الكتاب 4 / 295.
انظر الكتاب 4 / 298، والاستدراك على سيبويه ص 35، واللسان (شنغم) .
الكتاب 4 / 298.
المزهر 2 / 29، واللسان (صنبر وهنبر) .
انظر الكتاب 4 / 298، والاستدراك على سيبويه ص 35.
الكتاب 4 / 298.
المزهر 2 / 28.
انظر الكتاب 4 / 298، والاستدراك على سيبويه ص 35.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 288 و 291، وانظر المزهر 2 / 29.
المحكم 4 / 343.
المنتخب 2 / 571.
انظر الكتاب 4 / 299، والاستدراك على سيبويه ص 36، وشرح أبنية سيبويه ص 142.
الكتاب 4 / 299.
انظر الكتاب 4 / 299. وشرح أبنية سيبويه ص 114 و 141.
الكتاب 4 / 299.
الاستدراك على سيبويه ص 36.
انظر الكتاب 4 / 297، والاستدراك على سيبويه ص 34.
الكتاب 4 / 297.
المزهر 2 / 30.
انظر الكتاب 4 / 291، وأبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 295.
اللسان (بلهر) .
انظر الاستدراك على سيبويه ص 30، وأبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 295، والمزهر 2 / 30.
انظر الكتاب 4 / 292، والاستدراك على سيبويه ص 31.
انظر الكتاب 4 / 267.
الكتاب 4 / 293.
المزهر 2 / 30.
انظر ارتشاف الضرب 1 / 37.
المصدر السابق 1 / 61.
شرح أبنية سيبويه ص 132.
انظر الكتاب 4 / 296. والاستدراك على سيبويه ص 33.
المصدر السابق ص 32.
انظر الكتاب 4 / 295. والاستدراك على سيبويه ص 33.
اللسان (جحنبر) .
شرح أبنية سيبويه ص 63.
انظر المنتخب 1 / 165، واللسان (جعنظر) .
انظر ص 46 من هذا البحث.
الكتاب 4 / 294.
شرح أبنية سيبويه ص 122.
المصدر السابق ص 125.
المصدر السابق ص 64.
المصدر السابق ص 133.
أدب الكاتب ص 383.
شرح أبنية سيبويه ص 143.
الكتاب 4 / 294.
المصدر السابق 4 / 269.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 20 و 22.
انظر أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 161.
انظر الكتاب 4 / 302، والاستدراك على سيبويه ص 36.(5/16)
انظر المصدرين السابقين وشرح أبنية سيبويه ص 110.
الاستدراك على سيبويه ص 36.
الكتاب 4 / 302.
انظر الكتاب 4 / 303، والاستدراك على سيبويه ص 37.
المصدرين السابقين.
شرح التصريف للثمانيني ص 264.
المصادر والمراجع
- أبنية الأسماء والأفعال والمصادر، لأبي القاسم علي بن جعفر السَّعْدي المعروف بابن القطاع (ت 515 هـ) ، رسالة دكتوراه، دراسة وتحقيق د/ أحمد محمد عبد الدايم، جامعة القاهرة، كلية دار العلوم، 1400 هـ / 1980 م.
- أبنية الصرف في كتاب سيبويه، د/ خديجة الحديثي، مكتبة النهضة، بغداد، ط. أولى 1385 هـ / 1965 م.
- أدب الكاتب، لابن قتيبة (ت 276 هـ) ، تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر، ط. الرابعة 1382 هـ / 1963 م.
- ارتشاف الضرب من لسان العرب، لأبي حيان الأندلسي (ت 745 هـ) ، تحقيق د/ مصطفى النماس. مطبعة النسر الذهبي، ط. أولى 1404 هـ / 1984 م.
- الاستدراك على سيبويه في كتاب الأبنية والزيادات على ما أورده فيها مُهَذَّباً، تأليف أبي بكر محمد ابن الحسن الزُّبيدي (ت 379 هـ) ، نشر المستشرق الإيطالي اغناطيوس كُويدي، طُبِعَ برُوما سنة 1890 م، توزيع مكتبة المثنى ببغداد.
- إصلاح المنطق، لابن السكِّيت (ت 244 هـ) ، شرح وتحقيق الشيخين أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف القاهرة، ط. الرابعة.
- التكملة، لأبي علي الفارسي (ت 368 هـ) ، تحقيق د/ حسن شاذلي فرهود، الرياض 1401هـ.
- التكملة والذيل والصلة للصاغاني (ت 650 هـ) ، تحقيق عبد العليم الطحاوي وعبد الحميد حسن، مطبعة دار الكتب بالقاهرة، 1970 م.
- تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت 370 هـ) ، تحقيق عبد السلام هارون وآخرين، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1384 هـ / 1964م.(5/17)
- الجمع المتناهي في اللغة العربية، للدكتور إبراهيم بركات، مجلة الآداب جامعة المنصورة، العدد (5) .
- جمهرة اللغة، لابن دريد (ت 321 هـ) ، صورة عن طبعة الهند سنة 1345 هـ.
- الخصائص، لابن جني (ت 392 هـ) ، تحقيق محمد علي النجار - صورة.
- ديوان ابن مقبل، تحقيق د/ عزت حسن، دمشق 1381 هـ.
- ديوان الأدب، للفارابي (ت 350 هـ) ، تحقيق د/ أحمد مختار عمر، ومراجعة د/ إبراهيم أنيس، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1395 هـ / 1975 م.
- ديوان النابغة الجعدي، جمع وتحقيق د/ واضح الصمد، دار صادر، بيروت، ط. أولى 1998 م.
- شرح أبنية سيبويه، لابن الدهان النحوي (ت 569 هـ) ، د/ حسن شاذلي فرهود، ط. أولى، دار العلوم 1408 هـ / 1987 م.
- شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، طبع الحلبي 1366 هـ، القاهرة.
- شرح التصريف للثمانيني (ت 442 هـ) ، تحقيق د/ إبراهيم بن سليمان البعيمي، مكتبة الرشد، الرياض، ط. أولى 1419 هـ / 1999 م.
- شرح شافية، ابن الحاجب للرضي النحوي (ت 686 هـ) ، تحقيق محمد نور الحسن وزميليه، دار الكتب العلمية 1402 هـ / 1982 م، بيروت، لبنان.
- شرح كتاب سيبويه، للسيرافي، مخطوط.
- الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) ، لإسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393 هـ) ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار الكتاب العربي بمصر.
- العين، للخليل بن أحمد (ت 175 هـ) ، تحقيق د/ مهدي المخزومي، ود/ إبراهيم السامرائي مؤسسة دار الهجرة، ط. الثانية في إيران 1409 هـ.
- غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط. أولى 1406 هـ / 1986 م.
- فهارس كتاب سيبويه، للشيخ محمد عبد الخالق عضيمة، مطبعة السعادة، ط. أولى 1395 هـ / 1975 م.
- الفيصل في ألوان الجموع، تأليف عباس أبو السعود، دار المعارف بمصر.(5/18)
- القاموس المحيط، للفيروزآبادي (ت 817 هـ) ، دار الجيل، بيروت.
- كتاب سيبويه، لأبي بشر عمرو بن عثمان (ت 180 هـ) على الأرجح، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، عالم الكتب، ط. ثالثة 1403 هـ / 1983 م.
- لسان العرب، لابن منظور (ت 711 هـ) ، دار الفكر - صورة.
- المخصص، لابن سيده (ت 458 هـ) ، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، دار الباز، مكة المكرمة - صورة.
- المزهر في علوم اللغة وأنواعها، للسيوطي (ت 911 هـ) ، شرحه وضبطه محمد أحمد جاد المولى وزميلاه، دار الفكر - صورة.
- معاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزجاج (ت 311 هـ) ، تحقيق د/ عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب، ط. أولى 1408 هـ / 1988 م.
- معجم البلدان لياقوت الحموي (ت 626 هـ) ، دار صادر، بيروت.
- المقتضب، لأبي العباس المبرد (ت 285 هـ) ، تحقيق الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة، مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 1399 هـ.
- المقصور والممدود، لابن وَلاَّدٍ (ت 332 هـ) عني بتصحيحه محمد بدر النعساني، مطبعة السعادة، مصر، ط. أولى 1326 هـ / 1908 م.
- المقصور والممدود، للقالي (ت 356 هـ) ، تحقيق د/ أحمد عبد المجيد هريدي، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط. أولى 1419 هـ / 1999 م.
- الممتع في التصريف، لابن عصفور (ت 669 هـ) ، تحقيق د/ فخر الدين قباوه، دار القلم العربي بحلب، ط. ثانية 1393 هـ / 1973 م.
- المنتخب من غريب كلام العرب لكراع النمل (ت 310 هـ) ، تحقيق د/ محمد العُمَري، مطبوعات جامعة أم القرى ط. أولى 1409هـ/ 1989م.
- النهاية في غريب الحديث والأثر (ت 606 هـ) ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناحي، المكتبة العلمية بيروت.(5/19)
القياس الشكلي
د. سعود غازي أبو تاكي
الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية - كلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة الملك عبد العزيز
ملخص البحث
يتناول هذا البحث نوعاً هاماً من أنواع القياس هو"القياس الشكلي " لأن القياس قد أخذ طابعاً شكلياً، ولم يعد يعتمد على قياس الظواهر واستقراء مادتها.
وقد أراد النحاة بهذا القياس " الشكلي " استنباط شيء جديد من الصيغ والدلالات والتراكيب، نتيجة للحاجة الملحة إلى ألفاظ جديدة يعبّر بها عن المخترعات والمسميات الجديدة، واهتم بموجبه باشتقاق الجديد من الألفاظ والصيغ وإلحاقها بغيرها في الحكم النحوي في المجمعات اللغوية.
وقد استفاد النحاة بالمنطق الشكلي في إلحاق الصيغ بعضها ببعض في العمل والدلالة بحجة المشابهة في الشكل.
وقد مهد الباحث بشرح مفهوم القياس النحوي وبيان أهميته واتصاله بالمنطق الشكلي، ثم ما حدث بعد ذلك من التحول التام للقياس الشكلي، فالمفهوم الشكلي للقياس النحوي، إذ لم يعد الأمر يتعلق باطراد الظواهر واستقراء مادتها والقياس على ما شاع منها واطرد؛ بل تحول الأمر إلى مفهوم جديد للقياس النحوي هو مجاراة الشكل. ثم أجرى الباحث تطبيقاً عملياً للقياس الشكلي، محاولاً انتقاء المسائل التي يجري فيها القياس الشكلي كالحركة الإعرابية والحرف الإعرابي، والاتحاد في اللفظ والصيغة والاتحاد في اللفظ والمعنى معاً لكي لا تدخل على مسائل القياس الشكلي ما ليس منها من أنواع القياس الأخرى، ثم ختم البحث بذكر نتائجه وما يستفاد منه.
• • •
مفهوم القياس
يفهم القياس من قول ابن الأنباري: " إعلم أن القياس في وضع اللسان بمعنى التقدير، وهو مصدر قايست الشيء بالشيء مقايسة وقياساً: قدّرته، ومنه المقياس أي المقدار، وقَيْسَ رمح أي قَدْرَ رمح " (1) .(5/20)
أما القياس في الاصطلاح، فمفهوم شامل يدل على مفهومات متعددة، فمنه" قياس الاستعمال" أو " القياس اللغوي " و " القياس النحوي" و "القياس المنطقي"، والذي يهمنا هنا هو النوع الأول والثاني، أما القياس الأول فيقوم به المتكلم وأما الثاني فيقوم به الباحث، وإذا كان القياس الأول هو " قياس الأنماط " فالثاني هو " قياس الأحكام"، وإذا كان الأول هو " الانتماء " فإن الثاني هو "النحو"، ولعل الذي دعا ابن سلام إلى وصف الحضرمي بأنه " مد القياس " (1) هو معرفته أن الحضرمي قد حول النحو من طابع الانتماء التطبيقي الذي رسمه علي بن أبي طالب بقوله: " انح هذا النحو يا أبا الأسود " إلى الطابع النظري الذي يتسم بقياس حكم غير المسموع على حكم المسموع الذي في معناه.
فلا بد لنا إذن أن نفرق بين هذين النوعين من القياس، " فالقياس اللغوي هو مقارنة كلمات بكلمات أو صيغ بصيغ أو استعمال باستعمال، رغبة في التوسع اللغوي، وحرصاً على اطراد الظواهر اللغوية " (2) وهذا القياس يقوم به المتكلم - كما قلنا - وهو الذي يلجأ إليه الأطفال عندما يقيسون ما لم يسمعوه من جمل أو صيغ على ما سمعوه من قبل وقد يحدث أن يخطئ الأطفال عندما يقيسون ما لم يسمعوه من جمل أو صيغ على ما سمعوه من قبل، يحدث هذا في مرحلة اكتساب اللغة، وهي مرحلة مبكرة جداً من عمر الإنسان، وقد يحدث أن يخطئ الطفل في قياسه، وهنا يبرز دور الأسرة في إرشاده إلى الاستعمال الصحيح، فالطفل يسمع مثلاً: كبير وكبيرة، وصغير وصغيرة، وطويل وطويلة فيظن أن الفرق بين المذكر والمؤنث ينحصر في " تاء التأنيث " فحسب، لذا يقيس على هذه الكلمات التي سمعها ما لم يسمعه فيقول: أحمر وأحمرة، وأعرج وأعرجة، وهذا ما يعرف بالقياس الخاطئ.(5/21)
ويستمر هذا القياس مع ابن اللغة في مراحله المختلفة، فالكبير أيضاً يستخدم القياس فيقيس ما لم يسمعه من قبل على ما لديه من مخزون لغوي، فليس من المعقول أن يكون قد سمع كل الصيغ والجمل وطرق صياغتها وكذا الأسلوب لذا نراه يلجأ دائماً إلى القياس، وقد يحدث أن يخطئ أيضاً في قياسه.
ولا شك أن العربي القديم قبل الإسلام قد لجأ في كلامه إلى القياس، وأخطأ أيضاً في قياسه، ولكن قياسه لم يكن يوصف بأنه صواب أو خطأ في كثير من الأحيان، ولعل كثيراً من الصيغ والاستعمالات العربية التي نعدها - نحن الآن - فصيحة صحيحة قد كانت نتيجة هذا القياس الخاطئ.
حتى إذا جاء الإسلام وارتبطت العربية بالقرآن، لم يعد يسمح لهذا القياس بالانتشار، فوضعت القوانين والقواعد لحفظ الألسنة من اللحن خاصة بعد انتشار الإسلام خارج الجزيرة العربية، ولولا ارتباط العربية بهذا النص الخالد لتطورت كغيرها من اللغات نتيجة لهذا القياس.
وما تفعله المجامع اللغوية الآن من صياغة الجديد من المصطلحات والألفاظ قياساً على طرق الصياغة العربية - لهو نفسه "القياس الاستعمالي "،وذلك لمسايرة التقدم الحضاري وما يصحبه من ضرورة صياغة الجديد من الألفاظ والمصطلحات للاكتشافات والعلوم الجديدة التي لم تكن معروفة في أصل هذه اللغة.(5/22)
بل إن أحد الباحثين (1) يرى أن أساليب الأدباء تجري على نوع من صوغ القياس (ويقصد به القياس الاستعمالي) فالمرء يكوّن أسلوبه بطريق القراءة وحفظ النصوص الأدبية ثم الكتابة مع محاولة تقليد ما قرأ وما حفظ، وبعد هذا الجهد يعجب المرء بطرق خاصة في رصف الجملة، وفي اختيار المفردات، بل وفي اختيار الزاوية التي ينظر فيها إلى الموضوع كذلك، عندئذ يبدأ في صياغة أسلوبه قياساً على هذه المثل الجمالية التعبيرية التي كونها لنفسه واختزنها في جهازه العصبي، ولكن أسلوب المرء لا يأتي والحالة هذه مطابقاً لأي أسلوب معين من الأساليب التي قرأها وحفظها بل يكون كنتيجة التفاعل الكيميائي بين مادتين مختلفتين، حيث تكّون هذه النتيجة مادة ثالثة، ليس لها صفات أيّ من هاتين المادتين.
فهذا النوع من القياس هو ما يقصده ابن جنى بقوله: "ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب " (2) وهو ما يقصده السيوطي عندما ينقل عن ابن الأنباري قوله: " اعلم أن إنكار القياس في النحو لا يتحقق لأن النحو كله قياس ولهذا قيل في حده النحو: علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب " فمن أنكر القياس فقد أنكر النحو، ولا يُعْلَم أحد من العلماء أنكره، لثبوته بالدلالة القاطعة، وذلك أنا أجمعنا على أنه إذا قال العربي:
" كتب زيد " فإنه يجوز أن يسند هذا الفعل إلى كل اسم مسمى يصح منه الكتابة، نحو: " عمرو" و " أردشير" و"بشر" إلى مالا يدخل تحت الحصر، وإثبات مالا يدخل تحت الحصر بطريق النقل محال، وكذلك القول في سائر العوامل الداخلة على الأسماء والأفعال، الرافعة، والناصبة، والجارة، والجازمة، ... فلو لم يجز القياس، واقتصر على ما ورد في النقل من الاستعمال لبقي كثير من المعاني لا يمكن التعبير عنها لعدم النقل، وذلك مناف لحكمة الوضع، فوجب أن يوضع وضعاً قياسياً عقلياً لا نقلياً.. (3)(5/23)
أما النوع الثاني من القياس فهو "القياس النحوي " أو قياس الأحكام "، وهذا النوع يقوم به الباحث، ويعرّفه النحاة بأنه (1) حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه"، أو " هو قياس حكم شيء على حكم شيء آخر لسبب يوردونه.."، أو بعبارة أخرى " حمل غير المنقول على المنقول في حكم لعلة جامعة"، " أو حمل فرع على أصل لعلة وإجراء حكم الأصل على الفرع " أو " إلحاق الفرع بالأصل بجامع"، وهذا القياس هو المقابل النظري للقياس الاستعمالي، فإذا كان ما يرمي إليه القياس الاستعمالي " هو الصوغ العملي فإن ما يرمي إليه القياس النحوي هو الحمل النظري ويجب أن يكون الموقف من القياس النحوي منطلقاً من اللغة نفسها، ولا يحكم بمعايير غير لغوية في قياسه، وهذا ما حدث بالفعل في القرنين الأول والثاني الهجريين، ثم تحول موقف الباحث حيث بدأ يحكم معايير غير لغوية - وخاصة المنطقية منها - في دراسة اللغة.(5/24)
" وهذا الحمل إما أن يكون مبنياً على علة أو غير مبني على علة، فإن لم يكن مبنياً على علة فهو ما يسمونه الشبه"، وهو أقرب أنواع القياس النحوي إلى القياس الاستعمالي، وإن لم يكن منه تماماً، ومثاله إعراب المضارع لشبهه باسم الفاعل أما إذا كان مبنياً على علة فإما أن تكون العلة مناسبة أو غير مناسبة، فإذا كانت العلة مناسبة سمي القياس " قياس العلة" ويلزم حينئذ أن يكون هناك أصل وفرع وعلة وحكم، فإذا كانت العلة غير مناسبة سمي " قياس الطرد" ومثال قياس العلة قياس رفع نائب الفاعل قياساً على الفاعل بعلة الإسناد في كل منهما، ومثال قياس الطرد أن " ليس " مبنية بسبب اطراد البناء في كل فعل غير متصرف، وكان الأفضل من هذه العلة أن يقال إنها مبنية لأن الأصل في الأفعال البناء فهذا يشكل علة مناسبة.." (1) وفي الحقيقة هذا التقسيم السابق للقياس النحوي إنما هو تقسيم عقلي محض، وبخاصة إذا علمنا أن أركان القياس الأساسية موجودة في جميع هذه الأنواع وخاصة العلة التي بني على أساسها هذا التقسيم، فأركان القياس متوفرة في قياس الشبه وهي أربعة: أصل وفرع وحكم وعلة فالأصل هو اسم الفاعل، والمضارع هو الفرع، والحكم هو الإعراب، وشبه الفرع بالأصل هي العلة. أو ليست اللام في قول الباحث
" لشبهه باسم الفاعل " هي لام التعليل؟ والنوع الثالث وهو ما سماه ابن الأنباري " قياس الطرد " فتتوفر فيه الأركان الأربعة كذلك، وهي: أصل وفرع وحكم وعلة.
• • •
أهمية القياس(5/25)
تتعلق بهذه القضية مسألة بالغة الأهمية تتمثل في مدى قدرتنا على الرؤية الشاملة لفهم وتحديد أهمية القياس، أو بعبارة أخرى الأمر الذي تثيره هذه المسألة يتعلق بتساؤل نطرحه على عجل عما يمكن أن يقدمه القياس باعتباره أصلاً من الأصول النحوية التي حكمت فكر النحاة في وضع القواعد واستنباط الأحكام حتى نستطيع تفسير وفهم موقف النحاة القدماء والمحدثين على حد سواء من تلك القضية التي جذبت انتباه القدماء بحثاً وتأليفاً، وشغلت خلد المحدثين وتضاربت فيها الآراء.
... بداية وقبل أن نشرع في تحديد موقف النحاة القدماء والمحدثين لابد أن نقرر حقيقة غاية في الأهمية مؤداها أن الأصول النحوية عامة والقياس خاصة كالشمعة المضيئة التي تأبى أن تذوب إلا بعد أن تؤدي رسالتها وتنشر نورها في الآفاق، وهذا ما تقتضيه الحقائق التي تنبئ عنها دون التجارب العابرة التي تذهب بذهاب الأيام، ومما يؤكد ذلك ويقويه محاكاتنا وسيرنا على درب النحاة القدماء، وتطبيق القواعد التي ارتضوها، واحتذاؤنا عين مثالهم، والسير على مناولهم، إيماناً منا بأنهم جهابذة ينأون عن الخطأ، لأنهم اتخذوا القرآن الكريم بقراءاته، والشعر في عصر الاستشهاد مداداً لا ينضب، ووقوداً لا ينفذ لقواعدهم،.. وكوننا نستعمل قواعدهم ونطبقها فهو القياس بعينه، وعلى ذلك يكون القياس من الحقائق المتعالية التي لا يكون العلم علماً إلا به، وناهيك عن كثير من الادعاءات والترهات التي تحكم عليه بالتجمد والقصور، وكأنه رجس من عمل الشيطان فمن يخوض فيه يتبوأ مقعده من النار.
... وإنه لمن التفاهة أن تردد مثل هذه الادعاءات التي لا تسمن ولا تغنى من جوع، لأنها نظرة قاصرة تحول دون التأمل وإعمال الفكر وهي بعيدة كل البعد عن الواقع اللغوي الذي يشهد بأهمية القياس باعتباره معياراً من معايير القبول والرفض، والحكم على الظاهرة بالصواب أو الخطأ.(5/26)
ومما لا يدع مجالاً للشك أن لكل علم فلسفة لا تأتي إلا بعد اكتمال العلم وكذلك لكل علم أصول ومقومات لا يقوم إلا بها، فهي قوامه وعماده، التي لا غنى عنها ولا يتأتى إلا بها، ولا يكون العلم علماً إلا بها، وليس أدل على ذلك من موقف الكسائي الذي لم يكن يرى النحو إلا قياساً لذلك يؤثر عنه.
... إنما النحو قياس يتبع ... ... وبه في كل أمر ينتفع (1)
... وابن الأنباري أدرك تلك الأهمية لذلك يرى أن من أنكر القياس في النحو فقد أنكر النحو، لأن قولهم: نحن لا ننكر النحو لا نه ثبت استعمالاً ونقلاً لا قياساً وعقلاً، باطل لإجماع النحاة على أنه إذا قال العربي " كتب زيد " فإنه يجوز أن يسند هذا الفعل إلى كل اسم مسمى تصح منه الكتابة سواء كان عربياً أم أعجمياً نحو: زيد) و (عمرو) و (بشير) و (أرد شير) وإلى مالا يدخل تحت الحصر، وإثبات مالا يدخل تحت الحصر بطريق النقل محال، وكذلك القول في سائر العوامل الداخلة على الأسماء والأفعال الرافعة والناصبة والجازمة، فإنه يجوز إدخال كل عامل منها على مالا يدخل تحت الحصر فإنه يتعذر في النقل دخول كل عامل من العوامل على كل ما يجوز أن يكون معمولاً له (2) .
... وخلاصة الأمر أنه يثبت أن النحو إذا بطل أن يكون رواية ونقلاً، وجب أن يكون قياساً وعقلاً، لأن عوامل الألفاظ يسيرة محصورة، والألفاظ كثيرة غير محصورة " فلو لم يجز القياس، واقتصر على ما ورد في النقل من الاستعمال لأدّى ذلك إلى ألا يفي ما تخص بما لا تخص وبقي كثير من المعاني لا يمكن التعبير عنها لعدم النقل، وذلك مناف لحكمه الوضع فلذلك وجب أن يوضع وضعاً قياسياً عقلياً لا نقلياً " (3) .(5/27)
.. والقياس له عظيم الفائدة للغة وقواعدها فهو بمثابة شهادة ضمان للغة والدرع الواقي لقواعدها من اللحن والتحريف والزيغ وبه أغلقت الأبواب أمام عبث العابثين ولغو اللاغين، ولهو اللاهين، ونزق المستهزئين الذين يبذلون جهوداً ضخمة للتقليل من لغة القرآن لأنهم يدركون أن قوة الإسلام تكمن في لغته وبالتالي فهو بمثابة الضامن للغة حتى لانفتح أبواباً على اللغة من البلاء تسارع بها قدماً إلى الفناء، وقد وافق الدكتور إبراهيم أنيس المحدثين، وذهب إلى ما ذهب إليه المجددون من الباحثين الذين ينادون بإباحة القياس اللغوي للموثوق بهم من أدبائنا وشعرائنا، لا إلى جعل القياس في اللغة بأيدي الأطفال وعامة الناس كما هو الحال في كل لغة يترك أمرها لسنة التطور (1) .
... ومن الحقائق التي لا ينكرها أحد أن القياس له عظيم الفائدة فهو أدعى إلى الاختصار والإيجاز باعتباره يقيس الظاهرة على ظاهرة أخرى ويحكم لها بحكمها، فتأخذ الظاهرة المقيسة حكم الظاهرة المقاس عليها، ولا أبالغ إذ أقول إن القياس يساعد النحوي ويمكنه من تقرير وإثبات القواعد بل وارتجالها ارتجالاً كأنه ينتشل من بحر لا من بئر تضطرب فيه الأرشية، وقد أدرك القدماء فائدته لذلك يقول أبو علي الفارسي " أخطئ في خمسين مسألة في اللغة، ولا أخطئ في واحدة من القياس " (2) ويقول عنه ابن جنى " مسألة واحدة من القياس أنبل وأنبه من كتاب لغة عند عيون الناس " (3)
وأشار إلى أهمية القياس الشيخ محمد الخضر حسين، حيث يرى أن القياس طريق يسهل به القيام على اللغة بحيث يكون وسيلة تمكن الإنسان من النطق بآلاف من الكلم والجمل دون أن تقرع سمعه من قبل أو يحتاج إلى الوثوق من صحة عربيتها، إلى مطالعة كتب اللغة والدواوين الجامعة لمنثور العرب ومنظومها (4) .
بداية الإتصال بالمنطق الشكلي:(5/28)
كانت بداية الاتصال بالثقافة الإغريقية في عهد المنصور (ت 136هـ) ، وكان هذا الاتصال ضعيفاً، فالترجمة حينذاك كانت تتسم بالفردية والترجمة غير المباشرة أما الاتصال الحقيقي بهذه الثقافة فقد بدأ بعصر المأمون (ت 198هـ) ، حيث العصر الذهبي للترجمة، فسمعنا بيوحنا بن ماسويه، وحنين بن إسحاق (ت 260هـ) وغيرهما من كبار مترجمي الثقافة الإغريقية عامة، والمنطق الأرسطي بصفة خاصة.
وقد كان لهذه الترجمة، وبخاصة ترجمة الفكر الإغريقي " أخطر الآثار وأعمقها في الفكر الإسلامي، فإن المتصلين بهذه الأفكار من المترجمين وتلاميذهم أدركوا بوضوح أنهم يقفون على فكر يختلف إلى أبعد غايات الاختلاف عن العلوم المختلفة التي تفرع إليها النشاط العلمي في العالم الإسلامي في المادة والمضمون معاً، ثم في المناهج التي تعالج هذه المادة وهذا المضمون جميعاً، ... وما لبث هذا أن ميز بين اتجاهين أساسيين في القرن الثاني الهجري الاتجاه الأول يضم هؤلاء المترجمين وتلاميذهم ممن اتصلوا بالثقافات الأجنبية بعامة، وبالثقافة الإغريقية بصفة خاصة وبالمنطق اليوناني والفلسفة اليونانية على نحو أخص، والاتجاه الثاني يجمع أولئك الملتزمين بأصول العلوم الإسلامية كما قررتها القواعد الدينية وتفاصيلها وكما شكلتها الحاجات الاجتماعية وصاغتها التطورات الذاتية للثقافة الإسلامية.
