الغر المحجلين، وبعد فهذا بحث عن حكم (نقض الوضوء بأكل لحم الإبل) ، جمعت فيه آراء الفقهاء في هذه المسألة، وكذلك أدلتهم ومناقشاتهم وردودهم بغية الوصول إلى القول الراجح.
وتنبع أهمية الموضوع من أن الوضوء الطهور، (والطهور شطر الإيمان) كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام (1) .
وقد قسمت البحث إلى تمهيد ومبحثين وخاتمة:
التمهيد: في معنى الوضوء والنقض والإبل.
المبحث الأول: في رأي القائلين بالنقض وأدلتهم، وفيه مطلبان:
... ... المطلب الأول: في رأي القائلين بالنقض.
... ... المطلب الثاني: في أدلة القائلين بالنقض.
المبحث الثاني: في رأي القائلين بعدم النقض وأدلتهم، وفيه مطلبان:
... ... المطلب الأول: في رأي القائلين بعدم النقض.
... ... المطلب الثاني: في أدلة القائلين بعدم النقض.(6/182)
الخاتمة: في بيان القول الراجح وأسباب ترجيحه.
وآخراً أرجو من الله العلي القدير أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعفو عن زلاتنا، ويجبر تقصيرنا، إنه على كل شيء قدير، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تمهيد: في معنى الوضوء والنقض والإبل
- في معنى الوضوء:
الوضوء في اللغة (1) مشتق من الوضاءة وهي النظافة والحسن، وهو بضم الواو اسم للفعل، وبالفتح اسم للماء الذي يتوضأ به، وفي قول عند أهل اللغة فتح الواو فيها، وفي آخر ضم الواو فيهما، والأول هو المشهور، والأخير هو أضعفها وأما في الاصطلاح الشرعي فسنكتفي بذكر تعريف واحد في كل مذهب:
الحنفية:
الوضوء (هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس) (2) .
المالكية:
الوضوء (غسل أعضاء مخصوصة على وجه مخصوص) (3) .
الشافعية:
الوضوء (أفعال مخصوصة مفتتحة بالنية) (4) .
الحنابلة:
الوضوء (استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة وهي الوجه واليدين والرأس والرجلان، على صفة مخصوصة) (5) .
- في معنى النقض:
النقض في اللغة (6) إفساد الشيء بعد إحكامه، تقول: نقضت البناء إذا هدمته ونقضت الحبل إذا حللت برمه، ومن المجاز استعماله في المعاني كنقض العهد والوضوء.
وأما في الاصطلاح الشرعي فالفقهاء متفقون على معنى نقض الوضوء وإن اختلفت عباراتهم، وهذا بعض منها:
الحنفية: قال الإمام الخوارزمي في الكفاية (7) - تحت عنوان [فصل في نواقض الوضوء]-:
( ... والنقض متى أضيف إلى الأجسام يراد به إبطال تأليفها، ومتى أضيف إلى غيرها يراد به إخراجه عما هو المطلوب منه ... والمطلوب هنا من الوضوء استباحة الصلاة) .
المالكية: قال الإمام البناني في حاشيته على الزرقاني (8) :
(نقض الوضوء: رفع استمرار حكمه) .
الشافعية: قال الإمام الأنصاري في أسنى المطالب (9) :
(نواقض الوضوء يعني ما ينتهي به الوضوء) .(6/183)
الحنابلة: قال الإمام ابن مفلح في المبدع (1) :
(النواقض جمع ناقضة ... يقال: نقضت الشيء إذا أفسدته، فنواقض الوضوء مفسداته) .
قلت: ويعبر بعض الفقهاء (2) عن النواقض بالموجبات أو المفسدات أو المبطلات أو الأحداث، واختلفوا في أي هذه الألفاظ أولى من الآخر (3) .
في معنى الإبل:
الإبل: بكسر الباء الجمال والنوق، لا واحد لها من لفظها؛ وهي مؤنثة لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لازم لها؛ وربما قالوا للإبل إبْل يسكنون الباء للتخفيف، والجمع آبال (4) .
القائلون بالنقض:
ذهب الظاهرية (5) ، والحنابلة في المعتمد (6) عندهم، والشافعي في القديم (7) ، إلى أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، وهو قول محمد بن إسحاق (8) ، وأبي خيثمة زهير بن حرب (9) ويحي بن يحي النيسابوري (10) ، وإسحاق بن راهويه (11) ، واختاره من الشافعية ابن خزيمة (12) ، وأبو ثور (13) ، وابن المنذر (14) ، والبيهقي (15) ، والنووي (16) ، ومن المالكية ابن العربي (17) .
قال الإمام الخطابي في معالم السنن (18) (.. ذهب عامة أصحاب الحديث إلى إيجاب الوضوء من أكل لحم الإبل) .
أدلة القائلين بالنقض:
الدليل الأول:
ما أخرجه الإمام مسلم (19) – وغيره (20) – في صحيحه بسنده عن جابر بن سمرة (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحم
الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ، قال: أتوضأ من لحم
الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحم الإبل، قال أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا) .
الدليل الثاني:
ما أخرجه الإمام أبو داود (21) – وغيره (22) – في سننه بسنده عن البراء بن عازب قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحم(6/184)
الإبل، فقال: توضؤوا منها، وسئل عن لحم الغنم فقال: لا تتوضؤوا منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها، فإنها بركة) .
درجة الحديثين: هذان الحديثان صحيحان كما نص على ذلك أهل العلم بالحديث وإليك بعض أقوالهم.
1 – قال الإمام أحمد بن حنبل: (فيه حديثان صحيحان، حديث البراء وحديث جابر بن سمرة) (1) .
2 – قال الإمام إسحاق بن راهويه: (صح في هذا الباب حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث البراء وحديث جابر بن سمرة) (2) .
3 – قال الإمام أبو بكر محمد خزيمة في صحيحه (3) عقب حديث جابر بن سمرة:
(لم نر خلافاً بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل) ، وقال عقب حديث البراء: (… ولم نر خلافاً بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر أيضا صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه) (4) .
4 – قال الإمام أبو بكر ابن المنذر في كتابه الأوسط (5) : (والوضوء من لحوم الإبل يجب، لثبوت هذين الحديثين وجودة إسنادهما) .
5 – قال الإمام البيهقي في معرفة السنن والآثار (6) : (.. وقد صح فيه حديثان عند أهل العلم بالحديث: أحدهما جابر ن سمرة …. والحديث الآخر حديث البراء بن عازب) .
قلت: وقد صحح أحاديث النقض غير هؤلاء الأئمة ابن حبان (7) ، والنووي (8) ، وابن العربي المالكي (9) ، وابن تيمية (10) ، وابن القيم (11) ، والألباني (12) ، وغيرهم.
وجه الدلالة (13) :
إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، والأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف – كما هو مقرر عند عامة الأصوليين (14) - وإنما يجب الوضوء عند الانتقاض.
ونوقش هذا الدليل بالمناقشات التالية:
المناقشة الأولى:(6/185)
إن الدليل منسوخ بما أخرجه أبو داود في سننه (1) بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلي الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) .
قال الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار (2) :
(… وقد روينا في الباب الأول في حديث جابر أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار، فإذا كان ما تقدم منه هو الوضوء مما مست النار، وفي ذلك لحوم الإبل وغيرها، كان في تركه ذلك ترك الوضوء من لحوم الإبل) .
وقال الإمام النووي في المجموع (3) :
(وأجاب الأصحاب عن حديث جابر بن سمرة والبراء بجوابين أحدهما أن النسخ بحديث جابر كان آخر الأمرين …) .
وقال ابن قاسم في حاشيته على تحفة المحتاج (4) :
(… الجواب الشافي وهو جواب الأصحاب بنسخهما بحديث جابر وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) .
وقال في المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (5) :
(… وأقوى أجوبة القائلين بعدم النقض الجواب بالنسخ …) .
وردت هذه المناقشة بالآتي:
الرد الأول: إن النسخ في أصل المسألة (نسخ الوضوء مما غيرت النار) غير مسلم به، يقول العلامة ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين (6) :(6/186)
(… أُمِرْنا بالوضوء مما مست النار إما إيجاباً منسوخاً وإما استحباباً غير منسوخ، وهذا الثاني أظهر لوجوه منها: أن النسخ لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع بين الحديثين، ومنها أن رواة أحاديث الوضوء بعضهم متأخر الإسلام كأبي هريرة، ومنها أن المعنى الذي أمرنا الوضوء لأجله منها هو اكتسابها من القوة النارية وهي مادة الشيطان التي خلق منها والنار تطفأ بالماء، وهذا المعني موجود فيها، وقد ظهر اعتبار نظيره في الأمر بالوضوء من الغضب، ومنها أن أكثر ما مع من ادعى النسخ أنه ثبت في أحاديث صحيحة كثيرة أنه صلى الله عليه وسلم أكل مما مست النار ولم يتوضأ، وهذا إنما يدل على عدم وجوب الوضوء لا على عدم استحبابه، فلا تنافي بين أمره وفعله، وبالجملة فالنسخ إنما يصار إليه عند التنافي، وتحقق التاريخ، وكلاهما منتف) .
الرد الثاني: إن النسخ لا يتحقق عند العلماء إلا بشروط من أهمها تحقق تأخر الناسخ عن المنسوخ، وتعارض الناسخ مع المنسوخ، وهذان الشرطان غير متحققين في مسألتنا.
أما الشرط الأول وهو تأخر الناسخ عن المنسوخ فهو غير متحقق للآتي:
1 - لم يأت دعاة النسخ بدليل على تأخر حديث جابر بن عبد الله
(كان آخر الأمرين …) عن حديث جابر بن سمرة وغيره (توضؤوا من لحم الإبل …) … فهل يثبت تأخر الناسخ عن المنسوخ بمجرد الدعوى؟ .
2 - إن الدليل المدعى نسخه نفسه يدل على عدم صحة الدعوى، يوضح ذلك الإمام ابن قدامة في المغني (1) بقوله:(6/187)
(الأمر بالوضوء من لحوم الإبل متأخر عن نسخ الوضوء مما مست النار أو مقارن له بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحم الإبل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم وهي مما مست النار، فإما أن يكون النسخ حصل بهذا النهي، وإما أن يكون بشيء قبله، فإن كان به والأمر بالوضوء من لحوم الإبل مقارن لنسخ الوضوء مما غيرت النار، فكيف يجوز أن يكون منسوخاً به؟ ومن شروط النسخ تأخر الناسخ، وإن كان الناسخ قبله لم يجز أن ينسخ بما قبله) .
وأجيب باحتمال أن يكون حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما جاء أولاً فأمروا بالوضوء من لحوم الإبل ثم أمروا بعد ذلك بالوضوء مما مسته عموماً ثم نسخ ذلك بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وما شابهه (1) .
ورد بأن النسخ لا يبنى على الاحتمالات بل من شروطه كما ذكرنا العلم بتأخر الناسخ عن المنسوخ.
وأما الشرط الثاني وهو التعارض بين الناسخ والمنسوخ فغير متحقق للآتي:
أولاً: إن الدليل المدعى فيه النسخ (توضؤوا من لحوم الإبل …) يقرر نفس ما يقرره الدليل الناسخ – عندكم – وهو أن الوضوء مما مست النار غير واجب، وذلك لأن في حديث الوضوء من لحم الإبل (وسئل عن لحوم الغنم فقال: لا تتوضؤوا منها) وفي الرواية الأخرى (أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ) .
أما إيجاب الوضوء من لحم الإبل فهذا أمر آخر لا يتعلق بأكل ما مست النار بل هو متعلق بذات لحم الإبل وعينه، فالحديث علق الوجوب بذات لحم الإبل (أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل) أي أن الحديث جعل أكل لحم الإبل ذاته سبباً في إيجاب الوضوء، ولذلك فإنه ينقض الوضوء مطبوخاً (مسته النار) ونيئاً (لم تمسه النار) . (2)
ورد بأن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل محمول على أكله مطبوخاً – ما غيرته النار – لأنه الغالب المعهود (3) ، والوضوء مما غيرته النار منسوخ كما ذكرنا.(6/188)
وأما قولكم إن لحم الإبل هو الموجب للوضوء سواء غيرته النار أم لم تغيره فلا يسلم به لأنه يلزم منه أن يجعل الدليل شاملاً للأكل والمس أيضاً، فلحم الإبل كما أنه غير مقيد بكونه مطبوخاً فانه غير مقيد بالأكل، فإذا جعلتموه شاملاً للمطبوخ والنيء لزم أن تجعلوه شاملاً للأكل والمس، ولم يقل أحد بنقض الوضوء من مس لحم الإبل (1) .
وأجيب بالآتي:
1 - إن الدليل جاء بصيغة العموم (فتوضأ من لحوم الإبل) إذ هو جمع أضيف إلى معرفة (2) ، وهذا يقتضي أن يعم كل لحم للإبل سواء كان مطبوخاً أو غير مطبوخ.
2- إذا سلمنا أن الغالب المعهود في أكل لحم الإبل أن يكون مطبوخاً فان سياق الدليل اشتمل على قرينة تخرجه عن الغالب المعهود، ألا وهي أن لحم الغنم مثل لحم الإبل، أي أن الغالب المعهود في أكله أن يكون مطبوخاً، وقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء من لحم الإبل ولم يأمر به من لحم الغنم فكان هذا قرينة على أن سبب الأمر بالوضوء من لحم الإبل هو ذات اللحم وعينه لا كونه مطبوخاً مسته النار وإلا لكان هو ولحم الغنم سواء في الحكم لاشتراكهما في مسيس النار.
3 - الإلزام بجعل الدليل شاملاً للمس كما هو شامل للأكل بحجة أنه غير مقيد بالأكل قياساً على جعله شاملاً للنيء والمطبوخ بحجة أنه غير مقيد بالطبخ غير مسلم به لأمرين.
أ – ما تقرر في الأصول (3) من أن الأعيان لا توصف بالحل والحرمة والوجوب.. وإنما يوصف الفعل المتعلق بها، فإذا وصفت بذلك أضيف الوصف إلى الفعل المتعلق بها عادة وعرفاً، كما قي قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم ((4) أي حرم عليكم نكاحهن، وقوله تعالى (حرمت عليكم الميتة ((5) أي حرم عليكم أكلها، وهكذا.(6/189)
والفعل المتعلق بإيجاب الوضوء من اللحم عادة وعرفاً هو الأكل لا اللمس أو غيره، وهذا ما فهمه عامة علماء المسلمين من الدليل فاختلفوا بين قائل بالنقض من أكل لحم الإبل وقائل بعدم النقض من الأكل لا غيره من اللمس والنظر ونحوه، وهذا ما فهمه عامة الصحابة والمسلمين من حديث (توضؤوا مما مست النار) (1) فاختلفوا بين قائل بالنقض من أكل ما مسته النار وبين قائل بعدم النقض من أكل ما مسته النار (2) .
ب- إننا لم نجعل لحم الإبل شاملاً للنيء والمطبوخ لمجرد أنه غير مقيد بالطبخ كما تقررون بل لما سبق ذكره من العموم والقرينة.
ثانيا: إن الدليل الناسخ – حسب دعواكم – من باب الفعل النبوي (3) ، وقد اختلف الأصوليون في حكاية الصحابي لفعل النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ ظاهره العموم هل تفيد العموم أو لا تفيده؟ على قولين رئيسين:
الأول: تفيد العموم (4) .
الثاني: لا تفيد العموم (5) .
قلت: وعلى أي من هذين القولين فإن التعارض الذي يحوج إلى القول بالنسخ منتف، وإليك تفصيل ذلك.
القول الأول (إفادة العموم)
قال الشيخ محمود السبكي عند شرحه لحديث جابر رضي الله عنه (كان آخر الأمرين..) في كتابه المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (6) .
(.. ولما كان لحم الإبل فرداً مما مسته النار وقد نسخ وجوب الوضوء منه بجميع أفراده فاستلزم نسخ وجوبه من لحم الإبل، فما قاله النووي (7) من أن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص، والخاص مقدم على العام مندفع بأنا لا نسلم أن نسخه لكونه خاصاً، بل لأنه فرد من أفراد العام الذي نسخ، وإذا نسخ العام الذي هو وجوب الوضوء مما مست النار نسخ كل فرد من أفراده ومنه لحم الإبل …) .
وأجيب بأنه لا تعارض من وجهين:
1- إن الأمر بالوضوء من لحم الإبل لذاته وليس لأنه من مما مسته النار ولذا ينقض مطبوخاً ونيئاً كما بينا سابقاً.
يقول الإمام ابن قدامه في المغني (8) :(6/190)
(إن أكل لحوم الإبل إنما نقض لكونه من لحوم الإبل لا لكونه مما مست النار، ولهذا ينقض وإن كان نيئاً، فنسخ إحدى الجهتين لا يثبت به نسخ الجهة الأخرى، كما لو حرمت المرأة للرضاع ولكونها ربيبة، فنسخ التحريم بالرضاع لم يكن نسخاً لتحريم الربيبة) .
2- لو سلمنا جدلاً بأن الأمر بالوضوء من أكل لحم الإبل لكونه مما مسته النار، وسلمنا بالعموم في حديث جابر بن عبد الله رصي الله عنه فإنه لا تعارض يحوج إلى النسخ بل الجمع ممكن لأن دليلكم عام ودليل النقض بلحم الإبل خاص، والخاص يقدم على العام سواء كان قبله أو بعده (1) على رأي جمهور الأصوليين (2) .
قلت: أما ما قاله صاحب المنهل العذب المورود في تعقيبه السابق على الإمام النووي من أن نسخ الوضوء بأكل لحم الإبل ليس لكونه خاصاً بل لكونه فرداً من أفراد العام الذي نسخ فكلام غريب حقاً لأن التخصيص كما يقرر الأصوليون (3) هو إخراج بعض ما كان داخلاً تحت العموم على تقدير عدم المخصص، أو بيان أن بعض مدلول اللفظ غير مراد بالحكم.
وهذا يقتضي إخراج لحم الإبل من أفراد العام (ما مسته النار) الذي حكم فيه بعدم النقض.
القول الثاني (عدم إفادة العموم)
قال العلامة ابن القاسم في حاشيته (4) على تحفة المحتاج - معلقاً على قول صاحب التحفة (5) عندما اعترض على أصحابه الشافعية القائلين بعدم النقض فقال: (ونوزعوا بأن فيه حديثين صحيحين ليس عنهما جواب شاف) -:(6/191)
(أقول هذا ممنوع بل عنهما الجواب الشافي وهو جواب الأصحاب بنسخهما بحديث جابر وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار، وأما اعتراض النووي عليه بأن هذا الجواب ضعيف أمر باطل لأن حديث ترك الوضوء مما مسته النار عام وحديث الوضوء من لحم الجزور خاص والخاص مقدم على العام تقدم أو تأخر اه، فهو اعتراض باطل فإن هذين الحديثين ليسا من العام والخاص اللذين يقدم منهما الخاص مطلقاً، إذ عبارة جابر لم يحكها النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكونا من ذلك، وإنما هي من عند نفسه بين بها ما عرفه من حال النبي صلى الله عليه وسلم وما استقر عليه أمره وذلك صريح في النسخ واطلاعه على تركه عليه الصلاة والسلام الوضوء مما غيرت النار مطلقاً، وهذا في غاية الوضوح
للمتأمل، فجواب الأصحاب في غاية الاستقامة والظهور) .
وأجيب بالآتي:
1- لو سلمنا جدلاً أن حديث جابر بن عبد الله صريح في النسخ فإنما هو نسخ للوضوء من أكل ما مسته النار، وقد ذكرنا سابقاً أن الوضوء من أكل لحم الإبل لذاته لا لكونه مما مسته النار، وهذا ظاهر لأن حديث الأمر بالوضوء من أكل لحم الإبل تضمن عدم وجوب الوضوء من أكل لحم الغنم و ےهو مما مسته النار.
2- إنه ليس في حديث جابر بن عبد الله ما يدل على نسخ الوضوء مما مسته النار صراحة كما تدعون، بل هو قضية عين وحكاية لفعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك في آخر الأمر الوضوء مما مسته النار، وكل ما تدل عليه أن أكل ما مسته النار لا يوجب الوضوء (1) .
يوضح ما قلناه ما ذكره ابن أبي حاتم في كتابه علل الحديث (2) حيث قال:(6/192)
(سألت أبي عن حديث رواه على بن عياش عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: كان آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، فسمعت أبي يقول: هذا حديث مضطرب المتن، إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ولم يتوضأ، وكذا رواه الثقات عن ابن المنكدر عن جابر، ويحتمل أن يكون شعيب حدث به من حفظه فوهم فيه) .
وقد فصل ابن حبان في صحيحه القول في هذا فقال (1) بعد ذكر حديث شعيب بن أبي حمزة السابق:
(هذا خبر مختصر من حديث طويل اختصره شعيب ابن أبي حمزة متوهماً لنسخ إيجاب الوضوء مما مست النار مطلقاً، وإنما هو نسخ لإيجاب الوضوء مما مست النار خلا لحم الجزور فقط) .
ثم عنون ابن حبان بعد ذلك بقوله (2) :
(ذكر الخبر المقتضي للفظة المختصرة التي ذكرناها:
] 1132 [أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا أبو علقمة (3) عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة المديني، قال: حدثني محمد بن المنكدر عن جابر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل طعاماً مما مست النار ثم صلى قبل أن يتوضا، ثم رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل طعاماً مما مسته النار ثم صلى قبل أن يتوضأ)
ثم عنون ابن حبان بعد ذلك في صحيحه (4) فقال:
(ذكر البيان بأن هذا الطعام الذي لم يتوضأ صلى الله عليه وسلم من أكله كان لحم شاة لا لحم إبل.
] 1134 [أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال حدثنا الحسن بن خزعة، قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، قال: حدثنا أيوب (5) عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: دعت امرأة من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاة فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فحضرت الصلاة فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عاد إلى بقيتها فأكلوا، فحضرت العصر فلم يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم …(6/193)
الرد الثالث: إن القرائن التي تحف بالدليل المدعى نسخه تؤكد عدم النسخ ومن ذلك:
1- إن الدليل أمر بالوضوء من أكل لحم الإبل ولم يأمر به في لحم الغنم مع أنه لا فرق بينهما، فلو كان هناك نسخ بسبب مس النار لساوى بينهما. (1)
2- إن الدليل يدل على أن أكل ما مسته النار لا ينقض الوضوء حيث خير النبي صلى الله عليه وسلم السائل في الوضوء من لحم الغنم بين الفعل والترك، وهذا هو نفس ما يدل عليه الدليل الناسخ عندكم، فكيف يكون دليلنا منسوخاً؟ .
3- إن الدليل إذا كان منسوخاً لأنه من باب ما مسته النار – كما تقررون – فإن هذا يقتضي أن ينسخ شطر الحديث – عدم الأمر بالوضوء من لحم الغنم – شطره الآخر - الأمر بالوضوء من لحم الإبل – وهذا غير ممكن.
4- إن الدليل أمر بالوضوء من لحم الإبل مع نهيه عن الصلاة في مباركها في سياق واحد مع ترخصه في ترك الوضوء من لحم الغنم وإذنه في الصلاة في مرابضها، أي أن الإبل اختصت بوصف قابلت به الغنم واستوجبت لأجله فعل التوضؤ وترك الصلاة، وهذا الحكم باق ثابت في الصلاة فكذلك ينبغي أن يكون في الوضوء (2) .
المناقشة الثانية:
إن المراد بالوضوء في الدليل غسل اليدين والفم (الوضوء اللغوي) (3) لما يأتي:
أولا: الجمع بين الأحاديث الدالة على ترك الوضوء مما غيرت النار (4) وبين دليلكم الذي يأمر بالوضوء من أكل لحم الإبل، قال العلامة القرافي في الذخيرة (5) :
(أكل ما مسته النار أو شربه لا يوجب وضوءاً خلافاً لأحمد في لحوم الإبل … لما في الموطأ (6) أنه عليه السلام أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ، وأما الأحاديث الواردة في الوضوء فمحمولة على الوضوء اللغوي جمعاً بين الأحاديث) .
وأجيب بما سبق من أنه لا تعارض بين دليلنا الذي يوجب الوضوء من أكل لحم الإبل وبين الأدلة الدالة على ترك الوضوء مما مستهالنار – كما بينا (7) سابقاً – فلا حاجة للجمع أصلاً.(6/194)
ثانياً: إن إطلاق الوضوء على غسل اليدين استعمال شائع في عرف الشرع، قال في رأب الصدع (1) : (… حديث جابر بن سمرة والبراء متأولان على معنى النظافة ونفي الزهومة … وذلك استعمال شايع في عرف الشرع.
أقول: ولا يلتفت إلى القول بأن الوضوء في عرف الشرع إنما يطلق على غسل جميع أعضاء الوضوء، إذ يطلق في عرف الشرع على غسل اليدين، قال في النهاية (2) : الوضوء قد يراد به غسل بعض الأعضاء) .
ومن الأدلة على هذا الاستعمال (3) ما يلي:
ما أخرجه الترمذي في جامعه (4) بسنده عن عِكْراش بن ذؤيب وفيه (.. ثم أتينا بماء فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه، وقال: يا عكراش هذا الوضوء مما غيرت النار) .
ما أخرجه البيهقي في سننه (5) بسنده عن معاذ بن جبل أنه قال:
(ليس الوضوء من الرعاف والقيء ومس الذكر وما مست النار بواجب فقيل له:
إن أناساً يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: توضؤوا مما مست النار، فقال: إن قوماً سمعوا ولم يعوا، كنا نسمي غسل اليد والفم وضوءاً وليس بواجب، وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين أن يغسلوا أيديهم وأفواههم مما مست النار وليس بواجب) .
ما أخرجه الترمذي في جامعه (6) بسنده عن سلمان الفارسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده) .
ما أخرجه الطبراني في الأوسط بسنده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الوضوء قبل الطعام وبعده مما ينفي الفقر وهو من سنن المرسلين. (7)
ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله (توضؤوا من اللبن فإن له دسما) . (8)
قلت: وقد بحثت عن هذا الحديث بهذا اللفظ في المصادر الحديثية المتوفرة عندي فلم أجده. (9)
... وأجيب بالآتي:
أ- لا يسلم لكم أن إطلاق الوضوء على غسل اليدين استعمال شائع في عرف الشرع لسببين:(6/195)
الأول: الأدلة التي سيقت للدلالة على هذا الاستعمال غير ثابتة كما رأينا فلا حجة فيها.
الثاني: حديثا سلمان ومعاذ رضي الله عنهما ليس فيهما ما يدل على
الدعوى، بل هو استدلال بمكان النزاع، إذ كيف يفسر فيهما الوضوء الذي جاء مطلقاً أن المقصود به الوضوء اللغوي؟ .
وحديث الوضوء من اللبن لم يثبت بلفظ الوضوء بل ثبت كما رأينا عند البخاري وغيره بلفظ المضمضة.
وأما حديثا معاذ وعكراش رضي الله عنهما فهما صريحان في تفسير
الوضوء مما مست النار بالوضوء اللغوي ولكنهما – مع ضعفهما سنداً – يخالفان ما ثبت عن جمع من الصحابة (1) والتابعين وعامة فقهاء الأمة من أن الوضوء مما غيرت النار يقصد به الوضوء الشرعي لا اللغوي. (2)
قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (3) :
(وذهب بعض من تكلم في تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قوله عليه السلام توضؤوا مما مست النار أنه عني به غسل اليد لأن الوضوء مأخوذ من الوضاءة وهي النظافة، فكأنه قال: فنظفوا أيديكم من غمر (4) ما مست النار، ومن دسم ما مست النار، وهذا لا معنى له عند أهل العلم ولو كان كما ظن هذا القائل لكان دسم ما لم تمسه النار، وودك (5) ما لم تمسه النار لا يتنظف منه، ولا تغسل منه اليد، وهذا لا يصح عند ذي لب.
وتأويله هذا يدل على ضعف نظره، وقلة علمه بما جاء عن السلف في هذه المسألة) .
ب- إن إطلاق لفظ الوضوء على الوضوء للصلاة في استعمال الشارع هو من باب الحقيقة الشرعية للآتي:
إنه لفظ استعمل في ما وضع له بوضع الشارع. (6)
إنه هو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق، وهذه علامة
الحقيقة (7) .
إن التأويل – وقد أقرَّبه المخالفون – لا يكون إلا على خلاف الأصل (الوضوء الشرعي) .
قال الإمام الخطابي في معالم السنن (8) :
(… وأما عامة الفقهاء فمعني الوضوء عندهم متأول على الوضوء الذي هو النظافة ونفي الزهومة …) .(6/196)
وإذا كان الوضوء للصلاة من باب الحقيقة الشرعية فإنه عند الإطلاق يصرف إلى المعنى الشرعي لا اللغوي ما لم يوجد دليل يصرفه إلى المعنى اللغوي (1) .
(إنه لا يطلق الوضوء في الشريعة إلا لوضوء الصلاة فقط، وقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إيقاع هذه اللفظة على غير الوضوء
للصلاة، كما رويناه (2) من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء من الغائط وأتى بطعام، فقيل: ألا تتوضأ؟ فقال عليه السلام لم أصلى فأتوضأ) (3) .
ثالثاً- إن النبي عليه السلام لو أراد في الحديث الوضوء للصلاة لقال كما قال (4) : من جامع
ولو يمن فليتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره (5) .
وأجيب بالآتي:
أ- إن قولكم يقتضي أن ما جاء بلفظ الوضوء في الأحاديث النبوية غير مقيد بهذا القيد فانه لا يحمل على الوضوء الذي للصلاة (الشرعي) ، وهذا لا يقول به أحد لأن غالب أحكام الوضوء جاءت في أحاديث مطلقة من القيد السابق.
ب- إن هذا القيد كان منه عليه الصلاة والسلام قبل استقرار وانتشار المعنى الشرعي للوضوء (في أول الإسلام) ، يؤكد ذلك ما أخرجه الإمام ابن خزيمة (6) وغيره بسنده عن أبي بن كعب قال: إن الفتيا التي كانوا يقولون
(الماء من الماء) رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام ثم أمر بالغسل بعدها) .
ج- ما سبق من أن لفظ الوضوء حقيقة شرعية في الوضوء الذي للصلاة فلا يعدل عنه عند الإطلاق إلا بدليل.
رابعاً- إن النبي صلى الله عليه وسلم (قال صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل، وليس ذلك من أجل أن بين الأمرين فرقاً في باب الطهارة والنجاسة لأن الناس على أحد قولين: أما قائل يرى نجاسة الأبوال كلها، أو قائل يرى طهارة بول ما يؤكل لحمه، والغنم والإبل سواء عند الفريقين في القضيتين معاً.(6/197)
وإنما نهى عن الصلاة في مبارك الإبل لأن فيها نفاراً وشراداً لا يؤمن أن تتخبط المصلي إذا صلى بحضرتها أو تفسد عليه صلاته، وهذا المعنى مأمون من الغنم لما فيها من السكون وقلة النفار، ومعلوم أن في لحم الإبل من الحرارة وشدة الزهومة ما ليس في لحوم الغنم، فكان معنى الأمر بالوضوء منه منصرفاً إلى غسل اليد لوجود سببه دون الوضوء الذي هو من أجل رفع الحدث لعدم سببه) (1) .
ويظهر لنا من هذا الدليل ما يلي:
إن النهي عن الصلاة في معاطن الإبل والأمر بها في مرابض الغنم حكم معلل بالسكون في الغنم والنفار في الإبل.
إن الأمر بالوضوء من لحم الإبل – في نفس الدليل – معلل مثله، والعلة فيه شدة الزهومة في لحم الإبل.
إن العلة المذكورة – شدة الزهومة – تصرف الوضوء من معناه الشرعي (الوضوء للصلاة) إلى معناه اللغوي (النظافة) .
وأجب بالآتي:
عدم التسليم بالتعليل في الحكم الأول (النهي عن الصلاة في معاطن
الإبل..) لأن الحكم تعبدي (2) ، يؤكد ذلك ما أخرجه أبو داود في سننه (3) عن البراء بن عازب قال:
(… وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشيطان، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها فإنها بركة) .
لو سلمنا – جدلاً – بالتعليل المذكور في الصورة الأولى فظاهر أن الحكمين تعاكسا لتعاكس العلة، النفار في الإبل والسكون في الغنم، أما الصورة الثانية (الوضوء من لحم الإبل …) فإن الزهومة علة مشتركة بين لحم الإبل والغنم فافترقت الصورتان.
إن جعل إزالة الزهومة علة للأمر بالوضوء اللغوي (النظافة) يرده أن الشارع فرق في الحكم بين لحم الإبل ولحم الغنم فأمر بذلك في لحم الإبل ولم يأمر في لحم الغنم مع أن إزالة الزهومة (النظافة) مطلوبة في الحالين.
يؤكد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه) (4) .(6/198)
ولا يقال إن في لحم الإبل زيادة زهومة على لحم الغنم لأن ذلك لا يوجب اختصاص الإبل الحكم إذ أنه عليه السلام شرب لبناً فمضمض وقال إن له دسماً (1) ، وفي رواية ابن ماجه (2) :
(إذا شربتم اللبن فمضمضوا فإن له دسماً) . (3)
ومن هذا العرض للقرائن الصارفة للوضوء عن معناه الشرعي إلى معناه اللغوي والمناقشات الواردة عليها يتضح لنا ضعف هذه القرائن الصارفة وسقوطها، بل إن الدليل المؤول حفت به قرائن تؤكد إرادة المعنى الشرعي للوضوء وتنفي إرادة المعنى اللغوي، ونجمل هذه القرائن في الآتي:
1- إن راوي الدليل جابر بن سمرة رضي الله عنه فهم منه الوضوء الشرعي وهو أعلم بمعنى ما سمع. (4)
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (5) بسنده عن جابر بن سمرة قال:
(كنا نتوضأ من لحوم الإبل، ولا نتوضأ من لحوم الغنم) .
2- إن الأمر للوجوب ما لم يصرفه صارف، فإذا حمل الوضوء على غسل الفم واليدين اقتضى ذلك وجوبه، ولا قائل به. (6)
3- إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الوضوء في سياق الصلاة مبيناً حكم الوضوء والصلاة في هذين النوعين، والوضوء المقرون بالصلاة هو وضوؤها لا غير. (7)
4- إن السائل إنما جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الوضوء الشرعي لا عن نظافة يديه وفمه بعد أكل لحم الإبل أو الغنم.
5- (إن الأمر بالتوضؤ من لحم الإبل: إن كان أمر إيجاب امتنع حمله على غسل اليد والفم، وإن كان أمر استحباب امتنع رفع الاستحباب عن لحم
الغنم، والحديث فيه أنه رفع عن لحم الغنم ما أثبته للحم الإبل، وهذا يبطل كونه غسل اليد، سواء كان حكم الحديث إيجاباً أو استحباباً) . (8)
المناقشة الثالثة:
إن الأمر في الدليل محمول على الاستحباب، قال الإمام الماوردي في الحاوي (9) الكبير.
(… وهذا الحديث محمول على الاستحباب والإرشاد) .(6/199)
وأجيب بأن ظاهر الأمر الوجوب عند جمهور الفقهاء (1) ، ولا يجوز الخروج عن هذا الظاهر إلا بقرينة صارفة تكون في قوة الظاهر أو أقوى منه، ولم يذكر أصحاب هذا التأويل هذه القرينة الصارفة، فيبقى الأمر على أصله من الوجوب (2) ، بل إن هذا الأمر حفت به قرائن تؤيد الظاهر وتؤكده، وتمنع هذا التأويل، ومن هذه القرائن ما يلي:
1 - إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن حكم الوضوء من لحم الإبل فأجاب بالأمر بالوضوء منه فلا يجوز حمله على غير الوجوب لأنه يكون تلبيساً على السائل لا جواباً (3) .
2 - إن الحكم ذكر في جواب السائل، والحكم في مثل هذا لا يفهم منه إلا الإيجاب، كالوضوء من الصوت والريح ومس الذكر (4) .
3 - إن الدليل فرق بين لحم الإبل ولحم الغنم، والنهي في لحم الغنم إنما أفاد نفي الإيجاب لا التحريم، فيجب أن يكون في لحم الإبل مفيداً للإيجاب ليحصل الفرق (5) .
4 - إن الوضوء مستحب في لحم الغنم – ليخرج من خلاف من قال بوجوب الوضوء مما مست النار – وقد نفاه الدليل في لحم الغنم وأثبته في لحم الإبل، فكيف يحمل الأمر على الاستحباب (6) ؟ .
5 - إن الدليل أثبت صفة في الإبل تقتضي الوضوء، والأصل في الأسباب المقتضية للوضوء أن نكون موجبة (7) .
المناقشة الرابعة:
إن أكل لحم الإبل مما يغلب وجوده فلو جعل حدثاً لوقع الناس في الحرج (8) .
ونوقش الدليل بالآتي:
1 - لا يسلم لكم أن جعل أكل لحم الإبل حدثاً يؤدي إلى الحرج، إذ الواقع ينفي ذلك لأن الإنسان لا يأكل في العادة لحم الإبل (أو غيره من
اللحوم) إلا مرة في اليوم أو مرتين على الأكثر، فإذا توضأ الإنسان بعد ذلك الأكل (مرة أو مرتين) فأين وجه الحرج؟.
2 - إن خروج البول حدثٌ بالإجماع يوجب الوضوء، وهو أكثر وجوداً من أكل لحم الإبل إذ الإنسان عادة ما يتبول أكثر من مرتين في اليوم، ومع ذلك لم يكن ذلك سبباً لإيقاع الناس في الحرج.(6/200)
3 - إن المشقة المعتادة لا تسمى حرجاً، قال الإمام الشاطبي في الموافقات (1) :
(… وأصل الحرج الضيق، فما كان من معتادات المشقات في الأعمال المعتادة فليس بحرج لغة ولا شرعاً) .
وقال أيضاً: (… حيث تكون المشقة الواقعة بالمكلف في التكليف خارجة عن معتاد المشقات في الأعمال العادية، حتى يحصل بها فساد ديني أو دنيوي، فمقصود الشارع فيها الرفع على الجملة … ولذلك شرعت فيها الرخص مطلقاً.
وأما إذا لم تكن خارجة عن المعتاد، وإنما وقعت على نحو ما تقع المشقة في مثلها من الأعمال العادية، فالشارع وإن لم يقصد وقوعها فليس بقاصد لرفعها أيضاً، والدليل على ذلك أنه لو كان قاصداً لرفعها لم يكن بقاء التكليف معها، لأن كل عمل عادي أو غير عادي يستلزم تعباً وتكليفاً على قدره، قلَّ أو
جلَّ، إما في نفس العمل المكلف به، وإما في خروج المكلف عما كان فيه إلى الدخول في عمل التكليف، وإما فيهما معاً، فإذا اقتضى الشرع رفع ذلك التعب كان ذلك اقتضاء لرفع العمل المكلف به من أصله، وذلك غير صحيح، فكان ما يستلزمه غير صحيح) (2) .
المناقشة الخامسة:
إن هذه الأحاديث آخبار آحاد وردت فيما تعم به البلوى ويغلب وجوده ولا يقبل خبر الواحد في مثله (3) .
وأجيب بأن جمهور الفقهاء والأصوليين (4) لا يسلمون بهذه القاعدة بل يرون أن أحاديث الآحاد يعمل بها فيما تغم به البلوى كما يعمل بها في غيره مادامت شروط الصحة قائمة.
إشكال ورده:
والإشكال هو:
أن الأمر في الحديث محمول على الإباحة، لأنه أمر بعد استئذان (5) .
قال العلامة ابن اللحام في كتابه (القواعد والفوائد الأصولية) :
(إذا فرعنا على أن الأمر المجرد للوجوب، فوجد أمر بعد استئذان فإنه لا يقتضي الوجوب، بل الإباحة، ذكره القاضي محل وفاق، قلت: وكذلك ابن عقيل ….(6/201)
إذا تقرر هذا فلا يستقيم قول القاضي وابن عقيل في استدلالهما على نقض الوضوء بلحم الإبل بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم، لما سئل عن التوضي من لحوم الإبل فقال: (نعم، فتوضأ من لحوم الإبل) .
ومما يقوي الإشكال أن في الحديث الأمر بالصلاة في مرابض الغنم، وهو بعد سؤال، ولا يجب بلا خلاف …) (1) .
ثم أجاب ابن اللحام عن هذا الإشكال – بصيغة التمريض – بقوله:
(وقد يقال: الحديث إنما ذكر فيه بيان وجوب ما يتوضأ منه، بدليل أنه لما سئل عن الوضوء من لحوم الغنم قال: (إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا
تتوضأ) مع أن التوضي من لحوم الغنم مباح، فلما خير في لحم الغنم، وأمر بالوضوء من لحوم الإبل دل على أن الأمر ليس هو لمجرد الإذن بل للطلب الجازم، والله أعلم) (2) .
قلت: ويمكن أن يعقب على هذا الإشكال بالتالي:
إن الأصوليين مختلفون في دلالة الأمر (3) بعد الاستئذان فإذا كان بعضهم يذهب إلى الإباحة فإن الكثير منهم يقرر الوجوب (4) .
1 - إن جعل العلامة ابن اللحام الحديث (أتوضأ من لحوم الإبل؟ …) من باب الأمر بعد الاستئذان غير ظاهر لي لأن الاستئذان طلب إباحة الشيء وإجازته، قال في المفردات (5) : (والإذن في الشيء إعلام بإجازته والرخصة فيه) .
وقال في المصباح المنير (6) : (أذنت له في كذا: أطلقت له فعله) .
وقال في لسان العرب (7) (أذن له في الشيء إذنا وأذيناً: أباحه له) .
أقول: وهذا يقتضي – كما هو ظاهر – أن الشيء كان قبل الاستئذان محظوراً على المستأذن، أي أن الأمر بعد الاستئذان هو في معنى الأمر بعد
الحظر، ولذا رأينا الأصوليين يقرنون (8) بين الأمر بعد الاستئذان والأمر بعد الحظر في الحكم.(6/202)
أما ما جاء في الحديث (أتوضأ من لحوم الإبل؟ …) فليس استئذاناً لأنه ليس طلباً للإباحة أو الإطلاق في أمر قد تقرر حظره على السائل قبل، بل هو أمر بعد سؤال السائل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الوضوء من لحم الإبل، والأمر بعد السؤال يقرره مقتضى السؤال أهو عن الوجوب أو الإباحة أو الإجزاء؟ كما قرر ذلك الإمام ابن قدامة (1) في المغني بقوله:
(… ومنها أن السائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يفعل ذلك أم
لا؟ وجوابه يختلف باختلاف مقتضى سؤاله، فإن كان مقتضاه السؤال عن الإباحة فالأمر في جوابه يقتضي الإباحة، وإن كان السؤال عن الاجزاء فأمره يقتضي الاجزاء … وإن كان سؤالهم عن الوجوب فأمره يقتضي الوجوب كقولهم (أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: توضؤوا من لحوم الإبل …) .
القائلون بعدم النقض:
ذهب الحنفية (2) ، والمالكية (3) ، والشافعية في الصحيح (4) عندهم، والزيدية (5) ، إلى أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وهو رواية (6) عن الإمام أحمد، وقول سويد بن غفلة (7) ، ومجاهد (8) ، وعطاء (9) بن أبي رباح،
وطاوس (10) ، وسفيان الثوري (11) ، وإبراهيم النخعي (12) ، والليث بن سعد (13) ، والأوزاعي (14) .
أدلة القائلين بعدم النقض:
الدليل الأول: ما أخرجه الإمام أبو داود (15) – وغيره (16) – في سننه بسنده عن جابر بن عبد الله قال (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترك الوضوء مما غيرت النار) .
درجته: صحح الحديث ابن خزيمة (17) والنووي (18) وأحمد (19) شاكر والألباني (20) .
وجه الدلالة: إن لحم الإبل فرد من أفراد ما غيرت النار، والدليل يدل على نسخ وجوب الوضوء مما غيرت النار لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك في آخر الأمر الوضوء من أكل ما غيرت النار وهذا يستلزم أن لا يكون أكل لحم الإبل ناقضاً للوضوء.(6/203)
قلت: وقد سبق رد دعوى النسخ هذه في المناقشة الأولى وبيان ما أورد على هذا الحديث من إشكال.
الدليل الثاني: ما أخرجه البيهقي في سننه (1) من حديث ابن عباس مرفوعاً: (إنما الوضوء مما خرج وليس مما دخل) .
وجه الدلالة: إن الدليل حصر نواقض الوضوء فيما يخرج من البدن نجساً ولا يوجد ذلك في أكل لحم الإبل لأنه داخل للبدن فلا يكون ناقضاً (2) .
ونوقش الدليل بالآتي:
إن الحديث المرفوع ضعيف من ناحية السند فلا حجة فيه، ولكنه ثبت موقوفاً من قول ابن عباس (3) وغيره.
أ - لو سلمنا جدلاً بصحة الحديث فإنه لا يدل على الدعوى لما يلي:
ب - إن حديث النقض بأكل لحم الإبل أخص منه والخاص يقدم على العام جمعاً بين الأدلة (4) .
ج - إن حديث النقض أصح منه فيجب تقديمه عليه مع افتراض عدم إمكان الجمع (5) .
د- إن الحديث محمول على غير لحم الإبل (6) ، وإنما هو في ترك الوضوء مما غيرت النار، وسياق الحديث في سنن البيهقي يشير إلى ذلك إذ جاء فيه:
(… عن ابن عباس أنه ذكر عنده الوضوء من الطعام … فقال: إنما الوضوء مما خرج وليس مما دخل) (7) ، ولهذا قال الإمام البيهقي في سننه (8) :
(وروينا عن علي بن أبي طالب وابن عباس الوضوء مما خرج وليس مما دخل، وإنما قالا ذلك في ترك الوضوء مما مست النار) .
الدليل الثالث: ما أخرجه البزار في مسنده (9) بسنده عن أبي بكر الصديق أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يتوضأن أحدكم من طعام أكله، حلّ له أكله) (10) .
وجه الدلالة: إن الدليل نفى وجوب الوضوء من مطلق طعام مباح فدخل في ذلك لحم الإبل.
ونوقش الدليل بالآتي:
1 - إن الحديث ضعيف (11) فلا حجة فيه.
2 - إن الدليل – على فرض صحته – عام ودليل النقض بلحم الإبل خاص فيقدم الخاص على العام كما هو مقرر في الأصول.
الدليل الرابع (12) :
إن عدم النقض قول جمهور الصحابة والخلفاء الراشدين الذين أمرنا (13) باتباعهم.(6/204)
ونوقش الدليل بالآتي:
1 - إن هذه دعوى تحتاج إلى دليل، إذ أين النقل الصحيح في ذلك عن جمهور الصحابة والخلفاء الراشدين (1) ؟
2 - إن من نقل ذلك عنهم كالإمام النووي رحمه الله كان واهماً.
... يقول الإمام ابن تيمية في القواعد النورانية (2) .
(… وأما من نقل عن الخلفاء الراشدين أو جمهور الصحابة خلاف هذه المسائل وأنهم لم يكونوا يتوضؤون من لحوم الإبل فقد غلط عليهم، وإنما توهم ذلك لما نقل عنهم أنهم كانوا لا يتوضؤون مما مست النار، وإنما المراد أن كل ما مس النار ليس هو سبباً عندهم لوجوب الوضوء، والذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الوضوء من لحم الإبل ليس سببه مس النار …) .
قال المحدث الألباني في تمام (3) المنة معقباً على ما ذكره ابن تيمية:
(قلت: ويؤيد ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الطحاوي –1/41-، والبيهقي –1/157- رويا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنا أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب أكلا خبزاً ولحماً فصليا ولم يتوضيا، ثم أخرجا نحوه عن عثمان، والبيهقي عن علي.
فأنت تري أنه ليس في هذه الآثار ذكر للحم الإبل البتة، وإنما ذكر فيها اللحم مطلقاً وهذا لو كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجب حمله على غير لحم الإبل دفعاً للتعارض، فكيف وهو عن غيره صلى الله عليه وسلم، فحمله على غير لحم الإبل واجب من باب أولى، حملاً لأعمالهم على موافقة الشريعة لا على مخالفتها، ولذلك أورد الطحاوي والبيهقي هذه الآثار في باب الوضوء مما مست النار …) .
3 - إن الآثار التي رويت عن بعض الصحابة والتي تدل على عدم النقض ضعيفة وهي:
أ- ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفة (4) قال (حدثنا وكيع عن سفيان عن جابر عن أبي سبرة النخعي أن عمر بن الخطاب أكل لحم جزور ثم قام فصلى ولم يتوضأ) ، وهذا إسناد ضعيف (5) .(6/205)
ب- ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (1) قال: (حدثنا وكيع عن شريك عن جابر عن عبد الله بن الحسن أن علياً أكل لحم جزور ثم صلى ولم يتوضأ) وهذا إسناد ضعيف (2) .
ج- ما أخرجه البيهقي في سننه (3) بسنده عن أبي جعفر قال: (أتي ابن مسعود بقصعة من الكبد والسنام ولحم الجزور فأكل ولم يتوضأ، وهذا منقطع موقوف) .
د- ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4) قال (حدثنا عائذ (5) بن حبيب عن يحي (6) بن قيس قال: رأيت ابن عمر أكل لحم جزور وشرب لبن الإبل وصلى ولم يتوضأ) (7) .
4- إن المنقول عن الصحابة رضوان الله عليهم بسنده صحيح خلاف ذلك فقد أخرج ابن شيبة في مصنفه (8) بسند صحيح (9) عن جابر بن سمرة قال: (كنا نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم) .
ومعناه: أي كنا جماعة الصحابة نفعل ذلك، لأن الظاهر أن الضمير يعود للجميع فيدل على فعل الجماعة دون بعضهم، فيكون حجة لأنه إجماع (10) .
قال الإمام الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام (11) :
(إذا قال الصحابي: كنا نفعل كذا، وكانوا يفعلون كذا … فهو عند الأكثر محمول على فعل الجماعة دون بعضهم، خلافاً لبعض الأصوليين.
ويدل على مذهب الأكثر أن الظاهر من الصحابي أنه إنما أورد ذلك في معرض الاحتجاج، وإنما يكون ذلك حجة أن لو كان ما نقله مستنداً إلى فعل الجميع، لأن فعل البعض لا يكون حجة على البعض الآخر، ولا على غيرهم.
فان قيل: لو كان ذلك مستنداً إلى فعل الجميع لكان إجماعاً، ولما ساغ مخالفته بطريق الاجتهاد فيه، حيث سوغتم ذلك دل على عوده إلى البعض دون الكل.
قلنا: تسويغ الاجتهاد فيه إنما كان لأن اضافة ذلك إلى الجميع وقع ظناً لا قطعاً، وذلك كما يسوغ الاجتهاد فيما يرويه الواحد من الألفاظ القاطعة في الدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لما كان طريق اتباعه ظنياً، وإن كان لا يسوغ فيه الاجتهاد عند ما إذا ثبت بطريق قاطع) .(6/206)
الدليل الخامس: القياس على البقر والغنم بجامع أن الجميع حيوان، قال القاضي عبد الوهاب في الإشراف على مسائل الخلاف (1) : (ولأنه حيوان فلم يجب بأكله الوضوء كالبقر والغنم) .
الدليل السادس: القياس على الخبز ونحوه بجامع أنه مأكول، قال القاضي عبد الوهاب في المعونة (2) : (ولأنه مأكول فأشبه الخبز) .
الدليل السابع: القياس على لحم الضأن بجامع أنه لحم، قال الإمام الباجي في المنتقى (3) :
(لحم فلم يجب بأكله وضوء كلحم الضأن) .
وأجيب عن هذه الأقيسة بالآتي:
1 - منع التعليل في الفرع لأن حكمه تعبدي غير معلل، قال الإمام الكلوذاني في الانتصار (4) : (… الطهارة تعبد شرعي لا يعقل معناه فوقف على ما شرعه الشرع فيه) ، وقال الإمام الفتوحي في معونة أولي النهى (5)
(… الصحيح من المذهب أن الوضوء من لحم الإبل تعبدي وعليه الأصحاب) .
2 - لو سلمنا بأن الحكم معلل (6) فإن هذا القياس فاسد لأنه يصادم نصاً خاصاً فلا عبرة به، يقول العلامة ابن القيم في أعلام الموقعين (7) :
(… الشارع فرق بين اللحمين، كما فرق بين المكانين، …… فأمر بالصلاة في مرابض الغنم دون أعطان الإبل، وأمر بالتوضؤ من لحوم الإبل دون الغنم، كما فرق بين الربا والبيع والمزكى والميتة، فالقياس الذي يتضمن التسوية بين ما فرق الله بينه من أبطل القياس وأفسده) .
3- إنه قياس مع الفارق لأن في الفرع (لحم الإبل) قوة شيطانية نارية غير موجودة في الأصل (الخبز ولحم الضأن وغيره من المأكولات المباحة) ، والوضوء يطفئ تلك القوة الشيطانية النارية.
يقول العلامة ابن القيم في أعلام الموقعين (8) :(6/207)
(… وقد جاء أن على ذروة كل بعير شيطان (1) ، وجاء أنها جن خلقت من جن (2) ، ففيها قوة شيطانية، والغاذي شبيه بالمغتذى، ولهذا حرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، لأنها دواب عادية، فالا غتذاء بها يجعل في طبيعة المغتذي من العدوان ما يضره في دينه، فإذا اغتذى من لحوم الإبل وفيها القوة الشيطانية، والشيطان خلق من نار، والنار تطفأ بالماء، وهكذا جاء الحديث، ونظيره الحديث الآخر (3) (إن الغضب من الشيطان فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) ، فإذا توضأ العبد من لحوم الإبل كان في وضوئه ما يطفئ تلك القوة الشيطانية فتزول تلك المفسدة) .
4- إنه قياسي طردي (4) فاسد، قال الإمام ابن قدامة في المغني (5) :
(وقياسهم فاسد، فإنه طردي لا معنى فيه، وانتفاء الحكم في سائر المأكولات لانتفاء المقتضى لا بكونه مأكولاً فلا أثر لكونه مأكولاً (6) ووجوده كعدمه) .
الدليل الثامن:
إن أكل لحم الإبل نوع من الانتفاع به، والانتفاع بلحم الإبل من بيع وغيره لا يوجب الوضوء.
قال القاضي عبد الوهاب في الإشراف (7) : (ولأن الأكل نوع من الانتفاع به فلم يجب به وضوء، أصله البيع وغيره) .
وأجيب بالآتي:
1 - ما سبق من أن الحكم تعبدي ولا مدخل للقياس فيه.
2 - ما سبق من أن القياس هنا فاسد لمصادمته للنص الخاص.
3 - الفرق الظاهر بين الانتفاع بالبيع والإجارة والهبة ونحوها وبين الانتفاع بالأكل، فقد أباح الشرع للرجل الانتفاع ببيع الذهب والحرير ولم يبح له الانتفاع بلبسهما، وأباح للمسلم الانتفاع بجلد الميتة بعد دبغه ولم يبح له الانتفاع بأكل لحم الميتة.
• • •
الخاتمة:
بعد هذا العرض لآراء الفقهاء وأدلتهم ومناقشاتهم يتضح لنا رجحان القول بنقض الوضوء من أكل لحم الإبل للآتي:
صحة أدلة القائلين بالنقض وظهور دلالتها على محل الحكم.
ضعف أدلة القائلين بعدم بالنقض لورود المناقشات القوية عليها.(6/208)
ضعف المناقشات الواردة على أدلة القائلين بالنقض لورود الأجوبة القوية عليها.
فعل ذلك من عامة الصحابة أو أكثرهم على ما بينا سابقاً (1) .
إن أدلة النقض النقلية خاصة وأدلة عدم النقض النقلية عامه، والخاص مقدم على العام كما هو مقرر في الأصول (2) .
إن أدلة النقض قولية وأدلة عدم النقض فعلية، والقول مرجح على الفعل (3) .
إن القول بالنقض إثبات للحكم والقول بعدم النقض نفي، والمثبت مقدم على النافي (4) .
إن القول بالنقض موافق للقياس الصحيح على ما بينا سابقاً (5) .
إن القول بالنقض هو الأحوط للمسلم وأبرأ لذمته (6) ، خاصة في مجال العبادات.
هذا ما ترجح عندي حسب جهدي المتواضع، والمسألة كما قلت خلافية، وكل اجتهاد قابل للصواب والخطأ، وترجيح أحد القولين لا يقلل من قيمة القول الآخر ولا يعطي الحق في الإنكار على من أخذ به كما هو مقرر عند الفقهاء والأصوليين.
الحواشي والتعليقات
صحيح مسلم بشرح النووي 2/99-100.
انظر لسان العرب 1/194 وما بعدها والصحاح 1/80-81 والمصباح المنير 2/663 والمغرب في ترتيب المعرب 2/358-359 ومعجم مقاييس اللغة 6/119 والمعجم الوسيط 2/1038.
البناية على الهداية 1/78 وانظر البحر الرائق 1/11.
مواهب الجليل 1/180.
نهاية المحتاج 1/139 وانظر مغني المحتاج 1/47.
كشاف القناع 1/82 وانظر مطالب أولي النهى 1/98.
انظر لسان العرب 7/242 وما بعدها والمصباح المنير 2/621-622 وأساس البلاغة 470 ومعجم مقاييس اللغة 6/470-471 والمعجم الوسيط 2/947.
2/134 وانظر العناية 1/32 والبناية 1/194 والبحر الرائق 1/29 وحاشية ابن عابدين 1/134.
1/83 وانظر الخرشي على خليل 1/151 والعدوي على الخرشي 1/151 ومواهب الجليل 1/290.
1/54 وانظر حاشية أبي الضياء على نهاية المحتاج 1/94 ومغني المحتاج 1/31.
1/155 وانظر معونة أولي النهى 1/336 ومطالب أولي النهى 1/138 وكشاف القناع 1/122.(6/209)
انظر مواهب الجليل 1/290 والخرشي على خليل 1/151 والعدوي على الخرشي 1/151 وحاشية البناني على الزرقاني 1/38 وحاشية البيجوري 1/68 ومغني المحتاج 1/31 وحاشية الجمل 1/62 وإعانة الطالبين 1/57 وحاشية أبي الضياء 1/94 وكشاف القناع 1/122.
انظر أراءهم وتعليلاتهم في المراجع التي سبقت في هامش 6.
انظر المخصص 7/2 ولسان العرب 11/3 والصحاح 4/1618 والمعجم الوسيط 1/3.
انظر المحلى 1/241.
انظر الإنصاف 1/216 والمغني 1/179 والمبدع 1/168 وشرح العمدة 1/327 وكشاف القناع 1/130 وشرح الزركشي 1/257، قلت: والرواية المعتمدة لا فرق فيها بين أكل القليل أو الكثير، والنيء أو المطبوخ، وكون الآكل عالماً بالحديث أو جاهلاً - انظر كشاف القناع 1/130 والمبدع 1/168، وفي المذهب روايات أخرى، قال في المبدع 1/168 (… وعنه: إن علم النهي نقض … وعنه: ينقض نيئه، وعنه: إن طالت المدة كعشر سنين لم يعد، بخلاف ما إذا قصرت، وعنه: لا يعيد إذا تركه متأولاً، وعنه: إذا كثر أكلها، وعنه: لا نقض مطلقاً) .
انظر فتح العزيز 2/4-5 والمجموع 2/57 وأسنى المطالب 2/55.
انظر التمهيد 3/351 والأوسط 1/139 والمغني 1/179 والمجموع 2/57.
انظر التمهيد 3/351 والمحلي 1/241 والأوسط 1/140 والمغني 1/179 والمجموع 2/57.
انظر التمهيد 3/351 والمحلي 1/241 والمغني 1/179 والأوسط 1/140 والمجموع 2/57.
انظر سنن الترمذي 1/125 والأوسط 1/140 والتمهيد 3/351 والمحلي 1/241.
انظر المجموع 2/57 وفتح الباري 1/310.
انظر التمهيد 3/351 والمجموع 2/57.
نظر الأوسط 1/137.
انظر السنن الآثار 1/451 وما بعدها والمجموع 3/57.
انظر المجموع 2/57.
انظر عارضة الأحوذي 1/112.
1/67 وانظر النووي على مسلم 4/48.
صحيح مسلم مع شرح النووي 4/48.
انظر صحيح ابن خزيمة 1/21 ومسند أحمد 5/86-88 والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/225 وما بعدها.(6/210)
سنن أبي داود 1/47 وصحيح سنن أبي داود 1/37.
انظر صحيح ابن خزيمة 1/22 والإحسان بترتيب ابن حبان 2/226-227 وسنن الترمذي 1/122-123 ومسند أحمد 4/288.
قلت: ولهذين الحديثين شواهد من وجوه أخر مختلف في صحتها فلا داعي للإطالة بذكرها – انظر ذلك في تنقيح التحقيق 1/499 وما بعدها والتلخيص الحبير 1/115-116 ومجمع الزوائد 1/250 ومسند أحمد 4/67-352.
الأوسط 1/140 وانظر التمهيد 3/349 ومعرفة السنن والآثار 1/455 والتلخيص الحبير 1/116 وسنن البيهقي 1/159 وتنقيح التحقيق 1/498.
سنن الترمذي 1/125 والتمهيد 3/349 ومعرفة السنن والآثار 1/455 والأوسط 1/140 والتلخيص الحبير 1/116 وسنن البيهقي 1/159.
1/21.
صحيح ابن خزيمة 1/22.
1/138.
1/451-453.
انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/226-227.
انظر المجموع 2/57.
انظر عارضة الأخوذي 1/112.
انظر شرح العمدة 1/330 والقواعد النورانية 7 ومجموع الفتاوى 1/260-261.
انظر تهذيب سنن أبي داود 1/136 وما بعدها.
انظر إرواء الغليل 1/152.
انظر المبدع 1/169 وكشاف القناع 1/130 وشرح الزركشي 1/258 والمغني 1/181 والانتصار 1/367.
انظر البحر المحيط 2/365 وإرشاد الفحول 94 واحكام الفصول 79 وما بعدها والتمهيد للكلوذاني 1/145 وما بعدها.
1/49 وانظر صحيح ابن خزيمة 1/28 وسنن النسائي 1/108 والحديث صححه النووي - انظر شرح النووي على مسلم 4/43- والألباني - انظر صحيح سنن أبي داود 1/39.
/70-71.
1/59.
1/129.
2/203.
2/15-16.
1/180 وانظر شرح العدة 1/330 ومعونة أولي النهى 1/361.
انظر اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 1/151
انظر المغني 1/180 ومعونة أولي النهى 1/361 وشرح الزركشي 1/260-261 وشرح العمدة 1/330.
انظر المجموع 1/59.
انظر المنهل العذب المورود 2/203.
انظر البحر المحيط 3/108 وشرح الكوكب المنير 3/130 وإرشاد الفحول 120.(6/211)
انظر شرح الكوكب المنير 3/419-420 وإرشاد الفحول 169 والمسودة 90 وما بعدها وشرح مختصر الروضة 2/659 وما بعدها وشرح تنقيح الفصول 275 والإحكام للآمدي 3/12 وما بعدها وفواتح الرحموت 2/33 وما بعدها.
سورة النساء /23.
سورة المائدة/3.
صحيح مسلم بشرح النووي 4/44.
انظر شرح معاني الآثار 1/62 وما بعدها والتمهيد لابن عبد البر 3/329 وما بعدها.
لأن الترك فعل – انظر أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور محمد الأشقر 2/46 وما بعدها وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور محمد العروسي 207 وما بعدها.
انظر الإحكام للآمدي 2/255 وشرح الكوكب المنير 3/231 وشرح مختصر الروضة 2/509 وما بعدها.
انظر الإحكام للآمدي 2/255 وشرح الكوكبالمنير 3/232 وشرح مختصر الروضة 2/509 وشرح البدخشي 2/102.
1/202-203.
انظر المجموع 2/59-60.
1/180 وانظر شرح الزركشي 1/260-261 وشرح العمدة 1/330.
انظر المغني 1/180 والانتصار في المسائل الكبار 1/367 ومعونة أولي النهى 1/362 وشرح الزركشي 1/260 وشرح العمدة 1/330 وشرح ثلاثيات مسند أحمد 1/221 ومجموع فتاوى ابن تيمية 1/262.
انظر المسودة 134 والأحكام للآمدي 4/254 والمحصول ج2ق2/572 وإرشاد الفحول 278 وشرح تنقيح الفصول 421.
انظر شرح مختصر الروضة 2/550 وإرشاد الفحول 142 والبحر المحيط
3/241-242.
1/129 وانظر موهبة ذي الفضل 1/341.
بهامش حاشية ابن قاسم والشرواني 1/129.
انظر شرح الزركشي 1/260 وشرح العمدة 1/330 ومجموع فتاوى ابن تيمية1/263.
1/64.
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/229.
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/229-230.
قال عنه في التقريب – 1/447 – (صدوق) .
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/230-231.
أيوب السختياني، قال عنه في التقريب – 1/89 – (ثقة ثبت حجة) .
انظر شرح العمدة 330.
انظر شرح العمدة 331.(6/212)
انظر المبسوط 1/80 وشرح معاني الآثار 1/70 واللباب في الجمع بين السنة والكتاب 1/151 وبدائع الصنائع 1/154 ومعالم السنن 1/167 والذخيرة 1/235 ورأب الصدع 1/91 وعارضة الأحوذي 1/111.
سبق تخريج حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) .
1/235.
مع المنتقى 1/65 وما بعدها.
راجع ص 435 وما بعدها.
1/91.
انظر النهاية في غريب الحديث 5/195.
انظر المبسوط 1/80 واللباب 1/151 ورأب الصدع 1/91 وبدائع الصنائع 1/154 ومعالم السنن 1/67.
4/283، قال ابن عبد البر في التمهيد – 3/354 – (وقد روى عكراش … عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة الوضوء مما غيرت النار، ولم أر لذكره معنى، لأن إسناده ضعيف لا يحتج بمثله، وأهل العلم ينكرونه) وانظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني 3/258-259.
1/141-142، وفي سنده مطرف بن مازن الصنعاني قال الذهبي عنه في المغني في الضعفاء - 2/662 – (ضعفوه وقال ابن معين كذاب) وانظر لسان الميزان 6/47-48.
4/281-282 وانظر سنن أبي داود 3/345-346 والمستدرك للحاكم 4/106-107، قلت: والحديث ضعيف لضعف قيس بن الربيع أحد رواته – انظر جامع الترمذي 4/282 والتلخيص على المستدرك 4/107 وسنن أبي داود 3/346 وسلسلة الأحاديث الضعيفة 1/67 وما بعدها.
انظر مجمع الزوائد 3/23-24 وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد –3/24- (وفيه نهشل ابن سعيد وهو متروك) وذكر الألباني في ضعيف الجامع الصغير – 889 – أنه موضوع، وانظر الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني 155.
انظر معالم السنن 1/67.(6/213)
وقد جاء بلفظ المضمضة لا الوضوء عند البخاري في صحيحه – مع فتح الباري 1/313 – عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فتمضمض وقال: (إنه له دسماً) ، وفي سنن ابن ماجه (إذا شربتم اللبن فمضمضوا فإن له دسماً) – انظر مصباح الزجاجة 1/126 وصحيح الجامع الصغير 1/169 -، وفيه أيضا (مضمضوا من اللبن فإن له دسما) وإسناده ضعيف – انظر مصباح الزجاجة 1/126.
سواء القائل منهم بوجوب الوضوء الشرعي مما مسته النار أو القائل بنسخه ومنهم – رضي الله عنهم جميعا – عائشة وأم سلمة وأم حبيبة وميمونة وأبو هريرة وأنس بن مالك وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس …. .
انظر شرح معاني الآثار 1/62 وما بعدها والتمهيد 3/330 وما بعدها والمغني 1/183-184 والمجموع 1/57.
1/330.
قال في النهاية – 3/385 – (الغمر بالتحريك: الدسم والزهومة من اللحم) .
قال في النهاية – 5/169 – (هو دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه) .
انظر البحر المحيط 2/158 وإرشاد الفحول 21.
انظر إرشاد الفحول 22.
وانظر الذخيرة 1/235 ورأب الصدع 1/91.
انظر إرشاد الفحول 22 وشرح مختصر الروضة للطوفي 1/501 وما بعدها.
أخرجه مسلم في صحيحه – مع النووي 4/69 – ولفظه (فقيل ألا توضأ؟ فقال لِمَ أأصلي فأتوضأ؟) – وفي لفظ أبي داود والترمذي (… إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة) انظر صحيح سنن أبي داود 2/717 وجامع الترمذي 4/282 وقال عنه الترمذي (هذا حديث حسن صحيح) .
المحلى 1/239.
الحديث في صحيح البخاري – مع الفتح 1/396 – (… أن زيد بن خالد الجهني أخبره أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن؟ قال عثمان: يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
انظر اللباب 1/151 وعارضة الأحوزي 1/111.
صحيح ابن خزيمة 1/112 وانظر فتح الباري 1/397.
معالم السنن 1/67.(6/214)
انظر الانتصار 1/368 وكشاف القناع 1/140 ومعونة أولى النهى 1/364.
صحيح سنن أبي داود 1/37.
جامع الترمذي 4/289 وانظر المستدرك للحاكم 4/137 وصحيح الجامع الصغير 2/1054.
أخرجه البخاري في صحيحه انظر صحيح البخاري مع فتح الباري 1/313.
انظر مصباح الزجاج 1/126 وصحيح الجامع الصغير 1/169.
انظر في هذه الفقرة شرح العمدة 1/332 وما بعدها ومجموع فتاوى ابن تيمية 1/264-265.
انظر شرح العمدة لابن تيمية 1/332 وشرح الزركشي 1/259.
1/46، وصحح إسناده الألباني في تمام المنة في التعليق على فقه السنة 106.
انظر الانتصار 1/366 وشرح العمدة 1/332.
انظر شرح العمدة 1/332 وشرح الزركشي 1/258 والانتصار 1/366 ومجموع فتاوى ابن تيمية 1/265.
مجموع فتاوى ابن تيمية 1/265.
1/206 وانظر سبل السلام 1/19.
انظر البحر المحيط 2/365 وما بعدها وإحكام الفصول للباجي 79 وما لعدها وتيسير التحرير 1/341 وما بعدها وشرح مختصر الروضة 2/365 وما بعدها وإرشاد الفحول 94 وما بعدها.
انظر المغنى 1/181 والانتصار 1/367 ومعونة أولى النهى 1/362 وكشاف القناع 1/130.
انظر المغني 1/181 وكشاف القناع 1/130.
انظر شرح العمدة 1/333.
انظر شرح العمدة 1/333 والمغني 1/181.
انظر الانتصار 1/367.
انظر شرح العمدة 1/333.
انظر بدائع الصنائع 1/153-154.
2/159.
الموافقات 2/156.
) انظر بدائع الصنائع 1/154، وهذه القاعدة مقررة عند عامة الحنفية – انظر فواتح الرحموت 2/129 وتيسير التحرير 3/112.
انظر تفصيل رأي الجمهور وأدلتهم ومناقشة أدلة الحنفية في البحر المحيط 4/347 وشرح الكوكب المنير 2/367 وما بعدها وشرح مختصر الروضة 2/233 وما بعدها وإرشاد الفحول 56.
انظر القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام 169 وشرح الكوكب المنير 3/61.
169-170.
170.(6/215)
يرى بعض المحققين أن التعبير بافعل بعد الحظر والاستئذان أولى من التعبير بالأمر بعد الحظر والاستئذان – انظر حاشية البناني 1/37.
انظر المحصول ج 1 قسم 2 ص 159 والبحر المحيط 2/384 وحاشية البناني 1/378 وفواتح الرحموت 1/379 وشرح مراقي السعود 1/164 والآيات البينات 2/294.
14.
1/9.
13/10 وانظر الكليات 72 والمعجم الوسيط 1/11.
انظر البحر المحيط 2/384 وحاشية البناني 1/378 والمحصول ج 1 قسم 2 ص 159 وفواتح الرحموت 1/379 وشرح مراقي السعود 1/163 والآيات البينات 3/61.
11/370.
انظر المبسوط 1/79 وبدائع الصنائع 1/153 وشرح معاني الآثار 1/71.
انظر المعونة 1/158 والإشراف على مسائل الخلاف 1/26 والذخيرة 1/235 والتمهيد 3/351 والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1/123.
انظر فتح العزيز 2/4-5 والمجموع 2/57 وأسنى المطالب 2/55.
انظر البحر الزخار 2/96 ورأب الصدع 1/91.
انظر الانصاف 1/216 والمبدع 1/168 ومعونة أولى النهى 1/359.
انظر الأوسط 1/141 ومصنف ابن أبي شيبة 1/47.
انظر مصنف ابن أبي شيبة 1/47 والأوسط 1/141.
المرجعان السابقان.
المرجعان السابقان.
انظر سنن الترمذي 1/125 والأوسط 1/141 والتمهيد 3/351 والمغني 1/179.
انظر مصنف ابن أبي شيبة 1/47.
انظر التمهيد 3/351.
انظر التمهيد 3/351.
سنن أبي داود 1/49.
كالنسائي في سننه – 1/108 – وابن خزيمة في صحيحه – 1/28-.
صحيح ابن خزيمة 1/28 وفتح الباري 1/311.
شرح النووي على مسلم 4/43.
هامش سنن الترمذي 1/121.
صحيح سنن أبي داود 1/39.
سنن البيهقي 1/116 وانظر سنن الدارقطني 1/151.
انظر بدائع الصنائع 1/153.(6/216)
انظر تنقيح التحقيق 1/503 والكامل لابن عدي 4/1340 وخلاصة البدر المنير 1/52 وسلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني المجلد الثاني /376 وما بعدها، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير عنه – 1/117-118- (… وفي إسناده الفضل بن المختار وهو ضعيف جداً، وفيه شعبة مولى ابن عباس وهو ضعيف، وقال ابن عدي: الأصل في هذا الحديث أنه موقوف، وقال البيهقي: لا يثبت مرفوعاً، ورواه سعيد بن منصور موقوفاً من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عنه، ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة، وإسناده أضعف من الأول، ومن حديث ابن مسعود موقوفاً، وفي الباب عن ابن عمر، رواه الدارقطني في غرائب مالك، ومن طريق سوادة بن عبد الله عنه، عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: ولا ينقض الوضوء إلا ما خرج من قبل أو دبر، وإسناده ضعيف) .
انظر الانتصار 1/367 والمغني 1/180.
انظر المغني 1/180.
انظر الانتصار 1/367.
سنن البيهقي 1/116.
1/159.
كشف الأستار 1/125 وسنده كالتالي (حدثنا هارون بن سفيان المستملي ثنا أسيد بن زيد ثنا عمرو بن أبي المقدام ثنا عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة عن بلال قال: حدثني مولاي أبو بكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم …) .
وفي الكامل لابن عدي – 5/1781 – (حدثنا الساجي قال: حدثني حسين بن حميد الخزاز، حدثني عبد الله بن عمر القرشي، ثنا أسيد بن زيد، عن عمر بن شمر، عن عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة، عن بلال، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتوضأ من طعام أحل الله أكله) .(6/217)
انظر كشف الأستار 1/152 وكنز العمال 9/340، وذلك لضعف رواته، فأسيد ابن زيد قال عنه في التقريب – 1/77 – (ضعيف) وقال عنه في المغني في الضعفاء – 1/90 – (كذبه يحي بن معين، وقال غيره متروك) وانظر ميزان الاعتدال 1/256 –257، وعمرو بن شمر الجعفي قال عنه البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث، وقال الجوزجاني: زائغ كذاب، وقال ابن حبان: رافضي يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات – انظر الكامل لابن عدي 5/779، وما بعدها ولسان الميزان 4/366-367، وأما عمرو بن أبي المقدام فهو عمرو بن ثابت، قال عنه في التقريب – 2/66 – (ضعيف رمى بالرفض) وقال عنه في المغني في الضعفاء – 2/482 – (متروك، وقال أبو داود رافضي) .
انظر شرح النووي على مسلم 4/48 والمجموع 2/60 وأسنى المطالب 2/55 والمنهل العذب المورود 2/203.
جاء في سنن الترمذي – 5/44 – 45 – (… فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ) وقال الترمذي (هذا حديث حسن صحيح) وانظر صحيح الجامع الصغير وزيادته 1/499.
انظر تمام المنة /105.
ص 9
ص 105-106.
1/47 وانظر مصنف عبد الرزاق 1/408.
لأن جابراً هو بن يزيد الجعفي قال عنه في التقريب –1/123 – (ضعيف رافضي) وأما أبو سبرة فهو عبد الله بن عباس، قال عنه في التقريب – 2/426 – (مقبول) .
1/47.
لأن فيه جابراً وهو ابن يزيد الجعفي وهو ضعيف كما بينه صاحب التقريب – 1/123 – وفيه شريك وهو ابن عبد الله النخعي قال عنه في التقريب – 1/351 –
(صدوق يخطئ كثيراً) .
1/159.
1/47.
قال عنه في التقريب – 1/390 – (صدوق رمي بالتشيع) .(6/218)
هو يحي بن قيس الطائفي، ذكره البخاري في التاريخ الكبير – م 8/298 – وكذا ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل – 9/189 – ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في كتابه الثقات – 5/529 -، وقد انفرد بتوثيقه ابن حبان على قاعدته في تعديل كل من لم يعرف بجرح، وهذا مخالف لرأي الجمهور – انظر لسان الميزان 1/14-15.
قلت: وهذا الأثر يعارض ما أخرجه ابن المنذر في الأوسط –1/139 – بسنده عن محارب بن دثار المحاربي أنه سمع ابن عمر يقول: (توضوا من لحوم الإبل ولا توضوا من لحوم الغنم) .
1/46.
انظر تمام المنة 106.
انظر المعتمد 2/174 وشرح مختصر الروضة 2/200 وفواتح الرحموت 2/162 وتيسير التحرير 3/70 والتقرير والتحبير 2/264 وشرح العضد على ابن الحاجب 2/69 وشرح البدخشي 2/361.
2/99.
1/27.
1/158 وانظر الإشراف على مسائل الخلاف 1/27.
1/65 وانظر الإشراف على مسائل الخلاف 1/27.
1/368 وانظر كشاف القناع 1/130 ومطالب أولى النهى 1/148.
1/364.
وهو قول ضعيف عند الحنابلة – انظر معونة أولي النهى 1/364.
2/15.
2/15 وانظر القواعد النورانية 6-7 وشرح الزركشي 1/259-260.
قال في مجمع الزوائد – 10/131 -: (وعن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه سمع أباه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: على كل بعير شيطان …، رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير محمد بن حمزة وهو ثقة) .
أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن مغفل المزني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تصلوا في عطن الإبل فإنها من الجن خلقت …) مسند أحمد 5/55 وانظر نيل الأوطار 2/141.(6/219)
أخرج أبو داود في سننه بسنده – 4/249 – عن عطية السعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من نار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) ، والحديث قال عنه المحدث الألباني: (ضعيف) انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 582.
قال العلامة الطوفي في شرح مختصر الروضة – 3/430 – (… والثاني طردي: وهو الجمع بين الأصل والفرع بوصف يعلم خلوه عن المصلحة، وعدم التفات الشرع إليه، كما سبق من قولهم: مائع لا يبنى على جنسه القناطر … أو يقال: أعرابي أو إنسان فوجبت عليه الكفارة قياساً على الأعرابي المذكور في الحديث) .
1/182.
أي أن التعليل بهذا الوصف وكذا بكونه حيواناً أو لحماً هو تعليل بوصف طردي، لأنه وصف يقارن الحكم بلا مناسبة – انظر شرح الكوكب المنير 4/195 -، والوصف المناسب هو وصف ظاهر منضبط يلزم من ترتيب الحكم عليه حصول ما يصلح أن يكون مقصوداً للشارع من تحصيل مصلحة أو دفع مفسدة أو تقليلها دنيا وأخرى على وجه يمكن إثباته – انظر شرح مختصر الروضة 3/384 والإحكام للآمدي 4/270.
1/27.
راجع ص 460.
راجع ص 440 وما بعدها.
انظر البحر المحيط 6/177 والإحكام للآمدي 4/249-256 وحاشية البناني 2/366 وإرشاد الفحول 276 والتعارض والترجيح للبرزنجي 2/203.
انظر شرح العضد على ابن الحاجب 2/315 وشرح مختصر الروضة 3/700 وحاشية البناني 2/368 وشرح الكوكب المنير 4/682 وشرح مراقي السعود 2/299 وإرشاد الفحول 279.
راجع ص 451-462، وهذا على القول بأن الحكم معلل لا تعبدي.
انظر شرح الكوكب المنير 4/706 والإحكام للآمدي 4/267 وحاشية البناني 2/378 وإرشاد الفحول 279 والتعارض والترجيح للبرزنجي 2/209-215.
المصادر والمراجع
الآيات البينات، أحمد بن القاسم العبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417 هـ.(6/220)
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، علاء الدين علي الفارسي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407 هـ.
إحكام الفصول في أحكام الأصول، سليمان الباجي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409هـ
الإحكام في أصول الأحكام، علي بن محمد الآمدي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1402هـ
إرشاد الفحول، محمد بن علي الشوكاني، دار الفكر، بيروت، ط1.
ارواء الغليل، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1399 هـ.
أساس البلاغة، محمود بن عمر الزمخشري، دار المعرفة، بيروت، 1402 هـ.
أسنى المطالب شرح روض الطالب، زكريا الأنصاري، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.
الإشراف على مسائل الخلاف، عبد الوهاب البغدادي، مطبعة الإدارة.
إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، أبو بكر الدمياطي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط4.
اعلام الموقعين، محمد بن أبي بكر (ابن القيم الجوزية) ، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1388 هـ.
أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، محمد سليمان الأشقر، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408 هـ.
أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، محمد العروسي عبد القادر، دار المجتمع للنشر والتوزيع، جدة، 1404 هـ.
الانتصار في المسائل الكبار، أبو الخطاب الكلوذاني، مكتبة العبيكان، الرياض، 1413هـ.
الانصاف، علي بن سليمان المرداوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1406 هـ.
الأوسط، أبو بكر بن المنذر، دار طيبة، الرياض، 1405 هـ.
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن نجيم، نشر سعيد كمبني، باكستان.
البحر الزخار، أحمد المرتضى، مؤسسة الرساله، دار الكتاب الإسلامي، بيروت القاهرة.
البحر المحيط في أصول الفقه، بدر الدين الزركشي، نشر وزارة الأوقاف بالكويت.
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، أبو بكر بن مسعود الكاساني، مطبعة الإمام، القاهرة.
البناية في شرح الهداية، محمود بن أحمد العيني، دار الفكر، بيروت 1400 هـ.(6/221)
التاريخ الكبير، محمد بن اسماعيل البخاري، دار الكتب العلمية، بيروت.
التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية، عبد اللطيف البرزنجي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 هـ.
تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر، دار المعرفة، بيروت، 1395 هـ.
التقرير والتحبير، ابن أمير الحاج، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 هـ.
التلخيص الحبير، أحمد بن حجر العسقلاني، نشر عبد الله اليماني، المدينة المنورة،
1384هـ.
التلخيص، محمد بن أحمد الذهبي (مع المستدرك) ، دار الكتب العلمية، بيروت.
التمهيد في أصول الفقه، محفوظ الكلوذاني، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1406 هـ.
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، يوسف بن عبد الله (ابن عبد البر) ، وزارة الأوقاف بالمغرب، المغرب، 1402 هـ.
تنقيح التحقيق، محمد بن أحمد بن عبد الهادي، المكتبة الحديثة، الإمارات العربية المتحدة، 1409 هـ.
تهذيب سنن أبي داود، محمد بن أبي بكر (ابن القيم الجوزية) ، دار المعرفة، بيروت، 1400 هـ.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يوسف المزي، نسخة مصورة عن مخطوطة، دار الكتب المصرية.
تيسير التحرير، محمد أمين الحسيني، دار الكتب العلمية، بيروت.
الجرح والتعديل، عبد الرحمن الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت.
حاشية ابن عابدين، محمد أمين (ابن عابدين) ، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة،
1386 هـ.
حاشية ابن قاسم والشرواني على تحفة المحتاج، أحمد بن قاسم العبادي عبد الحميد الشرواني، دار الفكر، بيروت.
حاشية أبي الضياء على نهاية المحتاج، أبو الضياء نور الدين علي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
حاشية البيجوري على ابن قاسم، إبراهيم البيجوري، دار الفكر، بيروت.
حاشية البناني على جمع الجوامع، عبد الرحمن البناني، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، ط2
حاشية البناني على الزرقاني، محمد البناني، دار الفكر، بيروت.(6/222)
حاشية الجمل على شرح المنهج، سليمان الجمل، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن عرفة الدسوقي، دار الفكر، بيروت.
حاشية العدوي على الخرشي، علي العدوي، دار صادر، بيروت.
الحاوي الكبير، علي بن محمد الماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1414 هـ.
الخرشي على خليل، محمد الخرشي، دار صادر، بيروت.
خلاصة البدر المنير، عمر بن علي بن الملقن، مكتبة الرشد، الرياض، 1410 هـ.
الذخيرة، أحمد بن ادريس القرافي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1994م.
رأب الصدع، أحمد بن عيسى، دار النفائس، بيروت، 1410 هـ.
سبل السلام، محمد بن إسماعيل الصنعاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1960 م.
سلسلة الأحاديث الضعيفة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض،
1412 هـ.
سنن البيهقي، أحمد بن الحسين البيهقي، دار المعرفة، بيروت.
سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، 1356 هـ.
سنن الدارقطني، علي بن عمر الدارقطني، دار المحاسن، القاهرة، 1386 هـ.
سنن النسائي، أحمد بن شعيب النسائي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
شرح البدخشي، محمد بن الحسن البدخشي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 هـ.
شرح تنقيح الفصول، أحمد بن إدريس القرافي، دار الفكر، بيروت، 1393 هـ.
شرح ثلاثيات مسند أحمد، محمد السفاريني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1392 هـ.
شرح الزركشي على مختصر الخرقي، محمد بن عبد الله الزركشي، مكتبة العبيكان، الرياض، 1413 هـ.
شرح العضد لمختصر ابن الحاجب، القاضي عضد الملة والدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 هـ.
شرح العمدة، أحمد بن تيمية، مكتبة العبيكان، الرياض، 1412 هـ.
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي، أحمد الدردير، دار الفكر، بيروت.
شرح الكوكب المنير، محمد الفتوحي (ابن النجار) ، جامعة أم القرى، 1402 هـ.(6/223)
شرح مختصر الروضة، سليمان الطوفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408 هـ.
شرح معاني الآثار، أحمد بن محمد الطحاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1399 هـ.
الصحاح، إسماعيل الجوهري، طبع على نفقة حسن الشربتلي، 1402 هـ.
صحيح ابن خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة، المكتب الإسلامي، بيروت، 1395 هـ.
صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري (مع فتح الباري) ، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية، الرياض.
صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1406 هـ.
صحيح سنن أبي داود، محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، 1409 هـ.
صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج (مع شرح النووي) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت1392هـ.
ضعيف الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1408 هـ.
عارضة الأحوذي، أبو بكر بن العربي، دار الوحي المحمدي، القاهرة.
علل الحديث، عبد الرحمن الرازي، دار المعرفة، بيروت، 1405 هـ.
فتح الباري، أحمد بن بن علي بن حجر العسقلاني، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية بالمملكة العربية السعودية.
فتح العزيز، عبد الكريم الرافعي (مع المجموع) ، دار الفكر، بيروت.
الفوائد المجموعة، محمد بن علي الشوكاني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1402 هـ.
فواتح الرحموت، عبد العلي الأنصاري (مع المستصفي) ، دار الكتب العلمية، بيروت،
ط2.
القواعد النورانية الفقهية، أحمد بن تيمية، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1370 هـ.
الكامل في ضعفاء الرجال، عبد الله بن عدي، دار الفكر، بيروت، 1404 هـ.
كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور البهوتي، مكتبة النصر، الرياض.
كشف الأستار عن زوائد البزار، علي الهيثمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1404 هـ.
الكليات، أبو البقاء أيوب الحسيني، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1412 هـ.(6/224)
كنز العمال، علي بن حسام الدين، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1399 هـ.
لسان العرب، محمد مكرم بن منظور، دار صادر، بيروت.
لسان الميزان، أحمد علي بن حجر العسقلاني، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1390 هـ.
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، علي المنبجي، دار الشروق، جدة، 1403 هـ.
المبدع، إبراهيم بن محمد بن مفلح، المكتب الإسلامي، بيروت، 1980 م.
المبسوط، محمد السرخسي، دار المعرفة، بيروت، 1406 هـ.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي الهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1402 هـ.
المجموع، محي الدين النووي، دار الفكر، بيروت.
مجموع فتاوي ابن تيمية، أحمد بن تيمية، مطابع الرياض، الرياض، 1382 هـ.
المحصول، محمد بن عمر الرازي، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ... 1401 هـ.
المحلى، علي بن أحمد بن جزم، المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
المخصص، علي بن إسماعيل (ابن سيده) ، دار الكتب العلمية، بيروت.
المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم، دار الكتب العلمية، بيروت.
مسند أحمد، أحمد بن حنبل، دار صادر، بيروت.
المسودة، أل تيمية، دار الكتاب العربي، بيروت.
مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة، أحمد البوصيري، دار الحنان، 1406 هـ.
المصباح المنير، أحمد بن محمد الفيومي، المكتبة العلمية، بيروت.
مصنف ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، الدار السلفية، الهند، 1399 هـ.
مصنف عبد الرزاق، عبد الرزاق الصنعاني، المجلس العلمي، الهند باكستان، 1392 هـ.
مطالب أولي النهي، مصطفى الرحيباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1415 هـ.
معالم السنن، أحمد الخطابي، المكتبة العلمية، بيروت، 1403 هـ.
المعتمد في أصول الفقه، أبو الحسن محمد بن علي، دار الكتب العلمية، بيروت،
1403هـ.
معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، 1399 هـ.(6/225)
المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الفكر، بيروت.
معرفة السنة والآثار، أبو بكر أحمد البيهقي، دار الوعي ودار الوفاء، القاهرة، 1412 هـ.
معونة أولي النهي، محمد الفتوحي، دار خضر، بيروت، 1416 هـ.
المعونة، عبد الوهاب البغدادي، المكتبة التجارية، مكة المكرمة.
المغرب، ناصر الدين المطرزي، مكتبة أسامة بن زيد، حلب، 1399 هـ.
المغني شرح مختصر الخرقي (مع الشرح الكبير) ، موفق الدين بن قدامة، دار الكتاب العربي، بيروت، 1392 هـ.
المغني في الضعفاء، محمد بن أحمد الذهبي.
مغني المحتاج، محمد الخطيب الشربيني، دار الفكر، بيروت.
المنتقى شرح الموطأ، سليمان الباجي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1403 هـ.
المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود، محمود السبكي، مطبعة الإستقامة، القاهرة، 1351 هـ.
الموافقات، أبو إسحاق الشاطبي، دار المعرفة، بيروت، 1395 هـ.
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، محمد المغربي (الحطاب) ، دار الفكر، بيروت، 1398 هـ.
الموطأ بهامش المنتقى، مالك بن أنس، دار الكتاب العربي، بيروت، 1403 هـ.
موهبة ذي الفضل على شرح ابن حجر، محمد محفوظ الترمسي، المطبعة العامرة، القاهرة.
ميزان الاعتدال، محمد بن أحمد الذهبي، دار المعرفة، بيروت.
نشر البنود على مراقي السعود، سيدي عبد الله الشنقيطي، صندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بين المغرب والإمارات.
النهاية في غريب الحديث والأثر، المبارك الجزري، المكتبة الإسلامية، بيروت.
نهاية المحتاج، أحمد بن حمزة السرملي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
النووي على مسلم، يحي بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت،
1392 هـ.
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، محمد بن علي الشوكاني، دار الجليل، بيروت.(6/226)
من مفاهيم ثقافتنا الإسلامية
د. علي بن حسن علي القرني
عضو هيئة تدريس بكلية القيادة والأركان - الرياض
ملخص البحث
هذا البحث المتعلق ببعض مفاهيم الثقافة الإسلامية قد حاولت من خلاله تأكيد أهمية الثقافة الإسلامية في تحقيق وبروز الشخصية الإسلامية سواء على مستوى الفرد أو الأمة بمجموعها وقد جعلته في خمسة فصول، ومقدمة، وخاتمة. في المقدمة تحدثت عن ضرورة تحصين المسلم بتحصيلٍ أكبر من معين ثقافته الإسلامية الأصيلة كما أوضحت أهمية دراسة علم الثقافة ومدى الحاجة إلى ذلك من خلال نقاط محددة. أما في الفصل الأول فجاء الحديث فيه عن مفهوم الثقافة من خلال التعريف في اللغة والاصطلاح وعن أهمية الثقافة للفرد وللمجتمع وللتربية، وأن أمة بدون ثقافة هي أمة بدون هوية ينطبق ذلك على الأفراد كما ينطبق على المجتمعات وأن الوسيلة المثلى للحفاظ على ثقافة الأمة هي التربية وأن العلاقة بين الثقافة والتربية علاقة تأثير وتأثر، وحددت نقاط معينة تبين فوائد علم الثقافة كذلك تضمّن الفصل الحديث عن أهداف الثقافة الإسلامية التي تصب جميعها في اتجاه الرفع من مستوى المسلم الفكري فيما يتعلق بفهمه لدينه ومن ثم تطبيقه تطبيقاً صحيحاً. أما في الفصل الثاني فكان الحديث عن نشأة علم الثقافة وبداية التأليف فيه والمجالات التي يشملها هذا العلم ويبحث فيها وكذا منهج العلم ومكانته بين العلوم الشرعية الأخرى. وجاء الحديث في الفصل الثالث عن سمات ومميزات الثقافة الإسلامية والتي تزيد تلك الأهمية للثقافة وضوحاً وتأكيداً كان من أبرز هذه السمات للثقافة الإسلامية بأنها ثقافة ربانية، وإنسانية جاء الخطاب فيها لكل البشر دون استثناء، وأن فيها الوحدة، وفيها الشمول، والتوازن، والإيجابية وتتميز أيضاً بالثبات في مبادئها والتطور في أساليبها ووسائلها. أما أسس ومرتكزات الثقافة الإسلامية فكانت عنواناً للفصل الرابع تحدثت فيها عن ثلاثة أسس الأساس(6/227)
الأول: مصادر الثقافة الإسلامية وهي القرآن والسنة والتراث الإسلامي. والأساس الثاني: غرس الوازع الديني في النفوس والأساس الثالث: عالمية ودعوة الثقافة الإسلامية وهو تأكيد على ما سبقت الإشارة إليه في سمات الثقافة الإسلامية. أما الفصل الخامس وفيه كان الحديث عن العلاقة بين الثقافة والحضارة والعلم وحاولت أن أناقش هذه العلاقة من وجهة النظر الإسلامية كما ركزت على مفهوم الحضارة في التصور الإسلامي.
ثم ختمت الفصل بنقطة مهمة جداً ألا وهي أصول الحضارة في ذلك التصور. أما الخاتمة فقد أعدت فيها التأكيد على أهمية دراسة الثقافة الإسلامية وتحصيلها. والله الموفق،،،
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، علمني ما لا أعلم، ووفقني إلى هذا العمل وأصلي وأسلم على من دلنا إلى كل خير محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين الأول … وبعد:(6/228)
فإذا كانت دراسة أي علم من العلوم تؤدي إلى ترقية مشاعر الفرد، وتنمي مداركه، وتفتح أحاسيسه وتصقل مواهبه، وتزيد في حركته ونشاطه الفكري، فيؤدي كل ذلك إلى إحداث تفاعل ذاتي داخل النفس التي تتلقى هذا العلم وتقوم بتلك الدراسة مما يجعلها تنطلق إلى آفاق جديدة، وتحصل على معارف وحقائق علمية لم تكن قد عرفتها من قبل. نقول: إذا كان هذا كله يمكن أن يطبق على أي علم يتلقاه الإنسان، فكيف به إذا كان هذا العلم المتلقى وهذه الدراسة التي يقوم بها تتعلق بعلم وثيق الصلة بكيان الفرد وشخصيته الإسلامية، وماضيه المجيد، وتراثه التليد؟ كعلم الثقافة الإسلامية. هذه الثقافة التي هي في حقيقتها الصورة الحية للأمة المسلمة، فهي التي تحدد ملامح شخصيتها وبها قيام وجودها، وهي التي تضبط سيرها في الحياة. تلك الثقافة التي تستمد منها أسس عقيدتها وعناوين مبادئها التي تحرص على التحلي بها والمفاخرة بها بين الأمم، إن الثقافة الإسلامية هي التي تحدد نظام الحياة داخل المجتمع المسلم وتحث على التزامه وفيها تراث الأمة الذي تخشى عليه من الضياع والاندثار، وفكرها الذي تحب له الذيوع والانتشار.(6/229)
ومن هذا كله برزت أهمية دراسة علم الثقافة الإسلامية، هذا العلم الذي هو أثير النفس المسلمة إذ به تتم الصلة بين كل جوانح الإنسان المسلم عقله وقلبه وفكره، وبه يربط المسلم بين ماضيه الزاهر وحاضره القلق، ومستقبله المنشود. إنه (1) في أقرب أهدافه الكثيرة يزود العقول بالحقائق الناصعة عن هذا الدين، وسط ضباب كثيف من أباطيل وشبه الخصوم، ويربى في المسلم ملكة النقد الصحيح التي تقوم المبادئ والنظم تقويماً صحيحاً وتجعل المسلم يميز في نزعات الفكر والسلوك بين الغث والسمين فيأخذ النافع الخير ويطرح الفاسد الضار ملتزماً في ذلك بالتوجيه النبوي الكريم (الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها) (2) . وعلى هذا فإننا نقول: إذا كانت سائر العلوم الأخرى يعتبر تحصيلها ضرباً من الاستزادة من المعارف، فتلك غاية تنحصر في حدود المعرفة العقلية البحتة، لكن علم الثقافة الإسلامية يتجاوز ذلك لينفذ إلى القلب فيحرك المشاعر كما تقدم ويفجر في روح المؤمن تلك الطاقة من المشاعر الفياضة التي تشده شداً قوياً إلى عقيدته، وتراث أمته، وتعمق فيه روح الولاء لأمته الرائدة التي أكرمها الله بهذه الرسالة الهادية.
وتتجلى أهمية دراسة الثقافة الإسلامية في النقاط التالية (3) :
توضيح الأساسيات التي تقوم عليها الثقافة الإسلامية.
تأثير الثقافة الإسلامية في العرب.
تفاعل المسلم مع مبادئه وقيمه.
بيان الازدهار الحضاري للأمة الإسلامية.
بيان الأدواء التي حلت بالأمة الإسلامية.
بيان دور الثقافة الإسلامية في العصر الحديث وما تقدمه للإنسان المعاصر.(6/230)
وعلى ما تقدم فإننا نؤكد القول بأنه إن لم تقم دراسة الثقافة الإسلامية بشكل جاد ودقيق فسيكون ذلك سبباً في اهتزاز صورة الأمة في نظر الآخرين، بل سيمتد الأمر إلى أن تتخلى الأمة عمّا يميزها، ويزيل سماتها التي تتميز بها بين الأمم والثقافات الأخرى، فيجعلها تابعة بعد أن كانت قائدة، بل سيصل الأمر بالأمة إن لم تهتم بثقافتها وتتعلمها وتعلمها بالشكل الصحيح والدقيق إلى الاضمحلال ثم الزوال لا سمح الله، وهذه هي الكارثة التي تخشى كل أمة حية أن تحل بها.
إن الثقافة الإسلامية التي نحن بصدد الحديث عنها في هذا الكتاب وبيان أهميتها ومدى الحاجة إليها في تكوين شخصية المسلم المتميز هي في حقيقتها لا تعني علماً بعينه من العلوم الإسلامية. ولكنها تعني علوم الإسلام كلها في عرض واضح وإيجاز بليغ
ولذلك نقول إن الثقافة الإسلامية قد خلَّفت تراثاً ضخماً في مختلف فروع المعرفة على المسلم أن يكون ملماً بهذه المعارف التي كونتها وخلفتها الحياة الإسلامية على مدى قرون عديدة، والتي دبجت ضمن سلسلة من الكتب التي تتناول هذه المعارف في مجالات الدراسات الإنسانية أو العلمية عرضاً لهذه الثقافة أو إشادة بتأثيرها الحضاري.
خطة البحث:
سيشتمل البحث على خمسة فصول تناولها سيكون على النحو التالي:
الفصل الأول: ... ماهية وأهمية وأهداف الثقافة الإسلامية وسيكون مدخلاً للقارئ لمعرفة الأساسيات في علم الثقافة الإسلامية.
الفصل الثاني: ... نشأة علم الثقافة ومجالاته. وفيه سيتبين لنا متى بدأ التدوين في هذا العلم. وما هو المنهج الذي قام عليه ذلك التدوين والمجالات التي يبحثها، ومكانة هذا العلم بين العلوم والمجالات الشرعية الأخرى.
الفصل الثالث: سمات ومميزات الثقافة الإسلامية وفيه سنحدد صفاتَ تظهر تميز هذه الثقافة عن غيرها من الثقافات الكونية الأخرى.(6/231)
الفصل الرابع: أسس ومرتكزات الثقافة الإسلامية ويتبين لنا فيه الأسس التي يقوم عليها علم الثقافة والتي ستكون في مصادرها المتمثلة في مصادر الدين الإسلامي الأساسية وهي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتراث الإسلامي المجيد، وكذلك يتمثل في غرس الوازع الديني في النفوس. وسيكون أيضاً من تلك الأسس عالمية دعوة الثقافة الإسلامية.
الفصل الخامس: العلاقة بين الثقافة والحضارة والعلم: وسنبين فيه تلك العلاقة الوثيقة بين هذه المسميات الثلاثة من خلال المفهوم الإسلامي للحضارة.
الفصل الأول: ماهية وأهمية وأهداف الثقافة الإسلامية
تمهيد:
لاشك أن عالمنا اليوم يموج بموجات فكرية شتى ويزخر بتيارات ثقافية عديدة ومما لاشك فيه أيضاً أن كل ثقافة لها منهجها الخاص بها وهدفها الذي تسعى لتحقيقه وأتباعها الداعون إليها، الأمر الذي يجعل الإنسان قبل أن يتبع أو ينحى منحى ثقافة معينة تنتابه الحيرة والتردد أمام كثرة الثقافات مختلفة المشارب والنوازع والتي تتميز بالتضارب في مناهجها وتوجهاتها. وتبدأ تتوارد في الذهن أسئلة كثيرة، أي ثقافة من هذه الثقافات صحيح؟ أيها منحرف وغير صالح حتى أتجنبه؟ أيها يروي ظمئي الفكري ويسد حاجتي العلمية؟ ثم أيها أحق بالإتباع وأيها أولى بالابتعاد؟ هل أنا مأمون الجانب إذا ما اخترت واحدة من هذه الثقافات من المزالق والإنحراف عن جادة الطريق فيما يصلح ديني ودنياي؟ إلى غير ذلك من التساؤلات.
وفي هذا البحث الذي بين أيدينا سنعرض لأهم هذه الثقافات المطروحة في الساحة، ألا وهي الثقافة الإسلامية والتي تجمع لمنتهجيها والعامل فيها أطراف علوم الدين الإسلامي، ونظمه والمفاهيم المتعلقة بتلك النظم وتجعل التابع لهذا الدين على وعي وقدرة في مجابهة أعدائه ونحن سنحاول أن نبرز بنزاهة أهمية هذه الثقافة وأنها الثقافة الأصلح والآمن لحياة سعيدة في الدنيا والآخرة.(6/232)
ومن خلال ما يأتي من مباحث ومسائل يتبين كل ذلك، وأولها المفهوم الذي سيكون المدخل إلى هذا العلم. ويتضمن تعاريف الثقافة بصفة عامة والثقافة الإسلامية بصفة خاصة من حيث اللغة والإصطلاح.
مفهوم الثقافة
إن في عقولنا جميعاً مفهوماً مشتركاً عن الثقافة يخالطنا في كل لحظة من لحظات التفكير التي يأتي فيها ذكر الثقافة. ولكن قد يستعصي على الحد الجامع المانع كما يقول المناطقه لأننا لا نستطيع أن نُميِّز بسهولة بين ما هو من الثقافة وما ليس منها دون أن نستخدم مقياساً معيناً يكون سابقاً على البحث نصطنعه أو نصنعه (1) .
وإن كلمة ثقافة هي من الكلمات التي دار حول معناها الجدل كثيراً إذ أن هذه الكلمة لم تُعرف بهذا المسمى إلا في العصور المتأخرة سواء في التراث الإسلامي أو التراث الغربي الذي أخذت الكلمة عنه مع اختلاف المدلول بيننا وبينهم، وقبل أن نثبت ما دلت عليه الكلمة في معاجمنا العربية وما تدل عليه في اصطلاح تراثنا الإسلامي، نقف وقفة سريعة على معنى كلمة (ثقافة) في اللاتينية إذ تعني (CULTRE) فالمعنى يختلف عن المفهوم العربي للكلمة إذ هي تشتق من الكلمة (CULTUR)
أو (CULTUS) ومن الأصل (CULTIVARE) وتحمل الكلمة أساساً معنى زراعة (CULTIVATION) وإن اتسع المعنى والمفهوم بعد ليشير إلى معان أخرى كالتدريب
(TRAINING MENTAL) والرضاعة (FOSTERING) والزخرفة
(ADORMENT) والعبادة (WORSHIP) والعقيدة (CULT) وإن كانت كل هذه الاصطلاحات والمعاني سواء ما استخدم فيها بمعنى وصفي أو وظيفي إنما تُعبِّر عن تهذيب شئ ما وتحسينه أو تنميته ويرى أحد الكتاب الغربيين وهو (كهلر)
(KOHLER) أن مفهوم الكلمة الذي يشير إلى زراعة إنما يرجع إلى العصر الوسيط حين كانت توصف عبادة الله بأنها بمثابة زراعة في أرض الله، أو لله تؤدي إنتاجها في الآخرة (2) .(6/233)
ولكن مالك بن نبي المفكر الإسلامي والكاتب المعروف يرى أن مفهوم ثقافة (CULTURE) إنما هو ثمرة من ثمار عصر النهضة ظهر عندما شهدت أوروبا في القرن السادس عشر الميلادي فجر عصر جديد من الإنتاج في القيم وفي الفكر والأدب والفن وأن علينا أن نترجم ظاهرة الثقافة تلك في ضوء العقلية الأوروبية بعامة والفرنسية بخاصة، لأن الأوروبي والفرنسي بالذات في رأيه أن (المثقف) هو إنسان الأرض وأن حضارة أوروبا في جوهرها هي حضارة الزراعة، وأن عمليات الزراعة من إستنبات، وحرث، وري، وبذر، وحصد ذات دور هام في صياغة نفسية الأوروبي ورموز حضارته. مما جعله يطلقها – أي الزراعة – إطلاقاً مجازياً على الفكر حين يتعاظم إنتاجه في فترة ما، ولهذا فإن هذه الإستعارة أُطلقت على واقع إجتماعي فخلقت مفهوماً جديداً هو مفهوم الثقافة (1) .
وإذا كان علماء القرن التاسع عشر يميلون إلى ربط مفهومهم للثقافة بالمسلمات الفلسفية التي راجت في ذلك العصر حيث كانوا غالباً ما يتحدثون عن الثقافة كشيء منفصل عن الأشكال الخارجية التي تنظم هذا المفهوم. فإن علم الإجتماع الحديث يرى أن الثقافة ينبغي النظر إليها كجزء لا ينفصل عن الواقع الإجتماعي الذي يعيشه الناس في ذلك المجتمع في صوره المختلفة.
التعريف اللغوي للثقافة:(6/234)
بعد هذا الإستعراض المقتضب لكلمة ثقافة (مجردة) في المفاهيم غير العربية نحاول أن نستشف معنى هذه الكلمة من المعاجم العربية للغة فنجد أنها من باب (ثقف) وقد ورد هذا الفعل في القرآن الكريم في قوله تعالى (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) (1) أي وجدتموهم أو أدركتموهم، وهنا ثقف من باب تعب وثقف تمكن من فهم الشيء أو العثور عليه، وبما أن العثور على الشيء تمكن منه فأصلهما واحد، وفي حديث الهجرة (هو غلام لقن ثقف) أي ذو فطنة وذكاء، والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه، وقد جاء في أساس البلاغة للزمخشري، (ثقفناه في مكان كذا أي أدركناه) ، وثقفت العلم والصناعة في أقصر مدة إذا أسرعت أخذه، وثاقفه مثاقفة أي لاعبه بالسلاح (2) وفي لسان العرب لا يختلف التعريف عن هذا المعنى (يقال ثقف الشيء) وهو سرعة التعلم، وثقفت الشيء حذقته، ويقول صاحب كتاب الرائد ثقف يثقف ثقفاً وثقافة أي صار حاذقاً ماهراً، وثقف يثقف وثقافة وثقوفة الشيء تعلمه سريعاً ووردت أيضاً ثقف يثقفُ ثُقفاً، أدركه أو وصل إليه الشيء وظفر به ومنها قوله تعالى (وإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) (3) ومنها ثقف الرمح أي قومه وسواه أو هذبه وعلمه (4) وإلى نفس المعنى تشير دائرة معارف القرن العشرين لفريد وجدي (المجلد الثاني) ثقف يثقف ثقافة فطن وحذق، وثقف العلم في أسرع مدة أي أسرع أخذه، ويؤكد صاحب المنجد في اللغة المعاني السابقة ويقول (الثقاف من النساء الفطنة، وثقف الرمح أو الولد، وقومه وسواه فتثقف أي هذبه وعلمه فتهذب وتعلم فهو مثقف وهي مثقفة) (5) .
وبهذا المفهوم اللغوي لكلمة ثقافة. لا يبعد المعنى المتداول على الألسنة في المجتمع العربي حين يشير الناس عادة إلى معنى (الثقافة) على أنه الفهم والحذق أو الخبرة بالشيء وفهمه وإدراك معانيه.
تعريف مختار:(6/235)
.. ونختم هذه التعاريف بتعريف مختار هو (الثقافة في اللغة هي الفهم وسرعة التعلم وضبط المعرفة المكتسبة في مهارة وحذق وفطنة.
تعريف الثقافة في الاصطلاح:
... قبل أن نحدد مفهوماً إصطلاحياً للثقافة الإسلامية أرى أن نثبت هنا بعض التعاريف الإصطلاحية للثقافة عند غير المسلمين فنجد أن أحد الكُتاب الغربيين يحدد ذلك المفهوم وهو (هنري لاوست) بقوله (إن الثقافة هي مجموعة الأفكار والعادات الموروثة التي يتكون فيها مبدأ خلقي لأمة ما، ويؤمن أصحابها بصحتها وتنشأ منها عقلية خاصة بتلك الأمة تمتاز عن سواها) (1) .
ويُعرف (آرنست باركر) الثقافة بأنها (ذخيرة مشتركة لأمة من الأمم تجمعت لها وانتقلت من جيل إلى جيل خلال تاريخ طويل، وتغلب عليها بوجه عام عقيدة دينية هي جزء من تلك الذخيرة المشتركة والأفكار والمشاعر واللغة) (2) وفي اصطلاح مجموعة من الباحثين: أن الثقافة هي (مجموعة المعارف والجوانب الروحية الأصيلة من حياة الأمة ممثلة في تعاليمها الدينية وتقاليدها وأدبها وفنها وفلسفتها وأنظمة تفكيرها في الحياة والسلوك) (3) .
هذه بعض من تعاريف كثيرة ومختلفة في جانبها الإصطلاحي لكن نريد أن نستعرض بعض التعاريف التي عُرِّفت بها الثقافة الإسلامية إصطلاحاً ثم نحاول أن نختار أحدها على إعتبار أنه جامع مانع.
يقول أحد الكتاب المسلمين عندما حاول أن يعرف الثقافة الإسلامية: (إن ما نعنيه بالثقافة الإسلامية هي تلك المعارف والسبل التي تصوغ الفرد والمجتمع (لاسيما الشباب) صياغة إسلامية تسمح لهم بصياغة الواقع الذي يعيشونه وفق الرؤية الإسلامية للحياة على أنها ليست مجرد مجموعة المعلومات النظرية بل هي في إطار أنها إسلامية – تعني – تحويل الواقع العقلي والوجداني بطريقة تتمكن من أن يكون العقل والوجدان قادرين على تكييف الواقع الخارجي تكييفاً إسلامياً) (4) .(6/236)
ويرى البعض أنه لا ينبغي أن نجاري الغرب في تعريفاتهم للثقافة وأن علينا أن نُعرفها تعريفاً إسلامياً مستقلاً لا نكون فيه تابعين ولا مقلدين ولا آخذين من تعريفاتهم إذ يقول في تعريفها (في رأينا أن مفهوم الثقافة يجب أن ينال تحديداً بصبغة إسلامية بحتة – وهذا المفهوم الذي يعطي الثقافة الإسلامية تلك الصبغة الخاصة بها والمميزة لها وهو أن نعرفها بأنها (الحكمة) وذلك كما ورد في القرآن الكريم عن مفهوم الحكمة، فإن الحكمة كما فسرها به علماء الإسلام والسلف تشمل معاني كثيرة منها العلم والعمل وإتباع السنة، فالسنة تفسير وتطبيق للقرآن، والمعرفة بالقرآن، والتفقه في الدين ومعرفة الحلال والحرام وما يترتب على ذلك كله من خشية الله فإنه من المعلوم أن هذه المعاني جميعاً تلتقي في النهاية على معنى واحد وهو العلم بالإسلام والعمل به يقول ابن عباس في تفسير قوله تعالى (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) (1) .
يعني بالحكمة المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله) (2) .
ويقول الإمام مالك رحمه الله (وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هي الفقه في الدين) (3) .
التعريف المختار للثقافة الإسلامية:
يقول أحد المتخصصين في علم الثقافة الإسلامية وبعد استعراض منه أيضاً من التعاريف المختلفة (أرى أن الثقافة مصطلحاً يعني العلم الذي يبحث كليات الدين في مختلف شئون الحياة فإذا وصفت بدين معين إختصت بكليات ذلك الدين وعليه (والكلام له) فالثقافة الإسلامية هي (علم كليات الإسلام في نظم الحياة كلها بترابطها) (4) .
ولأن هذا التعريف أعتبره جامعاً مانعاً ويتبين كونه جامعاً مانعاً من خلال فدلكة هذا التعريف وهذا ما اختاره وأميل إليه.
فقولنا: (علم) يخرج به المفهوم العام للثقافة الذي يعني النشاط الأدبي والفني.(6/237)
وقولنا (كليات الإسلام) : يعني أصوله ومقوماته في جميع نظمه فيخرج به فروع الإسلام في نظمه المتعددة لأن هذا من شأن العلوم المتخصصة كالعقيدة في النظام العقدي والعبادات، والمعاملات في الفقه، وهكذا بقية النظم الأخرى.
وقولنا (في نظم الحياة) : شمول واستقصاء لسائر نظم الحياة البشرية وهذه النظم هي العقيدة، العبادة، الدعوة والحسبة، الأخلاق، الاجتماع، السياسة، الاقتصاد، العلم والمعرفة.
وقولنا (كلها) : تخرج به العلوم الشرعية المتخصصة بنظام واحد أو بعض تلك النظم، حيث تدرس أصول هذا النظام وفروعه كعلم الفقه مثلاً، أما علم الثقافة فيبحث في نظم الإسلام كلها جميعاً دون تعمق في فروعه كماسبق.
وقولنا (بترابطها) : تخرج به البحوث الإسلامية الموسوعية التي تجمع العلوم الإسلامية في مؤلف واحد لكن في إستقلالها التخصصي وإنفصالها، أما علم الثقافة فيبحث إرتباط هذه النظم ببعضها وأثر كل منها على غيره.
وفي نهاية هذا المفهوم للثقافة بصفة عامة والثقافة الإسلامية بصفة خاصة أحب أن أشير إلى أن الفصول القادمة ستبين معنى الثقافة الإسلامية بشكل أكبر وأوضح وستزيد القارئ معرفة بأهمية هذا العلم وحاجة المسلم إليه.
أهمية الثقافة:
الثقافة هي عنوان الأمة بين الأمم الأخرى، فإذا ما أردت أن تُقيِّم أمة من الأمم فعن طريق ثقافتها، فالعلاقة وثيقة بين الأمة وثقافتها لدرجة أن بعض المفكرين والكتاب لا يجد وسيلة لتعريف الأمة أو الجماعة إلا من خلال ثقافتها فكلما كانت خصائص الثقافة قوية ومتميزة كلما انعكس ذلك على شخصية وسمعة الأمة وتقدمها، وثقافتنا الإسلامية بما سنعرفه في فصل قادم عن خصائصها متميزة، كيف لا وهي ذات المصدر الرباني ، ثقافة منهجها الدين الخاتم (إن الدين عند الله الإسلام) (1) ، (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (2) .(6/238)
ولقد أدركت الدول المعاصرة أن ثقافتها هي هويتها وأهم عناصر شخصيتها. لذا حرصت على حماية ثقافاتها بكل الوسائل التي توفر لها الأمن الثقافي من كل غزو فكري معادٍ حيث شاع في نظام الدول المعاصرة ما يعرف بالأمن الثقافي كل ذلك من أجل حماية الثقافة من كل ما يصادمها إذ لم يعد الغزو كما كان في الماضي عسكرياً أقصى ما يحقق إحداث تدميرٍ مادي محدودٍ بينما الغزو الفكري يضرب الأمة في الصميم (أي في شخصيتها وهويتها) . فماذا يبقى إذا ذهبت شخصية الأمة؟ بقدر ما تخترق ثقافة ما ثقافة أخرى وتصيبها في ثوابتها الثقافية بقدر ما تكون الأخيرة تابعة لها. وهذا بداية الانهزام ثم الانهيار كلياً وهنا تكون الكارثة ومن ثم ضياع الأمة لتحل محلها أمة أخرى من خلال ثقافة جديدة مغايرة ويمكن أن تبرز أهمية الثقافة من خلال رصد دورها في حياة الفرد وضرورتها للمجتمع وأهميتها للتربية وهذا بالنسبة للثقافة أي ثقافة. فكيف بالثقافة الإسلامية التي تعلم الفرد المسلم كيف يقوم بمهمته التي خلق من أجلها وتبصره كيف يعبد ربه على علم ونور وبصيرة. لاشك أن الأثر والأهمية أكبر.
أهمية الثقافة للفرد:(6/239)
ينمو الفرد بيولوجياً سواءً عاش داخل مجتمع إنساني أو معزولاً عنه. لكن شخصية الفرد وتميزه وتكامل تلك الشخصية الإنسانية لا تتم ولا تنمو إلا في إطار إجتماعي إنساني، لذا يحق لنا أن نقول أنه لا شخصية للفرد بدون مجتمع ولا مجتمع بدون ثقافة، فالثقافة إذن هي الوسط الذي تنمو فيه شخصية الفرد، بمعنى أنها الوسيلة التي تُشكل أفكار الفرد، ومعتقداته، وخبراته، ودوافعه، وطرق تعبيره وإنفعالاته، كما أن الثقافة هي التي تحدد له المعايير والقيم التي يسترشد بها في سلوكه، وتفرض عليه العادات والتقاليد التي يتمسك بها، ومن هنا يؤكد علماء الإجتماع أن طابع الشخصية له علاقة وثيقة بنمط الثقافة الذي تعيش فيه هذه الشخصية، ومن هنا أمكن أن نقول إن شخصية الفرد صورة للثقافة التي نشأ فيها.
أهمية الثقافة للمجتمع:
يقول أحد الكتاب المسلمين في شأن هذه الأهمية للثقافة بالنسبة للمجتمع (إن هناك من يعتقد أن ثقافة المجتمع تتكون من مجموع ثقافات أفراده، وآخرون يعتقدون أن الفرد ليس إلا وحدة من تلك الوحدات العديدة التي تشكل فيها ثقافة المجتمع، وأياً كان الأمر فإن إمتلاك أفراد المجتمع لثقافة مشتركة أمر حيوي لشعور أعضاء هذا المجتمع بالوحدة وتسهيل سبل المعيشة والعمل المشترك، فالثقافة تحقق للمجتمع مجموعة من الوظائف الحيوية التي تُمكنه من تحقيق أهدافه المنشودة وثقافة المجتمع ترادف الشخصية القومية التي تحدد السمات العامة للأنماط السلوكية) (1) .
(وبهذا تختلف الشعوب عن بعضها وهذا الإختلاف يعزى في أساسه إلى إختلاف العقيدة والتقاليد والقيم والإتجاهات الفكرية ومجموعة المعاني والرموز التي تسود ثقافة المجتمع، فالشخصية القومية هي التي تستمد مقوماتها من خلال تربية المجتمع لأبنائه تربية يتشرب بها الصغار من الكبار الأنماط الثقافية المختلفة.(6/240)
والثقافة تهيئ للأفراد وسائل التفاعل داخل الجماعة وهذا التفاعل بدوره يحقق مزيداً من الوحدة والتماسك بين أفراد المجتمع ويمنعهم من الوقوع في أي نوع من أنواع الصراعات المختلفة) (1) .
ولا يمكن في غمرة تأكيدنا على أن الأمة تحرص على ثقافتها وتحميها من أي إختراق من الثقافات الأخرى، لا يمكن بحال أن يعني ذلك بأن نقول إن الثقافة لا يمكن أن تتصل بالثقافات الأخرى وتتفاعل معها، فإن ذلك في الحقيقة يصادم تنمية هذه الثقافة ويمنع إيصال رسالتها إلى الأمم الأخرى، فإذا نمّت هذه الثقافة ذاتها من الداخل وحافظت على ميزاتها وخصوصياتها فلا يمنع أن تتصل بعد ذلك وتتواصل مع أي ثقافة أخرى يمكن أن تفيد منها، سواءً على مستوى الأفراد أو الجماعة.
أهمية الثقافة للتربية:
التربية لا تتم إلا على أساس من ثقافة معينة محددة المعالم، والعلاقة بين الثقافة والتربية هي علاقة تأثير وتأثر، إذ تتأثر التربية بالنمط الثقافي الذي يسود المجتمع فهو الذي يحدد أهداف التربية ويرسم سياستها ويُشكل أساليبها وممارستها (والتربية بدورها تمكن الثقافة من الإستمرار والتطور، فالتربية ليست عملية ثقافية لأنها تشتق مادتها وتنسج أهدافها من واقع حياة المجتمع بثقافته، كما أن الثقافة لا تستمر إلا باكتساب الأفراد لأنماطها ومعانيها وهذه وتلك لا تتم إلا من خلال عمليات تربوية) (2) .
وإذا كانت الثقافة مكتسبة فإنها لا تعتمد على التربية في إكتسابها، فعن طريق التربية يتم دمج الناشئين في ثقافة المجتمع وإذا كانت الثقافة تبقى وتُستمد عن طريق عن طريق ما يتوارثه وينقله الأفراد من جيل إلى جيل، فإن التربية وحدها هي وسيلة النقل الثقافي في كل زمان ومكان، ومن هنا إكتسبت التربية تلك الأهمية بالنسبة للثقافة.
فائدة علم الثقافة الإسلامية:
إن علم الثقافة الإسلامية له فوائد عديدة ولعل من أبرزها:(6/241)
1. عرض نظم الإسلام الكثيرة بترابطها ليأخذ طالب العلم دين الله بشموليته التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة، وتلقاها صحابته رضوان الله عليهم ثم نقلوها لمن بعدهم.
2. تأصيل المفاهيم المتعلقة بالإسلام وبيان معانيها الصحيحة ورد المفاهيم الخاطئة التي راجت في عصور التخلف أو أدخلت على المسلمين من أديان ومذاهب أخرى.
3. نقض، ودحض، وتفنيد المفتريات التي حيكت ضد الإسلام من مختلف التيارات المحاربة له قديماً وحديثاً.
4. بيان نجاح مبادئ الإسلام في تحقيق سعادة الحال والمآل مقارنة بالإخفاق الذي يحيق بالمذاهب البشرية الأخرى من خلال نقد مبادئها ومناهجها المصادمة لمراد الله من خلقه.
5. يعمل هذا العلم من خلال ما ورد في الفقرة (3) أعلاه، على جعل المهتم بهذا العلم على إطلاع دائم بثقافات عصره.
6. بعلم الثقافة يمكن المحافظة على الربط بين كليات الإسلام في نظمه وشرائعه.
أهداف الثقافة الإسلامية:
إن للثقافة الإسلامية أهدافاً نبيلة وعظيمة وكثيرة تصب جميعها في إتجاه الرفع من مستوى المسلم الفكري فيما يتعلق بفهمه لدينه، ومن ثم تطبيقه تطبيقاً صحيحاً يضمن به القبول عند الله عز وجل، ولعل من أبرز هذه الأهداف للثقافة الإسلامية ما يلي:
1. تكوين الشخصية الإسلامية المتميزة على مستوى الفرد والأمة، وإعطاء الهوية الإسلامية المتميزة والمستقلة الأصيلة لكل مسلم بحيث لا تختلط عليه المفاهيم والطروحات التي قد تصادفه في حياته بمختلف وجوهها، وتحصنه من أي غزو فكري قد يوجه له بقصد زعزعة عقيدته في نفسه.(6/242)
2. تؤهل المسلم لأن يكون قادراً وفعالاً في عرض عقيدته على غير المسلمين فيحقق بذلك غاية نبيلة وهدفاً سامياً ألا وهو الدعوة إلى الله عز وجل الذي هو مطلوب من كل مسلم بحسبه (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) (1) ، (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (2) .
3. إيجاد الوعي العلمي الصحيح بحقيقة الإسلام وشموله لكافة متطلبات الحياة وأن هذا الدين هو منهج حياة يتلمسه المسلم في كل شأن من شئونه وفي كل خطوة يخطوها في حياته وسيره إلى الله عز وجل.
4. المساهمة في إيجاد المسلم القوي الصالح الذي يَعمُر هذا الكون وفق ما شرع الله تعالى.
5. تنمية شعور الولاء للأمة الإسلامية، والإلحاح على أهميتها ومكانتها ورسالتها العظيمة في الحياة، وأن كل فرد فيها يسعى من ناحيته لتحقيق هذه الرسالة وبدون هذه الثقافة الإسلامية لا تتضح هذه الرؤية في ذهن المسلم.
6. تصحيح الأفكار الخاطئة التي أثارها وأشاعها أعداء الإسلام في شأن المقولة التي تقول إن سبب إنحطاط وتأخر المسلمين مرجعه إلى تمسكهم بدينهم، وإثبات أن العكس هو الصحيح في أن سبب تأخر المسلمين إنما هو بسبب نكوصهم عن تعاليم هذا الدين، وتفريطهم في الإلتزام بهديه وتوجيهاته الخاصة والعامة والتي تحث على العلم والأخذ بأسباب التقدم.
7. تحصين المسلم ضد المبادئ والعقائد الهدامة المنتشرة فيما حوله من المجتمعات التي لا تؤمن بالله رباً ولا بالإسلام ديناً ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً.
8. إيجاد الأرضية العلمية القادرة على تربية النشء وتوجيههم نحو التمسك بدينهم بطريقة تضمن إستقامتهم وسيرهم بعيداً عن الإنحرافات والضلالات.
الفصل الثاني: نشأة علم الثقافة الإسلامية ومجالاته
البدايات:(6/243)
إن نشوء علم الثقافة الإسلامية لم يكن بدعاً ولم يكن حديثاً وإنما قام على منهج الكتاب والسنة في عرض رسالة الإسلام في جوانبها المختلفة، من إيمانية وعبادية وخلقية وإجتماعية وبدأ هذا العلم يأخذ طابع التخصص حيثما ظهرت الحاجة إلى ذلك، فإنه وعندما إتسعت العلوم الشرعية وتفرعت إلى تخصصات مختلفة حيث إقتضى الأمر ذلك التخصص في علوم الشريعة ليُتمكن من كل علم على حدة، أصولاً وفروعاً، ولكن ومع نشوء هذا التخصص فإن ذلك لم يصرف كبار العلماء عن التأليف في شمولية الإسلام، في العصور الأولى للتأليف، لكن وبعد أن جاءت العصور التي طغى فيها ذلك التخصص حتى أصبح العالم في كل علم من العلوم يستغرق في دراسته دقائق وتفصيلات ذلك العلم منصرفاً عن العلوم الأخرى ظهرت الحاجة إلى وجود ذلك التأليف الشمولي وتأصيله. فقد وجد أن أئمة العلم في الزمن الماضي كانوا حتى مع تخصص أحدهم في بعض فنون العلم يؤسسون علمهم على علم سابق بأصول الإسلام في نظم الحياة جميعها في ترابطها الشامل (1) .
وفي العصر الحاضر حينما سهل الإتصال بين الناس وتيسرت وسائل المعرفة جهد أصحاب المذاهب الباطلة في نشر مبادئهم فيما يسمى (بالأيدولوجيا) أي الأصول العامة في الوجود والكون والإنسان ونظم الحياة المختلفة، فأصبح من السهل على الإنسان أن يأخذ تصوراً متكاملاً عن مذهب ما من تلك المذاهب من خلال كتاب واحد يجمع أصوله في كل النظم (2) .
فاتجه بعض علماء المسلمين غَيرةً على دين الله ودعوة إليه وتقديماً للبديل الصحيح المتمثل في الأخذ بالإسلام والإغتناء به عن تلك المذاهب إلى الدراسة الشمولية للإسلام (3) . في نظمه المترابطة وكليته تحت إسم الثقافة الإسلامية فخرجت لنا عشرات الكتب في هذا الجانب الهام وهذا العلم هذا الكتاب أحدها.
منهج علم الثقافة الإسلامية:
إن من أبرز القواعد المنهجية لهذا العلم ما يلي:(6/244)
1. الكلية: فالثقافة تبحث في الاسلام – في نظمه المتعددة – بصفته كلا مترابطاً، ووحدة متكاملة وتؤكد التداخل بين نظمه من أجل أن
يعطي هذا العلم آخذه تصوراً متكاملاً عن الإسلام متقياً الصورة المجزأة للإسلام.
2. المقارنة: وهي من دعائم منهج هذا العلم لأن هذا العصر عصر صراع فكري بين المذاهب، ولأن تلك المذاهب غزت بلاد المسلمين وزاحمت المسلمين في حياتهم فكانت المقارنة خاصة بالثقافة الغربية بفرعيها الديموقراطي والإشتراكي من قواعد علم الثقافة في الإسلام، ولا ينحصر منهج المقارنة بتيارات الفكر الغابرة، وشبه الزنادقة القدماء بل يركز على تيارات هذا العصر وقضاياه وإن لم يغفل ما سبق.
3. التأصيل: مع أن علم الثقافة علم مقارنة إلا أن منهج هذه المقارنة تابع لمنهج التأصيل. والتأصيل في هذا المقام هو بحث النظم في الإسلام من خلال الكتاب والسنة، وفهم السلف، وإجتهاد أئمة العلم المسلمين دون تأثر في ذلك بأصول المبادئ الأخرى، أو ما كتبه أعداء الإسلام من شبه في مسائل تلك النظم.
4. النقد: يتجاوز هذا العلم المقارنة المُبينة لفضل الإسلام على المذاهب الأخرى إلى النقد العلمي لها، سواء تمثلت في مذاهب ونظريات لها مناهجها في الوجود والكون والإنسان كالإشتراكية والتطورية، أو تمثلت في تيارات تحارب الإسلام ونظمه كالإستشراق والتنصير.
فيم يبحث علم الثقافة الإسلامية؟
إن علم الثقافة الإسلامية يبحث في العديد من نظم الدين الإسلامي ومفاهيمها ومناهجها وآراء خصوم الإسلام تجاه هذه النظم وكذا بعض النظريات المصادمة لهذه النظم ومن أبرز ما يبحث فيه ما يلي:
1. نظم الدين الإسلامي كلها بترابطها:
ومن أبرز هذه النظم:
أ. نظام العقيدة: الألوهية، الوجود، والإنسان – أصلاً ومصيراً وحكمة وجوده والكون أصلاً وحكمة ونهاية والحياة دنيا وأخرى.(6/245)
ب. نظام العبادة: مفهومها، ومقامها في الدين، ومجالاتها، وآثارها وشروطها، وشعائرها الكبرى.
ج. نظام الدعوة والحسبة: حكم الدعوة، ومنهجها، وأهدافها وحركاتها التجديدية.
د. النظام العلمي: مقام العلم، وحِكمِه، ومصادره، ومناهجه، وأقسامه، وكليات الدين في التعليم والتربية.
هـ. النظام الخلقي: الشعور الخُلُقي، ومعيار القيم، ومصدر الإلزام الخُلُقي، وأصول الأخلاق الإسلامية.
و. النظام العائلي: الزوجية، والطفولة، والآباء، والأبناء، والأرحام.
ز. النظام الإقتصادي: العمل، والملكية، والتضامن والتكافل الإجتماعي والمادي، ومنها الزكاة.
ح. النظام السياسي: الحكم، والسلطة، والإدارة، وحقوق الإنسان، وحقوق الحاكم والمحكوم وواجبات كل منهما.
هذه النظم يبحثها علم الثقافة من حيث مصادرها، وأسسها، وخصائصها، وأهدافها، وآثارها ووسائلها الكبرى، أما تفضيلات كل نظام ودقائقه فمن شأن المتخصصين في هذه النظم.
2. المفاهيم المتعلقة بنظم الإسلام ومنهجه:
تأصيلاً على أساس الكتاب والسنة، وفهم السلف، ودفعاً للمفاهيم الخاطئة التي انحرفت عن ذلك الأصل.
ومن أمثلة تلك المفاهيم الحرية، والتسامح الديني، والتوكل، والعبادة الإسلامية، والسلفية، والعلم، والتجديد في مجال الدين والموضوعية، والبطولة …
3. القوى المعادية للإسلام وأهله:
يبحث هذا العلم شبههاً حول الإسلام ومناهجها في محاربته ودوافع تلك الحرب وآثارها من أجل رد الشبه ومواجهة تلك الحرب وكشف حقائق تلك القوى وضررها على الإسلام وأهله وسبل وقايتهم منها.
ومن هذه القوى الإستشراق، والتنصير، والماسونية، والصهيونية.
4. المذاهب والنظريات الحديثة:(6/246)
لبيان ما يتفق منها مع الإسلام، أو يختلف، ونقد مبادئها الفاسدة وبيان إخفاقها في الواقع البشري مقابل نجاح مبادئ الإسلام في تحقيق السعادة. ومن تلك المذاهب الرأسمالية والإشتراكية وبعض الأديان القائمة.
ومن النظريات:
التطورية، والعلمانية، والوجودية، والفرويدية، والوضعية، والنظريات الإجتماعية الضالة.
وهذه الموضوعات الأربعة مرتبطة فيما بينها، ووجه الإرتباط أن تلك القوى والمذاهب التي تسعى إلى زحزحة الإسلام ومنهجه عن حياة التابعين له ووقف مده عن من لم تصلهم دعوته، هو بما تثيره من شبه حوله أو بما تقدمه من نظم بديلة. ومن هنا كان مقتضى بحث أصول الإسلام في نظم الحياة البشرية هو بيان بطلان تلك النظم المقابلة خاصة أن الإختلاف في تلك الأصول بين الإسلام وبينها عظيم جداً وإليك توضيحاً لبعض من تلك الأصول:
الإيمان بعالم الغيب أساس الإسلام (وهو منكر الإعتبار في الثقافة المادية) بما فيه وجود الله عز وجل والقضاء والقدر..
الدنيا مرحلة إلى الآخرة ومن ثم فالعمل يقوم على هذا الأساس في الإسلام أما في تلك الثقافة المادية فالحياة المعتبرة هي هذه الحياة الدنيا ولا إعتبار لسواها.
الوحي مصدر المعرفة اليقينية في الإسلام ولا إعتبار له في تلك الثقافة بصفته مصدراً للمعرفة..
الإسلام يقوم على حقائق ثابتة في العقيدة والأخلاق وفي تلك الثقافات المادية جميع الأشياء متطورة حتى العقيدة والأخلاق.
المُشرع في الإسلام هو الله وحق التشريع في تلك الثقافات للبشر.
الربا حرام في الإسلام، وهو الأساس الذي يقوم عليه الإقتصاد في تلك الثقافات.
التضامن الأخوي أساس المجتمع في الإسلام، وفي غيره تقوم العلاقات على القومية، والعرقية، والتفرقة العنصرية والمصلحة الآنية أحياناً.
أمثلة لمجال البحث في علم الثقافة الإسلامية:(6/247)
لا ريب أنه بتحدد معنى الثقافة وموضوعاتها يتحدد إطار التأليف في هذا العلم ومجال البحث فيه سواء في رسائل الماجستير أو الدكتوراه أو بحوث المرحلة الجامعية أو غيرها.
وقد يقول متسائل: بما أن الثقافة علم كليات فهل كل بحث فيها لابد له من الشمولية؟
والجواب: أن ذلك ليس لازماً فقد يتناول البحث قضية من قضايا أحد النظم الإسلامية، لكنها قضية أصولية في هذا النظام، ولها صلة بجوانب الإسلام الأخرى، وإذا كان قد سبق ذكر أمثلة لهذا النوع من البحوث عند الكلام عن المجال الذي يبحث فيه علم الثقافة فإني هنا سأذكر أمثلة مفسرة. فمثلاً:
1. موضوع (مصادر المعرفة) من أصول نظام العلم والمعرفة في الإسلام: الذي يتناول العقيدة حينما يبحث في (الوحي) بصفته مصدراً للمعرفة ويتناول أصول الفقه لدى بحثه مهمة العقل في المعرفة وخاصة في ميدان التشريع.
وموضوع (منهج الإسلام في بناء الجماعة ورعايتها) من أصول النظام الإجتماعي ولكن متعلقاته كثيرة في العقيدة، والأخلاق وبعض الجوانب الفقهية.
وموضوع (قضية الحضارة في ضوء الإسلام) يتناول في بنية الحضارة العقيدة والعلم والتشريع بصفتها أسساً لها، كما أنه يُقوِّم الحضارة القائمة على هذه الجوانب.
2. كليات النظم الإسلامية: سواء كان ذلك لنظام واحد أو أكثر وفي هذا المجال تدخل موضوعات مصادر النظام وأسسه وخصائصه وأهدافه وآثاره وتطبيقاته ومسائله الكلية.
فمثلاً – من كليات النظام الخلقي فطرية الشعور الخلقي لدى الإنسان ومعيار القيم ومصدر الإلزام في الأخلاق والمذاهب الوضعية في هذا الشأن.
ومن كليات نظم العلم والمعرفة (مقام العلم، وعلاقته بالعمل ونظرية المعرفة بمباحثها، ومناهج العلوم، وأقسام العلوم وضوابط المعرفة وفلسفة العلوم..) .(6/248)
3. القضايا الفكرية في المجتمع المعاصر: مثل (الحرية، الإختلاط، العنصرية، القومية، الحوار بين الأديان، التطور والثبات، والتجديد في الدين، التراث، الموضوعية والشك) .
وتخصص الثقافة لا يتناول من القضايا المثارة إلا الفكرية العامة، أما التخصصية الجزئية فهي لتخصصات أخرى كما سبق ذكره من قبل.
فقضية الولاء والبراء – مثلاً – من موضوعات تخصص العقيدة وقضية الإجتهاد في إستنباط الأحكام، البحث في وجوبه أو جوازه، أو منعه مثار الآن وهو من تخصص أصول الفقه.
وقضية النسب في أطفال الأنابيب قضية فقهية … الخ.
4. الثقافات البشرية:
أ. مذاهبها الفكرية ونظرياتها (أصولها ووسائلها ومناهجها، وموقف الإسلام منها) .
والمتخصص في الثقافة يدرس مذهبية تلك المذاهب أما مرتكزها العقدي (كالقول بأن المادة هي الموجود الأزلي الأوحد) لدى الماركسية فمن شأن المتخصص في العقيدة وليس الثقافة.
ب. تياراتها المعادية للإسلام (أصول تلك التيارات، وأهدافها ووسائلها ومناهجها في حرب الإسلام، ومجالات طعونها، وآثار عدائها، والشبه المثارة من قبلها، وتطورها، ونقدها إسلامياً) .
علم الثقافة الإسلامية بين العلوم الشرعية الأخرى:
أبرز العلوم الشرعية _ سوى علم الثقافة:
1. علوم القرآن وأبرزها علم التفسير المختص بالبحث عن مراد الله في آياته حسب الطاقة.
2. علوم الحديث التي تبحث في الأحاديث النبوية من حيث المتن والسند صحة وضعفاً.
3. علم العقيدة أو التوحيد الذي يبحث في قضايا الألهيات والنبوات السمعيات.
4. علم الفقه وهو معرفة أحكام الشريعة بأدلتها التفصيلية في الجانب العملي من حياة الإنسان.
5. علم أصول الفقه وهو العلم الذي يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية، ومنهج الإجتهاد، وأحوال المجتهد.
6. علم السلوك وهو علم يبحث في أعمال القلوب وآفات النفوس.(6/249)
هذه هي العلوم الشرعية التي يمثل كل منها تخصصاً مستقلاً محدد المعالم ولكنها رغم ذلك ذات تلازم لأن الشريعة التي قامت لخدمتها لا تتجزأ، وعليه فلابد للمتخصص في أي علم منها أن يركن تخصصه على معرفةٍ كلية بهذه العلوم، ولكن هذه المعرفة الكلية للمتخصص في أي واحد منها لا تغني عن الحاجة إلى متخصص بالدراسة الكلية إستقلالاً (1) ، لأن المتخصص الجزئي سيعود إلى تخصصه تدريساً وقراءة وتأليفاً ومعالجة، بحيث يستغرق فكرة هذا التخصص ومن ثم يغفل عن رعاية الجانب الكلي وعن الإرتباط الحيوي بين كليات النظم الشرعية، والواقع ماضياً وحاضراً يدل على ذلك..
وقد يقال إن هذا جار على عدم إمكانية وجود العالم المتمكن من كليات العلوم الشرعية وتفصيلاتها جميعاً وفي هذا شئ من المصادرة.
وهنا أقول إن الحق – كما أرى – هو ما سبق تقريره، إنه وإن كان هذا ممكناً بل متحققاً للصحابة والأئمة السابقين من بعدهم إلا انه أصبح صعباً بعد توسع العلوم وكثرة تفريعاتها وتشعب مناهجها، وإن تَحقق شئ من ذلك فلقلة من فحول العلماء معدودين كابن تيمية، وابن القيم وأمثالهما من ذوي الملكات الشمولية والموسوعية (2) . وقد يُقِّيض الله من أبناء الأمة الإسلامية من يملك مثل قدرات هذين الإمامين الجليلين.
من ذلك تتبين ضرورة وجود متخصص يبحث الكليات في نظم الإسلام وترابطها، وما إلى ذلك من متعلقات.
ويكون مثاله كالفيلسوف بين علماء الطبيعة، إذ لكل علم مجاله الخاص منهجاً، وموضوعاً، فالرياضيات مجالها الكم، والطبيعيات مجالها الحركة والتغير وعلم النفس مجاله الظواهر النفسية والسلوك … الخ.
والفيلسوف هو الذي يدرس موضوعات هذه العلوم في نظرة جامعة، ويعمل على الجمع بين عمومياتها، لينتج فلسفة موحدة ولهذا سماه (أوجست كونت) (ضابط الإتصال بين مختلف العلوم) (3) .(6/250)
إذا يتبيَّن هذا فإن موقع علم الثقافة بين العلوم الشرعية المشار إليها يتجلى من خلال ما يلي:
1. أنه علم متميز بين هذه العلوم، ليس واحداً منها وليس جمعاً لها.
2. أنه لا يغني وجودها الجزئي المتخصص عنه، كما أنه رغم شموليته لا يغني عنها في تخصصاتها الدقيقة.
3. أن مقامه بين العلوم الشرعية عظيم، لجلالة موضوعه، وهو علم الكليات التي هي الأصل للجزئيات.
4. له صلة بكل علم منها، وهذا جار في كل علم من علوم الشريعة، لا يمكن الفصل بينهما تماماً.
فعلما التفسير والحديث مستندة في أخذ موضوعاتهما من المصدرين الشريفين كالعلوم الأخرى، أما العلوم الأخرى فإنها تبحث في الجزئيات التي تبحث في كلياتها، كما أن كلاً منها يبحث في كلياته المتعلقة بتخصص ذلك الكل.
وبهذه المقتطفات نكون وقفنا على جانب مهم مما يتعلق بنشأة هذا العلم والمجالات التي يمكن أن يغطيها من العلوم الإسلامية وسنقف على ما يزيد فهمنا لهذا العلم ويبين لنا أهميته ألا وهو الخصائص والسمات التي يتميز بها علم الثقافة الإسلامية.
الفصل الثالث: سمات ومميزات الثقافة الإسلامية
إذا ما أريد لبيان الشيء زيادة على تعريفه فإن الوقوف على سماته ومميزاته وخصائصه، وتزيد الأمر وضوحاً، وبين أيدينا هنا عدد من الخصائص التي تثبت تَميز الثقافة الإسلامية على غيرها من الثقافات في كل زمان ومكان، كيف لا وهي(6/251)
(ثقافة عابدة تفرد الله بالعبودية ومن ثم بالحاكمية، فهي ثقافة حرة لأنها تحرر الإنسان من العبودية لغير الله وهي ثقافة عادلة) (1) وعدلها مأخوذ ومنبثق من كونها ربانية في أساس مادتها وسيأتي في تعداد سماتها وخصائصها أنها إنسانية، وعالمية، فهي ليست قومية ولا محلية ولا إقليمية، ومن ثم فهي تكره الإحتكار والإستغلال والظلم في كل زمان ومكان ومن أي شخص كان في كافة السلوك الإنساني حتى ولو كان هذا السلوك صادراً من الأنبياء، والآيات التي تثبت ذلك في القرآن كثيرة ومنها قوله تعالى لنبيه داوود (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله …) (2) وهي ثقافة متعادلة فيها التوازن والوسطية في كل شئ لأن الإسلام كما تشير النصوص وسط في كل أحواله.
ومن خلال ما يأتي من الخصائص والسمات ندرك ذلك التميز وتلك الصفات الفريدة للثقافة الإسلامية والخصائص هي:(6/252)
1. ثقافة ربانية: وتبرز هذه الخاصية والسمة من خلال ظاهرة الوحي الذي حدد الإطار العام للثقافة الإسلامية، وجعل منها ثقافة إنتماء إلى عقيدة التوحيد، فالمسلم في عقيدته تلك يعتقد أن الله هو الذي خلق هذا الكون وسخر ما في هذا الوجود لمصلحة الإنسان، وهذا التصور من المسلم يجعله ينظر للحياة بمنظار يختلف فيه عن الآخرين فهو يعلم أنه مستخلف عن الله في هذه الأرض وأن هذه الحياة ليست غاية وأن الغاية الأساسية هي الوصول إلى سعادة الآخرة وأن ذلك لا يتأتى إلا بسلوك الطريق الذي يرضي الحق سبحانه وتعالى، ويتلمس مكان تلك المرضاة في كل شان من شئون حياته، وهكذا ينظر الإنسان في هذا الكون فيرى فيه قدرة الباري سبحانه وعظمته وسلطانه فيسير في هذه الحياة على وفق السنن التي بثها الله فيه لا يخرج عنها، بل يكون المسلم وهو في أوج قوته وسلطته مؤمناً بربه خاضعاً له لا يداخله الغرور الذي داخل غيره عندما تَمكن من بعض أسباب الحياة كما عند الأوروبيين وغيرهم الذين غرهم تمكنهم من بعض تلك الأسباب.
ومع كون المصدرية لهذه الثقافة ربانية تحدد الإطار الذي يسير فيه الإنسان في الحياة، فإنها في الوقت نفسه لا تلغي حركة الإنسان وتفكيره وإختياراته، من خلال دور العقل البشري في التفسير والتجديد.(6/253)
2. فيها التوازن: إن ما نعنيه بالتوازن كسمة من سمات الثقافة الإسلامية هو التوازن بين ما يدركه الإنسان فيسلم به، وبين ما يتلقاه عن الوحي فيبحث عن علله وبراهينه وغاياته التي تزيد في إيمانه وتقوي عقيدة الغيب في نفسه، وفيها التوازن بين مجال المشيئة الألهية المطلقة ومجال المشيئة الإنسانية المحدودة، ومن هذا التوازن أيضاً ببين عبودية الإنسان المطلقة لله عز وجل وبين مقام الإنسان المكرم في هذا الكون (وفيها التوازن بين مصادر المعرفة وبين التلقي عن الوحي والنص، والتلقي من الكون والحياة، وفيها توازن بين حاجات الإنسان الروحية والمادية والإجتماعية) (1) .
من هنا فإن الثقافة الإسلامية القائمة على هذا التوازن بين كل هذه الجوانب دون أن يطغى جانب على آخر قد استطاعت أن تستجيب لطبيعة الإنسان ونزعاته الفطرية والغرائزية، ولو لم يكن ذلك لاختل التوازن الذي أراده القرآن، وهذا التوازن مرجعه إلى وسطية هذا الدين في كل أمر إذ لا تفريط ولا إفراط.
3. ثقافة إنسانية: يقول تعالى (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً
ونذيراً) (2) إن الثقافة الإسلامية ليست عنصرية ولا ثقافة أمة متميزة بإنتماء نسبي أو عرقي أو لغوي وإنما هي ثقافة إنتماء إلى عقيدة رسم الوحي الإلهي معالمها وحدد أطرها ودعائمها، لا تفرق الثقافة الإسلامية التي مصدرها القرآن والسنة بين شعب وشعب في اللون أو اللغة أو الإنتماء العرقي، فالثقافة الإسلامية تخاطب الجنس البشري دون إستثناء يقول الحق تبارك وتعالى
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (3) . فميزان التفاضل هو التقوى، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.(6/254)
ولو كانت الثقافة الإسلامية ذات إنتماء عرقي أو رباط نسبي لما أسهمت الأمم الأخرى التي دخلت في الإسلام في بناء صرحها، ولما شعرت بالإعتزاز بها، ولما جعلت منها ثقافتها الوطنية فالثقافة الإسلامية ثقافة تجمع ولا تفرق تدعو للترابط وتنبذ الفرقة والتناحر والسبب في ذلك كما قدمنا هو الإنتماء إلى عقيدة واحدة، من مقاصدها قوله صلى الله عليه وسلم (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) (1) فهي تدعوه إلى الوحدة.
4. فيها الوحدة: إن عقيدة التوحيد التي هي الدعامة الأولى للثقافة الإسلامية تتلخص في أن الله واحد لا معبود بحق سواه، وأنه خالق الكون وواهب الحياة، وعليهما نشأة ووحدة الخلق أي الوحدة التي تجمع بين المادة والروح ووحدة العلم والإيمان ووحدة الإنسانية لا تفرقها الألوان ولا الأجناس والأقاليم (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) (2) ويقول الحق أيضاً (يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) (3) .
(ومن هنا كانت تعاليم الإسلام التي هي مادة الثقافة الإسلامية تدعو إلى توفير المبادئ الإنسانية في مجالات العلاقات على الصعيد الفردي والإجتماعي والدولي وتحذر من مغبة العنصرية البغيضة) (4) حتى تكون الأهداف الإنسانية التي من أبرزها تحقيق العبودية لله تعالى، هي الغاية التي يتطلع إليها الإنسان ويسعى نحوها (ولعل أهم معاناة يعانيها الإنسان خارج دائرة الإسلام هي شعوره بالتمزق، وبأنه ليس شخصية واحدة تتجه نحو هدف واحد، فهو يرى أنه أشتات كل منها يرتبط بهدف لا علاقة له بالأهداف الأخرى، وبأنه أنفس عديدة لا نفس واحدة، وبأنه بعيد عن مصيره لا متوحد معه) (5) .(6/255)
وهذه الوحدة تنطلق وتتعانق مع خصيصة أخرى للثقافة الإسلامية ألا وهي الشمول.
5. الشمول: إن النصوص الإسلامية عامة مطلقة في كل شأن من شئون الحياة (ويتمثل ذلك في التصور الشامل الذي يبدأ مع الحقيقة الألهية التي يصدر عنها الوجود كله، وتتناول الحياة وطبيعتها والوجود ومكانة الإنسان فيه، وما يربط بين الله والكون والإنسان من وشائج) (1) .
فالثقافة الإسلامية تأخذ من الإسلام شموله وسعته، لذلك فهي تعرض الحياة متصلة متناسقة محكومة كلها بقانون واحد كبير، في حين أن بعض الثقافات الأخرى تعرضها مقطعة الأوصال فتفقدها معناها الشامل ومغزاها العميق، وذلك لأن بعض أعلام الفكر والثقافة من غير المسلمين قد إختلفت النسب في نفوسهم فلا يرون الحياة إلا من خلال جزئية واحدة من بين جزئياتها إما من خلال الجنس أو من خلال الصراع الطبقي أو من خلال التفسير المادي للتاريخ أو غير ذلك.
ومن هنا حصل الخلل وعدم الإيجابية لتلك الثقافات غير الثقافة الإسلامية التي تميزت نظرتها بالشمول لكل مناحي الحياة، وهذا من أسباب إيجابيتها.
6. الإيجابية: المتتبع للنصوص التي جاءت تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر في القرآن والسنة يدرك تماماً هذه الإيجابية التي كانت ولازالت للثقافة
الإسلامية، فالنصوص الشرعية الإسلامية ليست قاصرة على درء المفاسد، بمعنى أنها ليست رد فعل لما يقدمه الناس فحسب، بل هي تملك زمام المبادرة أيضاً، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (2) .(6/256)
ومن هذه الإيجابية أيضاً أنها لا تكلف الإنسان في شأن الأمر أو النهي أكثر من طاقته (فاتقوا الله ما استطعتم) (1) (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (2) وهي في الوقت نفسه تحذره من التواكل فهي تحثه على العمل وتدفعه إليه وتشجعه (فبناء المجتمع المسلم والإهتمام بقضايا المسلمين هي مسئولية الجميع والمسلم العامل بهذه الثقافة الإسلامية لا يهدأ له بال حتى يرى راية الإسلام خفاقة عزيزة) (3) وأنه لا يشعر بالراحة والطمأنينة حتى يرى شريعة الله تطبق بين خلقه في أرضه، وهذا الشعور من المسلم هو غاية الإيجابية لما يخدم مصالح الإنسانية جمعاء، لأن البشر إذا طبقوا ما تدعو إليه هذه الثقافة سعدوا في الدنيا والآخرة.
7. الثبات والتطور: الثبات والتطور سمة بارزة في الثقافة والشريعة الإسلامية فالأصول والمبادئ ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، ولكن ما يدخله التطور هو التطبيق لهذه الأصول والقواعد الإسلامية، فالإيمان، والتقوى، والبر، والمعروف، والإخاء، والمساواة، والعدالة، والحرية، والحب ن والإحسان وغيرها من القيم الإسلامية، قيم لا يدخلها التغيير كما قلت، ولكن العمل بها وأساليب تطبيقها هي التي يمكن أن يدخلها التطور حتى تكون صالحة لكل زمان ومكان.
وبهذا الاستعراض المختصر لبعض وليس لكل خصائص وسمات الثقافة الإسلامية نكون قد عرفنا عُلُو كعب هذه الثقافة بين سائر الثقافات الأخرى، وأن لا مقارنة، ولكن إثباتها هنا هو فقط لزيادة توضيح مفهوم الثقافة الإسلامية التي أصولها ربانية ومصدرها الوحي (القرآن والسنة) .(6/257)
وخاتمة القول بأن الثقافة الإسلامية التي تعتمد على هذين المصدرين هي بذلك تعتبر ثقافة عالمية إنسانية، لا تحدها الحدود الجغرافية والخرائط الإنسانية أو تخوم الأرض، وإنما حدودها هي حدود فكرتها، فالإنسان المسلم والجماعة المسلمة يجب أن تمارس حياتها وأن توجه حركتها ونشاطها وفقاً لمنهج الله في كل زمان ومكان (1) ، هذا المنهج الذي لا يخرج بحال عن ما جاء في القرآن والسنة وهما المصدران الأساسيان للثقافة الإسلامية.
الفصل الرابع: أسس ومرتكزات الثقافة الإسلامية
وقفنا في الفصل السابق على ما يميز الثقافة الإسلامية عن غيرها من الثقافات من خلال السمات والخصائص، وفي هذا الفصل سنقف على ما يقوي ذلك التميز ألا وهو أصالة الثقافة الإسلامية من خلال الإطلاع على مصادرها والآفاق والأبعاد التي تقوم عليها، فإن أصالة الثقافة الإسلامية طبيعة لا اصطناعية، وذاتية لا مكتسبة، وموافقة لا مخالفة لفطرة الإنسان، كل ذلك لأن منبعها الإسلام ولعل ما كتبه أحد الكتاب (2) المسلمين عن هذه الأسس في مؤلفه عن نظم الإسلام وثقافته مصدر مناسب لإقتباس مادة هذا الفصل فبالوقوف على تلك الأسس الثلاثة تتضح لنا أصالة الثقافة الإسلامية فالأساس الأول من مصادر الثقافة الإسلامية الكتاب والسنة والتراث، والأساس الثاني هو غرس الوازع الذاتي في النفوس وهو هدف سام للثقافة الإسلامية، والأساس الثالث يتمثل في عالمية الدعوة والتي تبرز لنا أهمية الثقافة الإسلامية وأنها المفتاح الذي يقود الإنسان إلى سعادة الدارين (الحال والمآل) .
الأساس الأول: هو مصادر الثقافة الإسلامية: والتي تتمثل في:
... أ. ... القرآن الكريم:(6/258)
تتسم الثقافة الإسلامية بالأصالة لأنها مستمدة من النبع السماوي الإلهي الصافي ألا وهو القرآن الكريم، ذلك الكتاب الذي هيأ أصول الثقافة البشرية وأمر أفرادها أن يغترفوا من أنهار العلم وينابيع المعرفة، ويتجلى هذا في إشادة القرآن بالعقل، ودعوة الناس إلى أعماله تفكيراً فيما خلق الله من شئ وتأملاً فيما أبدع الله من خلق، كما يتجلى أيضاً في إشادة القرآن بوسيلة العلم وأداته متمثلين في القراءة والكتابة بالقلم.. ثم يتجلى حث القرآن على العلم، كذلك في تقديره وتكريمه لطائفة العلماء قال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات، والله بما تعملون خبير) (1) .
هذا وقد أشار القرآن الكريم إلى حقائق تتعلق بعدد من فروع العلم وجزئيات المعرفة، إشارة تدل على إهتمام القرآن الكريم بكافة العلوم النظرية والتجريبية والمعارف الفكرية والعملية.. وإذا كان إهتمام القرآن بالعلوم النظرية أمراً لا يحتاج إلى تبيين فالأمر على العكس من ذلك فيما يتعلق باهتمام القرآن بالعلوم التجريبية العملية ومن ثم وجب علينا أن نلفت الأنظار إلى ما اشتمل عليه القرآن الكريم من إشارات إلى حقائق تتعلق بعدد من فروع العلم التجريبي.
ففي قوله تعالى: (وأنبتنا فيها من كل شئ موزون) (2) . وقوله تعالى:
(إنا كل شئ خلقناه بقدر) (3) يشير القرآن إلى حقيقة تتعلق بعلم الكيمياء وهو ذلك الذي يقرر أن العناصر الداخلية في تركيب الأجسام من نسب معينة وموازين مقدرة.(6/259)
وفي قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) (1) . يشير القرآن إلى حقيقة تتعلق بعلم الأحياء أو ما يعرف بالتاريخ الطبيعي.. وذلك الذي يقرر إشتمال الحيوانات على الأجهزة العضوية الموجودة في الإنسان من مثل الجهاز العصبي والجهاز التنفسي، وفي قوله تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياءاً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) (2) فالقرآن يشير هنا إلى علم الميقات الذي هو فرع من علم الفلك، والذي تدور عليه مصالح الناس ومواقيتهم، وفي قوله تعالى: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يجب المسرفين) (3) .
يشير القرآن إلى مبدأ هام من مبادئ علم الصحة الغذائي. وفي قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) (4) يشير القرآن إلى ما يسمى بالطب الوقائي. وفي قوله تعالى (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً) (5) يشير إلى مبدأ هام من مبادئ الطب النفسي.
والمتتبع يجد الإشارات القرآنية الكثيرة التي تشير إلى حقائق (6) كثير من العلوم والمعارف وهي إشارات توجب علينا أن نقرر بإزائها أن القرآن الكريم مع إشتماله عليها فهو كتاب عقيدة، وليس كتاب فن من الفنون أو علم من العلوم المتعارف على أسمائها بين الناس، من مثل علم الكيمياء، أو الطبيعة، أو الأحياء أو غير ذلك، إن القرآن كتاب عقيدة وحسب.. كتاب عقيدة لا يطلب منه أن يطابق مسائل ونظريات العلم التي تخرج عبره أجيال البشر المتتابعة، كما لا يطلب من المؤمنين به أن يستخرجوا منه تفصيلات تلك العلوم، كما تعرض عليهم في معامل التجربة والدراسة لأن هذه التفصيلات تتوقف على محاولات الإنسان وجهوده، كما تتوقف على حاجاته وأحوال زمانه (7) .
إن القرآن كتاب عقيدة يهدف في كل ما اشتمل عليه من إشارات إلى أمرين اثنين:(6/260)
أحدهما: ربط مختلف العلوم والمعارف والفنون بالإيمان والعقيدة.
والآخر: حث الإنسان على التفكير السليم والنظر الصحيح إلى ما يزخر به عالم النفس وآفاق الكون من الآيات من غير أن يتضمن القرآن الكريم حكماً من الأحكام يشل حركة العقل من تفكيره، أو أن يحول بينه وبين الإستزادة من العلوم ما استطاع حيثما استطاع.
وبعد فالقرآن كلمات الله وهي كلمات لا تنفذ معانيها ولا تنتهي مدلولاتها ولا تنقضي عجائبها ومن ثم تكون الثقافة النابعة منه ثقافة تتسم بالأصالة والرسوخ والثبات وهي الثقافة الحق، والثقافة الخالدة.
... ب. السنة النبوية الشريفة:
لم تكن السنة النبوية الشريفة بأقل أثراً من القرآن الكريم في الدعوة إلى العلم والمعرفة وسائر ألوان الثقافة، لأن صاحب السنة صلى الله عليه وسلم هو المترجم لمعاني القرآن إلى عمل تطبيقي وسلوك واقعي، وليس أدل على ذلك من هذا الحشد الهائل الضخم من الأحاديث النبوية الشريفة التي جمعها الحفظة والمحققون للسنة الشريفة في كتب الأحاديث العامرة بالروايات الصحيحة، والدالة فيما تدل عليه على عظم إهتمام السنة بالعلم والمعرفة وذلك من مثل ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في طلب العلم والإرتحال إليه ومن مثل الإشادة بفضل العلم والعلماء والمتعلمين ومن مثل الترغيب في مجالسة العلماء وإكرامهم وتوقيرهم وإليك قبساً من هذه الأمثلة التي ترشد إلى موقف السنة من الثقافة القائمة على العلم والتعلم.(6/261)
لقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بصريح القول إلى التحلي بفضيلة العلم لما له من آثار طيبة ونتائج حسنة فقال صلى الله عليه وسلم: (تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذكراته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة.. لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم.. ويبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة.. التفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام، به تُوصل الأرحام وبه يعرف الحلال والحرام) (1) .
وفي حديث ثان يبين الرسول صلى الله عليه وسلم مكانة طالب العلم وجزائه، وفضل العلم ومنزلته فيقول: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة
الأنبياء. إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) (2) .
وفي حديث ثالث يقرر الرسول صلة الله عليه وسلم في مثل يضربه أن موضوع دعوته المبعوث بها يتكون من شقين: أحدهما يتمثل في الهداية والتقوى، والآخر يتمثل في العلم والمعرفة.. هذان الشقان انقسم الناس حولهما إلى ثلاث طوائف:
1. طائفة إستجابت قلوبها وتفاعلت عقولها مع ما استجابت له فأنتجت في مجال العلم والإرشاد وهذه هي طائفة أولي الأمر من المشرعين والمفكرين والباحثين المسلمين.
2. طائفة إستجابت قلوبها لكنها لم تتفاعل بعقولها مع ما استجابت له فلم تنتج في مجال العلم والإرشاد وكانت بذلك بمثابة الأوعية الحافظة لشقيَّ دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحاب هذه الطائفة هم عوام المسلمين من المقلدين.(6/262)
3. طائفة لم تستجب لما جاء به صلى الله عليه وسلم وبالتالي فلم تتفاعل معه وهؤلاء هم الذين وضعوا الأكنَّة على قلوبهم والذين أعرضوا عن التفكير الحق بعقولهم فكانوا بذلك من الخاسرين.
يقول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءاً ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) (1) .
ونكتفي بهذا القدر من القبسات النبوية لنؤكد علاقة السنة بالعلم وهي علاقة يقول فيها المرحوم الأستاذ البهي الخولي: (السنة هي المرجع الثاني – بعد القرآن الكريم – لعلوم الدنيا والدين، وهي نفحات نفس قدسية وهي خلاصة كاملة لتجارب أعظم عقل فهم القرآن وسنن الإجتماع، وعلل النفوس، ومشكلات الحياة وضروب الأصلاح.. فإذا أسمعك متحدث: قال صلى الله عليه وسلم فأرهف أذنك واستجمع مواهبك ومشاعرك، لأنك ستسمع أصدق قول، وأنفع قول، وأطهر قول نطق به بشر. وهذه الصفات غنم تتضاءل إلى جانبه الدنيا وما فيها، غنم عقلي وروحي وإجتماعي وعملي يجد فيه كل باحث ري ظمئه إلى ما يشتهي من خير المنافع) (2) .
... ج. ... التراث الإسلامي المجيد:(6/263)
ليس عجباً أن تتسم الثقافة الإسلامية بالأصالة، لأنها مستمدة من التراث الإسلامي ذي الإتجاهات العلمية المتشبعة والفروع العديدة من المعارف المختلفة فتراثنا الإسلامي تراث مجيد نهضت به الأمة الإسلامية على مدى أربعة عشر قرناً وكانت في طليعة العالم إن لم تكن أرقى أمم الأرض طراً، كما قامت بهذا التراث الإسلامي نهضة المجتمعات الأوروبية حين انتقل هذا التراث إليها عن طريق بلاد الأندلس، وعن طريق الحروب الصليبية، وعلى يد عدد من اليهود الأسبان، وكثير من عرب صقلية وأفريقية.
ولقد بلغت عظمة التراث الإسلامي وقوته أن كان بالأندلس وحدها – زمن قوة المسلمين – أكثر من سبعين مكتبة عامة كما بلغ تعداد ما في مكتبة الأمراء في الأندلس فقط 600 ألف مجلد وهذا في زمن لم تكن فيه المطابع التي نعرفها اليوم وإنما كان ما كتب بخط اليد كله، الأمر الذي يدل على أن الثقافة في ظلال دعوة الإسلام لم تكن مقصورة على الطبقات العليا، وإنما هي أمر مشاع بين الناس كافة (1) .
إن تراثنا الإسلامي تراث تليد حقاً، لأنه يجمع مع الرقي الكمي والكيفي فضل السبق على الحضارة المادية المعاصرة في شتى أوجه المعرفة ومختلف فروع العلوم.
ففي فرع البصريات المتعلق بعلم الطبيعة أو الفيزياء: نجد أن الحسن بن الهيثم هو أول من وضع علم البصريات منذ حوالي ألف سنة وكان لهذا العلم الأثر العظيم في الحياة المعاصرة، إذ انه يبحث في سقوط الأشعة والضوء على الأجسام الثقيلة وبهذا العلم اتصلت نظريات الضوء وانفتح الباب أمام مخترعات كثيرة واستحق ابن الهيثم به أعظم التقدير من علماء أوروبا فقد قال عنه (فباردو) : (إن الهيثم هو العربي الذي تعلم منه رجالنا) (2) .(6/264)
وفي علم الكيمياء: نجد أن جابر بن حيان أسس هذا العلم وهو الإمام في هذا المضمار الذي اتكأت أوروبا بعد نهضتها على كشوفه وابتكاراته فترجمت عن - حاجة - كتابه المسمى بالاستتمام، ونقلته إلى اللغة اللاتينية سنة 1682م لتتعلم منه ما لم تكن تعلم وقال (برتيلو) عن جابر: إن له في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق ويتبين بذلك أن جابر ابتكر الكيمياء كما ابتكر أرسطو المنطق (1) .
وفي علم الرياضيات نجد أن محمد بن موسى الخوارزمي هو واضع علم الجبر بأمر المأمون العباسي في القرن التاسع الميلادي، وعنه أخذت أوروبا ولا زالت تسميه باسمه العربي الجبر. وأولاد موسى وهم: محمد وأحمد والحسن هم الذين وضعوا المعادلات الرياضية وعلى هدى تلك البداية العربية للرياضيات كانت تلك المخترعات الهائلة كالصواريخ والأقمار الصناعية والراديو وسواها كثير (2) .
وفي فن الطب: نجد ابن سينا (3) ، والكندي، وأبو بكر الرازي، والكتاني كان لهم باع طويل وأثر عميق في هذا الفن بل إن أول مدرسة طبية أنشئت في قارة أوروبا على نظام محكم هي التي أنشأها العرب في أسبانيا.
ثم ناهيك بعد ذلك بما للمسلمين من يد طولى في مجال بقية المعارف التجريبية من مثل فن الهندسة، وفن الفلك، وفي مجال بقية العلوم النظرية والمسماة بالعلوم الإنسانية من مثل علوم الشريعة.. تفسير، وحديث، فقه، وتوحيد، وعلوم اللغة.. نحو وصرف وبلاغة وأدب، ثم من مثل علم الفلسفة والمنطق وغير ذلك من ألوان المعرفة والعلوم.
وبَعدُ أفلا يحق لنا أن نقرر في شأن هذا التراث الإسلامي أنه تراث ضخم وفخم؟ وإن من الجدير بهذا التراث أن تخرج منه الثقافة المتسمة بالأصالة والعمق والثبات وأن يكون هذا التراث زاداً لنا على طريق نهضة الأمة الإسلامية مرة أخرى.
الأساس الثاني: غرس الوازع الديني في النفوس:(6/265)
تتسم الثقافة الإسلامية بالأصالة والرسوخ والثبات لأنها من أبرز الثقافات التي تغرس الوازع الذاتي في النفس البشرية، ومن ثم يصبح الإنسان في كنف هذه الثقافة كائناً ذا ضمير حي وإحساس مرهف.. يراقب نفسه بنفسه ويحاسب نفسه قبل أن يحاسبه غيره، يقبل على الطاعات والفضائل إقبال من يتزود بخير الزاد ويبتعد عن المعاصي والرذائل ابتعاد من يريد النجاة من الهلاك.
إن الوازع الذاتي إذا تحقق داخل الإنسان صار الفرد رقيباً على نفسه يفعل الخير لذات الخير بمحض اختياره وإرادته، ويجتنب الشر لذاته دون خشية من قانون أو خوف من الوقوع تحت طائلته، وما الوازع الذاتي هذا إلا ثمرة من الثمار النابعة من الدعوة الإسلامية. وإنه لوازع تعجز اللوائح الوضعية والقوانين أن تصل إلى بعض نتائجه إذ اللوائح والقوانين المجردة تعتمد على الوازع الخارجي ومن ثم فهي عاجزة عن إلزام الإنسان بالتحلي بالفضيلة والتخلي عن الرذيلة نتيجة لعجز هذه القوانين عن الملازمة الدائمة للإنسان في مختلف الأوقات ليلاً أو نهاراً سراً أو علانية.
هذا هو شأن القوانين بمفردها، أما من شأنها حين تنبع من عقيدة صحيحة وحين تحاط بإطار دين الفطرة.. دين الإسلام.. فهو شأن يختلف تماماً عن سابقه لما يتحقق حينئذ من وازع ذاتي به يكون صلاح الفرد والمجتمع ولنضرب المثال ليتضح المقال.
فلو نظرنا في أم الكبائر.. (رذيلة الخمر) مقارنين بين مكافحتها بسلاح العقيدة وبين محاربتها بالقوانين المجردة. فسنعرف حينئذٍ الفرق.
لقد كان العرب في جاهليتهم مولعين بالخمر، شغوفين بشربها، متسابقين إلى مجالسها فلما جاء الإسلام تدرج في معالجة هذا الداء الخبيث المستحكم وكانت المرحلة الأولى في العلاج أن وضع الإسلام السكر (المخمَّر) في مقابل الرزق الحسن فكأن المخمَّر شئ غير حسن قال تعالى (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً) (1) .(6/266)
وكانت المرحلة الثانية أن حرك الإسلام وجدان الإنسان بنص يثير فيه آثام الخمر ويلفت به العقل إلى أن ترك الخمر أولى فإثمها أكبر من نفعها. قال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) (1)
وكانت المرحلة الثالثة أن ضيق الإسلام أوقات شرب الخمر حين حرم على المسلم أن يقرب الصلوات الخمس وهو سكران قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) (2) .
ثم كانت المرحلة الرابعة والأخيرة وقد تهيأت النفوس لها تهيؤاً كاملاً فلم يكن إلا النهي حتى تتبعه الطاعة الفورية، والإذعان، فحينما نزلت آية التحريم بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) (3) . لم يحتج الأمر إلى أكثر من مناد يمر في نوادي المدينة وسككها ليعلن (ألا يا قوم إن الخمر قد حرمت) .. فمن كان في يده كأس حطمها ومن كانت عنده أواني الخمر وجرارها كسرها، وإنتهى الأمر كأن لم يكن سكر ولا خمر.
وهكذا أقلع المسلمون عن عادتهم الجاهلية وابتعدوا عن الداء الخبيث وتطهروا بمجرد سماعهم حكم القرآن الكريم الذي ربَّى في نفوسهم الوازع الذاتي الممتثل للأوامر والفضائل، والمجتنب للنواهي والرذائل.
هذا ونستطيع أن نلمس دقة العلاج الإسلامي لمشكلة الخمر حين ننظر في محاولات الغرب والشرق لعلاج المشكلة المذكورة.. حيث أعدت هناك الخطط والدراسات، وأصدرت القوانين المجردة عن إطار العقيدة كما أصدرت التشريعات واعتمدت الميزانيات والنفقات.. كل ذلك من أجل القضاء على الخمر فماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت فشلاً ذريعاً وخيبة مريرة.(6/267)
ففي أمريكا أرقى مجتمعات الغرب ثارت مشكلة الخمر في الرأي العام الأمريكي عام 1918م وبدأ المسئولون يدقون أجراس الخطر بل الأخطار الناجمة عن انتشار عادة الإدمان بين الأفراد والجماعات، وفي سنة 1919م دخلت المشكلة في الدستور الأمريكي، وفي نفس السنة أيد هذا التعديل بأمر حظر، أطلق عليه التاريخ (قانون فولستد) وقد أعدت لتنفيذ هذا التحريم داخل الأراضي الأمريكية كافة وسائل الرقابة الخارجية وهي:
... 1. الأسطول أجمعه لمراقبة الشواطئ.
... 2. الطيران لمراقبة الجو.
... 3. المراقبة العلمية.
فماذا كانت النتيجة؟ فشل كامل لأمر الحظر، وسقوط ما قرره التعديل الدستوري الحادي والعشرون الذي صدق عليه الكونجرس عام 1933م.
نقول: هذا هو علاج القانون في الغرب وتلك آثاره ونتائجه.
أما عن علاج الشرق لمشكلة الخمر وبيان نتائجه فأكتفى في هذا الصدد بذكر هذه الواقعة الدالة على إخفاق الشرق الشيوعي في القضاء على هذه المشكلة، كما أخفق الغرب الرأسمالي من قبل.. يقص باحث مسيحي في كتاب له حواراً حدث بينه وبين واحد من الماركسيين في دولة بولونيا: فكتب يقول:
(قال لي الرفيق ونحن على المائدة: ألك في كأس آخر من الفودكا (1) ؟ وأردف ذلك بقوله: إن الفودكا داء لسنا ندري كيف نتخلص منه. فالعمال ينفقون نصف أجورهم في شربها ويدمنون عليها بل يلاحظ في الغالب كثرة المتغيبين عن مصانعهم في أيام الإثنين بالذات، إذ يكون هؤلاء المتغيبون لا يزالون متأثرين بما تناولوا يوم الأحد من شراب الفودكا، وأردف بذلك بقوله: لقد نجحنا في تغيير نظام الحكم ونظام المعيشة ونظام الإقتصاد، ولكننا لم ننجح في تغيير عقلية الناس.
وابتسمت له ولكنني أقول في دخيلة نفسي أليس ذلك إعترافاً من الرفيق بأن الماركسية إذا كانت قد فرضت سلطانها على كل مظاهر الحياة، فإنها لم تتغلغل في النفوس والقلوب) (2) .(6/268)
وفي ختام هذه المقارنة لنا أن نقرر ما يلي: إن جوهر الفرق بين نجاح الإسلام وإخفاق ما عداه في القضاء على داء الخمر هو راجع لما تتمتع به عقيدة الإسلام وحدها من غرس الوازع الذاتي في النفوس ومن ثم فهي لا تحتاج إلى جهاد معنوي أو مادي في منع شئ محرم أو نهي عن إقتراف إثم، وهذا بخلاف القوانين المعتمدة على الوازع الخارجي الأمر الذي يتبين للباحث في ضوئه لماذا تتصف الثقافة الإسلامية وحدها بالأصالة والرسوخ والعمق.
الأساس الثالث: عالمية دعوة الثقافة الإسلامية:
تتسم الثقافة الإسلامية بالأصالة والرسوخ لأنها نابعة من الدين الإسلامي صاحب الدعوة العالمية.. إن الدعوة الإسلامية هي كلمة السماء الخاتمة، نبيها هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وكتابها هو المُصدَّق والمتمم لما قبله من الكتب السماوية، والمهيمن عليها في الوقت نفسه وهذا أهم ما يتفرد به الدين الإسلامي من بين سائر الأديان.
إن أكبر الأديان السماوية السابقة في الوجود على الدين الخاتم هما الدينان اللذين جاء بهما موسى وعيسى تتسم شريعة كل منهما بالخصوص لا بالعموم وبالتوقيت لا بالتأييد، وبالقومية لا بالعالمية.
فاليهودية في بداية عهدها عصر النبي موسى عليه السلام دين خاص أرسل به الكليم إلى فرعون الطاغية وملئه المستكبرين لدعوته إلى عبادة الله رب العالمين وحده وترك العظمة التي كان يدعيها ذلك الطاغية وتقبلها حاشيته المستكبرة المُغررة.
أيضاً أرسل موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل ليُخلص أجسامهم من ذل العبودية للحاكم الطاغية فتنعم بذل العبودية لله تعالى وحده كما يُخلص ويحرر وجدانهم من الوثنية الشائعة آنذاك، ليغرس في نفوسهم عقيدة التوحيد الخالص لله تعالى.
واليهودية في بداية عهدها أيضاً هي صاحبة التوراة الصحيحة والتي كان العمل بأحكامها مختصاً ببني إسرائيل وحدهم لأن التوراة لم تنزل على نبيهم عليه الصلاة والسلام إلا بعد غرق فرعون وملئه (1) .(6/269)
هذا هو شأن الدين اليهودي في بداية عهده أما شأنه بعد ذلك فهو دين يعلن على سمع الزمان وبصره قوميته وإقليميته، وذلك أمر نتبينه من إقرار التوراة وإصرارها بعد ما اعتراها التبديل والتحريف على إقليمية الألوهية لله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
ونود أن نشير في هذا المقام إلى أنه من المتعذر أن نستشهد بما يرشد إلى هذه الإقليمية، لأن عبارات (إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله إسرائيل، وإله العبرانيين) تشيع بكثرة كثيرة في جميع أسفار التوراة وهذا ما جعل بعض الباحثين يقول: (إن تعاليم الربانيين كانت قد أقامت على الوعد الذي تلقاه إبراهيم، وعلى ميزة الإختيار التي كانت ليعقوب عقيدة دينية قومية، فالله سبحانه وتعالى قد أصبح في تلك العقيدة – وعلى وجه التقريب – ألوهية قومية) (1) .
وإذا تجاوزنا اليهودية للمسيحية وجدنا أن هذه الثانية لا تختلف عن الأولى في كونها ديانة خاصة إذ أن عيسى عليه السلام قد أرسل إلى بني إسرائيل وحسب وأن بعثته عليه السلام بعثة خاصة ممهدة للبعثة العامة لخاتم الأنبياء قال تعالى: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) (2) .
والمسيحية الحاضرة تذهب إلى بعض ما تقرره هنا فإنجيل (متى) ينص على أن رسالة المسيح خاصة لبني إسرائيل يقول الإنجيل على لسان عيسى عليه السلام: (لم أرسل إلا لخراف بني إسرائيل الضالة) (3) كما تذهب المسيحية الحاضرة إلى كل ما قررناه من قبل في الديانة اليهودية تلك التي تقول بإقليمية الألوهية، وليس أدل على هذا من لفظ (الرب) فكثيراً ما يأتي في الأناجيل هكذا أي محلى بالألف واللام ثم إذا أضيف فهم لا يضاف إلا إلى إسرائيل أو إلى أحد من ذريته فقط.(6/270)
يقول إنجيل (لوقا) في مهام رسالة المسيح عليه السلام: (ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم) (1) .
ويقول إنجيل (مرقس) على لسان المسيح: (أن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل: الرب الهنا) (2) ويذكر إنجيل (يوحنا) أن المسيح قال عقب قيامه من قبره ((إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) (3) .
نقول: إن هذه النصوص وأمثالها تدل على امتداد تصغير شأن الإله وإقليمية العقيدة من الدين اليهودي إلى الدين المسيحي الأمر الذي يجعلنا نقرر ما يلي:
إن هذه هي حال الدينين الكبيرين السابقين في الوجود على الإسلام، وهي حال تنطق بالخصوصية والإقليمية كما تنطق من باب أولى بخصوصية الأديان السابقة على الإسلام في الوجود.