و" ... كان أهم ما التفت إليه المفكرون الإسلاميون في نقد المنطق اليوناني خلوه من ملاحظة المضمون جملة أي شكلية هذا المنطق (1) ...
ومرد هذا الموقف الحاسم من المفكرين الإسلاميين إلى أسباب كثيرة، ليس من بينها رفض الإفادة من التراث البشري الذي يعد ملكاً مشتركاً للحضارات الإنسانية بأسرها، بل يمتد هذا الموقف من المنطق اليوناني عن التحليل الدقيق له من وجهة النظر الإسلامية.
ومن تلك الأسباب:(5/29)
1- إنه مشكوك فيه إلى حد كبير، ويرجع هذا الشك إلى أسباب كثيرة، أهمها عدم قدرة المترجمين أنفسهم على الإحاطة بالتراث اليوناني..
2- أنه يرتكز على دعامتين لا سبيل إلى تجريده منهما: ميتافيزيقا أرسطو، واللغة اليونانية التي ينبني المنطق في جانب كبير من تحليلاته للقضية عليها.
3- شكلية هذا المنطق، فهو مجرد من كل عنصر مادي، بل مجرد ميزان صوري شكلي يراد به استعماله في العلوم على اختلافها، فهو ميزان عقلي صرف.
4- أنه لا يتسم في ذاته - بالسلامة أيضاً.
ومن الطبيعي أن ينشب الصراع حاداً بين هاتين المدرستين في أواخر القرن الثاني الهجري، واستمر في بعض الحالات إلى القرن الرابع، وفي حالات أخرى طيلة القرن الخامس أيضاً (1) .
وكان النحو أحد العلوم العربية التي تأثرت في هذه المرحلة بالفكر الإغريقي بمعطياته الميتافيزيقية وقوانين المنطق فقد تأثر فيها التفكير النحوي في جملته ببعض الأفكار الفلسفية اليونانية كما تأثر بعض النحاة بالبناء المنطقي لهذا الفكر، وكان لهذا صداه الخافت أولاً في دراسات النحاة لظواهر اللغة التركيبية وتقنينهم لها، ثم تدخل آخر الأمر في مجال تقنين الظواهر وتفسيرها وتحديد أصولها جميعاً (2) .
ويمكن أن نلمس بذور التأثير المنطقي في القياس في هذه المرحلة، فقد كان هذا التأثير (على حد تعبير الدكتور أبو المكارم) " أشبه بتسلل الحذر منه باقتحام القادر " (3) ومع ذلك " فطن كثير من النحاة – وبخاصة في بداية هذه المرحلة – إلى أن الغزو الفكري يمكن أن يبدأ بالتسلل، فهاجموا الاتجاهات المنطقية نظراً وتطبيقاً.. لكن هذا الموقف ما لبث أن تغير في أخريات هذه المرحلة، إذ اكتفى النحاة برفض المنطق نظرياً في الوقت الذي قبلوا فيه بعض نتائجه تطبيقياً" (4) .(5/30)
وأخذ تأثير المنطق الشكلي في القياس اللغوي في هذه المرحلة يظهر في بعض الأقيسة وبعض الحدود وبعض التعليلات حيث كانت البداية هي استخدام المنطق الأرسطي لتنمية الحصيلة اللغوية باشتقاق الجديد من الألفاظ والصيغ " فقد أحس اللغويون والنحاة بضرورة الأخذ بالقياس الشكلي الصوري المنطقي لتنمية الحصيلة اللغوية حتى تلاحق التطور الاجتماعي وتلبي احتياجاته المتعددة التي يقصر المحفوظ من اللغة عن التعبير عنها" (1) .
وهكذا تم إلحاق صيغ بأخرى في الحكم لمجرد المشابهة بينهما اعتماداً على المنطق الشكلي.
" ومن ثم ليس من شك في أن الأخذ بالقياس الشكلي في هذه المرحلة في مجال "الصيغ" و " الأحكام النحوية "، هو الذي مهد بصورة حاسمة لنمو التأثيرات المنطقية وتراكمها في البحوث النحوية في المرحلة التالية حتى أصبح الركيزة الأساسية " للحكم" النحوي، والمحور الرئيسي " للاستدلال " في كافة المجالات التي تفرع إليها البحث النحوي، بما في ذلك تلك الجوانب التي ظلت - طيلة هذه المرحلة - بمنأى عن التأثر بالقياس، وفي مقدمتها الأحكام النحوية التي تعتمد على " النصوص " المطردة، بعد أن أصبحت هذه الأحكام النحوية - وإن اعتمدت على النصوص - لا تثبت " بالنص " وإنما تثبت " بالعلة " (2)
وكما تأثر القياس في هذه المرحلة بالمنطق الشكلي تأثرت العلل النحوية أيضاً، حيث تغير هدفها من تسويغ "الموجود بالفعل" من الظواهر اللغوية و" المقنن في الواقع" من القواعد النحوية فأصبح التعليل " محور البحث النحوي "، بعد أن أصبحت العلة ركيزة الحكم في القياس بمفهومه الجديد المستمد من المنطق (3) .
وهكذا مهدت هذه المرحلة للسيطرة التامة للمنطق الشكلي في المرحلة التالية.
التحول التام للقياس الشكلي:(5/31)
.. كانت نشأة العلوم اللغوية بعامة والنحو وأصوله بصفة خاصة نشأة إسلامية عربية خالصة استجابة للظروف التي أدت إلى هذه النشأة، واتبع النحاة منهجاً إسلامياً خالصاً، حتى كانت ترجمة الفكر الإغريقي عامة والمنطق بصفة خاصة في عهد المأمون (ت 198هـ) ، فتجاور المنهج الإسلامي مع المنهج المنطقي لكن المنهج الإسلامي كان هو الأغلب وتأثيره أقوى في النحو العربي وأصوله، وظل الأمر هكذا حتى كان منتصف القرن الرابع الهجري " فانعكس الوضع، فإن الخصائص المنطقية قد أصبح لها الغلبة على فكر النحاة وآثارهم، وصارت الخصائص الذاتية للمنهج الإسلامي من القلة والضآلة بحيث لم تعد ملموسة في الأصول العامة، وإنما يمكن أن تدرك آثارها في بعض جزئيات هذه الأصول " (1) .
... " لقد كان تجاور النظريتين في الأصول العامة للتفكير النحوي فترة طويلة كافيّا لإحداث قدر من التلاحم بين النظريتين، بحيث لم يستطع النحاة التفرقة بين الخصائص الإسلامية والخصائص المنطقية في الأصول النحوية، وقد ساعد على ذلك - دون شك - الوحدة الشكلية لبعض الأصول النحوية منطقياً وإسلامياً، ففي الأصول الإسلامية قياس وفي المنطق قياس، وفي الأصول الإسلامية تعليل، وفي المنطق تعليل، ... ولكن فات النحاة أن القياس والتعليل والتعريف في المنهج الإسلامي - كلاً - يختلف في خصائصه وشرائطه وغاياته عن نظيره في المنطق الإغريقي " (2) .(5/32)
إذن بدأ هذا التحول من الفكر الإسلامي إلى المنطقي من النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، وتظل خصائص هذا التحول " تمتد عبر القرون التالية حتى العصر الحديث، فإن الدراسات النحوية التقليدية المعاصرة تتبع في دقة اتجاهات النحاة في هذه المرحلة، وتلتزم بأصولهم عن وعي حيناً ودون إدراك أحياناً، ودون تمرد على هذه الأصول دائماً " (1) .. وقد بلغ القياس ذروته في هذه المرحلة (2) على يد أبي علي الفارسي (ت 377هـ) ، وتلميذه ابن جني (ت 392هـ) فنادوا بذلك الرأي المشهور: " ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب " (3) ، وقد بلغ من اعتزاز أبي علي بالقياس أن روي عنه أنه قال: " لأن أخطئ في خمسين مسألة مما بابه الرواية أحبّ إليّ من أن أخطئ في مسألة واحدة قياسية " (4) وهكذا نهض هذان الإمامان بالقياس نهضة لم يحظ بمثلها أحد قبلهما ولا بعدهما حتى اليوم.
أما الفارسي فقد عشق القياس الذي بهره وأخذ على فكره السبل، فصار يمتحن به كل مسألة تعرض له، وعلى رسومه يصدر فتواه ويعتقد آراءه.. فقد سأله ابن جني يوماً: " هل يجوز لنا في الشعر من الضرورة ما جاز للعرب أم لا؟ " فقال: " كما جاز أن نقيس منثورنا على منثورهم، فكذلك يجوز لنا أن نقيس شعرنا على شعرهم، فما أجازته الضرورة لهم أجازته لنا، وما حظرته عليهم حظرته علينا، وإذا كان كذلك فما كان من أحسن ضروراتهم فليكن من أحسن ضروراتنا، وما كان من أقبحها عندهم فليكن من أقبحها عندنا، وما بين ذلك بين ذلك " (5)
... وقد سار ابن جنى على منهج أستاذه أبى على الفارسي في القياس، ويتضح ذلك من كثرة الآراء التي رواها عنه في كتابه " الخصائص"، كما أن ابن جنى قد خطا بالقياس إلى الأمام خطوات واسعة.(5/33)
وممن أيدوا مذهب أبي علي الفارسي في القياس-الزمخشري (ت 538هـ) ، فقد كان يرى الاحتجاج بأقوال المولدين، والقياس عليها، مستشهداً في تفسيره ببيت لأبي تمام، لأنه يرى أنه ممن يوثق بقوله، وقد تبعه في هذا العلامة الرضي (ت 688هـ) فقد استشهد بشعر لأبي تمام في عدة مواضع من شرحه لكافية ابن الحاجب " (1)
ويرى الشيخ الطنطاوي في كتابه (نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة) أن استشهاد الرضي بأقوال المحدثين مما يؤخذ عليه فيقول، " إنما المؤاخذة عليه في استشهاده بشعر المحدثين، والنحاة لاينظرون إليه في اتخاذه اساساً للقوانين النحوية وقد ذكر منه مقداراً كبيراً سأذكر لك بعضاً منه.." (2) ثم يذكر بعض الأبيات ومنها استشهاده بقول بشار في باب" الحال ":
... إذا أنكرتني بلدة أونكِرتها ... ... خرجت مع البازي عليّ سواد
وبقول أبي الطيب المتنبى:
... قبلتها ودموعي مزج أدمعها ... وقبلتني على خوف فماً لفم
وبقوله:
بدت قمراً وبانت خُوط بان ... ... وفاحت عنبراً ورنت غزالاً
وفي باب اسم الفاعل بقول ربيعة:
... لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغربن حاتم
تم يعقب بقوله:" ولا ريب أن استشهاده بالمحدثين إحدى الهنات الملاحظة عليه" (3)
إذا كان هذا موقف الشيخ الطنطاوي وأمثاله، نجد أحد الباحثين يرى أن هؤلاء الذين لايرون الاستشهاد بأقوال المولدين هم غلاة اللغويين وهم المتزمتون أو المحافظون الذين قسموا لنا الظواهر اللغوية أقساماً:
1- المطرد في القياس والسماع.
2- المطرد في السماع الشاذ في القياس.
3- المطرد في القياس الشاذ في السماع.
4- الشاذ قياساً وسماعاً.(5/34)
وهؤلاء الذين يقصدهم الدكتور " أنيس " هم الذين تأثروا في أحكامهم التقعيدية والتعليمية معاً بخصائص الحكم الفلسفي، وبصفة خاصة بما يميز هذا الحكم من طرد الأحكام الممتدة عن بعض الظواهر إلى ظواهر أخرى، اكتفاء" بنوع من الاتساق النظري بينها دون الإعتماد على ركائز يقينية، وإنما تشيده التصورات الذهنية وحدها، بصرف النظر عن الوجود الواقعي لها، ومن ثم صح عند ابن جني أن يجعل من بين أقسام الكلام من حيث الاطراد والشذوذ: " ما كان مطرداً في السماع شاذاً في القياس، وما كان مطرداً في القياس شاذاً في السماع " دون أن يحس بتناقض هذا التفاوت في الحكم بين السماع والقياس، إذ لم يعد المسموع والمروي ذا قيمة مؤثرة في الفكر النحوي بعد أن أغنى عنهما الإدراك العقلي للنصوص اللغوية، ومن هنا فإن ما يبدو عجيباً من تناقض الأحكام مع الواقع اللغوي يبدو مبرراً منطقياً مع منهج البحث النحوي في هذه المرحلة (1) .
يتضح لنا إذن أن الصراع كان ناشباً بين المجددين والمحافظين، فينتصر المجددون حين تبرق بارقة من الحرية في القول، كتلك التي كانت على يد المعتزلة، وتخبو جذوتهم حين تشيع روح المحافظة كتلك التي كانت أيام المتوكل الذي نكل بالمعتزلة ومن على شاكلتهم، فقد كان لحرية الرأي في الأمور الفلسفية والاجتماعية صدى في البحوث اللغوية أيضاً (2) .(5/35)
ولكن السمة الغالبة على هذه الفترة كانت الخضوع التام والتبعية الكاملة للمنطق في كافة البحوث النحوية، ويظهر أثر ذلك بإلقاء نظرة فاحصة على النتاج الثقافي اللغوي والنحوي منه بصفة خاصة، وقد رأينا كيف دفع ذلك ابن جنى إلى تقسيم الظواهر اللغوية إلى أربعة أقسام لا وجود لها في الواقع اللغوي، لكن القسمة العقلية المنطقية تقتضي ذلك حتى أننا نجده يذكر لنا النوع الرابع الشاذ قياساً وسماعاً ويذكر له بعض الكلمات القليلة وينسبها إلى بعض البغداديين ولم يسمّ أحداً منهم، ولست أدرى كيف يكون من اللغة ذلك الشاذ في القياس والسماع كليهما، وكيف يعد قسماً من أقسام الظواهر اللغوية؟!
... وقد عقد الدكتور أبو المكارم في كتابه" تقويم الفكر النحوي " فصلاً كاملاً تناول فيه صور التأثير الإغريقي في النحو العربي، ويهمنا هنا ما يتعلق بمادة هذا البحث، وهو التأثير الإغريقي في مجال القياس، فيقول:
" وتتجلي تلك التبعية وهذا الالتزام في امتداد خصائص القياس النحوي في هذه المرحلة عن الخصائص المميزة للقياس المنطقي " (1) .(5/36)
.. فشكلية القياس النحوي واضحة في تحليل المقيس، وبصورة خاصة في مجال قياس الظواهر، حيث يلحق النحاة ما يشاءون من الأحكام بما يشاءون منها، ويعتبرون ما يلحقونه به أصلاً وما يلحقونه فرعاً، ولا يتحرجون في هذا المجال من أن يقيسوا ما ثبت من الأحكام على ما اختلف في ثبوته، كما لا يترددون في إلحاق ما يشكون فيه بما يشكون فيه أيضاً، دون أن يستندوا في كل ذلك إلى سند موضوعي أو يعتمدوا على أساس من الملاحظة الدقيقة المستوعبة للظواهر، ومن ثم فإن القياسات النحوية لم تبدأ بما كان ينبغي أن تبدأ منه بتصنيف الظواهر وتحديد علاقاتها لاكتشاف مقوماتها وبلورة خصائصها مما كان يقدم أساساً مقبولاً للتعامل المباشر مع الظواهر من حيث إلحاق بعضها ببعض، ومن ثم امتداد الأحكام من بعضها إلى بعض، وإنما على العكس من ذلك بدأت بنقل الأحكام من ظاهرة إلى أخرى بتطبيق القواعد الشكلية للإلحاق، فقفزت إلى النتائج دون أن تلم بالمؤثرات الموضوعية التي أسلمت إليها.
... وشكلية القياس النحوي جلية أيضاً في المقيس عليه، وبشكل بارز في القياس على القليل وعلى الشاذ.(5/37)
.. " وإذا كانت شكلية القياس المنطقي قد أحدثت آثارها في الأقيسة النحوية، فإن ميتافيزيقية القياس المنطقي قد تركت صداها في الأقيسة النحوية أيضاً، وأهم المجالات التي تتضح فيها هذه المتيافيزيقية هي الحكم، ذلك أن الحكم النحوي لا ينبني في تصور النحاة على النصوص التي تحمله، ولا يعتمد على الظواهر التي تؤيده، وإنما يمتد عن الفكرة الذهنية للقياس النحوي المستمدة في جوهرها من الصورة الميتافيزيقية للقياس المنطقي، ومحور هذه الصورة تجريد الحكم من مقوماته المادية التي ينبني عليها، وجعله مرتبطاً ارتباطاً ذهنياً صرفاً عن طريق التلازم العقلي بالقضايا والأشكال ... ومن ثم يصح عندهم نقله من مجاله الموضوعي الذي وردت به النصوص والظواهر معاً إلى مجالات لم ترد لها نصوص ولم تشر إليها ظواهر، بل أمكن عندهم نتيجة لهذا التصور الذهني نقل الحكم إلى حيث تناقضه الظواهر والنصوص جميعاً " (1) .
ثم ينتهي من هذا كله إلى نتيجتين على قدر كبير من الأهمية تَرَكَهُمَا الأخذُ بخصائص القياس المنطقي في القياس النحوي وهما: إهمال النصوص، وتناقض الأحكام.
... ويرى أن ذلك كان وراء كثير من صور التعارض بين الأدلة في التراث النحوي، مما اضطر النحاة إلى ابتكار وسائل جديدة لترجيح الأحكام من ناحية، وتأييدها بالنصوص من ناحية أخرى، فكان أن استعاروا من المنهج الإسلامي ما تحدد في علم أصول الفقه من أساليب لترجيح الأدلة حين تتعارض (2) .
واستمر الأمر هكذا حتى كانت مبشرات النهضة الحديثة أواخر القرن الماضي.
المفهوم الشكلي للقياس النحوي:(5/38)
شهد أواخر القرن الثالث الهجري وبدايات القرن الرابع تحولاً في مفهوم القياس، فلم يعد يعنى باطراد الظواهر واستقراء مادتها والقياس على ما شاع منها واطرد، بل بدأ يأخذ طابعاً شكليا يعتمد على حمل فرع على أصل لعلة جامعة بينهما، سواء أكان هذا الحمل هو حمل المسموع على مسموع، أو مفترض على مسموع أو حكم نحوي على آخر (1) . ولم يكن هذا التحول فجأة، بل إن من النحاة من أنكره ولم يسلم به، وتشبث بما درج عليه الأوائل من فهم له، ولا أدل على ذلك من الفصل الذي عقده ابن الأنباري " في شُبَه تورد على القياس " تمثلت فيما يأتي (2) :
1- لو جاز حمل الشيء على الشيء بحكم الشبه لما كان حمل أحدهما على الآخر بأولى من صاحبه، فإنه ليس حمل الاسم المبني لشبه الحرف على الحرف في البناء بأولى من حمل الحرف لشبه الاسم على الاسم في الإعراب
2- إذا كان القياس حمل الشيء بضرب من الشبه، فما من شيء يشبه شيئاً من وجه إلا ويفارقه من وجه آخر فإذا كان وجه المشابهة يوجب الجمع، فوجه المفارقة يوجب المنع.
3- " لو كان القياس جائزاً لكان ذلك يؤدي إلى اختلاف الأحكام لأن الفرع قد يأخذ شبهاً من أصلين مختلفين فإذا حمل على كل واحد منهما وجد التناقض في الحكم وذلك لا يجوز، فإن (أن) الخفيفة المصدرية تشبه (أنّ) المشددة من وجه، وتشبه (ما) المصدرية من وجه، و (أنّ) المشددة معمله و (ما) المصدرية غير معمله، فلو حملنا (أن) الخفيفة على (أنّ) المشددة في العمل، وعلى (ما) المصدرية في ترك العمل لأدى ذلك إلى أن يكون الحرف الواحد معملا وغير معمل في حال واحدة، وذلك محال " (3) .(5/39)
وهذه الاعتراضات لمنكر القياس قد أجاب عنها ابن الأبناري بما يثبت تأييده للقياس والرد على من أنكره وهى تعبير عن رفض فئة من النحاة للقياس بمفهومه الشكلي، ولقد بلغ هذا المفهوم الشكلي للقياس قمة نضجه واكتماله على يد ابن الأنباري، ثم السيوطي من بعده، فقد تحددت عندهما حدوده، وأنواعه، وأقسامه، واعتمدا في كثير مما جاءا به على ما كتبه ابن جني في الخصائص. فقال: " أعلم أن القياس في وضع اللسان بمعنى التقدير، وهو مصدر قايست الشيء بالشيء مقايسة وقياساً، أي قدرته، ومنه المقياس أي المقدار وهو في عرف العلماء عبارة عن تقدير الفرع بحكم الأصل، وقيل هو حمل فرع على أصل بعلة تقتضي إجراء حكم الأصل على الفرع، وقيل: هو ربط الأصل بالفرع بجامع، وقيل: هو اعتبار الشيء بالشيء بجامع، وهذه الحدود كلها متقاربة" (1) " وهذه المحاولة - بما تسعى إليه من إخفاء صفة الأصالة وبما فعلته من الربط بين المدلولين: اللغوي والاصطلاحي - قد وقعت في خطأين بارزين:
أولهما: أن تلمُّس الصلة بين هذين المعنيين قد أبعد النحاة عن مقتضيات الدقة العلمية، إذ لو كان لفظ القياس قد أخذ هذا المدلول الجديد عليه في البحث النحوي، لعرف به من قديم، ولترك آثاره في التفكير النحوي وفي البحث النحوي معا، وذلك غير صحيح.
والثاني: أن اعتبارهم المعنى اللغوي أساس المعنى الاصطلاحي جعلهم ينصرفون عن تحليل المؤثرات الحقيقية في المعنى الجديد للقياس وتقويم آثارها فيما أصابه من تطور ومن ثم ظلت أسباب هذا التطور ومصادره بعض النقاط الغامضة في البحث النحوي (2) .(5/40)
ولعل ملامح هذا القياس الشكلي تتضح بالوقوف على أركانه التي يقوم عليها وقد حددها ابن الأنباري بأربعة أركان ثم ذكر مثالاً تتحقق الأركان الأربعة فيه، فقال: " ولا بد لكل قياس من أربعة أشياء: أصل وفرع وعلة وحكم وذلك مثل أن تركب قياساً في الدلالة على رفع ما لم يسم فاعله فتقول: اسم أسند الفعل إليه مقدما عليه، فوجب أن يكون مرفوعاً قياساً على الفاعل، فالأصل هو الفاعل والفرع ما لم يسم فاعله، والعلة الجامعة هي الإسناد، والحكم هو الرفع، والأصل في الرفع أن يكون للأصل الذي هو الفاعل، وإنما أجري على الفرع الذي هو ما لم يسم فاعله بالعلة الجامعة التي هي الإسناد. وعلى هذا النحو تركيب كل قياس من أقيسة النحو " (1) . ونعرض الآن لهذه الأركان:
1- المقيس عليه: وهو الأصل الثابت بداهة أو بحكم الثابت ولا خلاف عليه.
2- المقيس: وهو الفرع أو الشيء المجهول الذي نقيم القياس لنلحقه بالمقيس عليه.
3- العلة: وهي الشيء الذي أدّى بنا إلى إلحاق المقيس " الفرع " بالمقيس عليه " الأصل " للإشتراك بينهما.
4- الحكم: وهو النتيجة التي نخرج بها إلى إلحاق المقيس بالمقيس عليه للعلة الجامعة المشتركة بينهما.
وحتى لا يطول الحديث في تفصيل تلك الأركان التي تطرق لها عدد ليس بقليل من الباحثين والمؤلفين، فإننا نتحول إلى التطبيق على القياس الشكلي الذي أدت إليه الحاجة لاستنباط شيء جديد في صورة صيغ أو دلالات أو تراكيب للتعبير بها عن الحياة الجديدة.
التطبيق على القياس الشكلي:
ونتطرق للتطبيق على القياس الشكلي من خلال المسائل التالية:
1- قياس النصب على الجر:(5/41)
فإنه من المسلم به في اللغة العربية أن المثنى يرفع بالألف، نحو: حضر الزيدان، وينصب ويجر بالياء، نحو: أكرمت الطالبين، ونظرت إلى الرجلين. وجمع المذكر السالم يرفع بالواو، نحو صام المسلمون، وينصب ويجر بالياء كالمثنى نحو: هنأت المسلمين بقدوم العيد، وسررت من المسلمين. فالمثنى وجمع المذكر السالم ينصبان ويجران بالياء إلا أن النصب فيهما محمول على الجر، أما في المثنى، فلا يمكن أن يكون النصب بالألف، لئلا يقع في الكلام لبس فإذا دخل عامل الجر على المثنى، قلبت الألف ياء لأجل المناسبة، وبقيت الفتحة قبلها إشعاراً بكونها ألفاً في الأصل. فكان حمل النصب على الجر، ذلك أن المنصوب والمجرور متآخيان في أشياء: منها أن كلاً منهما فضلة، يجيئان بعد تمام الكلام، ومنها اتفاق ضميرهما في الغيبة والخطاب، كقولك: كتابك وكتابه، ومنها اتفاقهما في المعنى واتفاقهما في المخرج، فالفتح من أقصى الحلق، والكسر من وسط الفم. لهذه المناسبة والمشابهة بين المنصوب والمجرور حمل النصب على الجر في المثنى " لأن الجر أخف من الرفع، فلما أرادوا الحمل على أحدهما كان الحمل على الأخف أولى من الحمل على الأثقل، وهو الرفع (1)) . وكذلك حمل النصب على الجر في جمع المذكر، لأنه لو قلبت الواو ألفاً في النصب، لأدى ذلك إلى الالتباس بالمثنى المرفوع،" فكان الحمل على الجر بالياء أولى من غيره، لأن دلالة الياء على الجر أشبه من دلالتها على النصب، لأن الياء من جنس الكسرة، والكسرة تدل في الأصل على الجر فكذلك ما أشبهها (46) ".
هذا وقد جاء نصب جمع المؤنث بالكسرة حملاً على جره بها، كما حمل النصب على الجر في جمع المذكر إجراء للفرع على وتيرة الأصل.
هكذا رأينا أن النصب بالياء في المثنى وجمع المذكر جاء محمولاً على الجر بها كما أن النصب بالكسرة في جمع المؤنث جاء محمولاً على الجربها أيضاً، وكل ذلك من قبيل حمل الفرع على الأصل.(5/42)
2- قياس الجمع على المفرد إعلالاً وتصحيحاً
... من مواضع قلب الواو ياء " وقوعها عينا لجمع صحيح اللام، وقبلها كسرة وهي في المفرد معلة. وذلك نحو: دار وديار، وقيمة وقيم، وديمة وديم (1) ". الأصل دور وقوم ودوم، فقد أعلت الواو في الجمع قياساً على إعلالها في المفرد، فإذا صحت عين المفرد صحت عين جمعه قياساً عليه، فصحت عين "طوال " لصحتها في عين مفرده طويل. وصحت عين الجمع في نحو أسواط وأحواض لعدم كسر ما قبلها، وصحت عين الجمع في ثورة وزوجة قياساً على صحتها في المفرد ثور وزوج" هكذا: أعلت عين الجمع حين أعلت عين مفرده، وصحت حين صحت عين مفرده، فقد حمل الجمع على المفرد إعلالا وتصحيحا حمل فرع على أصل، لأن الجمع فرع على الإفراد، وقد تساويا في علة الإعلال، كما تساويا في علة الصحة (2) ".
3- قياس الحذف للنصب على الحذف للجزم:
كل فعل مضارع اتصل به ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، نحو: يضربان وتضربان ويضربون وتضربون وتضربين، فإنه يرفع بثبوت النون وينصب ويجزم بحذفها.
" بيد أن الحذف في حالة النصب مقيس على الحذف في حالة الجزم، لأن الحذف للجزم أصل (3) " وإنما كان أصلاً لمناسبة الحذف للسكون الذي هو الأصل الأصيل في الجزم، لذلك كان حمل النصب على الجزم في الحذف من قبيل حمل الفرع على الأصل.