إن الإسلام وحده هو الدين الذي يتسم بسمة العالمية وهذا أمر تتضح معالمه بما يتضمنه الإسلام من مقومات عالمية ونظم سامية تغطي كل نواحي الحياة ومن مرونة تجعل الإسلام دين العصور والدهور.
وتتضح معالم عالمية الإسلام أيضاً في المنطوق الحرفي، والمبنى اللفظي لكلمة الإسلام نفسها إذ أن الكلمة نفسها (إسلام) لا تشير إلى شخص معين فليس مثلها مثل البوذية التي تشير إلى (بوذا) ولا الكونفوشيوسية التي تشير إلى (كونفوشيوس) ولا تشير الكلمة إلى جنس كما تشير اليهودية، ولا تشير إلى مكان ولا إلى زمن، إنها كلمة لا يحدها شخص، ولا جنس، ولا زمان، ولا مكان إنها تضعنا بمجرد سماعها وفهم معناها مباشرة في محيط الإطلاق والعموم والشمول) (4) .(6/271)
وتتضح عالمية الإسلام أيضاً بمعجزته الخالدة.. إن معجزة الإسلام (لم تكن حادثة تقع وتزول من غير بقاء لها إلا بالخبر، بل كانت قائمة تخاطب الأجيال: يراها ويقرؤها الناس في كل عصر، ونقول إنها مناسبة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم لعمومها في الأجيال، ولمكانته في الرسل، ومقامه في هذا الوجود الإنساني إلى يوم القيامة) (1) . إنها القرآن الكريم الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الكتاب المهيمن على ما سبقه من الكتب.
ولا يفوتنا ونحن نتحدث عن عالمية الدعوة الإسلامية أن ندحض الغربة التي تدعي أن الإسلام دين إقليمي أو قومي لأن معجزته الخاصة به تقرأ وتكتب باللغة العربية فقط.
ونرد على الادعاء بمقالة الباحث الإسلامي (المودودي) .. حيث يقول:
(ليس كما قيل أن القرآن الكريم عربي فتكون دعوته عربية لا عالمية.. إن الدليل المنطقي يقول: الخصائص التي تُميز النظام القومي أو المؤقت، من النظام العالمي أو الخالد: هي أن الأول إما أن يدعو إلى تفضيل شعب على غيره ويطالب له بحقوق ومميزات خاصة وإما أن يؤمن بنظريات ومبادئ لا تستطيع أن تروج وتزدهر في الشعوب الأخرى وعلى العكس من ذلك يكون النظام الثاني العالمي.. ثم إن النظام المؤقت ينشئ بناءه على قواعد تفقد قابليتها بمرور الأيام بينما النظام العالمي الخالد تنطبق مبادئه على جميع الظروف المتطورة) (2) .
ويضيف دون تعصب: (إن الإسلام هو الدين الذي لم يفضل شعباً على غيره وهو الدين الذي لم يأت بمبادئ خاصة وتعاليم محددة لبيئة وزمن معين، ومن ثم فهو دين عام وعالمي) . انتهى كلامه.(6/272)
هذا ويعلم أصحاب الفرية المدعين أن الإسلام دين خاص بالعرب ليعلم هؤلاء أنه لا يلزم من قومية اللغة قومية الرسالة وخصوصيتها لأصحاب هذه اللغة.. إن اللغة لون ثقافي، والثقافة أمر مشاع لبني الإنسان وإذا لم يُسلم هؤلاء بأن عربية المعجزة الإسلامية لا يمنع من عالميتها، فكيف يُساغ بميزان منطقهم إيمان اليهود والنصارى العرب بالتوراة مع أنها كتبت بالعبرية؟ وكيف يساغ بميزان منطق المدعين إيمان النصارى من العرب بالأناجيل الأربعة متى، مرقس، يوحنا، لوقا. مع أن هذه الأناجيل قد كتبت بغير العربية (1) .
أليس هذا الأمر كافياً لإثبات أن نزول القرآن باللغة العربية لا يدل أبداً على إختصاص دعوته بالعرب؟ وأن عامل اللغة لا علاقة له ولا تأثير في خصوصية شئ وعموميته؟
ثم إنه ليكفي في الدلالة على عالمية الإسلام أن دعوته لا توجه إلى جنس من الأجناس ولا إلى قومية من القوميات وإنما توجه دعوته إلى الناس كافة ولذلك لم يؤثر ورود الخطاب ب (يا آيها الناس) .. الخطاب المشير إلى العموم لم يؤثر ورود هذا الخطاب في القرآن الكريم إلا على لسان خاتم الأنبياء.. قال تعالى مخاطباً محمداً صلى الله عليه وسلم: (قل يا آيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) (2) وقال سبحانه وتعالى: (قل يا آيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين) (3) .
ومن هنا فإن اختصاص خاتم الأنبياء بهذا النداء بين سائر الرسل ليدل دلالة واضحة على عالمية الدعوة الإسلامية ومن ثم لا يكون هناك أدنى غرابة في إتصاف الثقافة النابعة من هذه الدعوة بالأصالة والرسوخ والدوام والإستمرار.(6/273)
وبهذا نصل إلى القول بأن أسس ومرتكزات الثقافة الإسلامية قامت على أصول وثوابت لا تزعزعها الآراء، ولا تجرفها الأهواء، وأنها في ثباتها وقوتها كالجبال الراسية الراسخة، وأن ثقافةً هذه مرتكزاتها لهي جديرة بأن تكون هي الثقافة الحق الأولى بالإتباع والتبني والأخذ بها وبتعاليمها الداعية إلى عبادة الله وحده. وأن هذه الثقافة هي أس وأساس الحضارة الداعية إلى العلم وإلى ترقية الحياة على وجه الأرض.
الفصل الخامس: العلاقة بين الثقافة والحضارة والعلم
أولاً: العلاقة بين الثقافة والحضارة:
قبل أن أناقش هذه العلاقة من وجهة النظر الإسلامية فإنه يجدر بي أن أُعرج وبشكل مقتضب على ما كتب عن هذه العلاقة والمفارقة بين هذه المسميات بشكل عام فأقول إن الثقافة مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالحضارة، وإن كان هذا الإرتباط من وجهة نظر الكثيرين ممن كتبوا عن هذه العلاقة إرتباط عموم وخصوص، وهذا ما أميل إليه فإن الحضارة هي التطبيق المادي للتراث الثقافي وفي في الوقت نفسه ومن ناحية أخرى وليدة هذا التراث في البيئة التي تقوم فيها، ثم إنها كذلك بمثابة المرآة التي تعكس لنا مقومات ومميزات ثقافة المجتمع التي تنتسب إليه وهي تعبر عن المستوى الذي بلغه هذا المجتمع في فكره وأخلاقه وقيمه وعاداته ووسائل التقنية التي يستخدمها، ونقول أيضاً أن هذه العلاقة بينما تبرز بوضوح في التأثير والتأثر فيما بينهما فجميع عناصر الحضارة تحمل جانباً ثقافياً كما أن الثقافة في الوقت نفسه تحمل الصفة الخاصة بعناصرها الحضارية وبصفة يمكن القول أن الحضارة تمثل الواجهة الخارجية للثقافة.
وأما الرأي الثاني لبعض من تعرضوا لهذه العلاقة فمفاده (أن الحضارة هي كل ما أبدعه العقل البشري في مجال الفكر والمعرفة وفي جوانب الحياة المادية أيضاً. بينما يرى آخرون أن الحضارة تختص بالتعبير عن الوسائل والإختراعات والإبتكارات الصناعية والمادية وحدها) (1) .(6/274)
وفريق رابع يرى أن الثقافة تختص وتتعلق بالجوانب المعنوية والفكرية والحضارة تختص بالجانب المادي، ورأي خامس يرى أنه لا فرق أبداً بين الكلمتين فكل منهما مرادفة للأخرى.
ثانياً: العلاقة بين الثقافة والعلم:
لقد عرفنا في النقطة السابقة أن هناك علاقة بين الثقافة والحضارة وفي هذه النقطة قد نقدم الفروق قبل التوافق بين الثقافة والعلم (فبتأمل دقيق في مفهوم كل منهما يتضح لنا أن كلاً منهما معرفة، ولكن مع ذلك فإن هناك فروقاً جوهرية في كليهما للأمور التالية) (1) .
أ- ... العلم عبارة عن مجموعة من القواعد التي تؤخذ عن طريق التجربة والملاحظة والإستنتاج مثل العلوم التطبيقية كعلم الكيمياء والطبيعة وسائر العلوم التجريبية الأخرى. أما الثقافة فهي كما سبق مجموعة من المعارف تؤخذ عن طريق الأخبار والتلقي والإستنباط مثل التاريخ واللغة والفقه والأدب والتفسير والفلسفة والفنون كالتصوير والنحت وغيرها ذلك لأن التاريخ هو التفسير الواقعي للحياة والأدب هو التصوير الشعوري لها والفلسفة هي الفكر الأساسي الذي تبنى عليه وجهة النظر فيها والتشريع هو المعالجات العلمية لمشاكل الحياة والأداة التي يقوم عليها تنظيم علاقات الرد والجماعات.
ب. إن العلم عالمي لا وطن له ولا أمة فلا تختص به أمة دون سائر الأمم الأخرى ولا يقتصر على شعب دون آخر، وإنما هو مشاع مشترك بين الجميع، أما الثقافة فهي ذاتية تختص بأمة معينة لا توصف بها أمة أخرى إلا إذا انسلخت أمة من ثقافتها وأصبحت تابعة لثقافة أخرى هزمتها واستحوذت عليها فعندئذٍ تدخل المنهزمة في ثقافة الهازمة.
ج. إن العلم يؤخذ أخذاً عالمياً دون قيود لأنه محصلة إسهام الأمم كلها خلافاً للثقافة.(6/275)
د. إن العلم النظري أكثر منه عملياً، كما أنه يرمي إلى تنمية الملكات وهو في نهاية المطاف وسيلة وإرادة وقد يستعمل للخير والشر على السواء في حين أن الثقافة سلوك أكثر منها معرفة فهي علم وعمل وفكر وسلوك وإتجاه وعاطفة في وقت واحد.
هـ. إن العلم جزء من الثقافة لأنه لا يتصف بصفة واحدة مميزة كما هو حال الثقافة التي هي أعم وأشمل. فأنت مثلاً تقول الثقافة الإسلامية، الثقافة الإغريقية، الثقافة الرومانية وهكذا …
و. مكانة الثقافة من التعليم والتربية مكانة الدرجة الأعلى فالتعليم قاصر على الإعداد المدرسي والدراسي لتكوين العقلية المؤهلة للثقافة أما الثقافة فهي الدرجة الأعلى كما قدمنا لأنها تُكَوِنُ الفرد تكويناً متفوقاً ومتميزاً.
وبهذا يتبين أن الثقافة ليست مرادفة للعلم في معناها وأنه لا يجوز أن نخلط بينهما لأن هذا يؤدي إلى تصور خاطئ يجعل الثقافة محصورة في فئة محدودة من أبناء المجتمع مع العلم بأنها تشمله كله بجميع فئاته وطوائفه وتُعبر عن أفكاره وإتجاهاته.
فالأمي في القراءة والكتابة داخل في ثقافة أمته، لا نستطيع أن نقول عنه أنه غير مثقف بثقافة أمته في حدود حرفته وديانته وبيئته التي يعيش عليها، كما أن أهل الثقافة داخل الأمة هم درجات في فهم واستيعاب ثقافة أمتهم والتمثل بها، فالذي عنده علم لاشك أن تَرقيه في سُلِم ثقافته أكبر ممن ليس عنده علم.
وبهذا نكون عرفنا طرفاً من هذه العلاقة بين الثقافة والحضارة وأيضاً الفروق بين الثقافة والعلم لكن بعد هذه المقدمة البسيطة نريد أن نتعمق قليلاً في مفهوم الثقافة والحضارة من وجهة النظر الإسلامية لأن هذا في الحقيقة هو ما يهمنا في هذا الفصل فإن المفاهيم تختلف وما قدمناه هنا هو مفهوم عام لهذه العلاقة وهذه الفروق في الثقافات الأخرى غير الثقافة الإسلامية.
مفهوم الحضارة في التصور الإسلامي:(6/276)
جدير بنا ونحن نتكلم عن مفهوم الثقافة الإسلامية أن نتطرق للحضارة من وجهة النظر الإسلامية فإن هذا المفهوم للحضارة قد يختلف في بعض جوانبه عن مفهومها الذي قدمنا طرفاً منه في هذا الفصل. فذلك المفهوم مفهوم عام في مختلف الثقافات أما مفهومها في ثقافتنا الإسلامية (فإن الجانب التطبيقي فيها ترجمة عملية وواقعية صحيحة للجانب المعياري مع إستخدام كل معطيات الإنسان والزمان والمكان وعندها تكون الحضارة وتوجد إذ أن الحضارة هي عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها إنسانياً وخلقياً وعلمياً وأدبياً وفنياً وإجتماعياً وفق منهج الله وشريعته) (1) .
(وبناءً على هذا المفهوم فإن المجتمع الإسلامي هو المجتمع المتحضر أما المجتمعات الأخرى التي تنكر وجود الله أصلاً، أو تجعل له ملكوت السموات وتعزل عنه ملكوت الأرض، أو لا تطبق شريعته في نظام الحياة ولا تحكم منهجه في حياة البشر، فهذه كلها مجتمعات جاهلية أو متخلفة) (2) لأنها لا تدخل في دين الله الذي حدده سبحانه وتعالى في قوله (إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم) (3) وقد أقسم سبحانه وتعالى بنفسه كما يقول ابن القيم على نفي الإيمان عن العباد حتى يُحَكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما شجر بينهم، ولم يكتف بذلك منهم حتى يسلموا تسليماً (4) قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) (5) .
إن من أبرز سمات الحضارة في التصور الإسلامي هي كما يقول الأستاذ محمد أسد (ذاتية الحضارة الإسلامية) (6) فالحضارة الإسلامية ليست ثمرة تقاليد متوارثة ولا نتيجة تطويرات فكرية آتية من الماضي وإنما هي إنبعاث ذاتي مباشر من القرآن الكريم ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تطبيقها تطبيقاً عملياً صحيحاً في واقع الحياة.
أصول الحضارة في التصور الإسلامي(6/277)
إن الحضارة الإسلامية كما يقول سيد قطب يمكن أن تتخذ أشكالاً متنوعة في تركيبها المادي والتشكيلي، لكن الأصول والقيم التي تقوم عليها ثابتة لأنها مقومات هذه الحضارة وهذه الأصول والمقومات هي:
1 - أن تكون الحاكمية العليا في المجتمع لشريعة الله.
2 - أن تكون آصرة التجمع الإسلامي الأساسية في المجتمع هي العقيدة.
3 - أن تكون إنسانية الإنسان هي القيمة العليا في المجتمع.
4 - أن تكون الأسرة هي قاعدة البناء الإجتماعي.
5 - أن يقوم الإنسان بالخلافة في الأرض على أساس الإحسان في العمل.
وإليك أخي القارئ تفصيل هذه الأصول:
الأصل الأول: هو أن تكون الحاكمية في المجتمع لله وبذلك يتحرر الإنسان فيه من العبودية لغير الله (فحين تكون الحاكمية العليا لله وحده متمثلة في سيادة الشريعة الإلهية، تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً كاملاً وحقيقياً من العبودية للبشر وتكون هذه هي الحضارة الإنسانية الحقة لأن حضارة الإنسان تقتضي قاعدة أساسية من التحرر الحقيقي الكامل للإنسان ومن الكرامة المطلقة لكل فرد في المجتمع ولا حرية في الحقيقة ولا كرامة للإنسان في مجتمع بعضه أرباب يشرعون وبعضه عبيد يطيعون) (1) .
إن الشعور بالحرية والكرامة هو الحالة الدائمة التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن في تصوره وتقديره للأشياء والأحداث والقيم والأشخاص وإفراد الله بالعبودية ومن ثم إفراده بالحاكمية يؤدي إلى الشعور بالإستعلاء وهو شعور يجب أن تستقر عليه نفس المؤمن إزاء كل شئ وكل وضع وكل قيمة وكل أحد، وهو إستعلاء بالإيمان وقيمه على جميع القيم المنبثقة من أصل غير أصل الإيمان.(6/278)
لقد تمثل الشعور بالإستعلاء … إستعلاء الإيمان في موقف ربعي بن عامر عندما أرسله سعد ابن أبي وقاص قبل موقعة القادسية رسولاً إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرها، فدخل عليه ربعي وقد جلس رستم على سرير من ذهب في مجلس مزين بالنمارق والزرابي، وكان رستم يتلألأ في تاجه ويواقيته الثمينة. دخل ربعي بثياب صفيقة وترس وفرس قصيرة لم يزل راكبها حتى داس على طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه فقالوا له ضع سلاحك فقال: إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: إئذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها فقال له رستم ما جاء بكم؟ فقال إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
إن هذا الشعور بالحرية والكرامة أو لنقل إستعلاء الإيمان لا يتأتى إلا حين تكون العبودية في المجتمع لله وحده ومن ثم تكون الحاكمية فيه لله وحده فعندئذ فقط يكون هذا المجتمع متحضراً.
أما المجتمع الذي تكون الحاكمية فيه لغير الله فهو مجتمع جاهلي متخلف إذ لا حرية حقيقية ولا كرامة حقيقة للإنسان فيه، يؤكد هذا المعنى الأستاذ الدكتور/يوسف العش في بحثه عن روح الحضارة الإسلامية إذ يقول: (إن أبرز إختلاف بين مفهوم الحضارة في الفكر الإسلامي ومفهومها في الفكر الغربي يقوم على تفسير التقدم فالغرب يرى التقدم مادياً خالصاً بينما يرى الإسلام أن التقدم معنوي ومادي وأنه إنساني أصلاً وتوحيدي في أساسه، فكل تقدم في مفهوم الإسلام يجب أن يقوم على أساس التحرر من عبودية غير الله فلا يؤمن بسلطان غير سلطانه والأصل في الوحدانية هو التحرر من عبودية غير الله ومن كل سلطان غير سلطانه) (1) .(6/279)
الأصل الثاني: وهو تمثل العقيدة رابطة التجمع الأساسية في المجتمع وبذلك يصبح المجتمع الإسلامي هو المجتمع الوحيد المتحضر لأن العقيدة وحدها تمثل رابطة التجمع الأساسية فيه فالعقيدة هي الجنسية التي تجمع بين الأبيض والأسود والأصفر العربي والفارسي والرومي والحبشي، فسائر أجناس البشر يجتمعون في أمة واحدة ربها هو الله سبحانه وتعالى، ومنهجها واحد لأنه من الله سبحانه وتعالى والأتقى فيها هو الأكرم عند الله، والعقيدة هي الوطن فلا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الإرتباط في الله وبهذا يكون الإرتباط على أساس العقيدة هو الذي يجعل المسلم عضواً في دار الإسلام.
إنه لا قرابة للمسلم بحق إلا تلك التي تنبثق من العقيدة في الله فتصل الوشيجة بينه وبين أهله في الله، إنه على أساس من العقيدة طرد الإسلام أبا لهب عم الرسول العربي القرشي الهاشمي من الجنسية الإسلامية كما يقول (الشيخ على الطنطاوي) بل وجعل سبه عبادة وشتمه صلاة (تبت يدا أبي لهب وتب) وعلى عكس ذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يضم عبداً فارسياً غير عربي لا إلى الإسلام فقط بل إلى بيت النبوة (سلمان منَّا أهل البيت) (1) . وعلى أساس العقيدة يفرق الإسلام بين نوح وزوجته ولوط وزوجته (ضرب الله مثلاً للذين كفروا إمرأة نوح وإمرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل أدخلا النار مع الداخلين) (2) وعلى العكس من ذلك يحدث مع فرعون وامرأته (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) (3) .(6/280)
أما وشائج اللحم والدم والأرض والطين، كالجنس واللون والقومية والقرابة والإقليمية … الخ فإن الإسلام يرفع الإنسان عن مستواها والرسول صلى الله عليه وسلم يقول للمهاجرين (دعوها فإنها منتنة) (1) . يعني العصبية وهنا نقول إن الآصرة الكبرى والأقوى في الإسلام هي العقيدة، وهي التي تجعل المنضوين تحتها أخوة (إنما المؤمنون أخوة) وبعضهم أولياء بعض (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض) (2)
إن التاريخ الإسلامي يُذكرنا إنه حين انعقدت آصرة العقيدة في نفوس المسلمين تحطمت الهجمات الصليبية عليهم، فالقادة الذين نسوا الإنتماءات العرقية ووشائج الدم والأرض والقوم قادوا المسلمين إلى النصر، ومن أولئك صلاح الدين الأيوبي الكردي ونوران شاه، والظاهر بيبرس، وسيف الذين قطز، وغيرهم كثير إن هذه القيادات نسيت القوم والأرض وتمسكت بالعقيدة فانتصرت تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ولآصرة التجمع الأساسية في المجتمع الإسلامي حكمة ربانية بالغة ومن ثم فهي عقلية وعلمية يقول الأستاذ/سيد قطب: (حين تكون آصرة التجمع الأساسية في مجتمع ما هي العقيدة والتصور والفكرة ومنهج الحياة فإنه يكون ذلك ممثلاً لأعلى ما في إنسانية الإنسان من خصائص، أما حين تكون آصرة التجمع في مجتمع ما هي الجنس واللون والقوم والأرض وما إلى ذلك من روابط فإنها كلها لا تمثل الخصائص العليا للإنسان.
والخلاصة أن المجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتي الموافق لما شرعه مولاهم المتحضر والمجتمع الذي يجتمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو المجتمع المتخلف وفي المصطلح الإسلامي يطلق عليه المجتمع الجاهلي) (3) .(6/281)
وإذا ما طبقنا هذه القاعدة على أي نظام في المجتمعات غير الإسلامية نجد أن الرأسمالية قد أقامت مجتمعاتها الرأسمالية على أساس قومي وجنسي وجغرافي فكانت النتيجة أن ساد الإحتكار والإستغلال والإذلال لإنسانية الإنسان على يد الإمبراطوريات القديمة والحديثة، أما في الشيوعية فنجد أنها ترمي إلى إقامة مجتمع على أساس روابط أخرى تتخطى حواجز الجنس والقوم والأرض واللون واللغة ولم تحاول أن تقيمه على قاعدة (إلهية) أو حتى إنسانية عامة بل بدلاً من ذلك تحاول إقامته على قاعدة طبقة (البروليتاريا) (1) فجاءت صورة هذا التجمع وجهاً آخر للتجمع الروماني القديم الذي كان يقوم على قاعدة طبقة الأشراف، والنتيجة أن هذا التجمع لا يبرز إلا أسوأ ما في الكائن وهو الحقد الأسود على سائر الطبقات الأخرى. بينما إختفت إرادة الإنسان في التعبير وحريته في عمارة الأرض وترقية الحياة على وجهها الصحيح، وبهذا وعلى أساسه سقطت الشيوعية. أما الوضع في الإسلام فهو على العكس من ذلك تماماً فلقد كان من النتائج الباهرة إقامة المجتمع على آصرة العقيدة القائمة على الإرادة الحرة والإختيار الحر للإنسان، وبذلك أصبح المجتمع المسلم مجتمعاً مفتوحاً لجميع الأجناس البشرية وكفاءاتها وطاقاتها بحيث أخرجت حضارة إنسانية رائعة تحوي خلاصة الطاقات البشرية في زمانها مجتمعة، ولم تكن هذه الحضارة الإسلامية الضخمة يوماً ما عربية وإنما كانت دائماً إسلامية ولم تكن قومية ولكنها كانت عقيدية (2) .(6/282)
الأصل الثالث: إن من الأصول ومقومات الحضارة الإسلامية أن تكون (إنسانية الإنسان هي القيمة العليا في المجتمع وأن تكون الخصائص الإنسانية هي موضع التكريم والإعتبار، فعندئذ يكون المجتمع متحضراً أما حين تكون المادة في أي صورة هي القيمة العليا سواء في صورة النظرية كما في التفسير الماركسي للتاريخ أو في صورة الإنتاج المادي كما في سائر المجتمعات التي تعتبر الإنتاج المادي قيمة تهدر في سبيلها القيم والخصائص الإنسانية فإن هذا المجتمع يكون مجتمعاً متخلفاً (1) مهما بلغت درجة تقدمه العلمي وإنتاجه الإقتصادي والصناعي، وهذا الكلام لا يعني أن المجتمع الإسلامي يحتقر المادة ولكنه فقط لا يعتبرها القيمة العليا التي تهدر في سبيلها خصائص الإنسان ومقوماته، وتهدر من أجلها حرية الفرد وكرامته، ويهدم فيها بنيان الأسرة، وتصادر فيها أخلاق المجتمع وحرماته.
إن المجتمع المتحضر هو الذي تكون فيه القيم الإنسانية والأخلاق الفاضلة في مكان الصدارة لأن هذه القيم هي التي تنمي الخصائص الإنسانية في الإنسان وتميزه عن غيره من سائر المخلوقات وهذه القيم في المجتمع الإسلامي ثابتة وليست متغيرة كما هو الحال عند التقدميين والتطوريين أصحاب التفسير المادي للتاريخ وهذه القيم هي التي قررتها ودعت إلى التخلق بها الشريعة الإسلامية، وما على الإنسان إلا أن يمضي في بنائها وصيانتها في المجتمعات التي يقيمها.(6/283)
إن الإسلام حين يدخل المجتمعات البدائية ينشئ الحضارة المناسبة لهذا المجتمع حيث ينتقل الناس من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده، وتكتسي أجسامهم العارية وفقاً لما جاء عن الله، وينتقلون من الخمول والبلادة إلى النشاط، والعمل الموجه لإستغلال كنوز الأرض وخيراتها، ويخرجون من طور القبيلة والعشيرة إلى طور الأمة الإسلامية، ومن وشيجة الأرض والطين إلى وشيجة العقيدة والدين، ومن طور الأمية والجهل إلى طور العلم وإعمال العقل فيما يرقي من أمور الحياة وهذه هي الحضارة التي ينقل الإسلام هذه الفئة إليها، وحين يدخل المجتمعات المتقدمة صناعياً أو زراعياً فإنه يستخدم كل ما لديها من معطيات ويقيم حضارة هذه المجتمعات مستفيداً مما لديها فيما لا يخالف قيمه وتعاليمه، وهكذا يقيم الإسلام أشكالاً مختلفة ومتنوعة من الحضارات تختلف بإختلاف البيئات التي يدخلها.
إن هذه الصبغة الإنسانية النابعة من العقيدة الإسلامية هي التي تفسر لنا إجتياح الإسلام لفكر الإمبراطوريات التي فتحها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها وصياغتها صياغة جيدة وكأن تلك الثقافات والموروثات التي عاشت عليها تلك المجتمعات قروناً كثيرة كأن لم تكن.
إن مهمة العلم في المجتمع الإسلامي المتحضر ليست قهر الطبيعة أو الإنتصار عليها بل التلطف معها، والجد في إكتشاف قوانين الله فيها، فالطبيعة ما خلقها الله لتقهر بل لإستخراج خيراتها ومكنوناتها التي أودعها الله فيها، وجعلها مسخرة لخدمة الإنسان الذي سخر له الأرض وما فيها وما عليها قال الله تعالى (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه) (1) وقال: (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم) (2) .(6/284)
الأصل الرابع: هو أن تكون الأسرة هي قاعدة البناء الإجتماعي وأن تقوم على أساس التخصص بين الزوجين في العمل وأن تكون رعاية الجيل الناشئ هي من أهم وظائف الأسرة فالمجتمع الذي هذا شأنه هو المجتمع المتحضر لأن الأسرة هي البيئة التي تنشأ وتنمى فيها القيم والأخلاق الإنسانية متمثلة في الجيل
الناشئ، والتي يستحيل أن تنشأ في وحدة أخرى غير هذه الأسرة، أمَّا أن تكون العلاقات الجنسية (الحرة كما يسمونها) والنسل غير الشرعي هو قاعدة المجتمع، أو حين تقوم العلاقات بين الجنسين على أساس الهوى والنزوة والإنفعال لا على أساس الواجب والتخصص الوظيفي داخل الأسرة، أو حين تترك هذه المهمة وتفني طاقاتها في الإنتاج المادي وصناعة الأدوات ولا تنفقها في صناعة وتربية الإنسان، أو حين يكون الإنتاج المادي يومئذ أعز وأغلى وأكرم من الإنتاج الإنساني فعندئذ يكون هذا هو التخلف الحضاري بل الجاهلية بعينها.
إذن فالتخصص الوظيفي في الأسرة التي تقوم ببناء الإنسان هو الأساس في المجتمع المتحضر الإسلامي بحيث يقوم كل بوظيفته داخل الأسرة لقد شاء الله أن يكون ميدان إنشاء العنصر الإنساني وتنشئته هو ميدان عمل المرأة بالدرجة الأولى، ويقارن الشيخ محمد متولي الشعراوي بين ميدان عمل المرأة هذا وميدان عمل الرجل خارج البيت، ويرى أن ميدان عمل المرأة هو أهم وأدق من ميدان عمل الرجل.
إذن الرجل بحكم عمله خارج البيت إنما يتعامل في أشياء كلها مسخرة لخدمة الإنسان الذي هو أكرم ما في الوجود بينما المرأة تكون مهمتها هي التعامل مع هذا المخلوق المُكرم الذي هو الإنسان تتعامل معه كزوج فيسكن إليها وتتعامل معه جنيناً في بطنها ووليداً في حضنها ورضيعاً تغذيه وتحنو عليه وطفلاً وصبياً وشاباً تربيه وترعاه (1) .(6/285)
إن ترك المرأة لهذا الميدان الذي هو مجال عملها الأساسي والتي خلقها الله وفطرها لتحسن العمل فيه إلى ميدان آخر لهو مأساة بكل المقاييس لأن استعدادات المرأة بالعاطفة والحنان والرفق وفهم الطفولة هي أدوات لا يصلح لها إلا المرأة الأم، وهذا هو ميدانها الذي تحسن فيه وليس ميدان الرجال الذي تزاحمهم فيه فإنها ستخربه ولا تصلحه لعدم استعدادها فطرياً ولولا مركب النقص لكان للمرأة فخر وإعتزاز بمملكة البيت وتنشئة جيل المستقبل فيه فإن ذلك لا يقل شأناً عن فخر وإعتزاز الرجل بسياسة الحاضر وحسن القيام على مشكلات المجتمع التي تحتاج إلى جهد وكفاح.
والخلاصة في هذا الأصل أن الإسلام هو الحضارة والمجتمع الإسلامي هو المتحضر لأنه يؤمن أن إعداد جيل يترقى في خصائص الإنسانية ويبتعد عن خصائص الحيوانية لا يمكن أن يتم إلا في محضن أسرة قائمة على أساس الواجب والتخصص ومحوطة بضمانات الأمن والإستقرار العاطفي، فهذا هو ما يوفر للمجتمع مقومات الترقي على خط التقدم الإنساني ولذلك جعل الله الزوجة شق النفس ومحضن السكينة والأمن والإستقرار (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (1) .
الأصل الخامس: هو أن يقوم الإنسان بالخلافة في الأرض على أساس الإحسان في العمل ولكن ما المقصود بالعمل في التصور الإسلامي؟(6/286)
إن العمل صورة من صور العبادة ويتضح ذلك من قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً) (1) فالحضارة في التصور الإسلامي لا تقوم على مجرد العمل بل تتطلب ضرورة الإحسان في العمل، والإحسان في العمل ذو شقين. الشق الأول: هو إستخدام أقصى درجات المهارة والإتقان فيه ويؤكد هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) (2) ولكن هل يكفي الإتقان في العمل والمهارة في أدائه لبناء حضارة حقيقية؟ الإجابة الصحيحة على هذا أن ذلك بالتأكيد لا يكفي وهنا نصل إلى الشق الثاني لمعنى الإحسان في العمل وهو التوجه بالعمل إلى الله عز وجل، فالعمل عبادة والإحسان في العمل مرتبط بمفهوم الإحسان في التصور الإسلامي الذي هو المرتبة العليا من مراتب الدين وهو أن تعبد الله كأنك تراه فأن لم تكن تراه فإنه يراك.
إذاً فالإنسان المتحضر والمجتمع المتحضر هو الذي يؤدي العمل بأقصى درجات المهارة والإتقان مع مراعاة الله في أدائه فالعامل المتحضر المسلم يراقب الله في عمله ويؤمن بأن الله يراه فيكون ذلك دافعاً كبيراً له لإحسان عمله والأصل في هذا هو أن الإنسان جعله الله خليفة في الأرض والعمل من أهم وسائل الإنسان لتحقيق مقتضيات الخلافة ألا وهي عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله عز وجل، ولن تكون المهارة في العمل على هذا الأساس، وتصل إلى الغاية المطلوبة إذا إنقطعت صلة الإنسان بالله عز وجل فإنه إذا حصل ذلك فلن يراعي هذا القاطع للصلة بينه وبين الله عز وجل إلا ما يراه في مصلحته الشخصية ومصالح الأولياء عليه مهما كانت وسائل المراقبة ومهما ترتب على ذلك من دمار لمصالح الآخرين) (3) .(6/287)
وعلى ما تقدم فإن وفرة الإنتاج وحده، أو الإبداع المادي وحده، لا يسمى في الإسلام حضارة فقد يكون معه التخلف وتكون معه الجاهلية (أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعملون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) (1) .
خلاصة القول في هذا الفصل هي أن الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي مرتبطتان إرتباطاً عضوياً فعندما يكون الجانب العملي للثقافة مطبقاً تطبيقاً واقعياً وعملياً صحيحاً للجانب المعياري فيهما مع إستخدام كل معطيات الإنسان والزمان والمكان … تكون الحضارة.
لأن الحضارة كما سبق وأن أشرنا هي عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها إنسانياً وخلقياً وأدبياً وإجتماعياً وفق منهج الله تعالى وشريعته.
وعندما يصل المجتمع المتحضر الإسلامي إلى هذه الدرجة ويظل متمسكاً بمقومات حضارته وهي إفراد الله بالعبادة ومن ثم إفراده بالحاكمية واعتبار العقيدة هي الأساس وهي آصرة المجتمع الرئيسية واعتبار إنسانية الإنسان هي القيمة العليا في المجتمع والنظر إلى الأسرة على أنها قاعدة البناء الإجتماعي وقيام الإنسان بالخلافة في الأرض على أساس الإحسان في العمل عندئذ فقط يتبوأ المجتمع المتحضر الإسلامي مكانته اللائقة به في تربية الإنسانية وقيادتها إلى الحق والعدل (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) (2) والقائد المسلم الذي نعنيه في هذا البحث معني بفهم وتدبر هذه المفاهيم للثقافة لتكون له نبراساً في القيام بمسئولياته القيادية وهو يحمل عزة المسلم الفخور بثقافة أمته وتراثها الحضاري والعلمي ويسهم من جانبه في تطوير وتقدم هذه الثقافة التي ينتسب إليها فمن هو يا ترى القائد المسلم؟ وما هي يا ترى مواصفاته؟ . هذا ما سنعرفه في بحث آخر بإذن الله تعالى.
• • •
الخاتمة:(6/288)
تم الانتهاء من إعداد هذا البحث المختصر حول بعض مفاهيم ثقافتنا الإسلامية الأصيلة وقد حاولت مجتهداً أن أبرز أهم تلك المفاهيم والتي يقود تحسس أهميتها إلى أن يعود المسلمون وبقوة إلى منبع عزهم ومجدهم الذي أهملوه فضاع صيتهم واندرس تراثهم وذهب بريق تميزهم بين الأمم.
وإني أدعو الله أن يوفق جميع المسلمين إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة.
أهم نتائج البحث:
من خلال ما جاء في خطة البحث المتقدم ذكرها فلعل من أهم النتائج التي عالجها البحث وأبرزها أنه بيَّن أهمية علم الثقافة الإسلامية وأنه العلم الذي يُحصِّن به المسلم عقيدته وشريعته من معاول الأعداء. كما أنه الأساس في تكوين شخصية المسلم وبروز تلك الشخصية حيث يكون ذلك البروز بتمثل السمات التي تتميز بها الثقافة الإسلامية لأنه تقرر معنا في إستعراض فصول البحث أن ثقافتنا الإسلامية متميّزة من بين سائر الثقافات الأخرى ومرد ذلك التميز أنها ربانية المصدر، شاملة المنهج، عالمية الهدف. بل وزيادة على ذلك فإنها (أي الثقافة الإسلامية) هي القاعدة وهي الأساس للحضارة الإسلامية التي سادت العالم زمناً طويلاً يوم كان ذلك التمسك القوي بأصول وأسس الثقافة الإسلامية.
فالحضارة وليدة لتراث البيئة التي تقوم فيها، ثم إنها كذلك بمثابة المرآة التي تعكس لنا مقومات ومميزات ثقافة المجتمع الذي ينتسب إليه، وهي تعبر بشكل أو بآخر عما بلغه هذا المجتمع الذي تقوم فيه من الرقي، وهذا كله يؤكد الأهمية الكبيرة لثقافتنا الإسلامية الأصيلة.
الحواشي والتعليقات
أي علم الثقافة.
رواه الترمذي في باب العلم.
أضواء على الثقافة الإسلامية، د/نادية العمري، ص44.
الدكتور/شكري فيصل، مجلة الإسلام، العدد (…) ، ص26.
KOHLER, ERICH: CULTRE AND EVOLATION " IN (ed.) M. E. ASHLEY MONTAGA MAN’S ADAPTIVE DIMENSION " O.U.P. 1968, P3.(6/289)
مالك بن نبي مشكلة الثقافة، الطبعة الثانية، دار الفكر، ص30 وما بعدها.
سورة البقرة، الآية 191.
أساس البلاغة للزمخشري جار الله أبو القاسم محمود بن عمر، دار صادر، بيروت للطباعة والنشر، 1385هـ، ص73 – 74.
سورة النساء، الآية 91.
الرائد/جبران مسعود: دار العلم للملايين، بيروت، 1964م.
المنجد في اللغة: لويس معلوف، طبعة سابعة عشر، بيروت، ص71.
الحضارة: دكتور/حسين مؤنس، ص368.
المصدر السابق، ص369.
مجلة الأزهر، الجزء العاشر، القاهرة، شوال 1371هـ، المجلد 23، ص47.
فقه التاريخ في ضوء أزمة المسلمين الحضارية: للدكتور/عبد الحليم عويس، دار الصحوة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1414هـ، ص130.
سورة البقرة، الآية 269.
مجلة الأزهر: محاولات لإستكشاف الثقافة الإسلامية، بقلم د/أحمد عبد الحميد غراب، ج10، السنة 61 جمادى الآخرة 1409هـ، ص675.
المرجع السابق، ص675.
مدخل إلى علم الثقافة الإسلامية: د/عبد الرحمن زيد الزنيدي، ص89.
سورة آل عمران، الآية 19.
سورة آل عمران، الآية 85.
أصول التربية الإسلامية للدكتور/محمد شحات الخطيب وآخرون، ص146.
المصدر السابق، ص144.
المصدر السابق.
سورة النحل، الآية 125.
سورة آل عمران، الآية 104.
مجلة جامعة الإمام، العدد الثاني، 1410هـ، بقلم الدكتور/عبد الرحمن الزنيدي، ص93 بتصرف.
المصدر السابق.
أنظر في هذه المنهجية والحاجة إليها، نظام الإسلام (العقيدة والعبادة) لمحمد المبارك، ص14.
أي قيام علم ينهض بهذا الجانب وهو علم الثقافة الإسلامية.
المدخل إلى علم الثقافة الإسلامية: د/عبد الرحمن بن زيد الزنيدي، مصدر سابق، ص101.
المصدر السابق، ص102.
خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: سيد قطب، ص114، ط7، دار الشروق، 1402هـ.
سورة ص، الآية 26.
الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي: د/علي احمد مدكور، ص87 – 88.(6/290)
سورة سبأ، الآية 28.
سورة الحجرات، الآية 13.
متفق عليه.
سورة النساء، الآية 1.
سورة المؤمنون، الآيتان 51 – 52.
الإعلام الإسلامي والعلاقات والإنسانية النظرة والتطبيق، ورقة عمل مقدمة من دار التهامي نقره للقاء الثالث للندوة العالمية للشباب الإسلامي، الرياض، 1396هـ، ص342.
في النقد الإسلامي المعاصر: عماد الدين خليل، ص172، بيروت، 1972م (بتصرف) .
المصدر السابق.
رواه مسلم والترمذي.
سورة التغابن، الآية 16.
سورة البقرة، الآية 233.
ملامح الثقافة الإسلامية في الإعلام السعودي المعاصر بقلم: سليمان العيدي، ص30.
خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: سيد قطب ن ص114، ط7.
مصطفى أحمد أبو سمك: نظرات في نظم الإسلام وثقافته.
سورة المجادلة، الآية 11.
سورة الحجر، الآية 19.
سورة القمر، الآية 49.
سورة الأنعام، الآية 38.
سورة يونس، الآية 5.
سورة الأعراف، الآية 31.
سورة المائدة، الآية 3.
سورة النساء، الآية 110.
هذا وقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم ما نوهنا عنه وقررناه في هذا المقام، فيروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إذا أردتم العلم فانثروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين. أنظر تاريخ الفقه للشيخ السايس، ص15.
انظر الفلسفة القرآنية، ص17.
يقول الإمام المنذري في هذا الحديث: (رواه ابن عبد البر النمري في كتاب العلم.. وقال: هو حديث حسن ولكن ليس له إسناد قوي وقد رويناه من طرق شتى موقوفاً، والله اعلم) . أنظر الترغيب والترهيب، ج1، ص53 – 54 باختصار.
رواه ابن ماجه، مقدمة باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. رواه أبو داود في باب فضل العلم. صححه الألباني أنظر صحيح الجامع 5/302، طبعه المكتب الإسلامي، ط الثالثة.
صحيح البخاري، ج1، ص30.
أنظر تذكرة الدعاة للبهي الخولي، ص288 – 289.(6/291)
أنظر: الحضارة الإسلامية، ص184. والإسلام بين العلم والمدنية، ص145. ومناهج البحث، ص4 – 5 (بتصرف) .
دراسات في الدعوة والدعاة، ص393 وما بعدها. أنظر أيضاً طبقات الأمم، ص68 – 70.
إن جابر بن حيان أول من استحضر حامض الكبريتيك وأول من استحضر ماء الذهب وأول من اكتشف الصودا الكاوية. أنظر مناهج البحث والحضارة، د/جمال الدين، ص8.
مع الله: دراسات في الدعوة والدعاة: للشيخ محمد الغزالي، مرجع سابق، ص393.
ترجم كتاب ابن سيناء في الطب عشرات المرات إلى اللغة اللاتينية وغيرها، وظلت مؤلفاته أساساً للمباحث الطبية في فرنسا وإيطاليا ستة قرون. أنظر مناهج البحث والمصادر، ص8.
سورة النحل، الآية 67.
سورة البقرة، الآية 219.
سورة النساء، الآية 43.
سورة المائدة، الآية 90.
اسم من أسماء الخمر المُصنع.
دراسات في المذاهب السياسية، ص213 – 214.
راجع تفسير أبي السعود، ج2، ص206. وحاشية الجمل، ج2، ص199.
الظاهرة القرآنية، ص229 مالك بن نبي. راجع تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم، ج1، ص92.
سورة الصف، الآية 6.
إنجيل متى، الإصحاح 15 عدد 21.
إنجيل لوقا، إصحاح 1، عدد 16.
إنجيل مرقس، إصحاح 12 عدد 39.
إنجيل يوحنا، إصحاح 20، عدد 17.
دلائل ومعجزة الرسول، ص117.
المعجزة الكبرى للشيخ أبو زهرة، ص11.
المبادئ الأساسية لفهم القرآن، ص51 – 55.
إن الأناجيل الأربعة كتبت باللغة اليونانية وقيل إن بعضها كتب باللغة العبرية.
سورة الأعراف، الآية 158.
سورة الحج، الآية 49.
أصول التربية الإسلامية، مرجع سابق، ص135.
بحوث في الثقافة الإسلامية، الأستاذ الدكتور/حسن عيسى عبد الظاهر وآخرون، بتصرف.
الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي: د/أحمد مدكور.
معالم في الطريق: سيد قطب، 116 – 117، ط دار الشروق، بيروت، 1403هـ.
سورة يوسف، الآية 4.(6/292)
أعلام الموقعين لإبن القيم 1/51، دار الجيل، بيروت.
سورة النساء، الآية 65.
الطريق إلى الإسلام، نقله أنور الجندي في أخطاء المنهج الغربي الوافد، بيروت، دار الكتاب، ص242.
معالم في الطريق، مرجع سابق.
الطريق إلى الإسلام، مرجع سابق، ص239.
الشيخ على الطنطاوي، سووا صفوفكم، الشرق الأوسط، العدد 3299، في 10/12/1987م، ص10.
سورة التحريم، الآية 10.
سورة التحريم، الآية 11.
متفق عليه.
سورة الأنفال، الآية 72.
معالم في الطريق، مرجع سابق، ص115.
طبقة العمال.
المرجع السابق، ص59 – 60.
المرجع السابق، ص121.
سورة الجاثية، الآية 13.
سورة الحج، الآية 65.
الأسرة المسلمة والأسرة المعاصرة: عبد الغني عبود، الكتاب الرابع من سلسلة الإسلام وتحديات العصر، ط دار الفكر، 1979م، ص143.
سورة الروم، الآية 21.
سورة الكهف، الآية 30.
أنظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم (1113) .
الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي، مصدر سابق، ص102.
سورة الشعراء، الآيات 128 – 135.
سورة الأعراف، الآية 96.
المصادر والمراجع
أساس البلاغة للزمخشري – جار الله أبو القاسم محمود بن عمر، طبعة دار صادر، بيروت 1385هـ.
الأسرة المسلمة والأسرة المعاصرة، عبد الغني عبود، الكتاب الرابع، من سلسلة الإسلام وتحديات العصر، طبعة دار الفكر، 1979م.
أصول التربية الإسلامية، د/محمد شحات الخطيب وآخرون.
أعلام الموقعين، لابن القيم، طبعة دار الجيل، بيروت.
الإعلام الإسلامي والعلاقات الإنسانية (النظرة والتطبيق) التهامي نقرة 1396هـ.
الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي، د/علي مدكور.
الحضارة، للدكتور/حسين مؤنس.
الحضارة الإسلامية، ………………………
الرائد، لجبران مسعود، طبعة دار العلم للملايين، بيروت، 1964م.
الطريق إلى الإسلام، نقله أنور الجندي في أخطاء المنهج الغربي الوافد، طبعة دار الكتاب، بيروت.(6/293)
الظاهرة القرآنية، مالك بن نبي.
الفلسفة القرآنية، عباس محمود العقاد، ط الثانية، دار الكتاب العربي، بيروت، 1969م.
المعجزة الكبرى، لمحمد أبو زهرة.
المنجد في اللغة، لويس معلوف، طبعة سابعة عشر، بيروت.
النقد الإسلامي المعاصر، عماد الدين خليل، بيروت، 1972م.
بحوث في الثقافة للدكتور/حسن عيسى عبد الظاهر وآخرون.
تفسير أبي السعود.
تذكرة الدعاة للبهي الخولي.
خصائص التصور الإسلاميب ومقوماته، سيد قطب، طبعة دار الشروق، 1412هـ.
دراسات في الدعوة والدعاة ………………………..
سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سوره.
سنن ابن ماجه، للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد.
صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين مسلم بن حجاج.
صحيح البخاري، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.
فقه التاريخ في ضوء أزمة المسلمين الحضارية، د/عبد الحليم عويس، طبعة دار الصحوة، القاهرة، 1414هـ.
مشكلة الثقافة، مالك بن نبي، الطبعة الثانية، دار الفكر.
مدخل إلى علم الثقافة، د/عبد الرحمن زيد الزنيدي.
ملامح الثقافة الإسلامية في الإعلام السعودي المعاصر، سليمان العيدي، طبعة دار الناشر، الرياض، 1413هـ
مناهج البحث والحضارة، د/جمال الدين.
معالم في الطريق، لسيد قطب، طبعة دار الشروق، بيروت، 1413هـ.
نظرات في نظم الإسلام وثقافته، د/مصطفى أحمد أبو سمك.
نظام الإسلام، لمحمد المبارك.
KOHLEY, ERICH: CULTURE AND EVELATION IN
(ED) . E ASHLEY MONTAGAMANS ADAPTIVE DIMENSION, U. P. 1968.
الدوريات
مجلة الإسلام، بقلم الدكتور/شكري فيصل.
مجلة الأزهر، الجزء العاشر، القاهرة، شوال 1371هـ، المجلد 23.
مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الثاني، 1410هـ، بقلم د/عبد الرحمن الزنيدي.
صحيفة الشرق الأوسط، العدد (3299) ، في 10/2/1987، بقلم الشيخ علي الطنطاوي.(6/294)
كتاب الصوائف
(المُستخرَج)
لمحمد بن عائذ الدمشقي (ت 233 هـ)
د. سليمان بن عبد الله السويكت
أستاذ مشارك في قسم التاريخ بكلية العلوم الاجتماعية
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ملخص البحث
هذا البحث استخراجٌ لروايات مبثوثة في كتاب موسوعي ضخم هو تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (ت 571) ، تُعزى هذه الروايات لمحمد بن عائذ الدمشقي (ت 233) ، وتدخل في حيز نطاق كتاب مفقود له بعنوان (الصوائف) ، قمت باستخراجها وتنسيقها والتأليف بينها والتقديم لها بدراسة عن الكتاب، ثم رتبتها ترتيباً تاريخياً متسلسلاً. تكمن القيمة العلمية لهذا (المُستخرَجْ) في أن نص الكتاب الأصلي لازال مفقوداً، وأن المكتبة التاريخية تكاد تخلو من مثل هذا النوع من المؤلفات وأن المادة التاريخية التي يحويها النص لا يكاد يوجد ما يوازيها في المصادر في هذا الباب؛ من حيث الشمول أو دقة التفصيلات في بعض الأحداث، ولا في الاعتماد على النقل من المصادر قريبة من الحدث.
• • •
مقدمة:(6/295)
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، أما بعد: فلما كنت بصدد جمع مادة علمية لبحث كان بعنوان: (محمد بن عائذ الدمشقي ومصنفاته التاريخية) أثار انتباهي وجود كَمّ كبير من المرويات تدخل في نطاق كتاب اسمه: (الصوائف) لمحمد بن عائذ نفسه، ضمن كتاب تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، وقد رأيتني مسوقاً إلى جمع تلكم المرويات والنصوص من هذا السفر، إلى أن التفتُّ فرأيت من ذلك ما يستحق أن يفرد في كتاب مستقل مستخرج ينسب إلى صاحبه؛ محمد بن عائذ الدمشقي، ولا سيما أن ميدان الصوائف والشواتي (1) من الميادين التي يندر أن تجد فيها مؤلفاً مفرداً (2) ، مما يضفي على كتاب ابن عائذ هذا (الصوائف) ميزة فريدة بكونه من المؤلفات العزيزة في هذا المجال. ولهذا فبعد أن فرغت من استقراء تاريخ ابن عساكر قمت بمراجعة للمصادر التاريخية الأخرى استكمالاً لجمع نصوص كتاب الصوائف، فما ظفرت إلا بعدد محدود من الروايات من تاريخ خليفة بن خياط. بعد ذلك نسقت تلك النصوص تاريخياً وواءمت بينها، وأحلت إلى ما وجدته مما يماثلها في المصادر التاريخية الأخرى عن غير ابن عائذ، وترجمت للأعلام الواردة فيها خاصة ما يتصل بأسانيد الروايات، ومن له علاقة بالأحداث، وعرفت بما تيسرت معرفته من الأماكن، وأعددتها للنشر، لأهميتها البالغة في كونها تضيف إلى المكتبة التاريخية مادة منسقة كانت أشلاء مبعثرة هنا وهناك في ميدان هذا النظام الحربي المميز؛ نظام الصوائف والشواتي.(6/296)
إن من البدهي لنشر مثل هذا النص أن يسبق بدراسة تعريفية عن المؤلف تستوفي كافة المعلومات المتعلقة به، ولأني قمت بمثل هذه الدراسة في بحث سابق (1) فلن أكررها في هذا المقام، ولكن عند طبع الكتاب فسأضمها إليه بإذن الله تعالى.
أما العناصر التي أضفتها هنا والمتممة لهذا العمل فهي:
موارد ابن عائذ في كتاب الصوائف
رواة هذا الكتاب
القيمة العلمية للكتاب
توثيق النص
المنهج المتبع لاستخراج الكتاب
وحاولت في هذه الدراسة المقدَّمة بين يدي النص الإيجاز لئلا يثقل كاهل البحث وحتى يكون البحث مقبولاً. هذا وأسأل الباري عز وجل أن ينفع بهذا العمل الذي استغرق وقتاً طويلاً وجهداً مضنياً، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وصلى الله تعالى وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، ومن حمل لواء دعوته مبلغاً لها إلى يوم الدين.
أولاً: تعريف موجز ب (المؤلف)
محمد بن عائذ مصنف الكتاب:
هو محمد بن عائذ بن عبد الرحمن بن عبيد الله القرشي، الملقب بالكاتب، أبو عبد الله الدمشقي.
ولد بمدينة دمشق في سنة 150 (2) باتفاق بين من ترجم له. وأمضى شطراً من حياته في طلب العلم في بلاد الشام على عدد من الشيوخ المعروفين في الحديث والمغازي والسير والفتوح، ومن أشهر من تلقى عنه العلم شيخه الكبير أبو العباس الوليد بن مسلم بن العباس القرشي المتوفى سنة 195، عالم أهل الشام في وقته (3) .
وقد كان ابن عائذ ثقة صدوقاً، أجمعوا على عدالته وديانته، إلا أنهم ذكروا عنه قوله بالقدر.
أما من حيث مؤلفاته: فلم يذكر له أيَّ مصنف في علم الحديث على الرغم من اشتغاله به وتدريسه له، لكنه ألف عدداً من المصنفات التاريخية هي: كتاب المغازي، والفتوح، والسير، والصوائف، كما ذُكر له مصنف آخر بعنوان: ملح النوادر.(6/297)
تلقى عن ابن عائذ عدد من أهل العلم من أهل الشام أو ممن ورد عليها من غيرهم، ويعد أحمد بن إبراهيم البسري (1) ، أبو عبد الملك الثقة أخص من روى عنه، ولاسيما في الميدان التاريخي، لكن طلاب ابن عائذ كانوا يواجهون صعوبة في الأخذ عنه بسبب وعورة في أخلاقه، وخشونة في تعامله، وكان لا يصل إلى مراده منهم إلا النبهاء الذين يحسنون فن المداراة والملاطفة.
كانت وفاة ابن عائذ – وفق ترجيحنا في الدراسة المشار إليها – سنة 233، في يوم الخميس، الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر. رحمه الله تعالى وغفر له (2) . ... ...
ثانياً: (عن الكتاب)
رواة كتاب الصوائف:
بعد جولة طويلة في المصنفات التاريخية انحصر ما تم جمعه من نصوص تتعلق بالصوائف من مصنَّفيَن فحسب، هما: تاريخ خليفة بن خياط (ت 240) ، وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (ت 571) . أما تاريخ خليفة فأخذت منه حوالي أحد عشر رواية، كلها من طريق بَقيُّ بن مَخلَد عن بكّار بن عبد الله الدمشقي عن محمد بن عائذ.
إن جميع المرويات التي أضافها بقي بن مخلد إلى تاريخ شيخه خليفة بن خياط عن محمد بن عائذ جاءت بمثل هذا الطريق تقريباً: " كتب إلي بكار بن عبد الله عن محمد بن عائذ.. " (3)
وقد سمع بقيُّ من بكار في مدينة دمشق (4) ، ولكن طريقة التحمل التي يثبتها هنا تدل على أن ما رواه في هذا الصدد لم يكن مما سمعه منه في دمشق.
أما باقي مرويات كتاب الصوائف فهي من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، وهي في حدود ثلاث وأربعين ومائة رواية، كلها وردت عن طريق أحمد بن إبراهيم البسري عن محمد بن عائذ، ماخلا رواية واحدة كانت عن يزيد بن محمد بن عبد الصمد، وإسنادها كالتالي:(6/298)
" أنبأنا أبو طالب الحسين بن محمد، أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسّن، أنبأنا محمد بن المظفر، أنبأنا بكر بن أحمد بن حفص، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، حدثني يزيد بن محمد، حدثنا محمد بن عائذ.. " (1) . ويلاحظ على هذا الإسناد النزول، بينما الإسناد إلى أحمد بن إبراهيم البسري كان أعلى، وهو على المثال التالي:
" أنبأنا أبو محمد بن الأكفاني، نا أبو محمد الكتاني، أنا أبو محمد بن أبي نصر، أنا أبو القاسم بن أبي العقب، أنا أحمد بن إبراهيم، نا محمد بن عائذ " (2) . ولم يتغير رجال هذا الإسناد إلا في حالات نادرة جداً، كتغير شيخ ابن عساكر المباشر، فهو في الغالب: أبو محمد بن الأكفاني، وأحيانا أبو القاسم النسيب (3) ، ونادراً ما يكون غيرهما (4) .
وجميع مرويات ابن عساكر عن محمد بن عائذ في هذا الكتاب جاءت مسندة،إلا في حالات محدودة جداً روى عنه مباشرة بدون إسناد، كأن يقول: " قال محمد بن عائذ.." (5) ، ثم يذكر الحادثة.
ترجمة الرواة:
أولاً: في تاريخ خليفة:
= بكَّار بن عبد الله بن بكار بن عبد الملك بن الوليد بن بسر بن أبي أرطأة، أبو عبد الرحمن، روى عن أبيه ومحمد بن عائذ ومروان الطاطري وغيرهم، وروى عنه أحمد بن أبي الحواري وأبو زرعة الدمشقي، وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، وبقي بن مخلد التقى به لما ورد إلى دمشق وأخذ عنه، قال عنه أبو حاتم الرازي: صدوق (6) .
= بَقيُّ بن مَخْلَد بن يزيد، أبو عبد الرحمن الحافظ، أحد علماء الأندلس الكبار الزهاد المجتهدين غير المقلدين، ذو رحلة واسعة، روى عن جمع كبير من العلماء؛ منهم: أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، وخليفة بن خياط، وبكار بن عبد الله، وروى عنه خلق كثير، له مصنفات نفيسة في التفسير والحديث والفقه وغيرها، كانت ولادته سنة 185، ووفاته سنة 276 رحمه الله تعالى (7) .(6/299)
ثانياً: في تاريخ مدينة دمشق: وسأترجم لرجال الإسناد المشهور فحسب، بعداً عن الإطالة:
= أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن بكار بن عبد الملك بن الوليد ابن بسر بن أبي أرطأة القرشي، أبو عبد الملك الدمشقي، روى عن جمع من أهل العلم، منهم: محمد بن عائذ الدمشقي، وأبوه إبراهيم، وجده محمد، وغيرهم، وروى عنه جمع أيضاً، منهم: النسائي، وأبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب الهمداني وغيرهما، قال عنه النسائي: لابأس به، وقال الحافظ أبو القاسم: ثقة. توفي سنة 289 (1) .
= علي بن يعقوب بن إبراهيم بن شاكر بن زامل، أبو القاسم الهمداني، المعروف بابن أبي العقب، روى عن جماعة من أهل العلم، منهم: أبو عبد الملك البسري، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وجعفر الفريابي، وروى عنه أبو محمد ابن أبي نصر وجمع غيره، وهو أحد الثقات الكبار، مات سنة 353 (2) .
= عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف بن حبيب، أبو محمد بن أبي نصر التميمي العدل، حدث عن عدد من أهل العلم، منهم: أبو القاسم الهمداني، وأحمد بن سليمان بن زبان الكندي، وأبو إسحاق بن أبي ثابت، وحدث عنه أبو الحسن بن رشأ بن نظيف، وأبو سعد السمان، وأبو محمد عبد العزيز الكتاني وغيرهم، قال عنه الكتاني: لم ألق شيخاً مثله زهداً وورعاً وعبادة ورئاسة وكان ثقة عدلاً مأموناً رضاً، ولد سنة 327، وتوفي سنة 420 (3) .(6/300)
= عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي بن سليمان، أبو محمد التميمي الكتاني الحافظ، رحل في طلب العلم وسمع من أبي محمد بن أبي نصر التميمي، وعبد الوهاب المري، وعلي الرزاز وغيرهم، وروى عنه أبو بكر بن الخطيب البغدادي، وأبو عبد الله الحميدي، وأبو محمد بن الأكفاني وغيرهم، قال عنه ابن الأكفاني: كان من المكثرين من الحديث كتابة وسماعاً ومن المعتنين به الجامعين له مع صدق وأمانة وصحة واستقامة وسلامة مذهب، وكان ثقة. كانت ولادته سنة 389، وأما وفاته فسنة 466 (1) .
= هبة الله بن أحمد بن محمد بن هبة الله بن علي الأنصاري، أبو محمد الدمشقي المعروف بابن الأكفاني، سمع من والده وأبي القاسم الجنائي وأبي بكر الخطيب وعبد العزيز الكتاني ولازمه مدة، حدث عنه أبو بكر ابن العربي وأبو طاهر السلفي وابن عساكر، وقال عنه: سمعت منه الكثير، وكان ثقة ثبتاً متيقظاً معنياً بالحديث وجمعه، غير أنه كان عسراً في التحديث، وكان شديد العناية بالتاريخ أيضاً، ولد سنة 444، وكانت وفاته سنة 524 (2) .
= علي بن إبراهيم بن العباس بن الحسن بن العباس.. ابن الحسين بن علي ابن أبي طالب، أبو القاسم الحسيني (النسيب) ، حدث عن أبيه وعمه أبي البركات، وأبي بكر الخطيب، وعبد العزيز الكتاني وجمع غيرهم، وكتب عنه شيخه عبد العزيز هذا، وسمع منه ابن عساكر وجماعة من شيوخه منهم أبو محمد بن الأكفاني، قال ابن عساكر: سمعت منه كثيراً، وكان مكثراً ثقة، ذكر أن مولده سنة 424، أما وفاته ففي سنة 508 (3) .(6/301)
= علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، أبو القاسم ابن عساكر الحافظ الكبير المتقن، إمام أهل الحديث في زمانه، سمع من أكثر من ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، وكان ديناً خيراً حسن السمت، جمع بين معرفة المتون والأسانيد، مثبت محتاط، رحل وبالغ في الطلب إلى أن جمع مالم يجمعه غيره، صنف التصانيف المفيدة كتاريخ دمشق وغيره، فحفظ فيه ثروة من العلم ضاع معظمها، كانت ولادته سنة 499، أما وفاته فسنة 571 رحمه الله تعالى رحمة واسعة (1) .
إنك عندما تمعن النظر في سلسلة هؤلاء الرواة تجد أنهم حفاظ ثقاة متقنون، يشتغلون بحديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى جانب اشتغالهم بالتاريخ، مما يبعث في النفس الاطمئنان ويزيد الثقة بمروياتهم التاريخية.
موارد ابن عائذ في كتاب الصوائف:
يظهر من خلال النصوص التي تندرج تحت مسمى الصوائف أن جلها مأخوذ عن شيخه الوليد بن مسلم، وقد كان الوليد شاهد عيان في بعضها (2) ، وفي بعضها يروي عن شيوخه شهود العيان (3) ، وكان الوليد يبزُّ معاصريه في المعرفة بأمر المغازي (4) ، وغزوات الصوائف والشواتي لقرب عهده بها، واختلاطه بالشيوخ المشاركين فيها أو المطلعين عن كثب على أحداثها، وسؤالهم عما خفي عليه من شأنها، وتسجيله لتلك الأحداث أو روايتها (5) . وفي الصوائف أيضاً يروي عن شيخه أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وهو يروي عن شهود عيان مشاركين فيها، وهو أيضاً معاصر لها (6) .
كما أخذ عن شيخه إسماعيل بن عياش (7) ، واستقى عدداً محدوداً من الروايات عن كل من شيوخه: محمد بن شعيب (8) ، ومروان بن محمد (9) ، وسليمان البهراني (10) ، والهيثم بن حميد (11) ، والواقدي (12) ، ومن مزايا ابن عائذ في هذا الكتاب أنه سجل أحداثاً عاصرها هو بنفسه كحديثه عن غزو المأمون الصائفة في سنوات 215، 217، 218 (13) .(6/302)
فيظهر من هذا العرض الموجز أن موارد ابن عائذ كانت على درجة من الأهمية؛ حيث توفُّر الإسناد، والعدالة والصدق في الشيوخ على وجه العموم، وقرب العهد من الأحداث، والرواية عن شهود العيان، والمعاصرة للأحداث.
القيمة العلمية للكتاب:
تكمن القيمة العلمية لهذا النص المستخرج لكتاب (الصوائف) في أن نص الكتاب الأصلي لا زال مفقوداً، وأن المكتبة التاريخية في أمس الحاجة لمادة علمية عن مثل هذا النوع من النشاط الحربي المتمثل في الجهاد في سبيل الله تعالى لتلك الأمم القوية المجاورة للمسلمين في بلاد الشام والجزيرة والتي ظلت تتحرش بهم من حين لآخر، متحينة الفرص لغزوهم في أوقات ضعفهم أو انشغالهم بأزماتهم الداخلية؛ حيث لا نجد في المصادر الأصلية الإسلامية الموجودة بين أيدينا مادة تشبه مادة هذا الكتاب في شمولها ولا في دقة تفصيلاتها في بعض الأحداث، ولا في اعتمادها في النقل عن مصادر قريبة من الحدث في هذا الميدان من النشاط الحربي.
ونصوص الكتاب تكشف عن مدى الوعي الجهادي الذي كانت تعيشه الأمة الإسلامية في جميع مستوياتها؛ على مستوى القيادة، ابتداء من عصر الراشدين، ومروراً بالعصر الأموي، وانتهاء بالعصر العباسي الأول، وعلى مستوى الأمة جماعة وأفراداً،كما يظهر ذلك جلياً في ثنايا تلك النصوص.
كما أن قيام العلامة ابن عساكر بنقل نصوص وروايات كثيرة جداً من كتاب الصوائف لابن عائذ في كتابه تاريخ دمشق بأسانيده يعبر عن القيمة العلمية لهذا الكتاب ومؤلفه، ويعطي انطباعاً عن مدى وثوقه بمروياته في هذا الباب الفريد.
ويلاحظ من خلال مادة هذا الكتاب ونصوصه أنها ذات اتصال وثيق ببلاد الشام وأحداثها وعلاقاتها الحربية مع جيرانها البيزنطيين، فكأنها رصد لتاريخ الشام الحربي مع الروم خاصة في العصر الأموي، من واقع إسهامات الشام الواضحة والجلية في حملات الصوائف والشواتي.(6/303)
ومما يوضح القيمة العلمية للكتاب ما أشرت إليه قبل قليل في ختام الحديث عن موارد الكتاب من وجود أسانيد الروايات، وتوفر العدالة في الشيوخ، وقرب العهد من الأحداث، والرواية عن شهود العيان المشاركين فيها، ومعاصرة ابن عائذ نفسه لبعض مادونه من روايات، ولاشك أن هذا مما يرفع من قيمة الكتاب في نظر المختصين.
توثيق نص الكتاب:
إن جميع المادة العلمية المضمنة في هذا الكتاب مروية بأسانيد متصلة معروفة (1) ، مثبتة في تاريخ خليفة بن خياط وتاريخ دمشق لابن عساكر تنتهي جميعها إلى ابن عائذ، ولذا فهي صحيحة النسبة إليه.
أما إدخال تلك المرويات في نطاق كتاب (الصوائف) لابن عائذ دون غيره من مصنفاته الأخرى المفقودة فهو استناداً إلى موضوعها الذي تبحث فيه، وهو اجتهاد مني بذلت وسعي في تحري الدقة فيه، ومع هذا ففي تصوري أنه قد لا يضير الكتاب دخول رواية واحدة أو عدد محدود من الروايات فيه ما دام أنها ثابتة النسبة لمؤلفة، وفي نطاق موضوعه.
المنهج المتبع لاستخراج الكتاب:
لقد قمت باستقراء لمعظم كتب الحديث والطبقات والسير والتراجم والتاريخ - وهي كثيرة جداً (2) - تتبعاً لمادة هذا الكتاب، لكن لم أظفر بشيء من ذلك إلا في الكتابين اللذين سبقت الإشارة إليهما؛ وهما: تاريخ خليفة بن خياط، وتاريخ دمشق، وتتمثل أبرز معالم المنهج الذي اتبعته فيما يأتي:
لم أستخرج من النصوص والروايات إلا ما ثبت لدي نسبته لابن عائذ مصرحاً باسمه فيه.
لم أدرج من الروايات إلا ماصُرِّح فيه باسم صائفة أو شاتية، أو غزو للمسلمين إلى بلاد الروم، أو حرب معهم، أوبلاد الخزر، حيث كانت كلها تدخل في هذا النطاق، أو ماله علاقة بذلك.(6/304)
حذفت الأسانيد من روايات ابن عساكر خاصة؛ لطولها، وتماثلها، ولأنها ستزيد من حجمه، والوصول إليها متيسر لمن أرادها، وفائدتها محدودة في مثل هذا البحث. وقد سبقت الترجمة لرجال الإسناد المشهور المتكرر من ابن عساكر إلى ابن عائذ.
وثَّقت كل رواية على حدة، وأشرت إلى مواضع وجودها إن تكررت في أكثر من موضع.
نسقت الروايات تاريخياً ما أمكنني ذلك، وواءمت بينها، على الرغم من التداخل الواضح في بعضها.
أحلت إلى بعض الروايات الموجودة في المصادر الأخرى في مضانها المماثلة لما عند ابن عائذ، خاصة من تاريخ خليفة بن خياط وتاريخ الطبري.
ترجمت لأكثر الأعلام الواردة في النصوص، وحرصت على الترجمة لرجال إسناد ابن عائذ إلى راوي النص أو شاهد الحدث، وبيان حالهم، وذلك من أجل تجليتهم للقارئ، ما أسعفتني المصادر بذلك، وما تركته من رجال الإسناد دون ترجمة فإني لم أجد له في المصادر التي بين يدي ذكراً.
عرَّفت بما تيسرت معرفته من الأماكن.
وضعت عناوين من عندي بين حاصرتين هكذا [] لبعض المرويات المتماثلة ذات الموضوع الواحد، ووضعت كلمة [كذا] بين تينك الحاصرتين بعدما أشكل فهمه من النص.
رقَّمت الروايات بأرقام مسلسلة لتسهيل مراجعتها.
ثالثاً: نص كتاب (الصوائف) المستخرج
[العصر الراشدي]
[1] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: وذكر محمد بن عمر الأسلمي أن أول من أجاز الدرب (1) من المسلمين عمير بن سعد الأنصاري (2) ، قال: وغيرنا يقول: العنسيّ، يعني ميسرةَ بنَ مسروق (3) .(6/305)
[2] محمد بن عائذ، أنبأنا الوليد بن مسلم، نا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (1) ، قال: ثم دخل ميسرة بن مسروق العبسي أرض الروم في ستة آلاف، فوغل فيها وغنم وسبى، وجمعت له الروم، فلقيهم بمرج القبائل (2) ، وهو في مسيرة فحلف على السبقة وهي جمعهم بنفسه ومن معه [كذا] ، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزمهم الله، وكانت فيهم مقتلة عظيمة.
قال ابن جابر: فأدركت عظامهم تلوح في مرج القبائل، وهي إحدى ملاحم الروم التي أبيروا فيها.
قال ابن جابر: فكان ميسرة بن مسروق وأصحابه أول جيش للمسلمين دخل الروم (3) .(6/306)
[3] محمد بن عائذ القرشي، قال: قال الوليد: حدثنا غير واحد ممن سمع هشام بن حسان (1) أن محمد بن سيرين (2) حدثه، أن عمير بن سعد كان يعجب عمر بن الخطاب، فكان من عجبه به يسميه (نسيج وحده) ، وبعثه مرة على جيش من قبل الشام، فقدم مرة وافداً، فقال يا أمير المؤمنين: إن بيننا وبين عدونا مدينة يقال لها غرب السوس يطلعون عدونا على عوراتنا ويفعلون ويفعلون، فقال عمر: إذا أتيتهم فخيرهم بين أن ينقلوا من مدينتهم إلى كذا وكذا، وتعطيهم مكان كل شاة شاتين، ومكان كل بقرة بقرتين، ومكان كل شيء شيئين، فإن فعلوا فأعطهم ذلك، وإن أبوا فانبذ إليهم، ثم أجلهم سنة، فقال: يا أمير المؤمنين، اكتب لي عهدك بذلك، فكتب له عهده، فأرسل إليهم فعرض عليهم ما أمره به أمير المؤمنين، فأبوا فأجلهم سنة، ثم نابذهم، فقيل لعمر: إن عمير قد خرب غرب السوس وفعل وفعل، فتغيظ عليه عمر. ثم إنه قدم بعد ذلك وافداً ومعه رهط من أصحابه، فلما قدم عليه علاه بالدرة؛ خرَّبت غرب السوس، وهو ساكت لا يقول له شيئاً، ثم قال لأصحابه: مبرنسين؛ مبرنسين! ضعوا برانسكم (3) ، فقال عمير: ضعوا برانسكم ثكلتكم أمهاتكم، إنكم والله ما أنتم بهم، فوضعوا برانسهم، فقال عمر: معممين؛ معممين! ضعوا عمائمكم (4) ، فقال عمير: ضعوا عمائمكم، فإنا والله ما نحن بهم، فقال: مكممين؛ مكممين! ضعوا أكمامكم (5) ، فقال عمير: ضعوا أكمامكم ثكلتكم أمهاتكم، فإنا والله ما نحن بهم، قال: فوضعوا أكمامهم، فإذا عليهم جِمَام (6) ، فقال عمر: أما والله الذي لا إله إلا هو لو وجدتكم محلقين لرفعت بكم الحشب (7) . ثم إن عمر دخل على أهله، فاستأذن عليه عمير فدخل، فقال يا أمير المؤمنين: أقرأ إلي عهدك في غرب السوس، فقال عمر رحمك الله، فهلا قلت لي وأنا أضربك، فقال: كرهت أن أوبخك يا أمير المؤمنين، فقال عمر: غفر الله لك، ولكن غيرك لو كان(6/307)
قال الوليد: ورأيت خلف درب الحرب مدينة حين أشرفنا على
قُبَاقب (1) ناحية، فسألت عنها مشيخة من أهل قنسرين، فقالوا: هذا غرب السوس؛ مدينة أنسطاس التي غدرت، فأتاهم عمير بن سعد فقاتلهم ففتحها وخربها، فهي خراب إلى اليوم (2) .
[4] ابن عائذ، قال: قال الوليد: حدثنا سعيد بن عبد العزيز (3) ، أنبأنا أبو محمد، قال: حبيب بن مسلمة (4) كان على الصوائف في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ويبلغ عمر عنه ما يحب، ولم يثبته معرفة حتى قدم عليه حبيب في حجة، فسلم عليه فقال له عمر: إنك لفي قناة رجل، قال: إي والله، وفي سنانه، قال عمر: افتحوا له الخزائن فليأخذ ما شاء، قال: ففتحوها له فعدل عن الأموال وأخذ السلاح، انتهى (5) .
[5] ابن عائذ، قال: قال الوليد: فحدثنا سعيد بن بشير (6) ، عن قتادة (7) ، عن عكرمة (8) ، أنه غزا مع ابن عباس أرض الروم، وعلى الناس حبيب بن مسلمة، حتى بلغنا مدينة الفتية (9) الذين ذكرهم الله في كتابه (10) .
[6] ابن عائذ، قال: وأنبأنا الوليد بن مسلم، قال: فحدثنا إسماعيل بن عياش، عن ابن رغبان (11) ، أنه حدثه على أن حبيب بن مسلمة غزا أرض الروم، على جماعة في خلافة عمر بن الخطاب، فاهتم عمر بأمرهم، فلما بلغه خروج حبيب ومن معه خر ساجداً، انتهى (12) .
[7] ابن عائذ، نبأنا عبد الأعلى بن مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز، أنه حدثه أن حبيب بن مسلمة لقي موريان، وحبيب في ستة آلاف، وموريان في سبعين ألفاً، فقال حبيب: إن يصبروا وتصبروا فأنتم أولى بالله منهم، وإن يصبروا وتجزعوا فإن الله مع الصابرين، ولقيهم ليلاً، فقال: اللهم أبدلنا قمرها، واحبس عنا مطرها، واحقن دماء أصحابي، واكتبهم شهداء، ففتح الله تعالى له، وتواعد الجلندح العبسي وعتبة بن جحدم قبة موريان، فوجدوا قتيلين على بابها، انتهى (13) .(6/308)
[8] قال: وأنبأنا الوليد بن مسلم، قال: فحدثنا سعيد بن عبد العزيز، أنه بلغ الروم مكان حبيب بن مسلمة والمسلمين بأرمينية الرابعة (1) ، في ستة آلاف من المسلمين، فوجهوا إليهم موريان الرومي، في ثمانين ألفاً، فبلغ ذلك حبيباً، فكتب إلى معاوية، فكتب معاوية إلى عثمان، فكتب عثمان إلى صاحب الكوفة يمده، فأمده بسلمان الباهلي في ستة آلاف، وأبطأ على حبيب المدد، ودنا منه موريان الرومي، فخرج مغتماً بلقائه، فغشي عسكره وهم يتحدثون على نيرانهم وسمع قائلاً يقول لأصحابه: لو كنت ممن يسمع حبيب مشورته لأشرت عليه بأمر يجعل الله لنا وله نصراً وفرجاً إن شاء الله، فاستمع حبيب لقوله، فقال أصحابه: وما مشورتك؟ قال: كنت مشيراً عليه؛ ينادي في الخيول، فيقدمها، ثم يرتحل بعسكره يتبع خيله، فتوافيهم الخيل في جوف الليل، وينشب القتال، ويأتيهم حبيب بسواد عسكره مع الفجر، فيظنون أن المدد قد جاءهم؛ فيرعبهم الله، فيهزمهم بالرعب، فانصرف، ونادى في الخيول فوجهها في ليلة مقمرة مطيرة، فقال: اللهم خل لنا قمرها، واحبس عنا مطرها، واحقن لي دماء أصحابي، واكتبهم عندك شهداء، قال سعيد: فحبس الله تعالى عنهم مطرها، وجلا لهم قمرها، وأوقفهم من السحر، قال سعيد: وتواعد عتبة بن جحدم والجلندح العبسي حجرة موريان (2) .
[9] محمد بن عائذ، أخبرني الوليد بن مسلم، عن ابن علاق؛ يعني عثمان بن حصن (3) ، عن يزيد بن عبيدة (4) ، قال: وغزيت قبرس الثانية، سنة سبع وعشرين، عليهم أبو الأعور السلمي (5) .(6/309)
[10] محمد بن عائذ، أخبرنا الوليد، عن صخر بن جندلة (1) ، أنه حدثه عن يونس بن ميسرة بن حلبس (2) ، عن أبي فوزة حدير السلمي (3) ، قال: خرج بعث الصائفة، فاكتتب فيه كعب (4) ، فلما انفر البعث، أخرج كعب، وهو مريض، وقال: لأن أموت بحَرَسْتا (5) أحب إلي من أن أموت بدمشق (6) ، ولأن أموت بدَومة (7) أحب إلي من أن أموت بحرستا، هكذا قدماً في سبيل الله عز وجل، قال: فمضى، فلما كان بفجّ مَعلولا (8) ، قلت: أخبرني، قال: شغلتني نفسي، قلت: أخبرني، قال: إنه سيقتل رجل يضيء دمه لأهل السماء، ومضينا حتى إذا كنا بحمص (9) توفي بها، فدفناه هنالك بين زيتونات بأرض حمص، ومضى البعث فلم يقفل حتى قتل عثمان، انتهى (10) .
[العصر الأموي]
[11] محمد بن عائذ، أنا الوليد بن مسلم، حدثني مبشر بن إسماعيل (11) ، عن جعفر بن برقان (12) ، عن أبي عبد الله؛ حرسي عمر بن عبد العزيز (13) ، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: حدثني حرسي معاوية أنه قدم على معاوية بطريق من الروم يعرض عليه جزية الروم، عن كل من بأرض الروم من كبير أو صغير جزية؛ دينارين دينارين، إلا عن رجلين؛ الملك وابنه، فإنه لا ينبغي للملك وابنه أن يجزيا، فقال معاوية - وهو في كنيسة من كنائس
دمشق -: لو صببتم لي دنانير جزية حتى تملؤوا هذه الكنيسة، ولا يجزي الملك وابنه ما قبلتها منكم، قال الرومي: لا تماكرني، فإنه لا يماكر أحد مكراً إلا ومعه كذب، فقال معاوية: أراك تمازحنى، قال الرومي: إنك اضطررتني إلى ذلك، وغزوتني في البر والبحر والصيف والشتاء، أما والله يا معاوية ما تغلبوننا بعدد ولا عدة، ولوددت أن الله جمع بيننا وبينكم في مرج ثم خلى بيننا وبينكم، ورفع عنا وعنكم النصر، حتى ترى، قال معاوية: ما له قاتله الله! إنه ليعرف أن النصر من عند الله (14) .(6/310)
[12] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وحدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى (1) ، وغيره أن قيسارية فلسطين كانت آخر الشام ومدائنها وحصون سواحلها فتحاً، وأن طرابلس (2) دمشق كانت قبلها فتحاً بسنة، أو نحو
ذلك، وأن أهلها من الروم كانوا في منعة من حصنها، فذكرت ذلك لشيخ من أهل طرابلس، فحدثني أن معاوية بن أبي سفيان وجّه إليه سفيان بن مجيب الثمالي (3) في جماعة وعسكر عظيم، قال أبو مطيع: فعسكر في مرج السلسلة - بينه وبين مدينة أطْرَابُلُس خمسة أميال - في أصل جبل يقال له طربل، فكانوا هنالك، يسير إليهم منه، قال الشيخ: فحاصرهم سفيان ومن معه أشهراً حتى انحاز أهلها إلى حصنها الخرب اليوم - الذي عند كنيستها الخارجة منها قبل مدينة أطرابلس اليوم - فكتب إليه معاوية؛ يأمره أن يبني له ولأصحابه حصناً يأوي إليه ليلاً، ويغازيهم نهاراً، فبنى سفيان حصناً يقال له حصن سفيان، وهو اليوم يسمى كفر قدح، من مدينة أطرابلس، على ميلين ونحو ذلك، فلما رأى ذلك أهلها، واشتد عليهم الحصار، كتبوا إلى طاغية الروم، فوجه إليهم مراكب كثيرة، فأتوهم ليلاً فاحتملوهم فيها جميعاً؛ صغيرهم وكبيرهم، وحرقوها، وصبح سفيان وأصحابه الحصن فلم يجدوا فيه أحداً إلا يهودياً تحصن من النار في سرب فيها، فخرج من السرب فأخبرهم خبر الروم ومسيرها في السفن، قال الشيخ: فوجه إليها معاوية بن أبي سفيان ناساً من يهود الأردن، فأسكنهم إياها، فلم يزل على ذلك لا يسكنها غيرهم، حتى دخل رجل من الروم من أرض الروم، يقال له بقناطر لحدث كان منه بالروم، فأقبل بأهله وماله حتى استأمن، فأؤمن، فنزلها فلم يزل كذلك، حتى كان في زمان عبد الملك بن مروان، فكان يقطع إليها بعثاً من أهل دمشق صيفاً فإذا شتوا قفلهم، وشتا فرس بعلبك (4) ، فأقام فيها بقناطر زماناً حتى خرج أهل بعلبك منها، فلم يبق فيها من المسلمين إلا صاحب خراجها ورجلان معه،(6/311)
فبينا هو كذلك إذ أتاه بقناطر في جماعة من أهل بيته فقتله، وقتل صاحبيه، وغلق باب المدينة، وأخرج من في الحبس، ثم قعد في مركبين من مراكب الصناعة، وأخذ ناساً من يهود وانطلق بهم حتى أتى بهم صاحب الروم، فبينا هو يسير في مركبه إذ لقيه مركبان للمسلمين، كان صاحب البحر وجههما من عكا (1) إلى قبرص (2) ، ليأتياه بالخبر، فلما رآهما بقناطر عرف صاحبي المركبين من المسلمين، وهما من بعلبك، يقال لأحدهما: قابوس، والآخر سابور، فقالا: أين بقناطر؟ فقال: أرسلني أمير المؤمنين إلى الطاغية، أعليكما له طاعة؟ قالا له: نعم، قال: فإنه قد أمرني أن أتوجه بكم معي في أمره، وأراهما كتاباً كتبه عليه طائع، فخرجا من مركبيهما حتى قعدا معه في مركبه، وأمر أهل مركبهما بالمضي، فمضوا، فأوثقهما، حتى أتى بهما ملك الروم، فقبل منه ملك الروم وعفا عنه، وصير الرجلين عند بطريق من بطارقة الروم، حتى جلس ملك الروم يوماً ينظر إلى شماس من أهل بعلبك هرب إليهم، يقلب بسيفه يعجبه، وقد كان قابوس سايفه ببعلبك، فقال قابوس: إن رأى الملك أن يأذن لي في مسايفته فعل، فأذن له، فلما تقدم إليه قال له قابوس: اربط في رأسك يا شماس صوفاً من ألوان، ففعل، فجعل قابوس يسايفه، يتطاير ألوان الصوف من رأسه، والشماس لا يبصر، حتى قال: خذها مني وأنا قابوس، قال(6/312)
الشماس: البعلبكي؟! قال: نعم، قال: إنما فررت منك بالشام ثم لحقتني ها هنا، ثم سألهما الملك أن يتنصرا، ويدخلا في دينه، ففعلا، وبلا منهما حرصاً ووفاء، فبينما هما على ذلك، إذ بلغه خروج سفن العرب إلى جماعة الروم، فوجه إليهما بعثاً، وأمر ملك الروم قابوس وسابور بالمسير مع من وجه، وقال لهما: ما رأيكما؟ قالا: نحن أعلم الناس بقتال العرب، فليوجه الملك معنا أهل الشرف والجلد منهم، فإن السفلة لا تقاتل حمية ولا عن حسب، فوجه من بطارقته جماعة منهم؛ فيهم بقناطر الرومي الهارب كان منهم، ثم سار إليهم، فراطن قابوس سابور بالفارسية؛ أن الفرصة قد أمكنتنا، وصارا هما وأشراف من الروم وبقناطر في مركب واحد، فلما لقوا المسلمين في البحر وتوسطا سفنهما كبّرا، وشدا على من معهما منهم، واجتمع إليهم المسلمون، فأسروهم أسراً - وفيهم بقناطر - فأتي به عبد الملك، فأمر بقتله، وقطع على فرس بعلبك الخمس سكاناً لمدينة أطرابلس، ففعلوا وسكنوها وإلى غيرها من مدائن الساحل، قال: ففتحت أطرابلس يومئذ عنوة، فليس لأحد ممن فيهما من الأعاجم فيها حق ولا عهد (1) .
[13] ابن عائذ، نا الوليد بن مسلم، عن زيد بن دعكنة البهراني (2) ، أن معاوية شتى بسر بن أبي أرطأة (3) بأرض الروم؛ بالحَمَّة، سنة أربع وأربعين (4) .
[14] قال: وأخبرني الوليد، عن يزيد (5) بن دعلبة أن معاوية بن أبي سفيان شتى في سنة خمس وأربعين عبد الرحمن بن خالد بن الوليد (6) .
[15] قال: وقال الوليد بن مسلم: سمعت سعيد بن عبد العزيز، أو غيره، يخبر أن معاوية شتى عبد الرحمن بن خالد سنتين في جيش مقيم بأرض الروم، يدخل عليه القواد سنة سنة يصيف ويشتو عنده لم يغفل عنه حتى مات عبد الرحمن بأرض الروم (7) .(6/313)
[16] ابن عائذ، أخبرني الوليد، عن زيد بن عكنة البهراني، أن معاوية شتى في سنة ست وأربعين أبا كلثم الأزدي (1) ، وفي سنة سبع وثمان أبا عبد الرحمن القيني (2) .
[17] محمد بن عائذ، أخبرني الوليد، أنا زيد بن ذعلبة البهراني، أن معاوية بن أبي سفيان شتا في سنة سبع وأربعين مالك بن هبيرة (3) ، ثم غزا في سنة خمسين يزيد بن معاوية (4) .
[غزو القسطنطينية في عهد معاوية رضي الله تعالى عنه]
[18] محمد بن عائذ، نا الوليد، حدثني إسماعيل بن عياش، عن صفوان ابن عمرو (5) ، قال: غزى غازية السفن إلى القسطنطينية عبد الله بن قيس بالمحرقات (6) . وعن صفوان بن عمرو: أن عبد الله بن قيس لقي في مسيره إلى القسطنطينية بمحرقاته محرقات الروم على الخليج، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزمت محرقات المسلمين محرقات الروم، وجاءوا بالأسارى من الروم فضرب أعناقهم يزيد بن معاوية، والروم تنظر إليهم، قال صفوان: فلذلك يقول زياد ابن قطران الهوزني:
يومَ المدينة يومَ ذاتِ النارِ
هل أتاك أميرَ المؤمنين مصفُّنا
خشناءَ كل عشية وبكار
صُبُراً تعادي صفهم بكتيبة
تكويمَ قصر مشرف الإجّار
جاءوا بشبه الفيل كوُّم صدرُها
قعساء قد تعيا على البحّار
سوداء بل سحماء غُيِّرَ لونُها
شبه الجنون لشارب المصطار (7)
فترمدت واجلولذت قترى لنا(6/314)
[19] ابن عائذ، نا الوليد بن مسلم، نا إسماعيل بن عياش، عن صفوان ابن عمرو، عن الفرج بن يحمد، عن بعض أشياخه، قال: كنا مع سفيان بن عوف الغامدي (1) شاتين بأرض الروم، فلما صفنا، دعا سفيان الخيول، فاختار ثلاثة آلاف، فأغار بنا على باب الذهب، حتى فزع أهل القسطنطينية، وضربوا بنواقيسهم، ثم لقونا، فقالوا: ما شأنكم يا معشر العرب، وما جاء بكم؟ قلنا: جئنا لنخرب مدينة الكفر، ويخربها الله على أيدينا، فقالوا: ما ندري أخطأتم الحساب، أم كذب الكتاب، أم استعجلتم القدر! والله إنا لنعلم أنها ستفتح يوماً، ولكنا لا نرى هذا زمانها (2) .
[20] ابن عائذ، نا الوليد، نا عبد الله بن لهيعة (3) ، والليث بن سعد (4) ، عن يزيد (5) ، عن أبي عمران التجيبي (6) ، قال: غزونا القسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني (7) ، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد (8) .
[21] ابن عائذ، قال الوليد بن مسلم: ثنا أبو داود (9) ، عن يونس ابن الحارث الثقفي (10) ، قال: سمعت مشرساً (11) يحدث، عن أبيه، قال: بينا نحن وقوف على القسطنطينية إذ هتف أبو شيبة؛ فقال: يا أيها الناس، فأقبلت إليه ومعي ناس كثير، فإذا نحن برجل متقنع على دابته، وهو يقول: يا أيها الناس، من كان يعرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا أبو شيبة الخدري صاحب رسول الله (، سمعت رسول الله (يقول: من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً، وجبت له الجنة. ومات فدفناه مكانه (12) .
[22] محمد بن عايذ، نا الوليد، ابن لهيعة، عن يزيد يعني ابن أبي حبيب، عن أبي عمران التجيبي، قال: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى غزا القسطنطينية وتوفي بها فدفن بها (13) .(6/315)
[23] ابن عائد، نا الوليد، نا إبراهيم بن محمد، عن الأعمش (1) ، عن أبي ظبيان (2) ، قال: أوصى أبو أيوب أن يدفن إلى جانب القسطنطينية، فناهضنا المدينة حتى دنونا منها، ثم دفناه حتى أقدامنا.
قال ونا الوليد، نا غير واحد، منهم أبو سعيد المعيطي (3) : أن أهل القسطنطينية قالوا ليزيد ومن معه: ما هذا؟! ننبشه غدا، قال يزيد: ذا صاحب نبينا، أوصى بهذا لئلا يكون أحد من المجاهدين ومن مات في سبيل الله أقرب إليكم منه، لئن فعلتم لأنزلن كل جيش بأرض العرب،ولأهدمن كل كنيسة، قالوا: إنما أردنا أن نعرف مكانه منكم، لنكرمنه لصحبته ومكانه، قال: فبنوا عليه قبة بيضاء، وأسرجوا عليه قنديلاً، قال أبو سعيد: وأنا دخلت عليه القبة في سنة مائة، ورأيت قنديلها، فعرفنا أنه لم يزل يسرج حتى نزلنا بهم (4) .
[24] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: قال سعيد بن عبد العزيز: أغزا معاوية الناس الصوائف وشتاهم بأرض الروم ست عشرة صائفة بها، وشتوا، ثم يقفل، ويدخل معقبتها، ثم اغترهم، فأغزاهم يزيد ابنه في جماعة من أصحاب رسول الله في البر والبحر، حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهلها على بابها، وقفل. قالوا فلم يزل معاوية على ذلك حتى مضى لسبيله (5) .
[25] محمد بن عائذ، قال: نا الوليد بن مسلم، نا زيد بن ذعلبة البهراني، أن يزيد بن معاوية استخلف ابن مكرز على شاتيته سنة خمسين؛ يعني حين انصرف من غزو القسطنطينية في عهد أبيه معاوية (6) .
[26] أبو عبد الله محمد بن عائذ، أنا الوليد، نا سعيد بن عبد العزيز، أن أبا مسلم الخولاني (7) كان ممن شتى مع بسر بن أبي أرطأة، فأدركه أجله بها، فأتاه بسر في مرضه، فقال له أبو مسلم: اعقد لي على من مات معك من المسلمين في هذه الغزاة؛ فإني أرجو أن آتي بهم يوم القيامة على لوائهم.
قال: ونا ابن عائذ، حدثني عبد الأعلى بن مسهر، عن سعيد بن(6/316)
عبد العزيز، أن أبا مسلم الخولاني قال لبسر بن أبي أرطأة – وقد حضرته الوفاة بأرض الروم -: اعقد لي على من مات ها هنا، قال: رجاء أن يبعث عليهم.
قال: ونا ابن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: وقد أخبرني صاحب لنا يقال له أحمد بن الحسن، أنه بلغه أن معاوية بن أبي سفيان شتى بسر بن أبي أرطأة سنة إحدى وخمسين (1) .
[27] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: قال زيد: وفي سنة إحدى وخمسين غزا فضالة بن عبيد الأنصاري الشاتية (2) .
[28] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، أخبرني صاحب لنا يقال له: أحمد بن الحسن، أنه بلغه أن معاوية بن أبي سفيان شتى عبد الرحمن بن أم الحكم سنة اثنتين وخمسين بأرض الروم (3) .
[29] ابن عائذ، قال: قال الوليد: فأخبرني من سمع إسماعيل بن عبيد ابن نفيع أن معاوية أغزى عبد الرحمن ابن أم الحكم أرض الروم، وكان فيها، ووفّد ابن هرقل خصياً له يريد معاوية على الصلح، على أن تجعل له ضواحي أرض الروم، على أن يكف الجنود ولا يغزيهم، فأجابه معاوية إلى ذلك، فأرسل معه اثني عشر رجلاً من حرسه، نفيع أبو إسماعيل أحدهم، فانطلقوا مع الخصي حتى أتوا عبد الرحمن بكتاب معاوية برأيه، فخلى سبيل من كان معه من السبي، ونفذ رسل معاوية إلى ابن هرقل، فلما دخلوا عليه، وقرأ كتابه، جعل ينفخ، ويقول: اضطر معاوية، أرسلت إليه لا رجل ولا امرأة! أناأعطيه ضواحي الروم بخدعة! أنااعطيه ضواحي الروم! وقتل تسعة من الرسل، واستبقى نفيعاً وابنه، فحبسهم في سجنه، وبلغ معاوية الخبر، فأمر عبد الرحمن بالمقام بأرض الروم (4) .
[30] قال: ونا ابن عائذ، قال: فأخبرني الوليد بن مسلم، عن زيد بن ذعلبة، قال: ثم شتا محمد بن عبد الله سنة ثلاث وخمسين (5) .(6/317)
[31] ابن عائذ، أخبرني إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن يزيد (1) ، عن زيد بن أبي أنيسة (2) ، عن عقبة بن رافع، قال: غزوت مع عمي الصائفة، وعلينا معن بن يزيد الخفافي (3) - من أصحاب النبي [ (]-، فنزل منزلاً حتى أشفينا على أرض العدو، فقام في الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، فقال: يا أيها الناس إنا لا نريد أن نقسم الغُنْم والعلف وأشباه ذلك، فخذوا منه ما أحببتم فقد أحللناكم منه (4) .
[32] قال: ونا ابن عائذ، نا الوليد، قال: قال زيد بن دعكنة: ثم شتا سفيان بن عوف سنة أربع وخمسين، قال: ونا ابن عائذ، قال: وحدثني عبد الأعلى، عن سعيد بن عبد العزيز: أن سفيان بن عوف، أو مالك بن عبد الله، شك سعيد، كان يركب الثقل وهو أمير الصائفة (5) .
[33] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: وقد بلغنا أن سفيان؛ يعني ابن عوف، هلك، واستخلف عبد الرحمن بن مسعود (6) ، يعني على الصائفة، قال أبو عبد الله ابن عائذ: فسمعت غير الوليد ينشد هذه الأبيات:
أقمْ يا ابنَ مسعود قناةً صَليبة
كما كان سفيان بن عوف يقيمها
وسُمْ يا ابنَ مسعود مدائنَ قيصر
كما كان سفيان بن عوف يسومها
وسفيان قَرْمٌ من قروم قبيلة
تُضيمُ وما في الناس حيّ يُضيمها
قال: وأنا ابن عائذ، قال: فحدثني الوليد بن مسلم، عن زيد بن ذعبلة البهراني، أن ابن مسعود شتا سنة خمس وخمسين (7) .
[34] قال ابن عائذ: فسمعت عبد الأعلى يحدث؛ قال: غضب معاوية على ابن مسعود في شيء، فقال له: هلا فعلت كما فعل سفيان بن عوف، فقال: يا أمير المؤمنين، وأين أنا من سفيان بن عوف، قال: عفونا عنك؛ بمعرفتك فضل سفيان، وقد قيل: إن المستخلَف عبد الله بن مسعود؛ المعروف بابن مسعدة، أخا عبد الرحمن (8) .(6/318)
[35] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: أخبرني إسماعيل، وغيره، أنه كان في كتاب معاوية إلى عبد الله بن قرط (1) ؛ بلغني كتابك في مواضع رايات الأجناد المعلومة، فهي على مواضعها الأولى، فإذا حضر أهل الشام جميعاً، فأهل دمشق وحمص ميمنة الإمام (2) .
[36] قال ابن عائذ، قال: كان معاوية ولاه [أي عبدَ الله بن قرط] حمص، فحدثني سليمان بن عبد الحميد البهراني، قال: سمعت يوسف بن الحجاج (3) ، يقول: سمعت جنادة بن مروان يقول: عن أشياخه، أن عبد الله بن قرط - وهو وال على حمص - خرج يحرس ليلة على شاطئ البحر، فلقيه ماثور الروم فقتله عند الموضع، الذي يسمى برج ابن قرط - وهو فيما بين بانياس ومَرَقيّة - (4) . قال: وسمعت سليمان البهراني يقول: سمعت العلاء بن يزيد الثمالي يقول: سمعت أشياخنا من وأهل بيت يحدثون [كذا] : أن عبد الله بن قرط خرج يعسُّ - وهو وال على حمص - على شاطئ الساحل، فنام على فرسه لم يشعر حتى أخذته الروم فقتلته في هذا الموضع، يعني عند برج ابن قرط (5) .
[37] ابن عائذ، ثنا الوليد، حدثني يعني ابن علاف (6) ، عن يزيد بن عبيدة، قال: وفي سنة سبع وخمسين شتى يزيد بن شجرة أرض الروم (7) .
[38] محمد بن عائذ، حدثني الوليد، عن زيد بن ذعلبة البهراني، قال: ولي مالك بن عبد الله سنة سبع وخمسين. وحدثني غير زيد أن مالك بن عبد الله الخثعمي (8) شتى بالناس بأرض الروم سنة ست وخمسين بأرض الروم [كذا] .
[39] ابن عائذ، قال الوليد: حدثني منير بن الزبير (9) ، عن عبادة بن مكي (10) ، أن مالكاً ولي الصوائف حتى سماه المسلمون مالك الصوائف. قال: ونا الوليد بن مسلم، حدثني ابن جابر، أن مالك بن عبد الله كان يلي الصوائف حتى عرفته الروم بذلك (11) .(6/319)
[40] قال بقي: وكتب إلي بكار بن عبد الله، عن محمد بن عائذ، قال: حدثني الوليد، قال: حدثني غير يزيد، قال: وفي سنة ثمان وخمسين شتى عمرو بن مرة (1) البذبذون (2) ، وأغار الحصين بن نمير على صائفة الروم (3) .
[41] قال: وكتب إلي بكار بن عبد الله، عن محمد بن عائذ، عن الوليد، عن رجل، قال: وفي سنة تسع وخمسين شتى جنادة بن أبي أمية بأرض الروم (4) .
[42] ابن عائذ، نبأنا الوليد، حدثنا ابن لهيعة، عن مسلم بن زياد (5) ، عن سفيان بن سليم، أنه أخبره عن جنادة بن أبي أمية الأزدي (6) ، أن معاوية كتب إليه يأمره بالغارة على جزيرة البحر بمن معه، وذلك في الشتاء بعد إغلاق البحر، فقال جنادة: اللهم إن الطاعة علي وعلى هذا البحر، اللهم أنا أسألك أن تسكنه، وتسيرنا فيه، فزعموا أنه ما أصيب فيه أحد انتهى (7) .
[43] ابن عائذ، قال: قال محمد بن شعيب (8) : نا نصر بن حبيب السلامي (9) ، قال: كتب معاوية إلى مالك بن عبد الله الخثعمي، وعبد الله ابن قيس الفزاري (10) ؛ يصطفيان له من الخمس، فأما عبد الله فأنفذ كتابه، وأما مالك فلم ينفذه، فلما قدما على معاوية بدأه في الإذن وفضله في الجائزة، وقال له عبد الله: أنفذتُ كتابَك ولم ينفذه، وبدأتَه في الإذن وفضلته في الجائزة، فقال: إن مالكاً عصاني وأطاع الله، وإنك عصيت الله وأطعتني، فلما دخل عليه مالك، قال: ما منعك أن تنفذ كتابي؟ قال: ما كان أقبح بك وبي أن نكون في زاوية من زوايا جهنم؛ تلعنني وألعنك، وتلومني وألومك، وتقول لي: هذا عملك، وأقول: هذا عملك (11) .(6/320)
[44] ابن عائذ، نا إسماعيل بن عياش، عن عطية بن قيس (1) ، عن بعض من كان يلزم مالك بن عبد الله الخثعمي بأرض الروم، قال: أيقنته؛ فما وجدت منه ريحَ طيب في شيء من أرض الروم، حتى أجاز الدرب قافلاً، فذكرت ذلك له، قال مالك: وحفظتَ مني؟ قال: نعم، قال: ما كان يسوغ لي أنا أتطيب، لما يهمني من أمر رعيتي حتى سلمهم الله، فلما سلمهم الله وأمنت، تطيبت (2) .
[45] ابن عائذ، نا عبد الأعلى بن مسهر، عن عقبة (3) ، عن الأوزاعي (4) ، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني (5) ، عن أبيه، قال: غزونا مع مالك؛ فحاصرنا حصناً ففتحه الله، وأصيب رجل من المسلمين، فجعل الناس يهنؤونه، وهو يقول: يا ليت الرجل لم يقتل، ويا ليت الحصن لم يفتح، وكان صائماً لم يفطر، وأصبح صائماً والناس يعزونه، وهو يقول: يا ليت الرجل لم يقتل ويا ليت الحصن لم يفتح (6) .
[46] ابن عائذ، نا إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس، عن مالك بن عبد الله، أنه كان معه يغزو، فإذا هو بشجرة الفاكهة، فضرب بسوطه، ثم قال:.. الفاكهة، ولا تقطعوا شجراً مثمراً؛ فإنه لكم منفعة في غزوكم قابل (7) .
[47] ابن عائذ، سمعت محمد بن شعيب يحدث؛ أن مولى لمالك بن عبد الله دخل الحمام معه، وأنه نظر إلى كتاب في فخذ مالك؛ (مالك عدة لله) ، قال: فلما رآني أجمح نحوه، قال: ما تنظره، والله ما كتبه بشر (8) .(6/321)
[48] وكتب إلي بكار بن عبد الله، عن محمد بن عائذ، قال: وحدثنا غير الوليد بأمراء معاوية على الصوائف، فكتبت ذلك على ما سمعت … من ذلك؛ ما حدثنا إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن سعيد بن حنظلة (1) ، أن معاوية بن أبي سفيان أمّر عمرو بن معاوية العقيلي (2) على الصائفة، فلما قدم سأله عما بلغ الخمس، فأخبره، فقال: أين هو؟ قال عمرو: تسألني عن الخمس - وأرى رجلاً من المهاجرين يمشي على قدميه لا أحمله - فقال معاوية: لا جرم، لا تنالها ما بقيت، قال: إذاً لا أبالي، وأنشأ يقول:
وأتركُ أصحابي فما ذاك بالعدل
تُهادي قريشٌ في دمشق غنيمتي
ولا أبتغي طولَ الإمارة بالبخل
ولستُ أميراً أجمعُ المال تاجراً
فلستُ على مالي بمستغلق قفلي (3)
فإن يمسك الشيخ الدمشقي مالَه
[49] قال محمد بن عائذ، وحدثني إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن أبي حِسبة: أن عمرو بن معاوية العقيلي كان وهو على الجيش ينزل فيواسي أصحابه بسوق السبي والجزور والرمك (4) ، مشمراً عن ساقيه (5) .
[50] قال محمد، وحدثني مروان بن محمد، عن رشدين بن سعد (6) ، عن الحسن بن ثوبان (7) ، عن يزيد (8) : أنه كان على أهل الشام منقلبه عبد الله بن قيس الفزاري، وعلى أهل مصر عوام اليحصبي، وعلى أهل المدينة عبد العزيز بن مروان، وعوام على الجماعة (9) .
[51] قال محمد، وحدثني مروان بن محمد، عن رشدين بن سعد، عن الحسن بن ثوبان، قال: قال يزيد: ففتح عبد الله بن قيس الفزاري منقبة في خلافة معاوية، فكانت غنائمهم يومئذ مائة دينار وأوقية تبر وقمقم صفر (10) ، قال: فلم أسأل مروان عن هؤلاء الأمراء الذين ذكر في الحديث الأول، أفي هذه الغزاة كانوا جميعاً، أم كانت هذه غزاة قبلهم؟ (11) .(6/322)
[52] قال محمد، وحدثني الوليد بن مسلم، قال: كان آخر ما أوصاهم به معاوية أن شدوا خناق الروم، فإنكم تضبطون بذلك غيرهم من الأمم. قال الوليد: مات معاوية في رجب سنة ستين، وكانت خلافته تسع عشر سنة ونصف سنة. قال محمد: وحدثني الواقدي؛ أن معاوية مات وهو ابن ثمان وسبعين (1) .
[53] قال محمد: قال الوليد بن مسلم: ولي يزيد بن معاوية، فغزا في ذلك العام مالكُ سورية (2) .
[54] ابن عائذ، نا الوليد بن مسلم، نا يحيى بن حمزة (3) : أن يزيد بن معاوية أغزى يزيد بن أسد (4) أرض الروم،ففتح قيسارية أرض الروم (5) ، وسبى منها خمسة وأربعين ألفاً (6) .
[55] وكتب إلي بكار بن عبد الله، عن محمد بن عائذ، عن الوليد بن مسلم، قال: وفي سنة إحدى وستين كانت غزوة مالك بن عبد الله الصائفة؛ غزوة قونية (7) .
[56] كتب إلي بكار، عن محمد بن عائذ، وكان الجوع فترك أهل الشام الغزو سنة ثمان وستين (8) .
[57] كتب إلي بكار، عن محمد بن عائذ، قال: تخلف أهل الشام عن الغزو عام الردغة، فأخذ خمس أموالهم من العطاء سنة سبعين (9) .(6/323)
[58] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وأخبرني غير واحد أن طاغية الروم لما رأى ما صنع الله للمسلمين منعة مدائن الساحل [كذا] ، كاتب أنباط جبل لبنان واللكام، فخرجوا جراجمة فعسكروا بالجبل، ووجه طاغية الروم فلقط البطريق في جماعة من الروم في البحر، فسار بهم حتى أرساهم بوجه الحجر، وخرج بمن معه حتى علا بهم على جبل لبنان، وبث قواده في أقصى الجبل حتى بلغ أنطاكية وغيرها من الجبل الأسود، فأعظم ذلك المسلمون بالساحل حتى لم يكن أحد يقدر يخرج في ناحية من رحا ولا غيرها إلا بالسلاح. قال الوليد: فأخبرنا غير واحد من شيوخنا أن الجراجمة (1) غلبت على الجبال كلها من لبنان وسنير (2) ، وجبل الثلج وجبال الجولان، فكانت باسبل مسلحة لنا في الرقاد، وعقربا الجولان مسلحة، حتى جعلوا ينادون عبد الملك بن مروان من جبل دير المران (3) من الليل، حتى بعث إليهم عبد الملك بالأموال ليكفوا، حتى يفرغ لهم، وكان مشغولاً بقتال أهل العراق ومصعب ابن الزبير وغيره. قال: ثم كتب عبد الملك إلى سحيم بن المهاجر في مدينة أطرابلس يتوعده، ويأمره بالخروج إليهم، فلم يزل سحيم ينتظر الفرصة منهم، ويسأل عن خبرهم وأمورهم حتى بلغه أن (فلقط) في جماعة من أصحابه، في قرية من قرى الجبل، فخرج سحيم في عشرين رجلاً من جلداء أصحابه، وقد تهيأ بهيئة الروم؛ في لباسه وهيئته وشعره وسلاحه متشبهاً ببطريق من بطارقة الروم قد بعثه ملك الروم إلى جبل اللكام في جماعة من الروم، فغلب على ما هنالك، فلما دنا من القرية خلف أصحابه، وقال انتظروني إلى مطلع كوكب الصبح، فدخل على فلقط وأصحابه وهم في كنيسة يأكلون ويشربون، فمضى إلى مقدم الكنيسة فصنع ما يصنعه النصارى؛ من الصلاة والقول عند دخول كنائسها، ثم جلس إلى فلقط، فقال له: من أنت؟ فانتمى إلى الرجل الذي يتشبه به، فصدقه، وقال له: إني إنما جئتك لما بلغني من جهاز سحيم وما اجتمع(6/324)
به من الخروج إليك لأخبرك به، وأكفيك أمره إن أتاك، ثم تناول من طعامهم، ثم قال لفلقط وأصحابه: إنكم لم تأتوا ها هنا للطعام والشراب، ثم قال لفلقط: ابعث معي عشرة من هؤلاء من أهل النجدة والبأس حتى نحرسك الليلة، فإني لست آمن أن يأتيك ليلاً، فبعث معه عشرة، وأمرهم بطاعته، فخرج بهم إلى أقصى القرية، وقام بهم على الطريق الذي يتخوفون أن يدخل عليهم منه، فأقام حارساً منهم، وأمر أصحابه فناموا، وأمر الحارس إذا هو أراد النوم أن يوقظ حارساً منهم وينام هو، فحرس الأول، ثم أقام الثاني، ثم قام سحيم الثالث، ثم قال: أنا أحرس فنم، فلما استثقل نوماً قتلهم بذبابة سيفه رجلاً، رجلاً، فاضطرب التاسع، فأصاب العاشر برجله فوثب إلى سحيم، فاتحدا، وصرعه الرومي، وجلس على صدره، واستخرج سحيم سكيناً في خفة فقتله بها، ثم أتى الكنيسة، فقتل فلقط وأصحابه رجلاً، رجلاً، ثم خرج إلى أصحابه العشرين، فجاء بهم فأراهم قتله من قتل من الحرس، وفلقط، ومن في الكنيسة، ووضعوا سيوفهم فيمن بقي، فنذر بهم من بقي منهم، وخرجوا هراباً حتى أتوا سفنهم بوجه الحجر، فركبوها، ولحقوا بأرض الروم، ورجع أنباط جبل لبنان إلى قراهم (1)
[59] محمد بن عائذ، قال: وفي سنة ست وسبعين غزا عمرو بن محرز الأشجعي (2) على الصائفة ففتح هرقلة (3) .
[60] محمد بن عائذ، حدثنا الوليد بن مسلم، قال: وفي سنة سبع وسبعين غزا الوليد بن عبد الملك وحضر فتح صملة (4) .
[61] ابن عائذ، قال: وفي سنة ثمان وسبعين غزا يحيى بن الحكم مرج الشحم (5) .
[62] محمد بن عائذ، قال: وفي سنة إحدى وثمانين غزا عبيد الله بن مروان وفتح حصن سنان، وأصيبت الروم (6) .(6/325)
[63] ابن عائذ، قال: وفي سنة ثلاث وسبعين كانت غزوة محمد بن مروان (1) سبيسطة فواقع الروم فهزمهم. وفي سنة أربع وسبعين غزا محمد ابن مروان أندرلية (2) . وفي سنة خمس وسبعين غزا محمد بن مروان الصائفة (3) . وفي سنة ثلاث وأربع وثمانين غزا عبد الله بن عبد الملك (4) الصائفة، وغزا محمد بن مروان فواقع الروم وأهل أرمينية، فهزمهم الله. وفي سنة خمس وثمانين غزا محمد بن مروان أرمينية فسار فيها وتطرف. وفي سنة ست وثمانين غزا محمد بن مروان الشاتية، فأصيب الناس بالمصيصة. وفي سنة سبع وثمانين غزا محمد بن مروان أرمينية (5) .(6/326)
[64] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: فأخبرني الليث - يعني الفارسي - (1) وغيره من أهل مدينة أطرابلس: أن الروم هربت من جبل لبنان، ثم لم تخرج في البحر في زمان عبد الملك، حتى خرجت في سفنها إلى مدينة أطرابلس؛ خرجت في سفن كثيرة، حتى خرجت على وجه الحجر، فجعلت على عقبة وجه الحجر (2) خمسين سفينة، وأمرهم أن يأخذوا بالعقبة، فيمنعوا الغوث والمدد، أن يجيروهم، وجعلوا بينهم وبين فتحهم مدينة أطرابلس، والقفول إذا رأوا النار ظاهرة في مدينة أطرابلس، أقبلوا إليهم، ليقفلوا جميعاً، ومضى صاحبهم بجماعة سفنه حتى أتى أطرابلس، ووافى كل أهلها غزاة في البحر ليس فيها إلا نفر يسير، وفيهم سحيم بن المهاجر، وليس بوال عليها، ففزع إليه الوالي، فأمر منادياً، لا يظهرن أحد منكم على الحائط فيرهبكم كثرتهم، وتجرؤهم عليكم قبلتكم، والصلاة جامعة، فاجتمعوا في المسجد، فأمرهم فعدوا مقاتلتهم فوجدوهم خمسين ومائة مقاتل، سوى أهل السوق وضعفة الناس، وأمر ببروجها وما بين كل برجين من الشرفات فحسب، ثم فرق من فيها على كل برج بحصته وعدة من يكون بين كل برجين، ومن يقوم على باب الميناء، ومن يكون على بابها في البحر، فاستقل عدة المقاتلة، فأمر بألوان الثياب فأتي بها، فألبس جماعة فشحن البرج وما بينه وبين الآخر من الشرفات، فلبسوا ألوانا من الثياب، وعقد لرجل منهم، وأمرهم أن يذهب بهم جميعاً حتى يظهر على برج ويقيمهم على الشرفات، فإذا رأوهم، وعلموا أنهم قد شحنوا ذلك البرج بالرجال قاموا ملياً، ثم يثبت عدة منهم قياماً، ويحبس البقية فيرجعوا اليه، فشحن البرج الثاني لوناً آخر من الثياب جماعة، وعقد لرجل منهم، وأمره فصنع مثل ما صنع أهل البرج الأول، حتى شد بروجه رأي العين، فاستقصد من استقصد للباب والميناء، ونزلت الروم فيما بين الميناء الى النهر، نحواً من ثلاثة أميال، ثم أقبلت إلى ما يلي من البر، ووجه(6/327)
المقابل فحفروا خندقاً لهم، وبنوا دون الخندق حائطاً يسترهم من النشاب والمجانيق، فقاموا خلفه، ودنت طائفة بالدبابات حتى لصقوا ببرجها الشرقي، فنقبوا وغلقوه، فوافى نقبهم دواميس من عمل الروم تحت المدينة يدخل بعضها الى بعض لا منفذ لها الى المدينة، فتحيروا فتركوه، وأقبل عبد الرحمن بن سليم الكلبي (1) من بيروت، وكان والياً على جماعة ساحل دمشق، بالخيول مغيثاً فوافى الذين على العقبة، فمنعوه من الإجازة، وأقبل أهل حمص في ستة آلاف، عليهم الصقر بن صفوان، حتى نزلوا مرج السلسلة، ووافى جماعة من الروم على عقبة السلسلة، وخرجت طائفة من الروم إلى كنيسة أطرابلس إلى خارج منها، ليصلوا فيها، فمروا بكنيسة اليهود، فحرقوها، فلما رأى ذلك الذي على عقبة وجه الحجر من النار أقبلوا على أصحابهم، وخلوا العقبة، حتى اتوا أصحابهم، وقد أسروا أهل المدينة بطريقاً يناسب طاغيتهم فهو في أيديهم، فأعظموا ذلك، وبعث عبد الرحمن الكلبي حين اجتاز العقبة سعيد الحرشي (2) وكان ديوانه يومئذ بدمشق إلى أهل أطرابلس يعلمهم مجيئهم، فأشرف على نشز من الأرض، فرآه أهل المدينة، فأومأ إليهم بفتح باب المدينة، وشد على صف الروم فخرقه، ودخل المدينة، فبشرهم بعبد الرحمن بن سليم ومن معه، وبعث الروم إلى عبد الرحمن ألا نجيزك إلى المدينة، على ان ترد إلينا صاحبنا، ونرحل عنك، قال: ففعل، على أن لا يغيروا على شيء من أرض المسلمين في عامهم هذا، فرحلوا ومضوا (3) .(6/328)
[65] وثنا ابن عائذ، أنبأنا الوليد، قال: وأنبأنا غير واحد من مشيختنا: أن محمد بن مروان لم يزل والياً لعبد الملك على الجزيرة وأرمينية، يقاتل خوارج الجزيرة، وأهل جبال أرمينية وخزر ومن يليهم من تلك الأمم، حتى توفي عبد الملك، وولى ابنه الوليد بن عبد الملك الخلافة، فدعا إلى عزل محمد بن مروان والولاية إلى عمله من الجزيرة وأرمينية، فلم يقدم عليه أحد منهم، فأجابه إلى ذلك مسلمة بن عبد الملك، فسار إليها، وغزا كل من كان بالباب من الأتراك، فحاصرهم ورماهم بالمنجنيق، حتى فتحها الله، فأخرج أهلها، وثلم حائطها (1) .
[فتح حصن الطوانة] (2)
[66] محمد بن عائذ، قال: وأخبرني الوليد، قال: وحدثني من أصدق حديثه من مشيخة قريش: أنه بلغه أن الوليد بن عبد الملك لما عزم على غزو الطوانة،كاتب طاغية الروم بكتب أمر صاحب أرمينية أن يكتب بها إليه؛ مما اجتمعت به خزر من غزوة وقلة من معه وكثرة من يتخوفه من خزر ومن تأشب إليهم من ملوك جبال أرمينية ومن فيها من الأمم المخالفة للإسلام، ففعل ذلك صاحب أرمينية، وتابع كتبه، وقطع الوليد البعث على أهل الشام إلى أرمينية، وأكثفه، وجهزه، وقواه، واستعمل عليه مسلمة بن عبد الملك، وأعانه بالعباس بن الوليد (3) ، حتى يبلغ من جهازهم ما يريد، ثم سيرهم إلى الجزيرة، ثم أعطفهم إلى أرض الروم، ثم أمرهم بالنزول على الطوانة.(6/329)
قال: ونا الوليد، قال: فأخبرني غير واحد ممن أدرك تلك الغزاة: أن الشتاء أكب على مسلمة ومن معه من المسلمين، حتى نفق عامة الظهر، وعرض لكثير منهم البطن، وتهتكت الأبنية من الجليد والثلج، فحفر المسلمون لأنفسهم الأسراب؛ يبيتون فيها ليلاً، ويظهرون نهاراً، حتى دعا ذلك أهل الطوانة الكتاب إلى طاغيتهم؛ يخبرونه بحالهم، وأنهم ينتظرون مادة وميرة تأتيهم، فإن كانت لك بنا حاجة فالآن، قبل أن يأتيهم المدد والميرة. قالوا: وكادوا المسلمين عند كتابهم، والبعثة به؛ بإخراج كلابهم ليلاً، فأخرجوا منها عدة كثيرة، وأخرجوا رجلين قد ألبسوهما جلود الكلاب بحيوان معهما، حتى نفذ أو سقط كتاب أحدهما، وأتى به مسلمة، ومضى رسولاهما إلى الطاغية، فخرج معيناً لهم نحو من مائة ألف، بالعدد والقوة والحبال والجوامع وبالعجل تحمل الأسواق والطعام، فبلغ مسلمة فأحضر كل فارس بقي فرسه وولى عليهم العباس بن الوليد، وأمره بمواجهتهم إذا هم قدموا، وثبت هو على دابته مع رجال العسكر وجماعتهم، مما يلي باب الطوانة. قال: وتقدم مقدمة الطاغية بحجرته ليضربوها ويعسكر بجنوده حولها، فهم عباس بالشدة على مقدمتهم، فقال مسلمة: لا تفعل حتى يتّاموا، فإذا انهزموا لم يكن لهم باقية، ولا فئة تلجأ منهزمتهم إليها، فقال العباس: تتركهم حتى تصير منهم ومن أهل الطوانة كالجالس بين لحيي الأسد، ثم بين عسكرين!! فحمل عليهم بمن معه من جنود المسلمين وفرسانهم، فقال مسلمة: اللهم إنه عصاني وأطاعك فانصره، فمضى عباس، وهزمهم الله، وولوا يقصف بعضهم بعضاً، حتى دفعوا إلى طاغية الروم وجماعة من جمعه، فثبت، ولجأت إليهم المنهزمة، فاقتتلوا قتالاً شديداً.(6/330)
قال: أخبرني الوليد بن مسلم، عن عبد الله بن المبارك: أنه أخبره، عن بعض مشايخ أهل الشام: أن عباساً لما استأخر عنه النصر، ورأى من ثبات الروم ما رأى، قال: يا ابن محيريز (1) ، أين الذين كانوا يلتمسون الشهادة؟ نادهم يأتوك، قال: يا أهل القرآن، يا أهل القرآن، فأتوه سراعاً، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وهزم الله الطاغية وجماعة من كان معه.
قال: ونا الوليد، قال: فأخبرني شيخ من الجند، عن شيخ من آل مسلمة شهد ذلك: أن العباس استأذن مسلمة أن يشد عليهم بجنده من أهل حمص ومن انتدب معه، فكان من هزيمتهم ما كان، ومضى العباس في طلبهم، حتى لقي الطاغية معه البطارقة وأبناء ملوكهم، وهو يسير في قباب الريحان، يجرها العجل، فشد عليهم، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وقتل جماعة من المسلمين؛ منهم: أبو الأبيض العنسي (2) ، ثم إن الله هزمهم، وقتل منهم بضعة وثلاثين ألفاً وأسر أبناء الملوك والبطارقة، فأقبل بهم حتى أتى بهم مسلمة وجماعة المسلمين، فأوقفوهم على أهل الطوانة بعد ذلك، ففتّ في أعضادهم، وكان سبب فتحها، لانسلاخ ثمان وثمانين. فبلغ سهام المسلمين مائة دينار مائة.(6/331)
قال: وأخبرني الوليد، قال: فأخبرني من شهد ذلك من المشيخة، أو من أخبره من شهدها: أن الذين ثبتوا مع مسلمة لما أبطأ عليهم خبر العباس جعلوا يلتفتون إلى ناحية الدرب، فقال لهم مسلمة: ها هنا ارفعوا إلى الله، فمنه يأتي النصر والمدد، قالوا: فانطلق عباس ومن معه من المسلمين يقتلونهم، حتى أدركوا جماعة، وقد لجأت إلى كنيسة عظيمة، فغلقت عليها بابها، وامتنعت، وبات عباس عليها ومسلمة وأهل العسكر قد رأوا ما كان من هزيمتهم، ولا يدرون ما صنع العباس ومن معه، فباتوا في هم من ذلك، حتى أصبحوا، ففتح الله على العباس الكنيسة عنوة، وقفل عباس بالخيول، فلما رأى أهل الطوانة صنع الله، وفتحه للمسلمين، بعث بطريقها إلى مسلمة قد رأينا فتح الله لكم، ونحن نخيركم بين أن تخلوا سبيلي وسبيل ثلاثمائة بطريق بأهالينا وأولادنا، ونفتح لكم المدينة بمن فيها، وبين أن نسايركم، فإن عندنا من الطعام والإدام ما يكفينا سنة، وإلى سنة قد كانت لنا حال، فأجابه إلى ذلك، وصالحه عليه، وفتح له المدينة، وخلا سبيله وسبيل بطارقته ثلاثمائة، ووجد فيها ستين ألف نفس بين صغير وكبير.
قال الوليد: وقدم رباح الغساني بالمدد والميرة، وقد فتح الله على المسلمين (1) .
[67] ابن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: لما تأخر من تعجيل الوليد ابن عبد الملك بالمدد والميرة عليهم، يعني جيشه الذي بعثه مع مسلمة لفتح الطوانة حتى أباح عليهم النساء؛ فإنه قطع.. وجهز خيلاً وإبلاً بغالاً وحميراً بالميرة وولى على الدخول به أحد بني شريك قرة من أهل قنسرين، فسار حتى بلغ ما منعه من المضي من الثلج، فكتب إلى الوليد يخبره بذلك، وأن الدرب قد انغلق فلم يجد فيه منفذاً، فعزله الوليد، واستعمل رياح الغساني، وأمره أن يلبس الثلج بالجواميس والبقر طالي فيها حتى يأتيهم [كذا] ، أو يهلك فمضى ثم فعل ذلك (2) .(6/332)
[68] قال محمد بن عائذ: أخبرنا الوليد بن مسلم، حدثني إسماعيل بن عياش: أن رجلاً من الجيش أتى أبا الأبيض العبسي بدابق قبل نزولهم على الطوانة، فقال رأيت في يدك قناة فيها سنان يضئ لأهل العسكر كضوء كوكب، فقال: إن صدقت رؤياك إنها للشهادة، قال: فاستشهد في قتال أهل الطوانة. قال ابن عائذ: فحدثني محمد بن يحيى الثقفي: أن أبا الأبيض قال هذه الأبيات:
ألا ليت شعري هل يقولن قائل وقد حان منهم عند ذاك قفول
تركنا ولم نُجْنِنْ من الطير لحمَه أبا الأبيض العبسي وهو قتيل
فَعُرِّيَ أفراسي ورنَّت حليلتي كأن لم تكن بالأمس ذاتَ حليل
وذي أمل يرجو تراثي وإنَّ ما يصير له منه غدا لقليل
وما لي تراث غيرُ درع حصينة وأجردُ من ماء الحديد صقيل
وقيل: إن أبا الأبيض خرج مع العباس بن الوليد في الصائفة، فقال أبو الأبيض: رأيت كأني أتيت بتمر وزبد فأكلته، ثم دخلت الجنة، فقال العباس: نعجل لك الزبد والتمر، والله لك بالجنة، فدعا له بتمر وزبد، ثم لقي أبو الأبيض العدو، فقاتل حتى قتل. قال الليث: وفي سنة ثمان وثمانين غزا مسلمة وعباس بن أمير المؤمنين طوانة. قال الوليد بن مسلم: حدثني من أصدق: أن الوليد لما عزم على غزو الطوانة، فذكر القصة قال: وقُتل أبو الأبيض العبسي (1) .
[69] وفي سنة تسعين غزا العباس بن الوليد الصائفة. وفي سنة إحدى وتسعين غزا الصائفة العباس، وأصاب للروم سرحاً وعلاقة. وفي سنة اثنتين وتسعين غزا العباس الصائفة. وفي سنة ثلاث وتسعين غزا العباس بن الوليد الصائفة اليسرى، وغزا مروان بن الوليد (2) الصائفة الأخرى. وفي سنة أربع وتسعين غزا العباس بن الوليد الصائفة اليسرى؛ فافتتح هرقلة. وفي سنة خمس وتسعين غزا العباس الصائفة فافتتح حصوناً (3) .
[70] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: وفي سنة اثنتين وتسعين افتتح عثمان بن حيان (4) سطبة وما يليها من الحصون (5) .(6/333)
[71] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وفي سنة أربع وتسعين غزا العباس بن الوليد الصائفة اليسرى، وعمر بن الوليد (1) الصائفة اليمنى، ولم يكن لأهل الجزيرة ذلك العام غزوة (2) .
[72] ابن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: بلغني أن أول غازية البحر من المسلمين من الموالي موسى بن نصير (3) ، فوليه غزوات في خلافة معاوية، قال: ثم ولَّى عبد الملك بن مروان ابنَ كيسان؛ مولى جذام، وكان منزله عكا، وبها عقبه، قالوا: فلما ولي الوليد بن عبد الملك ولَّى غازية البحر ثلاثة نفر من الموالي؛ سحيم بن المهاجر (4) ، وأبا خراسان (5) ، وسفيان الفارسي (6) ، قالوا: فلما ولي سليمان بن عبد الملك ولَّى حظي بن أبي كثير الجذامي؛ مولاهم، من أهل حرستا (7) .
[73] قال محمد بن عائذ: حدثنا الوليد، قال: حدثني الليث بن تميم الفارسي أن سفن المسلمين كانت متفرقة في ساحل الشام، فكانت طائفة منها باللاذقية بساحل حمص، وعليها سفيان الفارسي، وطائفة منها بأطرابلس ساحل دمشق، أو قال ببيروت، وعليها أخي أبو خراسان الفارسي، وكان أيَّما رجل في كماله وبأسه، قال سليمان بن أبي كريمة: ما رأيت مثله من رجال فارس، فلم يزل الأمر كذلك حتى ولي الأمر عمر بن هبيرة، فعزل سفيانُ الفارسي أبا خراسان وصاحبَ عكا عما كانوا يلون من ذلك، حملهم معه في مركبه لئلا يكون لهم الذكر دونه، وولى عليها رجالا غيرهم.(6/334)
قال الوليد: وأخبرني الليث أن ولاة غازية البحر في زمان الوليد بن عبد الملك؛ سحيم، وأبو خراسان، وسفيان، فكان سفيان الفارسي على سفن حمص بمدينة اللاذقية، وأبو خراسان على سفن دمشق بمدينة طرابلس، وسفن الأردن وفلسطين بعكا، فلما ولي سليمان بن عبد الملك ولَّى على جماعة سفن المسلمين من أهل الشام ومصر وإفريقية ألف سفينة عمرَ بن هبيرة الفزاري، فعزل عمرُ بن هبيرة هؤلاء النفر عن ولايتهم، وولى على ذلك غيرَهم من رجال العرب (1) .
[74] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: ولما بويع الوليد غزا مسلمة الصائفة، فافتتح حصن قونس؛ سنة ست وثمانين. وفي سنة سبع وثمانين غزا مسلمة بن عبد الملك الصائفة بمواليه، فأخبرني الوليد، حدثني شيخ من أهل الجند، عن مَنْ شهد الطوانة من آل مسلمة، أن مسلمة كان على جماعة الناس سنة ثمان وثمانين. وفي سنة تسع وثمانين خرج مسلمة الصائفة شهرين (2) . وفي سنة اثنتين وتسعين غزا مسلمة من قبل الجزيرة ففتح ملامسة وبرجمة (3) والحديد. وفي سنة ثلاث وتسعين خرج مسلمة من قبل الجزيرة.
قال الوليد: وبويع لسليمان، وفي ذلك العام غزا مسلمة بن عبد الملك الصائفة فافتتح هرقلة وطميم وحصونا ثلاثة معها. وفي سنة سبع وتسعين غزا مسلمة في البر، وغزا ابن هبيرة في البحر، وفتح مسلمة برجمة وسردة وحصوناً ثلاثة معها.
قال الوليد: فحدثني بعض المشيخة: أن سليمان بن عبد الملك في سنة ثمان وتسعين نزل بدابق، وكان مسلمة على حصار القسطنطينية (4) .
[75] ابن عائذ، قال: فحدثنا الوليد بن مسلم، قال: فحدثني بعض المشيخة أن سليمان بن عبد الملك في سنة ثمان وتسعين نزل بدابق، وأغزا على صائفة الجزيرة عبد الله بن عمر بن الوليد، وداود بن سليمان، فافتتح حصن المرأة، وحصن الأحرب، وكان مسلمة على حصار القسطنطينية في ذلك العام (5) .
[غزو القسطنطينية في عهد سليمان](6/335)
[76] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: فحدثني بعض شيوخنا: أن مسلمة بن عبد الملك عقد للبطال على عشرة آلاف من المسلمين فجعلهم سيارة فيما بين عسكر المسلمين وما يليهم من حصون الروم ومن يتخوفون اعتراضه في سير المسلمين وعلاقاتهم، ويخرج المسلمون يتعلفون فيما بينهم وبين العسكر، فيصيبون ويخطئون، فيأمن بهم العسكر وتلك العلافات (1) .
[77] ابن عائذ، نا الوليد، قال: وأخبرني غير واحد، قالوا: لما قطع مسلمة (2) الدربَ، وأفضى إلى ضواحي أرض الروم، أتاه كتاب ليون بن قسطنطين - وهو عامل لصاحب القسطنطينية على الضواحي - إلى مسلمة يعلمه ولاية من يلي، وأنه إن أعطاه ما يسأله قدم عليه فناصحه وقواه على فتحها، فقرأ مسلمة كتاب إليون على الأمراء وأهل مشورته، فاجتمع رأيهم جميعاً على إجابته إلى ما سأل، وسكت مسلمة بن حبيب بن مسلمة (3) - وهو أمير جند دمشق - فقال مسلمة بن عبد الملك: أيها الشيخ مالكَ لا تتكلم؟ فقال: إن رسول الله (ذكر الروم، فقال: أصحاب صحر ونحر ومكر، وهذه إحدى مكرهم، فلا تعطه إلا السيف، فتضاحك به أمراء الأجناد، وقالوا: كبر الشيخ، وقالوا: ما عسى أن يكون عند ليون مع هذه الجموع؟! فكتب إليه مسلمة بأمانه على ما سأل، فقدم في اثني عشر ألفاً من أساورته، فكاتبه على مناصحته ومظاهرته على الروم، ودلالته على ما فيه سبب فتح القسطنطينية، على بطرقته وتمليكه على جماعة الروم الذين يؤدون الجزية؛ كبطريق جرزان (4) ، وأرمينية، فكاتبه على ذلك وأشهد عليه، وذكر الحديث في خديعة ليون مسلمةَ، حتى جمع غلال ما حول القسطنطينية وإشارته عليه بالخروج إلى بعض الوجوه، ومكاتبة ليون الروم ليملكوه عليهم ويخلي بينهم وبين حمل الغلال، حتى كان ذلك سبب رحيل مسلمة عن القسطنطينية (5) .(6/336)
[78] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: وفي سنة سبع وتسعين غزا مسلمة في البر وغزا ابن هبيرة في البحر. قال الوليد: حدثني الليث السامي، قال: غزونا القسطنطينية مع مسلمة سنة سبع وتسعين، وعلى جماعة الناس مسلمة بن عبد الملك، وعلى أهل البحر عمر بن هبيرة الفزاري (1) ، فكنت فيمن غزا مع عمر، فلما هبطنا على المسلمين صفوا لقتال أهل القسطنطينية صفين،لم أر صفين قطُّ أطولَ منهما (2)
[79] ابن عائذ، حدثنا الوليد، قال: قال الليث: كنت ممن غزا على اسمه وعطائه بفيء عمر بن هبيرة، إذ ولاه سليمان غازية البحر، رافقت أخي أبا خراسان في مركب، فسار بنا عمر حتى مررنا بأهل مصر، فتبعونا ومضينا حتى أتينا أطرابلس أفريقية، وعلونا أرض الروم حتى إذا حاذتنا القسطنطينية سرنا في بحر الشام حتى دفعنا إلى خليج القسطنطينية، فخرجنا في الخليج على باب القسطنطينية، لنجيز إلى مسلمة ومن معه من المسلمين، وصف مسلمة من معه من المسلمين صفاً لم أر قط أطول منه، مع الكراديس (3) الكثيرة، وجلس ليون طاغية الروم على برج باب القسطنطينية وبروجها، ويصف منهم رجاله فيما بين الحائط والبحر صفاً طويلاً بحذاء صف المسلمين، وأظهرنا السلاح في ألف مركب؛ بين محرقات وقوادس، فيها الخزائن من كسوة مصر وما فيها مما إليه، والمعينات (4) فيها المقاتلة، قال الليث: فما رأيت يوماً قط كان أعجب منه، لما ظهر من عدونا في البر والبحر، وما أظهرنا من السلاح، وما أظهر طاغية الروم على حائط القسطنطينية، وصفهم ذلك والعدة، ونصبوا المجانيق والعرادات، فتكبر المسلمون في البر والبحر، ويظهر الروم قبلها قريا السين [كذا] لكعّ ابن هبيرة وجماعة من معه من السفن عن الإقدام على باب المينا، لما هابته على أنفسها، فلما رأت ذلك الروم، خرج إلينا من باب مينائهم معينات، أو قال محرقات، فمضى مركب منها إلى أدنى من يليه من مراكب المسلمين(6/337)
، فألقى عليه الكلاليب بالسلاسل فاجتره حتى أدخله بأهله القسطنطينية، فأسقط ذلك في أيدينا، وخرجوا إلى مركب ليفعلوا ذلك به، فجعل ابن هبيرة يتجسر، ويقول: ألا رجل! فقام إليه أبو خراسان فقال: هذا أنا رجل، ولكنك صيرتني في المركب معك لبعض من لا غنى عنده، فقال له ابن هبيرة: فمر بما ترى ومر بما تحب، فأشار إلى مركب من الفرس يعرفهم بالشدة والبأس، فقال: ابعثني في قارب أنا وأخي، ومرهم بطاعتي، ففعل، فأمر أبو خراسان لنوتي المركب أن يوجهه إلى ذلك المركب الذي ذهب بالمسلمين، فكع عنه النوتي، فأشار إليه أبو خراسان بالسيف، فمضى به حتى ألصق المركب بمركبهم، ثم سار أبو خراسان حتى أوثقهما بسلسلة، لئلا يفر أحدهما عن صاحبه، قال: فاجتلدنا بأسيافنا فيما بين السفينتين، فرزقنا الله الظفر، فدخلنا سفينتهم، ووضعنا السيف فيهم، فانتهينا إلى قومس السفينة الذي فعل ما فعل، وقد ألقى بيضته، وجثا على ركبتيه شيخ أصلع فضربه صاحب لنا ضربه لم تغن شيئا، وتقدم إليه أبو خراسان فضربه ضربة شق منها هامته حتى نظرت إلى السيف قد أجاز إلى الذقن، إلى الحنجرة وما يليها، واستسلم من بقي منهم فقدناها إلى من يلينا من المسلمين، ورجعنا إلى من كان منهم، فدخلوا الميناء، ووقف أبو خراسان موقفاً حسناً يأمن به من فر منا إلى مسلمة ومن يليه، حتى مروا من آخرهم لم يصب منهم إلا ذلك المركب الأول، حتى انتهينا إلى مسلمة ومن معه، فأخذناهم إلى الخليج إلى السقع الذي على باب القسطنطينية، والبحر أو قال الخليج محيط بها إلا مما يلي برها، فعسكر عليه مسلمة، وكنا في سفننا مرسيين على ساحلها مما يلي العسكر؛ يخرج من سفننا عمر بن هبيرة وغيره إلى مسلمة ومن أردنا من أهل العسكر، ويأتينا أهل العسكر فيدخلون علينا في سفننا (1) .(6/338)
[80] محمد بن عائذ، عن الوليد، قال: فحدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: أن مسلمة أرسل البطال (1) ، وأبا زرعة اللخمي، وسمى ابن جابر آخر، إلى ليون - يعني المتملك على الروم - أين ما كنت عاهدت الله عليه من النصيحة لنا وإدخالنا إياها؟ فأذن لهم، فدخلوا عليه، فعرفهم، فقال: لئن ظن مسلمة أني أبيع ملك الروم بالوفاء له لبئس ما ظن، وقد رأيت أن أفي له بما يستقيم؛ أصنع له طعاماً وحماماً، فيدخل هو ومن أحب من أصحابه الحمام، ويصيب الطعام، ثم ينصرف راشداً، فقال: إن هذا لغير كائن، وإنا لنقول: إن الله قد أحاط بكم، ولسنا نبرح دون صغار الجزية، أو يدخلناها الله عنوة، فقال: إن دون ذلك لصغاراً وقتالاً شديداً، وكم عسى أن تصبروا؟ فقالوا: نصبر، ولا بد لطعامك الذي عددت فيه أن يعفن، فقال: أو ما ترى كيف دبرته؟ لم أدخله بيتاً ولا هُرِّياً مخافة عليه، فأما هذه السنة فنطحن ما طحنا ونأكل ما أكلنا ويفسد منه ما فسد، وإذا كان قابل أمرت به فطحن من آخره، أكلنا منه ما أكلنا ويفسد منه ما فسد، فإذا كان العام الثالث أمرنا فخبز خبز القرابين فأكلناه حتى نأتي على آخره، فهذا إلى ثلاث سنين ما قد كان أمر يحول بينكم وبين ما تريدون، ودعا بغدائه، فغداهم من كل الألوان، وآتاهم من كل الطرائف، ثم أقبل عليهم، ثم قال: نحن فيما تقولون من الحصار والأزْل (2) نأكل مما ترون، فادعوا بما شئتم وتشهوا علينا، فقال البطال: أمر يسير عليك خفيف مؤنته؛ تدعو لنا به، قال: ما هو؟ قال: كفاً من تراب من خلف الخندق، فقطب، وغضب، وأمر بهم فخرجوا، وأتوا مسلمة بمقالته (3) .(6/339)
[81] محمد بن عائذ، ثنا الوليد، قال: فحدثني أبو سعيد مولى محمد بن عمر المعيطي: أن مسلمة كان يقوت المسلمين من ذلك الطعام، وأنه سأل أناساً من جلسائه عن حال العامة في مطعمهم، فأخبروه أن الناس في شدة من عيشهم؛ يقوتون أنفسهم بخزيرة (1) ، يكللون أنفسهم بها نهارهم وليلهم، فقال: وما الخزيرة؟ يا غلام، اصنع لنا خزيرة، فصنعها بقديد و…وتابك [كذا] وهيأ منها، وقدمها إليه، فأكل واستطابها، وقال: إن الناس بعد لفي خير وعافية، الصبر بركة، قال أبو سعيد: وقد جهد الناس عامة، وإنما يأكل الخزيرة منهم أهل القوة، وبقيتهم فيما لا يصفه واصف من أكل توافق الدواب، وأشباه ذلك، حتى لقد ذكر له أن قوماً أكلوا ميتاً لهم (2) .(6/340)
[82] ابن عائذ، قال: فحدثني شيخ من موالي ابن هبيرة، عن عمر بن هبيرة، قال: كنا قد بلغنا من حصارهم ما بلغنا، وكان بنا من الأزل والمرض نحواً مما بهم وأشد، وكنت نازلاً بجماعة سفن على ساحلهم مما يلي عسكر المسلمين في مركبي فيه مبيتي، إلا أن أركب إلى مسلمة فأشهد أموره، فإذا لم أركب خرجت في برد النهار إلى مجلس على تل مشرف على مراكبي وعلى عسكر المسلمين، ويخرج إلي أمراء أجنادي وأهل الهيئة منهم، فكان ذلك التل من تلك الساعات لنا مجلساً ومتحدثاً، فبينا أنا ذات غداة، أو قال عشية جالس عليه في جماعة، إذ بقارب قد خرج من بابه [كذا] ميناء القسطنطينية، يقصد إلينا، فيه رجال من الروم، عليهم الديباج، قال، فقلت: رسولُ الطاغية إليّ في أمر يكلمني به، فإن أتانا في مجلسنا أشرف على رثاثة سفننا وسوء حالنا سره ذلك وازداد قوة علينا، فقمت إلى مركبي فجلست مجلسي فيه وجلس معي أمراء أجنادي وأهل الهيئة من الناس، وأمرت أهل السفن أن يواروا ما قدروا عليه من سوء حالهم، فلما دنوا نادونا بالأمان، فجعلته لهم، فأقبل رسول الطاغية في أصحابه في هيئة، وتملك في أنفسهم، حتى صعد إلي، فسلم، وأذنت له فجلس، وجلسوا، ثم أنشأ يقول: إنا بعثنا لأمر فنذكره لكم، ورأيت منكم شيئاً عرفت به سوء حالكم، وإنك أردت بقيامك عن التل ومجلسك الذي كنت فيه إلا آتيك فيه فأشرف على رثاثة سفنكم وسوء حالكم، ثم تهيأت لي بما أرى، مما ليس خلفه قوة، وقد صرتم من حالكم إلى أسوأ مما نحن فيه. إن الملك يقرأ عليك السلام، ويقول: إنه قد كان من نزولكم علينا وإقامتكم إلى هذا اليوم ما قد علمتم، وقد بلغ منا ومنكم وما أنتم فيه أشد، وقد عرضت على مسلمة فدية صلح؛ على كل إنسان بالقسطنطينية، من رجل، وامرأة، وصبي، ديناراً ديناراً، على أن ترحلوا عنا إلى بلادكم، فإن شئتم اقتسمتم هذه الدنانير بينكم مغنماً، وإن شئتم ذهبتم بها إلى(6/341)
خليفتكم، فأدخله بيت ماله، فصنع ما أراد، فسخط ذلك مسلمة، وتأبى علينا، وزعم أن لا يبرح دون أن نؤدي الجزية عن صغار، أو يدخله عنوة، والصغار – الجزية – مالا تطيب به أنفسنا أبداً، وأنت من خليفتك، ومن مسلمة، ومن علية العرب، بالمنزلة التي أنت بها؛ في الشرف، والأمانة، فانظر فيما عرضته على مسلمة، فإن رأيته رأياً أشرت به عليه، ورددته إليه، قال عمر بن هبيرة: أصاب مسلمة، وذلك ما أمرنا الله به، ولا أخالفه فيه، وأنا عونه عليه، حتى يحكم الله بيننا وبينكم، قال: فصلَّب على وجهه، وانصرف مغضباً إلى أصحابه (1) .(6/342)
[83] محمد بن عائذ، عن الوليد، قال: فحدثني أبو سعيد المعيطي، والليث - يعني ابن تميم الفارسي -: أن أليون لما رأى ما قد لزمه من حصارنا وأشفق منا الغلبة، كتب إلى صاحب برجان (1) ، " أما بعد: فقد بلغك نزول العرب بنا، وحصارهم إيانا، وليسوا يريدوننا خاصة دون غيرنا من جماعة من يخالف دينهم، وإنما يقاتلون الأقرب فالأقرب، والأدنى فالأدنى، فما كنت صانعاً يوم تأتيهم الجزية، أو يدخلوا علينا عنوة، ثم يفضون إليك وإلى غيرك، فاصنعه يوم يأتيك كتابي هذا ". فكتب صاحب برجان إلى مسلمة، " أما بعد: فقد بلغنا نزولك بمدينة الروم، وبيننا وبينهم من العداوة ما قد علمتم، وكلما وصل إليهم فهو لنا سار، فمهما احتجت إليه من مدد أو عدة أو مرفق فأعلمناه، يأتيك منا ما أحببت ". فكتب إليه مسلمة: " أنه لاحاجة لنا بمدد ولا عدة، ولكنا نحتاج إلى الميرة والسوق، فابعث إلينا ما استطعت ". فكتب إليه صاحب برجان: "إني قد توجهت إليك سوقاً عظيماً فيه من كل ما أحببت من باعة، يضعفون عن النفوذ إليكم به ممن يمرون به من حصون الروم، فابعث من يجوزه إليك ". قال: فوجه إليهم خيلاً عظيمة، وولى عليهم رجلاً، ونادى في العسكر؛ ألا من أراد البيع والشري فليخرج مع فلان، حتى يلقوا هذا السوق، قال: فخرجنا بشراً عظيمة، يتبع بعضنا بعضاً، على غير حذر ولا خوف من عدو، حتى أفضوا إلى عسكر السوق، في مرج واسع، حتى أضاقت به الجبال، وكتائب برجان في شعاب تلك الجبال وغياضه، فلما أنزل والي الجيش بعسكره، وانتشر الناس في السوق، وشغلهم البيع والشراء، شدت عليهم كتائب، فقتلوا ما شاءوا وأسروا ما شاءوا، إلا من أعجزهم، ثم وَأَلَتْ برجان إلى بلادهم، وبلغ مسلمة ومن معه، فأعظمهم ذلك، وكتب به مسلمة إلى سليمان بن عبد الملك يخبره بما كان، فقطع بعثاً على أهل الشام إلى برجان كثيفاً، وولى عليهم شراحيل بن عبيدة (2) ،(6/343)
فسار بهم حتى أجاز الخليج، ثم مضى إلى بلاد برجان فساح في بلادها، وأنفى، ولقوه فقاتلوه، فهزمهم الله، ثم قفل إلى مسلمة وكان عنده (1) .
[84] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: فذاكرت هذا الحديث؛ يعني حديث غزو القسطنطينية بعض مشيختنا، وأنكر أن يكون سليمان قطع بعثاً سوى البعث الأول، ولا وجّه من عنده أحداً، ولكن مسلمة لما جاءه صاحب برجان يعلمه ما بعث به إليه من السوق، فبعث بعثاً وولى عليهم عبيدة بن قيس (2) ، وابنه شراحيل بن عبيدة، فولي عند ذلك عبيدة بن قيس على أهل دمشق، وولى شراحيل بن عبيدة على أهل الجزيرة، ومضى حتى إذا دفع إلى أرض برجان، لقوه بعدة الحرب من الرجال والسلاح والعجل فيها الرجال تجر تلك العجل البراذين، فلما رأى ذلك عبيدة، قال لأصحابه: اكسروا أغماد سيوفكم، ثم امشوا إليهم حتى ترموهم بها، ثم اضربوا أعناق براذين العجل، ففعلوا، واقتتلوا قتالاً شديداً، ثم إن مسلمة لما وجههم أشفق أن يكون قد خدع عنه، فوجه إليه رجلاً من موالي بني عامر، في خمسمائة فارس من فرسانه حتى انتهى إلى عبيدة، وقد أمره مسلمة أن يرده حيث أدركه، فوجده يقاتل القوم، ووجد شراحيل بن عبيدة قد قتل، ووجد عنده قواد الأجناد، وهو يقول لهم قوموا فاكفوا ما كان شراحيل يكفيه، فلما رآه قال: قوموا عني فقد أتاني رسول الأمير، فقاموا عنه، فقال: إن الأمير ظن أنه قد خدع عنا، وفي كم وجهك؟ قال: في خمسة آلاف، ثم أخبره أنه إنما وجهه في خمسمائة، ومضى عبيدة حتى واقف العدو، وهيأ كراديسه، ثم حضر رسول مسلمة يوصيهم من أدناهم إلى أقصاهم حتى كان من آخرهم أهل فلسطين. وصاحب برجان في سلاحه على برذونه مخفف، فقال له حصين: أتقف لي، أو أقف لك، فأومأ إليه العلج، فخيره، فاختار حصين أن يقف له العلج، ويتحين موضعاً يطعنه فيه، فلم ير أن موضعاً أفضل من نحر برذونه، لما على العلج من السلاح، فشدّ(6/344)
حصين على العلج فطعن نحر البرذون، فاستدار بالعلج فصرعه، فطرح حصين نفسه على العلج فقتله، واحتز رأسه، وخرج بسلبه إلى عبيدة، وانحاز القوم عنهم، وضرب الله وجوههم، ودفع حصين إلى عبيدة كتاب مسلمة يأمره بالانصراف، فكره عبيدة أن ينصرف عنهم وقد هزمهم الله، فأراد المضي، فأبيت عليه، قلت: مُر الناس بالانصراف بجميع العسكر، وقد فتح الله، حتى إذا كان بمرج خصيب من أرض برجان نزل، ونزل الناس في ذلك الحشيش طبخ بعضهم طبيخاً، فهاجت عليهم ريح شديدة في ذلك الحشيش، فأقبل العدو يمر الحصون على دوابهم، حتى إذا كانوا عند طرف العسكر أرسلوا ناراً في ذلك الحشيش، فأقبلت النار حتى إذا كانت عند طرف العسكر قطعها الله وأخمدها، والعدو ينظرون، فلما رأوا ذلك انكشفوا (1) .(6/345)
[85] قال محمد بن عائذ: قال الوليد: وقد كنت سمعت عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يذكر: أن نفراً من أهل دمشق كان يسميهم بأسمائهم، فيهم رجل كنيته أبو كَرِب، كان أصاب دماً بالعراق، فاستفتى جماعة من الفقهاء، فاجتمع قولهم: أنهم لا يعرفون وجهاً إذا لم يعرف ولي الدم إلا إن يجاهد في سبيل الله حتى يقتل. فلم تزل تلك حاله؛ يغزو، ويطلب القتل في الله، حتى خرج هؤلاء النفر وساروا، حتى إذا كانوا في بعض طريقهم، خرج خارج منهم ليأتي بعنب، فإذا بقبة ذهب، عليها جلال أخضر حرير، وإذا فيها حوراء، كان يخبر عما رأى من حسنها، فقالت: إلي، فأنا زوجتك، وأنت قادم علينا يوم كذا، ومعك فلان وفلان، وسمت أولئك النفر، فانصرف الرجل، ولم يأت بعنب، وأخبرهم بما رأى، فكتب وصيته، وكتبوا، وكان مع شراحيل بن عبيدة وأصحابه، فكان من مصيبتهم ما كان، ثم أمر بانصراف الناس الى المرج الذي رجعت إليهم فيه برجان، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل هؤلاء النفر جميعاً، فيهم أبو كرب، وأرسلت برجان النار على ذلك المرج وعلى قتلى المسلمين، فحرقت ما حرقت، وانتهت إلى أبي كرب وأصحابه فأطافت بهم، ولم تأكل النار منهم أحداً (1) .
[86] ابن عائذ، قال: قال الوليد: فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: فلم يزل سليمان بن عبد الملك معسكراً بدابق، ولا يريد القفول دون أن يفتح يعني القسطنطينية، أو تؤدى الجزية، فشتا بدابق شتاء بعد شتاء، إذ ركب ذات عشية من يوم جمعة، فمر بالتل الذي يقال - قال الشيخ: رأيت في نسخة غيري يقال له - تل سليمان اليوم، فالتفت، فإذا بقبر ندي، فقال: من صاحب هذا القبر؟ قالوا قبر ابن مسافع القرشي المكي، فقال: يا ويحه! لقد أمسى قبره بدار غربة. قال ابن جابر: ويمرض، ويموت، ويدفن إلى جانب قبر عبد الله بن مسافع؛ الجهة التي تليه أو الثانية (2) .(6/346)
[87] محمد بن عائذ، عن الوليد، قال: فحدثني شيخ من الجند، قال: كنت فيمن حاصر القسطنطينية، فبلغنا من حصارها، وبلغ منا الجوع نحوا مما سمعتم، فوالله إنا لفي يأس من القفل إذا بمرقبة (1) لأهل القسطنطينية على جبل ممتنع قد أوقدوا عليها، فيشرف لذلك أهل القسطنطينية، وراعهم فصالنا عما رأينا من تلك النار، وعما راعهم من ذلك، فقالوا: هذه مرقبة توقد النار للجيش يدخل من الشام، فيوقد لها مما يلي الدرب من المراقب والمسالح إلى أن يصل القتال.. الخبر فيأتينا بذلك، ولا يشذ أن جيشاً قد أقبل منكم، فانظروا ماذا يأتيكم به، قال: فلم يلبث إلا أياماً يسيره حتى جاءنا رسول عمر بن عبد العزيز في نحو من أربعة آلاف، بكتاب إلى مسلمة يأمره بالقفول، فقرأه مسلمة فلم يقفل، وكتب إلى عمر بن عبد العزيز يخبره ما قد بلغ من جهدهم، وما أشرف من معشر المسلمين من الفرج، بما قد قرب من حصاد ذلك الزرع، ويشير عليه بتركهم حتى يحكم الله بينهم، قال: فقفل رسوله بذلك إلى عمر بن عبد العزيز، فغضب، وقال: مسلمة في إمرة عظيمة يكره فراقها، ورد الرسول يأمره بالقفل (2) .
[88] ابن عايذ، نا الوليد، قال: حدثني من سمع زيد بن واقد (3) ، قال: والله إني لفي فسطاطي يوم أتانا القفل، يعني عن القسطنطينية، لما أقفلهم عمر بن عبد العزيز، قد بلغ مني الجوع جهدي، أروي ما استعنت به، فلم أر شيئاً أقرب إلي جلدة الفسطاط التي تكون على فلكة عمود الفسطاط، قلت: أنزعها، وأطبخها، وألوكها، يكون في ذلك ما كان، ويقوم الفسطاط بغير جلدة، إذ سمعت تكبير الناس، فقلت: ما هذا؟ قالوا: القفل، فإن الله يعلم أن ذلك الجوع ذهب مني (4) .(6/347)
[89] ابن عائذ، قال: قال الوليد: فحدثني شيخ من الجند، عن أبيه، ولا أعلم إلا أني قد سمعت أباه يذكر أنه حضر عمر بن عبد العزيز بدابق، حين استخلف وقطع البعث، ما جهز من العير، لا يظهر للناس أنه أمر بقفلهم، ولكنه إنما وجه معاوية.. على الإقامة يعني لحبس مسلمة (1) .
[90] ابن عائذ، أنا الوليد، قال: وبويع عمر بن عبد العزيز في سنة تسع وتسعين، فبعث عمرو بن قيس السكوني (2) على صائفة أهل الشام، معه ما حمل إلى القسطنطينية من الطعام والكسوة، فلقيهم بادرلنه [كذا] ، فأعطاهم فيها العطاء (3) .
[91] ابن عائذ، نا الوليد، أخبرني الليث الفارسي، قال:لم يزل - يعني عمر بن هبيرة - على غازية البحر، فقفل بهم، يعني من القسطنطينية، فعزله عمر بن عبد العزيز، وجمع سفن الأجناد بصور، وجعل الوالي عليها واحداً، قال: فبلغني أن عمر بن عبد العزيز ولى على غازية البحر المخارق بن ميسرة بن حجر الطائي، فلم يزل والياً حتى توفي (4) .(6/348)
[92] محمد بن عائذ، أخبرني إسماعيل بن عياش، عن ابن أنعم (1) ، عن المغيرة بن سلمة (2) ، عن عبد الأعلى بن أبي عمرة (3) ، قال: لما بعثني عمر بن عبد العزيز لفداء أسراء القسطنطينية، قلت: أرأيت إن أبوا أن يفدوا الرجل بالرجل، كيف أصنع؟ قال: رِدهم، قلت: أرأيت إن أبوا أن يفدوا الرجل بالاثنين للرجل، قال: فأعطهم ثلاثة، قلت: فإن إبوا إلا أربعة، قال: فأعطهم بكل مسلم ما سألوا، فوالله للرجل من المسلمين أحب إلي من كل مشرك عندي، إنك ما فديت به المسلم فقد ظفرت، إنك إنما تشتري الإسلام، قال: فقلت له: أرأيت إن وجدت رجالاً قد تنصروا فأرادوا أن يرجعوا إلى الإسلام، أفديهم؟ قال: نعم بمثل ما يفدى به غيرهم، قال: فقلت له: أرأيت العبيد، أفديهم إذا كانوا مسلمين؟ قال: نعم بمثل ما يفدى به غيرهم، قال: قلت: أرأيت إن وجدت منهم من قد تنصر فأراد أن يرجع إلى الإسلام، قال: أصنع بهم مثل ما تصنع مع غيرهم، قال: فصالحت عظيم الروم على رجل من المسلمين برجلين من الروم (4) .
[93] ابن عائذ، أنا الوليد، قال: وفي سنة مائة أغزى عمر بن عبد العزيز الصائفة، لليمنى الوليد بن هشام، وعلى الصائفة اليسرى عمرو بن قيس السكوني (5) .
[94] ابن عائذ، عن الوليد، قال: وأخبرني عبد الأعلى أن عمرو بن قيس أخبره أن عمر بن عبد العزيز ولاه إحدى الصائفتين، والوليد بن هشام الصائفة الأخرى (6) .(6/349)
[95] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال محبر، نا سعيد بن عبد العزيز: أن عمر بن عبد العزيز أغزى أرض الروم صائفتين؛ على إحداهما الوليد بن هشام المعيطي (1) ، والأخرى عمرو بن قيس السكوني، في أقل من أربعين ألفاً، نظراً منه بجماعة من كان أصابه الأزْل على حصار قسطنطينية، قال: فخرج إليهم لأوون طاغية الروم لما بلغه من قلتهم، فلقيه سائح من سياحي الروم، فقال: أين يريد الملك؟ قال: هذه الطائفة القليلة، قال: تركتَ لقاءهم وأمراؤهم على تلك الحال، فلما ولي هذا الرجل الصالح تعرَّضُهم؟ فقال: ذاك بالشام، وهؤلاء بأرض الروم، قال: عمل ذلك مقدمة لهؤلاء، قال سعيد: فانصرف لاون عن لقائهم (2) .
[96] ابن عائذ، قال: وحدثني الهيثم بن حميد، حدثني شيخ من السكاسك، حدثني عمرو بن قيس، قال: ولاني عمر الصائفة، وأوصاني بتقوى الله، وبالمسلمين خيراً، وقال: إن رابطت حصناً فلا تقم عليه إلا يوماً وليلة، فإن طمعت فيه وإلا فارتحل، فإن أرادوك على فداء ما في يديك من أساراهم؛ رجلاً برجل فافده، فإن أبوا فرجل برجلين، فإن أبو فرجل بثلاثة، فإن أبوا فأعطهم جميع ما في يدك برجل من المسلمين (3)
[97] محمد بن عائذ، عن الوليد، قال: فأخبرني سعيد بن عبد العزيز أن عمر بن عبد العزيز توفي يعني سنة إحدى ومائة، وقد صرف بعث الصائفة على أهل الشام والجزيرة والموصل، وولَّى عليهم مسلمة، فبلغه خلاف يزيد بن المهلب، فصرف إليه بعث الصائفة، قال الوليد: وأخبرني غير واحد أن مسلمة بن عبد الملك مضى إلى يزيد بن المهلب، ومعه العباس بن الوليد فوليا قتله وقتاله (4) .(6/350)
[98] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: ولَّى يزيدُ بن عبد الملك المغيرةَ بن عمير الأزدي (1) ، من أهل حرستا، فلم يزل حتى توفي يزيد، وولي هشام بن عبد الملك فأقره سنتين، ثم عزله، فولى يزيد بن أبي مريم الثقفي (2) ، من مصيصة دمشق، فلم يزل مفلولاً عند اللقاء حتى غزته الروم، فقاتلته على باب ميناء صور (3) .
[99] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وأخبرني بعض شيوخنا أن يزيد بن عبد الملك أغزى العباس بن الوليد في ذلك العام؛ يعني سنة إحدى ومائة الصائفة، وافتتح دلسة. وفي سنة ثلاث ومائة غزا العباس بن الوليد الصائفة؛ فافتتح دمنقة ودردور (4) .
[100] ابن عائذ – وهو في إجازة منه عن الوليد – أخبرني بعض شيوخنا: أن يزيد بن عبد الملك أغزى في سنة أربع ومائة الصائفة اليمنى عبد الرحمن بن سليم الكلبي، وعثمان بن حيان الصائفة اليسرى (5) .
[الحروب مع الخزر](6/351)
[101] محمد بن عائذ، نا الوليد، نا أبو بكر بن أبي مريم (1) أنه غزا أرمينية، وعليها معلق بن صفار البهراني. قال: ونا ابن عائذ، قال: وأخبرني عبد الأعلى بن مسهر أن عمر بن عبد العزيز استعمل على أرمينية الحارث بن عمر الكتاني. وأما الوليد بن مسلم فإنه أخبرنا؛ قال: حدثنا بعض شيوخنا أن معلقاً لم يزل والياً على أرمينية حتى توفي عمر بن عبد العزيز، وولى الخلافة يزيد بن عبد الملك، فخلفه يزيد بن المهلب، وتابعه من تابعه من أهل البصرة، فوجه إليه الجراح بن عبد الله الحكمي (2) في أربعة آلاف من أهل الشام، مقدمة، ثم وجه مسلمة بن عبد الملك، والعباس بن الوليد، ثم ضرب معهما من أهل الطائفة، فلما قدم مسلمة أقفل الجراح إيهاماً له في أمر يزيد بن المهلب، فلما قدم على يزيد بن عبد الملك بلغ يزيد أن.. (3) قد خرجت على معلق بن صفار، فهزمته، فعزله، فقدم معلق على يزيد فجبَّنه، فقال: ما جبنت، ولكن لففت الخيل بالخيل، والأبطال بالأبطال، وصنع الله ما شاء، فولى يزيد بن عبد الملك الجراح أرمينية، فلما قدمها استأذنه في غزو بلنجر، فأذن له، فغزاها، ففتحها (4) .
[102] قال: ونا ابن عائذ، أنا الوليد، قال: وفي سنة تسع ومائة أغزا - يعني هشام بن عبد الملك - مسلمةَ بن عبد الملك أذربيجان (5) ، وفرق جيشه في أرمينية وأذربيجان، وغزا الترك في بلادهم، فأظهره الله عليهم. وفي سنة عشر ومائة غزا مسلمة أيضاً الترك في بلادهم، ولقي جمعهم، فهزمهم الله (6) .
[103] محمد بن عائذ، قال: فحدثني عبد الأعلى بن مسهر، قال: واستخلف الجراح - يعني ابن عبد الله الحكمي - يومئذ - يعني يوم قتل يزيد ابن بشر الحصلي الكلبي - على الناس، فقال للجراح: إني لأرجو أن تكون أسرع إلى الله مني، فقتل، وقتل معه خمسون من قومه، وكان على أهل دمشق، وكان مقتل الجراح سنة اثنتي عشرة ومائة في خلافة هشام (7) .(6/352)
[104] محمد بن عائذ، عن الوليد، قال: فحدثنا عبد الواحد بن بشر أن يزيد بن أسيد (1) حدثه أنه كان في مَنْ سار مع سعيد الحرشي من أهل الجزيرة، أو قال: ممن وجَّه هشامُ بن عبد الملك مع سعيد الحرشي، قال: فلما دعاهم إلى لقاء خزر الذين معهم سبقة المسلمين فأجابوه إلى ذلك، وأنه أرسله في فوارس طليعة ليأتيه بخبرهم وحزرهم من الليل، قال: فسرنا حتى أشرفنا على عسكرهم، فرأينا نساء المسلمين قد أوقدوا النيران على أبواب أبنية خزر محتجرات يبكين أنفسهن ويندبن الإسلام، قال يزيد: فأرَّقنا ما رأينا من ذلك، وألقينا السمع إليهم، فانتظرنا، فأتيناه بما رأينا وسمعنا، فأخبرنا سعيداً ومن معه، يعني بعد قتل الجراح الحكمي (2) .
[غزاة الطين](6/353)
[105] محمد بن عائذ، أخبرني الوليد، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن صاحب الخزر كايد هشاماً بإرساله رجلاً من العرب قد سماه لنا، فنسيته، قد كان أصاب أهله وولده، وجعل له تخلية سبيل أهله وولده بإبلاغه تلك الرسالة إلى هشام، والرجعة إليه بخبر ما يبلغه، وحمله على بريد المسلمين، فأقبل متحزماً حتى دخل على هشام، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، الجراح بن عبد الله يقرأ على أمير المؤمنين السلام، ويخبره بسلامته وبسلامة من معه من المسلمين، بمكان كذا وكذا، وأنه من عدوه منتصف، ويعزم على أمير المؤمنين ليردني إليه بعد إبلاغي الرسالة بخبر أمير المؤمنين، قال: ويحك! من غير كتاب؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فدعا بدواب البريد فحمله من ساعته، وأقام هشام يومه حتى إذا كان من غروب الشمس قال لخاصته: ويحكم رسول الجراح يأتيني بغير كتاب ثم رجع لم يأتني مصداق لخبره من صاحب بريد ولاعامل، إن نحن إلا في مكر من عدونا، عليَّ بسعيد الحَرَشي. فأتي به، فعقد له في عشرة من قومه على البريد، وقال له: سر في أصحابك، فإن قدمت والجراح حي فأنت مدد له، وإن كان قتل فأنت أمير على أرمينية حتى يأتيك رأي أمير المؤمنين، وعقد له هشام بيده، ودفع إليه اللواء، وقال: ادع حاملاً، فنادى سعيد: يا فرج، فقال هشام: أصنعت هذا؟ قال: لا، ولكنه أحد موالي وأعواني، قال هشام: هذا أول الفرج.
قال: فحدثني غير ابن جابر أن هشاماً وجّه الحرشي على البريد، وأصحبه ممن هو في عسكره من وجوه الناس، نحواً من أربع مائة رجل، وأمره أن لا يمر بشريف من العرب إلا استنفره من قومه ففعل.(6/354)
قال: فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: فأقبل سعيد الحرشي سريعاً على البريد وأنا ببردعة على بيت مال أرمينية قال فلقيته فرأيته كاسفاً لونه منخزلاً ظهره على دابته، فلما دنوت منه قلت: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، قال: عبد الرحمن! فاعتدل على سرجه ورد السلام، قال: ويحك، ما فعل الجراح؟ قلت يرحم الله الجراح، فأسفر لونه وذهبت عنه كآبته، وأقبل علي يسألني عن خبرهم وأمورهم، حتى دخل بردعة، ثم عسكر معسكراً وضوى إليه الفل، وبقية الناس، وأهل الحسبة، حتى صار في الألف دون العشرة، فأخبر أن صاحب خزر وجه بما غنم من بلاد المسلمين من النساء والذرية وغيرهم من أهل ذمتهم مع طرخان من طراخنته، من نحو من عشرين ألفاً أو قال ثلاثين ألفاَ إلى بلاده، فدعا المسلمين إلى قتالهم ولقائهم فأجابوه إلى ذلك، فسار بمن كان معه.
قال: فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وشيخ من أهل حمص، قالا: فسار إليهم حتى لقيهم بهم، فقاتلوهم قتالاً شديداً فنصرهم الله عليهم، فاستنقذ جميع ما كان من ذلك والذرية والسقبه، ثم ثبت لهم معسكراً ليعترض من مر به منهم، فانتخبوا الأبطال والفرسان منهم - يعني من خزر - ثلاثين ألفاً، أو قالا: أكثر منها، فاقتتلوا قتالاً شديداً فهزمهم الله، وقتلوهم مقتلة لم يقتلها قوم قط، وبلغ ذلك الطاغية وقد بلغه إقبال مسلمة بن عبد الملك بالجموع، فولى قافلاً إلى بلاده (1) .
[106] قال ابن أبي العقب ورأيت في رواية يزيد بن عبد الصمد قال أبو عبد الله [يعني ابن عائذ] وقال الشاعر [يمدح سعيداً الحرشي] :
بعد البلاء بتأييد وإظفار
أنت الذي أدرك الله العباد به
كيد الحروب أريب زنده واري
موفق للهدى والرشد مضطلع
كالصبح أقبل في غر وإسفار
تضمن الحذب والإيمان منبره
للمسلمين بجد غير عثار
لأمت ما شئت من شعب ومن شعب
من شأننا كان غير الخالق الباري
على أوان شديد ليس يعلمه(6/355)
وشمرت عن شذاها أي تشمار
قد أبدت الحرب فيه عن نواجذها
فيه الطراخين ذو نقض وإمرار
وأنت يوم أبى حزوان إذ رجعت
وافوا بأرعن ناوى الزم جرار
لقيتهم بليوث في اللقاء وقد
بالخيل ننقض أوتارا بأوتار
فجستهم جوس قرم ما يقيلهم
من علها بعد إنهال وإصدار
والخيل ساهمة نضح الدماء بها
نهدا شق كصدر الرمح خطار
من كل طرف شديد الشعب منصلت
بكل عضب شديد المتن بتار
فهم يولون والفرسان تضر بهم
صلب الدواس هصور هيصم ضار
أمام ليث هزبر فرهم أزر
د دلمس هو عداء على الساري
عبل الذراعين أبي شبلين ذي لب
وأسعروا نار حرب أي إسعار
ويوم أسراب إذ جاشت جموعهم
لهم عصار تراه بعد إعصار
وأقبلوا كالتماع البرق بيضهم
بخيرة من عباد الله أخيار
فسرت بالخيل والرايات تقدمها
مسومين أمام الناس أنصار
أمدك الله رب العالمين بهم
على يديك وأخزىكل كفار (1)
فأهلك الله جمع الشرك إذ رجعوا
[غزاة السائحة]
[107] ابن عائذ، قال: ونا الوليد، قال: فحدثنا غير واحد ممن كان في غزاة الطين أن الناس قفلوا منها وهم يقولون: فعل مروان، وصنع مروان، ولا يذكرون مسلمة، فكان ذلك سبباً لولاية مروان على أرمينية، فولاه هشام أرمينية والجزيرة فوليها له.(6/356)
قال: وأنا الوليد، قال: فحدثنا مرزوق بن أبي الهذيل، أو غيره، قال: لم يرع هشام بن عبد الملك وهو ينظر في شيء من ضيعته التي يقال لها الزيتون إلا ومروان قد خرج عليه لم يستأذنه ولم يعلم به حتى رآه فأفزعه ذلك، وقال: ويحك، مروان! قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فردد هذا القول عليه مراراً، قال: يا أمير المؤمنين ضقت صدراً بما ساء ذكره لأمير المؤمنين، قال: فلم أر أن يكون في كتاب، ولا أبوح به إلى أحد فترى فيه رأيك، قال: ومم ذاك؟ قال: إنه قد كان من غزو صاحب خزر أمير المؤمنين والمسلمين ما كان، فساح في بلاده، وقتل عامله، وانتهك من حرمة الإسلام ما قد علمه أمير المؤمنين، ثم قفل إلى بلاده وقد أبقى على المسلمين عارها ما كانوا، ثم كان من رأي أمير المؤمنين في توجيه مسلمة بن عبد الملك ما قد علمه أمير المؤمنين، فوالله ما وطئ من بلادهم إلا أدناها، وما صنع شيئاً، ولقد أخرجه كسعاً كالمنهزم، فلا يزال عار ذلك فينا وفيهم ما كانوا؛ وذلك أن مسلمة لما رأى من جموعه وكثرة من معه أعجبه ذلك، فكتب إليه يؤدبهم لحربهم ويتهددهم بجموعه، ثم أقام بعد كتابه نحوا من ثلاثة أشهر، وقد جمعوا جمعاً لم يكن به طاقة، وقد رأيت أن يأذن لي أن أغزوهم غزوة أطأ فيهم حريمهم، وأنتقم للمسلمين منهم، فقال: قد أذنت لك، قال: فأمدني عليهم بعشرين ومائة ألف فارس رامح، فقال: قد فعلت ذاك وهم آتوك، قال: ويكتم ذاك أمير المؤمنين من خاصته وعامته؛ فإني لو قدمت البلاد أذعت محاربة أمة من الأمم ممن حولنا غيرهم، فإذا قدمت الجنود وفرغت من أمورهم اغتررتهم بالدخول عليهم، قال: فافعل، فودعه وانصرف، فلا يدري أحد ما كلمه به من ذلك (1) .(6/357)
[108] قال: وأخبرني الوليد، قال: فحدثني غير واحد ممن شهد غزاة السائحة مع مروان أحدهم شيخ من أهل قنسرين، قال: قدمنا على مروان في عشرين ومائة ألف فارس رامح هن جميع أجناد الشام والجزيرة والموصل، والمتطوعة كثيرة من أهل العراق وغيرهم، فقدمنا عليه وهو مظهر لمحاربة ملك اللان وغيره، وقد كتب إلى صاحب خزر يعرض له بالصلح، فإن كان لك في شيء من ذلك هوى، فوفد إلي وافداً نعاملهم عليه، يقدم عليك وفدي بتمام ذلك والشهادة علي وعليك، فوجه صاحب خزر وفداً ومروان يعرض الخيول، ويعطي ال.. ويتجهز لإمره ويحضرهم مجلسه ويقرب منهم ويسمعهم ما يحبون، ويتلطى على الأمة التي ذكر حتى إذا فرغ فلم يكن إلا الشخوص أظهر لوفد الخزر الحسبة فأغضبهم، ذلك فأسمعوه، فأمر بحملهم على مركبهم من البريد على طريق الباب، وهي تدور ولم يأذن لهم أن يدخلوا من باب اللان، وقال لهم: أعلموا صاحبكم أني قد أذنته بحرب، فمضى الوفد إلى الباب، ودخل هو من باب اللان، وقدموا على طاغيتهم فأخبروه أنه تجهز بجهاز لم يروا مثله، وأعد جمعاً لم يروا مثله، وقد آذنك بحرب، قال: وجاءه الخبر أن هذا مروان قد دخل عليك، فجمع أهل مشورته وطراخينه فقال: ما ترون؟ وما تقولون؟ قالوا: إن مسلمة آذنك بحربه وتصرع في بلاده حتى جمعت له، وإن هذا اعتراك فقد رهقك، فإن أنت سرت إليه بمن حضرك هزمك وبلغ منك، وإن أنت أردت أن تجمع له لم يجتمع لك جنودك ثلاثة أشهر، وإلى ذلك ما قد بلغ منك ومنك [كذا] ، فالرأي أن تلحق بكورة كذا وكذا من أقصى بلادك، وتدعه في البلاد يبلغ منها ما بلغ، قال: فقبل رأيهم، قال: فسار بنا مروان في تلك الجموع حتى أجاز بنا نهراً في وسط بلادهم، يقال له إرم، شبهه لي الشيخ بدجلة، من مخاضة دل عليها، فأقام يجيز بنا كذا وكذا يوماً، ثم سار بنا في بلادهم مع النهر، كلما سار وطيء من العمارة أكثر مما خلف، فسار بنا أياما فأتته(6/358)
هصايله أرمينية فقالوا له: أيها الأمير انصرف إلى المخاضة وتداركها قبل أن يحال بينك وبينها، فإنهم إن فعلوا جمعوا لك جموعاً حالوا بينك وبين القفول، قال: فقبل ذلك من رأيهم، وتحمل حتى أجاز بهم النهر راجعاً (1) .
[109] محمد بن عائذ، أخبرني الوليد بن مسلم، قال: فقلت للشيخ القنسريني: فمن كان على مقدمته وميمنته وميسرته وساقته - يعني مروان - حين غزا خزرَ في غزوة السائحة؟ فقال: كان على مقدمته فلان، فنسيته، وعلى ميمنته عبد الملك بن مروان ابنه، وعلى ميسرته الصقر بن صفوان الحمصي، وعلى ساقيته (2) ثابت بن نعيم الجذامي، وهذه الغزوة كانت في أيام هشام بن عبد الملك، وولاه مروان بن محمد على الجزيرة وأرمينية (3) .
[متابعة هشام بن عبد الملك إغزاء الصوائف]
[110] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وأنا عثمان بن محمد، فإنه حدثني أن هشام بن عبد الملك أغزى الصائفة سنة ست ومائة سعيد بن عبد الملك (4) ، وكنت فيمن غزا تلك السنة، فصلى بنا الظهر أربعاً بدابق، فدخل عليه مكحول فأفتاه بقصر الصلاة، فخرج فصلى بنا العصر ركعتين عن فتيا مكحول، قال: فسمعت رجاء بن حيوة وعبادة بن مُسَي وعدي بن عدي يقولون: ما زلنا نتم الصلاة في هذا المعسكر (5) .
[111] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وبلغنا أن هشام بن عبد الملك أغزا مسلمة بن عبد الملك الصائفة سنة سبع ومائة وسعيد بن هشام (6) على صائفة أهل الشام ومسلمة على جماعة الناس. وفي سنة تسع ومائة أغزا سعيد بن هشام في ناحية من أرض الروم أيضاً (7) .(6/359)
[112] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: وأخبرني شيخ من أهل قنسرين أنه غزا في صائفة كان يقدمها عمرو بن الوضاح في نحو من عشرين ألفاً، فوغل في دار أرض الروم، ففتح وسبى سبياً كثيراً، وكنت فيمن غزا معه، فأقبل بتلك الغنائم يريد عقبة الركاب، يتلقى جماعة الصائفة، فلما كان من عقبة الركاب على مرحلة أو مرحلتين، سمع منشداً ينشد: ألا من دل على بغلة كذا يتبعها إلفها برذون كذا، فدعا به عمرو، فقال: ما تقول؟ فأخبره بما ينشد، فقال: إنما البغال تتبع إلفها من البراذين ولا يعرف برذون يتبع البغال! فما أنت؟ ومن أين أنت؟ ومن بعث بك؟ قال: فذهب ينسب فلجلج، وعرف أنه قد لجلج، فقال: ليخلني الأمير، فأخلاه، فأخبره أنه عين للروم، وأنه خلّف أهل الرساتيق والكور قد حشروا إلى عقبة الركاب ليأخذوا عليك بها، ويستنقذوا ما غنمت، قال: ماذا لي إن نصحتك نصيحة تغنم بها جماعتهم وتجيزها بإذن الله لمن معك وما معك؟ قال: لك الأمان وغير ذلك، قال: إن الذين حشروا إلينا من الرساتيق لم يحشروا إليه على بعث ضرب لهم أعطوا عليها العطاء، وإنما حشروا إليها كرهاً، وقد أقاموا وأبطأت عليهم، فالرأي لك أن يؤذن مؤذنك في هذه الساعة أن يصبح الناس على ظهر نفير ليقيما [كذا] ، ثم يصبح غاديتهم، فيسير يوماً أو يومين، وتبلغهم ليوافوك عند إقبالك من العقبة، فإذا ذهب الخبر إليهم بذلك، وسرت يومك، رحلوا عنها أو أكثرهم، عطفت عليهم، فأضربها بإذن الله، وقويت على من بقي منها، قال الشيخ: نفعل ذلك، ثم عطفت راجعاً فوافى الأمر على نحو ما ذكر، من رفض عامتهم وقلة من ثبت عليها، فقاتلوه قتالاً شديداً، فنصره الله، وكان بيننا وبينهم معركة تشبه الملحمة، وأجاز بما كان سبا وغنم، حتى لحقنا أرض الروم.