4- قياس الصفة المشبهة على اسم الفاعل:
يجوز في الصفة المشبهة أن تعمل الرفع والنصب والجر، فالرفع على الفاعلية والنصب على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة، والجر على الإضافة، وذلك في نحو: قولك: هذا الحسن الوجه.
" فالوجه يجوز رفعه على الفاعلية، ونصبه على التشبيه بالمفعول به، وجره بإضافته إلى الحسن (4) ".(5/43)
ولكن سيبويه أجاز للجر وجهاً آخر، " وهو أن يكون جره بالحمل على جر الرجل في قولهم: هذا الضارب الرجل (1)) "، كما أجازوا - أيضاً - النصب في قولهم: هذا الحسن الوجه، حملا له منهم على " هذا الضارب الرجل ". فقد حمل النحاة - حينئذ - نصب الوجه في الصفة المشبهة، على وجه النصب في اسم الفاعل بيد أن سيبويه حمل وجه الجر في الصفة المشبهة على وجه الجر في اسم الفاعل. " وهذا من قبيل حمل الفرع على الأصل، لأن الصفة المشبهة فرع على اسم الفاعل في العمل، لذلك قصرت عنه فلم تعمل في متقدم ولا في غير سببي (2) ".
5- قياس الفعل المعتل على الصحيح:
الفعل الماضي مبني اتفاقا، وبناؤه على الفتح نحو: أكل وشرب، ما لم يتصل به واو الجماعة فيضم نحو: أكلوا وشربوا، أو ضمير رفع متحرك فيسكن نحو: أكلت وأكلنا، وشربت وشربنا.
والمضارع معرب، ما لم تتصل به نون التوكيد أو نون النسوة. فمثال نون التوكيد المباشرة: تقرأنّ؟ ، فالفعل معها مبنى على الفتح.
ومثال نون النسوة، قوله تعالى: {والوالدات يرضعن} (3) ، والفتيات يلعبن، فالفعل معها مبني على السكون. أما الفعل الأمر فقد أختلف في بنائه: فذهب الكوفيون إلى أن فعل الأمر معرب مجزوم بلام الأمر المقدرة، وأصلة: لتضرب فحذفت اللام تخفيفا، فصار: تضرب، ثم حذف حرف المضارعة قصداً للفرق بين هذا وبين المضارع غير المجزوم عند الوقف عليه، فاحتيج بعد حذف حرف المضارعة إلى همزة الوصل توصلا للنطق بالساكن، فصار: اضرب واستدلوا على أنه معرب مجزوم بلام مقدرة، أنك تقول في المعتل: اغز، ارم، اخش، فتحذف الواو والياء والألف كما تقول: لم يغز، لم يرم، لم يخش، بحذف حرف العلة، فدل ذلك على أنه مجزوم بلام مقدرة.(5/44)
" أما البصريون فقد ذهبوا إلى أن فعل الأمر مبني على السكون في نحو: اضرب لأنه صحيح الآخر، ومبنى على حذف حرف العلة في نحو: اغز، اخش، ارم، لأنه معتل الآخر. فقد حذفت الواو والألف والياء من هذه الأفعال للبناء لا للإعراب. وتم هذا الحذف قياساً للفعل المعتل على الصحيح، وذلك أنه لما استوى الفعل المجزوم وفعل الأمر الصحيح في قولك: لم يخرج، واخرج في سكون الآخر، وإن كان أحدهما مجزوما والآخر مبنياً، سوي بينهما في الفعل المعتل بحذف حرف العلة.
" وإنما وجب حذفها في الجزم، لأن هذه الأحرف التي هي الواو والألف والياء جرت مجرى الحركات لشبهها بها فكما أن الحركات تحذف للجزم، فكذلك هذه الأحرف، فلما وجب حذف هذه الأحرف في المعتل للجزم، فكذلك يجب حذفها من المعتل للبناء، فحذفت فيهما حملا للمعتل على الصحيح، لأن الصحيح هو الأصل، والمعتل فرع عليه، فحذفت حملا للفرع على الأصل (1) . والخلاصة أن المضارع والأمر المعتلين حملا - في حذف حرف العلة - على المضارع والأمر الصحيحين حمل فرع على أصل، للتشابه بين حروف العلة والحركات في أن كلا منهما يحذف عند وجود المقتضى.
وقد ساق ابن جني رأيا لطيفا فذكر أنه إذا كان المراعى هو جانب الحركات والحروف، بغض النظر عن الصحة والاعتلال، كان من قبيل حمل الأصل على الفرع، لأن الحركات زوائد والحروف أصول (2) .
6- قياس الجر على النصب:
... الكسرة هي العلامة الأصلية للجر، والفتحة هي العلامة الأصلية للنصب، تقول: مررت بزيد، وأكرمت زيداً. ولكن مالا ينصرف من الأسماء جر بالفتحة نيابة عن الكسرة، فجر مالا ينصرف - حينئذ - بالفتحة مقيس على نصبه أى أن الجر فيما لا ينصرف - والجر خاص بالأسماء أصيل فيها - حمل على النصب المشترك بين الأسماء والأفعال (3) .(5/45)
فالفتحة علامة فرعية للجر، والكسر علامة أصلية، وقد جر بالفتح ما حقه أن يجر بالعلامة الأصلية. لهذا كان حمل الجر على النصب فيما لا ينصرف من باب حمل الأصل على الفرع " وعلة الحمل هنا، هو أن المجرور والمنصوب فضلتان في الكلام فلما لم يكن من الحمل بد، حمل أحدهما على الآخر، كما في المثنى والمجموع، ولما كانت الفتحة إلى الكسرة أقرب من الضمة إليها، حمل على الأقرب منه، وهو الفتحة، حمل أصل على فرع، بخلاف حمل النصب على الجر في التثنية والجمع لأنه حمل فرع على أصل. وقد سمى النحاة حمل الجر على النصب فيما لا ينصرف وحمل النصب على الجر في التثنية والجمع سموه بالتقارض. وذكر ابن جني أن النحاة شبهوا الأصل بالفرع في المعنى الذي أفاده ذلك الفرع من ذلك الأصل، لأنهم " لما شبهوا الفعل المضارع بالاسم فأعربوه تمموا على المعنى بينهما بأن شبهوا اسم الفاعل بالفعل فاعملوه (1) ".
" وكما حمل النصب على الجر في التثنية والجمع الذي على حد التثنية، كذلك حمل الجر على النصب فيما لا ينصرف، لأن " العرب إذا شبهت شيئاً بشيء فحملته على حكمه عادت أيضاً فحملت الآخر على حكم صاحبه، تثبيتاً لهما، وتتميماً لمعنى الشبه بينهما (2) "، وذلك يدلك على قوة تداخل هذه اللغة واتصال أجزائها وترابطها.
7- قياس التثنية على الجمع:(5/46)
من قبيل حمل الأصل على الفرع قياسهم تثنية الممدود على جمعه في قلب همزته واواً إذا كانت للتأنيث فقالوا في تثنية صحراء وحمراء: صحراوان وحمراوان قياساً على قلبها واواً في الجمع حيث قالوا: حمراوات وصحراوات. وإنما قلبت همزة الممدود واواً في الجمع لأن بقاءها دون قلب يؤدى إلى اجتماع شبه ثلاث ألفات لوقوعها بين ألفين لأن الهمزة من مخرج الألف، وخصت بالقلب واوا، لأن الياء قريبة من الألف، فلو قلبت ياء لأدى إلى اجتماع شبه ثلاث ألفات كذلك، لهذا اختير قلبها واواً لبعد شبهها بالألف وإنما كان حمل المثنى على الجمع من قبيل حمل الأصل على الفرع، لأن المثنى أقرب إلى الواحد وأبعد عن الجمع، فقربه من الواحد جعله أصلاً كما أن بعد الجمع عن الواحد جعله فرعاً (1) .
8- قياس بعض الآحاد على المثنى والمجموع
للإعراب علامات أصلية، وعلامات فرعية. فالآحاد تعرب بعلامات أصلية وهي الحركات، نحو: هذا عالم فاضل ورأيت عالماً فاضلاً، واستمعت إلى عالم فاضل. والتثنية والجمع يعربان بالحروف - وهي علامات فرعية - نحو: جاء الزيدان، وأكرمت الزيدين، ومررت بالزيدين. وأيضاً صام المسلمون، واحترمت المسلمين، وسررت من تآزر المسلمين، ولكن بعض الآحاد جاء معرباً بالحروف نحو: هذا أخوك، واحترم أباك، وجلست مع حميك قياساً للمفرد على التثنية والجمع. وهو حمل للأصل على الفرع (2) لأن ما حقه أن يعرب بالحركات، جاء معرباً بالحروف.وهذا على المشهور في إعراب الأسماء الستة وهو أسهل المذاهب وأبعدها عن التكلف بخلاف ما ذهب إليه سيبويه والفارسي وجمهور البصريين من أنها معربة بحركات مقدرة على الحروف (3) "، فإن فيه تكلف وبُعد.
9- قياس الظاهر على المضمر في استواء النصب والجر(5/47)
" النصب والجر يستويان في المظهر المثنى والمجموع نحو: كافأت الطالبين، وسررت من الطالبين، وشجعت الصائمين، وسررت من الصائمين. كما تساويا في المضمر نحو: رأيتكما ومررت بكما، ورأيتكم ومررت بكم. فقد جاء المنصوب بلفظ المجرور، لأن المضمر مبني، فهو خال من الإعراب، فلا يظهر أثر فيه، بخلاف المظهر لأنه معرب، لذلك قاسوه على المضمر في التثنية نصباً وجراً، مع أنه أصل، لهذا كان حمل المظهر على المضمر في التثنية حمل أصل على فرع، من حيث أن المظهر معرب، والإعراب أصل في الأسماء. والمضمر مبني، والبناء فرع على الإعراب، فالمراعى حينئذ هو أمر الإعراب والبناء، وليس شيئاً آخر.
10- قياس المصدر على الفعل
من أنواع ما حمل فيه الأصل على الفرع، قياس المصدر على فعله. وهذا القياس قد يكون في العمل، كما يكون في الإعلال أو التصحيح، وهذا هو البيان:
أولاً: القياس في العمل: ذهب البصريون إلى أن المصدر أصل المشتقات لكونه بسيطا لأنه يدل على الحدث فقط والفعل مشتق منه وفرع عليه، لأن الفعل يدل على الحدث والزمن، وكل فرع يتضمن الأصل وزيادة عليه، فثبتت فرعية الفعل وأصلية المصدر لأنه دل على بعض ما يدل عليه الفعل. وذهب الكوفيون إلى أن الفعل أصل، والمصدر مشتق من الفعل وفرع عليه لأن المصدر يجيء بعده في التصريف، نحو: ضرب ضرباً وقام قياما (1) . ومما يدل على أصالة الفعل أن المصدر يصح لصحة الفعل ويعتل لاعتلاله وأن الفعل يعمل في المصدر، فوجب أن يكون فرعا له، لأن رتبة العامل قبل رتبة المعمول. وأن المصدر يذكر تأكيداً للفعل، ولا شك أن رتبة المؤكَّد قبل رتبة المؤكّد، فدل ذلك على أن الفعل أصل، والمصدر فرع.(5/48)
والصحيح مذهب البصريين، لأن من شأن الفرع أن يكون فيه ما في الأصل وزيادة، والفعل والوصف بالنسبة إلى المصدر كذلك. إذ المصدر يدل على مجرد الحدث، والفعل يدل على المصدر والزمان، والوصف يدل على المصدر والفاعل وبناء على ذلك يكون عمل المصدر عمل فعله من قبيل حمل الأصل "المصدر" على فرعه "الفعل". فإن كان فعله المشتق منه لازماً فهو لازم، وإن كان متعديا فهو متعد إلى ما يتعدى إليه بنفسه أو بحرف الجر. وقد عمل المصدر عمل فعله وحمل عليه في ذلك بسبب قوة مشابهته للفعل، لأنه أصل للفعل وفيه حروفه، وهو يعمل عمل فعله على ضروبه الثلاثة، مضافا كان أو مجردا أو مقترنا بأل (1)) ".
ولا يخفى أن عمل المصدر عمل فعله "عند الكوفيين" يكون من قبيل حمل الفرع على الأصل، لأن المصدر عندهم مشتق من الفعل وفرع عليه.
ثانياً: قياس المصدر على الفعل في الصحة والاعتلال: يقاس المصدر على الفعل في الصحة. وفي الاعتلال، فقد صحت عين المصدر في الحول والعور والغيد والجوار قياساً على الفعل: حول، وعور، وغيد، وجاور. كما أعلت عينه في نحو: صيام وقيام، والأصل: صّوام وقوام، قياساً على إعلالها في الفعل في: صام وقام، والأصل: صوم وقوم.
وعلى ذلك فقد صحت عين المصدر حين صحت عين فعله، واعتلت حين اعتلت عين فعله، فقد قيس المصدر على فعله صحة واعتلالا.
بيد أنه لا يخفى أن هذا القياس من قبيل حمل الأصل على الفرع عند البصريين، خلافا للكوفيين الذين يرون أنه من قبيل حمل الفرع على الأصل بناء على أن الفعل أصل المشتقات والمصدر فرع عليه.(5/49)
ومنه عدم إضافة اسم الفاعل إلى فاعله قياساً على عدم إضافته إلى فاعله المضمر حيث إن الأصل في اسم الفاعل عدم إضافته إلى فاعله مضمراً كان أو مظهراً إلا إذا كان غير متعد، وقصد ثبوت معناه، فإنه يعامل معاملة الصفة المشبهة، وتسوغ إضافته إلى مرفوعة، نحو: زيد قائم الأب، برفع الأب ونصبه وجره على حد قولهم: زيد حسن الوجه، أى أنه يعامل معاملة الصفة المشبهة في رفع السببي ونصبه وجره بالإضافة. ولما كان الأصل في اسم الفاعل منع إضافته إلى فاعله مطلقا، مضمراً أو مظهراً، على رأى الجمهور، فإن عدم إضافته إلى المظهر مقيس على المنع في المضمر لأن المضمر أقوى حكما في باب الإضافة من المظهر، لذلك قيس المظهر عليه وإن كان هو الأصل لقوته ووفور صورته (1) .
كان هذا من قبيل حمل الأصل على الفرع بناء على أن المراعى هنا هو أمر الإعراب والبناء، فالمضمرات مبنية، والبناء فرع الإعراب في الأسماء. فحين يقاس المظهر على المضمر يكون من باب حمل الأصل على الفرع، ومنه أيضاً إضافة المصدر إلى الفاعل الظاهر قياساً على جواز إضافته إليه مضمراً، حيث إن إضافة المصدر إلى الفاعل الظاهر قد جازت قياساً على جواز إضافته إلى فاعله المضمر، من قبل أن " المضمر أقوى حكما في باب الإضافة من المظهر لأن المظهر بلطفه، وقوة اتصاله، مشابه للتنوين بلطفه وقوة اتصاله". ولذلك لا يجتمعان في نحو: ضاربانك وقاتلونه، أي لا يجتمع التنوين والإضافة، ولكنك تثبت التنوين مع المظهر لقوته فتقول: ضاربان زيداً. وكانت إضافة المصدر إلى فاعله المظهر مقيسة على إضافته إلى فاعله المضمر. وإن كان المظهر هو الأصل، لأن المراعى هنا أمر الإعراب والبناء وليس الأصالة والفرعية.(5/50)
لذلك كان جواز قياس إضافة المصدر إلى فاعله الظاهر، على أضافته إلى فاعله المضمر، من قبيل حمل الأصل على الفرع. إلا إذا روعي أصالة المضمر في مشابهته التنوين، وفرعية المظهر عليه في ذلك، فإنه يكون من قبيل حمل الفرع على الأصل (1) .
11- قياس الحرف على نظيره
... من أنواع القياس الشكلي، قياس الحرف على نظيره، وهذا مثل نون (عنتر) ، فإن الدليل يقضى بكونها أصلاً لأنها مقابلة للعين في (جعفر) الذي هو على وزن فعلل، وهذا الوزن موجود في أمثلتهم (2)) " أما إذا لم يقم الدليل فأنت في هذه الحالة محتاج إلى النظير، وهذا كالواو والياء من كلمة (عِزوِيت) فإنه لما لم يقم دليل على أنهما أصلان لجأت إلى التعليل بالنظير، وحملته على (فِعْلِيت) لوجود النظير وهو: عِفْرِيت ونِفْرِيت، لأن الحمل على ماله نظير أولى من الحمل على غيره.
ومنعت أن يكون على (فعويل) لعدم النظير، لأن (فعويلاً) بناء لم يجئ في الأمثلة الأصيلة، ولا في المزيد فيها فلا يجوز أن تجعله (فعويلاً) لأنه يترتب عليه كون الواو أصلاً في ذوات الأربعة غير مكررة، وهي لا تكون أصلاً في ذوات الأربعة إلا مع التكرار كالوصوصة والوجوجة والوحوحة. فإذا لم يجز أن يكون على الوزنين الأخيرين (فعويل فعليل) ثبت أنه على وزن (فعليت) فالواو حينئذ لام الكلمة مثل عفريت، والتاء هي الحرف الزائد.
ومن ذلك أيضاً - أرنب وأفكل فإنه لمّا لم يقم الدليل على أصالة الهمزة أو زيادتها لجأت إلى الحكم بزيادة الهمزة فيهما لوجود النظير بكثرة زيادتها فيما علم اشتقاقه كقولهم: أفضل، أشرف، أمجد، أحمد. " وهكذا فإن هذا النوع من الحمول لا يلجأ إليه إلا عند فقد الدليل، كما أن تحقيق النظير بعد قيام الدليل نوع من الإيناس فقط (3)) "
12- قياس اللفظ على نظيره(5/51)
قياس النظير على النظير جعله السيوطي من القياس المساوي (1) ، كما إنه ارتأى أن يحمل النظير على النظير في اللفظ، أو في المعنى، أو فيهما، فمن أمثلة الأول بناء حذام على الكسر تشبيها له بدراك وتَرَاكِ ونَزَالِ، وبناء حاشا الاسمية لشبهها في اللفظ بحاشا الحرفية (2)) . ومن أمثلة الثاني إهمال أن المصدرية مع المضارع حملا على ما المصدرية وقد أشار إلى ذلك ابن مالك بقوله:
... وبعضهم أهمل أن حملا على ... ما أختها حيث استحقت عملا
ونحو: غير قائم الزيدان، قياساً على ما قام الزيدان، لأنه في معناه. ومنه قياس اسم التفضيل على فعل التعجب في رفع الظاهر بشروط (3) ، وذلك لشبهه بأفعل التعجب وزناً وأصلاً وإفادة للمبالغة. وكذلك قياس الكوفيين "أفعل" في التعجب على "اسم التفضيل" فأجازوا تصغيره لأنه اسم عندهم، وقد أشبه اسم التفضيل في الوزن والأصالة والدلالة على المبالغة.
وفيه فروع كثيرة نذكر منها:
(أ) كلمة مروان: يحتمل أن يكون وزنها فعلانا، أو مفعالا، أو فعوالا. فالأخيران مثالان لم يجيئا، والأول له نظير فيحمل عليه، لأن الحمل على ماله نظير أولى، فوزن " مروان" حينئذ - فعلان (4) .
(ب) ألف كلا: هذه الألف ليست زائدة، لئلا يبقى الاسم الظاهر على حرفين، وليس ذلك في كلامهم أصلاً. فحمل الألف على الأصالة، حمل على ماله نظير وهو عصاً ورحاً. بخلاف القول بأنها زائدة للتثنية لأنه حمل على ما ليس له نظير (5) .
(ج) كلتا: ذهب سيبويه إلى أن التاء فيها بدل من لام الكلمة، كما أبدلت منها في بنت وأخت، وألفها للتأنيث، ووزنها (فعلى) كذكرى" (6) .
والتاء فيها ليست متخصصة للتأنيث، بل فيها رائحة منه، وإنما لم تتمخض التاء فيها للتأنيث لعدم فتح ماقبلها، ولأنها لم تقلب في الوقف هاء. وذهب الجرمى إلى أن التاء في (كلتا) للتأنيث، والألف فيها لام الكلمة، كالألف في كلا ووزنها على (فعتل) .(5/52)
والحق ماذهب إليه سيبويه لأنه حمل على النظير، وهو (ذكرى) ووزنهما معاً (فعلى) . وما ذهب إليه الجرمى ليس له نظير، لأنه ليس في الأسماء (فعتل) كما أنه لم يعهد أن تكون تاء التأنيث حشواً في كلمة واحدة.
(د) الأسماء الستة: هي عند البصريين معربة من مكان واحد، والواو والألف والياء هي حروف الإعراب، وعند الكوفيين معربة من مكانين، فالضمة والواو علامة للرفع والفتحة والألف علامة للنصب والكسرة والياء علامة للجر (1) . وما ذهب إليه البصريون هو الصحيح، لأنه له نظير في كلام العرب، فإن كل معرب في كلامهم له إعراب واحد، فلا حاجة إلى جمع الإعرابين في كلمة واحدة لأن أحدهما يقوم مقام الآخر.
أما ما ذهب إليه الكوفيون من الجمع بين علامتي إعراب فهو فاسد، لأن ذلك لا نظير له في كلامهم، والمصير إلى ماله نظير أولى من المصير إلى ما ليس له نظير (2) .
(هـ) التثنية والجمع: ذهب البصريون إلى أن الألف والواو والياء في التثنية والجمع حروف إعراب، نابت عن الضمة والفتحة والكسرة. وذهب أبو عمر الجرمي إلى أن انقلابها هو الإعراب، وهذا الرأي فاسد لأنه يؤدى إلى أن الإعراب بغير حركة ولا حرف، وهذا لا نظير له في كلامهم.
(و) صفة اسم (لا) المبني: يجوز فتح صفة اسم (لا) المبني في نحو: لا رجل ظريف في الدار، وفي هذه الحالة تكون فتحة الصفة فتحة بناء، لأن الموصوف والصفة جعلا كالشيء الواحد، فهما بمنزلة العدد المركب نحو: خمسة عشر. ثم دخلت "لا" عليها بعد التركيب، ولا يجوز أن تكون دخلت عليهما وهما معربان فبنيا معها، لأنه يؤدي إلى جعل ثلاثة أشياء كشيء واحد، وذلك لا نظير له (3)) .(5/53)
(ز) حمل فعل التعجب على اسم التفضيل: إذا كان فعل التعجب معتل العين نحو: ما أطول زيدا، وأطول به، وجب تصحيح عينه في الصيغتين قياساً على اسم التفضيل، لأنه نظيره في الوزن والدلالة على المزية. حيث قالوا: هذا المثال أبين من غيره وأقوم منه، بصحة عينه وعدم إعلالها. فقد رأيت أن عين فعلا التعجب صحت حملا على صحتها في عين اسم التفضيل الذي صحت عينه لكونه اسما أشبه المضارع في الوزن والزيادة وما كان كذلك لا يعل.
(ح) صرف الجمع الذي له نظير في الآحاد: مما يمنع من الصرف الجمع الذي على صيغة منتهى الجموع، نحو: مساجد ودراهم ومصابيح لأن الجمع متى كان بهذه الصفة كان فيه فرعية اللفظ بخروجه عن صيغ الآحاد العربية، وفرعية المعنى بالدلالة على الجمعية، فاستحق المنع من الصرف بسبب هاتين العلتين الفرعيتين، أي أن المانع من صرف ما جاء على مفاعل، أو مفاعيل هو عدم النظير في الآحاد. أما الجمع الذي له نظير في الآحاد فيصرف نحو: أفعل وأفعال وأفعلة، فأفعل مثل: أفرس وأكلب نظيره في فتح أوله وضم ثالثه ما جاء على مثال تفعل مثل (تتفل وتنضب) (1) .
أما " أفعال " فمثل: أفراس وأجمال، ونظيره في فتح أوله وزيادة ألف رابعة تفعال نحو: تجوال وتطواف، وفعلال نحو: صلصال وخزعال، وفاعال نحو: ساباط وخاتام (2) . وأما افعله فنظيره في فتح أوله وكسر ثالثه وزيادة هاء التأنيث في آخره، تفعلة نحو: تذكرة وتبصرة.
فقد رأيت أن الجمع الذي له نظير في الآحاد، يوازية في الهيئة وعدد الحروف يكون مصروفا، لهذا صرف ما جاء من المجموع على وزن أفعل وأفعال وأفعلة لوجود النظير. ومنع صرف ما ليس له نظير في الآحاد مثل ما جاء على صيغة منتهى الجموع.
13- قياس بعض الأفعال على بعض:
(أ) قياس رضيَ على سخط (3) : الأصل في الفعل (رضي) أن يتعدى ب (عن) تقول: رضي الله عن أبى بكر كما أن الفعل (سخط) يتعدى ب" على " تقول:(5/54)
سخطت على الجهل. وقد يحمل الفعل رضي على سخط فيتعدى ب"على" حملا للشيء على نقيضه، لأن الرضى ضد السخط.
وقد استحسن الفارسي قول الكسائي في قول الشاعر:
... إذا رضيت علي بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها
لما كان " رضيت " ضد " سخطت " عدى رضيت بعلى حملا للشىء على نقيضه، كما يجعل على نظيره، لأن التصرف في الأفعال أولى من التصرف في الحروف.
(ب) قياس شكر على كفر في التعدية بالباء: يتعدى الفعل " شكر " بنفسه وباللام وبالياء، بيد أن التعدي بالباء جاء حملا على ضده "كفر " الذي يتعدى بنفسه وبالباء فيقال: كفر نعمة الله، وكفر بها (1) .
فقد حمل الفعل " شكر " على الفعل "كفر" في التعدي بالباء، حمل نقيض على نقيضه، والشيء يجري مجرى نقيضه كما يجري مجرى نظيره، لأن الذهن ينتبه لهما معاً بذكر أحدهما.
(ج) حمل بعض على كل: كلمة "كل" لفظها مفرد مذكر، ومعناها بحسب ما تضاف إليه، فإن أضيفت إلى نكرة وجب مراعاة معناها (2) . لذلك جاء الضمير مفرداً مذكراً في قوله تعالى: {وكلُّ شيءٍ فعلُوه في الزُّبُر} (3) ومفرداً مؤنثاً في قوله تعالى: {كُلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ} (4) ومجموعاً مذكراً في قوله تعالى: {كل حزب بما لديهم فرحون} (5) .
أما إذا أضيفت إلى معرفة فإنه لا يلزم مراعاة المعنى، بل يجوز مراعاة لفظ "كل" في الإفراد والتذكير، فتقول: كلهم ذاهب، ومراعاة المعنى فتقول: كلهم ذاهبون. هذا وقد حمل النحاة " بعضاً " على "كل " في عدم التثنية والجمع لأنه نقيض وحكم النقيض أن يجري على نقيضه، لذلك منع تثنية بعض وجمعها. قال النحاس:" لا يثنى بعض ولا يجمع حملا على كل لأنه نقيض، وحكم النقيض أن يجري على نقيضه" (6) .
• • •
نتائج البحث
بعد أن قدم الباحث تصوراً موجزاً للقياس في النحو العربي، بعامة والقياس الشكلي بخاصة يأتي لسرد أهم النتائج التي توصل إليها وهي:(5/55)
1- يعتبر القياس الشكلي تطوراً للتشبيه وما التشبيه إلا أولى مراحل القياس.
2- تحول مفهوم القياس في أواخر القرن الثالث الهجري، وبدايات القرن الرابع الهجري، فلم يعد يعنى باطراد الظواهر واستقراء مادتها والقياس على ما شاع منها واطُّرد - وهو القياس الاستقرائي - بل بدأ يأخذ طابعاً شكلياً يعتمد على حمل فرع على أصل لعلة جامعة بينهما - وهو القياس الشكلي.
3- لابد من التفرقة بين " القياس اللغوي" أو " قياس الأنماط" الذي يقوم به المتكلم، " وبين القياس النحوي أو" قياس الأحكام " الذي يقوم به الباحث.
4- " القياس اللغوي " لابد منه لمسايرة التقدم الحضاري، وهو يختلف عن " القياس النحوي " الذي يتم فيه إلحاق حكم شيء بآخر لعلة جامعة بينهما.
5- في " القياس النحوي " يجب ألا تتم عملية إلحاق الظواهر لمجرد المشابهة الشكلية بل تقوم على استقراء الظواهر في نصوصها اللغوية، ثم تتم عملية الإلحاق عند وجود علة الأصل في الفرع.
6- نشأت فكرة القياس نشأة إسلامية عربية خالصة، ثم تأثرت بعد ذلك بالأفكار الفلسفية والمنطقية.