وذكر الوليد كان ذلك سنة أربع عشرة ومائة وأمير الصائفة معاوية بن هشام (1) .(6/360)
[113] ابن عائذ، نا الوليد، أخبرني عبد الله (1) ، عن مالك بن أدهم الباهلي، قال: غزونا الصائفة مع معاوية بن هشام، فلما قفلنا وقدمنا وفداً إلى هشام، أنا فيهم، فلما قدمنا على هشام قدم وفد البحر، فأذن لنا هشام جميعاً فدخلنا عليه، وقام خطيبنا فتكلم فأحسن، ثم قام خطيب البحر من الموالي فبذّ خطيبنا كلاماً، قال: وقد كان بعثُ البحر نُكبوا قبل ذلك ثلاث غزوات، فقال خطيب البحر في كلامه: يا أمير المؤمنين لكل شيء إسطاماً (2) وإن إسطام الموالي العرب، فإن كان لك بثغرك في البحر حاجة فاسطم الموالي بالعرب، فإنه أحسن لذات بيننا، وأسخى لأنفسنا، وأهيب لنا في صدور عدونا، قال هشام: صدقت ونصحت، فقطع البعث على الموالي والعرب (3) .
[114] ابن عائذ، قال: قال الوليد: وفي سنة ثمان ومائة أغزا هشام بن عبد الملك معاويةَ بن هشام الصائفة، فافتتح العطاسن. وفي سنة ثمان ومائة أغزاه فافتتح سقلة والبرة. وفي سنة عشر أغزاه الصائفة، وعلى مقدمته البطال، فافتتح خنجرة (4) . وفي سنة إحدى عشرة ومائة غزا معاوية بن هشام الصائفة، فافتتح خرشنة (5) . وفي سنة اثنتي عشرة ومائة غزا معاوية ابن هشام دابق والعمق. وفي سنة ثلاث عشرة ومائة أغزا معاويةَ بن هشام على صائفة الناس. وفي سنة أربع عشرة ومائة أغزا معاويةَ بن هشام لسصعه [كذا] . وأقبل عمرو بن الوضاح (6) والبطال بالسبي. وفي سنة خمس عشرة ومائة أغزا معاويةَ بن هشام الصائفة. وفي سنة ست عشرة ومائة أغزا معاوية بن هشام الصائفةَ. وفي سنة سبع عشرة ومائة أغزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى، وسليمان بن هشام الصائفة اليمنى. ونا ابن عائذ، قال: وفي سنة ثمان عشرة ومائة أغزا معاوية بن هشام الصائفة. وفي ذلك العام توفي معاوية بن هشام (7) .(6/361)
[115] محمد بن عائذ، عن الوليد بن مسلم، وقال: في سنة تسع عشرة ومائة غزا عبد الرحمن بن القعقاع العبسي (1) ، يعني أرض الروم في خلافة هشام بن عبد الملك (2) .
[116] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وفي سنة تسع عشرة ومائة غزا عبد الملك العبسي (3) .
[117] ابن عائذ، أنا الوليد، أخبرني شيخ من آل معاوية بن هشام، قال: توفي [يعني معاوية بن هشام] سنة تسع عشرة ومائة. وغزا الصائفة بعده مسلمة ابن هشام (4) . وقال غير ذلك الشيخ: إن هشاماً أغزى في سنة إحدى وعشرين ومائة مسلمة بن هشام، ويحيى بن هشام (5) بن عبد الملك ذلك العام ملطية، فرابط بها تلك السنة (6) .
[118] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وفي سنة ثلاث عشرة ومائة أغزا يعني هشام بن عبد الملك معاوية بن هشام على صائفة الناس، وأغزا سليمانَ بن هشام أيضاً في ذلك العام أرض الروم، فافتتح أقرن، وأخذ عظيماً من عظماء الروم. وفي سنة عشرين ومائة أغزا سليمان بن هشام الصائفة (7) .
وعن الوليد، قال: وأخبرني شيخ من آل معاوية بن هشام، قال: توفي يعني معاوية سنة تسع عشرة ومائة وعلى الصائفة بعده مسلمة بن هشام، وقريش بن هشام. قال: ولَّى هشامُ سليمانَ بن هشام الصوائف حتى توفي هشام، وقتل معه في بعضها البطال، ومالك بن شبيب.
وعن الوليد، قال: وأخبرني عبد الرحمن بن جابر أن هشاماً تابع إغزاء معاوية بن هشام الصائفة سنين يفتح له فيها الفتوح حتى توفي معاوية بن هشام. ثم ولَّى بعده سليمانَ بن هشام الصوائف سنيات لا يليها غيره.
قال: ونا الوليد، قال: وبلغنا أن هشام بن عبد الملك غزَّا ابنه سليمان الصائفة سنة ثنتين وعشرين ومائة فسلم وغنم (8) .
[حروب البطال](6/362)
[119] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، حدثني أبو مروان - شيخ من أنطاكية -، قال: كنت أغازي مع البطال، وقد أوطأ الروم ذلاً، قال البطال: فسألني بعض ولاة بني أمية عن أعجب ما كان من أمرى في مغازي فيهم، فقلت: خرجت في سرية ليلاً، ودفعنا إلى قرية، وقلت لأصحابي: أرخوا لجم خيولكم، ولا تحركوا أحداً بقتل ولا سبي حتى تشحنوا القرية (1) ، فإنهم في نومة، قال: ففعلوا، وافترقوا في أزقتها، ودفعت في ناس من أصحابي إلى بيت يزهر سراجه، وامرأة تسكت ابنها من بكائه؛ وهي تقول: اسكت وإلا دفعتك إلى البطال يذهب بك، فانْتَشَلَتْهُ من سريره، فقالت: أمسك يا بطال، فأخذته (2) .(6/363)
[120] قال: ونا الوليد، نا أبو مروان، أنه سمعه يحدث؛ قال: خرجت ذات يوم متوحداً على فرسي، لأصيب غفلة أو منفرداً، متسمطاً مخلاة فيها عليق فرسي، ومنديل فيه خبز وشواء، فينما أنا أسير، إذ مررت ببستان فيه بقل طيب، فنزلت، فعلقت على فرسي، وأصبت من ذلك الشواء ببقل البستان، إذ أسهلني بطني، فاختلفت مراراً، فاستفقت من دوامِه وضعفي عن ما يجيء علي من الركوب، فبادرت وركبت، ولزمت طريقاً، واستفرغني على سرجي، كراهية أن أنزل فأضعف عن الركوب، حتى لزمت عنقه متشبثاً ببرطنجه، مخافة أن أسقط عنه، وذهب بي ولا أدري أين يذهب بي، إذ سمعت وقع حوافره على بلاط، ففتحت عيني، فإذا دير، فوقف بي في وسط الدير، وإذا نسوة يتطلعن من أبواب الدير، فلما رأين أنه لا تبع لي، ورأين حالي وضعفي عن النزول، خرجت صاحبة منهن حتى وقفت علي، ونظرت في وجهي، وعرفت من حالي، ورطنت لهن تحسب علي، وأمرتهن فنزعن عني ثيابي، وغسلن ما بي، ففعلن، ودعت بثياب فألبستنيها، وترياق، أو دواء فشربته، ثم أمرت بي فجُعلت على سرير لها ودثار، وأمرت بطعام فهيء لي، فأتت به، وأقمت يومي ذلك وتلك الليلة مسبوتاً (1) ، لا أدري ما أنا فيه، قال: وأصبحت من الغد على ضعف من الركوب، وأقمت ليلتي ويومي وليلتي، فذهب عني السبات، وأنا ضعيف عن الركوب، حتى كان في اليوم الثالث، جاءها من يخبرها أن فلاناً البطريق قد أقبل في موكبه، فأَمَرَتْ بفرسي فغُيِّب، وأغلق علي باب بيتي الذي أنا فيه، ودخل البطريق، فأنزلته منزلاً، واقتفت به وبأصحابه، وأسمع بعض النسوة تخبر أنه خاطب لها، فبينما هو على ذلك الحالة، إذ جاءه من يخبره عن موضع فرسي، وإغلاقهم علي، فهمَّ أن يهجم علي، فأقسمتْ إن هو تعرض لي لا نال حاجته، فأمسك، وأقام قائلة في ذلك اليوم في قرى، ثم قروح، وخرجت فدعوت بفرسي، فخرجت إلي فقالت: إني لا آمن أن يكمن لك، دعه(6/364)
يذهب، فأبيت عليها، وركبت فقفوت الأثر حتى لحقته، وشددت عليه فانفرج عنه أصحابه، فقتلته، وطلبت أصحابه فهربوا عني، وأخذت فرسه، وسمط رأسه، ورجعت إلى الدير فألقيت الرأس، ودعوتها ومن معها من نسائها وخدمها فوقفن بين يدي، وأمرتها بالرحلة ومن معها على دواب الدير، وسرت بهن إلى العسكر، حتى دفعت بهن إلى الوالي، فجعل نفلي منهن، فتنفلت المرأة بعينها، وسلمت سائر الغنيمة في المقسم، واتخذتها فهي امرأتي. قال أبو مروان: وكان أبوها بطريقاً من بطارقة الروم، له شرف، فكان يهاديه، ويكاتبه (1) .(6/365)
[121] ابن عائذ، عن الوليد، قال: سمعت عبد الله بن راشد مولى خزاعة (1) ، يخبر عن من سمعه من البطال، يخبر أن هشاماً، أو غيره من خلفاء بني أمية كان قد استعمله على ثغر المصيصة (2) وما يليها، وأنه راث عليه خبر الروم، فوجه سرية لتأتيه بالخبر عن غير إذن من الوالي، قال البطال: فتوجهوا وأجلتهم أجلاً، فاستوعبوا الأجل، فأشفقت من مصيبتهم، ولائمة الخليفة، وضعف أميرهم، فخرجت متوحداً، حتى دخلت في الناحية التي أمرتهم بها، فلم أجد لهم خبراً، فعرفت أنهم أخبروا بغفلة أهل ناحية أخرى، فتوجهوا إليها، وكرهت أن أرجع ولم أستنقذهم مما هم فيه، إن كان عدو يكاثرهم، أو أعرف من خبرهم ما أسكن إليه، فلم أجد أحداً يخبرني بشيء، فمضيت حتى أقف على باب عمورية (3) ، فآمره بفتح الباب، ففعل، وأدخلني، فلما صرت إلى بلاطها وقفت، وأمرت من يشد يدي إلى باب بطريقها، ففعل، ووافيت باب البطريق قد فتح، وجلس لي، ونزلت عن فرسي وأنا متلثم بعمامتي، فأذن لي، ومضيت حتى جلست على مثال إلى جانب مثاله، فرحب وقرب، وقلت: أخرج من أرى، فإني قد حملت إليك، فأخرجهم، وشددت عليه حتى غلق باب الكنيسة وعاد إلى مجلسه، واخترطت سيفي فضربت به على رأسه، فقلت له: قد وقعتَ بهذا الموضع، فأعطني عهداً حتى أكلمك بما أردت حتى أرجع من حيث جئت لا يتبعني منك خلاف، ففعل، فقلت: أنا البطال، فاصدقني عما أسألك عنه وانصحني، وإلا أجهزت عليك، فقال: سل عما بدا لك، فقلت السرية؟ فقال: نعم، وافت البلاد غارة لا يدفع أهلها يد بالأمس، فوغلوا في البلاد، وملأوا أيديهم غنائم، وهذا آخر خبر جاءني أنهم بوادي كذا وكذا، فصدقتك، وليس عندي من خبرهم غير هذا. فغمدت سيفي، وقلت: ادع لي بطعام، فدعا، ثم قمت، وقال: اشتدوا بين يدي رسول الملك حتى يخرج، ففعلوا، وقصدت إلى السرية حتى قدمت عليهم وخرجت بهم بما غنموا، فهذا(6/366)
أعجب ما كان (1) .
[122] قال: ونا الوليد، قال: وأخبرني بعض شيوخنا، قال: رأيت البطال قافلاً من حجه السنة التي قتل فيها رحمه الله، وهو يخبر أنه لم يزل فيما مضى من عمره مشتغلاً عن حجة الإسلام بما فتح له من الجهاد، وسأل الله الحج والشهادة، فإن الله قد قضى عنه حجته، وهو يرجو أن يرزقه الشهادة في عامه هذا، ثم مضى إلى منزله، وغزا من عامه فاستشهد (2) .
[123] محمد بن عائذ، عن الوليد، قال: وأخبرني عبد الرحمن بن جابر: أن هشاماً تابع إغزاء معاوية بن هشام (3) الصائفة سنين، يفتح له فيها الفتوح، حتى توفي معاوية بن هشام، ثم ولي بعده سليمان بن هشام (4) الصوائف سنيات لا يليها غيره،فخرج في سنة من ذلك في بعث كثيف، ووجه مقدمته في ثمانية آلاف، عليها مالك بن شبيب (5) ، وأصحبه البطال، وأمره بمشاورته والأخذ برأيه، فخرج معه حتى وغل في أرض الروم ... قال ابن جابر: فحدثني من سمع البطال يخبر مالك بن شبيب وهو بأقرُن (6) ، أن بطريق أقرن أرسل إليه، لصهر بينه وبينه، أنه يأتيه حتى يكلمك بكلام لا تحتمله الرسالة، قال: فخرجت إليه حتى كلمني من بين شرافتين، وهو يحسب أني أمير الجيش، قال: وفي كم أنت؟ فقلت: في كذا وكذا ألفاً، وزدت، فقال: ما أدري ما تقول، إلا أن أصحابك أقل مما قلت، وبيننا وبينك من الصهر ما قد علمت، وهذا إليون قد أقبل في نحو من مائة ألف، وهو يريدك، لما بلغه من قلة جيشك، فما كنت صانعاً فاصنعه في يومك هذا، فإني قد أخبرتك الخبر، فانظر لنفسك، وها أنا قد أخبرتك الخبر فانظر لنفسك ومن معك، قال: فما الرأي؟ قال: الرأي أن تأتي إسناده، فإنها مثغرة مفتوحة، فتدخل فيها، وتشد من ثغرها، وتقاتلهم من وجه واحد، حتى يأتيك سليمان بن هشام بالصائفة، فقال من عند مالك من قومه: أراد والله العلج أن يلحق بك سماعها وعيبها، فأخذ مالك بقولهم، فقام عنه البطال، ومضى(6/367)
مالك يومه ذلك، ومن الغد، فبينا هو يسير إذ أشرف على أرض رأى فيها سواداً، فقال: غيضة! فقال البطال: كلا، ولكن ليون في جيشه، وما ترى من السواد الرماح وآلة الحرب، قال: الرأي؟ قال: اليوم، وقد تركته بالأمس! ، قال: الرأي أن تلقاه فتقاتله حتى يحكم الله، قال: ولقيناه، فقاتل مالك ومن معه حتى قتل في جماعة من المسلمين، والبطال عصمة لمن بقي من الناس، ووال عليهم (1) .
[124] وعن الوليد، قال: وأخبرني عبد الرحمن بن جابر، قال: فحدثني من سمع البطال يخبر مالك بن شبيب يعني أمير مقدمة الجيش الذي قتل فيه، عن خبر بطريق أقرُن - صهر البطال –: أن ليون طاغية الروم قد أقبل في نحو مائة ألف، فذكر الحديث فى إشارة البطال عليه باللحاق ببعض مدن الروم المقفلة المخربة، والتحصن به حتى يلحقهم الأمير سليمان بن هشام، وعصيان مالك بن شبيب البطالَ في رأيه هذا، قال: ولقيناه يعني ليون، فقاتل مالك ومن معه حتى قُتل في جماعة من المسلمين، والبطال عصمة لمن بقي من الناس، ووال عليهم، قد أمرهم أن لا يعصوه، فلا يذكروا له اسماً، فتجمعوا عليه، فشد عليهم حتى حمل حملة من ذلك، فذكر بعضُ منْ كان معه اسمَه؛ وناداه، فشدت عليه فرسان الروم حتى شالته برماحها عن سرجه، وألقته إلى الأرض، وأقبلت تشد على بقية الناس، والناس معتصمون بسيوفهم، حتى كان مع اصفرار الشمس. قال الوليد: قال غير ابن جابر: وليون طاغية الروم قد نزل عن دابته، وضرب له مفازة، وأمر برَهَبَته وأساقفته فحضروا، فرفع يده، ورفعوا أيديهم؛ يستنصرون على المسلمين، وزاد أمر قلتهم، وقلة من بقي، فقال: ناد ياغلام برفع السيف، وترك بقية القوم لله، وانصرفوا بنا إلى معسكرنا، والقوم في بلادنا، نغاديهم، ففعل، قال ابن جابر: وانصرف إلى معسكره، وبات، وأمر البطال منادياً فنادى أيها الناس عليكم بسنادة، فادخلوها، وتحصنوا فيها، وأمَّر(6/368)
البطال رجلاً على مقدمتهم، وآخر على ساقتهم، لا يخلَّف جريحاً، ولا ضعيفاً فيما قدر عليه، وثبت في مكانه، وثبت معه قريب له في ناس من مواليه، وأمر من يسير في أوائلهم من يقول: أيها الناس الحقوا، فإن البطال يسير بأخراكم، وأمر من يقول في أخراهم أيها الناس الحقوا فإن البطال في أولاكم، يهديكم الطريق ويهيء منزلكم بسنادة، فمضى الناس فلم يصبحوا إلا وقد دخلوا سنادة، وافتقدوا البطال، فأجمع رأيهم على تحصينها والقتال عليها. قال: وأصبح البطال في مكانه في المعركة، به رمق، فلما كان من الغد ركب ليون بجيشه حتى أتى المعركة فوجدهم قد دخلوا سنادة إلا البطال ومن بقي معه، فأخبر به، فأتاه حتى وقف عليه، فقال: أبا يحيى، كيف رأيت؟ قال: ما رأيت، كذلك الأبطال، تَقتلُ، وتُقتلْ، قال ليون: علىّ بالأطباء، فأتي بهم، فأمرهم بالنظر في جراحه،فأخبروه أنها قد أنفذت مقاتله، فقال: هل من حاجة؟ قال: نعم، تأمر من ثبت معي، ومن في أيديكم من أسارى المسلمين بولايتي وكفني والصلاة علي ودفني، وتخلي سبيل من ثبت عندي، ففعل ذلك، وقصد إلى الناس بسنادة، فحاصرهم، فبينما هم على ذلك إذ أشرف من سند أو شيء مشرف على فرسه في رجال على خيول الطلائع، وهو يقول، أيها الناس، أنا ثابت البهراني رسول الأمير سليمان بن هشام، يخبر سرعة سيره إليكم، وهو آتيكم أحد اليومين، فسر ذلك المسلمين، وأصبح ليون سائراً بعسكره، قافلاً إلى القسطنطينية حتى دخلها، وأقبل سليمان بمن معه حتى نزل بسنادة، وأصلح إلى من كان بها حتى رحل عنها.
وقال الشاعر:
ألم يبلغك من أنباء جيشٍ
بأقرُنَ غودروا جثثاً رماما
غدوا من عندنا بصريم أمر
يجوبون المهاوي والظلاما
تقودهم حتوف لم يطيقوا
لها دفعاً هناك ولا خصاما
ولاقتهم زحوف الروم تهدي
بجرار الضحى بعض الأكاما
كأن جموعَهم لما تلاقوا
ركامٌ رائح يتلو ركاما
تلألأ بعضهم لما أتوهم(6/369)
مع الإشراق قد لبسوا اللأُما
فكان لهم به يومٌ عصيب
أثار السابحات به القَتَاما
معارك لم تقم فيها بشجوٍ
نوائحُ يلتزمن به التزاما
نأت عن مالك فيه بواكي
ثواكل قد شجين به اهتماما
ولم تهمل على البطال عينٌ
هناك بعبرة تشفي الهُيَاما
عشية باشر الأهوال صبراً
بخيل تخرق الجيش اللُّهاما
يكُرُّ عليهم بالخيل طعناً
وضرباً بقتل البطل الهماما
إذا ما خيله حملت عليهم
تداعوا من مخافته انهزاما
فإن يعلونه الأسبابُ يوماً
فقد تلقاه مغواراً حُماما
ولم أرَ مثلَه أمضى جَنَاناً
وأحمدَ مشهدٍ وأقلَ ذاما
فلا تبعد هنالك من شهيدٍ
فإنك كنت للهيجا حُساما
قال أبو عبد الله ابن عائذ: وليس هذا الشعر من حديث الوليد (1) .
[125] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: فاخبرني عبد الرحمن بن جابر، أخبرني من غزا معه، يعني البطال، أنه سمع عبد الوهاب بن بخت المكي (2) ، وهو يقول: والله لقد كنا نسمع أن سرية ثمانية آلاف ونحوها، يليها رجل من قيس، فيقتل ومن معه إلا الشريد، وآية ذلك أنها خيل جريدة ليس معهم إلا راحلة، فانظروا هل ترون إبلاً أو راحلة، فركب بعض أهل المجلس فجال في العسكر، فقال:لم أر إلا راحلة عند آل فلان، قال: ولقينا العدو، فقتلوا مالكاً يعني ابن شبيب والبطال وعبد الوهاب بن بخت المكي (3) .(6/370)
[126] محمد بن عائذ، نا الوليد بن مسلم، قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز ولى على غازية البحر المخارق بن ميسرة بن حجر الطائي، فلم يزل والياً حتى توفي، فولى يزيدُ بن عبد الملك المغيرةَ بن عمير الأزدي، من أهل حرستا، فلم يزل حتى توفي يزيد، وولي هشامُ بن عبد الملك فأقره سنتين، ثم عزله، وولَّى بريد [يزيد] بن أبي مريم الثقفي، قال: وعزل يعني هشاماً بريد [يزيد] وولَّى الأسودَ بن بلال المحاربي، وولي يزيدُ بن الوليد فعزله يعني الأسود ابن بلال، وولاه الأردن، وولَّى غازية البحر المغيرةَ بن عمير، فلم يزل عليه حتى سار إليه ابن أبي الأعور السلمي من طبرية، فقتله (1)
[127] ابن عائذ، نا الوليد، قال: عزل هشامُ بن عبد الملك ابنَ أبي مريم عن غازية البحر، وولَّى الأسود بن بلال المحاربي.
حدثنا الوليد، نا غير واحد أن سبب ولاية هشام بن عبد الملك الأسودَ بن بلال غازية البحر أن والي دمشق ولى الأسودَ بن بلال ولاية مدينة بيروت من ساحل دمشق، لمكان أم الأسود عند سليمان بن حبيب القاضي، فأغارت الروم على سفن من التجار مرسية بنهر بيروت، فذهبت بها، ومرت بها على باب ميناء بيروت، وأهلها ممسوكون بأيديهم هيبة له، فصاح الأسودُ بهم، وركب قوارب فيها لنسيه [كذا] وقد أفتق بطلبهم حتى استنقذ تلك المراكب، وقتل منهم، وكتب إلى هشام، فكتب هشام إلى الأسود بولايته على البحر، فلم يزل يحمدُ حزمه وعزمه وصنع الله له حتى توفي هشام، فأقره الوليد بن يزيد حتى قتل، وولي يزيدُ بن الوليد فعزله، وولاه الأردن، وولى غازية البحر المغيرة بن عمير (2) .(6/371)
[128] قال: ونا الوليد، حدثني الليث؛ يعني ابن تميم القارىء (1) ، وابن أبي كريمة أن الروم قاتلته على باب ميناء صور، فأخرج إليهم خالد بن الحسفان الفارسي فهزمهم، وطلبهم، فأرست سفينة من سفن الروم بأهلها على جزيرة صور فأسرهم، وكتب ابن أبي مريم إلى هشام يخبره بقتال الروم إياه على باب ميناء صور، فوجه إليهم ابنه الشرف فهزمهم، وأدرك سفينة في جزيرة صور راسية فأسر أهلها، قال: وكتب صاحب البريد بطبرية؛ إن الذي ولي قتالهم وطلبهم خالد الفارسي، فكتب إليه هشام: إنه ليس بالشرف ولكنه الوضيع، وكذبت، فنقل (2) خالداً وأصحابه ذلك المركب، إلا خمسة، وعزل يزيد، وولّى الأسود بن بلال المحاربي (3) .
[129] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: وبويع الوليد بن يزيد، يعني في شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة، واستعمل على الصائفة أخاه الغمرَ بن يزيد (4) .
قال ابن عائذ، وحدثنا الوليد، قال: فحدثني غير واحد بحديث قد وهمت فيه، أن الغمر بن يزيد شتى في صائفته هذه، وأنا أشك في صائفة أخرى بعدها بسنة [كذا] وثلاثين ألفاً. وقتل الوليد بن يزيد على ذلك ولم يكن للناس صائفة بعد ذلك (5) .(6/372)
[130] ابن عائذ، قال: قال الوليد: فحدثني من سمع واصلاً - رجل من أهل دمشق ممن كان يعرف بالصلاح والصلاة والصبر عليها، فابتلي بالأسر، فكانت الروم تكرمه لما ترى من حاله، قال واصل: لما اختلف قسطنطين وأرطباس بعثني قسطنطين ببطارقته إلى الوليد بن يزيد يستنصره على أرطباس، وجعل العهد لئن أنا قمت برسالته، والإعراب عنه مع بطارقته جائزة كذا وكذا، وتخلية سبيلي، قال: فقدمت على الوليد بهم، وتقدم من عند أرطباس من يسأل الوليد نصرتهم وموالاتهم على قسطنطين، قال واصل: فتكلمت عند الوليد، وقامت البطارقة بلغت عن صاحبها، وقامت بطارقة أرطباس فتكلمت عن أرطباس، واستمع الوليد من الفريقين، ثم أقبل عليهم فقال: لو كنت ناصراً أحداً لنصرت قسطنطين على من خالفه، ولكن انصرفوا، فكلكم عدو، وليس بيني وبين أحد منكم إلا السيف، ثم أقبل على البطارقة الذين جئت بهم فقال: أرأيتم صاحبنا هذا أثخنته الجراحة فأسرتموه، فلا سبيل لكم إليه قد رده الله، أم ألقى بيديه فهو عبدكم يرجع معكم؟ فقالوا: بل أثخنته الجراحة، فحبسني الوليد، وأمر بالجيش فسيروا، وأمضى الغمر بن يزيد في صائفته، فوافى اختلافاً بينهم فغنم وسبى (1) .
[131] محمد بن عائذ، نبأنا الوليد، قال: لما ولي مروان بن محمد (2) ولَّى، يعني غزو البحر تركه بن يزيد العاملي، وَلّى من بعده معن بن سالم العاملي (3) ، ثم وَلّى مكانه حذيفة بن سعيد السلامي (4) ، ثم ولى من بعد الحارث بن سليمان العنسي (5) .
[العصر العباسي](6/373)
[132] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد: أدركت ولاية الأمين، وأمراء المؤمنين من آل رسول الله قد ائتموا بما مضى من سنة رسول الله، ومن بعده من ولاة الأمر في.. والصوائف، وتقوية المجاهدين، فكان من ذلك إغزاء أمير المؤمنين أبي العباس عبد الله بن علي (1) على ما.. جرد بها الناس إدراك مائة ألف أو يزيدون حتى افتتن عبد الله بن علي بعد وفاة أبي العباس (2) .
[133] محمد بن عائذ، أنا الوليد، عن أبي حريش الكناني (3) ، قال: كنا في سنة خمس يعني وثلاثين ومئة وعبد الله بن علي يومئذ بدابق على صائفة الناس، ومعه من أهل الشام وغيرهم نحو من مائة ألف، قال أبو الحريش: أظنه عام عمورية، قلنا: وما ذلك يا أبا حريش؟ قال: غزونا الصائفة مع عثمان ابن حيان في خلافة يزيد بن عبد الملك حتى نزلنا على عمورية، وأقام عليها ستة وثلاثين منجنيقاً، وجدّ في حصارها وقتالهم إذ خرج رجل منا من كنانة من أهل فلسطين إلى البراز، في دير الحبيش الذي دونها، فكلمه الحبيش، وقال له في ذلك قولاً أتانا به عنه، فذهبنا به إلى عثمان بن حيان، فأخبره بمقالته، فركب معه حتى وقف على الحبيش، وأمر صاحبنا أن نكلمه، فتقدم فكلمه، فقال: إني قد أخبرت أميرنا بمقالتك، وها هو ذا قد أحب أن يسمعه منك، قال الحبيش: أجل هو كما قلت لك: لا تقدرون على فتحها حتى يكون الذي بينكم رجل من أهل بيت نبيكم، وحتى يكون فيكم قوم شعورهم شعور النساء، ولباسهم لباس الرهبان، فيومئذ يفتحونها، فوالله لكأني أنظر إليهم يدخلونها من هذا الباب ويخرجون من ذاك. قال أبو الحريش: فعاد عثمان إلى منزله، وأمر بتحريق المجانيق، وأمر منادياً ينادي: يا أيها الناس أصبحوا على ظهر مغيرين إلى داخل أرض الروم، ففعل الناس فمضى، ثم قفل بنا (4) .(6/374)
[134] محمد، قال: فلما كان سنة ست وثلاثين ومائة أغزى أبو العباس جماعة من أهل الشام والجزيرة والموصل كما كانوا يغزون، وأغزى جماعة من أهل خراسان وأهل العراقين، وولى على جماعتهم عبد الله بن علي، وأمره بالإدراب، وولى أبا جعفر عبد الله بن محمد الموسم، معه أبو مسلم، فشخص عبد الله عن دابق حين نزل دلوك (1) يريد الإدراب، فتوفي أبو العباس يوم الأحد لاثني عشرة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة، وكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر، وعهد إلى أبي جعفر في مرضه، وعيسى بن محمد، وعيسى بن علي، ومن كان بالأنبار منهم، فرأوا كتمان عبد الله بن علي ذلك، ليتم إدرابه، وكتبوا إلى صالح بن علي - وهو بمصر - بولايته على عمله الأول، وعلى من كان يليه عبد الله بن علي من الشام، ويأمرونه بالمسير إلى ذلك، فمر الرسولُ بذلك إلى علي بن صالح بن علي بقريب له بحلب، فباح به إليه، واستكتمه إياه يوماً وليلة ومضى الرسول، فأخبر بذلك المُستكتَمُ عاملَ عبد الله بن علي على حلب، فكره أن يكتب بما لا ينفقه إلى عبد الله بن علي، فأرسل في طلب الرسول، فأدركه بقليل، فأخذ كتابه، فبعث به إلى عبد الله بن علي - وهو بدلوك - فقرأه، فجمع إليه الناس، ونعى أبا العباس، ودعا إلى نفسه، واستَشهد حميدَ بن قحطبة وأصحاباً له أن أبا العباس قد كان جعل له العهد في مسيره إلى مروان في الزاب إن هو هزمه، فشهدوا له بذلك، فبايعوه بالخلافة، وانصرف عن الإدراب، ومضى يريد العراق فمر بحران، وفيها موسى بن كعب عامل لأبي جعفر على من خلف بحران من ولده وأهل بيته وأمواله، فحاصرهم أربعين ليلة، وقدم أبو جعفر العراق فوجه إليه أبا مسلم في نحو من أربعين ألفاً، فقاتل عبد الله بن علي فاتحة سنة سبع وثلاثين ومائة وأشهر حتى هزمه الله، واجتمع الأمر لأبي جعفر في سنة سبع وثلاثين ومائة، فلم يكن للناس في تلك السنة صائفة، إلا أن أبا جعفر(6/375)
كتب إلى صالح ابن علي في ولايته الشام وما كان يليه من مصر، ويأمره بالمسير إلى مقدم الشام، فقدم فنزل دير سمعان وحلب وما يليها، فكان ذلك أمناً للبلاد في تلك السنة. ثم غزّا أبو جعفر سنة ثمان وثلاثين ومائة جماعةً من أهل الشام والجزيرة والموصل ومن كان مع صالح بن علي من جيوش أهل خراسان (1) .
[135] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: ثم لما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين أبي جعفر عبد الله بن محمد أغزى صالح بن علي (2) في سنة ثمان وثلاثين ومائة، في نحو من سبعين ألفا. ثم أغزى عبد الرحمن بن إبراهيم، والحسن بن قحطبة (3) في سنة تسع وثلاثين ومائة في سبعين ألفاً ملطية، وأمضى طائفة منهم إلى أرض الروم (4) .
[136] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: ثم لما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين أبي جعفر عبد الله بن محمد أغزى صالح بن علي، ثم أغزى عبد الوهاب بن إبراهيم، والحسن بن قحطبة، وكان من ذلك إغزاؤه العباس ابن محمد إلى حصار أهل كمخ في نحو من ستين ألفا (5) .(6/376)
[137] محمد بن عائذ، قال: قال الوليد بن مسلم: لما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين إلى أبي جعفر عبد الله بن محمد غزا صالح بن علي سنة ثمان وثلاثين ومائة في نحو من سبعين ألفاً.. قال ابن عائذ: واجتمع الأمر لأبي جعفر في سنة سبع وثلاثين ومائة فلم يكن للناس صائفة، إلا أن أبا جعفر كتب إلى صالح بن علي في ولايته على الشام وما كان يليه من مصر، ويأمره بالمسير إلى مقدم الشام، فقدم، فنزل دير سمعان (1) وحلب وما يليها، فكان ذلك أمناً للبلاد في تلك السنة. ثم أغزا أبو جعفر سنة ثمان وثلاثين ومائة جماعة من أهل الشام والجزيرة والموصل ومن كان مع صالح بن علي من جيوش أهل خراسان. وأغزا العباسَ بن محمد (2) في جماعة من أهل الشرق، واستعمل على جماعتهم صالح ابن علي، فولى صالح مقدمته عامر بن إسماعيل الجرجاني، وعلى الميمنة العباس ابن محمد، وعلى الميسرة عبد الله بن صالح، فأدربهم صالح حتى أتى دارتين (3) وما يليها. ثم فعل سنة تسع وثلاثين ولم يلق جيشاً، ولم يفتح مدينة، ولم يغنم غنائم مذكورة، فانصرف الناس في عافية. ثم أمر صالح بن علي بالمعسكر بدابق بمن معه من أهل خراسان في سنة اثنين [هكذا] وأربعين ومائة. ثم أغزا صالح بن علي في سنة ثلاث وأربعين ومائة بمن معه من أهل خراسان وبعثاً ضربه على أهل الشام ليس بالكثيف، وأمره أن يعسكر بهم بدابق، ففعل، ووجه هلال بن ضيغم السلامي - من أهل دمشق - في جماعة من أهل دمشق، فبنوا على جسر سيحان حصين أذنة (4) .
[138] وعن ابن عائذ، قال: ووجه يعني المنصور في تلك السنة - يعني سنة اثنتين وأربعين ومائة - عبد الوهاب بن إبراهيم (5) ، معه الحسن بن قحطبة في جماعة من أهل خراسان وأهل الشام والجزيرة والموصل، وأمرهما أن يبنيا ما خربته الروم من حائط لملطية، وإعادته علىماكان (6) .(6/377)
[139] قال أبو العباس الوليد: وقد سمعت من شهد ذلك اليوم - يعني يوم قاتل ابن أسيد الخزر - في ولاية بني العباس (1) ، قال: وركب ابن أسيد على بغلة له شهباء، وقد تعبأ الناس وتهيأوا ووطنوا أنفسهم على القتال، وأقبل ابن أسيد على الناس بوجهه، فوعظهم وحرضهم، وقال لهم في ما يقول: يا معشر المسلمين وأبناء المهاجرين والشهداء إن الله قد أنعم عليكم وأحسن إليكم أن رزقكم الله هذا الأجر، وساقكم إلى هذا الموضع، وجعلكم ممن يختم عمره بالشهادة في سبيله؛ التي يكفر بها ذنوبكم، ويدخلكم بها الجنة، ويزوجكم من الحور العين، وقابلوا الله في هذه المواطن بالحسنى، واستحيوا من الله أن يطلع من قلوبكم على ريبة أو خذلان أو فرار من الزحف، فإن الله مقبل عليكم بوجهه، وقد اطلعت عليكم الحور العين، وزخرفت الجنة، وأنتم أبناء الشهداء، ومن فتح الله بهم القلاع والمدائن والحصون وجزائر البحور، وليس موت بأكرم من القتل، فلا يحدثن إنسان نفسه أن تزول قدماه من مكانهما لفرار ولا هرب، فوالله لو فعل ذلك فاعل منكم ليخطفه أهل هذا الجبل وهذه الأمم ولكانوا أعدى العدو له، فاستودعوا دماءكم هذه البقعة فإنها بقعة طيبة ساقكم الله إليها وأكرمكم بها، واعلموا أنه آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، وإنما تقاتلون من لا يعرف الله ولا يوحده ومن يعبد الشمس والنار ويأكل الميتة، لا يعرف له رباً ناداً عن التوحيد وأهله، فلتصدق نيتكم، وليحسن ظنكم بثواب ربكم، وإنجاز موعده لكم، وقد استخلفت عليكم عبد الرحمن بن أسيد إن أصابتني مصيبة، ثم تقدم ابن أسيد إلى كل جند في الصف فكلمهم بهذا الكلام، ثم انصرف إلى الميسرة فكلمهم بمثل ذلك، ثم رجع إلى موضعه فنزل عن دابته، وذكر الحديث (2) .(6/378)
[140] قال ابن عائذ، نا الوليد، قال: غزوت قبرس سنة ست وأربعين ومائة مع العباس بن سفيان الخثعمي، فكان أول جيش من المسلمين غزوا قبرس في ولاية آل الرسول (1) .
[141] ابن عائذ، أخبرني عبد الأعلى بن مسهر، قال: كان على الصائفة سنة أربع وخمسين زفر بن عاصم، وفي سنة ست وخمسين ومائة زفر ابن عاصم (2) .
[142] محمد بن عائذ، حدثنا الوليد، قال: لما أفضى الأمر إلى المنصور عبدِ الله بن محمد ولى صالحَ بنَ علي على الشام، فوَلّى غازية البحر يونس بن الليث العبسي، ثم ولى المنصورُ العباسَ بن سفيان الخثعمي، فوليه حيناً ثم عزله، وولى مكانه عامرَ بن ربيعة السلمي، ثم ولى بعده الغمرَ بن العباس السكسكي، ثم ولى من بعده عبدَ الله بن الأسود المحاربي (3) .
[143] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: ثم ولى يعني المنصور عبد الله ابن الأسود المحاربي يعني غزاة البحر، ثم ولى جرير بن عبد الملك العبسي (4) .
[144] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: ثم ولى يعني المنصور من بعده - يعني صالح بن علي - إبراهيمَ بن صالح (5) جند دمشق والأردن والبحر، فولى البحر الوزير بن عبد الحميد النصري (6) ، ثم عزل إبراهيم، وولى ابن أبي عوف الكوفي، ثم ولى علي بن صالح الأردن والبحر (7) .
[145] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: ثم ولى يعني المنصور علي بن صالح الأردن والبحر، فولى البحر عبد الله بن سعد، ثم ولى حميد بن معيوف (8) .
[146] محمد بن عائذ، أخبرني عبد الأعلى بن مسهر، قال: كان على الصائفة في سنة ثلاث وخمسين معيوف بن يحيى (9) ، وفي سنة ثمان وخمسين ومائة معيوف بن يحيى المذكور (10) .
[147] نا ابن عائذ، أخبرني عبد الأعلى بن مسهر، قال: كان على الصائفة في سنة خمس وخمسين ومائة يزيد بن أسيد، وفي سنة سبع وخمسين ومائة يزيد بن أسيد (11) .(6/379)
[148] ابن عائذ، قال: واستخلف المهدي فولى الصائفة سنة تسع وخمسين ومائة العباس بن محمد، وفي سنة ستين ومائة ثمامة بن الوليد العبسي (1) .
[149] محمد بن عائذ، أخبرني عبد الأعلى بن مسهر: أن عبد الكبير بن عبد الحميد غزا الصائفة سنة أربع وستين ومائة في خلافة المهدي. قال ابن عائذ: فأخبرني الوليد بن مسلم أنه ولى عبد الكبير الصائفة على أربعين ألفاً من أهل الشام والجزيرة والموصل، فكان على أهل فلسطين محمد بن زيادة اللخمي، وعلى أهل الأردن عاصم بن محمد من أهل الأردن، وعلى أهل دمشق عاصم بن بحدل الكلبي، وعلى أهل حمص عبد الرحمن بن يزيد الكندي وذكر الحديث (2) .
[150] ابن عائذ، أخبرني الوليد بن مسلم أنه ولى عبد الكبير - يعني ابن عبد الحميد - الصائفةَ يعني في خلافة المهدي على أربعين ألفاً من أهل الشام والجزيرة والموصل، فكان على أهل فلسطين محمد بن زيادة اللخمي، وعلى أهل الأردن عاصم بن محمد من أهل الأردن، وعلى أهل دمشق عاصم بن بحدل الكلبي، وعلى أهل حمص عبد الرحمن بن يزيد الكندي، وعلى أهل قنسرين وعلى أهل الجزيرة ابن مدحرج الربعي، وعلى أهل الموصل ابن العراهم الأزدي من السحاج، وأنه نزل دابق وذكر الحديث بطوله (3) .
[151] أبو عبد الله ابن عائذ، قال: فذكر الوليد عمن أخبره: أن المهدي أمير المؤمنين ولى ابنه هارون الصائفة، وكان فيها من أهل الشام وأهل خراسان وأهل الكوفة والبصرة ومتطوعة أهل الحجاز واليمن مئتان وثمانية آلاف، فكان على أهل فلسطين محمد بن زيادة اللخمي، وعلى أهل الأردن عبد الملك بن الدهاث، وعلى أهل دمشق معيوف بن يحيى الحجوري، وعلى أهل حمص عيسى بن عمر الكندي، وذكر بعض الغزاة (4) .
[152] قال ابن عائذ: واستخلف موسى بن محمد، فغزا سنة تسع وستين ومائة معيوف بن يحيى (5) .(6/380)
[153] محمد بن عائذ، قال: أستخلف هارون بن محمد، فغزا في سنة إحدى وسبعين ابن الأصم، وفي سنة اثنتين وسبعين ومائة عبد الملك بن صالح (1) ، ولم يكن للناس صائفة حتى غزا القاسم بن هارون أمير المؤمنين سنة ثمان وثمانين ومائة (2)
[154] محمد بن عائذ، قال: ثم غزا أمير المؤمنين عبد الله بن هارون سنة خمس عشرة ومائتين (3) ؛ فافتتح قرة وحصوناً معها على صلح فأخرجهم منها وخربها، منها حربلة، ووجدهم قبل أن يتحصنوا، فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، ونزل على الحصن وخربه، وحصناً يقال له: لاما، فاستنزل أهله بالأمان على أنفسهم وأموالهم، وهدم الحصن وخربه، وحصناً يقال له: زلزلن، على مثل ذلك، فهدم الحصن وخربه، وحصناً يقال له: بروله، فتحصنوا وحاربوه، فرماهم بالمجانيق، فاستشهد جماعة من المسلمين، وقتل من الكفار عدة، ثم طلبوا الأمان، فأعطاهم، وهدم الحصن وخربه، وخلف بها عسكره، ثم مضى إلى حصن يقال له: فونة، فاستنزلهم بالأمان، ثم مضى إلى حصن يقال له: ولاقوس، فتحصنوا ورموا بالحجارة، ثم سألوا الأمان فأعطاهم، ثم هدمه وخربه. ثم غزا سنة سبع عشرة ومائتين، فحاصر لؤلؤة، ثم انصرف عنها وخلف عليها قائداً من قواده يقال له: عجيف، فأسروه، ثم خلي سبيله. ثم غزا في سنة ثمان عشرة ومائتين (4) ، فمات فيها بأرض الروم، سنة ثمان عشرة ومائتين، وكانت خلافته عشرين سنة، ومات ابن ثمان وأربعين سنة وشهرين أو ثلاثة (5) . هذا آخر ماتيسر جمعه من هذا الكتاب والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله تعالى وسلم على نبينا محمد وآله ومن تبعهم بإحسان.
الحواشي والتعليقات(6/381)
قال في لسان العرب: الصائفة الغزوة في الصيف، وقال: تشتى المكان أقام به في الشتوة، مادة (صيف) و (شتا) ، فالمقصود بالصوائف الغزوات التي كان يقوم بها المسلون في بلاد الروم في الربيع والصيف، والشواتي التي كانت تحدث في فصل الشتاء، لكن الغزو كان يتم غالباً في الصيف اتقاء الثلج والبرد، فكان يطلق عليها الصوائف، انظر المعجم الوسيط، مادة (صاف) . ويظهر لي من استقراء النصوص أن نظام الصوائف والشواتي بدأ يظهر منذ وقت مبكر بعد استقرار المسلمين في بلاد الشام وانسحاب الروم عنها في زمن الفاروق رضي الله تعالى عنه، حيث وقفت جبال طوروس حاجزاً طبيعياً بين الطرفين، وبدأت الحرب سجالاً بينهما على المناطق الحدودية والتخوم، فكان المسلمون كلما اجتازوا الدرب في تلك الجبال الذي عرف ب (درب الحرب) – وهو ما بين طرسوس وبلاد الروم – (المشترك وضعاً والمفترق صقعاً ص 177) ، أو غيره من الدروب، سميت تلك الغزوة بصائفة أو شاتية.
لم أعثر بعد البحث في فهارس الكتب والمخطوطات على أيِّ مؤلف في هذا الموضوع، لكن قرأت في فهرست ابن النديم ص 146، وفي تاريخ دمشق 12/81 و 34/334، و 56/372 أن للواقدي كتاباً اسمه (الصوائف) ، ولا يعرف عنه الآن شيء.
احتوت تلك الدراسة على: ترجمته، تحصيله العلمي، شيوخه، توثيقه، عقيدته، أخلاقه، وفاته، ثقافته ومصنفاته التاريخية، موارده، تلامذته والرواة عنه، أهمية كتبه ومنهجه فيها، اقتباس المتأخرين عنه في المرويات التاريخية.
إن جميع التواريخ المدونة في هذا البحث بالتاريخ الهجري، ولذا فلن أتبعه بحرف الهاء الذي يدل عليه.(6/382)
الوليد بن مسلم أكثر شيوخ ابن عائذ التصاقاً به ومعظم مرويات ابن عائذ التاريخية جاءت عن طريقه، وهو عالم أهل الشام في وقته في المغازي والسير، موصوف بالتدليس في الحديث مع الصدق، توفي سنة 195 منصرفه من الحج. انظر عنه التاريخ الكبير 8/215، والجرح والتعديل 9/16، وثقات ابن حبان 9/222، وتاريخ دمشق 63/274، وتهذيب الكمال 31/86، والكاشف 2/355.
أحمد بن إبراهيم البسري، من أخص تلامذة ابن عائذ به وأكثرهم رواية عنه ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 1/252، وانظر تاريخ دمشق 53/289، وسير أعلام النبلاء 11/105، والكاشف 1/89
مصادر هذه المعلومات مذكورة بالتفصيل في البحث الآخر الذي وردت فيه ترجمته مفصلة، ولا أريد تكرارها هنا، ولكن انظر على سبيل المثال: تاريخ دمشق 53/288-294، وتهذيب الكمال 25/427، وسير أعلام النبلاء 11/104-107
انظر مثلاً: تاريخ خليفة ص 226، وص 261
تاريخ دمشق 10/354
المصدر السابق 50/173-174
المصدر السابق 65/117
انظر المصدر السابق 11/297، و 56/347، و 65/53
المصدر السابق انظر مثلاً 20/144، و 33/402
المصدر السابق 32/9، و 66/9، 159، و 67/158
انظر عنه: الجرح والتعديل 2/410، وتاريخ دمشق 10/363-365
انظر: تاريخ دمشق 10/354 وما بعدها، والوافي بالوفيات 10/182
انظر: تهذيب الكمال 1/252 وما بعدها، وسير أعلام النبلاء 11/105
انظر: تاريخ دمشق 43/286 وما بعدها
انظر المصدر السابق 35/101 وما بعدها، وسير أعلام النبلاء 17/366
انظر عنه: تاريخ دمشق 36/262 وما بعدها، وسير أعلام النبلاء 18/248
لم أجد في تاريخ ابن عساكر المطبوع ترجمة له مع كثرة نقله عنه، انظر: سير أعلام النبلاء 19/576 وما بعدها، وشذرات الذهب 4/73
انظر عنه: تاريخ دمشق 41/244 وما بعدها وسير أعلام النبلاء 19/358
انظر عنه: المنتظم 18/224، والبداية والنهاية 12/294، وطبقات الشافعية 2/13 وما بعدها(6/383)
تاريخ دمشق 26/252.
انظر على سبيل المثال تاريخ دمشق 29/427.
تهذيب التهذيب 11/133
الأمثلة على ذلك في تاريخ دمشق كثيرة جداً منها 11/44، 12/113، 21/217، 22/242، 40/27،144، 46/446 50/337، 57/324، 66/159، 68/231.
انظر على سبيل المثال تاريخ دمشق 19/42، 53/48، عبد الأعلى بن مسهر شيخ الشام في وقته، متفق على توثيقه، روى له الجماعة، توفي سنة 218. انظر عنه ثقات العجلي ص 285، وتاريخ دمشق 33/421، وتهذيب الكمال 16/369.
انظر مثلاً تاريخ دمشق 56/474، 59/443، إسماعيل بن عياش قدم بغداد في زمن أبي جعفر المنصور وحدث بها حديثاً كثيراً، وهو صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم. انظر: تاريخ دمشق 39/481، وتهذيب الكمال 3/163
تاريخ دمشق 56/473، 477، محمد بن شعيب أحد الكبار، كان يسكن بيروت، من الأثبات في الأوزاعي، ثقة، مات في حدود سنة 200. انظر عنه التاريخ الكبير 1/113، وثقات ابن حبان 9/50، وتاريخ دمشق 53/245، وتهذيب التهذيب 9/167.
تاريخ خليفة ص 220، مروان بن محمد قال عنه أحمد بن حنبل: كان يذهب مذهب أهل العلم، ثقة، مات سنة 210. انظر عنه الجرح والتعديل 8/275، وتاريخ دمشق 25/166، 32/120، 40/531،45/212،53/288، وتهذيب الكمال 27/398.
تاريخ دمشق 32/9، سليمان بن عبد الحميد كان ممن يحفظ الحديث ويتنصب، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه: صديق أبي وسمعت منه بحمص، وهو صدوق، وقال النسائي: كذاب ليس بثقة ولا مأمون، مات سنة 274. انظر ترجمته في ثقات ابن حبان 8/281، وتاريخ دمشق 22/342، وتهذيب التهذيب 4/205.
تاريخ دمشق 68/225، الهيثم بن حميد من أعلم الناس بقول مكحول، قال عنه أبو داود: قدري ثقة. انظر عنه: التاريخ الكبير 8/215، والجرح والتعديل 9/82، وتهذيب الكمال 30/370، والكاشف 2/344.(6/384)
تاريخ خليفة ص 220، محمد بن عمر أحد الأعلام، مدني سكن بغداد، ورحل إلى دمشق، ضعيف كذاب متروك الحديث عند أهل الحديث، انظر عنه: الكامل في ضعفاء الرجال 6/241، وتاريخ دمشق 54/432، وتهذيب التهذيب 9/323
تاريخ دمشق 33/301-302.
إلا في حالات نادرة جداً، كما في حاشية رقم 14.
ساعد على ذلك - بعد توفيق الله تعالى – وجود معظم تلك الكتب على اسطوانات ممغنطة، تسهل مراجعتها واستعراض ما بداخلها بواسطة جهاز الحاسب.
هذا الاسم علم على عدة مواضع، والمعْنِيُّ هنا (درب الحرب) وهومابين طرسوس وبلاد الروم. المشترك وضعاً والمفترق صقعاً ص 177
عمير بن سعد صحابي،استعمله عمرعلى حمص،ثم عزل لما جمع عثمان الشام لمعاوية، انظر عنه سير أعلام النبلاء 2/103-105
تاريخ دمشق 46/487، وقارن بمعجم البلدان 4/404، وميسرة بن مسروق العبسي، صحابي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد حجة الوداع كان ذا صلاح وبلاء في الجهاد في بلاد الشام، انظر عنه الإصابة 6/238
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، أبو عتبة الشامي الداراني، ثقة. تقريب التهذيب ص 604.
يقع ناحية أنطاكية والمصيصة، انظر غزوات ابن حبيش 1/187، وقد ذكر ياقوت الحموي أسماء أربعة عشر مرجاً، ولم يذكرهذا منها، المشترك وضعاً..ص 393، وما لم يعرف في هذا البحث من المروج فهو غير مذكور ضمنها، ولم أجد له تعريفاً.
تاريخ دمشق 61/320
هشام بن حسان القردوسي، أبو عبد الله، ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين. تقريب التهذيب ص 1020.
محمد بن سيرين، أبو بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت عابد كبير، مات سنة 110. تقريب التهذيب ص 853.
البُرْنُس: كل ثوب رأسه منه ملتزق به، لسان العرب مادة (برنس)
العِمامة: ما يلف على الرأس، تاج العروس، مادة (عمم)(6/385)
الكُمَّة: القلنسوة المدورة وهي التي تلبس في الرأس، تاج العروس، مادتا (قلس) و (كمم) ، ويبدو أنها تكون تحت العمامة.
مفردها جُمَّة: وهي مجتمع شعر الرأس، لسان العرب، مادة (جمم)
والمقصود أن عمر رضي الله عنه كان يظنهم من الخوارج لوجود بعض صفاتهم التي يعرفها عمر جيداً، لأنه كان شاهداً يوم ذكر رسول الله (بعض صفاتهم في أحد مجالسه (فتح الباري 12/160 وانظر 8/67) ، لكن أصحاب عمير ليسوا بهم، وكان عمير يدرك قصد عمر.
قُبَاقب: اسم نهر بالثغر يدفع في الفرات قرب ملطين، معجم البلدان 4/303
تاريخ دمشق 46/488-489
سعيد بن عبد العزيز التنوخي، أبو محمد الدمشقي، ثقة دين إمام، لكنه اختلط في آخر أمره. مات سنة 167. تهذيب التهذيب 4/59 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 383.
حبيب بن مسلمة الفهري، قال البخاري: له صحبة، كان كثير الجهاد في بلاد الروم ذا نكاية بهم، توفي سنة 42 في أرمينية وهو وال عليها لمعاوية. انظر عنه: سير أعلام النبلاء 3/188-189، والإصابة 2/25.
تاريخ دمشق 12/73
سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة الشامي، ضعيف،مات سنة 68. تقريب التهذيب ص 374.
قتادة بن دعامة السدوسي، أبو الخطاب البصري، ثقة ثبت. تهذيب التهذيب 8/351 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 798
عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي، ثقة. تهذيب التهذيب 7/258وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 687
أي أصحاب الكهف، واختلف في اسم مدينتهم، لكن ياقوت يذكر أنها بين عمورية ونيقية. معجم البلدان 3/61.
تاريخ دمشق 41/75
هو مولى حبيب بن مسلمة، لم أجد له ترجمة
المصدر السابق 12/74
المصدر السابق 12/74(6/386)
إرْمِيْنيَة (بكسر أوله ويفتح) بدون تخصيص اسم لإقليم واسع غرب بحر الخزر افتتحه حبيب الفهري بأمر عثمان رضي الله تعالى عنهما، انظر: فتوح البلدان 2/200، ومعجم البلدان 1/159 وما بعدها. أما إرمينية الرابعة فتطلق على عدد من المدن منها: شمشاط، قاليقلا، خلاط، أراجيش، باجنيس، وقيل هي شمشاط وحدها. فتوح البلدان2/188، 2/197.
تاريخ دمشق 12/74-75
عثمان بن حصن، أبو عبد الله الدمشقي، مولى قريش، ثقة. تهذيب التهذيب 7/110، وتقريب التهذيب ص 661
يزيد بن عبيدة بن أبي المهاجر السكوني الدمشقي، من شيوخ دمشق، صدوق. تهذيب التهذيب 11/350، وتقريب التهذيب ص 1080
تاريخ دمشق 46/57، وأبو الأعور هو عمرو بن سفيان بن عبدشمس بن سعد، يقال إن له صحبة، كان أمير جيش الشام في غزوة عمورية سنة 23، انظر عنه: الإصابة 4/641
صخر بن جندلة أو جندل، أبو المعلى الشامي البيروتي، ليس به بأس، من ثقات أهل الشام. تاريخ دمشق 23/418 وما بعدها
يونس بن ميسرة بن حلبس، ثقة عابد معمر، قتلته المسودة سنة 132، تهذيب التهذيب 11/448وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 1099
حدير السلمي مولاهم، أبو فوزة أو فروة، يقال إن له صحبة، أو هو في الطبقة التي تلي الصحابة من التابعين. تاريخ دمشق 21/239 وما بعدها
كعب بن ماتع الحميري، أبو إسحاق،كان في اليمن على دين اليهود، فأسلم وقدم المدينة في خلا فة عمر، كان ذا علم غزير وصدق، مات سنة 32 أو34، انظر عنه الإصابة 5/647 وما بعدها.
حَرسْتا: قرية كبيرة عامرة وسط بساتين غوطة دمشق إلى الشمال منها على طريق
حمص. معجم البلدان 2/241.
دِمَشق: المدينة المعروفة، قصبة بلاد الشام، المبنية منذ القدم للتفصيل عنها انظر: معجم البلدان 3/463 وما بعدها.
دَوْمَة: من قرى غوطة دمشق أبعد عنها من حرستا. المشتر ك وضعاً والمفترق صقعاً ص 187.(6/387)
معلولا: إقليم من نواحي دمشق له قرى، معجم البلدان 5/158
بلد مشهور في بلاد الشام بين دمشق وحلب في منتصف الطريق بينهما. معجم البلدان 2/302
تاريخ دمشق 12/241-242،وفي 50/174 عن يزيد بن محمد عن ابن عائذ به.
مبشر بن إسماعيل الحلبي، أبو إسماعيل الكلبي مولاهم، صدوق. تهذيب التهذيب 10/31، وتقريب التهذيب ص 919
جعفر بن برقان الكلابي، أبو عبد الله الرقي، صدوق يهم في حديث الزهري، قيل كان مجاب الدعوة. تهذيب التهذيب 2/85وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 198
أبو عبد الله حرسي عمر بن عبد العزيز، ذكره في تاريخ دمشق 67/38 وما بعدها، ولم يذكر شيئاً عن توثيقه
تاريخ دمشق 67/39
معاوية بن يحييى، أبو مطيع الطرابلسي، أصله من دمشق، صدوق له أوهام. تهذيب التهذيب 10/220وما بعدها، وتقريب التهذيب 957
أو أَطْرَابُلس مدينة مشهورة على ساحل بحر الشام بين عكا وأنطاكية. انظر: المشترك وضعاً.. ص 25.
سفيان الثمالي، له صحبة، وحج حجة الوداع مع الرسول صلى الله تعالى عليه
وسلم، انظر عنه: تاريخ دسشق 21/352.
بَعْلَبَك مدينة قديمة ذات آثار وقصور شمال دمشق، معجم البلدان 1/435.
بلد على ساحل الشام، بين حيفا وصور. انظر معجم البلدان 4/143 وما بعدها.
جزيرة في بحر الروم مقابل ساحل الشام، فتحها معاوية في زمن عثمان رضي الله
عنهما. معجم البلدان 4/305.
تاريخ دمشق 21/356.
شيخ الوليد بن مسلم هذا لم أجد له ترجمة، ولم أهتد إلى تحقيق اسم والده الذي ورد بهذه الصور: ذعلبة، ذعلية، ذعبلة، دعلبة، عكنة، دعكنة، عطية.
بسر بن أبي أرطأة العامري القرشي، أبوعبد الرحمن، يقال إن له صحبة، من الولاة والقادة الفاتكين في زمن معاوية رضي الله عنه، تولى البحر وغزو الروم. انظر عنه تاريخ دمشق 10/144 وما بعدها.
تاريخ دمشق 27/231- و10/148 وقال بدل (بالحمة) (بالجمد) ، وقارن مع تاريخ خليفة ص 191، وتاريخ الطبري 5/212.(6/388)
في سائر الروايات زيد.
تاريخ دمشق 34/329، وقارن بتاريخ خليفة ص 192، وتاريخ الطبري 5/226، وعبد الرحمن بن خالد المخزومي، أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان مع أبيه يوم اليرموك، وسكن حمص، غزا الروم مغازي كثيرة،وكان شريفاً ممدحاً، مات سنة 46 على الراجح. انظر أخباره في تاريخ دمشق 34/324 وما بعدها.
تاريخ دمشق 34/329-330
ذكره ابن عساكر في 16/210-211 تحت ترجمة أبي كلثم الدوسي، وذكر أنه من أهل دمشق، ثم ساق أخباره.
تاريخ دمشق 16/211، و 67/58،وقارن بتاريخ خليفة ص 193-194، وتاريخ الطبري 5/227، 229.وأبو عبد الرحمن القيني شهد فتوح الشام، وكان يقال له ذو الشوكة، ولاه معاوية غزو الروم فغزا أنطاكية من سنة 45-48. انظر عنه: الإصابة 7/263
مالك بن هبيرة السكوني، قال البخاري له صحبة، مات في زمن معاوية. انظر عنه: الإصابة 5/756.وقارن مع الطبري 5/229
تاريخ دمشق 56/515
صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي،أبو عمرو الحمصي، ثقة، شارك في أحد البعوث في عهد عبد الملك بن مروان سنة 94. تهذيب التهذيب 428 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 454
المحرقات أو الحراقات: سفن فيها مرامي نيران يرمى بها العدو، القاموس المحيط مادة
(حرقه)
تاريخ دمشق 32/119.
سفيان بن عوف الأزدي الغامدي، أمير الصوائف، توفي مرابطاً بأرض الروم سنة 52، الصفدي، الوافي بالوفيات 15/283
تاريخ دمشق 21/350، وانظر كتاب الفتن، لنعيم بن حماد 2/503
عبد الله بن لهيعة بن عقبة، أبو عبد الرحمن المصري، صدوق خلط بعد احتراق كتبه، مات سنة 174، وقد ناف على 80سنة. تهذيب التهذيب 5/373 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 538
الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري، إمام مشهور فقيه ثقة ثبت،مات سنة 275. تهذيب التهذيب 8/459 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 817(6/389)
هو يزيد بن أبي حبيب، واسمه سويد، الأزدي مولاهم، أبو رجاء المصري، ثقة فقيه، كان يرسل، توفي سنة 128، التاريخ الكبير 4/2/336، تهذيب التهذيب 11/318، وتقريب التهذيب ص 1073
اسمه أسلم، أبو عمران التجيبي المصري، روى عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله
عنه، وشارك في غزو القسطنطينية الأول في عهد معاوية رضي الله عنه. تاريخ دمشق 16/33 وما بعدها
صحابي، شهد فتوح الشام ومصر، وتوفي بها سنة 58، انظر ترجمته مفصلة لدى ابن عساكر 40/486.
انظر تاريخ دمشق 34/329، ولكن القول بأن عبد الرحمن على الجماعة غير دقيق، لأن عبد الرحمن كان قد توفي سنة 46 أو 47 هـ، المصدر السابق نفسه 34/334.
هو عمر بن سعد بن عبيد الحفري، أبو داود، ثقة عابد، مات في الكوفة سنة 203. تهذيب التهذيب 7/452 وما بعدها
يونس بن الحارث الثقفي، نزيل الكوفة، ضعيف. تهذيب التهذيب 11/436 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 1098
لعله مشرس الجرشي، أبو زيد، انظر التاريخ الكبير 4/2/65، وثقات ابن حبان 7/526
تاريخ دمشق 66/292
المصدر السابق 16/62
سليمان بن مهران الأسدي مولاهم، أبو محمد الكوفي، ثقة حافظ عارف بالقراءة
ورع، لكنه يدلس، مات سنة 148، تهذيب التهذيب 4/222، وتقريب التهذيب 414
حصين بن جندب بن الحارث الجنبي، أبو ظبيان الكوفي، ثقة، مات سنة 90، تهذيب التهذيب 2/379،وتقريب التهذيب ص 253
أبو سعيد هو مولى لمحمد بن عمر المعيطي الأموي، شارك في غزو القسطنطينية وحصارها الأول والثاني. تاريخ دمشق 66/267-268.
المصدر السابق 16/62
المصدر السابق 59/158-159(6/390)
المصدر السابق 33/229، وعبد الله بن مكرز بن الأخيف القرشي العامري، قائد من الغزاة البحريين، انظر عنه تاريخ دمشق 33/228 وما بعدها، وقارن بتاريخ خليفة ص 196 وتاريخ الطبري 5/234، أما القسطنطينينة فهي دار ملك الروم بناها قسطنطين الكبير أحد ملوكهم فسميت به، فصل عنها ياقوت في معجم البلدان 4/347-348
عبد الله بن ثوب، من اهل اليمن، ثقة عابد،كان يغزو كثيراً في بلاد الروم، مات في ملك يزيد بن معاوية على الراجح. سير أعلام النبلاء 4/7 وما بعدها، والبداية والنهاية 6/267-268، وتقريب التهذيب ص 1205.
تاريخ دمشق 27/230-231، و10/148، وقارن مع تاريخ خليفة ص 205 ومع الطبري 5/253
تاريخ دمشق 48/300، قارن مع تاريخ خليفة ص 205.وفضالة بن عبيد الأنصاري من أصحاب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم الذين بايعوا تحت الشجرة، ولاه معاوية غزاة البحر، ثم ولاه القضاء دمشق، انظر عنه: تاريخ دمشق 48/290 وما بعدها.
تاريخ دمشق 35/50، وذكر خليفة بن خياط ذلك سنة 53، تاريخ خليفة
ص 193، وكذا الطبري 5/288. وعبد الرحمن هو ابن عبد الله بن عثمان الثقفي والدته أم الحكم بنت أبي سفيان، اشتهر بالنسبة إليها، استعمله خاله معاوية،ومروان بن الحكم، وعبد الملك، ومات في خلافة هذا الأخير. انظر عنه: تاريخ خليفة
ص 263، والبدابة والنهاية8/242، والإصابة 8/192.
تاريخ دمشق 62/221
المصدر السابق 33/229 وقارن بتاريخ خليفة ص206، وتاريخ الطبري 5/288.
يحيى بن يزيد الجزري، أبو شيبة الرهاوي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه ابن حجر: مقبول. الثقات 7/613 ووتقريب التهذيب ص 1070
زيد بن أبي أنيسة الكوفي، سكن الرها، ثقة، مات سنة 124 وهو ابن 36 سنة. التاريخ الكبير 2/1/388، وتهذيب التهذيب 3/397 وتقريب التهذيب ص 350(6/391)
وفد على النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وجده، شهد فتح دمشق، وقتل في مرج راهط مع الضحاك بن قيس سنة 64، انظر عنه الإصابة 6/192.
تاريخ دمشق 59/443
المصدر السابق 21/351،وقارن بتاريخ خليفة ص 211، وتاريخ الطبري 5/293
كان من أهل الفروسية والنجدة والعفاف وسياسة الحرب من رجال سفيان بن عوف الأزدي، وخلفه على جيشه بعد موته، انظر عنه: تاريخ دمشق 33/50 و 21/351.
المصدر السابق 35/403، وقارن بتاريخ خليفة ص 212، وتاريخ الطبري 5/299
تاريخ دمشق 35/403.
عبد الله بن قرط الأزدي الثمالي، صحابي تولى إمارة حمص لعمر بن الخطاب، ثم لمعاوية، وقتل بأرض الروم سنة 56، انظر عنه: تاريخ خليفة ص 129، والآحاد والمثاني 3/42، تهذيب التهذيب 5/116، والإصابة 7/77.
تاريخ دمشق 1/273.
يوسف بن الحجاج الحنفي، ذكره ابن حبان في الثقات. التاريخ الكبير 4/2/385 والثقات 7/637
بانياس مدينة على ساحل الشام بين طرطوس واللاذقية، ومَرَقِيَّة قلعة حصينة في سواحل حمص كانت خربة فجددها معاوية رضي الله عنه ورتب فيا الجند وأقطعهم انظر: معجم البلدان 5/109
تاريخ دمشق 32/9-10، وقارن مع معجم البلدان 1/374
كذا، والصحيح: علاق.
تاريخ دمشق 65/230، لكن ابن خياط ص 213، والطبري 5/308 يذكران في سنة 57 عبد الله بن قيس. أما يزيد بن شجرة فهو أبو شجرة الرهاوي، يقال: إن له صحبة، وكان يلي بعض الجيوش في قتال الروم، مات سنة 58 غازياً. انظر تاريخ دمشق 65/220 وما بعدها.
مالك بن عبد الله قيل: إن له صحبة، وهو المعروف بمالك السرايا، كان كثير الغزو، قاد الصوائف أربعين سنة. انظر عنه تاريخ دمشق 56/466 وما بعدها.
منير بن الزبير الشامي، أبو ذر الأردني ويقال الأزدي، ضعيف. تهذيب التهذيب10/321، وتقريب التهذيب ص 974(6/392)
الصحيح عبادة بن نُسَي، الكندي، أبو عمرو الشامي، قاضي طبرية، ثقة فاضل، مات سنة 118 وهو شاب. ثقات ابن حبان 7/102، وتهذيب التهذيب 5/113 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 485
تاريخ دمشق 56/472-473، وقارن بتاريخ خليفة ص 212-213، وتاريخ الطبري 5/301،308
عمرو بن مرة الجهني ويقال الأسدي والأزدي والمهري، صحابي وفد على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يعد من أهل دمشق، مات بالشام في خلافة عبد الملك، انظر عنه تاريخ دمشق 46/337 ومابعدها.
جاء هذا الاسم مرة بهذا الشكل، ومرة المندرون، تاريخ دمشق 14/385، ولم أجدهما في المعاجم، لكن قال صاحب العيون والحدائق: توفي المأمون وهو بالبَدَنْدُون؛ نهر في بلاد الروم، ص 377، وقال ياقوت تحت اسم بَذَنْدوْن: قرية قريبة من بلاد الثغر بها مات المأمون سنة 218 ونقل إلى طرسوس. معجم البلدان 1/361-362، فلعلها هي المقصودة هنا، وقد جاءت بهذا الرسم الأخير في نسخة تاريخ خليفة التي حققها د. مصطفى فواز وزميلته (دار الكتب العلمية، بيروت 1415) ص 139.
تاريخ خليفة ابن خياط ص 214، وانظر ابن عساكر 14/385، و 46/348، وقارن بالطبري 5/309. والحصين بن نمير الكندي السكوني، من أهل حمص، كان على الجيش الذي أرسله يزيد لابن الزبير بمكة فحاصرها،وضرب الكعبة بالمنجنيق، قتل سنة 60.انظر ترجمته عند ابن عساكر، تاريخ دمشق 14/382 وما بعدها.
تاريخ خليفة ص216، تاريخ دمشق 11/298 وقارن بتاريخ الطبري 5/315، وجنادة بن كبير الأزدي شهد فتح مصر، وكان أميراً على البحر لمعاوية، موصوفاً بالشجاعة والخير، توفي بالشام سنة ست وثمانين، وقد قارب الثمانين، انظر عنه: تاريخ دمشق 11/292 وما بعدها، والبداية والنهاية 9/26
مسلم بن زياد الحمصي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: مقبول، ثقات ابن حبان 5/400، وتهذيب التهذيب 10/130، وتقريب التهذيب ص 938(6/393)
جنادة بن أبي أمية الأزدي، أبو عبد الله الشامي، قال ابن حجر: هما اثنان؛ صحابي وتابعي متفقان في الاسم والكنية، ويظهر أن المعنيّ هنا هو التابعي، كان ثقة صاحب غزو، مات سنة 86، طبقات ابن سعد 7/439، وتهذيب التهذيب 2 /315 وتقريب التهذيب ص203
تاريخ دمشق 11/297
قال عنه ابن عساكر: أظنه بيروتياً، حكى عن محمد بن شعيب، تاريخ دمشق 62/18
أمير من أمراء البحر المشهورين في زمن معاوية،غزا فيه حوالي خمسين غزوة لم ينكب فيها ولم يغرق أحد من جيشه. انظر عنه: تاريخ دمشق 32/118 وما بعدها.
بالمصدر السابق 56/473-474
عطية بن قيس الكلابي، أبو يحيى الشامي، غزا مع أبي أيوب الأنصاري، ثقة مقرئ، مات سنة 110، تهذيب التهذيب 7/228، وتقريب التهذيب ص 681
المصدر السابق 56/ 474
لم يذكر ابن عساكر عقبة هذا من ضمن شيوخ عبد الأعلى مع استيعابه لهم، تاريخ دمشق 33/421
عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الشامي الأوزاعي، كان ثقة مأموناً صدوقاً فاضلاً خيراً كثير الحديث والعلم والفقه، مات مرابطاً في بيروت سنة 158، التاريخ الكبير 3/1/326، وتهذيب التهذيب 6/238 وما بعدها
صحة اللقب: السَّيْبَاني وليس الشيباني، أبو زرعة الحمصي، ابن عم الأوزاعي، شهد غزاة القسطنطينية مع مسلمة، روايته عن الصحابة مرسلة، مات سنة 150، تهذيب التهذيب 11/260 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 1063
تاريخ دمشق 56/474-475
المصدر السابق 56/ 475
المصدر السابق 56/477
لعله سعيد بن حنظلة العائذي، ذكره في التاريخ الكبير 2/1/166، والجرح والتعديل 5/14
عمرو بن معاوية بن المنتفق العقيلي، كان مواسياً لأصحابه، ولاه عثمان أرمينية واستعمله معاوية على الصائفة. انظر عنه تاريخ دمشق 46/361 وما بعدها.
تاريخ خليفة ص 219،وتاريخ دمشق 46/362.(6/394)
الرّمَك: الرمكة هي الفرس والبرذونة التي تتخذ للنسل، مُعرّب، وقيل هي أنثى البراذين. لسان العرب، مادة (رمك) .
تاريخ خليفة ص 219-220، وتاريخ دمشق 46/362
رشدين بن سعد بن مفلح، أبو الحجاج المهري، ضعيف، كان صالحاً في دينه فغلبت عليه غفلة الصالحين فخلط في الحديث، مات سنة 288، التاريخ الكبير 2/1/337، وتقريب التهذيب ص 326
الحسن بن ثوبان بن عامر الهوزني، أبو ثوبان المصري، ولي على ثغر رشيد، صدوق فاضل، مات سنة 145، التاريخ الكبير 1/2/287 وما بعدها، وتهذيب التهذيب 2/259
هو ابن أبي حبيب الأزدي
تاريخ خليفة ص 220
في تاريخ ابن عساكر بدل منقبة: سِقلّية، وبدل مائة دينار: مائتا دينار 32/120
تاريخ خليفة ص 220
المصدر السابق ص 220
المصدر السابق ص 221
يحيى بن حمزة من أهل بيت لهيا، ولاه المنصور القضاء، كان ثقة وكان يرمى بالقدر، مات سنة 183. انظر عنه: تاريخ دمشق 64/125، وتهذيب الكمال 31/ 278، والكاشف 2/364
يزيد بن أسد البجلي القسري، له صحبة، كان مع معاوية، وغزا في عهد يزيد. انظر عنه تاريخ دمشق 65/100 وما بعدها.
قَيْسَارِيَّة علم على موضعين مذكورين في هذا البحث أحدهما هذا وهي مدينة في وسط بلاد الروم وتسمى قيصرية، زارها الرحالة ابن بطوطة ووصفها. والأخرى قيسارية فلسطين وهي على ساحل بحر الشام. انظر: المشترك وضعاً.. ص 364-365، ورحلة ابن بطوطة 1/324.
تاريخ دمشق 65/106
تاريخ خليفة ص226، وقارن مع ص 225 والطبري 5/322، وقُوْنِية مدينة كبيرة في بلاد الروم شمال جبال طوروس، دخلها ابن بطوطة في رحلته ووصفها، انظر: معجم البلدان 4/303، 4/415، ورحلة ابن بطوطة 1/322
تاريخ خليفة ص 261
المصدر السابق ص 262-263(6/395)
الجراجمة أصلهم نصارى من مدينة على جبل اللكام بين بياس وبوقا يقال لها الجرجومة في لبنان، وكان المسلمون قد تركوهم وقت الفتح على أن يكونوا أعواناً لهم، لكنهم كانوا كثيري الغدر، فأخرب مدينتهم مسلمة بن عبد الملك في سنة 89 فتفرقوا. انظر عنهم: فتوح البلدان 2/163 وما يليها.
سَنِيْر جبل بين حمص وبعلبك على رأسه قلعة سنير، معجم البلدان 3/269
يقع بالقرب من دمشق على تل مشرف على مزارع الزعفران مبني بالجص، معجم البلدان 2/533
تاريخ دمشق 20/145-146.
عمر بن محمد الأشجعي الغطفاني، ولد بحمص، وكان في جيش يزيد لأهل الحرة، وولي بعض الصوائف في عهد عبد الملك. تاريخ دمشق 46/327.
تاريخ دمشق 46/329 وقارن بتاريخ خليفة ص 273، هرقلة مدينة في بلاد الروم إلى الغرب من الطوانة، معجم البلدان 5/398
تاريخ دمشق 63/170وقارن بتاريخ خليفة ص 275، وتاريخ الطبري 6/318
تاريخ دمشق 64/122 وقارن بتاريخ خليفة ص275، وتاريخ الطبري 6/321، ويحيى بن الحكم بن أبي العاص أخو مروان بن الحكم، سكن دمشق، ولاه ابن أخيه عبد الملك المدينة ثم حمص. انظر عنه: تاريخ دمشق 64/119 وما بعدها أما مَرْج الشحم فهو ببلاد الروم قرب عمورية، معجم البلدان 3/328
تاريخ دمشق 38/117، وقارن بالمشترك وضعاً.. حيث قال عن حصن سنان: في بلاد الروم من فتوح عبد الله بن عبد الملك بن مروان ص 136. أما عبيد الله المذكور هنا فهو ابن مروان بن الحكم أخو عبد الملك، له ذكر ورواية وغزو، انظر عنه: تاريخ دمشق 38/115 وما بعدها
ابن الحكم أمير أموي من الشجعان الأبطال في الحروب مع الروم والخزر، توفي سنة 101. انظر عنه: تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات101-120) ص 254، وسير أعلام النبلاء 5/148
انظر تاريخ خليفة ص 268، وفي معجم البلدان لياقوت 1/ 260 (أندرين) قرية من قرى الجزيرة.(6/396)
في تاريخ خليفة ص 268-269: كتب إلي بكار عن محمد بن عائذ قال في سنة خمس وسبعين غزا محمد بن مروان الصائفة، وخرجت الروم إلى الأعماق في جمادى الأولى فلقيهم أبان بن الوليد بن عقبة بن ابي معيط ودينار بن دينار فهزمهم الله
قارن بتاريخ خليفة ص 290وَ 292، وتاريخ الطبري 5/385، وعبد الله بن
عبد الملك بن مروان ولي الغزو وبنى المصيصة، وولي أمرة مصر بعد عمه عبد العزيز، مات في حدود المائة وترك ذهباً كثيراً. انظر عنه: الوافي بالوفيات 17/300
تاريخ دمشق 55/241، وقارن بتاريخ خليفة ص 293، 304، وتاريخ الطبري 6/426، 429
الليث بن تميم الفارسي من مشيخة ساحل دمشق، ومن غزاة البحور، روى عنه الوليد ابن مسلم روايات كثيرة عن مغازيه التي شارك فيها؛ في القسطنطينية وغيرها، انظر عنه: تاريخ دمشق 50/337 وما بعدها.
وجه الحجر: عقبة قرب جبيل على ساحل بحر الشام، معجم البلدان 5/363
أبو العلاء، أمير الساحل،وولي سجستان للحجاج، وكان من رجال أهل الشام في سياسة الجنود ومشاهد الحروب. انظر عنه: تاريخ دمشق 34/401 وما بعدها.
سعيد بن عمرو الحرشي من الولاة والقادة الشجعان من أهل الشام، له حروب مع الخزر بعد قتل الجراح الحكمي. انظر عنه: الوافي بالوفيات 15/248.
تاريخ دمشق 34/402-404
تاريخ دمشق 55/241-242
حصن وبلد منيع من الحصون التي بناها الروم بثغور المصيصة، افتتحه المسلمون سنة 88. معجم البلدان 4/45-46
وقارن بتاريخ خليفة ص 305، وتاريخ الطبري 6/436،والعباس بن الوليد بن
عبد الملك كان من الأبطال المذكورين والأسخياء الموصوفين، يقال له فارس بني مروان، ولي الغازية والفتوح، مات في حدود سنة 130. انظر عنه: الوافي بالوفيات 16/637(6/397)
عبد الله بن محيريز بن جنادة الجمحي نزيل بيت المقدس، قيل: إن له صحبة، وقيل كان تابعياً، له ذكر وفضل وزهد، وقيل كانت وفاته في ولاية عمر بن عبد العزيز، تاريخ دمشق 33/6 وما بعدها
أبو الأبيض العنسي أو العبسي الشامي، من بني زهير بن جذيمة، تابعي ثقة، كان يصرح بسب الحجاج علانية في الشام، وشارك في غزوات الصوائف، قتل سنة 88. تاريخ دمشق 66/7 وما بعدها.، تقريب التهذيب 1105
تاريخ دمشق 26/443-446
المصدر السابق 18/258
تاريخ دمشق 66/9-10، وقارن بتهذيب الكمال 21/7.
ابن عبد الملك، ولي الصائفة في خلافة أبيه الوليد، كانت وفاته سنة 93. انظر عنه: تاريخ دمشق 57/361 وما بعدها.
تاريخ دمشق 26/445،وقارن بتاريخ خليفة ص 306، 309، 310، وتاريخ الطبري 6/442، 454، 468، 469، 483، 492.
ابن معبد بن شداد المري، أبو المغراء، ثقة عند أهل الحديث، استعمله الوليد بن
عبد الملك على المدينة وكان في سيرته عنف، وولي الغزو في أيام يزيد بن عبد الملك، توفي سنة 150. انظرعنه: تاريخ دمشق 38/338 وما بعدها.
المصدر السابق 38/347-348.
ابن عبد الملك، أبو حفص، كان يقال له فحل بني مروان، ولاه أبوه الموسم والغزو، واستعمله على الأردن مدة ولايته. انظر عنه: تاريخ دمشق 45/354 وما بعدها.
المصدر السابق 45/355
موسى بن نصير اللخمي، أبو عبد الرحمن كان ذا رأي وحزم، تولى البحر في عهد معاوية وغزا قبرص، ثم تولى إقليم المغرب، وشارك مولاه طارقاً في في فتح الأندلس، توفي بالمدينة.انظر عنه سير أعلام النبلاء 4/496 وما بعدها.
من سكان أطرابلس، وولي إمارتها زمن عبد الملك بن مروان،وتولى غزو البحر زمن الوليد، انظر عنه: تاريخ دمشق 20/144 وما بعدها.(6/398)
أبو خراسان بن تميم الفارسي، أحد الموالي من الفرس الشعان، له آثار حسنة في جهاد الروم ومواقف بطولة. انظر ترجمته في تاريخ دمشق 66/159، وانظر 50/337 وما بعدها.
من ولاة البحر وغزاته في عهد الوليد بن عبد الملك. انظر عنه تاريخ دمشق 21/367
تاريخ دمشق 14/405، و 20/146، وقد ترجم لحظي هذا ابن عساكر في تاريخه 14/405
المصدر السابق 66/159
وقارن بتاريخ خليفة ص 305، وتاريخ الطبري 6/439
حصن من حصون الروم الحدودية مع المسلمين معجم البلدان 1/374
تاريخ دمشق 58/33-34، وقارن بتاريخ خليفة ص 319-321، وتاريخ الطبري 6/523، 530، 545.
تاريخ دمشق 17/155
المصدر السابق 33/402
مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأمير، قائد الجيوش، له مواقف مشهودة مع الروم، وكان ميمون النقيبة توفي سنة 121. انظر عنه سير أعلام النبلاء 5/241 وتاريخ دمشق 58/46
مسلمة بن حبيب الفهري، كان أميراً على جند دمشق مع مسلمة بن عبد الملك في غزاة القسطنطينية، له ذِكْر. انظر عنه: تاريخ دمشق 58/21 وما بعدها.
اسم جامع لناحية بأرمينية قصبتها تفليس، معجم البلدان 2/125
تاريخ دمشق 58/21
أبو المثنى، كان أميراً من الدهاة الشجعان، ولاه عمر بن عبد العزيز الجزيرة فغزا الروم، وشارك في الغزو البحري للقسطنطينية وتولى العراق ليزيد بن عبد الملك، ثم عزله هشام. انظر عنه: تاريخ دمشق 45/373 وما بعدها،
تاريخ دمشق 45/374
كتائب الخيل، واحدها كردوس. لسان العرب، مادة (كردس) .
المحرقات: سبق تعريفها، أما القوادس: فهي السفن الكبار. لسان العرب، مادة (قدس) ، ويؤيده ما ذكر في النص من حمل الخزائن والأمتعة فيها. أما المعينات: فذكر في النص أنها التي تحمل الجنود والمقاتلة.
تاريخ دمشق 50/ 337-339(6/399)
عبد الله بن الحسين، أبو يحيى، المعروف بالبطال،كان ينزل أنطاكية،وله جهاد وبطولات في حروب المسلمين مع الروم، قتل في واحدة منها، اختلف في سنة وفاته، والراجح سنة 122 أو 123. انظر تاريخ خليفة ص 367 وتاريخ دمشق 33/401 وما بعدها والبداية والنهاية 9/334، وانظر العيون والحدائق ص 100
الشدة والضيق
تاريخ دمشق 66/246-247
الخزيرة: شبه عصيدة وهو اللحم الغاب يقطع صغارا في القدر ثم يطبخ بالماء الكثير والملح فإذا أميت طبخا ذر عليه الدقيق فعصد به ثم أدم بأي إدام، ولا تكون الخزيرة إلا بلحم وإذا كانت بلا لحم فهي عصيدة، تاج العروس مادة (خزر)
تاريخ دمشق 66/267-268
المصدر السابق 68/230-231
برجان: هم الذين يعرفون ببلغار الطونة، يجاورون مقدونيا من ناحية الشمال وتراقيا من ناحية الغرب. انظر كراتشكوفسكي، تاريخ الأدب الجغرافي العربي 1/135. وملكهم اسمه ترفل Tervel.
ابن قيس العقيلي، فارس من الفرسان، قيل شهد غزو القسطنطينية مع مسلمة وقيل كان مدداً له، مات في ذلك الغزو. انظر عنه: تاريخ دمشق 22/442 وما بعدها.
تاريخ دمشق 22/442-443.
العقيلي، كان من الغزاة في عهد معاوية ومن بعده من الخلفاء، وأمر على بعض السرايا فكان موفقاً. انظر عنه: تاريخ دمشق 38/154 وما بعدها.
تاريخ دمشق 38/154-155، وانظر 22/443-444
المصدر السابق 67/159
المصدر السابق 33/46، وانظر تهذيب الكمال16/119، وتهذيب التهذيب 6/24
المرقبة: الموضع المشرف يرتفع عليه الرقيب وما أوفيت عليه من علم أو رابية لتنظر من بعد والمرقبة: هي المنظرة في رأس جبل أو حصن، تاج العروس مادة (رقب) .
تاريخ دمشق 68/231-232
زيد بن واقد القرشي، أبو عمر، أو عمرو الدمشقي، ثقة له رواية في صحيح البخاري، مات سنة 138، تهذيب التهذيب 3/426، وتقريب التهذيب ص 356
تاريخ دمشق 19/527
المصدر السابق 68/231(6/400)
الكندي الحمصي، أبو ثور، وفد على معاوية مع أبيه، وكان ثقة خيراً، ولي الصائفة لعمر بن عبد العزيز،وكانت وفاته سنة 140، ترجم له ابن عساكر بتفصيل في تاريخ دمشق 46/311 وما بعدها.
تاريخ دمشق 46/320
المصدر السابق 57/131، والمخارق الطائي من الغزاة في البحر وقد وليه في خلافة عمر بن عبد العزيز، وكان له ذِكْر. انظرعنه: تاريخ دمشق 57/130 وما بعدها.
عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، كان رجلاً صالحاً لكنه ضعيف الحفظ، مات سنة 156، تهذيب التهذيب 6/173 وما بعدها، وتقريب التهذيب ص 578
المغيرة بن سلمة المخزومي، أبو هشام البصري، ثقة ثبت، مات سنة 200، تقريب التهذيب ص 965
عبد الأعلى بن أبي عمرة الشيباني مولاهم، سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وكان على أخت موسى بن نصير، من أهل الطبقة الرابعة، تاريخ دمشق 33/416 وما بعدها
المصدر السابق 33/419
المصدر السابق 46/320
المصدر السابق 63/314
من ولد عقبة بن أبي معيط، عمل لعمر بن عبد العزيزعلى قنسرين، وعلى الصائفة، وكان حياً في زمن مروان بن محمد. انظر عنه: تاريخ دمشق 63/309 وما بعدها.
تاريخ دمشق 46/319-320، وانظر 63/314.
المصدر السابق 68/225
المصدر السابق 58/38-39.
الحرستاني، له ذِكْر، ولي غازية البحر في أيام يزيد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد إلى أن قتل. انظر تاريخ دمشق 60/80
المصيصي، ولاه هشام غازية البحر فلم تكن ولايته محمودة. انظر تاريخ دمشق 65/386 وما بعدها.
تاريخ دمشق 65/387، وصور: مدينة على ساحل بحر الشام داخلة فيه يحيط بها البحر من معظم جوانبها بين صيدا وعكا، معجم البلدان 3/433 وما بعدها.
تاريخ دمشق 26/446،وقارن بتاريخ خليفة ص 336، وتاريخ الطبري 6/619.
المصدر السابق 38/348، وانظر 34/401،وقارن بتاريخ خليفة ص 338.(6/401)
أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي، قيل: اسمه بكير، وقيل: عبد السلام، ضعيف، سرق بيته فاختلط، مات سنة 256 تهذيب النهذيب 12/28 وما بعدها،وتقريب التهذيب ص 1116
أبو عقبة، أحد الأشراف الشجعان، تولى في خلافة عمر بن عبد العزيز ويزيد بن
عبد الملك وهشام بن عبد الملك، وانصرف إلى الغزو والفتح فمات مجاهداً سنة 112. انظر عنه: سير أعلام النبلاء 5/189-190
يحتمل أن الكلمة الساقطة هي (الخزر) لأنهم هم الذين حاربوا معلق البهراني فهزموه، انظر تاريخ خليفة ص 336، وكان ذلك سنة 103.
تاريخ دمشق 59/369،وبلنجر: مدينة ببلاد الخزر خلف باب الأبواب، معجم البلدان 1/489،ومعجم ما استعجم 1/276، وكان ذلك الفتح في سنة 104، انظر تاريخ خليفة ص 337.
أذر بيجان: إقليم واسع تغلب عليه الجبال غرب بحر الخزر مجاور لإرمينية فتحه حذبفة ابن اليمان في عهد عمر رضي الله تعالى عنهما، انظر: معجم البلدان 1/128-
129.
تاريخ دمشق 58/39
المصدر السابق 65/133
يزيد بن أسيد السلمي، ولي أرمينية لمروان بن محمد، ثم وليها للمنصور، وكان شجاعاً، حارب الخزر أكثر من مرة، انظر عنه تاريخ دمشق 65/117
تاريخ دمشق 37/207، وانظر 65/117
المصدر السابق 21/247-248، وعند ابن خياط أن هذه الغزوة؛ غزوة الطين بقيادة مسلمة بن عبد الملك ص 353، وانظر كامل ابن الأثير، حوادث سنة 112 4/207-208.
تاريخ دمشق 21/249، وقارن بتاريخ خليفة ص353.
تاريخ دمشق 57/324-325.
المصدر السابق 57/325-326.
يقابل المقدمة: الساقة
تاريخ دمشق 11/144، وانظر 37/167.
ابن مروان، أبو عثمان، كان يتنسك، وعرف بسعيد الخير، ولي الغزو في خلافة أخيه هشام، وفلسطين للوليد بن يزيد. انظر عنه: تاريخ دمشق 21/216 وما بعدها.
المصدر السابق 21/217 وانظر 40/28-29 و 144،وقارن بتاريخ خليفة ص 349، وتاريخ الطبري 7/29(6/402)
وقارن بتاريخ خليفة ص 350، وتاريخ الطبري 7/40، وسعيد بن هشام بن
عبد الملك، كان منهمكاً في لذات الدنيا فحبسه أبوه، ثم أسند إليه بعض المغازي في خلافته. انظر عنه: تاريخ دمشق 21/317 وما بعدها، والوافي بالوفيات 15/269 وما بعدها.
تاريخ دمشق 21/318، وانظر 58/39، وقارن بتاريخ خليفة ص 352، وتاريخ الطبري 7/46.
تاريخ دمشق 46/445-446.
لعله عبد الله بن العلاء بن زبر الربعي الدمشقي فهو أحد شيوخ الوليد، قال عنه ابن معين: ليس به بأس، أما دحيم فقد وثقه جداً، التاريخ الكبير 3/1/162، والجرح والتعديل 5/128
الإسطام: المِسْعار، وفي الحديث (العرب سطام الناس) أي هم في شوكتهم وحدتهم كالحد من السيف، تاج العروس مادة (سطم) .
تاريخ دمشق 56/347-348
ناحية من بلاد الروم! هكذا قال عنها ياقوت: معجم البلدان 2/392
بلد قريب من ملطية في بلاد الروم، معجم البلدان 2/359
صاحب الوضاحة، قائد من قواد بني أمية، استعان به مروان بن محمد في حروبه، وكان صاحب مغاز في الصوائف. انظر عنه: تاريخ دمشق 46/445 وما بعدها.
المصدر السابق 59/280-281، وقارن بتاريخ خليفة ص 351، 353، 355، 357، 360، 361 -363، وتاريخ الطبري 7/43،54، 67، 70، 88، 90، 92-93، 99، 109
ولي الغزو في خلافة هشام بن عبد الملك، وله ذكر في الحروب. انظر عنه: تاريخ دمشق 35/349
المصدر السابق 35/349
المصدر السابق 37/90، وقارن بتاريخ خليفة ص 364، وتاريخ الطبري 7/113، وعبد الملك بن القعقاع بن خليد العبسي، ولي بعض الصوائف لهشام، وقد عذبه يزيد بن عمر بن هبيرة بأمر الوليد بن يزيد حتى مات بقنسرين. انظر عنه: تاريخ دمشق 37/90.
ابن عبد الملك، أبو شاكر الأموي،كان شريفاً ممدحاً، ولي أيام أبيه الموسم وغزو الصائفة. انظر تاريخ دمشق 58/65(6/403)
ابن عبد الملك، ولي بعض المغازي في أيام أبيه، وله ذِكْرٌ. انظر عنه: تاريخ دمشق 65/52 وما بعدها.
تاريخ دمشق 58/68، وانظر 65/53،وقارن بتاريخ خليفة ص 367، وتاريخ الطبري 7/160، ومَلَطْية: بلدة في بلاد الروم، إلى الشرق من قيسارية الرومية، معجم البلدان 5/192
وقارن بتاريخ خليفة ص 365، وتاريخ الطبري 7/139
تاريخ دمشق 22/398-399،وقارن بتاريخ خليفة ص 369.
وعند ابن كثير 9/332: حتى تستمكنوا من القرية ومن سكانها
تاريخ دمشق 33/402، والبداية والنهاية 9/331-332.
مسبوتاً: أي مغشياً عليه، ويقال سبت المريض فهو مسبوت وسبت يسبت سبتاً: استراح وسكت، والسبات نوم خفي كالغشية، لسان العرب مادة (سبت) .
تاريخ دمشق 33/402-404.
عبد الله بن راشد الخزاعي مولاهم، من أهل دمشق، ثقة عابد، ذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات، ثقات ابن حبان 7/35، وتهذيب التهذيب 5/205،وتقريب التهذيب ص 504
الَمصِّيصَة مدينة على شاطىء نهر جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم. معجم البلدان 5/145
مدينة مشهورة وسط بلاد الروم، فتحها المعتصم سنة 223، انظر: معجم البلدان 4/158
تاريخ دمشق 33/404-405 وتاريخ الإسلام (حوادث سنة 101-120) ص 408، وانظر البداية والنهاية 9/332-333 وكلهم عن ابن عساكر.
تاريخ دمشق 33/405، وكان استشهاده إن شاء الله تعالى سنة 122.
ابن عبد الملك، أبو شاكر، كان جواداً ممدحاً، له ذكر في الصوائف والفتوح،توفي سنة 118 أو 119. ترجمته في تاريخ دمشق 59/279 وما بعدها.
ابن عبد الملك، أبو أيوب،شارك في الصوائف في عهد أبيه، وفي الحروب والفتن بين بني أمية آخر عهدهم، قتلته المسودة سنة 132. انظر عنه الصفدي، الوافي بالوفيات 15/439.(6/404)
مالك بن شبيب الباهلى، كان أميراً لهشام بن عبد الملك على ملطية، وقائداً من قواد الصوائف، قتل هو والبطال في معركة واحدة انظر عنه تاريخ دمشق 56/459-460، والعيون والحدائق ص 100
بضم الراء، موضع ببلاد الروم، كذا قال في القاموس المحيط، مادة (قرن) ، وهي التي تسمى (قرة حصار) بالقرب من عمورية، وتسميها المصادر البيزنطية Acroinon.
تاريخ دمشق 56/459-460
المصدر السابق 33/405-407
أبو عبيدة، مكي سكن الشام، ثقة، كان يشبه بالبطال في بلاد العدو، وهما من موالي آل مروان. ترجمته بتفصيل في تاريخ دمشق 37/303 وما بعدها.
تاريخ دمشق 37/310
المصدر السابق 60/80
المصدر السابق 9/67
هكذا، والقارىء تصحيف عن الفارسي، كما هو في سائر الروايات.
هكذا، ويستقيم المعنى واللغة لو قيل فنفَّلَ.
تاريخ دمشق 65/387. والأسود بن بلال المحاربي الداراني ولي الباب والأبواب، وكان ورعاً، ولاه هشام على البحر وأقره الوليد بن يزيد عليها. انظر عنه: تاريخ دمشق 9/65 وما بعدها.
وقارن بتاريخ خليفة ص 379، وتاريخ الطبري 7/200، 227 والغمر بن يزيد بن عبد الملك، من رجالات بني أمية الممدحين، طارده العباسيون حتى قتل هو وثمانون من أهل بيته عند نهر أبي فطرس سنة 132. انظر عنه: تاريخ دمشق 48/85 وما بعدها.
المصدر السابق 48/86،وقارن بتاريخ خليفة ص 385
تاريخ دمشق 62/382
ابن الحكم الأموي، تولى أرمينية وأذربيجان وبلاد الجزيرة وقاتل الأمم المجاورة في معارك كثيرة، وهو آخر الخلفاء الأمويين، قتل في بوصير سنة 132. انظر عنه: تاريخ دمشق 57/319 وما بعدها.
معن العاملي من القادة في العصر الأموي المتأخر، ولي غازية البحر لمروان بن محمد. تاريخ دمشق 59/34 وما بعدها.
حذيفة السلامي ساهم في حل بعض الخلافات الأموية زمن يزيد بن الوليد، وتولى غازية البحر في أيام مروان بن محمد. انظر عنه: تاريخ دمشق 12/302 وما بعدها.(6/405)
المصدر السابق 11/432، وقارن برواية ابن عائذ الأخرى في 59/435، وعن غير ابن عائذ باسناد ابن عساكر نفسه في 12/303. أما الحارث بن سليمان فهو من القادة البحريين ولاه مروان بن محمدغازية البحر. انظر عنه: تاريخ دمشق 11/432.
ابن عبد الله بن عباس، عم السفاح والمنصور، من الشجعان الأبطال، ساهم في تأسيس ملك بني العباس، ولكنه أسرف في قتل بني أمية، ثم دعا لنفسه بعد موت السفاح فقتله المنصور. انظر عنه: الوافي بالوفيات 17/321 وما بعدها.
تاريخ دمشق 31/60-61.
أبو حريش الكناني من أهل دمشق، روى عن مكحول، وعنه الوليد بن مسلم، تاريخ دمشق 66/138 وما بعدها
المصدر السابق 66/140،وقارن بتاريخ خليفة ص 436
دُلوك: بليدة من نواحي حلب بالعواصم، كان بها وقعة لأبي فراس الحمداني مع الروم. معجم البلدان 2/461.
تاريخ دمشق 31/61-62، وقارن بتاريخ خليفة ص 441، وتاريخ الطبري 7/473.
صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، عم السفاح والمنصور، وقائد من قوادهما المؤسسين للملك، له جهاد في بلاد الروم، مات سنة 151 أو 152، وهو وال على حمص وقنسرين. انظر عنه: تاريخ دمشق 23/321 وما بعدها، والوافي بالوفيات 16/264 وما بعدها.
كان أميراً من أشهر القواد في العصر العباسي،تولى أرمينية للمنصور، ثم غزا الروم فأوغل في بلادهم وسموه التنين، توفي سنة 181. انظر عنه: الوافي بالوفيات 12/208
تاريخ دمشق 37/299-300،وقارن بتاريخ الطبري 7/497، 500
تاريخ دمشق 26/396.
دير سمعان: بنواحي دمشق في موضع نزه، وأيضاً بنواحي حلب بين جبل عليم والجبل الأعلى، ولعله المراد هنا، معجم البلدان 2/517
ابن علي بن عبد الله بن عباس، أبو الفضل، أخو السفاح والمنصور، تولى الشام، وتولى الموسم، وغزا الروم، توفي سنة 186 انظر عنه: تاريخ بغداد 12/124 وما بعدها، وتاريخ دمشق 26/394 وما بعدها.(6/406)
ذكرها ياقوت في معجم البلدان 2/419 وقال عنها: اسم موضع بعينه، وأورد فيهابيتاً من الشعر، لكنه لم يحدد موقعها
تاريخ دمشق 23/358-359، وانظر 31/61-62، وأذنة بوزن حسنة: بلد من الثغور قرب المصيصة ولها نهر يقال له سيحان، معجم البلدان 1/133. ويلاحظ في هذه الرواية تكرار لبعض ماسبق، ولكن لاحتوائها على معلومات جديدة أثبتها.
الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، تولى فلسطين ودمشق، وتولى الصائفة في أيام المنصور فلم تحمد ولايته، توفي سنة 157. انظر عنه: تاريخ بغداد 11/17-18 وتاريخ دمشق 37/299 وما بعدها.
تاريخ دمشق 37/300، وقارن بفتوح البلدان 1/191.
كان ذلك في حدود سنة 145-147 انظر الراجحي، المسلمون والخزر ص 188
تاريخ دمشق 65/118.
تاريخ دمشق 26/252 وقارن بتاريخ الطبري 7/656
تاريخ دمشق 19/42، وقارن عن غير ابن عائذ في الصفحة نفسها، وتاريخ خليفة ص 456، 457، وتاريخ الطبري 8/44، 50. وزفر بن عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي، أبو عبد الله،غزا بلاد الروم، فبث السرايا ودخل بعض المدن فغنم وعاد انظر تاريخ دمشق 19/40 وما بعدها.
المصدر السابق 48/85، وكل هؤلاء القادة المذكورين من أمرء البحر في خلافة أبي جعفر المنصور، ولهم تراجم قصيرة في تاريخ دمشق، انظر على التوالي: 48/85، 26/252، 25/330، 48/85، 27/95
المصدر السابق 27/95
ابن علي بن عبد الله بن عباس، أمير عباسي يوصف بالعقل والدهاء، تولى مصر ثم الجزيرة ثم دمشق، توفي سنة 176. انظر عنه: سير أعلام النبلاء 8/274-275
من ولاة الغزو البحري في زمن أبي جعفر المنصور، وله ذِكْر. انظر تاريخ دمشق 63/34
تاريخ دمشق 63/34، ويلاحظ تصحيح ابن عساكر في 41/529 لعلي بن صالح.(6/407)
المصدر السابق 41/529، قال ابن عساكر: كذا قال، وإنما هو صالح بن علي، وانظر أيضاً 15/304، و29/47. أما حميد بن معيوف بن بكر الحجوري المعيوفي الهمداني فهو من ولاة الغزو البحري في أيام بني العباس،وله ذِكْر في الصوائف. انظر عنه: تاريخ دمشق 15/304
الهمداني، تولى غزو البحر في العصر العباسي، وتولى الصوائف سنوات فقتل وسبى. تاريخ دمشق 59/444 ومابعدها.
المصدر السابق 59/445،وقارن بتاريخ خليفة ص 455، 458، وتاريخ الطبري 8/43، 57
تاريخ دمشق 65/118، وقارن بتاريخ خليفة ص 457، وتاريخ الطبري 8/46، 53
تاريخ دمشق 26/396، وقارن بتاريخ خليفة ص 459، وتاريخ الطبري 8/116، 129
تاريخ دمشق53/48 وقارن بتاريخ خليفة ص 469، وتاريخ الطبري 8/150
تاريخ دمشق25/291
المصدر السابق 59/445
المصدر السابق 59/446، وقارن بتاريخ الطبري 8/203
ابن علي بن عبد الله بن عباس، من الأمراء العباسيين الفصحاء ذو جلالة ومهابة، تولى المدينة ودمشق والجزيرة والصوائف، توفي سنة 196. انظر عنه: سيرأعلام النبلاء 9/221 وما بعدها
تاريخ دمشق 37/25،وقارن بتاريخ خليفة ص 481، 493، وتاريخ الطبري 8/203، 236، 313
وقارن بتاريخ خليفة ص 514، وتاريخ الطبري 8/623
وقارن بتاريخ الطبري 8/628، 631
تاريخ دمشق 33/301-302.
المصادر والمراجع
= البخاري، إسماعيل بن إبراهيم الجعفي، أبو عبد الله (ت 256)
* التاريخ الكبير، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت (د. ت)
= ابن بطوطة، عبد الله بن محمد اللواتي، أبو عبد الله (ت 779)
* تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (رحلة ابن بطوطة) ، دار التراث، بيروت 1388
= البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر، أبو الحسن (ت 279)
* فتوح البلدان، تحقيق: رضوان محمد رضوان، دار الكتب العلمية، بيروت 1398.
= ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 597)(6/408)
* المنتظم في تاريخ الأمم، تحقيق: محمد عبد القادر عطا وأخيه، ط 1، دار الكتب العلمية بيروت 1412
= ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس التميمي الحنظلي الرازي (ت 327)
* الجرح والتعديل، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1371.
= ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد، أبو حاتم التميمي البستي (ت354)
* كتاب الثقات، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية -بحيدر آباد الدكن-، الهند 1393.
= ابن حجر، الحافظ أحمد بن علي بن محمد العسقلاني (ت 852)
* الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الجيل، الطبعة الأولى، بيروت 1328
* تقريب التهذيب، تحقيق: أبي الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني، الطبعة الأولى، دار العاصمة، الرياض 1416.
* تهذيب التهذيب، دار الفكر، بيروت، 1404.
* فتح الباري، تحقيق الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار المعرفة، بيروت (د. ت)
= الحموي، ياقوت بن عبد الله، أبو عبد الله (ت 626)
* معجم البلدان، دار صادر، دار بيروت، بيروت (د. ت)
* المشترك وضعاً والمفترق صقعاً، الطبعة الثانية، عالم الكتب، بيروت، 1406.
= ابن خياط، خليفة بن خياط شباب العصفري (ت 240)
* تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، الطبعة الأولى، بمساعدة المجمع العلمي العراقي، 1386، ونسخة أخرى حققها د. مصطفى فواز وزميلته (دار الكتب العلمية، بيروت 1415)
= الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748)
* سير أعلام النبلاء، أشرف على تحقيقه:شعيب الأرنؤوط،الطبعة الثانية،مؤسسة الرسالة بيروت 1402
* الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، مراجعة: محمد عوامة، دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علوم القرآن، جدة 1413.
= الراجحي، د. محمد بن سليمان
* المسلمون والخزر،الطبعة الأولى، الرياض 1418(6/409)
= الزبيدي، محمد مرتضى، أبو الفيض الحسيني (ت 1205)
* تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق علي شيري،دار الفكر، بيروت 1414.
= السبكي، عبد الوهاب بن تقي الدين (ت 771)
* طبقات الشافعية الكبرى، دار المعرفة، الطبعة الثانية، بيروت (د. ت)
= الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك (ت 764)
* الوافي بالوفيات، حققه مجموعة من الكتاب، دار النشر: فرانز شتاينر بفيسبادن
= الطبري، محمد بن جرير، أبو جعفر (ت310)
* تاريخ الأمم والملوك، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت 1407.
= ابن أبي عاصم، أحمد بن عمرو الشيباني، أبو بكر (ت 287)
* الآحاد والمثاني، مراجعة: د. باسم فيصل الجوابرة، دار الراية، الرياض 1411.
= العجلي، أحمد بن عبد الله بن صالح، أبو الحسن (ت 261)
* تاريخ الثقات، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت 1405.
= ابن عدي، عبد الله بن عدي بن عبد الله، أبو أحمد (ت 365)
* الكامل في ضعفاء الرجال، مراجعة يحيى مختار غزاوي، دار الفكر، بيروت 1409
= ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله (ت 571)
*تاريخ مدينة دمشق، تحقيق عمر بن غرامة العمروي، الطبعة الأولى،دار الفكر،بيروت 1415
= ابن العماد، عبد الحي بن العماد الحنبلي، أبو الفلاح (1089)
* شذرات الذهب في أخبار من ذهب، المكتب التجاري، بيروت (د. ت)
= الفيروز أبادي، مجد الدين (817)
* القاموس المحيط، المكتبة التجارية الكبرى بمصر (د. ت)
= ابن كثير، إسماعيل بن كثير، أبو الفداء الدمشقي (ت 774)
* البداية والنهاية، الطبعة الثانية، مكتبة المعارف، بيروت 1394.
= كراتشكو فسكي، أغناطيوس يوليانوفتش
* تاريخ الأدب الجغرافي، نقله للعربية صلاح الدين عثمان هاشم، إدارة الثقافة جامعة الدول العربية، 1377
= مجمع اللغة العربية بالقاهرة(6/410)
* المعجم الوسيط، الطبعة الثانية، طبعة دار المعارف 1392.
= المروزي، نعيم بن حماد أبو عبد الله (ت 288)
* كتاب الفتن، تحقيق: سمير أمين الزهيري، الطبعة الأولى، مكتبة التوحيد، القاهرة 1412 هـ.
= المزي، يوسف بن الزكي عبد الرحمن، أبو الحجاج (ت 742)
* تهذيب الكمال، مراجعة: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت 1400.
= ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري (ت 711)
* لسان العرب، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة (د. ت) .
= مؤلف مجهول،
* العيون والحدائق في أخبار الحقائق، مكتبة المثنى ببغداد، تصويراً عن الطبعة الأوربية.
= ابن النديم، محمد بن إسحاق، أبو الفرج (ت 438)
* الفهرست، دار المعرفة، بيروت (د. ت)(6/411)
التنمية والتقارب والاندماج في مجتمع
المملكة العربية السعودية قديماً وحديثاً
د. أحمد بن حسن أحمد الحسني
الأستاذ المشارك بقسم الاقتصاد الإسلامي
بكلية الشريعة بجامعة أم القرى
ملخص البحث
من الملاحظ في عالم اليوم أن تحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية بالمفهوم المادي يصاحبه في الغالب نوعاً من التفكك والتباعد في العلاقات الإنسانية بين البشر، ويرجع ذلك إلى غياب البعد الإيماني والأخلاقي في جهود التنمية. ويحاول هذا البحث اختبار فرض علمي مؤداه ((أن اشتمال جهود التنمية في المملكة العربية السعودية قديماً وحديثا على البعد الإيماني حقق مزيداً من التقارب والاندماج بين أجزائها وأفرادها، وأن غياب هذا البعد في بعض الفترات كان مصحوباً بالتفكك والتناحر بين أجزائها وأفرادها)) .
وقد تناول البحث بالتحليل الفترة قبل مجيء الإسلام في الجزيرة العربية وأوضح كيف أن غياب البعد الإيماني كان مقترناً بالتناحر والتفكك بين قبائل هذه الجزيرة، كما كان مصحوباً بالتخلف من الناحية الاقتصادية.
وتناول البحث أيضاً الفترة بعد بعثة رسول الله (بالتحليل وأوضح كيف أن التركيز على البعد الإيماني أدى إلى مزيد من التقارب والاندماج بين أفراد الأمة الإسلامية الواحدة وإن تعدد جنسياتهم ولغاتهم.
وتعرض البحث للفترة منذ توحد المملكة العربية السعودية حديثاً على يد المغفور له الملك عبد العزيز وأوضح كيف أن التنمية كانت تنطوي على البعد الإيماني والأخلاقي وهو ما أدى إلى تحقيق مزيد من التقارب والاندماج بين أجزائها وأفرادها.
• • •
المقدمة:(6/412)
الحمد لله ولا نعبد إلاّ إياه مخلصين له الدين. أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، رب السموات ورب الأرض رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيّدنا محمداً عبده ورسوله اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين وأصحابه الغرّ الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فمن المشاهد في عالم اليوم أن الجهود المتلاحقة التي تبذل على المستوى الدولي بغرض تحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية بالمفهوم المادّي يصاحبها في الغالب نوعاً من التفكك في العلاقات الإنسانية بين سكان الدول المختلفة؛ بل وبين أفراد المجتمع الواحد والأسرة الواحدة. فعلى المستوى الدولي نجد أن هناك دولاً تفككت ونشب الصراع بينها كما حدث في الاتحاد السوفيتي سابقاً ودول شرق أوروبا، كما أن هناك صراعات مستمرة بين الدول المتجاورة سواء أكان هذا في آسيا أو إفريقيا أو أوروبا أو أمريكا. وكذلك على مستوى الدولة الواحدة نجد صراعاً بين الفصائل المختلفة، لدرجة قد تصل إلى حد نشوب القتال فيما بينهم
ويحدث هذا حتى في الدول المتقدمة مادّياً كما هو الحال في بريطانيا وإيطاليا واليابان، وإلى عهد قريب في الولايات المتحدة الأمريكيّة. كما نسمع عن تزايد موجات العنف بين أبناء البلد الواحد في الشارع والمدرسة وغيرها خاصة في الدول المتقدمة ماديّاً. ويكشف هذا عن تصدع كبير في العلاقات الإنسانية بين البشر. ففي بريطانيا تشير الإحصاءات إلى وجود ثلاث مليون قطعة سلاح في أيدي الأفراد مهرّبة بصورة غير مشروعة، كما تشير إلى أنّ ثلث الصغار بين سن 15 إلى 25 سنة من الذين ارتكبوا جرائم كان لديهم أسلحة (1) .(6/413)
وتوضح الإحصاءات أيضاً أن عدد الجرائم المسلحة في بريطانيا زاد من (12410) عام 1997 م إلى (13671) عام 1998 م أي بنسبة 10%. وفي استراليا كشفت دراسة حديثة أجريت خلال 12 شهراً أن جرائم القتل زادت بنسبة 3.2%، وأن جرائم الاغتصاب زادت بنسبة 8.2% وأن جرائم السرقة المسلحة زادت بنسبة 44% (1) . وتطالعنا الأخبار المقروءة والمسموعة والمرئية صباح مساء عن الأطفال الذين يقتلون زملاءهم في المدارس بالأسلحة بصورة جماعية خاصة في الدول المتقدمة ماديّاً. وعلى مستوى الأسرة الواحدة نجد أن نمط التربية الأسرية في المجتمعات الغربية يسمح بانفصال الأبناء عن آبائهم في سن مبكرة مما يضعف العلاقة بينهم ويؤدي إلى الفرقة والتشتت. وتوضح هذه الظواهر أن التنمية بالمفهوم المادي يصاحبها - كما تقدم - تفكّك وتباعد معنوي بين البشر. ولقد عبّر عن هذا بعض الكُتاب الغربيين بقولهم إن الناتج القومي الإجمالي G NP كمقياس للقيمة النقدية للأنشطة الاقتصادية لم يعد يعبّر بدقة عن مستوى الرفاهة للمجتمع. فالزيادة فيه غالباً ما تكون مصحوبة بمزيد من العُنف بين البشر، هذا في حين أن التنمية الحقيقية Real Development يجب أن بصاحبها مزيدٌ من الأمن والسلام بين البشر (2) . ويرجع ذلك في نظر الباحث إلى غياب البعد الإيماني والأخلاقي من التنمية في هذه المجتمعات مما جعلها تقترن في الغالب بمزيد من التفكك والتباعد بدلاً من التقارب والإندماج. ويقودنا هذا إلى دراسة تجربة مجتمع المملكة العربية السعودية قديماً (3) وحديثاً لنستكشف كيف أن اشتمال التنمية فيه على البعد الإيماني والأخلاقي أدى إلى مزيد من التقارب والإندماج (4) .
هدف البحث:(6/414)
يهدف هذا البحث إلى التعرف على العلاقة التبادلية بين التنمية والتقارب والإندماج في مجتمع المملكة العربية السعودية قديماً وحديثاً، وبيان كيف أن اهتمام المجتمع الإسلامي بالجانب الديني والأخلاقي في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يؤدي إلى مزيد من التقارب والإندماج في العلاقات الإنسانية بالمفهومين المادي والمعنوي، وكيف أن إهمال الجانب الإيماني والأخلاقي في برامج التنمية يؤدي إلى مزيد من التفكك والتباعد بين البشر.
خطة البحث:
ولتحقيق هذا الهدف سوف يركز البحث على النقاط التالية:
أولاً: مفاهيم التنمية.
ثانياً: مفهوم التقارب والإندماج.
ثالثاً: التخلف الاقتصادي وفساد العقيدة وعلاقته بالتفكك القبلي في العصر الجاهلي بالجزيرة العربية.
رابعاً: التنمية الإيمانية والتقارب والإندماج في عهد الرسول (.
خامساً: التنمية وأثرها في التقارب والإندماج في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله.
سادساً: التنمية وأثرها في التقارب والإندماج في مجتمع المملكة العربية السعودية الحديث.
والله أسأل العون والتوفيق والسداد، وأن يعلّمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علّمنا، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وهو حسبي ونعم الوكيل.
أولاً: مفاهيم التنمية:
يمكن التفرقة بين أربعة أنواع من مفاهيم التنمية:
(أ) التنمية الاقتصادية. (ب) التنمية الاجتماعية.
(ج) التنمية البشرية. (د) التنمية الإيمانية.
(أ) التنمية الاقتصادية:(6/415)
تعرّف التنمية الاقتصادية: بأنها العملية التي يحدث من خلالها زيادة مستمرة في متوسط الدخل الحقيقي، وتحسّن في توزيع الدخل لصالح الطبقة الفقيرة، وتغيّر في هيكل الإنتاج بما يضمن تواصل التنمية بقوة الدفع الذاتية (1) . ووفقاً لهذا التعريف فإن التنمية الاقتصادية تعتبر عملية تغيير مستمرة تتضمن حدوث زيادة في متوسط الدخل الحقيقي، على أن تتوزع هذه الزيادة في الدخل بين جميع أفراد المجتمع خاصة الطبقة الفقيرة وذلك لضمان زيادة العدالة في توزيع الدخل. كما تتضمن تغير في هيكل الإنتاج، بحيث تزداد النسبة التي يحتلها قطاع الصناعة التحويليّة مصحوبة بتنمية تكنولوجية لازمة لتواصل التنمية من خلال قوّة دفع ذاتية.
(ب) التنمية الاجتماعية:
تشير التنمية الاجتماعية ليس إلى مجرّد زيادة دخل الفرد، ولكن إلى توفير مزيد من الخدمات الاجتماعية التي تُحسّن من نوعية العنصر البشري. مثل التعليم والصّحة والتدريب المهني والإسكان وغيرها (2) . فقد يتوفر لدى الفرد المال ولكنه لا يستخدمه في تحسين مستواه العلمي أو الصحّي إمّا لجهله بكيفية عمل ذلك، أو لعدم توفر الخدمات في هذه المجالات بدرجة كافية
(ج) التنمية البشرية:
لا تعني التنمية البشرية أن تقوم الدولة بإشباع جميع احتياجات الأفراد من السلع والخدمات الأساسيّة، وإنما تعني تدريبهم على كيفيّة القيام بعمل ذلك بأنفسهم.
فالتنمية لا تعني إعطاء سمكة لكل فرد في المجتمع، وإنما تعني تعليم كل فرد كيف يصطاد (3) . وهذا يتضمن زيادة الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في تقديم الخدمات الأساسيّة وزيادة درجة اعتماد الأفراد على أنفسهم في اتخاذ قرارات تؤثر في حياتهم في مجالات التعليم والصحة والعمل وغيرها.
(د) التنمية الإيمانية:(6/416)
اهتمت جميع مفاهيم التنمية السابقة بأمور مادية في حياة الإنسان، ولكنها لم تتطرق للجانب الروحي من حياته، فأهملت الجانب الديني في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية. واعتمدت على مبدأ الحرية الفردية لتحقيق الرفاهة الاقتصادية والاجتماعية، وترتب على ذلك ظهور انحرافات وسلوكيات وأفعال إجرامية من بعض الأفراد في المجتمعات الغربية، وحدوث الصراعات بين رجال الأعمال والعمال، والحكومات والعمال أيضاً (1) . ولذلك فإن التنمية في مفهوم الاقتصاد الإسلامي تشمل بالإضافة إلى المفاهيم السابقة الجانب الروحي والإيماني في حياة الإنسان. لاسيّما وأنّ الإيمان ينمو ويزداد لدى الإنسان المسلم بالطاعة والتقرب إلى الله كما أنه ينقص ويتضاءل بالمعصية والعياذ بالله. وفي ذلك يقول الرسول (: ((إن الله تعالى قال: من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه. وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصرهُ الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيتُهُ، ولئن استعاذني لأُعيذنّهُ)) رواه البخاري (2) . فالتنمية الإيمانية هي التي يتم بمقتضاها تصحيح معتقدات البشر وإصلاحهم وبها تسمو نفوسهم وترتقي سلوكياتهم بحيث يتحولون من وضع يتصفون فيه بصفات وأخلاق ذميمة إلى وضع يتحلّون فيه بالأخلاق الفاضلة الكريمة، بغض النظر عن اختلاف مستوياتهم الماديّة والمعيشيّة، ولكن لاتتم عملية التحول هذه إلاّ بالتمسك بالعقيدة الصحيحة عقيدة التوحيد والإيمان بالله وحده لاشريك له قال الله سبحانه وتعالى: ((شهد الله أنه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم)) [آل عمران / 18] .(6/417)
وقال تعالى: ((إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ... )) [الرعد / 11] ، وقال رسول الله (: ((أمرت أن أقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهُم وأموالهم إلاّ بحق الإسلام، وحسابهم على الله)) متفق عليه (1) .
ثانياً: مفهوم التقارب والاندماج:
إذا بدأنا بالمعنى اللغوي نجد أن كلمة قَرُبَ، واقترب تعني: دنا،، وتقاربوا: قَرُبَ بعضهم من بعض (2) ، ومنه قوله تعالى: (( ... إن رحمة الله قريب من المحسنين)) [الأعراف / 56] . وكلمة دمج أو اندمج تعني: أن يدخل الشيء في غيره ويستحكم فيه (3) . ومن ثَمّ فإن الإندماج يعتبر أقصى درجات التقارب. ويوجد للتقارب جانبان أحدهما مادّي والآخر معنوي. أمّا الجانب المادّي: فهو يشير إلى تقريب المسافة بين بعيدين أو ما في حكمه، فهجرة البدو إلى الحضر تعتبر نوعاً من التقارب المادّي، وفي حكمها إقامة وتشييد وتجهيز الطرق وسبل الإتصال والنقل البري والبحري والجوي للربط بين القرى والمدن باستخدام وسائل المواصلات الحديثة، وكذلك استخدام وسائل الإتصالات الأخرى بجميع أنواعها كالتلغراف والبريد والهاتف والفاكس والإنترنت، واستخدام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة، والمرئية، فكل هذه الوسائل تربط بين الناس ربطاً مادّياً ومحسوساً. أمّا الجانب المعنوي للتقارب: فهو يشير إلى تقارب النسب، والتقارب الروحي، والتقارب العقلي. أمّا تقارب النسب فهو يأتي بالمصاهرة والزواج بين العائلات قال تعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)) [الروم / 21] وقال تعالى: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون(6/418)
به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)) [النساء / 1] . وقد أمر الله سبحانه وتعالى بصلة الأرحام وذوي القربى فقال تعالى: ((فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون)) [الروم / 38] . وقال تعالى: ((والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب)) [الرعد / 21] ، وقال رسول الله (( (الرّحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)) متفق عليه (1) .
أمّا عن التقارب الروحي فهو الذي يأتي من الأخوّة في الدين، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: ((واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ... )) [آل عمران / 103] . وقال (( (الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)) رواه البخاري (2) . وقال تعالى: ((إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلّكم ترحمون)) [الحجرات / 10] . ومن ثم يعتبر إصلاح ذات البين نوعاً من التقارب المعنوي.
أمّا التقارب العقلي فهو يأتي عن طريق نشر التعليم بين الناس حتى يكونوا قادرين على التفاهم والتعارف، وعندما يحدث التقارب العقلي بين الناس فإنهم يكونوا أقدر على التعاون لتحقيق مصالحهم المتبادلة أو المشتركة وهو مما يساعد على عملية التنمية بشكل عام. ولذلك حث الإسلام على طلب العلم والتعلم قال تعالى: (( ... وقل رب زدني علماً)) [طه / 114] ، وقال تعالى: (( ... قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب)) [الزمر / 9] .(6/419)
وقال تعالى: (( ... يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير)) [المجادلة / 11] . وقال (: ((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سَهّلَ الله له طريقاً إلى الجنة)) رواه مسلم (1) . وقال (: ((إذا مات ابن آدم انقطع عَمَلُهُ إلاّ من ثلاثٍ: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له)) رواه مسلم (2) .
ثالثاً: التخلف الإقتصادي وفساد العقيدة وعلاقته بالتفكك القبلي في العصر الجاهلي بالجزيرة العربية:
إذا كانت التنمية بشقيها المادي والمعنوي تؤدي إلى الإندماج والتقارب بين الناس بشقيه المادي والمعنوي أيضاً، فإن غياب التنمية يؤدي إلى مزيد من التباعد والفرقة والصراع بين أفراد المجتمع الواحد. ومن الممكن أن نجد إثباتاً لهذا الفرض العلمي من بعض الشواهد في تاريخ الجزيرة العربية في العصر الجاهلي. فالجزيرة العربية - وهو الاسم الذي درج عليه العرب قديماً بالرغم من أنها شبه جزيرة - كانت تنقسم إلى خمسة أقسام (3) :
1 - تهامة: هي المنطقة الساحلية الضيقة الممتدة من اليمن جنوباً إلى العقبة شمالاً بمحاذاة البحر الأحمر. وكانت تتصف بشدّة الحرارة وركود الريح فيها.
2 - الحجاز: هي المنطقة الواقعة بين نجد وتهامة وتمتد من اليمن جنوباً حتى الشام شمالاً، وبها أقدس مدينتين مكة المكرمة والمدينة المنورة. ومكة المكرمة وادٍ غير ذي زرع ترك فيه نبيُّ الله إبراهيم إبنه إسماعيل وزوجته هاجر بأمر من الله سبحانه، قال تعالى على لسان إبراهيم في دعائه له: ((ربنا إني أسكنت من ذريّتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)) [إبراهيم / 37] .(6/420)
3 - نجد: وهي الهضبة الوسطى في شبه جزيرة العرب والواقعة بين اليمن جنوباً وبادية الشام شمالاً، وسميت نجد لإرتفاع أرضها، وهي تحتوي على أخصب أراضي الجزيرة.
4 - اليمن: يمتد من نجد شمالاً إلى المحيط الهندي جنوباً، والبحر الأحمر غرباً، وعمان شرقاً. ولقد عرفت عند العرب بالخضراء لكثرة ما فيها من مزارع ونخيل وأشجار وثمار، كما عرفت عند اليونان ببلاد العرب السعيدة لكثرة ما فيها من خيرات، هذا في الوقت الذي كان يسود فيه الجفاف معظم شبه الجزيرة العربية.
5 - العروض: ويضم اليمامة وغسان والبحرين وما والاهما، وسميت بالعروض لاعتراضها بين اليمن ونجد والعراق (1)
وبإستعراض أحوال هذه المناطق المترامية الأطراف آنفة الذكر، وأحوال وظروف سكانها الأصليين في ذلك الوقت وهم العرب من بني قحطان وموطنهم اليمن، وبني إسماعيل وموطنهم الحجاز نجد أن معظم هذه القبائل العربية كانت تعيش حياة جاهلية فانتشر فيهم ظلام الشرك والكفر والضلال، وفساد العقيدة، وابتعدوا عن دين الله الذي أرسل الله به إبراهيم وإسماعيل والأنبياء من قبل ومن بعد، فعبدوا الأصنام والأوثان واعتقدوا بأنها آلهة يتقرب بها إلى الله تعالى. واتصفوا ببعض الخصال والأعمال الذميمة مثل شرب الخمر ولعب الميسر، ووأد البنات، وتبرج النساء والزنا، وشن الغارات على بعضهم البعض للسلب والنهب، والعصبية والطبقية القبلية (2) . فالقبيلة الواحدة كانت تنقسم إلى ثلاث طبقات (3) :
أ) طبقة الأحرار، وهم أبناء القبيلة ويجمع بينهم الدم الواحد والنسب المشترك.
ب) طبقة الموالي، وهم الذين انضموا إلى القبيلة من العرب الأحرار من غير أبنائها عن طريق الجوار وطلب الحماية، أو العتق من الأرقاء منها.(6/421)
ج) طبقة الأرقاء، وهم المجلوبون عن طريق الشراء أو أسرى الحروب أو عن طريق الإغارة على القوافل المسافرة إلى العراق أو الشام، وهي طبقة محرومة من الامتيازات ويوكل إليها مزاولة المهن والصناعات التي يأنف الأحرار القيام بها تكبراً مثل الخدمة في المنازل ورعي الماشية والحجامة والحلاقة ونحوها. وأمّا الحالة الاقتصادية فلم يكن بها اقتصاد ذو قيمة تذكر، إلاّ ما كان في بلاد اليمن فقد كانت بلاداً خصبة ولاسيما أيام سد مأرب حيث ازدهرت الزراعة والفلاحة (1) ، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم إذ قال تعالى: ((لقد كان لسبأ في مسكنهم آيةً جنّتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور)) [سبأ / 15] .(6/422)
وبالإضافة إلى الزراعة اشتهرت اليمن ببعض الصناعات كصناعة الكتان وبعض الأسلحة كالسيوف والحراب والدروع وصناعة الجلود المعروفة بالأدم أو الأنطاع وصباغتها، كما توفر فيها الكثير من المعادن كالذهب والفضة والرصاص، والحديد، والأحجار الكريمة كالعقيق، والجزع وهو يشبه العقيق، كما اشتهرت اليمن أيضاً بالتجارة، فاشتغل اليمنيون وسطاء في التجارة بين الهند وبلاد العراق والشام ومصر. فاللؤلؤ الخليجي والتوابل والسيوف الهندية، والحرير الصيني والعاج والبن والذهب الأثيوبي كل هذه السلع كانت تصل إلى مصر والشام والعراق عن طريق اليمن. وانعكس هذا النشاط الاقتصادي على حياة اليمنيين فشيدوا بها أعظم الحصون والقصور والمباني (1) . ولقد متعهم الله سبحانه وتعالى بهذا الإزدهار الاقتصادي فترة ممتدة من الزمن فلمّا أعرضوا عن ذكر الله وطغوا ولم يشكروا، سلبهم الله تعالى ما أعطاهم فخرب سدّهم وتهدم، وأجدبت أرضهم فتفككوا وتفرقوا في الأرض بعد تجمع، فهاجرت قبائل الأزد الغساسنة إلى مشارف الشام، والتنوخيين إلى البحرين، والمناذرة إلى العراق، ورحل البعض إلى يثرب ومنهم الأوس والخزرج وغيرهم وقال الله سبحانه وتعالى عنهم: ((فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العَرِم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أُكُلٍ خمط وأثلٍ وشيء من سدر قليل. ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلاّ الكفور)) [سبأ / 16 - 17] . ويستفاد مما تقدم أن التقدم والإزدهار الاقتصادي الذي تمتعت به اليمن في العصر الجاهلي ساعد على تركز وتجمع أهلها في مكان واحد حول سد مأرب، ومع فساد عقيدتهم وإعراضهم وطغيانهم وزوال هذا السد تدهورت الأوضاع الاقتصادية في هذه البلاد، وبالتالي تفككوا وتباعدوا وتفرقوا بالمفهومين المادّي والمعنوي. أي أن غياب البعد الإيماني والشكر على النعم أدى إلى التفكك والتباعد والتشتت.(6/423)
أما بالنسبة للحجاز فلقد كانت مفتتة في العصر الجاهلي بين قبائل عدّة، وكانت كل قبيلة تعتبر كياناً سياسياً مستقلاً تربط بين أفرادها عصبية الدم وعصبية الأب أو الجد المشترك، ما عدا قبائل قريش القاطنين بالحرم، فإنهم كانوا يعيشون على التجارة حيث كانت تقوم برحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن. وقد امتن الله تعالى ذلك عليهم في قوله: ((لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف)) [قريش / 1، 2] . فكانوا في رغد من العيش، على خلاف غيرهم، فإنهم كانوا يعيشون على شظف العيش وضيقه، وما كان لقريش من سعة الرزق إنما كان لها من أجل حماها للحرم وتقديسها له (1) .(6/424)
وكان أهل الطائف ويثرب يشتغلون بالزراعة، ففي الطائف كانوا يزرعون الحنطة والحبوب والفواكه كالأعناب والموز والرمان، كما كانوا يربّون النحل لإنتاج العسل. أمّا في يثرب - والتي تغيّر إسمها إلى المدينة بعد هجرة الرسول (إليها - فكانوا يزرعون النخيل لإنتاج التمور التي اشتهرت بها، ويزرعون الشعير والقمح والفواكه. وكانت هناك بعض الأسواق تعقد في الأشهر الحرم مثل سوق عكاظ بين مكة والطائف، وسوق مجنة أسفل مكة، وسوق ذي المجاز بالقرب من عرفة. وفي يثرب كان هناك سوق بني قينقاع، وسوق زبالة، وسوق البطحاء. أمّا قبائل البدو فكانت تنتقل وراء الماء والعشب حيث اتصفت حياتها بعدم الاستقرار، وعادة ما كانت في صراع مستمر مع بعضها البعض، إمّا بسبب المراعي أو عيون الماء أو غيرها. وقد كان قانون الغاب هو الذي يحكم بينهم، ويقضي هذا القانون ((بأن الحق في جانب القوّة)) (1) ، ولذلك نشبت بينهم الحروب واستمرت، وتوارثتها الأجيال، مثل حرب البسوس التي استمرت أربعين عاماً، وحرب داحس والغبراء التي استمرت أربعين عاماً أيضاً. ومما سبق يمكن القول: بأن انعدام التنمية (سيادة التخلف بمفهومه الشامل) في معظم مناطق الجزيرة العربية في العصر الجاهلي سواء أكان بالمفهوم المادّي أو المفهوم المعنوي وما تضمنه من فساد العقيدة أدّى إلى التناحر والتباعد والتفكك بين هذه القبائل خاصة التي كانت تعيش في مجتمع الصحراء.
رابعاً: التنمية الإيمانية والتقارب والإندماج في عهد الرسول (:(6/425)
بعث الله سبحانه وتعالى النبيَّ محمداً (رسولاً بعدما وصل الناس - كما تقدم - إلى درجة كبيرة من الفرقة والتفكك، وفساد العقيدة وتفشي الشرك وظلام الجهل، بعثه الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن الشرك إلى التوحيد وصفاء العقيدة قال تعالى: ((يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً. وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً)) [الأحزاب / 45: 47] . ومع بعثته (بدأت تظهر التنمية الإيمانية بين الناس، حيث أمره الله سبحانه وتعالى بالجهر بالدعوة في مكة المكرمة بعدما كانت في السر. فقال سبحانه وتعالى: ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)) [الحجر / 94] . ومعلوم أن البعثة استمرت ثلاثاً وعشرين عاماً قضى منها الرسول (ثلاثة عشر عاماً بمكة المكرمة، وعشرة أعوام بالمدينة المنورة. واستطاع خلالها أن يقضي على الشرك في أنحاء الجزيرة العربية. ولاشك أن من أهم ثمار التمسك بلا إله إلاّ الله محمداً رسول الله وتصحيح العقيدة التي حققها الرسول (والتنمية الإيمانية التي غرسها في نفوس المسلمين بما تحويه من قيم ومبادئ، حدوث التقارب والإندماج الروحي والتآخي، والتماسك الاجتماعي. وكل ذلك أدّى إلى إيجاد مناخ صالح للتنمية الشاملة بجميع صورها وأشكالها. قال تعالى: ((ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ... )) [الأعراف / 96] وقال تعالى: ((وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم)) [الأنفال / 63] . فالله سبحانه وتعالى جمع بين قلوب المسلمين بالإيمان وإفراد العبادة له سبحانه فأصبحوا إخواناً متآلفين متحابين متماسكين. والتماسك الاجتماعي يعتبر شرطاً أساسيّاً لا غنى عنه عند المهتمين بدراسة الروابط بين التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية (1) . فبالنظر(6/426)
إلى التجارب الناجحة في مجال التقدم الاقتصادي والاجتماعي لأي أمة من الأمم نجد أن التماسك الاجتماعي هو الأساس الأول في بنائها، كما أثبتت التجارب التاريخية أن التماسك الاجتماعي القائم على أساس التمسك بالقيم الإسلامية هو الذي يدوم طويلاً، بعكس التماسك القائم على مشاعر العصبية أو العنصرية أو على أساس مبادئ وقيم من صنع البشر. وذلك لأن التمسك بالقيم الإسلامية يساهم بشكل كبير - كما تقدم - في إصلاح المناخ الاقتصادي والاجتماعي للتنمية، وبه حفظت الدولة الإسلامية قرابة سبع قرون متتالية، منذ ظهورها حتى القرن السابع الهجري - الثالث عشر أو الرابع عشر الميلادي - وظلّت تقود التقدم الاقتصادي والاجتماعي والفكري عالمياً طوال هذه القرون السبعة إلى أن ظهر فيها الوهن والتفكك من أثر تخلّي أبنائها أنفسهم عن كثير من قيمهم ومبادئهم وثوابتهم الإسلامية (1) . وبالعودة إلى بداية ظهور الدولة الإسلامية وتأسيس بنائها في عهد الرسول (، نجد أن الفرائض الدينيّة التي أوجبها الله على المسلمين والإصلاحات والتنظيمات التي أجراها الرسول (بما أوحي إليه من ربه جلّت قدرته، أو تلبية لحاجات المسلمين وتحقيقاً لمصالح الإسلام كان لها أكبر الأثر في حدوث التقارب والإندماج والتماسك الاجتماعي في ذلك الوقت، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:(6/427)
أ) بناء المسجدين ومشروعية الأذان: كان أول عمل قام به الرسول (عند هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ووصوله إلى قباء خلال إقامته بضعة أيام بين سكانها هو بناء أول مسجد أسس في الإسلام، وقد ذكره الله تعالى في كتابه وأثنى على أهله خيراً (1) ، فقال تعالى: (( ... لمسجدٌ أسس على التقوى من أول يوم أحقُّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبون أن يتطهروا والله يحب المطّهرين)) [التوبة / 108] . ثم قام عليه الصلاة والسلام ببناء مسجده بالمدينة المنورة الذي كان أهم مسجد في تاريخ الدنيا كلها بعد المسجد الحرام، حيث أسّست فيه خير أمة أخرجت للناس. ولاشك في أن المسجد قلب المجتمع الإسلامي، وملتقى المؤمنين بالغدوّ والآصال، فهو مكان الصلاة والعبادة، ومدرسة للإرشاد والتوجيه، وفيه يزداد التقارب والإندماج بين المجتمع الإسلامي. ثم شرع الأذان وأنطلق في الأجواء نداء الحق: الله أكبر، الله أكبر ... ، حيّ على الصلاة، حي على الفلاح فكان من أهم الروابط القوية التي زادت من تآلف وتماسك المجتمع الإسلامي.(6/428)
ب) المؤاخاة: آخى الرسول (بين أصحابه من المهاجرين والأنصار وعقد الألفة بينهم. روى الإمام أحمد بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: حالفَ رسولُ اللهِ (بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك (1) . واستجاب الأنصار للرسول حتى إنهم كانوا يتوارثون بهذا الإخاء إرثاً مقدماً على القرابة، فإذا مات المهاجر ورثه أخوه الأنصاري وإذا مات أحد الأنصار ورثه المهاجر (2) ثم نسخ الإرث وبقي التناصح والتآزر والتآخي، فشارك الأنصار المهاجرين بالمال فأشركوهم في زراعاتهم وتجاراتهم. عن أنس رضي الله عنه قال: قدم عبد الرحمن بن عوف، فآخى النبيُّ (بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلّني على السوق ... (3) الحديث. وقد وصف القرآن الكريم ذلك الإخاء فقال تعالى: ((للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون. والذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يُوقَ شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون)) [الحشر/ 8، 9] .
ج) التكافل الإجتماعي بين المسلمين: إهتم الإسلام بمبدأ التكافل الإجتماعي بين المسلمين فأوجب على الأغنياء إخراج زكاة أموالهم، وجعلها الركن الثالث من أركان الإسلام قال رسول الله (: ((بني الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) . متفق عليه (4) . وقال تعالى:(6/429)
((خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم)) [التوبة / 103] ، كما حدّد القرآن الكريم كيفية صرف الزكاة لمستحقيها فقال تعالى: ((إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)) [التوبة / 60] . وبعث النبيّ (معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن فقال: ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتردُّ على فقرائهم)) متفق عليه (1) . وَرَغّبَ الإسلام في الإحسان إلى الأيتام والأرامل والمساكين فقال رسول الله (: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبّابة والوسطى، وفرّج بينهما)) رواه البخاري (2) . وقال (: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر)) متفق عليه (3) . وحث الإسلام على التصدق في سبيل الله، فقال تعالى: ((إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم)) [الحديد / 18] . كما حث الإسلام على تقديم القرض الحسن لمن يحتاجه، وأمر بإنظار المعسر في السداد أو العفو عنه إن أمكن فقال تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون)) [البقرة / 280] ، وقال (: ((من أنظر معسراً، أو وضع لَهُ، أظَلّهُ الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّهُ)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (4) . ولاشك أن كلّ هذه الأمور تقوّي من التآخي والترابط والتقارب والإندماج في المجتمع المسلم.(6/430)
د) إقرار مبدأ العدل: قال تعالى: ((فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل ءامنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم..)) [الشورى / 15] . وقال تعالى: ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ... ))
[النحل / 90] ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلوا)) . رواه مسلم (1) . فبالعدل تتحقق الألفة بين الناس وتسود المحبة بينهم ويحصل التقارب والإندماج ويتماسك المجتمع.
هـ) إقرار مبدأ المساواة: عرفنا كيف كان الإنسان في العصر الجاهلي موزعاً بين قبائل وأمم وطبقات فلما جاء الإسلام قرّر المساواة والوحدة البشرية بين الناس فقال تعالى: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)) [النساء / 1] وجعل معيار التفرقة بينهم تقوى الله عز وجل. فقال تعالى: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)) [الحجرات / 13] .
و) إقرار مبدأ الشورى: يقرر الإسلام هذا المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه نظام الحكم قال تعالى: ((فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ... )) [آل عمران/ 159] .(6/431)
وقال تعالى: ((والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)) [الشورى / 38] . فالشورى سمة مميزة للأمة الإسلامية الأمة الوسطية التي اختارها الله لقيادة البشرية، ولذلك فإن الشكل الذي تتم به الشورى، متروك لكل بيئة وزمان، لتحقيق ذلك الطابع في حياة الجماعة الإسلامية، ولكي تتحقق هذه المبادئ الإسلامية لابد من وجود المسلمين الملتزمين المتحابين المتماسكين الذين تتحقق بهم المبادئ الإسلامية الكلية خير تحقيق (1) .(6/432)
ز) الدعوة إلى التوبة وملازمة الإستغفار: دعا الإسلام الناس دعوة عامّة إلى التوبة والإستغفار والعزم الأكيد على عدم العودة إلى الذنب، وهذا دليل على شرف الإنسان، وأصالة معدنه، وهو ميراث آدم عليه السلام فالمذنب العاصي يلجأ إلى الله سبحانه، ويفر إليه، ويتفيأ بظلاله ويرتمي في أحضان رأفته وعطفه ورحمته الواسعة. ويجد الله سبحانه وتعالى جواداً كريماً يحب التوابين والمتطهرين ويشكر سعيهم (1) فقال تعالى: ((قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم)) [الزمر / 53] . وأكثر من ذلك وأروع ما نجد في الآية التالية حيث ذكر الله سبحانه جماعات مختلفة من عباده الصالحين، فاستهل هذه القائمة المشرقة النورانية بالتائبين فقال تعالى: ((التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين)) [التوبة / 112] ، وليس ذلك فحسب بل إن الله سبحانه وتعالى يكرم عباده المستغفرين بالخير والبركة والرزق والأموال والبنين يقول المولى جلّت قدرته: ((فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسل السماء عليكم مدراراً. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّات ويجعل لكم أنهارا)) [نوح / 10 - 12] . وقال رسول الله (: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)) رواه أبو داود (2) . وعرفنا فيما سبق أن المناخ الاقتصادي والاجتماعي لن يكون صالحاً لعملية التنمية إلاّ بالتمسك بالقيم، ولذلك فإن الإستغفار والتوبة يعتبران الخطوة الأولى في طريق التصحيح والعودة إلى الله وتحول المجتمع إلى الطريق الصحيح (3) .(6/433)
ح) إفشاء السلام والحب في الله: حث الرسول (الناس على إفشاء السلام فيما بينهم فإنه يؤدي إلى زيادة الترابط والألفة والمحبة بينهم فقال عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابّوا. أولا أدُلّكُمْ على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)) رواه مسلم (1) .
ط) النهي عن الظلم والمنازعة: نهى الإسلام عن الظلم وما يؤدي إلى النزاع والفرقة بين المسلمين، قال تعالى: ((وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)) [الأنفال / 46] . وقال الرسول (: ((لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يحقرهُ ولا يخذلهُ. التقوى ههُنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امريءٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)) رواه مسلم (2) .
خامساً: التنمية وأثرها على التقارب والإندماج في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله:
معلوم أن الدولة السعودية مرّت بثلاثة مراحل: المرحلة الأولى امتدت من سنة 1157 هـ إلى سنة 1233 هـ. وقامت الدولة السعودية الأولى خلال هذه المرحلة على يد الإمام محمد بن سعود بالتحالف مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وانتهت هذه الدولة عندما أوعزت الدولة العثمانية لمحمد علي والي مصر بإرسال حملة للقضاء عليها بعدما أحسوا بالخطر القادم منها على سلطانهم في الحجاز. وقد كان لهم ما أرادوا.
وامتدت المرحلة الثانية من سنة 1240 هـ إلى سنة 1309 هـ وكانت قد بدأت على يد الأمير تركي بن عبد الله وانتهت بسبب الخلاف بين أبناء الأسرة الواحدة.(6/434)
أمّا المرحلة الثالثة للدولة السعودية الفتيّة فقد بدأت سنة 1319 هـ عندما تمكن مؤسس هذه الدولة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود من الإستيلاء على الرياض. واستمر رحمه الله يناضل إلى أن تم توحيد أرض الجزيرة العربية على يده، من الخليج العربي شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً بإسم المملكة العربية السعودية سنة 1351 هـ (1) .
وكانت الجزيرة العربية قبل توحيدها تسود فيها الحياة القبلية التي تعتمد على منطق القوة والعنف والمنازعات إضافة إلى انتشار كثير من البدع والخرافات والجهل، ومن الطبيعي أن مجتمعاً هذه سماته يكون مفتقداً للتنمية ومن ثم للتقارب والإندماج فكان التفكك والتباعد هو السائد بين القبائل، حتى أن أرض الجزيرة كانت مفتتة بين إمارات عدّة، فحكم الحجاز وعسير كان للأشراف فعلاً وتحت الحكم العثماني إسماً، أمّا نجد فكان حكم العيينة لآل معمر، وحكم الرياض لدهام بن دواس، وحكم الخرج لآل زامل، وحكم الدرعية لآل سعود (2) . وكانت هذه الأمارات منعزلة عن بعضها البعض بسبب صعوبة التضاريس وعدم وجود طرق ممهدة تربط بينها أو وسائل إتصال حديثة، إضافة إلى قسوة المناخ الصحراوي، وإنتشار قطاع الطرق وعدم توفر الأمان في ذلك الوقت، وكذلك الأمر من الناحية الاقتصادية فلم تكن تربطها أية علاقات بل كانت عبارة عن أسواق مقسمة ومتباعدة ومترامية الأطراف ومما ساعد على ذلك اختلاف العملات والنقود المتداولة فيها فعلى سبيل المثال كان يتم التداول في الحجاز (المنطقة الغربية) بالريال المجيدي العثماني والريال الهاشمي وريال ماريا تريزا والروبية الهندية وكلها كانت مسكوكة من الفضة إضافة إلى الجنيه المصري، والجنيه الإنجليزي وكانا مسكوكين من الذهب. أمّا نجد (المنطقة الوسطى) فكان يقوم فيها التداول عن طريق نظام المقايضة حيث كانت منطقة شبه مغلقة وإن كان قد عرف فيها بعض العملات النحاسية من أصل عثماني أو مصري.(6/435)
وفي المنطقة الشرقية كانت الروبية الهندية هي السائدة، أما المنطقة الجنوبية فقد كان يتم فيها تداول الريال الفرنسي الفضي (1) .
وقد قام جلالة المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله بأعمال وتنظيمات مختلفة أدت إلى المساهمة في البدء في البرامج التنموية للمملكة وإلى مزيد من التقارب والإندماج في المجتمع السعودي ومن أهمها:
أ) نشر الوعي الديني والدعوة الإسلامية: اعتمد الملك عبد العزيز في تأسيس الحكم على المنهج الإسلامي، ولذلك فإن القواعد التنظيمية التي سار عليها في منهجه السياسي وجميع التغييرات التي أحدثها سواء أكانت اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية كانت مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله (ومقيدة بتعليم ومبادئ الإسلام (2) . ومن هنا فقد اهتم رحمه الله بنشر الوعي الديني بين القبائل والعشائر في الحاضرة والبادية فأمر ببناء المساجد وعيّن فيها الأئمة والخطباء، وأرسل لهم العلماء والوعّاظ لإرشاد الناس إلى التمسك بهدي الإسلام وبالقيم الدينية وبينوا لهم الحدود الشرعية وأخذوا يفقهونهم بالحلال والحرام، وأن المسلم دمه وماله وعرضه حرام. وأن الإيمان لا يكتمل للإنسان المسلم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
ب) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أخذ الملك عبد العزيز رحمه الله بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعد له جهازاً تنظيمياً رسمياً، يهدف إلى إصلاح المجتمع وإرشادهم إلى الطريق الصواب ومحاربة البدع، والمحافظة على إقامة الشعائر الدينية وأداء الصلوات في أوقاتها. ومراقبة الأسواق للتأكد من عدم الإختلاط أو إيذاء الرجال للنساء والحث على التستر والإحتشام، وزجر وتأديب صاحب السلوك المنحرف أو إحالته إلى الجهات المختصة لمعاقبته (3) .(6/436)
ج) توفير الأمن والسلامة والطمأنينة: شهدت الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله عهداً من الأمن والطمأنينة لم تعرفه منذ فترة طويلة من الزمن، فاختفت الجرائم لأنه أقام الحدود الشرعية بالقصاص من القاتل وقطع يد السارق والجلد في الجرائم الأخلاقية. وأصبحت طرق القوافل آمنة للحجاج والمسافرين. وألغى الضرائب أو الخوّة التي كانت تفرضها القبائل على كل من يمر في حماها أو المدى الذي يقع تحت نفوذها، ودعا شيوخ القبائل وأبلغهم بأن كل واحد منهم سيصبح مسئولاً عن كل ما يقع في مدى عشيرته. فأمنت النفوس وأطمأنت وازدادت الصلة بين الناس والتقارب والإندماج وارتبطت المناطق والأقاليم بعضها ببعض بعد التفتت والفرقة والإنقسام (1) .
د) توطين البادية: عمل الملك عبد العزيز رحمه الله على توطين البادية، وتحويل نمط حياتها المعيشيّة من طور الرعي والإرتحال والعيش في الأكواخ والخيام الشعر إلى الإستقرار والبناء في الهجر وهي الأماكن التي تقع قريبة من المياه، وحدد لهم نظاماً لتوزيعها وأمر بإرشادهم وتعليمهم أساليب الري والزراعة واستصلاح الأراضي واستثمارها وتوفير البذور فاتسعت رقعة ومساحة الأراضي الزراعية (2) ، وانتشرت الهجر فبلغت ما يقرب من مائة واثنين وعشرين هجرة، موزعة على مختلف مناطق المملكة تضم مالا يقل عن اثنتي عشرة قبيلة يصل عدد أفرادهم حوالي ثمانين ألف نسمة (3) . فظهرت الألفة بين القبائل بحكم الجوار والاستقرار والتقارب وأخذت تتزاوج من بعضها البعض وشجعهم الملك عبد العزيز على ذلك وضرب لهم في ذلك المثل بنفسه حيث تزوج رحمه الله من عدد من القبائل. فازدادت الروابط والصلات والمؤاخاة بدلاً من الغزو والسلب والنهب الذي كان سائداً من قبل.(6/437)
هـ) الاهتمام بنشر العلم: عندما دخل الملك عبد العزيز رحمه الله مكة المكرمة دعا العلماء فيها، وحثهم على نشر العلم والتعليم وتنظيمه والتوسع فيه (1) . ثم أمر بإنشاء مديرية المعارف في عام 1344 هـ وأسند إليها الإشراف على جميع المدارس في الدولة، وعهد إليها بإنشاء المدارس والمعاهد وتنشيط الحركة العلمية، فأنشئت في عهده رحمه الله الكثير من المدارس في المدن والقرى (2) .
وعلى الرغم من قلّة الموارد المالية في ذلك الوقت إلاّ أنه كان التعليم فيها بالمجان وقد استعين في التدريس بالعديد من المدرسين في الدول المجاورة كمصر وسوريا وقد ذلل رحمه الله جميع المعوقات والصعوبات التي كانت تواجه نشر التعليم في المملكة. ولاشك أن التعليم ومحاربة الجهل يعتبر من أهم وسائل البناء والتنمية للمجتمعات، ويمثل حجر الزاوية في تحقيق التقدم والإزدهار والتقارب والإندماج.
و) العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية: حرص جلالة الملك
عبد العزيز رحمه الله على تحسين الأوضاع الاقتصادية للمملكة ورفع المستوى المعيشي فيها وذلك بوضع برامج إصلاحية تهدف إلى القضاء على الفوضى النقدية، وربط الأسواق المحلية، وتوفير مصدر دخل قومي يمكن الإنفاق منه على برامج التنمية في جميع مناطق المملكة. فبدأ رحمه الله بالإصلاح النقدي حيث تم في عام 1344 هـ سحب جميع العملات المختلفة التي كانت تتداول في مناطق المملكة وحل محلّها الريال المجيدي العثماني كخطوة أولى لتوحيد وسيلة الدفع في البلاد، وفي عام 1346 هـ قام بسك الريال الفضي، وهو يعادل تقريباً نفس وزن الريال المجيدي العثماني، ويحمل اسم ملك الحجاز وسلطان نجد، وبعد ذلك تم إصدار ريال فضي جديد يحمل اسم المملكة العربية السعودية وهو يعادل وزن الروبية الفضية الهندية.(6/438)
ثم أنشأ رحمه الله في عام 1371 هـ مؤسسة النقد العربي السعودي لتكون بمثابة البنك المركزي للدولة. ومن أهم مزايا هذا الإصلاح النقدي زيادة الربط بين الأسواق المحلية وتشجيع حركة التبادل فيما بينها (1) . ثم قام رحمه الله بإنشاء بعض الطرق التي تربط بين أقاليم المملكة، ويأتي على رأس هذه الطرق خط السكة الحديدية الذي يربط بين العاصمة الرياض والمنطقة الشرقية، مما شجع على زيادة حركة التجارة الداخلية، وزيادة التقارب والإندماج. وأمّا بالنسبة للمحاولة على توفير مصدر دخل قومي يمكن الإنفاق منه، فقد أجرى الله سبحانه وتعالى الخير على يد جلالته فقام بمنح شركة ستاندرد أويل أوف كالفورنيا الأمريكيّة حق امتياز التنقيب عن البترول في المنطقة الشرقية. وتم اكتشاف البترول في المملكة لأول مرّة عام 1357 هـ. وبالطبع لم تكن العوائد المحققة من البترول آنذاك بدرجة تمكن من تحقيق تنمية شاملة في جميع أنحاء المملكة ولكنها كانت البداية، حيث أخذت عملية التحوّل من المجتمع القبلي إلى المجتمع القومي في التزايد بمعدل سريع بعد اكتشاف البترول (2) ، مما أدّى إلى مزيد من التقارب والاندماج.
وهكذا يتضح مما تقدم أن برنامج التنمية الذي قام به الملك عبد العزيز رحمه الله أدّى إلى تحقيق التقارب والإندماج بين جميع سكان المملكة العربية السعودية لأنه احتوى على العنصر الإيماني والأخلاقي، وهو ما تفتقده معظم برامج التنمية في العصر الحديث.
سادساً: التنمية وأثرها على التقارب والاندماج في مجتمع المملكة العربية السعودية الحديث:(6/439)
نفذت المملكة العربية السعودية بحمد الله تعالى خلال الثلاثين سنة الأخيرة 1390 هـ - 1420 هـ (1970 م - 2000 م) ست خطط خمسية تنموية، وبدأت في تنفيذ الخطة السابعة. ولقد عاصرت الخطط الثلاثة الأولى إمّا في جزء منها أو كلها عهد الطفرة البترولية التي زادت خلالها أسعار البترول إلى ما يعادل عشرين ضعفاً من الأسعار السابقة. وحققت هذه الخطط مستوى تنمية أكبر من أن تصفه القيم النقدية للمتغيرات الاقتصادية. فالإقتصاد السعودي يتمتع بعدد من المزايا التي قلّ ما تتوفر لأي من الدول النامية الأخرى. إذ يمتلك ربع احتياطي العالم من البترول، ويعتبر ثالث أكبر اقتصاد في إنتاجه (1) بعد الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، كما تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر دولة مصدرة للبترول في العالم (2) . وتحتل المركز الخامس على مستوى العالم في احتياطي الغاز الطبيعي، إضافة إلى ما تمتلكه من ثروة معدنية ضخمة. وتمكنت بفضل الله ثم بفضل جهود التنمية التي بذلتها من تحقيق الإكتفاء الذاتي في التمور والقمح والبيض والحليب الطازج (3) . ويوجد لدى المملكة أكبر صناعة بتروكيماويات في منطقة الشرق الأوسط، ويمثل اقتصادها أضخم اقتصاد في المنطقة من حيث الحجم، فقد بلغ إجمالي الناتج المحلّي حوالي 146.2 بليون دولار عام 1997 م (4) .
ويوضح الجدول (1) تطور متوسط الدخل الحقيقي بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة 1970 م - 1997 م.
جدول رقم (1)
متوسط الدخل في المملكة العربية السعودية بالأسعار الثابتة (1970 = 100)
السنوات الميلادية
الناتج المحلي الإجمالي بملايين الريالات
عدد السكان بالمليون نسمة
متوسط الدخل الحقيقي بالريال
1970
1975
1980
1985
1990
1995
1997
19907
34462
53282
45304
56243
62877
64969
5.745
7.251
9.604
12.649
16.048
17.880
19.010
3465
4753
5548
3582
3505
3517
3418(6/440)
المصادر: (1) مؤسسة النقد العربي السعودي، التقرير السنوي الرابع والثلاثون، 1419 هـ، ص 289 - 291.
(2) منظمة الخليج للإستشارات الصناعية، ملف الخليج الإحصائي، 1999م، ص 207.
وكما يتضح بالجدول (1) فإنه في فترة العشر سنوات الأولى (1970 م - 1980 م) زاد الناتج المحلّي الحقيقي في المملكة إلى أكثر من ضعفين ونصف، وفي السبعة عشر سنة الأخيرة زاد بمعدل أقل يصل إلى 22% طوال الفترة، وذلك بسبب انخفاض أسعار البترول. أمّا متوسط الدخل الحقيقي فقد زاد خلال فترة العشر سنوات الأولى بنسبة 60% طوال الفترة، وإن كان قد انخفض بعد ذلك. كما صاحب التنمية الاقتصادية في المملكة تنمية اجتماعية على مستوى عال في جميع المناطق، ويوضح ذلك الجدول (2) .
جدول (2)
بعض معايير التنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية
المعيار
1980 م
1993 م
94/1995م
1
النسبة المئوية من السكان الذين تتوفر لهم فرص الحصول على رعاية صحية.
85%
98%
2
النسبة المئوية من السكان الذين تتوفر لهم فرص الحصول على مياه مأمونة.
91%
93%
3
النسبة المئوية من السكان الذين تتوفر لهم فرص الحصول على صرف صحي.
76%
86%
4
نسبة الملتحقين بالمدارس الإبتدائية من الفئة العمرية (ذكور)
74%
78%
5
= = = = = = = (إناث)
49%
73%
6
= = = الثانوية = = = (ذكور)
36%
54%
7
= = = = = = = (إناث)
23%
43%
8
= = بالتعليم العالي من الفئة العمرية.
7%
14%
المصدر: البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1997 م، الدولة في عالم متغير، ص 243، 425.(6/441)
ومن الواضح بالجدول (2) أن التنمية الاقتصادية في المملكة صاحبها تنمية اجتماعية تمثلت في وصول الرعاية الصحية لنسبة 98 % من السكان، ووصول المياه الصحية المأمونة لنسبة 93 % من السكان، ووصول الصرف الصحي لنسبة 86 % من السكان حتى عام 1994 م / 1995 م. كما أن نسبة الملتحقين بالتعليم الأساسي وصلت 78% من الفئة العمرية للذكور، 73% من الفئة العمرية للإناث حتى عام 1993 م.
ولقد أدّت هذه التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى زيادة درجة التقارب والإندماج بين أقاليم المملكة، ويتضح هذا التقارب في عدد من المظاهر أهمها:
1 - زيادة نسبة الحضر:
تحدث زيادة نسبة الحضر urban areas في الغالب من تزايد الهجرة من مناطق البدو والريف rural areas إلى المدن، أو لتحول عديد من القرى إلى مدن نتيجة لإرتقاء مستوى التنمية فيها. وتؤدي الهجرة إلى التقارب المادّي بين المواطنين، كما قد تؤدي إلى تقارب معنوي ناجم عن التزاوج والمصاهرة وما يصاحبه من صلة نسب وقربى بينهم. ويوضح الجدول (3) زيادة نسبة الحضر في مجتمع المملكة العربيّة السعودية خلال الفترة 1970م - 1995م.
جدول (3)
تطوّر نسبة الحضر في المملكة العربية السعودية
بيان
1970 م
1980 م
1995 م
1970-1980م
1980-1995م
نسبة الحضر من السكان
معدل النمو السنوي لنسبة الحضر
49%
67%
79%
8.3 %
6 %
المصدر: (1) البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1994 م، البنية الأساسية من أجل التنمية، ص 255.
(2) البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1997 م، الدولة في عالم متغير، ص 249.
ومن الواضح في الجدول أن نسبة الحضر من السكان زادت من 49 % سنة 1970 م إلى 79% 1995 م، وذلك بمعدل سنوي 8.3 % خلال الفترة 1970 م - 1980 م، ومعدل سنوي 6 % خلال الفترة 1980 م - 1995 م. ويعتبر هذا دليلاً على تزايد درجة التقارب والإندماج بين مواطني المملكة عبر هذه الفترة.(6/442)
2 - زيادة درجة الربط بين المدن والقرى:
صاحب التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة زيادة درجة الربط بين الأقاليم عن طريق وسائل الاتصال الحديثة. ويوضح الجدول (4) بعض المعايير التي تعكس ذلك.
جدول (4)
بعض معايير الربط بين أقاليم المملكة العربية السعودية
م
بند
1970 م
1998 م
1
2
3
4
أطوال الطرق المرصوفة بالألف كم
أطوال الطرق الترابية بالألف كم
ركاب السكك الحديدية بالألف
خطوط الهاتف العاملة بالألف
8
3.5
117
1452*
44
102.3
608
2281**
المصدر: (1) وزارة النخطيط، المملكة العربية السعودية، منجزات خطط التنمية (1997 م - 1998 م) ، ص 343.
(2) منظمة الخليج للإستشارات الصناعية، مرجع سابق، ص 225.
* الرقم لسنة 1992 م، ** الرقم لسنة 1997 م.
ومن الواضح بالجدول (4) أن أطوال الطرق المرصوفة التي تربط بين مناطق المملكة وداخلها زادت إلى خمسة أضعاف ونصف، كما زادت أطوال الطرق الترابية إلى تسعة وعشرين ضعفاً خلال الفترة 1970 م - 1998 م، وزادت حمولة خطوط السكك الحديدية خمسة أضعاف خلال نفس الفترة، كما زادت خطوط الهاتف خلال فترة خمس سنوات فقط (1992 م - 1997 م) بنسبة 57 %. وتعبّر هذه المعدّلات عن زيادة درجة الترابط بين مدن المملكة وقراها مع تزايد التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها، وبالتالي إلى زيادة التقارب المادي والمعنوي بين مجتمع المملكة.
• • •
الخاتمة والتوصيات:
إن التنمية بمفهومها الشامل تربط بين العوامل الاقتصادية والعوامل الاجتماعية وتعتبرهما جزءاً لا يتجزأ تستمد منهما العناصر الأساسية لدفع عجلة التنمية ككل.
كما أن هناك علاقة تبادلية بين التنمية من ناحية والتقارب والإندماج في المجتمعات من ناحية أخرى.(6/443)
فالتنمية تسعى إلى تحسين مستويات معيشة الأفراد والإرتقاء برفاهيتهم الحسيَّة، ويفترض في الوقت نفسه أن يكون لها دور في الارتقاء بأخلاقهم وسلوكهم، ومن ثم حدوث التقارب والإندماج بينهم. وقد اعتنى الإسلام منذ بدايته بذلك وله قصب السبق في إدخال العوامل الاجتماعية في صميم التنمية، فاهتم بالجانب الإيماني والأخلاقي ولم يركز اهتمامه على الجانب المادي فقط كما هو الحال في برامج التنمية المعاصرة، كما أنه لم يدع للفرد الحرية المطلقة في تصرفاته التي تؤثر في الآخرين أو في المجتمع ككل، وإنما قيّد هذه الحرية بضوابط وقواعد لا ضرر ولا ضرار والالتزام بالسلوك والمبادئ التي رسمتها الشريعة. وهذا الالتزام هو المنهج الذي سار عليه المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله في وضع ركائز الحكم ودعائمه في جميع برامجه السياسية والتنموية، فوصل به إلى بر الأمان، وأجرى الله على يديه الخير فكان سبباً للمّ شعث الجزيرة وتوحيدها بعد فرقة وصراع وتباعد. وتحققت التنمية بمفهومها الشامل وبجانبيها المادي والمعنوي - وإن كانت في شكلها البدائي - ثم سار على نهجه أبناؤه البررة فازدادت التنمية بصورة أكبر وأصبحت المملكة العربية السعودية دولة شامخة فتيّة لها ثقلها بين شقيقاتها الدول العربية والإسلامية، بل ولها دورها المؤثر على المستوى العالمي. فحق لها أن تفخر بما حققته من إنجازات تنموية مع تمسكها بمبادئها الإسلامية، وهي بحق أنموذجاً حيّاً للتنمية الشاملة التي جمعت بين الجانب الروحي والإيماني، والجانب المادي. ومجتمعها أنموذجاً في التقارب والإندماج والألفة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. ولا عجب في ذلك فالله سبحانه وتعالى أخرج جزيرة العرب من الظلمات إلى النور ببعثة نبيه محمد (. فتحقّقت فيها التنمية الإيمانية والألفة والمحبة والتقارب والإندماج في عهده (وعهد الخلفاء الراشدين من بعده والتابعين واستمرت بنفس القوّة حتى(6/444)
القرن السابع الهجري. وبعد هذه الفترة ظهر فيها الوهن والتفكك إلى أن هيأ الله لها الرجال المخلصين الذين ساروا على نهج المصطفى (وتمسكوا بالكتاب والسنة وعلى رأسهم الملك عبد العزيز رحمه الله فعادت إليها وحدتها وتآلفها. ولذلك فإن دراسة التاريخ الاقتصادي القديم والحديث للجزيرة العربية تعتبر شاهداً على أهمية مراعاة الجانب الإيماني والأخلاقي في برامج التنمية، وأن غيابهما من برامج التنمية الحديثة على المستوى الدولي أدى إلى مزيد من التفكك والتباعد في العلاقات الإنسانية سواء أكان ذلك بين سكان الدول المختلفة أو المجتمع الواحد والأسرة الواحدة.
ويوصي الباحث أخيراً بأنه ينبغي لهيئة الأمم المتحدة الاهتمام بالجانب الإيماني والأخلاقي عند محاولتها قياس التنمية البشرية، إضافة إلى اهتمامها بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئيّة وغيرها. حيث لوحظ في تقاريرها المنشورة أنها لم تركز على جانب القيم الأخلاقية في صياغتها لمؤشر التنمية البشرية رغم أهميته الشديدة.
والحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحواشي والتعليقات
http: / www.law.cornell.edu/uscode/17/107/shtml, Killings Rise As 3 Million Illegal Guns Flood Britain.
Ibid , Unintended Consequenences of Gun Control.
Gasper , Des , “ violence and suffering , Responsibility and choice: Issues in Ethics and Development ”, The European Journal of Development Research , Vol. 11 , no. 2 , Dec 1999 , PP. 1 - 11.
يقصد بمجتمع المملكة العربية السعودية قديماً جزيرة العرب وما حدث فيها من تطورات تاريخية.(6/445)
يقول سماحة الشيخ محمد بن جبير رئيس مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية في سرد ذكرياته بصحيفة الوطن عدد 17، وتاريخ 19 / 7 / 1421 هـ، ((إن الإندماج الذي تم بين سكان المملكة هو إندماج غريب غير مسبوق لدرجة أن أصبحت اللهجة موحّدة تقريباً، نتيجة للإحتكاك الاقتصادي والتعليم والثقافة الواحدة. فأصبحت لا تميز بين ساكن الجنوب وساكن الشمال وساكن الشرق وساكن الغرب)) .
عبد القادر محمد عبد القادر، إتجاهات حديثة في التنمية، الاسكندرية، الدار الجامعية: 1999 م، ص 17.
فؤاد عبد الله العمر، “ حصيلة الزكاة وتنمية المجتمع، دراسة حالة واقعية عن الكويت ”، موارد الدولة المالية في المجتمع الحديث من وجهة النظر الإسلامية، جدة، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب: 1408 / 1409 هـ، ص 335.
عبد القادر محمد عبد القادر، مرجع سابق، ص 52.
محمد إبراهيم السيف، “ رؤية الملك عبد العزيز للأمن الاجتماعي في المجتمع السعودي ”، مجلة الأمن، الرياض، العدد السابع عشر: ذو القعدة 1419 هـ، ص 186.
محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع الصحيح المعروف ب (صحيح البخاري) ، كتاب الرقاق، باب التواضع. بيروت - لبنان، دار الفكر، سنة 1994 م، ج 7، ص 243، رقم الحديث (6502)
البخاري، المرجع السابق، كتاب الإيمان، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة، ج1، ص 14، رقم الحديث (25) . ومسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، الجامع الصحيح، المسمّى صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، بيروت - لبنان، دار ابن حزم، سنة 1995 م، ج1، ص 571، رقم الحديث (21) .
الرازي، مختار الصحاح، القاهرة، المطبعة الأميرية: 1345 هـ - 1926م، باب القاف، ص 526.
الرازي، المرجع السابق، باب الدال، ص 210.(6/446)
مسلم النيسابوري، مرجع سابق، كتاب البر والصلة، ج4، ص 1573، رقم الحديث 2555.
البخاري، مرجع سابق، كتاب أحاديث الأنبياء، باب الأرواح جنود مجندة، ج4، ص 126، رقم الحديث 3336.
مصطفى سعيد الخن وآخرون، نزهة المتقين شرح رياض الصالحين للإمام النووي، بيروت - لبنان، مؤسسة الرسالة 1408 هـ - 1988 م، ج2، ص 952.
مصطفى سعيد الخن وآخرون، المرجع السابق، ج2، ص 953.
السيد عبد العزيز سالم، تاريخ شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، الاسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة: 1999 م ص 70 - 74.
ومصطفى الهمشري، النظام الاقتصادي في الإسلام، الرياض، دار العلوم: 1405 هـ - 1985 م، ص 39، 40.
ياقوت بن عبد الله الحموي معجم البلدان، بيروت، دار صادر، 1404 هـ - 1984 م، ج 4، ص 112.
مادة (العُروض) .
أبو بكر جابر الجزائري، هذا الحبيب محمد رسول الله (، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم: 1415 هـ، ص 28، 31، 32.
مصطفى الهمشري، مرجع سابق، ص 42، 43.
أبو بكر الجزائري، مرجع سابق، ص 28.
السيد عبد العزيز سالم، مرجع سابق، ص 87 - 93.
أبو بكر الجزائري، مرجع سابق، ص 29.
السيد عبد العزيز سالم، مرجع سابق، ص 360 - 361.
عبد الرحمن يسري أحمد محمد، الأولويات الأساسية في المنهج الإسلامي للتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، جدة، جامعة الملك عبد العزيز: 1982 م، ص 17.
عبد الرحمن يسري أحمد محمد، المرجع السابق، ص 17.
أبو بكر الجزائري، مرجع سابق، ص 166.
الحافظ بن كثير، البداية والنهاية، تحقيق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر، 1417 هـ - 1997 م، ج4، ص 554.
الحافظ بن كثير، المرجع السابق، ج4، ص 559.
وقطب إبراهيم محمد، السياسة المالية للرسول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988 م، ص 34.(6/447)
الحافظ بن كثير، مرجع سابق، ج4، ص 563.
البخاري، مرجع سابق، كتاب الإيمان، باب قول النبي (بني الإسلام على خمس، ج 1، ص 9، رقم الحديث (8) . ومسلم النيسابوري، مرجع سابق، كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام، ج 1، ص 52، رقم الحديث (16) .
مصطفى سعيد الخن وآخرون، مرجع السابق، ج2، ص 858.
المرجع السابق، ج1، ص 274.
المرجع السابق، ج1، ص 275.
محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي، القاهرة، المكتبة التجارية، كتاب البيوع، باب ما جاء في إنظار المعسر، ج 3، ص 590، رقم الحديث 1360.
مسلم النيسابوري، مرجع سابق، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، ج 3، ص 1159، رقم الحديث 1827.
سيد قطب، في ظلال القرآن، بيروت، دار الشروق: 1402 هـ / 1982 م، المجلد الخامس، ص 3165، 3166.
السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي، السيرة النبوية، بيروت، المكتبة العصرية، 1401 هـ - 1981 م، ص 554، 555.
سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، القاهرة، دار الحديث، ج 2، ص 85، رقم الحديث 1518.
عبد الرحمن يسري، مرجع سابق، ص 10.
مسلم النيسابوري، مرجع سابق، كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلاّ المؤمنون، ج1، ص 74، رقم الحديث (54) .
مصطفى سعيد الخن وآخرون، مرجع السابق، ج1، ص 251.
السيد أحمد حسن دحلان، دراسة في السياسية الداخلية للمملكة العربية السعودية، جدة، دار الشروق: 1405 هـ، ص 28، 32.
السيد أحمد حسن دحلان، المرجع السابق، ص 28.
أحمد حسن أحمد الحسني، تطور النقود في ضوء الشريعة الإسلامية مع العناية بالنقود والكتابية، جدة، دار المدني: 1410 هـ، ص 99 - 100.
محمد إبراهيم السيف، مرجع سابق، ص 186.
محمد إبراهيم السيف، مرجع سابق، ص 203 - 205.(6/448)
هـ. س. أرمسترونج، (ترجمة يوسف نور عوض) ، سيد الجزيرة العربية، مصر، مطابع الأهرام التجارية: 1991 م، ص 213.
مديحة أحمد درويش، تاريخ الدولة السعودية حتى الربع الأول من القرن العشرين، جدة، دار الشروق: 1403 / 1983 م، ص 164.
عبد الله بن عبد الله بن سليمان العبيد، عبد القادر محمد عبد القادر عطية، اقتصاد المملكة العربية السعودية، (نظرة تحليليّة) ، الرياض، دار عالم الكتب: 1414 - 1415 هـ / 1994 م، ص 15.
سليمان بن عبد الرحمن الحقيل، الرياض، نظام وسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية: 1420هـ، ص 13.
هـ. س. أرمسترونج، مرجع سابق، ص 236.
أحمد حسن أحمد الحسني، مرجع سابق، ص 100 - 102.
عبد الله بن عبد الله بن سليمان العبيد، عبد القادر محمد عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 13، 16.
يعتبر ترتيب المملكة العربية السعودية الثالث من حيث الانتاج على مستوى العالم باستخدام معيار الانتاج التراكمي Cumulative Production، وإن كانت تعتبر الأولى في الوقت الحاضر باستخدام معيار الانتاج الجاري Current Production ويعتبر المعيار الأول أكثر شمولاً وتعبيراً عن الثاني غير المستقر.
Riva , Jose ph p., “ world oil production after year 2000 ” , http: “ www. Cnie. org / nle / eng - 3. html , P. 4.
General Union of chambers of Commerce, Industry and Agricultuer, Arab Economic Report, April 1996, PP. 491-495.
إدارة الدراسات الاقتصادية والإحصاء، وزارة الزراعة والمياه، الموازنات الغذائية للمملكة العربية السعودية للفترة 1993 م - 1995 م، ص 31 - 50.
منظمة الخليج للإستشارات الصناعية، ملف الخليج الإحصائي، 1999 م، ص 47 - 155.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم هو المصدر الرئيس لهذا البحث وتليه المصادر والمراجع الأخرى على النحو التالي:(6/449)
ابن كثير، الحافظ إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية، الرياض، دار هجر: 1417 هـ / 1997 م.
أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، القاهرة، دار الحديث: بدون تاريخ.
أرمسترونج، هـ. س، ترجمة د. يوسف نور عوض، سيد الجزيرة العربية، مصر، مطابع الأهرام التجارية: 1991 م.
إدارة الدراسات الإقتصادية والإحصاء، وزارة الزراعة والمياه، الموازنات الغذائية للمملكة العربية السعودية للفترة 1993 م - 1995 م.
البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح المعروف ب (صحيح البخاري) ، بيروت - لبنان، دار الفكر: 1994 م.
البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1997 م، الدولة في عالم متغيّر.
البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1994 م، البنية الأساسية من أجل التنمية.
الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، القاهرة، المكتبة التجارية: بدون تاريخ.
الجزائري، الشيخ أبو بكر، هذا الحبيب محمد رسول الله (، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم: 1415 هـ.
الحسني، د. أحمد بن حسن أحمد، تطور النقود في ضوء الشريعة الإسلامية مع العناية بالنقود الكتابية، جدة، دار المدني: 1410 هـ.
الحقيل، د. سليمان بن عبد الرحمن، نظام وسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية، الرياض: 1420 هـ.
الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان، بيروت، دار صادر: 1404 هـ - 1984 م.
الخن، د. مصطفى سعيد، وآخرون، نزهة المتقين شرح رياض الصالحين للإمام النووي، بيروت، مؤسسة الرسالة: 1408 هـ / 1988 م.
دحلان، السيد أحمد، دراسة في السياسة الداخلية للمملكة العربية السعودية، جدة، دار الشروق، 1405 هـ.(6/450)
درويش، د. مديحة أحمد، تاريخ الدولة السعودية حتى الربع الأول من القرن العشرين، جدة، دار الشروق: 1403 هـ / 1983 م.
الرازي، الشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، ترتيب محمود خاطر بك، القاهرة، المطبعة الأميريّة: 1345 هـ / 1926 م.
سالم، السيد عبد العزيز، تاريخ شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، الاسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة: 1999م.
السيف، د. محمد إبراهيم، رؤية الملك عبد العزيز للأمن الاجتماعي في المجتمع السعودي، مجلة الأمن، الرياض، العدد السابع عشر، ذو القعدة 1419هـ.
عبد القادر، د. عبد القادر محمد، اتجاهات حديثة في التنمية، الاسكندرية، الدار الجامعية: 1999 م.
العبيد، د. عبد الله بن عبد الله بن سليمان، وعبد القادر، د. عبد القادر محمد عبد القادر عطية، اقتصاد المملكة العربية السعودية “ نظرة تحليليّة ” الرياض، دار عالم الكتب: 1414 هـ - 1415 هـ / 1994 م.
العمر، د. فؤاد عبد الله، “ حصيلة الزكاة وتنمية المجتمع، دراسة حالة واقعية عن الكويت ”، موارد الدولة المالية في المجتمع الحديث من وجهة النظر الإسلامية، جدة، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب: 1408 هـ - 1409 هـ.
قطب، سيد، في ظلال القرآن، بيروت، دار الشروق: 1402 هـ / 1982 م.
محمد، عبد الرحمن يسري أحمد، الأولويات الأساسية في المنهج الإسلامي للتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي، جدة، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز: 1982 م.
منظمة الخليج للإستشارات الصناعية، ملف الخليج الإحصائي، 1999 م.
مؤسسة النقد العربي السعودي، التقرير السنوي الرابع والثلاثون، 1419هـ.
الندوي، السيد أبي الحسن علي الحسني، السيرة النبوية، بيروت، المكتبة العصرية: 1401 هـ / 1981 م.(6/451)
النيسابوري، مسلم بن الحجاج القشيري، الجامع الصحيح المسمى (صحيح مسلم) ، بيروت - لبنان، دار ابن حزم: 1995 م.
الهمشري، د. مصطفى، النظام الاقتصادي في الإسلام، الرياض، دار العلوم: 1405 هـ / 1985 م.
وزارة التخطيط، المملكة العربية السعودية، خطط التنمية “ 1390 هـ / 1970 م - 1418 هـ / 1998 م ”.
31 - http:/ www.law.cornell.edu/uscode/17/107/shtml,Killngs Rise As 3Million Illegal Guns Flood Britain.
32 - Chambers of Commerce, Industry and Agriculture, Arab Economic Report, April 1996
33 - Gasper , Des , “ Violence and Suffering , Responsibility and Choice: Issues in Ethics and Development ” , The European Journal of Development Research , vol. 11 , no. 2 , Dec 1999.
34 - Riva , Jose ph P. , “ World Oil Production After Year 2000 ” , http: // www. cnie. org / nle / eng - 3. html.(6/452)
الترتيب الصرفي في المؤلفات النحوية والصرفية
إلى أواخر القرن العاشر الهجري
د. مهدي بن علي بن مهدي آل ملحان القرني
الأستاذ المساعد – بكلية المعلمين في بيشة
ملخص البحث
تكثر المؤلفات والمصنفات النحوية والصرفية كثرة يقف منها المطّلع موقف المتأمّل والمتسائل لهذه الكثرة؛ أفي كل هذه المؤلفات جديد لم يكن في غيرها، أم أن الجديد غير المادة، وهو أسلوب العرض والتناول والترتيب. ولهذا كان هذا البحث.
فهو يتحدث عن ترتيب الأبواب الصرفية في كتب النحاة والصرفيين إلى أواخر القرن العاشر الهجري.
وقد بدأ البحث بتمهيد يوضح فيه مفهوم الصرف عند النحاة والصرفيين، ليتبيّن بعد البحث والدراسة أن لهذا المفهوم ثلاث مراحل مرّ بها متطوّراً ومتوسّعاً؛ كما تطرّق التمهيد إلى بيان مباحث الصرف التي يشملها هذا البحث، والفرق بين الصرف والتصريف.
ثم انطلق البحث إلى صلب الموضوع، متخذاً استقراء المصنفات النحوية والصرفية أسلوباً لعرضه مع المقارنة واستخلاص الأصول التي منها انطلق النحاة والصرفيون لتأليف كتبهم.
وتمّ تقسيم البحث في ضوء ذلك أقساماً بحسب نوع المادة التي ضمّها الكتاب من حيث الجمع بين النحو والصرف أو استقلال أحدهما عن الآخر، ومن حيث موقع الصرف في الكتاب.
وخلص البحث إلى خاتمة تعرض أبرز النتائج التي توصل إليها البحث.
مقدمة:
الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على معلم البشرية الخير، أفصح من نطق بالضاد.. أما بعد:(6/453)
فإن علم الصرف من العلوم الأساسية التي قامت خدمة للغة العربية، وهو يحتل المنزلة الأولى في خدمة هذه اللغة من حيث الأهمية، ولا ضير في أن تقدّم النحو على الصرف في كثير من المؤلفات، فذلك له أسبابٌ أخرى، ولا يعكس ذلك قلة الاهتمام بالصرف، فالصرف يمس الجانب الأول في التركيب والكلام، وهو بنية الكلمة، والنحو يمسّ جانب التركيب، وهو تالٍ للبنية، ولهذا فالخطأ في البنية غير ظاهر؛ ولأجل هذا يستمر الخطأ، أما النحو فإنه يُحتال على ذلك بالتسكين، والخطأ مع هذا ظاهر غير مستمر.
والمطّلع على المباحث والأبواب الصرفية يجد أنها تتكرر في كل كتاب مؤلف دون زيادة أو نقصان غالبًا، والجديد فيها هو ترتيبها وتنظيمها، وطريقة عرضها، ولهذا كثرت المؤلفات في النحو والصرف بغية الترتيب الجديد لا لهدف الإضافة والاستدراك غالبًا.
وعلى هذا فما في كتاب ابن السراج» الأصول «هو مادة كتاب سيبويه، والذي دعاه إلى تكرار ذلك هو محاولته ترتيبه وعرضه بطريقة جديدة.
ولأجل هذه النظرة حرصتُ أن أبحث في طرائق ترتيب النحاة والصرفيين لمباحثهم، محاولا الوصول إلى أهدافهم وغاياتهم وأساليبهم في ذلك.
ومهدت للبحث بتمهيد حرصت فيه أن أبيّن المفهوم العام للصرف والتصريف، حتى يتبيّن المراد من الأبواب والمباحث التي أعنيها، كما بيّنت مباحث التصريف على ضوء المفهوم الذي أوردته. ثم بدأت في البحث مبيّنا أوجه التشابه والاختلاف بين الصرفيين في كتبهم التي تناولت الصرف، وكان اختيار الصرفيين في البحث معتمدا على شهرته، وتوفّر مؤلفاته، وشمول هذه المؤلفات. كما أن آخر من تناولهم البحث هو السيوطي في همع الهوامع. وجنّبت من البحث الشروح والحواشي (1) ؛ لأنها تعتمد في الترتيب والتنظيم والعرض الكتاب المشروح، وإن ظهرت بعض الاعتراضات والاستدراكات في ذلك، غير أن ذلك ليس هدف هذا البحث.
وختمت البحث بخاتمة لخّصت فيها أبرز النتائج.
والله وليّ التوفيق.(6/454)
تمهيد: معنى الصرف والتصريف:
في اللغة: أصلهما مصدران لصَرَفَ وصَرَّف، ويدلاّن على معانٍ منها: التقليب، والتحويل، والتغيير. يُقال:» صَرَفت الصبيان: قلبتهم «. وقالوا:» وصَرَف اللهُ عنك الأذى «أي: حوّله، ومن ذلك: تصريف الرياح والسحاب، أي: تحويله من مكان إلى مكان، وتصريف الأمور، وتصريف الآيات، أي: تَعْيينها في أساليب مختلفة وصور متعدّدة (1) .
والتصريف أبلغ في معنى التغيير من الصرف، والعكس في معنى التحويل والتقليب.
في اصطلاح النحاة: ظهر مصطلح التصريف في كتب النحو، ولم يتخلف عنه في بداية ظهوره، حتى قال ابن جنيّ:» لا تكاد تجد كتابًا في النحو إلاّ والتصريف في آخره (2) «.
وقد مرّ هذا العلم بعدد من المراحل؛ إذ اتسعت مباحثه، وتطوّر مفهومه، ويمكن حصر هذه المراحل في ثلاث:
الأولى: مرحلة اندماجه مع النحو في قَرَن واحد دون تفريق أو تمييز.
الثانية: بدء انفصاله واستقلاله في علم مستقل باسم: علم التصريف.
الثالثة: مرحلة تكوين علم التصريف واكتماله، وانتقال تسميته في كثير من المصنفات إلى علم الصرف.
فالمرحلة الأولى: تمثلها كتب النحاة الفحول الذين ألفوا في النحو، واندرجت مباحث التصريف مع مباحث النحو دون استقلال لأحدهما، أو تمييز، بل إن مباحث التصريف كانت مبثوثة في بعض الكتب النحوية، وممّن سار على هذا النهج: سيبويه في كتابه، والمبرّد في مقتضبه، وابن السراج في أُصوله؛ مع أنّ بين هؤلاء اختلافًا في ترتيب الأبواب الصرفية وتنظيمها، وتشابهًا وتقاربًا كبيرًا في المادة العلمية.
ومصطلح التصريف في هذه المرحلة ضيّق لا يقصد به إلا باب يسير، وهو ما يسمّى ب» القياس اللغوي «، وقد عرفه سيبويه بقوله:» هذا باب ما بنت العرب من الأسماء والصفات والأفعال غير المعتلة، والمعتلة، وما قيس من المعتل الذي لا يتكلمون به ولم يجئ في كلامهم إلاّ نظيره من غير بابه، وهو الذي يسميه النحويون التصريف والفعل « (3) .(6/455)
ويشرح أبو سعيد السيرافي مراد سيبويه بالتصريف والفعل فيقول:» وأما التصريف فهو: تغيير الكلمة بالحركات والزيادات والقلب للحروف التي رسمنا جوازها حتى تصير على مثال كلمة أخرى، والفعل تمثيلها بالكلمة ووزنها به.... « (1) .
ومعنى التصريف عند سيبويه على هذا هو تغيير الكلمة من وزن إلى وزن آخر، سواء أكان ذلك من المعتل أم من غير المعتل، على نسق كلام العرب الذي تكلموا به في غير باب المعتل أو غير المعتل بمعنى: أن يُقاس الصحيح على وزن للمعتل لم يأت الصحيح عليه، والعكس أيضًا، وهذا يكون في مسائل التمارين والتدريبات؛ لترويض قوانين البدل والقلب والحذف، ومعرفة الأبنية، والميزان الصرفي، وهذا هو التصريف عند سيبويه، وما معرفة قوانين البدل والحذف والقلب إلاّ لِتُعين على مسائل التصريف، وإلاّ فهي ليست تصريفًا.
ولم يذكر المبرّد تعريفًا للتصريف، غير أنه لا يبتعد عن سيبويه في ذلك، وهو لا يَعُدّ البدل والزوائد والحذف والأبنية من التصريف، وإنما هي أمورٌ تقع في التصريف دون أن تكون هي التصريف (2) .
أمّا ابن السّراج فيعرّف التصريف بأنه:» ما عرض في أصول الكلام وذواتها من التغيير « (3) ؛ وهو تعريف لا يختلف كثيرًا عما فُهم من سيبويه والمبرد، غير أنه يجعل التصريف خمسة أقسام: زيادة، وإبدال، وحذفٌ، وتغيير بالحركة والسكون، وإدغام (4) . وهذه لم تكن من أقسام التصريف عند سيبويه والمبرد، وإنما هي مكمّلات للتصريف ومن دواعيه، ولعلّها أول محاولة لتوسيع دائرة مفهوم التصريف.
وعلى هذا، فالتصريف عندهم جزءٌ من النحو، فمدلول النحو عندهم يشمل جميع القواعد والمسائل التي تتعلق بالكلمة، إفرادًا وتركيبًا.
المرحلة الثانية: وهذه هي المرحلة التي مَهّدت لظهور هذا العلم، واستقلاله بالتأليف عن النحو، مع أنه لا يبدو أن الصرف أصبح قسيمًا للنحو في هذه المرحلة.(6/456)
ويمثل هذه المرحلة عددٌ من النحاة من أبرزهم: المازني، وأبو علي الفارسيّ، وابن جنيّ.
فالمازني ألّف كتاب التصريف، وأبو علي الفارسيّ ألف كتاب التكملة على الإيضاح، وهو كتاب مستقل بالصرف مع أن أبا عليّ يعدّ هذا الكتاب الجزء الثاني من الإيضاح، كما أنه يعد الصرف هنا قسمًا من النحو، ولهذا يقول في تعريف النحو:» النحو علمٌ بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، وهو ينقسم قسمين: أحدهما: تغيير يلحق أواخر الكلمة، والآخر تغييرٌ يلحق ذوات الكلم وأنفسها « (1) .
وفي سياق هذه المرحلة ألف ابن جنّي التصريف الملوكي.
ومفهوم التصريف عند هؤلاء لا يبتعد كثيرًا عن المفهوم السابق في المرحلة الأولى، ولهذا فابن جني في تعريفه للتصريف حين يشرح كلام المازني يقول:» التصريف إنما هو أن تجيء إلى الكلمة الواحدة فتصرفها على وجوه شتّى؛ مثال ذلك: أن تأتي إلى ضرب فتبني منه مثل جعفر فتقول: ضربب.... « (2) .
ولا يظهر من تعريف ابن جنيّ اختلافٌ عن تعريف سيبويه وابن السّراج، وما أراده المبرّد بالتصريف، وإنما هو المراد نفسه؛ وواضح أن المقصود بالتصريف في هذه المرحلة ليس معرفة قواعد الاشتقاق» أبنية كلام العرب «وإنما هو العمل على تصريف الأبنية واشتقاق بعضها من بعض، ووضع أمثلة لم تسمع عن العرب على وزن أمثلة سمعت.
والذي يَميز هذه المرحلة هو استقلال هذا العلم وإفراده بالتأليف.
المرحلة الثالثة: وفي هذه المرحلة اكتمل التصريف ليكون علمًا مستقلاً، وأصبح قسيمًا للنحو لا قسمًا منه، ويمثّل هذه المرحلة المتأخرون من النحاة، كعبد القاهر الجرجاني، وابن عصفور، وابن الحاجب، وابن مالك، وابن هشام، وغيرهم.
وتعددت تعريفات النحاة لهذا العلم، إلاّ أنّهم يتفقون في كونه علمًا مستقلاً قسيمًا للنحو، وإن اختلفوا في تفاصيل الأبواب والمسائل.(6/457)
ولعلّ الجرجانيّ أول من ألف كتابًا وصل إلينا باسم (الصرف) وابتعد عن التسمية (التصريف) ؛ غير أنه لما أتى إلى التعريف عرّف التصريف، فقال:» اعلم أن التصريف تفعيلٌ من الصرف، وهو أن تُصرِّف الكلمة المفردة فتولّد منها ألفاظٌ مختلفة، ومعانٍ متفاوتة « (1) .
أما ابن عصفور فذكر أنّ التصريف قسمان:» أحدهما: جعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني.... والآخر من قسمي التصريف: تغيير الكلمة عن أصلها من غير أن يكون ذلك التغيير دالاًّ على معنًى طارئ على الكلمة « (2) .
ويأتي ابن الحاجب فيصرّح أنّ التصريف علمٌ، فيقول:» التصريف علمٌ بأصولٍ يُعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب « (3) .
وقد ناقش الرضيّ هذا التعريف مناقشة عميقة، اتجه فيها اتجاهًا منطقيًا، وعرض لبعض المدخولات على التعريف، ليس هذا مكان عرضه (4) .
أما ابن مالك فيعرف التصريف بقوله:» التصريف علمٌ يتعلق ببنية الكلمة وما لحروفها من أصالةٍ وزيادة وصحّة وإعلالٍ وشبه ذلك « (5) .
وعلى هذا فمسائل التصريف اتسعت ودخل فيها ما كان خارجًا عنها في المرحلتين السابقتين من مباحث تغيير البنية نحو: الإبدال، والحذف، والزيادة، ومعرفة الأبنية، والتصغير، والجمع، والنسب، والإدغام، وغيرها مما سيتضح فيما بعد.
التسمية بالصرف والتصريف:
الصرف في اللغة مصدرٌ للفعل الثلاثي: (صَرَف) فالتسمية هنا بالمصدر. والتصريف مصدرٌ للفعل الثلاثي المزيد بالتضعيف: (صَرَّف) ، والزيادة في الفعل تُعطي معنًى زائدًا في المصدر؛ إذ الزيادة في المبنى تدلُّ على الزيادة في المعنى.(6/458)
ومن المعلوم أنه بُدئ باستخدام لفظة (التصريف) عنوانًا لهذا العلم، ولم يكن اختيارهم لها اعتباطا، بل لذلك دلالة على المعنى الاصطلاحي الذي أرادوه وهو معنى: تغيير الأبنية من وضع إلى وضع، ومن مثال إلى مثال، والتصريف يفيد معنى التغيير أكثر من إفادة الصرف لهذا المعنى، وكذا يوحي معنى التصريف بالعمل والتدريب وكثرة التمارين.
وحين اتسعت دائرة هذا العلم، ودخل فيه بعض المسائل والقواعد التي يبدو فيها التغيير أقل ظهورًا، ظهر مصطلح الصرف على هذا العلم، ليشمل المسائل والقواعد تلك، ولعلّ ظهور هذا المصطلح يواكب استقلال هذا العلم عن النحو، ولهذا فإنّ بعضهم (1) يَعُدّ التصريف هو المعنى العملي، والصرف هو المعنى العلمي؛ أي أن التصريف يرتبط بكثرة دوران الأبنية واشتقاقها والعمل فيها، والصرف يرتبط بالأصول الكلية التي ينبني عليها معرفة أحوال المفردات.
مباحث التصريف:
من الخطأ الإشارة إلى مباحث التصريف عند النحاة على ما هو مقرر عندنا الآن، فنُلزم النحاة بما لم يُلزموا أنفسهم به.
وواضح بما سبق بيانه في مفهوم التصريف أن المباحث تختلف باختلاف المفهوم؛ فالتصريف عند سيبويه هو ما أورده في باب» ما بنت العرب من الأسماء والصفات والأفعال غير المعتلة والمعتلة، وما قيس من المعتلّ الذي لا يتكلمون به ولم يجئ في كلامهم إلاّ نظيره من غير بابه، وهو الذي يسميه النحويون التصريف والفعل « (2) ، وقد ساق في هذا الباب تمهيدًا له أبنية الأسماء والأفعال، والزوائد فيها، ومواضعها، والإعلال والإبدال، والإدغام، إلى أن وصل إلى مسائل التمارين التي فيها تطبيقٌ عملي لما عرضه في مواضع الزيادات، وقوانين الإعلال والإبدال.
فيمكن أن تكون مسائل التصريف عند سيبويه مع التجاوز مقسّمة أربعة أقسام:
1- أبنية الأسماء والصفات والأفعال، ومواضع الزيادات فيها.
2- الإعلال والإبدال.
3- مسائل التمارين أو ما يسمّى (القياس اللغوي) .
4- الإدغام.(6/459)
ولم يوضح المبرّد أقسام التصريف، وإنما قال:» وهذه حدود التصريف، ومعرفة أقسامه، وما يقع فيه من البدل والزوائد والحذف، ولا بُدّ أن يُصدّر بذكر شيء من الأبنية، لتعرف الأوزان وليُعلم ما يبنى من الكلام وما يمتنع من ذلك « (1) .
وواضحٌ أنّه لا يَعدّ البدل والزوائد والحذف والأبنية من التصريف، لقوله: (وما يقع فيه) ، أي في التصريف، فأخرج هذه الأمور من التصريف، فالعطف هنا يقتضي المغايرة، وممّا يدلّ على ذلك أيضًا أنه ذكر التصريف فقال:» هذا باب المسائل في التصريف (2) «، فقصر التصريف على مسائل التمارين والبناء، وهو ما يعرف بالاشتقاق، وما ذكره للأبواب السابقة إلا تمهيد وتوطئة لهذا الباب، أو أنّ هذا الباب تدريب عملي لتلك الأصول التي لا يعدها من التصريف أصلاً.
ولا يخرج المازنيّ عن الأقسام التي ذكرها سيبويه، فالأبواب الثمانية عشرة التي ضمّها كتابه التصريف تندرج تحت الأقسام الثلاثة التالية:
1- أبنية الأسماء المجردة، والأفعال المجردة والمزيدة، وحروف الزيادة فيها.
2- الإعلال والإبدال.
3- مسائل التمارين أو ما يُسمّى (القياس اللغوي) .
والفرق بين المازني وسيبويه أن المازنيّ لم يذكر أبنية الأسماء المزيد فيها، وخلا كتابه من باب الإدغام.
وقسّم ابن السّراج التصريف خمسة أقسام؛ إذ يقول:» وهو ينقسم خمسة أقسام: زيادةٌ، وإبدالٌ، وحذف، وتغيير بالحركة والسكون، وإدغام (3) «.
ولم يذكر ابن السّراج مسائل التمارين ضمن هذا التقسيم مع أن كتابه قد ضمّها، ولعلّه لم يجعل التصريف قسمًا برأسه وإنما هو تطبيقات على هذه الأقسام الخمسة، ويمكن إدراج الأقسام الخمسة في ثلاثة هي: الزيادة، والإعلال والإبدال، والإدغام؛ وهو بهذا لا يختلف كثيرًا عن سابقيه.
أما أبو عليّ الفارسيّ فقد خصَّص كتابه (التكملة) لمباحث علم الصرف، وذكر أن النحو» علمٌ بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، وهو ينقسم قسمين:
أحدهما: تغييرٌ يلحق أواخر الكلم.(6/460)
والآخر: تغيير يلحق ذوات الكلم وأنفسها.
فأمّا التغيير الذي يلحق أواخر الكلم فهو على ضربين:
أحدهما: تغيير بالحركات والسكون أو الحروف يحدثُ باختلاف العوامل، وهذا الضرب هو الذي يسمّى الإعراب،.... وقد ذكرنا ذلك بأصنافه وأبوابه في الجزء الأول من كتابنا الموسوم بكتاب الإيضاح.
والآخر: تغيير يلحق أواخر الكلم من غير أن يختلف العامل، وهذا التغيير يكون بتحريك ساكن أو إسكان متحرك أو إبدال حرف من حرف أو زيادة حرف أو نقصان حرف....
والضرب الآخر من القسم الأول وهو التغيير الذي يلحق أنفس الكلم وذواتها، فذلك نحو التثنية والجمع الذي على حدّها.... (1) «.
وواضح أنه يعدّ هذه المباحث جزءًا من النحو، غير أنها مقابلة للإعراب، مع أنه لم يسمّ هذه المباحث، ويمكن لنا أن نتجوّز لأنفسنا فنطلق عليها التصريف؛ مع أنه ذكر التصريف مبحثًا من هذه المباحث التي تتعلق بالتغيير الذي يلحق أنفس الكلم وذواتها (2) ، ولم يبوّب له بابًا. ومع هذا فالفارسيّ هو أول من جمع هذه المباحث في نسقٍ واحد، وجعلها مقابلةً للإعراب، وهذه المباحث التي ذكرها هي:
1- التقاء الساكنين. ... 2- الوقف. 3- الابتداء. 4- تخفيف الهمزة. 5- التثنية والجمع. ... 6- النسب.
7- العدد. 8- المقصور والممدود. 9- المذكر والمؤنث. 10- جمع التكسير. 11- التصغير.
12- المصادر والأفعال المشتقّة منها والمشتقات. ... 13- أبنية الأفعال. ...
14- الإمالة. 15- حروف الزيادة. ... 16- الإبدال. ... 17- الإدغام.
وإذا ما تسمحنا قليلاً وجعلنا هذه المباحث تحت اسم: التصريف، كان تعريفه عند أبي علي هو: معرفة تغيير أواخر الكلم من غير أن يختلف العامل، والتغيير الذي يصيب ذوات الكلم.
وعلى هذا نجد أن مفهوم التصريف عند أبي علي توسّع، غير أنه لم يصبح علمًا مستقلاً عن النحو، بل هو مقابل للإعراب، وهذه المباحث قد اشتمل عليها كتاب سيبويه، والفرق بينهما في تسمية مجموع هذه المباحث.(6/461)
وقد أخذ ابن جنيّ بتقسيم ابن السراج، فجعل التصريف أقسامًا خمسة؛ غير أنه لم يبوِّب للقسم الخامس وهو الإدغام في كتابه التصريف الملوكي.
وذكر الزَّمَخْشَرِيّ المباحث الصرفية من غير أن يشير إلى كونها نحوًا أو صرفًا، والمباحث هذه لا تخرج عما ذكره أبو عليّ الفارسيّ سوى في طريقة عرضها وترتيبها؛ وزاد على ذلك أبنية الأسماء المجردة والمزيدة، وهي مذكورة عند سيبويه والمبرد والمازنيّ وغيرهم.
وعلى هذه المباحث درج النحاة والصرفيون في تأليف مؤلفاتهم مع نقص بعض المباحث أحيانًا بدعوى أنها لا تكون في الصرف أو أنها تشترك مع مباحث النحو، فذكرها في النحو أولى، كابن عصفور الذي أخرج التصغير والنسب والتكسير من كتابه (الممتع) ، حيث يقول:» التصريف ينقسم قسمين: أحدهما: جعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني نحو: ضَرَبَ وضَرَّب وتضرّب وتضارب واضطرب، فالكلمة التي هي مركبة من ضاد وراء وباء نحو (ضَرْب) قد بنيت منها هذه الأبنية المختلفة لمعان مختلفة، ومن هذا النحو اختلاف صيغة الاسم للمعاني التي تعتوره من التصغير والتكسير نحو زُيَيد وزيود، وهذا النحو من التصريف جَرَت عادة النحويين أن يذكروه مع ما ليس بتصريف، فلذلك لم نضمنه هذا الكتاب (1) «.
فلم يذكر التصغير والتكسير والنسب والإمالة ونحوها؛ لأنها تشترك في أمور هي من مباحث النحو على ما رأى ابن عصفور، مع أنه أشار إلى أنها تصريف؛ وكأنه أراد أن يكون كتابه خلوًا من المباحث المشتركة مع النحو.
ومع كثرة دراسة هذه المباحث، وتعاقب عدد من النحويين والصرفيين على دراستها، أصبحت علمًا على التصريف أو الصرف، ولهذا ضمت هذه المباحث مع بعضها في المؤلفات، بحيث أصبحت جزءًا أو قسمًا من المؤلَّف، إما في أول الكتاب، أو آخره، أو مستقلة في تأليف مخصوص.
ترتيب الأبواب الصرفية
معنى الترتيب:(6/462)
يُقال: رتّبت الشيء ترتيبًا، ورَتُب الشيء يرتب رتوبًا، أي ثبت، ومنه الرُّتبة، وهي المنزلة، وكذلك المرتبة، فالترتيب هو: جعل كل شيء في مرتبته (1) . وقيل: هو» جعل الأشياء الكثيرة بحيث يُطلق عليها اسم الواحد، ويكون لبعض أجزائه نسبة إلى البعض بالتقدم والتأخر (2) «.
أما ترتيب الأبواب الصرفية ومسائلها فهو ضمّ بعضها إلى بعض، وتقديم بعض الأبواب والمسائل على بعض أو تأخيرها لعلّةٍ اقتضت هذا التقديم أو التأخير. وهذه العلّة هي ميدان هذا البحث، وسيقوم البحث بالنظر إلى المباحث الصرفية التي تقررت عند سيبويه، وذكرها غيره كأبي علي الفارسي، وابن الحاجب، وليس المقصود بالبحث النظر إلى مفهوم التصريف عند سيبويه ومن سار معه، وإنما إلى مجموع المباحث الصرفية التي تقررت في كتابه ودرج عليها من بعده.
وتعددت المؤلفات في الصرف، ومع تعددها وتنوعها إلاّ أنها اتخذت أشكالاً متعددة في عرضها، وترتيبها، فمنها ما جاء الصرف فيه مقترنًا بالنحو في مؤلف واحد، ومنها ما استقل الصرف فيه بالتأليف، وسنعرض للأمرين معًا.
أ/ الجمع بين النحو والصرف:
ظهر الصرف مقترنًا بالنحو في التأليف، ولم يظهر التفريق بينهما إلاّ في مرحلة متأخرة -كما سبق بيانه- ومع أنّ الصرف ظهر في المرحلة الثانية مستقلاًّ وبدأ يأخذ طريقًا غير طريق النحو إلاّ أنه ظل قرين النحو في المؤلفات، ولهذا كثرت المؤلفات التي جمعت النحو والصرف في التأليف أكثر من المؤلفات التي أفردت أحد العلمين بالتأليف.(6/463)
ولعلّنا نجد تفسيراً لهذا الجمع في ما ذكره أبو عليّ الفارسيّ في التكملة من أن النحو» علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب (1) «. ولا شكّ أن الكلام له أجزاء، منها ما يتعلق بذات الكلمة إفرادًا، ومنها ما يتعلق بارتباطها مع غيرها، فالأول صرف، والثاني نحوٌ أو إعراب، ولأجل هذا الترابط تم الجمع بين مباحث النحو ومباحث الصرف؛ لأنهما مكمّلان لصحة النطق بالكلمة على الوجه السليم الذي ورد عن العرب؛ ومن المعلوم أيضًا أنه لا يغني صحة جزء الكلمة، والخطأ في جزء آخر، وإنما الصواب تكامليّ.
ولا يخفى أن كثيرًا من المؤلفات كانت تستهدف التعليم، ولهذا تنوعت في أساليبها وطرق عرض مادتها، مع أن المادة في كثير منها واحدة.
ولا نبالغ إذا قلنا إن ما في كتاب سيبويه سواءً أكان ذلك في المباحث النحوية أم الصرفية لم يختلف أو يتغير عند النحاة المتأخرين، وكان جلّ شغلهم شرح ما في الكتاب، أو بيان غوامضه، أو عرض مادته بطريقة جديدة، وإن جاء أحدٌ بجديد فهو قليلٌ، إلاّ إن كان اعتراضًا أو استدراكًا.
وممّن جمع بين النحو والصرف: سيبويه في الكتاب، والمبرد في المقتضب، وابن السرّاج في الأصول، والصيمري في التبصرة، والزمخشري في المفصل، والعكبري في اللباب، وابن معطٍ في ألفيته، وابن مالك في ألفيته، وفي الكافية الشافية، وفي التسهيل، وأبو حيان في ارتشاف الضرب، والسيوطي في همع الهوامع، وغيرهم كثير، وبخاصة ممن اعتمد على الألفيات والمتون فشرحها.
غير أن هؤلاء يختلفون في طرق عرض موادهم العلمية على النحو التالي:
أولاً: عرض أبواب الصرف ومباحثه متفرقة ومتداخلة:
درجت بعض كتب النحو والصرف على عرض أبواب الصرف متفرقة بين أبواب النحو، وإذا ما بحثنا عن الرابط بين الأبواب والمباحث، وجدنا أن ذلك يختلف من كتاب لآخر، وممّن سار على هذا النهج: سيبويه، والمبرد، والزمخشري.(6/464)
كتاب سيبويه: هو الكتاب الذي ضمّ بين دفتيه أبواب الصرف ومباحثه كلها، غير أن بعض هذه المباحث تفرّق، ولم ينضمّ بعضه مع بعض، غير أن الذي تقرّر عندنا من مباحث وأبواب أدخلناها تحت اسم الصرف، قد يكون لسيبويه رأي آخر في هذه التسمية؛ فلم يكن التصريف عنده -كما سبق- إلاّ أربعة أنواع وهي: الأبنية، والإعلال والإبدال، والقياس اللغوي، والإدغام؛ وهذه الأمور الأربعة تسلسلت في كتابه من حيث الأبواب والمباحث، ولم تتفرق؛ ومعنى هذا أن سيبويه كان يسير على منهج واحد، وأن ما نحمّله إياه من أن بعض المباحث الأخرى قد تفرّق إنما هو تطبيقٌ لمنهج ارتسم متأخرًا، ولعلّ هذا المنهج لم يكن في ذهنه، وهو ما نحاول أن نعيّن ونفسّر هذا المنهج عنده.
أول أبواب الصرف في كتاب سيبويه هو النسب (1) ، وقد جاء بعد الحكاية، ولعلّ الرابط بين النسب والأبواب السابقة له أن سيبويه يتحدث في عدد من الأبواب السابقة عن الأسماء، والتسمية: تسمية المذكر بلفظ الاثنين والجميع (2) ، وتسمية المذكر بالمؤنث (3) ، والأسماء الأعجمية (4) ، وأسماء الأرضين (5) ، والقبائل والأحياء (6) ، ... إلخ.(6/465)
والنسب في منظومة الأسماء، إلاّ أن النسب ليس تسميةً صريحة بقدر ما هو وصف؛ إذ إن النسب يخرج الأسماء إلى الأوصاف، ولعلّ سيبويه رأى هذا الرابط، فجعل النسب بعد حديثه عن التسمية؛ ولهذا عنون لهذا الباب بالإضافة، ولعلّه يقصد الإضافة إلى الأسماء لتتحول إلى أوصاف؛ ومع هذا فالتحول المعنويّ هنا يقابله تحوّلٌ لفظيّ في آخر الكلمة، وهو إضافة الياء، ولأجل هذا التغيير في آخر الكلمة بإضافة حرف جاء باب التثنية (1) ؛ والجمع (2) ، بعد باب النسب، فالعلاقة بينهما علاقة تغيّر الآخر في الأسماء بإضافة حرف أو أكثر؛ ولأنّ الحديث عن التغيير الذي يحدث من جرّاء إضافة حرف أو أكثر إلى الكلمة من الأسماء جاء باب التصغير (3) بعد هذا؛ وكأن سيبويه ينظر إلى إيراد هذه الأبواب التي تتعلق بالتغيير متوالية بالنظر إلى الأواخر قبل الأوائل؛ لأن الأواخر أكثر عرضة للتغيير، أي التدرج من آخر الكلمة إلى وسطها ثم أولها، ثم النظر في مقدار هذا التغيير، فإضافة حرف واحد أحقّ في الذكر أولاً من إضافة حرفين.
وجاء بابٌ في حروف القسم (4) فاصلاً بين باب التصغير وباب النون الثقيلة والخفيفة (5) ، ولعلّ العلاقة هنا معنوية؛ إذ إن القسم من متطلباته أحيانًا توكيد الفعل، ولذا جاء تمهيدًا للتوكيد؛ والنون الثقيلة والخفيفة بابٌ يتقاسمه النحو والصرف، فقد جمعه سيبويه معًا ولم يشطّر أجزاءه، ولعلّ علاقة التغيير ما زالت سارية هنا؛ إذ إن إلحاق نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة هو تغيير في الفعل سواءً أكان هذا التغيير إعرابيًا أم صرفيًا.
وما زالت علاقة التغيير باقية، فذكر مضاعف الفعل واختلاف العرب فيه عند إسناده (6) وما يحصل له من التغيير، وإن كان التغيير هنا يسير إلى حيث لا يضاف حرف، وإنما هو فكٌّ أو إدغام أو تحريك.(6/466)
والذي يلاحظ هنا أن التغيير هنا انتقل إلى الأواخر بعد ذكر التصغير وهو تغيير في حشو الكلمة، ولعلّه نظر إلى أن التغييرات في الأسماء قد انتهت فبدأ بالأفعال.
وذكر بعد ذلك المقصور والممدود (1) ، والهمز (2) ، والعدد (3) ، وهذه المباحث لها علاقة بالتغيير إلاّ أَنّه يسير، والمقصور والممدود مختصان بالأسماء، والهمز مشترك بين الأسماء والأفعال، والعدد علاقته بالأسماء، ولهذا فلم أهتد إلى الوجه الذي دعاه إلى أن يذكر هذه الأبواب هنا، وبخاصة إذا علمنا أنه ذكر بعد هذه الأبواب جمع التكسير، وهو تغيير بزيادة حرف أو نقصان آخر، أو تغيير حركة، وعلاقته مع العدد قوية، وإن كانت هذه العلاقة تتضح لو تقدم جمع التكسير على العدد؛ ليكون تمهيدًا ومبيّنًا لتمييز العدد.
وجاء حديثه بعد ذلك عن المصادر (4) بأنواعها، وبعض المشتقات، ولم يغفل في هذا الجانب أن يذكر الأفعال المجردة والمزيدة هنا ليبيّن مصادرها، وقد حاول أن يلتمس لهذه الأبنية قواعد وقياسات؛ وحفل هذا القسم بمساحة كبيرة من الكتاب.
ثم بدأ بعد ذلك في بيان الظواهر التي تعرض للأسماء والأفعال والحروف، وهي: الإمالة (5) ، والابتداء (6) ، والتقاء الساكنين (7) ، والوقف (8) ، وهذه المباحث جاءت متتالية، مما يعني الترابط القويّ فيما بينها.
وعقد بعد ذلك بابًا في علم حروف الزوائد (9) ، وبابًا في حروف البدل (10) ، ليجعلهما مقدمة للتصريف (11) الذي جاء بعد هذه المباحث كلها، وختم به كتابه.
وبعد، فإنه يمكن بالنظر إلى ترتيب كتاب سيبويه للمباحث الصرفية أن نستخلص بعض الأصول التي اعتمد عليها في منهجه:
أولاً: اعتمد أولاً على أصل التغيير، فحاول أن يجمع المباحث التي تحمل هذا الأصل مع بعضها، مع أنه تخلّل هذه الأبواب والمباحث بعض القضايا النحوية واللغوية، وإن كان بعض المباحث التي تحمل تغييرا تقديريًا لم يذكرها هنا؛ لأن المباحث التي ذكرها هنا تحمل تغييرًا حقيقيًا.(6/467)
ثانيًا: جعل الأبنية تالية لمباحث التغيير، وما تأخيره لها إلاّ لأن مباحث التغيير لها صلةٌ بالنحو واللغة، فتلك التغييرات لها معانٍ اقتضت التغيير.
ثالثًا: جعل الظواهر المشتركة بالأسماء والأفعال والحروف مجموعة، ونظر إليها على أنها ظواهر ليست ثابتة في الكلمة، وإنما تأتي حسب نسق الكلام وقد تختفي.
رابعًا: ختم بالتصريف، وما يدلُّ ويفيد فيه، كحروف الزوائد والبدل.
المقتضب للمبرد: كان المبرّد أشدّ تفريقًا لمباحث الصرف من سيبويه، ويكفي أن ننظر في ترتيب الأبنية عنده على نحو لم نستطع معه ضبط منهجه، وكأنه قائمٌ على الخواطر، فبعد أن عَنْوَن لبابٍ في الأبنية ومعرفة حروف الزوائد (1) ، ذكر في هذا الباب أبنية الاسم الثلاثي المجرد فقط، ثم تلاه بباب في معرفة حروف الزوائد ومواضعها (2) ، فباب في حروف البدل (3) ، ثم عاد إلى ذكر بنات الأربعة التي لا زيادة فيها (4) ، وكان حقّها أن تنضمّ مع أبنية الاسم الثلاثي المجرد، وتلاه بمعرفة بنات الخمسة من غير زيادة (5) ، ولعلّنا نتلمّس له مخرجًا هنا وهو أنه أراد أن يجعل المبتدئ عالمًا أقلّ الأبنية وهي الثلاثية التي لا زيادة فيها، أما الرباعية والخماسية فتشترك مع المزيدة في عدد حروفها، ولهذا فإن الحكم بالزيادة والأصالة تعود إلى معرفة حروف الزوائد أولاً، فكان هذا الترتيب، وهو منطقٌ تعليمي. غير أنه بعد هذا انتقل إلى مسائل التمارين أو ما يعرف بالتصريف، وقال في هذا:» وإنما ذكرنا هذا الباب توطئةً لما بعده « (6) ، والباب الذي جاء بعده هو معرفة الأفعال: أصولها وزوائدها (7) ، وتلاه بباب في معرفة ألفات القطع وألفات الوصل (8) ، وتبدو العلاقة بين هذا الباب وما قبله ضعيفة؛ لأن الباب السابق يختص بالأفعال، وهمزة القطع والوصل تشترك بين أنواع الكلم الثلاث، ثم عاد إلى معرفة بنات الأربعة من الأسماء المزيدة (9) ، ثم انتقل إلى باب بناء المضارع من الماضي الثلاثيّ مِمّا(6/468)
كانت فاؤه واوًا (1) ، ثم عاد إلى بيان ما لحقته الزوائد من الأفعال (2) ؛ ثم عاد مرة أخرى إلى بيان بناء المضارع من الماضي مما كانت عينه واوًا أو ياءً (3) ، ثم أتبع ذلك باشتقاق اسم الفاعل والمفعول من هذا الفعل (4) ، والعلاقة هنا قوية بين الباب الأخير وما سبقه من حيث ارتباط الاشتقاق لهذه الأسماء المذكور من الأفعال السابقة، ثم ذكر الزوائد التي تلحق هذا الفعل (5) ، وكأنه يريد أن يتناول هذا الفعل بالبحث والتمحيص من حيث البناء، والزوائد، والإعلال والإبدال، والاشتقاق، غير أنه عاد فذكر بابًا في الأسماء يتعلق بما كان على ثلاثة أحرف وعينه واوًا أو ياءً (6) ، وما لبث أن عاد مرة أخرى إلى الأفعال فذكر بابًا فيما اعتلّت عينه ولامه همزة (7) ، ورجع فذكر بابًا في ما كان من الأسماء الصحيحة والمعتلة مثال: فَعِل وفَعُل (8) ، وما كان منها في ثاني حروفه كسرة، وما كان من الأفعال كذلك، وتلاه بجمع الأسماء المعتلة عيناتها (9) .
وعلى هذا سار المبرّد في باقي كتابه؛ إذ فَرّق المباحث الصرفية، فلم يحاول جمع الأبواب المتشابهة إلى بعضها، ولا أبالغ إذا قلت إن المطّلع على المقتضب ليخيّل إليه أن المبرّد كتب كل باب مستقلاً، وجمع غيره هذه الأبواب.
وكان تأثر المبرد بكتاب سيبويه كبيرًا؛ إذ يتشابه إلى درجة كبيرة في أبوابه مع أبواب الكتاب، والذي يختلف فيه عن سيبويه هو في ترتيبه؛ إذ إن المقتضب حوى أربعة أبواب مرتبة، أو بعبارة أخرى: مسائلها مجموعٌ بعضها إلى بعض، وهي: التصغير (10) ، والنسب (11) ، والإمالة (12) ، والإدغام (13) ، أما غيرها كالأبنية، والجمع والتثنية فقد تكرر بعض أبوابها، وتفرق كثيرٌ من مباحثها.(6/469)
المفصل للزمخشري: وقد سار الزمخشري على منهج تفريق الأبواب الصرفية، غير أنه أكثر الثلاثة وضوحًا في ترتيبه، وهو يسير وفق منهج ظاهر، حيث قسّم كتابه أقسامًا أربعة دون النظر إلى النحو أو الصرف، وإنما راعى أقسام الكلم الثلاث، وما يرد عليها من ظواهر مختصّة أو مشتركة، وعلى هذا التقسيم تفرّقت المباحث الصرفية في ثلاثة أقسام بعد استبعاد قسم الحرف؛ لأن التصريف لا يتناوله. فالقسم الأول جاءت مباحث التصريف فيه على النحو التالي: 1- المثنى. 2- المجموع. 3- المذكر والمؤنث. 4- المصغر. 5- المنسوب. 6- المقصور والممدود. 7- المشتقات. 8- أبنية الأسماء.
والقسم الثاني جاءت مباحث التصريف فيه مقصورة على أبنية الأفعال، ومعانيها.
أما القسم الرابع، وهو المشترك فكان مختصًا بمباحث التصريف عدا باب القسم، والمباحث التي ذكرها في هذا القسم هي:
1- الإمالة. 2- الوقف. 3- تخفيف الهمزة. 4- التقاء الساكنين. 5- حكم أوائل الكلم. 6- زيادة الحروف. 7- إبدال الحروف. 8- الاعتلال. 9- الإدغام.
وممّا يلاحظ هنا أنّ الزمخشري لم يذكر باب التصريف الذي هو مسائل التمارين واشتقاق الأبنية؛ ولعله خرج بالتصريف عن أصله إلى الظواهر التي تعترض الأبنية، وهذا الترتيب الذي سار عليه الزمخشري يشبه ترتيب سيبويه، غير أنه حاول أن يجعل هذا الترتيب بحسب أنواع الكلم، مع وضوح تقسيمه.
ثانيًا: عرض أبواب الصرف ومباحثه مجتمعة متقاربة:
سار على هذا أكثر الكتب التي جمعت بين النحو والصرف، ثمّ هي تنقسم قسمين:
الأول: يعرض النحو قبل الصرف، وهو الغالب في هذه المؤلفات.
الثاني: يعرض الصرف قبل النحو.
القسم الأول: عرض النحو قبل الصرف:(6/470)
وقد نهجه كثيرٌ من النحاة، ومنهم: ابن السراج في» الأصول «، والصيمري في» التبصرة «، والعكبري في» اللباب «، والجزولي في» الجزولية «، وأبو علي الشلوبين في» التوطئة «، وابن مالك في» الألفية «، و» تسهيل الفوائد «، و» الكافية الشافية «، والسيوطي في» همع الهوامع «.
غير أن هؤلاء يختلفون فيما بينهم في طريقة عرض الأبواب الصرفية، فتبيّن أنّ لهم أربعة مذاهب في ذلك:
المذهب الأول: تقسيم مباحث التصريف أربعة أقسام على النحو التالي:
1- مباحث تتعلق بالأسماء كالنسب والتصغير والجمع.
2- ظواهر مشتركة تقع في الأسماء والأفعال، كالإمالة والوقف والتقاء الساكنين.
3- الأبنية. ... 4- التصريف، ويشمل: الإلحاق، والزيادة، والإعلال، والإبدال، والإدغام، ومسائل التمارين.
وسار على هذا المذهب ابن السّرّاج، والصيمريّ، مع العلم أن أحدهما قد يقدّم قسمًا على آخر في هذا الترتيب.
أما عن ترتيب الأبواب داخل هذه الأقسام، فيمكن استعراض كتابي ابن السراج والصيمري معًا، لعمل بعض الموازنات في طريقة العرض والترتيب:
عمد ابن السراج في القسم المتعلق بالأسماء إلى ذكر بابٍ للمذكر والمؤنث (1) وفصلٍ للمقصور والممدود (2) ، وكأنّ هذين البابين توطئة لمباحث التغيير في الأسماء، ثم ذكر الجمع (3) فالتصغير (4) فالنسب (5) ، وهذه المباحث الثلاثة تعتمد على التغيير، فالجمع قد يكون التغيير فيه حادثا في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها، ولهذا فهو أكثر الأبواب تعرضًا للتغيير، ثم يأتي التصغير فيكون التغيير في وسطه غالبا، ثم يكون النسب فيكون التغيير الغالب في آخره، مع العلم أن تغيير التصغير والنسب قد يتبعه تغييرات في غير المواضع التي يكون فيها بسبب التصغير والنسب.(6/471)
أما الصيمري فذكر النسب (1) أولاً، ثم ثنّى بالمقصور والممدود (2) ، وكان الأولى به أن يقدّم المقصور والممدود على باب النسب؛ لأن بعض مسائل النسب تعتمد على معرفة المقصور والممدود، ثم ذكر بعد ذلك باب المذكر والمؤنث (3) ، وهو ذكر للعام بعد الخاص، غير أن هذا لا يفيد في الترتيب العلمي؛ إذ كان من حق هذا الباب أن يقدّمه على المقصور والممدود؛ لأنه أخصّ من التأنيث، ثم ذكر التثنية وجمع التصحيح للمقصور والممدود والمعتل (4) ، ثم جمع التكسير (5) ، وبعده التصغير (6) ، ولم نلاحظ أن الصيمري قد نهج منهجًا واضحًا اعتمد عليه في هذا الترتيب، بل إنه قد خالف الأولى في بعض أبوابه من حيث التقديم والتأخير.
وبدأ ابن السراج القسم الثاني عنده بالحديث عن التقاء الساكنين (7) ، وضمّنه همزة الوصل، ثم الوقف (8) ، ثم ذكر بعده الهمزة (9) ، وأخّر الإمالة (10) إلى القسم الثالث؛ وكان هذا القسم أولاً عنده.
ولم يكن الصيمري على هذا، بل ذكر هذه الظواهر بعد القسم الأول على النحو التالي (11) :
1- الإمالة. 2- الوقف. 3- التقاء الساكنين. 4- الهمز. 5- التضعيف.
وإذا ما تأمّلنا منهج ابن السراج نجد أنّه اعتمد على أنواع التغيير؛ إذ يقول:» أما ما يتحرك من السواكن لغير إعرابٍ فهو على ضربين: إما أن يحرك من أجل ساكنٍ يلقاه، ... وإما أن يكون بعده حرف متحرك فيحذف ويلقى حركته عليه (12) «، وهذا هو التقاء الساكنين.
ثم ذكر أحوال ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم، وما يسكن من المتحركات، وما تغيّر حركته لغير إعراب، وما يحذف لغير جزم، فقال:» وأما الذي يحذف في الوقف ويثبت في غيره فنذكره في الوقف والابتداء، ونجعله يتلو ما ذكرنا، ثم نتبعه الهمز للحاجة إليه إن شاء الله (13) «.(6/472)
ثم ذكر في أول باب الابتداء بعض دواعي هذا الترتيب، فقال:» كلُّ كلمة يبتدأ بها من اسم وفعل وحرف، فأول حرف تبتدئ به وهو متحرك ثابت في اللفظ، فإن كان قبله كلام لم يحذف ولم يُغيّر إلاّ أن يكون ألف وصل فتحذف ألبتة من اللفظ وذلك إجماع من العرب، أو همزة قبلها ساكن فيحذفها من يحذف الهمزة ويلقي الحركة على الساكن، وسنذكر هذا في تخفيف الهمزة، فأما ما يتغيّر ويسكن من أجل ما قبله فنذكره بعد ذكر ألف الوصل إن شاء الله (1) «.
وواضحٌ تسلسل الأبواب الصرفية عند ابن السراج وفق رؤية واضحة، وارتباطها بمنهج قويّ عنده، وأنه يسير في كتابه وفق ترتيب ارتضاه وقصده؛ ولهذا يقول في المقدمة:» فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار النحو وجمعته جمعًا يحصره، وفصّلته تفصيلاً يظهره، ورتبت أنواعه وصنوفه على مراتبها بأخصر ما يمكن من القول وأبينه، ليسبق إلى القلوب فهمه، ويسهل على متعلميه حفظه (2) «.
أما الظواهر المشتركة بين الأسماء والأفعال عند الصيمريّ فكانت على النحو الذي سبق بيانه، ومن أن الإمالة أول هذه الظواهر، ثم الوقف، فالتقاء الساكنين، ثم الهمز، فالتضعيف. وواضح الفرق في الترتيب بين ابن السراج والصيمريّ، فعلى حين أن ابن السراج جعل الإمالة متأخرة؛ إذ ذكرها بين الأبنية، وسأوضح سبب هذا التأخير، فإنَّ الصيمريّ جعلها أول هذه الظواهر؛ ولعلّه نظر إلى أن هذه الظاهرة بسيطة لا تخلّ ببنية الكلمة، ولا تؤدي إلى حذفٍ أو تغيير كبير، فهي أخف الظواهر، ولعلّ السبب نفسه هو الذي جعل ابن السراج يجعلها متأخرة؛ لأنه بدأ بظواهر التغيير الكبيرة أولاً، وما يحصل فيه حذف جرّاء هذه الظواهر؛ كما أن ابن السراج جعل الإمالة فاصلاً بين أبنية الأفعال والأسماء بعد باب ما يكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة (3) ، ففي هذا الباب شبهان بالإمالة؛ الأول: الكسر، والثاني: أنها لغة قومٍ، فلعلّه نظر إلى أحدهما أو كليهما معًا.(6/473)
والصيمريّ ذكر الوقف، ثم التقاء الساكنين، والوقف أقل تغييرًا من التقاء الساكنين، ولهذا يمكن أن نقول: إن الصيمريّ بدأ بالظواهر الخفيفة فالأقوى، وهو عكس نهج ابن السراج؛ ويستثنى من هذه الظواهر الهمز والتضعيف؛ لأنهما مختصّان، فالهمز بحرف الهمزة، والتضعيف مختصٌ بالأفعال.
أما القسم الثالث وهو الأبنية، فابن السراج بدأ بذكر أبنية المصادر في باب أسماه» هذا باب المصادر وأسماء الفاعلين « (1) وقد قدّم لهذا الباب بقوله:» المصادر الأصول والأفعال مشتقة منها، وكذلك أسماء الفاعلين، وقد تكون أسماءً في معاني المصادر، لم يشتقّ منها فعلٌ، ولكن لا يجوز أن يكون فعلٌ لم يتقدمه مصدرٌ فإذا نطق بالفعل فقد وجب المصدر الذي أُخذ منه.... ونحن نذكر أربعة أشياء: المصدر، والصفة، والفعل، وما اشتقّ منه « (2) . فبيّن أنه سيذكر أبنية المصادر والفعل والصفة، والمشتقات، وبدأ ببيان أقسام الفعل؛ لأن المصادر تبعٌ لأقسام الفعل.
واعتمد في بيان بعض المصادر الثلاثية على المعاني المتقاربة في الفعل والصفة والمصدر فجعلها ثلاثة أقسام: المتفقة في المصدر، والمتفقة في الصفة، والمتفقة في الفعل (3) ، وهو ترتيب يستحق الثناء؛ لأنه يُسهّل دراسة المصادر الثلاثية، كما أنه يجمع في نسقٍ واضح المصادر الثلاثية.
ثم ذكر الأفعال التي فيها زوائد من بنات الثلاثة ومصادرها ومعانيها.
وانتقل بعد عدة أبواب في أبنية الأفعال إلى الإمالة (4) ، وذكرنا العلاقة في ذلك، ثم تحدث عن أبنية الأسماء (5) ، وقسمها قسمين: مجردة ومزيدة، وبَيَّن أبنية كل قسم، وذكر في آخر هذه الأقسام الزوائد التي تلحق هذه الأسماء ومواضعها.
وهذا الترتيب الذي انتهجه ابن السراج في الأبنية ترتيب بديع، ولهذا فلا غرابة أن نجد هذا الترتيب هو السائد في كثير من المصنفات الصرفية بعد ابن السراج، ولهذا كان ابن السراج في ترتيب الأبنية رائدًا لم يُسبق إلى هذا الترتيب والتنظيم.(6/474)
أما الصيمريّ في ترتيب الأبنية فبدأ بباب عدّة أبنية الأفعال (1) ، وما يجيء عليه مستقبلها، فبيّن الأفعال الثلاثية، ثم الأفعال التي فيها الزوائد، وقسّمها قسمين: أحدهما: ما في أوله ألف الوصل، والآخر: ليس في أوله ألف الوصل، وذكر أن ما في أوله ألف الوصل تسعة أبنية، وما ليس في أوله ألف الوصل ستة أبنية، وهو تقسيم جديد بالنظر إلى شكل الفعل لا إلى أمورٍ أخرى ترتبط به.
ثم انتقل إلى باب أبنية المصادر، وذكر» أنّ المصادر أصولٌ للأفعال، والأفعال مشتقة منها « (2) .
وبدأ بذكر مصادر الأفعال الثلاثية، وبيّن أنها كثيرة الاختلاف لا تكاد تجيء على قياس مستمر.
ورتب المصادر على الأفعال، فيذكر الفعل، ويذكر معه المصادر التي تأتي عليه.
وذكر بعد ذلك مصادر المعاني المتقاربة.
ثم جاء إلى مصادر ما زاد على ثلاثة أحرف (3) ، ولم يخرج في ترتيبها على المنهج المعروف، وهو بحسب الأفعال؛ لأن مصادرها لا يكاد يفارقها القياس.
ومن الملاحظ أنه لم يذكر الأفعال المجردة الرباعية، وما زيد عليها، فذكرها بعد أبنية الأسماء بعد أن ضمّها في باب تحت عنوان:» باب أبنية الأسماء والأفعال « (4) .
ومما يجدر ذكره هنا أنّ الصيمريّ ذكر مصادر الأفعال الرباعية الأصول قبل أن يذكر الأفعال نفسها، وهو ما يخالف منهجه الذي سار عليه، من حيث ذِكْر الأفعال أولاً، ثم بيان المصادر مع الأفعال في باب واحد، وإن كان ترتيب الصيمريّ فيه تنظيم واضح إلاّ أن تباعد بعض المسائل المتقاربة يؤدي إلى خلل في الفهم وبخاصة عند المتعلّمين.
أما القسم الرابع وهو التصريف: فقد اتفق ابن السراج والصيمريّ في موقع هذا القسم؛ إذ جاء آخر المباحث الصرفية.(6/475)
يقول ابن السراج في مقدمة هذا القسم:» هذا الحدّ إنما سمّي تصريفًا لتصريف الكلمة الواحدة بأبنية مختلفة، وخصّوا به ما عرض في أصول الكلام، وذواتها من التغيير، وهو ينقسم خمسة أقسام: زيادةٌ، وإبدال، وحذفٌ، وتغييرٌ بالحركة والسكون، وإدغامٌ؛ وله حدٌّ يعرف به « (1) .
وواضح أنه رتب هذه الأبواب على هذا الأساس في التغيير، فبدأ بالزيادة؛ لأن المباحث التالية لها تقتضي معرفتها أولاً، ثم كان الإبدال؛ لأنه أقل المباحث تغييرًا، ثم كان آخر المباحث التي ترتبط بالتغيير، وختم التصريف بالإدغام؛ لأن تأخيره مفيدٌ للمتعلم لدقة مباحثه، وعسر فهمه.
ولم يخرج الصيمريّ كثيرًا عن منهج ابن السراج؛ إذ يقول:» اعلم أن التصريف هو تغيير الكلمة بالحركات والزيادات، والنقصان، والقلب للحروف، وإبدال بعضها من بعض، وأول التصريف: معرفة الحروف الزوائد ومواضعها « (2) .
ومما زاده الصيمريّ باب الإلحاق فذكره قبل حروف البدل، ثم كان التغيير بالحذف والنقل، وكان هذا التغيير عند الصيمريّ بابًا واحدًا؛ لاقتضاء النقل والتحويل للحذف في كثير من مسائله.
وبعد، فواضح التقارب بين ابن السراج والصيمريّ في منهجهما، والاختلاف كان يسيرًا، ويبقى ابن السراج له فضل السبق والريادة، ولعل الصيمريّ قد استفاد كثيرًا من ابن السراج كما استفاد غيره، ولم يختلف عنه إلاّ في ترتيب بعض الظواهر والمباحث إما بالتقديم أو التأخير.
المذهب الثاني: تقسيم المباحث والأبواب الصرفية أربعة أقسام على النحو التالي:
1- مقدمات. ... ... 2- التغيير لأجل المعاني الواردة.
3- ظواهر مشتركة. ... 4- التصريف.
وسار على هذا المذهب ابن مالك في مؤلفاته التي جمع فيها بين النحو والصرف كالألفية والتسهيل، والكافية والشافية.
وكان ترتيبه على هذا النسق في المؤلفات الثلاثة، ولم يختلف إلا في التسهيل حيث قدّم التصريف على الظواهر المشتركة.(6/476)
والمقدمات عند ابن مالك نوعان: أحدهما: مقدمات مخصوصة بقسم واحد، والأخرى مقدمات عامة لمباحث التصريف كلها.
وقد عمد ابن مالك في الألفية والكافية الشافية إلى النوع الأول، وفي التسهيل إلى النوع الثاني.
أما النوع الأول فهو: التأنيث، والمقصور والممدود، وذلك لأنها مهمّة في معرفة مباحث القسم الثاني كالتثنية والجمع والنسب والتصغير.
أما النوع الثاني فهو: أبنية الأفعال ومعانيها، وهمزة الوصل، والمصادر، والتأنيث، والمقصور والممدود، وقد جمعها ابن مالك في أول الكتاب، ولعلّه أرادها مقدملتٍ عامةٍ لمباحث التصريف المتعددة الأخرى.
وكانت أبواب كيفية التثنية وجمع التصحيح وجمع التكسير، والتصغير، والنسب، هي الأبواب التي تُعنى بالقسم الثاني، ورتّبها ابن مالك على النحو السابق في الألفية والكافية الشافية، أما التسهيل فقدّم النسب فجعله أولاً، ثم الجمع ثم التصغير، وترتيبه في الكتابين يتوافق مع قوة التغيير الحادث في الكلمة، ومكان التغيير، فبدأ بالأقوى، وما يحصل فيه تغيير شامل في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها إلى أن يصل إلى ما يحصل فيه تغيير في آخر الكلمة وهو النسب؛ وهذا هو منهج ابن السراج الذي سبق بيانه.
ونأتي إلى الظواهر المشتركة بين الأسماء والأفعال فلا يبتعد عن ابن السراج والصيمريّ، حيث ذكر في الألفية والتسهيل: الوقف والإمالة، وفي الكافية الشافية: الإمالة والوقف والتقاء الساكنين.
أما التصريف فلم يتغيّر عنده ما تقرّر عند أسلافه، فذكر فيه: الميزان الصرفي، والزيادة، والإعلال والإبدال، والحذف، والإدغام، ومسائل التمارين، وذكر في الكافية الشافية: تصريف الأفعال والأسماء، وهو ما جعله مقدمةً للتصريف في الألفية تحت عنوان: الأبنية.(6/477)
وبعد، فإن ابن مالك كان يسير على ترتيب متقارب في كل مؤلفاته، ولم يختلف كثيرًا، وإن وجد بعض الاختلاف فإنه يُعزى غالبًا إلى مراعاة ابن مالك مستوى المتعلمين، فيحذف بعض المباحث لصعوبتها، ويؤخر أخرى لأن المتعلّم يحتاج تأخيرها حتى يكون ما قبلها موطئًا وممهّدًا لها.
المذهب الثالث: تقسيم أبواب الصرف أربعة أقسام على النحو التالي:
1- ذوات الأبنية. ... 2- أحوال ذوات الأبنية. 3- أحوال آخر الكلمة. 4- التصريف.
وسار على هذا المذهب السيوطيّ في» همع الهوامع «، ولم يكن رائدًا فيه، فقد سبقه إلى هذه النظرة أبو عليّ الفارسيّ -كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
وإن كان قد زعم السيوطيّ (1) أن هذا الترتيب بديع لم يُسبق إليه، فهو يقصد ترتيب الكتاب كله، وكذا ترتيب الأبواب النحوية والصرفية.
فذوات الأبنية ذكر فيها: أبنية الاسم، وأبنية الفعل، والمصادر، والمشتقات، وألفا التأنيث، والمقصور والممدود (2) ، وهذا الترتيب منطقي، فبدأ بأبنية الاسم لشرف الأسماء على الأفعال، ثم ذكر أبنية الأفعال قبل المصادر لأهمية معرفة الأفعال في تسهيل بيان المصادر، ثم المشتقات التي تكون تبعًا للأفعال في الاشتقاق، وذكر المقصور والممدود بعد التأنيث، وذلك ذكرٌ للخاص بعد العام، وهو ترتيب علمي مفيد.
أما أحوال ذوات الأبنية فكان على النحو التالي: جمع التكسير، والتصغير، والمنسوب (3) .
وقد نحا السيوطيّ منحى التدرج في التغيير من الأكثر والأعم إلى الأقل والمتأخر. وجاءت بعد ذلك أحوال آخر الكلمة على النحو التالي: التقاء الساكنين، والإمالة، والوقف (4) ، وإن كانت الإمالة ليست متعلقة بالآخر إلاّ أنها ظاهرة صوتية تلحق أحوال الحركة في الكلمة.(6/478)
ثم جاء التصريف (1) ، ولم يخرج فيه عن نمط النحاة السابقين، فذكر فيه: الاشتقاق، والميزان الصرفي، وحروف الزيادة، ومعاني حروف الزيادة، والحذف، والإبدال، والنقل والقلب، ثم الإدغام، وواضحٌ التسلسل المنطقي في الترتيب، والتدرج من الأصل إلى الفرع، ومن الأهم إلى المهم.
المذهب الرابع: وهذا المذهب أقرب إلى العشوائية منه إلى المنهجية، فلم يكن له ترتيب منهجي، أو خطة واضحة المعالم يمكن البناء عليها، وإنما هو أشبه بالخواطر، وممَّن سار على هذا المذهب الجزولي في» الجزولية «، وأبو علي الشلوبين في» التوطئة «، ويكفي أن نبيّن الأبواب الصرفية عند أحدهما ليغني عن الآخر؛ لأنهما سلكا ترتيبًا واحدًا لا يختلف، فعند الجزولي كان الترتيب على النحو التالي:
1- التصغير. 2- ألف الوصل. 3- النسب. 4- الهجاء. 5- الهمزة في الخط. 6- المقصور والممدود. 7- الوقف.
8- جمع التكسير. 9- الأبنية. 10- الاشتقاق. 11- الإمالة. 12- التصريف. 13- الإدغام.
فضلاً عن أن الكتاب لم يشمل جميع الأبواب الصرفية.
القسم الثاني: عرض الصرف قبل النحو:
ولم يكن هذا النهج شائعًا بين النحاة والصرفيين؛ ولعلهم جعلوا الصرف متأخرًا في دراسته لصعوبته؛ أو لأن طلبه يحتاج إلى عقلية أقوى مما يحتاجه النحو، أما من ناحية التسلسل المنطقي فإن الصرف يرتبط بالمفردات، وهو أمرٌ سابقٌ للتركيب؛ لأن الصحة في تركيب الجملة ينبغي أن يسبقها صحة المفردات، وهو اهتمام الصرف، ولعلّ هذه النظرة هي التي قادت أبا حيّان إلى أن يقدم الصرف على النحو في كتابه» ارتشاف الضرب «، بل إنه يصرّح بذلك فيقول:» وحصرته [أي موضوع الكتاب] في جملتين: الأولى: في أحكام الكلم قبل التركيب، والثانية: في أحكامها حالة التركيب « (2) .
وقسم حالة الكلمة (3) في الإفراد ثلاثة أقسام، وكلّها تتعلق بنظرة الصرفيّ، وهذه الأقسام الثلاثة على النحو التالي:
1- ما يكون من أحكام للكلمة نفسها.
2- ما يلحقها من أولها.(6/479)
3- ما يلحقها من آخرها.
أما القسم الأول فذكر أنه يتفرع إلى فرعين (1) :
الأول: جعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني، وينحصر ذلك في: التصغير، والتكسير، والمصدر، واسمي الزمان والمكان، واسم الفاعل، واسم المفعول، والمقصور والممدود القياسيين.
الثاني: تغيير الكلمة لغير معنًى طارئ عليها، وينحصر ذلك في: الزيادة، والحذف، والإبدال، والقلب، والنقل، والإدغام.
والقسم الثاني محصورٌ في باب واحد وهو همزة الوصل.
والقسم الثالث ينحصر في: التثنية، وجمعي التصحيح، والنسب، والألف المقصورة والممدودة، ونون التوكيد، ونون التنوين.
فهذه هي المباحث التي ذكرها في هذه الأقسام التي تُعنى بالكلمة حالة الإفراد، وبقي بابٌ واحد ذكره دون أن يصنفه إنما قال فيه:» ويعرض لبعض الحروف تغيير صفة، وقد تقدم منه شيء في ذكر حروف المعجم، ونذكر هنا ما تبقى علينا من ذلك وهو الإمالة « (2) . وقد سبق أن قدّم في أول الكتاب (3) القول في مواد الكلم وهي حروف المعجم وحروف العربية، وجعله مقدّمة لما بعده.
وقد ضمّت الجملة الثانية (أحكام الكلمة حالة التركيب) بعض المباحث الصرفية، وهي: التقاء الساكنين، والوقف، والإدغام من كلمتين.
وهذا التقسيم يرتبط بمعنى الجملة، ودور الكلمة في بناء الجملة بناءً تامًّا، كما أنه يساير المنطق الذي يبدأ بمعرفة الجزئيات للوصول إلى الكليات، وقد راعى أبو حيان ظاهرة التغيير في ترتيب الأبواب الصرفية كما فعل ابن السراج، فسار على نهجه؛ إذ يبدأ بالباب الذي يحمل عملاً أكبر من غيره.
وبعد، فإن أبا حيان قد استفاد من جهود العلماء السابقين، وبخاصة من سار على منهج في ترتيب أبوابه كابن السراج، وأضفى على ذلك لمسات من بنيّات أفكاره وإبداعه، ولهذا جاء ترتيبه يسيرًا على المتعلمين، والباحثين.
ب/ استقلال الصرف بالتأليف:(6/480)
حين تستعرض كتب التراجم تجد أن المؤلفات في التصريف التي استقلت تأليفًا بهذا العلم لم تكن قليلة، غير أن الذي وصل إلينا يختلف عن هذا العدد، وأكثر تلك المصنفات لم يصل إلينا، أو أنه ظلّ مفقودًا أو مجهولاً.
أما أقدم كتاب وصل إلينا فهو كتاب التصريف بشرح ابن جنيّ عليه المسمى» المنصف «، ثم توالت المؤلفات بعد ذلك، غير أننا نقتصر على أهمها، وأكثرها انتشارًا مع الأخذ في الحسبان تمثيل مذاهب التأليف الصرفي، وطريقة ترتيب المسائل الصرفية.
وهذه المؤلفات هي التي تبيّن ما هو من التصريف، وما ليس منه؛ إذ المذكور من الأبواب والمسائل سيكون قطعًا تصريفًا، وهذا بخلاف المؤلفات التي جمعت بين الصرف والنحو؛ إذ لا يَتَبَيَّنُ في كثير منها قسم النحو وقسم الصرف، فتأتي الأبواب والمباحث متتالية دون بيان الصرف من النحو.
ومن المؤلفات في هذا الباب:
1-» التصريف «: لأبي عثمان المازني (ت249هـ) ، وصل إلينا بشرح ابن جنيّ المسمى المنصف «.
2-» التكملة «: لأبي علي الفارسي (ت377هـ) ، وهو الجزء الثاني من كتاب» الإيضاح «.
3-» التصريف الملوكي «: لأبي الفتح ابن جنيّ (ت392هـ) .
4-» المفتاح في الصرف «: لعبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) .
5-» الوجيز في علم التصريف «: لأبي البركات الأنباري (ت577هـ) .
6-» التتمّة في التصريف «: لابن القبيصي (ت في أوائل القرن السابع) .
7-» الشافية «: لابن الحاجب (ت646هـ) .
8-» الممتع «: لابن عصفور (ت669هـ) .
9-» نزهة الطرف «: لابن هشام (ت761هـ) .
وهذه الكتب تنقسم من حيث الموضوعات الصرفية قسمين:
1- ما يقتصر على أصول التصريف، وما يتعلق بجعل الكلمة على صيغ مختلفة من غير أن تدلّ على معنًى جديد، وهي:» التصريف «للمازني، و» التصريف الملوكي «، و» المفتاح في الصرف «، و» الوجيز في علم الصرف «، و» التتمة في التصريف «، و» الممتع في التصريف «.(6/481)
2- ما يشمل أصول التصريف والمباحث المتعلقة بجعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني، وهي:» التكملة «، و» الشافية «، و» نزهة الطرف في علم الصرف «.
ولم تخرج موضوعات القسم الأول عمّا يلي:
1- أبنية الأسماء والأفعال المجردة والمزيدة، ومعاني الزوائد في الأفعال.
2- الزيادة، حروفها، ومواقعها، وأغراضها، وأدلتها.
3- الإبدال.
4- القلب، والحذف، والنقل.
5- الإدغام.
6- مسائل التمارين.
أما القسم الثاني فإنه يشمل المباحث والأبواب السابقة بالإضافة إلى الأبواب التالية:
التصغير. 2- النسب. 3- جمع التكسير. 4- التقاء الساكنين.5- الابتداء. 6- الوقف. 7- المقصور والممدود.
8- الإمالة. 9- تخفيف الهمزة.
ومن حيث الترتيب، فقد أصبح الترتيب هدفًا لذاته في كثير من هذه المصنفات؛ ولهذا يقول ابن عصفور:» فإني لمّا رأيت النحويين قد هابوا؛ لغموضه، علم التصريف، فتركوا التأليف فيه والتصنيف، إلاّ القليل منهم فإنّهم قد وضعوا فيه ما لا يُبرِدُ غليلاً، ولا يُحصِّل لطالبه مأمولاً؛ لاختلال ترتيبه، وتداخُل تبويبه، وضعتُ في ذلك كتابًا رفعتُ فيه من علم التصريف شرائعَه، ولّكتُه عاصيَه وطائعَه، وذلّلتُه للفهم بحسن الترتيب، وكثرة التهذيب لألفاظه والتقريب « (1) . وواضح أن ابن عصفور جعل حسن الترتيب يذلّل الفهم، فجعل الترتيب الحسن هدفًا للتأليف، وهو الغالب في المؤلفات المتأخرة؛ إذ إن أصول العلم قد تقررت، ولم تكن الإضافة بالقدر الذي يسمح بتأليف كتاب جديد غير أنّ الذي يُغري بالتأليف هو محاولة الوصول إلى ترتيب جديد يُعين على الفهم وبخاصة للمتعلمين.
وقد سلك أصحاب المؤلفات السابقة طرقًا متشابهة غير متباعدة في طريقة ترتيبهم للأبواب الصرفية. ونبدأ بأصحاب القسم الأول:(6/482)
فأولهم المازني، في كتابه» التصريف «وقد اشتمل ثمانية عشر بابًا، وصدّر كل باب بقوله: (باب....) ، غير أن هذه الأبواب تعود في مجملها إلى مباحث أقل من هذا العدد، فهي تعود إلى أربعة أبواب رئيسة، وهي:
1- الأبنية. ... ... 2- الزيادة. ... ... 3- الإعلال. ... 4- القياس اللغوي.
ويُعدُّ هذا الترتيب ترتيبًا منطقيًا؛ إذ الأبنية مقررة عندهم فيلزم معرفتها، وهذا يدعو إلى معرفة بعض الظواهر التي تعتريها، وأهمها الزيادة والإعلال، ثم يكون القياس اللغوي آخر الأبواب؛ لأن الهدف مما سبق من مباحث وأبواب، فهي تعدّ توطئة وتمهيدًا لهذا الباب؛ فهو أصل التصريف في تلك المرحلة.
وممّا يلاحظ أنّ القياس اللغوي ذكره في بابين متفرقين، فالأول ذكره بعد مباحث الزيادة وهو: ما قيس من الصحيح على ما جاء من الصحيح من كلام العرب (1) ، والثاني ذكره بعد مباحث الإعلال وهو: ما قيس من المعتل ولم يجئ مثاله إلاّ من الصحيح (2) ، وكان بإمكانه أن يجعل البابين في مكان واحد بعد الإعلال، غير أنه يُلمح من ذلك حرص المازني أن يصل إلى هدف الكتاب وهو القياس اللغوي، والتصريف في الألفاظ، ولهذا ذكر هذا الباب حين لم يلزم له شيء في الإعلال، وأخّر الآخر حين لزم تقديم الإعلال عليه.(6/483)
ومع هذا الترتيب الذي ذكرناه إلاّ أن الأبواب التي أوردها المازني لا تخرج أبدًا عما ذكره سيبويه في كتابه، ولم يكن ثمة اختلاف سوى الترتيب الذي سلكه المازني، وجمعه لهذه الأبواب المتفرقة عند سيبويه في كتاب واحد، وإهماله لأبنية الأسماء المزيدة والإدغام، ولهذا فكتاب سيبويه أشمل وأوسع مِمّا ذكره المازني، ولعلّ المازني لم يرد إضافة جديد إلى كتاب سيبويه، ولكنه درسه واستوعبه فأراد أن يقدّمه في صورة أخرى تناسب المتعلمين، وتسهل لهم الطريق إلى تعلّم التصريف، ولهذا جاء كتابه مختصرًا موجزًا بعيدًا عن الإسهاب والشرح والتطويل، وهو ما استدعى ابن جنيّ إلى تأليف شرح له؛ إذ يقول:» ولما كان هذا الكتاب الذي قد شرعتُ في تفسيره وبسطه من أنفس كتب التصريف وأسدّها وأرصنها، عريقًا في الإيجاز والاختصار، عاريًا من الحشو والإكثار، متخلصًا من كزازة ألفاظ المتقدمين، مرتفعًا عن تخليط كثير من المتأخرين، قليل الألفاظ، كثير المعاني، عُنيت بتفسير مشكله، وكشف غامضه، والزيادة في شرحه « (1) .
وكان ترتيب المازني للأبنية مراعيًا عدد حروف الكلمة، بادئًا بالأسماء والأفعال المجردة الثلاثية ثم الرباعية، ثم الأسماء الخماسية، ثم الأبنية المزيدة في الأفعال، ولم يتطرق -كما سبق بيان ذلك- إلى الأبنية المزيدة في الأسماء، ولعلّه رأى كثرتها، وهو ما لا يليق بهذا المختصر، وإنما يحتاج الأمر إلى وضع قانون يعرف به الأصليّ من الزائد، وهو ما عقّب به بعد الأبنية حيث تحدث عن الزيادة من حيث حروفها، ومواقعها.(6/484)
أما الإعلال، فبدأ ببيان مواضع الإعلال للواو والياء حسب مواقع الإعلال، حيث بدأ بالفاء فالعين ثم اللام، وحاول أن يكون ذلك في الثلاثي وما اشتق منه، ثم انتقل بعد ذلك إلى ما زاد على الأربعة، وكما هو واضحٌ فإنه ترتيبٌ قويّ؛ إذ الإعلال في أكثره ينبني على معرفة الأصل، وما أصابه من تغيير، فالإعلال في الأصل، والفرع تبعٌ له، وهو ما نظر إليه المازنيّ هنا.
ولم يبتعد أصحاب الكتب الأخرى في هذا القسم عن المازني كثيرًا، وقد نظروا جميعًا إلى أن التصريف خمسة أنواع: زيادة، وبدل، وحذف، وتغيير حركة أو سكون، وإدغام (1) . وهذه الأنواع تحتاج إلى معرفة الأبنية، ولهذا يقول ابن عصفور بعد الحديث عن أدلة الزيادة:» ولمّا كان النظير والخروج عنه لا يُعلمان إلاّ بعد معرفة أبنية الأسماء والأفعال، وضعت من أجل ذلك بابين، حصرتُ في أحدهما أبنية الأسماء، وفي الآخر أبنية الأفعال « (2) .
ولم يستقص ذكر الأبنية سوى ابن عصفور، مع أن عبد القاهر الجرجاني ذكر بابين في الأبنية، أحدهما في الأسماء، والآخر في الأفعال، إلاّ أنه سار فيهما على نحو ما عند المازني، وكذا فعل ابن الأنباري الذي ذكر فصلاً في معرفة أبنية الأسماء التي لا زيادة فيها، ولم يتطرّق إلى الأفعال.
وكان القياس اللغوي خاتمة الأبواب في التصريف الملوكي والممتع، ولم تتناوله الكتب الأخرى، وكأنها أرادت ذكر الأصول والمبادئ دون التطبيق والتدريب.
أما القسم الثاني الذي يمثله أبو عليّ الفارسيّ في» التكملة «، وابن الحاجب في» الشافية «، وابن هشام في» نزهة الطرف «- فتختلف الثلاثة في طرق ترتيبها.(6/485)
فأبو علي اتخذ طريقة التدرج في التغيير منهجًا لترتيب أبوابه الصرفية، ويكفي أن نذكر كلامه الذي يدل على ذلك؛ إذ يقول بعد أن قسّم النحو قسمين، فالأول هو الإعراب، وخصّص له كتابه» الإيضاح «، أما الضرب الآخر فهو:» تغيير يلحق أواخر الكلم، من غير أن يختلف العامل، وهذا التغيير يكون بتحريك ساكن، أو إسكان متحرك، أو إبدال حرف من حرف، أو زيادة حرف، أو نقصان حرف.... والضرب الآخر من القسم الأول وهو التغيير الذي يلحق أنفس الكلم وذواتها، فذلك نحو التثنية والجمع الذي على حدها، والنسب، وإضافة الاسم المعتل إلى ياء المتكلم، وتخفيف الهمزة، والمقصور والممدود، والعدد، والتأنيث والتذكير، وجمع التكسير، والتصغير، والإمالة، والمصادر، وما اشتق منها من أسماء الفاعلين والمفعولين وغيرها، والتصريف، والإدغام، وسنذكر ذلك بابًا بابًا إن شاء الله « (1) .
ولم يكن ترتيبه لأبواب الكتاب على هذا النسق الذي ذكره، وإنما راعى بعضه، ولم يلتزم أكثره، وذلك أنه ذكر تخفيف الهمزة في الضرب الثاني، ومع هذا ذكره بعد الوقف الذي هو من الضرب الأول، كما أنه ذكر المصادر والمشتقات وأبنية الأفعال قبل الإمالة وهذا يخالف نصّه السابق.
وقد راعى في ترتيب القسم الأول التحريك والتسكين؛ فبدأ بتحريك الساكن وهو التقاء الساكنين، فالابتداء، ثم بتسكين المتحرك وهو الوقف.
أما القسم الثاني فبدأ بالتغييرات التي تشترك بين الأسماء والأفعال، ثم التي تخص الأسماء، ثم تلك التي تخص الأفعال وأخيرًا التصريف.(6/486)
ولأن الكتاب مخصوص بالتغيير فلم يتناول إلاّ ما اعتراه التغيير، ولهذا لم يذكر تثنية الصحيح في هذا الجزء المخصّص للتصريف؛ إذ يقول:» لا يخلو الاسم المثنّى من أن يكون صحيحًا أو معتلاً، فتثنية الصحيح قد تقدّم ذكرها في الكتاب « (1) ولعلّ أبا علي لم يرد منهجًا واضحًا في إيراده الأبواب الصرفية فيما يخصّ الأسماء؛ لأن هذه الأبواب هي أكثر المباحث الصرفية في الكتاب، ولهذا فقد رتب هذه الأبواب على النحو التالي:
1- تثنية وجمع الأسماء المقصورة والممدودة. 2- النسب. 3- العدد. 4- المقصور والممدود.
5- المذكر والمؤنث. ... 6- جمع التكسير. 7- التصغير. 8- المصادر والمشتقات.
ومما يلاحظ هنا أن أبا علي عدّ العدد من المباحث الصرفية؛ لأنه نظر إلى أن في العدد تغييرًا في ذوات الكلم، فعدّه هنا بناءً على التقسيم الذي اعتمده.(6/487)
ومِمّن اختطّ منهجًا قريبًا من منهج أبي علي إلاّ أنّه طوّره وهذبه ابنُ الحاجب في» الشافية «، وقد نهج في ترتيبه منهجًا واضحًا، واعتمد في ذلك على أحوال الأبنية، فبعد أن ذكر المبادئ العامة في التصريف وهي: تعريف التصريف، وأنواع الأبنية، والميزان الصرفي، وانقسام الأبنية إلى صحيح ومعتل، وأبنية الاسم الثلاثية والرباعية والخماسية المجردة، ومزيداتها. شرع في الأبواب الصرفية التي اعتمد في ترتيبها على أحوال الأبنية؛ إذ يصرّح بهذا فيقول:» وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة، كالماضي والمضارع، والأمر، واسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبّهة، وأفعل التفضيل، والمصدر، واسمي الزمان والمكان، والآلة، والمصغّر، والمنسوب والجمع، والتقاء الساكنين، والابتداء، والوقف، وقد تكون للتوسّع، كالمقصور والممدود، وذي الزيادة، وقد تكون للمجانسة، كالإمالة، وقد تكون للاستثقال، كتخفيف الهمزة، والإعلال، والإبدال، والإدغام، والحذف « (1) . وهذه النظرة من ابن الحاجب نظرة ثاقبة؛ إذ تُعطي هدفًا معيّنًا للأبواب الصرفية، وتوضّح العلل التي بسببها جاءت هذه الأبواب، وتتفرّع هذه العلل، فالحاجة قد تكون» إما لتغيّر المعنى باعتبارها كالماضي والمضارع، وإما للاضطرار إلى بعضها بعد الإعلال كالتقاء الساكنين في نحو» لم يقل «أو بعد وصل بعض الكلم ببعض كالتقائهما في نحو» اذهب اذهب «أو عند الشروع في الكلام كالابتداء، وإما لوجه استحساني لا ضروري كوجوه الوقف « (2) . وهذا نموذجٌ على تفرّع هذه الأسباب.
وكان ابن الحاجب بهذه النظرة رائدًا في مجاله، ولتسلسلها المنطقي الذي ابتعد عن الحشو العشوائي حظيت شافيته بالإقبال الكبير، فشرحها علماء كثر، ونظمها آخرون، ودرس عليها ودرّسها خلقٌ كثير.
ولم يبتعد ابن هشام كثيرًا في كتابه» نزهة الطرف «عن ترتيب ابن الحاجب، بل جاء مساويًا لترتيب ابن الحاجب في مجمله، وإن اختلف عنه في بعض الأمور، لعلّ منها:(6/488)
أولاً: أن كتاب ابن هشام خلا من بعض الأبواب التي ذكرها ابن الحاجب في كتابه وهي: جمع التكسير، والابتداء، والوقف، والمقصور والممدود، والإمالة، وإن توزعت بعض أحكامها في بعض المباحث التي تتعلق بالتغيير إلاّ أنها قليلة.
ثانيًا: اختلف تبويب ابن هشام للأبنية عما كان عند ابن الحاجب؛ إذ بدأ ابن هشام بالأفعال الثلاثية، وذكر صياغة المشتقات منها والمصادر ثم ثنّى بعد ذلك بالأفعال الرباعية ومشتقاتها ومصادرها، وبعد ذلك جاء بأوزان الأسماء الثلاثية فالرباعية فالخماسية، على حين جعل ابن الحاجب الأوزان الثلاثية والرباعية والخماسية للأسماء من مبادئ علم التصريف، وجعل أوزان الأفعال من أحوال الأبنية.
ثالثًا: أن كتاب ابن هشام أشدّ اختصارًا من شافية ابن الحاجب.
رابعًا: جعل ابن هشام الإعلال في بابين هما: القلب والنقل، وقدّم الحذف على الإدغام على عكس ابن الحاجب.
ومع هذا الاختلاف إلاّ أن شخصية ابن الحاجب ظهرت بوضوح في كتاب ابن هشام» نزهة الطرف «ولعل تأثر ابن هشام بالشافية كان واضحًا، ولا أدلّ على ذلك من أنه شرحها بشرح سماه: عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب (1) .
• • •
الخاتمة:
الترتيب الصرفي أخذ عناية العلماء المتقدمين والمتأخرين، وما ذلك إلاّ لإيمانهم أن الترتيب الجيد يوصل إلى الهدف والغاية بسهولة ويسر، كما أن التخطيط لأيّ عمل يولّد إنتاجًا وبناءً قويًّا ومتكاملاً، ويمكن أن نذكر في نهاية هذا البحث بعض النتائج التي ظهرت خلال البحث والمناقشة:(6/489)
1- كان حرص النحاة والصرفيين بهذه المؤلفات التي وضعوها ضبط اللغة، وتقريب قوانينها وقواعدها إلى أفهام الناس، وبخاصة المتعلمين، كما لا يخفى سعي العلماء إلى إبراز ما تكنُّه هذه اللغة من إعجاز وبيان، ولأجل ذلك توسعوا في دراسة الظواهر اللغوية وحاولوا -ما استطاعوا- تقنينها وتقعيدها حتى يسهل تعلمها وإدراكها، ولا يضيرهم إن بقيت بعض المواد اللغوية متعلقة ومرتبطة بسماع العرب، ولهذا قال ابن فارس:» إن لعلم العرب أصلاً وفرعًا: أما الفرع فمعرفة الأسماء والصفات، كقولنا: رجلٌ وفرس، وطويل وقصير، وهذا هو الذي يبدأ به عند التعلم. وأما الأصل فالقول على موضوع اللغة، وأوّليتها ومنشئها، ثم على رسوم العرب في مخاطباتها، وما لها من الافتنان تحقيقًا ومجازًا.
والناس في ذلك رجلان: رجلٌ شُغل بالفرع فلا يعرف غيره، وآخر جمع الأمرين معًا، وهذه هي الرتبة العُليا؛....
والفرق بين معرفة الفروع ومعرفة الأصول: أن متوسّمًا بالأدب لو سُئل عن الجزم (1) والتسويد (2) في علاج النوق، فتوقّف أو عيّ به أو لم يعرفه - لم ينقصه ذلك عند أهل المعرفة نقصًا شائنًا؛ لأن كلام العرب أكثر من أن يُحصى.
ولو قيل له: هل تتكلم العرب في النفي بما لا تتكلم به في الإثبات؟ ثم لم يعلمه - لنقصه ذلك في شريعة الأدب عند أهل الأدب؛ لا أنّ ذلك يُردي دينه أو يجرُّه لمأثم.
كما أنّ متوسّمًا بالنحو لو سئل عن قول القائل:
لَهِنّك من عبسيّة لوسيمةٌ ... ... على هنواتٍ كاذبٌ من يقولها
فتوقف أو فكّر أو استمهل - لكان أمره في ذلك عند أهل الفضل هيّنًا. لكن لو قيل له مكان (لهنّك) : ما أصل القسم؟ وكم حروفه؟ وما الحروف الخمسة المشبّهة بالأفعال التي يكون الاسم بعدها منصوبًا وخبره مرفوعًا؟ فلم يُجب - لحكم عليه بأنه لم يشامّ صناعة النحو قطّ، فهذا الفصلُ بين الأمرين « (3) .(6/490)
ولأجل ضبط قياسات اللغة، واستخراجها من منطوق العرب، والوصول بالمتعلم إلى الرتب العليا في معرفة أصول اللغة، حرص العلماء على الإكثار من التعمّق في اللغة بغية الضبط والتقنين والتقعيد؛ لأن الضوابط والقوانين والقواعد هي التي يَسهل تعلمها ويُقبل عليها الخلق الكثير، بعكس حفظ اللغة ومتونها وألفاظها، فهذه لا يصل إليها إلا الخاصة.
وحين ينتقد المتأخرون هؤلاء العلماء الأسلاف على هذا الضبط، فإن ذلك ليس مسوّغًا للنقد والخروج على هؤلاء بمحاولة بعثرة هذا الجهد، وسيكون البديل معدومًا عندهم.
أذكر ذلك حين اطلعت على مقالة للدكتور كمال بشر في مفهوم علم الصرف (1) ، والذي يحاول أن يخرج كثيرًا من المباحث والأبواب من علم الصرف؛ لعدم استقامة القاعدة واطّرادها، أو أن متن اللغة أولى بها من الصرف، ولو بقيت تلك المباحث التي عدّها الدكتور بشر من اللغة بعيدة عن الصرف، وصار مجالها المعاجم والقواميس لأصبحت بمنأى عن التعلُّم والإدراك، ولا يحتج بصعوبة ظاهرة من الظواهر على إخراجها من أحد العلوم.
2- الجمع بين النحو والصرف في مؤلف واحد كان ديدن العلماء الذين ألفوا في النحو، وممّا يلفت له أن النحو متقدّم على الصرف في أكثر تلك المصنفات، مع أن معرفة التصريف تتقدم تسلسلاً على معرفة النحو، ولهذا يوضّح ابن جنيّ العلة في ذلك فيقول:» من الواجب على من أراد معرفة النحو أن يبدأ بمعرفة التصريف؛ لأن معرفة ذات الشيء الثابتة ينبغي أن يكون أصلاً لمعرفة حاله المتنقلة، إلاّ أن هذا الضرب من العلم لما كان عويصًا صعبًا بُدئ قبله بمعرفة النحو، ثم جيء به بَعْد، ليكون الارتياضُ في النحو موطّئًا للدخول فيه، ومعينًا على معرفة أغراضه ومعانيه، وعلى تصرّف الحال « (2) .(6/491)
وعلى هذا فإنْ تأخَّر التصريف في المؤلفات فهو مقدّم على النحو في المعرفة، وليس تأخره تقليلاً من أهميته؛ فقد يتأخر الشيء وهو أهمُّ من غيره المتقدم، وإنما ينظر إلى جانب آخر وهو قضية التعلم.
3- بعض المؤلفات في الصرف من قبيل الترف العلمي؛ إذ إنّ غيرها يغني عنها، ولم يضف جديدًا في المادة العلمية، أو الترتيب، وقد يكون الجديد فيها الأسلوب الذي صيغت به، ولعلّ حرص بعض العلماء على أن يناسب تفكير العصر العلمي هو الذي يدفعه إلى أن يقدّم كتابًا مؤلفًا بأسلوب ذلك العصر، وعلى هذا فمراعاة العصر في التأليف كانت ظاهرة في المؤلفات الصرفية، وهذا يدعم موقف من يرى أن التأليف بأُسلوب عصري قد يكون هو الجديد، وهو مسوّغٌ يكفي لتأليف كتاب جديد عندهم.
4- الترتيب الواضح هو الذي يجمع المتشابهات، ويضمّ المتفرقات في أبواب متناسقة، ويبدأ بالأبواب اليتيمة، أي التي يحتاجها غيرها ولا يلزم في معرفتها معرفة غيرها، وهذا الترتيب يساعد على الفهم الجيد. يقول ابن عصفور وهو يتحدث عن علم التصريف:» وذلّلته للفهم بحسن الترتيب، وكثرة التهذيب لألفاظه والتقريب حتى صار معناه إلى القلب أسرع من لفظه إلى السمع « (1) .
5- الترتيب الصرفي أخذ عدة طرائق لعرض المادة العلمية، تتلخص في ست طرائق:
1- طريقة ابن السراج، وهو رائد في الترتيب الصرفي، وقد ألف كتابه» الأصول «ليصل بالمادة النحوية والصرفية إلى ترتيب بديع.
2- طريقة الزَّمَخْشَرِيّ، وذلك بعرض المباحث التي تخصّ الأسماء ثم الأفعال، ثم المشتركة بينهما، غير أن ذلك يتم بالتداخل مع المباحث النحوية.
3- طريقة ابن الحاجب، وذلك بالنظر إلى أحوال الأبنية، وهو أسلوبٌ جديد في عرض المادة العلمية اهتم العلماء به بعد ذلك.
4- طريقة السيوطيّ، وذلك بتقسيم الأبواب إلى أربعة بالنظر إلى ذات الأبنية وأحوالها، وأحوال أواخرها ثم التصريف، وإن أشار إليه بشيء يسير في مقدمته أبو عليّ الفارسيّ.(6/492)
5- طريقة ابن مالك، وذلك بعمل مقدمات يذكر فيها الأصول والمبادئ لعلم التصريف، ثم يرتب الأبواب بحسب ظواهر التغيير وأنواعه.
6- طريقة أبي حيان، وقد كان متفردًا بتقديم علم التصريف على النحو، ومنفردا في طريقته التي اعتمدت على عرض أحكام الكلمة حسب موقعها من الكلام.
7- طريقة أصحاب الكتب التي استقلت بعلم التصريف، وهي نوعان: ...
... 1- عرض أصول التصريف ومبادئه، وما يتعلق بجعل الكلمة على صيغ مختلفة من غير أن تدلّ على معنًى جديد.
2- عرض أصول التصريف، والمباحث المتعلقة بجعل الكلمة على صيغ مختلفة من غير أن تدل على معنًى جديد، وكذا ما تدل على ضروبٍ من المعاني.
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به، والله ولي التوفيق.
الحواشي والتعليقات
(1) من الشروح:
- ... شرح الملوكي في التصريف.
- ... شروح شافية ابن الحاجب.
- ... شرح السيرافي على الكتاب.
- ... شرح الرماني على الكتاب.
- ... وشروح ألفية ابن مالك.
ينظر: الصحاح: 4/1385؛ واللسان: 9/189؛ والقاموس المحيط: 3/166؛ وتاج العروس: 12/318.
المنصف: 1/4.
الكتاب: 4/242.
شرح الكتاب: 5/210.
المقتضب: 1/35.
الأصول: 3/231.
ينظر: الأصول: 3/231.
التكملة: 181، 182.
المنصف: 1/3، 4.
المفتاح في الصرف: 26.
الممتع: 1/31-33.
الشافية: 6.
ينظر: شرح الشافية: 1/4، 5.
التسهيل: 29.
ينظر: التصريح: 2/352؛ وتصريف الأفعال: 42.
الكتاب: 4/242.
المقتضب: 1/35.
المقتضب: 1/172.
الأصول: 3/231.
التكملة: 181-185.
ينظر: التكملة: 185.
الممتع: 1/31.
ينظر: الصحاح: 1/133؛ واللسان: 1/409؛ والتعريفات: 55.
التعريفات: 55.
التكملة: 181.
ينظر: الكتاب: 3/335.
ينظر: الكتاب: 3/232.
ينظر: الكتاب: 3/235.
ينظر: الكتاب: 3/234.
ينظر: الكتاب: 3/242.
ينظر: الكتاب: 3/246.
ينظر: الكتاب: 3/389.
ينظر: الكتاب: 3/390.
ينظر: الكتاب: 3/415.
ينظر: الكتاب: 3/496.(6/493)
ينظر: الكتاب: 3/508.
ينظر: الكتاب: 3/529.
ينظر: الكتاب: 3/536.
ينظر: الكتاب: 3/541.
ينظر: الكتاب: 3/557.
ينظر: الكتاب: 4/5.
ينظر: الكتاب: 4/117.
ينظر: الكتاب: 4/144.
ينظر: الكتاب: 4/152.
ينظر: الكتاب: 4/166.
ينظر: الكتاب: 4/235.
ينظر: الكتاب: 4/237.
ينظر: الكتاب: 4/242.
ينظر: المقتضب: 1/53.
ينظر: المقتضب: 1/56.
ينظر: المقتضب: 1/61.
ينظر: المقتضب: 1/66.
ينظر: المقتضب: 1/68.
ينظر: المقتضب: 1/70.
ينظر: المقتضب: 1/71.
ينظر: المقتضب: 1/80.
ينظر: المقتضب: 1/86.
ينظر: المقتضب: 1/88.
ينظر: المقتضب: 1/91.
ينظر: المقتضب: 1/96.
ينظر: المقتضب: 1/99.
ينظر: المقتضب: 1/104.
ينظر: المقتضب: 1/111.
ينظر: المقتضب: 1/115.
ينظر: المقتضب: 1/117.
ينظر: المقتضب: 1/118.
ينظر: المقتضب: 1/236.
ينظر: المقتضب: 1/133.
ينظر: المقتضب: 1/42.
ينظر: المقتضب: 1/192.
ينظر: الأصول: 2/407.
ينظر: الأصول: 2/415.
ينظر: الأصول: 2/429.
ينظر: الأصول: 3/36.
ينظر: الأصول: 3/63.
ينظر: التبصرة: 2/585.
ينظر: التبصرة: 2/608.
ينظر: التبصرة: 2/613.
ينظر: التبصرة: 2/632.
ينظر: التبصرة: 2/640.
ينظر: التبصرة: 2/686.
ينظر: الأصول: 2/361.
ينظر: الأصول: 2/371.
ينظر: الأصول: 2/398.
ينظر: الأصول: 3/160.
ينظر: التبصرة: 2/710، 716، 723، 732، 737.
الأصول: 2/361.
الأصول: 2/366.
الأصول: 2/367.
الأصول: 2/27.
ينظر: الأصول: 3/156.
الأصول: 3/85.
ينظر: الأصول: 3/160.
ينظر: الأصول: 3/89-97.
ينظر: الأصول: 3/160.
ينظر: الأصول: 3/179.
ينظر: التبصرة: 2/743.
التبصرة: 2/754.
ينظر: التبصرة: 2/754.
التبصرة: 2/783.
الأصول: 3/231.
التبصرة: 2/788.
ينظر: همع الهوامع: 1/18.
ينظر: همع الهوامع: 3/255-307.
ينظر: همع الهوامع: 3/308-369.
ينظر: همع الهوامع: 3/370-401.
ينظر: همع الهوامع: 3/407-449.
ارتشاف الضرب: 1/4.
ينظر: ارتشاف الضرب: 1/13.(6/494)
ينظر: ارتشاف الضرب: 1/13.
ارتشاف الضرب: 1/237.
ينظر: ارتشاف الضرب: 1/13.
الممتع: 1/22.
ينظر: المنصف: 1/173.
ينظر: المنصف: 2/242.
المنصف: 1/5.
ينظر: التصريف الملوكي: 13، وقد صرّح ابن جنيّ فيه بهذا التقسيم، أما الكتب الأخرى فبوّب مسائلها على هذا التقسيم دون تصريح.
الممتع: 1/59.
التكملة: 182-185.
التكملة: 237 ويقصد بقوله (أول الكتاب) كتاب الإيضاح؛ لأنه يعد كتاب التكملة -كما سبق- الجزء الثاني لكتاب الإيضاح.
الشافية: 15، 16.
شرح الشافية للرضي: 1/66.
ينظر: نزهة الطرف: 48.
الجزم: شيء يدخل في حياء الناقة لتحسبه ولدها فترأمه. الصحاح: 5/1887، واللسان: 14/365.
التسويد: معالجة أدبار الإبل بالشعر المدقّ من الكساء. ينظر: اللسان: 4/213.
الصاحبي في فقه اللغة العربية: 3-5.
ينظر: مجلة مجمع اللغة العربية، القاهرة، الجزء الخامس والعشرون: ص110.
المنصف: 1/4، 5.
الممتع: 1/22.
المصادر والمراجع
المطبوعات
ارتشاف الضرب من لسان العرب. أبو حيان الأندلسي. الطبعة الأولى. تحقيق: د. مصطفى النماس. القاهرة: مطبعة المدني، 1408هـ - 1987م.
الأصول في النحو. أبو بكر محمد بن سهل بن السرّاج. الطبعة الثالثة. تحقيق: د. عبد الحسين الفتلي. بيروت: مؤسسة الرسالة، 1408هـ - 1988م.
الإيضاح. أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار. الطبعة الثانية. تحقيق: د. كاظم بحر المرجان. بيروت: عالم الكتب، 1406هـ - 1996م.
تاج العروس من جواهر القاموس. محب الدين محمد مرتضى الزبيدي. تحقيق: علي شبري. بيروت: دار الفكر،
1414هـ - 1994م.
التبصرة والتذكرة. أبو محمد عبد الله بن علي بن إسحاق الصيمري. الطبعة الأولى. تحقيق: د. فتحي أحمد مصطفى عليّ الدين. مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1402هـ - 1982م.(6/495)
التتمة في التصريف. أبو عبد الله محمد بن أبي الوفاء الموصليّ. الطبعة الأولى. تحقيق: د. محسن بن سالم العميري. مكة المكرمة: نادي مكة الثقافي الأدبي، 1414هـ-1993م.
تصريف الأفعال. د. عبد الحميد السيد عبد الحميد. القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث، 1409هـ - 1989م.
التعريفات. الشريف علي بن محمد الجرجاني. الطبعة الثالثة. بيروت: دار الكتب العلمية، 1408هـ - 1988م.
التعليقة على كتاب سيبويه. أبو علي الحسن بن أحمد الفارسيّ. تحقيق: د. عوض بن حمد القوزي. الرياض: جامعة الملك سعود، 1415هـ - 1984م.
التكملة. أبو علي الفارسي. تحقيق: د. حسن شاذلي فرهود. الرياض: جامعة الرياض.
التوطئة. أبو علي الشلوبيني. تحقيق: د. يوسف أحمد المطوع. مطابع سجل العرب، 1401هـ - 1981م.
خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب. عبد القادر بن عمر البغدادي. الطبعة الثانية. تحقيق: عبد السلام محمد هارون. القاهرة: مكتبة الخانجي، 1979م.
الخصائص. أبو الفتح عثمان بن جني. الطبعة الثالثة. تحقيق: محمد علي النجار. بيروت: عالم الكتب، 1403هـ - 1983م.
ديوان الأدب. أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي. الطبعة الأولى. تحقيق: د. أحمد مختار عمر. القاهرة: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1399هـ - 1979م.
الشافية في علم التصريف. جمال الدين ابن الحاجب. الطبعة الأولى. تحقيق: حسن أحمد العثمان. مكة: المكتبة المكية، 1415هـ - 1995م.
شرح الكافية الشافية. جمال الدين ابن مالك. تحقيق: د. عبد المنعم هريدي. مكة المكرمة: جامعة أم القرى.
شرح المقدمة الجزولية الكبير. أبو علي عمر الشلوبين. الطبعة الأولى. تحقيق: د. تركي بن سهو العتيبي. الرياض: مكتبة الرشد، 1413هـ - 1993م.
شرح الملوكي في التصريف. ابن يعيش. الطبعة الأولى. تحقيق: د. فخر الدين قباوة. حلب: المكتبة العربية، 1393هـ - 1973م.(6/496)
شرح شافية ابن الحاجب. رضي الدين محمد بن الحسن الأستراباذي. تحقيق: محمد نور الحسن؛ ومحمد الزفزاف، ومحمد محيي الدين عبد الحميد. بيروت: دار الكتب العلمية، 1402هـ - 1982م.
شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ. جمال الدين بن محمد بن مالك. تحقيق: عدنان عبد الرحمن الدوري. بغداد: مطبعة العاني، 1397هـ - 1977م.
شرح كتاب سيبويه. أبو الحسن الرمّاني. تحقيق: د. المتولي الدميري. القاهرة: مطبعة التضامن، 1408هـ - 1988م.
الصاحبي. أبو الحسين أحمد بن فارس. تحقيق: السيد أحمد صقر. القاهرة: مطبعة عيسى البابي الحلبي.
الصحاح. إسماعيل بن حمّاد الجوهريّ. الطبعة الثالثة. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار. بيروت: دار العلم للملايين، 1404هـ - 1984م.
القاموس المحيط. مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي. بيروت: دار الجيل.
كتاب سيبويه. أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (سيبويه) . تحقيق وشرح: عبد السلام هارون. عالم الكتب: بيروت.
اللباب في علل البناء والإعراب. أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري. الطبعة الأولى. تحقيق: غازي طليمات؛ ود. عبد الإله نبهان. بيروت - دمشق: دار الفكر، 1416هـ - 1995م.
لسان العرب. جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور. الطبعة الأولى. بيروت: دار صادر، 1410هـ - 1990م.
المغني في تصريف الأفعال. د. محمد عبد الخالق عضيمة. دار الحديث.
المفصّل في علم اللغة العربية. أبو القاسم محمود بن عمر الزَّمَخْشَرِيّ، الطبعة الأولى. مصر: مطبعة التقدم، 1323هـ.
المقتضب. أبو العباس محمد بن يزيد المبرد. تحقيق: محمد عبد الخلق عضيمة. بيروت: عالم الكتب.
الممتع في التصريف. ابن عصفور الإشبيلي. تحقيق: د. فخر الدين قباوة. بيروت: دار المعرفة.
مناهج الصرفيين ومذاهبهم في القرنين الثالث والرابع من الهجرة. د. حسن هنداوي. الطبعة الأولى. دمشق: دار القلم، 1409هـ - 1989م.(6/497)
المنصف في شرح كتاب التصريف. أبو الفتح عثمان بن جني. الطبعة الأولى. تحقيق: إبراهيم مصطفى؛ وعبد الله أمين. القاهرة: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1373هـ - 1954م.
نزهة الطرف في علم الصرف. عبد الله بن يوسف النحوي الأنصاري المعروف بابن هشام. تحقيق: د. أحمد عبد المجيد هريدي. القاهرة: مكتبة الزهراء، 1410هـ - 1990م.
همع الهوامع في شرح جمع الجوامع. جلال الدين السيوطي. الطبعة الأولى. تحقيق: أحمد شمس الدين. بيروت: دار الكتب العلمية، 1408هـ - 1998م.
الوجيز في علم التصريف، أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن الأنباري، تحقيق: د. علي حسين البواب، دار العلوم، 1402هـ.
المخطوطات
شرح كتاب سيبويه. أبو سعيد السيرافي. صنعاء: مكتبة دار المخطوطات 390، مصورة بمكتبة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى رقم 1158.
شرح كتاب سيبويه. أبو سعيد السيرافي. القاهرة: دار الكتب المصرية 137 نحو، مصورة بمكتبة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى.
الدوريات
مجلة مجمع اللغة العربية، الجزء الخامس والعشرون، بحث الدكتور كمال بشر: مفهوم علم الصرف، القاهرة، رمضان: 1389هـ.(6/498)
الزِّياديُّ النَّحويُّ
حياته، وآثاره، وآراؤه
د. سيف بن عبد الرحمن العريفي
الأستاذ المساعد بقسم النحو والصرف وفقه اللغة - كلية اللغة العربية
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض
ملخص البحث
أبو إسحاق الزيادي (ت 249 هـ) أحد النحويين البصريين في القرن الثالث الهجري، ولم يصل من مصنفاته شيءٌ، فرأى الباحث جمع ما نثر من آرائه، ودراستها.
وقد جاء البحث في أربعة فصول:
الفصل الأول: حياته وآثاره: فيه المباحث الآتية:
1 - نسبه وحياته. 2 - شيوخه، ومنهم: الأصمعي، وأبو عبيدة، وأبو زيد، والأخفش الأوسط، والجرمي. وضعَّف الباحث ما ذكره ياقوت من أنَّ الزِّيادي قرأ الكتاب على سيبويه.
3 - تلاميذه، ومنهم: ابن دريد، والمبرد، وأحمد بن عبيد الكوفي. 4 - أقوال العلماء فيه. 5 - شعره، وهو قليل 6 - آثاره، وهي مفقودة، وأثبت الباحث نصوصاً من أحد كتبه، وقف عليها في كتاب: تعليق الفرائد، للدماميني.
7 - جهوده في الرواية واللغة: مما أورده الباحث في هذا البحث آراء الزيادي اللغوية، وقد بلغت تسعة آراء.
الفصل الثاني: آراؤه النحوية: جمع الباحث ستة عشر رأياً.
الفصل الثالث: آراؤه التصريفية: بلغت آراؤه التصريفية ستة آراء.
ومن هذه الآراء ما ابتدعه، ومنها ما تبع فيه بعض سابقيه: فمما ابتدعه أن الفاء الداخلة على إذا الفجائية دخلت على حد دخولها على جواب الشرط ومنه جواز المجازاة بعد ظروف الزمان المضافة، و (ما) التميمية، و (إنَّ) .
ومما تبع فيه غيره أنَّ حروف اللين في الأسماء الستة علامات إعراب، وهو قول قطرب، وأحد قولي هشام بن معاوية، وهما قبله.
ومنه جواز الإخبار عن البدل المطابق، وهو قول شيخه الأخفش.
الفصل الرابع: ملامح مذهبه النحوي: منها:
1 - الاستقلال وعدم التعصب. 2 - رد رواية مخالفة لمذهبه. 3 - التشدد في الاحتجاج. 4 - الاستدلال بالقياس.
المقدمة:(6/499)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، أما بعد:
فإنَّ الدرس النَّحويّ في القرن الثاني والثالث قد استوى على سوقه أو كاد؛ على يد علماء فحول، طوت السِّنون أكثر مصنَّفاتهم، فلم يبق من نتاج معظمهم غيرُ آراءٍ منثورة في كتب خلفهم.
ومن الحسنِ لا ريبَ جمعُ تلك الآراء ودراستُها؛ ليعرف أثرُهم، ولتوضعَ حَلْقةٌ في سلسلةِ تاريخ الدرس النَّحوي.
من أجل ذلك رأيت أن أتوفَّرَ على آراء عالمٍ من تلك الحلْبة، وهو أبو إسحاق الزِّياديُّ، فطفقتُ أجمعُ أقواله، ثم سِرتُ في بحثي على النحو الآتي:
الفصل الأول: حياته وآثاره.
الفصل الثاني: أراؤه النَّحوية» مرتبة ترتيب ألفية ابن مالك «.
الفصل الثالث: آراؤه التصريفية» مرتبةً ترتيب شافية ابن الحاجب «.
الفصل الرابع: ملامح مذهبه النحوي.
هذا وأسأل الله عزَّ وجلَّ التوفيق والسَّداد.
الفصل الأول: حياته وآثاره نسبه وحياته:
ورد نسبه في أكثر المصادر على النحو الآتي:
إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن زياد بن أبيه (1) .
من ولد زياد بن أبيه، لذلك قيل له: الزِّيادي (2) .
ولا أعلم خلافاً في نسبه سوى ما ذكره القفطي، حيث قال: "ورأيت في بعض كتب المغاربة (سفيان) وقد سماه (شُقيراً) ، وهو تصحيفٌ، وإنما هو سفيان الزِّياديّ" (3) .
كما نَقل عن المبرد أنّ اسم جدِّه (سلم) (4) ، ولعله تحريف (سليمان) ، إذ ذكر المبرد في (الكامل) أنَّ اسمه (سليمان) (5) .
وكنيته أبوإسحاق (6) ، ولقبه طارقٌ، لقَّبه به أبوزيد الأنصاري؛ لأنه كان يأتيه بليل (7) .
ولم تذكر المصادر شيئا عن أسرته غير أنَّه كان مئناثآً، ثم وُلد له بضعة عشر ذكراً (8) .
ولم تذكر عن خُلُقه غير أنَّه كان ذا دُعابة ومزاح (9) .
أما وفاته فكانت سنة تسعٍ وأربعين ومائتين (10) .
شيوخه:
الزياديُّ بصريٌّ، تلمذ على أبرز شيوخ البصرة في النَّحو واللغة، منهم:(6/500)
1 الأصمعي عبد الملك بن قريب (ت 216هـ) :
أخذ عنه الزياديّ، وأكثر (1) ، وكان يشبَّه به في معرفة الشِّعر ومعانيه (2) .
2 أبوعبيدة معمر بن المثنى (ت 210هـ) :
روى عنه الزياديّ، فيما ذكر ياقوت وغيره (3) .
3 أبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس (ت 215هـ) :
تقدَّم أنه لقَّب الزياديَّ طارقاً؛ لأنَّه كان يأتيه بليل (4) .
4 أبو الحسن الأخفش سعيد بن سعدة (ت 215هـ) :
روى عنه الزياديّ، فيما ذكر الفارسي (5) .
5 أبو عُمر الجرمّي صالح بن إسحاق (ت 225هـ) :
ذكر الزُّبيدي أنَّ الزِّياديّ قال: "صرتُ إلى أبي عُمر الجرميّ أقرأ عليه كتاب سيبويه، ووافيت المازنيَّ يقرأ عليه في الجزاء: (هذا بابُ ما يرتفعُ بين الجزمين) (6) ".
هذا وذكر ياقوت والصفديّ والسيوطي أنَّ الزياديّ قرأ (الكتاب) على سيبويه، ولم يتمَّه، وفيه نظرٌ؛ لما يأتي:
أولاً: أول من ذكر ذلك ياقوت (ت626هـ) ، وعبارته: "قرأ كتاب سيبويه على سيبويه، ولم يتمّه" (7) ، ثم نقلها عنه الصَّفدي والسيوطي (8) .
وتلك العبارة قد وردت عند السِّيرافي (ت368هـ) على النحو الآتي: "وكان قد قرأ كتاب سيبويه، ولم يتمَّه (9) "، ثم نقلها عنه ابن الندّيم، وابن مسعر، والأنباري، والقِفطيّ (10) . وكلهُّم قبل ياقوت.
من أجل ذلك يترجح أنَّ "على سيبويه" زيادة من ياقوت، وليست في أصوله.
ثانياً: قول السيرافي عن (الكتاب) : "لا نعلم أحداً قرأه على سيبويه، ولا قرأه عليه سيبويه (11) ".
ثالثاً: ما نقله الزُّبيدي عن الزِّيادي من أنَّه صار إلى أبي عمر الجرمي ليقرأ عليه (الكتاب) ، والجرميُّ لم يلق سيبويه (12) ، وهو أسنُّ من الزِّياديِّ (13) .
تلاميذه:
ممن أخذ عنه:
1 أبوبكر بن دريد (ت 321هـ) :
ذكر ابن النديم أنَّه أخذ عن الزيادي (14) .
2 أبو العباس المبرد (ت 286هـ) :
روى عن الزيادي في كتابيه: الكامل، والفاضل (15) .
3 عبد الله بن جُوان البصري:
لزم الزيادي، فأُطلق عليه: صاحب الزيادي (16) .(7/1)
4 أحمد بن عبيد الكوفي، المعروف بأبي عصيدة (ت 238هـ) :
روى عن الزيادي، فيما ذكر القالي (1) .
أقوال العلماء فيه:
قال عنه لدتُه أبو الحسن الأثرم صاحب الأصمعي: "الزياديّ نسيج وحده، الذي ينفرد برأيه، ولا يكاد يخطئ، وهو مدحٌ من مدائح الرجال (2) "
ونقل ياقوت عن المرزباني قوله: "كان الزياديّ يشبَّه بالأصمعيّ في معرفته للشعر ومعايبه (3) ".
شعره:
رُوي له شعر قليلٌ، منه قوله:
وانْقطَعَ الحَبْلُ من الحَبْلِ
قد خرجَ الهجرُ على الوصلِ
وانْفَلَتَ الوَصْلُ من البُخْلِ
ودبَّق الهجرُ جناحَ الهوى
فَيَسْلَمَ الوَصْلُ مِنَ القَتْلِ (4)
فليتَ ذا الهجرَ قُبيلَ الهوى
ونسب إليه ياقوت والصَّفدي البيتين الآتيين:
ألا حبَّذا حبَّذا حبَّذا
حبيبٌ تحمَّلْتُ فيه الأذى
ويا حبَّذا بَرْدُ أنيابِه
إذا اللَّيلُ أَظْلَمَ واجْلَوَّذا (5)
والحقُّ أنهَّ راوٍ لهذا الشِّعْرِ، وليس قائلَه؛ إذ يقول المبرّدُ: "وأنْشدني الزِّياديُّ لرجلٍ من أهل الحجاز، أحسبُه ابنَ أبي ربيعة" ثم ذكر البيتين (6) .
آثاره:
ذكرت المصادر له المصنفات الآتية:
1 كتاب أسماء السحاب والرياح والأمطار.
2 كتاب الأمثال.
3 كتاب تنميق الأخبار.
4 شرح نكت كتاب سيبويه.
5 كتاب النَّقْط والشّكل (7) .
تلك كتبهُ التي ذكرها مترجموه، ولا أعلم أنَّ شيئاً منها موجودٌ.
هذا ونقل الدماميني (ت 827هـ) في باب العدد من (تعليق الفرائد) نصوصاً من أحد كتب الزيادي، ولم يسمِّه، ويظهر منها أن الكتاب في اللغة، وأنَّ أبا إسحاق عوّل في بعضه على أبي زيد الأنصاري، وخالفه في مواضع.
ورجَّح الدماميني أن ابن مالك اعتمد على هذا الكتاب في فصل التاريخ من (التسهيل) (8) .
ومن تلك النصوص ما يأتي:(7/2)
أقال الدماميني: "ووقع في كتاب الزيادي: (النيِّف) عند أكثر العرب ما بين الواحد إلى الثلاثة، يقولون: له نيِّفٌ وسبعون، وقد نيَّف، وقد سمعت أبا زيد وحده يقول: النيف ما بين الواحد إلى التسعة، قال: وكذلك تكلَّمت به العرب، يقولون: له عليّ نيِّفٌ وثلاثون، يعنون: ما بين الواحد والثلاثين إلى التسعة والثلاثين، ويقولون: قد نيَّف على الأربعين، يعنون: ما بين الواحد والأربعين إلى التسعة والأربعين" (1) .
ب وقال الدماميني: "وفي كتاب الزيادي أيضاً كذلك: إن البضع لما بين الثلاث إلى التسع، ثم ساق بسنده إلى الشعبي، قال: لما نزلت {الم، غلبت الروم} إلى {في بضع سنين} قال المشركون لأبي بكر: ألا ترى إلى صاحبك يزعم أن الروم تظهر على فارس قال: صدق. فخاطروه على قلائص، وجعلوا الأجل ست سنين، فجاءت السِّت، ولم تظهر الروم، فأخبر بذلك رسول الله (فقال: يا أبا بكر؛ كم البضعُ؟ فقال: ما بين الثلاث إلى التسع، فقال: وهل مضت التسع بعدُ؟ قال: لا، قال: اذهب فزايدهم في الخطر، ومادّهم في الأجل، فتزايدوا قلوصين إلى مثلها، وجعلوا الأجل تمام تسع سنين، فلم تأتِ التسع حتى جاءت الركبان من الشام تخبر بأن الروم ظهرت على فارس. انتهى" (2) .
وفي النص استدلال بالحديث على رأي لغوي.
ج وقال الدماميني في موضع آخر: "وفي كتاب الزيادي: كانت العرب تؤرخ بالخصب، وبالعامل يكون عليهم، وبالأمر المشهور، قال الربيع بن ضبع الفزاري:
ها أنذا آمل الخلود وقد
أدرك عقلي ومولدي حجراً
أبا امرئ القيس هل سمعت به
هيهات هيهات مثل ذا عمرا
وقال نابغة الجعدي:
فمن يك سائلاً عنّي فإنِّي
من الشبان أيام الخنان
وقال آخر:
وما هي إلا في إزارٍ وعلقةٍ
مغار ابن همام على حيِّ خثعما(7/3)
وأرخوا بعام الفيل، وبناء الكعبة، وبالفجار، وفي الحديث: (ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل) ، وبمبعثه عليه الصلاة والسلام وبينه وبين البناء خمس سنين، وبين الفيل والفجار عشرون سنة، ولم يزل شأن العرب كذلك حتى جاء عمر، وفتح البلاد، وفتح بلاد العجم، فذُكر له أمر التاريخ، حدثنا أمية بن خالد الأزدي، قال: حدثنا قرة بن خالد السدوسي عن محمد بن سيرين، قال: قام رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: أرِّخوا؟ فقال: ما أرِّخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم، يكتبون: في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر: حسنٌ، فأرِّخوا، فقال بعضهم: من البعثة، وقال قوم: من الوفاة، وقال قوم: من الهجرة، ثم أجمَعوا على الهجرة، ثم اختلفوا بأي شهر يبدؤون، فقيل: برمضان، وقيل: بالمحرم؛ لأنه منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام، فأجمعوا عليه، فالتاريخ قبل الهجرة بشهرين واثنتي عشرة ليلة؛ لأن الهجرة كانت في ربيع الأول. حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن الزهري، قال: قدم رسول الله (المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، فقدموا التاريخ قبل الهجرة إلى غرة المحرم، فلاتزال في السنة حتى ترى هلال المحرم، فإذا رأيته دخلت في السنة الثانية، وانقضت السنة الأولى.
وأما الشهور فلما بين الهلالين، ويكتبون كلمة (شهر) في كلّ من ثلاثة أشهر: الربيعين، ورمضان، ولا يكتبون الشهر في غير هذه الثلاثة.(7/4)
والشهور كلها مذكرة إلا الجماديين، فإذا كان أول ليلة من الشهر كتبوا: كُتب ليلة الجمعة مثلاً غرة شهر كذا، أو أول ليلة كذا، ومستهل شهر كذا ومهلّه؛ لأنهم يقولون: أهللنا هلال كذا، واستهللناه، ولا يقولون: أهل الهلال، ولا استهل الهلال، ولكن يقولون: أُهِلَّ، واستُهِلّ، فإذا أصبحوا كتبوا: كُتب يوم الجمة أول ليلة خلت، وكُتب يوم الجمعة أول يوم من كذا، ولا يكتبون: مهلاً، ولا مستهلاً، فإذا مضت ليلة أخرى كتبوا: لليلتين خلتا، فإذا توالت الليالي كُتب: لثلاث خلون، فإذا صرت إلى النصف، فبعضهم يكتب: لخمس عشرة ليلة خلت أو مضت، وأكثرهم يكتب: النصف من كذا، وهو أجود وأكثر، فإذا تجاوزت كتبوا: لأربع عشرة بقيت، وثلاث عشرة بقيت، وعشر بقين، ويجوز في القياس: لعشرين مضت، أو خلت، ولكنهم يعتمدون على الأقل، ويكتبون: في الليلة الأخيرة ليلة الجمة آخر ليلة من كذا، وسلخ كذا، وانسلاخه، ولا يكتبون: لليلة بقيت وهم فيها، كما لم يكتبوا: لليلة خلت أو مضت وهم فيها. انتهى « (1) .
وفي هذه النصوص دلالة على سعة علم الزيادي باللغة، ومعرفته بالأخبار. وفيها بعض ملامح منهجه في هذا الكتاب، ومنها: العناية بالسَّندِ، والاستدلال، والاستطرادُ.
جهوده في الرِّواية واللُّغة:
اقتفى الزياديّ أثر شيخه الأصمعي في العناية باللغة، والأخبار، ورواية الشِّعر وتفسيره، كما شارك في رواية الحديث. وتفصيل ذلك فيما يأتي:
أولاً: رواية الحديث:
لم يُذكر الزياديُّ في كتب رجال الحديث، ولكن القاليّ حدَّث في أماليه، فقال: "حدَّثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثني أبي عن أحمد بن عبيد عن الزيادي عن المطلب بن المطلب بن أبي وداعة عن جده قال: رأيت رسول الله (وأبا بكر رضي الله تعالى عنه عند باب بني شيبة، فمرّ رجلٌ وهو يقول:
يا أيُّها الرجلُ المحوِّلُ رَحْلَه
ألاّ نَزَلْتَ بآل عبد الدارِ
هَبِلَتْكَ أُمُّك، لو نزلتَ برحلهم
مَنَعوك من عدمٍ ومن إقتار(7/5)
قال: فالتفت رسول الله (إلى أبي بكر فقال: أهكذا قال الشّاعر: قال: لا والذي بعثك بالحقِّ، لكنَّه قال (1) :
يا أيُّها الرَّجلُ المحوّلُ رَحْلَه ... ... ألاّ نزلتَ بآل عبد مناف ... (الأبيات)
قال: فتبسَّم رسول الله (وقال: هكذا سمعت الرواة يُنشدونه (2) "
ونبه البكريُّ على أنَّ الزِّياديَّ إنما روى عن كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جدِّه، وذكر أن المطلب ليس له ولدٌ يدعى المطلب (3) .
وقوله موافقٌ لما ذكره الحافظ ابن حجر (4) .
ثانياً: آراؤه اللغوية:
من آرائه اللغوية:
الهنيدة: هي المائتان من الإبل (5) .
وَصَّد الوشيَ: إذا بالغ فيه (6) .
العثَلُ والعثحُ واحدٌ، وهو الجماعة من الناس في سفر وغير سفر (7) .
ويؤخذ من هذا أنَّه يرى وقوع الترادف في كلام العرب.
الالتماس في الأصل: طلب اللامس إلى أن يلمس شيئاً كائناً ما كان (8) .
المِصْلات من الإبل: التي انحسر الشعر عن عنقها، وقال غيره: هي التي تَنْصَلِتُ في السَّير، أي: تتقدَّم (9) .
النَّيِّف عند أكثر العرب: ما بين الواحد إلى الثلاثة (10) .
البضع: ما بين الثلاث إلى التسع (11) .
تُكتب كلمة (شهر) في كل من ثلاثة أشهر: الربيعين ورمضان، ولا تُكتب في غير هذه الثلاثة (12) .
لا يقولون: أَهَلّ الهلال، ولا استَهلّ الهلال، ولكن يقولون: أُهِلّ، واستُهِلَّ (13) .
ثالثاً: رواية الشِّعر وتفسيره:
تقّدم أنَّ الزِّيادي كان يشبَّه بالأصمعي في معرفة الشِّعر، وقد أورد المبرد وغيره ما يدلُّ على ذلك.
فمن مروياته أرجوزةٌ لمنظور بن مرثد الأسدي، أولها:
يَضْرِبْنَ جَأْباً كَمُدُقِّ المِعْطيرْ
يرتشفُ البولَ انتشافَ المعذورْ (14)
وأبياتٌ لأعرابي كان يستحسنها، أولها:
ما لعيني كُحلتْ بالسُّهادِ
ولجَنبْي نابياً عن وسادي (15)
ومن تفاسيره:
قال الأشعر الرَّقبان:
كأنَّك ذاك الذي في الضُّرو
عِ قُدَّامَ ضَّرَّاتِها المُنْتَشِرْ(7/6)
علَّق أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش على النّوادر، فقال: "وقوله: (كأنَّك ذاك الذي في الضُّروع) يريد اللَّبن الفاسد. أخبرنا أبو العباس المبرّد عن الزيادي عن الأصمعي: أنَّ الشَّاة والناقة تبرك على ندى فيخرجُ اللَّبن كقِطَعِ الأوتارِ أحمرَ، فيقالُ لذلك الدَّاءِ: النَّغَرُ، والمَغَرُ. الميم بدلٌ من النُّون؛ لمقاربتها لها في المخرج، يقال: أنْغَرَتْ، وأمْغَرَتْ، وشاةٌ مُنْغِرٌ ومُمْغرٌ. فإذا كان ذلك من عادتها فهي مِنْغارٌ ومِمْغارٌ، والمصدر: الإنْغارُ، والمِمْغارُ، والاسم: النَّغَرُ، والمَغَرُ، فإذا أصابها هذا الدّاءُ كانت أوَّلُ حلبةٍ للأرض. قال أبو العباس: وهذا المعنى استخرجه الزِّياديّ من قول الأصمعي الذي ذكرت لك، قال: وكان أهل العلم قبل هذا يقولون فيه: الذي في الضُّروع هو اللَّحم المسترخي، وهذا القول ليس بشيء" (1) .
ومن تفاسيره أيضاً:
قال ذو الرُّمة:
كُلٌّ من المنظرِ الأعلى له شَبَهٌ
هذا وهذانِ قدُّ الجسْمِ والنُّقَبُ (2)
ذكر الفارسيُّ الأوجه الجائزة في» هذا وهذان «ثم قال: "فلابُدَّ من إضمار مبتدأ يكون قولهُ: "قدُّ الجسيم" خبرَه، ويكون ذلك المبتدأ "هم" لأنَّ الثَّلاثةَ ممن يعقل، فكأنك قلت: هم قدُّ الجسم، ومعنى ذلك فيما حُكي عن الزِّيادي أنَّ جسمَه مثلُ جسمِه." (3) .
الفَصل الثَّاني: آراؤهُ النَّحويَّةُ
1- إعراب الأسماء الستة
ذهب الزِّيادي إلى أنَّ الحروف في هذه الأسماء علامات إعراب، نابت عن الحركات (4) .
وهذا أيضاً قول قطرب (5) ، وأحد قولي هشام بن معاوية (6) ، وأخذ به الزجاجي (7) .(7/7)
وهو "الذي يسبق إلى الخاطر بديّاً، وذلك أنَّ هذه الحروف تختلف باختلاف العوامل في الظاهر، وما يختلف باختلاف العوامل من الأواخر هو الإعراب" (1) لكنه لم يسلم لأصحابه؛ فقد ردّه الفارسيُّ والشلوبين بأنّه يؤدي إلى بقاء الاسم المعرب على حرف واحدٍ في (فيك، وذي مالٍ) ؛ لأنَّ علامة الإعراب زائدة على الكلمة، وبقاء الاسم المعرب على حرف واحدٍ لم يرد في كلامهم (2) .
هذا وفي المسألة أقوالٌ كثيرةٌ (3) ، منها:
1 أنَّ هذه الأسماء معربة بحركات مقدَّرةٍ على الواو والألف والياء، والأصل في الرفع (أَبَوُك) ، ثم ضمت الباء إتباعاً لحركة الواو، كما قيل: امرُؤٌ، وابنُمٌ، ثم حذفت ضمة الواو للثقل، والأصل في النصب (أبَوَك) ، ثم فتحت الباء إتباعاً لحركة الواو، كما قيل: امرَأً، وابنَماً، وقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، والأصل في الجر (أَبَوِك) ، ثم كسرت الباء إتباعاً، كما قيل: امرِئ وابنمٍ، ثم حذفت كسرة الواو للثقل، ثم قلبت الواو ياءً لكسرة ما قبلها.
وهذا القول عزي إلى سيبويه (4) وجمهور البصريين، (5) وأخذ به المبرد في موضع من (المقتضب) (6) ، واختاره الفارسي (7) ، والشَّلويين (8) .
ولا أرى فيه دَخَلاً سوى كثرة التغيير، وهو تغيير جارٍ على سنن كلام العرب.
أما قول ابن الحاجب: "وهو ضعيفٌ؛ لأنه خارجٌ عن قياس كلامهم لتقديرٍ لم يعهد مثله، وهو اجتماع إعرابين في كلمة" (9) ؛ فالجواب عنه: أنَّ حركة ما قبل الآخر ليست إعراباً، وإنما هي تابعةٌ لحركة الآخر، ولها نظيرٌ من كلامهم، كما تقدم.
2 ومن المذاهب أنها معربة بحركات ما قبل الآخر والحروف، فإعرابها من مكانين، وهذا قول الكسائي والفراء (10) .
وقد ردَّه الشلوبين بأنَّه لا يكون إعرابان لمعرب واحد، وأنَّه يؤدي إلى أن يكون المعرب شيئاً واحداً والإعراب شيئين في (فيك، وذي مال) ، فيكون المحمول أكثر من الحامل (11) .(7/8)
3 ومنها أنَّ حروف اللِّين دلائل إعراب، ويعزى إلى الأخفش (1) ، وأخذ به المبرد في موضعٍ من (المقتضب) (2) .
واختلف في تفسيره:
فذكر المبرد وابن جني أنَّ المراد هو أنَّك إذا رأيت الواو علمت أن الاسم مرفوع، وكذلك الألف في النصب، والياء في الجر، فهذه الحروف قامت مقام الضمة، والفتحة، والكسرة (3) .
وقيل: المعنى أنَّها معربة بحركات مقدَّرة فيما قبل حروف اللِّين، ومنع من ظهورها أنَّ حروف اللِّين تطلب حركاتٍ من جنسها، ويعزى هذا التفسير إلى الزجاج والسيرافي (4) .
وقيل: المعني أنَّ حروف اللِّين حروف إعراب، ولا إعراب فيها، فهي دلائل إعراب بهذا التقدير، ويعزى هذا التفسير إلى ابن السراج وابن كيسان (5) .
وهذا الاختلاف دليلٌ على غموض مذهب الأخفش، وقد رُدَّ على التفسيرات كلِّها:
فأما على التفسير الأول فهو يؤول إلى قول قطرب والزِّيادي، وقد تقدَّم نقدُه.
وأما التفسير الثاني فذكر أبو حيان أنَّه يحتمل شيئين:
الأول: أن تكون حروف اللِّين لاماتٍ عادت عند الإضافة.
وردّه بأن الإعراب يكون في آخر الكلمة.
والثاني: أن تكون زائدة نشأت عن الحركات.
ورده بأن الإشباعَ بابُه الشّعْرُ (6) .
والأمر الثاني عندي غير محتمل؛ لأن الإشباع ناشئٌ عن الحركات، فكيف تشبع ثم تقدّر؟!.
وأما على التفسير الثالث فردَّه بأن حرف الإعراب لابدَّ أن يكون فيه إعرابٌ ظاهرٌ أو مقدَّر (7) .
2- إعراب المثنّى والمجموع على حدِّه
نُقل عن الزِّياديِّ في هذه المسألة قولان:
أحدهما: أنَّ حروف اللِّين علامات الإعراب (8) ، وهذا قوله في الأسماء الستة، وهو مذهب الأخفش في معانيه (9) ، وعُزي إلى الكوفيين وقطرب (10) ، واختاره ابنُ مالك (11) .
والآخر: أنَّ هذه الحروف دلائل إعراب، وهو مذهب المبرد (12) ، وعزي إلى الأخفش (13) والمازني (14) .
فأما المذهبُ الأول فذكر الفارسيُّ أنَّ الزِّياديَّ أخذه من قول سيبويه عن ألف التثنية:(7/9)
"وهو حرف الإعراب" (1) ، فمعناه عند الزِّياديّ أنَّ الألف هو الحرف الذي يعرب به، كما قالوا: ضمة الإعراب (2) .
ويُضَعِّفُ هذا التأويل أنَّ سيبوبه قال بعدُ: "ومن ثمَّ جعلوا تاء الجمع في الجر والنصب مكسورة؛ لأنَّهم جعلوا التاء التي هي حرف الإعراب كالواو والياء" (3) ، والتاء لا تكون علامة إعراب.
ومما رُدَّ به هذا المذهب أنَّ علامة الإعراب زائدةٌ له، فإذا حُذفت لم يتغيرّ معنى الكلمة، وهذه الحروف لو حُذفت لذهب معنى التثنية والجمع، وهذا الرد للفارسي (4) .
وأجيب عنه بأن الحرف قد يكون من نفس الكلمة ويكون إعراباً، فالأفعال المعتلة الآخر جزمُها بسقوط حرف العلة، فإذا جاز أن يكون الإعراب بحذف شيءٍ من الكلمة جاز أن يكون بإثباته، وليست علامة الإعراب زائدةً في كلِّ موضعٍ (5) .
كما رُدَّ بأنَّ الألفَ والواو ثبتتا قبل دخول العامل (6) .
والجواب عنه أنَّ الرفع أوَّلُ أحوال الاسم، فجاءت صورتُه الأولى على أوَّلِ أحواله (7) .
وأما المذهب الثاني فقد فسَّره المبرّدُ وابن جنِّي بأنَّك تعلم أنّ الموضع موضعُ رفعٍ إذا رأيت الألف أو الواو، وموضع خفضٍ أو نصبٍ إذا رأيت الياء (8) .
ورُدَّ بأمورٍ منها:
(أ) أنَّ الإعراب دليلٌ، فإذا احتاج إلى دليلٍ، فقد سقط المعنى المدلول عليه. ويُعزى هذا الردّ إلى الزَّجاج (9) .
(ب) أنَّ هذه الحروف لو كانت دلائل إعراب للزم ألا تختلَّ بحذفها دلالة الأسماء على ما كانت تدلُّ عليه من التثنية والجمع، وهذا الردُّ للفارسيّ (10) .
ويلزم أصحابه أن يجعلوا الضمائر دلائل إعراب، لأنَّك إذا رأيتها علمت أن الموضع موضع رفعٍ، أو نصبٍ، أو جرٍّ.
هذا وإنَّ ابن مالك فسَّر هذا المذهب تفسيراً آخر، وهو أنَّ الإعراب بحركاتٍ مقدَّرة قبل هذه الحروف التي هي دلائل عليها (11) . وعُزي هذا التفسير أيضاً إلى الزجاج (12) .
وردّه ابن مالك بأمورٍ أقواها أن الإعراب لا يكون إلا آخراً (13) .(7/10)
هذان قولان، وفي المسألة أقوالٌ أخر، أكثرها يصدر عن نصِّ سيبويه السابق، ومنها:
1 أنَّ حروف اللينِّ حروف إعراب، وفيها إعرابٌ، وهو انقلاُبها، وهذا مذهب الجرميّ (1) ، أخذ به الفارسيّ والصفار، وعزواه إلى سيبويه معتمدين على نصِّه السابق (2) ، وليس فيه ما يدلُّ على أنَّ الانقلاب إعرابٌ.
وألزم المبردُ الجرميَّ شيئين:
الأول: مخالفة إعراب الواحد؛ لأنَّ الانقلاب معنى، وليس بلفظ.
والثاني: ألا يكون في حال الرفع إعرابٌ؛ لأنَّه لا انقلاب فيها؛ إذ هي أولى حالات الاسم (3) .
وهذا الوجه لا يلزم الجرميَّ؛ لأنَّ مقتضى قوله أنَّ بقاء اللَّفظ على حاله وعدم انقلابه إعرابٌ (4) .
وألزم ابن جنِّي الجرميَّ المخالفة بين جهتي الإعراب؛ لأنه جعل الإعراب في الجر والنصب القلب، وهو معنويٌّ، وفي الرفع جعله لفظاً (5) .
وردَّ أبو حيان هذا الإلزام بأنَّ الإعراب في حال الرفع ليس لفظاً؛ لأنَّها لا إعراب فيها، وعدم الإعراب يقوم فيها مقام الإعراب (6) .
والمخالفةُ على توجيه أبي حيان أشدُّ؛ لأنه يقتضي أن يكون للناصب والجار أثرٌ، ولا أثر للرافع.
وأقوى ما رُدَّ به هذا المذهب ما ذكره ابن مالك من أنَّ تقدير الإعراب إذا أمكن راجحٌ على عدمه (7) .
2 ومنها أنَّ حروفَ اللِّين حروفُ إعراب، ولا إعرابَ فيها، وهو مذهب ابن جنِّي، وعزاه إلى سيبويه مستدلاً بقوله: "وتكون الزيادة الثانية نوناً، كأنَّها عوضٌ لما مُنع من الحركة والتنوين" (8) ، فلو كانت الحركة في النيّة لما عوّضَ منها (9) .
ومما يضعِّف هذا القول عدمُ النَّظير؛ إذ الإعراب لابدَّ له من علامة ظاهرة أو مقدرة.
3 ومنها أنها حروف إعراب، والإعراب مقدَّرٌ فيها، وعُزي إلى الخليل وسيبويه (10) ، وفي عزوه إلى سيبويه نظرٌ؛ لأن النون عنده عوض من الحركة والتنوين، فلو كانت الحركة مقدَّرة عنده؛ لما عوَّض منها (11) .
وقد ردّ هذا المذهب بوجهين:(7/11)
أحدهما: أَن الحركات لو كانت مقدَّرة على هذه الحروف لقلبت الياء في المثنى ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها (1) .
وأجاب عنه أبو حيان بأن القلب القياس؛ لذلك لحظ بنو الحارث بن كعب هذا القياس، فجعلوا المثنى بالألف في كل حالاته (2) .
والجواب عن جوابه أنَّ بني الحارث يقلبون الياء الساكنة ألفاً إذا انفتح ما قبلها، فيقولون: أخذت الدرهمان، والسلام علاكم (3) ، فليس سبب الحذف عندهم الحركة المقدرة.
والوجه الآخر: أنَّ الحركات لو كانت مقدرةً للزم ظهور الفتحة على الياء في الجمع؛ لعدم الثقل (4) .
وأجاب عنه أبو حيان بأنَّهم لمّا حملوا النصب على الجر في الياء أجروا الحكم على الياء مجرى واحداً؛ فقدروا الفتحة كما قدروا الكسرة؛ تحقيقاً للحمل (5) .
وهذا جوابٌ حسنٌ، ولكنَّ الوجه الأول ملزمٌ، فيما أرى.
وجملة القول أن هذه الآراء لم تسلم من الاعتراض، وأسهلها أنَّ حروفَ اللِّين علاماتُ إعرابٍ. وهو قولُ الزِّياديِّ الأوَّلُ، وقولُ الأخفش، والكوفيين وقطرب.
3- العطف على الجملة ذات الوجهين في باب الاشتغال
في هذه المسألة من آراء الزِّياديّ:
نقد تمثيل سيبويه لاستواء النَّصب والرفع.
نقد استدلاله على صحة هذا التمثيل.
اشتراط ضمير في الجملة المعطوفة يعود إلى المبتدأ في الجملة الأولى؛ ليستوي النصب والرفع.
منع عطف جملة لا موضع لها على جملة لها موضع.
من المصطلحات التي ترد في باب الاشتغال مصطلح "الجملة ذات الوجهين" ويقصد بها الجملة المصدرة بمبتدأ خبرُه جملةٌ فعلية، نحو: عمرٌو أكرمتُه (6) .(7/12)
فهذه الجملة إذا لم تكن (ما أَفْعَلَه) (1) ، ووقع بعدها جملة معطوفة مصدَّرة باسم مشتغلٍ عنه غير مفصول عن العاطف بأمّا (2) ، أو إذا الفجائية (3) ؛ استوى في المشتغل عنه النّصبُ بفعلٍ مفسَّرٍ، والرَّفُع بالابتداءِ، والمعطوفُ عليه في الوجه الأول جملةُ الخبر الفعليةُ، وتسمَّى الجملةَ الصُّغرى، وفي الوجه الثاني الجملةُ الابتدائية الاسمية، وتُسَمّى الجملةَ الكبرى.
وقد مثَّل سيبويه لهذه المسألة بمثالين خلت فيهما الجملةُ المعطوفةُ من ضميرٍ يعود إلى المبتدأ في الجملةِ الأولى، وهما: عمرٌو لقيتُه وزيدٌ كلَّمتُه، وزيدٌ لقيتُ أباه وعمراً مررتُ به.
فزيدٌ في المثال الأول وعمرٌو في المثال الثاني يجوز فيهما عنده النصب والرفع على الوجهين المتَقَدِّمين، ولم يفضِّل أحدَهما على الآخر (4) .
واستدلَّ على ما ذكره بجواز النَّصبِ والرَّفعِ في الأمثلة الآتيةِ:
1- زيدٌ لقيت أباه وعمرٌو، أو وعمراً.
2 زيدٌ لقيتة وعمرٌو، أو وعمراً.
3 زيدٌ ألقاه وعمرٌو، أو وعمراً (5) .
ووجه الاستدلال أنَّ هذه الأمثلة يجوز فيها عطفُ (عمرو) بالرَّفع على المبتدأ، وبالنَّصبِ على المفعول به في الجملة الصُّغرى، مع أنَّه لا يقع موقعه، فلا تقول: زيدٌ لقيت عمراً؛ لخلوِّ جملة الخبر من ضمير يربطها بالمبتدأ.
وفي هذا دليلٌ على جواز ما ذكره في: زيدٌ لقيته وعمرو كلمته، من رفع الاسم بعد الواو على الابتداء؛ مراعاةً للجملة الكبرى، ونصبه بفعلٍ مفسَّرٍ؛ مراعاةً للجملة الصُّغرى، وهي الفعليةُ الواقعةُ خبراً، مع أنَّ المعطوفَ لا يصحُّ أنْ يقع موقعها؛ لخلوِّه من عائدٍ إلى المبتدأ (6) .
فسيبويه إذن لا يشترط لاستواء النَّصب والرفع في هذه المسألة وجودَ ضميرٍ في الجملِة المعطوفِة يعود إلى المبتدأ في الجملِة الأولى.
ونقل أبوسعيد السِّيرافيُّ عن الزِّياديِّ وغيرِه من النَّحويينَ إنكارَ كلام سيبويه في هذه المسألة (7) .(7/13)
وقد سمَّت المصادرُ من المنكرين أبا الحسن الأخفشَ الأوسطَ (1) .
وخلاصةُ قولهم ما يأتي:
أولاً: اشترطوا لاستواء النَّصبِ والرَّفعِ أن يكونَ في الجملِة المعطوفة ضميرٌ يعود إلى المبتدأ في الجملة الأولى، فالمثالُ عندهم: زيدٌ لقيتُه وعمرٌو كلمته عنده (2) .
ثانياً: نقدوا تمثيل سيبويه للمسألة؛ لفقده الشرط المتقدم، واحتجوا بأنَّ المعطوفَ يأخذ حكم المعطوفِ عليه، وفي المثالين اللَّذين ذكرهما سيبويه لو نُصِبَ الاسمُ بعد العاطفِ بفعل مضمرٍ عطفاً على الجملة الصُّغرى وهي جملةُ الخبر لما صحَّ ذلك؛ لأنَّ الجملة المعطوفة تخلو من ضميرٍ يعود إلى المبتدأ (3) .
ثالثاً: ذكروا أنَّ الجملة المعطوفة لا يصحُّ ألا يكون لها محلٌّ من الإعراب؛ لامتناع عطفِ جملةٍ لا محلَّ لها على جملةٍ لها محلٌّ (4) .
رابعاً: نَقَدَ الزِّياديُّ استدلالَ سيبويه على صحةِ تمثيله بجواز النَّصب والرفع في: زيدٌ لقيتُ أباه وعمروٌ، أو عمراً، فقال: "هذا غيرُ مشبه لذاك؛ لأنَّ قولنا: وعمراً، ليس بجملةٍ، وإنما هو اسمٌ واحدٌ وَقَعَ عليه الفعلُ الذي وَقَعَ على الأبِ بعينه، فقد صار (عمروٌ) مع الأبِ مفعولَ (لقيت) ، و (لقيت) خبراً لزيدٍ، وفي مفعوليه ما يعود إليه، وهو الهاء في الأبِ، و (عمرٌو كلمته) جملةٌ قائمةٌ بنفسها، ليست بداخلةٍ في الفعل الأول، ولا الفعل الأول واقعٌ عليها" (5) .
ونحا النَّحويون في هذه المسألة ستةَ أنحاء:
الأول: موافقة سيبويه في عدم اشتراط الضَّمير، وممَّن ذهب هذا المذهبَ الفارسيُّ، والزَّمخشريُّ، وصدرُ الأفاضل، وابنُ الحاجب، وابنُ مالك، وابنهُ، وابنُ عقيل، والسَّلسيليُّ (6) .
واحتجَّ الفارسيُّ وابن مالك بأنَّ الجملةَ المعطوفَ عليها لم تظهر عليها علامةُ الإعراب؛ فلذا جاز أن تُعطَفَ عليها جملةٌ لا محلَّ لها من الإعراب (7) .(7/14)
واستدلَّ ابنُ مالك بمجيء النَّصب في قوله تعالى: {والنَّجمُ والشَّجرُ يسْجُدان والسمَّاءَ رَفَعها} (1) ، وقوله تعالى: {والشَّمسُ تجرى لمستقرٍّ لها ذلك تقديرُ العزيزِ العليمِ، والقمرَ قدَّرناه منازلَ حتى عاد كالعرجون القديم} (2) .
فالجملة المعطوفةُ في الآيتين تخلو من ضميرٍ يعودُ إلى المبتدأ.
وهذا دليلٌ كافٍ لتصحيح مذهبِ سيبويه، ويضاف إليه أنَّ الثَّوانيَ يغتفر فيها ما لا يغتفر في الأوائلِ.
والثاني: موافقة الأخفش والزِّياديّ في اشتراط الضمير، ومن أصحاب هذا النحو المبرّدُ، والسِّيرافي، وابنُ يعيش، والجاميُّ (3) .
وذكر السِّيرافي أنَّ سيبويه في ظنِّه يشترط الضمير، ولكنَّه اشتغل بتوضيح المسألة، فلم يراعِ صحَّةَ لفظِها ومثالها (4) .
وظنُّه بعيدٌ لسببين:
أحدهما: أنَّ سيبويه مثَّل للمسألة بمثالين خلت فيهما الجملةُ المعطوفةُ من ضميرٍ يعود إلى المبتدأ، واحتمالُ وقوعِ الخطأ في المثالين بعيدٌ.
والآخر: أنَّه استدلَّ على المسألة بنحو: زيدٌ لقيت أباه وعمروٌ، أو عمراً، بالرَّفع عطفاً على المبتدأ، وبالنَّصب عطفاً على المفعول به، ولوجعل المعطوفُ مكان المفعول به لَفَسَد الكلامُ؛ لخلوِّ جملة الخبر من الرابط، فهذا يؤيِّد أنَّه يقصد خلوَّ الجملة المعطوفةِ في مسألة الاشتغال من عائدٍ إلى المبتدأ.
ونحو ظنِّ السيرافي ما جَزَمَ به ابنُ يعيش في شرحة كلام الزمخشري (5) ، والجاميُّ في شرحه قولَ ابن الحاجب: "ويستوي الأمران في مثل: زيدٌ قام وعمراً أكرمته" (6) .
والثالث: ترجيحُ النَّصبِ، وهو مذهب أبي عبيد القاسم بن سلام، واحتجَّ بأنَّ قبل الاسم المشتغل عنه فعلاً، وبعده فعلاً (7) .
والرابع: ترجيحُ الرَّفعِ، وهو مذهبُ الصَّيمري والحريري، وهما يرجِّحان الرَّفعَ مع وجود الضَّمير في الجملة المعطوفة (8) .
والخامس: اشتراطُ العَطْفِ بالواو أو الفاءِ لجواز النَّصبِ، وهو مذهب هشام ابن معاوية (9) .(7/15)
والسادس: اشتراط العطف بثُمَّ لجوازِ النَّصب، ونسبه أبو حيان إلى الجمهور (1) ، وفيه نظرٌ؛ إذ تقدم أنَّ أعلامَ النَّحويين منهم مَنْ وافق سيبوبه، ومنهم مَنْ وافق الأخفشَ والزِّياديَّ.
ولم يظهر لي ما يُعضِّد هذا التَّفريقَ بين حروف العطف.
4- منع تعدِّي فَعيل وفَعِل
منع الزِّياديّ (2) ، والمازنيّ (3) ، والمبرد (4) ، وابن السراح (5) تعدِّي (فَعيل) ، و (فَعِل) المحّولين من اسم الفاعل للمبالغة، واحتجوا فيما ذكر السيرافي بأنَّهما صيغا للصفات الملازمة للذات كشريف، ونحوه (6) .
وذهب سيبويه إلى جواز تعدِّيهما، وذكر أنَّ تعدِّي (فعيل) قليلٌ، وتعدِّي (فَعِل) أقلُّ (7) ، ووافقة الجرميُّ في تعدِّي (فَعِل) محتجاً بشبهها للفعل في الوزن (8) .
واستدل سيبويه بقول لبيد:
أو مِسْحَلٌ شَنِجٌ عضادةَ سَمْحَجٍ
بسراته نَدَبٌ له وكُلومُ (9)
والشاهد نصب (عضادة) مفعولاً به ل (شنج) .
وقول الشاعر (10) :
حَذِرٌ أموراً لا تُخافُ وآمِنٌ
ماليس مُنجيَه من الأقدارِ (11)
والشاهد نصب (أموراً) ب (حَذِر) .
وقول ساعدة بن جؤية:
حتى شآها كليلٌ مَوْهناً عَمِلٌ
باتت طِراباً وبات اللَّيلَ لم يَنَم (12)
والشاهد نصبُ (موهناً) مفعولاً به ل (كليل) المحوّل من (مُكلّ) (13) ، أو (مكلِّل) (14) .
وذكر السيرافي أنَّ المانعين ردُّوا الاحتجاج بالأبيات:
فذهبوا إلى أنَّ (عضادة) في البيت الأول ظرفٌ، وأنَّ الشاعر شبَّه ناقته بحمارٍ لازمٍ يمنةَ أتانٍ أو يسرتها.
وذكروا أنَّ البيت الثّاني مصنوعٌ، صنعه الأخفش لما سأله سيبويه عن شاهدٍ لإعمال (حَذِر) .
وحملوا (موهناً) في البيت الثالث على أصله، وهو الظَّرفية؛ إذ الموهن الساعة من اللَّيل، وفسّروا البيت بأنَّ هذه الأتن قد شاقها الكليل وهو البرقُ الضعيف في هذه الساعة، فنقلها إلى موضعه.(7/16)
هذا ما أورده السيرافي، ولم يعزه إلى واحدٍ من المانعين (1) ، فلا أدري ما نصيب أبي إسحاق الزِّياديِّ منه.
ووجَّه المبرد البيت الأول توجيهاً مخالفاً لما نقله أبو سعيد، فذكر أنَّ (شنج) صفة مشبهة، و (عضادة) انتصب على التشبيه بالمفعول به (2) .
واختار قولَ سيبويه النحاسُ، وابنُ ولاد، وأبو سعيد السيرافيُّ، والرمانيُّ، وغيرهم (3) .
واستدلوا بالنقل، والعقل:
فمن النقل ما رواه اللّحياني عن بعض الأعراب، وهو قوله في صفة الله عز وجل: هو سميعٌ قولَك وقول غيرك (4) ، وقول ابن الرقيات:
فتاتان أما منهما فشبيهةٌ
هلالاً والاخرى منهما تُشبه البدرا (5)
وقول زيد الخيل:
أتاني أنَّهم مَزِقون عِرْضي
جحاشُ الكِرْمَلَيْنِ لها فديدُ (6)
ففي الأول والثاني إعمال (فعيل) ، وفي الثالث إعمال (فَعِل) .
وكفى بهذه الأدلة مرجّحاً لقول سيبويه.
أما الدليل العقلي فما ذكره ابن ولاد من أنّ هاتين الصيغتين قد تحقَّق فيهما موجبا الإعمال: العدلُ عن اسم الفاعل للمبالغة، والجريُ على فعلٍ مُتعدٍّ (7) .
كما أثبتوا صحة احتجاج سيبويه بالأبيات التي أنشدها:
فأما بيت لبيد فذكر السيرافي وابنُه وابن عصفور أن (عضادة) فيه لا تُحمل على الظرفية؛ لأنها اسمٌ للقوائم، والأسماء لا تكون ظروفاً مقيسةً ما عدا أسماء الزمان والمكان (8) .
وبيَّن الأعلم وأبو نصر القرطبي فساد حملها على الظرفية من وجهٍ آخر، وهو أن ذلك يقتضي تشبيه الناقة بحمارٍ منقبضٍ في ناحية الأتان، مهينٍ، قد شغفه عضُّها ورمحُها، وهذا مناقض لما يريد الشاعر من وصف ناقته بالجري (9) .
وردَّ ابن ولاد توجيه المبرد المتقدم بأنَّ الصفة المشبهة لا تعمل إلا في سبب الموصوف، و (عضادة) ليست من سبب الموصوف، وهو (مسحل) (10) .
وهذا يلزم المبرد؛ لأنَّه ذكر أنَّ الصفة المشبهة لا تعمل إلا فيما كان من سبب الموصوف (11) .
واستدل بعضهم على صحة توجيه سيبوبه بقول جبار أخي الشماخ:(7/17)
قالت سُليمى لستَ بالحادي المُدِلْ ... مالك لا تلزمُ أعضادَ الإبِلْ (1)
"فأعضاد بمنزلة (عضادة) ، وقد نصبها بتَلْزَمُ، و (شَنجٌ) في معنى ذلك" (2) .
وأما البيت الثاني (حذرٌ أموراً ... ) فمنهم من أنكر ماحُكي عن الأخفش، وكذَّب به.
وأبرزهم ابن السيرافي، وابن خروف، وابن يعيش، وابن عصفور، والصفار، وابن مالك، وابن أبي الربيع (3) .
وانفرد أبو نصر القرطبي بأن المراد بوضع البيت في الحكاية روايتُه (4) .
وأصدقُ دليل على أنَّ الرواية مختلقة الاختلافُ في واضع البيت؛ إذ قيل: الأخفش (5) ، وقيل: اللاحقي (6) ، وقيل: ابن المقفَّع (7) .
وأما بيت ساعدة بن جؤية فذهب النحاس وابن مالك وابن أبي الربيع وابن هشام إلى أنَّ سيبويه أورده شاهداً لتحويل اسم الفاعل إلى (فعيل) ، و (فَعِل) ، ولم يتعرَّض للإعمال (8) .
وذهب السيرافي والرماني وجماعة إلى أن سيبويه أورده شاهداً لتعدِّي (فعيل) (9) .
وضعَّف البغداديُّ القول الأول (10) ، ولم يظهر لي من كلام سيبويه ما يُرجِّح أحد القولين.
وذكر السِّيرافي أنَّ (مَوْهناً) في البيت نُصب نصبَ المفعول به على الاتِّساع، كما نصب (يوم) في قولهم: أتعبتَ يومَك، و (كليل) فعلُه (أكلَّ) المتعدِّي، وليس (كلَّ) اللازم (11) .
وردَّ الأعلم نصبَ (موهناً) على الظرفية؛ لأنَّه يفسد المعنى المراد؛ إذ يقتضي أن يكون البرقُ ضعيفاً في نفسه، وهذا ينقضه قوله بعد:» عَمِلٌ «، وقوله: "وبات الليلَ لم ينمٍ"، وإنما المراد وصف حمارٍ وأتنٍ نظرت إلى برق مستمطرٍ، دالٍّ على الغيث، يُكلُّ الموهنَ بروقُه (12) .
والمعنى على الإعمال أبلغُ، ولكنَّه مبنيٌّ على الاتِّساع والمجاز، وما كان هذا شأنه لا يُستدلُّ به منفرداً على حكم متنازَعٍ.(7/18)
تلك آراء البصريين وأصحابهم، أما الكوفيون فنُقِل عنهم إطلاقُ منع إعمال صيغ المبالغة؛ لمخالفتها أوزان المضارع ومعناه، وحملُ نصب الاسم بعدها على تقدير فعلٍ، ومنعُ تقديم الاسم عليها (1) .
ورد قولَهم ابنُ عصفور وابن هشام بشواهد قُدِّم فيها الاسم المنصوب (2) ، ومنها قولُهم: أما العسلَ فأنا شرّابٌ (3) .
5- منع وقوع كِرْكِرَةٍ وثَفناتٍ وصفاً
أنشد سيبوبه قول العجاج (4) :
خوَّى على مستويات خمسِ
كِرْكِرَةٍ وثَفِناتٍ مُلْسِ (5)
ثم قال: "وهذا يكون على وجهين: على البدل، وعلى الصفة" (6) .
يعنى: كركرة وثفنات.
وقد حمل الزياديُّ قولَه: "وعلى الصِّفة" على ظاهره، وردهّ قائلاً:
"لا تكونُ الكِرْكِرةُ والثَّفِناتُ وصفاً؛ لأنها أسماءٌ (7) "
يريد: أنَّهما اسمان جامدان، فلا يقعان نعتاً؛ إذ النَّعتُ لا يكونُ إلا مشتقاً، أو بمنزلته (8) .
وردَّ عليه الأعلُم وابنُ خلفٍ، وذهبا إلى أنَّ سيبويه أراد بالصِّفةِ عطفَ البيان (9) ، وهو يكونُ اسماً جامداً.
وما ذكراه قد يُحتج له بما يأتي:
1 أنَّ سيبويه تسامح في مصطلحِ الصِّفة، فأطلقه على التوكيد (10) ، وذكر السُّهيلي أنه أطلقه على عطف البيان (11) ، ولم أقف في الكتاب على ما يقطع بهذا.
2 أنَّ عطف البيان يُشبه الصِّفة في البيان عن المتبوع (12) .
ولكن الراجح عندي أنَّ سيبويه أراد بالصِّفة النعتَ؛ لما يأتي:
أأنَّ حملَ الكلام على ظاهره أولى؛ إذْ صرفُه عنه لا يكون إلا بدليلٍ قاطع، ولا دليلَ هنا.
ب أنَّ سيبوبه أنْشَدَ قول العجّاجِ شاهداً على: مررتُ بثلاثةِ نفرٍ رجلين مسلمين ورجلٍ كافرٍ، وقد جعل (رجلين، ورجل) في هذا المثال تفسيراً للنعَّت، أي: توطئة ووِصْلة له (13) .(7/19)
وعلى أيِّ حالٍ فإنَّ ما منعه الزِّياديُّ غيرُ ممتنعٍ، وإنْ لم يكن الوجهَ؛ لأنَّ "كرْكرة وثفنات" قد وُصفتا بقوله: "مُلْسٍ"، فالاعتمادُ على صفتهما، وهما توطئةٌ للوصف، كما يكونُ الاسم الجامد حالاً موطِّئةً (1) .
ولهذا نظائر منها:
قوله تعالى: {قد كان لكم آيةٌ في فئتينِ التقتا فئةٍ تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة} (2) بجر (فئة) في قراءة مجاهد وغيره (3) ، فقد وُجِّه توجيهاتٍ منها النَّعتُ، وسوَّغ ذلك أنَّ (فئة) موصوفةٌ "فكان اعتمادُ الصِّفة في (فئتين) على صفة (فئة) ، كما تقول: مررت برجلين رجلٍ صادقٍ ورجلٍ كاذبٍ (4) ".
ومنها رواية الجرِّ في قول كثير:
وكنتُ كذي رِجْلين رِجْلٍ صحيحةٍ ... ورجْلٍ رمى فيها الزَّمانُ فشَلَّتِ (5)
فقد ذكر ابن أبي الربيع أنَّ "البدل أحسنُ، والنعت جائزٌ على حسب ... :
مررت بأخيك رجلاً صالحاً" (6) أي: على القياس على الحال الموطئة.
6- منعُ تفريق نعتِ اسم الإشارة غير المفرد
إذا كان المنعوتُ غيرَ واحدٍ وكان النَّعتُ مختلفاً جاز في النعت أن يفرَّق، نحو: مررت برجلينِ كرِيمٍ وبخيلٍ (7) .
واستثُني من ذلك نعتُ اسمِ الإشارة غيرِ المفرد، فلا يجوزُ: مررت بهذين الطويل والقصير، على النَّعت، وإنما يقال: مررت بهذا الطويلِ وهذا القصيرِ (8) .
نصَّ على المنعِ سيبويه (9) ، والزِّياديُّ (10) ، وغيرهما (11) ، ولا أعلم خلافاً بين البصريينَ في ذلك.
أمَّا الكوفيون فقد نُقل عنهم منعُ نعتِ اسمِ الإشارة مطلقاً (12) ، وتبعهم السُّهيليُّ (13) .
وقد علَّل النَّحويون منعَ تفريق نعت اسم الإشارة غير المفرد بما يأتي:
أأنَّ التَّفريق يؤدِّي إلى الفَصْل بينَ اسم الإشارة ونعتهِ بالنعتِ الأول، والفصلُ ممتنعٌ لما يأتي:
1 أنَّ اسمَ الإشارة مع ما يُوصَفُ به بمنزلةِ اسمٍ واحدٍ، فوصفُه كأحد حروفه، ولا يجوز أن يُثنَّى الاسم ويُجمعَ قبل تمامه. وهذا تعليلُ الفارسيِّ (14) .(7/20)
2 أنَّ اسمَ الإشارة دَخَلَ لينقلَ ما فيه الألفُ واللام من تعريفِ العهد إلى تعريف الإشارة، "فصار كجزء في التعريف للألف واللام، ولا يفصل بين الألف واللام وما اتصلا به".
وهذا تعليلُ السيرافي (1) .
ب أنَّ كلَّ نعتٍ لابد فيه من ضميرٍ يعود إلى الموصوف لربطه به إلا أسماء الإشارة فإنها لا تُوصف إلا بالجوامدِ أو ما قام مقامها، والجوامدُ لا تحتمل الضَّميرَ، فجعلوا رابطها باسمِ الإشارة المشاكلةَ في الإفرادِ والتَّثنيةِ والجمعِ، ولوقيل: مررت بهذين الطويل والقصيرِ؛ لزالت المشاكلةُ التي هي الرَّابطُ. وهذا التعليلُ لابن عصفور (2) .
ج حكى أبو بكر مَبْرَمان عن بعض أهل النَّظرِ أنه قال: "إنما لم أقل: مررت بهذين الطويلِ والقصيرِ؛ لأنَّ الإشارةَ تذهبُ، وذلك أنَّك إذا قلت: بهذين الطويلين؛ فالإشارةُ واحدةٌ، وإذا عطفتَ فالمعطوفُ يَذْهبُ بالإشارة." (3) .
وهذا التعليلُ فيه نظرٌ؛ لأنَّه يقتضي منعَ البدلِ وعطف البيان، وهما جائزانِ كما سيأتي في المسألةِ التالية.
7- جوازُ تفريقِ عطفِ البيانِ والبدلِ بعد اسم الإشارة غير المفرد
تقدم في المسألةِ السَّابقة امتناعُ: مررتُ بهذين الطويل والقصيرِ، على النَّعتِ. ونُقِلَ عن أبي إسحاق الزَّياديِّ جوازُه على البدلِ وعطفِ البيان (4) .
وفي كلامِ سيبوبه وابن السّراج ما يُشعر بالجوازِ؛ لأنَّهما قيَّدا المنع بجعل ما بعد اسمِ الإشارة نعتاً (5) .
وعنديِ أنَّ البدلَ أقوى هنا من عطفِ البيان؛ لأنَّ البدلَ في تقدير المستقِلِّ بمقتضى العاملِ، وعلى نيَّة تكرير العامل (6) .
أمّا عطفُ البيان فأشبهُ شيءٍ بالنعَّتِ في بيان المتبوع، "فهو من تمامه كما أنَّ النَّعتَ من تمام المنعوت. (7) ".
8- جوازُ العطفِ المضمر المجرور المؤكَّدِ
نقل الزجاج والسيرافي أنَّ النحويين مجمعون على قبح العطف على المضمر المجرور من دون إعادةِ الجارِّ (8) .(7/21)
ونقل غيرُهما في المسألةِ خلافاً، وتفصيلُه على النحو الآتي:
1 ذهب جمهورُ البصريين إلى المنع المطلق في غير الشِّعر (1) ، واحتجوا بحجتين:
إحداهما: أنَّ ضمير الجر شبيهٌ بالتَّنوين، ومعاقبٌ له، فلا يُعطف عليه كما لا يُعطف على التَّنوين (2) .
والأخرى: أنَّ المعطوفَ نظيرُ المعطوف عليه في موضعه من العامل، والتّعاقبُ بينهما جائزٌ، ولا يصلح أنْ يعاقب المضمرُ المجرور المعطوفَ؛ لأنهَّ ليس له منفصلٌ (3) .
وقد تبعهم كثيرٌ من النَّحويين (4) .
2 عزي إلى الكوفيين القُبْحُ (5) ، ونصَّ عليه الفراءُ في (معاني القرآن) (6) ، ولكنَّه خالفه في موضع آخر، فأجاز العطفَ مطلقاً (7) .
3 عُزي إلى يونس (8) ، وقطرب (9) ، والأخفش (10) والكوفيين (11) الجوازُ المطلق. والذي في (معاني القرآن) للأخفش المنعُ (12) ، فلعله رَجَعَ إلى قولِ أصحابه البصريين.
وتوقّف بعضُ الباحثين في عزو الجوازِ إلى الكوفيين (13) ؛ لأنَّ ثعلباً نَقَلَ عن الكسائي مَنْعَ العطفِ على المضمرِ (14) ، ولأنَّ الفراءَ نصَّ في (معاني القرآن) على المنع.
وقد تقدَّم أنَّ الفراءَ اختلف كلامهُ في المسألة، فقبحها في موضع، وأجازها في موضعٍ آخر، فلعل من عزا إلى الكوفيين الجوازَ وقف على القول الثاني، ولم يقف على الأول.
4 ذهب الجرميُّ، والزِّياديُّ إلى الجواز المقيَّد بتأكيد الضمير، نحو: مررت بك أنت وزيدٍ، ومررت به نفسه وزيدٍ (15) ؛ قياساً فيما يظهر على جواز العطفِ على ضمير الرَّفع المتَّصل المؤكَّد. وعُزي هذا المذهب إلى الفراء (16) ، ولم أقف عليه في (معاني القرآن) .
ونقل عن الزِّياديّ تعليلُ منعِ العطف إذا لم يؤكد الضمير بشبهه بالتَّنوين (17) ، ويفهم منه أنّ الشبه قد زال بالتأكيد.(7/22)
هذا وردَّ الرُّماني قياسَ الضَّميرِ المجرورِ على الضَّميرِ المرفوع، فقال "ويجوز: فعلتَ أنت وزيد، ولا يجوز: مررتُ بك أنتَ وزيدٍ؛ لأنَّ (أنت) مستعارٌ للمجرور والمنصوب، فهو لا يُعْتَدُّ به، وتصير الحقيقةُ: مررتُ بك وزيدٍ، وهي لا تجوز، مع أنَّ (أنت) يُظهر حالَ الضَّمير في: فعلتَ، أتمَّ الظهور؛ إذ يُظهر حالَه في الخطاب، وفي الرفع، وليس كذلك سبيلُه مع المجرور والمنصوب؛ لأنَّه موضوعٌ للمرفوع، ومستعارٌ في هذين، واتِّصالُ المجرور أشدُّ؛ لأنه معاقبٌ للتَّنوين، ومع الاسم بمنزلةِ اسمٍ واحدٍ، فالكلامُ ناقصٌ، وليس كذلك: فَعَلْتَ؛ لأنَّه جملةٌ، والضمير بمنزلة المنفصل من هذا الوجهِ (1) ".
والراجحُ عندي الجوازُ المطلقُ، وهو اختيارُ الشَّلوبين (2) ، وابنِ مالك (3) ، وأبي حيّان (4) .
ومرجِّحاتُه ما يأتي:
1 وروده في قراءةِ حمزةَ {واتَّقوا الله الذي تَساءلونَ بِهِ والأرْحامِ} (5) بجرِّ (الأَرْحامِ) ، عطفاً على الهاء في (به) ، وهي قراءةٌ سبعيةٌ، لا يصح الحكمُ عليها بالقبحِ. وهو ما قاله الفراء (6) ، ولا بالضَّعف وهو قولُ الفارسي (7) ، ولا بعدمِ الجواز، وهو حكمُ المبرد (8) ولا تخطئتُها، وهو مذهبُ الزَّجاج (9) . غفر الله لهم جميعاً.
وأشنعُ من هذا قولُ الرضي: "ولا نسلِّم تواترَ القراءاتِ" (10) .
هذا، ووجَّه ابن جنِّي القراءةَ على حذفِ الباءِ من (الأرحامِ) ؛ لتقدُّمِ ذكرِها، وشَبَّهه بالحذفِ في: بِمْن تمرُرْ أمْرُرْ (11) .
وفي هذا نظرٌ؛ لأنَّ الجارَّ لا يعملُ مُضمراً من غيرِ عِوَضٍ (12) ، كما أنَّ المثالَ غيرُ مُشْبِهٍ للآية، فالجارُّ في المثال حُذِفَ مع مجروره، وفي الآيةِ بقي المجرورُ.
وقيل: إنَّ الواوَ في (والأرحام) للقسم، ولله أنْ يُقْسِم بما شاء من خَلْقه (13) .
وتُؤيِّدُ العطفَ على الهاءِ قراءةُ ابن مسعودٍ: {وبالأرحامِ} (14) .(7/23)
2 قولُ الرَّسولِ (: "إنَّما مَثَلُكُم واليهودِ والنّصارى كرجلٍ استعمل عُمّالاً ... (1) ".
3 قولُ بعضِ العَربِ: "ما فيها غيرُه وفرسِه" (2) .
4 أشعارُ العربِ، ومنها قولُ الشّاعر:
فاليومَ قرَّبتَ تهجونا وتشتمنا
فاذْهَبْ فما بك والأيامِ من عَجَبِ (3)
وقول مسكين الدَّارِمي:
تُعَلَّقُ في مثلِ السَّواري سيوفُنا
وما بينَها والكَعْبِ غَوْطٌ نفانفُ (4)
وثَمَّ شواهد أخر (5) .
أمَّا حُجَّتا المانعين، فضَّعفهما ابنُ مالك:
فضعَّفَ الاحتجاجَ بِشَبَهِ ضميرِ الجرِّ بالتَّنوين؛ لأنَّ هذا "لو مَنَعَ من العطف عليه بلا إعادةِ الجارِّ لمنع منه مع الإعادةِ؛ لأنَّ التنَّوين لا يُعْطَفُ عليه، ولأنَّه لو مَنَعَ من العَطْفِ عليه لَمَنعَ من توكيِدِه والإبدالِ منه؛ لأنَّ التَّنوينَ لا يؤكَّدُ ولا يُبْدَلُ منه، وضميرُ الجرِّ يؤكَّدُ ويُبْدَلُ منه بإجماعٍ." (6) .
وضعَّف الاحتجاجَ بتعاقُب المعطوفِ والمعطوفِ عليه بجوازِ: رُبَّ رجلٍ وأخيه، وأشباههِ مما لا يصِحُّ أنْ يَحل المعطوفُ فيه محلَّ المعطوفِ عليه (7) .
9- العطفُ بالفاء بعد بَيْنَ المضافةِ إلى المفردِ
قال امرؤ القيسِ:
قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرى حبيبٍ ومَنْزِلِ ... بِسِقْطِ اللِّوى بينَ الدَّخولِ فحومَلِ (8)
هذه روايةُ المفضَّلِ، والفراءِ، وثعلبٍ، وجماعةٍ من أهل الشِّعر (9) .
وردَّها الأصمعيُّ والزِّياديُّ، قال أبو أحمدَ العسكريُّ: "قال أبو إسحاقَ الزِّياديُّ: هو (الدَّخولِ وحوملِ) ، ولا تكونُ (فحوملِ) ؛ لأنَّك لاتقول: رأيتُك بينَ زيدٍ فعمرٍو، وهذا سَمِعه الزِّياديُّ من الأصمعيِّ، فسألتُ ابنَ دريد عن الرِّوايِة، فحكى ما قال الأصمعيُّ، لم يَزِدْ عليه (10) "
ويؤخذ من هذا النَّصِّ ما يأتي:
1 أنَّ روايةَ الأصمعيِّ والزِّياديِّ (وحوملِ) ، ولا يُجيزان غيرَها.(7/24)
2 أنهما يمنعانِ العطفَ بالفاءِ بعد (بين) المضافةِ إلى المفرد؛ لأنَّ الفاءَ تقتضي التَّفريقَ، وهو منافٍ لما تُفهمه (بَيْنَ) من الاجتماعِ (1) .
فأما روايتُهما فذكر المبردُ أنَّها أَصَحُّ الرواياتِ (2) ، ولكنَّ الروايةَ الأخرى نقلها علماء ثقاتٌ، فردُّها تحكُّمٌ.
وأمّا منعُ العطفِ بالفاءِ بعد (بَيْنَ) المضافِة إلى المفردِ؛ فصحيحٌ، لادَخَلَ فيه إن حُمل الكلامُ على ظاهره؛ لأنَّ (بَيْنَ) موضعٌ للتَّوسُّطِ بين اثنينِ منفصلينِ، أو اثنينِ مجتمعينِ في لفظةٍ، أو جماعةٍ مفرَّقة، أو جماعةٍ مجتمعةٍ في لفظةٍ (3) .
فإن احتمل الكلامُ التَّأويل جازَ العطفُ عند جماعةٍ من أهل العلم، ومنه روايةُ (فحوملِ) ، ولكنهَّم اختلفوا في الَّتأويل:
فذهب الفراء إلى أنه على حذفِ مضافٍ دالٍّ على الجمعِ، والتقَّديرُ: "بين أهلِ الدَّخولِ فأهل حَوْمَل" (4) .
وذهب ثعلبٌ والنّحاسُ إلى أنَّ (الدخول) اسمٌ يشتمل على مواضعَ، فلفظُه مفردٌ، ومعناه جمعٌ" (5) .
وذهب هشامُ بنُ معاويةَ إلى أنَّ التَّقديرَ: ما بينَ الدّخولِ إلى حومل، فأسقط (ما) ، والفاء بمعنى (إلى) (6) ، وأجازه أبوبكرٍ البطليوسيُّ (7) .
وقول هشامٍ خَطَأٌ عند الفراءِ؛ لأنَّ (ما) حدٌّ بين الشَّيئين، فلا يجوزُ سقوطُها (8) . وإنما يجوزُ عنده حذفُ (بين) بعد (ما) ، وحَمَل عليه قولَه تعالى {إنَّ الله لا يَسْتحي أنْ يَضْرِبَ مثلاً ما بعوضةً فما فوقها} (9) ، وحكى: مُطِرْنا ما زُبالةَ فالثَّعلبيةَ، أي: ما بين زبالةَ إلى الثعلبية (10) .
ويرجِّحُ ما ذهب إليه ثعلبٌ والنحَّاسُ عدمُ تكلُّفِ الحذفِ، وقولُ حسَّان:
أَسَأَلْتَ رَسْمَ الدَّارِ أَمْ لَمْ تَسْأَلِ ... بَيْنَ الجوابي فالبُضَيْعِ فحومَلِ (11)
أرادَ بالجوابي جابيةَ الجولان، وهي قريةٌ هناك (12) ، ولكنَّه جَمَعَها؛ لاشتمالها على مواضعَ.
10- الفاءُ الداخلة على (إذا) الفجائية(7/25)
تقولُ العربُ: خرجتُ فإذا زيدٌ، وقد اختلفَ العلماءُ في هذه الفاءِ على ثلاثةِ آراءٍ:
الأولُ: أنَّها زائدةٌ لازمةٌ، وهو مذهبُ المازنيِّ (1) ، وعُزي إلى الفارسيِّ (2) ، واختاره ابن جنِّي في: سرِّ الصِّناعة (3) .
والثّاني: أنَّها دَخَلَتْ على حدِّ دخولها في جوابِ الشَّرط، وهو مذهبُ الزياديِّ (4) ، واختاره أبو البقاءِ العُكْبَريُّ (5) .
والثالث: أنَّها عاطفةٌ، وهو مذهبُ أبي بكر مَبْرَمَان (6) ، واختاره ابنُ جنِّي في الخصائص (7) ، والهروي (8) ، والرضي (9) ، وأبو حيان (10) .
وقد نُقدت هذه الأقوالُ، وبيانُ ذلك فيما يأتي:
أولاً: قولُ المازنيِّ، وقد اعتُرضَ من وجهٍ واحدٍ، وهو أنَّ الفاءَ لازمةٌ ولو كانت زائدةً لما لَزِمَتْ (11) .
وأجابَ ابنُ جني عن هذا بأنَّ من الزِّيادة ما يكونُ لازماً في كلامهم ك (ما) في قولهم: آثراً ما (12) .
ثانياً: قولُ الزباديِّ، والاعتراض له من وجهين ذكرهما ابنُ جنِّي:
أحدهما: أنَّ الكلام ليس فيه معنى الشَّرطِ.
والآخر: أنَّ (إذا) على التَّسليمِ بمعنى الشَّرطِ تُغني عن الفاء، كما أغنت في قولهِ تعالى: {وإنْ تُصبْهم سيئةٌ بما قدَّ متْ أَيْديهم إذا هُمْ يَقْنَطُونَ} (13) .
ثالثاً: قولُ مَبْرَمانَ، والاعتراضُ له من وجهٍ واحدٍ، وهو أنّ ما بعد الفاءِ جملةٌ اسميةٌ، وما قبلها جملةٌ فعليةٌ، وحكمُ المعطوفِ أنْ يكونَ وَفْقَ المعطوفِ عليه.
وهذا الاعتراضُ ذكره ابنُ جنِّي في: سرِّ الصِّناعة (14) .
ودَفَعَه في الخصائصِ بأنَّ الجملة الاسميَّةَ المصَّدرةَ بظرفٍ يجوزُ عطفُها على الجملةِ الفعليةِ، لقوَّة شَبهِ الظَّرفِ بالفعلِ، ومنه قولُه تعالى: {يَوْمَ تُبلى السَّرائرُ فماله من قُوَّةٍ ولا ناصر} (15) .
ويتبيَّن من عَرْضِ هذه النَّقدات أنَّ رأيَ الزِّيادي رحمه الله مرجوحٌ؛ إذْ قوله لايخلو من أحد وجهين:(7/26)
الأول: أن يكون قد أراد أنَّ الكلامَ متضمِّنٌ معنى الشَّرط، وهذا مُعَتَرضٌ بشيئين لا يمكن الانفصالُ عنهما:
أحدهما: أنَّ الشرط لا يصح إلا مع الاستقبال، والكلامُ هنا حكايةٌ عن حالٍ ماضيةٍ (1) .
والآخر: أنَّّ الفاء لا تجتمع مع (إذا) في جواب الشَّرط (2) .
والوجه الثاني: أن يكون أراد فاءَ السَّببية وهذا الوجه ذكره الرضي (3) ، وابن هشام (4) . والسَّببية معنى تُفيده الفاءُ، وليس نوعاً من أنواعها.
أما قولُ المازنيِّ وهو الزيادةُ وقولُ مبرمان وهو العطف فمحتملان؛ إلا أنَّ أرجحهما مذهبُ مبرمان، لأنَّ الزيادةَ خلافُ الأصلِ، فلا يصار إليها إلا إذا امتنع غيرها، أما العطفُ فهو الغالبُ على الفاءِ، وهي في هذه المسألةِ تُفيدُ ما تفيدُه العاطفةُ من الترتيبِ والمعاقبةِ والسَّببية، ولا يُعترضُ بمخالفةِ ما بعد الفاء لما قبلها؛ لأنَّ الانفصالَ عنه من وجهين:
الأول: ما ذكره ابنُ جني في الخصائص. وقد تقدَّمَ.