7- أنه يجب إدراج النتاج الثقافي للعلماء ذوي السليقة السليمة في عصرنا الحاضر وما قبله من عصور، أمثال: أبي تمام والمتنبي والمعري وشوقي والمنفلوطي.. وأمثالهم، يجب إدراجها تحت " المقيس عليه " الذي يصح لنا أن نحاكيه.
8- للقياس الشكلي أهمية كبرى أثبتها الواقع اللغوي باعتباره معياراً من معايير القبول والرفض والحكم على الظاهرة بالصواب أو الخطأ.
9- للقياس الشكلي أهمية كبرى لأن المتكلم لن يسمع كل ما يقوله العرب وإنما يسمع أمثلة ويقيس على شاكلتها. وهذا سوف يؤدي إلى توسيع اللغة والنحو، ويجعل اللغة وسيلة للنطق بآلاف الكلم. دون أن تقرع السمع أو يحتاج إلى التثبت من صحة عربيتها.(5/56)
10- القياس الشكلي هو بمثابة شهادة ضمان للغة العربية، وهو الدرع الواقي لقواعدها من اللحن والتحريف والزيغ بل أغلق الباب أمام عبث العابثين ولغو اللاغين.
11- يعتبر القياس الشكلي بالغ الأهمية لمسايرة التطورات والحاجة الملحة إلى ألفاظ جديدة كتسمية بعض المخترعات، وإلحاق الصيغ بغيرها في العمل والدلالة وحمل بعضها على بعض في الحكم النحوي.
الحواشي والتعليقات
(1) لمع الأدلة - تحقيق سعيد الأفغاني 93
(2) طبقات الشعراء، المقدمة
(3) من أسرار اللغة، أنيس، 9
(4) اللغة بين المعياريّه والوصفيّة 31 وما بعدها.
(5) الخصائص 1/357، 2/25
(6) الاقتراح 71
(7) انظر: الاقتراح 70، ولمع الأدلة 93، وفي أصول النحو 68 و 69
(8) الأصول، ص 168-169 ولمع الأدلة ص 105 وما بعدها.
(9) الشاهد وأصول النحو 230 وأخبار النحويين البصريين 32-33
(10) لمع الأدلة في أصول النحو 99
(11) السابق نفس الصفحة
(12) أنظر من أسرار اللغة 28-29
(13) الخصائص 2/88 وأنظر الشاهد وأصول النحو 231
(14) السابق، الصفحة نفسها وأنظر في أصول النحو 86
(15) الشاهد وأصول النحو 430، وانظر دراسات في اللغة العربية وتاريخها 25
(16) تقويم الفكر النحوي 53
(17) السابق 57 - 61 (بتصرف)
(18) السابق 78
(19) السابق 83
(20) السابق، نفس الصفحة.
(21) السابق، نفس الصفحة.
(22) السابق 85
(23) انظر: السابق 90 وما بعدها.
(24) السابق 105
(25) السابق 102
(26) السابق 93
(27) انظر في ذلك: من أسرار اللغة، ص 13، وفي أصول النحو، ص 76 وما بعدها.
(28) الخصائص 1/357 و 2/25
(29) الخصائص 2/ 88
(30) الخصائص 1/329.
(31) من أسرار اللغة 14
(32) نشأة النحو 149 - 151.
(33) السابق 151
(34) من أسرار اللغة 15
(35) تقويم الفكر النحوي 114 - 115
(36) السابق 107
(37) السابق 116 - 117
(38) السابق 117
(39) أصول التفكير النحوي 13
(40) لمع الأدلة 100
(41) لمع الأدلة ص 49 - 50(5/57)
(42) الخصائص ص 1/301
(43) أصول التفكير النحوي 76
(44) لمع الأدلة 93
(45) الحمل في لغة العرب 281
(46) السابق: 281
(47) الاقتراح 101
(48) الحمل في لغة العرب 283
(49) حاشية الصبان على شرح الاشموني للألفية 95.
(50) الخصائص: 1/208
(51) الكتاب 1/195
(52) الحمل في لغة العرب 282
(53) سورة البقرة: 233
(54) الإنصاف في مسائل الخلاف 311
(55) انظر الخصائص 1/310
(56) انظر الخصائص 1/306، والأشباه والنظائر 1/195
(57) الخصائص 1/300-312 (باب من غلبة الفروع على الأصول)
(58) السابق: 1/308
(59) الأشباه والنظائر 1/196
(60) انظر الخصائص 1/309
(61) الخصائص: 2/255
(62) الإنصاف: المسألة 28
(63) الأشباه والنظائر 1/197
(64) الخصائص 2/355
(65) الخصائص 2/ 355
(66) الاقتراح 105 والخصائص 1/197.
(67) الحمل في لغة العرب 349
(68) الاقتراح 105
(69) هذه الشروط هي: أن يسبقه نفى، وأن يكون مرفوعة أجنبياً مفضلاً على نفسه
(70) الأشباه والنظائر 1/175
(71) الأشباه والنظائر 2/83
(72) الكتاب 3/364
(73) نفسه 3/364 وأنظر الأشباه والنظائر 2/83
(74) الإنصاف المسألة (2)
(75) الإنصاف مسألة رقم (2) 1/21
(76) الأشباه والنظائر 1/176
(77) التتفل: ولد الثعلب، والتنضب: شجر يتخذ سهاماً.
(78) الخاتام: لغة في الخاتم.
(79) الخصائص 2/311
(80) أنظر الأشباه والنظائر 2/123
(81) أنظر الأشباه والنظائر 2/120
(82) سورة القمر 52
(83) سورة آل عمران 185
(84) سورة الروم 32
(85) الأشباه والنظائر 1/191
المصادر والمراجع
1- أخبار النحويين البصريين، السيرافي، تحقيق محمد إبراهيم البنا، دار الاعتصام، الطبعة الأولى 1985م.
2- الأشباه والنظائر في النحو، السيوطي، راجعه فايز ترحيني، دارالكتاب العربي، الطبعة الأولى 1984م.(5/58)
3- الأصول في النحو، أبو بكر بن السراج (ت 316هـ) ، تحقيق عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثانية 1988م.
4- الأصول، دراسة بستمولوجيا الفكر اللغوي عند العرب، د. تمام حسان، الهيئة المصرية العامة 1982م.
5- أصول التفكير النحوي، د. علي أبو المكارم، منشورات الجامعة الليبية - كلية التربية.
6- أصول النحو العربي، محمد عيد، عالم الكتب ط: 1410م.
7- أصول النحو القياسية دراسة ونقد، غريب عبد المجيد نافع، دكتوراه، كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر 1970م.
8- أمالي ابن الشجري، هبة الله بن علي بن حمزة الحسنى العلوي (ت 542هـ) تحقيق محمود محمد الطناحي، مكتبة الخانجي بالقاهرة.
9- الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، لأبى البركات الأنباري (ت 616هـ) ، المكتبة العصرية – صيدا – بيروت.
10- إنباه الرواة على أنباه النحاة، القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة دار الكتب المصرية - القاهرة 1972م.
11- بين أصول النحو وأصول الفقه، محمود أحمد نحلة، دار العلوم العربية للطباعة والنشر - بيروت - لبنان 1987م.
12- تقويم الفكر النحوي - أبو المكارم، بيروت، دار الثقافة.
13- حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، دار إحياء الكتب العربية.
14- الحمل في لغة العرب، دردير أبو السعود، الطبعة الأولى 1985م. وهو موجود في دار الكتب المصرية تحت رقم 16719هـ.
15- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، عبد القادر البغدادي (ت 1093هـ)
تحقيق وشرح عبد السلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
16- الخصائص، ابن جني، تحقيق محمد علي النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م.
17- الشاهد وأصول النحو في كتاب سيبويه، خديجة الحديثي، مطبوعات جامعة الكويت 1974م.
18- شرح جمل الزجاجي، ابن عصفور، تحقيق صاحب أبو جناح، دار الكتب - جامعة الموصل بالعراق.(5/59)
19- شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.
20- طبقات النحويين واللغويين، الزبيدي (ت 379هـ) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 1954م.
21- الفهرست، ابن النديم، مطبعة الاستقامة، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة 1978م.
22- في أدلة النحو، عفاف حسنين، المكتبة الأكاديمية، الطبعة الأولى 1996م وهو موجود بمكتبة القاهرة الكبرى برقم 1 و 415.
23- في أصول النحو، سعيد الأفغاني، مطبعة الجامعة السورية، الطبعة الثانية 1951م.
24- القاموس المحيط، الفيروزابادي، مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية 1952م.
25- الاقتراح في علم أصول النحو، السيوطي، تحقيق أحمد محمد قاسم، مطبعة السعادة 1976م.
26- القياس في النحو من الخليل إلى ابن جنى، دكتوراه بكلية الآداب جامعة القاهرة، إشراف خليل نامي 1975 إعداد صابر بكر أبو السعود.
27- الكتاب، سيبويه، (ت 180هـ) ، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي - القاهرة.
28- لسان العرب، ابن منظور (ت 711هـ) ، دار بيروت للطباعة - بيروت 1955م.
29- لمع الأدلة، ابن الأنباري - تحقيق: سعيد الأفعاني - سوريا مطبعة الجامعة السورية.
30- مجلة الحصاد في اللغة والأدب - جامعة الكويت، العدد الأول السنة الأولى 1401هـ.
31- المدارس النحوية، شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة ط6.
32- مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو، مهدي المخزومي، دار المعرفة - بغداد 1955م.
33- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام الأنصاري، تحقيق مازن المبارك وآخرون،دار الفكر - بيروت ط3 1972م.
34- المقتضب، المبرد (ت 285هـ) ، تحقيق محمد عبد الخالق، عالم الكتب - بيروت.
35- من أسرار اللغة إبراهيم أنيس، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية ط /1975م.(5/60)
36- نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء، الأنباري (ت 577هـ) ، تحقيق إبراهيم السامرائي، مكتبة الأندلس - بغداد ط2 1970م.
37- النحو العربي والدرس الحديث، بحث في المنهج، عبده الراجحي، دار النهضة العربية - بيروت 1979م.
38- اللغة بين المعيارية والوصفية، تمام حسان، القاهرة - مكتبة الانجلو المصرية 1958م.
39- نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة، الشيخ الطنطاوي، القاهرة. دار المنار سنه 1412هـ.
40- همع الهوامع السيوطي صححه السيد/ محمد بدرالدين الافغاني. مكتبة الكليات الأزهرية ط 1327هـ.(5/61)
مفهوم المجاز بين ابن سينا وابن رشد
د. محمود درابسة
الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية - جامعة اليرموك
اربد - الأردن
ملخص البحث
هذا البحث مفهوم يتناول المجاز ووظيفته عند فيلسوفين مسلمين هما ابن سينا (ت 428هـ) وابن رشد (ت 595هـ) بوصفهما أكثر نضجاً وعمقاً وفهماً في دراسة الفكر النقدي اليوناني من غيرهما من الفلاسفة المسلمين.
وقد تكون البحث من تمهيد، تناول فيه الدارس مفهوم المجاز وأنواعه بين الفكر النقدي اليوناني ممثلاً بأرسطو والفكر النقدي والبلاغي العربي القديم عموماً.
كما تناول البحث مفهوم المجاز ووظيفته عند ابن سينا ثم عند ابن رشد، إضافة إلى الخاتمة التي أبرزت دور الناقدين في فهم المجاز وشرح وظيفته، فضلاً عن وجوه الاتفاق والاختلاف بينهما حول دور المجاز في العمل الإبداعي.
• • •
أولاً- تمهيد: المجاز بين الموروث البلاغي العربي واليوناني.
لقد جسدت العلاقة بين لغة الشعر ولغة النثر موضوع اهتمام الدارسين قديماً وحديثاً سواء عند العرب في موروثهم النقدي والبلاغي واللغوي أو عند اليونان من خلال كتابي فن الشعر والخطابة لأرسطو، فضلاً عن دور هذين المصدرين وأثرهما عند الفلاسفة المسلمين من أمثال الفارابي ت (339هـ) وابن سينا (ت 428هـ) وابن (ت595هـ) .
وقد شكل المجاز في الدراسات البلاغية والنقدية حداً فاصلاً بين اللغة الشعرية وبين لغة النثر العادي المعتمد على الوصف اللغوي، والتعبير المباشر عن الحقيقة. حيث لا يعد المجاز ركناً أساسياً في بناء النثر العادي. فالمجاز يعني لغة التجاوز والعدول عن الأصل والمألوف عند العرب، وهو مصدر العمل الإبداعي سواء أكان شعراً أم نثراً.(5/62)
ولما كانت اللغة الشعرية انحرافاً وتجاوزاً للمألوف في التعبير اللغوي، فقد شكل المجاز الطاقة المولدة لشعرية النص. فالمجاز هو الانحراف والخروج على المألوف في اللغة، بحيث يأخذ المجاز دوراً حاسماً في إغناء الدلالة الأسلوبية في النص الإبداعي، مما يجعل هذه الدلالات الأسلوبية في لغة النص وتراكيبه قابلة للتأويل، والتفسير، وتعدد المعنى والاحتمالات، وهذا ما يمنح النص الإبداعي خصوصيته الفنية، وخلوده المتواصل عبر الزمن.
وقد تعددت ضروب المجاز عند البلاغيين والنقاد العرب القدماء، إذ شملت معظم الضروب البلاغية التي تشكل جوهر النص الإبداعي وأساسه، كما تشكل الطاقة المولدة لشعرية النص وإبداعه.
ومن هنا فقد وصفه سيبويه (ت 180هـ) في كتابه "الكتاب" بقوله: "استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى لا تساعهم في الكلام، والإيجاز والاختصار" (1) .
فالتعبير عن الأساليب المجازية عند سيبويه يعني الاتساع، ويعني هذا الخروج على المألوف في التعبير اللغوي والتجاوز لقواعد النحو الصارمة في الوصف اللغوي، والتعبير عن الأشياء. وهذا الاتساع والتجاوز للمألوف هو المبالغة بمفهومها الفني، تلك المبالغة التي ارتبطت بالكذب من حيث دلالته الفنية لا الأخلاقية، وقد وصف سيبويه المجاز بالمستقيم الكذب، وعبر عن هذا الفهم بالأمثلة التالية التي تشرح مفهوم المجاز عنده، ذلك المفهوم الذي يعني الاتساع والخروج على المألوف، حيث يقول موضحاً هذا الفهم: حملت الجبل، وشربت ماء البحر (2) .(5/63)
ولهذا، فقد تعددت ضروب المجاز وتسمياته، حيث شكلت هذه الضروب المختلفة للمجاز دلالات أسلوبية تجعل من النص مجالاً للجدل والحوار والتأويل، حيث تتعدد معانيه وإيحاءاته، وتتعدد إمكانية التأويل والاحتمال لدى دارسيه. فقد عد ابن منظور المصري (ت 711هـ) في معجم لسان العرب الحذف في التركيب اللغوي للنص الإبداعي مجالاً هاماً من مجالات المجاز، حيث يترك هذا الحذف للقارئ متعة ولذة عارمة. يقول ابن منظور بهذا الخصوص محدداً معنى الحذف: "الحذف ضرب من الاتساع" (3) .
ولعل البلاغيين والنقاد العرب القدماء قد توسعوا في مجالات المجاز في تجسيد الطاقة المولدة لشعرية العمل الإبداعي، وأنه يمنح النص الإبداعي خصوصيته الفنية، كما يشكل حداً فاصلاً بين لغة الشعر وبين لغة النثر العادي. الذي يعتمد إلى حد بسيط على النواحي البلاغية.
ومن هنا فقد أحصى ابن قتيبة (ت276هـ) ضروب المجاز عند العرب بحيث شملت كل ضروب البيان والبديع والمعاني في البلاغة العربية تقريباً. يقول: ضروب المجاز عند العرب هي: "الاستعارة، والتمثيل، والقلب، والتقديم والتأخير، والحذف، والتكرار، والإخفاء، والإظهار، والتعريض، والإفصاح، والكناية، والإيضاح، ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع، ومخاطبة الجميع خطاب الواحد، والواحد والجميع خطاب الاثنين، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم وبلفظ العموم لمعنى الخصوص" (4) .
كما أضاف ابن أبي الإصبع المصري (ت 654هـ) في كتابه تحرير التحبير ضروباً أخرى تؤكد أهمية المجاز عند البلاغيين والنقاد العرب، ودوره في تشكيل النص الإبداعي وبنائه، حيث يقول: "والمجاز جنس يشتمل على أنواع كثيرة. كالاستعارة والمبالغة والإشارة، والإرداف، والتمثيل، والتشبيه. وغير ذلك مما عدل فيه عن الحقيقة الموضوعة للمعنى المراد" (5) .(5/64)
وأما في الموروث النقدي والبلاغي اليوناني، فقد أسهب أرسطو في شرح مفهوم المجاز ودلالته وضروبه المختلفة لما لهذا اللون البلاغي من دور هام في تحديد الفرق بين اللغة العادية المعبرة عن الحقيقة وعن الوصف اللغوي المباشر وبين اللغة الإبداعية التي يشكل المجاز بضروبه المتعددة جوهرها وأساسها، فضلاً عن أن المجاز يشكل كذلك الطاقة المتجددة للغة الإبداعية في النصوص الأدبية.
ولهذا فقد بين أرسطو أن المجاز ضرب من ضروب الإبداع والموهبة. يقول: "فمن المهم استخدام كل ضرب من ضروب التعبير التي تحدثنا عنها: من أسماء مضاعفة مثلاً أو كلمات غريبة، وأهم من هذا كله البراعة في المجازات لأنها ليست مما نتلقاه عن الغير، بل هي آية المواهب الطبيعية، لأن الإجادة في المجازات معناها الإجادة في إدراك الأشباه" (6) .
كما وضح أرسطو الفرق بين اللغة العادية واللغة الإبداعية، حيث بين أن اللغة العادية هي التي تعبر عن المسميات، والوصف المباشر للأشياء، بينما اللغة الإبداعية هي المعبرة عن دلالة الأسماء. يقول: "الأسماء على نوعين: اسم بسيط (وأعني بالبسيط ما ليس بمركب من أجزاء دالة، مثل أرض واسم مضاعف، والأخير مركب إما من جزء دال وجزء غير دال، ولا نقصد أنه في الاسم نفسه هو دال أو غير دال أو من أجزاء دالة" (7) .
ومن هنا، فإن المجاز يتمحور حول اللغة الإبداعية ذات الدلالات المتعددة التي تدخل ضمن التأويل والتفسير، وتعدد الاحتمالات، وهذا ما وصفه ارسطو بالنقل أي تغير الدلالة حسب التركيب والاستخدام في اللغة الإبداعية، ذلك النقل الذي يعتمد على الاستعارة وضروب المجاز المختلفة. يقول: "والمجاز نقل اسم يدل على شيء إلى شيء آخر: والنقل يتم إما من جنس إلى نوع، أو من نوع إلى جنس، أو من نوع إلى نوع، أو بحسب التمثيل" (8) .(5/65)
فالمجاز بهذا التحديد عند أرسطو يعني كل ما يتجاوز التعبير الحقيقي البسيط إلى التعبير المنطلق من تعدد الدلالات أو احتمالات التأويل والتفسير، وهذا يتحقق في الاستعارة، وضروب البلاغة المختلفة، ومن ثمة فإن المجاز يتعلق بأسلوب الكاتب أو الشاعر من حيث قدرته على الابتكار والإبداع (9) .
كما وضح أرسطو ضروب المجاز المختلفة التي تتعلق بأسلوب الكتابة الإبداعية مثل الألغاز التي هي مجازات تحتاج إلى التأويل والكشف والتفسير، حيث ترتبط هذه الألغاز بالمعنى. فالمجاز يتشكل من هذه الألغاز التي تثير دهشة المتلقي في التأمل والتأويل، وإدراك العلاقات بين أجزاء الكلام في النص. يقول: "فيمكن أن نستخرج من الألغاز المتقنة مجازات موافقة، لأن المجازات إن هي إلا ألغاز مقنعة، وبهذا نعرف مقدار نجاح نقل المعنى. فقد ينبغي أن يكون المجاز منتزعاُ من الأمور الجميلة" (10) .
وتناول أرسطو كذلك المثال وجعله ضرباً من ضروب المجاز، حيث يعني به الصورة الفنية، وهي نوع من التغيير أي التوسع والخروج على المألوف في التركيب اللغوي. يقول: "ثم إن المثال (image الصورة) أيضاً تغيير (metaphore المجاز) لكنهما يختلفان قليلاً. فيقول القائل في أخيلوس إنه وثب وثبة أسد هو تغيير، فمن أجل أنهما جميعاً كانا شديدين/سمى أخيلوس بالتغيير والاختلاف أسداً" (11) .
كما يبين أرسطو أن روعة العبارة الأدبية تكمن فيما تحتويه من استعارة، وتقابل، وطباق، فهذه الضروب البلاغية تشكل المجاز البلاغي. يقول: "وكلما تضمنت العبارة معاني، ازدادت روعة: مثل أن تكون الألفاظ مجازية، وكانت الاستعارة مقبولة، وثم تقابل أو طباق وثم فعل" (12) .(5/66)
وقد قرن أرسطو المحاكاة بالمجاز، لأنها ضرب من الرسم والصورة والابتكار، كما تقوم على أساس التبديلات اللغوية، وهذه التبديلات تجسد تعدد المعاني والدلالات، والاحتمالات المختلفة للتركيب اللغوي، ولعل هذا ما يميز بشكل جوهري اللغة العادية عن اللغة الأدبية. يقول: لما كان الشاعر محاكياً شأنه شأن الرسام، وكل فنان يصنع الصور فينبغي عليه بالضرورة أن يتخذ دائماً إحدى طرق المحاكاة الثلاث: فهو يصور الأشياء إما كما كانت أو كما هي في الواقع، أو كما يصفها الناس وتبدو عليه أو كما يجب أن تكون. وهو إنما يصورها بالقول، ويشمل: الكلمة الغريبة والمجاز، وكثيراً من التبديلات اللغوية التي أجزناها للشعراء (13) .
كما ربط أرسطو المجاز بالأسلوب مبيناً دور المجاز في خلق التعبيرات الرشيقة ذات الدلالات المتعددة التي تحدث تمويهاً مثيراً للدهشة والتساؤل والاستغراب لدى المتلقي، بحيث يشعر معها بلذة الكشف، ومتعة المواجهة لتمويهات المبدع من خلال لغته المبنية على المجاز بكل ضروبه وأساليبه. يقول: "ومعظم التعبيرات الرشيقة تنشأ عن التغيير (المجاز) وعن نوع من التمويه يدركه السامع فيما بعد، ويزداد إدراكاً كلما ازداد علماً، وكلما كان الموضوع مغايراً لما كان يتوقعه، وكأن النفس تقول: هذا حق! وأنا التي أخطأت. واللطيف الرشيق من الأمثال ما يوحي بمعنى أكثر مما يتضمنه اللفظ" (14) .(5/67)
ولعل وظيفة المجاز هنا عند ارسطو مرتبطة بالتخييل بأبعاده المنطقية والنفسية والجمالية التي تمثل جوهر فكرة المجاز، وكذلك بالأسلوب الإبداعي لدى الكاتب أو الشاعر، وذلك لما لهذه الوظيفة من أهمية في ربط عناصر الإبداع الثلاثة: المبدع والنص والمتلقي معاً. حيث حرص أرسطو على ضرورة إحداث المتعة واللذة لدى المتلقي نتيجة مواجهته لأسلوب النص ولغته ذات الدلالات المتعددة، تلك الدلالات التي تقوم على المجاز والتورية والخروج على المألوف في الكتابة. يقول: "التعبيرات الجديدة تدعو إلى الرضا. وتبلغ هذه الغاية إذا كان الفكر خارجاً على المألوف، غير متفق مع الآراء الجارية … والتورية تؤدي إلى الأثر نفسه، أعني إلى إثارة الدهشة. وهذه الحيلة تجدها في الشعر حينما لا يجيء حسبما يتوقعه السامع، ومثاله: سار، والأقدام تكسوها الشقوق. فإن السامع كان يتوقع من الشاعر أن يقول: الحذاء لكن لابد أن يتضح المعنى لدى سماع الجملة. أما التورية فقيمتها ناشئة من كونها تدل على ما يبدو في الظاهر منها، بل على معنى الكلمة في صورتها المغيرة" (15) .(5/68)
فاللغة المجازية هي التي تضفي الروعة والجمال على الكتابة الإبداعية سواء أكانت كتابة شعرية أم نثرية. ولعل المجاز هو جوهر العملية الإبداعية وأساسها، حيث يتشكل المجاز في العمل الإبداعي من خلال الصورة والاستعارة والتشبيه والمبالغة والأمثال، فهذه الصيغ المختلفة تشكل الطاقة المولدة في العمل الإبداعي، وتجعل من أسلوب المبدع أكثر إمتاعاً للمتلقي. يقول أرسطو: "وكلما تضمنت العبارة معاني، ازدادت روعة: مثل أن تكون الألفاظ مجازية، وكانت الاستعارة مقبولة، وثم تقابل أو طباق أو فعل. أما الصور فكما قلنا من قبل إنها تغييرات (مجازات) موموقة جداً. وتتألف من حدين، مثل الاستعارة التمثيلية، فمثلاً حينما نقول: الدرع كأس الإله آراس (المريخ) والقوس قيثارة بغير أوتار. وفي هذا نستخدم تغييراً ليس بسيطاً، أما إذا قلنا: القوس قيثارة، أو: الدرع كأس، فهنا تغيير بسيط. ومن نوع هذه الصور تشبيه عازف الناي بقرد، وتشبيه ضعيف النظر بمصباح مبتل الذبالة، إذ في كليهما انقباض للملامح. والصورة تجمل إذا تضمنت تغييراً … والصور كما قلنا مجازات (تغييرات) . والأمثال هي الأخرى تغييرات … وصيغ المبالغة الأشد إمتاعاً هي الأخرى تغييرات (مجازات) " (16) .
ومن هنا، يلاحظ الدارس أن الموروث النقدي والبلاغي العربي وكذلك اليوناني ممثلاً بأرسطو في كتابيه فن الشعر والخطابة قد بين الحد الفاصل بين لغة النثر العادي وبين لغة الإبداع المتمثلة بلغة الشعر والنثر. تلك اللغة الإبداعية التي تقوم أساساً على المجاز، الذي يشكل خروجاً على المألوف، وتجاوزاً للدلالات المحددة في الوصف اللغوي، لتصبح هذه الدلالات المتعددة للتراكيب اللغوية في العمل الإبداعي أكثر إمتاعاً ودهشة للمتلقي، وبهذا أصبح المجاز عنصراً جوهرياً في بنية اللغة الإبداعية، وفي ربط المبدع والنص والمتلقي معاً. فالمجاز هو الذي يجعل العمل الإبداعي عملاً إبداعياً مدهشاً وممتعاً ومقلقاً للمتلقي.(5/69)
ثانياً- المجاز عند ابن سينا.
لقد حاول الفلاسفة المسلمون الوقوف على الخصائص والعلامات التي تميز اللغة العادية عن لغة الإبداع والشعر والكتابة الفنية. وقد توصل الفلاسفة –ومن بينهم ابن سينا- إلى اعتبار التغيير أي الانحراف عن المألوف، وتجاوز ما هو مصطلح عليه، جوهر الإبداع، والفارق الأساسي بين اللغة العادية ولغة الإبداع (17) .