والثاني: أنَّ المعنى: خرجت ففاجأني زيدٌ، والحمل على المعنى كثيرٌ في كلامهم (5) ، وإن كان الغالب في باب العطف أن يكون الحمل على معنى المعطوف عليه.
على أن الزمخشري يرى أنّ العامل في (إذا) فعلٌ مقدَّرٌ من لفظِ المفاجأةِ (6) .
وعلى قوله يسقط الاعتراضُ.
11- جواز المجازاة بعد ظروف الزمان المضافة
مَنَعَ سيبويه في غير الشِّعرِ المجازاةَ بعد (إذْ) ، و (حين) ونحوهما من ظروف الزمان، وفي كلامه ما يُشعر بأنَّ العرب لم تجازِ بعدها، حيث يقول: "وإنما كرهوا الجزاء هاهنا؛ لأنه ليس من مواضعه؛ ألا ترى أنَّه لا يحسن أن تقول: أتذكر إذْ إنْ تأتنا نأتك" (7) .
واحتج أيضاً بأنها تصرف ما بعدها إلى الابتداء (8) .
ومذهبُ سيبويه هو مذهبُ الجرميِّ والمازنيِّ (9) .(7/27)
وخالفهم الزِّياديُّ والمبرّدُ، فأجازا: أتذكر إذْ مَنْ يأتنا نأته، في غير الشعر؛ لأنَّ هذه الظروفَ لا تُغيِّر إعرابَ مابعدها، ولا تختص بالدخولِ على الأسماءِ (1) . وهذا ضابطُ المنع عندهما.
ولم يلق مذهبُهما قَبولاً عند جمهور النَّحويين (2) ؛ إذ أخذوا بمذهب سيبويه محتجين بما يأتي:
1 أنَّ جملةَ الشَّرطِ مبهمةٌ، وإضافةُ الظَّرف إليها يزيلها عن معناها، ويُقرِّبها من التوقيت، وهذا الاحتجاجُ لابن ولادٍ (3) .
2 أنَّ موضع المضاف إليه من مواضع البيان، وجملةُ الشرط مبهمةٌ، فلا يصح أنْ تقع ذلك الموقعَ، وهذا احتجاجُ الرُّماني (4) ، وذكر ابنُ خروف نحوَه (5) .
3 أنَّ الشرطَ له صدرُ الكلام، فلا يعلَّق بما قبلَه، وإضافةُ الظَّرف إليه تُعلِّقه بما قبلَه، وهذا احتجاج الفارسي وابن جنِّي (6) .
وهذه الحججُ غيرُ مدفوعةٍ، فإذا أُضيف إليها أنَّ العربَ لم تستعمل المجازاةَ فيما ذكر سيبويه بعد هذه الظرُّوف في الشِّعر (7) ؛ كان المنعُ أقربَ.
12- جوازُ المجازاة بعد (ما) التَّميميةِ
أطلق سيبويه وكثيرٌ من النحويين منعَ المجازاةِ بعد (ما) النافية في غير الشِّعر؛ لأنَّها تُغيِّر الكلامَ، فتصرفُه إلى الابتداءِ، وتقطعُه عما قبلَه (8) .
وفصَّلَ الزِّياديُّ والمبرّدُ، فأجازا المجازاةَ بعد (ما) التَّميميَّة؛ لأنها لا تغيِّرُ إعراباً، ويَصْلُحُ بعدها الاسُم والفعلُ.
ومنعاه بعد الحجازيةِ؛ لأنَّها تُغَيِّر إعرابَ ما بعدها (9) .
فضابطُ المنع عندهما تغييرُ الإعرابِ، وضابطُه عند سيبويه تغييرُ الإعرابِ أو صرفُ الكلام إلى الابتداء (10) .
ويعضِّدُ المنعَ فيما أرى أنَّ أحداً لم ينقل عن العربِ المجازاة بعد (ما) .
وثمة مرجِّحٌ آخر، ذكره الرُّماني، وهو أنَّ (ما) لنفي الحالِ، والشَّرطُ مستقبلٌ (11) .(7/28)
بقي التَّنبيهُ على أنَّ الزَّجاجيَّ أورد مجلساً للمبرّد مع شيخه المازنيِّ، سأله فيه عن المجازاة بعد (ما) التَّميمية، فمنعها، ولم يعلِّق المبرّدُ على كلامِ شيخه (1) .
ولكنَّ ما أوردتُه أولاً هو مذهبُه في (المقتضبِ) ، و (مسائل الغلط) .
كما أنَّ في نصِّ الزَّجاجي سَقْطاً لم يُنبِّه عليه المحقّقُ، ولم أَسْطِعْ استظهارَه.
13- جوازْ المجازاة بعد: إنَّ
منع سيبويه وجمهور النَّحويين المجازاةَ بعد: إنَّ؛ لأنَّ الشَّرْطَ له الصَّدْرُ، فلا يَعْمَلُ فيه ما قبلَه (2) .
ووردَ في الخزانة أنَّ المبرّدَ نَقَلَ عن الزِّياديِّ جوازَ: إنَّ مَنْ يأتِنا نأتهِ، على غير إضمارٍ في: إنَّ (3) .
كما عزاه إليه الأعلم (4) ، وكلامُه موافقٌ لكلام المبرّدِ، فلعله نَقَلَه عنه.
والجوازُ مخالفٌ لما نُقِلِ عن الزِّياديِّ من تعليلِ المجازاةِ بعد (إذْ) ، و (ما) التَّميميةِ بأنَّهما لم تُغيِّرا إعرابَ ما بعدهما (5) .
والشَّكُّ في نَقْلِ المبرّدِ بعيدٌ؛ لأنَّه تلميذُ الزِّياديِّ، ولا يبعد أن يكون الزِّياديُّ قد اختلف كلامُه.
14- جواز الإخبار عن البدل المطابق
اختلف النَّحويون في الإخبارِ بالذّي و (أل) عن البدلِ وحدَه:
فأجاز الأخفشُ والزِّياديُّ الإخبارَ عن البدل المطابق (6) ، فتقولُ على مذهبهما في: رأيتُ زيداً أخاك، إذا أخبرت عن (أخاك) : الذي رأيتُ زيداً إياّه أخوك، فتضعُ موضعَ البدلِ ضميراً، وترفعُ (أخوك) خبراً عن (الذي) (7) .
وذهب المازنيُّ إلى أنَّ الإخبارَ عن البَدَلِ وحدَه قبيحٌ في كل أقسامه؛ لخلوِّ جملةِ الصلةِ من عائدٍ إلى الاسم الموصول (8) .(7/29)
ونقل المبرِّد عن قومٍ أنَّ الإخبارَ يكونُ عن المبدلِ منه، ثم يُذكر البدلُ تابعاً له (1) ، فإذا أُخبر عن (أخاك) في المثال السابق؛ قيل: الذي رأيته زيدٌ أخوك، فيُوضعُ موضعَ المبدلِ منه ضميرٌ يعودُ إلى الاسم الموصول، ويُرْفَعُ المبدلُ منه خبراً عن (الذي) ، ويبقى (أخوك) تابعاً له.
واختار هذا القول ابنُ عصفور، وابنُ أبي الرَّبيع (2) .
ويرجِّحه أن النَّحويين وضعوا باب الإخبارِ لتمرين المتعلِّم، وتذكيِره مايجوزُ ومالا يجوز (3) ، وهذا الغرضُ يُحقِّقه منعُ الإخبارِ عن البدلِ وحدَه؛ إذ يتذكَّرُ المتعلِّمُ أنَّ جملةَ الصِّلة لا تخلو من عائد.
15- منع الإخبار عن بدل بعض من كل وبدل الاشتمال
أجاز الأخفشُ والزِّياديُّ كما تقدم الإخبارَ بالذَّي و (أل) عن البدل المطابق، واختلفا في الإخبار عن بدل بعضٍ من كُلٍّ وبدلِ الاشتمال:
فأجاز الأخفشُ الإخبارَ عن البدلِ وحدَه في هذين القسمين (4) ، فيقول في: مضى الليلُ نصفُه، إذا أخبر عن البدل: الذي مضى اللَّيلُ هو نصفُه، فيضع موضعَ البدلِ (هو) ، ويُبْدِلُه من (اللَّيل) ، ويجعل (نصفه) خبراً عن (الذي) . ويقول في: أعجبني زيدٌ خُلُقُه، إذا أخبر عن البدل: الذي أعجبني زيدٌ هو خلُقُه. والكلام عليه كالكلام على المثال السابق.
ومَنَعَ الزِّياديُّ الإخبارَ عن البدلِ وحدَه في هذين القسمين؛ لأن الضَّميرَ الذي يحل محلَّ البدل لا يدلُّ على الجزء، ولا على الاشتمالِ (5) .
ومقتضى كلامه أن الإخبارَ يكونُ عن المبدلِ منه، ويُذكر البدلُ بَعْدَه تابعاً له، فيقال في المثال الأول: الذي مضى الليلُ نصفُه، ففي (مضى) ضميرٌ يعود إلى (الذي) ، حَلَّ محلَّ المبدلِ منه، و (الليل) خبرُ (الذي) ، و (نصفه) بدلٌ.(7/30)
ويقال في المثال الثاني: الذي أعجبني زيدٌ خلقُه، وقصته كقصة المثال السابق. وقد تقدم في المسألة السابقة أنَّ الراجحَ في الإخبارِ عن البدلِ هو الإخبارُ عن المبدلِ منه والبدل معاً؛ لئلا تخلوَ جملةُ الصِّلةِ من عائدٍ إلى (الذي) ، وفي هذه المسألة انضافَ إلى ذلك ما ذكره الزِّياديُّ، فالمنعُ إذن أَقْوى.
16- منع دخول حرف التعريف على العدد المضاف
قال الزيادي: "تقولُ: ما فعلتْ ثلاثةُ الدراهم التي أعطيتك"، وأنشد قولَ ذي الرُّمة:
وهَلْ يَرجِعُ التَّسليمَ أو يكشف العمى ... ثلاثُ الأثافي والرسومُ البلاقعُ (1)
وقولَ الفرزدق:
مازال مُذْ عقدتْ يداه إزارَه ... ... فسما فأَدْرَكَ خمسةَ الأشبارِ (2)
ثم قال: "وروى الكسائي: الخمسة الأثواب، والمائة الألفِ الدِّرهمِ، وقد حدَّثنا أبو زيد أنَّ قوماً من العرب يتكلمون بذلك، وليسوا فصحاء، فسألنا الذين يقولون ذلك: كيف تقولون: هذا النصف الدرهم، والثلث الدرهم؟ فلم يدخلوا الألف واللام على المضاف، قلت: فما فصلُ بينهما؟ قال: تكلَّموا بذلك، ولم يتكلموا بهذا" (3) .
أورد الزِّيادي في هذا النَّص مذهبي العلماء في دخول (ال) على العدد المضاف إلى ما عُرِّف بها:
المذهب الأول: المنع، وهو مذهبه، ومذهب أصحابه البصريين، فلم يجيزوا غير: ثلاثة الدراهم (4) ؛ لأنَّ المعرِّفين لا يجتمعان في كلمة واحدة (5) .
والمذهب الثاني: الجواز، وهو قول الكسائي وابن السكيت (6) ، وعُزي إلى الكوفيين (7) ، ولهم حجتان:
الأولى: أن ذلك ورد عن بعض العرب.
والثانية: القياس على نحو: الحسن الوجهِ (8) .
على أنَّ الفراء ذكر هذا الرأي، واحتجَّ له، ولكنَّه لم ينصَّ على جوازه، حيث قال: "فإن قلتَ: الخمسة العشرِ؛ لم يجز؛ لأن الأول غير الثاني؛ ألا ترى أنَّ قولهم: ما فعلت الخمسةُ الأثوابِ لمن أجازه تجد الخمسة هي الأثواب، ولا تجد العشرَ الخمسةَ" (9) .
هذا ودفع البصريون ومن نحا نحوهم حجتي الكوفيين:(7/31)
فأما الرواية فاختلف موقفهم منها:
فأبو زيد فيما روى عنه الزيادي والجرميّ (1) حكم على من نُقلت عنه بعدم الفصاحة.
وذكر المبرد أنَّ "مما يُبطل هذا القول أنَّ الرواية عن العرب الفصحاء خلافُه. فرواية برواية، والقياس حاكم بعدُ أنَّه لا يُضاف ما فيه الألف واللام من غير الأسماء المشتقَّة من الأفعال" (2) .
ولا يلزم الوجهُ الأول الكوفيين؛ لأنهم يجيزون: ثلاثة الأثواب (3) .
وحكم عليها ابن مالك بالشُّذوذ، فلا يقاس عليها (4) .
وأما القياس على: الحسن الوجهِ؛ فدفعه جماعةٌ، وفرقوا بين الإضافتين (5) ؛ لأن إضافة العدد معنوية تفيد التعريف، وإضافة الصفة المشبهة لفظية ترفع القبح.
وخلاصة القول أنَّ الخلاف في المسألة أثرٌ من آثار الخلاف بين الفريقين في مستوى الاحتجاج.
الفَصلُ الثّالثُ: آراؤه التَّصريفيَّةُ
17- وزن أشياء
اختلف النَّحويون في وزن (أشياءَ) على ثلاثةِ أقوال:
الأول: أنَّها على وزن: لَفْعاء، وأصْلُها: شيئاء، على: فَعْلاء، ثم قُلبت، فجعلت الهمزةُ التي هي لامٌ أولاً، وهذا قولُ الخليل، وسيبويه، والمازنيِّ، والمبرّدِ، والزَّجاج، والنَّحاس، وابن جنِّي، وجمهور البصريين (6) .
وهي على قولهم اسمُ جمعٍ، مثل: القَصْباء، والطَّرفاء (7) .
والثاني: أنَّ وزنها (أَفْعال) ، جمع: شَيْءٍ، ولم تُصرف؛ لأنَّها أشبهت (فَعْلاء) في الجمعِ، فقيل: أَشاوى كصحارى، وأَشياوات كصحراوات. وهذا قولُ الكسائي وأبي عبيد (8) ، وتبعهما السَّخاوي (9) ، كما وافقهما أبو حاتم السجستاني، إلا أنه لم يعلِّل منعَ الصَّرف بما ذكراه، وإنّما قال: "وكان يجب أن تنصرف إلا أنَّها سُمعت عن العرب غيرَ مصروفةٍ، فاحتال لها النَّحويون باحتيالاتٍ لا تصح" (10) .
والثالث: أنَّ وزنها (أَفعْاء) ، وأصلُها: أشيئاء، على: أفعلاء، فحذفت الهمزة الأولى التي هي لامٌ؛ لاجتماع همزتين بينهما ألفٌ، فكأنه قد اجتمع ثلاث ألفات، أو ثلاث همزات.(7/32)
وهذا قول الأخفشِ (1) ، والفراء (2) ، والزِّياديِّ (3) .
واختلف الأخفشُ والفراء في مفردها، فذهب الأخفشُ إلى أنَّه: شَيْءٌ، غير محذوف (4) ، وذهب الفراءُ إلى أنَّه: شَيْءٌ، المحذوف من: شيِّئ، مثل: هيِّنٍ، وهيْنٍ، فجمعوه على: أفعلاء، كما جمعوا (هيِّناً) على: أَهْوناء (5) .
ولم يُنقلْ عن الزِّياديِّ رأيُه في المفرد.
وفيما يأتي عرضٌ لما نُقدت به هذه الآراء؛ ليتبيَّن أرجحُها، ومرجِّحاتُه:
أولاً: رأيُ الخليل وسيبويه:
نقل ابنُ جني عن الفراءِ أنه أنكر قولَ الخليل وسيبويه، وقال: "إنَّ فيه حَمْلاً على الكلمة إذا جعلها: لَفْعاء؛ لما دخلها من القلب؛ ولأنهم جمعوه جَمْعَ ما واحده محرَّكُ العينِ مؤنثٌ بالهاء نحو: طَرَفة وطَرْفاء، وقَصَبة وقَصْباء" (6) .
وهذا الإنكارُ لا يلزمُ الخليل وسيبويه؛ لأنَّ (أشياء) عندهما اسمُ جمعٍ، وليس جمعاً (7) .
أما القلبُ فغير مستنكرٍ؛ لوروده في كلامِ العربِ (8) .
ثانياً: رأي الكسائي:
ألزم الفراء وغيره الكسائيَّ ألا يصرفَ: أسماء، وأبناء؛ لأنها تُجمع على: أَسْماوات، وأَبْناوات (9) .
وضعّفَ الرضيُّ مذهبَ الكسائيِّ بقولهم: أَشايا، وأشاوى، في جمعِ: أَشْياء؛ لأنَّ (أفعالاً) لا يُجمع على: فَعالى (10) .
ثالثاً: رأيُ الأخفشِ والفراءِ والزِّياديِّ:
اعتُرض رأيُهم بما يلي:
أأنَّ تصغير (أشياء) : أُشَيَّاء، فلو كانت على (أَفعلاء) لصغِّر واحدها ثم جمع، فقيل: شُيَيْئات؛ لأن (أفعلاء) جمع كثرة. وهذا الاعتراضُ للمازنيِّ (11) .
ب أنَّ (فَعْلاً) و (فَيْعلاً) لا يُجمعان على: أَفْعِلاء، إلا نادراً (12) .
ج أنَّ العربَ تجمع (أشياء) على: أَشاوى، وهذا الجمع لا يكون لأَفْعِلاء (13) .
د ردَّ ابنُ جنِّي مذهبَ الفَّراء في مفرد (أشياء) بأنَّ العربَ لم تستعمل: شيِّئاً، فلو كان الأصلَ لنطقوا به، كما قالوا: هيْن، وهيِّن (14) .
وبعدُ ثَبَتَ أنَّ مذهبَ الخليل وسيبويه لا دَخَلَ فيه.(7/33)
18- أَصْلُ مَهْ
مَهْ اسْمٌ لفعلِ الأَمْرِ (انكَفِفْ) ، وهو ثُنائيُّ الوَضْعِ (1) .
وقد يُظَنُّ أنّ أَصْلَه (مهلاً) ؛ لقُرْبِ المعنى؛ لذا أَبْطَلَ الزِّياديُّ ذلك قائلاً: "الدَّليلُ على أنَّ (مَهْ) ليس من قولك: مَهْلاً؛ أنه ليس في الدُّنيا اسمٌ انْصَرَفَ وهو تامٌّ، وامْتَنَعَ من الصَّرفِ وهو ناقصٌ (2) ".
وقد ردَّ المازنيُّ هذا الاستدلالَ محتجّاً بأنَّ (قَطْ) المخفَّفةَ بُنيتْ ناقصةً، وأُعربت تامَّةً؛ إذْ هي كما ذكر سيبويه مخفَّفةٌ من: قَطَطْتُه قطّاً (3) .
وقوّى الفارسيُّ اعتراضَ المازنيِّ ببنائهم (بَخْ) مخفَّفاً، وإعرابهم إيّاه مثقَّلاً (4) ، كقول العجّاج:
في حَسَبٍ بَخٍّ وعزٍّ أَقْعَسا (5)
فاستدلالُ الزِّياديِّ رحمه الله مبنيٌّ على استقراءٍ ناقصٍ.
19- زَفَفْتُ وأَزْفَفْتُ بمعنى واحدٍ
تقول العرب: زَفَفْتُ العروسَ، أي: أَهْديتها. هذا كلام جُمهورهم (6) .
ونقلَ الزياديُّ عن بعضهم: أَزْفَفْتُ العروسَ، بمعنى: زَفَفْتُ. قال المبرد: "وحدثني أبو عثمانَ المازنيُّ قال: حدَّثني الزيادي قال: سمعت قوماً من العرب يقولون: أزففت العروسَ، وهي لغة" (7) .
ولا يمكن الجزم بأنَّ الزِّياديَّ أولُ ناقلٍ لهذه اللغةِ؛ لأنّ أبا عبيد القاسمَ بن سلام (ت224هـ) ذكرها (8) ، وهو معاصرٌ للزياديِّ.
وقد تناقل هذه اللُّغةَ بعدهما كثيرٌ من علماء اللُّغة والنَّحو، ولم ينكروها، ومنهم: ابنُ قتيبة (9) ، والزَّجاجُ (10) ، وابن القوطية (11) ، والسَّرَقُسْطي (12) ، وابنُ سيده (13) ، وابنُ القَطّاع (14) ، والجواليقي (15) .
20- استعمالُ فعيل وفعول لغير المفرد
ذكر سيبويه أنَّ الاستغناء عن الخبر قد جاء في الشِّعر (16) ، وأنشد أبياتاً منها قولُ ضابئ البُرْجُميِّ:
فَمَنْ يكُ أمْسَى في المدينةِ رَحْلُه
فإنيِّ وقيّاراً بها لغَريبُ (17)
وقولُ ابن أحمر:
رماني بأَمْرٍ كُنْتُ منه ووالدي(7/34)
بريئاً ومن أَجْلِ الطَّويِّ رماني (1)
وقولُ الفرزدق:
إنِّي ضَمِنْتُ لمن أتاني ما جنى
وأَبَى فكان وكنتُ غيرَ غدورِ (2)
ففي البيت الأول كان الوجه: لغريبان، ولكنَّه وضع الواحد موضع الاثنين؛ استغناءً بخبر (قياراً) .
ومثله (بريئاً) في البيت الثاني، (وغدور) في البيت الثالث.
ونقل السيرافي أنَّ الزياديَّ نقد سيبويه، فقال: "فَعيلٌ وفَعُولٌ قد يكونان للجماعة والواحد، والمذكر والمؤنث، ومن ذلك قولهم: رجلٌ صديقٌ، وقومٌ صديقٌ، ورجلٌ خليطٌ، وقومٌ خليطٌ، ورجلٌ عدُّو، وقومٌ عدوٌّ، كما قال تعالى: {إنَّ الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً} (3) ... فيجوز أنْ يكون: غدورٌ، وبريءٌ للاثنين" (4) .
وأضاف الصَّفار أن الاعتراض يشمل بيت البرجمي؛ لأنَّ (لغريب) فيه على (فعيل) (5) .
فالزِّيادي إذن يري أنَّ استعمال (فعيل) و (فعول) لغير الواحد قياسٌ مُطَّردٌ ويجيز أنْ تحمل الأبياتُ على هذا، فلا تكون شاهداً على ما ذكره سيبويه من الاستغناءِ عن الخبر، ووضعِ الواحد موضع الاثنين.
وقد ذهب مذهبَ سيبويه ابنُ السيرافي، وأبو نصر القرطبي، والصفار (6) ، وردَّ الأخيرُ نقد الزِّياديّ محتجاً بأنَّ مجيء (فعيل) و (فَعُول) لغير المفرد مقصورٌ على السماع (7) .
كما أخذ به أبو عبيدة غير أنه لم يقصر جواز وضع الواحد موضع غيره، والاستغناء عن أحد الخبرين على الضرورة (8) .
وأجاز الفراء في السعة الوجهين: ما ذكره سيبويه، وما ذكره الزِّيادي (9) ، واستشهد على الأخير بقوله تعالى: {إنا رسولُ ربِّ العالمين} (10) .
وهذا ظاهر كلام الأخفش أيضاً حيث يقول: "وقوله: {إنا رسول رب العالمين} وهذا يشبه أن يكون مثل (العدوّ) ، وتقول: هما عدوٌّ لي (11) ".
وهذا يتَّفق مع مذهب الزِّيادي.
ويقول في موضع آخر: "وقال: {عن اليمين وعن الشمال قعيد} (12) ، ولم يقل: عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، ذكر أحدهما واستغنى، كما قال: {يخرجكم طفلاً} (13) " (14) .(7/35)
وهذا موافق لمذهب سيبويه.
وذهب الزجاجُ والرمانيُّ إلى أنَّ أحد الخبرين في الأبيات حذف؛ لدلالة الخبر المذكور عليه (1) ، واختاره أبو حيان (2) .
وأجاز ابنُ عصفور الأوجهَ الثلاثة: ما ذهب إليه الزيادي، وما ذهب إليه سيبويه، وما ذهب إليه الزجاج، بيد أنه قصر الأخيرين على الضرورة (3) .
وذهب الكوفيون غير الفراء إلى أنَّ (قياراً) في بيت البرجمي، و (والدي) في بيت ابن أحمر منصوبان على المفعول معه (4) ، فلا شاهد فيهما على الاستغناء عن الخبر؛ لأنَّ المخبرَ عنه واحدٌ.
وقد أبطل الصفار هذا المذهبَ بأنه مخالفٌ للسماع؛ لأن العرب تقول: كنتُ وعمراً كالأخوينِ، ولا تقول: كالأخِ، فدلّ هذا على أن الكلامَ بُني على الاثنين (5) .
وبالجملة فإنّ ما ذهب إليه أبو إسحاقَ الزياديُّ جيِّدٌ بالغٌ؛ لأنَّ الشواهدَ عليه تضافرت، ومنها غير ما تقدم قوله تعالى: {والملائكة بعد ذلك ظهير} (6) ، وقوله: {وحسن أولئك رفيقا} (7) ، وقوله: {فلما استيئسوا منه خلصوا نجيّاً} (8) ، وقوله {وإن كان من قوم عدوٍّ لكم} (9) .
وقول رؤبة:
... ... ... دَعْها فما النَّحويُّ مِنْ صديقها (10)
وقول قَعْنَب بن أم صاحب:
ما بالُ قومٍ صديقٍ ثم ليس لهم ... دينٌ ولا لهم عهدٌ إذا ائْتُمِنوا (11)
21- جمع فَعْلة على فِعَل شاذٌّ
روى أبو إسحاق الزِّياديُّ عن الأخفش في جمع (كَوَّة) (12) : كِوَى، مثل: بَدْرة وبِدَر (13) .
وقال: وهو شاذٌّ (14) .
وإنما حكم عليه بالشذوذ؛ لأنَّ القياس في جمع (فعْلة) : فِعال (15) . وقد ورد عن العرب: كِواء، على القياس (16) .
وأجاز الفراءُ وابنُ السِّكيت أنْ يكون (كِوى) جمع: كُوَّة، على لغة الضَّمّ (17) ، والقياس في جمع (فُعْلة) : فُعَل، إلا أنَّ (فِعَلاً) قد ينوب عنه، نحو: صُورة وصِور، وقُوَّة وقِوى (18) .
22- جَهْرم مفردٌ وجمعه جهارم
قال رؤبة:
بل بلدٍ ملءُ الفِجاجِ قَتَمُهْ
لا يُشْترى كَتَّانُه وجَهْرَمُه (19)(7/36)
اختلف علماء العربية في قوله: (وَجَهْرَمُه) على النحو الآتي:
1 ذهب الأصمعيُّ وأبو عمرو الشَّيباني إلى أنَّ رؤبةَ قد غَلِطَ؛ لأنَّ (جَهْرَم) اسمُ بلد بفارس، فظنَّه ثياباً (1) .
2 وذهب الزِّياديُّ وأبو حاتم إلى أنَّ (الجَهْرَمَ) مفردٌ، وهو البساط من الشَّعَر، وجمعه: جَهارم (2) .
3 وأجاز الفارسيُّ فيه وجهين:
الأول: أنْ يكون (جَهْرَم) اسمَ جنسٍ جمعيٍّ، ومفرده: جَهْرَميّ (3) ، وهو البساط المنسوب إلى (جَهْرَم) من بلاد فارس، كما قالوا: سِنْد وسنديّ، وهند وهنْديّ.
وقد يُحمل على هذا قول اللَّيث: "جعله اسماً بإخراج ياء النِّسبة" (4) .
والثاني: أنْ يكون على حذف مضاف، والتَّقدير: وبُسط جَهْرَمِه (5) ، "كأنَّ (جَهْرَم) اسم البلد أضيف إلى ضمير (بلد) " (6) .
4 وذهب عليُّ بن حمزة البصري إلى أنَّ الأصل (جهرميّه) ، فحذف ياءي النسب (7) .
وأرجح هذه الأقوال قولُ الزيادي وأبي حاتم، والوجه الأول مما ذكره الفارسي؛ لأنهما لا دَخَل فيهما.
ويمكن الجمع بينهما، فيكون (جَهْرم) اسمَ جنس جمعيّ، و (جهارم) جمعه، إذا تعدَّدت أنواعه، كما قالوا: تَمْر وتُمور (8) .
فأما ما ذهب إليه الأصمعيُّ وأبو عمرو الشَّيباني فمركبٌ صعبٌ؛ لأنَّ تخطئة العربي لا يُصار إليها إذا كان ثمة وجهٌ يُحمل عليه كلامُه.
وأما ما ذهب إليه عليُّ بن حمزة فيضعِّفه أنّ حذف ياءي النَّسب من ضرورة الشِّعر (9) .
وأما الوجه الثاني مما ذكره الفارسيُّ؛ فهو وجهٌ، ولكنَّ عدم الحذف أولى.
الفصل الرابع: ملامح مذهبه النَّحويّ
إنَّ ما بقي من آراء أبي إسحاق الزِّياديِّ النحوية والتَّصريفية لا يصوِّر منهجه النَّحويَّ تصويراً كاملاً، ولكنَّه يضيءُ بعضَ الضوء على ملامحه.
ويلحظ في تلك الآراء ما يأتي:
أولاً: الاستقلالُ وعدمُ التَّعصب:(7/37)
تقدَّم في الفصل الأول أنَّ الزياديَّ بصريٌّ، تلمذ على شيوخ البصرة، ولكنَّه لم يكن مقلِّداً، ولا متعصِّباً، والدلَّيل على ذلك ما يلي:
1 التَّفُّرد بآراء لم يسبق إليها:
ذهب إلى أنَّ الفاء دخلت على (إذا) الفجائية على حدِّ دخولها في جواب الشرط، وهذا رأيٌ لم يسبق إليه.
وذهب إلى جواز المجازاة بعد ظروف الزمان المضافة، و (ما) التَّميمة، و (إنَّ) ، وهذا قولٌ آخر هو أبو عذرته.
واستدل على أنَّ (مه) ليس منقوصاً من (مهلاً) بأنْ ليس ثمة اسم منصرفٌ وهو تامٌّ، وممنوعٌ من الصرف وهو ناقص.
وهذا لم يُسْتَدلَّ به قبلَه، فهو إذن مجتهدٌ غيرُ مقلِّد.
2 مخالفة شيخه الأصمعي في (الجَهْرم) ، فهو يراه مفردَ نوع من البسط، وجمعه: (جهارم) ، والأصمعي يراه اسمَ بلد.
3 مخالفة بعض آراء سيبويه:
قال أبو سعيد السِّيرافي عن الزيادي: "وله نكتٌ في كتاب سيبويه في مواضع، وخلافٌ له في مواضع، قد ذكرناها في شرحه" (1) .
من هذا الخلاف: منعهُ تعِّدي: فعيل، وفَعِل، ومذهبُ سيبويه الجواز، ومنه منعُه الوصفَ بكِرْكرة وثَفِنات، ومذهب سيبويه جواز وقوعهما صفة موطِّئة.
ومنه إجازته استعمال (فعيل) و (فعول) لغير المفرد باطِّراد، وسيبويه يُفهم من كلامه قصرُه على السماع.
ومنه ذهابه إلى أنّ وزن (أشياء) : أفعاء، ومذهب سيبويه: لفعاء.
ومنه إجازته العطفَ على الضمير المجرور المؤكد، ومذهب سيبويه المنع.
4 موافقة الكوفيين في بعض آرائهم:
وافق الكوفيين في إعراب المثّنى والمجموع على حدِّه، فذهب إلى أنَّ حروف اللِّين علاماتُ إعراب.
كما وافق الفراء في أنَّ وزن (أشياء) : أفعاء.
من أجل ذلك كلِّه وُصفَ مذهبُه بالاستقلالِ وعدمِ التَّعصُّبِ.
ثانياً: مما يلُحظ في آرائه أنَّ في بعضها تضييقاً، وفي بعضها توسُّعاً، وفي بعضها توسُّطاً.
فمن القسم الأول: منعُ تعدِّي: فعيلٍ، وفَعِلٍ، ومنعُ عَطْفِ الجملةِ التي لا محلَّ لها على الجملة التي لها محلٌّ.(7/38)
ومن القسم الثاني: اطِّرادُ استعمالِ فعيلٍ وفَعُولٍ لغير المفردِ، وجوازُ المجازاة بعد ظروف الزَّمانِ المضافةِ و (ما) التَّميمةِ، و (إنَّ) .
ومن القسم الثّالث: جوازُ العطف على المضمر المجرور المؤكَّد، وهذا مذهبٌ وَسَطٌ بين المنع المطلق والجواز المطلق.
ومنه جوازُ الإخبارِ عن البدل المطابق ومنعُ الإخبار عن بدل بعض من كل، وبدلِ الاشتمال، وهذا مذهبٌ وَسَطٌ بين المنع المطلق والجواز المطلق.
إذنْ لا يمكن وصفُ منهجه النَّحوي بالتضييق، أو التوسُّعِ، أو التوسُّطِ.
ثالثاً: تميَّزت بعضُ آرائه بعدم التَّكلُّف والتَّأويل ومَنها مذهبهُ في إعرابِ الأسماء الستة، والمثنىَّ، والمجموع على حدِّه، فقد أخذ بالظَّاهر، وهو أنّ حروفَ اللِّين علاماتُ إعرابٍ.
ومنها منعهُ العَطْفَ بالفاء على المفردِ المضافة إليه (بين) ؛ إذ الجواز يقتضي التأويل.
رابعاً: من منهجه التشدد في الاحتجاج، وهو منهج أصحابه البصريين؛ إذ منع نحو: الثلاثة الأثواب؛ لأن قائليها ليسوا بفصحاء.
خامساً: يلحظ فيما بقي من آرائه ردُّ روايةٍ مخالفة لمذهبه، وهي روايةُ بيتِ امرئ القيس:
قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرى حَبيبٍ ومَنْزلِ ... بسِقْطِ اللِّوى بينَ الدَّخولِ فَحْومَلِ بالفاء.
وإنَّما ذلك أَثَرٌ من آثارِ شيخهِ الأصمعيِّ في مذهبه.
سادساً: يُلحظ في آرائهُ أيضاً الاستدلالُ بالقياس:
من ذلك إجازته العطفَ على الضمير المجرورِ المؤكَّدِ؛ قياساً على المضمر المرفوع المؤكَّدِ.
كما يُلحظ أنَّه لا يقيس على الشَّاذِّ، إذ حكم بالشُّذوذ على قولهم: كِوَى، في جمع: كَوَّة، ولم يقس عليه.(7/39)
ومن منهجه في قياس النَّظير على النَّظير اشتراطُ الشَّبهِ في كلِّ شيءِ، يدلُّ على ذلك نقدُه استدلالَ سيبويه على استواء النَّصب والرَّفعِ في: عمرٌو لقيتُه وزيدٌ كلمتُه، بجوازهما في: زيدٌ لقيت أباه وعمرٌو؛ إذ قال معترضاً: "هذا غيرُ مشبهٍ لذاك؛ لأنَّ قولنا: وعمراً، ليس بجملة، وإنما هو اسمٌ واحدٌ ... و (عمرٌ كلمته) جملةٌ قائمةٌ بنفسها".
سابعاً: اختلف كلامه في مسألة واحدة، فقد نقل عنه جواز المجازاة بعد (إنَّ) ، ونقل عنه أن ضابط الجواز ألا تغيِّر الكلمةُ إعرابَ ما بعدها.
أثر مذهبه فيمن بعده:
لقد كان لما بقي من آراء الزِّيادي صدى في آثار النحويين الخالفين، فقد ظهر من دراستها أن النحويين وقفوا منها موقفين:
الأول: الأخذ ببعضها:
من ذلك مذهبه في الفاء الداخلة على (إذا) الفجائية، فقد أخذ به العكبرى.
ووافقه المازنيُّ والمبردُ وأكثرُ البصريين في منع تعدي: فعيل وفَعِل.
وذهب المبردُ مذهبَه في المجازاة بعد ظروف الزمان المضافة، و (ما) التميمية، وهو الجوازُ.
والثاني: نقدها:
نقد ابنُ جني مذهبَه في الفاء الداخلة على (إذا) الفجائية، ونقد المازني استدلاله على أنَّ (مه) غير منقوص من (مهلاً) بأنَّه ليس ثمة اسمٌ منصرفٌ وهو تام، وممنوع من الصَّرف وهو ناقص.
وردَّ الأعلم وابنُ خلف فهمَه لقول سيبويه: "وهذا يكون على وجهين: على البدل، وعلى الصفة"، والمشار إليه (كِرْكِرة، وثفنات) في قول العجاج:
خوَّى على مستوياتٍ خمسِ
كِرْكَرةٍ وثفناتٍ مُلْسِ
وردَّ الصَّفارُ جعلَه استعمال فعيل وفَعول لغير المفرد قياساً مطرَّداً، وردَّ الرُّماني إجازتهَ المجاراَة بعد ظروف الزمان المضافة و (ما) التميمية.
هذا موقف النحويين من آرائه مجملاً، وقد فُصِّل في الكلام على آرائه.
• • •
الحواشي والتعليقات(7/40)
انظر: أخبار النحويين البصريين،97 طبقات النحويين واللغويين،99 الفهرست،63 تاريخ العلماء النحويين،79 نزهة الألباء،182 إنباه الرواة 1/،201 معجم الأدباء 1/،158 الوافي بالوفيات 5/،356 البغية 1/.414
انظر: نزهة الألباء.182
إنباه الرواة 1/.201
المصدر السابق.
انظر: الكامل 1/.443
انظر: أخبار النحويين البصريين،97 طبقات النحويين واللغويين.99
انظر: مراتب النحويين.75
انظر: عيون الأخبار 4/.123
انظر: الوافي بالوفيات 5/.356
انظر: معجم الأدباء 1/،158 الوافي بالوفيات 5/،356 البغية 1/.414
انظر: أخبار النحويين البصريين،98 الفهرست،63 تاريخ العلماء النحويين،80 نزهة الألباء،182 إنباه الرواة
1/201
انظر: الوافي بالوفيات 5/.356
انظر: معجم الأدباء 1/،158 الوافي بالوفيات 5/،356 البغية 1/.414
انظر: مراتب النحويين.75
وانظر: الكامل 1/،405 الفصوص 1/،226 تعليق الفرائد 7/،29.72
انظر: الحجة 1/.147 وانظر: الخصائص 2/.428
طبقات النحويين واللغويين.93
مجم الأدباء 1/.158
انظر: الوافي بالوفيات 5/،356 البغية 1/.414
أخبار النحويين البصريين.97
انظر: الفهرست،63 تاريخ العلماء النحويين،79 نزهة الألباء،182 إنباه الرواة 1/.201
أخبار النحويين البصريين.66
انظر: أخبار النحويين البصريين 84 الفهرست.62
انظر: مراتب النحويين.122
انظر: الفهرست 67
انظر: الكامل 1/،405،443 2/،703،927 الفاضل،94.115 وانظر: نزهة الألباء.182
انظر: الأمالي 1/،130.276
السابق 1/.241 وترجمة أبي عصيدة في الفهرست.79
انظر: إنباه الرواة 1/.201
معجم الأدباء 1/.160
انظر: معجم الأدباء 1/،160 الوافي بالوفيات 5/.356
انظر: معجم الأدباء 1/،161 الوافي بالوفيات 5/.356
الكامل 3/.1436 وانظر: ديوان عمر.492
انظر: الفهرست،63 نزهة الألباء،182 إنباه الرواة 1/.202
انظر: تعليق الفرائد 7/.95
تعليق الفرائد 7/.29
المصدر السابق 7/32-.33(7/41)
المصدر السابق 7/89-.95 وتخريج الأحاديث والشواهد تَمَّ.
القائل مطرود بن كعب الخُزاعي. انظر: اللسان 9/113 (رجف) .
انظر: الأمالي 1/241.242
انظر: التنبيه.74
انظر: تهذيب التهذيب 8/،381 10/.162
انظر: اللسان 3/.437
انظر: المعاني الكبير.814
انظر: تصحيح التصحيف،45 الخزانة 9/.459
انظر: شروح سقط الزند.1817
انظر: الاقتضاب 3/66.67
انظر: تعليق الفرائد 7/.29
انظر: تعليق الفرائد 7/.32
انظر: تعليق الفرائد 7/.94
انظر: المصدر السابق 7/.94
انظر: النوادر.571
انظر: الكامل 1/،57 الأمالي.311 وانظر: المعاني الكبير،1092 الكامل 3/.1436
انظر: النوادر 291.292
انظر: ديوانه 1/.125
كتاب الشعر 1/.277 وانظر أمثلة أخر في: تأويل مشكل القرآن،96 المعاني الكبير، 1089 وضح البرهان 2/.155
انظر: البصريات 2/،986 التبيين،194 شرح المفصل 1/،52 التذييل والتكميل 1/،176 الارتشاف 2/،837 نتائج التحصيل 1/.293
انظر: التبيين،194 التذييل والتكميل 1/.176
انظر: التذييل والتكميل 1/،176 هشام بن معاوية.75
انظر: الجمل،3،4.5
انظر: شرح المقدمة الجزولية 1/.345
انظر: التعليقة 1/،29 شرح المقدمة الجزولية 1/.350
انظر: التبيين،193 التذييل والتكميل 1/.177
انظر: التعليقة 1/25 وما بعدها، شرح الجزولية 1/،348 التذييل والتكميل 1/.175 ولم أقف في الكتاب على مذهب سيبويه.
انظر: الإنصاف 1/،17 التذييل والتكميل 1/.176
انظر: المقتضب 4/.231
انظر: التعليقة 1/،28 البصريات 2/.896
انظر: شرح المقدمة الجزولية 1/.348
الإيضاح في شرح المفصل 1/.116
انظر: التبيين،194 التذييل والتكميل 1/.177
انظر: شرح المقدمة الجزولية 1/.354
انظر: البصريات 2/،896 التبيين،193 التذييل والتكميل 1/.178
انظر: المقتضب 2/.153
انظر: المقتضب 2/،153 سر الصناعة 2/،695.711
انظر: التذييل والتكميل 1/.178
انظر: المصدر السابق 1/.178
انظر: التذييل والتكميل 1/.185(7/42)
انظر: المصدر السابق 1/.185
انظر: سر الصناعة 2/،716 الارتشاف 2/.570
انظر: معاني القرآن 1/14.15
انظر: شرح السيرافي 1/221 (مطبوع) الإنصاف 1/،33 التذييل 1/.299
انظر: شرح التسهيل 1/.73
انظر: المقتضب 2/.152
انظر: المقتضب 2/.152 شرح السيرافي 1/،221 التعليقة 1/26،27 سر الصناعة 2/.710 شرح الصفار 1/299 300 التذييل 1/.294
انظر: التذييل 1/.294
الكتاب 1/.17
انظر: سر الصناعة 2/.716
الكتاب 1/.18
انظر: سر الصناعة 2/.716 وانظر: شرح الصفار 1/.296
انظر: شرح السيرافي 1/222223 (مطبوع) .
انظر: التدييل 1/.300
انظر: المقتضب 2/.152
انظر: المقتضب 2/،153 سر الصناعة 2/.710
انظر: سر الصناعة 2/.710
انظر: التعليقة 1/.27
انظر: شرح التسهيل 1/.75
انظر: التذييل 1/.294
انظر: شرح التسهيل 1/.75
انظر: المقتضب 2/،152 سر الصناعة 2/،713 التذييل 1/.288
انظر: التعليقة 1/26،27 شرح الصفار 1/.297
انظر: المقتضب 2/.152
انظر: التذييل 1/.290
انظر: سر الصناعة 2/.714
انظر: التذييل 1/.289
انظر: شرح التسهيل 1/.74
الكتاب 1/17.18
انظر: سر الصناعة 2/.706
انظر: التذييل 1/،291 وانظر: شرح الصفار 1/.298
انظر: الكتاب 1/17.18
انظر: شرح الصفار 1/.298
انظر: التذييل 1/.293
انظر: النوادر.259
انظر: شرح التسهيل 1/.74
انظر: التذييل 1/.272
انظر: الكتاب 1/،91 شرح السيرافي 1/198أ، شرح المفصل 2/،32 شرح التسهيل 2/،143 الارتشاف 4/.2170
إن كانت كذلك اختير الرفع. انظر: الارتشاف 4/.2170
إن فصل بأما؛ اختير الرفع. انظر: الكتاب 1/،91 شرح السيرافي 1/198أ، شرح الرماني 1/34ب، المفصل،51 شرح التسهيل 2/،139 الارتشاف 4/.2170
إن فصل بإذا الفجائية؛ اختير الرفع عند سيبويه وجماعة، ووجب عند ابن مالك. انظر: الكتاب 1/،95 شرح السيرافي
1/201ب، شرح الرماني 1/34ب، المفصل،51 التخمير 1/387،388 شرح التسهيل 2/.139
انظر: الكتاب 1/.91
انظر: المصدر السابق 1/.91(7/43)
انظر: شرح السيرافي 1/198ب.
انظر: المصدر السابق 1/198ب، وقد نقله الأعلم في: النكت 1/.224
وانظر: المسائل البصريات 1/211،213 المساعد 1/418،419 الارتشاف 4/.2170
انظر: المسائل البصريات 1/،211 شرح الكافية 1/،466 الارتشاف 4/.2170
انظر: شرح السيرافي 1/198أ، شرح الكافية 1/،466 الارتشاف 4/.2170
انظر: شرح السيرافي 1/198أ، شرح الكافية 1/.466
انظر: المسائل البصريات 1/،211 شرح الكافية 1/.466
انظر: شرح السيرافي 1/198ب.
انظر: المسائل البصريات 1/،213 المفصل 50،51 التخمير 1/،387 الكافية،98 شرح التسهيل 2/143.144 شرح الألفية لابن الناظم،93 المساعد 1/417،419 شفاء العليل 1/.428
انظر: المسائل البصريات 1/،213 شرح التسهيل 2/143.144
هذا ونسب الرضي إلى الفارسي ترجيح الرفع. انظر: شرح الكافية 1/.467 وظاهر كلامه التسوية بين الرفع والنصب. انظر: التعليقة 1/،123 المسائل البصريات 1/.213
الرحمن:،6.7
يس:،38.39 وانظر شرح التسهيل 2/143.144
انظر: شرح السيرافي 1/198ب، المسائل البصريات 1/،213 شرح المفصل 2/،33 الفوائد الضيائية 1/.359
انظر: شرح السيرافي 1/198ب، وقد نقله الأعلم في: النكت 1/.225
انظر: شرح المفصل 2/.33
انظر: الفوائد الضيائية 1/.359
انظر: إعراب القرآن 3/.394
انظر: التبصرة 1/،330 شرح ملحة الإعراب.154
انظر: الارتشاف 4/.2171
انظر: المصدر السابق 4/.2171
انظر: الارتشاف 5/.2283
انظر: شرح الرماني 1/41أ، البسيط 2/،1058 الارتشاف 5/.2283
انظر: المقتضب 2/113116
انظر: الأصول 1/124.125
انظر: شرح السيرافي 1/224أب. وانظر: المقتضب 2/،113 الانتصار.69
انظر: الكتاب 1/112؛ شرح الجمل لابن عصفور 1/.562
انظر: شرح السيرافي 1/224ب، شرح الكافية الشافية 2/،1040 الارتشاف 5/.2283
انظر: ديوانه،125 الكتاب 1/.112(7/44)
والمسحل: حمار الوحش. والشنج: الملازم، والعضادة: القوائم. والسمحج: الأتان الطويلة، والسراة: أعلى الشيء، والندب: الأثر، والكلوم: الجراح. انظر: تحصيل عين الذهب 1/57،58 الخزانة 8/.170
في القائل خلافٌ سيأتي.
انظر: الكتاب 1/،113 المقتضب 2/،115 الجمل،93 شرح السيرافي 1/225أ، شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/،409 الخزانة 8/.169
انظر: شرح أشعار الهذليين 3/،1129 الكتاب 1/،114 المقتضب 2/.114
انظر: شرح السيرافي 1/225أ، شرح المفصل 6/،73 شرح الصفار 1/.152
انظر: شرح الرماني 1/41أ، شرح الجمل لابن عصفور 1/.564
انظر: شرح السيرافي 1/224أب، ونقله الأعلم في: النكت 1/246.248
وانظر المقتضب 2/114،116 الأصول 1/،225 الانتصار،68 شرح الرماني 1/40ب 41أ.
انظر: الانتصار.68
انظر: شرح أبيات سيبويه للنحاس 89،90 الانتصار،70 شرح السيرافي 1/224أب، شرح الرماني 1/41أ، شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/23،26 409،410 التبصرة 1/،226 شرح عيون كتاب سيبويه 78،81 الحلل،131 شرح الجمل لابن عصفور 1/561،564 شرح الصفار 1/151ب 152ب، شرح التسهيل 3/80،82 البسيط 2/،1057 توضيح المقاصد 3/22.25
انظر: المحكم 1/،319 الخزانة 8/.160
وانظر: شرح التسهيل 3/،82 الارتشاف 5/،2282 توضيح المقاصد 3/.22
هكذا ورد في: شرح التسهيل 3/،81 توضيح المقاصد 3/،23 شرح اللمحة البدرية 2/.95
ورواية الديوان:
فتاتان أما منهما فشبيهة ال ... ... هلالِ والاخْرى تشْبه الشمسا
انظر: ديوانه.34
انظر: شعره.176
والكرملين: ماء بجبل طيِّئ، والفديد: الصوت: انظر: الخزانة 8/.171 والاستشهاد بالبيت في: تحصيل عين الذهب 1/،58 الحلل،131 شرح الجمل لابن خروف 1/،552 شرح المفصل 6/،73 شرح الجمل لابن عصفور 1/،563 شرح الصفار 1/152ب، شرح التسهيل 3/،81 البسيط 2/،1059 توضيح المقاصد 3/.25
انظر: الانتصار.71(7/45)
انظر: شرح السيرافي 1/224أ، شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/225 شرح الجمل لابن عصفور 1/563 شرح الصفار 1/152أ.
انظر: تحصيل عين الذهب 1/،57 شرح عيون كتاب سيبويه،79 شرح الجمل لابن عصفور 1/،563 شرح الصفار
1/152أ.
انظر: الانتصار.70
انظر: المقتضب 4/.158
انظر: ديوان الشماخ.389
انظر: شرح السيرافي 1/225أ. ونقله ابن يعيش في: شرح المفصل 6/.73
انظر: شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/،410 شرح الجمل لابن خروف 1/،555 شرح المفصل 6/،73 شرح الجمل لابن عصفور 1/،563 شرح الصفار 1/152أ، شرح التسهيل 3/،81 البسيط 2/.1059
انظر: شرح عيون كتاب سيبويه 79.80
انظر: شرح السيرافي 1/225ب.
انظر: شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/،410 شرح عيون كتاب سيبويه،79
الحلل، 131 شرح المفصل 6/،72 شرح الجمل لابن عصفور 1/،562 شرح الصفار 1/151ب، شرح التسهيل 3/،81 البسيط 2/1058.1059
انظر: شرح السيرافي 1/225ب، الحلل.131
وانظر تعليق ابن مالك في: شرح الكافية الشافية 2/.1039
انظر: شرح أبيات سيبوبه للنحاس،90 شرح التسهيل 3/ 80،81 البسيط 2/،1060 المغني2/.435
انظر: شرح السيرافي 1/225ب، شرح الرماني 1/41أ، التبصرة 1/226،227 شرح عيون كتاب سيبوبه،60 شرح المفصل 6/،72 شرح الجمل لابن عصفور 1/،562 شرح الصفار 1/151ب 152أ.
انظر: الخزانة 8/.156
انظر: شرح السيرافي 1/225ب، تحصيل عين الذهب 1/58،59 شرح المفصل 6/،73 شرح الجمل لابن عصفور
1/،564 شرح الصفار 1/152أ.
انظر: تحصيل عين الذهب 1/58.59 وانظر: شرح الجمل لابن عصفور 1/.564
انظر: شرح الجمل لابن عصفور 1/،561 الارتشاف 5/،2283 شرح اللمحة البدرية 2/.96
انظر: شرح الجمل 1/،561 شرح اللمحة البدرية 2/.96
انظر: الكتاب 1/111 شرح اللمحة البدرية 2/.96
عزي أيضاً إلى رؤبة. انظر: لباب الألباب 168أ.
والمشهور أنه للعجاج. انظر: ديوانه 412 (عزة حسن) .(7/46)
يصف جملاً. والتخوية: أن يتهيأ للبروك، ولم يلزق بالأرض، يكون بينهما فجوة إذا برك. انظر: ديوانه.412
والكركرة: ما ولي الأرض من صدره، والثفنات: ما ولي الأرض من قوائمه.
انظر: لباب الألباب 168أ.
انظر: الديوان،412 الكتاب 1/،432 شرح السيرافي في 2/147ب، شرح الرماني 2/51أ، شرح أبيات سيبوبه 2/،32 تحصيل عين الذهب 1/،224 النكت 1/،436 لباب الألباب 168أ.
الكتاب 1/.432
انظر: النكت 1/،437 لباب الألباب 168أ.
انظر: شرح الجمل 1/.294
انظر: النكت 1/،437 لباب الألباب 168أ.
انظر: الكتاب 2/،184،351.378
انظر: الارتشاف 4/.1934
انظر: التبصرة 1/،183 شرح المفصل 3/،71 شرح الجمل 1/،294 شرح التسهيل 3/.325
انظر: الكتاب 1/،432 التعليقة 1/.224
انظر: التعليقة 1/.224
آل عمران:.13
انظر: مختصر ابن خالويه،26 إعراب القراءات الشواذ 1/،304 البحر المحيط 3/.45
انظر: الخزانة 5/.211
انظر: ديوان كثير،99 الكتاب 1/،433 المقتضب 4/،290 الخزانة 5/.211
انظر: البسيط 1/.398
انظر: الكتاب 1/،431 الأصول 2/،33 التبصرة 1/،174 الارتشاف 4/.1922
انظر: البسيط 1/.323
انظر: الكتاب 2/.8
انظر: التذييل والتكميل 4/125أ، الارتشاف 4/،1922 توضيح المقاصد 3/.145
انظر: الأصول 2/،33 شرح السيرافي 2/155ب، التعليقة 1/،223 التبصرة 1/،174 شرح المفصل 3/،57 شرح الجمل لابن خروف 1/311.312
انظر: الهمع 3/.121
انظر: نتائج الفكر.214
انظر: التعليقة 1/.223
انظر: شرح السيرافي 2/155ب.
انظر: شرح الجمل 1/212213
انظر: شرح السيرافي 2/156أ.
انظر: التذييل والتكميل 4/125أ، الارتشاف 4/،1922 توضيح المقاصد 3/.145
انظر: الكتاب 2/،8 الأصول 2/،33 شرح السيرافي 2/155ب 156أ.
انظر: شرح التسهيل 3/،329 الأشباه والنظائر 4/.87
شرح المفصل 3/.71
وانظر: الأصول 2/45،46 شرح التسهيل 3/.325
انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/،6 شرح السيرافي 3/157أ.(7/47)
انظر: الكتاب 2/،381 المقتضب 4/،152 الكامل 2/931 الإنصاف 2/،463 الارتشاف 4/.2013
انظر: الكتاب 2/،381 معاني القرآن وإعرابه 2/،6 إعراب القرآن 1/،431 الحجة 3/121.122
انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/6،7 الأصول 2/،119 إعراب القرآن 1/،431 شرح السيرافي 3/157أ.
انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/،6 الأصول 2/،119 شرح الرماني 2/،660 المقتصد 2/،959 أمالي ابن الشجري
2/،103 كشف المشكلات 1/،159 شرح الجمل 1/،243 شرح الكافية 2/،336 البسيط 1/.347
انظر: إعراب القرآن 1/.431
انظر: معاني القرآن 1/252.253
انظر: المصدر السابق 1/.290
انظر: شرح التسهيل 3/،376 الارتشاف 4/.2013
انظر: شواهد التوضيح.107
انظر: شواهد التوضيح،107 الارتشاف 4/.2013
انظر: كشف المشكلات 1/،285 الإنصاف 2/،463 شرح التسهيل 3/،376 البسيط 1/،345 الارتشاف 4/.2013
انظر: معاني القرآن 1/.243
انظر: البسيط 1/345هـ،4 كشف المشكلات 1/285هـ.5
انظر: مجالس ثعلب 1/.324
انظر: الارتشاف 4/،2013 توضيح المقاصد 3/.233
انظر: الارتشاف 4/،2013 توضيح المقاصد 3/.233
انظر: التذييل والتكميل 4/175أ.
شرح الرماني 2/.660 (رسالة دكتوراه) .
انظر: شرح التسهيل 3/،376 الارتشاف 4/،2013 توضيح المقاصد 3/.231
انظر: شرح التسهيل 3/.375
الارتشاف 4/.2014
النساء:.1 وانظر القراءة في: السبعة.226
انظر: معاني القرآن 1/.252
انظر: الحجة 3/.121
انظر: الكامل 2/.931
انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/.6
شرح الكافية 2/.336
انظر: الخصائص 1/285.286
انظر: الكتاب 3/،9 المقتضب 2/.347
انظر: شرح المفصل 3/.78
انظر: البحر 3/.498
أخرجه البخاري في الصحيح 3/50 (كتاب الإجارة: باب الإجارة إلى صلاة العصر) .
وقد استشهد به ابن مالك في: شواهد التوضيح،107 شرح التسهيل 3/.376
انظر: شواهد التوضيح.109 شرح التسهيل 3/.376
لم أقف على قائله.(7/48)
انظر: الكتاب 2/،383 الكامل 2/،931 معاني القرآن وإعرابه 2/،7 الأصول 2/،119 إعراب القرآن 1/،431 الإنصاف
2/.464 شرح أبيات سيبويه والمفصل 250ب.
انظر: ديوانه،53 معاني القرآن للفراء 1/،253 شرح التسهيل 3/.377
انظر: شرح التسهيل 3/377.378
شرح التسهيل 3/.375
انظر: شرح التسهيل 3/،376 شواهد التوضيح.108
انظر: ديوانه.8
انظر: الديوان،367 مجالس ثعلب 1/،104 شرح القصائد السبع،19 شرح القصائد المشهورات 1/،3 شرح الأشعار الستة،68 المغني 1/.161
شرح ما يقع فيه التصحيف.218
وانظر: شرح القصائد السبع،19 شرح القصائد المشهورات 1/،4 المغني 1/.162
انظر: شرح القصائد المشهورات 1/.4 الخزانة 11/.6
انظر: الكامل 1/.325
انظر: الخزانة 11/.8
انظر: شرح القصائد السبع.19
انظر: مجالس ثعلب 1/،104 شرح القصائد المشهورات 1/،4 شرح الجمل لابن خروف 1/.321
انظر: شرح القصائد السبع،20 هشام الضرير.289
وعزي هذا التوجيه إلى بعض البغداديين في: شرح ما يقع فيه التصحيف،219 المغني 1/.162
انظر: شرح الأشعار الستة.70
انظر: شرح القصائد السبع.20
البقرة:.26
انظر: معاني القرآن 1/22.23
انظر: ديوانه.121
انظر: المصدر السابق.
انظر: سر الصناعة 1/،260 الخصائص 3/.320 شرح المفصل 9/.3
انظر: الجنى الداني،73 المغني 1/.167 ولم أقف عليه في كتب أبي علي.
انظر: سر الصناعة 1/261
انظر: سر الصناعة 1/،260 الخصائص 3/،320 شرح المفصل 9/،3 شرح الكافية 1/،274 المغني 1/.167 نتائج التحصيل 3/.964وفي الجنى الداني 73 (الزجاج) وهو تحريف.
انظر: البحر المحيط 7/،354 الدر المصون 8/.71 ولم أجده في كتب العكبري المطبوعة.
انظر: سر الصناعة 1/،260 الخصائص 3/،320 شرح المفصل 9/.3
انظر: الخصائص 3/.320
انظر: الأزهية.202
انظر: شرح الكافية 1/.274
انظر: البحر المحيط 7/.354
انظر: شرح المفصل 9/،10 شرح الكافية 1/.274
انظر: سر الصناعة 1/.261
الروم: 36(7/49)
وانظر اعتراض ابن جني في: سر الصناعة 1/262.263
انظر: سر الصناعة 1/.263
الطارق:،9.10
وانظر: الخصائص 3/.320
انظر: سر الصناعة 1/.262
انظر: الكتاب 3/،64 شرح السيرافي 3/230ب، سر الصناعة 1/.262
انظر: شرح الكافية 1/.274
انظر: المغني 1/.167
انظر: شرح المفصل 9/.3
انظر: الكشاف 2/543،544 المغني 1/.87
الكتاب 3/.75
انظر: الكتاب 3/.77
انظر: الارتشاف 4/.1880
انظر: الانتصار،177 التعليقة 2/182،183 شرح الرماني 3/983 (رسالة دكتوراه) ، الارتشاف 4/.1880
انظر: الانتصار،180 شرح السيرافي 3/236أ، المسائل المنثورة 164،165 شرح الرماني 3/978
(رسالة دكتوراه) ، الخصائص 1/،352 شرح عيون كتاب سيبويه، 187 تنقيح الألباب،160 شرح التسهيل 4/.87
انظر: الانتصار.180
انظر: شرح الرماني 3/978 (رسالة دكتوراه) .
انظر: تنقيح الألباب.161
انظر: المسائل المنثورة 164،165 الخصائص 1/.352
انظر: الكتاب 3/،75 شرح السيرافي 3/236أ، تنقيح الألباب.161
انظر: الكتاب 3/،75،77 الانتصار،182 مجالس العلماء،89 شرح الرماني 3/978 (رسالة دكتوراه) ، شرح عيون كتاب سيبويه،188 تنقيح الألباب،160 شرح التسهيل 4/،88 شرح الكافية 4/،102 الارتشاف 4/.1880
انظر: المقتضب 2/،59 الانتصار،177 التعليقة 2/.183
انظر: الكتاب 3/71.77
انظر: شرح الرماني 3/978 (رسالة دكتوراه) .
انظر: مجالس العلماء.89
انظر: الكتاب 3/71،72 الانتصار،177 شرح السيرافي 3/234أب، التعليقة 2/،183 المقتصد 2/،1109 الارتشاف 4/.1880
انظر: الخزانة 5/.421
انظر: النكت 1/.737
انظر: التعليقة 2/.183
سيأتي في المسألة التالية أنهما اختلفا في الإخبار عن بدل بعض من كل، وبدل الاشتمال.
انظر: شرح الكافية 3/.35
وورد هذا المذهب غير معزو في: المقتضب 3/،111 الغرة 320أ. الارتشاف 3/.1069
انظر: الأصول 2/304.305
انظر: المقتضب 3/،111 الغرة 320أ.
انظر: شرح الجمل 2/،506 الملخص.183
انظر: شرح الكافية 3/.29(7/50)
انظر: شرح الكافية 3/،35 المنتخب الأكمل 773.774
انظر: شرح الكافية 3/،35 المنتخب الأكمل 773.774
انظر: ديوان ذي الرمة 2/،1274 المقتضب 2/،174 شرح السيرافي 2/29ب، التكملة،69 شرح الجمل لابن خروف 2/.638
انظر: ديوان الفرزدق 1/،378 المقتضب 2/،174 التكملة.69
انظر: تعليق الفرائد 7/72-.73
انظر: الكتاب 1/،206 المقتضب 2/،173 شرح السيرافي 2/29ب، التكملة،68 شرح الجملة لابن عصفور 2/.37
انظر: التكملة.68
انظر: إصلاح المنطق.302
انظر: شرح المفصل 2/،121 شرح الجمل لابن عصفور 2/،37 شرح التسهيل 2/،409 تعليق الفرائد 7/.71
انظر: شرح المفصل 2/،122 شرح الجمل 2/،37 تعليق الفرائد 7/.71
معاني القرآن 2/.33
انظر: التكملة.68
المقتضب 2/.173
انظر: إصلاح المنطق.302
انظر: شرح التسهيل 2/.409
انظر: شرح الجمل لابن عصفور 2/،37 تعليق الفرائد 7/.72
انظر: الكتاب 4/،380 المقتضب 1/،168 معاني القرآن وإعرابه 2/،212 إعراب القرآن 2/،42 المنصف 2/94،95 شرح التصريف 402،403 الإنصاف 2/،813 الممتع 2/،513 شرح الشافية 1/.29
انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/،212 المنصف 2/،98 شرح التصريف،403شرح الشافية 1/.29
انظر: معاني القرآن للفراء 1/،321 معاني القرآن وإعرابه 2/،212 إعراب القرآن 2/،42 المنصف 2/95،96 الممتع 2/،513 شرح الشافية 1/.29
انظر: سفر السعادة 1/.69
انظر: إعراب القرآن 2/42.43
انظر: المقتضب 1/،168 معاني القرآن وإعرابه 2/،212 إعراب القرآن 2/،42 المنصف 2/،94 الإنصاف
2/812.813
انظر: معاني القرآن 1/.321
انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/،212 إعراب القرآن 2/.42
انظر: المقتضب 1/،168 المنصف 2/،94 شرح التصريف،402 الممتع 2/.513
انظر: معاني القرآن 1/،321 المنصف 2/،96 الممتع 2/.513
انظر: المنصف 2/.98
انظر: المصدر السابق 2/.98
انظر: المنصف 2/،100 الممتع 2/.516
انظر: معاني القرآن 1/،321 معاني القرآن وإعرابه 2/،212 إعراب القرآن 2/.43(7/51)
انظر: شرح الشافية 1/.31
انظر: التصريف 2/،100 المقتضب 1/،168 معاني القرآن وإعرابه 2/،212 إعراب القرآن 2/،43 شرح الشافية
1/.30
انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/،212 المنصف 2/،515 الممتع.515
انظر: المقتضب 1/،169 معاني القرآن وإعرابه 2/،212 شرح الشافية 1/.31
انظر: المنصف 2/96،97 الممتع 2/،516 شرح الشافية 1/.30
انظر: الارتشاف 5/.2291
انظر: المسائل الشيرازيات،259 الأزمنة والأمكنة 1/.251
انظر: السابقين.
ورأي سيبويه في: الكتاب 3/.453
وانظر: المنصف 1/،9 شرح المفصل 4/.33
انظر: المسائل الشيرازيات.259
البخّ: الذي يتعجّبُ من عظمه وشرفه، والأقعس: المنيع الثابت. انظر: شرح أبيات سيبويه 2/.260
والبيت في الديوان 1/203 (السطلي) ، الكتاب 3/،452 المقتضب 1/،369 الشيرازيات،257 المنصف 3/،129 شرح التصريف،427 أمالي ابن الشجري 2/.174
انظر: العين 7/،351 العباب (حرف الفاء 245) . اللسان 9/.137
الكامل 1/.414
انظر: الغريب المصنف 2/.573
انظر: أدب الكاتب.441
انظر: فعلت وأفعلت.45
انظر: الأفعال له.137
انظر: الأفعال له 3/.438
انظر: المحكم 9/.13
انظر: الأفعال له 2/.99
انظر: ما جاء على فعلت وأفعلت.44
وانظر: اللسان 9/.137
انظر: الكتاب 1/.74
انظر: الكتاب 1/،75 مجالس ثعلب 2/،530 شرح أبيات سيبويه 1/.369
انظر: شعره،187 الكتاب 1/.75
ونسب البيت إلى الأزرق بن العمرِّد الفراصي. انظر: مجاز القرآن 2/،161 شرح أبيات سيبويه 1/.248
والطويّ: البئر المطوية بالحجارة.
لم أجده في ديوان الفرزوق، وهو معزو له في: الكتاب 1/،76 معاني القرآن للفراء 3/،77 شرح السيرافي 1/188أ، شرح أبيات سيبويه 1/.226
النساء:.101
شرح السيرافي 1/187ب.
انظر: شرح الصفار 1/119ب.
انظر: شرح أبيات سيبويه 1/226،227 248،249 شرح عيون كتاب سيبويه 64،66 شرح الصفار 1/119ب.
انظر: شرح الصفار 1/119ب.
انظر: مجاز القرآن 2/.161
انظر: معاني القرآن 3/77.78
الشعراء:.16(7/52)
معاني القرآن 2/.461
ق:.17
غافر:.67
معاني القرآن 2/522.523
انظر: معاني القرآن وإعرابه 5/،44 شرح الرماني 1/29ب.
انظر: البحر المحيط 9/.534
انظر: شرح الجمل 1/420.421
انظر: شرح الصفار 1/119ب.
انظر: المصدر السابق 1/120أ.
التحريم:.4
النساء:.69
يوسف:.80
النساء:.92
ديوانه:،181 التعليقة 1/.100
انظر: المذكر والمؤنث لأبي حاتم.80
الكَوَّة: الخرق في الحائط، والثقب في البيت ونحوه. انظر: اللسان 15/236 (كوي) .
البَدْرة: جلد السخلة إذا فطمت. انظر: اللسان 4/49 (بدر) .
انظر: شرح المفصل 6/،42 وانظر: الجمهرة 1/،167 اللسان 15/236 (كوي) .
انظر: الكتاب 3/593،594 الأصول 2/،439 التكملة.415
انظر: الجيم 3/،155 التهذيب 10/.413
انظر: المقصور والممدود للفراء،26 حروف المقصور والممدود لابن السكيت،50 ليس في كلام العرب 163.164
انظر: شرح الكافية الشافية 4/،1840 شرح الأشموني 2/،439 التبيان في تصريف الأسماء.155
انظر: ديوانه.150
انظر: بقية التنيهات.104
انظر: شرح شواهد الإيضاح،442 إيضاح شواهد الإيضاح 2/.659
انظر: التكملة،363 المخصص 16/.102
العين 4/.117 وانظر: التهذيب 6/،512 البارع.193
انظر: التكملة،363 المصباح في شرح الإيضاح 2/150أ.
انظر: المقتصد في شرح التكملة 2/427.428
انظر: بقية التنيهات.104
انظر: الصحاح 2/.601
انظر: شرح أبيات المغني 3/.8
أخبار النحويين البصريين.98
المصادر والمراجع
أخبار النحويين البصريين. صنعة أبي سعيد السيرافي. تحقيق د. محمد البنا. دار الاعتصام، القاهرة، ط،1 1405هـ/ 1985م.
أدب الكاتب. لابن قتيبة. تحقيق محمد الدالي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط،2 1406هـ.
ارتشاف الضرب من لسان العرب. لأبي حيان الأندلسي. تحقيق د. رجب عثمان محمد، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط،1 1418هـ/ 1998م.
الأزمنة والأمكنة. للمرزوقي. دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.(7/53)
الأزهية في علم الحروف. لعلي بن محمد الهروي، تحقيق عبد المعين الملوحي. مجمع اللغة العربية بدمشق، 1402هـ/ 1982م.
إصلاح المنطق. لابن السكيت؛ تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط.4
الأصول في النحو. لابن السراج. تحقيق د. عبد الحسين الفتلي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط،2 1407هـ/ 1987م.
إعراب القراءات الشواذ. لأبي البقاء العكبري. تحقيق محمد السيد أحمد عزوز، عالم الكتب، ط،1 1417هـ/ 1996م.
إعراب القرآن. لأبي جعفر النحاس. تحقيق د. زهير غازي زاهد. عالم الكتب، بيروت، ط،3 1409هـ/ 1988م.
الأفعال. للسرقسطي. تحقيق د. حسين محمد محمد شرف، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1413هـ/ 1992م.
الأفعال. لابن القطاع. عالم الكتب، بيروت، ط،1 1403هـ/ 1983م.
الأفعال. لابن القوطية. تحقيق د. علي فودة. مكتبة الخانجي، القاهرة، ط،2 1993م.
الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب. لابن السِّيد البطليوسي. تحقيق مصطفى السقا وزميله. الهيئة المصرية للكتاب
1981م.
الأمالي. لأبي علي القالي. دار الكتب العلمية، بيروت. (مصورة عن طبعة دار الكتاب) .
أمالي ابن الشجري. تحقيق د. محمود الطناحي. مكتبة الخانجي، القاهرة، ط،1 1413هـ/ 1992م.
إنباه الرواة على أنباه النحاة. للقفطي. تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم. دار الفكر العربي (القاهرة) ، ومؤسسة الكتب الثقافية (بيروت) . ط.1 1406هـ، 1986م.
الانتصار. لابن ولاد. تحقيق د. زهير عبد المحسن سلطان. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط،1 1416هـ، 1996م.
الإنصاف في مسائل الخلاف. لأبي البركات الأنباري. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، لبنان، 1407هـ/ 1987م.
إيضاح شواهد الإيضاح. لأبي علي القيسي. تحقيق د. محمد الدعجاني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط،1 1408هـ/ 1987م.
الإيضاح في شرح المفصل. لابن الحاجب. تحقيق د. موسى العليلي. مطبعة العاني، بغداد، 1982م.(7/54)
البارع في اللغة. لأبي علي القالي. تحقيق هاشم الطعان. مكتبة النهضة (بغداد) ، دار الحضارة العربية (بيروت) ، ط،1 1975م.
البحر المحيط. لأبي حيان الأندلسي. عُني به عرفان العشا وآخرون. المكتبة التجارية، مكة المكرمة.
البسيط في شرح جمل الزجاجي. لابن أبي الربيع السبتي. تحقيق د. عياد الثبيتي. دار الغرب الإسلامي، بيروت. ط،1 1407هـ/ 1986م.
بغية الوعاة. للسيوطي. تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، لبنان.
بقية التنبيهات. لعلي بن حمزة البصري. تحقيق د. خليل العطية، دار الشؤون الثقافية، بغداد. ط،1 1991م.
تاريخ العلماء النحويين. لابن مسعر. تحقيق د. عبد الفتاح الحلو. هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط،2 1412هـ/ 1992م.
تأويل مشكل القرآن. لابن قتيبة. تحقيق السيد أحمد صقر. دار التراث، القاهرة، ط،2 1393هـ/ 1973م.
التبصرة والتذكرة. للصيمري. تحقيق د. فتحي أحمد مصطفى، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط،1 1402هـ/
1982م.
التبيان في تصريف الأسماء. تأليف د. أحمد كحيل، دار البيان العربي، القاهرة، ط،7 1402هـ/ 1982م.
التبيين. لأبي البقاء العكبري. تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط،1 1406هـ/ 1986م.
تحصيل عين الذهب. للأعلم الشنتمري. في هامش الكتاب (طبعة بولاق) .
التخمير. لصدر الأفاضل الخوارزمي. تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط،1 1992م.
التذييل والتكميل. لأبي حيان الأندلسي. تحقيق د. حسن هنداوي. دار القلم، دمشق، ط،1 1418هـ، 1997م. ومصورة عن نسخة دار الكتب المصرية ذات الرقم 62 نحو.
تصحيح التصحيف وتحرير التحريف. للصفدي. تحقيق السيد الشرقاوي. مكتبة الخانجي، القاهرة، 1987م.
التصريف. للمازني (مع المنصف) .
تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد (ج7) . للدماميني. تحقيق د. محمد المقدي، الطبعة الأولى، 1420هـ.(7/55)
التعليقة. لأبي علي الفارسي. تحقيق د. عوض القوزي. مطبعة الأمانة بالقاهرة، ودار المعارف بمصر، ومطابع الحسني بالرياض، ط،1 1412هـ/ 1992م.
التكملة. لأبي علي الفارسي. تحقيق د. كاظم بحر المرجان. جامعة بغداد، 1401هـ، 1981م، وتحقيق د. حسن فرهود. جامعة الملك سعود 1400هـ.
التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه. لأبي عبيد البكري، (مع أمالي القالي) .
تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب. لابن خروف. تحقيق خليفة بديري. كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس الغرب، ط،1 1995م.
تهذيب التهذيب. لابن حجر. دار الفكر، بيروت، ط،1 1404هـ/ 1984م.
تهذيب اللغة. للأزهري. تحقيق عبد السلام هارون. الدار المصرية للتأليف والترجمة.
توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك. للمرادي. تحقيق د. عبد الرحمن علي سليمان. مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، ط.2
الجمل. للزجاجي. تحقيق د. علي توفيق الحمد. مؤسسة الرسالة (بيروت) ، ودار الأمل (الأردن) ، ط،1 1404هـ/ 1984م.
جمهرة اللغة. لابن دريد. تحقيق د. رمزي بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، ط،1 1987م.
الجنى الداني في حروف المعاني. للمرادي. تحقيق د. فخر الدين قباوة وزميله. دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط،2 1403هـ/ 1983م.
الجيم. لأبي عمرو الشيباني. تحقيق إبراهيم الإبياري وزميليه، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1395هـ/ 1975م.
الحجة للقراء السبعة. لأبي علي الفارسي. تحقيق بدر الدين قهوجي وزميله، دار المأمون للتراث، دمشق. ط،1
1413هـ، 1993م.
حروف المقصور والممدود. لابن السكيت. تحقيق د. حسن شاذلي فرهود، دار العلوم، الرياض، ط،1 1405هـ/ 1985م.
الحلل في شرح أبيات الجمل. لابن السِّيد البطليوسي. تحقيق د. مصطفى إمام، مكتبة المتنبي، القاهرة، ط،1 1979م.
خزانة الأدب. للبغدادي. تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط،2 1409هـ، 1989م.
الخصائص. لابن جني. تحقيق محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت.(7/56)
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون. للسمين الحلبي. تحقيق د. أحمد الخراط، دار القلم، دمشق، ط،1 1406هـ، 1986م.
ديوان امرئ القيس. تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط.5
ديوان حسان بن ثابت. تحقيق د. سيد حنفي حسنين، دار المعارف، القاهرة، 1983م.
ديوان ذي الرمة. تحقيق د. عبد القدوس أبوصالح. مؤسسة الإيمان، بيروت، ط،1 1402هـ/ 1982م.
ديوان رؤبة. تحقيق وليم بن الورد. دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط،2 1400هـ، 1980م.
ديوان الشماخ. تحقيق صلاح الدين الهادي. دار المعارف، القاهرة، 1968م.
ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات. تحقيق د. محمد يوسف نجم. دار صادر، بيروت.
ديوان العجاج. تحقيق د. عزة حسن. دار الشرق العربي، بيروت، 1416هـ/ 1995م.
ديوان عمر بن أبي ربيعة. شرح محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة المدني، القاهرة، ط،3 1384هـ/ 1965م.
ديوان الفرزدق. شرح عبد الله الصاوي. مطبعة الصاوي، القاهرة. ط.1 1354هـ/ 1936م.
ديوان كثير عزة. تحقيق. د. إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، 1391هـ/ 1972م.
ديوان لبيد. تحقيق. د. إحسان عباس. وزارة الإعلام، الكويت، ط،2 1984م.
ديوان مسكين الدارمي. تحقيق خليل العطية وزميله. مطبعة دار البصري، ط،1 بغداد، 1389هـ/ 1970م.
السبعة في القراءات. لابن مجاهد. تحقيق د. شوقي ضيف. دار المعارف، القاهرة، ط،3 1988م.
سر الصناعة. لابن جني. تحقيق د. حسن هنداوي. دار القلم، دمشق، ط،1 1405هـ/ 1985م.
سفر السعادة وسفير الإفادة. للسخاوي. تحقيق محمد الدالي. مجمع اللغة العربية، دمشق، 1403هـ/ 1983م.
شرح أبيات سيبويه. للنحاس. تحقيق أحمد خطاب. المكتبة العربية، حلب، ط،1 1394هـ/ 1974م.
شرح أبيات سيبويه. لابن السيرافي. تحقيق د. محمد علي سلطاني. مجمع اللغة العربية، دمشق، 1396هـ/ 1976م.
شرح أبيات سيبويه والمفصل. للكوفي. مصورة مركز البحث العلمي. جامعة أم القرى. رقم (202) .(7/57)
شرح أبيات مغني اللبيب. للبغدادي. تحقيق عبد العزيز رباح وزميله. دار المأمون للتراث، دمشق. ط،2 1407هـ/ 1988م.
شرح الأشعار الستة الجاهلية. للوزير أبي بكر البطليوسي. تحقيق ناصيف سليمان عواد. وزارة الثقافة، بغداد، 1979م.
شرح أشعار الهذليين. لأبي سعيد السكري. تحقيق عبد الستار فراج. دار العروبة، القاهرة.
شرح الأشموني. دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
شرح الألفية. لابن الناظم. منشورات ناصر خسرو، طهران، 1312هـ.
شرح التسهيل. لابن مالك. تحقيق د. عبد الرحمن السيد وزميله، هجر للطباعة، القاهرة، ط،1 1410هـ/ 1990م.
شرح التصريف. للثمانيني. تحقيق د. إبراهيم البعيمي. مكتبة الرشد، الرياض، ط،1 1419هـ/ 1999م.
شرح الجمل. لابن خروف. تحقيق د. سلوى عرب. جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1419هـ.
شرح الجمل. لابن عصفور. تحقيق د. صاحب أبوجناح. مطابع مؤسسة دار الكتب العلمية، 1400هـ.
شرح الشافية. للرضي. تحقيق محمد نور الحسن وزميله. دار الفكر العربي، بيروت، 1395هـ/ 1975م.
شرح شواهد الإيضاح. المنسوب لابن بري. تحقيق د. عيد مصطفى درويش. مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1405هـ/ 1985م.
شرح عيون كتاب سيبويه. لأبي نصر القرطبي. تحقيق د. عبدربه عبد اللطيف عبدربه. مطبعة حسان، القاهرة، ط،1 1404هـ/ 1984م.
شرح القصائد السبع. لأبي بكر بن الأنباري. تحقيق عبد السلام هارون. دار المعارف، القاهرة، ط،4 1400هـ/ 1980م.
شرح القصائد التسع المشهورات. للنحاس. دار الكتب العلمية، بيروت، ط،1 1405هـ/ 1985م.
شرح الكافية. للرضي. تحقيق يوسف عمر. جامعة بنغازي، ليبيا.
شرح الكافية الشافية. لابن مالك. تحقيق د. عبد المنعم هريدي. جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط،1 1402هـ/
1982م.
شرح كتاب سيبويه. للرماني. مصورة عن نسخة داماد إبراهيم ذات الرقم.1074 ورسالة دكتوراه. تحقيق سيف العريفي. كلية اللغة العربية. الرياض.(7/58)
شرح كتاب سيبويه (جزء منه) . للسيرافي. تحقيق د. رمضان عبد التواب وزميليه. الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986م. ومصورة عن نسخة دار الكتب المصرية ذات الرقم (137) نحو.
شرح كتاب سيبويه (جزء منه) . للصَّفار. تحقيق د. معيض العوفي. دار المآثر، المدينة المنورة، ط،1 1419هـ/ 1998م. ومصورة عن نسخة كوبريلي ذات الرقم.1492
شرح اللمحة البدرية. لابن هشام. تحقيق د. صلاح راوي. دار المرجان، القاهرة.
شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف. لأبي أحمد العسكري. تحقيق عبد العزيز أحمد. مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1383هـ/ 1963م.
شرح المفصل. لابن يعيش. دار صادر، بيروت.
شرح المقدمة الجزولية الكبير. للشلوبين. تحقيق د. تركي العتيبي. مكتبة الرشد، الرياض، ط،1 1413هـ/ 1993م.
شرح ملحة الإعراب. للحريري. تحقيق د. أحمد محمد قاسم. دار التراث، المدينة المنورة، ط،2 1412هـ/ 1991م.
شروح سقط الزند. تحقيق مصطفى السقا وزملائه. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط،3 1406هـ/ 1986م.
شعر زيد الخيل. صنعة د. أحمد مختار البرزة. دار المأمون، دمشق، ط،1 1408هـ/ 1988م.
شعر عمرو بن أحمر. تحقيق د. حسين عطوان. مجمع اللغة العربية، دمشق.
شفاء العليل في إيضاح التسهيل. للسلسيلي. تحقيق د. الشريف البركاتي. المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، ط،1
1406هـ/ 1986م.
الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . للجوهري. تحقيق أحمد عبد الغفور عطار. دار العلم للملايين، بيروت، ط،3 1404هـ/ 1984م.
صحيح البخاري، المكتبة الإسلامية، إستانبول، 1979م.
طبقات النحويين واللغويين. للزبيدي. تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، ط،2 1984م.
العباب (حرف الفاء) . للصغاني. تحقيق محمد حسن آل ياسين. دار الرشيد، بغداد، 1981م.
العين. للخليل بن أحمد. تحقيق د. مهدي المخزومي وزميله. مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط،1 1408هـ/ 1988م.(7/59)
عيون الأخبار. لابن قتيبة. المؤسسة المصرية العامة، مصر، مصورة عن طبعة دار الكتب.
الغرة. لابن الدهان. مصورة جامعة الإمام ذات الرقم.5704
الغريب المصنف. لأبي عبيد القاسم بن سلام. تحقيق د. محمد المختار العبيدي. المجمع التونسي، ودار سحنون، تونس، ط،2 1416هـ/ 1996م.
الفاضل. للمبرد. تحقيق عبد العزيز الميمني. دار الكتب المصرية، ط،2 1995م.
الفصوص. لصاعد الربعي. تحقيق د. عبد الوهاب التّازي سعود. وزارة الأوقاف. المملكة المغربية، 1413هـ/ 1993م.
فعلت وأفعلت. للزجاج. تحقيق ماجد الذهبي. الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق.
الفهرست. لابن النديم. تحقيق رضا تجدد. دار المسيرة، بيروت، ط،3 1988م.
الفوائد الضيائية. للجامي. تحقيق د. أسامة الرفاعي. وزارة الأوقاف، بغداد، 1403هـ/ 1983م.
الكافية. لابن الحاجب. تحقيق د. طارق نجم. دار الوفاء، جدة، ط،1 1407هـ/ 1986م.
الكامل. للمبرد. تحقيق محمد الدالي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط،2 1413هـ، 1993م.
الكتاب. لسيبويه. تحقيق عبد السلام هارون. عالم الكتب، بيروت، ط،3 1403هـ، 1983م.
كتاب الشعر. للفارسي. تحقيق د. محمود الطناحي. مكتبة الخانجي، القاهرة، ط،1 1408هـ، 1988م.
الكشاف. للزمخشري. دار الفكر، بيروت، ط،1 1397هـ/ 1977م.
كشف المشكلات وإيضاح المعضلات. للباقولي. تحقيق د. محمد الدالي. مجمع اللغة العربية، دمشق، ط،1 1415هـ/ 1995م.
لباب الألباب في شرح أبيات الكتاب. لابن خلف. مصورة مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى، ذات الرقم.549
لسان العرب. لابن منظور، دار صادر، بيروت، ط،3 1414هـ/ 1994م.
ليس في كلام العرب. لابن خالويه. تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، مكة المكرمة، ط،2 1399هـ/ 1979م.
ما جاء على فعلت وأفعلت. للجواليقي. تحقيق ماجد الذهبي. دار الفكر، دمشق، 1402هـ/ 1982م.
مجاز القرآن. لأبي عبيدة. تحقيق فؤاد سزكين. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط،2 1401هـ/ 1981م.(7/60)
مجالس ثعلب. تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط،5 1987م.
مجالس العلماء. للزجاجي. تحقيق عبد السلام هارون. مكتبة الخانجي، القاهرة، ودار الرفاعي، الرياض، ط،2
1403هـ، 1983م.
المحكم. لابن سيده. تحقيق مصطفى السقا وآخرين. دار الأندلسي، جدة، مصورة عن طبعة معهد المخطوطات بالقاهرة.
مختصر في شواذ القرآن. لابن خالويه. تحقيق برجستراسر. مكتبة المتنبي، القاهرة.
المخصص. لابن سيده. دار الكتب العلمية، بيروت، مصورة عن طبعة بولاق.
المذكر والمؤنث. لأبي حاتم السجستاني. تحقيق د. حاتم الضامن. دار الفكر، دمشق، ط،1 1418هـ/ 1997م.
مراتب النحويين. لأبي الطيب اللغوي. تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم. دار الفكر العربي.
المسائل البصريات. للفارسي. تحقيق د. محمد الشاطر أحمد. مطبعة المدني، القاهرة، ط،1 1405هـ/ 1985م.
المسائل الشيرازيات. للفارسي. تحقيق د. علي جابر منصوري. رسالة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة عين شمس، 1976م.
المسائل المنثورة. للفارسي. تحقيق مصطفى الحدري. مجمع اللغة العربية، دمشق، 1986م.
المساعد على تسهيل الفوائد. لابن عقيل. تحقيق د. محمد كامل بركات. جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1400هـ/ 1405هـ.
المصباح في شرح الإيضاح. للعكبري. مصورة بجامعة الإمام رقمها.9896
معاني القرآن. للأخفش. تحقيق د. هدى قراعة. مكتبة الخانجي، القاهرة، 1411هـ/ 1990م.
معاني القرآن. للفراء. تحقيق محمد علي النجار وزميله، عالم الكتب، بيروت، ط،2 1980م.
معاني القرآن وإعرابه. للزجاج. تحقيق د. عبد الجليل شلبي. عالم الكتب، بيروت، ط،1 1408هـ/ 1988م.
المعاني الكبير. لابن قتيبة. دار الكتب العلمية، بيروت، ط،1 1405هـ/ 1984م.
معجم الأدباء. لياقوت الحموي. دار إحياء التراب العربي، بيروت.
مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. لابن هشام. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. المكتبة العصرية، لبنان،
1407هـ/ 1987م.
المفصل. للزمخشري. دار الجيل، بيروت.(7/61)
المقتصد في شرح الإيضاح. للجرجاني. تحقيق د. كاظم بحر المرجان. وزارة الثقافة، بغداد، 1982م.
المقتصد في شرح التكملة. للجرجاني. تحقيق أحمد الدويش. رسالة دكتوراه. كلية اللغة العربية، الرياض.
المقتضب. للمبرد. تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، ط،2 1399هـ/ 1979م.
المقصور والممدود. للفراء. تحقيق د. عبد الإله نبهان وزميله. دار قتيبة، دمشق، 1403هـ/ 1983م.
الملخص في ضبط قوانين العربية. لابن أبي الربيع. تحقيق د. علي حكمي. ط،1 1405هـ/ 1985م.
الممتع. لابن عصفور. تحقيق د. فخر الدين قباوة. دار المعرفة، بيروت، ط،1 1407هـ/ 1987م.
المنتخب الأكمل على كتاب الجمل. لمحمد بن أحمد الأنصاري الإشبيلي الشهير بالخفاف. تحقيق أحمد بويا ولد الشيخ محمد تقي الله. رسالة دكتوراه، جامعة أم القرى، 1412هـ/ 1991م.
المنصف. لابن جني. تحقيق إبراهيم مصطفى وزميله. مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط،1 1373هـ/ 1954م.
نتائج التحصيل في شرح كتاب التسهيل. للدلائي. تحقيق د. مصطفى الصادق العربي، مطابع الثورة، بنغازي.
نرهة الألباء في طبقات الأدباء. للأنباري. تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم. دار الفكر العربي، القاهرة، 1418هـ/ 1998م.
النكت في تفسير كتاب سيبويه. للأعلم الشنتمري. تحقيق د. زهير عبد المحسن سلطان. معهد المخطوطات، الكويت، ط،1 1407هـ/ 1987م.
النوادر. لأبي زيد الأنصاري. تحقيق د. محمد عبد القادر أحمد. دار الشروق، بيروت، ط،1 1401هـ/ 1981م.
هشام بن معاوية الضرير. تأليف د. تركي العتيبي، ط،1 1416هـ/ 1995م.
همع الهوامع. للسيوطي. تحقيق أحمد شمس الدين. دار الكتب العلمية، بيروت، ط،1 1418هـ/ 1998م.
الوافي بالوفيات. للصفدي. (القسم الخامس) . تحقيق س. ديدرينغ. جمعية المستشرقين الألمانية، ط،2 1389هـ/ 1970م.(7/62)
وضح البرهان في مشكلات القرآن. لمحمود بن أبي الحسن النيسابوري الغزنوي. تحقيق صفوان داودي. دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت، ط،1 1410هـ/ 1990م.(7/63)
التذكير والتأنيث
دراسة في الأخطاء اللغوية التحريرية لطلاب المستوى المتقدم
في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى
د. جمعان بن ناجي السلمي
أستاذ اللغويات المساعد بمعهد اللغة العربية بجامعة أم القرى
ملخص البحث
مشكلة التَّذكير والتَّأنيث إحدى المشكلات الكبرى التَّي تواجه دارسي اللغة العربية من غير الناطقين بها، وفي هذا البحث دراسة لهذه المشكلة، وهو في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول عنوانه: أخطاء الطلاب في التَّذكير والتَّأنيث.
والمبحث الثاني كان بعنوان: التَّذكير والتَّأنيث في الكتاب الأساسي.
أما المبحث الثالث فهو: أسباب المشكلة وعلاجها.
وبعد دراسة أخطاء الطلاب، ودراسة المادة العلمية المقدمة لهم عن قضايا التَّذكير والتَّأنيث التَّي حواها الكتاب الأساسي، ظهر للباحث جليّاً أنَّ أهم أسباب المشكلة هي:
1-التداخل اللغوي، ونقل الخبرة من اللغة الأم.
2-أخطاء علمية في المنهج المقرَّر على الطلاب.
3-قصور في المنهج العلمي إذلم يتناول بعض قضايا التَّذكير والتَّأنيث.
4-صعوبة التَّفريق بين المذكر والمؤنث غير الحقيقيين.
وقد دعا الباحث إلى علاج هذه الأسباب بتصحيح الأخطاء واستدراك النقص، وتأليف معجم يضمّ ما تمسُّ الحاجة إليه من الأسماء التي تذكيرها أو تأنيثها غير حقيقي.
• • •
المقدمة:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده.
وبعد: فمعلوم أنَّ اللغة العربية تقسم الأسماء إلى قسمين لا ثالث لهما، هما: المذكر والمؤنث، وليس ثمة صعوبة في التَّمييز بين المذكر الحقيقي والمؤنث الحقيقي، لكن الصعوبة تكمن في التَّفريق بين ما هو غير حقيقي منهما، إذ لا سبيل إلى معرفته إلا بالسماع والحفظ.(7/64)
وقد كان العرب أهل اللغة قادرين على التَّفريق بينهما بسهوله فلما أشرقت شمس الإسلام، ودخلت الأمم الأخرى في دين الله أفواجا، وأقبل الناس على تعلم لغة القرآن بدأ اللحن يظهر ويتفشى في اللسان، وقد كان من أقبح اللحن وأبشعه تذكير المؤنث أو تأنيث المذكر، وهذا النوع من اللحن يكاد يكون خاصاً بغير العرب، وقد شعر به الفصحاء إبّان ظهوره وتأذوا منه، فقال قائلهم يتضجر من لُكنة أم ولده:
أَوَّلُ ما أسمع منها في السَّحَرْ تذكيرها الأنثى وتأنيث الذَّكَرْ (1)
وأدرك علماء اللغة هذه المشكلة، وشعروا بصعوبتها فشرعوا في علاجها منذ عهد مبكر جداً بتأليف عددٍ من الرسائل والكتب في التَّفريق بين المذكر والمؤنث، ذكر منها الدكتور طارق نجم في مقدمته لتحقيق كتاب (المذكر والمؤنث لابن جني) ، نقلا عن الدكتور رمضان عبد التَّواب (28) مؤلفاً، أولها كتاب أبي زكريا يحيى بن زياد الفراء، المتوفى سنة 207هـ، وآخرها كتاب أحمد بن أحمد بن محمد السجاعي الشافعي البدراوي المتوفى سنة 1197هـ (2)
ولا زال غير العربي يجد صعوبة في فهم التَّذكير والتَّأنيث نلمس ذلك جلياً واضحاً في لغة دارسي اللغة العربية من غير الناطقين بها في زماننا.
كما اعترف بذلك بعض من تعمق منهم في دراسة اللغة يقول برجشتراسر: " والتَّأنيث والتَّذكير من أغمض أبواب النحو ومسائلهما عديدة مشكلة، ولم يوفق المستشرقون إلى حلِّها حلاً جازماً، مع صرف الجهد الشديد في ذلك " (3) .
ولمعهد اللغة العربية بجامعة أم القرى عناية بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، إذ صدر عنه عدد من البحوث والدراسات المعنية بهذا الأمر كان منها كتاب بعنوان: " الأخطاء اللغوية التَّحريرية لطلاب المستوى المتقدم في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى "، وهو الإصدار الخامس في سلسلة دراسات في تعليم اللغة العربية.(7/65)
وفي هذا الكتاب محاولة للاستفادة من نظريات علم اللغة التَّطبيقي،حُلِّلَتْ فيه أخطاء الطلاب الذين امتحنوا في المستوى المتقدِّم الأوَّل بقسم تعليم اللغة العربية في الفصل الدراسي الأوَّل من العام الجامعي 1402-1403هـ، بالإضافة إلى امتحان آخر مفاجئ أضيفت مادَّته إلى مادة الامتحان الأوَّل.
وكان عدد الطلاب الذين حُلِّلَتْ أخطاؤهم واحداً وسبعين طالباً، وَصُنِّفَتْ الأخطاء على النحو التَّالي:
أولا: الأخطاء الإملائية والصوتية.
ثانيا: الأخطاء الصرفية.
ثالثاً: الأخطاء النحوية.
رابعاً: الأخطاء الدلالية.
خامساً: أخطاء لم تصنف – وأخطاء متفرقات (1) .
ثم صُنفت الأخطاء النحوية إلى: زمن الفعل – علامة الإعراب – حروف الجر – التَّذكير والتَّأنيث –التَّعريف والتَّنكير – إفراد ما يجب جمعه والعكس – العطف – إهمالك العائد في جملة الصلة (2) .
وكان من نتائج ذلك العمل أنَّ الأخطاء في التَّذكير والتَّأنيث من الأخطاء التَّي تكاد تكون ظاهرةً عامة (3) .
ونظراً لذلك رأيت أنْ أساهم بجهدي في دراسة هذه المشكلة فكان هذا البحث بعنوان: التَّذكير والتَّأنيث، دراسة في الأخطاء اللغوية التَّحريرية لطلاب المستوى المتقدم في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى. وجعلته في ثلاثة مباحث على النحو التَّالي:
المبحث الأول: أخطاء الطلاب في التَّذكير والتَّأنيث.
المبحث الثاني: التَّذكير والتَّأنيث في الكتاب الأساسي.
المبحث الثالث: أسباب المشكلة وعلاجها.
ثم ختمت البحث ببيان أهم نتائج الدراسة.
وفي الختام أحمد الله سبحانه وتعالى على نعمائه وأشكره على آلائه، وأسأله سبحانه أن يجعل جهدي هذا خالصاً لوجهه الكريم وأنْ ينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون، إنَّه وليّ ذلك والقادر عليه.
المبحث الأول: أخطاء الطلاب في التَّذكير والتَّأنيث(7/66)
بلغت أخطاء هذه العينة من الطلاب البالغ عددهم واحداً وسبعين طالباً (176) خطأ في التَّذكير والتَّأنيث، وُضِعَتْ في جدول حوى المنازل التَّالية:
(رقم الورقة، الخطأ، الصواب، وصف الخطأ) .
وقد تبين لي من دراسة الجدول وتتبع أرقام الأوراق أنَّ عدد الطلاب الذين أخطأوا في التَّذكير والتَّأنيث بلغ ثلاثة وخمسين طالباً.
وقبل دراسة أخطاء الطلاب ينبغي أنْ أشير إلى أنَّ المحلِّلين وقعوا في بعض الأخطاء هي:
عدَّ المحللون العبارات التَّالية خطأ في التَّذكير والتَّأنيث ووُصِفَ الخطأ بأنَّه: تذكير الفعل حيث يقتضي السياق تأنيثه:
- حدث الحوادث.
- وكان الشوارع مسدودة.
- مرَّ الأيام وأنا أعيش.
- وظهر بعض المشاكل.
- مكة بلد يضاعف فيه الحسنات.
- نزل فيه سورة اقرأ.
- كما يفعل المملكة.
- وحينما انتهى الدراسة.
- ولما انتهى الدراسة.
- يبني الحكومة السعودية. (1)
وبالتَّأمل في هذه العبارات يظهر لنا بوضوح أنّ الفاعل فيها إمّا مؤنث مجازي التَّأنيث متأخر عن الفعل، أو جمع تكسير، أو جمع مؤنث سالم (مفرده مؤنث مجازي) ، أو مضاف اكتسب التَّأنيث من المضاف إليه.
وفي كلِّ هذه الأحوال يجوز تأنيث الفعل وتذكيره (2) ، وما دام الأمر كذلك فما قاله الطلاب صحيح موافق للقاعدة، ومن الخطأ نسبتهم إلى الخطأ.
صُنِّفت العبارة التَّالية:" أماكن المقدسة كثير فيها " ضمن الأخطاء في عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّذكير (3) .
والصواب أنها من الأخطاء في عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّأنيث، وقد ذُكرت في هذا الموضع أيضاً (4) .
صُنِّفت العبارة الآتية:" إنه مكان مباركة " ضمن الأخطاء في عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّذكير (5) .
والصواب أنَّها من الأخطاء في عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّذكير، ولم تذكر في ذلك الموضع.(7/67)
صُنِّفت العبارة التَّالية: " أظن أنَّ اللغة العربية سهل " ضمن الأخطاء في عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّأنيث (1) .
وواضح أنَّها من الأخطاء في عدم المطابقة بين خبر (أنَّ) واسمها من حيث التَّأنيث، ولم تذكر في ذلك الموضع.
صُنِّف قول الطالب: (له) في العبارة التَّالية: " الجبال العالي الذي لا مثيل له " ضمن الأخطاء في عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّأنيث (2) .
والصواب أنَّه من الأخطاء في تذكير الضمير حيث يقتضي السياق تأنيثه، ولم يذكر في ذلك الموضع.
وفيما يلي دراسة لأخطاء الطلاب حسب التَّصنيف الذي ارتضاه المحلِّلون:
عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّأنيث (3) ، وفيه ثلاثة وستون خطأ، وبالتَّأمل في الأسماء الموصوفة في عبارات الطلاب يظهر لنا بوضوح أنَّ جميعها مؤنثات مجازية (4) ، من تلك الأسماء: " النساء، الأماكن، مُنى، البلاد، الكتب الشمس …".
أما الصفات فهي في جميع العبارات صفات مفردة نحو:" المستضعفين، المقدَّس، المطير، الآخر، الشديد … ".
2- عدم مطابقة الصفة الموصوف من حيث التَّذكير (5) وفيه اثنان وثلاثون خطأ، وبتأمل هذا النوع من الأخطاء تأكد لي مالاحظته في النوع السابق، فالموضوعات هنا ليست مذكَّراً حقيقياً حتّى يسهل على الطالب معرفتها ومن ثمَّ المطابقة بينها وبين الصفات، ومن الموصوفات في هذا الصنف: " اللباس، بلد، سلام، العالم، المكان …"
أما الصفات فهي مفردة أيضاً، كالصفات في النوع السابق ومن أمثلتها:" مناسبة، الطيِّبة، تامة، التَّي، الإسلاميَّة … ".
3- تذكير الفعل حيث يقتضي السِّياق تأنيثه (6) .
وفي هذا النوع ثمانية عشر خطأ، وقد بينت أنَّ عشراً من هذه العبارات صحيحة موافقة للقاعدة النحوية، ومن الخطأ نسبة الطلاب إلى الخطأ فيها (7) .(7/68)
أما العبارات الأخرى فإنَّ تأمُّلَها يظهر لنا أنَّ الفاعل في جميعها ليس مؤنثاً حقيقياً، وإنما هو مؤنث مجازي، أو ضمير يعود على مؤنث مجازي، ومن أمثلة ذلك العبارات التَّالية: " هؤلاء المواد يساعدنا، الحكومة يفتح أبواب، راية الإسلام يخفق … "
4- تأنيث الفعل حين يقتضي السياق تذكيره (1) وهنا عشرة أخطاء ويلاحظ أنَّ الفاعل ورد مذكراً حقيقياً أو ضميراً يعود على مذكر حقيقي، أو وصفاً لمذكر حقيقي في ثلاث عبارات هي: " الكعبة التَّي بناتها إبراهيم، وكل مسلم يتمنى أن تزور بيت الله الحرام، تأتي المسلمون من ديار بعيد ".
أما العبارات السبع الأخرى فالفاعل فيها مذكر غير حقيقي، أو ضمير يعود على مذكر غير حقيقي، ومن أمثلة ذلك:" الوقت قد انتهت، تقع جبل ثور، وفيها بدأت نزول الوحي ".
5- عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّأنيث (2) .
وفي هذا النوع ستة أخطاء، وجميع المبتدآت هنا مؤنثات مجازية، هي:"الأشياء، معاملة، أخلاق، لغة، هذه المواد، الأماكن ".
كما يلاحظ أنَّ الخبر مفرد في جميع العبارات، وألفاظ الخبر هي:"موجود، طيِّب، طيّب، العربي، متعب، كثير ".
6-عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّذكير (3) .
وذكر في هذا النوع خطآن، والحقيقة أنه خطأ واحد فقط، وهو في العبارة التَّالية:" كانت المعهد تابعة لكلية الشريعة "، أما العبارة الثانية فليست من هذا الباب، وقد سبق بيان ذلك (4) .
والملاحظ هنا أنَّ المبتدأ – اسم كان – مذكر غير حقيقي، أما الخبر فمفرد.
7-تأنيث اسم الإشارة حيث يقتضي السياق تذكيره (5) .
وفي هذا النوع ثلاثة عشر خطأ، وإذا تأملنا المشار إليه في جميعها وجدناه مذكَّراً غير حقيقي،ومن أمثلة ذلك: " اليوم، الاحتفال، معهد، المكان … ".(7/69)
8-تذكير اسم الإشارة حين يقتضي السياق تأنيثه (1) . وهنا سبعة أخطاء المشار إليه فيها جميعاً مؤنث مجازي، ومن أمثلة ذلك:" الدروس، المراجع، الأرض، الأشياء … ".
9-تذكير الضمير حين يقتضي السياق تأنيثه (2) .
وعدد الأخطاء هنا أحد عشر خطأ، وهنا لا يعود الضمير على مؤنث حقيقي إلا في مثالين فقط، أمّا بقيَّة الأمثلة فالضمير فيها يعود على مؤنثاتٍ مجازيَّة مثل: " الأماكن، دراسته، الصلاة، البقعة … ".
10-تأنيث الضمير حين يقتضي السياق تذكيره (3) .
وعدد الأخطاء هنا تسعة، ولا يعود الضمير على مذكر حقيقي إلا في مثال واحد فقط، أما بقيَّة الأمثلة فإن الضمير فيها يعود على مذكر غير حقيقي، مثل:" المكان، البلد، المستوى …".
11-تذكير العدد حيث يقتضي السياق تأنيثه (4) .
وعدد الأخطاء هنا ثلاثة، والمعدود في جميع الأمثلة مذكر غير حقيقي، هو: " مستويات، أشهر، أقسام ".
12-تأنيث العدد حين يقتضي السياق تذكيره (5) .
وهنا خطأ واحد، المعدود فيه مؤنث مجازي، هو كلمة (سَنَةٍ) .
13-عدم المطابقة بين خبر (أنَّ) واسمها من حيث التَّأنيث (6) .
وفي هذا النوع خطأ واحد، والصواب أنَّهما خطآن (7) واسم (أنَّ) فيهما مؤنث مجازي هو كلمة " اللغة " في كلا المثالين.
والذي أميل إليه هو جعل هذا الصنف من الأخطاء مع الصنف الخامس، وهو " عدم مطابقة الخبر المبتدأ من حيث التَّأنيث " لأنَّ المحلِّلين لم يفردوا خبر (كان) وجعلوه مع خبر المبتدأ (8) ، فكان الأولى بهم أن يعاملوا خبر (أنَّ) معاملة خبر (كان) .
وبعد هذه النظرة في أخطاء الطلاب حسب التَّصنيف الذي ارتضاه المحللون يظهر لنا بوضوح أن قضايا التَّذكير والتَّأنيث التَّي وقعت فيها أكثر أخطاء الطلاب، هي:
1-المطابقة بين الصفة المفردة والموصوف في التَّذكير والتَّأنيث.
2-دلالة اسم الإشارة على المذكر أو على المؤنث.(7/70)
3-المطابقة بين الضمير العائد وما يعود عليه من مذكر أو مؤنث.
4-المطابقة بين الخبر المفرد والمبتدأ في التَّذكير والتَّأنيث.
5-تذكير الفعل أو تأنيثه.
ولو أعدنا النظر كرَّةً أخرى إلى أخطاء الطلاب وحاولنا تصنيفها تصنيفاً آخر، غير ذلك التَّصنيف الذي ارتضاه المحللون لخرجنا بالنتائج التَّالية:
1-عدد أخطاء الطلاب حين كان الاسم مذكراً حقيقياً، أو وصفاً لمذكر حقيقي، هو أربعة أخطاء.
2-عدد أخطاء الطلاب حين كان الاسم مؤنثاً حقيقياً اثنان فقط.
3-سائر الأخطاء وقع فيها الطلاب حين كان الاسم مذكراً غير حقيقي، أو مؤنَّثاً مجازيّاً.
وهذا يدل على أن المشكلة الكبرى التَّي تواجه الطلاب هي صعوبة التَّمييز بين المذكر والمؤنث غير الحقيقيين.
المبحث الثاني: التَّذكير والتَّأنيث في الكتاب الأساسي
الكتاب الأساسي هو الكتاب المقرر على جميع مستويات قسم تعليم اللغة بالمعهد، ويحوي جميع مواد اللغة العربية، وهو سلسلة أصدرها معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى، في ستة أجزاء بعنوان:" تعليم العربية لغير الناطقين
بها، الكتاب الأساسي ".
والجزء الأول من هذه السلسلة مقرر على طلاب المستوى الابتدائي الأوَّل، والجزء الثاني يدرسه طلاب المستوى الابتدائي الثاني، والجزء الثالث لطلاب المستوى المتوسط الأوَّل، والجزء الرابع لطلاب المستوى المتوسط الثاني، أما الجزء الخامس فهو مقرر على طلاب المستوى المتقدم الأوَّل، والجزء الأخير لطلاب المستوى المتقدم الثاني.(7/71)
وفي هذا المبحث سأنظر في المادة العلمية المقدمة للطلاب في هذا الكتاب عن قضايا التَّذكير والتَّأنيث، لعلها تكشف لنا بعض أسباب كثرة أخطاء الطلاب في هذا الموضوع، وسأقصر دراستي هنا على الأجزاء: الثاني والثالث والرابع والقسم الثاني من الجزء الخامس فقط، وسبب ذلك أنَّ الجزء الأوَّل خلا من القواعد النحوية، وكذلك القسم الأول من الجزء الخامس، أما الجزء السادس فهو مقرر على طلاب المستوى المتقدم الثاني، والعينة التَّي حُلِّلَتْ أخطاؤها هم من الطلاب الذين أنهوا دراسة المستوى المتقدم الأوَّل أيْ أنَّهم درسوا جميع أجزاء الكتاب عدا السادس، لذلك لا ينبغي إدخال مادَّته العلمية في هذا البحث (1) .
وقضايا التَّذكير والتَّأنيث التَّي وردت في الكتاب هي:
أولاً: تعريف المذكر والمؤنث، وبيان علامات التَّأنيث.
وقد درست هذه الأمور في المستويين الابتدائي الثاني والمتوسط الثاني ففي الابتدائي الثاني درس الطلاب القواعد التَّالية:
" 1-الاسم إما مذكر أو مؤنث.
2-المذكر: ما خلا من علامات التَّأنيث أو دلَّ على ذكر.
3-المؤنث: ما دلَّ على أنثى أو كانت به علامة تأنيث في آخره.
4-علامات التَّأنيث هي: التَّاء والألف المقصورة والألف الممدودة " (2)
أما المتوسط الثاني فدرسوا فيه القواعد التَّالية:
" 1-قد يكون المؤنث حقيقياً (يدل على أنثى وينتهي بالعلامة) وقد يكون مجازياً (يدل على أنثى ويخلو من العلامة) ، وقد يكون لفظياً (يدل على ذكورة ولكنه ينتهي بالعلامة) .
2-علامات التَّأنيث: تاء متحركة في الأسماء، وفي أول الفعل المضارع، وتاء ساكنة في آخر الفعل الماضي، ثم ألف التَّأنيث المقصورة، ثم ألف التَّأنيث الممدودة.
3-يعدّ الاسم مؤنثاً مجازياًّ إذا ظهرت التَّاء في فعله، أو في صورة مُصَغَّرِهِ، أو حُذفت من اسم عدده، أو عاد عليه ضمير المؤنث، أو أشير إليه بإشارة المؤنث.(7/72)
4-التَّذكير والتَّأنيث في النحو لا يطابقان الذكورة والأنوثة في الطبيعة؛ لأنهما وسيلة من وسائل تصنيف مفردات اللغة لا الطبيعة " (1) .
ثانياً: الضمائر المتصلة والمنفصلة، وبيان ما هو منها للمذكر، وما هو للمؤنث.
وقد درست هذه الأمور في المستوى الابتدائي الثاني (2) ثم في المستوى المتوسط الثاني (3) .
ثالثاً: أسماء الإشارة، ودلالتَّها على التَّذكير والتَّأنيث.
ودرس هذا الموضوع في المستوى الابتدائي الثاني (4) .
رابعاً: الأسماء الموصولة، ودلالتَّها على التَّذكير والتَّأنيث.
ودرس هذا الموضوع في المستوى المتوسط الأوَّل (5) .
خامساً: تأنيث الفعل الماضي إذا كان نائب الفاعل مؤنثاً.
ودرس الطلاب فيه القاعدة التَّالية: " إذا كان نائب الفاعل مؤنثاً لحقت الفعل الذي قبله تاء ساكنة للتأنيث " (6) .
سادساً: تذكير العدد وتأنيثه.
وقد دُرس هذا الموضوع في المستوى المتوسط الأول (7) ، ثم أعيدت دراسته بتوسع في المستوى المتقدم الأوَّل (8) .
سابعاً: ضمائر الربط المتصلة بجملة الخبر، وجملة الصفة، وجملة الحال، وكذلك المتصلة ببدل البعض من الكل وبدل الاشتمال، والمتصلة بألفاظ التَّوكيد المعنوي.
وقد دُرس بعض هذه الموضوعات في المستوى المتوسط الأوّل (9) ودُرس بعضها الآخر في المستوى المتقدم الأول (10) .
وبعد دراسة هذه المادة العلمية وتأملها خرج الباحث بنتيجتين:
الأولى: هي وجود بعض الأخطاء العلمية في الكتاب وتتلخص فيما يلي:
1-عُرِّف المذكَّر بأنه ما خلا من علامات التَّأنيث، أو دَلَّ على ذكر.
وعُرِّفَ المؤنَّث بأنَّه ما دَلَّ على أنثى، أو كان به علامة تأنيث في آخره (11) .
وهذان التَّعريفان غير دقيقين، ولا يستطيع الطلب بهما التَّمييز بين المذكر والمؤنث فسيشكل عليه نحو (حمزة وطلحة) لوجود العلامة، كما سيشكل عليه نحو (يد وأرض) لخلوهما من العلامة.(7/73)
والأحرى بنا أن نذكر في تعريف المذكر والمؤنث ما ذكره علماؤنا السابقون، فإنَّهم قسموا المذكر إلى قسمين هما:
مذكر حقيقي، وهو ما كان له فرج الذكَّر. ومذكر غير حقيقي، وهو مالم يكن له ذلك.
كما قسموا المؤنث إلى قسمين أيضاً:
مؤنث حقيقي وهو ما كان له فرج الأنثى. ومؤنث غير حقيقي، وهو مالم يكن له ذلك (1) .
2-فُسِّر المؤنث الحقيقي بأنَّه يدل على أنثى وينتهي بالعلامة. وفُسِّر المؤنث المجازي بأنَّه يدل على أنثى ويخلو من العلامة، ومُثِّلَ له بهند ومريم ودعد وسعاد وزينب (2) .
ولا يخفى ما في هذين القولين من الخطأ، فالمؤنث الحقيقي قد يخلو من العلامة كزينب وسعاد، والمؤنث المجازي قد تلحقه العلامة كشجرة وغرفة.
أما التَّمثيل للمؤنث المجازي بهند ومريم ودعد وسعاد وزينب فخطأ بيِّن.
3-قال المؤلفون:" يُعَدُّ الاسم مؤنثاً مجازياً إذا ظهرت التَّاء في فعله أو في صورة مُصَغَّرِهِ، أو حُذفت من اسم عدده، أو عاد عليه ضمير المؤنث، أو أشير إليه بإشارة المؤنث: (3) .
قلت: هذه الأمور ليست خاصة بالمؤنث المجازي، بل هي مشتركة بينه وبين المؤنث الحقيقي.
4-قال المؤلفون:" التَّذكير والتَّأنيث في النحو لا يطابقان الذكورة والأنوثة في الطبيعة؛ لأنَّهما وسيلة من وسائل تصنيف اللغة لا الطبيعة " (4) .
قلت: هذا تعميم خاطئ فالمطابقة بين النحو والطبيعة متحققة في المذكر والمؤنث الحقيقيين.
أما النتيجة الثانية: فهي ما في المادة العلمية من قصور، فقد أُهملت بعض قضايا التَّذكير والتَّأنيث المهمة ولم تدرس، وهي:
1-وجوب المطابقة في التَّذكير والتَّأنيث بين الخبر المفرد والمبتدأ.
2-وجوب المطابقة في التَّذكير والتَّأنيث بين النعت المفرد والمنعوت.
3-تذكير الفعل أو تأنيثه للفاعل.(7/74)
نعم تحدث المنهج حديثاً مقتضباً عن تأنيث الفعل الماضي لنائب الفاعل، وكان الأولى أن يكون الكلام عن الفعل مع الفاعل، ثم يُبين أن نائب الفاعل يأخذ حكم الفاعل.
4-اكتساب المضاف من المضاف إليه التَّذكير أو التَّأنيث.
5-معاملة جمع التَّكسير، واسم الجمع، واسم الجنس معاملة المؤنث.
المبحث الثالث: أسباب المشكلة وعلاجها
أولا: الأسباب.
ذكر الدكتور البدراوي زهران في تعقيبه على جدول تحليل الأخطاء ثلاثة أسباب لهذه المشكلة هي:
1-التَّداخل اللغوي، ونقل الخبرة من اللغة الأم إلى العربية.
2-المبالغة في التَّصويب، حيث إنَّ الطالب يريد أن يتفادى أخطاء هذه الظاهرة التَّي يدركها ويتفادى الوقوع فيها، فيقع فيها
3-قواعد خاصة باللغة العربية غير موجودة في لغات الدارسين تصعب عليهم (1) .
ولم يحدد الدكتور البدراوي تلك القواعد الصعبة.
وهذه الأسباب هي أسباب عامة يذكرها المؤلفون في تحليل الأخطاء، ولا تخص هذه المشكلة وحدها، كما لا تخص دارسي اللغة العربية وحدهم، وإنما يشركهم فيها كل من درس لغة ثانية أيًّا كانت (2) .
وقد أظهرت دراستي لأخطاء الطلاب والمنهج المقرر عليهم أن من أهم أسباب كثرة الأخطاء في التَّذكير والتَّأنيث ما يلي:
1-الأخطاء العلمية الواردة في الكتاب الأساسي التَّي سبق بيانها.
2-قصور المنهج المقرر حيث أُغفلت قضايا مهمة من قضايا التَّذكير والتَّأنيث، وسبق بيانها في المبحث السابق.
3-صعوبة التَّفريق بين المذكر المجازي، والمؤنث المجازي.
وأنا أعتقد أن هذا السبب الأخير هو أهم الأسباب التَّي تؤدي إلى وقوع الطلاب في الخطأ، ودليل ذلك أنَّ أخطاءهم في المذكر والمؤنث الحقيقيين لا تكاد تذكر فهي ستة أخطاء فقط، وسائر الأخطاء وقعت عندما كان الاسم مذكراً أو مؤنثاً غير حقيقي.(7/75)
ولعلّ ما ذكره الدكتور البدراوي من أخطاء المبالغة في التَّصويب يعود في جانب كبير منه إلى هذا السبب، وهو عدم القدرة على التَّفريق بين ما هو مذكر وما هو مؤنث من الأسماء التَّي تذكيرها أو تأنيثها ليس على وجه الحقيقة، فيتخبط الطلاب فيها على غير بصيرة، يؤنثون المذكر تارة، ويذكِّرون المؤنث أخرى، ولو ميَّز الطالب بين المذكَّر والمؤنث لاستطاع أنْ يعامل كل واحد منهما المعاملة اللائقة به من مطابقة، أو إشارة، أو عود ضمير، أو تذكير فعل أو تأنيثه.
ثانياً: العلاج.
أما وقد عرفت الأسباب فإن علاج هذه المشكلة يكون بمعالجة أسبابها، وقد ذكر الدكتور البدراوي أنَّ التَّداخل اللغوي ونقل الخبرة من اللغة الأم يكون علاجه بوضع تدريبات دقيقة يحلُّها التَّلاميذ تحت إشراف أستاذهم (1) .
أمّا الأسباب الأخرى التَّي أظهرتها دراستي هذه فأرى أنَّ علاجها يكون بتصويب الأخطاء العلمية الواردة في المقرر وصياغة القاعدة بشكل صحيح، واستكمال النقص في المنهج بإعداد دروسٍ مع تدريباتها في موضوعات التَّذكير والتَّأنيث التَّي أهملت، وتضاف تلك الدروس إلى أماكنها في الكتاب الأساسي في طبعاته اللاحقة.
وأما التَّفريق بين المذكر المجازي، والمؤنث المجازي، فلا شك أنَّه أمر صعب ولا سبيل إلى معالجته إلا بسلوك الطريق الذي سلكه أسلافنا، رحمهم الله، لعلاج هذه المشكلة، عندما ألفوا الكتب والرسائل في المذكر والمؤنث، وبينوا فيها ما هو مذكر من الأسماء وما هو مؤنث، وما روي فيه التَّذكير والتَّأنيث، إذ لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بالرواية والحفظ.
وهنا أقترح أن يقوم المعهد بإعداد معجم للمذكر والمؤنث المجازيين، تحصى فيه كل الأسماء التَّي وردت في الكتاب الأساسي بجميع أجزائه ويستشهد على كل اسم بشاهد من القرآن الكريم أو الحديث الشريف، وإلا فمن كلام العرب، وتدفع لكل طالب نسخة من هذا المعجم تكون بين يديه، وتحت نظره.(7/76)
كما أقترح أن تخصص بعض الحصص الدراسية في المستويات المتأخرة لقراءة هذا المعجم، ودراسته، والاستفادة منه.
وريثما يتم تأليف هذا المعجم، فإني أرى أنْ يُقَرَّرَ على الطلاب في المستوى الأخير من قسم تعليم اللغة، كتاب المذكر والمؤنث لأبي الفتح عثمان ابن جني. رحمه الله.
• • •
خاتمة البحث:
بعد دراسة أخطاء الطلاب في التَّذكير والتَّأنيث ودراسة المادة العلمية المقدمة لهم في هذا الموضوع ظهر للباحث النتائج التَّالية:
1-وجود أخطاء علمية في قواعد التَّذكير والتَّأنيث التَّي درسها الطلاب في الكتاب الأساسي.
2-قصور المنهج المقرر على الطلاب إذ لم يتعرض لبعض الموضوعات المهمة من قضايا التَّذكير والتَّأنيث.
3-أهم أسباب وقوع الطلاب في أخطاء التَّذكير والتَّأنيث هو صعوبة التَّمييز بين المذكر والمؤنث غير الحقيقيين.
الحواشي والتعليقات
البيان والتَّبيين 1/73.
- انظر المذكر والمؤنث لابن جني ص 23.
التَّطور النحوي ص 112.
الأخطاء اللغوية ص 97.
المصدر السابق ص 98.
المصدر السابق ص 129.
الأخطاء اللغوية ص 39،40.
انظر: شرح الكافية الشافية 2/595،919، وأوضح المسالك
ص،242،385، والتَّصريح على التَّوضيح 1/277، 2/31، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل 1/162، 2/247.
انظر الأخطاء اللغوية ص 42.
انظر المصدر السابق ص 42.
انظر المصدر السابق ص 42.
انظر المصدر السابق ص 36.
انظر المصدر السابق ص 36.
انظر المصدر السابق ص35، وما بعدها.
من المؤنثات المجازية اسم الجنس، واسم الجمع، والجمع المكسر (انظر: التَّصريح على التَّوضيح 1/280) .
انظر الأخطاء اللغوية ص 40،41،42.
انظر المصدر السابق ص 39،40.
انظر ص 884.
انظر الأخطاء اللغوية ص 43،44.
انظر المصدر السابق ص38.
انظر المصدر السابق ص 42.
انظر ص 884.
انظر الأخطاء اللغوية ص 43،42.
انظر المصدر السابق ص 39،38.
انظر المصدر السابق ص 39.(7/77)
انظر المصدر السابق ص 43.
انظر المصدر السابق ص 39.
انظر المصدر السابق ص 43.
انظر المصدر السابق ص 39.
انظر ص 884.
انظر الأخطاء اللغوية ص 42.
بالاطلاع على هذا الجزء ظهر أنَّه لا يحوي شيئاً من قضايا التَّذكير والتَّأنيث
الكتاب الأساسي 2/165.
المصدر السابق 4/108.
انظر المصدر السابق 2/282،253.
انظر المصدر السابق 4/70.
انظر المصدر السابق 2/300.
انظر المصدر السابق 3/220،219.
المصدر السابق 3/135.
انظر المصدر السابق 3/414.
انظر المصدر السابق 5/327 (القسم الثاني) .
انظر المصدر السابق 3/386،31.
انظر المصدر السابق 5/376،362،307،277 (القسم الثاني) .
المصدر السابق 2/165.
انظر البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث لأبي البركات بن الأنباري ص63.
انظر الكتاب الأساسي 4/108.
المصدر السابق 4/108.
المصدر السابق 4/108.
انظر الأخطاء اللغوية ص 131،130،128.
انظر: التَّقابل اللغوي وتحليل الأخطاء، تعريب وتحرير الدكتور / محمود إسماعيل الصيني، وإسحاق محمد الأمين ص 147.
وانظر، أيضاً: أسس تعلم اللغة وتعليمها تأليف هـ، دوجلاس براون، ترجمة الدكتور عبده الراجحي، والدكتور علي علي أحمد شعبان ص 214 وما بعدها،
انظر الأخطاء اللغوية ص 131.
المصادر والمراجع
- الأخطاء اللغوية التَّحريرية لطلاب المستوى المتقدم في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى تأليف لجنة من أساتذة المعهد، الإصدار الخامس من سلسلة دراسات في تعليم اللغة العربية، نشر وحدة البحوث والمناهج بمعهد اللغة العربية في جامعة أم القرى، شركة مكة للطباعة والنشر (بدون تاريخ) .
- أسس تعلّم اللغة وتعليمها، تأليف هـ. دوجلاس براون، ترجمة الدكتور عبده
الراجحي، والدكتور علي علي أحمد شعبان، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت 1994م.(7/78)
- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، تأليف الإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري، المتوفى سنة 761هـ، تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، (بدون تاريخ، ولم يذكر مكان الطبع) .
- البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث، لأبي البركات بن الأنباري المتوفى سنة 577هـ، تحقيق الدكتور رمضان عبد التَّواب، مطبعة دار الكتب، 1970م.
- البيان والتَّبيين، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، المتوفى سنة 255هـ، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت – لبنان (بدون تاريخ) .
- التَّصريح على التَّوضيح، للشيخ خالد بن عبد الله الأزهري المتوفى سنة 905هـ، دار الفكر، بيروت (بدون تاريخ)
- التَّطور النحوي، لبرجشتراسر، أخرجه وصححه وعلق عليه الدكتور رمضان عبد التَّواب، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، ودار الرفاعي بالرياض 1402هـ – 1902م.
- التَّقابل اللغوي وتحليل الأخطاء، تعريب وتحرير الدكتور محمود إسماعيل صيني، وإسحاق محمد الأمين، نشر عمادة شؤون المكتبات بجامعة الملك سعود، مطابع جامعة الملك سعود، الطبعة الأولى 1402هـ- 1982م.
- حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، للشيخ محمد الخضري المتوفى سنة 1287هـ، دار الفكر – بيروت 1409هـ 1989م.
- شرح الكافية الشافية، تأليف جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك، المتوفى سنة 672هـ، تحقيق الدكتور عبد المنعم أحمد هريدي، نشر مركز البحث العلمي وإحياء التَّراث الإسلامي بجامعة أم القرى – دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى 1402هـ.
- الكتاب الأساسي، تأليف عدد من أساتذة معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى، نشر وحدة البحوث والمناهج بمعهد اللغة العربية بجامعة أم القرى، طبع بين سنتي 1405هـ و 1412هـ.(7/79)
- المذكر والمؤنث، لأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري، المتوفى سنة 328هـ، تحقيق الدكتور طارق الجنابي، دار الرائد العربي – بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1406هـ – 1986م.
- المذكر والمؤنث، لأبي الحسين أحمد بن فارس، المتوفى سنة 395هـ، تحقيق الدكتور رمضان عبد التَّواب، مكتبة الخانجي القاهرة، الطبعة الأولى 1969م.
- المذكر والمؤنث، لأبي الفتح عثمان بن جني، المتوفى سنة 392 تحقيق الدكتور طارق نجم عبد الله، دار البيان العربي، جدة، الطبعة الأولى 1405هـ 1985م.(7/80)
الألفاظ المشتركة المعاني في اللغة العربية
طبيعتها أهميتها مصادرها
د. أحمد محمد المعتوق
الأستاذ المشارك بقسم الدراسات العربية والإسلامية -
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الظهران
ملخص البحث
... تشكل الألفاظ العربية المشتركة المعاني مع ما صدر لها من شروح ودار حولها من مناقشات جزءاً مهماً من تراثنا اللغوي والأدبي. غير أن موقف الباحثين واللغويين العرب حيال هذه الألفاظ وحديثهم عن طبيعتها وعن أهميتها ودورها في مجال التعبير كان وما يزال خلافياً غير مستقر، كما أن الكتب المحتوية على هذه الألفاظ تنقصها المنهجية ويعوزها التنظيم. وهذا ما جعل من هذه الألفاظ قضية لغوية جديرة بالدراسة، لاسيما وأن الظروف اللغوية الراهنة تقضي بالبحث عن ما يثري اللغة ويبعث على التمكن منها. وهذا البحث يعالج هذه القضية من زوايا مختلفة: لغوية وأدبية وبلاغية، معالجة تعتمد الفحص والتحليل والطرح الموضوعي ومناقشة الآراء وفق منهج نقدي جديد يهدف بالدرجة الأولى إلى إيجاد حلول جذرية للخلاف الدائر حول الألفاظ المشتركة المعاني في اللغة العربية، كما يسعى إلى توضيح طبيعة نشوئها وإثبات أهميتها ومدى فاعليتها في مجالات التعبير في حياتنا الحاضرة. ثم إلى دراسة أهم الكتب التي تضمها، بنحو يمهد لوضع معجم عصري موحد شامل متطور لها. هذا كله بالإضافة إلى ما يثيره هذا البحث من أسئلة وموضوعات تتعلق بجوانب جديرة بالدراسات المستقبلية، من مثل ارتباط المشترك اللفظي بالشعر بنوعيه القديم والحديث، وارتباطه ببعض الأساليب البلاغية كالمجاز والتورية والاستعارة والجناس. وأخيراً ما يمكن أن تكون له من صلة بمستقبل المصطلح العلمي.
• • •
تقديم:(7/81)
بالإضافة إلى الاختلاف القائم حول حقيقة الاشتراك اللفظي في اللغة العربية، هناك تباين في الآراء حول أهميته، أو مدى إيجابية وجوده، أو كثرته في اللغة: فمن مدع أن المشترك اللفظي يشكل دليلاً على ضعف اللغة، وعدم قدرتها أو قدرة رصيدها على التعبير عن معاني الحياة وأغراضها المختلفة، لذلك يجب تنزيه اللغة عنه. ومن مدع أن المشترك اللفظي يشكل عاملاً مهماً من عوامل الغموض في النصوص، ولاسيما النصوص الشعرية، وإذاً فلا يعد وجوده أو تزايده في العربية صفة إيجابية محمودة؛ لأنه يسلبها جانباً من وضوحها وجلائها المفترض. وهذا مذهب تؤيده بعض النزعات التقليدية التي تشترط وضوح العبارة على عمومها، وترى أن أحسن الكلام ما كشف القناع عن معناه، وأفهم سامعه مضمونه دون جهد أو عناء. بينما ترفضه الاتجاهات التي تعد الغموض سمة إيجابية في النص الأدبي، لاسيما إذا كان شعراً، وتعتبر كثرة المشترك اللفظي دليلاً على ثراء اللغة، وطواعيتها ومرونتها، وشاعريتها، واتساعها في التعبير، وليس فقرها وضعفها كما يزعم الآخرون. من جانب آخر فقد كان للمشترك اللفظي عند أهل البديع مقام كبير؛ لأن عدداً من فنون البديع كالجناس والتورية والترصيع وغيره من فنون البلاغة الأخرى قائم عليه، مستمد وجودها من وجوده. وهذا من جملة ما جعل المشترك اللفظي موضع اهتمام الفقهاء والأصوليين والمفسرين والباحثين في بلاغة القرآن وإعجازه من علماء العرب ونقادهم القدامى.(7/82)
.. الإشكالات والآراء المختلفة أو المتضاربة التي سبقت الإشارة إليها جعلت من المشترك اللفظي قضية تستوجب الاهتمام، وتحفز على البحث، من أجل الوصول إلى معادلة صريحة، أو قرار حاسم حول طبيعة المشترك اللفظي وحقيقته، وحول ما يمكن أن يكون له من دور في إثراء الرصيد اللغوي وتنمية القدرة على التعبير، وفي واقع الحياة اللغوية عامة، والتحقيق في ما يرتبط بظاهرة الاشتراك اللفظي من شبهات أو ملابسات، هذا بالإضافة إلى التنبيه إلى أهم وأبرز مصادر المشترك اللفظي نفسه، وإلى ما يمكن أن يجعل هذه المصادر أكثر فاعلية. وهذه الدراسة تبحث هذه الجوانب في إطار نقدي مختصر جديد، تسعى إلى أن تكون فيه بعيدة عن تلك الاستطرادات والسرديات والطروحات المتكررة التي حفلت بها معظم الدراسات أو الكتابات السابقة ذات الصلة بالقضية، كما تطمح إلى أن تكون حافزة وممهدة لدراسات مستقبلية أكثر عمقاً وشمولية واتساعاً.
طبيعة الاشتراك اللفظي(7/83)
.. يفرق بعض علماء اللغة المعاصرين من حيث المفهوم (1) بين الاشتراك اللفظي، أو ما يسمونه ... ب "homonymy " وبين " تعدد المعنى للفظ الواحد " أو ما يطلقون عليه " polysemy"، وينظرون إليهما على أنهما موضوعان مستقلان، يتناول أولهما - كما يستفاد من كتاباتهم أو طروحاتهم - تلك الألفاظ التي تتطور في شكلها وبنيتها الخارجية تطوراً متوازياً ممتداً حتى تتقابل وتتقارب وربما تتفق اتفاقاً تاماً وبطريق المصادفة في أصواتها وصورة نطقها، رغم اختلاف معانيها وصورة كتابتها، كما في الكلمتين الإنكليزيتين: see التي تعني بالعربية (يرى) و seaالتي تعني (البحر) ، وكذلك الكلمتين flour التي تعني (الدقيق أو لب القمح) وكلمة flower التي تعني (الزهرة) ، بينما يتناول الموضوع الثاني تلك الكلمات التي تنشأ عن تطور مدلولات الكلمة الواحدة منها إلى أن تتباعد ((بعضها عن بعض في خطوط متفرقة)) (2) وبهذا فإن مصطلح " المشترك اللفظي " وفق هذا المفهوم يعني التكرار مع التغير، ولكنه يتضمن وجود أكثر من كلمة بصيغة واحدة. بينما يتضمن المصطلح الآخر وجود كلمة واحدة بنفس الصيغة والشكل لأكثر من معنى واحد، أو بمعنى آخر أن الاشتراك اللفظي يعني وجود كلمات منحدرة من أصول مختلفة وذات مدلولات مختلفة أيضاً ولكنها متقاربة أو متطابقة من حيث الصيغة أو النطق. بينما يعني " تعدد المعنى" وجود كلمة واحدة منحدرة من أصل واحد لها أكثر من مدلول.
... رغم ما يوجد من تفريق دقيق بين مفهومي المصطلحين السابقين، فإن هناك بعض التداخل الملحوظ بينهما، وهذا التداخل ناشئ عن اعتبار بعض الكلمات " متعددة المعنى " عند بعض من أشرنا إليهم من العلماء من ضمن " المشترك اللفظي " لمجرد تطابق هذه الكلمات في النطق أو الصياغة، وعدم إدراك أو ملاحظة العلاقات بينها من قبل المتكلم العادي.(7/84)
.. يعتبر (ستيفن أولمان) على سبيل المثال كلمة see التي تعني في العربية (يرى) غير كلمة see في عبارة مثل
«the bishop's see» التي تعني (عرش الأسقف) ، وكلمة page التي تعني (صفحة في كتاب) منفصلة عن كلمة page نفسها في عبارة page boy التي تعني (الساعي أو البواب) ، وكلمةflower التي تعني (زهرة) مستقلة عن الكلمة نفسها في عبارة مثل «the flower of the country's manhood» ، أي (صفوة رجال الأمة) . وعلى هذا الأساس فإن هذه الكلمات تعتبر من ضمن «المشترك اللفظي» وليست من «متعدد المعنى» ؛ لعدم وجود ما يشعر متكلم اللغة العادي بوجود علاقة بين كل زوج من هذه الكلمات، وعدم وجود ما يدل دلالة قاطعة على انحدارهما من أصل واحد (1) .
... وهذا تعليل موجب للارتباك والخلط، كما هو واضح، وقد أشار أولمان نفسه إلى تحفظ الاشتقاقيين والباحثين في الأصول التاريخية للكلمات على هذا الرأي، ذلك؛ لأن التعليل المذكور لا يسهل معه التفريق بين الاشتراك اللفظي، وتعدد المعنى بنحو ثابت، فكلمة (الخال) العربية على نحو المثال تعني كما ورد في «المعجم الوسيط» : (أخو الأم) وتعنى
(لواء الجيش) كما تعنى (ما توسمت به خيراً) وهي معان مختلفة كما نرى، قد لا يدرك المتكلم العادي في الأعم الأغلب أدنى علاقة بينها، فهل يدعو ذلك لإخراج هذه الكلمة عن كونها كلمة «متعددة المعنى» واعتبارها ثلاث كلمات منحدرة من أصول مختلفة! ؟(7/85)
.. لا يبدو من كلام اللغويين العرب الأوائل ولا المعاصرين - حسب ما انتهى إليه تحقيقي - أنهم يفرقون بين «الاشتراك اللفظي» وبين «تعدد المعنى» على النحو الذي سبق توضيحه، فالمفهوم منهما عندهم كما يبدو واحد، وهو عكس ما يفهم من الترادف تماماً. فإذا كان الترادف يعني اتحاد المعنى وتعدد اللفظ، أو (إطلاق كلمتين أو عدة كلمات على مدلول أو معنى واحد) ، فإن الاشتراك اللفظي يعنى اتحاد اللفظ في الصيغة والنطق والكتابة والأصل في أغلب الأحيان أيضاً مع تعدد المدلول، أو بتعبير آخر (إطلاق كلمة واحدة في اللغة على معنيين فأكثر على السواء) (1) دون شرط ارتباطها بالسياق
الكلامي. كما تطلق في العربية مثلاً كلمة (الخال) على أخ الأم وعلى الشامة، وكلمة (النوى) على البعد وعلى جمع النواة، وكلمة (العين) على العين الباصرة، وعلى نبع الماء، وعلى رئيس أو وجيه القوم، وعلى الجاسوس، وعلى النقد والذهب، وعلى الشيء نفسه، وعلى معان أخرى غيرها ... (2)
... ومما يكثر استعماله في عصرنا من هذا النوع من الألفاظ على نحو المثال كلمة (الهاتف) التي نستخدمها للدلالة على الصوت الذي يسمع ولا يرى صاحبه، أو على الصوت الباطني الخفي فنقول مثلاً: «هتف به هاتف»(7/86)
و «كأن هاتفاً هتف بي بين النوم واليقظة أن أعلن كلمة الحق» و «كلنا نهتف بعظمة الخالق سبحانه» . كما نطلق هذه الكلمة أيضاً على الذي يصيح بشخص مادحاً إياه فنقول: «هتف القوم بحياة الرئيس» . ونطلقها على آلة التلفون فنقول: «استعمل دليل الهاتف» و «أجهزة الهاتف المتنقل» ، وكذلك على (دائرة البرق والبريد والهاتف) نفسها، فنقول: «فلان يعمل في الهاتف، أو في دائرة الهاتف» .. فهذه المعاني المختلفة كلها تشترك في لفظة (هاتف) ، بنفس الصيغة والنطق ونفس الحركات، وهي وإن كانت تتحدد بالسياق في الغالب، إلا أنها يمكن أن تتبادر إلى الأذهان في حالة الإفراد أيضاً، أي بمجرد نطق الكلمة وعدم وجود السياق الذي ينص على مدلول واحد منها دون غيره..
... ولا يختلف مفهوم «الاشتراك اللفظي» عند البلاغيين العرب، كما يبدو عما هو عليه عند علماء اللغة، فهو، أو
«الاشتراك في اللفظ» - كما يطلق عليه أحياناً - يستخدم كمرادف ل ... «تعدد المعنى» ، وإن كان هناك من يستخدم هذا المصطلح وكأنه أعم في مدلوله من تعدد المعنى للفظ الواحد. فابن رشيق القيرواني (ت 456هـ) مثلاً يقسم الاشتراك في اللفظ في إطار حديثه عن التجنيس إلى ثلاثة أنواع (1) :
... النوع الأول: وقد أدرجه ضمن أنواع التجنيس أو المماثلة. وهو «أن تكون فيه اللفظة واحدة باختلاف المعنى» ، مثل قول زياد الأعجم يرثي المغيرة بن المهلب:
فانعَ المُغيرَة للمُغيرَة إذ بَدَتْ
شعواءَ مشعلة كنبح النابح
... فالمغيرة الأولى: رجل، والمغيرة الثانية: الفرس، وهو ثانية الخيل التي تُغير. فهنا اللفظة استخدمت بمعنيين، فهي مشترك لفظي صريح وفق المفهوم المتعارف عليه آنذاك.
... النوع الثاني: وهو أن يحتمل اللفظ معنيين، أحدهما يلائم السياق الذي يستخدم فيه اللفظ والآخر لا يلائمه ولا دليل عليه وذلك كقول الفرزدق:
وما مثله في الناس إلا مملكاً(7/87)
أبو أمه حَيٌّ أبوه يُقاربه
... فقوله: (حَيٌّ) ، يحتمل القبيلة، ويحتمل الواحد الحَيَّ. وهذا النوع، كما هو واضح مشابه للنوع الأول، ما عدا أن
المعنى الآخر للفظ غير واضح، أو لا وجود لقرينة لفظية أو سياقية تدل عليه في النص الذي استخدم فيه، وهذا بالطبع لا يخرجه عن كونه مشتركاً في الأصل.
... النوع الثالث: وهو أن يكون اللفظ مشتركاً من حيث أحقية استخدامه بين الناس، لا أحد من الناس أولى به من الآخر. فالاشتراك عنده هنا يعني شركة الناس في استعماله وتداوله وليس هناك ما يتعلق بمعناه وتعدد هذا المعنى.
ألفاظ الأضداد(7/88)
.. ومما يعد من المشترك اللفظي في اللغة العربية نوع آخر متميز يسمى (الأضداد) ، وتعني في اصطلاح اللغويين العرب الكلمات التي يدل كل منها على معنيين متباينين، أو متعاكسين متناقضين، مثل لفظة (جون) التي تدل على الأسود والأبيض، و (المولى) التي تطلق على العبد والسيد، و (السليم) التي تطلق على الصحيح وعلى الملدوغ و (البصير) التي تطلق على المبصر وعلى الأعمى، و (الحميم) التي تطلق على الحار وعلى البارد، و (الجلل) التي تطلق على الكبير والصغير، و (الزوج) التي تطلق على الرجل وعلى المرأة، فيقال: ((الرجل زوج المرأة والمرأة زوج الرجل ... )) (1) فهذه الكلمات وأمثالها تجري، كما ينص السيوطي: ((مجرى الحروف التي تقع على المعاني المختلفة)) (2) لما تنطوي عليه من تعدد أو اختلاف الدلالة. وقد جمع محمد بن القاسم الأنباري في كتابه «الأضداد» - الذي سنعود للحديث عنه فيما بعد - ما يزيد على (300) ثلاثمائة ضد - كما يتبين من فهرس- «الألفاظ الأضداد» الملحق بالنسخة التي اعتمدناها في هذا البحث -، معظمها تجاوز الدلالة على معنيين متعاكسين أو متناقضين إلى الدلالة على عدد من المعاني ذكرها المؤلف. والضد كما تحدث عنه بعض اللغويين العرب لا يعني النقيض أو العكس بصفة مطلقة، فهناك أصناف عدت من الأضداد، مع أنها لا تفيد معنى التناقض أو العكس، وإنما يدل كل لفظ منها على معنيين متباينين يربط بينهما رابط معين من قريب أو بعيد، كما يحصل لكثير من باقي الألفاظ المشتركة المعاني، مثال ذلك: كلمة (الظعينة) التي تدل على الهودج وعلى المرأة في الهودج، وكلمة (الكأس) التي تطلق على الإناء ذاته وعلى ما فيه من الشراب، وكلمة (الغريم) التي تدل على الدائن وعلى المدين وعلى الخصم أيضاَ، وربما تندرج تحت ذلك كل الصيغ الصرفية المماثلة التي تستعمل للفاعل والمفعول مثل: سميع وعليم وقدير وكحيل وقتيل ودهين وجريح وطريد(7/89)
.. (1)
مدى توافر المشترك اللفظي في اللغة العربية
... في اللغة العربية، كما تظهر المصادر التي بين أيدينا مجموعات كبيرة من الألفاظ المتعددة المعاني، ومجموعات أخرى من الأضداد لا يستهان بها خصصت لإحصائها مؤلفات عديدة سنذكر لاحقاً بعضاً منها. وقد تضمن كتاب «المنجد فيما اتفق لفظه واختلف معناه» لمؤلفه المعروف بكراع النمل (ت 310 هـ) ، تضمن هذا الكتاب وحده (900) تسعمائة كلمة منها.. أما الكتاب الذي جمع فيه أوغست هفنر أربعة كتب في الأضداد لكل من الأصمعي وأبي حاتم السجستاني ويعقوب بن اسحق بن السكيت والصغاني فقد احتوى - وفق تسلسل ترقيم الألفاظ الواردة فيه - على (706) سبعمائة وستة من الأضداد.. (2) وإذا كان لا يمكن القطع بصحة نسبة كل هذه الأعداد إلى الألفاظ المشتركة المعاني فإن هذه الأرقام تشير بلا شك إلى كثرتها. رغم ما دار حولها أو حول بعضها من نزاع أو وجد من خلاف.
... هناك في الحقيقة نزاع بين عدد من الباحثين حول مبلغ ورود المشترك اللفظي عامة في العربية، بل إن منهم من ينكره ويعمل على تأويل بعض أمثلته ونسبة الاشتراك في الألفاظ إلى المجاز أو إلى عوامل أخرى تنفي وجوده أصلاً أو تشير إلى قلة وروده (3) . ونحن لا نجد مبرراً للخوض في النزاع الذي قام حوله، بل لا نرى جدوى من الجدل أو كثرة النقاش حول شئ لا يمكن تجاهله فضلاً عن إنكاره.(7/90)
.. إن ظاهرة تعدد الدلالات للمبنى اللفظي الواحد وإن بالغ البعض في القول بكثرتها وشيوعها في العربية وبالغ آخرون في إنكارها أو التقليل من شأنها ودار حولها النزاع كما أشرنا، فإن الواقع الفعلي يشهد بوجودها كظاهرة لغوية بارزة مألوفة، ليس في اللغة العربية وحدها، وإنما في اللغات السامية على عمومها، والنصوص الموروثة ونشاطات هذه اللغات على اختلافها تجسدها (1) ، كما أن القوانين اللغوية تقرها وسنن الحياة البشرية تقتضيها وتسلم بوجودها في كل اللغات المتطورة. (إن قدرة الكلمة على التعبير عن مدلولات متعددة إنما هي خاصة من الخواص الأساسية للكلام الإنساني.
وإن نظرة واحدة في أي معجم من معجمات اللغة لتعطينا فكرة عن كثرة ورود هذه الظاهرة، بل إن شحنة المعاني التي تحملها بعض الكلمات تدعو إلى الدهشة، لاسيما تلك الأفعال الكثيرة الشيوع والذيوع مثل: يعمل ويقوم ويضع ... الخ ((2)
... أما بالنسبة لبروز ظاهرة الاشتراك اللفظي في اللغة العربية فقد صرح السيوطي بقوله: ((وذهب بعضهم إلى أن الاشتراك أغلب - قال: لأن الحروف بأسرها مشتركة بشهادة النحاة، والأفعال الماضية مشتركة بين الخبر والدعاء، والمضارع كذلك، وهو أيضاً مشترك بين الحال والاستقبال والأسماء كثير فيها الاشتراك؛ فإذا ضممناها إلى قسمي الحروف والأفعال كان الاشتراك أغلب)) (3) وفي موضع آخر ضمن حديثه عن المشترك اللفظي وعن الأضداد يقول أيضاً: ((وهذا الضرب كثير جداً، ومنه ما يقع على شيئين متضادين كقولهم: جلل للكبير والصغير وللعظيم أيضاً والجون للأسود والأبيض ... وهو أيضا كثير)) (4) .(7/91)
.. إن كلمة (يعمل) في اللغة العربية مثلاً لها من المعاني المتعددة التي لا يمكن بأية حال من الأحوال رفضها أو تجاهلها؛ لأنها في حيز الاستخدام الفعلي، فنحن نقول فعلاً، وعلى سبيل الحقيقة: «عمل خيراً» أي بمعنى فعل، و «عمل بالقانون» أي طبقه، و «عمل على نشر الكتاب» أي سعى لنشره و «عمل في مصنع، وعمل تاجراً» أي صنع أو مهن، و «عمل بجد» أي اشتغل أو تصرف أو قام بالعمل.. ولا نجد هذا التعدد لمعاني هذه الكلمة في نصوص الشعر والنثر العادية فحسب، وإنما نجده في آيات القرآن الكريم أيضاً.
... لقد وردت الآيات التالية من قوله تعالى: (وَأمّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى) . (وَمِنَ الجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإذْنِ رَبِه) . (لمِثِلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ) . (أَمَّا السَّفِيَنة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِيْ البَحْرِ) . (لاَ يَسْبقُوْنَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) . (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِنْ مَحَارِيْبَ وَتَمَاثِيْلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ)) (1) وفي كل آية من هذه الآيات معنى خاص لكلمة (عمل) لا يتطابق مع المعنى الآخر، وإن تقارب أو تشابه بعضها. ولا شك أن التعدد في معنى (عَملَ) الفعل يتبعه تعدد معنى المصدر «عَمَلْ» . هذا وفي كتاب «الأشباه والنظائر في القرآن الكريم» لمقاتل بن سليمان البلخي
(ت 150هـ) أمثلة كثيرة مشابهة لما أوردناه من الأسماء والأفعال والصفات (2) .(7/92)
.. وفي المعاجم العربية عدد كبير من الألفاظ ذات الدلالات المتعددة، ربما يفوق عدد الألفاظ التي تنفرد بمعنى واحد. ولا يقتصر ذلك على المعاجم القديمة الواسعة، وإنما يشمل المعاجم الحديثة الوسيطة أيضا. وتصل المعاني التي ترد للكلمة الواحدة في المعاجم الحديثة الراصدة للتطورات الدلالية الجديدة منها أحياناً إلى عدد كبير من المعاني المستعملة في الحياة الفعلية الحاضرة. فقد جاء في تفسير الفعل (فتح) على نحو المثال في «المعجم العربي الأساسي» الصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وهو من أحدث المعاجم المتطورة، ما نصه:
((فَتَحَ يَفْتَحُ فَتْحا فهو فاتح: 1 البابَ والصُّندوقَ ونحوهما: خِلاف أغلقهما، 2 الطّريقَ: هيَّأه للمرور فيه، أذِنَ بالمرور فيه، 3 الاجتماعَ ونحوه: بدأ عمله، 4 المدينةَ أو البلدَ: احتلّها، 5 الكتابَ: نشَرَ طَيَّهُ ليقرأ منه / فتح اعتماداً في المصرف: خصّص مبلغا للصرف منه على عمل معيّن. فتح الله عليه: هداه أرشده. فتح الباب على مصراعيه لعمل ما: أفسح المجال له، سمح به دون قيود. فتح البخْت: تنَّبأ بالمُستقبل. فَتَح بين الخصمين: قَضى (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ) [قرآن] . فتح حِسَابا في المَصْرِف: أودع مبلغا من المال صالحا للسحب منه. فتح شهته: جعله راغبا في الأكْل. فتح صفحة جديدة: غيَّر طريقته «فتحت العراق صفحة جديدة مع مصر» . فتح عيْنَيْه جيدا: انتَبَه، حَذِرَ. فَتَحَ عيْنَيْه على شيء: شاهده أو اختبره وهو لا يزال طِفْلا. فَتَحَ له َقْلبَهُ: باح بسِرِّهِ له، وثق به فأَطْلَعَهُ على سِرِّهِ. فَتَّحَ يُفَتِّحُ تَفْتِيحاً: الأبوابَ ونحوها: بالَغَ في فَتْحِها (لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ) [قرآن] (1) .(7/93)
.. فنحن نجد هنا أن كلمة (فتح) قد اتسعت لأكثر من (16) ستة عشر معنى، بين محسوس ومجرد، وكلها جارية متداولة، متعارف على استعمال الكلمة فيها ضمن سياقاتها الخاصة. ويمكن أن تتسع لمعان مجازية أخرى متعددة أيضاً كما اتسعت غيرها.
... نظم المعلم بطرس البستاني صاحب معجم «محيط المحيط» قصيدة تصل إلى (30) ثلاثين بيتاً تنتهي كل أبياتها بكلمة (الخال) بمعان مختلفة. ولهذا سميت بالقصيدة الخاليِّة، وربما أراد بذلك إظهار مدى اتساع التعدد الدلالي للألفاظ العربية وسعة اطلاعه وإحاطته بهذا التعدد. ومن هذه القصيدة:
أمن خدها الوردي أفتنك الخال
فسح من الأجفان دمعك الخال
الومض برق من محيا جمالها
لعينيك أم من ثغرها الومض الخال
رعى الله ذياك القوام وإن يكن
تلاعب في أعطافه التيه والخال
مهاة بأمي أفتديها ووالدي
وإن لام عمي الطيب الأصل والخال (1)
... ومعاني كلمة (الخال) في هذه الأبيات على التوالي: الشامه في الوجه /السحاب الممطر/البرق/ الغرور أو التكبر/ أخو الأم
... إن تعدد المعاني أو المدلولات للكلمة الواحدة إلى الحد الذي رأيناه ليس في الحقيقة ظاهرة غريبة؛ لأن معنى الكلمة كما يقول رائد الفلسفة اللغوية في العصر الحديث (لودفج فتجنشتين) L Wittgenstein: (ليس له ثبات أو تحديد.. واللغة ليست حساباً منطقياً دقيقاً لكل كلمة معنى محدد ولكل جملة معنى محدد ولكل الجمل وظيفة واحدة.. وإنما تتعدد معاني الكلمة بتعدد استخداماتنا لها في اللغة العادية، وتتعدد معاني الجملة الواحدة حسب السياق الذي تذكر فيه.. وأن الكلمة مطاطة تتسع وتضيق استخداماتها حسب الظروف والحاجات) (2) ومع ذلك فإن لهذا التعدد مبررات وأسباباً ثابتة ومحسوسة يفرضها الواقع الاجتماعي وظروف الحياة المختلفة المتغيرة.
أسباب نشوء المشترك(7/94)
.. إن تعدد المعنى للكلمة الواحدة قد يحدث - كما هو ثابت ومشهود - نتيجة لاختلاف اللهجات واختلاف استخدامها للكلمات، فكلمة القرءُ، كما يقول ابن السكيت ((عند أهل الحجاز الطهر وعند أهل العراق الحيض)) (1) بينما القروء في واقعها الأوقات التي يحصل فيها الطهر أو الحيض. وقد يحصل أن تداخل اللهجات عن طريق التجاور والمعاشرة والاختلاط بين أفراد الجماعات، مما يؤدي إلى حدوث عملية التراكم الدلالي.
... وقد يتعدد المعنى للكلمة الواحدة كذلك نتيجة للاستخدامات المجازية الإرادية لهذه الكلمة، أو نتيجة لاستعمالها في معنى معين، ثم استعارتها لمعنى أو معان أخرى، يكثر ويغلب تداولها حتى تصير بمنزلة المعنى الأصلي في الاستعمال والشيوع. وهذا ما نص عليه أبو علي الفارسي بقوله: ((إن اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ينبغي أن لا يكون قصداً في الوضع ولا أصلاً، ولكنه من لغات تداخلت، أو أن تكون لفظة تستعمل لمعنى ثم تستعار لشيء فتكثر وتصير بمنزلة الأصل)) (2) فكلمة سيارة في اللغة العربية على سبيل المثال تعني في الأصل القافلة، ثم استعيرت واستعملت بمعنى (العربة الآلية التي تستخدم في نقل الناس والبضائع) وقد شاع استعمال الكلمة بهذا المعنى في عصرنا الحاضر حتى أصبح بمنزلة المعنى الأصلي لها، وهكذا كلمة مبلغ التي تعني في الأصل (منتهى الشيء أو غايته) ، ثم استعملت بمعنى (مقدار من المال) . وقد غلب استعمال هذا المعنى لها في العصر الحاضر كما نرى حتى صار بمنزلة الأصل ...(7/95)
.. وينشأ المشترك أحياناً في ظروف لغوية معينة يُعدل فيها عن المعنى الأصلي للفظ إلى معنى آخر مباين أو مضاد لمعنى اللفظ المتعارف عليه بهدف التفاؤل أو التأدب أو التهكم والسخرية أو التهويل والتعظيم أو اجتناب التلفظ بما يمجه الذوق أو بما يكره أو يحرج أو يؤلم المخاطب أو يحدث له أو للمتكلم ضرراً أو بصورة عامة لغرض ما اصطلحت اللغات الأوروبيّة على تسميته باسم «Euphemism» أي تلطيف التعبير عن شئ بغيض (1) . ثم يرجع إلى استعمال المعنى الأصلي في ظروف لاحقة أخرى، وهكذا يحصل التناوب والتبادل بين المعنيين أو المعاني وقد تصبح هذه المعاني نتيجة لكثرة هذا التناوب والتبادل في مستوى واحد من الاستعمال والدوران، ولا ينفك أي منها عن الارتباط باللفظ.
... نحن نقول للأعمى بصيراً ونقول لمن ذهب بصر إحدى عينيه كريم العين، للتأدب أو لتفادي إحراج المخاطب وإيلامه أو للتطلف في التعبير عامة. ويطلق على المهلَكة لفظ المفازة على جهة التفاؤل كما يسمى العطشان رياناً والأسود أبو البيضاء (2) . تماماً كما كان العرب يطلقون على عبيدهم أسماء يتفاءلون بها مثل: ميمون ومبروك وكافور.. ويسمى الملدوغ سليماً للتفاؤل كذلك أو الدعاء أحياناً.. كما يقال للمهرة الجميلة شوهاء خوفاً من أن تصيبها العين، وللغراب أعور تعبيراً عن حدة بصره، وتطلق عبارة «بيضة البلد» على من انفرد بميزة ممدوحة حسنة، كما يجوز أن يراد بها عكس ذلك، حيث تطلق على من يراد أن يهزأ به ويسخر منه كما يقول السجستاني (3) .(7/96)
.. وقد تحدث ظروف معينة تفرضها السياقات أو المواقف المختلفة التي تستعمل فيها الكلمات، توجه الذهن بشكل لا إرادي إلى اتجاهات جديدة أحياناً، مما يوحي بخلق معان جديدة لهذه الكلمات، وذلك لما يوجد في هذه الكلمات نفسها، كما يعبر (جوزيف فندريس) Vendryes - من قابلية على التأقلم؛ أي (القدرة على اتخاذ دلالات متنوعة تبعاً للاستعمالات المختلفة التي تستخدم فيها وعلى البقاء في اللغة مع هذه الدلالات ومن ثم أداء عشرات من وظائفها بسهولة ويسر. حيث إن خلق معانٍ جديدة لها لا يقضي بالضرورة على المعاني السابقة، فيمكن لكل المعاني التي اتخذتها أن تبقى حية في اللغة. وحركة التغيرات المعنوية تسير في كل الاتجاهات حول المعنى الأساسي، ولكن كل واحد من المعاني الثانوية يمكن أن يصبح بدوره مركزاً جديداً للإشعاع المعنوي (1) .
... ولا يمنع أن يوضع أو يستعمل اللفظ الواحد للدلالة على معنيين قصداً، كما تصور أبو علي الفارسي، بل من الممكن أن يكون ذلك من قبل واضع واحد أو من قبل واضعين اثنين، يضع أحدهم لفظاً لمعنى، كما يقول السيوطي، ثم يضعه الآخر لمعنى آخر (2) ، ويستمر استعمال اللفظ بالمعنيين الموضوعين كليهما؛ فالكلمات على نحو ما تبين رموز طيعة مرنة. كما أن الكلمة ((لا تدل بنفسها على شئ، ولكن المفكر يستعملها فيصبح لها معنى، إذ يتخذها أدوات)) (3) ونحن نعلم أن مجموعات كبيرة من مفردات اللغة توضع من قبل واضعيها قصداً للدلالة على معان اصطلاحية خاصة قد تكون متعددة، مع الإقرار أو الوعي بمعانيها اللغوية العامة، وقد يحصل التزامن في اتخاذ كلمة ما للدلالة على أكثر من معنى اصطلاحي واحد من جانب واحد، كما هو الشأن في المجامع أو المؤسسات اللغوية عامة حين تتولى لجانها الخاصة وضع المصطلحات العلمية والفنية مثلاً.(7/97)
.. ولنشوء المشترك اللفظي أو حدوثه أسباب وتبريرات وآراء أخرى كثيرة ذكرها اللغويون العرب وغيرهم، يمكن الرجوع إليها في مظانها (1) تجنبنا تعدادها والحديث عنها تفادياً للإطالة والتكرار. واعتقاداً منا بأن الواقع العملي الفعلي بحد ذاته يكفي لإثبات وقوع المشترك اللفظي. وتوضيح الكثير من أسبابه وملابساته وإدراك طبيعة نشوئه. كما أنه لا يعنينا في هذا المجال تعداد أسباب حدوث المشترك اللفظي بقدر ما يعنينا وجوده، وتهمنا وفرته وفاعليته في واقعنا اللغوي، ثم حل الإشكاليات التي تحوم حوله، بغية التوجيه لمزيد من العناية به والتمكين منه، واستغلاله كجزء هام من الثروة اللفظية التي تتسع لها لغتنا العربية.
...
إشكاليات حول المشترك
... مهما كانت عوامل نشوء ظاهرة التعدد الدلالي، وأسباب تطورها، فإن الألفاظ العربية المشتركة المعاني التي يمكن أن نلحظها في معاجم اللغة العامة، أو نمر بها ونشهدها في ما نسمع من الكلام وما نقرأ من نصوص شعرية ونثرية قديمة وحديثة في هذه اللغة تشكل كما سبق القول قدراً لا يستهان به من الثروة اللغوية. وليس صحيحاً ما زعمه أحد الدارسين المعاصرين من أن المشترك اللفظي في العربية (يكثر في الألفاظ الحوشية أو الغريبة غير الدائرة على الألسنة ولا كثيرة في نصوص الأدب، من مثل: السرداح، والسرداحة، والدردبيس، والخلابيس، والقردوع) . وأن كثرته تنهك اللغة وتثقل عليها (2) . وليس صحيحا كذلك ما رآه الدكتور إبراهيم أنيس، وأيد فيه ابن درستويه، من أن غالب المشترك من الألفاظ العربية ناتج عن التوسع المجازي، وأن ما كان ناتجاً عن التوسع المجازي من قريب أو من بعيد لا يعد من المشترك (3) . ...(7/98)
.. هذه المزاعم - كما سبقت الإشارة - فيها نوع من المغالاة، وهي تفضي بلا شك إلى التقليل من شأن هذا النوع من الألفاظ؛ فهناك مجموعات كبيرة من الألفاظ المشتركة المعاني الفاعلة المتداولة في معظم النشاطات اللغوية الحيوية في عصرنا الحاضر، وقد أوردنا بعضاً منها، ولو اتسع لنا المجال لأوردنا المزيد. ولقد ورد في كتبها المخصصة ومعاجم اللغة العامة وعدد من مصنفات اللغة ألفاظ قديمة كثيرة مماثلة لها (1) . كما ورد الكثير منها في المعاجم العربية الحديثة على نحو ما تبينا فيما سبق.
علاوة على ما ذكر فإن المعاني الوظيفية التي تعبر عنها المباني الصرفية في اللغة العربية هي بطبيعتها. كما يقرر أحد الباحثين في هذه اللغة: ((تتسم بالتعدد والاحتمال، فالمبني الصرفي الواحد صالح لأن يعبر عن أكثر من معنى واحد ما دام غير متحقق بعلامة ما في سياق ما، فإذا تحقق المعنى بعلامة أصبح نصاً في معنى واحد بعينه تحدده القرائن اللفظية والمعنوية والحالية على السواء. ويصدق هذا الكلام على كل أنواع المباني التي سبق ذكرها، سواء في ذلك مباني التقسيم ومنها الصيغ ومباني التصريف ومنها اللواصق ومباني القرائن اللفظية وكذلك مباني بعض التراكيب ... إن مباني الأقسام قد تتعدد معانيها، كالمصدر من الأسماء، ينوب عن الفعل نحو ضرباً زيداً، ويؤكد الفعل كضربته ضرباً، ويبين سببه كضربته تأديباً له، وينوب عن اسم المفعول نحو «بِدَمٍ كَذِبٍ» ، واسم الفاعل مثل (أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً) . ويكون بمعنى الظرف
نحو: آتيك طلوع الشمس وهلم جرا)) (2) ...(7/99)
.. ومن جانب آخر فقد ثبت أن المجاز يعد أصلاً وأساساً في تكوين العديد من مفردات اللغة ومعانيها، ومظهراً مهماً من مظاهر التطور الدلالي فيها. والعربية لغة التوسع المجازي، وباب المجاز مفتوح على مصراعيه فيها. كما يقول أحد المجمعيين العرب. (1) و ((المجاز القديم مصيره إلى الحقيقة)) (2) كما يصرح د. أنيس ذاته. وسبب ذلك - كما يعلل باحث آخر- هو أن
((المعاني الفنية المجازية يكثر ترديدها على الألسنة مع إطلاقها المجازي الفني، فحين يطول عليها الأمد في هذا الاستعمال يميل الناس إلى اعتبار دلالتها على المعنى المجازي الجديد دلالة عليه على سبيل الحقيقة ومن ثم يصبح معنى الكلمة متعدداً وترصد لها هذه المعاني المتعددة في المعجم فتكون الكلمة بين جلدتي المعجم محتملة لكل معانيها المعجمية المختلفة المنشأ حتى توضع في سياق يحدد لها واحداً من هذه المعاني)) (3) .(7/100)
.. علماً بأن د. إبراهيم أنيس نفسه قد عارض رأيه السابق الذكر، وأقر في كتابه «في اللهجات العربية» بأن المعاجم العربية مليئة بالألفاظ المشتركة، وأن ما نشأ من هذه الألفاظ عن التطور الصوتي قد بلغ المئات، وصرح هو نفسه أيضاً بما يفيد بأن (الألفاظ تنشأ لها نتيجة للاستعمال دلالات هامشية بالإضافة إلى دلالاتها المركزية ويشترك الناس أحياناً في استعمال هذه الدلالات، ومع مرور الزمن يتضخم الانحراف وتصبح هذه الدلالات شائعة، ويرث الجيل التالي ما شاع من دلالات مركزية وهامشية على حد سواء) (1) . وهذا القول في الوقت الذي يشير فيه الباحث المذكور إلى عامل مهم من عوامل حصول الاشتراك اللفظي أعم من المجاز - وهو (نشوء دلالات هامشية للألفاظ ثم شيوعها نتيجة لكثرة الاستعمال وبقائها جنباً إلى جنب مع الدلالات المركزية) - يؤكد على أهمية هذا الاشتراك وضرورة التسليم بتوالي حصوله واعتباره كظاهرة بارزة في اللغة. إلا أن قائله لم يثبت عليه. وقد لاحظ عليه بعض الباحثين هذا التناقض أو التذبذب في الرأي (2) .(7/101)
.. وقد كان لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني (ت 250هـ) بعض التحفظ على عدد مما نسب للأضداد من الألفاظ، إذ لم ير إطلاق اسم الأضداد على كل ما سمعه منها، فلم يعد كلمة (السليم) مثلاً من الأضداد كما فعل غيره، وإنما استثناهما بقوله: «قالوا السليم السالم، وقالوا السليم الملدوغ. وهو عندي على التَفَؤُّل.» . ويقصد بذلك أن هذا المعنى الأخير لا يعتبر معنى ثابتاً مرتبطاً باللفظ بنحو دائم إذ اللفظ مزال عنه جهته بنحو موقت. ومثل ذلك كلمة (شوهاء) التي تستعمل عندهم بمعنى قبيحة وجميلة. أما هو فيقول: (لا أظنهم قالوا للجميلة شوهاء إلا مخافة أن تصيبها عينٌ كما قالوا للغراب أعور لحدة بصره) (1) . وعلى أساس من هذا الاعتقاد سمى السجستاني كتابه «كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب، والمزال عن جهته، والأضداد» وبذلك أخرج مجموعة مما شاعت نسبتها للأضداد وهي ليست كذلك في رأيه، وميز ما يصدق عليه صفة الضد بنحو قاطع ثابت ضمن مجموعة خاصة.(7/102)
.. الحقيقة أن السجستاني مصيب فيما رآه من أن بعض الألفاظ تزال عنه جهته، ويستخدم بمعنى جديد، وربما يكون مرتجلاً، ثم يعدل بعد ذلك عنه إلى المعنى الأصلي، وقد لا يعدل فيظل استعمال اللفظ بالمعنى الثاني الجديد مستمراً وجائزاً. لكنه غير مساو للمعنى الأصلي في دلالته واستخدامه، وبهذا يمكن أن تخرج مجموعة مما نسب إلى الأضداد العربية. إلا أن استخدام اللفظ بمعنى مرتجل أو وقتي لسبب عابر طارئ، كإرادة التفاؤل، أو الحذر من الإصابة بالعين أو غيره، كاستخدامه بمعنى مجازي، يمكن أن يكون في حد ذاته عاملاً في نشوء التضاد أو الاشتراك اللفظي بمفهومه الحقيقي الذي تحدثنا عنه، وذلك كما سبق أن أوردنا بيانه لأحد الباحثين (عندما يكثر ترديد اللفظ على الألسنة بهذا المعنى ويطول عليه الأمد في هذا الاستعمال يميل الناس إلى اعتبار دلالته على المعنى المجازي الجديد دلالة عليه على سبيل الحقيقة ومن ثم يصبح معنى الكلمة متعدداً وترصد لها هذه المعاني المتعددة في المعجم فتكون الكلمة بين جلدتي المعجم محتملة لكل معانيها المعجمية المختلفة المنشأ حتى توضع في سياق يحدد لها واحداً من هذه المعاني (1) . وبناء على ذلك فلا يصبح في تحفظ السجستاني نفي للمشترك اللفظي أو التقليل من شأنه أو الطعن في القول بكثرة وروده في اللغة العربية.(7/103)
.. أما دعوى أن الاشتراك اللفظي يشيع في اللغة أو في ثقافتها الغموض والالتباس (1) . فإنها مبنية في الأصل - فيما يبدو - على شبهة قديمة مبالغ فيها، أثارها بعض الشعوبيين زراية بالعرب وبلغتهم، وتبناها (ابن درستويه) ، الذي نفى حصول الاشتراك اللفظي بالوضع وادعى ندرة المشترك في العربية. كما ألف كتاباً في إبطال الأضداد. وقد نقل عنه السيوطي فيما أورد له بهذا الشأن قوله: «وليس إدخال الإلباس في الكلام من الحكمة والصواب، وواضع اللغة - عز وجل - حكيم عليم؛ وإنما اللغة موضوعة للإبانة عن المعاني؛ فلو جاز وضع لفظ واحد للدلالة على معنيين مختلفين، أو أحدهما ضدٌ للآخر لما كان ذلك إبانة بل تعمية وتغطية (2) . فرأي (ابن درستويه) هذا، كما هو واضح، مبني أولاً على كون اللغة توقيفية. كما أن فيه الكثير من المغالاة أو ضيق الأفق. وقد تحدث ابن الأنباري في كتابه «الأضداد» بما يرد عليه.
... يقول ابن الأنباري (3) : ((ويظن أهل البدع والزَّيغ والإزراء بالعرب أن ذلك كان منهم لنقصان حكمتهم، وقلّة بلاغتهم، وكثرة الالتباس في محاوراتهم، وعند اتصال مخاطباتهم؛ فيسألون عن ذلك، ويحتجون بأن الاسم منبئٌ عن المعنى الذي تحته، ودالٌّ عليه، وموضح تأويله؛ فإذا اعتور اللفظة الواحدة معنيان مختلفان لم يعرف المخاطَب ايّهما أراد المخاطِب، وبطل بذلك معنى تعليق الاسم على هذا المسمّى؛ فأجيبوا عن هذا الذي ظنوه وسألوا عنه بضروب من الأجوبة: أحدهن أن كلام العرب يصحّح بعضه بعضاً، ويرتبط أوّله بآخره، ولا يعرف معنى الخطاب منه إلا باستيفائه واستكمال جميع حروفه؛ فجاز وقوع اللفظة الواحدة على المعنيين المتضادين؛ لأنها تتقدمها ويأتي بعدها ما يدلُّ على خصوصية أحد المعنيين دون الآخر، ولا يراد بها في حال التكلم والإخبار إلا معنى واحد)) .(7/104)
.. ويستشهد ابن الأنباري على قوله هذا بأمثلة شعرية وقرآنية ونثرية كثيرة مما يفرض فيها السياق معنى للفظة المشتركة دون غيره، فلا يلتبس المعنى على القارئ، كقول الشاعر:
كلُّ شيء ما خلا الموت جَلَلْ
والفتى يسعى ويُلْهيه الأمَل
ويعقب على ذلك بقوله: «فدل ما تقدم قبل «جلل» ، وتأخر بعده، على أن معناه كلُّ شيء ما خلا الموت يسير، ولا يتوهم ذو عقل وتمييز أن الجَلَل هنا معناه عظيم.» وهذا عكس ما يفرضه السياق في قول الشاعر الآخر:
فلئن عفوتُ لأعفونْ جَللاً
ولئن سَطوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمي
قومي هُمُ قتلوا أُمَيْمَ أخي
فإذا رميتُ يصيبني سهمي
... فهذا الكلام يدل، كما يعقب ابن الأنباري: «على أنه أراد: فلئن عفوت لأعفونّ عفواً عظيما؛ لأن الإنسان لا يفخر بصفحه عن ذنب حقير يسير. فلما كان اللبس في هذين زائلا عن جميع السامعين لم ينكر وقوع الكلمة على معنيين مختلفين في كلامين مختلفي اللفظين.» وهكذا يتحدد المراد من كلمة «جلل» المشتركة أو المختلفة المعنى من خلال السياق بيسر وسهولة، ولا يحدث اللبس المزعوم.
... وقد رد ضياء الدين ابن الأثير على دعوى وقوع الغموض عند استعمال المشترك اللفظي بمثل ما رد به ابن الأنباري مؤكداً على أن فائدة البيان أو وضوح الدلالة عند استعمال المشترك اللفظي يمكن استدراكها بالقرينة، بينما لا يمكن استدراك ما يمكن أن يتحقق بفضل استعماله من التحسين البلاغي أو الجمالي الفني في الكلام في حالة تركه (1) . وإذاً فالأولى استعماله والقرينة أو السياق كفيل بإزالة ما يمكن أن يحدثه هذا الاستعمال من غموض.(7/105)
.. إن للسياق أهميته ومقامه الكبير في التبادل اللغوي، وبفضله يستطيع الناس أن يستخدموا المشترك اللفظي ويتفاهموا من خلاله فيما بينهم تفاهماً واضحاً صريحاً لا غموض فيه؛ لأن مقدرة الكلمات على أداء وظيفتها - كما يصرح (ستيفن أولمان) Stephen Ullmann - «لا تتأثر بحال من الأحوال بعدد المعاني المختلفة التي قدر لها أن تحملها، بدليل أن بعض هذه الكلمات تستطيع بالفعل أن تقوم بعشرات الوظائف في سهولة ويسر)) (1) .
... والقول بأهمية السياق وبدوره في تحديد المفهوم المناسب أو المراد من بين المفاهيم الأخرى التي قد تشترك في اللفظ الواحد لا يمنع من التسليم بأن بعض المفاهيم المشتركة قد تلتبس أحياناً أو تتداخل فتؤدي إلى نوع من
الغموض. كما يحدث أن تهجر أو تتراجع بعض هذه المفاهيم أو تطغى المعاني الجديدة على المعاني القديمة منها، فتنسى القديمة ولا يتمكن المتلقي الحديث العهد من معرفتها، ولاسيما إذا كان ضئيل المحصول من مفردات اللغة، وربما قاد ذلك إلى صعوبة فهمه للنص الذي ترد فيه، خصوصاً إذا كان هذا النص شعرياً فنياً متعمق اللغة. إلا أن تعدد المعنى رغم ذلك ليس بحال من الأحوال هو المصدر الوحيد للغموض أو اللبس، فهناك كما يبين (وليم إمبسون) William Empson في كتابه
Seven Types of Ambiguity أنواع سبعة من اللبس أو ازدواج الدلالة (2) ، وربما كان الاشتراك اللفظي من أقلها سلبية على النص الأدبي، بل ربما كان من أظهرها إيجابية في إضافة معنى جديد أو ظل موح بمعنى آخر يستخلص مباشرة من صريح العبارة، ويكون له أثر في توجيه القارئ لاتجاه أو اتجاهات مختلفة فعالة لها أهميتها في إضافة قيمة أو قيم جديدة للنص كما يحصل ذلك في التورية وفي غيرها من الأنواع والأساليب البلاغية.(7/106)
.. من خلال ما سبق ذكره نتبين أن كثرة المشترك اللفظي لا تشين اللغة ولا تنهكها ليقال: إن إنكاره أو التقليل من شأنه يعد دفاعاً عن حياض اللغة أو حماية لها. كما أن كثرته لا تدل على ضعف اللغة أو ضيقها وقلة ألفاظها، بل تدل على اتساعها ومرونتها؛ لأن استعارة العرب لفظ الشيء لغيره كما يقول ابن رشيق: ((إنما هي من اتساعهم في الكلام اقتداراً ودالة، ليس ضرورة. ألا ترى أن للشيء عندهم أسماء كثيرة وهم يستعيرون له مع ذلك؟ على أنا نجد أيضاً اللفظة الواحدة يعبر بها عن معان كثيرة، نحو (العين) التي تكون جارحة، وتكون الماء، وتكون الميزان، وتكون المطر الدائم الغزير، وتكون نفس الشيء وذاته، وتكون الدينار، وما أشبه ذلك كثير، وليس هذا من ضيق اللفظ عليهم، ولكنه من الرغبة في الاختصار، والثقة بفهم بعضهم عن بعض. ألا ترى أن كل واحد من هذه التي ذكرنا له اسم غير العين أو أسماء
كثيرة؟)) (1)
... علاوة على ما سبق ذكره فإن قدرة الكلمة على التعبير عن الفكر أو المعاني المتعددة وتأهيلها للقيام بعدد من الوظائف المختلفة في حد ذاتها ((دليل على حيوية اللغة ورواجها. فكيف ننادي لفائدة أحادية المعنى؟ علماً بأن أحادية المعنى لا يمكن أن تقوم إلا بتحجير اللغة والقضاء على حركتها، أي قتلها، وعلماً كذلك بأن المجاز والسياق يعرضان اللفظ للتوسع الدائم)) (2) .
أهمية المشترك اللفظي(7/107)
.. أشير فيما سبق ذكره إلى أن التعرف على الأبعاد أو المجالات الدلالية للكلمات والتراكيب اللغوية المكتسبة تمكن الفرد من استغلال الطاقات المتوافرة في ألفاظ اللغة للتعبير عن مكنونات النفس ودقائق الفكر ونوازع الوجدان، وبما يتلاءم مع كافة الظروف النفسية والاجتماعية ومع السياقات اللغوية المختلفة. لاسيما أن ألفاظ اللغة، أية لغة - مهما كثرت فهي محدودة من حيث الكم، بينما المعاني والأفكار والمدركات متجددة متطورة متنامية لا حدود لاتساعها.
... إن المعاني غير متناهية، والألفاظ متناهية. كما يؤكد علماؤنا العرب القدامى (1) . ((ولدينا نحن الكبار طائفة لا حصر لها من المعاني لا نجد لها الألفاظ المناسبة وكثرة من الأفكار يستعصي علينا التعبير عنها. من ذلك أننا نقول: إن الطيف الشمسي يحتوي على سبعة ألوان، مع أن مناطق تداخل هذه الألوان تحتوي على ظلال شتى دقيقة لطيفة من الألوان ليست لدينا أسماء لتسميتها كذلك كثير من حالاتنا الشعورية والوجدانية)) (2) . وهكذا يبقى المخزون اللفظي للغة - مهما اتسع وتنامى - قاصراً عن الوفاء بمطالب التعبير ولاسيما في مجال الأفكار المجردة ونوازع النفس البشرية وانفعالاتها وأحاسيسها الدقيقة المتشعبة المتنامية، وبذلك فلا غنى للإنسان في تواصله ونشاطه اللغوي بمختلف أشكاله عن استعمال آخر أو استعمالات أخرى متعددة للكلمات التي يضعها أو يرثها.(7/108)
.. إن وجود كلمة مستقلة خاصة بكل شئ يتداوله الناس أمر صعب، لأنه يفرض عبئاً ثقيلاً على الذاكرة. هذا إن استطاعت هذه الذاكرة أن تحيط بكل ما يتواضع عليه أفراد الجماعة من الألفاظ. لقد ثبت أنه لا قدرة للإنسان على الإحاطة بكل مفردات اللغة (1) . وأنه حتى لو كرس شخص ما وهب قوة الحفظ جهداً خاصاً لاستظهار قسط وافر من هذه المفردات في فترة معينة من الزمن، فإن المشكلة أو الصعوبة تبقى قائمة في قدرة هذا الشخص على استرجاع ما حفظ أو استظهر، بعد توالي الزمن؛ إذ يتعذر على ذاكرة الإنسان - مهما قويت واتسعت - كما يقرر علماء النفس - أن تحتفظ بكل ما أودع أو اختزن فيها من معلومات لأمد طويل، حيث إن الإنسان معرض لأن ينسى الكثير مما حفظ واكتسب من معلومات أو معارف مع مرور الزمن، وخاصة عندما لا تتوافر الحوافز أو الأسباب لاسترجاع وحضور هذه المعلومات أو المعارف في ذهنه (2) . ومع هذا الافتراض فإن الإنسان يجد في المشترك اللفظي ما يسعفه في التعبير عن أغراضه حتى وإن كان محصوله من ألفاظ اللغة عامة قليلاً، ودونما تعرض لما يرهق ذاكرته.(7/109)
.. يقول (ستيفن أولمان) «إن الآثار المترتبة على تعدد المعنى للكلمة الواحدة بالنسبة للثروة اللفظية للغة آثار بعيدة المدى. من ذلك مثلاً أن وجود كلمة مستقلة لكل شيء من الأشياء التي قد نتناولها بالحديث من شأنه أن يفرض حملاً ثقيلاً على الذاكرة الإنسانية. وسوف يكون حالنا حينئذ أسوأ من حال الرجل البدائي الذي قد توجد لديه كلمات خاصة للدلالة على المعاني الجزئية «كغسل نفسه» و «غسل شخصاً آخر» و «غسل رأس شخص آخر» و «غسل وجهه» و «غسل وجه شخص آخر» الخ، في حين أنه لا توجد لديه كلمة واحدة للدلالة على العملية العامة البسيطة وهي «مجرد الغسيل» . إن اللغة في استطاعتها أن تعبر عن الفكر المتعددة بواسطة تلك الطريقة الحصيفة القادرة، التي تتمثل في تطويع الكلمات وتأهيلها للقيام بعدد من الوظائف المختلفة. وبفضل هذه الوسيلة تكتسب الكلمات نفسها نوعاً من المرونة والطواعية، فتظل قابلة للاستعمالات الجديدة من غير أن تفقد معانيها القديمة (1) .
... وحتى لو أحاط الفرد بكل ما يمكن أن يعبر عن جميع أغراضه وأفكاره من ألفاظ اللغة وصيغها، فإن الموقف أو النمط والأسلوب الكلامي قد يفرض عليه أحياناً الاقتصاد في استعمال الألفاظ، أو استعمالها في معان وخطابات غير مباشرة، تجنباً لحرج أو مواجهة غير محمودة، كما قد تدعوه نزعة فنية إلى نوع من التنميق الجمالي والتنغيم الصوتي المحبب، مما يحوجه لكلمات ذات أصوات متشابهة ودلالات متشعبة ثرية. وفي مثل هذه الحال يكون المشترك اللغوي عوناً له في تحقيق غرضه..(7/110)
.. كان المشترك اللفظي في اللغة العربية قديماً وما يزال عوناً لأولئك المغرمين بالمحسنات اللفظية وألوان البيان وفنون البديع كالاستعارة والتجنيس أو الجناس والترديد والمماثلة والمشاكلة والترصيع والتورية ((التي كان لها شأن في الرمزية الأسلوبية العربية)) (1) وما إلى ذلك من المغالطات المعنوية أو الألعاب اللغوية، كما يحلو للبعض أن يسميها (2) . وقد عد ضياء الدين بن الأثير (ت 559هـ) الأسماء المشتركة من جملة أدوات البيان وآلاته، ومن أهم ما يحتاج الشاعر والكاتب إلى معرفته والإحاطة به كوسيلة للقول البليغ، على أساس أن فائدة وضع اللغة في رأيه ووفق نظرته التوقيفية لها لا تكمن في البيان وحده، وإنما في البيان والتحسين: «أما البيان فقد وفى به الأسماء المتباينة التي هي كل اسم واحد دل على مسمى واحد، فإذا أطلق اللفظ في هذه الأسماء كان بيناً مفهوماً، لا يحتاج إلى قرينة، ولو لم يضع الواضع من الأسماء شيئاً غيرها، لكان كافياً في البيان.. وأما التحسين فإن الواضع لهذه اللغة العربية، التي هي أحسن اللغات، نظر إلى ما يحتاج إليه أرباب الفصاحة والبلاغة فيما يصوغونه من نظم ونثر، ورأى أن من مهمات ذلك (التجنيس) ، ولا يقوم به إلا الأسماء المشتركة، التي هي كل اسم واحد دل على مسميين فصاعداً، فوضعها من أجل ذلك (3) .(7/111)
.. والتجنيس أو الجناس القائم على الاشتراك اللفظي هو الجناس التام الذي يعد أرقى أنواع الجناس وأكثرها إبداعاً عند رجال البلاغة. وهو لا يقتصر على الأسماء كما يمكن أن توحي عبارة ابن الأثير السابقة، وإنما يشمل الأفعال والألفاظ عامة. يقول ابن حجة الحموي: ((أما الجناس التام: فهو ما تماثل ركناه واتفقا لفظاً واختلفا معنى، من غير تفاوت في تصحيح تركيبهما، واختلاف حركتهما، سواء كانا من اسمين، أو من فعلين، أو من اسم وفعل، فإنهم قالوا: إذا انتظم ركناه، من نوع واحد، كاسمين أو فعلين، سمي مماثلاً، وإن انتظما من نوعين، كاسم وفعل، سمي مستوفى، وجل القصد تماثل الركنين في اللفظ والخط والحركة واختلافهما في المعنى، سواء كانا من اسمين أو من غير ذلك، فإن المراد أن يكون الجناس تامًّا، على الصفة المذكورة، من حيث هو أكمل الأنواع إبداعاً وأسماها رتبة وأولها في الترتيب)) (1) .(7/112)
.. و (التجنيس) أو الجناس التام الذي لا يقوم به إلا الألفاظ المشتركة، ليس من مهمات الفصاحة والبلاغة عند ابن الأثير وابن حجة الحموي وحدهما، وإنما كان موضع اهتمام معظم البلاغيين والنقاد العرب القدامى عامة، إلى درجة أن قدمه بعضهم على الألوان البديعية الأخرى. فقد عده يحيى ان حمزة العلوي صاحب الطراز (ت 745 هـ) ((من ألطف مجاري الكلام ومن محاسن مداخله، وهو من الكلام كالغرة في وجه الفرس)) (1) ؛ وما ذلك إلا لما للتجنيس عندهم من ارتباط وثيق بالذوق اللغوي للشاعر أو المتكلم البليغ عامة ومن دلالة على رقة طبعه وتعمقه في اللغة وقوة تداعي الألفاظ والمعاني لديه، ثم لما للتجنيس البديع ذاته من أثر في التجسيد والإيحاء وجمال الإيقاع وجذب النفس وصرف الذهن إلى بديع المعاني. يقول البهاء السبكي (ت 763 هـ) عن عماد الدين بن الأثير - وكان يجد هذا الأخير متعة في الإصغاء إلى التجنيس في الكلام -: ((إن مناسبة الألفاظ تحدث ميلاً وإصغاء إليها، ولأن اللفظ المشترك إذا حمل على معنى ثم جاء والمراد به معنى آخر كان للنفس تشوف إليه)) (2) .
... ومن الجدير بالذكر أن عدداً من الكتاب الأوروبيّين الشكليين ولاسيما كتاب العصور الوسطى وما بعدها، قد أغرموا باستخدام الجناس - القائم على الاشتراك اللفظي - مثلما أغرم به الكتاب العرب من قبل، ويظهر ذلك واضحاً في عدد من مسرحيات الكاتب الفرنسي (جان راسين (Jean Racine، وكتابات الكاتب والشاعر الإيطالي
(جيوفاني بوكاشيو) Giuvanni Boccaccio (3) .(7/113)
.. كان المشترك اللفظي كذلك ملجأً للشعراء في حال احتياجهم لتكرار ألفاظ بعينها في قوافيهم، سواء لاستغلال النواحي الصوتية في هذه الألفاظ أو الطاقات المعنوية أو الجوانب الشكلية فيها وما يمكن أن تؤديه من دور في النغم والإيقاع العروضي أو المضمون التأثيري عامة.. ولقد أجاز عدد من النقاد وعلماء البلاغة العرب للشاعر تكرار لفظ بعينه في قوافيه إذا كان هذا اللفظ لمعنى مختلف ولم يعتبره أحد منهم (إيطاء) كما صرح بذلك ابن رشيق القيرواني (1) .
... ولقد هيأ المشترك اللفظي تطوير محسن بلاغي كان له شأنه وموقعه الجليل عند أهل البلاغة وكان من الناحية العملية محل اهتمام كثير من الشعراء والكتاب أيضاً. ذلك هو «رد العجز على الصدر، وهو في الشعر» أن يكون أحد اللفظين المكررين في آخر البيت والآخر في صدر المصراع الأول أو حشوه أو آخره أو صدر الثاني» (2) ، فقد تفنن الشاعر العربي القديم في استخدام هذا المحسن وأظهر براعة في استغلال الطاقات الموسيقية الجميلة التي يحدثها التماثل اللفظي. وقد اشتملت كتب البلاغة والنقد على الكثير مما يجسد براعته في ذلك (3) .(7/114)
.. يتبين مما سبق ذكره أن المشترك اللفظي قد أتاح فرصاً متنوعة لكثير من الأدباء والشعراء لإشباع هواياتهم في التحسين اللفظي وفي تطلعاتهم الفنية لاستغلال القيم والإمكانيات التعبيرية لأصوات اللغة بالإضافة إلى الطاقات المعنوية للكلمات، وكان من بين هؤلاء الشاعران المشهوران المتنبي وأبو حية النميري، اللذان كانا مولعين بالجناس كما يقول القيرواني (1) ، كما كان منهم أبو تمام الذي اشتهر بمجازاته واستعاراته اللفظية الغريبة الكثيرة. وهكذا فقد كان لتوافر هذا المشترك فضل في كثير مما أنتجه هؤلاء الشعراء وغيرهم من تجارب وأشكال تعبيرية فنية رائعة تجلت فيها براعة الفنان العربي وذكاؤه في استثمار مخزون اللغة من هذا المشترك وطاقاته التعبيرية والإشارية وتطويعها لفنه ولما كانت تتطلبه ثقافة العصر من هذا الفن.
... وإذا كانت للمشترك اللفظي أهميته بالنسبة للشعراء القدامى أو بالنسبة للشعر التقليدي عامة، فلاشك أن شأنه يزداد في اعتبار نظريات الشعر الحديث. حيث تنادي هذه النظريات بتعميق الرؤية وتعددية المعنى وبعد الدلالة وكثافة الصورة في العبارة الشعرية، وتعتبر ((الشعر استكشافاً دائماً لعالم الكلمة، واستكشافاً دائماً للوجود عن طريق الكلمة)) (2) وتعد ((أولى مميزات الشعر هي استثمار خصائص اللغة بوصفها مادة بنائية)) (3) . وبذلك تفترض من الشاعر المبدع أن يسعى بكل ما لديه من إمكانيات لاستغلال كل ما يمكن أن تحمله الكلمات من دلالات وكل ما تكمن فيها من طاقات معنوية وإيحائية. ليجعل من تجربته الشعرية نسيجاً فنياً ثرياً مفعماً بالرؤى والشحنات الانفعالية المؤثرة، تمتزج فيه التوقعات والانفعالية بالمفاجآت وخيبة الظن كما يعبر الناقد الإنكليزي (رتشاردز Richards I.A. .) (4) ومن هنا تأتي أهمية المشترك اللفظي كرافد يمد الشاعر الحديث بما يمكنه من فنه ويثري تجربته.(7/115)
.. والحقيقة أن الشاعر سواء أكان قديماً أم حديثاً لا يكتفي باستغلال ما تحمله الألفاظ من دلالات موروثة. وإنما يسعى لشحنها بدلالات جديدة، وربما ألغى أو تجاهل تلك الدلالات القديمة كلها وخلق لألفاظه المختارة معاني ومسميات لا عهد لأصحاب اللغة الآخرين بها، مستفيداً في كل ذلك مما يتيحه المجاز ويحققه له من إمكانيات لغوية للتعدد الدلالي المستمر للفظ أو التركيب اللغوي الواحد حيث يصبح المجاز في العبارة الشعرية وسيلة أساسية للشاعر للاختراق والنفاذ إلى عوالم الكون اللامحدودة، أو أداته للانتقال والامتداد والاتساع والعبور باللفظ من معناه الحقيقي ودلالاته المعتادة المألوفة. كما هو في تصور علماء البلاغة العرب القدامى (1) . وحيث يكون هذا المجاز، كما يعبر النقاد المعاصرون وسيلة للعدول وإعادة البناء والانزياح باللفظة من وظيفتها المرجعية ودلالتها الذاتية الوضعية السابقة إلى دلالات أخرى قد يصعب حصرها (2) . وبهذه الدلالات الجديدة المتنامية تتولد المفاجآت وينشأ الإدهاش والإبهار والغموض والإبداع في الشعر لغة ومعنى وصورة، وتتبلور وتتميز لغة الشاعر الخاصة. كما تتوسع وتتنامى في الوقت نفسه طاقات المشترك اللفظي كماً ونوعاً. ويصبح الشاعر مستثمراً لإمكانيات المشترك اللفظي المتاحة، ومجدداً ومطوراً لهذه الإمكانيات في آن واحد وكان المشترك اللفظي وما ينتج عن استعماله أحياناً من تباين في تحديد المفاهيم وإدراك المقاصد والأهداف في التوريات والاستعارات والتعميات والمغالطات المعنوية أو في النصوص الأخرى ذات المعاني الدقيقة المعمقة، كان سبباً لاختلاف النقاد واللغويين في فهم كثير من النصوص الشعرية وعاملاً في طرح التفسيرات المتعددة وإثارة الكثير من الخلافات والمناقشات الأدبية المثرية بشأنها أحياناً (3) ، وربما كان ذلك من أسباب الاتجاه لتفسير النصوص وشرح المعلقات والقصائد ثم تعدد شروحها وعقد الدراسات(7/116)
حولها، وما يعقب هذه الأعمال في العادة من توسع في الحديث عن المجاز والاستعارة وعن القرائن اللفظية والمعنوية والسياقية وعن الأساليب البيانية وغير ذلك من المسائل اللغوية والبلاغية والنقدية ذات العلاقة.
... تضاربت الأقوال واختلف اللغويون والنقاد في تفسير كلمة (عَيْر) التي وردت في بيت للشاعر الجاهلي الحارث بن حلّزة اليشكري نصه:
زعموا أن كل من ضرب العَيْ
رَ موال لنا وأنى الولاء!
فقيل: إنه أراد ب (العير) الوتد، وقيل: إنه أراد بها الضاربين العرب؛ لأنهم كانوا أصحاب عمُد وأوتاد وخيام، كما قيل أنه أراد عير العين، وهو ما نتأ منها، أي كل من ضرب عير عينه بجفنة، وقيل: أراد بالعير ما يطفو على الحوض من الأقذاء، وقيل إنه قصد جبلاً في الحجاز، وقيل غير ذلك؛ لأن كلمة (عير) تعني هذه المعاني كلها ومعاني غيرها (1) ، وليس من قرينة بيّنة توضح المراد ولا من سبب يمنع إرادة أي من هذه المعاني، والشاعر فحل مشهور لا يستهان بقوله أو يطرح ويتجاهل.. وهكذا كان التضارب ومن ثم التعليق والنقاش حول هذا البيت. وأصبح لغموض الكلمة والتباس معناها فيه دور فعال في التفكير والتعليق والاستشهاد بالإضافة إلى استحضار معاني الكلمة المفسَرة نفسها، ما كان قريباً منها وما كان بعيداً عن الأذهان ربما من قبل بعض النقاد (2) .(7/117)
.. وقد احتوى القرآن الكريم والحديث الشريف على طائفة من الألفاظ المشتركة المعاني عنى بجمعها وتصنيفها عدد من علماء اللغة (1) . سنذكر في أثناء حديثنا عن مصادر المشترك لاحقاً بعضاً منهم. وكان ذلك سبباً في اختلاف المفسرين وعلماء الفقه والأصول في تأويل كثير من آيات القرآن وتفسير مجموعة من الأحاديث النبوية، مما أدى إلى الاختلاف في استنباط أو تقرير كثير من الأحكام الفقهية وفي تحديد بعض الأفكار والمواقف العقائدية. ودفع الأصوليين والفقهاء والمتكلمين للاهتمام بالمشترك اللفظي وبالمسائل الأخرى المتعلقة بدلالات الألفاظ عامة (2) . كما دفع بعض للغويين أنفسهم إلى المزيد من الاهتمام بالمشترك اللفظي والتوجه لجمعه أو التأليف فيه والخوض في مناقشة ما يتعلق منه بألفاظ القرآن.
... يقول أبو حاتم السجستاني في مقدمته لكتابه «كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب والمزال عن جهته والأضداد» ، مبيناً ما حمله على تأليف هذا الكتاب: ((حملنا على تأليفه أنا وجدنا من الأضداد في كلامهم والمقلوب شيئاً كثيراً، فأوضحنا ما حضر منه إذ كان يجيء في القرآن الظن يقيناً وشكاً، والرجاء خوفاً وطمعاِ، وهو مشهور في كلام العرب، وضد الشيء خلافه وغيره، فأردنا أن يكون لا يرى منْ لا يعرفُ لغاتِ العربِ أنّ اللهَ عزَّ وجلَّ حينَ قالَ: إنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعينَ * الذينَ يظنونَ مدحَ الشاكينَ في لقاءِ ربهمْ، وإنما المعنى يستيقنونَ، وكذلكَ في صفةِ منْ أوتيَ كتابهُ بيمينهِ منْ أهلِ الجنةِ هاؤم اقرءوا كتابيهْ * إنِّي ظننتُ، يريد إنِّي أيقنتُ، ولوْ كان شاكًّا لمْ يكنْ مؤمناً، وأماَّ قولهُ: قلتمْ ما ندري ما الساعةُ إنْ نظنُ إلا ظناًّ فهؤلاء شكَّاكٌ كفاَّرٌ)) (3) .(7/118)
.. ولا بد أن يكون المشترك اللفظي وفقاً لما سبق ذكره مدعاة لاهتمام المشرعين والقانونيين والمفكرين أو العقائديين في وقتنا الحاضر. حيث تتوقف كثير من القضايا الشرعية والقانونية والفكرية أيضاً على تحليل وفهم الوثائق والنصوص ذات الصلة فهماً صحيحاً دقيقاً مانعاً للتردد أو الشك. وما دام هناك ألفاظ مشتركة في اللغة سارية المفعول جارية الاستخدام، نافذة التأثير فلابد أن يكون هذا الاهتمام موجوداً.
... ومع ما تشهده اللغة من تطور مستمر وسريع لدلالة الألفاظ ومفاهيم الصيغ اللغوية وما يتبع ذلك من زيادة للمشترك اللفظي كماً ونوعاً واتساع معانيه أو تغيرها. يزداد تعلق هذا الجزء من اللغة بشؤون الحياة وقضايا العصر على اختلافها، ولاسيما تلك القضايا التي تتوقف الأمور فيها على الفهم الصحيح الدقيق للوثائق المدونة والنصوص والعهود والمواثيق المحكية أو المسموعة فيها، أو تترتب نتائج خطيرة أو مواقف حساسة فيها على الاختلاف في دلالة الألفاظ والصيغ اللغوية المستعملة في هذه الوثائق أو النصوص. كالقضايا السياسية، وقضايا العلاقات الدولية والدبلوماسية والمعاملات التجارية والاقتصادية. ثمة تلك الموضوعات المتعلقة بصناعة المصطلحات العلمية وتحديد المفاهيم المرتبطة بها. ومن هنا يصبح المشترك اللفظي محط اهتمام رجال العلم والسياسة والفكر، كما هو مجال اهتمام اللغويين والأدباء وعامة المثقفين والمتعلمين.(7/119)
.. إن كل ما سبق ذكره يؤكد أن «المشترك اللفظي» في اللغة العربية لم يكن دليلاً ثابتاً على سعة اللغة ومرونتها وعاملاً في زيادة ثرائها وطواعيتها فحسب، وإنما كان أيضاً سبباً في ظهور وتبلور كثير من الأعمال العلمية والأدبية وإنماء وتوسيع النشاطات الفكرية وفي إثراء العقل العربي عامة. وأن فاعليته في كل ذلك ما زالت قائمة في حياتنا الحاضرة، ولاشك أن هذه الفاعلية ستكون أوسع وأكبر ما بقي الاهتمام باللغة وبتطوير القدرات التعبيرية والإنتاجية فيها، وما دام باب الاجتهاد مفتوحاً في التفسير والتأويل والاستنباط والاستنتاج والحكم، وكانت هناك حرية للفكر والرأي والتعبير. وما دام التطور مستمراً في مستجدات الحياة ومستحدثات العصر وشؤونه. ومن هنا تنشأ الضرورة في وجود معجم متطور شامل جامع لكل ما وجد في اللغة العربية من ألفاظ مشتركة المعاني متمشية مع أصول اللغة ملبية لمتطلبات الحياة مناسبة لذوق العصر ومعبرة عن مستجداته ومستحدثاته المتطورة وفاعلة في مجال التعبير بأشكاله وأنشطته المختلفة.
مصادر المشترك
... لقي المشترك اللفظي عناية اللغويين والمفسرين وعلماء الفقه والأصول القدامى كما سبق القول، وألفت لجمعه وتصنيفه كتب عديدة منها ما اختص بالموجود منه في القرآن أو في الحديث الشريف، ومنها ما عنى بعامة المشترك دون تخصيص. ومما وصل إلينا وتم طبعه ونشره من الصنف الأول كتاب «الوجوه والنظائر» لمقاتل بن سليمان البلخي (ت 150هـ) ، و «الوجوه والنظائر» أيضاً لهارون بن موسى الأزدي (ت 170هـ) ، و «كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه في القرآن المجيد» للمبرد (ت 285هـ) ، وكتاب «الأشباه والنظائر في الألفاظ القرآنية التي ترادفت مبانيها وتنوعت معانيها» للثعالبي (ت 429هـ) ، ومن الصنف الثاني كتاب «الأجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى» لأبي عبيد القاسم بن سلام(7/120)
(ت 224هـ) ، و «المنجد فيما اتفق لفظه واختلف معناه لعلي بن الحسن الهنائي الأزدي الملقب بكراع النمل (ت 310هـ) ... أما ما ورد ذكره ولم يصل إلينا أو وصل ولم يطبع وينشر من هذه الكتب فكثير (1) .
... وبالنسبة لكتب المشترك اللفظي التي وضعت تحت عنوان «الأضداد» فإنها على كثرتها وتفاوت أحجامها وأشكالها لا توحي بعناوينها بالاختلاف أو التباين من حيث المضمون. ولم يصل إلينا منها - على حد علمي - ما يشير عنوانه إلى خصوصية معينة أو تفرد بنوعية مميزة من المشترك اللفظي، أو الضد. ومن أبرز وأشهر ما ظهر من هذه المؤلفات: كتاب «الأضداد» لمحمد بن المستنير بن أحمد الملقب بقطرب (ت 206 هـ) ، و «الأضداد» لعبد بن محمد ابن هارون التوزي (ت 233 هـ) . و «الأضداد» ، لمحمد بن القاسم الأنباري (ت 327هـ) . و «الأضداد في كلام العرب» لأبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي (ت 359هـ) . و «الأضداد في اللغة» لناصح الدين بن المبارك الأنصاري (ت 569 هـ) . وقد قام الدكتور (أوغست هفنر) Haffner , A في عام 1913م كما سبقت الإشارة بنشر أربعة كتب للأضداد العربية في مجلد واحد لكل من أبي سعيد عبد الملك بن قُريب الأصمعي (ت 216هـ) وأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني (ت 250هـ) وأبي يوسف يعقوب بن اسحق السكيت (ت 244هـ) ، والحسن بن محمد بن الحسن الصغاني (ت 650 هـ) . علماً بأنه قد نشر بعض هذه الكتب كل على حدة في طبعات مستقلة (2) .(7/121)
.. ويعد كتاب «الأضداد» ، لمحمد بن القاسم الأنباري في نظر محققه محمد أبو الفضل إبراهيم. أكثر معاجم هذا النوع شواهد وأوضحها عبارة وأوسعها مادة، لأنه كما يقول: أتى على جميع ما ألف قبله وأربى عليه (1) ، إلا أن كتاب «الأضداد في كلام العرب» لأبي الطيب اللغوي الذي ألف كما يبدو من تاريخ وفاة مؤلفه بعد كتاب ابن الأنباري يضاهيه في الواقع في سعة المادة وبسط الشرح وكثرة الاستشهاد وجودة التنظيم، فقد اشتمل هذا الكتاب على (370) ضداً مرتبة في أصل الكتاب وفق التسلسل الهجائي (2) ، بينما تضمن كتاب ابن الأنباري (296) ضداً. وردت في أصل الكتاب على غير ترتيب معين. أما «كتاب الأضداد» للصغاني، فهو وإن لم يكن كسابقيه في الاستشهاد وزيادة الشرح والتوضيح إلا أنه تضمن كما يشير تسلسل الأرقام فيه (337) ضداً مرتبة على حروف المعجم (3) .
... ومع أن المؤلفات المذكورة وكتب ورسائل أخرى غيرها (4) مطبوعة ومنتشرة فإن أياً منها لا يمكن أن يشكل في الحقيقة معجماً متكاملاً، يشتمل على كل ما ورثناه من الأضداد ويتناسب من حيث المادة والمنهج في التصنيف والترتيب والشرح مع معطيات هذا العصر وحاجاته ومع طرق التصنيف اللغوي والتأليف المعجمي ومناهجه المتطورة.(7/122)
.. في بعض هذه الكتب ما لا يوجد في بعض آخر، وفي بعضها حوشي غريب يمكن الاستغناء عنه، لعدم حيويته وفاعليته في لغة العصر أو لمحدودية هذه الحيوية وهذه الفاعلية أو تخصيص كتب مستقلة بما يؤمل أن تكون له فائدة منه في المستقبل، بينما لا يشتمل أي من هذه الكتب بطبيعة الحال على ما خلقته ظروف الحياة الجديدة أو الحاضرة منها. هذا كله بالإضافة إلى ما ينقصها من التنظيم المحكم في الفهرسة والتبويب والترتيب والتصنيف والإخراج. وما يعوز أكثرها من دقة التحديد واختصار الشرح والاقتصار على ما يهم القارئ. حيث يغص الكثير منها بالروايات والاستطرادات والشواهد القرآنية والأبيات الشعرية والشروحات المطولة والتداخل في تفسير المواد، وما إلى ذلك مما عبر عنه وأيده ناصح الدين بن المبارك الأنصاري من قبل في مقدمته لكتابه المذكور ((الأضداد في اللغة)) (1) .
... يتألف كتاب «الأضداد» ، لمحمد بن القاسم الأنباري في طبعته التي بين أيدينا (2) على نحو المثال من (428) صفحة، لا تتضمن سوى (300) من ألفاظ الأضداد أو الألفاظ المشتركة (3) ، غارقة في حشد كبير من الشواهد القرآنية والشعرية والأحاديث النبوية الشريفة والأرجاز والأقوال المأثورة الأخرى التي تثبت صحتها أو صحة استعمالها أو تبين الاختلاف في نطقها أحياناً، مما يبلغ عدده (270) آية، و (53) حديثاً نبوياً و (762) بيتاً من الشعر و (100) من الأرجاز، هذا عدا أنصاف الأبيات، وأسماء الرواة والمحدثين والشعراء والمفسرين والفقهاء، وغير ذلك مما استغرق إحصاؤه وفهرسته بمجموعه (88) صفحة، أضيفت لصفحات المتن المبينة فجعلت من الكتاب سفراً ضخماً تبلغ مجموع صفحاته (517) صفحة.(7/123)
.. وقد تضمنت الشروح الواردة لعدد من ألفاظ الأضداد التي اشتمل عليها الكتاب المذكور كثيراً من الحشو والاستطراد والتوسع في ذكر أوجه الخلاف في تفسيرها وتحديد المفهوم منها وتباين القراء في نطقها إن كانت مما ورد في القرآن الكريم، وما قد يرد من اختلاف اللهجات في معناها أو في استعمالها. هذا عدا سلسلة الروايات التي تسرد أحيانا لتوثيقها وعدا ذكر الفروق بين كل كلمة منها وبين ما قد يقاربها في النطق أو يشابهها في الرسم والشكل وذكر بعض الفوائد النحوية والصرفية، وشرح بعض الشواهد الواردة على الكلمة وما إلى ذلك مما يدل على سعة اطلاع المؤلف وعميق معرفته وحسن تتبعه ويثري الكتاب ويفيد الباحث المتخصص المتعمق أو الأديب المتوسع، ولكنه لا يهم المثقف العام أو المتعلم الناشئ، بل إنه قد يصرفه عن الكتاب وعن متابعة البحث فيه عن مراده من الألفاظ التي عقد الكتاب في الأصل من أجلها..
... ورد شرح كلمة (الساجد) وحدها في الكتاب المذكور على نحو المثال في ما يقرب من أربع صفحات (1) ، تضمنت من الشواهد ثلاث آيات قرآنية و (18) بيتاً من الشعر مع شروحات وتعليقات عليها، وأسماء لثمانية من الشعراء ورواة الشعر، وشرحاً لستة من تصاريف الكلمة المذكورة. وإذا كان القارئ غير المتخصص محتاجاً لمعرفة مدلولات الكلمة التي تضمنتها الصفحات الأربع ومعرفة أوجه استعمالها في معانيها المجازية المتعددة، فإنه غير محتاج لذلك الكم من الشواهد والاستطرادات في الشرح والتعليق وبيان مختلف تصاريف الكلمة، وإن كان في الشواهد ما ينمي ذوقه الأدبي ويزيد من إطلاعه، فليس لديه من الصبر على استقصاء وتتبع كل التفاصيل والشروح أو التعليقات الملحقة بهذه الشواهد ليصل إلى بغيته من معرفة المعاني المشتركة للكلمة المقصودة، ولاسيما إذا كان في هذه التفاصيل وهذه الشروح كلمات وعبارات غامضة تحتاج بذاتها إلى شرح وتفسير.(7/124)
.. إن الكتاب المذكور بالصورة التي ورد ذكرها لا يمثل معجماً بالمفهوم الحديث والدقيق لهذا المصطلح، فالمعجم وفق هذا المفهوم لا يهمل الجمل السياقية ولا الأمثلة التوضيحية، ولكنه ((يشترط أن يكون مجموع الكلمات المستخدمة في الشرح محدودة العدد، ومقتصراً على الكلمات التي يفترض مسبقاً أن يكون مستعمل المعجم على علم بها)) (1) علماً بأن هذا الكتاب بصورته المبينة لا يختلف في الواقع كثيراً عن بقية كتب الألفاظ المشتركة التي سبق ذكرها وغيرها. فهي وغيرها مما لم يذكر تقريباً تحمل طابع الكتب الأدبية اللغوية العامة. ولذلك فالحاجة تبقى ماسة لمعجم شامل لكل ما ورث أو نشأ في عصرنا الحاضر من الألفاظ المشتركة المعاني.
... ولقد أحسن الدكتور (أوغست هفنر) Haffner , A حين جمع مصنفات كل من الأصمعي والسجستاني وابن السكيت والصغاني في الأضداد كلها في كتاب واحد وأخرجها في تحقيق موفق وتنسيق مقبول (2) ، إذ جعل ما احتوته هذه الكتب الأربعة من ألفاظ الأضداد كلها ضمن تسلسل رقمي واحد، بحيث يسهل على الدارس إحصاؤها، ووضع لهذه الألفاظ فهرساً موحداً جامعاً لها مرتباً إياها على حروف المعجم، فسهل على القارئ إمكانية الرجوع إليها والإحاطة بها، كما أرفق كل ذلك بفهارس مستقلة لأسماء الشعراء وقوافي الأبيات التي وردت ضمن شروحها فأفاد القارئ بها ونبه الدارس على ما في كتب المجموعة من مخزون أدبي واسع رائع. وبذلك يكون هذا المحقق قد جمع الكثير مما كان مفرقاً مشتتاً في إطار موضوعي واحد سهل المأخذ، يهيئ للباحث في موضوع هذه الألفاظ بلا شك جزءاً كبيراً من مادته.(7/125)
.. رغم ما سبق ذكره فإن هذا الكتاب في شكله ووضعه الحالي وبمجموع ما احتواه لا يصلح أن يكون معجماً لألفاظ الأضداد فضلاً عن كونه معجماً للألفاظ المشتركة المعاني بنحو عام، وإن كان يمكن أن مهيئاً ومشجعاً على تكوين معجم شامل جامع لها. فمناهج السرد والشرح والتعليق باقية فيه على صورتها الأصلية، وكثير من الألفاظ يتكرر ورودها وشرحها فيه، والنقل أو الاقتباس في بعض المصنفات المجموعة من بعضها الآخر وارد وكثير، ولم يكن بوسع المحقق بطبيعة الحال أن يحذف أو يغير في الأصول أو أن يعمد إلى تصفيتها مما تخللها من نواقص أو شوائب تتعلق بالنصوص ذاتها..
... لا أعرف للألفاظ المشتركة في اللغة العربية على عمومها معجماً أو كتاباً حديثاً خاصاً بها سوى: «معجم الألفاظ المشتركة في اللغة العربية» ، لعبد الحليم محمد قنبس، الصادر عن مكتبة لبنان عام 1987م، وهو كتاب مقبول الطباعة جيد الإخراج حسن العرض لمادته نوعاً ما، ولكنه ضئيل الحجم قليل المحتوى، قاصر عن الإحاطة بما وجد ووضع أو استجد من الألفاظ المشتركة المعاني، وبما استحدث وتطور من معاني هذه الألفاظ في العصر الحاضر.(7/126)
.. بذل صاحب هذا المعجم مجهوداً ريادياً يشكر عليه في جمع بعض الشتات مما كان في متناول يده من بعض المصادر القديمة للألفاظ المذكورة، معتمداً في أكثر ذلك على ما ورد منها في معجم «لسان العرب» لابن منظور الأفريقي وفي بعض الموروث من كتب اللغة العامة وكتب الأضداد. ولكنه لم يخضع مادة كتابه لغربلة تامة، كما أنه أهمل الكثير مما احتوته بعض الكتب الخاصة بالموضوع، وما اشتملت عليه المعاجم اللغوية العربية الحديثة من ألفاظ مشتركة ومن معان للألفاظ التي أوردها في كتابه. إضافة إلى ذلك فإنه لم يتبع في عرض وتوثيق معاني الألفاظ التي اختارها منهجاً موحداً ثابتاً من حيث التحديد والشرح، فهو يستشهد أو يمثل لبعض هذه المعاني من آيات من القرآن أو الحديث الشريف أو الشعر، بينما يسرد البعض الآخر منها دون توثيق أو تمثيل أو تعليق، كما أن الأمثلة ينقلها المؤلف من مصادرها في الغالب على علاتها، دون تحقيق كاف، ودون النظر إلى مدى صلاحيتها لتوضيح المعنى أو تحديده وتقريبه، أو مقدار ما يكتنفها هي نفسها من غموض أو ثقل أو غرابة أو تحريف أو تصحيف (1) .(7/127)
.. حبذا لو اقتدي بمن حرصوا على إغناء لغاتهم وتمكين أهلها منها من أبناء الشعوب المتقدمة ووضع للمتعلمين ولعموم المثقفين والاختصاصيين معجم حديث للكلمات متعددة الدلالات عامة، بنوعيها اللذين تحدثنا عنهما. يستمد مواده، ليس من ما ورثناه من كتب أو رسائل خاصة بهذه الألفاظ فحسب، وإنما يستمدها أيضاً من معاجم الألفاظ اللغوية العامة: القديم منها والحديث، ثم من النصوص الأدبية القديمة، لاسيما تلك النصوص الثرية بالألفاظ والمحسنات البديعية اللفظية من جناس وترصيع وطباق وغيره، كالرسائل الأدبية القديمة والمقامات والتوقيعات ونصوص الشعر, وأخيراً من نصوص التخاطب العصري الفصيح، المقروء منه والمسموع. ((فالحكم على دلالة اللفظ في نص ما أدق وأوثق مما لو استقيناه من المعاجم وحدها)) (1) .
... ويجدر الاستعانة بالحاسب الآلي والتقنيات الأخرى ذات الصلة بصناعة المعجم الحديث، في الرصد والتخزين والإحصاء والتحليل والغربلة والمقارنة والانتقاء والتصنيف والتنسيق والإخراج والمتابعة، من أجل تحقيق معجم شامل دقيق ميسر للمشترك اللفظي، أسوة بما تعمله المؤسسات اللغوية المتطورة في صناعة معاجمها.(7/128)
.. إن كتب المشترك اللفظي القديمة في معظمها - كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق - غنية بالأمثلة والشواهد القرآنية والشعرية والنثرية وبالاستطرادات والفوائد اللغوية والبلاغية والنقدية التي تهم الكثير من الدارسين والباحثين المتخصصين بلا ريب، إلا أنها قد تكون ثقيلة منفرة أو مشتتة للذهن بالنسبة لعامة المتعلمين والمثقفين في وقتنا الحاضر؛ لأن الشواهد والأمثلة التي تشتمل عليها هذه الكتب ربما كانت هي نفسها محتاجة للشرح والتفسير، وهذا ما يسبب التعثر أو الإبطاء في الوصول إلى الهدف المنشود. كما أن هذه الشواهد والأمثلة تظهر أو تجسد في كثير منها إن لم يكن معظمها الاستعمالات القديمة للمشترك اللفظي والمعاني التي لم تعد متداولة في الوقت الراهن، ولربما كان لذلك أثار إيجابية في فهم النصوص التراثية، ومن ثم في توثيق الارتباط بالتراث والاستفادة من تجاربه الفكرية والإبداعية النافعة. إلا أن المتعلم الحديث يهمه بالدرجة الأولى الاطلاع على ما بقي من تلك الاستعمالات حياً ساري المفعول مقبولاً في لغة الحاضر، وعلى ما تجدد وتطور واستحدث أو أضيف منها، ليتمكن من الجمع بين كل ما تتطلبه أنشطة التعبير في الحياة المعاصرة من المشترك اللفظي. ...(7/129)
.. بناء على ما تقدم ذكره فالحاجة تبقى ماسة لمعجم انتقائي سياقي للمشترك اللفظي في اللغة العربية. يرصد كل ما نشأ منه وتطور واستقر وتجددت حيويته في لغة العصر. ويتنكب الحوشي والغريب الثقيل الذي لم يعد مستعملاً أو ليس فيه من الحيوية والمرونة ما يكفي لإنعاشه وإدراجه في هذه اللغة أو استثماره في فهم النصوص التراثية. كما يتولى توضيح ما صعب تفسيره أو إدراكه من معاني هذه الألفاظ بالأمثلة السياقية المستمدة من لغة الحاضر المرنة الحرة الميسرة. ولا مانع أن تكون هذه الأمثلة منتقاة من النصوص التراثية الثرية الفاعلة المفهومة المقتصرة على تحديد المعنى المقصود ومد مستخدم المعجم بما يزيد من فائدته اللغوية أو البلاغية والفنية والمعرفية في آن واحد، ولكن دون استطراد أو إطالة. ولابد من الاستعانة في ذلك بما توصلت إليه النظريات الحديثة في إعداد مثل هذا المعجم وإخراجه (1) .
الحواشي والتعليقات
ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللغة، ترجمة د. كمال محمد بشر (القاهرة: مكتبة الشباب، 1975م) ، ص ص 60 -،61 112- 123؛،
John Lyons. Semantics (London: The Cambridge University Press, 1977) , vol.2 p.55 Ladislav Zgusta. Manual of Lexicography (Mouton Hague, Paris. 1971) , p.60 ff
انظر أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 112.
أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص،60 وص 112 - 113.
انظر جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق أبو الفضل إبراهيم وآخرين، (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، د. ت) ، ص 369.
اكتفينا في الأمثلة المبينة بذكر القريب المستخدم من هذه المعاني بغية التقريب والاختصار.
انظر الحسن ابن رشيق القيرواني، العمدة في صناعة الشعر ونقده، ط 4، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد (بيروت: دار الجيل، 1972م) ، ج،1 ص 321، ج2، ص 97.(7/130)
محمد بن القاسم الأنباري، كتاب الأضداد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (بيروت: المكتبة العصرية، 1407هـ/1987م) ، ص 374. يحتوى هذا الكتاب على (357) من الأضداد.
السيوطي، المزهر في علوم اللغة، ص 399.
لمزيد من التفصيل حول هذه المسألة أنظر د. احمد عبد الرحمن حماد، عوامل التطور اللغوي، دراسة في نمو وتطور الثروة اللغوية (بيروت: دار الأندلس، 1403/1982) ، ص ص 71- 84.
انظر ثلاثة كتب في الأضداد، للأصمعي وللسجستاني ولابن السكيت والصغاني، ويليها ذيل في الأضداد للصغاني، نشر وتحقيق د. (أوغست هفنر) Haffner , A بيروت: مطبعة اليسوعيين، 1912م) ، لقد وضع المحقق الألفاظ الواردة في الكتب الأربعة كلها وفق تسلسل واحد آخر رقم فيه هو (706) ، انظر ص248
انظر د. حسن ظاظا، كلام العرب: من قضايا اللغة العربية (بيروت: دار النهضة العربية، (1976، ص ص 108-113.
انظر د. ربحي كمال، التضاد في ضوء اللغات السامية: دراسة مقارنة (بيروت: دار النهضة العربية، 1975م. (
انظر، ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 114- 116.
السيوطي، المزهر في علوم اللغة، ص 370.
السيوطي، المصدر نفسه، ص 388.
الآيات على التوالي هي: الآية 88/ سورة الكهف،18 آية 12/سبأ 34، 61/الصافات 37، 79/ الكهف 18، 27/ الأنبياء 21، 13/ سبأ 34.
مقاتل بن سليمان البلخي، الأشباه والنظائر في القرآن الكريم، دراسة وتحقيق د. عبد الله محمود شحاته (القاهرة: الهيئة المصرية العامة، 1395هـ/1975م) .
المعجم العربي الأساسي للناطقين بالعربية ومتعلميها، تأليف وإعداد جماعة من كبار اللغويين العرب) تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1408هـ - 1988م) ، ص 914.
احمد عبد الرحمن حماد، عوامل التطور اللغوي، ص 73.
انظر د. محمود فهمي زيدان، في فلسفة اللغة (بيروت: دار النهضة العربية، 1405هـ/1985م) ، ص 106.(7/131)
يعقوب بن إسحق السكيت، كتاب الأضداد، هفنر، ثلاثة كتب في الأضداد، ص 163.
علي ابن إسماعيل ابن سيده، المخصص (بولاق، 1316هـ) ، ج3 ص 259.
ربحي كمال، التضاد في ضوء اللغات السامية، ص 4.
أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني: «كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب، والمزال عن جهته والأضداد» ، ثلاثة كتب الأضداد: للأصمعي وللسجستاني ولابن السكيت ويليها ذيل للصغاني، نشر وتحقيق د أوغست هفنر (بيروت: مطبعة اليسوعيين، 1912م) ، ص 127.
المصدر السابق نفسه، ص 117.
جوزيف فندريس Vendryes، اللغة، تعريب عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص (القاهرة: مطبعة لجنة البيان العربي، 1370هـ /1950) ، ص254.
السيوطي، المزهر، ج1، 369؛ أولمان، دور الكلمة ص 127، اسباب نشوء المشترك؛ حماد، عوامل التطور اللغوي، ص 74 - 75.
د. تمام حسان، مناهج البحث في اللغة (الدار البيضاء: دار الثقافة، 1400هـ - 1979م) ، 281
انظر د. أحمد محمد قدور، مدخل إلى فقه اللغة العربية، بيروت دار الفكر المعاصر، 1413هـ - 1993م، ص ص 198 - 200؛ ولمزيد من التفصيل في ذلك راجع د. توفيق محمد شاهين، المشترك اللغوي نظرية وتطبيقاً، القاهرة: مكتبة وهبة، 1400هـ - 1980م؛.
حسن ظاظا، كلام العرب: من قضايا اللغة العربي، ص ص 110 - 111.
انظر د. إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ط6 (القاهرة: دار المعارف، 1986م) ، ص ص 113 -114. وابن دستروية هو عبد الله بن جعفر، وقد أنكر وجود الاشتراك اللفظي في كتابه المسمى ب «شرح الفصيح» ، ونسب معظمه إلى المجاز والكناية وإلى الصدف التي لا يقصد بها الوضع.
لقد أورد السيوطي أمثلة كثيرة من المشترك اللفظي من الأفعال والأسماء وعلى الأضداد التي عدها السيوطي نفسه نوعاً من المشترك، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، انظر: المزهر في علوم اللغة، ج 1، ص ص 370 - 384، وص ص 389 - 396.(7/132)
نقل بتصرف عن د. تمام حسان، اللغة العربية: معناها ومبناها، ط3 (القاهرة: الهيئة المصرية العامة، 1985م) ، ص163.
انظر جاروسلاف ستتكيفتش، العربية الفصحى الحديثة: بحوث في تطور الألفاظ والأساليب، ترجمة وتعليق د. محمد حسن عبد العزيز (القاهرة: دار الفكر العربي، 1405هـ 1985م (، ص 170.
انظر إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ص 131.
د. تمام حسان، اللغة العربية: معناها ومبناها، ص 320.
انظر إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ص 134 - 135؛ انظر كذلك د. عبد القادر أبو شريفة وآخران، علم الدلالة والمعجم العربي (عمان: دار الفكر للنشر والتوزيع، 1409هـ - 1989م (، ص 81.
انظر د. أحمد مختار عمر، علم الدلالة (الكويت: مكتبة العروبة، 1982م) ، ص179؛ د. أحمد قدور، مدخل إلى فقه اللغة العربية (بيروت: دار الفكر المعاصر، 1413هـ - 1993م) ، ص 201.
السجستاني: «كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب، والمزال عن جهته والأضداد» ، ثلاثة كتب ... في الأضداد: انظر رقم 167ص 114 ورقم 220 ص 137.
د. تمام حسان، اللغة العربية: معناها ومبناها، ص 320.نقل بتصرف
د. حلمي خليل، العربية والغموض: دراسة لغوية في دلالة المبنى على المعنى (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1988م) ، 109، 114؛ ربحي كمال، التضاد في ضوء اللغات السامية، ص3. انظر كذلك المزهر ج1 ص 385.
السيوطي، المزهر، ج 1، ص 385.
محمد بن القاسم الأنباري، كتاب الأضداد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت المكتبة العصرية 1407هـ 1987م، ص 1 وما بعدها. انظر كذلك السيوطي، المزهر في علوم اللغة، ج1 ص ص397 - 398
ضياء الدين بن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تقديم وتعليق د. أحمد الحوفي ود. بدوي طبانة (القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر، د. ت) ، ج1 ص 51.
ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 116-117.(7/133)
انظر: William Empson, Seven Types of Ambiguity,Chatto and Windus, London, 1930; 1947. ...
ابن رشيق القيرواني، العمدة في صناعة الشعر ونقده، ج،1 ص 274.
د. عبد القادر الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية: نماذج تركيبية ودلالية
(بغداد: دار تويفال، د. ت) ، ص 206.
المزهر ج،1 ص 369؛ انظر كذلك أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، المستصفى في علم الأصول (القاهرة: بولاق، 1322هـ) ، ج،1 ص 198.
د. احمد عزت راجح، أصول علم النفس (القاهرة: دار المعارف 1987) ، ص339.
د. أحمد محمد المعتوق، الحصيلة اللغوية: أهميتها - مصادرها - وسائل تنميتها، عالم المعرفة، (212) ، ربيع الأول 1417هـ - أغسطس /آب 1996م الكويت، ص ص 219 - 221.
المعتوق، الحصيلة اللغوية، الهوامش، ص 347.
ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 114 - 115.
د. درويش الجندي، الرمزية في الأدب العربي (القاهرة، مكتبة نهضة مصر، 1958م) ، ص 253
انظر د. محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري: استراتيجية التناص، ط2 (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1986م) ، ص 40. وحول دور بعض هذه المحسنات البلاغية أو اللعب اللغوية كما أطلق عليها المؤلف، انظر ص39
وما بعدها.
ضياء الدين بن الأثير، المثل السائر، ج1 ص 51.
تقي الدين ابن حجة الحموي، خزانة الأدب وغاية الإرب (بيروت: دار ومكتبة الهلال، 1987م) ، ج1 ص 74. وقد تحدث الحموي عن الجناس وأنواعه وأورد الكثير من الأمثلة الشعرية عليه في 47 سبع وأربعين صفحة من كتابه المذكور، انظر ج1 ص ص 54 - 101.
يحيى بن حمزة العلوي اليمني، الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1403هـ - 1983م) ، ج2ص55.(7/134)
البهاء السبكي أحمد بن علي، عرس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، ضمن مجموعة: شرح التلخيص (وهي مختصر العلامة سعد الدين التفتازاني على تلخيص المفتاح للخطيب القزويني ومواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح لابن يعقوب المغربي وعرس الأفراح لبهاء الدين السبكي) ، ط 4، أربعة أجزاء (بيروت: دار البيان العربي، 1412هـ -
1992م) ، ج4، ص ص 412-413.
انظر (تزفتان تودروف) : «الأدب واللغة» . عن كتاب اللغة والخطاب الأدبي، اختيار وترجمة سعيد الغانمي (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1993م) ، ص ص 45 - 46.
ابن رشيق القيرواني، العمدة، ج1، ص 170. والإيطاء في العروض كما يمكن أن يكون معروفاً لدى القارئ الكريم هو تكرار القافية لفظاً ومعنى قبل سبعة أبيات أو عشرة، وهو عيب من عيوبها
الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، شرح وتعليق د. محمد عبد المنعم خفاجي (بيروت: دار الكتاب اللبناني 1405هـ/1985م) ، ج1، ص 543.
المصدر السابق، ص ص 543 - 547؛ د. بدوي طبانة، معجم البلاغة العربية (جدة: دار المنارة للنشر والتوزيع، 1408هـ/1988م) ، ص ص 241- 247.
ابن رشيق القيرواني، العمدة، ج،1 ص ص 334 -335.
عز الدين اسماعيل، الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية (القاهرة: دار الكاتب العربي، 1967م) ، ص ص173 - 174. انظر كذلك د. سعيد الورقي، لغة الشعر العربي الحديث، مقوماتها الفنية وطاقاتها الإبداعية، ط 3 (بيروت: دار النهضة العربية، 1404هـ - 1984م) ، ص 63
محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث، ط3 (القاهرة: دار ومطابع الشعب ط3، 1964م) ، ص 415
رتشاردز. مبادئ النقد الأدبي، ترجمة محمد مصطفى بدوي (القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للكتاب، 1963م) ، ص 192.(7/135)
ابن الأثير، ج1 88/89 وص84- 85؛ يحيى بن حمزة بن علي العلوي اليمني، كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز (بيروت: دار الكتب العلمية، 1402هـ/1982م) ، ج1 ص 43-44 197،.
انظر جان كوهن، بنية اللغة الشعرية، ترجمة محمد الولي ومحمد العمري (الدار البيضاء: دار تويفال للنشر، ص ص 47 54؛ انظر توفيق الزيدي، أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث) تونس: الدار العربية للكتاب، 1984م) ، ص ص 87 - 88. ...
انظر على سبيل المثال د. عبد الفتاح لاشين، الخصومات البلاغية والنقدية في صنعة أبي تمام، القاهرة دار المعارف، 1982م، ص ص190 - 207. وصفحات متفرقة غيرها.
انظر، ابن منظور، لسان العرب، تحقيق عبد الله علي الكبير وآخران، القاهرة، دار المعارف، ج 4، ص 3186، مادة عير.
كان من بين هؤلاء النقاد أبو الحسن حازم القرطاجني (ت 684هـ) ، انظر: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجه (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1981م) ، ص 185.
انظر عبد الله بن مسلم ابن قتتيبة، تأويل مشكل القرآن، تحقيق السيد أحمد صقر (بيروت: المكتبة العلمية
1401هـ - 1981م) ، ص 447 448، وكذلك الصفحات، 275 - 298.
انظر د. حلمي خليل، العربية والغموض (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1988م) ، «الأصوليون والغموض» ص 71 - 91..
السجستاني، «كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب والمزال عن جهته والأضداد» في: ثلاثة كتب في الأضداد
ص 72.
انظر أحمد الشرقاوي إقبال، معجم المعاجم: تعريف بنحو ألف ونصف ألف من المعاجم العربية التراثية، ط 2
(بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1993م) ، ص ص290 - 292.
انظر د. ربحي كمال، التضاد في ضوء اللغات السامية، ص 18
انظر محمد بن القاسم الأنباري، كتاب الأضداد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (بيروت: الكتبة العصرية(7/136)
1407هـ - 1987م) ، مقدمة المحقق، ص ج.
انظر عبد الواحد بن علي اللغوي اللغوي الحلبي، الأضداد في كلام العرب، تحقيق د. عزت حسن (دمشق، 1963م
انظر الصغاني، «كتاب الأضداد» في: ثلاثة كتب في الأضداد، ص ص 222 - 248.
انظر أحمد الشرقاوي إقبال، معجم المعاجم، ص ص 290 - 301؛ ربحي كمال، التضاد في ضوء اللغات السامية
«المؤلفون في الأضداد» ص ص 18 - 19؛ محمد ابن القاسم الأنباري، كتاب الأضداد مقدمة المحقق ص ص: ب -ج
ناصح الدين سعيد بن المبارك بن علي الأنصاري، «الأضداد في اللغة» ، ضمن مجموعة بعنوان:نفائس المخطوطات، تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين (النجف، 1963م) ، مقدمة المؤلف.
محمد بن القاسم الأنباري،، كتاب الأضداد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، (بيروت، المكتبة العصرية
1407هـ - 1987م) . وهذه الطبعة تعد أحسن الطبعات التي صدرت لهذا الكتاب - حسب علمي - فالكلمات فيها مرقمة، وقد ألحقت بالكتاب فيها فهارس لألفاظ الأضداد الواردة في الكتاب، وللآيات، والأحاديث، والأبيات الشعرية، والأرجاز، وأنصاف الأبيات، والأعلام والقبائل والأمم والأماكن التي ورد ذكرها فيه، هذا بالإضافة إلى جودة الطباعة وحسن الإخراج.
هذا حسب ما ورد في فهرست «الألفاظ الأضداد» الملحق بالكتاب في طبعته التي اعتمدناها، أما ما ورد ترقيمه في المتن، فقد بلغ تعداده (357) حرفاً. كما أطلق عليها مؤلف الكتاب.
انظر محمد بن القاسم الأنباري، كتاب الأضداد، ص ص 294 - 297.
د. أحمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، (القاهرة، عالم الكتب، 1418 هـ - 1998م) ، ص 126.
سبق ذكر هذا الكتاب، وقد جاء كما تبين بعنوان: ثلاثة كتب الأضداد: للأصمعي وللسجستاني ولابن السكيت ويليها ذيل في الأضداد للصغاني، نشر أوغست هفنر، بيروت: مطبعة اليسوعيين، 1912م.(7/137)
انظر على سبيل المثال، الشواهد المرفقة بالكلمات: الحال، حملج، الخال، الرتب، رزح، رزز، كسس، كفل
إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ص 213.
انظر في ذلك أحمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، «الفصل الثالث: الخطوات الإجرائية والتنفيذية لعمل معجم. ص ص 65 - 112.(7/138)
الكم الزمني لصويت الغنة في الأداء القرآني
د. يحيى بن علي المباركي
الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية - كلية الآداب والعلوم الإنسانية -
جامعة الملك عبد العزيز
ملخص البحث
يحاول هذا البحث أن يقف بطريق التجريب والتطبيق على حقيقة الكم الزمني لصويت الغنة في الأداء القرآني. وهذا الكم الزمني يعد صفة لازمة لبعض الأصوات في اللغة العربية كالميم والنون وما في حكمهما. والوسيلة التي لجأ إليها العرب في أدائهم لأصوات لغتهم حين عمدوا إلى إطالة زمن صويت الغنة في كل من الميم والنون وما في حكمهما، عندما تسبق غيرها من الحروف في اللغة العربية، فيما عرف عند أهل الأداء بعد ذلك بأحكام النون والميم الساكنتين وما في حكمهما، من وجوب إظهار لصويت الغنة دون إطالة لزمنه في بعض الحروف، أو إدغامه فيها عند مجاورته لها في الأداء، أو إطالة لزمن صويت الغنة المنطوق معها، أو إبقاء له دون إدغام مع الحرص على إخفائه عندها والإتيان به مع بعض هذه الحروف على نحو يتفاوت كمه وزمنه بناء على قرب مخرج هذا الحرف أو بعده من مخرجي الميم والنون وما في حكمهما. وقد قسم هذا البحث إلى قسمين:
قسم نظري: تناول أهمية هذا البحث، وتعريفا بصويت الغنة، ومحله مع بعض الحروف في اللغة العربية، وكيفية أدائه ومقداره ومراتبه، وأنواع تأثر النون والميم الساكنتين وما في حكمهما بما بعدها من أصوات في اللغة العربية، وأهداف البحث.(7/139)
قسم تطبيقي تجريبي: قام على إدخال نص من القرآن الكريم (هو سورة يونس عليه وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة وأتم التسليم) إلى الجهاز الصوتي (Sona- Graph Model 5500) بأصوات أربعة من القراء المجيدين المعاصرين هم على الترتيب: محمود خليل الحصري، ومحمد صديق المنشاوي، وعبد الباسط محمد عبد الصمد، وعلي بن عبد الرحمن الحذيفي، على طريقة الترتيل، ثم تم استخلاص المتوسط العام لكل لفظ ورد فيه صويت الغنة في آي هذه السورة الكريمة للوقوف بجلاء على قيمة الكم الزمني لصويت الغنة والتأثيرات التي تطرأ على هذه القيمة طولا وقصرا في الأداء السياقي.
• • •
مقدمة:(7/140)
تتأثر الأصوات اللغوية بعضها ببعض عند النطق بها في الكلمات والجمل. ويتأثر الصوت اللغوي بما يجاوره من أصوات تألفت معه في السياق ووردت قبله أو بعده مباشرة أو مفصولة عنه بفاصل. ويؤدي ذلك إلى حدوث ظواهر لغوية كثيرة تتناول ظواهر كثيرة تتناول كثيرا من جوانب اللغة وأهمها الأصوات. وقد وجد أن هذا التجاور أو الورود في السياق هو المسئول الرئيس فيما قرره علماء الأصوات عما يصيب بعض الحروف داخل البنية اللغوية من إدغام أو إبدال أو نقل أو حذف …إلخ. وتمثل ظاهرة الإدغام بجميع صوره دليلا قويا على مدى تأثر أصوات الحروف بعضها ببعض إذا تجاورت في الكلمات أو الجمل حيث يترتب على تجاور صوتين متماثلين أو متجانسين أو متقاربين أن أحدهما يفنى في الآخر بحيث ينطق بالصوتين صوتا واحدا كالتالي، أو يقرب أحدهما مخرجا أو صفة من الآخر الأمر الذي يؤدي إلى أن ينتقل الصوت من مخرجه الأصلي الذي ينطق منه إلى مخرج آخر قريب من مجاوره فيستبدل به أقرب الأصوات إليه في هذا المخرج الجديد أو صفته. وعلى هذا الأساس تتغير مخارج بعض الأصوات أو صفاتها لكي تتفق في المخرج أو الصفة مع الأصوات الأخرى المحيطة بها في البيئة اللغوية، فيحدث عن ذلك نوع من التوافق والانسجام. ويشترط لحدوث هذه الظاهرة الصوتية بهذه الكيفية في المدغم أن يلتقي الحرفان خطا، سواء التقيا لفظا أم لا، فدخل نحو " إنه هو " فلا تمنع الصلة من إدغام المثلين، وخرج نحو " أنا نذير " لوجود فاصل هو ألف المد، وفي المدغم فيه كونه أكثر من حرف، وإن كان من كلمة ليدخل نحو " وخلقكم "، ويخرج نحو " نرزقك " و " خلقك "، ووجه ذلك إما التماثل: وهو أن يتحد الحرفان مخرجا وصفة كالنون الساكنة في مثلها والباء في مثلها، وإما التجانس: بأن يتحد الحرفان مخرجا وصفة كالميم الساكنة في الباء والثاء في الذال، وإما التقارب: وذلك بأن يتقاربا مخرجا أو صفة، أو مخرجا وصفة مثل: النون(7/141)
الساكنة في اللام وكذا الميم الساكنة في النون ولا بد في هذه النون الساكنة (أو الناشئة عن التنوين (1) والميم الساكنة حتى تتأثر بالأصوات التي تجاورها أو تؤثر هي فيها أن يكون التقاؤها بها مباشرا بحيث لا يفصل بينها أي فاصل كان ولو كان هذا الفاصل حركة قصيرة. ولا يتم هذا إلا حين يكون الصوت الأول غير متبوع بحركة (ساكنا) . ويتوقف تأثر النون الساكنة بما يجاورها من أصوات إضافة إلى ما سبق على نسبة قرب المخرج أو الصفة. وتعد النون بعد اللام أكثر الأصوات الصامتة شيوعا في اللغة العربية. وهي من الناحية الأخرى معدودة مع الميم من الأصوات المتوسطة (بين الشدة والرخاوة) . وتخرج بعض هذه الأصوات (النون والراء واللام) من طرف اللسان أو وسطه. وتعد من أكثر الأصوات العربية تأثرا بالنون الساكنة والتنوين وأوضحها من الأصوات الأخرى، وهذه الأصوات المتوسطة خمسة على القول الراجح مجموعة في قولهم " لن عمر ". وعلى هذا فإن أحوال النون الساكنة (أصلا أو الناشئة عن التنوين) حال التقائهما بما يجاورهما من أصوات في الكلمات أو الجمل يعرض لهما من الظواهر اللغوية في اللغة العربية ما لا يشركهما غيرهما من الأصوات الأخرى؛ وذلك لسرعة تأثرهما بما يجاورهما من أصوات الفم إما بفنائهما فيها وإما بقلبهما من جنسها وإما بتقريبهما من مخرجها وإكسابها شيئا من صفاتها كصويت الغنة مثلا. ويبدو أن هذا الإجراء الصوتي الذي يسلكه صوت النون في العربية قد حدث من فترات موغلة في القدم مما جعل القراء يرحمهم الله يعتنون به أشد عناية، ويعقدون له فصولا في كتبهم ومختصراتهم، ويضعون قواعد خاصة بالنون يفرقون بها بين النطق المروي عن فصحاء العرب للنون وبين ذلك النطق الذي شاع في لهجات الكلام بعد اتساع رقعة الدولة العربية. والوسيلة التي لجأ إليها القراء لإعطاء النون بعض حقها الصوتي مع غير أصوات الحلق هي صويت الغنة. فصويت الغنة المصاحب(7/142)
للنون هو الذي حال بين النون وفنائها في غيرها من الأصوات التي تجاورها، فحرصوا لذلك على المبالغة في الجهر بصويتها عند مجاورتها أصوات الفم احترازا من أن يقرأ القرآن الكريم كما يتكلم الناس في أحاديثهم الدارجة. لأن النون في تلك الأحاديث مالت فيما يظهر إلى الفناء في غيرها من الأصوات دون أن تخلف أية إشارة تنبىء عنها. وليس صويت الغنة المصاحب للنون الساكنة إلا إطالة لصوت النون مع تردد موسيقي محبب فيها كما سنرى ذلك في موضعه. فالزمن الذي يستغرقه النطق بصويت الغنة المصاحب للنون الساكنة هو تقريبا ضعف ما تحتاج إليه النون المظهرة، وليس هذا إلا للحيلولة بين صوت النون الساكنة والفناء في غيرها. ندرك ذلك ونتبينه عند مقارنة نطق النون الساكنة في الكلمات التالية:
من نور (النور 40) وإن أحد (التوبة 6)
من مال (المؤمنون 55) من هاجر (الحشر 9)
ينبت (النحل 11) من عمل (النحل 97)
من وال (الرعد 11) من حاد (المجادلة 22)
ومن يقل (الأنبياء 29) من خيل (الحشر 6)
إن جاءكم (الحجرات 6) من غل (الأعراف 43)
حيث نلاحظ أن إطالة التصويت بصويت الغنة المصاحب للنون الساكنة المدغمة أو المخفاة عند مجاورتها لأصوات المجموعة الأولى وتقصيره عند مجاورتها لأصوات الحلق في المجموعة الثانية إنما جاء نتيجة الفرق في أداء المدة الزمنية بين النون المظهرة والنون الساكنة المدغمة أو المخفاة المصاحبة لصويت الغنة الظاهر من ناحية، وتطور صوت النون وميله إلى مخرج الصوت المجاور، أو تقريبه إلى صوت بينه وبين النون علاقة ومؤاخاة من ناحية أخرى (1) .
ظاهرة صويت الغنة في بعض الأصوات العربية:(7/143)
1. تعريف صويت الغنة: قال في الصحاح: الغنة صوت في الخيشوم. والأغن: الذي يتكلم من قبل خياشيمه، يقال: ظبي أغن (1) . وقال في أساس البلاغة: غنن: الظبي أغن، لأن في ترنينه غنة وهي ترخيم في صوته من نحو الخياشيم بعون من نفس الأنف، والنون أشد الحروف غنة (2) . وقال في الجمهرة: الغنة: صوت من اللهاة والأنف نحو النون الخفيفة، لاحظ للسان فيها مثل نون عنه ومنه لاحظ لهما في اللسان وذلك أنك إذا أمسكت أنفك أخل بهما ذلك (3) . وقال في المغرب: هي صوت من اللهاة والأنف مثل نون منك وعنك لأنه لاحظ لهما في اللسان، والخنة أشد منها، قال أبو زيد: الأغن الذي يجري كلامه في لهاته، والأخن: الساد الخياشيم (4) . وقال في المصباح المنير: الغنة: صوت يخرج من الخيشوم والنون أشد الحروف غنة، والأغن: الذي يتكلم من قبل خياشيمه ورجل أغن، وامرأة غناء تتكلم كذلك (5) . وهي تعني عند القراء: صوتا مركبا في جسم النون ولو تنوينا والميم مطلقا،وهي صوت في الخيشوم لا عمل للسان فيه (6) . وقالوا: هي صوت لذيذ مركب في جسم النون والميم في كل الأحوال فهي ثابتة فيهما مطلقا (7) .قيل: وسمي كذلك لأنه سبيه بصوت الغزالة إذا ضاع ولدها (8) . وقالوا: هي صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه ينقطع عند إمساك الأنف (9) . وقالوا: يقال لحرفي النون والميم حرفا غنة لما فيهما من الأغنان المتصلة بالخيشوم (10) . وقالوا: الغنة صوت يخرج من الخيشوم وهي ثابتة في النون والميم الساكنتين وفي التنوين، ويشبه وجودها في النون المد واللين (11) .(7/144)
2.حقيقة صويت الغنة: اختلف القدماء من علماء اللغة العربية والنحو والقراءات حول ماهية صويت الغنة وحقيقته ومخرجه وموقعه وطريقة تأثيره في الحرف الذي يتبعه وكيفية أدائه فمن قائل إنها صوت (حرف) له مخرج خاص به وينسب إليه وأول من أشار إلى ذلك سيبويه يرحمه الله في كتابه (1) وتبعه قدامى اللغويين والنحاة العرب (2) وبعض القراء (3) ، ومن قائل إنها ليست حرفا وهذا هو ظاهر كلام الحافظ ابن الجزري في الطيبة والمقدمة الجزرية حيث يقول فيها " وغنة مخرجها الخيشوم " وممن صرح من المتقدمين زمنا على الحافظ ابن الجزري بخروج صويت الغنة من الخيشوم فقط دون حروفها الإمام أبو الحسن بن بري (4) ، ومنهم من توسط بين الأمرين فقال إنها حرف في الإدغام بالغنة والإخفاء وصفة في غيرهما (5) . ومرد هذا الاختلاف في رأينا إلى الصورة الصوتية المنطوقة بإزاء الحقيقة الفنولوجية: ففونيم النون مثلا كأي صوت لغوي له صورة ذهنية وصورة صوتية، وقد تتعدد الصور الصوتية للصوت اللغوي أو للفونيم، ومن هنا كانت مقولة (عائلة الفونيم أو أفراده …) ، والنون كفونيم لها صور صوتية عدة، صورة في حالة الإظهار، وثانية في حالة الإدغام بدون غنة، وثالثة في حالة الإدغام بغنة، ورابعة في حالة الإخفاء، وخامسة في حالة الإقلاب وهكذا … وبما أن النون تتكون من مخرج وصفة (هي الغنة) ، ففي حالة الإدغام بغنة والإخفاء لا يبقى من النون إلا الصفة وهي الغنة، وعلى ذلك فهذه الغنة هي الممثل للنون بمعنى أنها صورة من صور فونيم النون، وبناء عليه يفسر قول من قال: إنها حرف في حالة الإدغام بغنة والإخفاء، أما في غير ذلك أي عندما تكون النون منطوقة بمخرجها وصفتها فإن الغنة حينئذ تكون مضافة إلى المخرج.
ولعل القول بأن الغنة صويت وليس بحرف (صوت) هو القول الذي إليه أميل وبه أقول يؤيد ذلك:(7/145)
1. إجماع القدماء من اللغويين والنحاة والقراء في تعريفهم للغنة السابق على أنها صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه ويؤخذ من هذا القول أمران:
الأول: أن الذي يخرج من الخيشوم هو صويت الغنة فقط لا حروفها.
الثاني: أن الغنة ليست حرفا كما في إطلاق بعضهم أو تخصيصه لأن الحرف يعمل فيه اللسان أساسا لإخراجه وصويت الغنة ليس كذلك بل هو صفة تابعة لموصوفها اللساني أو الشفوي أي النون والميم: الأمر الذي أوجب إلحاقها بالصفات اللازمة المشهورة التي لا ينفك عنها هذان الصوتان البتة، وتعد الغنة صفة جوهرية مشخصة لهذين الصوتين (الميم والنون وما في حكمهما) فقط،وتكتسب هذه الصفة عن طريق مرور الهواء من الأنف، وقد عدها من الصفات جمع من العلماء كالإمام ابن بري في الدرر اللوامع (1) .
2. إجماع القدماء من علماء اللغة العربية والنحو والقراءات أيضا على أن حروف الهجاء تسعة وعشرون حرفا على القول الراجح وليست الغنة واحدا منها. ولعل من ذكرها في المخارج نظر إلى أن لها مخرجا وهو الخيشوم خاصة وهو خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم، وقيل هو أقصى الأنف ودليل ذلك ما ذكره سيبويه يرحمه الله أنك لو أمسكت بأنفك ثم نطقت بالنون ساكنة لوجدتها مختلة، وأما النون المتحركة فمن حروف الفم إلا أن فيها بعض الغنة من الأنف (2) ، وعدها منها تغليبا للحروف عليها، وأنه محمول على أن مخرج الغنة محقق من أقصى الأنف ثم يجري فيه (3) .
3. محل صويت الغنة: أما محلها فيمكن النظر إليه في ضوء ما قاله القدماء من القراء وأهل الأداء مقارنا بتصورنا نحن المحدثين من الأصواتين حيث وظفت الحقائق الفيسيولوجية والصوتية عند التأمل في نطق هذه الظاهرة اللغوية:(7/146)
1. فقد مال أكثر القدماء من القراء وأهل الأداء إلى أنه في كل من النون والميم المشددتين وكذلك النون الساكنة والتنوين في حالة إدغامهما في النون وكذلك الميم الساكنة المدغمة في مثلها أو المخفاة لدى الباء سواء كانت أصلية أو مقلوبة من النون الساكنة والتنوين فلا يتحول موقعها إلى الخيشوم بل يظل ثابتا في مخرجه الأصلي الذي هو طرف اللسان بالنسبة للنون والتنوين وبين الشفتين بالنسبة للميم، وأما النون الساكنة والتنوين في حالة إدغامهما بالغنة في (الياء والميم والواو) فينتقل مخرجهما من طرف اللسان إلى مخرج المدغم فيه نفسه وليس إلى الخيشوم جريا على القاعدة الصوتية في أن الإدغام في المثلين يستلزم إبدال المدغم من جنس المدغم فيه وخروج الأول من مخرج الثاني وصيرورته حرفا مشددا، فإذا أدغمت النون الساكنة والتنوين في الميم نجد أن مخرجهما قد تحول من طرف اللسان إلى مخرج المدغم فيه وهو الشفتان، وإذا أدغمت في الواو والياء نجد أن مخرجهما قد تحول من طرف اللسان إلى مخرج المدغم فيه (الواو والياء) وهنا نجد أن النون الساكنة والتنوين في حال إدغامهما في الميم والواو كان مخرجهما من الشفتين، وفي حال إدغامهما في الياء كان مخرجهما من وسط اللسان. أما في حالة إخفائهما فلا ينتقلان إلى الخيشوم ولا يستقران في طرف اللسان الذي هو مخرجهما الأصلي بل ينطق بهما قريبين من مخرج الحرف الذي يخفيان عنده من غير أن يبدلا من جنسه كما في الإدغام لأن الإبدال حينئذ يأتي بالتشديد والإخفاء لا تشديد معه. وهذا هو مقتضى تعريف الإخفاء الذي يقرر أنه عبارة عن النطق بحرف ساكن خال من التشديد على صفة بين الإظهار والإدغام مع بقاء الغنة في الحرف الأول والمراد به هنا النون الساكنة والتنوين فوجود الغنة في الحرف الأول مع النطق به ساكنا غير مشدد بين صفتي الإظهار والإدغام يتطلب نقل النون الساكنة والتنوين من طرف اللسان إلى قرب مخرج الحرف الذي(7/147)
يخفيان عنده (1) . والرأي عند معظم أهل الأداء أنه متى كان المدغم فيه حرفا أغن كانت الغنة ظاهرة للمدغم فيه كالنون بخلاف الواو والياء فإنهما لما كانا حرفين غير أغنين كانت الغنة فيهما للمدغم (2) ، واختلفوا مع الميم فذهب ابن كيسان النحوي وابن مجاهد المقرىء ونحوهما إلى أنها غنة النون تغليبا للأصالة، وذهب الجمهور إلى أنها غنة الميم كالنون في أنه غنة المدغم فيه وهو اختيار الداني والمحققين وهو الصحيح لأن الأولى قد ذهبت بالقلب عندهم فلا فرق في نظرهم بين (من من) وبين (أم من) وهذا بخلاف الواو والياء فإنهما لما كانا غير أغنين كانت الغنة فيهما للمدغم (3)
2. نرى نحن المحدثين من الأصواتيين في تحليلنا لهذه الظاهرة الصوتية (صويت الغنة) التي تصحب النون والميم وما في حكمهما عند التقائها بأصوات الحروف في الأداء القرآني شيئا آخر، فبعد التأمل في كيفية أداء الناطقين لهذه الظاهرة الصوتية من الناحية الفسيولوجية في ضوء بعض الحقائق الصوتية التي تمدنا بها الأجهزة المختبرية الحديثة كما أشارت إليها هذه الدراسة التي بين أيدينا نرجح بعض الأمور:(7/148)
1. أن النون الساكنة وما في حكمها مثلا تنطق كاملة مع الإظهار من مخرجها الذي هو طرف اللسان، وبصفتها وهي الغنة التي تنطق من الأنف. وتؤدى مع الإدغام بدون غنة مع اللام والراء حيث تتحول إلى لام مع اللام، وراء مع الراء، فيضيع مخرجها وصفتها، وتنطق مع الإدغام بغنة عن طريق إلغاء المخرج وإبقاء الصفة التي هي الغنة (والتي مخرجها من الأنف أو الخيشوم) ، وأثناء النطق بها في الإدغام بغنة مع أصوات الحروف (ي، و، م) مثلا يحدث تزامن في النطق، فيخيل للسامع أن الياء مثلا في " من يهدي " مشددة، وأن الواو مثلا في " من وال " مشددة كذلك … إلخ، وليس هناك تشديد في الحقيقة، إذ لو كان هناك تشديد للاحظنا على صورة المطياف ما يوحي بذلك، ولسمعنا الياء والواو في هذين المثالين ونحوهما من آي القرآن الكريم مشددتين بدون غنة، لكننا نسمع الغنة مع نطقنا للنون الساكنة الواردة قبلهما كذلك ونلاحظ امتداد المكونات أو المعالم لصويت الغنة على صورة المطياف من القاعدة إلى القمة (من المكون الأول إلى الثامن) ، وانتظام حزمه الصوتية التي نراها في هيئة بقع سوداء داكنة وانتشارها دون انقطاع من بداية النطق به إلى انتهائه في السلسلة الكلامية،وهو ما نلاحظه بصفة عامة في الطريقة التي يسلكها صوت المد في الأداء السياقي، مما يرجح القول بأن هناك تشابها واضحا بين صويت الغنة وصوت المد (الحركة الطويلة) في النطق والمكونات، المسألة إذن تزامن نطق وليس تحويل مخرجهما ونحوهما كما نص القدماء من علماء القراءات على ذلك إلى مخرج النون أو العكس. أما في الإخفاء فيرى المحدثون من الأصواتيين أنه لإخفاء النون الساكنة والتنوين مثلا مع حروف الإخفاء لا ينتقل مخرجهما _ كما يرى القدماء من القراء وأهل الأداء إلى قرب مخرج الحرف الذي يخفيان عنده، لأن هذا مخالف عندنا للحقيقة الصوتية.فعند إخفاء النون الساكنة والتنوين مثلا في نحو قوله تعالى"(7/149)
أن كان ذا مال وبنين " يحدث أن النون يسقط مخرجها بمعنى أننا لا نجعل طرف اللسان يلتصق بما يقابله من مقدم الحنك، بل نجعل الصوت يمر من الأنف لكي ننطق صويت الغنة التي هي الصفة الجوهرية المشخصة للنون، وبذلك تكون النون قد حذف منها شطرها الأول وهو المخرج ويبقى منها الشطر الآخر وهو الصفة، وبعد الانتهاء من نطق صويت الغنة نبدأ في نطق حرف الإخفاء وهو الكاف في مثال الآية التي معنا، فالملاحظ أنه ليس فيها انتقال مخرج النون إلى ما يقرب من حرف الإخفاء ولا انتقاله إلى مخرج حرف الإدغام بغنة، ولا تشديد كما تؤكده المشاهدة وتعضده الأدلة المشار إليها في هذا البحث.
4.كيفية أدائه ومراتبه ومقداره: يؤدى صويت الغنة تبعا لمراتبه ودرجاته غنة سلسة في نطقها وإخراجها من غير تمطيط ولا لوك ومن غير زيادة ولا نقص عن مقدارها المحدد وهو: حركتان بحركة الأصبع قبضا أو بسطا كالمد الطبيعي، وقدرت الحركة برفع الأصبع أو خفضه بحالة متوسطة ليست بالسريعة ولا بالبطيئة أي غنة كاملة من غير تفاوت في مراتبها، ومن تمام كيفية أداء صويت الغنة إتباع صويتها لما بعده تفخيما وترقيقا فإن كان ما بعده حرف استعلاء فخم مثل " ينطقون "، وإن كان ما بعده حرف استفال رقق مثل " ما ننسخ" (1) . ومراتبه خمسة على القول المشهور:
1. أكملها يكون في المشدد نحو " يمنون عليك الحجرات 17 " ونحو " وهمت به يوسف 34 " والمدغم كامل التشديد نحو " كم من البقرة 249 " ونحو " إن نشأ النور الشعراء 4 ".
2. المدغم ناقص التشديد نحو " إن يقولون الكهف 5 " ونحو " من ولي ولا واق الرعد 37 ".
3. المخفي ويدخل فيه الإقلاب نحو " ينبت النحل 11 " ونحو " ولن صبر الشورى 43 " ونحو " فاحكم بينهم المائدة 48 ".
4. الساكن المظهر نحو " وينئون عنه الأنعام 26 "ونحو " ولكل قوم هاد الرعد 7 ".
5. المحرك نحو " ينادون غافر 10 ".(7/150)
والحقيقة أن صويت الغنة لا يظهر إلا في المراتب الثلاث الأول وهي: المشدد والمدغم والمخفي حيث تبلغ درجة الكمال فيها
أما في حالتي الساكن المظهر والمتحرك فالثابت فيها أصلها لا كمالها (1) . وصويت الغنة في حالة الكمال يوجد في:
النون الساكنة والتنوين في حالات: الإدغام بغنة.
النون والميم المشددتين.
الميم الساكنة في حالتي الإخفاء والإدغام (2) .
5. حروف صويت الغنة: حدد علماؤنا القدامى من اللغويين والنحاة والقراء (3) الحروف العربية التي تخرج من الخيشوم وهي (النون والميم الساكنتان) حال الإخفاء والإدغام، وزاد بعضهم على ذلك النون والميم المشددتين (4) ، وفي النون والميم غنة في الخيشوم ألا ترى أنك إذا أمسكت بأنفك ثم نطقت بهما لم يجر فيهما صويت الغنة (5) ، ومن معانيهما في الاصطلاح: الغنة إذ هي صفة لازمة للنون ولو تنوينا والميم سكنتا أو تحركتا ظاهرتين أو مدغمتين أو مخفاتين (6) . أما الميم فهي بوجه عام صوت شفوي أنفي مجهور وهو بين الشدة والرخاوة ينتج بذبذبة في الأوتار الصوتية،ويتكون بالتقاء الشفة السفلى بالعليا التقاء محكما، وينحبس الهواء خلفهما،ولكن الهواء يخرج عن طريق الأنف لأن اللهاة تنخفض فيسمح للهواء بالمرور عبر الأنف بدلا من الفم الذي يستمر مغلقا، ولا ينفرج كما هو الحال مع الأصوات الانفجارية (7) ، وهذا الصوت مرقق في العربية الفصحى ولكنة في اللهجات العامية قد يفخم بحسب موقعه في السياق (8) . وقد عني القراء يرحمهم الله جميعا في حديثهم عن أحوال الغنة بهذه الميم عندما تكون ساكنة، ويقصدون بها تلك الميم التي سكونها ثابت في الوصل والوقف أو التي لا حركة لها نحو " الحمد لله "، فخرج بقولهم " الميم الساكنة ": الميم المتحركة مطلقا نحو " ما أنت بنعمة ربك بمجنون "، وقولهم " التي سكونها ثابت " خرج به السكون العارض كسكون الميم المتطرفة في الوقف كما لو وقف على نحو " حكيم(7/151)
عليم "، وقد تقع الميم الساكنة بهذا المعنى متوسطة ومتطرفة وتكون في الاسم نحو " وله الحمد في الأولى والآخرة "، وفي الفعل نحو " قمتم " و " يمكرون "، وفي الحرف نحو " أم لم ينبأ "، وتكون للجمع نحو " ولهم فيها أزواج مطهرة " ولغيره (1) . وتقع قبل أحرف الهجاء جميعها ما عدا حروف المد الثلاثة وذلك خشية التقاء الساكنين وهو ما لا يمكن النطق به (2) . أما مع النون: فيخرج الهواء من الرئتين، فيهتز الهواء في الحنجرة بواسطة اهتزاز الوترين، ثم يمر في الحلق، وتغلق اللهاة طريق الأنف، حتى إذا وصل مقدم اللسان حدث انغلاقه مع مقدم الحنك انغلاقا محكما لا يسمح للهواء بالمرور، فيعود الهواء إلى الخلف ليجد اللهاة قد هبطت ففتحت طريق التجويف الأنفي فيمر منه الهواء محدثا صوت الغنة التي نسمع معها صوت النون. وصويت الغنة صفة لازمة كما سبق لصوت النون لا ينفصل عنها ألبتة في أحوالها جميعا (3) ، وأشد ما يكون صويت الغنة فيها عندما تكون ساكنة (4) ، وحينئذ يتحقق اتصالها بما بعدها اتصالا مباشرا، وهذه هي النون الساكنة وهذه الخالية من الحركة والثابتة لفظا وخطا ووصلا ووقفا وتكون في الأسماء والأفعال والحروف وتكون متوسطة ومتطرفة وتكون أصلية من بنية الكلمة مثل " أنعم "، وتكون زائدة عن أصل الكلمة وبنيتها مثل " فانفلق " (5) . ويشترك التنوين مع النون الساكنة في أمور ويفارقها في أخرى، فهو في حقيقته نون ساكنة بمخرجها وصفاتها، فقد قالوا في تعريفهم له (6) بأنه نون ساكنة زائدة لغير توكيد تلحق آخر(7/152)
الاسم وصلا وتفارقه خطا ووقفا نحو قوله تعالى " والله غفور رحيم آل عمرا 31 "، وهو عبارة عن حركة إعرابية قصيرة تابعة للحرف الأخير في الكلمة بعدها نون ساكنة زائدة على هذه الحركة الإعرابية التي تكون ضمة في نحو (جاء زيد) وفتحة في (رأيت زيدا) وكسرة في (مررت بزيد) ، وقد خصها النحاة بهذا اللقب فسموها تنوينا ليفرقوا بينها وبين النون الزائدة المتحركة التي تكون في التثنية والجمع، وعلامته: فتحتان أو كسرتان أو ضمتان. وخرج بقولهم: " نون ساكنة "نون التنوين المتحركة للتخلص من التقاء الساكنين نحو "منيب ادخلوها "، وخرج بقولهم: " زائدة " النون الأصلية التي سبق الكلام عليها قريبا.وخرج بقولهم: " لغير توكيد " نون التوكيد الخفيفة في " لنسفعا " لأنها ليست تنوينا وإن أشبهته في إبدالها ألفا في الوقف. وخرج بقولهم: " تلحق آخر الاسم وصلا " الفعل والحرف فهي لا تلحقها ألبتة ولا ينونان بحال. وقولهم: " وتفارقه خطا ووقفا " خرج به النون الأصلية فهي لا تفارق الاسم مطلقا أثناء وجودها فيه (1) . وحكمه حالة الوقف: تبدل الفتحتان ألفا دائما إلا إذا كانتا على هاء تأنيث مثل " إلا رحمة من ربك " فيوقف عليها بالهاء من غير تنوين. وأما الضمتان والكسرتان فيحذف التنوين فيهما ويوقف عليهما بالسكون إلا في قوله تعالى " وكأين " حيث وقع فإنهم كتبوه بالنون (2) . ويفترقان (التنوين والنون الساكنة) في خمسة أمور تظهر بالتأمل في تعريفهما وهي:
1. النون الساكنة حرف أصلي من أحرف الهجاء وقد تكون من الحروف الزوائد، أما التنوين فلا يكون إلا زائدا عن بنية الكلمة.
2. النون الساكنة تقع في وسط الكلمة وفي آخرها والتنوين لا يقع إلا في الآخر.
3. النون الساكنة تقع في الأسماء والأفعال والحروف والتنوين لا يقع إلا في الأسماء
4. النون الساكنة تكون ثابتة في الفظ والخط أما التنوين فثابت في اللفظ دون الخط.(7/153)
5. النون الساكنة تكون ثابتة في الوصل والوقف والتنوين لا يثبت إلا في الوصل (1) .
6. أنواع تأثر النون والميم الساكنين بما بعدهما من أصوات: يرى القدماء من علماء اللغة العربية والنحاة أن تأثر النون والميم الساكنين بما بعدهما من أصوات يجري على وجوه:
فللميم الساكنة عندهم أوجه ثلاثة: إدغام وإخفاء وإظهار (2) وللنون الساكنة وما في حكمها عندهم أيضا أوجه أربعة: إظهار وإدغام وإقلاب وإخفاء (3) . وقد تبعهم في هذا التقسيم معظم القراء يرحمهم الله وذكر بعضهم في أحوال النون الساكنة وما في حكمها أنها ثلاثة فقط: إظهار، وإدغام محض، وغير محض وإخفاء مع قلب وبدونه. وقيل إنها خمسة. والواضح أن هذا الاختلاف لفظي فقد وجد عن طريق الاستقراء والحصر أن صوت الحرف الواقع بعد النون الساكنة والتنوين: إما يقرب من مخرجهما جدا أو لا، الأول: واجب الإدغام، والثاني: إما يبعد جدا أو لا، الأول: واجب الإظهار، والثاني: واجب الإخفاء، واعتبار القلب نوعا من الإخفاء، ويلاحظ اختلاف هذه الأقسام باختلاف درجات التأثر (4) .(7/154)
1. الإظهار (1) : تظهر الميم الساكنة إذا وليها ستة وعشرون حرفا من الحروف العربية وهي ما عدا الباء والميم فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد الميم الساكنة سواء كان معها في كلمة واحدة نحو " أنعمت عليهم " أو في كلمتين نحو " ذلكم أزكى لكم " وجب إظهارها ويسمى إظهارا شفويا، وسمي إظهارا لإظهار الميم الساكنة عند ملاقاتها بحرف من حروف الإظهار الستة والعشرين؛ وسمي شفويا لخروج الميم الساكنة المظهرة من الشفتين. وإنما نسب الإظهار إليها ولم ينسب إلى مخرج الحروف الستة والعشرين التي تظهر الميم عندها لأنها لم تنحصر في مخرج معين حتى ينسب الإظهار إليه فبعضها يخرج من الحلق وبعضها يخرج من اللسان وبعضها من الشفتين ومن أجل هذا نسب إلى مخرج الحرف المظهر لضبطه وانحصاره وهذا بخلاف الإظهار الحلقي فإنه ينسب إلى مخرج الحروف التي تظهر عندها النون الساكنة والتنوين نظرا لانحصارها في مخرج معين وهو الحلق. ووجه إظهار الميم الساكنة عند ملاقاتها لهذه الحروف الستة والعشرين: هو بعد مخرج الميم عن مخرج أكثر هذه الحروف (2) . ويلاحظ عند وقوع الفاء أو الواو بعد الميم الساكنة أن ينعم بيانها (الميم الساكنة) للغنة التي فيه إذ كان الإدغام لاتحاد مخرجها مع الواو وقربه من الفاء يذهبها فيختل بذلك على أن أحمد بن أبي شريح قد روى عن الكسائي إدغامه في الفاء وذلك غير صحيح ولا جائز (3) ، وإظهار هذه الميم في هذه الحالة يسمى إظهارا شفويا أشد إظهار (4) . وتظهر النون الساكنة والتنوين إذا لقيهما حرف من حروف الحلق في كلمة نحو " أنعمت " وفي كلمتين نحو " من هاد " وكذلك التنوين تظهر مع حروف الحلق في كلمتين وذلك نحو " وعفو غفور " وشبهه (5) . والحروف التي يكون شأن النون الساكنة والتنوين معها هكذا هي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء وهي المسماة بحروف الحلق، وإظهار النون الساكنة والتنوين مع هذه الحروف يكاد يكون إجماعا(7/155)
من القراء، ما عدا أبا جعفر فقد جوز إخفاء النون عند الخاء والغين، فأجرى هذين الحرفين مجرى حروف الفم لقربهما منها (1) . وقد جوز ذلك بشرط أن تكون النون والخاء والغين من كلمتين نحو " من إله غير الله ". أما إذا كان من كلمة كالمنخنقة فلا يجوز حينئذ إخفاء النون (2) ، وإنما بينت النون والتنوين عند هذه الحروف لبعد مخرجهما من الحلق (3) وعدم تقاربهما معها في الصفة فلم تقو هذه على أنها تقلبهما لأنها تراخت عنهما فلم يحسن الإدغام (4) وليست من قبيلهما فيجوز الإخفاء. وبيانهما (النون الساكنة والتنوين) عندهن كما ذكر الداني على ضربين: بتعمل وبغير تعمل، والذي يتعمل بيانهما عندهن ثلاثة: الهمزة والغين والخاء لأنه متى لم يتعمل ذلك عندهن ولم يتكلف انقلبت حركة الهمزة عليهما وسقطت من اللفظ، وخفيا عند الغين والخاء؛ لأن ذلك قد يستعمل فيهن لما رواه ورش عن نافع في الهمزة، ورواه المسيبي في الغين والخاء لقربهما من حرفي أقصى اللسان، والتي لا يتعمل بيانهما عندهن ثلاثة أيضا: الهاء والعين والحاء ضرورة (5) . ولعل الإظهار مطلقا عند هذه الحروف الستة أجود وأحسن؛ لأن الخاء والغين من حروف الحلق أيضا فتكونان كأخواتهما غير قادرتين بطبيعتهما على فناء الأصوات فيهما (6) . وذكر بعض القراء في كتبهم أن الغنة باقية فيهما (النون الساكنة والتنوين) قبل حروف الحلق. ونسب إلى الداني أنه قال: الغنة ساقطة *إذا أظهر وهو مذهب النحاة وبه صرحوا في كتبهم، وبه قرأت على شيخي ما عدا قراءة يزيد والمسيبي (7)(7/156)
2. الإدغام (1) : ويعني عند القراء: التقاء حرف ساكن بحرف متحرك، فيدخل الحرف الساكن في الحرف المتحرك، بحيث يصير الحرفان حرفا واحدا مشددا، يرتفع اللسان بهما ارتفاعة واحدة، أو النطق بالحرفين حرفا كالثاني مشددا (2) . وهو عندهم: نوعان: إدغام صغير وهو الشائع المروي عند جمهورهم، وفيه يتحقق مجاورة الصوتين المتماثلين أو المتجانسين أو المتقاربين إذ لا فاصل بينهما. وإدغام كبير وفيه يفصل بين الصوتين المتماثلين أو المتجانسين أو المتقاربين صوت لين قصير (أي أن لحرف الأول منهما يكون متحركا) وينسب هذا النوع من الإدغام إلى أبي عمرو " أحد القراء السبعة " (3) . وفيما يتعلق بالنون الساكنة والتنوين فإنه إذا وقع حرف من الحروف الستة المجموعة في قولهم " يرملون "بعد النون الساكنة بشرط أن يكون ذلك في كلمتين أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين وجب إدغامها وتسمى النون الساكنة والتنوين مدغما، ويسمى أحد حروف " يرملون " مدغما فيه. وينقسم هذا الإدغام إلى قسمين:
إدغام بغير غنة (تام) .
إدغام بغنة (ناقص) .(7/157)
ويتحقق الإدغام بغير غنة التام عندما يقع حرفا اللام والراء بعد النون الساكنة من كلمتين أو بعد التنوين ولا يكون إلا كذلك نحو " ولكن لا يشعرون " و " هدى للمتقين "، وعلة الإدغام هنا هو قرب مخرج اللام والراء من مخرج النون لأنهن من حروف طرف اللسان فحسن الإدغام في ذلك لتقارب المخارج، فتبدل كل من النون الساكنة والتنوين لاما مع اللام وراء مع الراء؛ بحيث تفقد النون المخرج والصفة، وتتحول تحولا كاملا إلى كل من اللام والراء ويكمل التشديد. وأجاز النحويون إظهار الغنة فيهما، وقيل مع اللام خاصة، والذي أجمع عليه القراء إدغام الغنة مع الراء واللام نحو " من لدنه، من ربهم " (1) . ووجه الإدغام التام: هو التقارب في المخرج على مذهب الجمهور، والتجانس على مذهب الفراء وموافقيه القائلين بأن النون واللام والراء من مخرج واحد (2) فلم نلحظ فيه أثرا للصوت بعد فنائه (3) . ووجه ذهاب الغنة هنا: المبالغة في التخفيف والخوف من الثقل؛ (4) لأن النون تقاربهما في المخرج وفي الصفة أيضا؛ لأن الثلاثة مجهورة وبين الشدة والرخاوة (5) . ويختص الإدغام بغنة (الناقص) بأربعة أحرف من حروف (يرملون) مجموعة في قول الكثير من علماء القراءات في لفظ " ينمو "، فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الأربعة بعد النون الساكنة بشرط انفصاله عنها (أي وقوعهما في كلمتين) ، أو بعد نون التوكيد الخفيفة المتصلة بالفعل المضارع الشبيه بالتنوين، وجب الإدغام مع اختلاف بين أئمة الإقراء في تحقيق الغنة أو تركها في بعض هذه الحروف دون بعض. ففيما يتعلق بالواو والياء فقد اختلف فيهما بين الغنة وتركها أيضا، فقرأ الجميع بالغنة فيهما إلا خلفا عن حمزة فإنه يدغم النون والتنوين فيهما بلا غنة، وإلا الدوري عن الكسائي في الياء من طريق أبي عثمان الضرير، وروى الغنة عنه جعفر بن محمد وكلاهما صحيح كما النشر، وقرأ الباقون بالغنة فيهما، وهو الأفصح.(7/158)
ونقل عن سيبويه جواز الأمرين فيهما، حيث قال: تدغم النون مع الواو بغنة وبغير غنة لأنها من مخرج ما أدغمت فيه النون، وإنما منعها أن تقلب مع الواو ميما أن النون حرف لين يتجافى عنه الشفتان، والميم كالباء في الشدة وإلزام الشفتين، فكرهوا أن يكون مكانها أشبه الحروف من مواضع الواو والنون وليس مثلها في اللين والتجافي والمد فاحتملت الإدغام كما احتملته اللام وكرهوا البدل، وتدغم النون مع الياء بغنة وبغير غنة؛ لأن الياء أخت الواو، وقد تدغم فيها الواو فكأنهما من مخرج واحد، ولأنه ليس مخرج من طرف اللسان أقرب إلى مخرج الراء من الياء (1) . ولعل الغنة مع الياء والواو أولى لأن مقاربة النون الساكنة إياهما في الصفة لا بالمخرج، فالأولى أن لا يغتفر ذهاب فضيلة النون رأسا لمثل هذا القرب غير الكامل، بل ينبغي أن يكون للنون معهما حالة بين الإخفاء والإدغام، وهي الحالة التي فوق الإخفاء ودون الإدغام التام فيبقى شيء من الغنة (2) ، وإذا بقيت غنتهما معهما لم ينقلبا قلبا صحيحا، ولا يدغمان إدغاما تاما، وإنما يتمكن ذلك فيهما إذا ذهبت تلك الغنة بالقلب الصحيح، والغنة إذا ثبتت في الأصل لم يشدد الحرف ولفظ به بتشديد يسير، وإذا حذفت الغنة شدد الحرف (3) . وإدغام النون الساكنة والتنوين في النون لا إشكال فيه ولا اختلاف وإنما الجميع على إدغامهما بغنة نحو قوله " من نور " و " ملكا نقتل "، والغنة التي كانت في النون باقية مع لفظ الحرف الأول؛ لأنها (الغنة) ملازمة للنون أدغمت أم لم تدغم، وعلة إدغامها في النون هو اجتماع مثلين الأول ساكن، ولا يجوز الإظهار ألبتة،كما لا يجوز في قوله " فلا يسرف في القتل " و " واجعل لنا " وشبهه إلا الإدغام (4) . وأما الميم فيدغمان فيها إدغاما تاما، ويقلبان من جنسها قلبا صحيحا مع الغنة الظاهرة أيضا؛وذلك أن الميم وإن كان مخرجها من الشفة فإنها تشارك النون في الخياشيم لما(7/159)
فيها من الغنة، والغنة تسمع كالميم، وعلة إدغام النون الساكنة والتنوين في الميم لمشاركتهن في الغنة ولتقاربهن في المخرج للغنة التي فيهن كما أوضحنا فحسن لهذا كله الإدغام؛ فالنون مجهورة شديدة والميم مثلها فقد تشاركن في الجهر والشدة؛ فهما في القوة سواء في كل واحد جهر وشدة وغنة فحسن الإدغام وقوي، وبقيت الغنة ظاهرة في كل من الميم والنون عند التقائهما بالنون الساكنة والتنوين لئلا يذهب الحرف بكليته، ولأنك لو أذهبت الغنة لأذهبت غنتين غنة كانت في الأول وغنة في الثاني فلم يكن بد من إظهار الغنة، وهذا كله إجماع من القراء والعرب (1) . أما إذا وقع الواو والياء بعد النون الساكنة في كلمة واحدة وجب الإظهار، ويسمى إظهارا مطلقا لعدم تقييده بحلق أو شفة، وقد وقع هذا النوع في أربع كلمات في القرآن ولا خامس لها كما يقولون وهي: الدنيا، بنيان، قنوان، صنوان، ولم يدغم هذا النوع لئلا يلتبس بالمضاعف وهو ما تكرر أحد أصوله: كصوان وديان فلو أدغم لم يظهر الفرق بين ما أصله النون وما أصله التضعيف فلا يعلم هل هو من الدنى والصنو أو من الدي والصو فأبقيت النون مظهرة محافظة على ذلك (2) .(7/160)
وتدغم الميم الساكنة في مثلها كقوله تعالى " الرحيم مالك يوم الدين " (1) ، فإذا وقعت الميم المتحركة بعد الميم الساكنة سواء أكان معها في كلمة " ألم " أم في كلمتين كقوله تعالى " كم من فئة " وجب إدغام الميم الساكنة في الميم المتحركة، ويسمى إدغام متماثلين صغيرا ولا بد معه من الغنة المصاحبة له وهي هنا بالإجماع، ووجهه: التماثل. ويلحق به أيضا إدغام النون الساكنة والتنوين في الميم نحو " من مال " كما سيأتي بيانه إن شاء الله وذلك لقلب المدغم من جنس المدغم فيه، وكذلك يطلق على كل ميم مشددة نحو " دمر، يعمر، حمالة، وهم، أم من أسس " (2) . وسمي إدغاما لإدغام الميم الساكنة في المتحركة، وبالمتماثلين لكونه مؤلفا من حرفين متحدين في المخرج والصفة والاسم والرسم، وأدغم الأول في الثاني منهما، وصغيرا لأن الأول منهما ساكن والثاني متحرك، وهذا هو سبب الإدغام أو لقلة عمل المدغم، وقيل غير ذلك.
فإن التقت الميم الساكنة بالباء ولا يكون ذلك إلا من كلمتين فعلماء القراءات مختلفون في وصف أدائها معها، فقال بعضهم: هي مخفاة لانطباق الشفتين عليهما كانطباقهما على إحداهما، ولا تدغم فيها ولكنها تخفى لأن لها صوتا في الخياشيم تواخي به النون الخفيفة، فقد نقل الداني يرحمه الله: أن من أهل اللغة من يسمي الميم الساكنة عند الباء إخفاء (وهذا هو الإدغام الصغير) ، قال سيبويه: المخفي بوزن المظهر، وقال آخرون: هي مبينة للغنة التي فيها … وقال آخرون: أخذنا من أهل الأداء بيان الميم الساكنة عند الواو والباء والفاء في حسن من غير إفحاش. وروي عن أبي عمرو إدغام الميم في الباء إذا تحرك ما قبل الميم مثل قوله تعالى " وقولهم على مريم بهتانا عظيما "(7/161)
و " لكيلا يعلم بعد علم شيئا " و " وهو أعلم بالشاكرين " (وهذا هو الإدغام الكبير) . وأصحاب أبي عمرو لا يأتون بباء مشددة ولو كان فيه إدغام لصار في اللفظ باء مشددة (1) . وذهب جماعة إلى تبيين الميم الساكنة وترك إدغامها إذا لقيتها باء في جميع القرآن (2) . والإخفاء مع الغنة في جميع ما ذكر هو المختار وعليه أهل الأداء بمصر والشام والأندلس وغيرها واختاره أكثر المحققين كالحافظ أبي عمرو الداني وابن الجزري وابن مجاهد وغيرهم (3) ويسمى إخفاء لإخفاء الميم الساكنة عند ملاقاتها للباء للتجانس الذي بينهما حيث يتحدان في المخرج ويشتركان في أغلب الصفات، والإخفاء في هذه الحالة، يؤدي إلى سهولة النطق. وسمي شفويا لخروج الميم والباء من الشفتين. ووجهه: التجانس في المخرج وفي أكثر الصفات أيضا (4) .(7/162)
3. الإقلاب: وهو عند القراء: قلب النون الساكنة والتنوين ميما وجوبا مع مراعاة الغنة والإخفاء في الحرف المقلوب وذلك عند ملاقاتها لحرف واحد هو الباء (1) . فإذا وقع الباء بعد النون الساكنة (سواء أكان معها في كلمة أم في كلمتين) أو بعد التنوين (ولا يكون إلا من كلمتين) كما هو مقرر أو بعد نون التوكيد الخفيفة المتصلة بالفعل المضارع الشبيهة بالتنوين وجب قلب النون الساكنة والتنوين ونون التوكيد ميما خالصة لفظا لا خطا مخفاة مع إظهار الغنة (2) نحو " أن بورك " و " وظلمات بعضها فوق بعض " و " لنسفعا بالناصية " وما أشبهه، ولا تشديد في هذا إنما هو بدل لا إدغام فيه لكن الغنة التي كانت في النون باقيه لأن الحرف الذي أبدلت من النون حرف فيه غنة أيضا وهو الميم الساكنة فلا بد من إظهار الغنة في البدل كما كانت في المبدل منه وهذا البدل إجماع من القراء (3) . وعلة بدل النون الساكنة والتنوين ميما إذا لقيتها باء لأنه يتعسر التصريح بالنون الساكنة قبل الباء لأن النون الساكنة يجب إخفاؤها مع غير حروف الحلق والنون الخفية ليست إلا في الغنة التي معتمدها الأنف فقط والباء معتمدها الشفة ويتعسر اعتمادان متواليان على مخرجي النفس المتباعدين فطلبت حرفا يقلب النون إليها متوسطة بين النون والباء فوجدت الميم لأن فيه الغنة كالنون وهو شفوي كالباء (4) . وسمي بالقلب لقلب النون الساكنة والتنوين ونون التوكيد الخفيفة ميما خالصة في اللفظ لا في الخط. هذا ولا يتحقق القلب على الصورة التي رأيناها إلا بثلاثة أعمال تقدم شرحها فيما سبق ويمكن إجمالها في:
1. قلب النون الساكنة أو التنوين أو نون التوكيد الخفيفة ميما خالصة لفظا لا خطا تعويضا صحيحا بحيث لا يبقى أثر بعد ذلك للنون الساكنة والمؤكدة والتنوين.
2. إخفاء هذه الميم عند الباء.
3. إظهار الغنة مع الإخفاء (5) .(7/163)
ويجري في النون والميم المشددتين أحكام إدغام الحرفين المتماثلين مع وجوب الغنة ومقدارها الذي حدده القدماء من القراء وأهل الأداء كما سبقت الإشارة إليه نحو قوله تعالى " فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر، وأما بنعمة ربك فحدث "، وقوله تعالى " إنا أعطيناك الكوثر " و " من الجنة والناس " (1) .
4. الإخفاء (2) : ويعني عند القراء: النطق بحرف ساكن عار من التشديد مع بقاء الغنة في المدغم، وهو هنا النون الساكنة والتنوين والميم الساكنة في الإخفاء الشفوي (3) . وتتحقق هذه الصفة الصوتية في الحروف الباقية بعد حروف الإظهار والإدغام والقلب، وهي خمسة عشر حرفا يجمعها أوائل كلمات هذا البيت:
صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما دم طيبا زد في تقى ضع ظالما (4)
فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الخمسة عشر بعد النون الساكنة سواء أكان متصلا بها في كلمتها أم منفصلا عنها أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين، وجب إخفاؤها ويسمى إخفاء حقيقيا لتحقيق الإخفاء فيهما أكثر من غيرهما، ولاتفاق العلماء على تسميته كذلك. ولا تشديد في الإخفاء لأن الحرف أيضا يخفى بنفسه لا في غيره، والإدغام إنما هو أن تدغم الحرف في غيره؛ فلذلك يقع فيه التشديد والغنة مع الإخفاء كما كانت مع الإظهار؛ لأنه كالإظهار. فالغنة في الحرف الخفي هي النون الخفية؛ وذلك أن النون مخرجها من طرف اللسان وأطراف الثنايا ومعها غنة من الخياشيم، فإذا أخفيت لأجل ما بعدها زال مع الخفاء ما كان يخرج من طرف اللسان وبقي ما كان يخرج من الخياشيم ظاهرا. وعلة خفاء النون الساكنة والتنوين عند هذه الحروف أن النون الساكنة قد صار لها مخرجان: مخرج لها وهو المخرج التاسع (من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا) ، ومخرج لغنتها وهو المخرج السادس عشر(7/164)
(من الخياشيم أو الأنف) على مذهب سيبويه (1) . فاتسعت بذلك في المخرج، بخلاف سائر الحروف فأحاطت باتساعهم بذلك في المخرج بحروف الفم فشاركتها بالإحاطة بها فخفيت عندها، وكان ذلك أخف لأنهم لو استعملوها مظهرة لعمل اللسان فيها من مخرجها ومن مخرج غنتها، فكان خفاؤها أيسر ليعمل اللسان مرة واحدة (2) . وذلك أنها من حروف الفم، وأصل الإدغام لحروف الفم لأنها أكثر الحروف، فلما وصلوا إلى أن يكون لها مخرج من غير الفم كان أخف عليهم ألا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة، وكان العلم بها أنها نون ذلك الموضع كالعلم بها وهي من الفم لأنه ليس حرف يخرج من ذلك الموضع غير النون والميم فاختاروا الخفة إذ لم يكن لبس (3) . وقيل إنما أخفيت (النون الساكنة والتنوين والميم الساكنة) عندها لأنها تخرج من خرق الأنف الذي يمتد إلى داخل الفم لا من المنخر، فكان بين النون وحروف الفم اختلاط فلم تقو قوة حروف الحلق فتظهر معها، وإنما كانت متوسطة بين القرب والبعد لتوسط أمرها بين الإظهار والإدغام فأخفيت عندها لذلك، وعليه فلها ثلاثة أحوال: الإدغام والإخفاء والإظهار، فالإدغام للتقارب بالحد الأدنى، والإظهار للتباعد بالحد الأقصى، والإخفاء للمناسبة بالحد الأوسط. قال أبو عثمان المازني: " وبيانها مع حروف الفم لحن " (4) . ويفترق الإدغام عن الإخفاء في الأمور التالية:
أن الإخفاء لا تشديد معه مطلقا بخلاف الإدغام ففيه تشديد.
أن إخفاء الحرف يكون عند غيره، وأما إدغامه فيكون في غيره.
أن الإخفاء يأتي من كلمة ومن كلمتين، وأما الإدغام فلا يكون إلا من كلمتين. وقد ساق بعض علماء القراءات مراتب ثلاثا للإخفاء وهي:
1. أعلاها عند الطاء والدال والتاء لقرب مخرج النون من مخرج هذين الحرفين فيكون الإخفاء فيها قريبا من الإدغام وذلك لقربهن من النون والتنوين في المخرج.(7/165)
2. أدناها عند القاف والكاف لبعد مخرج النون من مخرج هذه الحروف فيكون الإخفاء فيها قريبا من الإظهار.
3. أوسطها عند الحروف العشرة لعدم قربها منها جدا ولا بعدها عنها جدا فيكون الإخفاء فيها متوسطا بينهما (1) .
أهداف البحث:
سبق أن أوضحنا أن الأصوات اللغوية تتأثر بعضها ببعض عند النطق بها داخل الكلمات والجمل والعبارات على حد سواء فتتغير بناء على ذلك مخارج بعض الأصوات أو صفاتها لكي تتفق في المخرج أو في الصفة أو في كليهما مع الأصوات الأخرى المحيطة بها داخل البيئة اللغوية فيحدث عند ذلك نوع من التوافق والانسجام والتقريب بين الأصوات. وتنحو النون الساكنة والتنوين هذا النحو فيتأثر كل منهما بنوع الصوت الذي يقع بعده ويلاصقه تأثرا واضحا في المخرج أو في الصفة أو في كليهما. ويتوقف ذلك على نسبة قرب المخرج فهي أكثر تأثرا بمجاورة أصوات طرف اللسان ووسطه من تأثرها بمجاورة تلك التي مخرجها من أقصى اللسان وليس المخرج وحده هو العامل الوحيد في هذا التأثر بل لا بد معه من صفة الصوت، فالنون التي هي من الأصوات المتوسطة أقل تأثرا بأصوات الشدة والرخاوة من تأثرها بمثيلاتها من الأصوات المتوسطة. وكما بينا سابقا فإن درجات تأثر النون الساكنة وما في حكمها (التنوين) بالأصوات المجاورة تتراوح بين إظهارها خالصة دون شائبة مع أصوات الحلق، وإدغامها إدغاما كاملا في الراء واللام حيث تفنى النون فيهما عند جمهور القراء فناء تاما، وبين إظهارها وإدغامها إدغاما كاملا نلحظ درجات مختلفة لتأثرها بما بعدها،كإخفائها أو قلبها ميما أو إدغامها ناقصا مع بقاء ما يشعر بها وهو الذي اصطلح على تسميته بالإدغام بغنة، وميل هذه النون في الأداء السليم إلى أن تفنى (فناء تاما أو ناقصا) في بعض الحروف التي تجاورها أو تلاصقها في البيئة اللغوية كما ذكرنا، هو الذي جعل القراء يحرصون فيما يبدو على وضع قواعد خاصة بالنون الساكنة وما في حكمها(7/166)
(التنوين) ، يفرقون بها بين النطق السليم لهذه النون وبين ذلك الذي شاع في كلام العرب بعد اتساع رقعة الدولة العربية. والوسيلة التي لجأ إليها القراء منذ القدم لإعطاء هذه النون بعض حقها الصوتي حتى لا تفنى في غيرها من الأصوات التي تجاورها ما عدا أصوات الحلق هي الحرص على إظهار غنتها مع بعض الأصوات التالية لها. فالغنة التي حالت فيما نظن بين النون وفنائها في غيرها من الأصوات هي وسيلة عمد إليها القراء في قراءة القرآن الكريم احترازا من أن تقرأ آياته كما يتكلم العرب في أحاديثهم الدارجة، وليست الغنة في رأينا إلا إطالة لصوت هذه النون مع تردد موسيقي محبب فيها. فالزمن الذي يستغرقه النطق بالغنة هو في معظم الأحيان ضعف ما تحتاج إليه النون المظهرة، وليس هذا إلا للحيلولة بين النون والفناء في غيرها فالفرق بين النون المظهرة والنون المغنة هو فرق في الكمية من ناحية، وتطور النون وميلها إلى مخرج الصوت المجاور من ناحية أخرى. ويحاول هذا البحث بطريق التطبيق والتجريب أن يقف على أمور تتعلق بالنظر إلى الكم الزمني لصويت الغنة المصاحب للميم والنون وما في حكمها (التنوين) الذي يستغرقه النطق بها في أداء آي القرآن الكريم عندما تتجاور الأصوات مع غير حروف الحلق فيما اصطلح على تسميته الإدغام (التام والناقص) ، والإقلاب، والإخفاء.
مادة البحث:
قام هذا البحث على نص من القرآن الكريم هو سورة (يونس عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم) مقروءة على قراءة حفص عن عاصم على طريق الترتيل بأصوات أربعة من القراء المجيدين المعاصرين هم على الترتيب: (الشيخ محمود خليل الحصري ت عام 1980 هـ. والشيخ محمد صديق المنشاوي ت عام 1969 هـ. والشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد ت عام 1988 هـ. يرحمهم الله والشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي أمد الله في عمره)(7/167)
كانت مادة البحث مسجلة على شرائط من الكاسيت وجميعها من تسجيلات " العقيدة الإسلامية "، ويعد تسجيل المقرئين الأربعة بصفة عامة تسجيلا نقيا خاليا من المؤثرات الصوتية الأخرى، وروعي في اختيار هؤلاء القراء الأربعة التنوع والتزامهم القراءة بقواعد المد على قراءة حفص عن عاصم (على طريقة الترتيل) ، وكان اختيار مادة البحث " سورة يونس عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم " بأصوات هؤلاء القراء الأربعة عشوائيا فلم يكن وراءه أي غرض سوى غرض البحث العلمي البحت.
طريقة البحث:
تم اختيار مادة البحث على النحو السابق ثم رقمت قراءة كل مقرىء برقم خاص من الأرقام (14) حسب وروده في الترتيب المذكور سابقا فرمز إلى قراءة الشيخ محمود خليل الحصري مثلا
بالرقم (1) ورمز إلى قراءة الشيخ محمد صديق المنشاوي بالرقم (2) وهكذا … ثم قام الباحث بإدخال قراءة كل مقرىء على حدة في وحدة التسجيل الخاص بالجهاز الصوتي (Sona - Graph Model 5500) تبعا لطريقة الإدخال المرفقة صورتها بهذا البحث، بدئ بعد ذلك باستقراء صور صويت الغنة بأشكاله المتعددة تبعا لوروده في الآيات القرآنية الكريمة في قراءة المقرىء رقم (1) ورصدت نتائجها كلا على حدة ثم نظر إلى قراءة المقرئ رقم (2) وفعل بها مثل ما فعل بسابقتها … الخ، وقد تحصل الباحث بعد هذا الاستقراء على (1928) عينة هي حصيلة (482×4) وبعد أن صنفت نتائج عينات قراءة كل مقرىء على حدة جرى في هذا البحث استخراج المتوسط العام لكل عينة لدى القراء الأربعة مجتمعين على النحو الذي نراه في الجداول المرفقة وقد وزعت هذه الجداول إلى خمس مجموعات وهي:
1. الرقم: ونقصد به في هذا البحث الرقم المتسلسل للعينات المدروسة حسب ورودها في النص القرآني الكريم.(7/168)
2. اللفظ المشتمل على صويت الغنة من الآية: ونقصد به في هذا البحث اللفظ المشتمل على صويت الغنة المقيس من الآية منصوصا عليه بخط يوضح موقعه من الكلمة في الآية.
3. الزمن: وقسمناه إلى:مجموعتين:
أ. زمن صويت الغنة: ونقصد به زمن صويت الغنة لكل لفظ اشتمل على حرف النون الساكنة أو التنوين المتبوع بحروف الإدغام الصغير (الناقص) المجموعة في كلمة (ينمو) أو حرف الإقلاب (الباء) أو حروف الإخفاء الحقيقي (ص، ذ، ث، ك، ج، ش، ق، س، د، ط، ز، ف، ت، ض، ظ) ، وكذا زمن صويت الغنة لكل لفظ اشتمل على حرف النون أو الميم المشددتين، وزمن صويت الغنة لكل لفظ اشتمل على الميم الساكنة المتبوعة بميم مثلها (فيما يعرف بالإغام الصغير) أو الباء (فيما يعرف عند القراء بالإخفاء الشفوي) .
ب. زمن صويت الغنة والصامت بعده: ونقصد به زمن صويت الغنة الناشئ عن حروف النون الساكنة والتنوين والميم الساكنة المتبوعة بالحروف المقتضية للإدغام الصغير والناقص والإقلاب والإخفاء الحقيقي والشفوي فلفظ مثل قوله تعالى " من تلقاء " (ذات الرقم 177) نجد أن زمن صويت الغنة بلغ (9715,) من الثانية، بينما نجد أن زمن صويت الغنة مع الصامت الساكن بعده بلغ (1.1247) من الثانية.
جدول استقراء عينات البحث:
زمن صويت الغنة والصامت بعده
زمن صويت الغنة
النص المقيس من الآية
3312,
2374,
1. الكتاب الحكيم
9914,
8309,
2. للناس عجبا
1.0224
8415,
3. رجل منهم
1.0516
.8998,
4. أن أنذر
1.0602
9185,
5. أن لهم
1.1556
9955,
6. عند ربهم
1.1309
9375,
7. إن هذا
1.2411
1.0225
8. لساحر مبين
3562,
2437,
9. مبين
9664,
8129,
10. إن ربكم
1.220
9761,
11. أيام ثم
1.3012
1.021
12. ثم استوى
1.1013
9246,
13. ما من شفيع
1.141
6749
14. من بعد
3749,
2937 ,
15. تذكرون
1.1119
9529,
16. جميعا وعد
1.0433
1.1933
1.0433(7/169)
17. إنه يبدأ
1.1828
1.0122
18. ثم يعيده
1.0883
9665,
19. شراب من
1.2275
1.008
20. حميم وعذاب
1.110
9560,
21. أليم بما كانوا
4562,
3312,
22. يكفرون
1.0012
8677,
23. ضياء والقمر
1.0369
9061,
24. نورا وقدره
1.0473
9061,
25. لقوم يعلمون
4312,
3062,
26. يعلمون
1.0746
9539,
27. إن في اختلاف
91623,
7790,
28. الليل والنهار
1.0121
8894,
29. لقوم ينقون
3749,
2812,
30. يتقون
1.0513
8954,
31. إن الذين
8977,
7749,
32. واطمأنوا
4977,
2937,
33. غافلون
9357,
7699,
34. النار بما
5124,
3249,
35. يكسبون
1.307
9225,
36. إن الذين
1.1392
9725,
37. ربهم بإيمانهم
1.0307
8809,
38. تجري من تحتهم
9268,
7894,
39. في جنات
9769,
8436,
40. النعيم
1.030
8998,
41. اللهم
4624,
3312,
42. سلام
3374,
2562,
43. العالمين
1.069
9683,
44. للناس
1.306
1.1400
45. استعجالهم بالخير
3812,
2624,
46. أجلهم
4187,
2687,
47. يعمهون
1.095
9266,
48. الإنسان
1.035
8931,
49. لجنبه
9995,
8030,
50. قائما فلما
1.120
8767,
51. فلما كشفنا
1.2043
1.0183
52. ضر مسه
1.0248
8787,
53. من قبلكم
1.0248
8955,
54. لما ظلموا
1.0831
9655,
55. رسلهم بالبينات
4249,
3062,
56. المجرمين
1.0831
9351,
57. ثم جعلناكم
1.2411
1.0851
58. من بعدهم
1.0706
9331,
59. لننظر
1.033
8290,
60. بينات قال
9121,
7103,
61. من تلقاء
91216,
7707,
62. إني أخاف
4124,
2687,
63. عظيم
1.0081
8040,
64. ولا أدراكم به
95383,
81446,
65. عمرا من
1.1267
9766,
66. من قبله
3567,
2749,
67. أفلا تعقلون
9775,
83115,
68. ممن افترى
85197,
71033,
69. إنه لا يصلح
4312,
3062,
70. المجرمين
9847,
83946,
71. من دون
1.518
1.306
72. ينفعهم
1.0640
90403,
73. عند الله
3874,
2937,(7/170)
74.عما يشركون
3874,
2937,
75. يشركون
1.0205
5770,
76. الناس إلا
1.0017
8603
77.أمة
1.0829
9498,
78. أمة واحدة
1.4025
1.1288
79. واحدة فاختلفوا
1.0784
8790,
80. كلمة سبقت
3812,
2312,
81.يختلفون
1.018
8790,
82. أنزل
9968,
7915,
83. آية من
9831,
8165,
84.إنما الغيب
9554,
8165,
85. فانتظروا
9723,
7874,
86. إني معكم
9516,
8124,
87. معكم من
9998,
8373,
88. المنتظرين
9974,
8499,
89. الناس
1.0267
8602,
90. رحمة من
9540,
8040,
91. من بعد
9393,
7745,
92 لهم مكر.
1.160
1.0274
93. مكر في
1.117
9602,
94. إن رسلنا
3874,
2437,
95. ما تمكرون
1.020
8437,
96. إذا كنتم
9994,
8165,
97. بهم بريح
1.134
9777,
98. بريح طيبة
1.261
1.034
99. طيبة وفرحوا
1.055
8998,
100. عاصف وجاءهم
9393,
7853,
101. من كل مكان
1.106
9662,
102. مكان وظنوا
1.103
9433,
103.وظنوا
9852,
8290,
104. أنهم
1.102
8581,
105. أنجيتنا
1.034
8768,
106. لنكونن
3374,
2187,
107. الشاكرين
1.118
9392,
108. فلما
1.0163
8665,
109. أنجاهم
1.141
9518,
110. الناس
9513,
7744,
111. إنما
1.163
9540,
112. على أنفسكم
1.022
8498,
113. أنفسكم متاع
1.1954
9769,
114. ثم إلينا
1.093
8936,
115. فننبئكم بما
1.131
9497,
116.بما كنتم تعملون
4374,
2687,
117. تعملون
1.0975
9039,
118.إنما مثل
1.0182
8540,
119. أنزلناه
1.0164
9519,
120. مما يأكل
9306,
7811,
121. الناس
1.039
8746,
122. وظن
8832,
7870,
123. أنهم
9663,
8061,
124. وأنهارا فجعلناها
9663,
8144,
125. حصيدا كأن
1.068
8476,
126. لقوم يتفكرون
4312,
2874,
127. يتفكرون
4312,
2874,
128. سلام
9663,
8372,
129. من يشاء
1.125
9264,
130. صراط مستقيم
3643,
2374,
131. مستقيم
9186,
7562,(7/171)
132. وزيادة ولا
1.170
9860,
133. قتر ولا ذلة
1.0536
9040,
134. الجنة
1.196
9623,
135. سيئة بمثلها
3499,
2218,
136. خالدون
1.112
9436,
137. جميعا ثم
1.0067
8061,
138. ذلة ما لهم
9436,
8155.,
139. ما لهم من الله
9437,
8186,
140. عاصم كأنما
9030,
7374,
141. كأنما
9248,
7968,
142. قطعا من.
9186,
7124,
143. أصحاب النار
3437,
2562,
144. خالدون
1.066
8936,
145. جميعا ثم
1.141
8249,
146. ثم نقول
1.1121
9456,
147. أنتم وشركاؤكم
1.212
1.003
148. ما كنتم
3999,
2399,
149. تعبدون
1.003
8249,
150. شهيدا بيننا
9974,
8457,
151. إن كنا
1.0141
8082,
152. كنا عن عبادتكم
4030,
2530,
153. الغافلين
1.162
9351,
154. نفس ما
1.016
8288,
155.عنهم ما
4297,
2780,
156. يفترون
9683,
8206,
157. قل من يرزقكم
9665,
8415,
158. يرزقكم من
1.0163
8394,
159. أمن يملك
9028,
7603,
160. أمن يملك
9622,
8165,
161. ومن يخرج
9580,
8123,
162. ومن يدبر
3624,
2062,
163. تتقون
9934,
8186,
164. فأنى تصرفون
4249,
37491,
165. تصرفون
1.060
9063,
166. أنهم لا يؤمنون
3874,
2312,
167. يؤمنون
9227,
7915,
168. من شركائهم
1.016
8561,
169. شركائهم من
8811,
7915,
170. من يبدأ
9268,
7936,
171. ثم يعيده
9123,
7707,
172. ثم يعيده
1.032
8686,
173. فأنى تؤفكون
4437,
27491,
174. تؤفكون.
1.0435
8932,
175. من شركائهم
1.087
93671,
176. شركائكم من
1.124
9715,
177.من يهدي
1.068
9315,
178. أفمن يهدي
1.034
8624,
179. أن يتبع
9748,
8623,
180. أم من
1.037
8852,
181. أن يهدى
4187,
2405,
182. تحكمون
1.010
8457,
183. إلا ظنا
9850,
8249,
184. إن الظن
9935,
8498,
185. الظن لا
1.110
9517,
186. إن الله
1.202
1.085
187. عليم بما
4437,
2905,(7/172)
188. يفعلون
9600,
8269,
189. أن يفترى
1.034
8540,
190. من دون الله
9611,
8103,
191. ولكن تصديق
3280,
2061,
192. العالمين
1.260
1.043
193. بسورة مثله
1.068
9164,
194. استطعتم من
8915,
6624,
195. من دون الله
1.012
9330,
196. إن كنتم
1.053
9330,
197. كنتم
3874,
1833,
198. صادقين
1.030
8788,
199. ولما يأتهم.
9912,
8269,
200. من قبلهم
9767,
8642,
201. فانظر
3905,
2687,
202. الظالمين
1.055
9453,
203. ومنهم من
9467,
7894,
204. من يؤمن
9809,
8311,
205. ومنهم من
3405,
2155,
206. بالمفسدين
1.064
8611,
207. وإن كذبوك
9791,
8490,
208. أنتم
9914,
8642,
209. أنتم بريئون
1.004
8307,
210. مما أعمل
9915,
8686,
211. بريء مما
9248,
7645,
212. مما تعملون
3936,
2812,
213. تعملون
1.031
8809,
214. ومنهم من
9953,
8582,
215. من يستمعون
1.012
8811,
216. أفأنت
9415,
8061,
217. تسمع الصم
3562,
2374,
218. لا يعقلون
1.070
9079,
219.ومنهم من
1.012
8478,
220. من ينظر
1.001
8891,
221. ينظر إليك
8853,
7520,
222. أفأنت
4062,
2749,
223. لا يبصرون
9727,
8507,
224. إن الله
9808,
8019,
225. الناس
9621,
8144,
226. شيئا ولكن
9831,
8394,
227. ولكن
9787,
8332,
228. الناس
9539,
8269,
229. أنفسهم
3874,
2705,
230. يظلمون
9807,
8082,
231. ساعة من
9151,
7561,
232. النهار
3062,
2062,
233. مهتدين
9997,
8332,
234. وإما
9427,
8040,
235. نرينك
9536,
8207,
236.أو نتوفينك
1.056
9081,
237. ثم الله
3780,
2499,
238. يفعلون
9601,
8269,
239. ولكل أمة
9865,
8061,
240. رسول فإذا
1.059
7561,
241. بينهم بالقسط
3999,
2687,
242. تظلمون
9102,
7206,
243. إن كنتم
1.030
9186,
244. كنتم
3968,
2718,
245. صادقين
1.026
8747,(7/173)
246. ضرا ولا
1.036
8475,
247. ولكل أمة
1.002
8392,
248. ساعة ولا
3780,
2437,
249. يستقدمون
1.040
8852,
250. نهارا ماذا
4280,
2843,
251. المجرمون
9415,
7838,
252. أثم
1.068
9204,
253.آمنتم
1.172
1.053
254. آمنتم به
1.157
9290,
255. كنتم
9955,
8771,
256. كنتم به
4155,
2843,
257. تستعجلون
8186,
6874,
258. ثم قيل
1.024
8831,
259.بما كنتم
4155,
2749,
260. تكسبون
1.122
8571,
261. ويستنبؤنك
1.053
9269,
262. إنه لحق
9580,
7529,
263. لحق وما أنتم
9808,
8286,
264. أنتم
9871,
8749,
265. أنتم بمعجزين
3592,
2468,
266. بمعجزين
1.114
9852,
267. ولو أن
1.082
9642,
268. نفس ظلمت
1.024
8353,
269. الندامة
1.082
9102,
270. لما رأوا
1.147
9851,
271. بينهم بالقسط
4124,
2937,
272. لا يظلمون
1.059
8186,
273. ألا أن
1.127
9811,
274. ألا أن
1.047
8392,
275. حق ولكن
1.034
8771,
276. ولكن
3937,
2780,
277. لا يعلمون
3686,
2468,
278. ترجعون
1.038
8728,
279.الناس
9977,
8394,
280.جاءتكم موعظة
1.026
9144,
281. موعظة من
9102,
7415,
282. وهدى ورحمة
9436,
7812,
283. خير مما
1.003
8055,
284. مما يجمعون
4312,
2687,
285.يجمعون
9590,
8155,
286.أرأيتم ما
8795,
6468,
287. ما أنزل
1.013,
8468,
288. لكم من
9343,
8154,
289. رزق فجعلتم
1.289
1.096
290.فحعلتم منه
8809,
7468,
291. حراما وحلالا
1.005
8749,
292. حلالا قل
3374,
2437,
293. تفترون
9684,
7906,
294. وما ظن
9745,
8467,
295. إن الله
8592,
8317,
296. على الناس
3274,
2062,
297. يشكرون
9994,
8281,
298. شأن وما
1.112
8561,
299. من قرآن
9619,
8061,
300. قرآن ولا
9311,
7936,
301. كنا
1.102
9532,
302. من مثقال
1.003
8686,
303. ذرة في
9342,
7811,(7/174)
304. من ذلك
1.018
8593,
305. كتاب مبين
3563,
2624,
306. مبين
9155,
7468,
307. إن أولياء
3562,
2437,
308. يحزنون
3562,
2624,
309. يتقون
3062,
2124,
310. الفوز العظيم
9216,
7936,
311. ولا يحزنك
9374,
7995,
312. إن العزة
3249,
2249,
313.العليم
9853,
8191,
314. ألا إن
9583,
8137,
315. من في
9764,
7998,
316. ومن في
9768,
8397,
317. من دون
9281,
8092,
318.إن يتبعون
9340,
7905,
319. الظن
3374,
2562,
320. يخرصون
8561,
6874,
321. والنهار
8655,
7280,
322. إن في
1.287
8359,
323.لقوم يسمعون
9863,
7895,
324 عندكم
9837,
8375,
325. عندكم من
8405,
7030,
326. من سلطان
9967,
8561,
327. سلطان بهذا
3749,
2812,
328. ما لا يعلمون
1.003
8531,
329. متاع في
1.024
8557,
330. ثم إلينا
8593,
7436,
331. ثم نذيقهم
9031,
7312,
332. إن كان
9837,
8734,
333.عليكم مقامي
9997,
8249,
334. ثم لا يكن
1.015
8811,
335. غمة
1.130
1.009
336. غمة ثم
8972,
7856,
337. ثم
9186,
7967,
338. ولا تنظرون
3874,
2687,
339. ولا تنظرون
9369,
7811,
340. فإن توليتم
9867,
8792,
341. فما سألتم من
3374,
2562,
342. من المسلمين
8975,
7964,
343. ومن معه
9311,
7874,
344. فانظر
9092,
7936,
345. المنذرين
3249,
2499,
346. المنذرين
9217,
7811,
347. ثم
9778,
8593,
348.من بعده
1.008
8778,
349. فجاءوهم بالبينات
1.109
9593,
350. من قبل
3812,
2687,
351. المعتدين
9061,
7562,
352. ثم بعثنا
9124,
7968,
353. من بعدهم
1.120
8374,
354. بعدهم موسى
9387,
7953,
355. قوما مجرمين
9975,
7999,
356. فلما جاءهم
1.063
9432,
357. عندنا
9686,
8405,
358. إن هذا
8561,
7811,
359. لسحر مبين
3562,
2062,
360. مبين
8936,
7124,
361. لما جاءهم
2187,
1437,(7/175)
362. الساحرون
8623,
6999,
363. عما وجدنا
4249,
3187,
364. عليم
9123,
7562,
365. فلما
8686,
7374,
366. لهم موسى
9749,
8124,
367. ما أنتم
8936,
7499,
368. أنتم ملقون
3749,
2499,
369. ملقون
9654,
7999,
370. فلما ألقوا
1.021
9058,
371. جئتم به
1.058
9059,
372. إن الله
9589,
7874,
373. إن الله ل يصلح
2874,
1874,
374. عمل المفسدين
3374,
2187,
375. المجرمون
1.243
8999,
376. ذرية من
9568,
7895,
377. من قومه
8967,
7780,
378. خوف من
8561,
7030,
379. من فرعون
9557,
7967,
380. أن يفتنهم
9217,
8061,
381. وإن فرعون
9217,
7780,
382. لعال في
9405,
8186,
383. وإنه
4124,
3124,
384. لمن المسرفين
9405,
8281,
385. إن كنتم
1.037
8807,
386. كنتم
1.024
8748,
387. كنتم مسلمين
3312,
2249,
388. مسلمين
8905,
7655,
389. آمنتم
9123,
7905,
390. آمنتم بالله
1.027
8623,
391. إن كنتم
9281,
8031,
392. كنتم
1.068
9311,
393. كنتم مسلمين
3374,
2187,
394. الظالمين
8499,
7218,
395. أن تبوءآ
9122,
7655,
396. بيوتا واجعلوا
9031,
7655,
397. قبلة وأقيموا
3499,
2374,
398. وبشر المؤمنين
9810,
8281,
399. إنك
8781,
7124,
400. زينة وأموالا
8249,
6691,
401. وأموالا في
9873,
8749,
402. عن سبيلك
3499,
2624,
403. العذاب الأليم
9935,
8748,
404.ولا تتبعان
3624,
2187,
405. لا يعلمون
9245,
7592,
406. بغيا وعدوا
8249,
7717,
407. آمنت
8933,
7399,
408.أنه لا إله
3499,
2124,
409. من المسلمين
9120,
7686,
410. وكنت
3937,
2624,
411. المفسدين
8999,
7593,
412. وإن كثيرا
1.002
8499,
413. كثيرا من
9658,
8167,
414. الناس
4499,
3499,
415. لغافلون
9186,
7437,
416. صدق ورزقناهم
9371,
7985,
417. ورزقناهم من
8905,
7249,
418. إنك(7/176)
4687,
3437,
419. يختلفون
9061,
7812,
420. فإن كنت
1.055
9018,
421. كنت
9714,
8061,
422. شك مما
1.137
9873,
423. مما
8717,
7530,
424. أنزلناه
9686,
7843,
425. من قبلك
8405,
6937,
426. تكونن
3687,
2249,
427. الممترين
9713,
8155,
428. ولا تكونن
3124,
2062,
429.الخاسرين
9342,
7999,
430. إن الذين
3249,
2189,
431. لا يؤمنون
2749,
1749,
432. الأليم
1.018
8436,
433. لما آمنوا
9465,
8124,
434. من في
9338,
7967,
435. أفأنت
1.034
8373,
436.الناس
3187,
2124,
437. مؤمنين
8655,
7343,
438. أن تؤمن
3062,
2124,
439. يعقلون
1.012
8368,
440. انظروا
9808,
7842,
441. والنذر
8718,
7217,
442. عن قوم
3687,
2124,
443. يؤمنون
9059,
7342,
444.ينتظرون
1.174
9245,
445. من قبلهم
9342,
8030,
446. قل فانتظروا
9217,
8249,
447. إني معكم
9529,
7933,
448. معكم من
1.008
8463,
449.المنتظرين
9273,
7811,
450.ثم ننجي
1.005
8717,
451. ننجي
3374,
2124,
452.المؤمنين
1.046
8874,
453. أيها الناس
9373,
7874,
454.إن كنتم
9436,
7780,
455.كنتم
9717,
7874,
456. شك من
9436,
8061,
457. من ديني
4249,
3062,
458.تعبدون
9217,
8093 ,
459. من دونه
3749,
2312,
460. من المؤمنين
1.018
8374,
461. حنيفا ولا
1.012
7968,
462. تكونن
3124,
2437,
463. من المشركين
1.027
9182,
464. من دون
9278,
7811,
465. ينفعك
9654,
8155,
466. فإن فعلت
8781,
7718,
467. فإنك
8780,
7405,
468.إذا من
4374,
3437,
469. الظالمين
1.033
8593,
470. وإن يمسسك
9093,
7624,
471. بضر فلا
9655,
7624,
472. وإن يردك
9655,
7998,
473. بخير فلا
9311,
7562,
474. من يشاء
9874,
8061,
475. الناس
9844,
8432,
476.فإنما
1.093
9381,
477. ومن ضل
1.037
8621,
478. فإنما(7/177)
1.006
8749,
479. عليكم بوكيل
3749,
2562,
480. الحاكمين
ملاحظات عامة على النتائج:
1. يتضح لنا بعد مراجعة نتائج عينات البحث المرفقة التي قامت عليها الدراسة أن المتوسط الزمني لمدة النطق بصويت الغنة في قراءة القراء الأربعة بجميع صورها المختلفة ومراتبها المتعددة التي اشتملت عليها الآيات القرآنية الكريمة موضوع البحث متقارب شيئا ما، وما نراه من التفاوت في المتوسط العام لزمن النطق بصويت الغنة في بعض نتائج عينات البحث المرفقة في قراءة القراء الأربعة كما سنرى مظاهره بعد يعود بدرجة كبيرة إلى سبب خارج عن زمن النطق بحرفي النون والميم الساكنين أو المحركين حال حصولهما في المخرج وقد لجأ أصحاب الأداء السليم لألفاظ القرآن الكريم إلى إطالة زمن النطق بصويت الغنة المصاحب لهذين الحرفين وما في حكمهما للحيلولة بينها وبين أن تفنى (فناء تاما أو ناقصا) كما ذكرنا فيما سبق في بعض الحروف التي تجاورها أو تلاصقها في البيئة اللغوية.
2. لم تشتمل آيات سورة يونس (عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم) على أي نوع من صويت الغنة من نوع إدغام النون الساكنة والتنوين في النون بعدها نحو قوله تعالى " إن نشأ ننزل عليهم من السماء ماء الشعراء _4 _ "، وقوله تعالى " ملكا نقاتل في سبيل الله البقرة 246 "، وقد أجرى الباحث عدة تجارب على عينات من آي أخر اشتملت على هذا النوع من صويت الغنة وردت في سورة البقرة بقراءة هؤلاء القراء الأربعة واستخرج منها الباحث المتوسط العام، وقد أثبتت نتائجها في مكانها من هذا البحث(7/178)
3. تظهر صور التمثيل الطيفي لحروف (النون والميم الساكنين وما في حكمهما) المرفق بعض نماذجها بهذا البحث عند التقائها بالحروف المقتضية للإدغام بغنة (الناقص والمثلين) والإقلاب والإخفاء (الحقيقي والشفوي) أن هناك شيئا ما زائدا على أصل الحرف أتى مصاحبا له قبل أن ينطق بالحرف الملاصق له في البيئة اللغوية وهذا الشيء الزائد على أصل الحروف (النون والميم الساكنين وما في حكمهما) هو صفة الغنة الملازمة لهذين الحرفين وما في حكمهما ويستغرق زمن النطق به مدة قد تطول وقد تقصر كما سنرى في مكانه من هذا البحث بناء على الحرف من حيث المخرج والصفة الذي يأتي بعد حروف الغنة وليس ذلك إلا للحيلولة بين (النون والميم الساكنين وما في حكمهما) والفناء في غيرها كما أشرنا إلى ذلك سابقا
4. اتضح لنا بعد التدقيق في صور التمثيل الطيفي المرفق بعض نماذجها بهذا البحث أن هذا الشي الزائد على أصل الحروف (النون والميم الساكنين وما في حكمهما) يمثل بدقة صفة الغنة الملازمة لهذه الحروف. يؤكد ذلك قول أصحاب الأداء القدماء في تعريفهم للغنة بأنها صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه إذ الخارج من الخيشوم هو صوت الغنة لا حروفها، والغنة كما هو معروف ليست حرفا كما في إطلاق بعضهم أو تخصيصه؛ لأن الحرف يعمل فيه اللسان لإخراجه، والغنة ليست كذلك بل هي صفة تابعة لموصوفها اللساني أو الشفوي أي النون والميم وما في حكمهما. وهذا الأمر هو الذي أوجب إلحاقها بالصفات المشهورة التي لا ضد لها وهي لا تقل أهمية عن صفة القلقلة. وقد عدها من الصفات جمع من العلماء كالإمام ابن بري وغيره. ومنهم من ذكرها مع المخارج ولكل وجهة. فمن ذكرها في المخارج، نظر أن لها مخرجا وهو الخيشوم فذكرها معه، وعدها من الحروف تغليبا للحروف عليها. ومن ذكرها في الصفات، نظر إلى أنها صفة اختصت بمخرج دون سائر الصفات فعدها منها تبعا لها.(7/179)
5. تبين للباحث بعد استقراء صور التمثيل الطيفي لكيفية أداء صفة الغنة الملازمة لحروف (النون والميم الساكنين وما في حكمهما) المرفق بعض نماذجها بهذا البحث عند التقائها بالحروف المستلزمة حدوث هذه الغنة أن هناك شيئا ما ظاهرا على هذه الصور يتمثل في شكل حزم سوداء داكنة ممتدة من القاعدة إلى القمة حدثت قبل استكمال النطق بهذه الحروف وقبل النطق بالحرف الملاصق لها أيضا المستلزم لحدوث الغنة في البيئة اللغوية وتحدث هذه الغنة كما أوضحنا سابقا نتيجة اندفاع الهواء من الرئتين محركا الوترين الصوتيين ثم يتخذ مجراه في الحلق أولا حتى إذا وصل إلى أقصى الحلق هبط أقصى الحنك الأعلى فيسد بهبوطه فتحة الفم ويتسرب الهواء من التجويف الأنفي محدثا في مروره نوعا من الحفيف لا يكاد يسمع أو يلاحظ على الصور الطيفية لصويت الغنة في حالة الإدغام بغنة، وكذا في حالة الإخفاء (بما فيه الإقلاب) ، حيث نسقط المخرج ونبقي الصفة في هذه الأحوال جميعا، والفارق بين حال النون في هذه الحالات كما أوضحنا سابقا أنه مع الإدغام يلغى المخرج وتبقى الصفة التي هي الغنة والتي مخرجها من الأنف أو الخيشوم، وفي الوقت نفسه ينطق حرف الإدغام (ي،و، م) فيحدث تزامن في النطق، فيخيل للسامع مع أن الياء في (من يهدي) مشددة، وأن الواو في (من وال) مشددة … إلخ، وليس هناك تشديد لأنه لو كان هناك تشديد لرأينا ذلك واضحا على الصور الطيفية لصويت الغنة، ولسمعنا الياء في (من يهدي) ياء مشددة بدون غنة، لكننا نرى حزما سوداء داكنة على الصورة الطيفية ذات معالم أو مكونات ثابتة، فالمسألة تزامن نطق فقط، أما مع الإخفاء (بما فيه الإقلاب) فيحدث أن النون يسقط مخرجها بمعنى أننا لا نجعل طرف اللسان يلتصق بما يقابله من مقدم الحنك، ونجعل الصوت يمر من الخيشوم أو الأنف لكي ننطق الغنة التي هي الصفة الجوهرية المشخصة للنون، وبذلك تكون النون قد حذف شطر من(7/180)
مخرجها، وشطر آخر من صفتها، وبعد الانتهاء من نطق الغنة نبدأ في نطق حرف الإخفاء. أما النون في حالة إدغام النون في مثلها أو في الميم نحو " من نار " و " من مال " وكذا النون المشددة في نحو " جنات " والميم المشددة في نحو " فأما من أعطى " فإن الهواء إذا وصل إلى أقصى الحلق، فلا تهبط اللهاة وتسد الفم إلا بعد أن يصل الهواء إلى الفم حيث مخرج الميم في الشفتين، والنون في طرف اللسان الذي يلتصق بمقدم الحنك الأعلى، فيعود الهواء إلى الخلف ليجد اللهاة قد هبطت، وفتحت الطريق إلى الخيشوم، فيخرج منه الهواء محدثا صوت الغنة. بقي معنا إخفاء الميم في نحو " يوم هم بارزون " وهو كإخفاء النون تماما.(7/181)
6. لاحظ الباحث بعد التأمل في صور التمثيل الطيفي المرفق بعض نماذجها بهذا البحث ذلك التشابه على وجه العموم في المعالم (Formants) التي يسلكها في الأداء السياقي هذا الهواء المتسرب من التجويف الأنفي عند النطق بالحروف التي تلازمها صفة الغنة وحرف الحركة (قصيرا كان أو طويلا) فكلاهما يشكلان بقعا سوداء داكنة منتظمة تنتشر عموديا على معالم الصورة جميعها وتمتد من القاعدة إلى القمة كما أشرنا إلى ذلك في مكانه من هذا البحث مع اختلاف يسير بينهما في المقدار والمدة الزمنية تبعا لنوع حرف الغنة (نونا ساكنة كانت أو ميما ساكنة أو ما في حكمهما) ، ونوع الحرف الملاصق لها في البيئة اللغوية وكذا حكم الغنة معه (إدغاما كان أو إقلابا أو إخفاء) مما سنرى مظاهره فيما بعد وهذا يفسر بوضوح قول القدماء من علماء اللغة العربية والنحو والقراءات الذين وصفوا صويت الغنة بأنه صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه يشبه المد واللين والمعروف أن هذا الذي يخرج بهذه الكيفية هو صفة الغنة لا حروفها فهو بعض حرف الغنة وليس كله، كما أن الحرف يعمل فيه اللسان لإخراجه وليس كذلك صويت الغنة، هذه الأسباب وغيرها ما جعلني أعد صوت الغنة في هذا البحث (صويتا) .
مناقشة نتائج العينات: بمقارنة نتائج المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة الواردة في الآيات القرآنية بقراءات القراء الأربعة الذين جعلت قراءاتهم الأساس الذي قام عليه البحث والملاحظة نجد اختلافا ملحوظا بين نتائج هذا المتوسط العام لبعض العينات وبعضها الآخر، وهذا الاختلاف أخذ صورا كثيرة ومظاهر عديدة نجملها فيما سنعرضه من نقاط:
أولا: صويت الغنة مع حرفي النون والميم المشددين.(7/182)
أ. وجد بعد استقراء نتائج العينات في الآيات القرآنية بقراءة هؤلاء القراء الأربعة التي قامت عليها الدراسة أن المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة مع النون المشددة (من مجموع 82 عينة اشتمل عليها البحث) قد بلغ (8340,) من الثانية، في حين بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة نفسه مع الميم المشددة (8423,) من الثانية (من مجموع 35 عينة اشتمل عليها البحث) .
ب. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لحرف النون المشدد في العينات نفسها (1561,) من الثانية، مقارنة بذلك المتوسط العام للمدة الزمنية لحرف الميم المشدد الذي بلغ (1539,) من الثانية في العينات نفسها أيضا.
ج. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة والنون المشددة معا في العينات نفسها التي اشتمل عليها البحث (9865,) من الثانية، في حين بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة والميم المشددة (9847,) من الثانية في العينات نفسها التي اشتمل عليها البحث كما نرى في الجدول:
الصوت المقيس
عدد العينات
مجموع المدة الزمنية للصوت المقيس في العينات جميعها
المتوسط العام
صويت الغنة للنون المشددة
82
68.39509
8340, من الثانية
صويت الغنة للميم المشددة
35
29.4806
8423, من الثانية(7/183)
وكما هو ملاحظ من نتيجة المتوسط العام لنتائج العينات المرفقة لصويت الغنة مع كل من حرفي النون والميم المشددين نستطيع القول إن زمن النطق بصويت الغنة للميم المشددة بدا أطول زمنا من زمن النطق بصويت الغنة للنون المشددة. ولدى إخضاع نتائج العينات المشار إليها لاختبار (T. test) للفروق بين العينات اتضح أن هناك فرقا بينهما في الحالين قدر بحوالي (P > 0,01) وهو وإن كان فارقا ضئيلا إلا أنه يعتد به في مثل هذه الحالات. وما ذلك في رأينا إلا لأن حرف الميم كما يقول علماء القراءات القدماء أقوى من حرف النون لأن لفظها (مخرجها) لا يزول* ولفظ (مخرج) النون قد يزول عنها فلا يبقى منها إلا غنة ولذلك سمي الميم الحرف الراجع لأنك ترجع إلى الخيشوم لما فيها من الغنة *، والخيشوم: هو الخرق المنجذب إلى داخل الفم. ويعد صويت الغنة في حرفي النون والميم المشددين وما في حكمهما عند بعض علماء القراءات من أقوى مراتب صويت الغنة ويشمل هذا النوع من صويت الغنة مع حرف الغنة المشدد ما كان منه في كلمة واحدة، وما كان منه في كلمتين، فالذي في كلمة هو النون والميم المشددتان مطلقا كما رأينا في جداول عينات البحث المرفقة (الأرقام 7، 10، 12، 27، 31، 32، 39، 77، 103… إلخ) والذي في كلمتين يشمل أربعة أنواع وكلها من الإدغام التام:
1. الإدغام التام المصحوب بالغنة وهو إدغام النون الساكنة والتنوين في النون والميم (الأرقام 3، 8، 19، 74، 120، 160، 344، 425…إلخ) وسنرى تفصيلا لذلك في موضعه من هذا البحث.
2. إدغام الميم الساكنة في مثلها كما نجده في عينات البحث المرفقة (الأرقام 87، 92، 113، 156، 159، 169، 176، 194، 203…إلخ) وسنرى تفصيلا لذلك في موضعه من هذا البحث.(7/184)
3. إدغام المتجانسين الصغير المصحوب بصويت الغنة، وهو إدغام الباء الساكنة في الميم نحو قوله تعالى " يا بني اركب معنا هود الآية 42 ". ولم يشتمل النص موضوع الدراسة على شيء من هذا النوع. بيد أن الباحث قد أجرى عدة تجارب على الآية المذكورة آنفا بأصوات هؤلاء القراء الأربعة وقد أثبتت نتائجها في مكانها من هذا البحث.
4. إدغام اللام الشمسية في النون اتفاقا كما نراه في عينات البحث المرفقة (الأرقام 2، 28، 34، 40، 44، 89، 110، 121، 144، 228، 232…إلخ) ، وإليك بيان هذه المراتب الخمس وتحديد القيم الزمنية لصويت الغنة مع كل مرتبة:(7/185)
1. الإدغام التام المصحوب بالغنة: وهو كما سبق إدغام النون الساكنة والتنوين في النون والميم، وإدغام النون الساكنة والتنوين في مثلها لا إشكال فيه وإنما الجميع على إدغامهما بغنة، ويسمى إدغام مثلين صغيرا مع الغنة. وكذلك اتفق الجميع على إدغامهما أيضا بغنة مع الميم وتبقى الغنة غير مدغمة، خارجة من الخياشيم، فينقص حينئذ التشديد، والغنة التي كانت في النون باقية مع لفظ الحرف الأول، لأنك إذا أدغمت في حرفين فيهما غنة، وذلك الميم والنون فبالإدغام تلزم الغنة لأنها باقية غير مدغمة، وبالإظهار أيضا تلزم الغنة لأن الأول حرف تلزمه الغنة ومثله الثاني. فالغنة لا بد منها ظاهرة أدغمت أو لم تدغم. وعلة إدغامها في النون هو اجتماع مثلين الأول ساكن ولا يجوز الإظهار ألبتة. فأما علة إدغامها في الميم فلمشاركتهن في الغنة، ولتقاربهن في المخرج للغنة التي فيهن لأن مخرج النون الساكنة والتنوين والميم الساكنة من الخياشيم فقد تشاركن في مخرج الغنة فحسن الإدغام مع أن النون مجهورة شديدة والميم مثلها فقد تشاركن في الجهر والشدة فهما في القوة سواء في كل واحد جهر وشدة وغنة فحسن الإدغام وقوي وبقيت الغنة ظاهرة لئلا يذهب الحرف بكليته ولأنك لو أذهبت الغنة لأذهبت غنتين غنة كانت في الأول وغنة كانت في الثاني إذا سكن، وأيضا فإنه لا يمكن ألبتة زوال الغنة لأنك لا بد لك في الإدغام من أن تبدل من الأول مثل الثاني وذلك لا بد من الغنة لأن الأول فيه غنة والثاني إذا سكن فيه غنة فحيثما حاولت مذهبا لزمتك الغنة ظاهرة فلم يكن بد من إظهار الغنة في هذا ذوهذا كله إجماع من القراء والعرب، ولا يتمكن أبدا في إدغام النون والتنوين في الميم والنون إدغام الغنة إلا بذهاب لفظ الحرفين جميعا إلى غيرهما من الحروف مما لا غنة فيه إذا سكن وذلك تغيير لم يقع في كلام العرب. وتشير نتائج عينات البحث المرفقة إلى أن المتوسط العام لصويت الغنة موضوع(7/186)
البحث للنون الساكنة مع حرف النون قد بلغ (8395,) من الثانية، في حين بلغ هذا المتوسط العام لصويت الغنة للتنوين مع حرف النون (8706,) من الثانية، بينما بلغ المتوسط العام لصويت الغنة للنون الساكنة مع حرف الميم (8453 ,) من الثانية، وللتنوين مع حرف الميم (8550,) من الثانية كما يتضح ذلك من الجدول:
الصوت المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون مع النون
8
6.2992
8395,
صويت الغنة للتنوين مع النون
5
4.353
8706,
صويت الغنة للنون مع الميم
30
25.361
8453,
صويت الغنة للتنوين مع الميم
21
17.955
8550,
ولدى إخضاع نتائج العينات لاختبار (T. test) للفروق بين العينات اتضح أن هناك فارقا زمنيا بينهما قدر بحوالي (P >0, 01) وهو وإن كان فارقا ضئيلا إلا أنه يعتد به في مثل هذه الحالة.
2. إدغام الميم الساكنة في مثلها، ويسمى إدغاما صغيرا مع الغنة، وحرفه واحد فقط وهو الميم إذا وقع بعد الميم الساكنة سواء كان معها في كلمة أم كان في كلمتين وهنا يجب إدغام الميم الساكنة في الميم المتحركة. فالذي من كلمة نحو " آلم البقرة آية 1 "،والذي من كلمتين " كم من فئة البقرة آية 249 " ومنه إدغام النون الساكنة والتنوين في الميم كما ذكرنا آنفا وذلك لقلب المد غم من جنس المد غم فيه، وكذلك يطلق على كل ميم مشددة كما قاله في النشر، وسمي إدغاما لإدغام الميم الساكنة في المتحركة، وسمي بالمثلين لكون المد غم والمد غم فيه من حرفين اتحدا مخرجا وصفة أو اتحدا اسما ورسما، وسمي صغيرا لكون الأول من المثلين ساكنا والثاني متحركا أو لقلة عمل المد غم، وسمي بالغنة لكون الغنة مصاحبة له وهي هنا بالإجماع ووجهه التماثل. وقد بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة في هذا النوع من مراتب الإدغام في عينات البحث المرفقة (8424,) من الثانية من مجموع (27 عينة اشتمل عليها البحث) كما نراه في الجدول(7/187)
الصوت المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للميم مع الميم
27
22.7472
8424,
صويت الغنة للميم+ميم بعدها
27
26.8355
9939,
ولدى إخضاع نتائج العينات لاختبار (F. test) للفروق بين العينات اتضح أن هناك فارقا زمنيا بينهما قدر بحوالي (P > 0,6361) من مجموع (21) عينة وهي قيمة يعتد بها في مثل هذه الحالة.
3.إدغام المتجانسين الصغير المصحوب بصويت الغنة: وضابطه: أن يكون الحرفان اللذان حصل فيهما هذا الإدغام متفقين في المخرج ومختلفين في الصفة.
ومثاله: إدغام الباء الساكنة في الميم (ولم تشتمل عينات البحث في النص الموضوع للدراسة على شيء من هذا النوع من صور الإدغام. وقد أجرى الباحث عدة تجارب على هذا النوع من الإدغام وهي آية واحدة وردت في سورة هود (عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم) في قوله تعالى" يا بني اركب معنا سورة هود آية 42 " عند من أدغم ومنهم حفص وعاصم من الشاطبية اتفاقا، ووجهه التجانس، وقد جاء عنه من طريق الطيبة الخلاف، وهذا يفيد أن لحفص الوجهين الإظهار والإدغام فيه من طريق الطيبة. وقد عد بعض علماء اللغة العربية والنحو القدماء هذا الإدغام من قبيل إدغام حرف في مقاربه، وإذا أدغم الحرفان المتقاربان قلب الأول فيهما عندهم إلى لفظ الثاني قلبا صحيحا وأدغم فيه إدغاما تاما فتقلب حينئذ الباء ميما وتدغم في الميم التي بعدها ولم يجعلوها باء للغنة التي في الميم ولئلا تذهب الغنة بذهاب ذلك الصوت لعدم وجودها في الباء. وسمي إدغاما صغيرا لقلة العمل فيه حالة الإدغام حيث يكون فيه عملان هما: قلب المد غم من جنس المد غم فيه ثم إدغامه في المد غم فيه. وقد بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة في قراءة هؤلاء القراء الأربعة لأمثال هذا النوع من مراتب الإدغام (8797,) من الثانية كما نراه في هذا الجدول
الصوت المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات(7/188)
المتوسط العام
صويت الغنة للباء المحولة إلى ميم
1
3.518
8797,
صويت الغنة للباء المحولة إلى ميم مع الميم
1
4.364
1.091
4. إدغام اللام الشمسية في النون اتفاقا، وهي عند علماء التجويد لام ساكنة زائدة عن بنية الكلمة مسبوقة بهمزة وصل مفتوحة عند البدء وبعدها اسم سواء صح تجريدها عن هذا الاسم كالشمس والقمر أم لم يصح كالتي والذي. وذلك نحو قوله تعالى " عن النعيم _ سورة التكاثر آية 8 "، وسمي هذا وأمثاله إدغاما لإدغام لام التعريف في هذا الحرف، وقيل لإبدال لام التعريف حرفا من نوع الحرف الذي بعدها ثم إدغامه فيها، ووجهه التجانس على مذهب الفراء وموافقيه. وأما على مذهب الجمهور فللتقارب.وقد بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة في هذا النوع من مراتب الإدغام في قراءة هؤلاء القراء الأربعة لما ورد منه في النص موضوع الدراسة (8179,) من الثانية (من مجموع 21 عينة اشتمل عليها البحث) كما نلاحظه في الجدول
النص المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون المشددة
21
17,168
8179,
حرف النون الساكن الصامت
=
3.3735
1606,
صويت الغنة والنون بعدها
=
20.4076
97179,(7/189)
ثانيا: صويت الغنة مع الإدغام بغنة (الناقص) : يقصد القراء بهذا النوع من الإدغام هو سقوط المد غم ذاتا لا صفة بإدغامه في المد غم فيه وبذلك يصير المد غم والمد غم فيه حرفا واحدا مشددا تشديدا ناقصا وذلك من أجل بقاء صفة المد غم بوجه عام، ويختص هذا الإدغام كما أوضحنا سابقا بأربعة أحرف من أحرف " يرملون " عند بعض أئمة أهل الإقراء ويجمعها في قول الكثير من علماء القراءات في لفظ " ينمو ". وهذا عند غير خلف عن حمزة وعنده الإدغام بغنة في حرفين: النون والميم وبلا غنة في أربعة وهي: الواو والياء واللام والراء. وقد بلغت القيمة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها عند إدغامها في حروف الإدغام الناقص بصفة عامة (85661 ,) من الثانية (من مجموع 70 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نلحظ ذلك من الجدول:
نوع الأداء (ظاهرة الإدغام)
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون المد غمة
70
59.9627
85661,
صويت الغنة والحرف المد غم
=
70.112
1.0016(7/190)
ووجه الإدغام في الواو والياء التجانس: في الانفتاح، والاستفال، والجهر. وفي النون التماثل. وفي الميم التجانس: في الغنة والجهر والانفتاح والاستفال، وبعض الشدة أي وهو بين الشدة والرخاوة. وقد اتفق أهل الأداء على أن الغنة الظاهرة في حالة إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء غنة المد غم وهو النون الساكنة والتنوين، وفي حالة إدغامها في النون غنة المد غم فيه وهو النون. واختلفوا في حالة إدغامها في الميم فذهب بعضهم إلى أنها غنة المد غم،وذهب آخرون إلى أنها غنة المد غم فيه وهو الميم لا غنة النون وهذا ما ذهب إليه أكثر المحققين وبه قال الجمهور بناء على أن النون الساكنة والتنوين حالة إدغامهما في الميم انقلبا إلى لفظها وهو ما نلحظه عند النطق بنحو قوله تعالى " من مال النور آية 33 "، " مثلا ما البقرة 26 ". وقد سبق القول آنفا على المدد الزمنية التي استغرقها النطق بصويت الغنة مع كل من النون والميم عند التقائهما بالنون الساكنة والتنوين والميم والباء الساكنتين. وفيما يتعلق بالنون الساكنة والتنوين فإنهما يدغمان في الواو والياء من كلمتين مع إظهار الغنة التي كانت في النون في حال اللفظ بالشدة والمد غم لا في نفس الحرف الأول الذي تبقى الغنة ظاهرة مع لفظ الحرف الأول، وإذا أدغمت النون في الياء والواو أبدلت من النون حرفا لا غنة فيه فلم تكن الغنة لازمة للحرف الأول لأنه لا تلزمه الغنة سكن أو تحرك فتصير الغنة ظاهرة في حال اللفظ بالمد غم خارجة من الخياشيم، وهذا إجماع من القراء غير خلف عن حمزة، وعلة إدغام النون في الواو للمواخاة التي بين الواو والميم في المخرج إذ كانا يخرجان من بين الشفتين وأيضا فإن المد الذي في الواو بمثابة الغنة التي في الميم. وعلة إدغامها في الياء لمواخاتها الواو في المد واللين ولقربها أيضا من الراء لأنه ليس يخرج من طرف اللسان أقرب إلى الراء من الياء. وتبلغ المدة(7/191)
الزمنية لصويت الغنة عند النطق بالنون الساكنة والتنوين المد غمتين في الواو في قراءة هؤلاء القراء الأربعة لمادة النص موضوع الدراسة (8491,) من الثانية (من مجموع 25 عينة اشتمل عليها البحث) ، في حين بلغت هذه المدة الزمنية لصويت الغنة عند النطق بالنون الساكنة والتنوين المد غمتين في الياء في قراءة هؤلاء القراء لمادة النص أيضا (8353,) من الثانية (من مجموع 20 عينة اشتمل عليها البحث) كما نلاحظ ذلك من الجدول المرفق:
الصوت المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون مع الواو
25
21,227
8491,
صويت الغنة للنون والواو معا
=
23.0207
920828,
صويت الغنة للنون مع الياء
20
15.9338
8352,
صويت الغنة للنون والياء معا
=
18.8281
9849,
ثالثا: قلب النون الساكنة والتنوين ميما: تقلب النون الساكنة وما في حكمها مع الباء ميما لأنها من موضع تعتل فيه النون فأرادوا أن تدغم هنا إذ كانت الباء من موضع الميم كما أدغموها فيما قرب من الراء في الموضع فجعلوا ما هو من موضع ما وافقها في الصوت بمنزلة ما قرب من أقرب الحروف منها في الموضع. ولم يجعلوا النون باء لبعدها في المخرج، وأنها ليست فيها غنة، ولكنهم أبدلوا من مكانها أشبه الحروف بالنون وهو الميم وذلك قولهم: شمباء وعمبر يريدون شنباء وعنبرا. وإنما تقلب النون الساكنة وما في حكمها ميما عند التقائها بالباء خاصة من أجل مواخاة الميم للنون في الغنة، ومشاركتها للباء في المخرج فقلبا ميما من أجل ذلك. وقد بلغت المدة الزمنية لصويت الغنة عند النطق بالنون الساكنة وما في حكمها في حالة التقائها بالباء (8737,) من الثانية (من مجموع 12 عينة اشتمل عليها البحث) كما نلحظ ذلك من هذا الجدول:
نوع الأداء (ظاهرة الإقلاب)
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون مع الباء
12
10.4848
8737 ,
حرف الباء الساكن الصامت
=
1.8111
1509,(7/192)
صويت الغنة للنون والباء معا
=
12.711
1.0592
رابعا: الإخفاء: تقوم علة الإخفاء كما أشرنا إلى ذلك سابقا على أن العلاقة الصوتية للنون والميم الساكنتين وما في حكمهما بالحروف التي تخفى عندها هي بين بين فلا هي شديدة التباين والتباعد فيحصل الإظهار، ولا هي شديدة التقارب والتجانس فيحصل الإدغام، والفرق بين الإخفاء والإدغام بغنة: أنه في حالة الإخفاء يبقى زمن النطق بالحرف التالي كما هو في أصل وضعه أي يبقى مخففا دون أن يطول أو يمتد زمنه وكل ما يحدث هو أنه ينطق بين يديه بغنة وفي هذه الحالة يبطل العمل الفموي الذي يحدث مع النون وتبقى غنة يتفاوت زمنها على قدر درجة قرب ذلك الحرف التالي منها أو بعده عنها كما يختلف خفاؤها على قدر قربها وبعدها منه فالأبعد زمن الغنة معه أطول أي يكون معه خفاء قليلا للنون أو الميم لا خفاء كثيرا. أما في حالة الإدغام فإنه يطول ويمتد زمن النطق بالحرف التالي أي يثقل ويشدد الحرف التالي عوضا عن إسكات العمل الفموي الذي يكون مع النون وينطق مع ذلك بين يديه بصوت من الخياشيم. وقد بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لنطق صويت الغنة التي تكون للنون مع حروف الإخفاء بصورة عامة (8456,) من الثانية (من مجموع 113 عينة اشتمل عليها النص موضوع البحث) ، كما بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لنطق صويت الغنة للميم مع حرف الباء (8776,) من الثانية من مجموع (19) عينة اشتملت عليها عينات هذا البحث، وذلك على نحو ما نراه في الجدول:
نوع الأداء (ظاهرة الإخفاء)
عدد العينات
مجموع نتائج العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون مع حروف الإخفاء
113
95.5592
8456,
صويت الغنة للنون وما بعدها
=
112.468
99529,
صويت الغنة للميم مع حرف الباء
19
16.674
8776,(7/193)
وقد توزعت قيمها الزمنية وتفاوتت تبعا لقرب مخارج الحروف التي تخفى عندها النون أو الميم الساكنتين أو ما في حكمهما من الغنة أو بعدها عنها هكذا:
بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية للنطق بصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها عندما تخفى مع حروف الإخفاء المجهورة (84620,) من الثانية (من مجموع 40 عينة اشتمل عليها البحث) .
بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية للنطق بصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها عندما تخفى مع حروف الإخفاء المهموسة (8453,) من الثانية (من مجموع 73 عينة اشتمل عليها البحث) كما نلحظه من هذا الجدول:
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون المخفاة / المجهور
40
33.8482
8462,
صويت الغنة مع الحرف المجهور
=
39.877
9969,
صويت الغنة للنون المخفاة / المهموس
73
61.7069
8453,
صويت الغنة للنون المخفاة /المهموس
=
72.57839
9943,
وعند النظر إلى المدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها لدى إخفائها قبل حروف الإخفاء المجهورة كما نراه في الجدول المرفق تبين أنها أطول زمنا من المدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها المخفاة عند حروف الإخفاء المهموسة بفارق زمني قدر على اختبار (ت) للفروق بين العينات بمقدار (P > 0, 02) "، وهو وإن كان فرقا ضئيلا ولكنه يعتد به في مثل هذه الأحوال.
بلغ المتوسط العام لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها المخفاة عند حروف الإخفاء التي تخرج من أقصى الحنك
(اللهاة) كالكاف والقاف (8304,) من الثانية (من مجموع 21 عينة اشتملت عليها مادة النص)
كما نلحظه في الجدول المرفق:
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون قبل الحرف اللهوي
21
17.439
8304,
حروف الإخفاء اللهوية
=
3.295
1569,
صويت الغنة مع حروف الإخفاء
=
20.383
9706,(7/194)
بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها المخفاة عند حروف الإخفاء التي تخرج من وسط الفم فقط كالجيم والياء (8462,) من الثانية (من مجموع 25 عينة اشتملت عليها مادة النص)
كما نلحظه في الجدول:
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون المخفاة قبل الحرف
25
20.9841
8462,
حرف الإخفاء الفموي
=
3.9345
1573,
صويت الغنة مع حروف الإخفاء
=
24.7971
99857,
بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها المخفاة عند حروف الإخفاء التي تخرج من أول اللسان فقط كالطاء والظاء والصاد … (89437,) من الثانية (من مجموع 72 عينة اشتملت عليها مادة النص)
كما نراه من الجدول:
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون المخفاة قبل الحرف
72
64.395
89437,
حروف الإخفاء من أول الفم بعد النون
=
11.859
16470,
صويت الغنة مع حرف من أول الفم
=
76.5429
1.0630
خامسا: أظهرت نتائج العينات في الجداول المرفقة تفاوتا واضحا في قيم المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها في حالات الإدغام والإقلاب والإخفاء تبعا لصفة الحرف التالي بعدها من حيث كونه حرفا شديدا وقفيا أو رخوا احتكاكيا أو مركبا …الخ في النص المقروء على النحو الآتي:
1. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها إذا تليت بالحروف الوقفية الشديدة الانفجارية فقط (8128,) من الثانية (من مجموع 60 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نلحظه من الجدول
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة المخفاة قبل حرف شديد
60
48.771
8128,
الحروف الشديدة بعد النون المخفاة
=
9.787
1631,
صويت الغنة مع حرف شديد
=
59.826
9471,(7/195)
2. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها إذا تليت بالحروف الرخوة الاحتكاكية فقط (8681,) من الثانية (من مجموع 40 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نلحظ ذلك في الجدول:
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة المخفاة قبل حروف الإخفاء
40
34.724
8681,
الحرف الاحتكاكي بعد النون المخفاة
=
6.320
1580,
صويت الغنة مع حروف الإخفاء
=
40.680
1.017
3. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها إذا تليت بالحروف المركبة (الجيم) فقط
(8654,) من الثانية (من مجموع 3 عينات استملت عليها مادة النص) كما نلحظ ذلك من الجدول:
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة المخفاة قبل حروف الإخفاء
3
2.5962
8654,
الحرف المركب بعد حرف النون المخفاة
=
4578,
1526,
صويت الغنة مع حروف الإخفاء
=
3.123
1.041
4. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة للنون الساكنة وما في حكمها المد غمة في بعض الحروف المتوسط فقط كالنون والميم (88550,) من الثانية (من مجموع 63 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نلحظه من الجدول:
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون المدغمة في النون والميم
63
55.7865
8855,
صويت الغنة مع حروف متوسطة
=
61.0218
9686,(7/196)
سادسا: أوضحنا سابقا أقوال أئمة الإقراء وأهل الأداء في مراتب صويت الغنة. فقد قال فريق منهم إنها ثلاث مراتب: المشدد فالمد غم بالغنة الناقص فالمخفي ولم ينظروا إلى صويت الغنة الذي في الساكن المظهر ولا في المتحرك المخفف. وهذا هو ظاهر كلام الشاطبي يرحمه الله في الشاطبية. وذهب الجمهور إلى أنها خمس مراتب الثلاث المتقدمة ورابعها الساكن المظهر وخامسها المتحرك المخفف وهذا هو المعول عليه. والخلاف كما يبدو بين الفريقين لفظي فمن قال بسقوط صويت الغنة في المرتبتين الأخيرتين (الساكن المظهر والمتحرك المخفف) فقد أراد سقوط كمالها وهذا لا ينافي أن أصلها موجود عنده. ومن قال ببقائها فقد أراد بقاء أصلها فقط لا بقاء كمالها ونظر إلى كون الغنة صفة لازمة للنون ولو تنوينا والميم مطلقا.
وقد كشفت نتائج العينات في الجداول المرفقة أن المتوسط العام لصويت الغنة المصاحب للنون والميم الساكنتين المظهرتين الموقوف عليهما في نهاية كاملة (المد العارض للسكون) تختلف قيمه الزمنية اختلافا ملحوظا تبعا لاختلاف نوع الحرف المسبب لصويت الغنة المصاحب لهذين الحرفين مظهرين ساكنين موقوفا عليهما في نهاية كاملة (المد العارض للسكون) .
1. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب لهذين الحرفين
(النون والميم الساكنتين المظهرتين) في نهاية كاملة (المد العارض للسكون) _ بصفة عامة – في قراءة هؤلاء القراء الأربعة لمادة النص موضوع الدراسة (2517,) من الثانية (من مجموع 94 عينة اشتملت عليها مادة النص)
كما نراه في الجدول:
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون والميم المظهرتين
94
23.6614
2517,
حرفا الميم والنون ساكنين
=
12.1357
1291,
صويت الغنة مع الحرفين الصامتين
=
35.2798
3753,(7/197)
2. أظهرت نتائج العينات في الجداول المرفقة أن المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب لحرفي النون والميم الساكنتين المظهرتين الموقوف عليهما في نهاية كاملة (في المد العارض للسكون) تختلف قيمه الزمنية اختلافا ملحوظا تبعا لاختلاف نوع الحرف المسبب لصويت الغنة وذلك على النحو الآتي:
أ. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب لحرف النون الساكنة المظهرة الموقوف عليها في نهاية كاملة في قراءة هؤلاء القراء الأربعة لمادة النص كما نلحظه في نتائج عينات الجداول المرفقة نحوا من (2519,) من الثانية (من مجموع 88 عينة اشتملت عليها مادة النص) كما نراه في الجدول
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للنون الساكنة
88
22.1682
2519,
حرف النون الساكن الصامت
=
11.4736
1303,
صوبت الغنة +حرف صامت
=
33.1784
3770,
ب. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب لحرف الميم الساكن المظهر الموقوف عليه في نهاية كاملة (المد العارض للسكون) في قراءة هؤلاء القراء الأربعة لمادة النص بناء على نتائج عينات الجداول المرفقة نحوا من (2588,) من الثانية (من مجموع 6 عينات اشتملت عليها مادة النص) كما يلاحظ ذلك من الجدول
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة للميم الساكنة
6
1,5528
2588,
حرف الميم الساكن الصامت
=
6621,
1103,
صويت الغنة +حرف صامت
=
2.1014
3502,(7/198)
سابعا: لوحظ من قراءة هؤلاء القراء الأربعة لمادة النص موضوع الدراسة الحرص على الالتزام بقواعد الإقراء السليمة التي قررها أئمة الأداء وأهل التجويد في أداء صويت الغنة بعد النون والميم الساكنين وما في حكمهما فلم يتأثر صويت الغنة المنطوق مع هذه الحروف (حروف الغنة) ظاهريا بنوع الحركة الواقعة قبلها من ضم نحو قوله تعالى " ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه يونس آية 20 " أو كسر نحو قوله تعالى " إن يتبعون إلا الظن يونس آية 67 " أو فتح نحو قوله تعالى " قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل يونس آية 90 " فلم نلحظ بوضوح إشباعا لهذه الحركات حتى ينتج عنها مثلا من الضمة واو، ومن الكسرة ياء، ومن الفتحة ألف، وهو ما يقع كثيرا من بعض القراء غير المجيدين إذ يتأثر صويت الغنة بزيادة إشباع الحركات التي يليها دون فاصل كونه شبيها في سلوكه النطقي وخصائصه الأدائية بهذه الحركات وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في موضعه من هذا البحث بيد أننا لاحظنا من استقراء نتائج العينات المرفقة اختلافا يسيرا بين قيم المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة باختلاف نوع الحركة الواقعة قبله على النحو التالي:
1. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب للنون والميم الساكنين وما في حكمهما المنطوق بها إثر حركة الفتحة (8589,) من الثانية (من مجموع 52 عينة وردت في مادة النص) كما نلحظ ذلك من الجدول
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة المصاحبة لفتح
52
44.666
85896,
حرفا الميم والنون بعد صويت الغنة
=
8.0697
1551,
صويت الغنة مع الحرفين الصامتين
=
53.2649
1.024
بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب للنون والميم الساكنين وما في حكمهما المنطوق بها إثر حركة الكسرة فقط (8987,) من الثانية (من مجموع 26 عينة وردت في مادة النص) كما نلاحظ ذلك من الجدول:
الحرف المقيس(7/199)
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة المصاحبة لكسر
26
23,3298
8973,
حرفا الميم والنون بعد صويت الغنة
=
4.0201
1546,
صويت الغنة مع الحرفين الصامتين
=
27.9573
1.0752
3. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب للنون والميم الساكنين وما في حكمهما المنطوق بها إثر حركة الضمة (8987,) من الثانية (من مجموع 43 عينة وردت في النص) كما نلاحظ ذلك من الجدول:
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة المصاحبة لضم
43
38,6221
8976,
حرفا الميم والنون بعد صويت الغنة
=
6.972
1621,
صويت الغنة مع الحرفين الصامتين
=
45.373
1.055
ثامنا: يرى أئمة القراءة وأهل التجويد أن من تمام كيفية أداء الغنة كما أشرنا إلى ذلك سابقا إتباعها لما بعدها من الحروف تفخيما وترقيقا على العكس من ألف المد أو صويت القلقلة في أحد الأقوال … إلخ التي تتبع ما قبلها في ذلك. وبالاستقراء والتتبع وجدنا أن تفخيم الغنة يكون في المرتبة الثالثة وهي مرتبة المخفي وفي نوع الإخفاء الحقيقي منه وعند خمسة أحرف وهي الصاد والضاد والطاء والظاء والقاف عند القراء … ويزاد على هذه الأحرف الخمسة حرفان: هما الغين والخاء في قراءة الإمام أبي جعقر المدني، ويلاحظ أن التفخيم في الغنة خاضع لمراتب التفخيم بحسب حركة الحرف الواقع بعد الغنة وما قيل في التفخيم يقال في الترقيق كذلك. وعند إجراء مقارنة بين نتائج عينات الجداول المرفقة اتضح للباحث أن هناك تفاوتا ملحوظا في طول المدة الزمنية لصويت الغنة تبعا للحرف الواقع بعدها من حيث كونه حرف استفال أوحرف استعلاء على النحو التالي:
1. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب لحروف الإستفال في مادة النص المقروءة بأصوات هؤلاء القراء الأربعة (8717,) من الثانية (من مجموع 64 عينة وردت في مادة النص) على ما نراه في الجدول:
الحرف المقيس(7/200)
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت غنة قبل حروف الاستفال
64
55.79189
871748,
حروف الإستفال الصامتة بعد الغنة
=
10.1075
15792,
صويت الغنة مع الصوامت المستفلة
=
65.760
1.0274
2. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب لحروف الاستعلاء في مادة النص المقروءة بأصوات هؤلاء القراء الأربعة (8682,) من الثانية (من مجموع 24 عينة وردت في مادة النص) على ما نلاحظه في الجدول:
الحرف المقيس
عدد العينات
نتيجة العينات
المتوسط العام
صويت الغنة قبل حروف الاستعلاء
24
20.8373
8682,
حروف الاستعلاء الصامتة بعد الغنة
=
3.7166
15485,
صويت الغنة مع الصوامت المستعلية
=
24.3167
1.013196
وبالتدقيق في المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة مع حروف الاستفال وحروف الاستعلاء نجد أن الفرق بينهما وإن كان ضئيلا في القيمة الزمنية تبعا لاختبار ت للفروق بين العينات إلا أنه يعد ذا قيمة صوتية تستعمل للتفريق بين صويت الغنة في الحالين حيث يقدر ب (P > 0,01) لصويت الغنة المصاحب لحروف الاستفال ولعل السبب وراء هذه الزيادة يكمن في أمر يتعلق بقرب مخارج بعض هذه الحروف أو بعدها من مخرج النون الساكنة وما في حكمها فما كان مخرجه قريبا من هذه النون الساكنة فلا بد من إطالة مدة صويت الغنة المصاحب له والعكس بالعكس كذلك وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في موضعه من هذا البحث.