ولهذا فقد تعددت دلالات مصطلح التغيير عند ابن سينا لتشمل كل عناصر البلاغة التي تشكل جوهر العمل الإبداعي وأساسه. فقد أصبح التغيير بمفهومه الواسع يعني المجاز بأوسع معانيه ودلالاته، فالمجاز هو تجاوز المألوف، وانتهاك حرمة اللغة، وخروج على القواعد التي تكبل التراكيب وتحد من دلالاتها وإيحاءاتها. حيث أصبح المجاز عند ابن سينا يعني الاستعارة والتشبيه وهما جوهر اللغة الإبداعية الذي تتميز فيها عن اللغة العادية ذات التراكيب الواضحة المحددة الدلالة والمعنى (18) . يقول ابن سينا: "أما الكلام في الشعر وأنواع الشعر وخاصة كل واحد منها ووجه إجادة قرض الأمثال والخرافات الشعرية، وهي الأقاويل المخيلة، وإبانة أجزاء كل نوع بكميته وكيفيته- فسنقول فيه إن كل مثل وخرافة، فإما أن يكون على سبيل تشبيه بآخر، وإما على سبيل أخذ الشيء الاستعارة أو المجاز، وإما على سبيل التركيب منهما" (19) .(5/70)
وقد أضاف ابن سينا عناصر أخرى للغة الإبداع تنطلق من المفهوم الواسع للمجاز الذي يتجسد في اللغة غير العادية وهي لغة الشعر والكتابة الفنية مثل الرمز والتقديم والتأخير والالتفات وغير ذلك من ضروب بلاغية تندرج تحت قسمي الإغرابات في التراكيب اللغوية. ولعل هذه الألوان هي ضروب يتشكل المجاز منها بمفهومه بالواسع. يقول: "واللغة تستعمل للإغراب والتحيير والرمز، والنقل أيضاً كالاستعارة، وهو ممكن، وكذلك الاسم المضعف. وكلما اجتمعت هذه كانت الكلمة ألذ وأغرب وبها تفخيم الكلام، وخصوصاً الألفاظ المنقولة. فلذلك يتضاحكون بالشعراء إذا أتوا بلفظ مفصل أو أتوا بنقل أو استعارة يريدون الإيضاح. ولا يستعمل شيء منها للإيضاح" (20) .
وقد بين ابن سينا أن اللغة التقريرية التي تستخدم في الأسلوب الخطابي تختلف عن اللغة المستخدمة في الشعر وألوان الكتابة الفنية، وهذا الاختلاف يعود إلى المجاز وضروبه المتمثلة بالاستعارة والتشبيه، وأنواع الإغراب في التراكيب اللغوية من التفات وتقديم، وتأخير وإيجاز واطناب (21) .(5/71)
يقول ابن سينا: "إن الشعراء يجتنبون اللفظ الموضوع ويحرصون على الاستعارة حرصاً شديداً، حتى إذا وجدوا اسمين للشيء، أحدهما موضوع، والآخر فيه تغيير ابن سينا، ما، مالوا إلى المغير، مثلاً إذا كان شيء واحد يحسن أن يقال: مستراح، ويقال له مسكن ومبيت، وكان تسميته بالمسكن أولى، لأنه مكان المرء ووطنه، سموه بالمستراح، لأنه يدل على تغيير ما" (22) . وأما لغة الخطاب فإنها تحتاج إلى أسلوب وصفي تقريري بعيد عن المجاز وتجاوز المألوف. يقول ابن سينا: "والقول الخصومي يحتاج أن يجعل قولاً شديد التقريب من الغرض، وأن يكون اللفظ فيه شديد المطابقة للمعنى، لا سيما حيث لا يكون كالخطبة، بل يكون بين يدي حاكم واحد ومجلس خاص، وذلك لأن تكلف الخصومة في مثل هذا الموضع يكون أيسر منه على رأس الملأ المزدحم، فإن مثل هذا الموضع يحتاج إلى عمل واحد من الخطابة وهو حسن العبارة، ولا يحتاج إلى كثرة الاستعارات والتشبيهات والتهويلات" (23) .(5/72)
كما قرن ابن سينا المجاز والتشبيه والاستعارة بعملية التخييل، وعدها وسائل يتحقق من خلالها فعل التخييل (24) . ولعل غاية التخييل هنا هو المتلقي للعمل الإبداعي. ولذلك فإن إثارة المتلقي وإحداث اللذة والمتعة عنده ترتبط بالمجاز وضروبه المختلفة، وهذه المتعة تعد وظيفة أساسية للمجاز، ذلك المجاز الذي يتحقق في الشعر والعمل الفني عموماً. يقول: "أما الكلام في الشعر وأنواع الشعر وخاصة كل واحد منها ووجه إجادة قرض الأمثال والخرافات الشعرية، وهي بالأقاويل المخيلة، وإبانة أجزاء كل نوع بكميته وكيفيته–فسنقول فيه إن كل مثل وخرافة فإما أن يكون على سبيل تشبيه بآخر، وإما على سبيل أخذ الشيء نفسه لا على ما هو عليه، بل على سبيل التبديل، وهو الاستعارة أو المجاز، وإما على سبيل التركيب منهما. فإن المحاكاة كشيء طبيعي للإنسان، والمحاكاة هي إيراد مثل الشيء وليس هوهو، فذلك كما يحاكى الحيوان الطبيعي بصورة هي في الظاهر كالطبيعي. ولذلك يتشبه بعض الناس في أحواله ببعض ويحاكي بعضهم بعضاً ويحاكون غيرهم. فمن ذلك ما يصدر عن صناعة، ومن ذلك ما يتبع العادة، وأيضاً من ذلك ما يكون بفعل" (25) .
ومن هنا، فإن ابن سينا يقد استطاع تحديد مفهوم المجاز المرتبط بالخروج على المألوف، فضلاً عن ربطه المجاز وضروبه بالتخييل، وهذا ما يتعلق بالمتلقي الذي يشكل ركناً رئيساً في العملية الإبداعية. فالمجاز يحدث لدى المتلقي من خلال وسائله الأسلوبية المختلفة هزة ولذة عارمة حيث يحفز المتلقي كذلك على الكشف والتأويل والتفسير لدقائق العمل الفني وإيحاءاته وصوره.(5/73)
فالمجاز مرتبط عند ابن سينا بالتغيير، وهذا هو جوهر العمل الإبداعي، فبدون المجاز وضروبه لا يمكن أن تتشكل اللغة الإبداعية التي تدهش المتلقي بحيلها وتمويهاتها الفنية. وبالتالي فقد استطاع ابن سينا من خلال المجاز وربطه بالتخييل أن يضع حداً فاصلاً بين لغة الكلام أو الكتابة العادية ولغة الإبداع المتمثلة بالشعر والكتابة الفنية. وهذا يعني أن ابن سينا قد أدرك بشكل واضح أن هناك مستويين للغة: المستوى العادي الذي لا تخرج فيه الألفاظ عن دلالتها ومعانيها المحددة، والمستوى الأدبي أو الجمالي الذي تخرج فيه الألفاظ عن دلالتها المحددة إلى دلالات أخرى يقتضيها السياق أو التركيب، وهذا ما سماه ابن سينا بالتغيير أي الإنحراف عن التراكيب اللغوية المعتادة إلى تراكيب فيها حذف وتقديم وتأخير (26) ، يقول ابن سينا كذلك: "واعلم أن القول يرشق بالتغيير. والتغيير هو أن لا يستعمل كما يوجبه المعنى فقط، بل أن يستعير، ويبدل، ويشبه" (27) .
ثالثاً- المجاز عند ابن رشد
لقد توسع ابن رشد في تحديد مفهوم المجاز وضروبه المختلفة اكثر من ابن سينا. حيث بين ابن رشد أولاً أنه يعني بالمجاز الاستعارة والتشبيه. يقول: " ان المجاز استعارة وتشبيه (28) . كما ذكر ضروبا أخرى من المجاز حاصرا إياها بالتغيير وهو الخروج على المألوف في التركيب والصياغة الأدبية. يقول: "والتغييرات تكون بالموازنة والموافقة والإبدال والتشبيه، وبالجملة: بإخراج القول غير مخرج العادة، مثل: القلب والحذف والزيادة والنقصان والتقديم والتأخير وتغيير القول من الإيجاب الى السلب ومن السلب إلى الإيجاب، وبالجملة: من المقابل الى المقابل، وبالجملة: بجميع الأنواع التي تسمى عندنا مجازاً" (29) .(5/74)
فالأساس الذي يقوم عليه مفهوم المجاز عند ابن رشد هو التغيير، وهذا التغيير يرتبط بالقول الشعري. فالتغيير هو المجاز، وهو الذي يجعل من القول قولاً شعرياً، ومن العمل الإبداعي عملاً إبداعياً، لأنه يعتمد على تجاوز المألوف من خلال استخدام الصور المبنية على الاستعارة والكناية والتشبيه، فضلا عن ابن رشد قد أضاف بعداً جديداً في نظرته وتحديده لمفهوم المجاز من خلال تركيزه على أساليب المعاني مثل: التقديم والتأخير والزيادة والإيجاز والحذف. ولعل هذه الأساليب هي التي تميز العمل الإبداعي عن غيره من صور الكلام أو الكتابة العادية.
كما أضاف ابن رشد ضروباً أخرى إلى المجاز والتغيير مثل الأسماء الغريبة والرمز واللغز، ولعل الغرابة هنا تعني الدلالات المتولدة والجديدة التي تنتج عن الصياغة والتركيب الذي يخرج فيه المبدع عن المألوف. يقول:" وأما الأقاويل العفيفة المديحية فهي الأقاويل التي تؤلف من الأسماء المبتذلة ومن الأسماء الأخر أعني المنقولة الغريبة والمغيرة واللغوية، لأنه متى تعرى الشعر كله من الألفاظ الحقيقية المستولية كان رمزاً ولغزاً، ولذلك كانت الألغاز والرموز هي التي تؤلف من الأسماء الغريبة أعني بالغريبة: المنقول، والمستعار، والمشترك، واللغوي، والرمز- واللغز هو القول الذي يشتمل على معان لا يمكن أو يعسر، اتصال تلك المعاني الذي يشتمل عليها بعضا ببعض حتى يطابق بذلك أحد الموجودات" (30) .(5/75)
فالمجاز إذاً محصور بفعل التغيير، وهذا التغيير مرتبط بالقول الشعري، لأن الشعر عمل إبداعي فيه تجاوز للمألوف وخروج عن القواعد المتعارف عليها صوتيا أو دلالياً أو تركيبياً. وقد وضح ابن رشد هذا الفهم من خلال مثال شعري طالما اختلف النقاد العرب القدماء في تفسيره وتقييمه فنياً. يقول ابن رشد: "والقول إنما يكون مختلفاً، أي مغيراً عن القول الحقيقي من حيث توضع فيه الأسماء متوافقة في الموازنة والمقدار، وبالأسماء الغريبة، وبغير ذلك من أنواع التغيير. وقد يستدل على أن القول الشعري هو المغير أنه إذا غير القول الحقيقي سمي شعراً أو قولاً شعرياً، ووجد له فعل الشعر، مثال ذلك قول القائل:
ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الأباطح
إنما صار شعراً من قبل أنه استعمل قوله: أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا، وسألت بأعناق المطي الأباطح، بدل قوله: تحدثنا ومشينا" (31) .
كما أكد ابن رشد فهمه للتغيير بأنه يعني الغلو والإفراط والتجاوز للمألوف أيضاً، وهذا الفعل مرتبط بالشعر بوصفه عملاً إبداعياً. يقول: "ومن التغييرات أيضاً الإفراطات في الأقاويل والغلو فيها" (32) . وهذه التغييرات تطرح صيغة غير مألوفة في الكتابة أو الكلام العادي. يقول ابن رشد بهذا الخصوص: "والإغرابات التي تنجح في هذه الصناعة من قبل التركيب الغير المعتاد في الأقاويل هي أيضاً تغييرات، يريد بحسب التركيب لا بحسب الألفاظ المفردة، وذلك فيما أحسب مثل التقديم والتأخير والحذف والزيادة والإغرابات الغريبة" (33) .(5/76)
وقد تجلى معنى المجاز من خلال شرح ابن رشد لكيفية التغيير، الذي يعني الصورة غير المطابقة للأصل، وإنما يعني الصورة الشبيهة، ولذا حصر ابن رشد التغيير الناتج عن المجاز في جميع ضروب البلاغة مثل البيان والمعاني والبديع، وبهذا يكون المجاز قد أصبح يعني البلاغة العربية، تلك البلاغة التي تقوم على فعل التغيير والتجاوز للمألوف. يقول: "ومعنى التغيير أن يكون المقصود يدل عليه لفظ ما فيستعمل بذلك اللفظ لفظ آخر. وهذا التغيير يكون على ضربين: أحدهما أن يستعمل لفظ شبيه الشيء مع لفظ الشيء نفسه ويضاف إليه الحرف الدال في ذلك اللسان على التشبيه. وهذا الضرب من التغيير يسمى "التمثيل" و "التشبيه"، وهو خاص جداً بالشعر. والنوع الثاني من التغيير يؤتى بدل ذلك اللفظ بلفظ الشبيه به، أو بلفظ المتصل به من غير أن يؤتى معه بلفظ الشيء نفسه، وهذا النوع في هذه الصناعة يسمى "الابدال" وهو الذي يسميه أهل زماننا بالاستعارة والبديع" (34) .
كما عد ابن رشد التخييل حداً فاصلاً بين الأقاويل الخطبية والأقاويل الشعرية، فالتخييل بالشعر. ولذلك فالمجاز هو الطاقة المولدة للشعرية التي تحدث التخييل وتصنعه، ولعل فعل التخييل مرتبط بالمتلقي من حيث الاستفزاز والدهشة واللذة التي تصيب المتلقي نتيجة تفاعله مع العمل الإبداعي. يقول: "فلذلك ما ينبغي في هاتين الصناعتين أن تحصر الأحوال التي إذا استعملت في الألفاظ كانت بها الأقاويل البلاغية أتم إقناعاً والشعرية أتم تخييلاً" (35) .
وقد بين ابن رشد أن وظيفة المجاز ممثلة بالتغيير بصفة خاصة تنحصر في إحداث التخييل واللذة لدى المتلقي. يقول: "فقد تبين من هذا أن الضمائر والمثالات المنجحة في هذه الصناعة إنما هي التي تؤلف من أمثال هذه المعاني وأن الألفاظ المنجحة هي المغيرة –أعني المستعارة- تغييراً يفعل بالالتذاذ والتخييل" (36) .(5/77)
كما أن الغرابة المتمثلة في النص الإبداعي تحدث لدى المتلقي لذة ودهشة كبيرة، وهذه اللذة تنتج عن محاولة المبدع فك أسرار النص وتحليلها. يقول ابن رشد: "والتغيير بالجملة يعطي في المعنى جودة إفهام وغرابة ولذة" (37) .
ولهذا فإن ابن رشد قد استطاع تحديد مفهوم المجاز ووظيفته المرتبطة بالمتلقي من خلال اللذة والتخييل، ولعل اللذة ناتجة عن دور المجاز في بنية النص، فضلاً عن ضروب المجاز المختلفة التي تجعل من النص الإبداعي نصاً إبداعياً متميزاً عن النص العادي الذي يكتب بلغة وصفية تقريرية.
• • •
رابعاً- الخاتمة.
لقد كان موضوع الفصل بين اللغة الشعرية ولغة البرهان التقريرية ديدن النقاد قديماً وحديثاً.
حيث أدرك أرسطو في كتابيه فن الشعر والخطابة الفرق بين لغة الشعر الإبداعية ولغة البرهان التقريرية، وذلك من خلال فهمه وتحديده لمصطلح المجاز الذي يرتبط ارتباطاً جوهرياً بالقول الشعري والعمل الإبداعي بشكل عام.
فالمجاز يجسد الطاقة المولدة للعمل الإبداعي، ومن خلال المجاز تتحقق المتعة واللذة عند المتلقي.
فانتقال أسلوب الكلام من المخاطب إلى الغائب أو من الإيجاز إلى الإطناب أو إلى التورية والكناية يجعل العمل الإبداعي أكثر إثارة ودهشة وحفزاً للمتلقي على تأمل النص الإبداعي ومحاولة تفسيره وسبر أغواره.
كما كان هذا الدور المهم للمجاز موضع عناية النقاد والبلاغيين العرب القدماء، حيث ناقش النقاد موضوع المجاز وضروبه، وكذلك علاقة هذا المصطلح بتفسير القرآن الكريم، مما جعل منه الغاية التي يسعى إليها النقاد للوقوف على دوره وأهميته في الإبداع وتحريك ذهن المتلقي ومخيلته في الكشف عن جماليات النص الإبداعي وأسراره.(5/78)
ولذا، فقد كان لهذه المرجعية النقدية عند اليونان والعرب أثرها عند الفلاسفة المسلمين إدراكاً منهم لأهمية المجاز في اللغة، والصياغة، والإبداع بشكل عام، فضلاً عن دور المجاز في تحديد الفرق بين لغة القول الإبداعي وبين لغة النثر العادي الذي لا يشكل المجاز جوهراً أساسياً في بنائه وتركيبه.
ومن هنا، فقد برز ابن سينا وابن رشد ناقدين هامين في دراسة الفكر النقدي اليوناني وشرحه.
حيث حدد ابن سينا مفهوم المجاز وبعضاً من ضروبه، مبيناً دوره في تشكيل اللغة الإبداعية وصياغتها، كما ربط ابن سينا المجاز بالتغيير وهو يعني بشكل واضح الانحراف عن المألوف والمتعارف عليه في اللغة بحيث يصبح للتراكيب اللغوية في العمل الإبداعي دلالات جديدة. بيد أن ابن سينا لم يتوسع في شرح هذا الموضوع، حيث بقي أسيراً للتنظير وبخاصة أنه كان رائداً قبل غيره من النقاد في إدراك أهمية المجاز وضروبه.
إضافة إلى ذلك، فقد ربط ابن سينا المجاز بالتخييل واللذة وهو فهم عميق لدور المجاز في البنية الشعرية، وعلاقة ذلك بالمتلقي بوصفه طرفاً أساسياً في العملية الإبداعية (38) .
وأما مفهوم المجاز عند ابن رشد فقد جاء أكثر وضوحاً وعمقاً بحكم تأخر ابن رشد، فضلاً عن تذليل كثير من الصعوبات أمامه من قبل النقاد والفلاسفة الذين سبقوه. فقد تجاوز التنظير إلى التطبيق على الشعر.
فقد حدد ابن رشد المجاز بالقول الشعري فقط، كما بين دور المجاز في الخروج على المألوف، وكسر القواعد المتعارف عليها في الصياغة والتركيب ودلالات الألفاظ. وقد تجاوز ما جاء عند أبن سينا، حيث رأى أن الانحراف يتضمن الجانب الصوتي والدلالي والتركيبي في اللغة (39) .
كما توسع ابن رشد في جعل المجاز هو التغيير، ومن ثم تعددت ضروب المجاز عنده أكثر من ابن سينا لتشمل موضوعات علم المعاني والبيان والبديع.(5/79)
إضافة إلى ذلك، فقد ربط ابن رشد المجاز باللذة والدهشة والغرابة والعجب إدراكاً منه لأهمية المجاز ووظيفته الفنية. إذ إن المجاز أصبح يشكل عنده جوهر العمل الإبداعي وأساسه، فضلاً عن إدراكه لطبيعة المجاز التخييلية وغايته الجمالية.
الحواشي والتعليقات
1- سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان: الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، دار القلم، بيروت د. ت، ج211/. انظر كذلك ج2/98.
2- المصدر نفسه، ج3/47-48.
انظر. معلوف، سمير أحمد: حيوية اللغة بين الحقيقة والمجاز، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1996، ص317.
3- ابن منظور المصري: لسان العرب، مادة حذف.
4- ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم: تأويل مشكل القرآن، دار الكتب العلمية، ط3، بيروت 1918، ص5.
انظر معلوف: حيوية اللغة بين الحقيقة والمجاز، ص407.
هاينريكس فلفهارت: أراء حول الاستعارة ومعنى المصطلح "استعارة" في الكتابات المبكرة في النقد العربي، ترجمة سعاد المانع، مجلة فصول، الجزء العاشر، العددان الثالث والرابع، 1992، ص209.
ابن أبي الإصبع المصري: تحرير التحبير، تحقيق حفني محمد شرف، القاهرة 1383هـ، ص457.
أرسطو طاليس: فن الشعر، تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973، ص64.
المصدر نفسه، ص57.
المصدر نفسه، ص85.
انظر ABU Deep, Kamal: Al-Jurjani’s Cassification of Istiara with special Reference to Aristotle's of Metaphor, Journal of Arabic literature2 (1971) . PP. 48-75.
انظر، هلال، محمد غنيمي: النقد الأدبي الحديث، دار الثقافة ودار العودة، بيروت 1973، ص118، 126.
أرسطو طاليس: الخطابة، تحقيق عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات –الكويت ودار القلم- بيروت 1979 ص190.
المصدر نفسه، ص195-196.
المصدر نفسه، ص223.
أرسطو: فن الشعر، ص71-72.
أرسطو: الخطابة، ص220.
المصدر نفسه، ص220-221.
المصدر نفسه، ص223-224.(5/80)
الروبي، ألفت: نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1984، ص219.
المرجع نفسه، ص219.
ابن سينا، ابو علي الحسين بن عبد الله: فن الشعر من كتاب الشفاء (ضمن كتاب فن الشعر لأرسطو) تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973، ص167-168.
المصدر نفسه، ص193.
انظر الروبي: نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين، ص199-200.
ابن سينا، ابو علي الحسين بن عبد الله: الخطابة من كتاب الشفاء، تحقيق محمد سليم سالم، وزارة المعارف العمومية، القاهرة 1954، ص217.
المصدر نفسه، ص234-235.
عصفور، جابر: الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، المركز الثقافي العربي، بيروت 1992 ص161.
ابن سينا: فن الشعر من كتاب الشفاء، ص 167-168.
الروبي: نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين، ص178.
ابن سينا: الخطابة من كتاب الشفاء، ص202.
ابن رشد، الوليد: تلخيص الخطابة، تحقيق عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات- الكويت، دار القلم-بيروت 1959، ص294.
ابن رشد، الوليد: تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر (ضمن كتاب فن الشعر لأرسطو) تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973، ص243.
المصدر نفسه، ص238.
المصدر نفسه، ص242-243.
ابن رشد: تلخيص الخطابة، ص301.
المصدر نفسه، ص301.
المصدر نفسه، ص254-255.
المصدر نفسه، ص252-253.
المصدر نفسه، ص292.
المصدر نفسه، ص264.
ابن سينا: فن الشعر من كتاب الشفاء، ص 168،170.
انظر: ابن رشد: تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر، ص208-211.
الروبي: نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين، ص221.
المصادر والمراجع العربية
1- أرسطو طاليس:
-الخطابة، تحقيق عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات- الكويت ودار القلم- بيروت 1979.
- فن الشعر، تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973.
2- ابن أبي الإصبع المصري: تحرير التحبير: تحقيق حفني محمد شرف، القاهرة 1383هـ.
3- ابن رشد، الوليد:(5/81)
- تلخيص الخطابة، تحقيق عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات –الكويت ودار القلم-بيروت 1959.
- تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر (ضمن كتاب فن الشعر لأرسطو) ، تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973.
4- الروبي، ألفت:
- نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1984.
5- سبيويه، أبو بشر عمرو بن عثمان:
-الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، دار القلم، بيروت، د. ت.
6- ابن سينا، ابو علي الحسين بن عبد الله:
- الخطابة من كتاب الشفاء، تحقيق محمد سليم سالم، وزارة المعارف العمومية، القاهرة 1954.
- فن الشعر من كتاب الشفاء (ضمن كتاب فن الشعر لأرسطو) ، تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973.
7- عصفور، جابر:
- الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، المركز الثقافي العربي، بيروت 1992.
8- ابن قتبيبه، محمد عبد الله بن مسلم:
- تأويل مشكل القرآن، دار الكتب العلمية، ط3، بيروت 1981.
9- معلوف، سمير أحمد:
- حيوية اللغة بين الحقيقة والمجاز، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1996.
10- ابن منظور المصري: لسان العرب.
11- هاينريكس: فلفهارت:
- آراء حول الاستعارة ومعنى المصطلح "استعارة" في الكتابات المبكرة في النقد العربي ترجمة سعاد المانع، مجلة فصول، المجلد العاشر، العددان الثالث والرابع 1992.
12- هلال، محمد غنيمي:
- النقد الأدبي الحديث، دار الثقافة، بيروت 1973.
المراجع الأجنبية
ABU Deep, Kamal: Al-Jurjani’s Cassification of Istiara with special Reference to Aristotle's Aristototle's of Metaphor, P.P. 48-75, Journal of Arabic literature2 (1971) .(5/82)
ظاهرة التَّلَطف في الأساليب العربية
(دراسة دلالية لتقبل الألفاظ لدى الجماعة اللغوية)
د. محمد بن سعيد بن إبراهيم الثبيتي
الأستاذ المساعد - بمعهد اللغة العربية - قسم التخصص اللغويّ والتربويّ
جامعة أم القرى
ملخص البحث
هذا البحث محاولة لإبراز أهمية الجانب الاجتماعي في دراسة اللغة والكشف عن أسرارها ذات الصلة بحياة المجتمع وخاصة ما تكون عليه الجماعة اللغوية من حشمة وأدب ونحوهما فتلجأ تجاه هذا النمط الاجتماعي من حياتها إلى ظاهرة التلطف في اللغة، فتبلغ بذلك غرضها بأسلوب راق مراعية بذلك الآثار النفسية والقيم الاجتماعية في حياة الفرد والمجتمع. وعلى ضوء ذلك تناولت الدراسة هذه الظاهرة من عدة جوانب، وهي:
1- التلطف لغة واصطلاحاً: وفيه تعريف موجز بمعنى كلمة التلطف في اللغة، وبيان معناها الاصطلاحي لدى القدماء والمحدثين.
2- المواقف التي يعمد المتكلم فيها إلى التلطف: وقد أشارت الدراسة إلى موقفين، أحدهما: فردي يعتمد على سرعة البديهة والفطنة والذكاء. والآخر: جماعي يحاكي فيه الفرد مجتمعه فيخضع إلى ما يقرره المجتمع في خطابه محاكياً له في جل الدوافع التي تعود إلى الحياة الاجتماعية كالكياسة والتأدب، والتطير والتفاؤل، والخوف والفزع ونحو ذلك.
3- دوافع التلطف وأسبابه: حيث أشارت الدراسة إلى أهمية هذه الدوافع لدى القدماء والمحدثين وخلصت إلى بيان أبرزها وهي:
الكياسة والتأدب – التفاؤل والتشاؤم – التبجيل والتعظيم. ... ...
4- ثم ختمت الدراسة، بيان أهم وسائل التلطف وهي الاستعمال المجازي عن طريق الكناية ونحوها، والتحريف الصوتي عن طريق الإبدال ونحوه.
والله أسأل أن يوفق الجميع لخدمة لغة القران، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.
• • •
التمهيد:(5/83)
إنَّ اللغاتِ تتأثرُ بحضارات الأمم ونظمِها، وتقاليدها، وعقائدها، واتجاهاتها النفسية والثقافية وغير ذلك من شئون الحياة الاجتماعية، وكلّ تطور يحدث في ناحية من هذه النواحي يتردد صداه في أداة التعبير وهي اللغة، لذلك تُعَدُّ اللغات أصدق سجل لتاريخ الشعوب. فكلما اتسعتْ حضارةُ الأمةِ، وكَثُرتْ حاجاتُها، ورقي تفكيرها، وتهذيتْ اتجاهاتُها النفسيةُ، نهضت لغتُها وسمتْ أساليبُها وتعددتْ فيها فنونُ القول. وهلم جرا (1) .
واللغة العربية أصدق شاهدٍ على ما نقول فقد عُدَّتْ في مقدِّمة اللغات الراقية لما وصلت إليه من تهذيب في ألفاظها وسموٍّ في أساليبها، ودقةٍ في تراكيبها، ومرونة في التعبير عن حاجاتها، وتنوعت فنون القول فيها حتى سحرت كثيراً من الباحثين - قدماء ومحدثين - فرأوها أفضل اللغات وأفصحها، وأجملها، وفي ذلك يقول ابن جنيِّ من القدماءِ:
((وذلك أنّا نسأل علماءَ العربيةِ مِمَّنْ أصلُه عَجَميٌّ وقد تدرب بلغته قبل استعرابه عن حال اللغتين، فلا يجمع بينهما، بل لايكاد يقبل السؤال عن ذلك، لبعده في نفسه، وتقدم لطف العربية في رأيه وحسهِ. سألت غيرَ مرَّةٍ أبا عليٍّ - رضي الله عنه.. عن ذلك، فكان جوابه عنه نحواً مما حكيته ... ولم نر أحداً من أشياخنا فيها - كأبي حاتم وبُنْدَار وأبي عليٍّ، وفلان وفلان - يُسوُّون بينهما، ولا يُقرّبون بين حاليهما. وكأنَّ هذا موضعٌ ليس للخلاف فيه مجالٌ لوضوحه عند الكافَّةِ)) (2) .
ويقول ابن خلدون: ((وكانتِ الملكةُ الحاصلة للعرب من ذلك أحقَّ الملكاتِ وأوضَحها بياناً عن المقصد)) (3) .
ويرى ابن فارس أن اللغة العربية أفضل اللغات وأوسعُها، وذلك دليلٌ على أنَّ اللَّهَ اختارها لأشرف رسله وخاتم رسالاته، فأنزل بها كتابه المبين (4) . وإلى مثل هذا ذهب السيوطيُّ وغيره من القدماء (5) .(5/84)
وخلاصة القولِ أنَّ اللغة مرآةٌ ينعكس فيها كلُّ ما يسير عليه الناطقون بها في شئونهم الاجتماعية العامة والخاصة ويشمل ذلك العقائد والعادات، والتقاليد، والمبادئ وغير ذلك مما يصبغ اللغة بصبغة خاصّةٍ في جميع مظاهرها: في الأصواتِ، والمفرداتِ، والدِّلالة، والقواعد، والأساليب ... وهلم جرا.
فما يكون عليه الأفراد على سبيل المثال - من حشمةٍ وأدبٍ في شئونهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض ينعكس صداه في لغتهم، فاللاتينيون مثلاً (1) يعبرون عن العورات والأمور المستهجنة والأعمال الواجب سترها بعباراتٍ صريحة ومكشوفةٍ، على حين أنَّ العرب تتلمسُ أحسنَ الحيلِ وأدناها إلى الحشمةِ والأدب في التعبير عن هذه الأمور وغيرها مماله آثارٌ نفسيةٌ فتلجأُ إلى التَّلَطُف في الكلام، فتبلغ غرضها بأسلوبٍ ألطفَ وأحسنَ من الكشفِ والتصريحِ ويعيبون على الرّجل إذا كان يكاشفُ في ذلك، ويقولون: ((فلانٌ لا يحسنُ التعريضَ إلا ثَلْبا)) (2) والتعريض خلافُ التصريحِ.
والعربُ تُعبرُ عن الأفعال التى تُستر عن العيونِ وتتأذّى منها النفوس بألفاظٍ تدل عليها غير موضوعةٍ لها، تنزهاً عن إيرادها على جهتها وتَحَرُّزاً عمّا وُضِع لأجلها إذ الحاجة إلى ستر أقوالهم كالحاجة إلى سترِ أفعالهم فيتحرزون عن التصريح بالتعريضِ فيكنون عن لفظه، إكراماً لأنفسهم عن التلفظ به (3) .(5/85)
وفي القرآن الكريم من التَّلَطُف في الأسلوب ما يدلُّ على كريم العبارات ونبيل الألفاظ، من نحو قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرثَكُمْ أَنَّى شِئتُمْ} (1) وقوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّساء} (2) ، وقولِهِ: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} (3) ، وقولِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةََ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (4) ، وقوله: {فَتَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسا} (5) . وقد كنى القرآن الكريم عن العمليّة الجنسية (العلاقة بين الرجل والمرأة) بألفاظٍ كريمة هي: السّر والحرثُ، والملامسة، والإفضاءُ، والرفثُ، والدخول، وغيرها (6) .
التَّلَطُف لغة واصطلاحا
التَّلَطُف في اللغة من مادةِ ((لطف)) والمادةُ كما يرى ابنُ فارس تدورُ حول معنىً عامٍ واحدٍ هو الترفقُ (7) .
وفي التهذيب للأزهريّ: يروى عمروُ عن أبيه أنَّه قال: اللطيف: ((الذي يُوصِل إليك أَرَبك في رفق ... واللطيف من الكلام ما غَمُضَ معناه وخفي)) (8) ، وزاد في اللسان: والتَّلَطُف للأمر: الترفق له (9) . وفي أساس البلاغة للزمخشريّ: ((ومن المجاز ... وتلطفتُ بفلانٍ: احتلتُ له حتى اطّلعتُ على أسراره)) (10) .
وفي معجم ألفاظ القرآن الكريم لمجمع اللغة العربية، والتَّلَطُف في قوله تعالى: {فَلَيَأتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} (11) أىّ وليترفّق في الحصول على ما يريد (12) .
ومما سبق يتضح لنا أنّ التَّلَطُف في اللغةِ يعني الترفق، غيرَ أنّه ترفقٌ لا يعدم الحيلة والفطنة والذكاء.
وقد فطن القدماء من علماء العربية لهذه الظاهرة ودرسوها تحت مباحث الكناية وأنواعها ودوافعها، واستعملوا بعض المصطلحات المتصلة بها مثل: تحسين اللفظ، وتلطيف المعنى، والكنايات اللطيفة، والتعريض، يقول المبرد:(5/86)
((ويكون من الكناية - وذاك أحسنها - الرغبة عن اللفظ الخسيس المفحش إلى ما يدل على معناه من غيره. قال الله عزوجل:
{أُحِلَّ لكم ليلةَ الصّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكم} (1) ، وقالَ جلّ ثناؤه: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} (2) ... ومن ذلك قولهم:
جاء فلان من الغائِط، كناية عن الحدث، وإنما الغائط الوادي، قال عمرو بن مَعْدِي كَرِب:
وكم من غائِطٍ من دون سلمى ... قليل الإنس ليس به كَتِيعُ)) (3)
ويقول ابن فارس تحت باب الكناية:
((الكناية لها بابان: أحدهما: أن يُكْنى عن الشيء فيذكر بغير اسمه تحسيناً للفظ، أو إكراماً للمذكور، وذلك كقوله جلّ ثناؤه: {وَقَالوا لِجُلُودِهِمْ: لِمَ شَهِدّتم عَلَيْنَا؟} (4) قالوا إن الجلود في هذا الموضع كناية عن آراب الإنسان. وكذلك قوله جل ثناؤه: {وَلَكِنْ لاتُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} (5) … كل هذا تحسين اللفظ. والكناية التى للتبجيل قولهم: ((أبو فلان)) صيانة لاسمه عن الابتذال. . .)) (6) .
وقد عقد الثعالبي في كتابه ((فقه اللغة وسر العربية)) لها فصلاً أسماه: فصل في الكناية عما يستقبح ذكره بما يستحسن لفظه ومن أمثلته التى ذكرها (7) ، قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (8) .
وقول النبي - (- لقائد الإبل التى عليها نساؤه: ((رفقاً بالقوارير)) . بل إنه أفرد هذه الظاهرة بكتاب أسماه: ((الكناية والتعريض)) قال في وصفه:
إنه كتاب خفيف الحجم، ثقيل الوزن، صغير الجرم، كبير الغنم، في الكنايات عمّا يستهجن ذكره، ويستقبح نشره ... بألفاظ مقبولة تؤدي المعنى، وتفصح عن المغزى، وتحسن القبيح، وتلطف الكثيف (9) .
وممن أفرد هذه الظاهرة بالتأليف القاضى أبوالعباس أحمد بن محمد الجرجاني (ت482هـ) بكتاب أسماه: ((المنتخب من كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء))(5/87)
ذكر من فوائده، التحرز عن ذكر الفواحش السخيفة بالكنايات اللطيفة مستشهداً على ذلك بقوله تعالى: {وإِذَا مرُّوا باللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} (1) . . . أي كنوا عن لفظه، ولم يوردوه، فإنهم أكرموا أنفسهم عن التلفظ به، كما روى عن بنت أعرابي صرخت صرخة عظيمة، فقال لها أبوها: مالك؟ قالت: لدغني عقرب. قال لها أين؟ قالت: في الموضع الذي لا يضع فيه الراقى أنفه. وكانت اللدغة في إحدى سوأتيها، فتنزهت بذكرها عن لفظها (2) .
وسيأتي الحديث عن الكتابين السابقين بشيء من التفصيل في موضعهما من هذا البحث إن شاء الله (3) .
أمّا التَّلَطُف بالمعنى الاصطلاحي فقد عُرِف في الدراسات الغربية الحديثة بمصطلح يوناني (Euphemism) تعنى الدلالةُ الحرفيةُ له الكلامَ الحسن (Well speaking) (4) .
وقد تُرْجِمَ هذا المصطلح في العربية بألفاظٍ مختلفةٍ، فهو عند الدكتور كمال بشر
((حسنُ التعبير)) (5) ، وعند الدكتور كريم زكي ((تحسينُ اللفظ)) (6) ، وعند الدكتور أحمد مختار ((التَّلَطُف)) (7) . وعند الدكتور محمد علي الخولي ((لطف التعبير)) (8) .
وقد عرّفه أولمان بأنه: وسيلة مقنعة بارعةٌ لتلطيفِ الكلامِ وتخفيفِ وقعه (9) . وعرّفه أحمد مختار بأنه: إبدال الكلمةِ الحادةِ بكلمةٍ أقل حِدّةٍ أو أكثرَّ قبولاً (10) . وعرّفه محمد علي الخولي: بأنه استبدال تعبير غير سار بآخر أكثر مقبولية منه (11) .
ويُعَدُّ هذا الأسلوبُ الوجهَ المشرق لظاهرةِ اللامِسَاسِ أو المحظوراتِ اللغوية، حيث يرى بعض علماء اللغة المحدثين أنَّ استبدال الكلماتِ اللطيفةِ الخالية مِن أىِّ مغزى سيءٍ أو مخيفٍ بكلمات اللامساسِ أو المحظورات اللغوية يُعَدُّ ضرباً من ضروب التَّلَطُف أو حسن التعبير أو تحسين اللفظ (12) .
مواقف التَّلَطُف في الكلام
يعمد المتكلمُ إلى هذا الأسلوب في موقفين:(5/88)
أحدهما: فرديٌّ حيث يعمد المتكلمُ إلى التَّلَطُف في موقفٍ خاصٍ، وذلك لايتأتى لكل أفراد المجتمع، بل هو من خصائصِ ذوي الفطنة، وسرعةِ البديهةِ والذكاءِ، وقد أشار القدماءُ من علماء العربية إلى هذا الموقف وحاولوا علاجَه تحت بابِ ما أَسْمَوْهُ: ((التخلصُ من الكذب بالتورية عنه)) مستشهدين على ذلك بما روي عن النبي (( ()) : ((إنَّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب)) .
ومن أمثلة ذلك ما يُروى من أنَّ الخليفةَ المنصورَ كان في بستانٍ ومعه الربيع، فقال له: ما هذه الشجرةُ؟ قال الربيع: شجرةُ الوِفاق يا أمير المؤمنين، وكان اسم تلك الشجرةِ شجرةَ الخلافِ، فتفاءلَ المنصورُ بذلك وعَجِبَ من ذكائه (1) .
ومن ذلك مارُوى عن الخليفة المأمون أنه كان بيده مساويك، فسأل الحسنَ بنَ سهلٍ ما هذه؟ فقال: ضدُّ محاسنك يا أميرَ المؤمنين، وكره أن يقولَ مساويك (2) .
ويبدو أنَّ هذا الموقفَ هو الذى أوحى لابنِ دريدٍ بفكرةِ تأليفِ كتابهِ ((الملاحن)) حيثُ إنَّ الفكرةَ الأساسيةَ التى يقوم عليها الكتابُ هي استخدامُ اللفظِ المشتركِ على سبيلِ التوريةِ لمعانٍ أخرى خلاف ماهو ظاهرٌ، أو كما قال عنه مؤلفه:
((هذا كتابٌ ألفناه ليفزعَ إليه المجبرُ المضطهدُ على اليمينَ المكره عليها، فيعارضُ بما رسمناه، ويضمرُ خِلافَ ما يُظهرُ ليسلمَ من عادية الظالم ... )) (3) .
ويشتمل الكتابُ على خمس وسبعينَ ومائةِ يمينٍ تقريباً، بعضها اشتمل على لفظٍ واحد، كقوله:
((واللهِ ما سألتُ فلاناً حاجةً قط)) والحاجةُ الضربُ من الشجر له شوكُ، والجمع حاج ... )) (4) .
وبعضها اشتمل على أكثر من لفظٍ، كقوله:
((واللهِ ما سببتُ له أمّاً ولا جداً ولا خالاً، فالأمّ أمُّ الدِّماغِ، والجدُّ الحظُ، والخالُ الأكمةُ الصغيرة)) (5) .(5/89)
الموقف الآخر: ليس فردياً وإنما يعود إلى تواضع الجماعة اللغويّة أو المجتمع بشكل عام، فاللغة بوصفها ظاهرةً اجتماعيةً تخضع الفردَ لِمَا ترسمه فالدوافع النفسيةُ أو العاطفيةُ التي تفرضُ على الجماعةِ اللغوية نهجاً محدداً في التعبير ليس للفرد إلا محاكاتُها واتباعُها، وذلك ينطبق على جُلِّ الدوافع التي تعود إلى الحياة الاجتماعية كالكياسة والتأدبِ والخوفِ والتطيرِ والتفاؤلِ والتشاؤمِ ونحوها من الدوافع التي تلجأ الجماعة اللغويةُ إلى التَّلَطُف بشأنها بعباراتٍ كريمةٍ وألفاظٍ نبيلةٍ، وقد مرّ معنا أنَّ العربَ مثلاً يعيبون على الرجل إذا كان يكاشفُ ويصرحُ فيما حَقُهُ السترُ والتحرزُ والأدبُ.
والأسباب الاجتماعية واضحةٌ جداً في مراعاة التَّلَطُف في مثل هذا الموقفِ، ولكنَّ الحالةَ الاجتماعية تختلفُ من أمّةٍ إلى أمةٍ، ومن بيئة إلى بيئة، ومن جيلِ إلى جيلٍ، فلعل ما يدعو إلى التَّلَطُف عند أمّةٍ لايدعو إليه عند أمّةٍ أخرى، ولا أدَلَ على ذلك إلا ما سبق وأشرنا إليه من أنّ اللاتين مثلاً يعبرون عن العورات والأمور المستهجنة بعبارات صريحة مكشوفة على حين أنَّ العرب تتلمس أحسنَ الحيل وأدناها إلى الحشمةِ والتأدب في التعبير عن هذه الأمورِ بأسلوبٍ ألطفَ وأحسنَ (1) .
وهذا الموقف هو الذى دفع كلاًّ من الثعالبيِّ والجرجانيِّ إلى إفراد هذه الظاهرة بالتأليفِ. يقول الثعالبيِّ عن كتابه:
((هذا كتابٌ، خفيفُ الحجمِ، ثَقِيلُ الوزنِ، صَغيرُ الجرمِ، كَثيرُ الغُنْمِ، في الكنايات عمَّا يُستهجنُ ذكرُه، ويستقبحُ نشرُه، أو يستحيا من تسميته، أو يُتطيرُ منه، أو يسترفعُ ويُصانُ عَنْهُ، بألفاظِ مقبولةٍ تؤدي المعنى، وتفصح عن المغزى، وتحسن القبيحَ، وتلطف الكثيفَ ... )) (2) .
ويقول الجرجانيُّ عن كتابه أيضاً:(5/90)
((فمن فوائده التحرزُ عن ذكرِ الفواحشِ السخيفة بالكنايات اللطيفة، وإبدال ما يَفْحُشُ ذِكْرُه في الأسماع، بما لاتنبو عنه الطباعُ،.. ومنها تركُ اللفظِ المتطير به إلى ماهو أجملُ منه ... ومنها الأمورُ الجاريةُ بين البلغاءِ والأدباءِ ومداعباتهم بمعاريضَ لايفطن لها إلا البلغاءُ ... ومنها التوسعُ في اللغاتِ، والتفنِنُ في الألفاظِ والعبارات..)) (1) .
أمَّا المَعِينُ الذي نهلا منه مادَة كتابيهما فهو القرآن الكريمُ، وأخبارُ الرسول (( ()) وكلامُ العربِ من قلائد الشعراءِ، ونصوصِ البلغاءِ، وملح الظرفاءِ في أنواع النثر والنظم (2) .
وبالتأمل في أبوابِ الكتابين نلحظ أنَّ أبوابَ الثعالبي في كتابه (الكنايةِ والتعريض) أشملُ للدوافعِ النفسيةِ والعاطفية التى تدفع المتكلمين إلى التَّلَطُف، ففي حين قصر الجرجانيُّ معظمَ أبوابه على العلاقة بين الرجل والمرأة -الألفاظ الجنسية- وما يتصل بها، نجد الثعالبيَّ يضيفُ أبواباً جديدة تتعلق ببعض العاداتِ والعقائدِ العربيةِ كالتفاؤلِ والتشاؤمِ والعيوب الخَلْقِيةِ والخُلُقِيةِ وما يتصل بها.
ومن أمثلة الكتابين ما يلي:
يقول الثعالبيُّ: ((العربُ تكنى عن المرأة بالنعجة والشاةِ والقلوص والسرحة والحرثِ والفراشِ والعتبةِ والقارورةِ ... وبكلها جاءت الأخبارُ ونطقت الأشعارُ ... )) (3) ثم يأتي بشواهد على ذلك من النثر والشعرِ وأحياناً من القرآن الكريم. ويختمُ كلامه حول هذه الكناياتِ الخاصةِ بالمرأة بقوله (4) : ((وإنما تقع مثلُ هذه الكنايةِ ممّن لايجسرون على تسميتها أو يتذممون من التصريح بها)) .(5/91)
وفي الكناية عمّا يجرى بين الرجالِ والنساء من الشهوةِ والتماسِ اللذة، يقول (1) : ((ولا أحسنَ ولا أجملَ ولا ألطفَ من كنايةِ اللهِ تعالى عن ذلك بقوله: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} (2) وقولِهِ عزوجل: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} (3) وقولِهِ تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (4) وقوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوْهُنَّ وابْتَغُوا مَاكَتَبَ اللهُ لَكُمْ} (5) وقوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (6) وقوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (7) .
وقوله في الكناية عن طالب ذلك حكايةً عن يوسفَ عليه السلام: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نّفْسِي} (8) .
ويقول الجرجانيُّ (9) :
((وتقول العربُ: في الكنايةِ عن دخول الإنسان بأهله: بنى فلانٌ على أهله، وأصلُه أنَّ كلَّ من أراد الزّفافَ بنى على زوجتهِ قبةً، فقيل لكل داخل بانٍ)) .
وفي الكنايةِ عن الختانِ، يقولُ الثعالبيُّ:
((ويكنى عن الختان بالطهر والتطهير)) . ويقول: ((ومن لطائف الأَطِبَاءِ كِنَايَتهُمْ عن حشوِ الأمعاءِ بالطبيعةِ وعن البولِ بالماءِ، وعن القيء بالتعالج ... )) (10) .
ويقول في الكنايةِ عن بعض الصفاتِ الخَلْقِيةِ والخُلُقيَّة، ويكنى عن الأعمى بالمحجوبِ، وعن الأعورِ بالممتعِ وعن البخيلِ بالمقتصد (11) .
وفي الكناية عن القتل والموت، يقول الثعالبيُّ (12) :
وتقول العرب في الكناية عن الموت: استأثر اللهُ به، أسعده اللهُ بجواره، نقله اللهُ إلى دار رضوانه، اختاره الله ويقول الجرجانيُّ (13) :
ومن ذلك قولُهم لحق فلان باللطيف الخبير، ولعق فلانٌ اصبعه، واستوفى أكله، واصفرت أناملهُ، ومضى لسبيله وَدُعِيَ فأجاب، وَقَضَى نحبه، والنحب النذر.
ويقول الجرجانيُّ (14) :(5/92)
((واعلم أنَّ العربَ كما يكنون عن الموت تطيراً من ذكره، كذلك يكنون عن القتل، فيقولون: ركب فلانٌ الأغرَّ الأشقَر إذا قُتل، ويكنى عن قتل الملوك خاصة بالمشعرة، إذ كانوا يكبرون أن يقولوا قُتِل، فيقولون أشعر من إشعار البدن)) .
ويقول الثعالبيُّ في الكناية عمّا يُتطيرُ من لفظه:
((يكنى عن اللديغ بالسليم، وعن الأعمى بالبصير، وعن المهلكةِ بالمفازة)) (1) .
ويقول الجرجانيُّ:
وأعلم أنّ العربَ تتطير من ذكر البرصِ، فتكنى عنه بالوضحِ، ومنه سُمِّيَ جذيمةُ الوضاحُ.
ويقولُ: ومما يُتَفَاءَل بذكره قولُهُمْ للفلاةِ مفازةٌ؛ لأن القفارَ في ركوبها الهلاكُ فكان حقُها أن تسمّى مَهْلَكَةً ولكنهم أحسنوا لفظها تطيراً بها، وعكسوه تفاؤلاً، ومن ذلك تسمية اللديغ سليماً والأعور ممتعاً تطيراً من ذكر العور (2) .
دوافع التَّلَطُف وأسبابه
يرى أولمان أنّ دوافع التَّلَطُف (حسن التعبير) دوافعٌ نفسيّةٌ، وأنَّ المتكلمَ يعمد إلى استعمالِ هذا الأسلوبِ مع كلِّ شيءٍ مقدسٍ أوذى خطرٍ، أو مثيرٍ للرعب والخوفِ، كما يطبقه على الأشياءِ الشائنةِ، أو غيرِ المقبولةِ لدى النفس (3) .
وَيُجْمِل بعضُ اللغويين المعاصرين هذه الدوافعَ في ثلاثةٍ هي: الخوفُ والفزعُ، الكياسةُ والتأدبُ، الخجلُ والاحتشامُ (4)
وما قاله أولمان وغيرُه، نلحظه عند القدماءِ من علماء العربيةِ ممن اهتموا بهذا الأسلوب، كالثعالبيِّ والجرجانيِّ – على سبيل المثال – حيث أشار كلّ منهما في مقدمة تأليفه إلى أبرز هذه الدوافع وهي:(5/93)
التَحرزُ عن ذكرِ الفواحشِ السخيفةِ بالكنايات اللطيفةِ التى تفصحُ عن المغزى، وتحسِّنُ القبيحَ، وتلطّفُ الكثيفَ فيحصل المرادُ، وَيلَوُحُ النجاحُ، مع العدولِ عمّا ينبوُ عنه السمعُ، ولا يأنسُ به الطبعُ إلى ما يقومُ مقامَهُ، وينوبُ منابَه من كلامٍ تأذنُ له الأذنُ، ولا يحجبه القلبُ، وما ذلك إلا من البيان في النفوسِ وخصائصِ البلاغةِ، ولطائفِ الصناعةِ (1) .
ونستطيع القولَ بأنَّ أبرز دوافع التَّلَطُف، وأسبابه لدى الجماعة اللغوية، ما يلي:
أولاً: الكياسةُ والتأدبُ والاحتشامُ:
ويعد مجالُ المرأة وعلاقتها بالرجل وما يتصلُ بذلك من أحوالٍ أو أفعالٍ أو أعضاءٍ أبرز وأكبرَ المجالات التى تدفعُ المتكلمُ إلى التَّلَطُف بشأنها، إذ التَّلَطُف في هذا المجال من باب التحرز عن ذكر هذه الألفاظ أو التصريح بها، فيعدل المتكلم إلى الكناية، وهي مطلوبةٌ مستحبةٌ ليس في العربية فحسب بل في معظم اللغاتِ، لأن كلماتِ هذا المجالِ مفضوحةٌ ينفر منها الناس (2) .
وقد سبقت الإشارة إلى تعليلِ الجرجانيُّ لكثرةِ الكناياتِ عن المرأة عند العرب، وأنّها من باب التذمم من التصريح باسم المرأة. كما هو الحال في وقتنا الحاضر.
وفيما يتعلق بهذا المجال يقول أحدُ المحدثين من علماء العربية:
وكان قد لفت نظري ورودَ جُملةٍ في كتاب ((فقه اللغة)) للثعالبيِّ هي: ((لعل أسماءَ النكاح تبلغُ مائة كلمةٍ عن ثقاتِ الأئمةِ بعضُها أصليٌّ، وبعضُها مَكْنيٌ)) وكنت في أثناء قراءاتي المتكررة للقاموس المحيط للفيروز آبادي، أستغرب كثرة الألفاظِ الجنسيةِ، حتى خُيِّل إلىّ أنَّه لا تخلو مادةٌ من موادِ المعجم العربيّ من لفظٍ جنسيّ دالٍ على اسمٍ أو فعلٍ أو حالٍ لذلك الجانبِ من حياة البشر وحياة الحيوان، ثم يستطرد قائلاً:(5/94)
وعددتُ أنا الألفاظ المتعلقةَ بهذا المدركِ في القاموسِ فوجدتُها تزيدُ على ألفٍ ومائتين ... وحاولت تعليلاً لهذه الكثرة.. فبان لي أن جانباً كبيراً منها من باب الكناية ... حيث كان العربيُّ يَكْنى به عن المدرك الجنسيّ بلفظٍ ... فإذا اشتهر هذا اللفظُ ودلَّ على ماكان يُكْنى عنه صراحةً استحيا العربيُّ من الاستمرارِ في استعمالِه فانتقلَ إلى كنايةٍ جديدةٍ
غامضةٍ)) (1) .
ثانياً: التفاؤل والتشاؤم:
حيثُ يُعَدُّ من أبرزِ دوافعِ التَّلَطُف في اللغاتِ، ويشملُ كلَ الكناياتِ الخاصةِ بالمجالاتِ التى نستبينُ منها الضعف الإنسانيَّ كالموتِ والمرضِ وأسماءِ بعضِ الحيواناتِ، والجنِ، والسوامّ، ونحوِها مما يلعب التفاؤلُ والتشاؤمُ فيها دوراً كبيراً، فهي مجالاتٌ تثير ألفاظُها الخوفَ والهلعَ في نفوسِ البشر وينفرون من سماعها، ويتفادون ذِكْرَها، فِراراً مما تبعثه في الأذهانِ من آلام.
وسرُّ التَّلَطُف في هذا المجالِ، هو ما استقر في أذهانِ الناسِ منذ القدمِ من الربط بين اللفظِ ومدلولهِ ربطاً وثيقاً حتى إنّه يُعتقدُ أنّ مجردَ ذكرِ الموتِ يستحضرُ الموتِ، وأنّ النطق بلفظٍ الحيةِ يدعوها من جحرها فتنهشُ من ناداها أو ذكرَ اسمَهَا (2) .
ولعل هذا يفسر لنا تعددَ مسمياتِ بعضِ الألفاظِ المترادفةِ في العربيةِ كلفظ الداهيةِ التي قال عنها حمزة الأصفهانيُّ: ((إنَّ تكاثرَ أسماءِ الدواهي من إحدى الدواهي)) (3) .
ثالثاً: التبجيل والتعظيم:
حيث يعدُّ التبجيلُ والتعظيمُ في العربية من أبرزِ دوافع التَّلَطُف، ويشمل الكناياتِ الخاصةَ بالمجالاتِ التى نستبينُ منها التبجيل الإنسانيَ للأشياءِ ويدخل في هذا المجالِ الهيبةُ والاحترام والولوعُ بالشيءِ وحبه.
ومن أمثلةِ ذلك: إطلاقُ لفظِ الأَبِ على العمِ، وإطلاقُ لفظ الأمِّ على الخالةِ، ونحو ذلك (4) .(5/95)
ولعل هذا يفسر لنا - أيضاً - تعدد مسمياتِ بعضِ الألفاظِ المترادفةِ في العربية، كلفظِ الحبِّ الذى ذكروا له ستين اسماً (1) ، ولفظِ العسَلِ الذى ذكروا له ثمانين اسماً (2) ، ونحو ذلك.
إنّ ماتدل عليه هذه الألفاظُ لا يُعدُّ في حقيقته مصدرَ استهجانٍ لدى المجتمع كما هو الحالُ في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة وما يتصل بذلك، كما أنّه لايعدّ مصدرَ ضعفٍ لدى الجماعة اللغوية كألفاظ الموتِ والمرضِ ونحوها، بل إنَّها أسماء نابعة من شدةِ ولوعِ المجتمعِ العربيّ بما تدل عليه هذه الألفاظُ وما ذاك التعددُ لمسمياتها إلا لتعلق القلوب بها وتبجيلها.
وتفسير ذلك أن اللفظَ إذا شاع استعمالُه في الدلالةِ على هذه المعاني فقد تأثيرهُ، ففقد قيمتَه الدلالية التعبيريةَ، من أجل ذلك كان العربيُّ ينتقلُ باللفظ من مجازٍ أصبح مألوفاً ضعيف التأثيرِ إلى مجازٍ جديدٍ أحسنَ وقعاً في النفس وأكثرَ أثراً (3) ، على عكس ما حدث في الألفاظِ المستهجنةِ ونحوها.