• • •
الخاتمة:(7/201)
تقوم فكرة صويت الغنة التي ناقشناها في الصفحات السابقة في ألفاظ اللغة العربية بصفة عامة وألفاظ القرآن الكريم بصفة خاصة على النظر إليه باعتباره صفة صوتية أصلية تلزم حروف النون والميم وما في حكمهما عند النطق بها في مخارجها؛ فهي صويت يخرج من الخيشوم عند النطق بهذه الحروف من مخارجها وليست حرفا كما أشرنا إلى ذلك في موضعه لأن الحرف كما أوضحنا ذلك فيما سبق يعمل فيه اللسان لإخراجه وصويت الغنة ليس كذلك بل هو صفة لازمة تابعة لموصوفها اللساني والشفوي أي النون والميم وما في حكمهما الأمر الذي أوجب كما ذكرنا سابقا إلحاقها بالصفات اللازمة لهذه الحروف فهي في رأينا لا تقل أهمية عن صويت القلقلة التي ناقشناها في بحث سابق منفصل. وقد تبين للباحث بعد استقراء نتائج البحث أنه يعرض للنون الساكنة وما في حكمها عند مجاورتها لغيرها من الحروف:
أ. إسقاط مخرج النون والذي يتحقق به جسدها وأصل بنيتها ويعوض عنه إطالة زمن النطق بالحرف التالي مع النطق بصويت من الخياشيم بين يدي ذلك الحرف التالي إذا ما كان الإدغام بغنة، وذلك قبل أحد أربعة أحرف وهي النون والميم والواو والياء. وسبب الإدغام في هذا الموضع شدة التقارب الصوتي بين النون وهذه الأحرف المذكورة.(7/202)
ب. إسقاط مخرج النون والذي يتحقق ويتحصل به جسدها وأصل بنيتها وذلك دون تعويض عنه بإطالة زمن النطق بالحرف التالي ولكن يؤتى بصويت من الخياشيم منطوقا به بين يدي ذلك الحرف التالي وحينئذ يبطل المخرج الذي يحدث مع النون ويبقى صويت الغنة يتفاوت كمه أو زمنه على قدر درجة قرب ذلك الحرف التالي أو بعده عنه فالأبعد زمن صويت الغنة معه أطول أي يكون معه خفاء قليلا للنون لا خفاء كثيرا وسبب إخفاء النون مع حروف الإخفاء الخمسة عشر في اللغة العربية هو العلاقة الصوتية للنون بهذه الأحرف التي تليها بين بين فلا هي شديدة التباين والتباعد كما في حالة الإظهار ولا هي شديدة التقارب كما في حالة الإدغام. والفرق بين الإخفاء والإدغام بغنة كما ذكرنا في موضعه أنه في حالة الإخفاء يبقى زمن النطق بالحرف التالي كما هو في أصل وضعه أي يبقى مخففا دون أن يطول أو يمتد زمنه وكل ما يحدث هو أنه ينطق بصويت الغنة وحده المتفاوت زمنه وكمه تبعا لبعد صويت الغنة عنه أو قربه منه، ثم بعد الانتهاء ينطق بالحرف التالي، أما في حالة الإدغام بغنة فإنه يطول ويمتد زمن النطق بالحرف التالي حتى ليخيل للسامع أنه مثقل ومشدد وليس هناك في الحقيقة تشديد ولا تثقيل،وكل ما حدث أن صويت الغنة طال زمن النطق به عوضا عن إسقاط المخرج الذي يكون مع حرف الغنة (النون أو الميم وما في حكمهما) حيث ينطق بصويت الغنة متزامنا مع نطق الحرف التالي.(7/203)
ج. تبين للباحث بعد هذه الدراسة أن النطق بحرفي النون والميم وما في حكمهما يتم بأن يصل الصوت الصاعد من التجويف الحنجري بعد جهره إلى مقدم اللسان مع النون أو الشفتين مع الميم فيجد الغلق فيعود كما ذكرنا سابقا مباشرة إلى الخلف ليجد اللهاة قد هبطت لتفتح طريق الأنف فيخرج منه الصوت مكونا صويت الغنة. فإذا تكون الصوت بهذه الكيفية معا ودفعة واحدة حصل ما يسمى بالصوت الأنفي (ذي الغنة) في اللغة العربية من الناحية العامة مما يعني أن لكل من حرفي الميم والنون وما في حكمهما في أصل وضعهما نطقين أو مخرجين على القول بجعل الأنف مخرجا لبعض الحروف العربية حيث يتم نطقهما من المخرجين في وقت واحد فيكون معهما عمل من الفم وعمل في الأنف أو الخياشيم وذلك لتوزع الصوت الصاعد من التجويف الحنجري إلى المخرجين. ويعد هذان الحرفان وما في حكمهما في اللغة العربية من الحروف الذلقية لكثرة دورانها في الكلام كما نص القدماء من علماء اللغة العربية والنحو على ذلك من الحروف الصوامت الأخرى كما تمتاز عليها أيضا بميزة الوضوح السمعي كالصوائت ولهذا تبادلت المواقع مع الصوامت في كثير من الألفاظ العربية فقالوا: غس وغمس وانغمس، وعصل وعنصل وهو نبات، وشبث وشنبث علق، وسبل وسنبل للزرع، وشظر وشنظر شتم، والرس والرمس للقبر، وقرص وقرمص حمض، والعباس والعنبس للأسد وتحدس الأخبار وتحندس الليل) ، بل عدت لما اشتملت عليه من صفة الغنة لدى كثير من أئمة اللغة والنحو والقراءات القدماء أصواتا بينها وبين أصوات المد واللين مناسبة وعلاقة، فحسن لذلك إطالة الصوت بصويت الغنة الذي فيها عند مجاورتها لحروف الإدغام أو الإخفاء أو الإقلاب من قبيل أنه لا يمكن أن يزاد إلا في طول زمن أصوات المد واللين دون أصوات الصوامت هذا من ناحية، ولئلا يفنى صويت الغنة الذي فيها حينئذ لمشاركتها أصوات المد واللين في صفة الخفاء لاتساع مخرجها، بخلاف سائر الحروف فأحاطت(7/204)
باتساعهم بذلك المخرج بحروف الفم فشاركتها بالإحاطة فخفيت عندها، فحرص لذلك القراء منذ القدم على إطالة صويت غنتها ليحولوا بين حروف الميم والنون وما في حكمهما وفنائها فيما بعدها من حروف الفم كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق. ومظهر هذه الإطالة هو فيما رأينا سابقا زيادة زمن صويت الغنة عند النطق مع تردد موسيقي محبب فيها، فالزمن الذي يستغرقه النطق بصويت الغنة هو في معظم الأحيان ضعف ما تحتاج إليه النون والميم وما في حكمهما المظهرة، وليس هذا إلا للحيلولة بينها وبين الفناء في غيرها فالفرق بين النون المظهرة وصويت الغنة مثلا فرق في الكمية من ناحية وزيادة في النطق الأنفي معها الذي يكسب صوتها رنينا وحسنا في السمع وجرسا موسيقيا محببا يجذب النفس ويجعلها متقبلة لما يلقى إليها من القول.
د. النطق بالنون الساكنة وما في حكمها ميما قبل الباء مع مراعاة صويت الغنة والإخفاء في الحرف المقلوب وذلك توصلا إلى التجانس الصوتي بين النون والباء التي تليها ووجه القلب كما أوضحنا سابقا أنه لم يحسن الإظهار لأنه يستلزم الإتيان بصويت الغنة في النون وما في حكمها ثم إطباق الشفتين من أجل النطق بالباء عقب هذا الصويت وفي ذلك عسر وكلفة في النطق به وكذلك لم يحسن الإدغام لبعد المخرج وفقد السبب الموجب له فلما لم يحسن الإظهار ولا الإدغام تعين الإخفاء ثم توصل إليه بالقلب ميما لمشاركتها للباء مخرجا وللنون في صفة صويت الغنة.(7/205)
هـ. اتضح للباحث بعد استقراء صور التمثيل الطيفي للجهاز الصوتي التي تمت لمادة النص أن صويت الغنة في حالة إدغام النون الساكنة والتنوين في الياء والواو صويت غنة المدغم وهو النون الساكنة والتنوين، وفي حالة إدغامهما في النون صويت غنة المدغم فيه وهو النون من ينمو، وفي الميم صويت غنة المدغم فيه وهو الميم لا صويت غنة النون حيث بدا ظاهرا على صور التمثيل الطيفي أن النون الساكنة والتنوين حالة إدغامهما في الميم انتقلتا إلى لفظها.
و. كشف البحث أن زمن صويت الغنة المصاحب للنون والميم الساكنتين وما في حكمهما يتفاوت طولا أو قصرا تبعا لقرب مخارج الحروف التي تلي النون والميم الساكنتين وما في حكمهما من الأصوات التي تأتي بعدها على النحو التالي:
1. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب للنون الساكنة وما في حكمها الواقعة قبل حروف الإدغام بغنة بصفة عامة (85661,) من الثانية.
2. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب للنون الساكنة المقلوبة ميما الواقعة قبل الباء (فيما يعرف بالإقلاب) نحوا (8737,) من الثانية.
3. بلغ المتوسط العام للمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحب للنون الساكنة المخفاة قبل حروف الإخفاء بصفة عامة (8456,) من الثانية. وهناك نتائج أخرى اشتمل عليها هذا البحث متفرقة هنا وهناك تتعلق بالمدة الزمنية لصويت الغنة المصاحبة للنون والميم الساكنين وما في حكمهما الواقعة قبل غيرها من حروف اللغة العربية كما ورد ت في مادة النص بقراءة هؤلاء القراء الأربعة الذين جعلت قراءتهم مصدرا أساسيا اعتمد عليه الباحث في بحثه.
الحواشي والتعليقات
(1) التنوين: قيل في تعريفه أقوال كثيرة لعل أوضحها قولهم: إنها نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم المعرب النكرة المنصرف لفظا لا خطا ووقفا، وسيأتي مزيد إيضاح فيما بعد.(7/206)
(2) أنيس، إبراهيم. الأصوات اللغوية. مكتبة الأنجلو المصرية ط1 سنة 1981م. ص ص 69 70.
(3) الجوهري، إسماعيل بن حماد. الصحاح. تحقيق عبد الغفور عطار. مطبعة دار الكتاب العربي بمصر
1337م 2/ 354.
(4) الزمخشري. أساس البلاغة. طبع دار صادر بيروت سنة 1385هـ. ص: 458.
(5) ابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسن. جمهرة اللغة. دار صادر بيروت (طبعة بالأوفست) 3/153.
(6) المطرزي، أبو الفتح ناصر الدين. المغرب. تحقيق محمود فاخوري وآخرين. مكتبة أسامة بن زيد. حلب سورية. 2/ 115.
(7) الفيومي. المصباح المنير.
(8) المرصفي، عبد الفتاح السيد عجمي. هداية القاريء إلى تجويد كلام الباري. ط1 سنة 1402هـ. دار النصر للطباعة الإسلامية شبرا مصر. ص: 177.
(9) قمحاوي، محمد الصادق. البرهان في تجويد القرآن. دار التراث الإسلامي. ص: 23.
(10) نصر، عطية قابل. غاية المريد في علم التجويد. طبع4. دار الحرمين للطباعة. القاهرة. ص: 148.
(11) جهاوي، عوض المرسي. ظاهرة التنوين في اللغة العربية. ط1. عام 1403هـ. مكتبة الخانجي بالقاهرة، دار الرفاعي بالرياض. ص: 45.
(12) ابن الجزري، أبو الخير محمد بن محمد. ج1. دار الفكر. 1/204.
(13) القيسي، أبو محمد مكي ابن طالب. ط2، مؤسسة الرسالة سنة 1401. 1/ 163.
(14) سيبويه، أبو بشر عمرو. الكتاب. ج2. ط1 سنة 1316هـ. المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر 2/405.
(15) ابن جني، أبو الفتح عثمان. سر صناعة الإعراب. ج1. تحقيق مصطفى السقا وآخرون. شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر. ط1. سنة 1374هـ. 1/53. وينظر في ذلك شرح المفصل 10/ 124وما بعدها …
(16) النشر في القراءات العشر 1/201.
(17) هداية القاريء ص: 185. وينظر في ذلك مخارج الحروف وصفاتها للإمام أبي الأصبغ السماتي الإشبيلي المعروف بابن الطحان ط1. سنة1404هـ. ص: 96.(7/207)
(18) النشر في القراءات العشر 1/201.
(19) هداية القاريء ص: 185.
(20) الكتاب 2/405. سر الصناعة 1/ 53.
(21) هداية القاريء ص: 185.
(22) شرح المفصل 10/145. وانظر هداية القاريء ص:183.
(23) ظاهرة التنوين. ص: 46.
(24) هداية القاريء ص: 166، وينظر في ذلك أيضا الكشف 1/162 وما بعدها، وظاهرة التنوين ص: 46.
(25) هداية القاريء ص: 181.
(26) نفسه ص: 178، 180.
(27) غاية المريد ص: 27.
(28) الكتاب 2/ 405، سر صناعة الإعراب 1/ 53 وما بعدها، شرح المفصل 10/124وما بعدها، النشر 1/201، التحديد في الإتقان والتسديد في صنعة التجويد لأبي عمرو عثمان ابن سعيد الداني. تح. د/ أحمد عبد التواب الفيومي ط1 سنة 1993م مكتبة وهبة القاهرة. ص: 231.
(29) هداية القاريء ص: 182.
(30) التحديد ص: 231.
(31) الكشف 1/ 167، والهداية ص: 177.
(32) الأصوات اللغوية ص: 87.
(33) حسان، تمام. مناهج البحث في اللغة المكتبة الأنجلو المصرية. القاهرة سنة 1955م. ص: 109.
(34) هداية القاريء ص: 191.
(35) غاية المريد ص: 74.
(36) الهداية ص: 177.
(37) ظاهرة التنوين ص: 13.
(38) غاية المريد ص: 51.
(39) ظاهرة التنوين ص: 9.
(40) الهداية ص: 160.
(41) غاية المريد ص: 51.
(42) الهداية ص: 166، غاية المريد ص: 51 وما بعدها.
(43) مناهج البحث في اللغة ص: 105.
(44) شرح المفصل 10/143 وما بعدها.
(45) ظاهرة التنوين ص: 37.
(46) الإظهار: لغة: البيان، ومن معانيه في الاصطلاح: إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة في الحرف المظهر. وقال بعضهم: هو فصل الحرف الأول من الثاني من غير سكت عليه. انظر الهداية ص: 161.
(47) هداية القاريء ص: 197.
(48) التحديد ص: 366.
(49) هداية القاريء ص: هداية القاريء ص: 197.
(50) الكشف 1/ 161.
(51) الكتاب 2/405، التحديد ص: 236.
(52) ظاهرة التنوين ص: 39.
(53) التحديد ص: 263.(7/208)
(54) الكشف 1/161.
(55) التحديد ص: 236.
(56) ظاهرة التنوين ص: 39.
(57) التحديد 237.
(58) الإدغام: لغة: مأخوذ من قول العرب: أدغمت اللجام في فم الفرس أي أدخلته وغيبته
فيه. وفي الاصطلاح: تغييب الحرف المدغم في المدغم فيه بحيث يصيران حرفا واحدا
مشددا. انظر ظاهرة التنوين ص: 41.
(59) هداية القاريء ص: 163.
(60) ظاهرة التنوين ص: 42.
(61) الكشف 1/161.
(62) هداية القاريء ص: 166.
(63) ظاهرة التنوين ص: 43.
(64) هداية القاريء ص: 166.
(65) ظاهرة التنوين ص: 43.
(66) الكتاب 2/405.
(67) الاسترابادي، رضي الدين محمد بن الحسن. شرح الكافية. القاهرة. سنة 1275هـ. ص: 361.
(68) التحديد ص: 240.
(69) الكشف 1/163.
(70) نفسه 1/163، شرح المفصل 10/143وما بعدها، والتحديد ص: 240.
(71) البرهان ص: 18.
(72) شرح المفصل 10/ 147، التحديد ص: 361.
(73) هداية القاريء ص: 194.
(74) شرح المفصل 10/127.
(75) التحديد ص: 363.
(76) هداية القاريء ص: 194.
(77) غاية المريد ص: 74 وما بعدها.
(78) الهداية ص: 681.
(79) نفسه ص: 168 وما بعدها.
(80) الكشف 1/165.
(81) شرح الرضي على الشافية ص: 333.
(82) هداية القاريء ص: 168
(83) هداية القاريء ص: 168.
(84) الإخفاء لغة: الستر والكتم يقال أخفيت الكتاب إذا سترته.
(85) هداية القاريء ص: 169وما بعدها.
(86) غاية المريد ص: 66، وهناك من نظم حروف الإخفاء في أبيات أخرى كقوله:
ضحكت زينب فأبدت ثنايا تركتني سكران دون شراب
طوقتني ظلما فلا يد ذل جرعتني جفونها كأس صاب
وبالنظر في هذين البيتين فإننا لا نجد القاف في أوائل البيت.
(87) الكتاب 2/405.
(88) الكشف 1/166.
(89) الكتاب 2/414 وما بعدها.
(90) شرح المفصل 10/145.
(91) غاية المريد ص: 67.
المصادر والمرجع
أولا: العربية(7/209)
1- القرآن الكريم " سورة يونس عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم " إصدار مؤسسة علوم القرآن دمشق عام 1978م، مع أشرطة كاسيت (ع4) لكل من المنشاوي، الحصري، عبد الباسط محمد عبد الصمد وعلي بن عبد الرحمن الحذيفي لسورة يونس. تسجيلات العقيدة الإسلامية.
2- ابن الجزري، أبو الخير محمد. النشر في القراءات العشر. ج1 دار الفكر للطباعة والنشر بيروت لبنان.
3- ابن جني، أبو الفتح عثمان. سر صناعة الإعراب مطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر ط1 سنة 1374 1954
4- ابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسن. جمهرة اللغة. دار صادر بيروت (طبعة بالأوفست) 3/ 153.
5- ابن يعيش، موفق الدين يعيش. شرح المفصل.ح 10 نشر عالم الكتب بيروت.
6- أبو الأصبغ السماتي الإشبيلي المعروف بابن الطحان. مخارج الحروف وصفاتها ط1 سنة 1404هـ.
7- الإسترابادي، رضي الدين. شرح الكافية القاهرة سنة 1275هـ.
8- الأنصاري، زين الدين أبي محمد يحيى بن زكريا. تحفة نجباء العصر في أحكام النون الساكنة والتنوين والمد والقصر. تحقيق د. محيي هلال السرحان. مستل من مجلة كلية الشروق ع9 سنة 1986 م.
9- أنيس، ابراهيم. الأصوات اللغوية. مكتبة الأنجلو المصرية. ط1 سنة 1981 م.
10- جهاوي، عوض المرسي. ظاهرة التنوين في اللغة العربية. ط1 عام 1403هـ. مكتبة الخانجي بالقاهرة، دار الرفاعي بالرياض.
11- الجوهري، إسماعيل بن حماد. الصحاح. تحقيق عبد الغفور عطار. مطبعة دار الكتاب العربي بمصر سنة
1337هـ
12- الخولي، محمد علي. الأصوات اللغوية مطابع الفرزدق التجارية الرياض ط1 سنة 1407هـ.
13- الداني، أبو عمرو عثمان. التحديد في الإتقان والتسديد في صنعة التجويد تح. د/ أحمد عبد التواب. طباعة مكتبة وهبة سنة 1993م.
14- الزمخشري. أساس البلاغة طبع دار صادر بيروت سنة 1385هـ.(7/210)
15- سيبويه، أبو بشر عمرو بن قنبر. الكتاب. ط1 المطبعة الأميرية بولاق مصر عام 1316هـ.
16- السيوطي، عبد الرحمن جلال الدين. الإتقان في علوم القرآن بيروت لبنان. 17. الضباع، علي محمد. شرح الشاطبية (المسمى إرشاد المريد إلى مقصود القصيد) . مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده بميدان الأزهر بمصر.
18- عثمان، حسني شيخ. حق التلاوة. ط8. شركة المطبع النموذجية الأردن
19- غرابة، راوية حمدي. منهاج التلاوة. ط1. دار العلم للطباعة والنشر جدة المملكة العربية السعودية سنة 1413هـ.
20- القاري، أبو عاصم عبد الفتاح. قواعد التجويد على رواية حفص عن عاصم بن أبي النجود. ط5. سنة 1404هـ. مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
21- قمحاوي، محمد الصادق. البرهان في تجويد القرآن. دار التراث الإسلامي ط2. سنة 1405هـ.
22- القيسي، أبو محمد مكي بن أبي طالب. الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها. تح. محي الدين رمضان. ج2. ط2. عام 1401هـ. مؤسسة الرسالة. بيروت.
23- الكلاك، إدريس عبد الحميد. نظرات في علم التجويد. ط1. سنة 1401هـ. مؤسسة المطبوعات الوطنية بيروت لبنان.
24- الفراهيدي، الخليل بن أحمد. معجم العين. تح. د/ عبد الله درويش بغداد سنة 1967م.
25- المباركي، يحيى بن علي. "المقطع الصوتي العربي بين الكمية والمدة الزمنية دراسة أكوستيكية تطبيقية ". رسالة دكتوراه. نوقشت بكلية اللغة العربية جامعة أم القرى عام 1413م.
26- =، = =. القيمة الكمية والزمنية لصويت القلقلة في الأداء القرآني مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ربيع الآخر 1419هـ. ع22: ص ص: 173 256.
27- مبروك، عبد الرحمن مراد. من الصوت إلى النص (نحو نسق منهجي لدراسة النص الشعري) . الهيئة العامة لقصور الثقافة. سنة 1996م.(7/211)
28- محيسن، سالم محمد. التذكرة في القراءات الثلاث المتواترة وتوجيهها من طريق الدرة. ج1. ط1. مكتبة القاهرة مصر سنة 1978م.
29- المرصفي، عبد الفتاح السيد عجمي. هداية القاري إلى تجويد كلام الباري. ط1. سنة 1402هـ. دار النصر للطباعة الإسلامية. شبرا مصر.
30- مقبنة، عبد الرقيب بن حامد. كتاب أسنى المعارج إلى معرفة صفات الحروف والمخارج. دار الروائع تعز اليمن. سنة 1407هـ.
31- نصر، عطية قابل. غاية المريد في علم التجويد. ط3. سنة 1413هـ. دار الحرمين للطباعة القاهرة.(7/212)
نحو علم لغة خاص بالعلوم الشرعية
د. أحمد شيخ عبد السلام
الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية - الجامعة الإسلامية - ماليزيا
ملخص البحث
المعرفة اللغوية العربية من أهم الأدوات التي استند إليها العلماء في تأسيس العلوم الشرعية وتطويرها. ولم تزل الأسس اللغوية معتمدة فيها، ومن المتوقع أن يسهم تخصيص المنهجية والموضوعات اللغوية بعلم لغة خاص في تطوير هذه العلوم. ويدرس المقال هذه الفكرة، ويهدف بصفة خاصة إلى تقديم مقترحات في إيجاد هذا النوع من العلوم اللغوية الذي يتخذ الدراسة الشرعية مجالا تطبيقيا له، وينظر في القضايا الشرعية اللغوية، والأسس اللغوية النظرية المتعلقة باستنباط الأحكام الشرعية وتطبيقها. وحاول المقال مناقشة دواعي تأسيس هذا العلم، وملامح تأصيله، وخصائصه، وموضوعاته، وأساليب تنفيذ محتوياته، وبعض فروعه، وضرورة تخصيصه بمساق علمي، وقدم مقترحات في تنفيذ هذا المساق.
• • •
تمهيد:
إن المعرفة اللغوية العربية من أهم الأدوات التي استعان بها العلماء في فهم النصوص القرآنية والحديثية واستنباط الأحكام الشرعية منها، وقد جُعل العلم بأسرار العربية شرطا أساسا من شروط الاجتهاد. وتحتلّ المباحث اللغوية حيّزا ملحوظا في مباحث العلوم الشرعية، وتتألف هذه المباحث من موضوعات واسعة ومهمة تكفي لتؤلّف تخصصا علميا مستقلا تتناسق مفرداته. ويؤيد هذا التوجه اهتمام العلماء بالمسائل اللغوية الشرعية وتأليف كثير منهم أو تطرقهم إلى جوانب منها، ولكن ما قدموه بحاجة إلى جمع وتصنيف وترتيب، ولهذا يقترح الكاتب إيجاد علم خاص بهذه المباحث يقدم في الأقسام الشرعية واللغوية، وقد يتفرع هذا العلم إلى فروع داخلية يتم فيها التركيز على بعض المستويات أو الخصائص اللغوية.(7/213)
ويهدف هذا المقال إلى تقديم مقترحات يرجى أن تكون مفيدة في الإعداد لمساق علمي لنوع من العلوم اللغوية يتخذ الدراسة الشرعية مجالا تطبيقيا، ويهتم بالمسائل النظرية الضرورية لتقديم هذا المساق، كما يعتني بتطوير المسائل اللغوية الشرعية، والقضايا الشرعية المبنية على الأسس اللغوية، فيسهم في خدمة التراث الإسلامي السخي. وينظر المقال في دواعي تأسيس هذا العلم، وملامح تأصيله، ويقدم نماذج شرعية لغوية، ويناقش أهمية تطوير الأسس اللغوية للعلوم الشرعية، وضرورة تخصيصها بالدرس، وخصائص العلم المقترح، وفروعه، وموضوعاته، وأساليب تنفيذ محتوياته. ويتحدد هذا البحث بإبراز ملامح هذا العلم لما قد يسهم به في تطوير المنهجية اللغوية في العلوم الشرعية، وتحقيق الترابط بين مباحثها، وتوثيق نواحي التكامل بين العلوم الشرعية واللغوية، تقوية لهدف خدمة القرآن الكريم التي نشأت الدراسات اللغوية العربية من أجلها. ومن المؤمّل أن تسفر محاولات ترجمة هذه المقترحات إلى واقع عملي، بإذن الله، عن وجهات نظر أخرى عملية تعين في استقرار هذا الفرع العلمي التخصصي.(7/214)
وتعني "الشريعة" ما شرعه الله تعالى من العقائد والأحكام العملية. ويشمل هذا المصطلح جانبين مهمين هما: الجانب العقدي المتمثل في القضايا المتعلقة بأصول الدين والمعتقدات التي تؤثر في التطبيقات العملية، والجانب التطبيقي العملي المتمثل في القضايا المتعلقة بالمصالح الفردية والاجتماعية الدنيوية والأخروية. ولا ينحصر هذا المفهومُ "الشريعة" في الفقه، وأصوله، وقواعد الفقه الكلية، وما يتصل بهما بشكل مباشر (1) . ويقصد ب "العلوم الشرعية" في هذا المقال تلك العلوم والمعارف التي وضعت لفهم الخطاب القرآني والنبوي، واتخذت الكتاب والسنة أصلين للدراسة وفق مناهج عقلية وعلمية محددة، وتتناول الأصول والفروع والمفاهيم المستفادة من هذين المصدرين وأوجه تطبيقها في القضايا المتعلقة بالوقائع المعيشة والمصالح الدنيوية الفردية والاجتماعية، والمسائل الأخلاقية والتعبدية (2) .
أولا: دواعي تأسيس هذا العلم
يناقش المقال الأساس النظري للأسس والمباحث اللغوية التي تختص بها العلوم الشرعية، ويقترح بناء هذا العلم على الإسهامات الموجودة في العلوم الشرعية واللغوية، ليكون علما مستقلا يمكن التوسع فيه بما يخدم أغراض العلوم الشرعية. ويقدم في الفقرات التالية دواعي تأسيس العلم المقترح بالنظر في الحاجة إلى التطوير في العلوم الشرعية بشكل عام، وتطوير الأسس اللغوية الشرعية، وبيان أهمية بناء منهجية لغوية مستقلة للمباحث اللغوية في العلوم الشرعية.
- التطوير في العلوم الشرعية(7/215)
من محاولات تطوير العلوم الشرعية (1) إبراز أهمية توسيع مباحث العلوم الشرعية ليندرج فيها فقه المجتمع الإنساني، وفقه الحضارات الإنسانية، والمعطيات المفيدة من العلوم الإنسانية، وأدوات البحث فيها وما سواها من القضايا التي لها صلة بفهم الخطاب القرآني والنبوي وتطبيقاتهما، والتركيز على الوظيفة الحضارية للعلوم الشرعية التي منها تحقيق غاية الاستعمار في الأرض والاستخلاف عليها، ومثلها المباحث المتعلقة بفهم النصوص وربطها بالواقع، وتصحيح التصنيف التقليدي للعلوم إلى شرعية وغير شرعية، أو عقلية ودينية، أو عقلية محضة لا يحث الشرع عليها، ونقلية محضة، ونقلية عقلية (2) ؛ لأن الشريعة تشمل المصالح الدنيوية والأخروية. وقد حظي الفقه، وأصوله بنصيب وافر من محاولات تطوير العلوم الشرعية (3) .
ونظرًا لعدم مواكبة بعض المؤلفات في هذه العلوم للتطورات المستجدة في مجالات الحياة من حيث مصطلحاتها، وأساليبها، والقضايا العلمية، والنماذج التطبيقية، فقد ناقش المجالي (4) الحاجة إلى تطوير محتوى مادة الفقه الإسلامي، وناقش القضايا المتعلقة بالمسافات الزمانية، والمقاييس، والموازين، والمقادير، والأنصبة، والعملات، ونادى بإعادة كتابة بعض الأبواب مثل أبوب الطهارة، والاستنجاء، والزكاة باستخدام المصطلحات المعاصرة تقريبا لهذه الأبواب من متعلمي الفقه الإسلامي.(7/216)
وتوجد محاولات قديمة في تطوير القواعد المعتمدة في هذه العلوم. فبعد أن كانت محاور علم الأصول هي علوم اللغة، والكتاب والسنة وعلومهما، والأحكام الشرعية، أضيف إليها القواعد المنطقية لدى المتكلمين الأصوليين. وأعاد الإمام الغزالي ترتيب أبوابه ومسائله، وأبرز المسائل غير الأصيلة في علم أصول الفقه (1) . وحاول الإمام الشاطبي توجيه مباحثه نحو المقاصد الشرعية (2) . ولعل الاستفادة من مبادئ العلوم الإنسانية المتعلقة بربط النصوص بالواقع، وفهم الخصائص النفسية والاجتماعية للمجتمع الذي يطبق فيه النص يفيد في تطوير منهجية استنباط الأحكام الشرعية وتطبيقها.
وبما أن المسائل اللغوية أساسية في كثير من العلوم الشرعية الفقهية والعقدية، فإن الحاجة ماسة إلى تطوير منهجية البحث اللغوي فيها، وتجديد الأداة اللغوية لها. ولعل ما وضع من كتب حديثة في تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، وسبل الاستنباط من الكتاب والسنة (3) يشهد لأهمية توسيع آليات فهم نصوص القرآن والحديث لتشمل مباحث مفيدة من العلوم الاجتماعية، والتشريعية، واللغوية الحديثة، وغيرها. ويعدّ السعي إلى تطوير المنهجية اللغوية للعلوم الشرعية لتصبح علم لغة خاصا بالدراسات الشرعية تطويرا لآليات قراءة التراث الإسلامي، وإعادة تقديمه لأهله وفقا لظروفهم التي يعيشونها، والمستجدات الفكرية التي وصلوا إليها.
- تطوير الأسس اللغوية الشرعية(7/217)
ليس غريبا على هذا التراث السعي نحو تجديد منهجية دراسته (1) ؛ إذ تعبر العلوم الإسلامية عن تراكم الخبرات، واستفادة المتأخرين عن أسلافهم، وبنائهم على جهودهم، وهذا واضح في صنيع المفسرين، وأصحاب المعاجم، وغيرهم من علماء المسلمين الأجلاّء. وقد اهتمت الحضارة الإسلامية بقراءة النصوص الدينية وإعادة قراءتها، وبالتجديد في منهجية القراءة بهدف ربط النصوص بوقائع حياة الناس، وتطبيق الأحكام الشرعية عليها. ويؤكد اهتمام العلماء المسلمين بتفسير القرآن الكريم وتجديد تفسيره على مرّ الأزمان مناسبة الرسالة القرآنية لكل زمان ومكان. قال أبو السعود: "ولقد تصدى لتفسير غوامض مشكلاته (أي القرآن الكريم) أساطين أئمة التفسير في كل عصر من الأعصار، وتولى لتيسير عويصات معضلاته سلاطين أسرة التقرير والتحرير في كل قطر من الأقطار فغاصوا في لججه وخاضوا في ثبجه، فنظموا فرائده في سلك التحرير وأبرزوا فوائده في معرض التقرير، وصنفوا كتبا جليلة الأقدار وألفوا زبرا جميلة الآثار" (2) .(7/218)
أما عن مبلغ المباحث اللغوية في العلوم الشرعية فإننا نلحظ أن المحتويات الأساسية لعلم أصول الفقه تتألف من علم الكلام، والمنطق، وعلم العربية، والعلم بالمقاصد والأحكام الشرعية. وأما عن تألفه من علم العربية فلتوقف معرفة دلالات الألفاظ من الكتاب والسنة، وأقوال أهل الحل والعقد من الأمة على معرفة موضوعاتها لغة، من جهة الحقيقة، والمجاز، والعموم، والخصوص، والإطلاق، والتقييد، والحذف، والإضمار، والمنطوق، والمفهوم، والاقتضاء، والإشارة، والتنبيه، والإيماء، وغيره، مما لا يعرف في غير العربية (1) . وفي ضوء اهتمام بعض المتخصصين في علم أصول الفقه بالمقاصد الشرعية في استنباط الأحكام من النصوص والنظر في وسائل تحقيق المصالح ودرء المفاسد، فإن على القائم بالتحليل اللغوي أن يسعى إلى بيان المقاصد من النصوص الشرعية، ولا يقتصر على تحليل الخصائص اللفظية للتراكيب الواردة فيها.
وتتضح أهمية تطوير الأسس اللغوية في العلوم الشرعية في الآراء المتعلقة بالقياس، والمعهود، والسياق، والمجاز، وغيرها، وما يؤدي إليه اختلاف المواقف منها في فهم النصوص الشرعية واستنباط الأحكام والمفاهيم منها. فلقضية إنكار القياس في أصول الفقه صلة بالمنهجية اللغوية للتعامل مع النصوص الشرعية عند "الظاهرية"، إذ ترد أهمية القياس من أن النصوص، والأفعال، والإقرارت الشرعية متناهية في ألفاظها، على الرغم من عدم تناهيها في مفاهيمها، وعدم تناهي الوقائع الحيوية مع تناهي العقل البشري. وقد انطلقت المذاهب الفقهية من فكرة تناهي النصوص لاتخاذ القياس دليلا شرعيا رابعا بعد الكتاب، والسنة، والإجماع (2) .(7/219)
بيد أن الظاهرية ترى أن مقابلة غير المتناهي بالمتناهي محال (1) ، وتتخذ هي من هذه الخاصية نفسها مندوحة لإثبات بطلان القياس، والاعتداد بدليل العقل، وشهادته، والأخذ بالمعنى المنطوق للألفاظ. وتتبنى الظاهرية منهجا يذهب إلى أن النص قادر على شمول الوقائع -مهما تعددت، وكثرت- بأحكامه دون حاجة إلى القياس، وتسلك مسلك تجريد النص وتحويله إلى قاعدة كلية يمكن أن تشتمل على ما لا يتناهى من الوقائع، بحجة أن لغة النص الشرعي ليست كأية لغة أخرى. فإن لغة المتكلم من البشر تحيط بها قرائن كثيرة، أما لغة النص الشرعي فينبغي أن تكتشف معانيها من خلال قوانين، وعلاقات لغة هذا النص ذاتها (2) . ويؤدي التعامل الظاهري مع النصوص إلى استثمار المجالات الدلالية للألفاظ لكي يتم إدراج المفاهيم التي تستند إليها الأحكام الشرعية.
وسيؤدي ترك الأخذ بالقياس في فهم معاني الألفاظ في النصوص الشرعية إلى العودة إلى وقائع استخدام الألفاظ، والفحص في مدى انطباق دلالة الألفاظ على هذه الوقائع، دون البناء على القياسات الافتراضية في توسيع دلالات الألفاظ، أو فهم الدلالات المستجدة، ودون ربط فهم الواقع باللفظ بل يربط اللفظ بالواقع الذي يرد فيه، ودون اللجوء إلى القول بالتضمين في تحديد معاني الألفاظ العامة، أو الوظيفية. وباستبعاد القول بالتضمين تزداد الدقة في تحديد دلالة الألفاظ ويزيد التمسك بما ورد به السماع عن العرب.(7/220)
أكد الشافعي، ومن بعده الشاطبي، وغيرهما من العلماء أهمية الالتزام بمعهود العرب في تلقي الخطاب الديني عند محاولة الوقوف على معانيه أو بيانها (1) . ويقتضي ذلك أن يحمل النص على معهود المتكلم به: قرآنا وسنة، وهو معهود يستفاد من النصوص الشرعية مجتمعة طبقا لعرف العرب الذين تلقوا هذه النصوص. والمعلوم أن هناك معهودين في التعامل مع الخطاب الشرعي: معهود شرعي، وآخر عرفي لغوي عام (2) . فإذا لم يكن لهذا النص معهود شرعي محدد، أو تمّ صرفه عن هذا المعهود وفقا للقرائن يحمل على المعهود العرفي العام للمخاطبين الذين نزل فيهم الكتاب ووردت لهم السنة. ولكن ابن حزم يذهب إلى أن الأولى حمل الخطابات على معهودها في اللغة ما لم يمنع من ذلك نص، أو إجماع، أو ضرورة، وإذا وجد مانع من هذه الموانع الثلاثة حمل معنى اللفظ على المعهود الشرعي. ويقترح ابن مضاء الاعتداد بمعهود الخطاب لدى العرب في توضيح الظواهر اللغوية، أخذا باستقراء المتواتر الذي يوقع العلم بالقاعدة دون محاولة استنباط علة لنقل حكمها إلى ما يشبهها من التراكيب اللغوية (3) .(7/221)
ونشير إلى عدم لزوم ربط المصطلحات الشرعية بالمعاني اللغوية كما جرت به العادة في العلوم الشرعية حيث يقدم المؤلف المعنى اللغوي، ثم يعقبه بالمعنى الاصطلاحي الشرعي؛ إذ إن نصوص القرآن والحديث تتضمن إعادة تحديد لبعض المعاني اللغوية، مما لم تكن معهودة في العرف اللغوي العام قبل التنزيل، على الرغم من ارتباطها بالمعهود اللغوي العام. ويلحظ أن المعاني اللغوية التي تذكر للمصطلحات الشرعية لا تعكس في بعض المواضع صورة مكتملة لما يمكن أن يرد لها المصطلح لغويا؛ لأن المؤلفين يهتمون في الغالب بالمعاني المعينة على استيعاب المفهوم الشرعي للمصطلح. وتفيد هذه الملحوظة أن معرفة المعهود الشرعي تكفي في فهم المصطلحات الشرعية، أما إذا كان فهم المعهود الشرعي متعلقا بالمعهود اللغوي العام فيكون إيراد المعهودين معا ضروريا، كما قد يحدث في ألفاظ العقود مما يفهم في ضوء أعراف الناس القائمة في تخاطبهم.
سيساعد اتخاذ معهود العرب في تلقي الخطاب القرآني في عصر التنزيل مرجعية في فهم النصوص على الوصول إلى المعنى المراد من الشارع في النص الشرعي، وهو معنى يؤخذ إما من ظاهر النص، وإما من تأويل النص حسب الشروط التي تحمي من تحريف معنى النص. ويقتضي الرجوع إلى هذا النوع من المعهود انتفاء استمرار احتمالية دلالة النصوص القرآنية، كما يقتضي عدم قياس الدلالات المبنية على ما يزعم من الاحتمال في دلالة هذه النصوص بخصائص هذا المعهود، ورفض الاحتكام في فهم النصوص الشرعية إلى معهود العرب في التخاطب في العصر الحديث. وتقتصر أهمية المعهود اللغوي الحديث على التعرف على أوجه التعامل اللغوي بين مستخدمي اللغة العربية حديثا ولا يؤخذ به في استنباط الأحكام الفقهية والمفاهيم العقدية من النصوص الشرعية.(7/222)
وينتج عن اعتبار السياق أو عدمه في فهم النصوص القرآنية والحديثية اختلافٌ في الأحكام الفقهية والمفاهيم العقدية أيضا. ونجد استغلالا واسعا للسياق الموقفي في الأحكام الشرعية المتعلقة باستخدام اللغة في المعاملات والعقود حيث يؤخذ بما يجري في عرف التخاطب اللغوي ومقاماته عند إصدار الأحكام الفقهية وتطبيقها، ومن ثم يعتمد مقصد المتكلم من خطابه، وليس ظاهر هذا الخطاب (1) . ومن مراعاة السياق اللفظي في الترجيح الفقهي موافقة ابن تيمية للحنفية والظاهرية (2) في جواز قصر الصلاة والفطر في رمضان في كل سفر سواء كان سفرا مباحا أو غير مباح (3) ؛ نظرا لتعليق الحكم في النص على مطلق السفر. قال تعالى: "فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" (البقرة: 184) وقال عزّ من قائل: "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" (النساء: 101) ، وهذا على خلاف الشافعية والحنابلة الذين لا يجيزون القصر والفطر في السفر المحرم، بحجة أن السفر المحرّم معصية. والرخصة للمسافر في معصية إعانة على ذلك، ولا تجوز الإعانة على المعصية، فتمّ تقييد القصر والفطر بحكم آخر خارج النص (4) .(7/223)
وهناك أسس نظرية أخرى يؤدي اختلاف المواقف منها إلى اختلاف فهم النصوص أو تطبيقها، ومنها القول بالمجاز أو عدمه، أو بالاستعمال اللغوي في تحديد دلالة ألفاظ النصوص الشرعية، وكذلك مبدأ الاستناد في استنباط الحكم إلى مقاصد النصوص أو إلى معانيها المأخوذة من النصوص مباشرة أو غير مباشرة. ومن المتوقع أن يؤدي تطوير هذه الأسس إلى نتائج جديدة مفيدة في التعامل مع النصوص الشرعية، إذا تضمنت النظر في أسس استثمار أدلة الأحكام الإجمالية والتفصيلية، وتحديد ضوابط مراعاة معهود العرب في الخطاب بما يتناسب مع النصوص الشرعية ببيان أنواع المعهود، وشروط مراعاته، وعلاقته بالمقصد من الخطاب، وكذلك النظر في تقنين ربط النص بمواقف وروده وسياقاته، مع توضيح نقطة الانطلاق في فهم العلاقة بين النص والواقع في التعامل مع الخطاب الشرعي، ومثلها النظر في تطوير أساليب بيان المقاصد في النصوص الشرعية، وتوضيح مدى تأثرها بالتطور اللغوي والتطور الاجتماعي والفكري.
وينبغي أن نحذر مما سبق أن أشار إليه الغزالي (1) من أن إقامة الدليل على منكري العلم والنظر، مع حب صناعة الكلام قد جرّ المتكلمين من الأصوليين إلى خلط مسائل كثيرة من علم الكلام بعلم أصول الفقه، كما حمل حب اللغة والنحو بعض الأصوليين على مزج جملة من النحو بالأصول، فذكروا فيه من معاني الحروف ومعاني الإعراب جملا هي من علم النحو خاصة. ولعل الغزالي كان يحذر من إدراج الموضوعات التي لا يتعلق بها غرض في علم أصول الفقه. وهذا شيء ينبغي أن ننتبه له في محاولة تحديد معالم علم لغة خاص بالعلوم الشرعية، ولا ينبغي تقليد بعض العلماء الذين يقحمون جلّ القضايا المعرفية في تخصصاتهم في العلوم الشرعية (2) .
والمؤمل أن يؤدي البحث في المنهجية اللغوية الشرعية بشكل مستقل إلى مستوى علمي أعمق يجاوز مستوى التوفيق بين موضوعات متفرقة من مختلف العلوم الشرعية إلى تأسيس علم لغة خاص بالعلوم الشرعية.(7/224)
نحو منهجية لغوية مستقلة:
يجد المطالع في العلوم الشرعية اهتماما بالغا بالمسائل اللغوية، ويلحظ أن الأساس اللغوي كان موجِّها لمسائل كثيرة من هذه العلوم، سواء أكان ذلك مباشرا أم غير مباشر؛ وذلك لارتباط هذه المسائل بتحليل النصوص الشرعية ومعرفة وجوه دلالاتها. ويدور كثير من المداولات حول المفاهيم الفقهية والعقدية، والدلالات العرفية للألفاظ والتراكيب المستنبطة من الخطاب القرآني والنبوي. وتجدر الإشارة إلى أن المباحث والقواعد اللغوية كانت مستفادة من إنتاج اللغويين والبيانيين، إضافة إلى معطيات أبحاث علماء الشريعة الذين كان الكثير منهم علماء نابغين في اللغة العربية وآدابها (1) .
لقد نشأ الدرس النحوي والبياني في خدمة القرآن الكريم إسهاما في إبراز مفاهيمه، فكان تطبيقيا ووصفيا معا، ثم غلب عليه الجانب النظري والاهتمام بوصف اللغة العربية بشكل عام في المراحل التي عقبت مراحلها الأولى. ويقدم علم التفسير ونقد متن الحديث أمثلة رائعة للغويات النص التطبيقية في تحليل النصوص وربطها بوقائع حياة المتعاملين بها، كما تمثل بعض مباحث علم أصول الفقه علم الدلالة الإسلامي التطبيقي. ويبدو لي أن المحافظة على اللغة العربية تجاه حملات الشعوبية قديما، والمحافظة على الفصحى والتراث الإسلامي في مواجهة هجوم أعداء الفصحى ودعاة العامية حديثا، والمحافظة على التراث الديني واللغوي تجاه الماسونية والصهيونية والمبادئ الهدامة، واعتزاز المسلمين بتراثهم، والنظرة القدسية إليه، لم تسعف في إنجاح محاولات تطوير مناهج دراسة اللغة العربية، وتحليل تراكيبها، وخصائصها الدلالية، أو تحديثها، أو تيسير تعليم قواعدها النحوية والبلاغية. فأصبح كثير من المتخصصين في اللغة العربية يتخذون موقفا سلبيا من الجهود الرامية إلى تحديث تخصصهم أو تطويره.(7/225)
ولكن علم اللغة الخاص بالعلوم الشرعية سينطلق من توجيه المقاصد الشرعية في تخير المفيد من الدراسات اللغوية والتشريعية الحديثة محاولة تطوير المنهجية اللغوية الشرعية، ومن المؤمّل أن يفيد تطوير هذه المنهجية في إغناء الدراسات الشرعية بالدلالات العامة والمفاهيم الخاصة التي تفيد في التعامل مع المصطلحات الشرعية. فعلى الرغم من أن كتب العلوم الشرعية تكتفي بالإشارة إلى أوجه الاستخدام الواردة في النصوص الشرعية التي تعد موضوعا لها، نظرا لتعلق استنباط الأحكام بالأوجه المذكورة، ولا تعتمد أوجه الاستخدام المستجدة، أي الاستخدامات اللغوية كانت قد تطورت في اللغة التي يتعامل الناس بها، إلا في فهم أحاديث الناس الذين تطبق فيهم الأحكام الشرعية، وبخاصة في المعاملات. فإن الدلالات اللغوية العامة قد توسّع مدارك المتعاملين مع النصوص الشرعية. فلا يكتفى مثلا بالقول بأن معنى لفظة (الصلاة) في اللغة الدعاء، بل يشار إلى معان لغوية أخرى للفظة مثل الترحم أو الرحمة، أو التبريك، أو التسبيح، بغض النظر عن قربها من معنى الدعاء. ويشار إلى أن لفظة (الزكاة) تدل على الطهارة، والنماء، والبركة، والمدح، والصلاح، وصفوة الشيء، ولا تنحصر دلالتها في اللغة على التطهير والتزكية (1) .
ولذا يحسن أن يهتم المتخصصون في العلوم الشرعية بمراجعة مصادر العلوم اللغوية لدى تناولهم للجوانب اللغوية في تخصصهم، وألا يقتصروا على ما ورد عنها في كتب الدراسات الشرعية لدى معالجتها للقضايا اللغوية المتعلقة بالدرس الشرعي؛ إذ في العودة إلى المراجع اللغوية توثيق لصلة العلوم الشرعية بالمصادر اللغوية الأساسية للمسائل المتداولة في هذا التخصص، وتمكين للمتخصصين من متابعة التطورات العلمية التي قد تفيدهم في تطوير المسائل المشابهة في مجالهم العلمي.(7/226)
وقد نتصور مدى تأثير تحديث المباحث اللغوية في العلوم الشرعية، إذا علمنا مدى حاجة المتخصص للعلوم الشرعية إلى العلوم اللغوية، وحجم البحث اللغوي في مختلف العلوم الشرعية، ووقفنا على المبادئ والمباحث اللغوية والموضوعات المبنية على أسس لغوية. ولقد ذكر الغزالي أن أعظم علوم الاجتهاد تشتمل على ثلاثة فنون: الحديث، واللغة، وأصول الفقه (1) . وقرر الشاطبي أهمية المعرفة اللغوية في هذه العلوم بأنه لا غنى لمجتهد في الشريعة عن بلوغ درجة الاجتهاد في كلام العرب (2) .
ولعل نظرة في تفاعل العلوم اللغوية مع العلوم الشرعية من حيث المصطلحات، والأسس، والمناهج، والموضوعات التي تعالج في سياق الفهم اللغوي للنص تنبئ بهذا التأثير المحتمل. فكثير من القضايا والمعاملات بين الأفراد، بل المعاهدات والاتفاقات بين الدول تتوقف على تحديد معاني الألفاظ، كما يتوقف عليه كثير من التفسيرات التشريعية والفكرية. وللقواعد اللغوية صلة ببناء الأحكام الشرعية واستنباط أدلتها مما يستفاد من التحليل التركيبي، وتحديد معاني حروف المعاني، والمسائل اللغوية الدلالية والمسائل اللغوية العرفية العامة، والقضايا المتعلقة بالقياس والعلة (3) .
ثانيا: تأصيل علم لغة شرعي:
يتطلب تأصيل علم اللغة الشرعي المقترح تأسيسه تقديم تحديدات يرجى أن تفيد في بناء مساق علمي خاص به. وترد هذه التحديدات في بيان خصائص هذا العلم، وبعض فروعه، وموضوعاته، وتنفيذ محتوياته.
خصائصه:(7/227)
إن المنطلق الأساسي لهذا النوع من الدرس اللغوي رصد القواعد والأسس والموضوعات اللغوية المستخدمة في العلوم الشرعية، وجمعها، والربط بينها، ومناقشة الجوانب النظرية والتطبيقية المفيدة في فهم النصوص الشرعية وتنزيلها في الواقع. وهدفه تقديم صياغة موحدة لهذه القواعد والأسس بالإفادة بالتراثين الشرعي واللغوي، وبالمعطيات المفيدة من الدرسين اللغوي والتشريعي الحديثين، مع السعي إلى تطوير هذه المحتويات اللغوية. وطبيعته أنه علم لغة تطبيقي (1) خاص بالعلوم الشرعية بجانبيه النظري والعملي، ويفيد من النظريات اللغوية العامة وتطبيقاتها في فهم النصوص، وربطها بالمواقف الخطابية المتعددة المتجددة، ويفيد أيضا من مجالات الأبحاث اللغوية الأخرى. وتمتزج في المواد التي يقدمها القضايا النظرية والمجالات التطبيقية، والمناهج التراثية والحديثة. وتتعلق محتوياته بمختلف فروع العلوم الشرعية. ونؤكد أن هذا التخصص يختلف عن الدرس اللغوي العام في الموضوعات، والمحاور، والمفردات العلمية.(7/228)
ونظرا لتميّز أهداف هذا التخصص ومحاوره، فقد نحتاج، مثلا، في علم النحو الشرعي إلى إعادة تنظيم الأبواب النحوية، وإعادة تنسيق موضوعاتها لكي تتفق مع أهداف المتخصصين في العلوم الشرعية، فيقتصر من النحو العام على ما يعين على استنباط معاني النصوص الشرعية، وتضم إليه القضايا الأسلوبية من علم المعاني. فالنحو المتعلَّم هنا نحو خاص لهدف محدد، وهو نحوٌ تطبيقي خاص بالعلوم الشرعية يسعى إلى فهم النصوص، ولا يقف عند التحليلات التركيبية الجزئية. وبعبارة أخرى، إنه لا يكون نحوا للجملة، بل يكون نحوا للنص الشرعي يقدم القواعد النحوية المساعدة في فهمه، ويستبعد المبادئ والأسس النظرية الافتراضية التي لا تفيد في تحقيق أهداف المادة. وهو نحوٌ يهتم بالقواعد المستخدمة في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وكتب التراث الموضوعة في فهمها عرضا، وتوضيحا، وتطبيقا، ويجعلها أسسا لتحليل المكونات التركيبية للنص الشرعي.(7/229)
سيعطي هذا التخصص نظرة موضوعية شاملة للأساس اللغوي لاختلاف المذاهب العقدية؛ إذ إن من أسس تصنيف هذه المذاهب اختلاف مواقفها من التعامل مع النص الشرعي، فمنها طوائف تنزع إلى التمسك بالنص، وأخرى تميل نحو العقل. فالموقف السلفي يتمثل في التوسط بين العقل والنقل، وإعطاء الكلمة العليا للوحي دون إغفال للعقل؛ إذ النصوص تتضمن الحجج العقلية وهي لا تتناقض معها، ولا يسرف في تأويل النصوص إلا بقدر ما توجبه قواعد اللغة واستعمالات الشرع، مع نفي المعاني المستلزمة للتشبيه والكيفيات الحسية. أما الحشوية فتتعصب للنصوص والفهم الحرفي لها مما يؤدي بهم إلى سوء فهم للنصوص الدينية نفسها. ويجعل الحنابلة المرجع الأخير في أمر الحكم الشرعي عقديا أو عمليا هو النص الصحيح دون حرفية الفهم لها، مع مقاومة النزعات الباطنية في فهم النصوص، والاحتكام إلى النص بدءا أو نهاية دون إهمال لدور العقل في كلتا الحالتين. وتعادي الظاهرية الإسراف في استخدام الرأي والعقل في أمور الشرع، وتنكر القياس في التفكير الديني فقها أو اعتقادا، وترفض استمداد الحكم الشرعي من استحسان العقل وحده، أما استخدام العقل في فهم النص، أو دعم الحكم المأخوذ من النص بدليل عقلي يضاف إلى دليل النص فلا شيء فيه، بل هو الواجب. ويتراوح موقف الأشعرية والماتريدية بين الميل إلى مزيد من الالتزام بالنص والنزوع إلى شيء من التأويل العقلي. أما المعتزلة فيؤكدون دور العقل في مقابلة النص من حيث المنهج (1) .
فروع علمية مقترحة:(7/230)
إن التصور المبدئي لعلم اللغة الخاص بالعلوم الشرعية أن يكون فرعا من فروع علم اللغة التطبيقي، وأن يحتوي نظرات ومداخل لغوية نظرية، ومناهج تحليل، وتطبيقات تتكامل فيها نتائج أبحاث الدرس اللغوي مع نتائج البحث في مختلف فروع العلوم الشرعية من أجل تحقيق تعامل أفضل مع النصوص الشرعية، أو الخطاب الشرعي في المجالات الفقهية، والعقدية، والخلقية. وتكمن أهمية مثل هذا العلم في الإفادة من التراثين الشرعي واللغوي ومن بعض أوجه التطوير في الدراسات اللغوية والتشريعية الحديثة في المجالات النظرية والتطبيقية (1) . ويقترح أن ينظر هذا العلم في مختلف المستويات اللغوية المتعلقة بأدلة الأحكام في النصوص الشرعية، محققا للتكامل بين الأهداف الشكلية والمقصدية في التحليل اللغوي. وليس كثيرا على النصوص الشرعية تخصيصها بعلم لغة خاص على الرغم من كونها محصورة في مواطنها المعروفة، وذلك لسعة معانيها وأهمية المفاهيم المستفادة منها، ولأن القضايا التي تتناولها غير محدودة بزمن، أو مكان، بل هي موجهة للإنسانية بأسرها في جميع الوقائع الحيوية، ولها تأثير غير متناه في حياة المخاطبين بها. وتتفادى طبيعة هذا العلم كونها تكرارا للمعلومات القديمة المتداولة، أو أن تنحصر فيها دون أن يطورها أو يبني عليها؛ لأنه علم يعكس حقيقة الاستخدام اللغوي حيث تتكامل المستويات اللغوية، ويعكس قوة علاقة اللغة بالظواهر الإنسانية الأخرى.
من الشعب الفرعية المتضمنة في علم اللغة الخاص بالعلوم الشرعية:(7/231)
- علم المصطلحات الشرعي: الذي يمكن أن ينظر في أسس تحديد مفاهيم المصطلحات الشرعية، وأهميتها في استنباط الأحكام الشرعية، وتصنيفها (1) ، والأسس المنطقية لهذا التحديد، والعلاقة بين المفاهيم اللغوية والشرعية لهذه المصطلحات، وتطور دلالات الألفاظ الإسلامية. ولنا نموذج في منهج كتاب التعريفات للجرجاني، وكتاب الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، وغيرهما، وستصادفنا أمثلة عديدة في كتب الدراسات الشرعية في تحديد المصطلحات. وتسهم المعاجم الفقهية في هذا الفرع بتوضيح معاني المصطلحات والعبارات الشائعة في الفقه، ويقول زكريا الأنصاري في مقدمة "الحدود لأنيقة" "أما بعد، فلما كانت الألفاظ المتداولة في أصول الفقه والدين مفتقرة إلى التحديد تعين تحديدها لتوقف معرفة المحدود على معرفة الحد." (2) ثم شرع في تقديم التعريفات والحدود للمصطلحات التي اختارها.
- علم الدلالة الشرعي: الذي يمكن أن يتناول وظيفة استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية من خلال دراسة الدلالات المفردة، والمركبة، والمترادفة، والمشتركة، والمطلقة، والمقيدة، والمجازية، وغيرها، وكذلك ربط الدلالات والأحكام بالوقائع العملية. وتلقانا مادة غزيرة لهذا الفرع في علم أصول الفقه، حيث يندرج ما يقارب ثلث مباحثه في دراسة الدلالة الشرعية، وكتب الوجوه والنظائر في القرآن الكريم. ومن المصادر المفيدة هنا: الرسالة للشافعي، والموافقات للشاطبي، والمحصول للرازي، والقواعد والأشباه والنظائر لابن السبكي، والمستصفى للغزالي، وغيرها من كتب علم الأصول.(7/232)
ومما يندرج في هذا الفرع ما أشار إليه ابن تيمية من أسباب الاختلاف في فهم النصوص القرآنية والحديثية، فقال: "وأما النوع الثاني من مستندي الاختلاف وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين.. إحداهما قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، والثانية قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنزل عليه والمخاطب به، فالأولون راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان، والآخرون راعوا مجرد اللفظ وما يجوز عندهم أن يريد به العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به ولسياق الكلام، ثم هؤلاء كثيرا ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة كما يغلط في ذلك الذين قبلهم كما أن الأولين كثيرا ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسروا به القرآن كما يغلط في ذلك الآخرون، وإن كان نظر الأولين إلى المعنى أسبق، ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق." (1)
ويدخل فيه ما وصف ابن السيد البطليوسي للخلاف العارض من جهة اشتراك الألفاظ واحتمالها للتأويلات الكثيرة: "هذا الباب ينقسم ثلاثة أقسام، أحدها اشتراك في موضوع اللفظة المفردة، والثاني اشتراك في أحوالها التي تعرض لها من إعراب وغيره، والثالث اشتراك يوجبه تركيب الألفاظ وبناء بعضها على بعض. فأما الاشتراك العارض في موضوع اللفظة المفردة فنوعان: اشتراك يجمع معاني مختلفة متضادة، واشتراك يجمع معاني مختلفة غير متضادة." (2)(7/233)
- علم تحليل النص الشرعي (أو علم تحليل الخطاب الشرعي) : ويدرس الروابط بين الكلمات والعبارات في النص، والعلاقات بينها وبين النصوص التي ترد فيها، ويهتم بعناصر الاتساق في النص، من إحالة، أو استبدال، أو وصل، والعلاقات الدلالية، من ترابط، وانسجام، وترتيب لمكونات بنية الخطاب. وهي عناصر اهتم بها المفسرون، والدارسون لعلوم القرآن، ويعتني بالخصائص البيانية للقرآن الكريم والحديث الشريف (1) . وتجدر الإشارة إلى أن ما يقارب الخمسين في المائة من التفسير، وعلومه قضايا لغوية (2) . ومن مصادر هذا الفرع: البرهان في علم القرآن للزركشي، والإتقان في علم القرآن للسيوطي، ودلائل الإعجاز للجرجاني، وغيرها من كتب علوم القرآن، والتفاسير.
ومن قضايا هذا العلم قول الزركشي في معرفة المناسبات بين الآيات: "واعلم أن المناسبة علم شريف تحزر به العقول ويعرف به قدر القائل فيما يقول،.. ومرجعها والله أعلم إلى معنى ما رابط بينهما عام أو خاص، عقلي أو حسي أو خيالي، وغير ذلك من أنواع العلاقات، أو التلازم الذهني، كالسبب والمسبب، والعلة والمعلول، والنظيرين، والضدين، ونحوه، أو التلازم الخارجي، كالمرتب على ترتيب الوجود الواقع في باب الخبر، وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذا بأعناق بعض، فيقوى بذلك الارتباط ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء. وقد قلّ اعتناء المفسرين بهذا النوع لدقته وممن أكثر منه الإمام فخر الدين الرازي وقال في تفسيره أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط." (3)(7/234)
- علم الأسلوب الشرعي: حيث تدرس الخصائص الأسلوبية للنصوص الشرعية، وأسس الإعجاز النظمي، وأثره في استنباط الأحكام، وفهم الخطاب الإسلامي. وتسهم الاتجاهات المذهبية في التفسير، فضلا عن الدراسات النصية، في توفير المواد العلمية لهذا الفرع من العلم. ومن مصادره دلائل الإعجاز للجرجاني، والكشاف للزمخشري، وأسرار ترتيب القرآن للسيوطي، وتناسق الدرر في تناسب السور له أيضا، وما سواها من المصادر.
ومما يمكن أن يناقش فيه ما أورده الشاطبي في تحديد الخاصية الأسلوبية اللغوية للقرآن الكريم، قال: "فإن قلنا إن القرآن نزل بلسان العرب وإنه عربي وإنه لا عجمة فيه، فبمعنى أنه أنزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة وأساليب معانيها، وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد به ظاهره وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص والظاهر يراد به غير الظاهر، وكل ذلك يعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره، وتتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره أو آخره عن أوله، وتتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة، وتسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة، والأشياء الكثيرة باسم واحد، وكل هذا معروف عندها لا ترتاب في شيء منه هي، ولا من تعلق بعلم كلامها. فإذا كان كذلك فالقرآن في معانيه وأساليبه على هذا الترتيب، فكما أن لسان بعض الأعاجم لا يمكن أن يفهم من جهة لسان العرب، كذلك لا يمكن أن يفهم لسان العرب من جهة فهم لسان العجم؛ لاختلاف الأوضاع والأساليب.." (1)(7/235)
- علم النحو الشرعي: الذي يعتني بأهم القواعد النحوية الشائعة في تحديد الأحكام الفقهية، وأثر الخلاف النحوي في تقرير الحكم الشرعي، وفي الترجيح والتعارض، وأثر الخصائص النحوية للألفاظ والأدوات والتراكيب في تحديد الأحكام وتطبيقها، وأوجه التفاعل بين أصول النحو وأصول الفقه، ومدى تأثر التحليل النحوي بالعقيدة، والفقه، وأصوله. وقد قدم الاسنوي وغيره نماذج تطبيقية رائعة لذلك في كتابه الكوكب الدري. ومن المصادر أيضا كتاب إعراب مشكل القرآن لابن قتيبة.
ومن المسائل التي تدرس في هذا الفرع ما ذهب إليه الأئمة مالك وأبو حنيفة والشافعي في مسألة اشتراط الطهارة في "مس" المصحف من أن الطهارة شرط في مس المصحف، وذهبت الظاهرية إلى أنها ليست بشرط في ذلك. والسبب في اختلافهم في تحديد مفهوم (المطهرون) وتحديد النوع النحوي للجملة المنفية في قوله تعالى: "لا يمسه إلا المطهرون" (1) فالمالكية والشافعية والحنفية تفهم أن المقصود بلفظ (المطهرون) بنو آدم، وأن الجملة الخبرية المنفية تفيد النهي، فكان معنى الآية: لا يجوز أن يمسن المصحف إلا آدمي طاهر. أما الظاهرية فتفهم من لفظ (المطهرون) الملائكة، ومن الجملة الإخبار المنفي، فرأت أنه ليس في الآية دليل على اشتراط هذه الطهارة في مس المصحف، فبقي الأمر على الإباحة. وقد احتج جمهور الفقهاء لمذهبهم في اشتراط الطهارة بأدلة أخرى من الآثار المنقولة (2) .
موضوعاته:(7/236)
يقصد من الدرس اللغوي الخاص بالعلوم الشرعية أن يكون منطلقا لدراسة القواعد اللغوية في مختلف فروع العلوم الشرعية مجتمعة ومتكاملة، فتتنوع مفرداته لتشمل القصايا الدلالية، والصوتية، والنظمية، والأسلوبية، والاصطلاحية، والفكرية التي تتعلق باللغة وأوجه استخدامها، والنص وأساليب تأليفه، واستيعابه، وتحليله، وتطبيق مضامينه في الوقائع المعيشة للذين وجه إليهم هذا النص. إن الموضوعات التي يمكن أن تدرس في هذا التخصص واسعة ترتبط بمختلف العلوم الشرعية، وينبغي أن يكون التركيز فيها على البحث عن القواعد اللغوية المؤثرة في دراسة موضوعات هذه العلوم، على الرغم من إمكان تخصيص بعض الموضوعات لفرع بعينه، أو التعمق في جانب من هذه الموضوعات في مرحلة من مراحل التخصص في العلوم الشرعية. ولكننا نقترح في الفقرات التالية موضوعات عامة شاملة يمكن أن تدرس فيه:
يشمل التمهيد لهذا العلم مقدمة نظرية تبين أهمية تجديد المنهجية اللغوية للعلوم الشرعية، لكي تنبني على القواعد اللغوية التراثية لهذه العلوم، وتفيد من الدراسات اللغوية والتشريعية الحديثة. وتدرس أوجه التكامل والتشابه بين العلوم الشرعية واللغوية من حيث المصطلحات، والأسس، والمناهج.
وتعتمد النصوص المتداولة في العلوم الشرعية أمثلة في تأسيس القضايا المطروحة للبحث، ويوجه الدارسون نحو تطبيق الأسس والمبادئ والقواعد التي تختار للدراسة على أمثلة أخرى من النصوص الشرعية العقدية والفقهية في ظروف تطبيق محتوياتها في مختلف وقائع الحياة ومناحيها. ويحرص على إبراز الوحدة الموضوعية والفكرية بين الموضوعات والقضايا المقررة، كما يهدف نحو تحقيق التكامل بين القضايا اللغوية وبين المسائل العقدية، والشرعية. وتخصص مواد قرائية إضافية للدارسين من مصادر الدراسات الشرعية واللغوية التراثية والحديثة، من أجل توسيع مداركهم وتوثيق صلتهم بالمجال التطبيقي للمادة العلمية التي يدرسونها.(7/237)
ينظر في الأصول والمبادئ النظرية التي كَلِف بها علماء أصول الفقه من أجل فهم الخطاب القرآني والنبوي، مثل أسس بناء النص، والوحدة الموضوعية والمنطقية له، ويتم تطويع المبادئ والقواعد التي يمكن أن يستفاد من النظريات اللغوية الحديثة في التعامل مع القرآن، والسنة؛ لكي تتناسب مع طبيعة نصوصهما، ووظيفتها في حياة المخاطبين بها، وتكون مستكملة لمباحث الدراسات اللغوية التراثية، ومن ثم لا تدرس النصوص لذاتها، بل تدرس لأهداف تطبيقية تسهم في تحقيق الرسالة الربانية التي تحملها هذه النصوص، وتنتقى المبادئ والمناهج المتوافقة مع تقديم هذه الرسالة، وتربط التفسيرات الفقهية والعقدية للنصوص بالأحداث الواقعية، وتبنى الأحكام على أدلة مستفادة من التطبيقات اللغوية التحليلية.
تدرس ظاهرة التجانس الصوتي في القرآن الكريم، وسبل تطوير التلقي الشفهي، وأثر المتنوعات الصوتية في فهم المقروء، وأساليب ربط التلاوة والحفظ بالفهم والاستيعاب، وتأثير هذا الربط في الجوانب النفسية والاجتماعية للقارئ والمستمع، كما تبرز آثار الاختلاف في الخصائص النحوية، والمعجمية، والصوتية في فهم نصوص القرآن، والحديث، وتدرس أوجه القراءات التي تخالف القواعد النحوية الشائعة والمقررة في متون الكتب النحوية إذا تعلق بها اختلاف في المفاهيم، ومسألة الوظيفة اللغوية للقرآن الكريم (1) .(7/238)
تدرس أهمية المعرفة اللغوية العربية في تفسير القرآن الكريم، وصلتها بأسس التفسير بصفة عامة، والمبادئ اللغوية في تفسير النصوص في مناهج التفسير، وسبل توجيه التفسير اللغوي البياني للقرآن ليدرج المواقف الخطابية له، ومعرفة معهود الخطاب لدى العرب، وأنواع المعهود وتأثره بالخبرات التاريخية، وسياقات ورود النصوص الشرعية، ومعرفة التناسب بين الآيات والسور، والانسجام بين تراكيبها، وأجزائها، وأثرها في التعرف على الوحدة الموضوعية القرآنية، وأوجه استخدام وسائل الربط فيما يتعلق بقرائن الكلام وعناصره في فهم النصوص، وأنواع دلالات الألفاظ القرآنية، وأساليب التعامل مع مفردات القرآن في ضوء الجهود التي قدمت في التراث الشرعي في تحقيق الترادف، والمجاز وما سواهما في القرآن الكريم، وأثر التطور الدلالي في فهم آياته، وصلة مراعاة نظمه باستيعاب رسالته، والتفكير في تطبيقها على الواقع. وتناقش أهمية ترجمة القرآن، ومواقع استخدامها، وآراء العلماء في اعتمادها، وأثرها في التطبيقات العملية للرسالة القرآنية. تتناول المادة أسس وضع مصطلحات الأسانيد ودقة الفروق بينها، والقضايا المبنية على الربط بين محتوى المتن وظروف الراوي، وقواعد معرفة لغة الحديث، وفقه مضامينه، وأنواع دلالات ألفاظه، والربط بين هذه الأنواع وبين ما ورد في دلالات الألفاظ القرآنية، والمباحث اللغوية المتعلقة بنقد متن الحديث والعلاقة بين متن الحديث وسنده وقائله.(7/239)
تندرج في هذا الدرس أيضا المسائل الفقهية والعقدية المبنية على القضايا النحوية، والدلالات اللغوية المستفادة من دلالة المفردات، والتراكيب، والأدوات، والصيغ، وأثر أساليب الكلام، وأوجه الاستخدام اللغوي في الأحكام الفقهية (1) ، والأحكام المتعلقة باستخدام الكلام (2) ، وتدرس ماهية الكلام من حيث المعنى القائم بالنفس، وأثره في تحديد دلالة الألفاظ المسموعة المتداولة، وكيفية حمل الألفاظ الشرعية لدلالاتها، وصلة الحديث في مبدأ اللغات بتحديد دلالات الألفاظ الحقيقية، والمجازية، والاستعمالية، وغيرها، وتأثير القول بالوضع، أو الاستعمال، أو الحمل، أو الترميز الدلالي في التعامل بالنصوص، وأثر تحديد الدلالات على الموقف من تطور المصطلحات، والمفردات، والمقولات الشرعية. وتدرس أهمية معرفة أنواع هذه الدلالات في تقرير الأحكام الشرعية، وأثر المعرفة اللغوية العربية في الاجتهاد في استنباط الأحكام، ومزاولة الإفتاء. وأهمية الاستنتاج، وتفسير قصد المتكلم في إنجاز عملية التخاطب، وقواعد الاستنباط والاستدلال من الخطاب (3) .
يتم تناول الجانب الأخلاقي لاستخدام اللغة، والمصطلحات اللغوية الأخلاقية الأساسية والثانوية، وآثارها الفكرية، والشرعية، والعقدية، والحضارية، والتوجيهات الأخلاقية اللغوية، وأثر الكلام على العقيدة قولا، وسماعا، وانعكاس اللغة للعقيدة، وصلة العقيدة بالصياغة اللفظية للواقع، ودور الحرية، والإرادة في استخدام الكلام، والمسألة العقدية المتصلة بالكلام النفسي، وقضية الاستدلال على المذاهب العقدية من خلال المسائل اللغوية، وصلة العقيدة بقضايا اللفظ والمعنى. وتدرس أسس اختيار لغة الدعوة، وأثر نوع اللغة في الإقناع بالاتجاه العقدي، والفكري، والآثار النفسية، والاجتماعية، والفكرية للتعامل اللغوي في القيام بالدعوة إلى الله، وأهمية المعرفة والثقافة اللغوية للداعية.(7/240)
أما مصادر العلوم الشرعية التي تتضمن القضايا اللغوية فمنها كتب أصول الفقه، وقد عالج أصحابها المشكل اللغوي في سنهم لقواعد التشريع واستنباط الأحكام، ومن الاتجاهات البارزة فيها: الاتجاه السني الذي يمثله الشافعي في كتاب (الرسالة) ، والاتجاه الظاهري الذي يمثله ابن حزم الأندلسي في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام) ، والاتجاه الأشعري الذي يمثله أبو حامد الغزالي في كتابه (المستصفى في علم الأصول) . ومنها كتب التفسير حيث يعتني المفسرون عادة في تقديرات لغوية عامة، وفي تحاليل نظرية متنوعة عندما يواجهون بعض الآيات المتصلة بنشأة الكلام، أو بخلق الإنسان، فضلا عن بيان معاني المفردات والتراكيب، والأساليب البيانية، ومن الاتجاهات السائدة فيها: الاتجاه السني الذي يتمثل في تفسير الطبري (الجامع لأصول الأحكام) ، والاتجاه الاعتزالي المتمثل في تفسير الزمخشري (الكشاف) ، وتعليقات ابن المنير السني على تفسير الرازي الكبير "الاعتزالي". وترد في علم الكلام تساؤلات عن قضايا عقدية محورها الظاهرة اللغوية، وبالذات في نشأتها، واتصاف الخالق والمخلوق بها، وكذلك المصطلحات اللغوية العقدية، ثم التراث الفلسفي حيث تبرز القضية اللغوية في تفكير الفلاسفة في المقولات، والقياس، والبرهان، والخطابة (1) .
ونعتقد أن تحديد المصادر المعتمدة في تقديم هذا العلم لا يمثل صعوبة كبيرة؛ إذ إن الاطلاع في محتويات أمهات الكتب الشرعية التي تطرقت إليها سيثمر دون عناء كبير عن اختيار المراجع المتضمنة لموضوعات متفرقة عن بعض أجزاء هذا العلم، أو فروعه. ونقترح أن ينفذ مشروع بحث في تحديد هذه المصادر قبل الشروع في تنفيذ المساق الخاص بهذا العلم، وتقترح الاستعانة بطلبة الدراسات العليا في إعدادها تحت الأستاذ الذي سيتولى تدريس هذا المساق.
تنفيذ محتوياته:(7/241)
أما النصوص التي تبنى عليها القواعد أو التي يؤتى بها لتوضيح القواعد موجها، فيقترح أن يتم اختيارها في ضوء احتياجات التخصص، وتربط المسائل الشرعية بالخصائص الدلالية والنحوية والأسلوبية للنصوص، وتدرج هذه المسائل في تحليل التراكيب اللغوية في ضوء سياقات ورودها. وقد يقتصر في التوضيح والتحليل على الآيات والأحاديث التي تفيد القضايا الشرعية، أو تخصص بعض الأبواب النحوية والبلاغية والدلالية بالنصوص التي تندرج في باب معين، أو مسألة محددة من العلوم الشرعية، ويشار من خلال الشرح إلى المقاصد الشرعية للنصوص، وتعتمد الآيات والأحاديث الصحيحة في الاستشهاد دون إخضاعها للنمط العام لكلام العرب، بل تحافظ على خصائصها. وبذلك يحقق الدارس لمثل هذا العلم هدفين: أحدهما لغوي عام، وآخر شرعي خاص.
وتجدر الإشارة إلى ضرورة تطويع أي منهج لغوي يختار للتحليل ليتناسب مع الطبيعة العربية المتميزة لتراكيب النصوص الشرعية المدروسة. ولا ينتظر في المرحلة الأولية لهذا النوع من التخصص اقتراح بدائل للمناهج اللغوية الموروثة، أو التطوير عليها، إذ يمكن أن يكتفى في البدء بإعداد مواد تعليمية مساعدة في تأسيس هذا التخصص، وإعداد مقدمة نظرية له توجه إلى مجالات البحث المهمة في الدرس اللغوي المتعلق بالدراسات الشرعية.(7/242)
ويحسن أن يتم التركيز على الجوانب التطبيقية من القضايا اللغوية التراثية والحديثة المهمة التي تفيد في فهم الخطاب الشرعي، وفي استنباط الأحكام منه، وعلى الأسس النظرية التي ترشد المخاطبين بهذا الخطاب إلى حسن التعامل معه. ومن تلك الجوانب الاستغناء في تدريس النحو المعين في العلوم الشرعية عن التمرينات النحوية والأبواب النظرية البحتة، وعن مسائل الصنعة النحوية التي يغلب ألا يتعلق بها غرض خطابي، وكذلك اعتماد جميع الأوجه اللغوية الواردة في النصوص الشرعية أساسا للتعامل اللغوي من غير لجوء إلى تصنيف أو تقويم لهذه الاستعمالات التي قد ترد بقواعد يختص بها القرآن أو الحديث. ويلزم البحث عن أساس نظري عام موحد للموضوعات التي تقدم في مفردات التخصص، وهو أساس يساعد في المضي قدما في الأبحاث العلمية اللغوية المفيدة في تخصص الدراسات الشرعية. ومن أمثلة ذلك أن ينتهي التحليل اللغوي إلى بيان المقصد من النص الشرعي، ولا يقف عند تحليل الخصائص اللفظية.
ثالثا: نماذج شرعية لغوية:
يعتقد الباحث إمكان تنفيذ المقترحات السابقة في تأسيس علم لغة خاص بالعلوم الشرعية، وفيما يلي نماذج من المسائل والقضايا الشرعية اللغوية التي تتضمنها العلوم الشرعية.
مسائل شرعية لغوية:
الدراسات الشرعية مجال تطبيقي للدرس اللغوي العربي، لأنها مستندة إلى دراسة الخطاب الشرعي واستنباط الأحكام من أدلته الإجمالية والتفصيلية. ويقترح أن يتجه البحث نحو مراجعة المسائل اللغوية في هذه العلوم، لإبراز الخيط المشترك بينها، وبيان أساليب العلماء في ربط المسائل اللغوية بالمسائل الشرعية، والمنهج المتبع في عرض هذه المسائل، وإمكان تطوير هذا المنهج، ومراجعة المسائل التي أسست عليها.(7/243)
وبالنظر في كتب علوم القرآن نجد أن السيوطي (1) يتعرض لمعرفة إعراب القرآن، ومعرفة سبب النزول، والوقف والابتداء، والإمالة، والفتح، والإدغام، والإظهار، وغيرها من التنوعات الصوتية، وكيفية تحمل القرآن، وكيفية قراءته، وتجويده، ومعاني الألفاظ والآيات القرآنية، والإيجاز، والإطناب، والخبر والإنشاء، وغيرها من المباحث اللغوية والبيانية. ويدرس الزركشي (2) ، فضلا عن ذلك ما يراه ضروريا لمفسر القرآن الكريم من علاقات اللفظ بالمعنى، ومعرفة التصريف، والأحكام من جهة إفرادها وتراكيبها، وفصاحة اللفظ والتركيب، وأوجه التناسب بين الألفاظ والآيات والسور، والحقيقة والمجاز، والأساليب الخبرية والإنشائية، والأساليب القرآنية النحوية والصرفية والبلاغية بصفة عامة.
ودرس محمد أديب صالح (3) تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، ورأى أن وظيفة المفسر أن يعمل بالبحث والاجتهاد على إزالة الغموض من النص إن كان المعنى المقصود غير متبادر، وأن من أنواع التفسير معرفة مرامي الألفاظ التي منها الواضح والمبهم، ومعرفة دلالات الألفاظ على الأحكام من حيث تعدد وجوهها ومناحيها، وإدراك معاني الألفاظ في حالات عمومها واشتراكها، وغير ذلك من الموضوعات. وأشار إلى أن الحقيقة الراسخة عند العلماء أن البعد عن التفسير ضمن حدود اللغة والشريعة عدول عما تعبدنا الله من الكتاب بفهم آياته واستنباط أحكامه. وتعرض لأنواع الدلالات.(7/244)
وعني محمود توفيق محمد سعد (1) بالخصائص التي امتاز بها بيان الكتاب والسنة والتي تقتضي أن يكون منهج استنباط المعاني منه وحركته مضبوطين بضوابط تضمن الإيفاء بحق هذه المعاني، وتحفظ الاستنباط من الزيغ إفراطا وتفريطا. ومنها ضابط الوعي بخصائص اللغة ودلالاتها الإفرادية والتركيبية، بحيث تستنبط الدلائل وفق قواعد اللسان العربي ومواضعاته الدلالية عند نزول النصوص وورودها، وليس عن طريق الإسقاط الدلالي التأويلي للغة عصر الوحي، وكذلك ضابط الوعي بالسياق المقامي لبيان الكتاب والسنة، وواقع البيان التطبيقي له، وضابط الوعي بالتكامل الدلالي لنصوص الوحي قرآنا وسنة، وضابط الوعي بمقاصد الوحي الكلية والجزئية.
لا تنحصر المسائل اللغوية في علوم الحديث في دراسة المتن، بل يمتد إلى الإسناد وعلاقته بالمتن وبقائله (2) ، وذلك من حيث التمييز بين الحديث المرفوع، والموقوف، والمقطوع، والمباحث المتصلة بمعنى الحديث من حيث فقهه، ويشمل ذلك معرفة مختلف الحديث، وناسخه ومنسوخه، ومشكله، وغريبه، وأسباب وروده، والمباحث المتعلقة باختلاف رواياته، كمعرفة زيادات الثقات، والشاذ، والمضطرب، والمقلوب، والمدرج، والمصحف، والمعلل. ومثلها المسائل المتعلقة برواية الحديث بلفظه والترخيص في روايته بالمعنى بقيود، والعلاقة بين السند والمتن.(7/245)
تتضح أهمية الدرس اللغوي في دراسة علوم الحديث، في معرفة المصطلحات وتطور مفاهيمها، وربط الحديث بوسائل نقله في نقد الحديث الذي يعني: الحكم على الرواة تجريحا أو تعديلا بألفاظ خاصة ذات دلائل معلومة عند أهله، والنظر في متون الأحاديث التي صح سندها لتصحيحها، أو تضعيفها، ولرفع الإشكال عما بدا مشكلا من صحيحها، ودفع التعارض بينها، بتطبيق مقاييس دقيقة. وتبرز هذه الأهمية أيضا في مراحل نقد الحديث التي منها الاحتياط في الرواية تحملا وأداء، ونقد معنى الحديث، ودفع التعارض بين المتون ولرفع الإشكال عنها، ومن أهداف هذه المراحل التأكد من سلامة معنى الحديث بنقد معنى المتن، والكلام في الرجال من جانب حفظهم، وصيانة مبنى المتن بالجرح في الضبط، وبيان تخالف دلالات الأحاديث وأسباب ورود الحديث. وهي مباحث مهمة في نقد المتون، والمقارنة بين النصوص، قام بها رجال مختصون في الحديث، والأصول، والفقه، والعقيدة، واللغة، فاستطاعوا أن يوضحوا معناها بدقة. ومن أكثر مراحل نقد الحديث التصاقا بالدرس اللغوي نقد لغة الحديث، أي تفسير غريبه، وتصويب تصحيفاته، وبيان فقه الحديث، أي فهمه، واستخراج معناه. وقد قال الحاكم النيسابوري (1) بأن معرفة فقه الحديث ثمرة علوم الحديث، وبه قوام الشريعة، وأن علوم الحديث كلها تتعاضد لتثمر بيان المقصود من حديث النبي صلى الله عليه وسلم للعمل به.(7/246)
ويتركز التشابه بين علم أصول الفقه وعلم النحو بصورة خاصة في مبحث القياس، فضلا عن التشابه في مصطلحات تقسيم الحكمين الشرعي والنحوي، وأدلة الفقه والنحو الرئيسة. وتجدر الإشارة إلى أن صلة النحو بالفقه وأصوله صلة ذات شقين (1) : شق تظهر فيه مقولات النحاة في أصول النحو محمولة على أصول الفقه، ولعل ابن جني أول من أشار إلى الصلة القوية بين أصول الفقه وأصول الكلام وبين أصول النحو في كتابه " الخصائص" (2) ، وقدم السيوطي نموذجا واضحا له في كتاب "الاقتراح" (3) . وشق يظهر فيه أثر النحو الكبير في مباحث الفقه، وجاء كتاب الإسنوي تطبيقا عمليا لهذا الشق الثاني.
قضايا شرعية مبنية على أسس لغوية:
درس جمال الدين عطية (4) القواعد اللغوية وأشار إلى مكانها البارز في كتب أصول الفقه بسبب أهميتها في تفسير نصوص الكتاب والسنة واستخراج الأحكام منها، وإلى أن ابن السبكي قد أفرد لها قسما خاصا في كتابه " القواعد والأشباه والنظائر"، فبحث في حروف المعاني، والمركبات، وما ينبني على العربية من الفروع الفقهية، وأثر هذه القواعد في تفسير النصوص المختلفة. ويعتبر جمال الدين الإسنوي أول من خصص كتابا مستقلا عنوانه:" الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية" لدراسة القواعد النحوية التي بني عليها عدد من المسائل الفقهية. واهتم القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" بإبراز الأسس اللغوية للقضايا الفقهية التي عرضها. وتوجد جهود أخرى قديمة وحديثة في هذا الاتجاه. ونشير إلى جهود عبد القادر عبد الرحمن السعدي في مؤلفه الذي عنوانه: "أثر الدلالة النحوية واللغوية في استنباط الأحكام من آيات القرآن التشريعية".
ونعرض فيما يلي لبعض القضايا الشرعية اللغوية:(7/247)
حصر ابن رشد القرطبي (1) ، الأسباب المؤدية إلى الاختلاف بين الفقهاء في تحديد معاني الألفاظ التي تبنى عليها الأحكام في ستة: تردد الألفاظ بين العموم والخصوص ودلالة الخطاب، والاشتراك الحاصل في الألفاظ المفردة والمركبة، والاختلاف في الإعراب لأهميته في التمييز بين المعاني التركيبية، وتردد اللفظ بين حمله على الحقيقة أو على المجاز، من حذف، أو زيادة، أو تقديم، أو تأخير، أو تردده على الحقيقة أو الاستعارة، وإطلاق اللفظ تارة وتقييده تارة أخرى، والتعارض بين الشيئين في جميع أصناف الألفاظ التي تؤخذ منها الأحكام، ومثله التعارض الحاصل في الأفعال، أو الإقرارات، أو القياسات، أو بينها جميعا. ويتضح من محاولة رجع الألفاظ إلى هذه الأسباب الستة أن معظم أسباب الاختلاف في أحكام الفروع الفقهية قائمة على أساس لغوي مما يدعو للرجوع إلى اللغة رجوعا كليا في توجيه قصد الإنسان لإصدار الحكم الشرعي على تصرفه. وترجع أسباب الاختلاف الباقية إلى أمور أخرى من غير اللغة، كالقياس، أو الإجماع، أو العرف، أو الاستحسان. وقد تأتي بعض الفروع الفقهية مخالفة لما تقتضيه قواعد اللغة العربية، أو مخالفة للأرجح من قواعدها، مع موافقتها للمرجوح (2) .
وقد ذكر ابن السيد البطليوسي ثمانية أوجه للخلاف بين المسلمين بعضها متعلق ببعض، وهي: اشتراك الألفاظ والمعاني، والحقيقة والمجاز، والإفراد والتركيب، والخصوص والعموم، والرواية والنقل، والاجتهاد فيما لا نص فيه، والناسخ والمنسوخ، والإباحة والتوسع (3) . ومن الواضح أن أربعة أوجه منها لها صلة مباشرة بالمسائل اللغوية، وفيها أغلب أوجه الخلاف.(7/248)
ومما أورده الإسنوي (1) من القضايا الفقهية المؤسسة على القواعد اللغوية أن مقتضى اسم الفاعل صدور الفعل منه، ومقتضى اسم المفعول صدوره عليه. وإذا تقرر هذا فيتفرع عليه إذا حلف لا يأكل مستلذا، فإنه يحنث بما يستلذه هو أو غيره، بخلاف ما إذا قال (شيئا لذيذا) فإن العبرة فيه بالحالف فقط. ومسألة أخرى أن (إذا) ظرف للمستقبل من الزمان، وفيه معنى الشرط غالبا، وقد يقع للماضي..، وقد ينتفي فيها معنى الشرط ... وإذا دلت على الشرط فلا تدل على التكرار.. . إذا علمت ذلك فينبني على المسألة الأيمان والتعاليق والنذور. فإذا قال لزوجته مثلا: إذا قمت فأنت طالق، فقامت، ثم قامت أيضا في العدة ثانيا وثالثا، فإنه لا يقع بهما شيء..كما لا تدل (إذا) على التكرار لا تدل أيضا على العموم،.. وقيل تدل عليه. ومن فروع المسألة أن تكون له عبيد ونساء، فيقول: إذا طلقت امرأة فعبد من عبيدي حرّ، فطلق أربعا بالتوالي، أو المعية، فلا يعتق إلا عبد واحد، وتنحل اليمين.
هذا، ويقترح أن يتطرق البحث في دراسة القضايا الشرعية المبنية على الأسس اللغوية إلى طبيعة هذه القضايا، والدافع إلى الاحتجاج باللغة فيها مع توفر الدليل الشرعي، أو عدم توفره، ودرجة هذا الاحتجاج، وأساليب اعتماد الأسس اللغوية أو استغلالها، ومنهج عرض هذه القضايا، وإمكان الربط بينها، وتجديد هذا المنهج، والعلاقة بين المسائل والقضايا اللغوية الشرعية.
• • •
خاتمة:(7/249)
ينبغي أن نؤكد أن اقتراح تخصيص المنهجية اللغوية للعلوم الشرعية بالدراسة لا يعني محاولة لإقحام المسائل اللغوية في المسائل الشرعية، أو الإكثار من القضايا اللغوية في غير موضعها مما حذّر منه الغزالي (1) ، وإنما القصد هو تأكيد المزاوجة بين المعرفة اللغوية والمعرفة الشرعية، وتوجيه الدرس اللغوي العربي إلى مواصلة السعي في تحقيق الهدف الذي نشأ من أجله، ألا وهو خدمة القرآن الكريم، وخدمة بيانه، والإسهام في فهم النصوص الشرعية، وفي استثمار المبادئ العقدية والأحكام الشرعية العملية منها ومن ثمَّ تطوير المنهجية اللغوية للعلوم الشرعية.
إن المحتويات العلمية التعليمية لهذا الدرس متوفرة بكثرة في التراث الإسلامي الشرعي، ولها تشعبات متنوعة، وستفيد الأبحاث التي تجرى في هذا المجال اللغوي التطبيقي الشرعي في إثراء التراث الإنساني بالآراء النيرة التي قدمها المسلمون في دراسة الظاهرة الكلامية، وعلاقتها بالعقيدة، والفكر، والثقافة، والكيان الإنساني بوجه عام. ولا ريب في أن الإفادة من الدراسات اللغوية التركيبية، والأسلوبية الحديثة في الجوانب النفسية، والاجتماعية، والأخلاقية، والإعلامية، والتشريعية، طبقا لطبيعة النصوص الشرعية تساعد في فهم الخطاب الشرعي الذي وضعت هذه العلوم لدراسته.(7/250)
ويقترح الكاتب أن يقرر مساق خاص لهذا العلم في البدء في المرحلة الجامعية العليا للدراسات الإسلامية والشرعية، والدراسات اللغوية، قبل أن يقرر في المرحلة الجامعية الأولى، ويقترح أن تحدد ساعاته المعتمدة بثلاث ساعات إذا تقرر تدريسه بشكل عام، أما إذا قصد تدريس فروعه الداخلية فتحدد لكل فرع ساعة واحدة معتمدة. ويقترح أن يبدأ تقديمه لطلبة الدراسات العليا بشكل ندوات علمية يمكن أن يشترك فيها المتخصصون في العلوم اللغوية، والشرعية، أو أن يتولى تدريسه متخصصون في الدراسات اللغوية لهم خلفية كافية في الدراسات الإسلامية، وذلك من أجل تحقيق نوع من الانسجام بين المفردات التي تقدم للدارسين، والربط بين القضايا اللغوية، وبين المسائل الشرعية على أمل أن يفضي تطور الأبحاث المستقبلية إلى تحقيق هدف هذا المساق. أما عن المقررات والمراجع فتوفر في البدء بانتقاء الموضوعات المتصلة بمفردات هذا المساق من أمهات الكتب التي تتناول فروع العلوم الشرعية التي أشرنا إلى بعض موضوعاتها، وتؤخذ النماذج التطبيقية الأولية منها ريثما يتم تأليف كتاب مخصص له. ومن الممكن استغلال أبحاث طلبة الدراسات العليا في تحقيق هذا الهدف النبيل، وفق أهداف مرسومة ومفردات محددة، ومناهج تعليمية تتفق مع أهداف المؤسسة الجامعية التي تحتضن هذا المساق.
الحواشي والتعليقات
انظر: سعدي أبو حبيب، القاموس الفقهي: لغة واصطلاحا، دار الفكر، دمشق، 1402هـ (الشريعة) .
توجد تقسيمات متعددة للعلوم في التراث الإسلامي، كما يوجد تداخل في تصنيف العلوم وفقا لتباين المعايير المعتمدة في هذا التصنيف. انظر نوعا من مناقشة تصنيف للعلوم الإسلامية في: محمد عمارة، إسلامية المعرفة، دار الشرق الأوسط، القاهرة، 1991م. ص 14- 17، وانظر في تحديد العلوم الشرعية: أبو حامد محمد الغزالي، إحياء علوم الدين، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، د. ت.، ج3، ص18.(7/251)
تجدر الإشارة إلى أن أي تطوير أو تجديد في العلوم الشرعية، إن اقتضته الضرورة، ينبغي أن يتم في حدود مقاصد الشرع، وألا يخالف الغايات العليا للرسالة الإسلامية كما حددها سلف هذه الأمة. ولا ينبغي من جانب آخر أن يصرف أي مقترح في التطوير إلى الاحتكام إلى العقل وإهمال النقل؛ ذلك لأن الفيصل في قبول التطوير أو التجديد في منهجية الدراسة والفهم صدورُه عن العقيدة الصحيحة واتفاقه مع المقاصد الشرعية.
انظر: أبو حامد محمد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403هـ، ج1، ص3-5.
من المحاولات العلمية في تطوير الدراسات الشرعية وتحديثها صنيع الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه المعنون ب (الزكاة) ، وهناك محاولات أخرى له ولغيره، وهي كثيرة.
انظر: عبد الحميد إبراهيم المجالي، مدى الحاجة إلى تطوير محتوى مادة الفقه، في: فتحي حسن ملكاوي، ومحمد عبد الكريم أبو سل، بحوث مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عمان، 1416هـ، ص 49 – 65.
انظر: أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج1، ص4-10، ومحتويات الجزأين.
انظر: إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، دار الفكر العربي، بيروت، د. ت.، ج2، 5- 40، وج2، ص5-40.
انظر مثلا: محمود توفيق محمد سعد، سبل الاستنباط من الكتاب والسنة: دراسة بيانية ناقدة، مطبعة الأمانة، مصر، 1413هـ. ومحمد أديب صالح، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، ط3، المكتب الإسلامي، بيروت، 1404هـ.
نشير في هذا الصدد إلى أن تجديد منهجية الدراسة في أي علم من العلوم لا يقتضي بالضرورة أن تكون المناهج السابقة ناقصة، أو غير وافية بالغرض؛ إذ إن المنهجية الجديدة قد تفضي إلى إضافة محمودة إلى نتائج البحث في المجال العلمي المعنيّ، وقد تفتح مجال اهتمام آخر تتلاقح فيه الخبرات، ويعالج فيه بعض القضايا التخصصية المستجدة في هذا المجال.(7/252)
أبو السعود محمد العمادي، تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج1، ص4.
جمال الدين الإسنوي، الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية، تحقيق محمد حسن عواد، دار عمار، الأردن، 1405هـ، ص43 (مقدمة المحقق) .
راجع في الاحتجاج لإثبات القياس والرد على هذه الشبه: أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج2، ص256-278.
وانظر في نقد الاعتماد على القياس في الاستدلال والاحتجاج في الفقه وفي التعامل مع نصوص الكتاب والسنة: علي بن أحمد بن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1400هـ، مج2، ج8، ص2-76.
محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مصطفى الباني الحلبي وأولاده بمصر، ط2، 1370هـ، ج1، ص2-3.
راجع: ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، مج2، ج7، ص 57- 58 و 62- 63.
وانظر: أنور خالد الزعبي، ظاهرية ابن حزم الأندلسي: نظرية المعرفة ومناهج البحث، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، مكتب عمان، الأردن، 1417هـ، ص 3-6 (تقديم طه جابر العلواني للكتاب.)
انظر: محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة، ط2، 1979م، ص51- 52، فقرة 173. والشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص65- 70.
محمود توفيق محمد سعد، سبل الاستنباط من الكتاب والسنة: دراسة بيانية ناقدة، مطبعة الأمانة، مصر، 1413هـ، ص38-41.
راجع: ابن مضاء القرطبي، كتاب الرد على النحاة، ط3، تحقيق شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، 1988م، ص 71- 141.
حاول شوقي ضيف تقديم نموذج متكامل لتصوره لتيسير النحو العربي مستفيدا من آراء ابن مضاء، وذلك في كتابه (تجديد النحو) ، وقد قدم تحليلا أسس نظريا لهذا التجديد في كتابه (تيسير النحو التعليمي قديما وحديثا مع نهج تجديده) .(7/253)
ابن القيم محمد بن أبي بكر الجوزي، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق محمد بن محيي الدين عبد الحميد،، ج3، 107- 111.
علي بن أحمد بن حزم، المحلى بالآثار، تحقيق عبد الغفار البندراوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ج3، ص187- 188
أحمد بن عبد الحليم بن تيمية،، مجموعة الرسائل والمسائل، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983م، ص294.
عبد الرحمن الحريري، الفقه على المذاهب الأربعة، دار الفكر، بيروت، ج2، ص474.
أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج1، ص10.
من النماذج الشائعة في هذا، صنيع الرازي في تفسيره، حيث أطلق لنفسه العنان في إقحام المسائل العقلية في تفسير القرآن الكريم.
ولعل الإمام الشافعي يعد خير دليل على النبوغ في المجالين الشرعي واللغوي. اقرأ نبذة عن الإمام الشافعي في تقديم المحقق للرسالة: محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة، 1399هـ ص 5-8
راجع: جمال الدين بن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1990م، مادة (صلا) ومادة (زكا) .
أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج2، ص353.
الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة ج4، ص114-118 وج4، ص 62.
انظر: عبد القادر عبد الرحمن السعدي، أثر الدلالة النحوية واللغوية في استنباط الأحكام من آيات القرآن التشريعية، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بغداد، 1406هـ، ص 31- 74.
وردت تحديدات متنوعة لعلم اللغة التطبيقي، ولكنه علم يمثل تكاملا بين مختلف المعارف الإنسانية في دراسة القضايا اللغوية التطبيقية مما يتعلق بفهم الظاهرة اللغوية، واستخدام اللغة، وتوظيفها في العلاقات الاجتماعية، ومجالات الخبرات الإنسانية، وتقديم الحلول العملية لمشكلات استخدام اللغة في مجالات الاتصال الإنساني المعرفي، أو المهني، أو الاجتماعي، أو غيرها.
انظر: حسن محمود الشافعي، المدخل إلى دراسة علم الكلام، ط2، مكتبة وهبة، القاهرة، 1411هـ، ص 72- 98.(7/254)
تشمل الدراسات اللغوية الحديثة توجهات متعددة، ويمكن الاستفادة منها في بناء علم اللغة الخاص بالعلوم الشرعية، وبصفة خاصة ما يتعلق من موضوعاته بربط النصوص بالخصائص المقامية لها، وربط التراكيب والنصوص بالجوانب المعرفية والثقافية والنفسية، وتحديد مفاهيم المصطلحات.
قدم أبو حامد الغزالي مثالا للغلط في تمييز المشترك من الألفاظ، محللا لمفاهيم لفظة "مختار" في التعليل لحكم المكره على القتل لدى كل من الشافعية والحنفية. (أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج1، ص 33) .
زكريا الأنصاري، الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، تحقيق مازن المبارك، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1411هـ، ص65.
أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكتبة ابن تيمية، ط2، د. ت.، مج13، ص 355 – 358.
عبد الله بن السيد البطليوسي، الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الخلاف، تحقيق محمد رضوان الداية، دار الفكر، بيروت، ط2، 1403هـ، ص 36- 37.
انظر: محمد خطابي، لسانيات النص، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1991م، ص11-87 (وقد أبرز المؤلف إسهام المسلمين في دراسة النصوص وبيان أوجه الانسجام فيها، في التفسير، وعلوم القرآن، والبلاغة العربية، ص95- 204)
انظر: بدر الدين محمد الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، عيسى البابي الحلبي، 1390هـ، (قائمة المحتويات) . وعبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، المكتبة الثقافية، بيروت، 1973م، (قائمة المحتويات) .
الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج1، ص35 – 36.
الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص65 –66.
الواقعة: 79.
ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج1، ص 41- 42.(7/255)
يمكن أن يدرس إمكان وجود نحو قرآني خاص، وما يدعو إليه بعض الكتاب من ضرورة اتباع الأساليب التركيبية والبيانية للقرآن الكريم، ونظرتهم إلى القواعد اللغوية القرآنية بأنها ملزمة، وينبغي هجر غيرها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النظرة لا تراعي حقيقة أن الأسلوب القرآني أسلوب نموذجي رفيع، وأنه معجز بنظمه، ومضمونه، وأن تقليد الشيء الخارج عن الطوق البشري لا طائل من دونه، كما أن الأسلوب القرآني لا يمثل كل الأساليب العربية التي منها الرفيع، والوضيع.
من ذلك الاستحلاف، وأساليب إيقاع الطلاق، والطلب والقبول في النكاح، وصيغ العقود، والاعتراف بالجريمة، وغيرها.
فمثلا: أوقات وساعات منع أنواع من الكلام في بعض الظروف أو الشعائر الدينية، ومواقف السكوت، والحديث مع الوالدين، وإساءة استخدام الكلام.
انظر مثلا: أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج1، ص 337 (طريق فهم المراد) .
عبد السلام المسدي، التفكير اللساني في الحضارة العربية، الدار العربية للكتاب، تونس، ط2، 1986م، ص 35- 36.
عبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن.
بدر الدين محمد الزركشي، البرهان في علوم القرآن.
انظر: محمد أديب صالح، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، المكتب الإسلامي، دمشق، ط3، 1404هـ 1/ 60-61 و 69 و 109 و 139.
محمود توفيق محمد سعد، سبل الاستنباط من الكتاب والسنة: دراسة بيانية ناقدة، ص 18-25.
انظر: محمد طاهر الجوابي، جهود المحدثين في نقد متن الحديث النبوي الشريف، مؤسسات ع. الكريم بن عبد الله، تونس، 1991م، ص84- 128 و 284- 291، وغيرها.
الحاكم محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري، كتاب معرفة علوم الحديث، مكتبة المتنبي، القاهرة، د. ت.، ص63
الإسنوي، الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية، ص146: مقدمة المحقق.(7/256)
انظر: أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1952م 1/163 حيث قال: "وكذلك كتب محمد بن الحسن - رحمه الله - إنما ينتزع أصحابنا منها العلل، لأنهم يجدونها منثورة في أثناء كلامه فيجمع بعضها إلى بعض بالملاطفة والرفق." وانظر: ج1، ص115- 200 وج1، ص49- 96، 115- 164 في: نوع علل العربية، وجواز القياس، وتعارض السماع والقياس، والاستحسان، وتخصيص العلل.
عبد الرحمن السيوطي، كتاب الاقتراح في علم أصول النحو. (قسم السيوطي هذا الكتاب إلى أجزاء، هي: المقدمات، ثم الكتاب الأول في السماع، والثاني في الإجماع، والثالث في القياس والرابع في الاستصحاب، والخامس في الاستدلال، والسادس في التعارض والترجيح.)
جمال الدين عطية، التنظير الفقهي، ص109- 111
ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ص15-6.
جمال الدين عطية، التنظير الفقهي، 110- 111.
ابن السيد البطليوسي، الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الخلاف، ص34.
الإسنوي، الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية، ص 243 و 266- 267.
أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول ج1، ص 10.(7/257)
التصغير في اللغة
د. عليان بن محمد الحازمي
الأستاذ المشارك بقسم اللغة والنحو والصرف
كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى
ملخص البحث
تهدف هذه الدراسة إلى معرفة التصغير في اللغة بوجه عام وأهميته في الدلالة على المعنى، حيث إن التصغير معنى والمعاني لا تختص بها لغة دون أخرى أو موقوفة على أمة بعينها، كما أن التصغير ليس مجرد تغيير وتحوير في بنية وصيغة الكلمة، وإنّما جيء به ليدل دلالة معينة؛ لذا حاولت هذه الدراسة مقارنة وجود ظاهرة التصغير في اللغة العربية بلغات أخرى سامية وهندية أوربية فوضح أن التصغير ظاهرة قديمة مشتركة في معظم هذه اللغات غير أن هذه الظاهرة تلاشت من أغلب اللغات، ولم تبق منه إلا بقايا تدل على أنه كان موجوداً. لقد استعيض في الوقت الحاضر بالوصف؛ لأن التصغير وصف، بل إن كبار الكتّاب والأدباء في اللغة العربية المعاصرة لا يميلون إلى إستخدام التصغير، وإنما نجد الوصف عندهم حلّ محلّ التصغير، لذا فإن اللغات تشترك في كثير من ظواهرها وتتشابه مما يجعلنا نقول إن القدر المشترك بين نحو اللغات أكثر من المختلف.
• • •
مقدمة:
فكرة هذا البحث تدور حول التصغير في اللغة بوجه عام، حيث يرى الباحث أنّ اللغة في أصلها سليقة، وفطرة يشترك فيها البشر كافة؛ ويستوي الجميع في استعمالها فهي مقدرة كامنة في عقول الناس، يستعملها الصغير والكبير، كما يقول ((التحويليون)) ومن ثم كان لابد أن يحصل توافق كبير بين اللغات لذا فإن هذه الدراسة تحاول أن تدرس التصغير في اللغة بمفهومها العام، معتمدة على ما قاله علماء النحو عن هذه الظاهرة، مستعينة في الوقت نفسه بما اطلع عليه الباحث من آراء لغوية محدثة يحاول على ضوئها دراسة التصغير، معتمداً على المقارنة والملاحظة وإبداء الرأي.(7/258)
وإذا بدا البحث قد ركز على اللغة العربية بصورة أكثر؛ فإنما جاء ذلك بقدر ما يبيّن ويوضح أصالة ظاهرة التصغير في اللغة العربية فقد جعل علماء الساميات اللغة العربية الأصل الذي يفزعون إليه عند المقارنة والموازنة، ولا غرو في ذلك؛ فالعربية قد حافظت على كثير من أصول اللغة الأم للغات السامية، أما اللغات الهندو أروبية فإن الباحث لا يدعي الاطلاع على جميع هذه اللغات، وإنّما اكتفى بذكر اللغات الجرمانية، ممثلة في اللغتين الإنجليزية والألمانية. وذكر بعض اللغات الرومانية كالإيطالية والأسبانية والفرنسية.
أما مصادر البحث فقد اعتمد على كتب التراث النحوي وما كتبه المتخصصون في علم اللغة، وفي اللغات السامية والهندو أوربية، وبعض المعاجم. كما اعتمد على كتب النحو التعليمي الذي وضع لتعليم اللغات، ثم إن الباحث رأى أيضاً أن هنالك قوانين واتجاهات تسير نحوها اللغات، هذه الاتجاهات تصدق على ظاهرة التصغير، من ثم اعتمدها الباحث في هذه الدراسة.
اللغة نظام:
من المعروف أن اللغة نظام كما يقول علماء اللغة المحدثون (1) ، وكل لغة لها نظام خاص تنفرد به، سواء كان ذلك في نحوها، أو صرفها، أو نطق أصواتها، وطرق أدائها، ناهيك عن طريقة التركيب وبناء الجملة وتنوع الأساليب، لكننا مع هذا لا نعدم وجود ظواهر مشتركة تظهر في عدد من اللغات، وهذا التوافق يمكن إرجاعه إلى:
1 - أن اللغة نتاج عقلي، وهذا يشترك فيه البشر كافة.
2 - أن منشأ الأمم واللغات يعود إلى أصل واحد.
3 - أن عناصر أي لغة من لغات البشر - بوجه عام - تتكون من أسماء وأفعال وأدوات، فلا تجد لغة إلاّ وتحتوي على تلك المكونات الأساسية لبناء الجملة، فالمؤتلف بين اللغات أكثر من المختلف.(7/259)
ولقد تنبه علماء العربية القدامى إلى هذا التوافق، وسبقوا علماء اللغة المحدثين بالإشارة إلى ذلك، فابن إيّاز يذكر أنّ أجزاء الكلام الذي تتكون منه الجملة: اسم وفعل وحرف. ثم عقب قائلاً: ((لا يختص انحصار الكلمة في الأنواع الثلاثة بلغة العرب؛ لأنّ الدليل العقلي الذي دلّ على الانحصار عقلي والأمور العقلية لا تختلف باختلاف اللغات)) (1) .
إنّ من يتعمق قول ابن إياز يدرك أن اللغات تتشابه في كثير من مكوناتها الأساسية، غير أن تلك المكونات يحكمها نظام خاص وطريقة معيّنة تنبع من جوهر تلك اللغة، حيث إنّ لها طريقة مميزة، وأسلوباً معيناً في تراكيبها وطرق أدائها. من هنا يتعين القول بأن توافق اللغات في كثير من الظواهر يؤكد قول النحاة التحويليين الذين يرون أن نحو اللغات يتشابه بصفة عامة (2) .
فالمكونات والمظاهر العامة التي لا تخلو منها أي لغة من لغات البشر؛ لوجود الأسماء، والأفعال، والأدوات، والجموع والتثنية، والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، هي مكونات ومظاهر نحوية صرفية تركيبية، والتصغير أحد الظواهر اللغوية التي استرعت انتباهي حيث توافق وجوده في عدد من اللغات، يظهر في اللغة العربية، وفي اللغة الإنجليزية - وبالأخص القديمة - وفي اللغة الألمانية، كما أن اللغات الرومانية ((الفرنسية والإيطالية والأسبانية)) تستخدم التصغير (3) .
التصغير معناه ودلالته:
التصغير في اللغة يدل على التقليل والنقصان، ففي اللغة العربية صغر الشيء (4) يعني قلل حجمه، كما أن التصغير أيضاً في اللغات السامية كالعبرية والأكادية والسريانية (5) يعني التحقير، والتقليل، وفي اللغة الإنجليزية تدل كلمة Minimize التي جاء منها مصطلح التصغير Diminutive على التقليل والتحقير (6) . وكذلك الحال في اللغة الألمانية (7) حيث إن التصغير يفيد تقليل الشيء.(7/260)
ولما كان التصغير في الغالب يدل على التقليل، فقد لوحظ أن علماء العربية عند دراستهم لظواهره، لم يكن همهم وضع القواعد الخاصة به فقط؛ وإنما مبانيه ومعانيه، فوضوح المعنى وما تدل عليه الصيغ والتراكيب كانت الهدف الأول الذي انصب عليه اهتمام العلماء، لذا جاءت دراستهم لظواهر اللغة المختلفة، تركز على المعنى من خلال المبنى، فتنبهوا إلى أن التصغير تقليل، فبينوا صيغه وحصروها في أوزان ثلاثة: فُعَيْل، وفُعَيْعِل، وفُعَيْعِيل. هذا الحصر إنما اعتمد على الاستقراء؛ لأن الكثرة الكاثرة من العرب لا تتجاوز هذه الأوزان، ويرجع العلماء هذا الحصر إلى الخليل بن أحمد، الذي رأى بثاقب فكرة وقوة استنباطه، أن كلام العرب من حيث أبنيته، إما أن يكون ثنائياً، أو ثلاثياً، أو رباعياً، أو خماسياً، يقول: ((كلام العرب مبني على أربعة أصناف على الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي)) (1) . ومن ثم جعل التصغير ثلاثة وأخرج الثنائي؛ لأنه قليل في العرب، وكل ثنائي إنما هو في الأصل (2) . ثلاثي، يقول سيبويه: ((أعلم أن التصغير في الكلام على ثلاثة فُعَيل، وفُعَيعِل، وفُعَيعِيل)) (3) .
التصغير معنى:
إن أهم ما سعى إليه علماء اللغة والنحاة على وجه الخصوص هو وضوح المعنى، فالاهتمام بالمعنى ودلالاته تمثل جزءاً لا يتجزأ من نحو اللغة وصرفها، فالمعنى وليست القاعدة تأتي دائماً في الصدارة والتصغير تغيير في صيغة الكلمة بزيادة حرف، هذه الزيادة قصد منها إفادة دلالة معينة، فياء التصغير في اللغة العربية حرف من حروف المعاني، وزيادتها في اللفظ المراد تصغيره هو نقله من حالة إلى حالة أخرى؛ ليدل دلالة معينة، يقول ابن جني: ((فإذا كانت الألفاظ أدلة المعاني، ثم زيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى)) (4) .(7/261)
والتصغير معنى: لأنك إذا أصغرت الشيء فقد حقرته، يقول ابن يعيش: ((اعلم أن التصغير والتحقير واحد، وهو خلاف التكبير والتعظيم)) (1) .
فالتصغير ما هو إلا تقليل وتحقير، يقول ابن عصفور موضحاً معاني التصغير: ((أحدهما أن يراد به تصغير شأن الشيء وتحقيره نحو قولك: رجيل سوء، والآخر أن يراد به تقليل كمية الشيء نحو قولك: دريهمات، الآخر أن يراد به تقريب الشيء)) (2) . ويقول ابن الحاجب: ((المصغر المزيد فيه؛ ليدل على تقليل)) (3) . يعني أن المصغر ما زيد فيه شيء ليدل على تقليل، ويؤكد العليمي في حاشيته بقوله: ((وفوائد التصغير ستة لا يخفى أنها ترجع للتحقير والتقليل)) (4) .
من هنا يتضح لنا أن المعنى الذي يدل عليه التصغير هو التقليل والتحقير، فالتصغير معنى، وعرف علماء العربية ذلك حيث ذكروا أن التصغير لا يكون إلاّ في الأشياء التي يدركها التقليل ((إنما يصغر الشيء إذا علم أنه صغير)) (5) ، إذ لا يتناول التصغير إلاّ حقيراً، فلا يصح تصغير الأسماء المعظمة كأسماء الله الحسنى، ولا جموع الكثرة ولا مادلّ على العموم والشمول مثل كل.
التصغير والتحقير:
من الملاحظ أن علماء العربية القدامى استعملوا لفظي التصغير والتحقير، وعاقبوا في الاستعمال بينهما، فالخليل بن أحمد وسيبويه والمبرد يستعملون التحقير جنباً إلى جنب التصغير، يقول الخليل: ((وتحقير الكلمة تصغيرها)) (6) . ويقول سيبويه في باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف: ((اعلم أن تحقير ذلك كتحقير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث لا تكسر الحرف الذي بعد التصغير)) (7) . وعلى هذا النحو سار المبرد فتراه يستعمل لفظي التصغير والتحقير، يقول: ((واعلم أنك إذا صغرت شيئاً على خمسة أحرف كلها أصل، فإنك لا تحذف من ذلك إلا الحرف الأخير؛ لأنه يجري على مثال(7/262)
التحقير)) (1) ، ويقول: ((وتقول العرب في تحقير شفة شفيهة)) (2) . فما السبب الذي جعل علماء العربية يعاقبون في الاستعمال بين لفظي التصغير والتحقير، فمرة يستخدمون لفظ التحقير، وتارة يقول التصغير، إن العلة تكمن في أن الدلالة في التصغير كما لاحظها علماء العربية تظهر واضحة جلية في التحقير وهذا ما جعلهم يستعملون التحقير بجانب التصغير، غير أن استعمالهم لفظ التحقير ليس من قبيل أنّه مصطلح (3) نحوي استعمل ثم اندثر.
فالتصغير هو المصطلح النحوي المستعمل عند سيبويه وغيره من علماء النحو بدليل أنّ سيبويه يكثر من استعماله، ويقول: ((اعلم أن التصغير إنما هو في الكلام على ثلاثة أمثلة ... )) (4) . كما أنه لا يقول إلاّ ياء التصغير، ولم يقل ياء التحقير، فلفظ التحقير الذي ورد عند سيبويه لم يكن مصطلحاً علمياً وإنما هو المعنى الذي يفيده التصغير، فقد عرف سيبويه أن التصغير في غالبه يفيد التحقير والتقليل، يقول: ((هذا باب ما يحقر لدنوه من الشيء وليس بمثله، وذلك قولك هو أصيغر منك، وإنما أردت أن تقلل الذي بينهما، ومن ذلك قولك: هو دوين ذاك وفويق (5) ذاك)) ، ويقول: ((إذا قلت دوين ذاك وفويق ذاك فإنما تقرب الشيء من الشيء، وتقلل الذي بينهما، وليس المكان بالذي يحقر)) (6) .
فالأغراض والمعاني الدلالية التي ينصرف إليها التصغير والتي حصرها النحاة في ثمانية أغراض (7) ، وهي: التحقير، تقليل جسم الشيء وذاته، تقليل الكمية والعدد، تقريب الزمان، تقريب المكان، التحبب، الترحم، التعظيم، لم تكن غائبة عن ذهن سيبويه، فقد ذكرها خلال مناقشته للتصغير، لكنه رأى أنّ التحقير والتقليل هو السمة الواضحة والغالبة في التصغير، فورد كثير عنده في الكتاب، يقول العليمي: ((إن فوائد التصغير الستة (8) ، ترجع كلها للتحقير والتقليل)) ، ويقول د. عباس حسن:(7/263)
((ومن الممكن إرجاع كثير من هذه الأغراض المفصلة إلى التحقير أو التقليل)) (1) . فالتحقير ليس مصطلحاً نحوياً كما ذهب الدكتور القوزي حين تحدث عن المصطلح النحو في كتاب سيبويه بقوله: (( ... ومنها مالم يعمر طويلاً بعده كإصطلاح التحقير الذي أدار الحديث عليه في أغلب المواضع التي تحدث فيها عن التصغير، حتى أن التحقير لم يعد أكثر من مجرد غرض من أغراض التصغير عند المتأخرين)) (2) . لذا نرجح أن التحقير الذي تردد في كتاب سيبويه ليس مصطلحاً، وإنما هو أحد المعاني والأغراض التي يفيدها التصغير؛ لأن التصغير تقليل حجم الشيء، وهذا ما أرداه سيبويه , كما أن التصغير يدل في اللغة على التقليل والتحقير كما أشرنا.
التصغير بين الذوق والقاعدة:(7/264)
ليست اللغة مجموعة من القواعد، بقدر ما هي ما اتفق عليه المجتمع اللغوي، فعمل على استعماله وتأصيله، ومن ثم استنبط واستخرج العلماء الضوابط التي تبين معالمه ولا غرو فقد حدد علماء العربية أبنية التصغير التي وردت في استعمال العرب، لتكون قاعدة مطردة فالتصغير في الكلام يأتي على ثلاثة أمثلة كما أشرنا ((فعيل وفعيعل وفعيعيل)) إلا أنهم لاحظوا أن هنالك ألفاظاً تفيد التصغير ولكنها جاءت خلاف القاعدة؛ يقول أبو حيان: ((وجاء من التصغير ما هو خلاف قياس المكبر بقولهم في مغرب: مغيربان، وفي عشية: عشيشة، وفي رجل: رويجل (1) وذكر السيوطي ألفاظاً وردت عند العرب تفيد التصغير، مثل هداهد تصغير هدد، وحبرور تصغير حباري (2) . إن ما ذكره العلماء خلاف القاعدة سواء كان في التصغير أم في غيره لا يعني أن قواعدهم غير محكمة، وأنها بنيت على استقراء ناقص؛ وإنّما تصور الدقة العلمية والنهج المحكم الذي سلكه العلماء عند استنباطهم القواعد وما أجمل قول أبي عمرو بن العلاء عندما سئل: ((أخبرني عما وضعت مما سميت عربية، أيدخل فيه كلام العرب كله، فقال: لا فقلت: كيف تصنع فيما خالفتك فيه العرب وهم حجة، فقال: أحمل على الأكثر وأسمى ما خالفني لغات ... )) (3) .(7/265)
فالألفاظ التي جاء تصغيرها مخالفاً لأوزان التصغير الثلاثة لغات وردت عن العرب وسمعت عنهم، لكنها لم تكن شائعة ومستعملة من غالبية العرب، والقواعد إنما تستنبط وتؤخذ من الغالب الشائع إضافة إلى ذلك أن الذوق ووضوح المعنى هو المعول عليه فليس كل إسم يصغر، ولا كل صيغة للتصغير يقاس عليها فقد ذكر سيبويه وغيره من العلماء أن هنالك أسماءً وأدوات لا تحقر، يقول: ((مستعرضاً ما يصغر وما لا يصغر موضحاً الأسباب والموانع التي تمنع من التصغير معتمداً في ذلك كله على السماع محكماً الذوق وإفادة المعنى ((ولا تحقر عند)) ، كما تحقر ((قبل وبعد)) ، ونحوهما؛ لأنك إذا قلت: عند، فقد قللت ما بينهما، وليس يراد من التقليل (1) . أقل من ذا)) ويقول: ((ولا يحقر أين، ولا متى، ولا كيف، ونحوهن)) ، من قبل: إن أين ومتى وحيث ليس فيها ما في فوق ودون وتحت ... )) (2) .
فالمعول عليه في التصغير إفادة المعنى فإذا كان المعنى لا يأتي ولا يتحقق فحينئذ لا جدوى من تصغيره فكلمة ((بعض)) تدل بنفسها على التصغير والتقليل، فلا حاجة إذاً إلى تصغيرها كما أن ((كل)) تدل على العموم والشمول والكثرة، فصارت كجمع الكثرة (3) . يقول ابن عصفور ((وإنّما يصغر الشيء إذا علم أنه صغير، وأيضاً فإنّها عامة وتصغيرها يخرجها عن العموم، إذ لا يتناول التصغير إلاّ حقيراً)) (4) .
فالشروط التي وضعها النحاة لتصغير الإسم تدل على مصاحبة الذوق للقاعدة، فالقاعدة لابد أن يحكمها الذوق فقد ذكروا أن يكون الإسم المراد تصغيره خالياً من صيغ التصغير وشبهها، فلا يصغر نحو كميت ((لئلا يؤدي تصغيرها إلى جمع بين حرفي معنى)) (5) . كما بينوا أن الإسم المصغر لابد أن يكون قابلاً لصيغة التصغير، فلا تصغر الأسماء المعظمة كأسماء الله الحسنى ولا الأنبياء ولا جمع الكثرة)) (6) .
اللغة والوصف:(7/266)
اللغة مبنى ومعنى فعندما نقول: ((هذا رجل)) دلَ التركيب على معنى معيّن، وإذا قلنا: ((هذا رجل فاضل)) ، وضحت صفة يتحلى بها هذا الرجل. ولقد كان العربي يحس ويعرف لطائف ودقائق المعاني في تراكيب لغته فكل كلمة تعبر عن معنى فالشاعر عندما يستخدم التصغير إنما يطمح إلى تعبير دلالي معين ينفد من خلاله: ليدل به على معنى دقيق فأوس بن حجر عندما
قال:
دانٍ مُسِفٌّ فُوَيْقَ الأرض هَيْدبُهُ يكادُ يَدْفَعُه مَنْ قام بالرَّاحِ(7/267)
إنما صغر لفظ فُوَيْقَ لبيان قرب السحاب من الأرض، وأنه تدلى فهو ليس عالياً ((وإنما هو فويق)) ؛ لذا فإن التصغير له دلالات معينة ودلالة الوصف من ألصق وأوضح الدلالات في التصغير؛ إذ أن التصغير نعت ووصف، فأنت إذا صغرت الشيء وصفته يقول ابن عصفور: ((إن التصغير في المعنى نعت، فإذا قلت: رجيل، فمعناه رجل حقير)) (1) . فالتصغير وصف، فإذا قلت ((بييت)) فقد وصفته بالصغر، وإذا قلت ((رجيل)) فقد قللت من شأنه وأنزلته منزلة أقل، وعمدت إلى بيان حاله، وهو أنك تصفه في موضع تحقير. وقد صرح الخليل عن قول العرب ((ما أميلحه)) ، فقال: ((لم يكن ينبغي أن يكون في القياس؛ لأن الفعل لا يحقر، وإنّما تحقر الأسماء؛ لأنها توصف)) (2) . فقول الخليل: ((وإنما تحقر الأسماء؛ لأنها توصف)) دليل على أن التصغير يقوم مقام الوصف. ويؤكد ابن يعيش على أن التصغير وصف يقول: ((اعلم أن التصغير والتحقير واحد، وهو خلاف التكبير والتعظيم، وتصغير الإسم دليل على صغر مسماه، فهو حلية وصفة للإسم؛ لأنك تريد بقولك: رجيل: رجلاً صغيراً، وإنما اختصرت بحذف الصفة وجعلت تصغير الإسم والزيادة عليه علماً على ذلك المعنى)) (3) . ويقول ابن السرّاج مؤكداً: ((التصغير شيء اجتزئ عند وصف الإسم بالصغر)) (4) ، وهذا القول ذكره ابن الأنباري (( ... لأن التصغير قام مقام الصفة، قام رجيل مقام رجل سوء ... إذا قلت: رجيل، فقد وصفته)) (5) .(7/268)
ويقول ابن يعيش: ((وأما التصغير فيفتقر إلى علامة؛ لأنه حادث لنيابته عن الصفة)) ، وقال: ((إنّ التصغير لما كان صفة وحلية للمصغر بالصغر، والصفة إنما هي لفظ زائد عن الموصوف جعل التصغير الذي هو خلف عنه بزيادة، ولم يجعل بنقص ليناسب حال الصفة)) (1) . فالتصغير أصله صفة ونائب عنها. ولعل هذا يفسر لنا استعمال الوصف بدلاً وعوضاً عن التصغير في لغتنا المعاصرة، فمن يتابع سير اللغة العربية اليوم يجد أن الوصف قد حلّ محل التصغير سواء كان ذلك في اللغة المكتوبة أو المتحدثة.
فالدكتور / طه حسين يقيم الوصف بدلاً عن التصغير والأمثلة الآتية تظهر في ((كتابه الأيام)) .
1 - لم يكن بينه وبين الدار إلا خطوات صغار (2) .
2 - كان سيدنا جالساً على دكة من الخشب صغيرة (3) .
3 - يؤثر الصلاة في مسجد صغير (4) .
4 - ما هي إلاّ لحظات قصيرة (5) .
5 - اتخفّى بين حوانيت صغيرة (6) .
هذه الأمثلة تقفنا كيف أن أديباً معاصراً أثر الوصف على استعمال خطيوات، دكيكة، مسيجد، لحيظات، حوينتات إلاّ أننا مع هذا نجد التصغير يظهر عنده في قوله:
1 - ما هكذا تؤخذ اللقمة يابني (7) .
2 - ويأتي سيدنا كل يوم قبيل الظهر (8) .
وهذا يمثل بقايا من التصغير، أما الأستاذ أحمد أمين فإنه لا يختلف عن الدكتور طه حسين من حيث استخدام الوصف بدلاً عن التصغير، فقد جاء في كتابه ((حياتي)) الأساليب الآتية:
1 - سكن الشريدان في بيت صغير (9) .
2 - في وسطه باب صغير (10) .
3 - صاحب مقهى صغير (11) .
4 - وصندوق صغير من صناديق الجاز (12) .
5 - كان بالمدرسة مسجد صغير (13) .
6 - أما هم فقد يحاسبوننا على الكلمة الصغيرة (14) .(7/269)
كما أن الوصف مع التصغير ورد عنده في قوله ويوماً لقيت في هذه كتيباً صغيراً (1) . عنوانه ((مبادئ الفلسفة)) . أما وجود بعض بقايا التصغير فإنه مثله مثل الدكتور / طه حسين، تظهر في قوله: وقد ذهبت بعيد الزواج إلى مصور ماهر (2) . ولعل السبب في ظهور هذه البقايا من التصغير يرجع إلى الثقافة الأزهرية لفكر الأديبين. كما تدلنا هذا البقايا على أصالة التصغير في اللغة، ولكن الإتجاه إلى الوصف هو السمة الغالبة على اللغة المعاصرة.
ويتجلى استخدام الوصف عوضاً عن التصغير عند الأديب نجيب
محفوظ، يقول في قصته الشهيرة ((بين القصرين)) :
1 - ذو عينين صغيرتين وأنف صغير دقيق (3) .
2 - وكانت حين زواجها فتاة صغيرة دون الرابعة (4) .
3 - أحسها قلبه الصغير (5) .
4 - رأيت أيها الرجل الصغير العاجز (6) .
ويلحظ أيضاً أن الطيب صالح في قصته في العالمية الشهيرة ((موسم الهجرة إلى الشمال)) أقام الوصف أيضاً مقام التصغير، وهو في هذا لا يختلف عن بقية معاصريه من الأدباء، ولعل الأمثلة الآتية تبرهن حقيقة ما نذهب إليه.
1 - جمعت متاعي في حقيبة صغيرة (7) .
2 - ووجد ورقة صغيرة بإسمي (8) .
3 - كنت أطوي ضلوعي على هذه القرية الصغيرة (9) .
4 - في تلك اللحظة القصيرة (10) .
أما التصغير فإننا لا نجده إلا في بقايا وألفاظ معروفة يستخدمها الطيب صالح شأنه في هذا شأن بقية معاصريه، مثل قوله، قبيل الفجر (11) .
إن إقامة الوصف مقام التصغير في اللغة العربية المعاصرة ليس بدعاً، وإنّما أمر لاحظه علماء العربية، فالسبب يمكن في أنّ الإنسان بطبعه يميل إلى
السهولة، يقول الأسترابادي: ((لما كان أبنية المصغر قليلة واستعمالها في الكلام أيضاً قليلاً صاغوها على وزن ثقيل، إذ الثقل مع القلة محتمل)) (12) . ثم إنّ اللغات تتجه نحو التيسير كما يقول علماء اللغة المحدثون، كما أنّ التصغير قائم مقام الوصف.(7/270)
التصغير واللغات:
اللغة نتاج عقلي ووعاء للفكر، فهي فكر قبل أن تكون أصواتاً والمعاني والأفكار كامنة في الصدور، وكل إنسان يعبر على قدر قدرته وما تهيأ له من أسباب عما يجول في نفسه. وقد أشرنا سابقاً إلى أن التصغير معنى، والمعاني لا تنفرد بها لغة دون الأخرى فلا عجب أن نجد التصغير يظهر في عدة من لغات البشر. فكما أن العربي إذا أراد أن يقلل من شأن شيء لجأ إلى تصغيره، كذلك الشأن في بقية اللغات السامية الأخرى حيث وجد أنها تستخدم التصغير لتدل به على التحقير يقول ((مسكاتي)) موضحاً ومبيناً ((مظاهر التصغير وآثاره تتضح في اللغات السامية كالسريانية والأكادية ... )) فاللغة السريانية تقول غليماً تصغير غلام، والأكادية تقول قُسيبا تصغير قسم، والإبدال بين الميم والباء ظاهرة شائعة في اللغات السامية (1) .
كما أن ((أولري)) أشار في كتابه ((النحو المقارن للغات السامية)) إلى أن اللغة العبرية تستخدم التصغير مثل اللغة العربية (2)
وهذا دليل على أصالة ظاهرة التصغير في اللغات السامية التي تلاشت فيما بعد.
وقد أكد الأستاذ جونستون في مقال نشره في مجلة الدراسات السامية أن التصغير يستعمل في اللغات الأمهرية والسوقطرية والشحرية، وهي لغات عربية جنوبية ويدل على التحقير والتقليل وتستخدمه في أغراض شتى كالسخرية والمدح والشفقة والتحنن، مثل تصغير كلب كويلب كليب Kewelab، Kelab في الأمهرية والسوقطرية أي يا قلبي الصغير Dear little heart، وكبش كبيش Kobes، وكويبش في الأمهرية والسوقطرية و Kiyes في الشحرية (3) ، كما أنه بيّن أن التصغير يكثر في اللغة الأمهرية ويقل في الشحرية ومحدوداً في اللغة السوقطرية (4) .(7/271)
كذلك وجد أن اللغات الهندية الأوربية تستخدم التصغير لتدل به دلالة معينة، ففي اللغة الإنجليزية هنالك لواحق معينة تلحق كلمة ((Book كتاب)) و ((Bud برعم)) عندما تضاف إليهما اللاحقة ((Let)) يتغير (1) إلى ((كتيّب Booklet))
((بريعم Budlet)) (2) .
أما اللاحقة ((Ling)) واللاحقة ((Kin)) فإنهما إذا ألحقت إحداهما بالإسم، فإنها تدل السخرية والاحتقار ويكثر هذا الاستعمال في الإنجليزية القديمة، فقد أورد يسبرسن في كتابه الكلمات الآتية ((Princeling Dukling)) (3) .
أما اللغة الإنجليزية المعاصرة فإنها تستخدم اللاحقة ((ie)) للدلالة على التصغير والتحبب، فكلمة ((Aunt)) خالة أو عمة إذا ألحق بها ((ie)) (4) ((Auntie)) خولتي عميمتي لتدل على التصغير. كذلك ((y)) (5) تستخدم لتدل على التصغير، ويكثر استعمالها بكثرة عند محادثة الأطفال في دور الحضانة من قبل المربيات مثل قولهم: ((Dicky)) .
أما اللغة الألمانية فتشترك مع اللغة الإنجليزية، إذ أنهما تنتميان إلى أرومة واحدة هي اللغة الجرمانية، فإن التصغير فيها يعبر عنه بإستخدام اللاحقين ((Iein)) و ((chen)) . فكلمة ((كلب Der hund)) إذا ألحقت بها ((Lein)) فإنها تقتضي دلالة التصغير فتصبح ((Der Hundlien)) (6) ، وكذلك أيضاً نجد أن ((katz قطة)) إذا أريد تصغيرها ألحقت بها ((Chen)) ، فقد ذكر جاكسون وجيجر في كتابهما ((اللغة الألمانية المعاصرة)) (7) .
أما التصغير في اللغة الإيطالية، وهي إحدى اللغات التي تفرعت عن اللغة اللاتينية، فإن هنالك عدة لواحق تلحق الألفاظ فتجعلها مصغرة، هذه اللواحق هي (8) :
((ino)) ((etto)) ((ello)) .
((ina)) ((etta)) ((ella)) .
فكلمة ((Storiella)) تصغير لكلمة Stori.
وكلمة ((Donnina)) تصغير لكلمة Donn.
وكلمة ((Giovinetto)) تصغير لكلمة Giovin.(7/272)
إن الأمثلة السابقة تقفنا على أن تلك اللغات استخدمت التصغير في أغراض شتى بشكل مماثل لما نجده في اللغة العربية، فقد تعبر به عن التحقير والتقليل من شأن المصغر أو السخرية منه أو التحبب وإظهار الشفقة.
ولعل في دراسة النصوص القديمة لآداب تلك اللغة تطلعنا على أن وجود التصغير وإستخدامه يجعلنا نقول إن التصغير يمثل عنصراً قديماً للغة اندثر الآن في أغلب اللغات المعاصرة، فلم تبق منه إلا بقايا في ألفاظ لا زالت على ألسنة الناس، فالدلائل تشير إلى إن معظم اللغات الآن تستخدم الوصف بدلاً من التصغير فاللغة الإنجليزية غالباً تستخدم قطة صغيرة ((Little cat)) عوضاً عن Kitten مع أنه ما زالت هذه الكلمة موجودة، ويستعملها القلة من المتحدثين وأحسبها من بقايا التصغير في اللغة الإنجليزية. لذا فإن التصغير - في أغلب الظن - يمثل مرحلة لغوية قديمة أستعيض عنه بما يدل عليه الآن وهو الوصف.
وخلاصة القول:
1 - إن التصغير ليس وقفاً على لغة بعينها، وإنما هو ظاهرة قديمة موجودة في معظم اللغات لا تكاد تخلو منه أي لغة.
2 - إن التصغير إندثر في كثير من اللغات، ولم نعد نجد إلا بعض بقاياه.
3 - التصغير في حقيقة أمره وصف، فإذا صغرت الشيء فقد وصفته.
4 - إن معظم اللغات المعاصرة تستخدم الوصف بدلاً عن التصغير، فكثير من أدباء العربية المعاصرين يستعملون الوصف عوضاً عن التصغير. وكذلك الحال في اللغة الإنجليزية.
5 - إن معظم أغراض التصغير التي يعبر عنها التصغير في اللغة العربية كالتحبب والشفقة والتحقير ... نجدها ممثلة في اللغات الأخرى كالانجليزية والألمانية والإيطالية.
لذا فلعلنا لا نعدو الصواب حين نقول إن هنالك ظواهر مشتركة بين اللغات. وأن التصغير معنى. والمعاني لاتنفرد بها لغة دون الأخرى.
الهوامش والتعليقات
(1) F. Desaissure , Course in General Linguistics P 8.
(2) ابن هشام: شذور الذهب ص 14.(7/273)
(3) نهاد الموسي، نظرية النحو العربي في ضوء مناهج اللغوي الحديث ص 9، 10.
(4) Otto , Jespersen , Growth and Structure of
the English Language p:- 91
(5) لسان العرب مادة صغر.
(6) S. Moscati , An Introdution to the Comparative Grammar of
the Semitic Language p:- 78.
(7) Oxford Dictionary.
(8) Concise German Dictonary.
(9) العين ج 1، ص 48.
(10) المبرد، المقتضب ج 2، ص 237.
(11) الكتاب ج 2، ص 105.
(12) الخصائص ج 3، ص 268.
(13) شرح المفصل ج 5، ص 289.
(14) ابن عصفور شرح الجمل ج 2، ص 289.
(15) المصدر السابق ج 1، ص 189.
(16) حاشية العليمي ج 2، ص 37.
(17) ابن عصفور، شرح الجمل ج 2، ص 290.
(18) العين ج 3، ص 43.
(19) الكتاب ج 2، ص 419، 420.
(20) المقتضب ج 2، ص 249.
(21) المصدر السابق ج 2، 241.
(22) المصطلح النحوي: عوض حمد القوزي ص 86.
(23) الكتاب ج 2، ص 105، 106.
(24) المصدر السابق ج 2، ص 135.
(25) المصدر السابق ج2، ص 138.
(26) شرح التصريح، خالد الأزهري ج 2، ص 317.
(27) حاشية العليمي ج 2، 317.
(28) النحو الوافي ج 4، ص 513.
(29) المصطلح النحوي ص 86.
(30) الأشباه والنظائر ج 2، ص 125.
(31) المزهر ج 2، ص 78، وانظر الخصائص لابن جني ج 2، ص: 466.
(32) المزهر ج 1، ص 184، 185.
(33) سيبويه، الكتاب ج 2، ص 136.
(34) المصدر السابق ج 2 - 135.
(35) حاشية العليمي ج2، ص 317.
(36) ابن عصفور، شرح الجمل ج 2، ص 290.
(37) شرح التصريح على التوضيح ج 2، ص 317.
(38) شرح الجمل ج 2، ص 291.
(39) حاشية العليمي ج 2، ص 317.
(40) شرح الزجاجي ج 2، ص 289.
(41) الكتاب ج2، ص 135.
(42) شرح المفصل ج5، ص 36.
(43) الأصول في النحو ج 3، ص 36.(7/274)
(44) أسرار اللغة ص 361، 362، 363.
(45) شرح المفصل ج 5، ص 115.
(46) الأيام، ص 7.
(47) نفسه، ص 30.
(48) نفسه، ص 84.
(49) نفسه، ص 164.
(50) نفسه، ص 165.
(51) نفسه، ص 165.
(52) نفسه، ص 13.
(53) حياتي، ص 58.
(54) نفسه، ص 73.
(55) نفسه، ص 75.
(56) نفسه، ص 80.
(57) نفسه، ص 88.
(58) نفسه، ص 184.
(59) نفسه، ص 171.
(60) نفسه، ص 176.
(61) نفسه، ص 6.
(62) نفسه، ص 6.
(63) نفسه، ص 126.
(64) نفسه، ص 129.
(65) نفسه، ص 27.
(66) نفسه، ص 35.
(67) نفسه، ص 52.
(68) نفسه، ص 60.
(69) نفسه، ص 52.
(70) شرح شافية ابن الحاجب ج 1، ص 193.
(71) S. Mos Cati , An Introduction to the Comparative
Grammar of the Semitic Languaes P:- 78.
(72) Compartive Grammer of the Semitic Languages P:- 186.
(73) T. M. Johnstone , Diminutive Patterns in Modrn South
Arabian Languages JSS P:- P. 98. 99.
(74) المرجع نفسه.
(75) يسبرسن: نمو وتطور اللغة الإنجليزية ص 9.
(76) المصدر نفسه.
(77) المصدر نفسه ص 9.
(78) المصدر نفسه.
(79) المصدر نفسه.
(80) اللغة الألمانية المعاصرة B. W. Buckly , Living German.
Living German.
(82) Growth and Strncture of the English Language , P. 90
المصادر والمراجع العربية
- الأزهري، خالد بن عبد الله: شرح التصريح على التوضيح، صحح ورجع بمعرفة لجنة من العلماء.
- أمين، أحمد: حياتي، دار الكتاب بيروت 1971 م.
- ابن جني، أبو الفتح عثمان الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتب القاهرة 1371 هـ.
- حسن، عباس: النحو الوافي - دار المعارف بمصر 1963 م.
- حسين، طه: الأيام، دار الكتاب بيروت 1974 م.(7/275)
- ابن السراج، أبو بكر محمد محمد بن سهل: الأصول في النحو، تحقيق: د. عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1415 هـ.
- سيبويه،أبو بشر عمرو بن قَنبر: الكتاب، المطبعة الأميرية ببولاق 1316 هـ.
- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن:
أ) المزهر في علوم اللغة وأنواعها، شرحه وضبطه محمد أحمد جاد المولى - علي محمد البجاوي محمد أبو الفضل إبراهيم.
ب) الأشباه والنظائر، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد.
- الإشبيلي، ابن عصفور: شرح جمل الزجاجي، تحقيق د. صاحب أبو جناح بغداد 1982 م.
- صالح الطيب: موسم الهجرة إلى الشمال.
- العليمي، الشيخ يس بن زين الدين: حاشية العليمي.
- الفراهيدي، الخليل بن أحمد: كتاب العين، تحقيق د. مهديَ المخزومي د. إبراهيم السامرائي، دار الرشيد. بغداد.
- القوزي، عوض حمد: المصطلح النحوي نشأته وتطورته حتى أواخر القرن الثالث الهجري جامعة الرياض 1401 هـ.
- المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد: المقتضب، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة - عالم الكتب، بيروت.
- ابن هشام، عبد الله جمال الدين بن يوسف: شرح شذور الذهب، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة.
- الموسى، نهاد، نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث.
- محفوظ، نجيب: بين القصرين.
- ابن يعيش، موفق الدين يعيش بن علي: شرح المفصل، عالم الكتب - بيروت، مكتبة المتنبي- القاهرة.
المصادر والمراجع الأجنبية
-BUCKLY , R. W. Livng German , London 1967.
-DESAUSSURE, F. Course in General Lingustics , London.
-JACKSON , A. German Made simple , Lndon 1968.
-JEPERSEN. Otto Growth and Structure of the English Language Oxford 1972.
-JOHNSTONE. T. M. Diminutive Patternr in Modern South Arabian Language , J. S. S. V ol 18 , 1973.
- MESSINGER , H. Concise German
Dictionary.(7/276)
- MOSCATI , S. In Introdution to the Comparahtiv Grammar of the Semitic Languages Wiesbaden 1964.
- OLEARY , DELACY. Coparative Grmmar of the Seminic Languages London 1923.
- The Concise Oxford Dicionary.(7/277)
مقدمة القصيدة الجاهلية عند
حسان بن ثابت رضي الله عنه
د. محمود عبد الله أبو الخير
أستاذ الأدب والنقد المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها
كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية والإدارية - جامعة الملك خالد
ملخص البحث
يدرس هذا البحث مقدمة القصيدة الجاهلية عند حسان بن ثابت؛ فيحاول تفسير تخلي حسان عن المقدمة التقليدية في بعض قصائده، ثم يلقي الضوء على صور المقدمات في قصائده الجاهلية.
ويتناول مظاهر التطور في تلك المقدمات؛ فيحدد العناصر والمقومات التي تخلى عنها، والتي أبقى عليها، والتي ظهرت في بعض المقدمات، واختفت في بعضها. ثم يكشف عن العناصر الجديدة في مقدماته الجاهلية، متمثلة في ميله إلى التركيز والتكثيف، وفي الاقتصاد في التعبير بالصورة الشعرية؛ وعن العناصر التي انحرف بها عن منهج السابقين، متمثلة في تضمين مقدماته ذكر أماكن تقع خارج جزيرة العرب، واشتمالها على التعبير عن إعجابه بأمجاد الغساسنة، وبكائه على تلك الأمجاد، وذكر كرائم إبلهم وخيلهم، واستعادة ذكرياته في ديارهم؛ وفي عدم تهافته على المرأة، أو مخاطرته في سبيل الوصول إليها، ووصف جواري الغساسنة وتعبيره عن انبهاره بالمرأة الحضرية وزينتها، وعطرها، وتفضيلها على البدوية، ومزج موصوفاته ببعض مظاهر الطبيعة، واستغلال بعض العناصر الأسطورية في الحياة الجاهلية.
ويناقش البحث خلال ذلك كثيراً من الآراء في مقدمة القصيدة الجاهلية، وبعض الآراء في الشعر الجاهلي محاولاً تصحيحها.
• • •
... أثارت مقدمة القصيدة العربية اهتمام النقاد والدارسين، قدماء ومعاصرين، من عرب ومستشرقين؛ فأقبلوا عليها، معللين، ومحللين، ودارسين؛ وكتبت فيها البحوث، وألفت فيها الكتب.(7/278)
.. وعلى الرغم من ذلك فهي لا تزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات والبحوث لتجلية بعض الجوانب، وتغطية بعض المساحات التي لا تزال بكراً لم ترُدْها الأقدام، ولم تطأها المناسم.
... ومن تلك المساحات مقدمة القصيدة عند حسان بن ثابت، رضي الله عنه. فعلى الرغم من كثرة ما كتب حول حسان، فإن حظ الدراسة الفنية منه قليل، وأقل هذا القليل ما كتب حول مقدمة القصيدة عنده.
... ولا شك أن مقدمة القصيدة عند حسان تشكل علامة بارزة في مسيرة مقدمة القصيدة العربية، ولذلك كانت دراستها أمراً ضرورياً للمهتمين بتتبع مسيرة المقدمة التقليدية للقصيدة العربية وتطورها. ومع ذلك لم يلتفت الدارسون إليها، بل رأيتهم يتنكبون جادتها، ويزورّون عنها.
... وقدخصصت هذا البحث لدراسة مقدمة القصيدة الجاهلية عند حسان، على أمل أن أفرد مقدمة القصيدة الإسلامية عنده ببحث آخر، ليقيني أن مقدمات قصائده الإسلامية، يجب أن تدرس مستقلة عن مقدمات قصائده الجاهلية؛ نظراً للاختلاف بين هذه وتلك في الغاية، والتصور؛ والمنطلق؛ ولأنها تشكل خطوة متقدمة على طريق تطوّر مقدمة القصيدة العربية.
... واعتمدت في بحثي هذا على طبعتين من طبعات ديوان حسان: الطبعة التي حققها الدكتور سيد حنفي حسنين، وصدرت عن دار المعارف بمصر سنة 1974م، والطبعة التي حققها الدكتور وليد عرفات وصدرت عن دار صادر ببيروت سنة 1974م أيضاً؛ لأنهما أتم الطبعات، وأحسنها ضبطاً، ولأن كلاً منهما تتمم الأخرى.
واستبعد البحث مقدمة قصيدته الهمزية، لأنها وإن نص القدماء على أنها جاهلية، إلا أن منهم من شكك في بعض أبياتها (1) :
... ويدور البحث حول ثلاثة محاور:
... الأول: قصائد حسان التي خلت من المقدمات.
... والثاني: صور مقدمات قصائده الجاهلية.
... والثالث: مظاهر التطوّر في مقدماته الجاهلية.
المحور الأول: قصائد حسان الجاهلية التي خلت من المقدمات(7/279)
.. يضم ديوان حسان مائة وخمساً وعشرين قصيدة، إذا أخذنا بالرأي القائل إن القصيدة تتألف من سبعة أبيات على الأقل (2) . ومن هذه القصائد خمس وثلاثون شكك فيها الباحثون، وتسعون صححوا نسبتها إليه. والقصائد صحيحة النسبة إليه منها خمس وسبعون إسلامية، وخمس عشرة جاهلية. ومن قصائده الجاهلية إحدى عشرة قصيدة ذات مقدمة، وأربع هجم فيها على موضوعه مباشرة، ولم يمهد لها بأية مقدمة. وتشكل قصائده الخالية من المقدمات 26.66% من قصائده الجاهلية.
وقد عرف الشعر العربي القديم ظاهرةالشروع في القصيدة دون تمهيد، إلى درجة جذبت انتباه ابن رشيق (ت 456هـ) ، فسجلها قائلاً: ((ومن الشعراء من لا يجعل لكلامه بسطاً من النسيب، بل يهجم على ما يريده مكافحة، ويتناوله مصافحة)) (3)
والمتأمل في تلك القصائد يجد أن حساناً قالها في مواقف تعرض فيها لاستثارات شعورية، وجد نفسه فيها مضطراً للرّد الفوري لينفس عن مشاعره المتوترة، أو عن انفعالات نفسه الثائرة، التي لم تتح له فرصة التمهيد لتجربته بمقدمة طللية، أو غزلية، أو سوى ذلك؛ فأقبل على قصيدته دون مقدمة، وباشر موضوعه دون تمهيد.
... فاثنتان من قصائده التي خلت من المقدمات جاءتا رداً على استثارتين مبيّتتين، فوجئ بهما حسان: أما الأولى فكانت ردّاً على تعيير زوجه (عمرة) (4) له بأخواله، والفخر عليه بالأوس. وكان حسان يحب أخواله، ويغضب لهم، فطلقها، وقال القصيدة يفتخر، ومطلعها (5) :
أَجْمَعَتْ عَمْرَةُ صَرْماً فَابْتَكِرْ
إِنما يُدْهِنُ لِلْقَلْبِ الحَصِرْ
لاَ يَكُنْ حُبُّكِ هَذا ظَاهِراً
ليسَ هَذا مِنْكِ يا عمرُ بسرْ
سَألتْ حسانَ من أخواله؟
إنّما يُسْألُ بالشَّيْءِ الغُمُر
ومن الواضح أنه قالها في سورة غضبه الذي أدى به إلى طلاق زوجه على الرغم من أن كلاً منهما كان محباً لصاحبه، كما يقول الخبر (6) .(7/280)
.. والمطْلع نفسه يحمل أكثر من إشارة إلى ذلك، فهو يأمر نفسه بعدم الاستجابة لنداء قلبه، لأنه لا يخضع لنداء العاطفة إلا الضعيف (الحَصِر) ؛ ويعلن ثورة عارمة على تلك الزوجة التي تجاهلت أخواله فسألته عنهم وهي تعرفهم؛ لأنه إنما يُسأل عن الشيء المجهول. وهو ليس ممن يغضون على الإساءة، وإن جاءته من أحب الناس إليه. وفي مثل هذه الأجواء الانفعالية، والجيشان الشعوري، لا يتوقع المرء أن يمهد الشاعر لتجربته بأية مقدمة.
وأما الثانية فقالها عندما مرّ بنسوة فيهن مطلقته (عمرة) ، فأعرضت عنه، وقالت لامرأة منهن: إذا حاذاك هذا الرجل فاسأليه من هو؟ وانسبيه إلى أخواله. فلما حاذاهنّ سألته، فانتسب لها، فقالت له: فمن أخوالك؟ فأخبرها، فبصقت عن شمالها وأعرضت، فحدد النظر إليها، وعجب من فعالها، وجعل ينظر إليها، فبصر بمطلقته عمرة، وهي تضحك، فعرفها، وعلم أن الأمر من قبلها أتى (7) ، فقال القصيدة، ومطلعها (8) :
قَالَتْ لَهُ يَوْمَاً تخَاطِبُهُ
نُفُجُ الحَقِيبَةِ غَادَةُ الصُّلْبِ
والموقف الذي تمخضت عنه القصيدة يكاد يكون تكراراً للموقف الذي تمخضت عنه قصيدته الأولى والاختلاف بينهما يقتصر على بعض التفصيلات، والشخصيات، ولكن جوهر التجربة وباعثها في نفس حسان واحد.
... والقصيدة الثالثة التي خلت من المقدمة في شعر حسان الجاهلي قالها في الرد على قصيدة لقيس بن الخطيم (ت620هـ) يوم السرار (9) ، ومطلعها (10) :
لَعَمْر أبيكِ الخَيْرِ يا شَعْثَ مَا نَبَا ... عَلَيَّ لِسَاني في الخُطُوبِ وَلاَ يَدِي(7/281)
وفيها يمزج الفخر بالتهديد، فهو يبدأُها بالفخر بمجمل القيم الجاهلية من شجاعة، وكرم ومقدرة شعرية، وقدرة على قطع الصحاري الموحشة على ناقة قوية ظهرت في جلدها آثار الأنساع، يواصل عليها السير ليلاً ونهاراً حتى تبلغه أبواب ملك الحيرة، ويختمها بتهديد قيس بن الخطيم، وقومه الأوس، بأنهم سيلقون من الخزرج ليوثاً تدافع عن عرين وتحمي أشبالاً، ويعيرهم بالهزيمة، والقعود عن الأخذ بالثأر، وعن بلوغ العلياء، ثم يتهم قيس بن الخطيم بأنه لا شأن له بالحرب، لأنه إنما يجيد مغازلة النساء، ومعابثتهن، والتكحل مثلهن.
... ومن الواضح أن حساناً وجد نفسه مضطراً إلى الرد السريع على خصمه ابن الخطيم، الذي هجا الخزرج وافتخر عليهم بعد قتال بالسرارة استمر أربعة أيام، نال فيها كل فريق من خصمه، وأثخن فيه (11) . وأمام تلك الظروف الحرجة لم يجد حسان من الوقت ما يتيح له التريث بين يدي القصيدة، أو التمهيد لها بمقدمة ما، لإلحاح الرد على نفسه، وإحساسه بضرورة مقابلة فخر قيس وهجائه بفخر وهجاء مثلهما أو أشد.
... والقصيدة الرابعة من هذه القصائد قالها حسان في هجاء شاعر أوسيّ آخر هو أبو قيس بن الأسلت (12) (ت قبل الهجرة بقليل) ، بعد لقاء بين الأوس والخزرج بالبويلة (13) ، اقتتل فيه الفريقان قتالاً شديداً، ودارت فيه الدائرة على الأوس، فقالها حسان يهجو أبا قيس والأوس ويفتخر عليهم، ومطلعها (14) :
أَلاَ أَبْلِغْ أَبَا قَيْسٍ رَسُولاً
إِذَا أَلَقى لَها سَمْعاً يَبِينُ(7/282)
.. وبعد أن يلتمس من يبلغ عنه رسالة إلى أبي قيس يذكره بهزيمة الأوس يوم الجسر، حيث قتل الخزرج والده. وما يلبث أن يهدده بغارة تحيط بالأوس من كل ناحية، يخضع لها عزيزهم، وتسقط لهولها الأجنة من بطون الحوامل، وتشيب الناهد العذراء، ويتشتت فيها شمل الأوس. ثم يوجه خطابه إلى أبي قيس قائلاً: تلك غارة يجود فيها غيرك بنفسه، وتضن فيها بنفسك الخبيثة خشية الموت، فتسمع الصرخات والاستغاثات، وتدعى للقتال، ولكنك تتظاهر بالصمم، وليس بك صمم. ثم يعيره بمن قتل من الأوس.
... ومما لا ريب فيه أن حساناً وقد ضجّت في نفسه أحاسيس النصر، وثب إلى موضوعه دون مقدمة من شأنها أن تؤدي إلى خبّو انفعاله، أو أن تذهب بحرارة التجربة في نفسه.
... لقد عرف الشعر العربي منذ أقدم عصوره إقدام بعض الشعراء على الاستغناء عن المقدمات، وإقبالهم على موضوعات شعرهم دون تمهيد، وبخاصة عندما تجيش نفوسهم بانفعالات قوية، في مواقف طارئة لا تحتمل التريث. ويبدو أنّ ذلك كان شائعاً ومألوفاً، لأن النقاد أطلقوا عليه عدداً من الأسماء، ومنها: ((الوثب، والبتر، والقطع، والكسع، والاقتضاب)) (15) . ووصفوا القصيدة إذا جاءَت على تلك الحال بأنها بتراء، وشبهوها بالخطبة البتراء. قال ابن رشيق: ((والقصيدة إذا كانت على تلك الحال بتراء كالخطبة البتراء والقطعاء)) (16) .
... وما كثرة هذه الأسماء والأوصاف إلا دليل على شيوع ظاهرة إهمال المقدمات، وكثرة القصائد التي سلك إليها قائلوها هذا المنهج.(7/283)
.. وكما نص النقاد على هذا النمط من القصائد، وسموه بأسمائه، ووصفوه بأوصافه، نصوا كذلك على أنّ العرف لم يجْرِ بأنْ يقدم للمراثي بمقدمات تقليدية، قال ابن رشيق ((ليس من عادة الشعراء أن يقدّموا قبل الرثاء نسيبا كما يصنعون في المدح والهجاء)) (17) . ونقل عن ابن الكلبي (18) (ت 206هـ) قوله: ((لا أعلم مرثية أولها نسيب إلا قصيدة دريد بن الصمة (19) (ت 8هـ،630م) :
أَرَثَّ جَدِيدُ الحَبْلِ من أُمِّ مَعْبَدِ
بِعَاقِبةٍ وَأَخْلَفَتْ كُلَّ مَوْعِدِ)) (20)
... ويعلل ابن رشيق ذلك تعليلاً نفسياً منطقياً، فيقول: ((لأنّ الآخذ في الرثاء يجب أن يكون مشغولاً عن التشبيب بما هو فيه من الحسرة والاهتمام بالمصيبة، وإنما تغزل دريد بعد قتل أخيه بسنة، وحين أخذ ثأره، وأدرك طلبته)) (21) . وطبيعي جداً أن يتخلى شاعر الرثاء عن المقدمات بكل ألوانها وأشكالها، لأن المقام في الرثاء ((ليس مقام متعة ولهو)) (22) .
... وأرى أن تعليل ابن رشيق السابق للمسألة تعليل قائم على فهم صحيح لطبيعة التجربة الشعرية، وعلى اعتداد بعنصر الصدق الشعوري في العمل الأدبي. وهو في نظري صالح لتعليل خلو قصائد حسان السابقة، وسواها من المقدمات، وذلك لأن نفس حسان وإن لم تكن حزينة في قصائده السابقة إلا إنها كانت متوترة، ومشغولة بما هي آخذة فيه من الفخر والهجاء الذي فجره الموقف في نفسه.
... ومع ذلك فإننا نجد باحثا ذا باع طويل في دراسة مقدمة القصيدة العربية، هو الدكتور حسين عطوان يرفض هذه الفكرة، ويكاد يصر على أنها ترجع في بعض جوانبها إلى ضياع المقدمات من تلك القصائد، ويكاد يطمئن إلى ذلك في تعليل هذه الظاهرة (23) ، بانياً موقفه ذاك على أساسين:
أولهما: وقوفه على شاهد واحد على ما يذهب إليه، هو قصيدة النابغة الذبياني (ت18ق. هـ/604م) التي رواها الأصمعي على أنها تبدأ بقوله (24) :
لقد نَهَيتُ بني ذُبيانَ عَن أُقُرٍ(7/284)
وعن تَربُّعِهِم في كلِّ أَصْفَار
دون أن يثبت لها مقدمة، في حين رواها أبو الخطاب القرشي (عاش قبل منتصف القرن الخامس الهجري) (25) كاملة، مع مقدمة ضافية (26) .
... ويضيف الدكتور عطوان قائلاً: ((ومن الطريف أن مقدمتها التي وصف فيها الأطلال، وصاحبته، ورحلته في الصحراء، وناقته، ومنظراً من مناظر الصيد، تبلغ ما يقرب من خمسين بيتاً)) (27) .
... ويستظهر من ذلك ((أنَّ كثيراً من القصائد سقطت مقدماتها)) (28) ، معقباً بأنه ((ليس في ذلك شك)) (29) .
وثانيهما: ((أنَّ كثيراً من نصوص الشعر الجاهلي ضاع في أثناء رحلته من الجاهلية إلى عصر التدوين)) (30) .
... ولا شكَّ أن وجود شاهد واحد حتى ولو كان صحيحاً لا يمكن أن ينهض دليلاً على صحة ما ذهب إليه الدكتور عطوان من أن ((كثيراً من القصائد سقطت مقدماتها)) ، كما أنه ليس مسوغاً للجزم بذلك إلى حد القول ((وليس في ذلك شك)) ، لأن تعميم حالة قصيدة النابغة تلك على جميع القصائد التي خلت من المقدمات قياس خاطئ قيس الكل فيه على حالة واحدة، فضلاً عن أنه يتجاهل ما أقرّه نقاد ثقات كابن رشيق من أن ((من الشعراء من لا يجعل لكلامه بسطاً من النسيب، بل يهجم على ما يريده مكافحة، ويتناوله مصافحة وذلك عندهم هو الوثب، والبتر، والقطع والكسع، والاقتضاب وكل ذلك يقال)) (31) .
... ثم إن تلك المقدمة المزعومة ((يمكن أن تكون دليلاً على العكس تماماً، لأنه من المقبول أن يقال إنّ هذه قصيدة وتلك أخرى، والطول مرشح لذلك، أو إن هذا الجزء أضيف إلى ذاك.. وخلاف الروايات نفسه ربما يصح دليلاً للشك في أنها قصيدة واحدة)) (32) . كما يقول الدكتور محمد أبو الأنوار.(7/285)
.. أما ضياع كثير من نصوص الشعر الجاهلي ((في أثناء رحلته من الجاهلية إلى عصر التدوين)) (33) التي اتكأ عليها الدكتور عطوان في ما توصل إليه من أن ((كثيراً من القصائد سقطت مقدماتها وليس في ذلك شك)) (34) ، فهي حقيقة تاريخية لا يختلف عليها اثنان، وقد سبق أن نبه عليها محمد بن سلام (ت 231هـ) حين بيّن أنّ العرب لما راجعوا رواية الشعر ((لم يؤولوا إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك، بالموت والقتل، فحفظوا أقلّ ذلك، وذهب عليهم فيه كثير)) (35) . كما أثارها أبو عمرو بن العلاء (ت154هـ /770م) حين قال: ((ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقلُّه، ولو جاءَكم وافراً لجاءَكم علم وشعر كثير)) (36) .
... ولكن السؤال الذي يبحث عن إجابة هنا هو: هل الإقرار بضياع ما ضاع من نصوص الشعر الجاهلي يمكن أن يتخذ ذريعة للقول بأن كثيراً من القصائد التي خلت من المقدمات قد سقطت مقدماتها، أو أنها جزء من ذلك التراث الشعري الذي ضاع، هكذا على الإطلاق دون دليل مادي ملموس؟!
ثم كيف لنا أن نمضي مع الدكتور عطوان في اتهام رواية الأصمعي وتوثيق رواية أبي زيد ابن أبي الخطاب القرشي؟
مع أن القرشي هذا مثار لخلاف عريض حول حقيقة اسمه؛ وحول حياته ووفاته وحول نسبة مجموعة (جمهرة أشعار العرب) إليه.
... فمن قائل إنه عاش في أواخر القرن الثالث أو أوائل الرابع (37) ، ومن قائل إنه عاش قبل منتصف القرن الخامس الهجري (38) ، إلى قائل إنه توفى سنة (170هـ) (39) .
... أما اسمه ففيه من الاضطراب الكثير: فهو تارة أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، وتارة محمد بن أبي الخطاب من غير كنية، ومن غير نسبة بعد الاسم وتارة ابن أبي الخطاب، وتارة محمد بن أيوب العزيزي ثم العمري (40) .(7/286)
.. وأما حقيقته فلا يقل الخلاف حولها عن الخلاف حول وفاته واسمه، فهل هو جامع جمهرة أشعار العرب، أو شارحها، أو راويتها؟ (41) مسألة تتضارب حولها الأقوال.
... وكذلك الأمر فيما يتعلق بنسبة الكتاب وعنوانه، فالكتاب ينسب حيناً إلى أبي زيد القرشي، أو محمد بن أبي الخطاب، وينسب حيناً آخر إلى محمد بن أيوب العزيزي ثم العمري، وينسب حيناً ثالثاً إلى أبي عبد الله المفضل بن عبد الله ابن محمد المجبَّر بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب (42) .
... والمشهور أن عنوان الكتاب هو (جمهرة أشعار العرب) ، وقد وردت هذه التسمية عند ابن رشيق في العمدة وعند البغدادي في الخزانة (43) ، ولكن الدكتور ناصر الدين الأسد يذكر أنه اطلع في معهد المخطوطات العربية على صورة أصلها مكتبة (كوبريلي) عنوانها (جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام وما وافق القرآن على ألسنتهم واشتقّت به لغتهم وألفاظهم) ، ويقول إن تلك الصورة ((تتفق مع النسخة المطبوعة في العنوان والمحتويات)) (44) .
... هذا فضلاً عن أن جميع من نسبت إليهم هذه المجموعة مجهولون، فأبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي ((مجهول ليس له أدنى ذكر في جميع كتب الطبقات والرجال، فلم يذكر مع المحدثين ورواة الحديث، ولا مع اللغويين، والنحويين، ولا مع الشعراء والأدباء، ولا مع مؤلفي الكتب، وجامعي الدواوين)) (45) .
كما أن المفضل بن عبد الله المجبّري ((مجهول لم تذكره الرجال والطبقات)) (46) .
والأمر كذلك بالنسبة إلى محمد بن أيوب العزيزي العمري، فهو أيضاً مجهول لم يعثر له على ترجمة (47) . وهل هو ((غير محمد بن أبي الخطاب القرشي، أو أنه هو هو؟ ويكون أبوه أيوب هو أبا الخطاب كنيةً؟)) (48) . لم يصل البحث في ذلك كله إلى نتيجة حاسمة.(7/287)
.. وخلاصة القول أن نسبة الجمهرة إلى صاحبها ((عقدة تحتاج إلى حل، والتعريف بصاحبها وترجمته، عقدة أخرى لا تقل عن الأولى، وأكثر الرواة الذين يروى عنهم مجاهيل لم نجد لهم ذكراً فيما بين أيدينا من كتب الرجال والطبقات)) (49) كما يقول الدكتور ناصر الدين الأسد، ((وهي عقدة ثالثة تنافس في الصعوبة سابقتيها)) (50) .
... أفبعد هذا الاضطراب الشديد، والتناقض في الأخبار والروايات، حول (جمهرة أشعار العرب) وجامعها، يسوغ في عقل أو منطق أن تقدم روايتها على رواية الأصمعي، بل أن يؤسس على ذلك التقديم بناء حكم عام على ظاهرة أدبية من أهم الظواهر في شعرنا القديم، وينضوي تحتها كم وفير من القصائد؟ ، اللهم لا!
... ولماذا يقدَّم جامع هذه المجموعة المجهول، المختلف في اسمه، ووجوده، ووفاته على أديب راوية مشهور (51) ، متفوق على أقرانه في رواية الشعر والمعاني (52) . معروف بتشدده وتحريه الدقة في روايته وأنه ((لا يفتي إلا فيما أجمع عليه العلماء، ويقف فيما يتفردون به عنه)) (53) . ((صناجة الرواة والنقلة، وإليه محط الأعباء والثقلة، كانت مشيخة القراء وأماثلهم تحضره وهو حدث لأخذ قراءَة نافع عنه، ومعلوم قدر ما حذف من اللغة فلم يثبته، لأنه لم يقو عنده إذ لم يسمعه)) (54) .
... ويلاحظ على قصائد حسان التي خلت من المقدمات أنه يغلب عليها موضوع الفخر، فللفخر منها ثلاث قصائد، وللهجاء قصيدة واحدة. كما يغلب عليها التوسط في الطول. وطول اثنتين منها اثنان وعشرون بيتاً، وطول واحدة منها واحد وعشرون بيتاً، وطول أقصرها سبعة أبيات. ونستطيع القول إن متوسط عدد أبيات قصائده الخالية من المقدمات ثمانية عشر بيتاً في تحقيق وليد عرفات، وسبعة عشر في تحقيق سيد حنفي حسنين.
... وإذا كان حسان قد استغنى عن المقدمات في بعض قصائده، فقد افتتح تلك القصائد بالصور الآتية:(7/288)
الأولى: ذكر المرأة. فهو يذكرها في مطلع اثنتين من قصائده، ويقرن ذكرها بالقسم بصيغة " لعمري " في الأولى، ويذكر عزمها على هجره في الثانية.
الثانية: الحوار. حيث يستهل إحدى تلك القصائد بحوار يدور بينه وبين المرأة، يبدأ بلفظ (وقالت) .
الثالثة: صيغة التبليغ " ألا أبلغ". يفتتح بها قصيدته في هجاء قيس بن الخطيم. وقد جاءَت هذه الاستهلالات مناسبة للتجارب الشعرية التي عبرت عنها القصائد التي استهلت بها.
... وهذه الصور من الاستهلال لا تعدو أن تكون أبياتاً مفردة، لا تدخل في عداد المقدمات (55) .
المحور الثاني: صور المقدمات في قصائده الجاهلية
... بلغت قصائد حسان الجاهلية ذوات المقدمات إحدى عشرة قصيدة، تشكل 73.33% من مجموع قصائده الجاهلية:
... والمتأمل في هذه القصائد يلحظ ما يأتي:
أولاً من حيث الأغراض: يطغى عليها الفخر. فله منها سبع (56) قصائد تشكل 63.63% من مجموعها. وللفخر المتصل بغرض آخر قصيدتان: إحداهما للفخر المتصل بالغزل (57) ، والأخرى للفخر المتصل بالمدح (58) .وللمدح الخالص منها قصيدة واحدة (59) . وللغزل ووصف الرحيل قصيدة واحدة أيضاً (60) .
... وهذا يدل على أنّ المقدمة غير مرتبطة من حيث وجودها وعدمه بغرض القصيدة؛ وإنما هي مرتبطة بالموقف الذي يوحي للشاعر بالقصيدة، وبقوة التجربة الشعرية، وحيويتها في نفس الشاعر.
ثانياً من حيث الطول: قصائد حسان الجاهلية ذوات المقدمات طويلة نسبيا بالقياس إلى قصائده الجاهلية التي خلت منها. وهي تتراوح بين عشرة وأربعة وأربعين بيتاً. ومتوسط عدد أبيات تلك القصائد أربعة وعشرون (61) بيتاً تقريباً، في تحقيق سيد حنفي حسنين، وخمسة وعشرون في تحقيق وليد عرفات (62) . وقد يحمل هذا مؤشراً آخر هو أنّ القصيدة عند حسان كلما طالت كانت أكثر استدعاء للمقدمة.(7/289)
ثالثاً من حيث المناسبة: ليس في قصائد حسان الجاهلية ذوات المقدمات سوى قصيدة واحدة اتخذت شكل النقيضة، قالها يوم خَطْمة (63) ، في الرد على قصيدة للشاعر الأوسي أبي قيس بن الأسلت (64) التي مطلعها (65) :
قَالتْ ولمْ تَقْصُدْ لِقِيل الخَنَا
مَهْلاً فَقَدْ أَبلغْتَ أسْماعِي
ومطلع قصيدة حسان النقيضة (66) :
بَانَتْ لمَيسُ بحبْلٍ منْكَ أَقْطَاعِ
واحْتلَّت الغَمْر تَرْعَى دَارَ أشْراعِ
... وقصيدة ابن الأسلت ليست ذات مقدمة. ولكن قصيدة حسان لها مقدمة تقع في ثلاثة أبيات، يتبعها بيت التخلص.
... ولئن كان في هذا بيان فإنه يبدو أن حالة حسان النفسية عند إنشاء القصيدة هي التي كانت تحدد منهجه في بناء القصيدة.
... وجميع قصائده ذوات المقدمات لم ينظمها حسان فيما يبدو على عجل، ولم تكن تجربته فيها وليدة موقف طارئ، أو انفعال مفاجئ، وإنما قالها بنفس هادئة، بعد أن ترك للتجربة أن تنضج في نفسه ببطء، بعيداً عن التوتر الذي ينتج عن إلحاح المناسبة، وعن ثورة الانفعال في النفس. ولعل مما يؤكد ذلك أن جميع هذه القصائد لم يذكر في ديباجتها سوى عبارة ((وقال)) (67) أو ((وقال حسان)) (68) أو ((وقال حسان يفتخر)) (69) أو ((وقال يمدح جبلة ابن الأيهم)) (70) ، وهي عبارات لا تدل في العادة على ارتباط القصيدة بموقف مفاجئ أو طارئ، عدا القصيدة التي رد فيها على أبي قيس بن الأسلت، فقد جاء في ديباجتها خبر يوم خَطْمة، ووردت فيها عبارة ((فأجابه حسان بن ثابت)) (71) .(7/290)
.. ويبدو أن رد حسان لم يأت سريعاً، لأنه لا يتضمن أية إشارة إلى ما جاء في قصيدة أبي قيس، أو إلى يوم خطمة، وإنما هي فخر عادي لا يختلف عن فخر حسان في معظم قصائده الأخرى؛ على حين جاءَت قصائده الجاهلية الخالية من المقدمات وليدة موقف مفاجئ في الغالب، لم يستطع فيه أن يغالب انفعاله، فأطلق لسانه بما اعتمل في نفسه دون أية مقدمة، على النحو الذي سبق بيانه.
* * * * *
... ينتمي حسان إلى الجيل الثالث من شعراء العصر الجاهلي، الذي يمثلون المرحلة الأخيرة من مراحل تطور الشعر الجاهلي وهي المرحلة التي تمخضت عن جهود شعراء جيلين سابقين هما:
... شعراء المرحلة الفنية الأولى الذين بنوا على أسس ورثوها عن أسلافهم وتبلورت لديهم المقومات الأساسية لمقدمة القصيدة العربية.
... وشعراء المرحلة الفنية الثانية الذين تطوّروا بالمقدمة ((تطوراً أعطاها صورتها النهائية)) (72) ، بما أضافوا إليها من عناصر جديدة، وبما تخلصوا منه من عناصر موروثة.
... والمتأمل في مقدمات حسان الجاهلية يجد تعدداً في صور المقدمات وأشكالها، كما يلمس تمازجاً وتداخلاً بين تلك الصور والأشكال.
واستقراء مقدمات قصائد حسان الجاهلية يكشف عن ثماني صور هي:
1 ... المقدمة الطللية المنفردة.
2 ... المقدمة الغزلية المنفردة.
3 ... المقدمة الطللية الغزلية.
4 ... المقدمة الظعنية الغزلية.
5 ... المقدمة الطللية الظعنية الغزلية.
6 ... المقدمة الطللية الغزلية الوصفية.
7 ... مقدمة الطيف والرحلة.
8 ... مقدمة وصف الليل والظعن.
الصورة الأولى: المقدمة الطللية المنفردة
... تعد المقدمة الطللية أبرز المقدمات وأكثرها شيوعاً في الشعر الجاهلي، ذلك لأنها ((وجدت هوى شديداً في نفوس الشعراء الجاهليين لارتباطها ببيئتهم المادية، وطبيعة حياتهم الاجتماعية)) (73) .(7/291)
.. وعلى الرغم من أن حساناً لم يكن من سكان البوادي، وإنما من أهل المدن إلا أنه لم يستطع أن يتخلّص من التقاليد الفنية البدوية أو الخروج عليها بحيث يبتدع نظاماً جديداً لمقدمات قصائده، أو يخالف كل المخالفة نظامها عند شعراء البوادي (74) . شأنه في ذلك شأن جميع شعراء الحواضر أو شعراء القرى العربية كما يسميهم ابن سلام (75) ، يستوي في ذلك الشعراء الذين أمضوا حياتهم فيها أو رحلوا إليها أو ((وفدوا على قصور الملوك التي كانت تزخر بألوان الحضارة)) (76) .
... فقد حرصوا جميعاً على التمسك بأصول هذه المقدمة وعناصرها. ولكن من المؤكد أنّ الصورة العامة للمقدمة الطللية لم تكن جامدة، بل كانت تحتلف من شاعر إلى آخر ((في التفاصيل والجزئيات، أو في طريقة العرض، أو اختيار الألوان والزوايا، أو في توزيع الظلال والأضواء، فمثل هذا الاختلاف طبيعي في كل عمل فني أصيل)) (77) .
... وتمثل هذه الصورة عند حسان مقدمتان، إحداهما: مقدمة قصيدته اللامية التي مطلعها (78) :
أسألْتَ رسمَ الدَّارِ أمْ لمْ تسألِ
بينَ الجَوابي فالبُضَيع فَحَوْملِ
وتقع في ستة أبيات، وقف فيها الشاعر على الأطلال التي اندثرت آثارها وعفت رسومها بين الجوابي، فالبضيع، فحومل، فمرج الصفّرين، فجاسم، فتبنى، وجميعها من منازل الغساسنة في الشام. فسألها عن أهلها الظاعنين، وتحسر على إقفارها من أحبته الذين كانوا يحلون بها، ووصف تعاقب الرياح في عرصاتها، وانهمار الأمطار في ساحاتها، وكيف طمست معالمها، وغيرت ما كان يعرفه منها. ثم أرسل دمعه الهتّان لما أثارته تلك المنازل الدارسة، والديار الموحشة في نفسه من أشجان بعد أن كانت عامرة بأهلها ذوي العز الشامخ والمجد الباذخ، ثم دلف إلى المدح:
فالمرجِ مرجِ الصُّفَّريْنِ فَجَاسِمٍ
فديارِ تُبنى دُرَّساً لم تُحْلَلِ
أَقْوى وعُطِّلَ منهمُ فكأنَّه
بَعْدَ البِلَى آيُ الكتابِ المُجْمَلِ(7/292)
دِمَنٌ تَعاقبها الرياحُ دَوَارسٌ
والمُدْجِناتُ من السِّماك الأعْزلِ
فالعَيْنُ عانِيةٌ تفيضُ دمُوعُها
لمنازلٍ دَرَسَتْ كأنْ لم تؤْهلِ
دارٌ لقومٍ قد أراهمْ مرَّةً
فوق الأَعِزَّةِ عزُّهُم لمْ يُنْقَلِ
... ومن الواضح أنّ حساناً تمسك في هذه المقدمة بعدد من مقومات المقدمة الطللية، وعناصرها؛ فقد حدّد مكان الديار تحديداً دقيقاً، يدل على ارتباطه النفسي بها، وساءَل رسومها عن أهلها، وشبه أطلالها المقفرة بآثار الكتابة، وذكر ما درسها من الرياح والأمطار؛ وإن لم يذكر ما ذرته عليها الرياح من رمال، وذرف الدموع الغزيرة على ما آلت إليه حال تلك الديار من وحشة، وعطف بين الأماكن بالفاء.
... ولكنه في الوقت نفسه تخلّى عن عدد آخر من مقومات المقدمة التقليدية، فلم يسترجع ذكرياته بها، ولم يصف ما بقي من آثارها كالنؤي، وبقايا الرماد، والأثافي، والأوتاد. ولم يتحدث عما حل بها من حيوانات الصحراء؛ كما تخلى عن فكرة الرفيقين اللذين كان شعراء المرحلة الأولى من حياة الشعر الجاهلي يحرصون على إظهارهما، وتوجيه الخطاب إليهما، ولم يخاطب الصحب أو يستوقفهم، ولم يكن حريصاً على سرد ذكريات يوم الرحيل.