وسائل التَّلَطُف في الكلام
بيَّنا فيما سبق دوافع التَّلَطُف وأسبابه في الكلام، والمواقفَ التى تفرض على المتكلمِ التَّلَطُف بشأنها، أما عن الوسائلِ التى يقصدها المتكلمُ حالَ تلطفه، فأهمها:
أولاً: الاستعمال المجازيُّ:
يعدّ المجاز من أهم الوسائلِ التي يتوسل بها المتكلمُ للتعبير عن المعاني المحظورةِ أو المقدسةِ لديه، فيعمدُ إلى الكنايةِ أو التوريةِ أو التعريضِ ونحوِها يقول الجرجانيُّ:
((واعلم أنَّ الأصلَ في الكناياتِ عبارةُ الإنسانِ عن الأفعالِ التى تُستر عن العيونِ عادةً من نحو قضاءِ الحاجةِ والجماعِ، بألفاظِ تدل عليها غير موضوعةٍ لها، تنزهاً عن إيرادها على جهتها وتحرزاً عمّا وُضِعَ لأجلها، إذ الحاجةُ إلى سَتْرِ أقوالِها كالحاجةِ إلى سترِ أفعالِها، فالكنايةُ عنها حِرْزٌ لمعانيها)) (4) .
ويقول أحدُ المحدثين:(5/96)
((والكنايةُ ليست إلا صورةً مهذّبةً متحضرةً مما يُسمّى تحريمُ المفرداتِ فكثيراً ما يقع لدى المتكلمين أن يكونَ لبعض الألفاظِ طابعُ السريةِ والخفاءِ فيمنعُ الأفرادَ، من استعمالِها)) (1) .
ولعل هذا يفسر لنا ترادفَ الكثيرِ من الألفاظ في العربيةِ كلفظِ الداهية، والموتِ، والأسدِ ونحوها تبعاً للتسميةِ المجازيةِ عن طريق الكنايةِ وصيرورتها إلى الحقيقةِ بفعل الاستعمال (2) .
وبيان ذلك أنّ معظمَ هذه الألفاظِ المترادفةِ إنَّما هي كناياتٌ شاعَ استعمالُها على الألسنِ حتى أصبحتْ حقائقَ، ومَرَدُّ ذلك أنَّ معظمَ هذه الألفاظِ ممّا يتحرجُ الناسُ من التعبير عنها بأسمائها الصريحة مراعاةً للآداب الاجتماعيةِ والاعتباراتِ الأخلاقية والنفسيةِ، ولهذا تلجأ الجماعةُ اللغويةَ إلى الكنايةِ بلفظٍ مرادفٍ، ومما يعزز ذلك ما حكاه أبوحيان التوحيديِّ عن ابن فارسٍ، حيث قال:
((حدثني ابنُ فارس: جرى بين يديه أسماءُ الفرْج وكثرتُها، فقال بعضُ الحاضرين: ماذا أرادتِ العربُ بتكثيرها مع قبحها؟ فقال: لما رأوا الشيءَ قبيحاً جعلوا يكنون عنه، وكانت الكنايةُ عند فشوها تصيرُ إلى حد الاسمِ الأولِ فينتقلون إلى كنايةٍ أخرى ... وعلى هذا كثرت الكناياتُ وليس غرضُهُمْ تكثيرُهَا)) (3) .
ولا يقتصر الأمرُ على الألفاظِ التى يتحرجُ الناسُ عن التعبير عنها بألفاظها الصريحةِ - كالألفاظِ الدالةِ على النكاحِ أو الألفاظِ الدَّالةِ على الخوفِ كلفظ الداهية، بل يتجاوَزُهُ إلى الألفاظِ ذاتِ القدسيةِ في حياة المجتمعِ كلفظِ الحبِّ، وكلِّ ما عَلِق بالقلبِ، يقول ابنُ قيمِ الجوزيةِ:(5/97)
((بابُ أسماءِ المحبةِ: لما كان إلفُهُمْ لهذا المسمى أشدَّ وهوَ بقلوبهم أَعْلَقَ كانت أسماؤه لديهم أكثر. وهذا عادتُهم في كلِّ ما اشتدَّ إلْفُهُمْ له أو كَثُرَ خُطُورُه على قلوبهم، تعظيماً له، أو اهتماما به، أو محبة له، فالأول: كالأسدِ والسيفِ، والثاني: كالداهيةِ، والثالث: كالخمرِ، وقد اجتمعت هذه المعانيِ الثلاثةُ في الحبِّ، فوضعوا له قريباً من ستين اسماً، وهي:
المحبَّةُ، والعلاقةُ، والهوى، والصَبْوةُ، والصبابةُ، والشَّغَفُ، والمِقَه والوَجْدُ، والكلفُ، والتتيّمُ، والعشقُ، والجوى، والدَنَفُ، والشجوُ، والشوقُ ... الخ)) (1) .
فهذه الألفاظُ تَفْقِدُ عند شيوعها على الألسنِ تأثيرهَا البلاغيُّ، فتفتقدُ بذلك قيمتها الاجتماعية، فيلجأ العربيُّ إلى لفظٍ آخرَ أقوى أثراً في النفس وأحسن وقعاً على الآذان، وعلى هذا تعددتْ مسميات الشيءِ الواحدِ من باب التبجيلِ والتعظيمِ لا الاستهانةِ والاستهجانِ.
بل إن من أبرزِ أسبابِ ظاهرةِ التضاد في العربية التعبيرُ بلفظِ محبوبٍ عن لفظٍ مكروهٍ لأسبابٍ نفسيّةٍ حيثُ لعبت غريزةُ التفاؤلِ والتشاؤمِ عند العربِ دوراً كبيراً في نشأةِ بعضِ ألفاظِ هذه الظاهرةِ، فرأينا العربَ تعدلُ عن الألفاظِ الدالةِ على المعنى الحقيقيِّ إلى ضدِّها تشاؤماً من التصريح بها، وتفاؤلاً بضدها، يقول ابنُ قتيبةَ:
((ومن المقلوبِ أن يوصفَ الشيءُ بضدِّ صفتِهِ للتطيرِ والتفاؤلِ كقولِهم للديغِ سليمُ تطيراً من السُقْمِ وتفاؤلاً بالسلامة، وللعطشان ناهلٌ أيّ سينهلُ يعنون يروى، وللفلاة مفازةٌ أي منجاة وهي مَهْلَكَةٌ ... )) (2) .
ويقاسُ على ذلك قولُ العربِ بصيرٌ للأعمى، وقافلةٌ للمسافرين تفاؤلاً برجوعهم إذ الأصل فيها الدلالةُ على الراجعين من السفر. ونحو ذلك (3) .(5/98)
بل تجاوز العربُ ذلك إلى المبالغةِ في الوصفِ، فوصفوا الأشياءَ بغير صفاتِها الحقيقيةِ خوفاً عليها من العينِ والحسدِ، قال أبوعبيدةَ:
((مهرةٌ شوهاءُ قبيحةٌ وجميلةٌ، قال أبوحاتم مفسراً ذلك: لا أظنهم قالوا للجميلةِ شوهاء إلا مخافةَ أن تُصيبَها عينٌ، كما قالوا: للغراب أعورَ لحدةِ بصرِهِ)) (1) .
ثانياً: التحريفُ الصوتيُّ:
إنّ الأثرَ الناجم من التحرّج من استعمال المفرداتِ لاينحصرُ في الاستعمالِ المجازيِّ بل يتجاوَزُهُ إلى التحريفِ الصوتيِّ للكلمةِ، وذلك عن طريقِ الإبدالِ لتخفيفِ ما تنطوي عليه الكلمةُ من الخطرِ أو الاستهجان، دون أن ينقص ذلك من قيمتها الدلاليةِ - على حد قول بعض المحدثين (2) - وفي استطاعة كلِّ إنسان في هذه الحالةِ أن يفهمَ المرادَ على الفورِ، وكأنَّ اللسانَ قد زلَّ وهو ينطق الكلمة ولكنَّ الخطأَ هنا متعمدٌ لغاياتٍ خفيةٍ أو لمراعاة التَّلَطُف.
ونلاحظ هذا التحريفَ الصوتيِّ للكلماتِ واضحاً في مجالِ العلاقةِ بين الرجل والمرأة ومايتصل بها، ومن أمثلة ذلك (3) :
قولُهم: بكَّ الرجلَ المرأةَ يبكها بكا، وهكها يهكها هكا.
وقولهم: طفزها وطعسها وطخزها وطحسها ودعزها ودعسها (4) .
وكلها كنايات عن الجماع.
وقولهم (5) : عسلها وغسلها، وحَطَأَها وفَطَأها، عَصَدَها وعَزدها ودَسَمَها ودَفَسَها، وفَحَجَها وفَخَجَها، كلٌ ذلك إذ نَكَحَها.(5/99)
كما نجد في المعاجمِ وكتب الإبدالِ أيضاً كلماتٍ كثيرةً ذاتَ دلالاتٍ سلبيةٍ تتميزُ بالتحريف الصوتيِّ كالكلماتِ الدَّالةِ على ضعفِ الإنسانِ أو دمامته ونحو ذلك، مثل قولِهم: رجلٌ حَزَوَّرٌ وَهَزَوَّرٌ للضعيف، ورجل حَبَلَّقٌ وَهَبَلَّقٌ إذا كان دميماً، ورجل قَنْثَرٌ وَكَنْثَرٌ إذا كان صغير الحجمِ (1) . وعَشَبَةٌ وعشمةٌ إذا كان يابساً من الهزال، وقَحْبَةٌ وَقَحْمَةٌ لكل كبيرةٍ مسنة، ورجل بُحْتُر وبُهْتُر قصيرٌ، وموتٌ ذُؤَافٌ وذُعافٌ وزؤأف وهو الذى يعجل القتل، والجَلَهُ والجلَحُ وهو انحسار الشعرِ عن مُقَدَّم الرأسِ، وأَيْمٌ وأَيْنٌ للحية (2) .
ونحو ذلك مما يمكنُ تفسيرُه تبعاً للتحريفِ الصوتي الذى يتوسلُ به المتكلمُ بغرضِ التَّلَطُف، وتعليلُ ذلك وبيانه أنَّ هذه الألفاظَ مما يتحرجُ الناسُ من التَعبيرِ عنها بألفاظِها الصوتية مراعاةً للآداب الاجتماعية والاعتباراتِ الأخلاقيةِ والنفسيَّةِ، ولهذا تلجأ الجماعةُ اللغويَّةُ إلى التحريفِ في صورةِ الكلمةِ كلما شاع استعمالُها كما لجأت إلى الكنايةِ بالمرادفِ والمضادِّ وغيرها من الألفاظ التى تتقاسمُ معها المجالَ نفسَهُ والدوافِعَ نَفْسَهَا، مما سبقت الإشارةُ إليه.
الحواشي والتعليقات
ينظر: اللغة والمجتمع د. على عبدا لواحد وافى، شركات مكتبات عكاظ ط4 المملكة العربية السعودية 1403هـ/1983م، ص13.
الخصائص، صنعة أبي الفتح عثمان بن جنى. تحقيق / محمد على النجار، دار الكتاب العربي بيروت لبنان 1/243.
مقدمة ابن خلدون، ط دار احياء التراث العربي - بيروت (بلا تاريخ) ص 546.
الصاحبي لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395هـ) - تحقيق السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي وشركاه - القاهرة (بلا تاريخ) ص 16.
المزهر في علوم اللغة وأنواعها للعلامة عبد الرحمن جلال الدين السيوطي شرح وضبط محمد أبوالفضل وغيره، دار الفكر 1/321.(5/100)
ينظر: اللغة والمجتمع د. على عبد الواحد وافى ص17، وعبقرية اللغة العربية د. عمر فروّخ - دار الكتاب العربي، بيرون - لبنان 1401هـ – 1981م ص 55.
ينظر: الكناية والتعريض، للثعالبيّ ص75. والثلْبُ: شِدَّة اللوم والأخذ باللسان، ومنه رجل ثَلْبٌ – بفتح الثاء وكسرها – أي معيب.
ينظر: المنتخب من كنايات الأدباء وارشادات البلغاء، للجرجاني ص5.
البقرة، الآية 223.
النساء، الآية 4.
النساء، الآية 21.
البقرة، الآية 187.
المجادلة، الآية 58.
ينظر: دلالة الألفاظ، دكتور إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية 1980م ط4 ص142.
ينظر: مقاييس اللغة لابن فارس مادة (لطف) .
مادة (لطف) 13/347.
مادة (لطف) .
مادة (لطف) ص409.
سورة الكهف الآية: 19.
ينظر: مادة (لطف) .
سورة البقرة، الآية 187.
سورة النساء، الآية 43، وسورة المائدة، الآية 6.
الكامل لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد، تحقيق: محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1 1986م، 2/856.
سورة فصلت، الآية 21.
سورة البقرة، الآية 235.
الصاحبي، لأبي الحسين أحمد بن فارس، تحقيق: السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه القاهرة، ص439.
فقه اللغة وسر العربية، لأبي منصور الثعالبي، تحقيق: مصطفى السقا وشركاه، 1972م، ص386.
سورة البقرة، الآية 223.
تنظر: مقدمة المؤلف، ص 3.
سورة الفرقان، الآية 72.
تنظر: مقدمة المؤلف، ص 10.
طبع الكتابان في مجلد واحد، بدار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ بلا تحقيق علميّ.
المحظورات اللغوية د. كريم زكي حسام الدين ط 1985م مكتبة الانجلو المصرية ص17.
دور الكلمة في اللغة. تأليف ستيفن أولمان، ترجمة د. كمال محمد بشر. مكتبة الشباب 1992م. ص196
المحظورات اللغوية ص17.(5/101)
علم الدلالة د. أحمد مختار عمر ط الأولى 1402هـ/1982م مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع الكويت ص240.
معجم علم اللغة النظري ص 88.
دور الكلمة في اللغة ص196.
علم الدلالة ص240.
معجم علم اللغة النظري ص 88.
ينظر: دور الكلمة في اللغة ص196، والمحظورات اللغوية ص14.
الكناية والتعريض ص71.
المصدر السابق، الصفحة نفسها.
الملاحن للإمام أبي بكر بن الحسن بن دريد، تصحيح وتعليق إبراهيم الطفيش، بيروت، دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1407هـ/1987م ص15.
المصدر السابق ص18، 19.
المصدر السابق ص26.
انظر: ص 4 من هذا البحث.
ينظر: مقدمة الكتاب ص 3.
ينظر: المقدمة ص 4،5.
ينظر: مقدمة الكتابين.
الكناية والتعريض ص50.
المصدر السابق ص6.
المصدر السابق ص13.
النساء، الآية 21.
الأعراف، الآية 189.
البقرة، الآية 187.
لمصدر السابق.
البقرة، الآية 223.
النساء، الآية 24.
يوسف، الآية 26.
المنتخب ص23.
الكناية والتعريض ص24.
الكناية والتعريض ص 46، 47.
المصدر السابق ص62.
المنتخب ص64.
المصدر السابق ص67، 69 بتصرف.
الكناية والتعريض ص71.
المصدر السابق ص70 فما بعدها.
دور الكلمة في اللغة ص196 فما بعدها.
المحظورات اللغوية ص51.
ينظر: مقدمة الكتابين.
ينظر: دلالة الألفاظ د. أنيس ص142.
ينظر: عبقرية اللغة د. عمر فروّخ ص57 فما بعدها بتصرف.
ينظر: دلالة الألفاظ، أنيس ص144.
التنبيه على حدوث التصحيف، حمزة بن الحسن الأصفهاني (ت370هـ) تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين الطبعة الأولى، مطبعة المعارف، بغداد 1387هـ/1967م ص 132.
ينظر: فقه اللغة للثعالبي ص367.
ينظر: روضة المحبين ونزهة المشتاقين، لابن القيم الجوزية، دار الباز للطباعة والنشر، مكة المكرمة ص16.
ينظر: المزهر في علوم اللغة وأنواعها، السيوطي، ص1/402.
ينظر: عبقرية اللغة ص58.
ينظر: المنتخب ص 5، 6.(5/102)
ينظر: اللغة، فندريس، تعريب عبد الحميد الدواخلى ومحمد القصاص، ص 281.
ينظر: الترادف في اللغة، حاكم مالك لعيبى، منشورات وزارة الثقافة والاعلام 1980م، الجمهورية العراقية. ص125.
ينظر: مثالب الوزيرين الصاحب بن عباد وابن العميد، لأبى حيان التوحيديّ، تحقيق د. إبراهيم الكيلاني، دار الفكر، دمشق 1961م، ص254.
روضة المحبين ص16.
تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر، القاهرة، دار التراث، ط3، 1973م ص185
ينظر: في اللهجات العربية، إبراهيم أنيس، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة 1992م، ص29، البلاغة وقضايا المشترك، عبد الواحد الشيخ، مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والنشر، الإسكندرية، 1986م، ص120.
ثلاثة كتب في الأضداد، الأصمعي والسجستاني وابن السكيت، المطبعة الكاثوليكية، بيروت لبنان 1912م ص137. ينظر: في اللهجات العربية، أنيس ص209.
ينظر: اللغة، فندريس ص280.
ينظر: الإبدال لابن السكِّيت تحقيق: حسين محمد شرف، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة 1398هـ، 1/88، المحظورات اللغوية، كريم ص62.
ينظر: الإبدال لابن السكِّيت 2/119، المحظورات اللغوية، كريم ص62.
ينظر: المنتخب من غريب كلام العرب، لكراع النمل، تحقيق: محمد العمريّ، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث، جامعة أم القرى، ط1، 1409هـ، 1/138.
ينظر: الإبدال لأبي الطيب اللغوى، تحقيق: عز الدين التنوخي، مطبوعات المجمع العلمى العربي بدمشق، 1960، 1/321، 325، 2/357. المحظورات اللغوية ص62
ينظر: الإبدال لابن السكيت ص71، 77، 85، 92، 93.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- الإبدال لأبي الطيب اللغوى، تحقيق: عز الدين التنوخي، مطبوعات المجمع العلمى العربي بدمشق.
- الإبدال لابن السكِّيت تحقيق: حسين محمد شرف، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة 1398هـ.(5/103)
- أساس البلاغة، لجار الله الزمخشري، دار صادر، بيروت 1399هـ.
- البلاغة وقضايا المشترك، عبد الواحد الشيخ، مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والنشر، الإسكندرية 1986م.
- تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر، القاهرة، دار التراث، ط3، 1973م.
- الترادف في اللغة، حاكم مالك لعيبى، منشورات وزارة الثقافة والإعلام 1980م، الجمهورية العراقية.
- التنبيه على حدوث التصحيف، حمزة بن الحسن الأصفهاني (ت370هـ) تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين الطبعة الأولى، مطبعة المعارف، بغداد 1387هـ/1967م.
- تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهريّ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الدَّار المصرية للتأليف والترجمة 1384هـ.
- ثلاثة كتب في الأضداد، الأصمعي والسجستاني وابن السكيت، المطبعة الكاثوليكية، بيروت لبنان 1912م.
- الخصائص، صنعة أبي الفتح عثمان بن جنى. تحقيق / محمد على النجار، دار الكتاب العربي بيروت لبنان
- دلالة الألفاظ، دكتور إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية 1980م ط4.
- دور الكلمة في اللغة. تأليف ستيفن أولمان، ترجمة د. كمال محمد بشر. مكتبة الشباب 1992م.
- روضة المحبين ونزهة المشتاقين، لابن قيم الجوزية، دار الباز للطباعة والنشر، مكة المكرمة.
- الصاحبي لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395هـ) - تحقيق السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي وشركاه - القاهرة.
- عبقرية اللغة العربية، عمر فرّوخ، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان 1401هـ - 1981م.
- علم الدلالة د. أحمد مختار عمر ط الأولى 1402هـ/1982م مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع الكويت.
- فقه اللغة وسر العربية، لأبي منصور الثعالبي، تحقيق: مصطفى السقا وشركاه، 1972م.
- في اللهجات العربية، إبراهيم أنيس، مكتبة الأَنجلو المصرية، القاهرة 1992م.(5/104)
- الكامل لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد، تحقيق: محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1 1986م.
- لسان العرب، لابن منطور، دار الفكر، بيروت.
- اللغة، فندريس، تعريب عبد الحميد الدواخلى ومحمد القصاص.
- اللغة والمجتمع د. على عبد الواحد وافى، شركات مكتبات عكاظ ط4، المملكة العربية السعودية 1403هـ /1983م.
- مثالب الوزيرين الصاحب بن عباد وابن العميد، لأبى حيان التوحيديّ، تحقيق د. إبراهيم الكيلاني، دار الفكر دمشق 1961م.
- المحظورات اللغوية د. كريم زكي حسام الدين ط 1985م مكتبة الأَنجلو المصرية.
- المزهر في علوم اللغة وأنواعها للعلامة عبد الرحمن جلال الدين السيوطي شرح وضبط محمد أبوالفضل وغيره، دار الفكر.
- معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية، القاهرة، دار الشروق 1401هـ.
- معجم علم اللغة النظري ((انكليزي – عربي)) وضع الدكتور محمد علي الخولي، مكتبة لبنان.
- مقاييس اللغة لابن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، مصطفى البابي الحلبى واولاده، مصر الطبعة الثالثة 1391هـ.
- مقدمة ابن خلدون، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت (بلا تاريخ) .
- الملاحن للإمام أبي بكر بن الحسن بن دريد، تصحيح وتعليق إبراهيم الطفيش، بيروت، دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1407هـ/1987م.
- المنتخب من غريب كلام العرب، لكراع النمل، تحقيق: محمد العمريّ، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث جامعة أم القرى، ط1، 1409هـ.
- المنتخب من كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء، للقاضي أبي العباس الجرجاني ويليه كتاب الكناية والتعريض لأبي منصور الثعالبيّ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط1، 1405هـ – 1984م.(5/105)
صعوبات تعلم اللغة العربية لدى تلاميذ الطور الثاني
من التعليم الأساسي في المناطق الناطقة بالبربرية
والمناطق الناطقة بالعربية
(دراسة ميدانية مقارنة)
من إعداد الدكتور علي تعوينات
معهد علم النفس وعلوم التربية
جامعة الجزائر
ملخص البحث
تطرح هذه الدراسة مشكلة تعلم اللغة العربية لدى التلاميذ الناطقين بالبربرية (بمختلف لهجاتها مع أخذ القبائلية نموذجا) في الجزائر، حيث الدولة لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المناطق التي يعيش فيها هؤلاء التلاميذ، مما أفرز فوارق في التربية أجحفت أبناء هذه المناطق، نتيجة للصعوبات التي يعانونها في تعلمهم للغة العربية باعتبارها مادة دراسية وأداة لتعليم المواد الدراسية الأخرى.
قمنا بالدراسة المقارنة الحالية للتأكد من الآثار الفعلية لهذه المشكلة بتطبيق المنهجية العلمية (الوصف والتحليل) واستخدام الأدوات المناسبة لذلك (الاختبارات التحصيلية واختبار لقياس الاتجاهات نحو تعلم اللغة العربية والاستبيانات للمعلمين والأولياء) . ونظرا لكون اللغة الأولى للطفل البربري ليست العربية فإن ذلك يعني أن تعلمه لهذه الأخيرة تجعله مزدوج اللغة، مما جعلنا نتناول نظريا الجوانب التالية في الدراسة: الازدواجية اللغوية والازدواجية الثقافية والتثاقف.
من حيث عينات البحث، فقد شملت عينة المعلمين 385 فردا (220 في المناطق البربرية و 165 في المناطق الناطقة بالعربية) . وعينة التلاميذ 4609 فردا ينتمون إلي السنتين الخامسة والسادسة أساسي (3357 في المناطق الأمازيغية و 1252 في المناطق الناطقة بالعربية) ؛ وعينة الأولياء 2030 فردا.(5/106)
النتائج: بينت نتائج البحث إن تلاميذ المناطق البربرية يعانون من صعوبات جمة في تعلمهم للغة العربية، أكثر من زملائهم الناطقين بالعربية؛ وأن المدرسة من خلال منهاج هذه اللغة تعامل هؤلاء بنفس معاملة الناطقين بالعربية. كما تبين أن الطريقة المستعملة من أهم أسباب هذه المشكلة، وأن تكوين المعلم لا يأخذ هذه المناطق بعين الاعتبار. تبين أيضا أن هناك تأثيرا للمستوى في اللغة العربية على المستوى في المواد الدراسية الأخرى مثل التربية الرياضية (الحساب) .
هذا المنهاج بني على أساس البيئة اللغوية والاجتماعية للناطقين بالعربية مما جعله يحابي هؤلاء ويغبن غيرهم من التلاميذ. وقد تبين أن هناك علاقة بين الاتجاه ومستوى التحصيل في هذه اللغة لأفراد العينة، تبين من النتائج أن أغلب الأخطاء المرتكبة من قبل أفراد العينة خاصة (ن. أ) يعود أساسا إلي النقل من اللغةالأولى، وإلى عدم حصول التعلم للدروس (للتراكيب والقواعد النحوية والصرفية) المقدمة من قبل المعلم، وأن أساليب التقييم بعيدة عن القواعد العلمية والتربوية كما أنه من النادر تصحيح وتقويم أخطاء التلاميذ في المواد المختلفة وخاصة اللغة العربية (بدعوى ضيق الوقت لكثافة المنهاج واكتظاظ الصفوف بالتلاميذ) .
• • •
مقدمة(5/107)
لقد بحث موضوع "صعوبات تعلم اللغة العربية لدى الناطقين بها وبغيرها من قبل عدد من الباحثين على مستوى العالم العربي (1) ؛ وبُحث في الجزائر من الموضوع ما يتعلق بالمتعلمين الناطقين بالعربية دون غيرهم (2) علما بأن ما يقرب من 40 % من السكان هم من أصل بربري (أمازيغي) ، مسلمون لكنهم احتفظوا بلهجاتهم في تعاملهم اليومي، إلا أن هذا الاختلاف لم يؤخذ بعين الاعتبار من قبل القائمين على إعداد المناهج الدراسية وتعليم اللغة العربية. وقد أظهرت دراسة استطلاعية قمنا بها انخفاض نسب النجاح في الامتحانات الرسمية لأبناء هذه المناطق، والسبب الأساسي يعود إلى ضعفهم في مادة اللغة العربية.
انطلاقا من هذه الدراسة الاستطلاعية من جهة، ومن الشكاوي المتكرّرة التي يقدمها المعلمون في هذه المناطق حول المستوى التعليمي الضعيف لتلاميذهم، خاصة في اللغة العربية، والتي هي لغة التعليم، قمنا بدراسة المشكلة لمعرفة درجة استفحالها في الوسط المدرسي البربري، وحصرنا إجراء الدراسة في الطور الثاني من التعليم الأساسي والذي يبدأ بالصف الرابع وينتهي بالصف السادس. وقد اخترنا هذا الطور للتأكد من وجود الصعوبات فعلا في تعلم اللغة العربية، لأن المتعلم يكون قد تكيّف في المدرسة بعد أن مرت عليه ثلاث سنوات. كما أن مسألة النضج قد خطا فيها خطوات وأن الصعوبات اللغوية التي قد تظهر في بداية التعلم تكون قد اختفت. ولا يبقى إلا تلك الصعوبات التي قد بعاني منها أغلب المتعلمين أو تلك الخاصة بالمتعلمين غير الناطقين بها.(5/108)
وللعلم فإن منهاج اللغة العربية في الطورين الأول والثاني محصور في وثائق ومذكرات موحدة، أعدتها وزارة التربية الوطنية خصيصا للتقيد بها فقط دون غيرها، مما لايترك أي مجال لتكييف الدروس حسب بيئات ومستويات المتعلمين. كما أن منهاج الطور الأول طيلة سنواته الثلاث يتميّز باستراتيجية تخزين مضمون هذا المنهاج تخزينا آليا لدى المتعلمين، وعندما ينتقل المتعلم إلى الطور الثاني يجابه مشكلتين، تتمثل الأولى في اتساع المنهاج الجديد بالإضافة إلى المعارف والنشاطات اللغوية الجديدة (النحو والصرف ودراسة النصوص ... ) ، ومطالبته باستعمال مكتسباته القبلية والحالية وهو الشيء الذي لم يتدرّب عليه من قبل. كما أن دراسة على مستوى رسالة الماجستير ناقشناها مؤخرا (1) قد بيّنت بأن منهاج اللغة العربية في السنة الأولى أساسي لا يقدم للمتعلم سوى37 % من الرصيد اللغوي الذي يتلقاه المتعلم المغربي أو الفرنسي في نفس المستوى.