... ويبدو أن مسألة التخلص من العناصر الموروثة للمقدمة قد قطعت عند حسان شوطاً أبعد مما كانت عليه عند زهير ومدرسته؛ فالناظر في معلقة زهير يجد أنه لم يتخلَّ إلا عن قليل من العناصر، مثل: البكاء على الطلل، ومخاطبة الرفيقين؛ ولكن حساناً تخلى عن عدد أكثر من تلك العناصر؛ بل ليس من المبالغة القول إن ما تخلى عنه أكثر مما أبقى عليه.(7/293)
.. ولا يجد قارئ هذه المقدمة الحرص على التفاصيل والجزئيات والعناية بالألوان اللذين يجدهما في مقدمات زهير، كما لا يلمس الروية والأناة، ولا التدقيق في اختيار الألفاظ اللذين يجدهما في معلقته؛ ومعنى هذا أن اتجاهاً جديداً أخذ في الظهور عند حسان يبدو فيه حرصه على التركيز والتكثيف، وتظهر فيه نزعة واضحة إلى التخلص من كثير من قيود المقدمة التقليدية، وتقاليدها الموروثة.
... وإذا كان الجنوح إلى التعبير بالصورة يعد مظهراً من مظاهر تطوّر المقدمة الطللية عند شعراء مدرسة الصنعة (79) ، فإن الاقتصاد في التعبير بالصورة يعدّ من العلامات المميزة للمقدمة الطللية عند حسان، كما يتضح في مقدمته السابقة.
... ولعل من الجديد الذي يجدر تسجيله في هذه المقدمة ذكر أماكن تقع خارج الجزيرة العربية.
... والمقدمة الثانية التي تمثل المقدمة الطللية المنفردة مقدمة قصيدته الطائية التي مطلعها (80) :
لِمن الدارُ أقْفَرتْ بِبُواطِ
غَيْرَ سُفْعٍ رَوَاكِدٍ كالغَطَاطِ
... وهو يفتتحها بالتساؤل عن أهل دار أقفرت من ساكنيها في موضع يدعى (بواط) عاثت فيها يد البلى، فبدلت ملامحها، وغيرت معالمها، ولم تبق منها سوى حجارة الموقد السود، تجثم كأنها القطا الوقع.
... ولا يلبث أن يستيقظ من حيرته، ويجيب على تساؤله الحزين بأنّ تلك الأطلال الدارسة ليست سوى ديار أحبته الظاعنين. وها هي ذي قد أقفرت من أهلها، وخبت فيها شعلة الحياة، بعد أن كانت تعج بالحركة والحيوية، إنها ديار فاتنته (أم عمرو) التي ما تزال ذكرياتها حية في نفسه، وإنه ليذكرها إذ تسأله عن سبب تماديه في هجرها، بعد أن كانت حبال وده موصولة بحبالها.
... وحين تهيج في نفسه الذكرى يلتمس من يبلغها على نأيها بأنه ما يزال مقيماً على عهدها، يرعى ودها، ويحفظ سرها، ثم دلف إلى الفخر.(7/294)
.. وظاهرة التكثيف والتركيز تبدو في مقدمته هذه أكثر وضوحاً منها في سابقتها. فقد اكتفى حسان في تحديده لموضع الطلل بذكر مكان واحد هو (بواط) ، وقاده هذا إلى الاستغناء عن تقليد آخر من تقاليد المقدمة الطللية وهو العطف بين الأماكن بالفاء. وحينما ذكر ما تبقى من آثار الديار اكتفى أيضاً بذكر أثر واحد هو الأثافي، وضرب صفحاً عن ذكر ما سواه من الآثار التي تطالع قارئ الشعر الجاهلي، من: نؤي، وأوتاد، ورماد وغير ذلك. وعندما شبه الأثافي بالقطا لم يذكر شيئاً من أحوال المشبه به، بل اقتصر على ذكرها دون وصف في حين دأب شعراء الجاهلية على وصفها بالوقّع أو الجثّم أو غير ذلك. وحين استرجع ذكرياته بذلك الطلل لم يذكر منها إلا النزر، وأعرض عن ذكريات يوم الرحيل، وما أثارته في نفسه من مشاعر.
... والشخصان اللذان ظهرا مع الشاعر على مسرح الطلل ليسا الرفيقين التقليديين اللذين عهدناهما في مقدمات القصائد الجاهلية، فالشاعر لم يطلب إليهما أن يسعداه بالبكاء، ولا أن يتبصرا ليريا الركب يسير في الطرق الرملية بين الكثبان، وإنما هما مجرد شخصين عاديين يلتمس منها أن يبلغا عنه رسالة.
... وحديثه عن وحشة الديار جاء موجزاً مبتسراً، كما أن الاقتصاد في التعبير بالصورة يعد علامة بارزة في هذه المقدمة، مثلما هو في المقدمة السابقة.
... ومن حيث نزعته إلى التحرر من تقاليد المقدمة الطللية نجده قد استغنى عن عدد منها، مثل: استيقاف الصحب، والبكاء على الطلل، وذكر ما غيره من عوامل الطبيعة، وما حل به من عين وآرام أو غير ذلك. يقول بعد المطلع:
تلكَ دارُ الألُوفِ أضحتْ خَلاءً
بعْدَما قد تَحُلُّها في نَشاطِ
دارُها إذ تَقُولُ ما لابنِ عمروٍ
لَجَّ من بعدِ قُرْبِهِ في شِطَاطِ
بلِّغَاهَا بأَنَّني خَيْرُ رَاعٍ
لِلَّذي حُمِّلتْ بِغَيْرِ افْتراطِ
الصورة الثانية: المقدمة الغزلية المنفردة(7/295)
.. حظيت المرأة باهتمام شديد من الشاعر الجاهلي، فاحتلّت مكانة مرموقة من نفسه ومن شعره؛ فاستمد وحيه منها، واستهل قصائده بذكرها، وتغنى بحبه في مطالعها (81) .
... ويمكن القول إنّ المقدمة الغزلية قد انتشرت في الشعر الجاهلي انتشاراً يوازي انتشار المقدمة الطللية (82) .
... وإلى جانب سعة انتشار المقدمات الغزلية في الشعر الجاهلي، فهي أقرب المقدمات نسباً إلى المقدمة الطللية (83) .
... فإذا كانت أطلال الحبيبة محور اهتمام الشاعر في المقدمة الطللية، فإن الحبيبة نفسها هي محور اهتمامه في المقدمة الغزلية.
... ويتناول الشاعر في المقدمة الغزلية غالباً موضوعين رئيسين هما:
... وصف الحبيبة وصفاً مادياً أو معنوياً، والتغني بجمالها الحسي أو النفسي، وإن كان وصف الجمال الحسي، والتغني بالجمال الجسدي هو الغالب في هذه المقدمة؛ لأنه ((يتلاءَم مع صورة الحياة الجاهلية الوثنية، فقد كان العرب لا يزالون ماديين لم ترتق أذواقهم، ولم تنبل مشاعرهم. ولذلك يكون هذا الضرب من الغزل ألصق بنفوسهم)) (84) .
... وتصوير عواطفه ومشاعره تجاهها، والحديث عن الصد والهجر، والحنين والهيام، والوصل والفراق، والدموع التي تنهل من عينيه، وذكرياته السعيدة، وما يتصل بذلك من مناظر الوداع.
وتظهر هذه الصورة من صور المقدمات في قصيدتين من قصائد حسان الجاهلية، الأولى قصيدته الدالية التي مطلعها (85) :
ألمْ تَذَرِ العيْنُ تَسْهادَها
وَجَرْيَ الدُّموعِِ وَإِنْفَادَهَا(7/296)
وتقع مقدمتها في ستة أبيات، وصف فيها سهده، ودموعه التي لا تنفك تنهمر لفراق صاحبته (شعثاء) التي لا تفارق صورتها خياله، فلا يكف عن ذكرها، واسترجاع ذكرياته في ديارها التي كانت تنزل بها بعد أن يجودها مطر الربيع المتواصل. ثم عبر عن افتتانه بجمال شعرها المغْدودن الكثيف الذي يثقلها إذا قامت، ووجهها الذي يحكي وجه غزال ربيب يرتعي أعشاباً يانعة في أرض هطلت بها أمطار غزيرة، فيبدو في أبهى صورة، وأروع منظر، إذ يمضي سحابة نهاره مصعداً في سفوح التلال، فإذا خيم الليل ولّى وجهه شطر أشجار العضاه، ليستكنّ بها خوفاً من الأمطار، يقول:
تذكَّرَ شعثاءَ بعد الكرَى
ومُلْقَى عِراصٍ وأَوْتَادَها
إذا لَجِبٌ من سَحابِ الربيعِ
مرَّ بسَاحَتِها جَادَها
وَقَامَتْ تُرَائيكَ مُغْدَوْدِناً
إِذَا ما تنُوءُ بهِ آدَهَا
وَوَجْهَاً كَوَجْهِ الغزالِ الرَّبيبِ
يقْرو تِلاعاً وَأَسْنَادَها
فَأَوَّبَه الليلُ شَطْر العِضاهِِ
يَخَافُ جِهاماً وصُرَّادها(7/297)
وتخلو هذه المقدمة الغزلية من عنصر مهم من عناصر المقدمات الغزلية التقليدية، وهو وصف منظر الوداع والفراق المألوف. وتقتصر على وصف بعض مظاهر جمال صاحبته، ووصف عواطفه تجاهها. ففي الجانب الأول اكتفى بالحديث عن شعرها الكثيف الطويل، ووجهها الذي يشبه وجه غزال غذي أطيب غذاء. وفي الجانب الثاني ذكر سهده ودموعه التي لا تكف عن الانحدار، ولكنه مزج ذلك ببعض مظاهر الطبيعة التي جعلها إطاراً أو خلفية للمشهد العاطفي فاختار لسهده ودموعه وقتا نام فيه الناس، وسكن فيه الكون، واختار للشعر المغدودن لوحة تبدو فيها الأرض خصبة ممرعة؛ واختار لجمال الوجه صورة لا أبهى ولا أسنى هي وجه الغزال الربيب الذي يقصد الأماكن المرتفعة التي لا تطأها الأقدام فيرتعي بها، حتى إذا خيم الليل أوى إلى كناسه الذي اتخذه في شجر العضاه؛ ليتعانق جمال الإنسان وجمال الطبيعة في تشكيل اللوحة الغزلية.
... والثانية قصيدته العينية التي مطلعها (86) :
بانَتْ لَميسُ بِحبْلٍ منكَ أَقْطَاعِ
واحْتَلَّت الغَمْرَ ترْعَى دَارَ أَشْرَاعِ
... ومقدمتها الغزلية قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أبيات اقتصر فيها على الحديث عن هجر صاحبته (لميس) ، وانقطاع حبال وصالها، وارتحالها إلى مكان كثير المياه، ذي مراع خصبة، ومجاورتها في ديار بني عمرو بن نصر، وهم قوم ذوو عِزّ ومنعة، يحمون أرضاً ممرعة، ثم وصف حالته النفسية عندما تحركت المراكب بصاحبته في الفجر إذ انهمرت دموعه كأنها ماء يفيض من دلاء كبيرة ممتلئة. قال:
وأصْبَحَتْ في بني نَصْر مُجَاورَةً
ترْعَى الأَبَاطِحَ في عزّ وإِمْراعِ
كأنَّ عَيْنَيَّ إذْ وَلَّتْ حُمُولُهُمُ
في الفَجْرِ فَيْضُ غُروبٍ ذاتِ إِتْراعِ
ومن الواضح أنه مسّ موقف الوداع مساً خفيفاً، فاكتفى بذكر تحرك موكب الرحلة، وتحديد زمنه.(7/298)
.. والتكثيف والتركيز هما الظاهرة البارزة في هذه المقدمة، وكأني بحسان وهو يردّ على أبي قيس بن الأسلت، وينقض عليه قصيدته التي سبقت الإشارة إليها، كان يتطلع إلى الوصول إلى موضوعه مسرعا، فأعجله ذلك عن التفصيل، وألجأه إلى التكثيف والتركيز.
... يتبين مما سبق أن حسان في مقدمتيه الغزليتين لم يتبع التقاليد الموروثة في المقدمة الغزلية، ولم يحذُ حذو الشعراء الجاهليين الذين سبقوه، فجاءَت مقدمتاه موجزتين؛ كما يلاحظ فيهما اهتمامه بإدخال عناصر الطبيعة، وبخاصة الماء، والخصب.
الصورة الثالثة: المقدمة الطللية الغزلية
... وفي هذه الصورة يتضافر على تشكيل المقدمة لوحتان: لوحة الأطلال، ولوحة الغزل. ففي اللوحة الأولى يصور الشاعر ((أطلال الحبيبة الراحلة التي عفت وأقفرت بعد رحيلها، وما يراه فيها من آثار الحياة الماضية التي كانت تدب فيها أيام كانت آهلة بأصحابها، قبل أن تتحول بعدهم إلى مجرد أطلال موحشة، تسفي عليها الرمال، فتحجبها، وتخفي معالمها، وتهب عليها الرياح فتكشفها، وتبدي رسومها، وأسراب الحيوان الوحشي تسرح في ساحاتها آمنة مطمئنة، حيث لا إنسان يفزعها أو يثيرها)) (87) .
... وطبعي أن يستدعي هذا الإطار المكاني وما يثيره في النفس من مشاعر، العنصر الإنساني، فيتبع الشاعر لوحة الطلل بلوحة صاحبته التي نأت، فيقبل عليها واصفاً جمالها ((ويلح على تبيان محاسنها، حتى يكاد يظهرها عضواً عضواً، ولا يترك شيئاً منها، بل يأتي على كل شيء، كأنما يريد أن يشخص هذه الأعضاء تشخيصاً)) (88) ، ولا بدّ أن يثير استدعاؤه لصورة صاحبته، واستحضاره لجمالها، في نفسه الحسرة على أيامه الخالية، وذكرياته الماضية، ((فيصور حبه وغرامه، وآلامه وأحزانه، ويأسه وحرمانه، فيذرف الدموع، ويسفح العبرات)) (89) على ماضيه المنصرم.(7/299)
.. وقد تبنى حسان هذه الصورة من صور المقدمات في قصيدتين من قصائده الجاهلية، أولاهما: قصيدته الميمية التي مطلعها (90) :
لِمْن مَنْزلٌ عَافٍ كأنَّ رُسُومَهُ
خَيَاعيلُ رَيْطٍِ سَابرِيٍّ مُرَسَّمِ
ومقدمتها ثانية مقدمات حسان من حيث الطول، وتبلغ ستة عشر بيتاً. وهو يستهلها بالسؤال عن أهل منزل عفت رسومه، وأقوت معالمه، ودرست آثاره حتى غدا كثياب فارسية رقيقة مخططة لا أكمام لها. إنه منزل مقفر خال من آثار الحياة ودلائلها، إلا من ثلاث أثافٍ ركّد، كأنها ثلاث حمائم جُثَّم، ومن وتد بال، وبقايا حائلة كأنها ثوب قديم موشى.
... لقد عاثت رياح الصيف في ذلك المنزل، فهي تعتاده مرّة إثر أخرى، فيتجمع هشيمه الجاف على بقايا نؤي قد تثلمت حوافه، وامتدت إليه يد البلى فكسته من سرابيلها الدائرة، كما عبثت في معالمه سحب سود ضخمة كأنها الجبال، يثقلها ما تقل من أمطار، تزجيها الرياح وتقصف في جوانبها الرعود، ويومض البرق، وما تلبث عراها أن تنفصم عن مطر غزير مسح متواصل.
... إنه يعهد ذلك المنزل عامراً بأهله الذين تجمع بينهم البهجة، وترفرف عليهم الغبطة، وتخيم عليهم الأُلفة، وتربطهم أواصر المحبة؛ فهل إلى حبال الود التي رثّت من عودة؟ ويستيقظ الشاعر من تلك الأحلام اللذيذة، والذكريات الوادعة، على قسوة واقعه المر، فقد نأت دار ليلى، وتبدلت بوصلها هجراً، وبودّها صداً، وبقربها نأيا، وانبتت حبال الوصل التي كانت ممتدة بينهما، بعد أن أصغت ليلى إلى حديث الواشين والكاشحين.
... وإذا كانت الأيام وتقلباتها قد غيرت من مشاعر ليلى نحوه، فإنه ما يزال مقيماً على الود يتشبث بحباله، ويرعى ذكرياته، ويصون أسراره، ويحرص كل الحرص على كتمانه بين ضلوعه. وسيبقى حفيا بودها، على الرغم من صدها وهجرها، وإصغائها إلى الذين روّجوا عنه الأقاويل والأراجيف. يقول حسان:
خَلاءُ المَبَادِي ما بهِ غيرُ رُكَّدٍ(7/300)
ثَلاثٍ كأَمْثالِ الحَمَائِمِ جُثَّمِ
وغيرُ شَجِيجٍ ماثِلٍ حالَفَ البِلى
وَغَيْرُ بَقايا كالسَّحيقِ الْمُنَمْنَمِ
تَعِلُُّ رباحَ الصيفِ بالي هَشيمِهِ
على ماثِلٍ كالحَوْضِ عافٍ مُثَلَّمِ
كَسَتْهُ سَرابيلَ البِلَى بَعْدَ عَهْدِهِ
وَجَوْنٌ سَرَى بالوابِلِ الْمُتَهَزِّمِ
وكُلُّ حثيثِ الوَدْقِ مُنْبَجِسِ العُرَى
مَتَى تُزْجِهِ الرِّيحُ اللواقِحُ يَسْجُمِ
ضَعيفُ العُرى دانٍ من الأرضِ بَرْكُهُ
مُسِفٍّ كمثْلِ الطَّوْدِ أكظَمِ أَسْحَمِ
وَقَدْ كانَ ذَا أَهْلٍ جميعٍ بغبطة
إذَ الوصلُ وصلُ الودِّ لمْ يَتَصَرَّمِ
وإذْ نحنُ جيرانٌ كثيرٌ بِغِبْطَةٍ
وإِذْ ما مَضَى من عَيْشِنَا لم يُصَرَّمِ
فإِنْ تَكُ ليْلَى قَدْ نَأَتْكَ ديارُها
وَضَنَّتْ بِحَاجَاتِ الفُؤادِ المُتَيَّمِ
وهَمَّتْ بِصَرْمِِ الحَبْلِ منْ بعدِ وَصْلِهِ
وَأَصْغَتْ لقوْلِ الكَاشِحِ المُتَزعِّمِ
يُغَيِّرُهُ نَأْيٌ ولوْ لمْ تَكَلَّمِ
وإنْ صَرَّمَ الخُلاَّنُ بالمُتَجَذِّمِ
لَديَّ فَتَجْزِيني بِعاداً وتَصْرمي
وما كَظَّ صَدْري بالحديثِ المُكَتَّمِ
عَليَّ ونَثُّوا غَيْرَ ظَنٍّ مُرَجَّمِ
وحسان في لوحة الطلل في مقدمته السابقة يبدو أكثر ميلاً إلى الاهتمام بالتفاصيل والجزئيات، وأقل تشبثاً بالتركيز والتكثيف. ومع ذلك فهي لم تستوف جميع عناصر المقدمة الطللية التي تمسك بها شعراء المرحلتين الأولى والثانية من العصر الجاهلي.فقد سكت فيها حسان عن كثير من التقاليد الأساسية في المقدمة الطللية، فهو لم يستوقف الصحب، ولم يطلب إلى رفيقيه أن يسعداه بالبكاء، كما لم يسفح الدموع على الطلل المحيل، ولم يحدد مكانه بذكر أسماء المواضع، ولم يعطف بعضها على بعض بالفاء، ولم يتعرض لقطعان الظباء وبقر الوحش والنعام في معرض حديثه عن إقفار الديار ووحشتها، وغض الطرف عن ذكر ما حلّ بها من حيوان.(7/301)
.. ومن جهة أخرى حافظ حسان على عناصر تعد من مقومات المقدمة الطللية، فاستفسر عن الأهل الظاعنين، واسترجع ذكرياته بالديار، وذكر ما تبقى من آثارها، وما درسها من الرياح والأمطار. وشبه بقاياها بخطوط الثوب المطرّز، كما شبه الأثافي بالحمائم الجثم، وذكر ما ذرته الرياح فوقها من هشيم يابس.
... ومن مظاهر ميله إلى الاهتمام بالتفاصيل والجزئيات في هذه المقدمة استعانته الواضحة بالتصوير البياني القائم على التشبيه في المقام الأول، ثم على الاستعارة: فقد شبه الرسوم البالية بثوب فارسيّ بلا كمين، خيط أحد شقيه، وبثوب خلق موشى، وشبه الأثافي الباقية بالحمائم الجاثمة، والنؤي الدارس بالحوض الذي تكسرت حوافه. واستعار العلل والنهل لهبوب الرياح على الأطلال مرّة إثر أخرى. وجعل الوتد حليفاً للبلى، والسحاب حين يدنو من الأرض حيواناً جاثماً، والرياح تكسو الأطلال سرابيل البلى، وانهمار المطر عليها عرى تنفصم، والسحب الموقرة بالمطر جبالاً سوداً.
... ويظهر ميله إلى التفصيل أيضاً في ذكره لما تبقى من آثار الديار، حيث ذكر الأثافي، والوتد والنؤى، ورسم لكل منها صورة بيانية.
... وفي ذكره لمنزل أحبته لم يكتفِ بوصفه بالعافي، وبخالي المبادي، وببالي الهشيم؛ بل أضاف إلى هذه الأوصاف تشبيهه بالخياعيل السابرية المرسمة، وبالسحيق المنمنم.
... ويبدو هذا الميل أيضاً في وصفه للسحاب وما يتصل به من رعد ومطر، فقد وصفه بأنه أسود، يتفجّر قطره ليلاً بغزارة واستمرار (يسرى بالوابل) ، وبأنه منبجس العرى، حثيث الودق، دان من الأرض، يقصف رعده، ويومض برقه. هذا فضلاً عما رسم له من الصور.(7/302)
.. ويبدو أن هذه اللوحة هي أكثر لوحات حسان الطللية قرباً من مقدمات زهير وأصحابه من شعراء المرحلة الثانية؛ حيث بذل فيها حسان جهداً فنياً واضحاً، واهتم بالتفاصيل والجزئيات، وعني باختيار الظلال والألوان، والزوايا، وعبر من خلال الصور البيانية.
... وفيما يتعلق باللوحة الغزلية في هذه المقدمة، فقد اقتصر فيها حسان على التعبير عن لواعجه، وعواطفه، وما اكتوى به من وجد، ولوعة، وعلى الحديث عن وفائه، وتشبثه بحب صاحبته، وإنْ بدا منها صدّ وصرم؛ كما عرض لذكريات أيام الوصل، قبل أن يقلب له الدهر ظهر المجن، ويتبدل بالغبطة حزناً، وبالوصل صرماً، وبالود هجراً.
... ولكنه ضرب صفحاً عن وصف مشهد الوداع الشائع في المقدمات الغزلية، ولم يصف صاحبته وصفاً حسياً أو معنوياً؛ أو يتغن بجمالها الجسدي أو النفسي كما لم يصرح بذكر اسمها.
... وساد عبارته في هذه اللوحة السرد. وقلّ فيها اعتماده على الصورة، كما هو الأمر في اللوحة السابقة (لوحة الطلل) ، فلم يستعن بالصورة إلا في استعارة الحبل لعهد الحب، حيث جعله حبلاً واهياً منجذماً رثاً من طرفها، وعلى عكس ذلك من طرفه. كما جنح إلى السهولة والرقة في هذه اللوحة لأنه يعبر عن عواطفه، ويمتح من نفسه، فتخفف من غرابة اللفظ، وجزالة العبارة اللتين وسمتا عبارته في اللوحة الأولى، وفرضهما عليه فيما يظهر تشبثه بتقليد السابقين، ومجاراتهم في لوحة الطلل.
... والثانية: قصيدته النونية التي يمدح بها جَبَلة بن الأيهم صاحب التاج الغساني، ومطلعها (91) :
لمنِ الدّارُ أوْ حَشَتْ بِمَعانِ
بين أَعْلى اليَرْموكِ فالخَمَّانِ
وعدتها عشرة أبيات ذهبت المقدمة منها بثمانية. وفي ذلك ما يشير إلى أن المدح قد حذف منها، لأنها تقف عند قوله:
قدْ أَراني هُنَاكَ حَقَّ مَكِينٍ
عِنْدَ ذي التَّاجِ مَقْعَدي وَمَكَاني(7/303)
وهي كسابقتها تسهم في تشكيل مقدمتها لوحتا الطلل والغزل. أما لوحة الطلل فيستهلها بالوقوف على بقايا دار أقفرت من ساكنيها، فخيمت عليها الوحشة، وتسللت إليها عوامل البلى، فيسأل عن مصير أهلها الذين هجروها، ثم يحدد موقعها تحديداً دقيقاً، كأنه يريد أن يحفرها حفراً في ذهن السامع، مما يدل على شدّة تعلقه بها؛ فيذكر أماكن شامية من أعمال دمشق، بعضها ناء عنها، وبعضها قريب منها، يعد من ضواحيها، وبعضها يقع جنوبي الأردن، أو بين دمشق وبحيرة طبرية، وهي: معان، والخمان، وبلاس، وداريا، وسكاء، وجاسم، وأودية الصفّر، وجميعها من منازل الغساسنة.
... ثم يشيد بتلك المواضع، وبما شهدته منازلها من عزّ ومجد، فقد كانت تعج بقنابل الخيل والفرسان، وبكرائم الإبل وبيضها، ويطلق عليها لقب (دار العزيز) ، ويستعيد ذكرياته بها، أيام زياراته المتكررة لها في عهد الحارث بن أبي شمر الغساني، فيقول بعد المطلع:
فَسَكَّاءَ فَالقُصُورُ الدَّوانِي
(م)
فَالقُرَيَّاتُ مِنْ بَلاَسَ فَدَارِيَّا
مغنى قَنَابِلٍ وهِجَانِ
(م)
فَقَفَا جاسمٍ فَأَوْدِيةِ الصُّفَّر
وَحُلُولِ عَظِيمةِ الأَرْكَانِ
تِلْكَ دارُ العَزيزِ بَعْدَ أنيسٍ
يومَ حَلَّوا بِحَارثِ الجَوْلانِ
هَبِلَتْ أُمُّهُمْ وَقَدْ هَبِلَتْهُمْ
وهنا ينقلنا من لوحة المكان إلى اللوحة الغزلية، لوحة الإنسان، فيرسم لوحة تعج بالفتنة والحياة، ومظاهر الترف والنعمة، تظهر فيها الجواري الحضريات عاكفات على نظم أكلّة المرجان، أو مجتنياتِ زهور الزعفران، أو متطيبات بدهنه، في مآزرهن البيض الرقيقة، وثياب الكتان المضمخة بالعطور، استعداداً ليوم عيد الفصح.(7/304)
.. وينهي حسان لوحته الغزلية بالتعبير عن فتنته وإعجابه بالمرأة الحضرية من خلال موازنة طريفة يعقدها بين ولائد الغساسنة المترفات، والأعرابيات من نساء البادية، اللاتي يجتنين صمغ المغافير أو الثُّمام، ليستعملنه في تلبيد شعورهن، أو ينتقفن الحنظل عند نضجه لاستخراج ما فيه، واستخدامه في إصلاح أحوالهن. يقول:
قد دنا الفِصْحُ فَالَولائدُ يَ
(م)
نْظِمْنَ قُعودَاً أَكِلَّةَ المَرْجَانِ
يَجْتِنينَ الجَادِيَّ في نَقَبِ
الرَّيْطِ عَلَيْها مَجَاسِدُ الكتَّانِ
لمْ يُعَلَّلْنَ بِالمغَافِرِ والصَّمْغِ
(م)
وَلاَ نَقْفِ حَنْظَلِ الشَّرْيَانِ
... ولوحة الطلل من مقدمة حسان السابقة تفتقر إلى كثير من العناصر التقليدية للمقدمة الطللية، كاستيقاف الصحب، ومخاطبة الرفيقين، والبكاء على الطلل، وذكر ما بقي من آثار الديار من أثاف، ونؤي، وأوتاد، وغير ذلك، ووصف ما درسها من عوامل الطبيعة، وما حل بها من قطعان الظباء، وبقر الوحش. كما تخلو من الصور التي اعتاد الشعراء الجاهليون رسمها لبعض عناصر المقدمة، مثل تشبيه بقايا الديار بخطوط الثوب المطرز، وتشبيه ما ذرته الرياح من رمال بالطحين المتناثر، وتشبيه الأثافي بالحمائم الجثم.
... ويبدو أنّ ما أبقى عليه الشاعر من تلك العناصر قليل قلة واضحة قياساً إلى ما تخلى عنه، إذ لم يبق إلا على ذكر أسماء المواضع، وتحديدها تحديداً جغرافياً دقيقاً، والعطف بينها بالفاء، والاستفسار عن أهلها الظاعنين، واسترجاع شيء من ذكرياته بها. وحتى هذه العناصر طرأ عليها بعض التطوّر، فالمواضع التي ذكرها مواضع شامية، لم تعرفها المقدمات التقليدية قبل حسان.(7/305)
.. فضلاً عن أن ذكريات الشاعر بتلك الأماكن لا تثير في نفسه الوجد والصبابة بقدر ما تثير الإعجاب بأمجاد الغساسنة وعزّهم. وهو لا يتحدث عن الظعن والمراكب التي تقلّ نساء الحي، وبينهن صاحبته، ولكن عن جماعات الخيل، وكرائم الإبل التي يقتنيها الغساسنة.
... وإذا كانت اللوحة الطللية من مقدمته السابقة قد أصابت هذا القدر من التطوّر؛ فإن اللوحة الغزلية من تلك المقدمة قد انحرفت انحرافاً كبيراً عن مناهج الجاهليين وطرائقهم؛ فهو لم يذكر امرأة بعينها، وإنما وصف الجواري اللاتي كان يراهن في بلاط الغساسنة، ولم يتغن بجمال المرأة الحسي أو النفسي، بل كان مبهوراً بزينتها وعطورها، من أكلّة المرجان، وطيوب الزعفران، ومجاسد الكتان. وعواطفه تجاهها لم تكن هياماً، ووجداً، ولهفة، ولوعة؛ ولكن كانت إعجاباً بالطيوب، والثياب، ومظاهر الزينة. وهو لم يتحدث عن محاسنها حديثاً مكشوفاً كما كان يفعل امرؤ القيس أو الأعشى، أو المنخل وسواهم، كما لم يصف مشهد الوداع أو الرحيل. وأهم من ذلك أنه ضمّن لوحته عنصراً جديداً لم تعهده المقدمات الغزلية التقليدية، يتمثل في تفضيل المرأة الحضرية التي تعيش في قصور الغساسنة، على البدوية التي تتخذ وسائل الزينة البدائية، فتلبّد شعرها بصمغ الثُّمام، وتنتقف الحنظل.
الصورة الرابعة: المقدمة الظعنية الغزلية
... هذه صورة أخرى من صور المقدمات في قصائد حسان الجاهلية، وهي تتألف من لوحتين: لوحة الظعن، واللوحة الغزلية.
... ومقدمة الظعن من المقدمات الرئيسة في القصيدة الجاهلية، إذ تتراءَى في سماء الشعر الجاهلي أسراب منها ((تعود إلى فترة مبكرة من عمره، تدل بقدمها على رسوخها وأصالتها، آية ذلك أنها تطالعنا في قصائد الشعراء المتقدمين، مثل: المرقش الأكبر، وعبيد بن الأبرص، وسلامة بن جندل، وطفيل الغنوي، وبشر بن أبي خازم)) (92) .(7/306)
.. ولحسان قصيدة جاهلية في الفخر يستهلها بهذه الصورة من صور مقدماته، يبدأُها بلوحة الظعن، وفيها يلتمس من خليله بباب جلِّق أن يتبصر لعله يرى ركباً قادمين من تلقاء البلقاء، ثم يخبره بأن قافلة صاحبته (شعثاء) قد انطلقت من مكان يسمى المحبس وانحدرت بين المرتفعات، تحمل نسوة حور العيون، نقيات البشرة، بيضاوات الوجوه، يلتحفن ملاءات حريرية، وتبدو عليهن آثار النعمة، والترف.
... ويتابع حسان رحلة هاتيك الظعائن، فيخبر صاحبه أنهن قد مررْن ببصرى الشام، واجتزن جبل الثلج (يريد جبل الشيخ) الذي يعانق السحب، يقول (93) :
انْظُرْ خَلِيلي بِبابِ جِلَّقَ هَلْ
تُؤْنِسُ دونَ البَلْقاءِ من أَحَدِ
أَجْمَالَ شَعْثَاءَ قَدْ هَبَطْنَ من المَ
حْبَسِ بَيْن الكُثْبَانِ فَالسَّنَدِ
يَحْمِلْنَ حُوَراًحُوْرَ المَدَامِعِ في الرَّ ...
يْطِ، وبيضَ الوُجُوهِ كالبَرَدِ
منْ دونِ بُصْرَى وَدُونَها جَبَلُ الثَّلْجِ
عَلَيهِ السَّحَابُ كالقِدَدِ
وفي اللوحة الغزلية من هذه المقدمة يقسم حسان برب الإبل التي ذللها كثرة الارتحال، وما تقطع من صحارى شاسعة، وبرب الإبل التي قرّبت للنحر، يميناً برة لا يحنث فيها، أنه أحبّها حباً لم يتطرق إليه وهن، أو يعتريه فتور، وأنه لم يحب امرأة حبه إياها:
إِنِّي وَرَبِّ الْمُخَيَّسَاتِ وَمَا
يَقْطَعْنِ مِن كُلِّ سَرْبخٍ جَدَدِ
وَالبُدْنَ إِذْ قُرِّبَتْ لِمَنْحَرِهَا
حِلْفَةَ بَرِّ اليَمِينِ مُجْتَهِدِ
مَا حُلْتُ عَنْ خَيْرِ مَا عَهِدْتِ وَمَا
أَحْبَبْتُ حُبِّي إِيَّاكِ مِنْ أَحِدِ(7/307)
وهو في لوحة الظعن لم يأت إلا على ذكر الطريق الذي سلكته الظعائن، حيث وصفه وصفاً دقيقاً يدل على شدّة وجده، وتعلقه بصاحبته (شعثاء) ، وذكر عدداً من المواضع الشامية، وهي: البلقاء، وجلق، والمحبس، وبصرى، وجبل الثلج. في حين أغفل كثيراً من العناصر التي يجدها الدارس في مقدمات الظعن الجاهلية، مثل: وصف الاستعداد للرحيل، ووصف الإبل وهوادجها، وما يعلوها من ثياب وألوان، والحادي والدليل، والغاية، ومنتهى الرحلة. وحتى حين وصف الطريق الذي سلكته الظعائن اكتفى بتحديده، ولم يعرض لما يحف به من مخاطر، وما يتناثر على جانبيه من رمال، وعيون مهجورة، أو صالحة (94) .
... ويقابل ذلك استيفاؤه لمعظم عناصر اللوحة الغزلية، فقد وصف صاحبته (شعثاء) وصفاً حسياً، وتغنى بجمال عينيها الحوراوين؛ وأعرب عن فتنته بوجها الناصع، النقي، ورسم لها ولصواحبها صورة بالغة الدلالة على ذلك النقاء هي صورة البَرَد. وتحدث عن وفائه وإخلاصه لها، وشدّة وجده وهيامه بها، وأقسم على ذلك أغلظ الأيمان إلا إنه لم يبالغ في وصف مظاهر جمالها، ولم يتحسر على أيامه الماضية.
... ويبدو حسان في هذه المقدمة مُقْتَصِداً في استخدام الصورة الشعرية، ميالاً إلى السرد، إذ لم يأت إلا بصورة البَرد، ليعبر من خلالها عن نقاء لون صاحبته، وصورة القِدد وهي القطع ليخلعها على السحب المتناثرة التي تعانق قمة جبل الشيخ.
... ولكنه لوّن في صور الأداء، فاستعان بالأساليب الإنشائية كالنداء، والاستفهام، والأمر ليجذب اهتمام السامع؛ وراوح بين الإنشاء والخبر، كما أفاد من أسلوبي القسم والتوكيد في تقوية شحنة العاطفة فيها. وبدا ميالاً إلى التفصيل في صورة الإبل التي تساق للنحر، وفي وصف الطريق الذي سلكته الظعائن.
... ولعل من الجديد في هذه المقدمة ذكره للأماكن والمواضع الشامية، وبخاصة جبل الثلج أو جبل الشيخ.(7/308)
الصورة الخامسة: المقدمة الطللية الظَّعْنيَّة الغزلية
... تلتقي في هذه الصورة من صور المقدمات في قصائد حسان الجاهلية ثلاث لوحات: لوحة الطلل، ولوحة الظعن، واللوحة الغزلية.
... وبهذه الصورة استهل حسان قصيدته الفخرية الميمية التي مطلعها (95) :
ألَمْ تَسْأَلِ الرَّبْعَ الجَديدَ التَّكَلُّمَا
بِمدْفَعِ أَشْدَاخٍِ فَبُرْقَةَ أَظْلَما
وهي من أطول مقدماته. وتقع في ستة عشر بيتاً. وقد افتتحها بلوحة الطلل فوقف عليه، وسأله عن الربع الدارس الذي استعجم عن رد جوابه، وكيف يجيبه رسم أبكم؟ إنه طلل دار تقع في مكان خصيب، يندفع بين ربوعه وادي أشداخ بالقرب من جبل أظلم، ماراً بمنعطف وادي نقيع، حيث تستوي الأرض في بطن يَلْبَن.
... لقد أقفرت تلك الديار، وخلت من أهلها الذين عمروها زمنا، فقد غادروها إلى تهامة. إنها ديار صاحبته التي طالما تردّدت على جبلي تغلم، ووادي المراض الذي ترعرع في عدوتيه شجر الأراك وأينع، وتمايلت أغصانه مزهوة بخضرتها.
... وحين انقضى فصل الربيع صوّح المرعى، ولم تعد تسمع سوى حمحمة الرعد، تتجاوب أصداؤها مع حنين مطافيل الإبل التي نتجت في فصل الربيع، فيتردد صداه في أكناف وادي العقيق، وهضبة الجمَّاء، حتى إذا ارتفع سحابه فوق تُرْبان، انفصمت عراه، وانهلّ ودقه، وألقى بعاعه، وتمخض عن سيل هادر يقتلع كل ما يعترضه من شجر العضاه. يقول حسان بعد المطلع:
أَبَى رَسْمُ دارِ الحَيِّ أَنْ يَتَكَلَّمَا
وهلْ يَنْطِقُ المَعْرُوفَ منْ كانَ أبْكَمَا
بقَاعِ نَقَيعِ الجِزْعِ من بَطْنِ يَلْبَنٍ
تَحَمَّلَ مِنِهُ أَهْلُهُ فَتَتَهَّمَا
دِيَارٌ لشَعْثَاءِ الفؤادِ وَتِرْبِها
ليَاليَ تَحْتَلُّ المَراضَ فَتَغْلَمَا
وإِذْ هِيَ حَوْرَاءُ المَدَامِعِ تَرْتَعِي
بِمُنْدَفَعِ الوادي أَرَاكاً مُنَظَّمَا
أَقَامَتْ بهِ في الصَّيْفِ حَتَّى بَدَا لهَا(7/309)
نَشَاصٌ إِذَا هَبَّتْ لهُ الرِّيحُ أرْزَمَا
فَلَمَّا دَنَتْ أغضَادُهُ وَدَنَا لَهُ
منَ الأرْض دَانٍ جَوْزُهُ فَتَحَمْحَمَا
تَحِنُّ مَطَافِيلُ الرِّباعِ خِلالَهُ
إذا اسْتَنَّ في حَافاتِهِ البَرْقُ أَثْجَما
وَكَادَ بأكْنَاف العَقِيقِ وَئيدُهُ
يَحَطُّ من الجَمَّاءِ رُكْنَاً مُلَمْلَمَا
فلما علا تُرْبَانَ وانْهَلَّ وَدْقُهُ
تَدَاعَى وأَلْقَى بَرْكَهُ وتَهزَّمَا
وأَصْبَحَ منْهُ كُلُّ مَدْفَعِ تَلْعةٍ
يَكُبُّ العَضَاهَ سَيْلُهُ مَا تَصَرَّمَا
وواضح أنه لم يبك أو يستبك، ولم يستوقف الصحب، ولم يخاطب الرفيقين اللذين اعتدنا رؤيتهما في مشهد الطلل، ولم يصف ما بقي من آثار الديار، من أثاف، ونؤي وأوتاد، أو ما حل بها من ظباء أو بقر وحشية.(7/310)
.. وخلت هذه اللوحة الطللية من التشبيهات المعهودة، سواء فيما يتعلق بآثار الديار، أو ببقاياها. ولكنها اشتملت على كثير من العناصر التقليدية مثل: ذكر أسماء الأماكن، والعطف بينها بالفاء، وتحديد مكان الطلل تحديداً جغرافياً دقيقاً، والسؤال عن أهله الظاعنين. وأسهب في وصف ما غير معالمه، وبخاصة الأمطار، وإن كان قد أغفل ذكر الرياح التي تسفي عليه التراب. فقد انقضى فصل الصيف وأخذت السماء تتلبد بالغيوم، واكفهرَّ الجو، وحمحم البرق في أرجاء وادي العقيق، فامتزج بحنين الإبل التي نتجت في الصيف، وما لبث البرق أن أومض، فانهمر المطر غزيراً على تُربان وهضبة الجماء، فأسفر عن سيل عظيم يتدافع ماؤه، ويقتلع كل ما يعترض طريقه من الأشجار. وكان ذلك إيذاناً برحيل القوم عن تلك الأماكن بعد أن قضوا فيها فصل الربيع. وهنا تبدأ اللوحة الثانية، لوحة الظعن. وهي لوحة تتحول إلى مشهد يبدأ بصورة صوتية للحي تسمع فيها أصوات الرجال تتعالى، فينادي بعضهم بعضاً، في هزيع الليل الأخير استعداداً للرحيل، ثم ينقلنا إلى صورة بصرية تظهر فيها الهوادج وقد استوت على عجل فوق ظهور الإبل، تزينها البسط الموشاة بالألوان الزاهية، ومدّت الظعائن أعناقاً كأعناق الظباء من خلال البرود اليمنية الموشاة، وينتهي هذا المشهد بإشارة سريعة إلى أن القوم سيحلون ديار غفار وأسلم، بنواحي تهامة.
... ومع أن حساناً قد أتى في هذه اللوحة على أكثر عناصر مقدمة الظعن، من: وصف الاستعداد للرحيل، ووصف الهوادج، وما تكللت به من أنماط وبرود ملونة؛ وحدّد نهاية الرحلة وغايتها، إلا إنه أغفل ذكر الحادي والدليل، وتجنب وصف الطريق التي سلكتها الرحلة، ولم يتتبع الركب، كما كان يفعل سواه من شعراء المرحلة الثانية من الشعر الجاهلي، ممن وصفوا الظعن. قال حسان:
تَنَادَوْا بِلَيْلٍ فاسْتَقَلَّتْ حُمُولُهُمْ(7/311)
وَعَالَيْنَ أَنْماطَ الدِّرَقْلِ المُرَقّمَا
عَسَجْنَ بِأَعْنَاقِ الظِّباءِ وأَبْرَزَتْ
حَواشِي بُرُودِ القِطْرِ وَشْياً مُنَمْنَما
فَأَنَّى تُلاَقِيهَا إذَا حَلَّ أَهْلُهَا
بِوادٍ يَمَانٍ مِنْ غِفَارٍ وأسْلَمَا
تَلاقٍ بعيدٌ واختلاَفٌ مِنَ النَّوَى
تَلاَقيكُما حتى تُوافيَ مَوْسِمَا
سَأُهْدِي لَهَا في كُلِّ عَامٍ قَصِيدةً
وَأَقْعُدُ مَكْفِيَّاً بِيَثْرِبَ مُكْرَمَا
... واللوحة الغزلية، وإن كانت أبياتها قليلة، إلا أنها لا تقل شأناً عن لوحتي الطلل والظعن. فالمرأة هي باعث التجربة في نفس الشاعر، وشعثاء التي فتنته بعينيها الحوراوين، قد تيمت فؤاده. وبانقضاء فصل الربيع، انطوت صفحة اللقاء، وحل الهجر محل الوصل، وأزف زمن الرحيل، وحالت المسافات بين الشاعر وبين فاتنته شعثاء، وبعدت بينهما الشقة، بعد أن حلّت بوادٍ يمان. ولن يتمكن من ملاقاتها إلا في الموسم القادم. وخلال زمن الفراق الطويل، سيعكف على نظم الشعر، وإهدائه لها، ولن يغامر أو يخاطر بالرحيل إلى منازلها. إنه سينظم الشعر فيها، وهو في مأمن من الأخطار والمتاعب، مكفيّ الحاجات بيثرب، ويؤثر العافية.
وواضح أنّ حساناً قد ألمّ في هذه اللوحة ببعض عناصر المقدمة الغزلية التقليدية وأعرض عن بعض، وانحرف ببعض.
فوصف جمال صاحبته، ولكنه اكتفى من ذلك بذكر عينيها الحوراوين، ولم يتتبع محاسنها ومظاهر جمالها الحسي أو النفسي.
وعبّر عن افتنانه بها، وحسرته على فراقها، والإحساس بثقل وطأة هجرها على نفسه؛ ولكنه بدا متعقلاً متزناً، يكبح جماح الهوى، ولا يغامر في سبيله، بل يستمع لنداء العقل، ويؤثر أن يترجم عن مكنون نفسه، ولواعج حبه بالشعر.(7/312)
.. وواضح أن هذا الموقف يحمل بعض ملامح التطور في المقدمة الغزلية، فقد انحرف الشاعر فيه عما نعهده في تلك المقدمة وفي شعر الغزل عامة من تهافت على المرأة، واندفاع ومغامرة، وتجاوز للحراس، والمعشر، وتعرض للقتل، في سبيل الوصول إليها، على نحو ما يصوره امرؤ القيس في معلقته، حيث يقول (96) :
تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسَاً إِليْها وَمَعْشَراً
عَلَيَّ حِراصَاً لَوْ يُسرُّونَ مَقْتَلِي
انحرف عن ذلك إلى هذا الهدوء والاتزان الذي أشرنا إليه، والتسامي بعواطفه إلى التعبير الفني عنها وحسب، بدلاً من السعي إلى إشباعها في أرض الواقع:
سأُهْدي إِليْها كلَّ عامٍ قَصِيدةً
وأَقْعُدَ مَكْفِيَّاً بِيَثْرِبَ مُكَرَمَا
الصورة السادسة: المقدمة الطللية الغزلية الوصفية
... وهذه صورة أخرى من صور المقدمات في قصائد حسان الجاهلية، حشد فيها الشاعر أربع لوحات، هي: اللوحة الطللية، واللوحة الغزلية، واللوحة الخمرية، ولوحة الناقة؛ فجاءَت حافلة بالألوان والأطياف. وتمثل هذه الصورة، مقدمة قصيدته الميمية المقيدة التي مطلعها (97) :
مَاهَاجَ حَسَّانَ رُسُومُ المَقَامْ
وَمَظْعَنُ الحَيِّ وَمْبْنَى الخِيَامْ
وهو يستهلها باللوحة الطللية التي اقتصر فيها على ذكر بعض آثار الديار، من نؤي قد تثلمت حوافه، وبقايا علامات حائلة لمواضع خيام الحي، ومنازلهم؛ مكتفياً من تحديد موضع ذلك الطلل بذكر أنه واد من أودية تهامة، وبالإشارة إلى ما غير معالمه، وطمس آثاره، من طول العهد، وتقادم الزمن، إذ يقول بعد المطلع:
والنُّؤْيُ قَدْ هَدَّمَ أَعْضَادَهُ
تَقَادُمُ العَهْدِ بِوَادٍ تَهَامْ(7/313)
.. وواضح أن التكثيف في لوحة الطلل عند حسان قد بلغ منتهاه، فلم يذكر الشاعر سوى قليل من عناصر المقدمة الطللية، على نحو من الإيجاز الشديد، وأعرض عن ذكر سائر العناصر والتقاليد؛ فحين ذكر ما غير الديار اقتصر على تقادم العهد، ولم يأت على ذكر الرياح والأمطار؛ وحين عرض لبقايا الديار، اكتفى بذكر النؤي، وتنكب ذكر ما سواه من أثاف، ورماد، ودمن وأوتاد. وخلت اللوحة من التشبيهات المعهودة في اللوحة الطللية.
... وينقلنا حسان إلى اللوحة الغزلية، وفيها يعترف بأن الواشين حققوا ما سعوا إليه، فتبدلت شعثاء بوصلها هجراً، ورثت حبال الود بينها وبينه، فغدا لا يراها إلا في المنام، إذ تعذرت رؤيتها في اليقظة. ثم يصف جمال صاحبته سالكاً إليه سبيل التصوير، فيرسم لها صورة فاتنة إذ يشبهها بظبية مُطفل، ترتعي مع خشفها سفوح جبل برام، ويختار لها مشهداً فاتناً، إذ يجعلها ترنو إليه نظرة إشفاق وحنو؛ لأنه ما يزال صغير السن قليل الحيلة، فاتر الطرف، متقارب الخطو، ضعيف الصوت.
... ثم يقف عند موضع الفتنة من شعثاء، ثغرها الذي يشبه رضابه ماءً بارداً سلسلاً، ينسكب من بين صخور جبل، فيحفر في أصله، ليتجمع في حوض تراصفت حجارته وتقاربت، وعلاه غمام كثيف، فيقول:
قدْ أدْرَكَ الوَاشُون مَا حَاوَلوا
فالحَبْلُ منْ شَعْثَاءُ رَثُّ الزِّمَامْ
جِنِّيَّةٌ أَرَّقَنِي طَيْفُهَا
تَذْهَبُ صُبْحَاً وتُرَى في المَنَامْ
هَلْ هِيَ إلاَّ ظَبْيَةٌ مُغْزِلٌ
مَأْلَفُها السِّدْرُ بِنَعْفَيْ بَرَامْ
تُزْجِي غَزَالاً فَاتِراً طَرْفُهُ
مُقَارِبَ الخَطْوِ ضَعيفَ البَغَامْ
كأنَّ فَاهَا ثَغَبٌ بَارِدٌ
في رَصَفٍ تحت ظلالِ الغَمَامْ(7/314)
وواضح أن حساناً قد ضمن هذه اللوحة أغلب عناصر المقدمة الغزليةالتقليدية، وهو إن فاته وصف مشهد الوداع المعهود في المقدمة التقليدية، إلا إنه استعاض عنه بحديث الواشين. وأجاد حين خلع على صاحبته صورة الظبية المطفل، ووقف عند ثغرها ورضابها، حيث لم يكتف من الصورة بالإجمال، بل أخذ يستقصي جوانبها، ويتتبع جزئياتها، ويولّد في معانيها، حتى بلغ من ذلك كل ما أراد من التعبير عن شدة افتتانه بها.
... وينتقل حسان بالقارئ إلى اللوحة الثالثة من مقدمته، اللوحة الخمرية، التي أتى بها على سبيل الاستطراد في وصف رضاب صاحبته، كما فعل الأعشى في مقدمة قصيدته التي مطلعها (98) :
أَلَمَّ خَيَالٌ منْ قُتَيْلَةَ بَعْدَمَا
وَهَى حَبْلُهَا منْ حَبْلِنَا فَتَصرَّمَا
حيث جاء بلوحة الخمر لتصوير الأثر الذي تركه طيف صاحبته (قتيلة) في نفسه عندما ألمّ به فقال:
فَبِتُّ كأَنّي شَارِبٌ بَعْدَ هَجْعَةٍ
سُخَامِيَّةً حَمْرَاءَ تُحَسَبُ عَنْدَمَا
إِذَا بُزِلَتْ مِنْ دَنِّها فَاحَ رِيحُهَا
وَقَدْ أُخْرجَتْ مِنْ أسودِ الجَوْفِ أدْهَمَا
لَهَا حَارِسٌ مَا يَبْرَحُ الدَّهْرَ بَيْتَهَا
إِذَا ذُبِحَتْ صَلّى عَلَيْهَا وَزَمْزَمَا
ومضى في وصفها.
... وفي هذه اللوحة يزعم حسان أن رضاب صاحبته ليس ألذ من الماء الزلال فحسب؛ بل أشهى منه، وإن مزج بصبهاء معتقة في بيت رأس، اعتنى بها صاحبها، وبالغ في حفظها والحرص عليها عاماً بعد عام، مؤملاً أن تعود عليه بربح وفير، ومعلقاً عليها آمالاً عظاماً في ثراء عريض؛ فإذا ما شربت دبت في عروق شاربها دبيب صغار النمل في الرمل المستوى اللين، وسرى الفتور في مفاصله وعظامه، إنها صهباء من خمر بيْسان، يسعى بها ساق أعجمي، مدّهن بالطيوب، يعتمر قلنسوة طويلة، متوقد النشاط، سريع الاستجابة لمن يدعوه، لا يثنيه عن خدمته شيء، يقول، حسان (99) :
شُجَ بِصَهْبَاءَ لَهَا سَوْرَةٌ(7/315)
مِنْ بيْتِ رَأْسٍ عُتِّقَتْ في الخِتَامْ
عَتَّقَهَا دَهْرَاً رَجَا بِرِّهَا
يُولي عَلَيْها فَرْطَ عَامٍ فَعَامْ
تَدِبُّ في الجِسْمِ دَبِيبَاً كَمَا
دَبَّ دَبىً وَسْطَ رِقاقٍ هَيَامْ
مِنْ خَمْر بَيْسَانَ يُغَالَى بِها
دِرْيَاقَةٌ تُسْرِعُ فَتْرَ العِظَامْ
يَسْعَى بِها أَحمَرُ ذُو بُرْنُسٍ
مُخْتَلَقُ الذِّفَرَى شّدَيدُ الحِزَامْ
أَرْوَعُ لِلدِّعْوَةِ مُسْتَعْجِلٌ
لَمْ يَثْنِهِ الشَّأْنُ خَفِيفُ القِيامْ
وصورة الساقي الرشيق في مقدمة حسان هذه، تذكرنا بصورته في مقدمة قصيدة الأعشى السابقة الذكر؛ وإنْ كان الأعشى قد أضاف إلى وصف الخمرة والساقي، وصف الكؤوس، والأباريق، والورود، والرياحين، والمغنى، وآلات الطرب والندماء والظرفاء.
... ومهما يكن من أمر، فإن دراسة مقدمات حسان الجاهلية، تكشف عن حقيقة أن الأعشى، وعمرو بن كلثوم إنْ صح أنه استهل معلقته بوصف الخمر (100) ليسا الشاعرين الجاهليين اللذين استهلا بعض قصائدهما بوصف الخمر فحسب، بل يشاركهما في ذلك حسان.
... وبذلك يتبين أنه لا مسوّغ لقول الدكتور حسين عطوان ((إن الشعر الجاهلي كله فيما نعلم يخلو خلوا تاماً من قصائد بل من قصيدة واحدة افتتحت بوصف الخمر)) (101) .
... علماً بأن الدكتور عطوان عاد فاعترف بأنّ للأعشى مقدمة خمرية، فقال في الصفحة التي ورد فيها قوله السابق: ((آية ذلك أن ديوان الأعشى ... لا نظفر فيه بمقدمة خمرية إلا مقدمة قصيدته الخامسة والخمسين)) (102) . وفي الوقت نفسه يغفل الدكتور عطوان لوحة حسان الخمرية الآنفة الذكر.(7/316)
.. وفي اللوحة الرابعة لوحة الناقة يهيب الشاعر بنفسه أن يتناسى ذكر شعثاء التي حققت مآرب الواشين، فقطعت حبل الوصال، بالارتحال على ظهر ناقة ضخمة قوية، طويلة، وافرة النشاط، واسعة الخطو، عقيم، لا تكف عن تحريك رأسها وعنقها من فرط نشاطها؛ ولا يقلل من سرعتها، أو يحد من نشاطها وحيويتها اشتداد الحر، وارتفاع السراب وقت الظهيرة حتى يغطي قمم الآكام يقول حسان (103) :
دَعْ ذِكْرَهَا وَانْمِ إِلى جَسْرة
جُلْذِيّةٍ ذَاتِ مَرَاحٍ عَقَامْ
دِفِقَّةِ المِشْيَةِ زَيَّافَةٍ
تَهْوِي خَنُوفَاً في فُضُولِ الزِّمَامْ
تَحْسِبُها مَجْنُونةً تَغْتَلِي
إِذ لَفَّعَ الآلُ رُءوسَ الأَكَامْ
... وقد يقول قائل: إن وصف الناقة ليس جزءاً من المقدمة، وإنّ مقدمة القصيدة قد انتهت بنهاية اللوحة الثالثة، وإن عبارة (دع ذا) التي استهل وصف الناقة دليل على أنه فرغ من المقدمة ودلف إلى غرضه، ذلك لأن العرف الشعري عند العرب قد جرى على أن يقولوا عند فراغهم من المقدمة: ((دع ذا، وعدّ عن ذا، ويأخذون فيما يريدون)) (104) .
... والرد على ذلك أن أغلب النقاد يعدون وصف الناقة والرحلة عناصر أساسية من المقدمة التقليدية.
ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور حسين عطوان الذي يقول معلقاً على ما ظنه مقدمة لقصيدة النابغة الذبياني الرائية السابقة الذكر: ((ومن الطريف أن مقدمتها التي وصف فيها الأطلال، وصاحبته، ورحلته في الصحراء، وناقته، ومنظراً من مناظر الصيد تبلغ ما يقرب من خمسين بيتاً)) (105) . وواضح أنه يدرج وصف الرحلة في الصحراء، والناقة، في صميم المقدمة التقليدية، بل يضيف إلى المقدمة لوحة أخرى هي وصف مناظر الصيد.(7/317)
ومنهم الدكتور يوسف خليف الذي يربط القسم الذاتي من القصيدة الجاهلية، المتمثل في المقدمة التقليدية، بحل مشكلة الفراغ في حياة الجاهليين. ويجعل حديث الشاعر الجاهلي عن الخروج إلى الصحراء للرحلة أو الصيد عنصراً أساسياً من عناصر المقدمة (106) . وهو يرى أنّ القصيدة الجاهلية تنحل إلى قسمين أساسيين:
قسم ذاتي: يتحدث فيه الشاعر عن نفسه؛ ويصور فيه عواطفه ومشاعره وانفعالاته. وهو قسم نستطيع أن نضع فيه هذه المقدمات، وما يتصل بها من وصف الرحلة والصحراء.
والقسم الآخر غيري: يتحدث فيه الشاعر عن قبيلته أو يعرض للمدح أو الاعتذار.
إلى أن يقول: ((ومن هنا نستطيع أن نتبين السر في حرص شعراء الجاهلية على هذه المقدمات، وما يتصل بها من وصف الصحراء والرحلة)) (107) .
وإلى مثل ذلك يذهب الدكتور وليد قصاب إذ يقول: ((فالمعروف أن القصيدة القديمة ... كانت تقوم على تعدد الأغراض. فالشاعر يفتتحها بالوقوف على الأطلال، والحديث عنها ووصفها، ثم يعرض بعضاً من مناحي فتوته كالغزل ووصف الخمر. وقد يصف لنا رحلته في الصحراء ليعرض من خلال ذلك للحديث عن ناقته والفلاة الواسعة التي قطعها؛ ثم يمضي إلى الغرض الأصيل من القصيدة، فيمدح أو يفتخر أو يعاتب)) (108) .
ويؤكد ذلك الدكتور محمد عبد العزيز الكفراوي وهو يعلل حرص الشعراء الجاهليين على تضمين مقدمات قصائدهم وصف الناقة والصحراء فيقول: ((فهم يستعيدون بذكر الناقة والصحراء عصر المخاطرة والفتوة والشباب الذي تركوه وراء ظهورهم، وهو لذلك جزء مكمل لما بدأه الشاعر من الحديث عن عواطفه وذكرياته أثناء الحديث عن المرأة)) (109) .(7/318)
ولابن رشيق القيرواني كلام حاسم في هذه المسألة ساقه في باب المبدأ والخروج والنهاية، فقال: ((والعادة أن يذكر الشاعر ما قطع من المفارز، وما أنضى من الركائب، وما تجشم من هول الليل وسهره، وطول النهار وهجيره، وقلة الماء وغؤوره، ثم يخرج إلى مدح المقصود، ليوجب عليه حق القصد، وذِمَامَ القاصد، ويستحق منه المكافأة)) (110) .
وهذا غيض من فيض من آراء النقاد الذين نظروا إلى وصف الناقة والرحلة في الصحراء على أنه جزء لا يتجزأ من المقدمة.
ثم أن النظرة الشاملة للقصيدة تبدد أي شك في أن المقدمة لم تنته بنهاية اللوحة الثالثة؛ ذلك لأن الغرض الرئيس للقصيدة هو الفخر الذي يبدأ بعد نهاية لوحة الناقة، بقوله:
قَوْمِي بَنُو النَّجَّارِ إنْ أَقْبَلَتْ
شَهْبَاءُ تَرْمِي أَهْلَهَا بِالْقَتَام
وليس قوله (دع ذا) في أول اللوحة الرابعة دليلاً على أنه قد وصل إلى غرضه؛ وإنما هو إشارة إلى أنه انتهى من لوحة ليشرع في لوحة أخرى من لوحات مقدمته. ومعنى ذلك أن حساناً قد خرج في مقدمته هذه على العرف الشعري الجاهلي، وتمرد على تقليد من تقاليد المقدمة.
... ويذهب الدكتور حسين عطوان إلى أنّ للمقدمة الطللية ثلاثة أشكال لاتتعدّاها إلى غيرها، هي: صورة الطلل بمفردها، وصورة الطلل مع صاحبته، وصورة الطلل والظعن (111) .
... ولكن يتبين في ضوء دراسة مقدمات حسان الجاهلية أن تقسيم الدكتور عطوان السابق يحتاج إلى مراجعة، إذ يبدو جلياً أن صور المقدمة الطللية تتجاوز الأشكال التي حددها الدكتور عطوان إلى أشكال أخرى، مثل: المقدمة الطللية الظعنية الغزلية (الصورة الخامسة) ، وهي التي تضم لوحة الطلل، ولوحة الغزل، ولوحة الظعن. كما يجد القارئ في قصيدة حسان الميمية التي مطلعها (112) :
أَلَمْ تَسْألِ الرَّبْعَ الجَديدَ التَّكَلُّمَا
بِمَدْفَعِ أَشْدَاخٍ فَبُرْقَةَ أَظْلَمَا(7/319)
والمقدمة الطللية الغزلية الوصفية (الصورة السادسة) التي تتألف من: لوحة الطلل، واللوحة الغزلية، واللوحة الوصفية الخمرية، ولوحة الناقة، كما هو الحال في مقدمة القصيدة التي نحن بصددها.
الصورة السابعة: مقدمة الطيف والرحلة
... مقدمة الطيف من المقدمات الثانوية التي لم يكثر منها الشعراء في العصر الجاهلي، فهي قليلة الورود، محدودة المعاني، لم يتوسع الشعراء فيها ((بل كرّروا نفس المعاني والجزئيات في إيجاز شديد)) (113) .
... وفيها يتحدث الشاعر ((عن طيف الحبيبة الذي يخترق أستار الظلام، ويسري في ظلمات الليل، ليزور الشاعر في أحلامه، فيؤرقه ويعيده إلى ذكريات ماضية، ويثير في نفسه مشاعر الشوق والحنين الكامنة في أعماقه، ويجسم إحساسه بالبعد والحرمان)) (114) .
... وقد يضيف بعض الشعراء إلى ذلك تعجبهم من اهتداء الطيف إليهم، وقطعه المفاوز حتى ألم بهم (115) .
... يقول الشريف الرضي (ت سنة 436هـ) : ((وتعجب الشعراء كثيراً من زيارة الطيف على بعد الدار، وشط المزار، ووعورة الطريق، واشتباه السبل، واهتدائه إلى المضاجع من غير هاد يرشده، وعاضد يعضده، وكيف قطع بعيداً المسافة بلا حافر ولا خف في أقرب مدّة، وأسرع زمان)) (116) .
... وقد ذكر الدكتور يوسف خليف أن من أصحاب مقدمات الطيف في العصر الجاهلي بشامة بن الغدير، وتأبط شراً، وعمرو بن الأهتم (117) . وأضاف الدكتور عطوان إليهم المخبل السعدي، وخفاف بن ندبة (118) . ولم يذكر أي منهما حسان في هذا المجال.
... وتسهم في تشكيل هذه الصورة من مقدمات حسان الجاهلية لوحتان: لوحة الطيف، ولوحة الرحلة. وبهذه الصورة افتتح حسان قصيدته الرائية التي مطلعها (119) :
حَيِّ النَّضِيرَةَ رَبَّةَ الخِدْرِ
أَسَرَتْ إِلَيْكَ وَلَمْ تَكُنْ تَسْرِي(7/320)
وهو يستهلها بلوحة الطيف، حيث يوجه تحيته إلى صاحبته (النضيرة) ربة الخدر، التي زاره طيفها ليلاً، وهو نائم؛ على الرغم من صدّها وهجرها في اليقظة، ثم يبدي استغرابه من اهتداء ذلك الطيف إليه، على الرغم من بعد الشقة، ونأي المسافات، وتوغل الشاعر وصحبه في البيداء، ونزولهم في مكان مقفر موحش. قال حسان بعد المطلع:
فَوَقَفْتُ بِالبَيْدَاءِ أَسْأَلُهَا
أَنّى اهتَدَيْتِ لِمَنْزلِ السَّفْر
ثم ينقلنا إلى اللوحة الثانية، لوحة الرحلة، وفيها يصف رحلته في الصحراء وهي رحلة شاقة، طال فيها السفر، واشتد الحر، وأدرك المطايا الإعياء فكف السَّفْر عن زجرها، وأرخوا أعنتها، إشفاقاً عليها، لما لمسوه فيها من الإنهاك والإرهاق، بعد أن انبرى لحمها، واستبان لهم ضمورها.
... لقد ظل الشاعر وصحبه في تلك الرحلة يصرون على مواصلة السير، حتى في وقت القيلولة، حين تتوسط الشمس في كبد السماء، على الرغم من ثقل ذلك على نفوسهم، وشدّة إحساسهم بطول النهار؛ على إبل نجيبة، ضامرة سريعة، موائل الرؤوس من جذب الأزمة، تتدفق نشاطاً وحيوية، وتعطي أقصى ما تستطيع من قدرة عن طواعية، دون حاجة إلى زجر أو حث، لا يعيقها عن السير في لفح الهواجر عائق، فتراها تزفر في بُرى النحاس المعلقة في مناخرها. وإذا ما أناخت للراحة في منزلة من منازل الطريق، تراها كالقطا الجثم التي اختلط سوادها بصفرة. وما تلبث أن تنهض مستأنفة سيرها، تحت وقد الظهيرة، في الوقت الذي يرتفع الحرباء على عوده، ويهم بالحركة، ويتعالى صرير الجنادب، يقول حسان:
وَالعِيسُ قَدْ رُفِضَتْ أَزِمَّتُها
مَمَّا يَرَوْنَ بِهَا مِنَ الفَتْرِ
وَعَلَتْ مَسَاوِيها مَحَاسِنَهَا
مِمَّا أَلَحَّ بِهَا مِنَ الضُّمْرِ
حتّى إِذَا رَكَدَ النَّهارُ لَنَا
نَغْتَالُهُ بِنَجَائبٍ صُعْرِ
عُوجٍ نَوَاجٍ يَعْتَلِينَ بِنَا
يُعْفَين دًونَ النَّصِّ والزَّجْرِ(7/321)
مُسْتَقْبِلاتٍ كُلَّ هَاجِرَةٍ
يَنْفُخْنَ فِي حَلَقٍ مِنَ الصُّفْرِ
وَمُنَاخُهَا في كلِّ مَنْزِلَةٍ
كَمَبِيتِ جُونيِّ القَطَا الكُدْرِ
وَسَمَا عَلى عُودٍ فَعَارَضَنَا
حِرْبَاؤُهَا أَوْ هَمَّ بِالخَطْرِ
وَتَكَلُّفِي اليَوْمَ الطَّويلَ وَقَدْ
صَرَّتْ جَنَادِبُهُ مِنَ الظُّهْرِ
... ومن الواضح أن حساناً قد ضمن لوحة الطيف في هذه المقدمة معظم العناصر التقليدية التي ذكرها الشريف الرضي، والدكتور خليف والدكتور عطوان لتلك اللوحة، ولكن على نحو من الإيجاز والتكثيف.
... وبقدر ما أوجز في لوحة الطيف أسهب في لوحة الرحلة، فأفاض في وصف طولها، وما لحق المطايا من أين وكلال؛ وأفاض في وصف ظواهر الطبيعة القاسية ليصل بالرحلة إلى أقصى غاية من الصعوبة، وليضاعف شحنة الاستغراب من قدرة الطيف على قطع المسافات التي قطعها الشاعر وصحبه، وهو الضعيف الذي ليس في قدرته ذلك.
الصورة الثامنة: مقدمة وصف الليل والظُّعن
... تتضافر على تكوين هذه الصورة من صور مقدمات حسان الجاهلية لوحتان، هما: لوحة وصف الليل، ولوحة الظعن.
... ومقدمة وصف الليل من المقدمات القليلة ((التي لم يحرص الشعراء على افتتاح قصائدهم بها كثيراً)) (120) .
... وقد افتتح حسان بهذه الصورة قصيدته البائية التي مطلعها (121) :
تَطَاولَ بالخَمَّانِ لَيْلِي فَلَمْ تَكَدْ
تَهُمُّ هَوَادِي نَجْمِهِ أَنْ تَصَوَّبَا(7/322)
فاستهلها بلوحة وصف الليل، وفيها يشكو من هم ثقيل يلقي عليه بجرانه، ويجثم على صدره، فيجعله يحس بأن الليل بالخمان أطول مما عهده بكثير، فيحاول أن يقطعه بمراقبة النجوم، والتلهي بعدها، ومتابعة حركتها، حتى لكأنه موكل بها؛ أو كأنما قطع على نفسه عهداً بألا يخلد إلى النوم حتى يتأكد من غياب آخر نجم منها. وقد أبت تلك النجوم الحركة، حتى إن أوائلها لا تغيب أبداً، فضلاً عن أواخرها. وها هو ذا يراقب حركتها البطيئة، وقد جفا النوم عينيه، ويتابعها نجما نجما، فيهيأ له أنها إبل مُعيِيَة يظلع بعضها في إثر بعض.
... ولا يلبث الشاعر أن يكشف عن سبب ذلك الهم الثقيل الذي يحول بينه وبين النوم، فإذا به الخوف من فراق صاحبته المفاجئ، أو مباغتة قومها له بالرحيل، يقول حسان بعد المطلع: ...
أَبيتُ أُرَاعيَها كَأَنّي مُوَكَّلٌ
بِهَا ما أُرِيدُ النَّوْمَ حتَّى تَغَيَّبَا
إِذَا غَارَ مِنْهَا كَوْكَبْ بَعْدَ كَوْكَبٍ
تُرَاقِبُ عَيْنِي آخِرَ الَّليْلِ كَوْكَبَا
غَوَائِرَ تَتْرَى من نُجُومٍ تَخَالُهَا
مَعَ الْصُّبْحِ تَتْلُوهَا زَوَاحِفَ لُغَّبَا
أَخَافُ فَجَاءَاتِ الفِراقِ ببَغْتَةٍ
وَصَرْفَ النَّوَى من أنْ تُشِتَّ وَتَشْعَبَا
وهموم حسان الثقيلة، وليله الطويل الذي لا تتحرك نجومه نحو المغيب، تذكرنا بهموم النابغة، وليله، ونجومه. في بعض مقدماته التي وصف فيها الليل.(7/323)
.. وتسلمنا لوحة وصف الليل وتداعياتها في مقدمة حسان السابقة إلى لوحة الظعن. وقد رأيناه يختم الأولى بإبداء مخاوفه من فجاءَات الفراق، وصروف النوى. فإذا به يستهل الثانية بتأكيد أن مخاوفه قد تحققت، فقد أخذ رجال الحي في تقويض الخيام، وزمّ الأمتعة، استعداداً للرحيل؛ وتعالت أصواتهم تنبئ عن وشك الفراق، وارتفع الصوت المشؤوم، صوت الغراب ينعب من على غصن شجرة بانٍ قريبة، منذراً باغتراب الأحبة وبَيْنِهِم، فأيقن الشاعر بحتمية وقوع ما كان يحذره، وعزّز ذلك في نفسه مرور الطير عن يساره، مما ضاعف تشاؤمه.
... ويكمل حسان هذه اللوحة المؤثرة بوصف أثر الفراق في نفسه، فيبين أنّ مشهد تقويض الخيام أصابه بالذهول، وجعله في حيرة تركت رأسه أشيب، ودب في نفسه صراع بين العاطفة والعقل، فقلبه يهيب به أن يمتطي ناقته، ويخف في أثرهم، وعقله يأمره بتوخي الاتزان.
... ولا يغفل الشاعر عنصر الزمن في هذه اللوحة، فيحدده بوقت الأصيل، عندما أخذت الشمس تجنح نحو المغيب، يقول حسان:
وَأَيْقَنْتُ لَمَّا قَوَّضَ الحَيُّ خَيْمَهُمْ
بِرَوْعَاتِ بَيْنٍ تَتْرُكُ الرّأْسَ أَشْيَبَا
وأِسْمَعَكَ الدَّاعِي الفَصِيحُ بِفُرْقَةٍ
وَقَدْ جَنَحَتْ شَمْسُ النَّهارِ لتَغْرُبَا
وَبيَّنَ في صَوْتِ الغُرابِ اغْتَرابُهُمْ
عَشِيَّةَ أوْفَى غُصْنَ بانٍ فَطَرَّبَا
وفي الطَّيْرِ بالعَلْيَاءِ إِذْ عَرَضَتْ لنَا
وَمَا الطَّيْرُ إِلاَّ أَنْ تَمُرَّ وَتَنْعَبَا
غَداةَ انْبَرى قَلْبي يُنَازِعُهُ الهَوَى
أنازِعُ نفْسي أنْ أقُومَ فَأرْكَبَا(7/324)
.. ومن الواضح أنّ الشاعر قد أغفل كثيراً من تقاليد مقدمة الظعن وعناصرها التي تواضع عليها من سبقوه من شعراء الجاهلية؛ فلم يصف الإبل، وما حملت من هوادج، وثياب، ولم يتحدث عن ألوانها وشياتها، كما لم يتطرق إلى الحادي والدليل، وحرّاس القافلة الأشداء، ولم يلمّ بالطريق الذي ستسلكه الظعن، وما يحفّ به من مخاطر، وما يتناثر على جانبيه من عيون مهجورة أو صالحة، كما لم يكشف عن أسباب الرحيل، ولا عن الغاية التي ستنتهي إليها الرحلة.
... وإذا كان حسان قد عدل عن كل هذه العناصر التي تُعَدُّ من مقومات مقدمة الظعن، فإنه قد أضاف عنصراً جديداً مهماً إلى تلك المقدمة، هو صورة الغراب، الذي يمثل في الوجدان العربي رمز التشاؤم، والفراق، والبين، كما أفاد من أسطورة (122) السانح والبارح التي كان يؤمن بها كثير من الجاهليين. وفي الوقت نفسه أسس للربط القوي بين لفظ (الغراب) ومعنى الاغتراب أو الغربة، وبين لفظ (البان) ومعنى البين، هذا التأسيس الذي أكثر الشعراء العرب بعده من استلهامه والنسج على منواله.
... وبهذا يكون حسان قد تطوَّر بمقدمة الظعن تطوراً ذا شأن عندما وظف بعض العناصر الأسطورية، واستعان بها في رسم جو التشاؤم والخوف محققاً بذلك تميزاً عن سابقيه، وممهداً للتوسع في ذلك عند من جاء بعده من الأمويين وسواهم، ولا سيما جرير الذي ردد هذا العنصر كثيراً في مقدمات الظعن التي استهل بها بعض قصائده.(7/325)
.. وقد عرض الدكتور حسين عطوان لمقدمة الظعن في العصر الجاهلي عند نفر من الشعراء المرموقين، مثل: المرقش، وعبيد بن الأبرص، وسلامة بن جندل، وبشر بن أبي خازم، وزهير، والممزق؛ وانتهى إلى تحديد أهم عناصرها، وأبرز مقوماتها وتقاليدها (123) . وإن لم يتعرض لأحد عناصرها المهمة، وهو غراب البين، والتشاؤم به، وتوقع الفراق، ورحيل الأحبة عند نعيبه؛ لأن العرب إنما سمّوه ((غراب البين)) ((لأنه إذا بان أهل الدار وقع في مواضع بيوتهم، يلتمس ويتقمقم، يتشاءَمون به ويتطيرون منه)) (124) كما يقول الجاحظ.
وعندما عاد الدكتور عطوان إلى الحديث عن المقدمة نفسها عند الشعراء الأمويين، وقف وقفة طويلة عند هذا العنصر ((غراب البين)) في مقدمات الظعن عند جرير الذي اتخذ الغراب رمزاً لكثير من مقومات تلك المقدمة وتقاليدها (125) . وشغل به ((لما يثيره في النفوس من الخواطر، وما يبعثه فيها من المعاني التي تتلاءَم مع مواقف التحمل ومشاهد الارتحال، فأخذ يذيعه في مقدماته، ويلح عليه مستعيضاً به عن كثير من أوصافها وتقاليدها)) (126) .
... وعندما وازن الدكتور عطوان بين الفرزدق وجرير والأخطل، فيما يتعلق بافتتاح قصائدهم بمقدمة الظعن، جعل أبرز ما يتميز به جرير في ذلك المجال ((استغلال المعاني الأسطورية التي تتصل بالغراب، والتي كانت شائعة بين العرب)) (127) .
... وحديث الدكتور عطوان في هذا الموضوع بمجمله يدل على أن مقدمات الظعن قبل العصر الأموي لم تتطرق إلى ذلك العنصر (غراب البين) ، وإن لم ينص على ذلك صراحة. والحقيقة أن دراسة مقدمات حسان الجاهلية تكشف عن أنه سبق جريراً إلى استغلال هذا العنصر الأسطوري، وتضمينه مقدماته الظعنية، كما تشهد لوحته السابقة.(7/326)
.. ولعلّ فيما يتصل بما نحن بصدده من تجديد حسان في مقدمة الظعن ما ذهب إليه الدكتور عطوان أيضاً من أن مقدمة الظعن قد ((تحولت إلى اتجاه فرعي عند الشعراء المخضرمين)) (128) . بعد أن كانت من الأشكال الأساسية للمقدمات في الجاهلية
... فقد تبين من خلال دراسة مقدمات حسان الجاهلية أن لوحة وصف الظعن تحتل المركز الثالث بين اللوحات التي شكلت مقدماته، حيث تشكل 14.28% ولها ثلاث لوحات. ولا يتقدمها سوى اللوحة الغزلية، وتحتل المركز الأول وتشكل 33.33% ولها سبع لوحات، واللوحة الطللية، التي تحتل المركز الثاني وتشكل 28.57% ولها ست لوحات، وتسبق هي لوحة الرحلة والراحلة التي تشكل 9.52% وتحتل المركز الرابع ولها لوحتان، ولوحة الطيف، والخمر، ووصف الليل، وتحتل كل منها المركز الخامس وتشكل 4.76% ولكل منها لوحة واحدة.
... والجدول الآتي يوضح ذلك:
ترتيبها
نسبتها
عدد مرات ورودها
نوع اللوحة
المركز الأول
33.33%
7
الغزلية
المركز الثاني
28.57%
6
الطللية
المركز الثالث
14.28%
3
الظعنية
المركز الرابع
9.52%
2
الرحلة والراحلة
المركز الخامس
4.76%
1
الخمرية
المركز الخامس مكرر
4.76%
1
الطيف
المركز الخامس مكرر
4.76%
1
وصف الليل
99.98%
21
المجموع
... وقد يؤكد ذلك أنّ مقدمة الظعن لم تتحول إلى اتجاه فرعي عند حسان، فلم يتقدمها سوى لوحتي الغزل والطلل، في حين تقدمت هي لوحات الرحلة والراحلة، والخمر، والطيف، ووصف الليل. هذا فضلاً عن أنها تشكل 14.28% من مجموع لوحات المقدمات في قصائد حسان الجاهلية.
... وفي ضوء هذا التحليل تظهر ضرورة إعادة النظر في حكم الدكتور عطوان السابق.
المحور الثالث: مظاهر التطور في مقدماته الجاهلية(7/327)
.. يتبين من العرض السابق أن حساناً قد تناول في مقدماته الجاهلية معظم الاتجاهات التقليدية للمقدمات، ما كان منها عاماً، أو فرعياً أو ثانوياً. ولكن من الملاحظ أنه لم يستهل أيّاً من قصائده ببكاء الشباب، أو الفروسية أو الشكوى أو الحكمة.
... كما يلاحظ أن اللوحات الغزلية في مقدماته، تفوق اللوحات الطللية عدداً، وهو في ذلك يخالف الرأي السائد الذي يذهب إلى أن المقدمة الطللية ((أكثر المقدمات انتشاراً في صدور قصائد الشعراء الجاهليين)) (129) .
... والمتأمل في المقومات والعناصر التي اشتملت عليها مقدمات حسان الجاهلية يتبين أنه قد تخلى عن بعض العناصر التقليدية تخلياً تاماً. كما يتبين أن مقدماته تتكون من: عناصر ثابتة، وعناصر متغيرة، وعناصر جديدة.
... فثمة عناصر ومقومات أبقى حسان عليها، والتزم بها في جميع مقدماته، وحافظ عليها، وحذا فيها حذو سابقيه.
وثمة عناصر لم يلتزم بها التزاماً تاماً، ولم يتخلَّ عنها تخلياً كلياً، ولكن ظهرت في بعض مقدماته، واختفت في بعضها الآخر.
... وثمة عناصر جديدة، وهي ضربان: ضرب انحرف به حسان عن مساره السابق، وضرب من ابتكار حسان وسبقه، وسألقي الضوء على كلّ من هذه الاتجاهات في مقدمات حسان الجاهلية مركّزاً على لوحاته الغزلية والطللية والظعنية، وهي اللوحات الرئيسة في مقدماته الجاهلية.
أولاً العناصر التي تخلى عنها:
... يلاحظ الدارس أن لوحات حسان الجاهلية تخلو من بعض العناصر والتقاليد التي تعد من المقومات الرئيسة للمقدمات الطللية والغزلية والظعنية، وفي ذلك دليل على رغبة حسان في التخلص من بعض قيودها الموروثة.
... فلوحاته الطللية تخلو من استيقاف الصحب، ومن ظهور الرفيقين معه على المسرح الطللي، يخاطبهما ويطلب إليهما إسعاده بالبكاء. كما تخلو من وصف ما حل بالأطلال من حيوانات برية كالظباء، والنعام، وبقر الوحش وحمره وأتنه.(7/328)
.. وهو لا يذكر ما ذرته الرياح على الطلل من رمال كما استقر في العرف الجاهلي، وبالتالي تخلو لوحاته الطللية من تشبيه الرمال التي تسفيها الرياح بالدقيق المتناثر أو خلافه، وهو تشبيه لا يكاد يغيب عن لوحة الطلل في المقدمات الجاهلية التقليدية. وفي اللوحة الوحيدة التي ذكر فيها الرياح لم يعرض للرمال التي تسفيها وإنما عرض لأوراق الشجر اليابسة التي تعصف بها،
فقال (130) :
تَعِلُّ رِيَاحُ الصَّيْفِ بَالي هَشِيمِهِ ... عَلَى مَاثِلٍ كَالحَوْضِ عَافٍ مُثّلَّمِ
ويكاد حسان أن يتخلى عن عنصر مهم آخر، بل مقوم رئيس من مقومات المقدمة الطللية، وهو البكاء على الطلل، فلم يقف حسان بالطلل باكياً إلا في لوحة واحدة، وبكاؤه لم يكن على أحبته الظاعنين، بل على أمجاد الغساسنة وعزِّهم.
... وكان الدكتور يوسف خليف قد لاحظ اختفاء عنصر البكاء على الأطلال في مقدمات زهير ومدرسته، وأن زهيراً ((يقف بالأطلال هادئاً رزيناً، يرى الحب وفاءً صامتاً، وأحزاناً تطويها الأعماق، لا دموعاً تفيض من العينين حتى تبلّ محامل السيف)) (131) . كما هو شأن امرئ القيس.
... ومعنى ذلك أن حساناً قد سار على نهج زهير ومدرسته لافي التخلي عن البكاء فحسب، بل في اختفاء الرفيقين عن مسرح الطلل. بل تجاوز زهيراً ومدرسته فتخلى عن استيقاف الصحب، ووصف ما حل بالأطلال من حيوانات الصحراء، وعن ذكر ما ذرته الرياح على الطلل من رمال.(7/329)
.. وتخلو لوحاته الغزلية من وصف مشاهد الوداع والرحيل، وما تثيره في نفس الشاعر من حزن ولوعة، وحنين وأسى، كما تخلو مما نجده عند سابقيه من حرص على تبيان محاسن صواحبهم، وتتبعها غير تاركين شيئاً منها. فحسان كما يبدو في لوحاته الغزلية ليس من شعراء الغزل الذين يشفُّهم الهوى، فيذوبون شوقاً ولوعة. وربما يؤيد سائر شعره ما نذهب إليه، فهو يكثر من الفخر بقومه وبنفسه أمام المرأة، بل يصرح بأنه لن يخاطر أو يغامر في سبيل زيارتها إذا ما نأت دارها، وشط مزارها، ويعلن أنه سيكتفي بنظم الشعر وإهدائه لها، وينتظر لقاءَها في الموسم القادم. انظر إلى قوله: (132)
سَأُهْدِي إِلَيْها كُلَّ عَامٍ قَصِيدَةً
وَأَقْعد مَكْفِيَّاً بِيَثْرِبَ مُكْرَمَا
ثانياً العناصر الثابتة:
... وهي العناصر التي تشبث بها حسان، فظهرت في جميع لوحاته، وهي قليلة إذا ما قيست بالعناصر المتغيرة. وقد يحمل هذا إشارة أخرى لنزوع حسان إلى التحرر من المقومات الموروثة للمقدمة التقليدية. والعناصر الثابتة في لوحات حسان الطللية ثلاثة، هي: مساءَلة الطلل عن أهله الراحلين، واسترجاع ذكرياته به، ووصف ما يحف به من وحشة وإقفار.
... وأما لوحاته الغزلية، فهو لم يتمسك فيها إلا بعنصر ثابت واحد، وهو الحديث عن عواطفه، وما يحس به من وجد، وسهد، وحنين تجاه صاحبته. وتمسكه بهذا العنصر ليس تاماً. فهو في لوحته الغزلية التي تضمنتها مقدمة قصيدته النونية، التي مطلعها: (133) .
لِمَنِ الدَّارُ أَوْحَشَتْ بِمَعَانِ
بَيْنَ أَعْلَى اليَرْموكِ فَالخَمَّانِ
لم يكشف عن شيء من عواطفه.
... وليس في لوحاته الظعْنيَّة أيّ عنصر ثابت. وأما لوحته الخمرية فيحتفظ فيها بصورة الساقي الرشيق، فحسب. وأما في لوحة الطيف فيتمسك بقدر أكبر من العناصر الموروثة، مثل: التعجب من اهتداء الطيف إليه، وقطع المفاوز المهلكة، وزيارته في صحراء نائية.(7/330)
ثالثاً العناصر المتغيرة:
... وهي العناصر التي تظهر في بعض لوحاته، وتختفي في بعضها الآخر، تبعاً لعوامل لا يمكن حصرها؛ أو الوقوف عليها؛ وفي مقدمتها الحالة النفسية والتجربة الشعرية، والموقف الانفعالي أو الشعوري الذي يعيشه الشاعر عند نظم قصيدته، وطبيعة الشاعر الفنية. ومن هنا كان من الطبعي أن تختلف هذه العناصر من شاعر لآخر، ومن قصيدة لأخرى عند الشاعر نفسه، في التفاصيل والجزئيات، وحضور بعض العناصر وغيابها، ((وهو اختلاف لا بد منه في الأعمال الفنية، وإلا فقدت هذه الأعمال أهم عنصر فيها وهو التعبير عن الشخصية)) (134) .
... والعناصر المتغيرة في لوحات حسان الطللية كثيرة، هي: ذكر أسماء المواضع، والعطف بينها بالفاء، وتحديد مكان الطلل، وذكر ما تبقى من آثار الديار، وما غيرها من عوامل الطبيعة، أو تقادم الزمن، وتشبيه بقاياها بالثوب الموشى أو الوشم أو آثار الكتابة المطموسة أو غير ذلك، وتشبيه الأثافي بالحمائم الجثم، أو الملتفة حول فرخ لها.
... وهي في لوحاته الغزلية التغني بجمال المرأة الحسي أو المعنوي أو بهما معاً، واسترجاع ذكرياته معها، والتحسر على أيامه الماضية، فضلاً عن التصريح بذكر اسمها.
... وفي لوحة الظعن، وصف الاستعداد للرحيل، ووصف الإبل وهوادجها، والطريق الذي سلكته القافلة، وما يحف به من مخاطر، وما تناثر على جانبيه من رمال وعيون، وذكر المكان الذي انتهت إليه رحلة الظعائَن، وسبب الرحيل، والحديث عن غراب البين، رمز التشاؤم.
رابعاً العناصر الجديدة في مقدمات حسان:
... لم يقتصر نزوع حسان إلى التحرر من قيود المقدمة التقليدية على التخلي عن بعض مقوماتها، بل تعداه إلى محاولات تجديدية تتمثل في إضافة عناصر جديدة إلى تلك المقدمة، أو الانحراف بالعناصر التقليدية الموروثة إلى عناصر يستوحي فيها حياته الخاصة، وتجاربه الذاتية.(7/331)
.. وكانت مقدمة القصيدة قد انتهت إلى حسان وطبقته وهي تحمل كثيراً من بصمات مدرسة الصنعة وطوابعها التي تتمثل في عدد من التقاليد، من: ((عناية بالتفاصيل والجزئيات، وجنوح إلى التعبير بالصورة، وحرص على استكمال عناصرها، وخطوطها، وألوانها، ووضع اللمسات الفنية الأخيرة عليها، واهتمام بانتقاء الألفاظ واختيارها، وإحكام لصياغة العبارات، وبراعة في توليد المعاني الدقيقة، والغوص خلف الأفكار العميقة)) (135) .
... والمتأمل في مقدمات حسان الجاهلية يجد أنه لم يحرص على هذا الإرث الفني، بل تمرد عليه، في أكثر مقدماته؛ فمال إلى التركيز والتكثيف بدل العناية بالجزئيات والتفاصيل، والألوان، والظلال. ويبدو ذلك واضحاً في قصيدته اللامية التي مطلعها: (136) .
أَسَأَلْتَ رَسْمَ الدَّارِ أَمْ لَمْ تَسْأَلِ
بَيْن الجَوَابِي فَالبُضَيعِِ فَحَوْمَلِ
وربما تبدو هذه الظاهرة أوضح ما تبدو (137) في قصيدته العينية التي مطلعها (138) :
بَانَتْ لَمِيْسُ بِحَبْلٍ مِنْكَ أَقْطَاعِ
واحْتَلَّتِ الغَمْرَ تَرْعَى دَارَ أشْرَاعِ
كما تظهر بوضوح في لوحة الطلل من مقدمة قصيدته الميمية المقيدة التي مطلعها: (139) .
مَا هَاجَ حَسَّانَ رُسُومُ المَقَامْ
وَمَظْعَنُ الحَيِّ وَمَبْنَى الخِيَامْ
حيث تصل هذه الظاهرة إلى أوجها.
... ويلمس المتأمل في مقدمات حسان الجاهلية ميل حسان الواضح إلى الاقتصاد في التعبير بالصورة الشعرية في أكثر مقدماته، حتى ليمكن القول إن ذلك من الملامح المميزة للمقدمة عنده، بخلاف زهير ومدرسته. وتكفي هنا الإشارة إلى قصائده: الميمية، واللامية، والطائية، حيث جرى الحديث بالتفصيل عن ذلك في أثناء عرض صور مقدماته.(7/332)
ويجد الدارس فضلاً عن ذلك كثيراً من مظاهر الجدة في مقدمات حسان الجاهلية إذا ما قيست عناصرها ومقوماتها بتلك التي كانت سائدة في مقدمات سابقيه. كما يجد مظاهر أخرى للانحراف ببعض عناصر المقدمة ومقوماتها نحو التعبير عن معان وأحوال تتصل بحياة حسان، وظروفه، وتجاربه الذاتية، منها:
أولاً: إكثاره من ذكر أماكن تقع خارج الجزيرة العربية. فقد ردد حسان في مقدماته كثيراً ذكر مواضع تقع في ديار الغساسنة، كالذي يجده القارئ في قصائده: اللامية (140) ، والنونية (141) ، والدالية (142) .
ثانياً: تعبيره عن الإعجاب بأمجاد الغساسنة وعزّهم، في مواضع كان سابقوه يعبرون فيها عن أشواقهم، وصبواتهم إلى المرأة، كما نجد في لوحته الطللية التي افتتح بها قصيدته النونية.
ثالثاً: قد لا يثير وقوفه بالأطلال في نفسه صورة الظعن ومراكب النساء، وإنما يدفعه إلى استعادة صورة قنابل الخيل، وكرائم الإبل عند الغساسنة، كما في قصيدته النونية سالفة الذكر.
رابعاً: لا يذكر حسان في بعض لوحاته الطللية الأحبة الظاعنين، ولا يستعيد ذكريات الحب، أو يشكو تباريح الهوى، وإنما يستعيد ذكرياته في ديار الغساسنة، ويشيد بسالف عزّهم، كما في قصيدته اللامية.
خامساً: قد ينحرف حسان في بكائه عن نهج السابقين، فلا يبكي الأحبة الغائبين، بل يبكي قومه الغساسنة. انظر إليه يقول: (143)
فَالعَيْنُ عَانِيةٌ تَفِيضُ دُمُوعُهَا
لِمَنازِلٍ دَرَسَتْ كَأَنْ لَمْ تُوءَلِ
دَارٌ لِقَوْمٍ قَدْ أَرَاهُمْ مَرَّةً
فَوْقَ الأَعِزَّةِ عِزُّهُمْ لَمْ يُنْقَلِ
سادساً: سبق الحديث عن تخلي حسان عن فكرة الرفيقين في لوحاته الطللية. ولكننا نجده يخاطب شخصين في مقدمة قصيدته الطائية،
فيقول (144) :
بَلِّغَاهَا بِأَنَّنِي خَيْرُ رَاعٍ
لِلَّذِي حَمَّلَتْ بِغَيْرِ افْتِراطِ(7/333)
والمخاطبان هنا ليسا الرفيقين التقليديين اللذين يظهران عادة في مسرح الطلل وإنما شخصان عاديّان يطلب إليهما الشاعر أن يبلغا رسالة عنه، وواضح أنه انحرف بفكرة الرفيقين هنا عن خطها السابق.
سابعاً: لا يبدي حسان في لوحاته الغزلية تهافتاً على المرأة، فهو لا يخاطر بنفسه أو يتجشم الصعاب في سبيل الوصول إليها، كما نجد عند كثير من شعراء الجاهلية، وإنما يتسامى بمشاعره أحياناً فيجعل التعبير الفني عنها بديلاً عن محاولة إشباعها، ويمثل ذلك قوله في ختام مقدمة قصيدته الميمية (145) :
سَأُهْدِي لَهَا فِي كُلَّ عامٍ قَصِيدَةً
وَأَقْعُدُ مَكْفِيّاً بِيَثْرِبَ مُكْرَمَا
ثامناً: ومن الجديد في لوحات حسان الغزلية التي تتضمنها مقدماته الجاهلية أنه يصف الجواري والولائد اللاتي كان يشاهدهن في بلاط الغساسنة أو في ديارهم، في أثناء زياراته لهم؛ فيثرن إعجابه، كالذي نقرأه في لوحته الغزلية التي تضمنتها قصيدته النونية، من قوله (146) :
قَدْ دَنَا الفِصْحُ فَالوَلاَئُدُ يَنْظِمْنَ
(م)
قُعُودَاً أَكِلَّةَ المَرْجَانِ
ومما يحمل بعض ملامح الجدة في تلك اللوحة أن حسان لم يتغن فيها بجمال المرأة الجسدي أو النفسي، كما هو الحال في المقدمات الغزلية عند الجاهليين، وإنما عبر عن انبهاره بالمرأة الحضرية، وأدوات زينتها، وعطورها، ولباسها، وهو انبهار حدا به إلى تفضيل المرأة الحضرية على البدوية. يقول:
يَجْتَنِينَ الجَادِيَّ في نُقُبِ الرَّيْطِ
(م)
عَلَيْهَا مَجَاسِدُ الكَتَّانِ
لَمْ يُعَلَّلْنَ بِالمَغَافِرِ والصَّمْغِ
(م)
ولا نَقْفِ حَنْظَلِ الشَّرْيَانِ(7/334)
تاسعاً: ولعل من الجديد الذي رصده البحث في لوحات حسان الغزلية مزج مشاعره وموصوفاته ببعض عناصر الطبيعة، أو اتخاذ الطبيعة خلفية لبعض المواقف، كما في لوحته الغزلية التي تضمنتها قصيدته الدالية، حيث يختار لصاحبته (شعثاء) عندما يستعيد ذكراها وقتاً تلبس فيه الطبيعة أزهى حللها، يقول (147) :
تَذَكُّرُ شَعْثَاءَ بَعْدَ الكَرَى
وَمُلْقَى عِرَاصٍ وَأَوْتَادَهَا
إِذَا لَجِبٌ منْ سَحَابِ الرَّبيعِ
مَرَّ بِسَاحَتِها جَادَهَا
... ويرسم لوجهها صورة لا أبهى ولا أجمل، صورة وجه الغزال الذي غذي بأطيب نبات، وأينعه، ورعى الأماكن التي لا تطؤها الأقدام، فيقول:
وَوَجْهَاً كَوَجْهِ الغَزَالِ الرَّبِيبِ
يَقْرُو تِلاعاً وأَسْنَادَهَا
فَأَوَّبَهُ اللَّيْلَ شَطْرَ العَضَاهِ
يَخَافُ جَهَامَاً وَصُرَّادَها
عاشراً: ومن أهم ملامح الجدّة في لوحات حسان الظعنية استغلاله لبعض العناصر الأسطورية في الحياة الجاهلية، مثل: الغراب، والسانح، والبارح، في رسم جو الحزن والتشاؤم الذي يصاحب استعداد أحبته للرحيل، كما يبدو في قصيدته البائية،حيث يقول (148) :
وَبَيَّنَ فِي صَوْتِ الغُرَابِ اغْتَرابُهُمْ
عَشِيَّةَ أَوْفَى غُصْنَ بَانٍ فَطَرَّبَا
وَفِي الطَّيْرِ بِالعَلْيَاءِ إِذْ عَرضَتْ لَنَا
وَمَا الطَّيْرُ إِلاَّ أَنْ تَمُرَّ وَتَنْعَبَا
... مما يجعله سابقاً لجرير وسواه من الأمويين والعباسيين الذين توسعوا في استغلال تلك العناصر.
حادي عشر: ومن تلك الملامح الجديدة أن عبارة (دع ذا) في شعر حسان قد لا تعني أنه فرغ من المقدمة، ودلف إلى غرض القصيدة، كما هو الشأن عند شعراء الجاهلية؛ بل تعني أنه فرغ من لوحة من لوحات مقدمته ليشرع في لوحة أخرى؛ كما يجد من يتأمل مقدمة قصيدته الميمية التي افتتحها بقوله (149) :
مَا هَاجَ حَسَّانَ رُسُومُ المَقَامْ
وَمَظْعَنُ الحَيِّ وَمَبْنَى الخِيَامْ(7/335)
.. هذه بعض ملامح الجدة التي رصدها البحث في مقدمات حسان. ولعل محمد بن سلام الجمحي قد نظر إليها، وإلى ما تخلى عنه حسان وسواه من شعراء الحواضر العربية؛ عندما أطلق عليهم لقب (شعراء القرى العربية) ، ليميزهم من شعراء البوادي الذين التزموا تلك المقومات، وتقيدوا بها، ولم يخرجوا عنها.
... وفي ضوء ذلك يظهر عدم وجاهة النقد الذي وجهه الدكتور حسين عطوان لابن سلام، حين قال منكراً عليه صنيعه هذا: ((ولسنا ندري لماذا أفرد ابن سلام بابا خاصاً بشعراء القرى العربية: مكة، والمدينة، والطائف، والبحرين، واليمامة، مع أنه لم يستخرج من أشعارهم خصائص فنية معينة تميزهم من شعراء البوادي، ولا نصّ على الدافع الذي حمله على ذلك سوى ملاحظته أنّ الشعر يكثر في البوادي، ويقل في الحواضر)) (150) .
... فالنظرة العميقة المتأنية إلى مقدمات حسان الجاهلية تكشف دون شك عن خصائص غير التفاوت في كثرة الشعر وقلته، ميزت شعر حسان من شعر سواه من شعراء البوادي، وتبين أن في مقدماته الجاهلية ملامح جديرة بالالتفات إليها، والوقوف عندها.
الحواشي والتعليقات
(1) انظر: الروض الأنف في تفسير ما اشتمل عليه حديث السيرة النبوية، السهيلي 2/280 وقد شكك السهيلي رحمه الله في البيت السابع وهو:
... ... على أنيابها أو طعم عض ... من التفاح هصّره اجتناء ...
... وبنى شكه على أساس فني حيث قال: ((والبيت موضوع لأنه لا يشبه شعر حسان ولا لفظه)) . وقد آثرت أن أستبعد من البحث كل ما تطرق إليه الشك.
(2) انظر: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تح محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت 1/188 189.
(3) المصدر السابق 1/231.
(4) هي عمرة بنت خالد بن عطية بن حبيب بن عمرو بن عوف الأوسية. انظر: ديوان حسان تح حنفي ص:191.(7/336)
(5) ديوانه تح حنفي ص: 191 وتح عرفات 1/307 وأراد يدهن القلب فأدخل اللام والصرم: الهجر، وابتكر: عجّل، والإدهان: الخضوع، والمصانعة، والحصر: الضيق.
(6) المصدر السابق.
(7) انظر: الأغاني 2/160 161 وانظر ديوان حسان تح عرفات 1/230 331.
(8) ديوان حسان تح حنفي ص: 194 وتح عرفات 1/230.
(9) المصدر السابق تح حنفي ص: 131 وتح عرفات 1/25.
(10) السابق.
(11) السابق.
(12) هو صيفي بن عامر الأسلت، ويكنى أبا قيس، كان قائد الأوس يوم بعاث، لم يدخل الإسلام، وكان شاعراً مجيداً. انظر: تاريخ التراث العربي، لسزكين، م2 ج2 ص 307.
(13) البويلة: موضع بالمدينة التقى فيه الأوس والخزرج فاقتتلوا قتالاً شديداً، فكانت الدائرة فيه على الأوس، فقال حسان القصيدة: انظر ديوانه تح عرفات 1/243.
(14) ديوان حسان تح حنفي، ص: 319 ود. عرفات 1/243 وأراد بالرسول: الرسالة. أي إذا ألقى إليه أبو قيس سمعه يبين له ما فيه.
(15) العمدة 1/231.
(16) المصدر السابق.
(17) نفسه 2/151.
(18) هو هشام بن محمد بن السائب بن بشر عالم بالنسب وأخبار العرب وأيامها ومثالبها ووقائعها أخذ عن أبيه وعن جماعة من الرواة، وله كتب مصنفة، توفي سنة 206هـ. الفهرست ص: 140.
(19) هو دريد بن معاوية (الصمة) كان سيد بني جشم بن معاوية (هوازن) وكان من ألد أعداء النبي e، قتل يوم حنين ورثته أخته عمرة، ويعد في الشعراء المعمرين. انظر الشعر والشعراء، لابن قتيبة ص 470 473، تاريخ التراث العربي فؤاد سزكين، م2، ج2، ص: 273، وتاريخ الأدب العربي، فروخ 1/231.
(20) العمدة 2/151.
(21) المصدر السابق.
(22) يوسف خليف، دراسات في الشعر الجاهلي، ص: 120.
(23) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص:109.
(24) مختار الشعر الجاهلي، مصطفى السقا، طبع مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط2 1948 ص: 176.(7/337)
(25) انظر: ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، دار المعارف ط6، ص: 586، 588.
(26) انظر: جمهرة أشعار العرب، طبع بيروت سنة 1963م ص 112.
(27) مقدمة الققصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 109.
(28) المرجع السابق.
(29) نفسه.
(30) نفسه.
(31) العمدة 1/231.
(32) الشعر الجاهلي مادته الفكرية وطبيعته الفنية، نشر مكتبة الشباب، القاهرة ص: 351.
(33) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 109.
(34) السابق.
(35) طبقات فحول الشعراء تح محمود شاكر، مطبعة المدني، ص: 25.
(36) المصدر السابق، ص: 25 والخصائص لابن جني طبع دار الكتب ص: 386.
(37) انظر: علي الجندي: تاريخ الأدب الجاهلي، ط2 1966م مكتبة الجامعة العربية، بيروت ج 1 ص: 34، وشوقي ضيف، العصر الجاهلي، ص: 178.
(38) ناصر الدين الأسد، ص: 586.
(39) انظر: ناصر الدين الأسد، ص: 587 وقد نقل ذلك عن سركيس في معجم المطبوعات.
(40) انظر تفاصيل ذلك الخلاف في مصادر الشعر الجاهلي، ص: 585، 586، 587.
(41) المرجع السابق، ص: 585، 586.
(42) المرجع السابق ص: 585، 586، 587 وعلي الجندي، 1/234.
(43) السابق، ص: 585.
(44) السابق، ص 586.
(45) السابق، ص: 585.
(46) نفسه، ص: 587 وانظر علي الجندي 2/234.
(47) نفسه، ص: 586.
(48) نفسه.
(49) نفسه، ص: 584.
(50) نفسه.
(51) انظر: علي الجندي، ص: 232.
(52) ابن النديم، الفهرست، ص: 82.
(53) أبو الطيب اللغوي، مراتب النحويين، ص: 49.
(54) ابن جني، الخصائص، ط الهلال 1913، ص: 3/311.
(55) انظر: عطوان، مقدمة القصيدة العربية في العصر الأموي، ص: 96.
(56) هي القصائد ذوات الأرقام: 71، 228، 70، 56، 39، 29، 10 من تحقيق حنفي و23، 150، 10، 18، 136، 4، 26 من تحقيق عرفات.(7/338)
(57) هي القصيدة رقم 72 من تح حنفي و8 من تح عرفات.
(58) هي القصيدة رقم 7 من تح حنفي و3 من تح عرفات.
(59) هي القصيدة رقم 218 من تح حنفي و 123 من تح عرفات.
(60) هي القصيدة رقم 38 من تح حنفي و 27 من تح غرفات.
(61) 23.8 على وجه التحديد.
(62) 24.63 على وجه التحديد.
(63) خطمة (بفتح أوله، وسكون ثانيه) موضع في أعلى المدينة. ويوم خطمة من أيام الأوس والخزرج قتل فيه حصين بن الأسلت. انظر: ديوان حسان تح حنفي ص: 332 وتح عرفات 1/300 ومعجم البلدان تح فريد الجندي ج2 ص 433.
(64) سبق التعريف به.
(65) ديوان حسان تح حنفي ص: 332 والمفضليات، تح أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، الطبعة السابعة، ص: 284.
(66) ديوان حسان تح حنفي، ص: 335.
(67) هذه العبارة سبقت أغلب تلك القصائد في تح حنفي.
(68) هذه العبارة سبقت أغلب تلك القصائد في تح عرفات.
(69) وردت هذه العبارة في التمهيد للقصيدة رقم29تح حنفي، وفي التمهيد للقصيدة رقم 4 في تح عرفات.
(70) ديوان حسان تح حنفي ص: 322 وتح عرفات 1/255.
(71) المصدر السابق تح حنفي، ص: 335 وتح عرفات 1/302.
(72) يوسف خليف، دراسات في الشعر الجاهلي، ص: 144.
(73) المرجع السابق، ص: 123.
(74) حسين عطوان، مقدمة القصيدة العربية في الشعر الجاهلي، دار المعارف بمصر، 1970م ص: 117.
(75) طبقات الشعراء، مطبعة بريل، ليدن 1913م، ص: 52.
(76) عطوان، ص: 116.
(77) خليف، دراسات، ص: 125.
(78) ديوان حسان تح حنفي، ص: 121 وتح عرفات 1/74.
... الجابية (بكسر الباء وياء مخففة) : قرية من أعمال دمشق من عمل الجيدور من ناحية الجوْلان قرب مرج الصفَّر في شمالي حوران. معجم البلدان 2/106.
... والبُضيع (مصغر، ويروى بالفتح في هذا البيت) : جبل بالشام أسود معجم البلدان 1/525.
... وحومل (بالفتح) : موضع. معجم البلدان 2/373.(7/339)
.. ومرج الصُفَّر (بالضم وتشديد الفاء) : بدمشق، أو على أربعة فراسخ منها.
... معجم البلدان 5/118 وديوان حسان تح عرفات 2/74.
... جاسم: قرية بطرف الجوْلان، بينها وبين دمشق ثمانية فراسخ على يمين الطريق إلى طبرية. معجم البلدان 2/109.
... وتبنى (بالضم ثم السكون وفتح النون والقصر) : بلدة بحوران من أعمال دمشق. معجم البلدان 2/16.
... والمدجنات: الأمطار الغزيرة. والعانية: سائلة بالدمع.
(79) خليف، ص: 133.
(80) ديوان حسان تح حنفي، ص: 167 وتح عرفات 1/91
... وبواط (بالضم وآخره طاء مهملة: جبل من جبال جهينة بناحية رضوى. معجم البلدان 1/596 وفي ديوان حسان تح حنفي ص 168 موضع والغطاط: ضرب من القطا شبه الأثافي بها.والألوف: جمع إلف وهو الأليف. وابن عمرو: يعني نفسه نسبها إلى جده الرابع، فهو حسان بن ثابت بن ... المنذر بن حرام بن عمرو. انظر: ديوان حسان تح حنفي، ص: 61 والشَّطاط: البعد، واللجاج: الخصومة. والافتراط: التضييع والتفريط.
(81) خليف، ص: 111.
(82) عطوان، مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 136.
(83) خليف، ص: 147.
(84) عطوان، مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 136.
(85) ديوان حسان، تح حنفي ص 102 وتح عرفات 1/113. وملقى عراص وأوتادها أي الموضع الذي كانوا ينزلونه ويعترضون فيه. والمغدودن: الشعر الكثير الطويل، وتنوء: تنهض، وآدها: أثقلها.
... والتلاع: مسايل الماء إلى الأودية، وأسناد الجبل: ما قابلك منه واحدها سند. والعضاه: كل شجرة ذات شوك فهي عضة، وشطرها: نحوها. والصّراد: السحاب الذي لا ماء فيه يكون مع شدة برد الريح.
(86) المصدر السابق تح حنفي، ص: 335 وتح عرفات 1/302(7/340)
.. وأقطاع: منقطع. والغمر: اسم لمياه عديدة، والماء الكثير. ودار أشراع من شرع الوارد إذ تناول الماء بلا ضم. والإمراع: الخصب. والغروب: الدلاء العظيمة، وإتراع: امتلاء.
(87) خليف، ص: 124 125.
(88) عطوان، مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص 123.
(89) خليف، ص: 125.
(90) ديوان حسان، تح حنفي، ص: 180 وتح عرفات 1/62 والخياعيل واحدها خيعل. والخيعل والخيلع واحد وهو: ثوب يجاب وسطه شبيه بالإتب أو البقير. أو قميص بلا كمين تلبسه النساء، أو برد يشق ويلبس بلا كمين، وهو الرهط. والسابري: منسوب إلى سابور. ومرسم: معلم، وريْط: جمع ريْطة وهي كل ملاءَة غير ذات لفقين كلها نسج واحد، وقطعة واحدة. أو كل ثوب لين رقيق. ومباديه: ظواهره. والركد: أراد الأثافي. والشجيج: أراد الوتد. والسحيق: الثوب الخلق. والمنمنم: المزخرف. الهشيم: ما جف من الشجر. والماثل: أراد النؤى الدارس والجون: السحاب ... الأسود، والساري: الماطر ليلاً، والوابل: أشد المطر وقعاً وأعظمه قطراً. والمتهزم المتشقق بالماء. الودق: المطر، والمنبجس: المتفجر، وتزجيه: تسوقه. وضعيف العرى: سريع الصب، وبركه: صدره. والداني: الثقيل. والمسف من ثقله. والأكظم: الممتلئ. والأسحم: الأسود. والكاشح: المتولى عنك بوده. الرث: البالي. المتجذم: المتقطع. كظَّ: امتلأ حتى ضاق. والنث: نشر الحديث وإذاعته، ومرجم: غير يقين.(7/341)
(91) المصدر السابق، تح حنفي ص: 322 وتح عرفات 1/255 ومعان، (بالفتح وآخره نون) : مدينة في طرف الشام، تلقاء الحجاز، من نواحي البلقاء، معجم البلدان 5/179 ويرموك واد بناحية الشام من طرف الغور، كانت به المعركة المشهورة بين المسلمين والروم، معجم البلدان 5/497 والخمان (بفتح أوله وتشديد ثانيه) : من ناحية البثنية من أرض الشام. معجم البلدان 2/444 وبلاس (بالفتح والسين المهملة) : بلد بينه وبين دمشق عشرة أميال. معجم البلدان 1/564.
... وداريّا: قرية كبيرة مشهورة من قرى دمشق بالغوطة. معجم البلدان 2/492 وسكاّء (بفتح أوله، وتشديد ثانيه، والمد) : قرية بينها وبين دمشق أربعة أميال في الغوطة. معجم البلدان 3/259. وجاسم (بالسين المهملة) : اسم قرية بينها وبين دمشق ثمانية فراسخ على يمين الطريق الأعظم إلى طبرية. معجم البلدان 2/109 والفصح: عيد النصارى. ويجتنين: يلتقطن. والجادي: الزعفران.
... والنقب: جمع النقبة وهي: ثوب كالإزار تجعل له حجزة مطيفة من غير نيق. والمجاسد: جمع مجسد كمبرد: ثوب يلي الجسد. والمغافير: صمغ الثمام واحده مغفور، والشريان: شجر.
(92) عطوان، مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 137.
(93) ديوان حسان تح حنفي ص: 149 وتح عرفات 1/279
... وجلّق (بكسرتين وتشديد اللام وقاف) : اسم لكورة الغوطة كلها، وقيل: بل هي دمشق نفسها. وقيل جلق موضع بقرية من قرى دمشق. معجم البلدان 2/179. والبلقاء: كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى قصبتها عمان، معجم البلدان 1/580 وشعثاء هذه بنت عمرو بن ماسكة من يهود، وكانت مساكن بني ماسكة بناحية القف، وكان أبو شعثاء قد رأس اليهود التي تلي بيت التوراة، وكان ذا قدر فيهم. ديون حسان تح عرفات 2/208 والمحبس: موضع. والسند: سند الجبل سفحه. وبصرى(7/342)
(بالضم والقصر) : من أعمال دمشق وهي قصبة حوْران. معجم البلدان 1/522 والريْط: جمع الريْطة: وهي الملاءَة. والقدد: القطع واحدتها قدة. والمخيسات: الإبل ... المذللة وسربح: واسع، والجدد: المستوي.
(94) انظر: عناصر مقدمة الظعن. عطوان، مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص:137.
(95) ديوان حسان تح حنفي ص 125 وتح عرفات 1/34. والرسم ما على وجه الأرض من الآثار. والقاع: الأرض المستوية. والجزع: منعطف الوادي. وتتهم: أتى أهله تهامة وتركوه. والنقيع (بالفتح ثم الكسرة وياء ساكنة وعين مهملة) : من أودية الحجاز يدفع سيله إلى المدينة، على أربعة برد. معجم البلدان 5/348 وانظر: ديوان حسان. وتغلم (بالفتح ثم السكون وفتح اللام) : جبل، وهما تغلمان بين نخل وبين الطرف دون المدينة بمرحلة، وأفردهما للضرورة. معجم البلدان 2/41 وديوان حسان. والمراض (بفتح الميم) : واد فوق التغلمين من أرض غطفان. والمراضان واديان. معجم البلدان 5/108 والحور شدّة بياض العين في شدّة سوادها. والترب: اللدة والصديقة، النشاص: سحاب ينشأ في عرض السماء منتصباً. وإرزامة:رعده، وأعضاده: نواحيه، وتحمحمه: صوته. والمطافيل: الإبل معها أولادها أطفالاً. والرباع جمع رُبَع وهو ما نتج في الربيع. وأثجم: سال. والعقيق: وادي المدينة. والجماء: هضبة، ووئيد الرعد: شدة صوته. والقاؤه بركه: مقامه لا يبرح، وتهزمه تشققه بالماء، والبرك: الصدر: وتربان: بالقرب من العقيق، والتلعة: ... مسيل الماء إلى الوادي. والعضاه:كل شجر له شوك، الواحدة عضة. والدرقل: ضرب من الثياب.
وعسجن: مددن أعناقهن. والقطر: ضرب من برود اليمن. أو ثياب حمر. غفار: ابن مليل من كنانة. وأسلم: ابن أفصى بن حارثة من خزاعة منازلهم بتهامة وهي من ناحية اليمن.(7/343)
(96) أبو بكر محمد بن القاسم بن الأنباري:شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات تح عبد السلام هارون، ... دار المعارف بمصر، ط2، ص: 49.
(97) ديوان حسان تح حنفي، ص: 184 وتح عرفات 1/106 وأعضاد الحوض نواحيه. والنسبة إلى تهامة: تهامي وتهام بالفتح. وظبية مغزل: ذات غزال والنعف: ما انحط من الارتفاع، وارتفع عن الانحطاط. وبرام (بكسر أوله وفتحه) : جبل في بلاد بني سليم عند الحرّة من ناحية البقيع. معجم البلدان 1/436. وتزجي: تسوق. وبغمت الظبية: صوتت بأرخم ما يكون صوتها. والثغب ما سال من الجبل فحفر في أصله. والرصف: الحجارة المتراصفة المتقاربة.
(98) ديوان الأعشى الكبير، ميمون بن قيس، شرح وتعليق د. محمد محمد حسين، الناشر مكتبة الآداب بالجماميز، المطبعة النموذجية ص: 293.
(99) شج: مزج، وبيت رأس: قرية بالأردن. معجم البلدان 1/616. وبرها: أراد ثمنها، ويولي: يحلف من الأليّة. الرقاق: الرمل المستوي الناعم. وبيسان (بالفتح ثم السكون وسين مهملة ونون) : مدينة بالأردن بالغور الشامي، بين حوران وفلسطين. معجم البلدان 1/625. ودرياق: شفاء. والذفريان: عن يمين النقرة وشمالها. والبرنس: قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام.
(100) انظر أسباب الشك في هذه المقدمة، في: مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي،
ص: 171.
(101) المرجع السابق.
(102) نفسه.
(103) ديوان حسان تح حنفي، ص: 186 وتح عرفات 1/106 وجسرة: ناقة ضخمة طويلة، ذات مراح: نشيطة، عقام: عقيمة، جلذية: صلبة. دفقة: واسعة الخطو. خنوف: تخنف برأسها وعنقها من النشاط. اغتلت الدابة: تجاوزت حسن السير. والاغتلاء: الإسراع. لفها: غشاها.
(104) العمدة 1/239.
(105) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 109.
(106) انظر: دراسات في الشعر الجاهلي، ص 106.
(107) المرجع السابق، ص: 117 118.(7/344)
(108) قضية عمود الشعر في النقد العربي القديم، ص: 218 219.
(109) الشعر العربي بين الجمود والتطور، ص: 38.
(110) العمدة 1/226.
(111) انظر: مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 121 126.
(112) ديوان حسان تح حنفي ص: 125 وتح عرفات 1/34.
(113) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 168.
(114) خليف، دراسات، ص: 168.
(115) انظر: مقدمة القصيدة في العصر الجاهلي، ص: 165.
(116) طيف الخيال، تح حسن كامل الصيرفي، طبع دار إحياء الكتب العربية، سنة1962م، ص: 16.
(117) خليف، ص: 168.
(118) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 168.
(119) ديوان حسان تح حنفي، ص: 187 وتح عرفات 1/52 والسفر: المسافرون. وركود النهار: طوله. ونغتاله: نقطعه. والصعر: الموائل من جذب الأزمّة. والعوج: الضمر. والنواجي:السراع. والجون من القطا: المائلة إلى السواد، والكدر: إلى الصفرة. وخطر الحرباء: تحركه.
(120) مقدمة القصيدة في العصر الجاهلي، ص: 168.
(121) ديوان حسان، تح حنفي، ص: 148 وتح عرفات 1/116. وخمان (بفتح أوله وتشديد ثانيه) : من نواحي البثينة من أرض الشام. معجم البلدان 2/444. وتترى: تتابع. جنحت: مالت. وغوائر: جمع غائر من غار النجم إذا غاب. لغب: معيبة، أعياها السير. والنعيب: صوت الغراب.
(122) استعمل الباحث لفظ (الأساطير) بمعناه اللغوي الذي حددته معاجم اللغة وهو: الأحاديث لا نظام لها جمع إسطار، وإسطير بكسرهما، وأُسطور وبالهاء في كل. كما جاء في القاموس المحيط (سطر) والأساطير: الأباطيل، وواحد الأساطير: أسطورة. لسان العرب (سطر) .
(123) انظر: مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلية، ص: 137 138.
(124) الجاحظ، الحيوان، تح عبد السلام هارون، طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر 1938م ج2 ص 315.(7/345)
(125) مقدمة القصيدة العربية في العصر الأموي، ص: 83.
(126) السابق.
(127) السابق، ص: 85.
(128) مقدمة القصيدة العربية في العصر الأموي، ص: 76.
(129) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 116.
(130) ديوان حسان تح حنفي، ص: 181 وتح عرفات 1/62.
(131) خليف، ص: 138.
(132) ديوان حسان تح حنفي، ص: 138.
(133) السابق، ص: 322.
(134) خليف، ص: 169 و125.
(135) السابق، ص: 133.
(136) ديوان حسان تح حنفي، ص: 121 وتح عرفات 1/74.
(137) سبق الحديث بالتفصيل عن ذلك في مواضعه أثناء عرض صور المقدمات.
(138) ديوان حسان تح حنفي، ص: 335 وتح عرفات 1/300.
(139) المصدر السابق تح حنفي، ص: 184 وتح عرفات 1/106.
(140) نفسه، تح حنفي، ص: 121 وتح عرفات 1/74.
(141) نفسه، تح حنفي، ص: 322 وتح عرفات 1/255.
(142) نفسه، تح حنفي، ص: 149 وتح عرفات 1/279.
(143) نفسه، تح حنفي، ص: 122 وتح عرفات 1/74.
(144) نفسه، تح حنفي، ص: 168 وتح عرفات 1/91.
(145) نفسه، تح حنفي، ص: 128 وتح عرفات 1/34.
(146) نفسه، تح حنفي، ص: 322 وتح عرفات 1/255.
(147) نفسه، تح حنفي، ص: 102 وتح عرفات 1/113.
(148) نفسه، تح حنفي، ص: 148 وتح عرفات 1/116.
(149) نفسه، تح حنفي، ص: 184 وتح عرفات 1/106.
(150) مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، ص: 116.
المصادر والمراجع
1 الأصفهاني: أبو الفرج علي بن الحسين الأموي، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب، مؤسسة جمال للطباعة والنشر، القاهرة (د. ت) .
2 الأعشى: ميمون بن قيس، ديوان الأعشى الكبير، شرح وتعليق محمد محمد حسين، نشر مكتبة الآداب بالجماميز، المطبعة النموذجية، القاهرة 1950م.
3 ابن الأنباري: أبو بكر محمد بن القاسم، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، ط2، 1969م.(7/346)
4 الجاحظ: أبو عثمان، عمرو بن بحر بن محبوب، الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفىالبابي الحلبي وأولاده بمصر، ط1، 1938م.
5 ابن جني: أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، طبع مطبعة دار الكتب المصرية، ط2، 1952م.
6 حسان بن ثابت:
ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، تحقيق وليد عرفات، نشر دار صادر، بيروت 1974م.
ديوان حسان بن ثابت، تحقيق سيد حنفي حسنين، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1983م.
7 حسين عطوان:
... مقدمة القصيدة العربية في العصر الأموي، دار المعارف بمصر، 1974م.
... مقدمة القصيدة العربية في العصر الجاهلي، دار المعارف بمصر، 1970م.
8 ابن رشيق: أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط5، 1401هـ/1981م.
9 سزكين: فؤاد، تاريخ التراث العربي، ترجمة محمود فهمي حجازي، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1403هـ /1983م.
10 ابن سلام: محمد بن سلام الجمحي:
طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة،1974م.
طبقات الشعراء، مطبعة بريل، ليدن 1913م.
11 السهيلي: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي، الروض الأنف في تفسير ما اشتمل عليه حديث السيرة النبوية لابن هشام، القاهرة، 1914م.
12 أبو الطيب اللغوي: عبد الواحد بن علي، مراتب النحويين، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، 1974م.
13 علي الجندي: تاريخ الأدب الجاهلي، مكتبة الجامعة العربية، بيروت، ط2، 1966م.
14 عمر فروخ: تاريخ الأدب العربي، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1388هـ / 1969م.(7/347)
15 الفيروزآبادي: محمد بن يعقوب بن محمد، القاموس المحيط، ترتيب الطاهر أحمد الزاوي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط3، (د. ت) .
16 القرشي: أبو زيد بن أبي الخطاب، جمهرة أشعار العرب، بولاق. (د. ت) .
17 محمد أبو الأنوار: الشعر الجاهلي مادته الفكرية وطبيعته الفنية، نشر مكتبة الشباب، القاهرة، 1936هـ /1976م.
18 المرتضى: الشريف المرتضى علي بن الحسين، طيف الخيال، طبع دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1962م.
19 مصطفى السقا: مختار الشعر الجاهلي، طبع مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط2، 1948م.
20 المفضل الضبي: المفضل بن محمد بن يعلى الضبي، المفضليات، تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، ط7، 1983م.
21 ابن قتيبة الدينوري: أبو محمد بن عبد الله بن مسلم، الشعر والشعراء، طبع ليدن 1902م.
22 محمد عبد العزيز الكفراوي: الشعر العربي بين التطور والجمود، دار القلم، بيروت (د. ت) .
23 ابن منظور: أبو الفضل، جمال الدين، محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، لسان العرب، دار صادر، بيروت (د. ت) .
24 ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، دار المعارف، ط6، 1982م.
25 ابن النديم: أبو الفرج، محمد بن إسحق بن يعقوب، الفهرست، دار المعرفة، بيروت 1398هـ /1987م.
26 ياقوت الحموي: أبو عبد الله، ياقوت بن عبد الله الرومي، معجم البلدان، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، (د. ت) .
27 يوسف خليف: دراسات في الشعر الجاهلي، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1981م.
28 وليد قصاب: قضية عمود الشعر في النقد العربي القديم، الرياض، دار العلوم1400هـ /1980م.(7/348)
عمرو بن مسعدة الصولي
(السيرة، والتراث النثري)
دراسة أدبية
د. عبد الرحمن بن عثمان بن عبد العزيز الهليّل
الأستاذ المشارك في قسم الأدب بكلية اللغة العربية
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض
ملخّص البحث
يدور البحث حول دراسة حياة عمرو بن مسعدة وكذا دراسة أدبه النثريّ، الذي حاز به قَصَب السبق في تاريخ الأمة الأدبي.
ويتكوّن هذا البحث بعد المقدمة من:
الفصل الأول: سيرة ابن مسعدة، وفيه تحدثت عن: أسرته، واسمه، ومراحل حياته، وصفاته وأخلاقه، وعقيدته، وبلاغته، ووفاته.
الفصل الثاني: تراث ابن مسعدة النثري ّ (فنونه، وخصائصه الفنية) .
مهّد الباحث لذلك بحديث موجز عن ضياع كثير من نثره، ثم تناول بالدراسة، والتحليل، والنقد الفنونَ النثرية التي كتب فيها ابن مسعدة، وهي: الرسائل بقسميها (الديوانية، والإخوانية) والحِكَم، والتوقيعات، كما تحدّث بالتفصيل أيضاً عن أبرز خصائص نثره الفنية، سواء منها ما يتعلق بالشكل، أو ما يتعلق بالمضمون. ثم ختم البحث بخاتمة ضمّنها خلاصته، وأبرز النتائج التي توصل إليها من خلاله، ومنها:
1- مكانة ابن مسعدة المرموقة بين كُتّاب عصره.
2- ضياع كثير من نثره.
3- لغته الأدبية لغة راقية، ويمثّل الإيجاز سمةً بارزة فيها.
وقد ذيّل البحث بالهوامش والتعليقات، فبثَبَت المصادر والمراجع.
• • •
المقدّمة:
الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله، وصحبه، وسلم. أما بعد:
فقد شهد العصر العباسي بمراحله المختلفة أكبر حركة أدبيّة، كان للنثر الفنّي نصيبه الواضح منها، يظهر ذلك في تنوّع فنونه، وكثرة أعلامه، وتعدّد موضوعاته، وتميّزه بسمات وخصائص فنية أهّلته لأن يكون من أرقى ما أبدعته خواطر الكتاب، وجادت به مواهبهم، وخطّته أقلامهم.(7/349)
كما يُعدّ أعلامه أساتذة لهذا الفن، ورواداً له، فأصبح ما أبدعوه مَثَلاً يُحتذى، وهدفاً يُرتجى لكل من أراد لنفسه الإبداع والتفوّق، ولنثره البقاء والخلود.
ويُعدّ عمرو بن مسعدة الصولي علماً من أعلام العصر العباسي، وبلغائه، وأستاذاً من أساتذة الكتابة الفنيّة، وأحد روّادها الأجلاء، الذين كان لهم قَصَب السبق إلى ترسّم أصولها، وقواعدها الفنيّة؛ مما جعل نثره، وما سطّره يراعه من النصوص العربية البليغة، والأساليب الفصيحة موضع تقدير، وعناية، واهتمام من لدن علماء البلاغة، وأساتذة النقد الأوائل، وقد دفعهم ذلك إلى الاستشهاد ببعض نصوصه؛ رغبة في ضرب المثل للناشئة والمتعلمين، ومن كان فوقهم بنماذج من أروع وأبلغ النصوص الأدبية النثرية.
من أجل هذه المكانة لعمرو بن مسعدة لقي شيئًا من العناية من بعض الدارسين والنقاد في عصرنا الحاضر، فقلّما نجد دراسة تناولت النثر العربي بعامة، أو النثر العباسي بخاصّة، خَلَتْ من ذِكرٍ له ولو يسير، وإشارة إلى نثره ولو عابرة.(7/350)
غير أن ذلك كله لم يفِ في نظري بحقه وهو الكاتب الذي اختصّه الخليفة المأمون (السياسي الأديب) من بين كتابه ووزرائه، فقلّده الكثير من المهام، وأناط به عدداً من الدواوين ثقة ببلاغته، وقناعة بأدبه وبَيانه، واطمئناناً إلى رجاحة عقله؛ فقد وقف كثير من تلك الدراسات عند ذِكرِه فقط، وبعضها أشار إلى حياته، وأورد بعض نثره، وحكم عليه ببعض الأحكام النقديّة غير المعلّلة، وتُعدّ دراسة الأستاذ محمد كرد علي في كتابه أمراء البيان أوفى هذه الدراسات، بل إن بعضاً مما جاء بعدها يُعدّ تابعاً لها، فهي دراسة رائدة عن هذا العَلَم من أعلام النثر الفني، غير أنها بقيت قاصرة عن الوفاء ببيان القيم والسمات الفنية لهذا النثر الذي من أجله اشتُهِر صاحبه، كما افتقدت هذه الدراسة التوثيق العلمي للنصوص التي اعتمد عليها، مما يُعدّ ضرورة في البحث العلمي بعامة وفي دراسة مثل هذه الشخصية، ونثره الذي ضاع أكثره بخاصّة.
لهذا كله توجّهت همّتي إلى دراسة هذا الموضوع ((عمرو بن مسعدة الصوليّ (السيرة، والتراث النثريّ) دراسة أدبيّة)) ،إذ لا يزال بحاجة إلى دراسة علمية مستقلة، تفصّل حياته، وتكشف عن فنون نثره وموضوعاته، وتُميط اللثام عن خصائصه وسماته الفنية، وتُبرِز أسرار تفوّقه، مما قصرت عنه تلك الدراسات، والإلماحات من لدن بعض دارسي الأدب، ونقاده، كما تضم شتات أخباره، وتلمّ ما بقي من نثره متفرقاً في المصادر، والإفادة من ذلك كله في هذه الدراسة التي أطمح أن تَفِيَ هذا الموضوع حقه من البحث العلمي الجادّ.
وقد جاء هذا البحث في فصلين:
الفصل الأول: سيرة ابن مسعدة، وفيه تحدثت عن: أسرته، واسمه، ومراحل حياته، وصفاته وأخلاقه، وعقيدته، وبلاغته، ووفاته.
أما الفصل الثاني: فهو عن تراث ابن مسعدة النثريّ (فنونه، وخصائصه الفنية) .(7/351)
وقد مهدت لذلك بحديث موجز عن ضياع كثير من نثره، ثم تناولت بالدراسة، والتحليل، والنقد الفنونَ النثرية التي كتب فيها ابن مسعدة، وهي: الرسائل بقسميها (الديوانية، والإخوانية) والحِكَم، والتوقيعات، كما تحدّثتُ بالتفصيل أيضاً عن أبرز خصائص نثره الفنية، سواء منها ما يتعلق بالشكل، أو ما يتعلق بالمضمون.
ثم ختمت البحث بخاتمة ضمّنتها خلاصته، وأبرز النتائج التي توصلت إليها من خلاله، وذيّلتُ البحث بثَبَت المصادر والمراجع.
ولست أزعم أن هذا الجهد هو آخر ما يمكن أن يُبذَل، ولكن حسبي أني بذلت كل ما في وسعي، وأرجو أن أكون قد وُفِّقتُ فيه إلى الحق، وما توفيقي إلا بالله عليه توكّلتُ وإليه أنيب.
الفصل الأول: سيرة ابن مسعدة:
أسرتُه:
أسرة بني صول من الأسر التاريخيّة المشهورة التي كان لها إسهام بارز في بناء الحضارة الإسلامية في العصر العباسي. وتنتمي هذه الأسرة إلى صول (الجد الأكبر لها) ((وكان أحد ملوك جُرْجَان، وأسلم على يد يزيد بن المهلّب بن أبي صُفْرة (1)) ) و ((انتسب إلى ولائه (2)) ) .
وكان صول هذا وفيروز ((أخوين، مَلَكا جُرْجَان، تركيان، تمجّسا، وصارا أشباه الفرس، فلما حضر يزيد بن أبي صُفرة جرجان أمّنَهُما، فلم يزل صول معه، وأسلم على يده حتى قُتِل معه يوم العَقْر (3)) ) .
وقد كان لهذه الأسرة شأن عظيم في تاريخ الدولة العباسية؛ وذلك بما قدّمته شخصياتها البارزة من جهود ومشاركات في شتى نواحي العلم والمعرفة، وفي بعض شؤون الحياة الأخرى. وكان من أشهر رجالاتها: عمرو بن مسعدة (ت:217هـ) وإبراهيم بن العباس (ت:243هـ) وأخوه عبد الله بن العباس، وأبو بكر محمد بن يحيى الصولي (ت:335هـ) وغيرهم كثير.(7/352)
وقد عقد أحد الدارسين مقارنة بين هذه الأسرة وبين أسرة البرامكة؛ لما لكل منهما من إسهامِ بارز، وشأن عظيم في تاريخ الدولة العباسية، فذكر أن ((أسرة الصوليين تشبه أسرة البرامكة في أكثر جوانب الشبه مع فروق بسيطة، ذلك أن الأسرة الأولى (ونعني بها أسرة الصوليين) تركيّة الأصل، بينما البرامكة فُرس الأصول، والأسرة الأولى غلبت عليها صفة الأدب والكتابة إذ إن جانبها الأدبي يرجح جانبها السياسي، أما الأسرة الثانية (ونعني بها البرامكة) فجانبها السياسي يرجح تاريخياً جانبها الأدبي (1) ، والأسرة الأولى كانت أسعد حظاً من حيث ختام حياة أفرادها من الأسرة الثانية التي حلّت بها النكبة المعروفة (2)) ) .
هذا بالنسبة لأسرة الصوليين بعامة، أما عائلة ابن مسعدة الخاصة فمنها أبوه مسعدة، وقد ذكر الجهشياري (ت:331هـ) ((أنه كان مولى خالد بن عبد الله القَسْري، وأنه كان يكتب لخالد، وكان بليغاً كاتباً، مات في سنة أربع عشرة ومائتين، وقيل في سنة سبع (3) [217هـ] في أيام المأمون. وكان مسعدة من كتاب خالد بن برمك، ثم كتب بعده لأبي أيوب (4) (وزير المنصور) على ديوان الرسائل (5)) ) .
ويُذكَر أيضاً أن مسعدة هذا كان من الكتاب الذين حظوا بإعجاب الخليفة المنصور، وذلك حين أمر كتابه أن يكتبوا له تعظيم (6) الإسلام، فكتب مسعدة كتاباً أجاد فيه، فقال له المنصور: ((حسبك يا مسعدة، اجعل هذا صدر الكتاب إلى أهل الجزيرة بالإعذار (7) والإنذار (8)) ) .
وكان لمسعدة هذا أربعة بنين: مجاشع، ومسعود، وعمرو، ومحمد (9) ، وكان عمرو أشهرهم بفضل بلاغته، وإجادته الكتابة في عصر حَظِي الكتاب فيه بكل احترام وتقدير من العامة والخاصة.
وأما مجاشع فقد عُرِفت عنه علاقته الحميمة مع الشاعر أبي العتاهية، فقد كان مجاشع صديقاً له، وكان يقوم بحوائجه كلها، ويخلص مودته، وفي مجاشع هذا يقول أبو العتاهية (10) :
علمتَ يا مُجاَشِعُ بن مَسْعدة(7/353)
أنّ الشبابَ والفراغَ والجِدَة
مفْسَدةٌ للمرء أيُّ مفسَدَة
وكان مجاشع هذا مع حماد عَجْرد (الشاعر) (1) على نقيض ماكان عليه مع أبي العتاهية، قال الأصبهاني ((أخبرني محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدثني عمي الفضل، عن إسحاق الموصلي: أن مجاشع بن مسعدة (أخا عمرو بن مسعدة) هجا حماد عَجْرد وهو صبيّ حينئذٍ؛ ليرتفع بهجائه حماداً، فتركه حمّاد وشبّب بأمه، فقال:
رَاعتْك أُمُّ مُجاشِعٍ
بالصّدِّ بَعْدَ وِصَالِها
واستبدلتْ بكَ والبلا
ءُ عَليكَ في استبدالِها
جِنّيّةٌ من بَربَرٍ
مشهورةٌ بجمالِها
فحرامُها أَشْهى لنا
ولها مِن اسْتِحْلالِها
فبلغ الشعر عمراً بن مسعدة، فبعث إلى حماد صِلَةٍ، وسأله الصفح عن أخيه، ونال أخاه بكل مكروه، وقال له: ثَكِلَتْكَ أمُّك، أتتعرّض لحماد وهو يناقف (2) بشاراً ويقاومه! والله لو قاومته لما كان لك في ذلك فخر، ولئن تعرّضت له ليهتكنّك وسائر أهلك، وليفضَحَنَا فضيحةً لا نغسلها أبداً (3)) ) .
وأما مسعود ومحمد فلم تسعفني المصادر التي اطلعت عليها بشيء من أخبارهما؛ ولعل ذلك راجع إلى ضعف شأنهما، وعدم خطرهما.
ولعمرو ابنٌ اسمه محمد، وقد ذكر أن أباه لم يقل من الشعر إلا بيتاً واحداً (4) .
اسمه:
هو أبو الفضل عمرو بن مسعدة بن صول بن صول، وهو ابن عم إبراهيم ابن العباس بن محمد بن صول بن صول (5) .
وفي الوفيات (6) : هو عمرو بن مسعدة بن سعيد بن صُول …
وقد ذكر الذهبي أنه عمرو بن مسعدة بن سعد بن صول… (7) .
والاختلاف بين هذه الروايات في اسم جدّه واضح، وقد وقفت عند هذه الروايات محاولاً الترجيح بينها، فلم يتوفر لديّ من الأدلة المقنعة ما يدفعني إلى ذلك.
ويقال له: الصولي نسبة إلى جدّه صول وهو جرجاني الأصل، وأصل ((صول من بعض ضِياع جرجان، ويقال لها:جُول (8)) ) .
حياته:(7/354)
لا أعلم على وجه التحديد سنة ولادة ابن مسعدة، شأننا في ذلك شأننا مع كثير من الأعلام؛ لعدم توفر المعلومات الخاصّة بهذا الموضوع، إذ يبقى الشخص كغيره من الناس مجهولاً أو مغموراً أول ما يفتح عينيه على الدنيا، ثم يعلو شأنه، وينبه أمره، فتتجه إليه الأنظار وقد تجاوز مرحلة من مراحل العمر، لم تحظ في الغالب بالاهتمام والتسجيل من لدن مؤرخي عصره، وشهوده.
كما أنني لم أقف على شيء من تفاصيل حياته المبكّرة، وعلى الرغم من ذلك فمن المرجّح أنه عاش في كنَف والده (مسعدة بن صول) الكاتب المعروف ببلاغته وقوة بيانه، وأنه حظي منه بتربية حسنة، ورعاية جيدة لمواهبه وقدراته الفنية؛ مما كان له أثر بيّن في إعداده وتهيئته؛ ليكون في قائمة كتاب الدواوين البارزين، الذين حظوا بإعجاب العامة والخاصة، وتقديرهم.
وأول ماظهر لنا ابن مسعدة في زمن البرامكة، حيث كانت لهم صولة وجولة في عهد الرشيد (170هـ=193هـ) ، قبل أن يقلب لهم ظهر المجن، فقد كان عمرو من المقرّبين لدى جعفر بن يحيى البرمكي (1) ، ومن الكُتّاب بين يديه، كما يحدّثنا عن ذلك بقوله: ((كنت أوقِّع بين يديْ جعفر بن يحيى البرمكي … (2)) ) .
وبعد أن أَفَلَتْ شمس البرامكة، وبَزَغتْ شمس بني سهل في ظل الخليفة المأمون، نرى ابن مسعدة متصلاً بالفضل بن سهل، المدبّر لشؤون المأمون حين كان يحكم من مرو الولايات الشرقية، وظلا جميعاً في مرو حتى سنة: 202هـ، ثم غادراها إلى بغداد وفي الطريق قُتِل الفضل (3) ، ومضى عمرو إلى بغداد، لينعم فيها بأفضل عيش، وأكرم مقام في ظل الخليفة المأمون، الذي أدناه منه، وقربه إليه.(7/355)
ويتقدّم به العمر فَيَلي فارس وكرمان للمأمون (1) ، ويستخدمه في بعض شؤون دولته ومن بينها ديوان الخاتم والتوقيع والأزمّة، وهكذا يعظم شأنه ويزداد خطره في هذا العصر، ويصبح له من الأمر والنهي ما جعل الرواة يختلفون في تبيّن أمره، فمنهم من يرى أنه كان وزيراً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ومنهم من ينفي ذلك ويرى أنه لم يتجاوز أن يكون كاتباً.
فالمسعودي (ت:346هـ) يذكر ((أن المأمون استوزر الفضل بن سهل ثم أخاه الحسن بن سهل. فلما أظهر العجز عن الخدمة لعوارض من العلل ولزِم منزله، عدل المأمون إلى استكتاب كتاب لعلمه بكتابتهم وجزالتهم، وأنه ليس في عصرهم من يوازيهم ولا يدانيهم، فاستوزرهم واحداً بعد واحد أولهم أحمد بن أبي خالد (2) ، ثم أحمد بن يوسف (3) ، ثم أبو عباد ثابت بن يحي (4) ، وعمرو بن مسعدة بن صول، وكان يجري مجراهم ولا يعدّه كثير من الناس في الوزراء، قال: ولم يكن يسمى بين يديْ المأمون أحد من كتابه وزيراً، ولا يكاتب بذلك (5)) ) .
ويرى ياقوت (6) أن بعض الشعراء سماه وزيراً؛ لعظم منزلته لا لأنه كان وزيراً، وهو قوله:
لَقدْ أَسْعَدَ اللهُ الوزيرَ ابنَ مَسْعدهْ وَبَثَّ لَهُ في النّاسِ شُكْراً ومَحْمَدَهْ وقد صرّح ابن مسعدة نفسه في ((خبره مع حائك الكلام)) أنه وزير، وتعاظم من المأمون أن يبعثه إلى ما يصلح أن يبعث إليه من هو دونه في المنزلة، فقال: ((وقلت في نفسي: أنا في موضع الوزارة، وقد جعلني مُستحثاً إلى عامل، ومستخرجاً، ولكن أمر الخليفة لا بد من سماعه وامتثال مرسومه… (7)) ) .
((ومهما كان فالرتبة التي بلغها عمرو بن مسعدة وزارة وزيادة، وكان إليه ديوان الرسائل وديوان الخاتم والتوقيع والأزمة، وسواء تقلد الوزارة أَمْ لم يتقلدها فإن العظائم التي كان يندب إليها تدل على درجة الثقة به (8)) ) .(7/356)
فقد كان من شأنه ما تناقلته كتب الأدب من أخباره ومنها خبره الطويل مع حائك الكلام، وفيه أن ((عمرو بن مسعدة قال: كنت مع المأمون عند قدومه من بلاد الروم، حتى إذا نزل الرقة قال لي: يا عمرو، أما ترى الرخّجي (1) ، قد احتوى على الأهواز، وهي سلة الخبز، وجميع الأموال قبله وقد طمع فيها، وكتبي متصلة في حملها، وهو يتعلل، ويتربص بنا الدوائر.
فقلت: أنا أكفي أمير المؤمنين هذا، وأُنفِذ من يضطره إلى حمل ما عليه.
فقال: ما يقنعني هذا.
قلتُ: فيأمر أمير المؤمنين بأمره.
قال: تخرج إليه بنفسك، حتى تصفده بالحديد، وتحمله إليّ، بعد أن تقبض جميع ما في يده من أموالنا، وتنظرفي ذلك، وترتب فيه عمالاً… (2)) ) .
صفاته وأخلاقه:
كان عمرو هذا أبيض الوجه، أحمره؛ ولذا كان المأمون يسميه الرومي لبياضه (3) .
وإلى جانب ما تميّز به من البلاغة والفصاحة التي جعلته في مصافّ الكتاب الكبار في عصره كان على قَدْرٍ كبيرمن كريم الصفات والأخلاق الفاضلة التي أهّلته لأن يكون أحد أصفياء الخليفة (المأمون) المقربين إليه.
وكثير من هذه الشمائل والصفات لم تكن وقفاً على ابن مسعدة بل كانت شركة بين الكتاب الوزراء جميعاً، بل إنها من آكد ما اشتُرِط في وزير الخليفة وكاتبه، وقد أوضح ذلك المأمون فيما كتبه في اختيار وزير له، وفيه يقول ((إني التمستُ لأموري رجلاً جامعاً لخصال الخير، ذا عفة في خلائقه، واستقامة في طرائقه، قد هذّبته الآداب، وأحكمته التجارب، إن اؤتمن على الأسرار قام بها، وإن قُلِّد مهمات الأمور نهض فيها، يُسكته الحلم، ويُنطِقه العلم، وتكفيه اللحظة، وتغنيه اللمحة، له صولة الأمراء، وأناة الحكماء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، إن أُحسِن إليه شكر، وإن ابتُلِي بالإساءة صبر، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، ويسترق قلوب الرجال بخلابة لسانه، وحسن بيانه (4)) ) .(7/357)
وهذه الأوصاف التي أشار إليها المأمون في كتابه جمعها أحد الشعراء في وصفه بعض وزراء الدولة العباسية بها فقال …:
بَدِيهَتُه وفِكْرَتُهُ سَوَاءٌ
إِذَا اشتَبهتْ عَلَى النّاسِ الأمورُ
وَأَحزَمُ ما يَكونُ الدّهرَ يوماً
إِذَا أَعْيا المُشَاوِرُ والمُشِيرُ
وَصَدْرٌ فيهِ للهَمِّ اتّساعٌ
إِذا ضَاقَتْ من الهمِّ الصُّدورُ (1)
وإلى بعض هذه الصفات أشار المسعودي بقوله: ((فلم يكن الخلفاء والملوك تستوزر إلا الكامل من كتابها، والأمين العفيف من خاصّتها، والناصح الصدوق من رجالها، ومن تأمنه على أسرارها وأموالها، وتثق بحزمه، وفضل رأيه، وصحة تدبيره في أمورها (2)) ) .
وكان ابن مسعدة حسن السياسة مع وليّ نعمته الخليفة المأمون، حسن الصحبة له، لبقاً في معاملته ومداخلته، يظهر ذلك جلياً في قصة إهدائه فرساً رائعًا لما علم إعجابه به، ورغبته فيه، وذلك حين رآه ينظر إليه نظر مستحسن له، فما كان من عمروٍ إلا أن قاد الفرس إليه، وكتب إليه أبياتاً قال فيها:
هِ إِذَا عُدَّ إِمَامُ
يَا إِماماً لا يُداني
ضُلُ نقصاناً تَمَامُ
يَفضُلُ الناسَ كما يف
مِثْلُه ليس يُرامُ
قَدْ بَعَثْنَا بِجَوَادٍ
حسن سَرجٌ وَلِجَامُ
فََرسٌ يزهى به لل
ك في الفَضلِ الأنامُ
دَونَهُ الخَيلُ كَما دون
سََائرُ الجِسْمِ ظَلامُ
وَجْهُهُ صُبْحٌ ولكنْ
لى عَلَى العَبدِ حَرَامُ (3)
وكان لذكائه، وحسن سياسته للخلفاء، ولباقته في التلطف معهم، ثم لما له من حظوة عندهم ملاذاً لبعض الرجال الذين ضاقت بهم الأرض، حين غضب عليهم الخليفة، فحُرِموا من العيش في ظله الوارف، وظلوا في ترقَبٍ دائم لسطوته، وعقابه.
فقد غضب المأمون غضباً شديداً على الشاعر الخليع (الحسين بن الضحاك) وذلك لوقوفه ضدّه مع أخيه الأمين، فحاول بشتى الوسائل والسبل كسب ودّه ورضاه، فلما أعيته الحيلة، ولم يجد له إلى ذلك سبيلاً ((رمى بأمره إلى عمرو بن مسعدة وكتب إليه:(7/358)
أَنْتَ طَودِي مِن بين هذي الهضابِ
وَشِهَابي مِنْ دُونِ كُلّ شِهَاب
أنت ياعمرو قُوّتي وَحَياتي
ولِساني، وأنت ظُفري ونابي
أتُراني أنسى أياديَكَ البي
ضَ إذِ اْسودّ نائلُ الأصحابِ
أين عطف الكرامِ في مأقِطِ (1) الحا
جةِ يحْمُونَ حَوْزةَ الآدابِ
أين أخلاقُك الرضيَّة حالت
فيّ أم ْ أين رِقّة الكُتّابِ
أنا في ذِمّة السحابِ وأظما!
إنّ هذا لوصمةٌ في السحابِ
قُم إلى سيِّدِ البريّة عني
قَوْمةً تَسْتَجِرُّ حُْسنَ خِطَابِ
فَلَعَلَّ الإلهَ يُطفئُ عَنّي
بك ناراً عليَّ ذات التهابِ
قال: فلم يزل عمرو يلطُف للمأمون حتى أوصله إليه، وأدرَّ أرزاقه (2)) ) .
وكان الحسين هذا قد لاذ بالحسن بن سهل، وطمع في أن يصلح المأمون له، وقال قصيدة ((فاستحسنها الحسن بن سهل، ودعا بالحسين فقرّبه، وآنسه، ووصله، وخلع عليه، ووعده إصلاح المأمون له، فلم يمكنه ذلك لسوء رأي المأمون فيه ولِما عاجل الحسن من العلة (3)) ) .
وكان ابن مسعدة ذا ذوق رفيع فقد ((كان في مجلس المأمون يقرأ عليه الرّقاع، فجاءته عطسة فردّها، ولوى عنقه، فرآه المأمون، فقال: يا عمرو، لا تفعل؛ فإن ردّ العطسة، وتحويل الوجه بها يورثان انقطاعاً في العنق. فشكر له ذلك بعض ولد المهدي، وقال: ما أحسنها من مولى لعبده، وإمامٍ لرعيته! فقال المأمون: وما في هذا! إن هشاماً بن عبد الملك اضطربت عمامته، فأهوى إليها الأبرش الكلبيّ؛ ليصلحها، فقال هشام: إنا لا نتخذ الإخوان خَوَلاً! فالذي فعل هشام أحسن مما فعلتُ.
فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، إن هشاماً يتكلف ما طُبِعتَ عليه، ويظلم فيما تعدل فيه، ليس له قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قيامك بحق الله، وإنك والملوك كما قال النابغة الذبياني (4) :
أَلَمْ ترَ أنّ الله أعطاكَ سورَةً
تَرى كُلَّ مَلكٍ دونها يتذبذبُ
فَإِنّك شَمْسٌ والملوكُ كَوَاكِبٌ
إِذَاطلَعتْ لم يَبْدُ منهنّ كوكبُ (5)) )(7/359)
هذا وغيره قد دفع المأمون إلى الاقتناع به والثقة فيه، فدل الحسن بن سهل ليتعلم منه المروءة في خبر جاء فيه: أن الحسن دخل على المأمون ((فقال له: كيف علمك بالمروءة؟ قال: ما أعلم ما يريد أمير المؤمنين فأجيبه. قال: عليك بعمرو ابن مسعدة، قال: فوافيت عمراً (وفي داره صُنّاع، وهو جالس على آجرة ينظر إليهم) فقلت: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تعلمني المروءة. فدعا بآجرة فأجلسني عليها، وتحدثنا مليّاً. وقد امتلأتُ غيظاً من تقصيره بي، ثم قال: يا غلام عندك شيء يؤكل؟ قال: فقدّم طبقاًَ لطيفاً عليه رغيفان وثلاث سكرجات (1) ،في إحداهن خل، وفي الأخرى مُرّي (2) ، وفي الأخرى ملح، فأكلنا، وجاء الفراش فوضأنا، ثم قال: إذا شئت، فنهضتُ محفظاً ولم أودّعه، فقال لي: إن رأيت أن تعود إليّ في يوم مثله. فلم أذكر للمأمون شيئاً مما جرى. فلما كان في اليوم الذي وعدني لقياه، سِرتُ إليه فاستُؤذِنَ لي عليه فتلقاني على باب الدار فعانقني، وقبّل بين عينيّ، وقدمني أمامه، ومشى خلفي حتى أقعدني في الدست (3) ، وجلس بين يديّ، وقد فُرِشت الدار، وزُيّنت بأنواع الزينة، وأقبل يحدثني، ويتنادر معي إلى أن حضر وقت الطعام، فأمر فقُدّمت أطباق الفاكهة، فأصبنا منها، ونُصِبت الموائد، فقُدِم عليها أنواع الأطعمة من حارّها وقارّها، وحلوها، وحامضها، ثم قال: أيّ الشراب أعجب إليك؟ فاقترحت عليه. وحضر الوصائف للخدمة، فلما أردت الانصراف حمل معي جميع ما أحضر من ذهب، وفضة، وفرش، وكسوة، وقُدِّم إلى البساط فرس بمركب ثقيل فركبته، وأمر من بحضرته من الغلمان الروم والوصائف حتى سعوا بين يديّ، وقال: عليك بهم فهم لك، ثم قال: إذا زارك أخوك فلا تتكلف له، واقتصر على ما يحضرك، وإذا دعوته فاحتفِل، واحتشِد، ولا تدعنّ ممكناً، كفعلنا بك عند زيارتك إيانا، وفعلنا يوم دعوناك (4)) ) .(7/360)
ففي الخبر السابق دلالة واضحة على مروءة ابن مسعدة، وتعمّقها في سلوكه، وأخلاقه، كما أن فيه دلالة على عمق فهمه لأصولها وقواعدها؛ مما دفع المأمون إلى أن يرشّحه أستاذاً معلماً إياها للحسن بن سهل على فضله، وجلالة قدره.
وعلى الرغم من الثقة الكاملة التي منحه إياها المأمون، فقد ظل معتداّ بنفسه، شديد الحِفاظ على عِرضه وسُمعته، حريصاً على كرامته من أن تُنال بسوء، أو أن يُهان من أيّ كائن كان، فيُذكر أن المأمون أرسل إليه من يستقرّه، ويحاسبه على أموال كثيرة اقتطعها من أموال الدولة، فلما اعترف بها، وحُصِّلت عليه وهبه المأمون إياها، فقال ابن مسعدة: ((أما إذ تفضّل أمير المؤمنين عليّ به، فإنه واجب على أحمد بن عروة، وأشهِدُكَ أنّي قد وهبتُه له (1)) ) .
وكان من أهل الشهرة في عصره الذين سُمِّيت بعض شوارع بغداد بأسمائهم تخليداً لذكراهم، فقد سُمي أحد شوارعها باسم شارع عمرو بن مسعدة (2) .
وكان ذا يسار وغنىً، شأنه في ذلك شأن كثير من الوزراء والكتاب المحظيين لدى الخلفاء والأمراء والولاة، فقد ذُكِر له ((منزلان بمدينة السلام، أحدهما بحضرة طاق الحرّاني (والحراني هو إبراهيم بن ذكوان) ومنزل آخر فوق الجسر، وهو المعروف بساباط عمرو بن مسعدة (3)) ) .
كما عُرِف عنه أنه لما مات ((رُفِع إلى المأمون أنه خلف ثمانين ألف ألف درهم فوقّع على الرقعة: هذا قليل لِمَن اتّصل بنا وطالت خدمته لنا، فبارك الله لولده فيه (4)) ) .
وقد دفعه ذلك وغيره إلى أن يكون كريماً سخياً على أصحابه، وأصدقائه، ومحبيه، وقاصديه، فقد كان بينه وبين ((إبراهيم بن العباس الصولي مودة، فحصل لإبراهيم ضائقة بسبب البطالة في بعض الأوقات، فبعث له عمرو مالاً، فكتب إليه إبراهيم:
أياديَ لم تُمْنن وإن هيَ جَلَّتِ
سأشكر عَمراً ما تراختْ مَنِيّتي
ولا مظهِرِ الشكوى إذا النعل زلّتِ
فتى غير محجوبِ الغِنى عن صَدِيقِه
فكانت قَذَى عَيْنَيهِ حَتى تجلَّتِ (5)) )(7/361)
رأى خَلتي من حيث يخفى مكانُها
وكان حريصاً على حفظ ماء وجه سائله، رافعاً عنه الحرج، وذُلّ السؤال ((قال حميد بن بلال: وَلِيَ عمرو بن مسعدة فارس وكرمان، فقال بعض أصحابه: أيها الأمير، لو كان الحياء يظهر سؤالاً لدعاك حيائي من كرمك في جميع أهليك إلى الإقبال عليّ بما يكثر به حسد عدوي، دون أن أسألك، فقال عمرو: لا تبغِ ذلك بابتذالك ماء وجهك، ونحن نغنيك عن إراقته في خوض السؤال، فارفع ما تريده في رقعة يصل إليك سراً. ففعل (1)) ) .
وهكذا يعلو ابن مسعدة ببره، وإحسانه، ويرتفع بسائل نواله وعطائه عن الذل الذي كثيراً ما لازم المسألة، وطلب الرفد من الآخرين، فيرشد سائله إلى أسلوب المسألة الذي يحقّق الغرض، دون أن يُخدَش قدر السائل، أو أن تداس كرامته.
وكان حريصاً على حسن العلاقة مع الآخرين، واصلاً لهم ((قال الحسن بن وهب: بلغ العتّابي (2) أن عمراً بن مسعدة ذكَرَه عند المأمون بسوء فقال:
قدْ كُنْتُ أَرجو أن تكون نصيري
وعلى الذي يبْغي عليَّ ظهيري
وَطَفِقْتُ آملُ ما يُرجّى سَيْبُهُ
حتّى رأيتُ تَعلُّقي بغُرورِ
فَحَفرتُ قبركَ ثُمّ قُلتُ دفنتُهُ
ونَفضتُ كفّي مِن ثَرى المقبورِ
وَرَجعتُ مُفترياً على الأملِ الذي
قد كان يَشْهَدُ لي عليكَ بِزُورِ (3)) )
كذلك عُرِف عمرو بن مسعدة بالبشاشة، وانبساط أسارير الوجه، حتى صار مضرِب المثل في ذلك، فقد ((حكى الجاحظ: أن بعض الكتاب سأل
عبد الله بن طاهر حاجة، فوعده قضاءها، وطالت أيام مطاله الإنجاز، فكتب إليه: أما بعد، فقد كان وعدك تلقاني مكتسياً بشاشة عمرو بن مسعدة، وأرى إنجازه تأخَّر تأخُّر من خُلِع عليه عُبوس أحمد بن أبي خالد… (4)) ) .
لهذه الصفات والخِلال الحميدة التي اتّصف بها ابن مسعدة كان محل إعجاب الخليفة كما كان محل إعجاب الأصدقاء، وغيرهم، لذا وجدنا مَنْ يشارِكه الهمّ، فيُحسّ بشِكاته حين ألمّت به، فيتمنّى بصدق، وإخلاصً لو أن العلة كانت فيه بدلا عنه:(7/362)
قالوا: أبو الفضلِ مُعْتَلٌ، فَقُلتُ لهم:
نفسي الفِداءُ لهُ مِن كُلِّ مَحْذورِ
يا ليت عِلّتَهُ بي، ثُمّ إِنّ لَهُ
أجرَ العَليلِ وَأَنّي غَيرُ مَأجُورِ (1))
وتُلِمّ بأبي محمد عبد الله بن أيوب التّيْميّ (2) بعض الظروف الحَرِجة، فييمّم وجهه نحو ابن مسعدة طامعاً في نواله، مستشرفاً عونه ومساعدته له في محنته، ويهزّ أريحيّته بقصيدة تفيض بكل مشاعر الأمل، وتسيطر عليها عاطفة جياشة صادقة، مشيداً فيها بكثيرً من خلاله وصفاته، تلك القصيدة هي البائية التي يقول فيها (3) :
أَعِنِّي على بارقٍ ناضبِ
خفيٍّ كوحيِكَ بالحاجبِ
كأن تألّقه في السماء
يدا كاتبٍ أو يدا حاسِبِ
فروّى منازل تَذكارُها
يُهيّج من شوقكَ الغالبِ
غَريب يَحِنُّ لأوطانِهِ
ويبكي على عصرِه الذاهبِ
كفاك أبو الفضل عمرو الندى
مُطالَعة الأمل الكاذبِ
وصِدق الرجاءِ، وحسنِ الوفاءِ
لعمرو بن مسعدة الكاتبِ
عريض الفِناءِ، طويل البنا
ءِ، في العزِّ والشرَفِ الثّاقِبِ
بنى المُلكَ طودٌ له بيتهُ
وأهل الخلافة من غالبِ
هو المُرتَجَى لِصُروفِ الزمانِ
ومُعتَصَم الراغبِ الرّاهِبِ
جَوادٌ بما مَلَكَتْ كفّهُ
على الضيفِ والجار والصاحبِ
بِأُدم الرّكاب، ووشيِ الثّيا
بِ، والطِّرْفِ، والطَّفلةِ الكاعبِ (4)
نُؤمِّلُه لِجِسامِ الأمورِ
ونرجوه للجَلَلِ الكارِبِ
خَصيب الجِنابِ مطيرُالسحابِ
بِشِيمتهِ ليّن الجانبِ
يُروّي القَنَا من نُحورِ العِدا
ويُغرِق في الجود كاللاعبِ
إليك تبدّت بأكوارها
حراجيجُ في مهمهٍ لاحِبِ (5)
كأنّ نعاماً تَبَارى بنا
بَوَابِلِ من بَرَدٍ عاصِبِ (6)
يَرِدْنَ نَدَى كفِّكَ المُرْتَجَى
ويقضِين من حقّك الواجِبِ
ولله ما أنت من خابرٍ
بسَجلِ لقومٍ ومن خاربِ
فتسقي العدا بكؤوس الردى
وتسبق مسألة الطالبِ
وكم راغِبٍ نِلتَه بالعطا
وكم نِلتَ بالعطف من هاربِ
وتلك الخلائق أعطيتها
وفضل من المانع الواجبِ(7/363)
كَسَبتَ الثناء، وكسبُ الثنا
ءِ، أفضلُ مَكسبةِ الكاسبِ
يقينُكَ يجلو سُتورَ الدُّجى
وظنّكَ يُخْبرُ بالغائبِ
فالتيميّ في قصيدته تلك يُبرِز ممدوحه (ابن مسعدة) في صورة الرجل العظيم بأخلاقه، وشمائله الفاضلة، فيذكر أنه كريم، يصدق الوعد، ويحقّق الأمل، لذا قصَدَه القاصدون، وانتجعه السائلون، وَوَرد حِياضه الطامعون في الرّفد والعطاء، وعمّ فضله الضيف والجار والصاحب، فكان لكل واحد من هؤلاء نصيبه من رعايته وفضله.
إلى جانب ذلك فهو شجاع، طالما ارتوت القنا بدماء أعدائه؛ حيث أعملها فيهم دون رحمة ولا مواربة، كما أنه صاحب رحمة وعطف على الخائفين الهاربين.
ولم أقف فيما اطّلعت عليه من أخباره عدا ما سيرد في عقيدته، على ما يسيء إلى سُمعته، أو يشنّع بخُلُق من أخلاقه إلا ما جاء عنه في رسالة ((ذم أخلاق الكتاب)) للجاحظ، حيث قال: ((وسُئل ثُمامة بن أشرس (1) يوماً (وقد خرج من عند عمرو بن مسعدة) فقيل له: يا أبا معن، ما رأيت من معرفة هذا الرجل، وبلوت من فهمه؟ فقال: ما رأيت قوماً نفرت طبائعهم عن قبول العلوم، وصغُرت هِممهم عن احتمال لطائف التمييز، فصار العلم سبب جهلهم، والبيان عَلَم ضلالتهم، والفحص والنظر قائد غيّهم، والحكمة مَعدِن شُبَههم أكثر من الكتاب (2)) ) .
وهذا الحكم وإن تناول في ظاهره الكتّاب جميعهم فإن لابن مسعدة النصيب الأوفى منه؛ إذ إنه جاء مُحصّلة جلوس ثمامة عنده، ونتيجة استماعه إليه.
ولا يخفى ما في هذا القول من التحامل على الكُتّاب بعامّة، والمبالغة في ذمّهم بغير حُجّة مقنعة.
عقيدته:(7/364)
إلى جانب هذه الصفات الحسنة فإننا نجد أن ابن مسعدة كان يعتقد عقيدة أهل الاعتزال، ويذهب مذهبهم في القول عن القرآن: إنه مخلوق، وهو القول الباطل الذي امتُحِن به كثير من العلماء في عصره، وكانت فتنة عظيمة لكثير من الناس، ففي رسالة الحيدة ورد ذكر عمرو، وفيها يقول لعبد العزيز بن يحيى المكّيّ (1) الذي ناظر بشر بن غياث المريسي (2) بحضرة المأمون في مسألة خلق القرآن التي قال بها بعض المعتزلة الضُّلال: ((يا أيّها الرجل قد حمَلتَ نفسك على أمر عظيم، وبلغت الغاية في مكروهها، وتعرّضتَ لما لا قوام لك به من مخالفة أمير المؤمنين، وادّعيتَ ما لا يثبت لك به حُجّة على مخالفيك، وليس إلا السيف بعد ظهور الحُجة عليك. فانظر لنفسك، وبادر أمرك قبل أن تقع المناظرة، وتظهر عليك الحُجّة، فلا تنفعك الندامة، ولا تُقَال لك عثرة؛ فقد رحمتك، وأشفقت عليك مما هو بك نازل، وأنا أستقيل لك أمير المؤمنين، وأسأله الصفح عن جرمك، وعظيم ما كان منك، إن أظهرت الرجوع عنه والندم على ما كان منك، وآخذ لك الأمان منه أيده الله والجائزة، وإن كان بك مظلمة أزلتها عنك، وإن كان لك حاجة قضيتها لك، فإنما جلست رحمة لك مما هو نازل بك بعد ساعة إن أقمت على ما أنت عليه، ورجوت أن يخلصك الله على يدي من عظيم ما أوقعت نفسك فيه (3)) ) .
ويطول الحوار بين عبد العزيز هذا وبين عمرو بن مسعدة في محاولة من الأخير أن يثنيه عن عقيدته الصحيحة، ويتبع أهل الغواية والضلالة.
ففي كلام ابن مسعدة المتقدّم وغيره ممالم أورده (4) لعدم الحاجة إليه إشارة صريحة إلى ما كان يعتقده في هذه المسألة، وهو اعتقاد أهل الاعتزال، الذي استطاعوا أن يلقوه في روع الخليفة المأمون، وأن يستعدوه به على أهل السنة الذين خالفوهم في هذا الرأي.
بلاغته:(7/365)
من أبرز الموضوعات الجديرة بالبحث والدراسة ما تميّز به أسلوب ابن مسعدة من بلاغة وفصاحة، حتى صار مضرِب المَثَل فيهما (1) ، وهو ما جعله بحق علماً من أعلام الكتابة في العصر العباسي.
وما من شك في أن ما اتّصف به ابن مسعدة من الفصاحة والبلاغة قد هيّأته أمور، من أبرزها ما يلي:
أولاً: ما عُرِف به أبوه مسعدة بن صول من أنه ((كان مولى لخالد بن
عبد الله القسريّ، وكان كاتباً بليغاً، ولِيَ الكتابة لخالد هذا، ثم كتب لخالد بن برمك، وكتب بعده لأبي أيوب المورياني وزير المنصور على ديوان الرسائل (2)) ) . وقد ذكر ابن النديم (3) لمسعدة كتاباً في الآداب سماه ((أدب مسعدة الكاتب)) وعدّه في بلغاء الناس العشرة (4) ، فليس غريباً على من كان أبوه كذلك أن يكون له شأو في الكتابة، وشأن في البلاغة ومن شَابَه أباه فما ظلم.
ثانياً: ثقافته الواسعة، فقد تثقّف ابن مسعدة ((ثقافة عربية وإسلامية واسعة حتى غدا لسناً فصيحاً، بل لقد غدا شاعراً ينظم الشعر، كما غدا يحسن شؤون الفقه مما يتصل بالخراج، ووقف على العلوم الرياضية وما يتصل بها من الحساب مما كان يثقفه الكُتّاب، كما وقف على آداب الفرس وكتاباتهم في السياسة والأخلاق وتدبير الحكم، وربما وقف أيضاً على شيء من الفلسفة اليونانية والحكمة الهندية (5)) ) وهي ثقافة كان يأخذ بها نفسه كل من يطمح إلى تسنّم ذروة منصب الوزارة والكتابة في هذا العصر، كما أنها ((أدوات ترشِّح الشخص لكي يعمل في الدواوين لعصره، ويتقن العمل فيها، ويظفر بما يريد من الإعجاب والترقّي في المراتب السَّنيّة (6)) ) .(7/366)
ومما توفر لديَّ من أخبار ابن مسعدة يتبيّن أنه كان يجمع إلى ثقافته الأدبية ثقافة إسلامية، فقد أسند الحديث عن المأمون، كما ذكر ذلك الخطيب البغداديّ (ت:463هـ) بقوله: ((أخبرنا عبيد الله بن عبد العزيز بن جعفر البرذعي وعلي ابن أبي علي البصري والحسن بن علي الجوهري، قالوا: أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الشخير حدثنا أحمد بن إسحاق الملحمي حدثني عمارة بن وثيمة أبو رفاعة حدثنا علي بن محمد بن شبيب عن عمرو بن مسعدة قال: سمعت المأمون أمير المؤمنين يقول: حدثني أبي عن أبيه عن عمه عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه آدب لهم (1)) ) .
لهذين السببين وغيرهما صار ابن مسعدة ذا بلاغة وفصاحة، وقد أشاد ببلاغته كثير من، والأدباء، والوزراء، والكتاب، فقال عنه الفضل ابن سهل: ((هو أبلغ الناس، ومن بلاغته أن كل أحد يظن أنه يكتب مثل كتبه، فإذا رامها تعذّرت عليه (2)) ) .
وقد تحدّث عن نفسه، فقال: ((كنت أوقِّع بين يديْ جعفر بن يحيى البرمكي فرفع إليه غلمانه ورقة يستزيدونه في رواتبهم، فرمى بها إليّ، وقال: أجب عنها، فكتبت: قليل دائم خير من كثير منقطع، فضرب بيده على ظهري، وقال: أيُّ وزير في جِلدِك (3)) ) . وهذه الشهادة لعمرو بالبروز والإجادة شهادة لها قيمتها، لأن المدلي بها وهو جعفر بن يحيى صاحب خبرة ودراية، وتجربة طويلة في هذا المجال، وقد عُرِف بهذا الفن (أعني التوقيعات) وعُرف الفن به فقد كان ((يوقّع القصص بين يديْ الرشيد، ويرمي بالقصة إلى صاحبها، فكانت توقيعاته يتنافس البلغاء في تحصيلها للوقوف فيها على أساليب البلاغة وفنونها، حتى قيل: إنها كانت تباع كل قصة منها بدينار (4)) ) .(7/367)
وكان الخليفة المأمون على رأس أولئك الذين أُعجبوا ببلاغة ابن مسعدة، وأشادوا ببيانه ((قال حمدون بن إسماعيل: دخلت على المأمون يوماً (وهو في بعض صحون بساتينه يمشي حافياً، وفي يده كتاب يصعّد بصره فيه، ويصوّبه) فالتفت إليّ وقال: أحسبك راعك ما رأيته! قلت: وأيّ شيء أروع لي من نظري إلى سيدي يمشي حافياً، ويقرأ كتاباً قد شغله، وأذهله، فقال لي: إنّي سمعت الرشيد يقول شيئاًلم أتوهمه يَنْسَبِكُ على حقيقته، وهو أنه قيل لبعض البلغاء: ما البلاغة؟ قال: التقرّب من المعنى البعيد، والتباعد من حشو الكلام، والدلالة بالقليل على الكثير، وهذا كتاب عمرو بن مسعدة، قد أتى في حرفين بما كان يأتي به غيره في طومار، وصف حال الجند وطاعتهم. ثم دفعه إليّ، فإذا فيه: كتابي إلى أمير المؤمنين ومَنْ قِبَلي من أجناده وقواده من الانقياد للطاعة على أحسن ما تكون طاعة جند تأخّرت أرزاقهم، واختلّت أحوالهم، والسلام (1)) ) ، وكان من نتيجة ذلك أن ((قال المأمون: والله، لأقضيّنّ حق هذا الكلام، وأمر بإعطائهم لثمانية أشهر (2)) ) ، وفي بعض المصادر أن المأمون ((جعل يردّد فيه النظر ثم قال لأحمد ابن يوسف: لعلك يا أحمد فكرت في ترديدي النظر في هذا الكتاب. قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال ألم تر يا أحمد إلى إدماجه المسألة في الإخبار، وإعفاء سلطانه من الإكثار؟ ثم أمر لهم برزق ثمانية أشهر (3)) ) .
وعدّه ابن الأبّار (4) من جملة أولئك الكتّاب الفرسان مثل ابن المقفع (ت:143هـ تقريباً) وسهل بن هارون (ت:215هـ) ، والحسن بن سهل (ت:236هـ) ، وإبراهيم بن العباس (ت:243هـ) وغيرهم من الفصحاء والبلغاء ممّن اقتفوا أثر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وساروا على طريقته في القول.(7/368)
هذه الطريقة هي الطريقة التي نهجها الكتاب المتقدّمون الذين كانوا ((لايحفلون بالسجع ولا يقصدونه بتّة، إلا ما أتت به الفصاحة في أثناء الكلام، واتّفق عن غير قصد ولا اكتساب، وإنما كانت كلماتهم متوازنة، وألفاظهم متناسبة، ومعانيهم ناصعة، وعبارتهم رائقة، وفصولهم متقابلة، وجمل كلامهم متماثلة (1)) ) .
وفي تولّي ابن مسعدة ديوان التوقيع، وتقليد المأمون له إياه دليل واضح على ما تميّز به على غيره من البلاغة، والفصاحة، وسعة العلم، بالإضافة إلى صفات أخرى لا بدّ من توفّرها فيمن يتولّى مثل هذا المنصب في الدولة، وهذا ما أشار إليه ابن خلدون بقوله: ((واعلم أن صاحب هذه الخطة (يعني التوقيع) لا بد أن يُتخيَّر من أرفع طبقات الناس وأهل المروءة والحشمة منهم، وزيادة العلم وعارضة البلاغة؛ فإنه معرّض للنظر في أصول العلم لما يعرض في مجالس الملوك، ومقاصد أحكامهم من أمثال ذلك مع ما تدعو إليه عِشرة الملوك من القيام على الآداب والتخلق بالفضائل، مع ما يُضطر إليه في الترسيل وتطبيق مقاصد الكلام من البلاغة وأسرارها (2)) ) .
وفاته:
يذكر ابن عساكر تاريخ وفاة ابن مسعدة، فيقول: ((أخبرني الأزهري، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: ومات عمرو بن مسعدة في هذه السنة بأًذنة – يعني سنة سبع عشرة ومائتين (3)) ) .
وقد ذكر الذهبيّ: أنه ((توفّي سنة سبع عشرة ومائتين، وقيل: سنة خمس عشرة (4)) ) .
ومن استقراء النصوص يبدو أن ابن مسعدة كان مع المأمون في بلاد الروم حين غزاها، وأن المنية أدركته في أَذَنة (5) ، وذلك في ربيع الآخر من سنة: 217هـ (6) .(7/369)
وهنا تغيب عن سماء الأدب، والفكر، والسياسة، شخصية من الشخصيات البارزة في تاريخ الحركة العلمية، والأدبية في أمتنا الإسلامية العربية، بعد أن أُدرِج اسمه في قائمة الكتاب الروّاد، الذين أسهموا بشكل كبير في تطوّر النثر العربي، وتوفير العناصر والمقوّمات الفنية اللازمة لنموّه، وازدهاره.
الفصل الثاني: تراث ابن مسعدة النثري (فنونه وخصائصه)
مدخل (ضياع أدبه) :
عُرِف ابن مسعدة أديباً كاتباً كان له حظ من الشعر كما كان له حظ من النثر، فقد ذكر ابن النديم (1) أن له ولأخيه مجاشع ديواناً يبلغ خمسين ورقة، وذكر الذهبي (2) أن له نظماً جيداً، وعدّه بعضهم من أصحاب الأبيات المفردة (3) ، في حين رأى الجهشياري على ماينقل عنه الصيرفيّ (4) أنه لم يقل إلا بيتاً واحداً، وقد ورد هذا البيت في موضوع التوقيعات.
ورأي الجهشياري هذا يدفعه ما وجدت لابن مسعدة من أبيات تنقض القول: بأنه ليس له إلا بيت واحد، ثم إن هذا القول الذي ينسبه الصيرفي للجهشياري غير مذكور في كتابه ((الوزراء والكتاب)) الموجود بين أيدينا مما يدفعني إلى الشك بعض الشيء فيه؛ وحتى لو كان الصيرفيّ صادقًا فيما نسبه إلى الجهشياري، ولكنه في نسخة أخرى للكتاب لم تصلنا بعد، فإني أرجِّح ما ذكره ابن النديم، والذهبي سابقاً؛ حيث وجدت له من الشعر وإن كان قليلا ما ينقض القول: بأنه ليس له إلا بيت واحد.
ولكن للأسف لا يزال هذا الديوان وهذا النظم طيّ الضياع إلى يومنا هذا، وهو مصير آل إليه جُلّ نثره الذي حاز به قصَب السبق في الكتابة العربية، كما نال به وصف البراعة والبلاغة ممن كتب عنه قديماً وحديثاً، وسطّر اسمه في سجل الكتاب النابهين الذين نهجوا في الكتابة نهجاً، ظل سلوكه وترسُّم أصوله وقواعده هدفاً لكل من أراد التفوّق والإبداع.(7/370)
وأكبر دليل على هذا الضّياع أن الدارس لا يكاد يعثر له في المصادر إلا على نُتَف يسيرة لو لم يكن له سواها لما نال هذه المنزلة وتلك الشهرة الرفيعة في مسيرة الحركة الأدبية في عصره، وما ذكره الزركلي (1) من أن لابن مسعدة في كتب الأدب كثيرًا من الرسائل والتوقيعات، رأي في نظري ليس له ما يؤيده من الواقع؛ إذ إن الباحث عن هذه الرسائل والتوقيعات له في كتب الأدب لا يعثر على ما يثبت قول الزركلي آنف الذكر.
وثَمّة أمر آخر يدفعني إلى الجزم بضياع كثير من نثره هو ما وقفت عليه من بعض حديثه عن نفسه قائلاً: ((كتبت إلى عامل دَسْتبى (2) كتاباً أطلته، فأخذه المأمون من يدي وكتب: قد كثر شاكوك فإمّا عدلتَ وإما اعتزلتَ (3)) ) .
فأين هذا الكتاب الطويل الذي كتبه فلم يعجب المأمون! قد يكون ابن مسعدة نفسه أتلفه، أو لم يظهره طالما أنه لم يحظ بإعجاب الخليفة، والنتيجة أنه قد ضاع بلا شك مع ما ضاع من تراثه.
هذا بالإضافة إلى ما ذكره ابن عبد ربه (ت:327هـ) من أن عمرًا بن مسعدة كتب إلى ضَمرة الحَروري كتاباً، فنظر فيه جعفر بن يحيى، فوقّع في ظهره: إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز مقصّراً (4) . ولا زال هذا الكتاب في عداد المفقود من نثر ابن مسعدة.
إن الناظر في ما بقي بين أيدينا من أدب عمرو بن مسعدة يجزم جزماً قاطعاً بأنه قد ضاع كثيرٌ منه مع ما ضاع من تراثنا الأدبي ((والمظنون أن لو كانت جُمِعتْ له رسائله على إيجازها لكان منها ديوان كبير؛ لأنه صرف أعواماً طويلة وهو قابض على يراعته يعالج بها الموضوعات المهمة في ذاك المجتمع العظيم (5)) ) .(7/371)