ما هي المشكلات التي تنجم عن ارتباط المعلمين بالمذكرات الوزارية وغياب المرونة في التدريس؟
ظهرت مطالب سكان المناطق البربرية الخاصة بالاعتراف بلهجتهم كلغة وثقافتهم مما أدى إلى ظهور نوع من الازدراء نحو اللغة العربية، فهل يمكن للاتجاهات الجديدة نحو هذه اللغة أن تؤثر في تلاميذ المدارس، بحيث تؤدي إلى خفض حوافزهم ودوافعهم نحو تعلمها؟
وأخيرا أين تكمن المشكلة بالضبط؟ هل تكمن في التلميذ أم في المدرسة أم في البيئة المحيطة بهذا حالتلميذ؟
المشكلة:(5/109)
على المستوى اللغوي التربوي: إن نوع الازدواجية الذي يخضع له الطفل البربري المتمدرس هو نوع خاص، إذ يمتلك لخجة محلية وعند دخوله المدرسة يجد لغة جديدة،. لذلك فهو يجابه هذه الوضعية منذ هذا الوقت ولا يتعلم إلا مبادئ أولية منها حتى تظهر لغة أخرى، ليس لها أي ارتباط بالأولى ولا بالثانية، ولا بمحيطه الاجتماعي والثقافي وهي الفرنسية. ومن هنا نجد إمكانيات الطفل اللغوية تتوزع على ثلاثة سجلات مختلفة وعلى هذا الأساس تضعف دافعية المتعلم وتتوزع جهوده على تعلم أكثر من لغة في هذا المستوى التعليمي.
لم يُحضّر الأطفال مسبقا لمجابهة الاختلاف القائم بين لغة البيت وما تتطلبه المدرسة في ميدان التفاعل اللغوي في الصف، مما يمكن أن يعرقل الطفل على المشاركة في العملية التعليمية. فالاختلافات في الضوابط اللغوية بين البيت والمدرسة، إضافة إلى اعتبار اللهجات والاختلافات اللغوية أمرا معيقا للعملية التعليمية، قد يفسّرالقصور في السيطرة على لغة المدرسة، والملاحظ عند أبناء المناطق البربرية بصفة خاصة. وهذا قد يكون سببا للعجز في القدرة على تعلم اللغة العربية حسب المستوى المنتظر.
وانطلاقا من الصعوبات والأخطاء التي يقع فيها المتعلم والتي قلما يعالجها المعلم، فالطفل لا ينتبه وبالتالي يبقى مستمرا في الخطأ بل وتتراكم عليه أنواع أخرى من الصعوبات والأخطاء اللغوية؛ مما يتسبب في بقاء هذه الصعوبات طوال المسار التعليمي لهذا المتعلم.(5/110)
أما المشكلة الثالثة فتتمثل في الاتصال التربوي داخل الصف، والصعوبات التي تتخللها أثناء تقديم الدروس عامة ودروس اللغة خاصة. فالمعلم يعمل غالبا على تطبيق المذكرات الجاهزة طريقة ومضمونا دون محاولة إحداث أي تغيير فيها، حسب متطلبات ومستوى وبيئة المتعلمين البربر. بالإضافة إلى ظاهرة استخدام الترجمة في الدروس من العربية إلى البربرية. إذ من خلال هذه الترجمة قد يتغير معنى مضمون الرسالة التربوية عما يقصده المعلم وبذلك يتضح أن عملية الاتصال قد تبقى جامدة.
وبالنسبة للمستوى الاجتماعي الثقافي، فقد أُهملت الأوساط الثقافية واللغوية للمتعلم في منهاج اللغة العربية، مع عدم الاعتماد على دراسات ميدانية لتبني سياسة تربوية ولغوية صحيحة، مما أفرز مجموعة من العوائق نتج عنها عدم احترام مبدأ تكافؤ الفرص في التربية، والانتقاء غير المباشر، والتأخر الدراسي، وظهور الطبقية ذات الأصل التربوي مستقبلا والتي تحاربها (أو كانت) الجزائر بكل الوسائل.
الفرضيات:
أ. فعلى المستوى اللغوي نفترض أن تكون الثنائية اللغوية المركبة بربري عربي، عائقا ضد تعلم اللغة العربية لدى الأطفال المتمدرسين في المناطق البربرية، وقد يظهر ذلك في التعبير الكتابي وفي الخلط بين المفردات والتراكيب المستعملة.
ب. وعلى المستوى التربوي:
1. نفترض أن تكون المذكرات الوزارية لتعليم اللغة العربية، من العوامل المساهمة في تكوين صعوبات تعلم هذه المادة لدى أبناء المناطق البربرية.
2. وقد تكون الترجمة المستعملة أثناء تقديم دروس اللغة عائقا في تعلم هذه المادة.
3. نفترض أن يكون استعمال الطريقة الحالية المعتمدة في المدرسة، في تعليم اللغة العربية أحد العوائق الأساسية في تعلم الطفل البربري لهذه اللغة.
ج. أما على المستوى الاجتماعي والثقافي فنفترض أن يساهم نوع اتجاه المتمدرس البربري واتجاه أوليائه نحو اللغة العربية في تحديد مستوى تعلم هذه اللغة.(5/111)
منهج البحث وأدواته:
منهج البحث: استخدمنا المنهج الوصفي الذي من خلاله قمنا بتحليل وتفسير ومقارنة المعطيات والبيانات المستخلصة من البحث، لدى عينتي المتعلمين الناطقين بالعربية والناطقين بالبربرية، نظرا للصعوبات الإدارية (1) التي قوبلنا بها عند محاولة التدخل لاستخدام المنهج التجريبي.
أدوات البحث:
1. استبيان المعلم: وضُمّن كل ما يتعلق بتعليم اللغة العربية (المنهاج والطريقة والوسائل ونظرة المعلمين إلى ذلك وعملية التقويم) .
2. استبيان بالأولياء: ويهدف إلى معرفة أنواع المشكلات التي يعاني منها التلاميذ البربر في المدرسة وكذا معرفة نوع الاتجاهات التي يكنونها للغة العربية.
3. اختبار لقياس الاتجاهات: يتكون الاختبار من ثمانية أسئلة، وقد طرحت بأساليب متنوعة بهدف التأكد من نوع الاتجاه الذي يبديه المتعلم.
4. اختبار التربية الرياضية: ويهدف إلى قياس القدرة على فهم نصوص التمارين والمسائل الحسابية، لذلك فالعمل الأساسي يتمثل في مدى فهم اللغة في هذه المادة. ومجموع درجات هذا الاختبار هو 30.
5. اختبار التحصيل في اللغة العربية: بُني هذا الاختبار بهدف تحديد مستويات متعلمي الطور الثاني في اللغة العربية، وتحديد أنواع الصعوبات التي يعاني منها هؤلاء. وقد أُخذت أنماط تمارين الاختبار من كتيب التمارين الرسمية مع تغيير طفيف في المضمون، وقد شمل الرصيد اللغوي وتركيب الجمل والنحو والصرف مع كتابة فقرة. يتألّف من ستين مطلبا ولكل مطلب درجة.
مناطق إجراء البحث: أجري البحث في كل من المناطق الناطقة بالبربرية (مجموع المدارس بها هو 28) والمناطق الناطقة بالعربية (مجموع المدارس بها هو 13)
عينات البحث:
المعلمون: تتكون عينة المعلمين من 385 (200 في المناطق البربرية و 165 في المناطق بالعربية) .(5/112)
المتعلمون: يتكون العدد الإجمالي لأفراد العينة في المناطق البربرية من 3357 تلميذا، (1528 منهم في الصف الخامس و 1829 في الصف السادس) . وفي المناطق الناطقة بالعربية من 1252 تلميذا (642 في الصف الخامس و 610 في الصف السادس) .
عينة أولياء أمور التلاميذ: تتكون عينة هؤلاء الأفراد من 3020 شخصا أو عائلة.
الأساليب الإحصائية المدعمة للبحث: استعنا برائز /ت/. وبرائز كا² الذي يقيس الفروق بين العينات.
مدخل نظري
1 الازدواجية اللغوية:
نظرا لكون الطفل البربري يعيش ظاهرة الازدواجية (الثنائية) اللغوية بين لهجته واللغة العربية من جهة، وبين هذه الأخيرة واللغة الفرنسية من جهة أخرى، فإننا نتناول فيما يلي بعض مفاهيم الازدواجية اللغوية.
مفاهيم الازدواجية اللغوية: ونذكر ثلاث فئات من المفاهيم حسب ما يلي:
1. الازدواجية تعني اتقان اللغة الثانية كاللغة الأولى: ويرى هذا الرأي كل من بلومفيلد (Bloomfield 1935) ومارتيني (A.Martinet 1970) وبيزييه (Beziers) وفان أوفرباك (Van Overback عن فيتوري 1983) . وليوبولد (Leopold) (عن دو غريف وباسل (De Grève وPassel 1973) .
2. الازدواجية هي الحصول على أدنى مهارة في اللغة الثانية: يعتقد هذا الاعتقاد مكنامارا (Mac Namara 1967) . وبين هذين المفهومين المغاليين، توجد مجموعة معاني أخرى وسطية للمفهوم، ونذكر تعريف تيتون (سابق) كمثال. فهو يرى في الازدواجية " قدرة الفرد على التعبير بلغة ثانية مع احترام المفاهيم والبنيات الخاصة بهذه اللغة دون اللجوء إلى الترجمة بلغته الأولى".(5/113)
3. الازدواجية هي عدم كون الفرد أحادي اللغة: تؤكد هذا الرأي جان مارتينيه (Martinet J 1980) في تعريف لِ هوغان (Haugen) حيث تقول: "الازدواجية اللغوية هي حالة كل الأفراد الذين يشتركون في صفة عدم كونهم أحاديي اللغة ". كما يحدد أوكامبس (Aucamps عن تيتون) الازدواجية اللغوية: "بالحالة التي تتواجد فيها لغتان حيتان جنبا إلى جنب، حيث تستعمل كل لغة من قبل جماعة وطنية تمثل نسبة هامة من المجتمع".
إذا أردنا مقارنة مفاهيم الازدواجية اللغوية من حيث أوجه الاختلاف وأوجه الاتفاق يمكننا أن نميز بين ثلاثة أنواع منها:
1. المفاهيم التي تأسست على ملاحظة ظواهر الازدواجية اللغوية ونتائجها، وهي تعاريف وصفية.
2. والمفاهيم التي تستند على توقع نتائج ومفاهيم الازدواجية وهي تعاريف معيارية.
3. والمفاهيم التي تستند على الاعتقاد بأن ظواهر الازدواجية معقدة ومتنوعة لكي توضع في إطار مشترك وموحد، ونظرا لاعتبارات منهجية، فإنه من الضروري إيجاد مفهوم عملي محدد. فهذه المفاهيم غير دقيقة وصعبة التطبيق، فهي لا تبين بدقة معنى: "المتكلم الأصلي"، وهي كفاءة متنوعة جدا داخل مجتمع أحادي اللغة. ولا معنى "مهارة دنيا في اللغة الثانية "، ولا احترام المفاهيم والبنيات المتعلقة باللغة. فهل يمكن مثلا إقصاء الفرد الذي يتميز بكفاءة عالية في اللغة الثانية، دون أن يتصف بالفصيح أي الأصلي بسبب نغمته الأجنبية، عن هذه اللغة؟ أو كيف يمكن مراقبة عدم تدخل اللغة الأولى في اللغة الثانية؟ ومن جهة أخرى فإن هذه التعاريف لا تتناول إلا جانبا واحدا من الازدواجية، وهو كفاءة الفرد في اللغة الثانية. انطلاقا من هذه الملاحظات يمكن قبول مفهوم أوكامبس (Aucamps) رغم كونه وصفي، لأنه يطابق وضعية الطفل البربري المتمدرس، والذي يستعمل لغته (لهجته) المحلية خارج المدرسة، بينما يستعمل اللغة العربية داخلها، أو عندما يضطر لاستعمالها أو الاستماع للمتكلم بها.(5/114)
يستند كل مفهوم من المفاهيم السابقة الى نوع من أنواع الازدواجية التالية:
1 الازدواجية اللغوية التكميلية: وفيها تستخدم اللغة الأولى مثل اللغة الثانية، وكل واحدة ذات مرجع ثقافي خاص بها. ويخص هذا النوع من الازدواجية الطفل الذي ينشأ على لغتين أصليتين غير متصارعتين.
2 الثنائية اللغوية (Diglossie) : لتمييز الثنائية اللغوية استند فيرغوسون (Ferguson 1959) إلى معيارين متباينين، أولهما يتمثل في "التنافس بين شكلين لغويين ينتميان إلى نفس اللغة، وثانيهما يتمثل في وجود وضع لغوي مختلف عن الشكلين المذكورين، حيث نجد أحد النوعين يختص بالاستعمالات اليومية للغة، والثاني يفرض نفسه كمعيار رسميّ في المدارس، وفي المحاكم والصحافة والجيش".
ويميل اللغويون لتعيين، تحت عبارة الثنائية اللغوية، حسب دابن (Daben 1994) " وضعية اجتماعية/ لغوية حيث توظف لهجتان بتنافس في وضع اجتماعي وثقافي متباين، أحدهما معتبر محليا وهو شكل لغوي مكتسب أوليا ومستخدم في الحياة اليومية، والثاني يمثل اللغة التي تستعمل في بعض الظروف ومفروضة من قبل الذين يمثلون السلطة.(5/115)
3 الازدواجية اللغوية غير المتزنة أو شبه الازدواجية: في هذه الحالة إذا استخدمت اللغة الأولى أو اللغة الثانية فإن ذلك يؤدي إلى الاستخدام المتزامن للمرجعين الثقافيين أيضا. نجد في هذه الوضعية تداخلات دائمة ومتصارعة بين الأنظمة الرمزية، حتى ولو كان هذا الصراع بعيدا عن وعي الفرد المتكلم. ويحمل في نفس الوقت رسالتين مختلفتين تبينان انتماءهما المضعف، حيث تجعلان الفرد لا يستطيع أن يتموضع ثقافيا بصفة واضحة. وزيادة عن الغموض في الهوية الثقافية، فإن الظاهرة تغطي إشكالية السيطرة التي تتضح في عدم إتقان أي من النظامين اللغويين. وحتى اللغة الأولى التي بإمكانها أن تقوم بوظيفة مضعفة: "الأداتية والرمزية "، لا تتمكن من ذلك لأنها أصبحت لغة مسودة. كما لا تتمكن اللغة الثانية هي الأخرى من القيام بالوظيفة الرمزية، حتى وإن كانت سائدة وبالتالي تصبح اللغتان فاقدتين لوظيفة التبليغ.
شكل الازدواجية اللغوية المقابلة للمناطق البربرية:
منذ اليوم الذي يدخل فيه الطفل البربري المدرسة، وهو يشرع في مجابهة وضعية الازدواجية اللغوية بالمعنى الحقيقي. إلا أن اللغة العربية ليست أجنبية بالمعنى الذي يفهمه الغريب. فهي لغة المسجد والإدارة والإعلام. وأكثر من هذا فهي لغة المدرسة ولغة السلطة، إضافة إلى وجود ما يقرب من 43% من المفردات البربرية مقتبسة من اللغة العربية، حسب دراسات أوروبية (د. كوهين D.Cohen 1973) (1) وهي لغة الثقافة الجزائرية عامة ومنها البربرية رغم وجود بعض العناصر الخصوصية في هذه المناطق فالازدواجية الحادثة من تمدرس الأطفال البربر تتوافق والازدواجية غير المتزنة، حيث اللغة الأولى (اللهجة) تسيطر على الوضع طول مدة الحياة ما قبل المدرسية والمدرسية(5/116)
فهذا الطفل الذي يخضع إلى ظاهرة الازدواجية اللغوية (عربية/بربرية) قبل أن يكتسب لغته كاملة، ويتعلم المواد الدراسية الأخرى بنفس اللغة التي لم يتعلمها بعد،؛ وهنا سوف لن يبقى الوضع سليما، إذ أن مشكلات سوء التكيف والتخلف الدراسيين ... ستطرح لا محالة. وقبل اكتساب لغة المدرسة باعتبارها اللغة الأولى حسب السياسة التربوية، فإن لغة جديدة، وهي الفرنسية، تضاف ابتداءا من السنة الرابعة إلى المنهاج. مما يفرض عليه وضعية التعدد اللغوي دون أن يكتسب أيا منها اكتسابا طبيعيا.
يمكن أن نستخلص من هذا أن الطفل مزوّد تكوينيا بقدرة على تعلم أو اكتساب لغة أو أكثر، وذلك مهما كان بلده أو وسطه أو طبقته الاجتماعية الاقتصادية أو الثقافية؛ وأن أي عجز في إمكانيته اللغوية يتحمّل مسؤوليته من يحيط به ومن يشرف على أمور التربية والتعليم؛ حيث ينبغي للمدرسة أن تقوم بمهامها الخاصة بالعدالة في التربية عامة، وفي تعويض كل نقص قد يتسبب فيه الوسط العائلي أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها هذا الطفل. إلا أن المدرسة لا تعمل على تعويض هذه النقائص فحسب، وإنما تُوسّع الهوة أكثر كلما ارتقى الطفل في سلمه التعليمي، بين الذين تحابيهم والذين تنبذهم.
لهذا نرى أنه من الضروري أن يأخذ النظام التربوي فكرة العدالة في الانطلاق في التعليم بعين الاعتبار، وذلك بإعطاء الفرص المناسبة لكل طفل في أن يتعلم لغة المدرسة، حسب الظروف التي يعيش فيها وحسب إمكانياته الخاصة، مع تخصيص الإطار الكفء في المناطق التي تتظلب دراية كبيرة بمشكلات تعلم اللغات، خاصة إذا كانت لغة المدرسة تختلف عن اللغة الأولى للطفل.
2 الازدواجية الثقافية والتثاقف:(5/117)
إن فرض الاستعمار الفرنسي نفسه بشتى الطرق على الشعوب المغاربية عامة وعلى الشعب الجزائري خاصة قد أدى إلى تغيير عميق في مكوّناته الاجتماعية والثقافية (وحتى العقائدية) ؛ إلا أن ما تبقى من الزوايا في بعض الأرياف وفي الجنوب وما استنهضته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد أدى إلى تخليد ما كانت الجزائر عليه بالرغم من احتكاك وتداخل الثقافتين العربية والفرنسية، وتصارع كل من التعليمين العربي والفرنسي قد أنشأ وضعية تصارعية بين عامة الشعب، والتي امتدت إلى الاستقلال ومازالت باقية إلى اليوم.
ويمكن القول أن الظاهرة الاستعمارية قد جعلت الفرد الجزائري " في ميدان معركة حيث يواجه عالَمان ثقافيان". فإذا كانت الثقافة العربية الإسلامية قد أنشأت هوية الشعوب المغاربية عامة، وكان لها قدرة إدماج هذه الشعوب وبالتالي تقبلها بكل رضى واطمئنان. فإن المستعمر" فرض ثقافته وأراد أن يدمج فيها هذه الشعوب بقوة. وكان يقصد من ذلك ابتلاعها وإدماجها في الشعوب المستعمرة (بكسر الراء) ، مما جعل السياسيين ورجال الدين يقاومون هذا التوجه الاستعماري المفروض مقاومة عنيفة بالبندقية والقلم ".
الازدواجية الثقافية وصراع الثقافات:(5/118)
"إن وعي الشباب بالاختلال الموجود بين الثقافتين العربية الاسلامية من جهة والغربية من جهة أخرى، قد أظهر وُلوعا مفرطا تجاه الثقافة الغربية المعتبرة كوسيلة وحيدة للرقي الاجتماعي والثقافي من ناحية، وقد أخذ موقف المنسلخ عن الثقافة العربية الإسلامية من ناحية أخرى، التي اعتُبرت متخلّفة ". (فيتوري 1983) وفي "الحقيقة أن الأمر لا يتعلق بالصراع بين ثقافتين فحسب، وإنما الأمر يتعلق بتمزق الشخصية التي وجدت نفسها بين العصرنة (المبهرة) والتقليد (القديم) . وقد ساهمت المدرسة في تشكيل هذه الوضعيات التوترية، باعتبارها مصدر الناشر والموزع للتثاقف (acculturation) . وانطلاقا من تفتح المدرسة على العالم المعاصر من خلال الازدواجية الثقافية التي تعد إحدى خصائصها، لا تعمل إلا على تدعيم أوضاع التوتر التي يعاني منها الشباب، لأن التأقلم مع الثقافة العصرية يتولد عنه حاجات جديدة، ليس على المستوى الذهني فحسب ولكن بصفة أخص على المستوى الانفعالي أيضا ". ولهذا نتساءل: هل ينبغي أن يكون كل من الجو الاجتماعي والجو المدرسي ملائمين؟ وهل يمكن للتربويين الواعين بهذه الأوضاع، أن يحققوا هذا التأقلم للشباب مع الثقافة المزدوجة دون إحداث تمزق عميق أو تشويه أو تحريف للثقافات؟
إن التثاقف يتطلب " التأثير المستمر والثقيل الذي تقوم به ثقافة مسيطرة على ثقافة مسيطر عليها والتي لا تتمكن من التخلص من هذه السيطرة، هذا التأثير الذي أدى إلى تحوّلات عميقة في الثقافة المسيطر عليها، وذلك تبعا لدرجة مقاومة هذه الأخيرة. ويظهر أثر هذه التحوّلات على بنيات المجتمع وعلى الأفراد ظهورا صريحا؛ علما بأن الثقافة تحدد طرق الانتظام الاجتماعي، وتساهم في التعريف بأهم مكونات الوسط الذي يسلك فيه الفرد كما أن استقرار وانسجام الوسط الثقافي من شروط تكامل الشخصية ".(5/119)
وفي هذا الصدد يرى رالف لينتون (R.Linton 1965) : أن " فردا يعيش في مجتمع ذو ثقافة مستقرة نسبيا، يرى شخصيته في صيرورة متكاملة ومنسجمة كلما كبر وتقدم في السن. فالفرد الذي يجد نفسه في هذه الحالة يكون سعيدا أكثر من ذلك الذي يرى نفسه مرغما على ملاحظة نماذج من السلوكيات الظاهرية التي تتباين مع الأنظمة القيمية المواقفية التي نشأ عليها من خلال خبراته الأولى، ونتيجة هذا التباين تتضح أكثر عند أولئك الأفراد الذين بدأوا حياتهم في إطار ثقافة معينة ثم حاولوا التكيف فيما بعد مع ثقافة جديدة.
في هذه الشروط الثقافية قد يتمكن الفرد من التعلم كيف يتصرف أو حتى يفكر في إطار الثقافة الجديدة " إلا أن ما يصعب عليه تعلمه هو أن يشعر ضمنها بما يشعر به في ثقافته الأصلية. فكلما وجد نفسه أمام قرار ينبغي أن يتخذه إلا ويكتشف أنه يعوزه نظام المرجعية الثابت، كما تغيب عنه الموجهات التي تكون عند الفرد الأصيل في هذه الثقافة ". ويصرّح مارك ريشل (M.Richelle 1960) " إذا كان تكامل الشخصية تابعا أساسا لوسط ثقافي معين، فإن أي تغيّر قد يحدث في نظام هذه الثقافة يكون تكامل الشخصية معنيا بشكل مباشر". وتؤكد س. حسن الساعاتي (1983) العلاقة بين الثقافة والشخصية بقولها: " ... فكما أن الفرد يولد داخل مجتمع ما فهو يولد أيضا داخل ثقافة خاصة تشكّل شخصيته".
هذا " التصور للعلاقة بين الشخصية والثقافة يؤدي عموما إلى الاستنتاج بأن كل وضعية تثاقف تقود بالتعريف إلى تفكك الشخصيات التي تعيش هذا التثاقف، وأنها تحمل في طياتها اختلالات وتشوّهات مرَضية. إذا كانت هذه القاعدة عامة فقد يحق لنا اعتبار ظاهرة التثاقف كاختلال للنظام الثقافي، أي كمرض حقيقي يصيب الثقافة ".
الازدواجية الثقافية والازدواجية اللغوية والتثاقف:(5/120)
في نظر كلود لفيس ستروس (C.Levi-Strauss 1958) : "اللغة هي في آن واحد فعل ثقافي في غاية الجودة وهي بواسطتها تنشأ وتنبني كل أشكال الحياة الاجتماعية وتصبح ذات ديمومة ". ونستوضح مع فيتوري هذه المقولة بما يلي: إذا ما طبقت هذه المقولة على الحقيقة المغاربية فإنها تسمح بالوعي بعمق الآثار التي نجمت وتنجم عن التثاقف على لغة الأفراد. إذ يكفي مد الأذن في أروقة المدارس وفي الأماكن العامة لمعرفة حالة التلف الذي توجد فيه لغة هؤلاء الناس. وقد ساهم التمدرس والازدواجيتان اللغوية والثقافية في تكريس ذلك؛ فهذا الخليط اللغوي بين العربية والفرنسية يترجم بجلاء الغموض الذي أنجزه التثاقف. فمنذ حلول الاستعمار إلى يومنا هذا ولغة طلبة الجامعة أو التلاميذ في المدارس أو حتى العوام لا تخلو جملة يتلفظون بها من مفردتين فرنسيتين مكيَفتين، هذا عن من يدرس بالعربية فماذا يقال عن الذين درسوا في المعاهد العليا الفرنسية وعن الناطقين بالبربرية؟ [نحن نؤكد]
الثقافة وتعدد اللغات:
إن النفوذ إلى ثقافة ما يتطلب بالضرورة التحكم في اللغة المطابقة لها. لكن بعد أن تأمل فيرنيتش (Weinreich 1973) في العلاقة لغة / ثقافة صرّح قائلا: "لو أن التواصل قد حُصر في حدود الطوائف اللغوية فسيكون في الإنسانية عدد من الثقافات المتنوعة الذي يماثل عدد اللغات. وهذا الأمر غير منطقي، فوجود التشابهات الثقافية المدهشة بين أقطار ذات لغات مختلفة اختلافا كبيرا لدليل على أن التواصل يمكن، بل ويجب أن يحدث بحيث يتعدى الحدود اللغوية ". وحسب فيرنيتش دائما فالثقافة لا تحدد بالضرورة اللغة نظرا لكون التشابه الثقافي يمكن أن يتأقلم بالتنوع اللغوي.(5/121)
وإذا كان هذا الأمر حقيقة فإن بعض الشروط ينبغي أن تتوفّر لقبول هذا الافتراض: كأن تكون اللغات التي تلتقي في نفس الثقافة تنتمي إلى نفس العائلة اللغوية مثلا، أو أن اللغة الأولى واللغة الثانية قد تعيشتا دون صراع أو رفض أو نبذ، أو أن تكون الثقافة التي تلتقي فيها لغتان أو أكثر أكثر ثراء وأوسع أفقا، بحيث يطمح متحدثو هاتين اللغتين إلى تشرّب هذه الثقافة دون أية عقدة أو شعور بالنقص. والشرط الثالث الذي يمكن إضافته يكمن في عدم تصارع العقيدة مع أيٍ من اللغات المتواجدة في نفس الثقافة التي تحتوي هذه العقيدة. هذه الشروط تنطبق على كل من العربية والبربرية بصفة الأولى لغة العقيدة (لكن التثاقف قد كوّن مشكلات أدت الى التراجع عن قبول العربية من قبل الناطقين بالبربرية خاصة الحاملين للثقافة الفرنسية والفقراء إلى الدين واللغة العربية) مما جعلنا نبحث الموضوع وآثاره على الأطفال المتمدرسين وبصفتنا ننتمي الى هذه الشريحة من المجتمع الجزائري ونغار على لغة الضاد والقرآن.
ويرى كل من هامرز (Hamers) وبلان (Blanc) (1983) "أن الطفل عندما يدخل المدرسة يكون قد استخدم لغته من قبل، من خلال مختلف الوظائف (التواصلية والعاطفية ثم تدريجيا الوظيفة المعرفية) . فإذا كانت هذه الوظائف المعرفية قد نمت نسبيا نموا ناقصا وأن المدرسة تستثير الطفل على تنميتها وتطويرها من خلال لغة أخرى فإن ذلك يُحدث نوعا من الانقطاع المجحف لنموه المعرفي. وعكس ذلك إذا كان الطفل قد دخل المدرسة بنمو لغوي تام في اللغة الأولى، وأن هذه الأخيرة مقيّمة ومعتبرة في كل من العائلة والمدرسة فلن تكون لديه عقبات لاكتساب لغة ثانية في المدرسة ". ومن هنا طالبنا بأن يُلحق أبناء الناطقين بغير العربية بالتعليم ما قبل المدرسي من أجل تحضيرهم لتعلم اللغة العربية بشكل سليم.(5/122)
وحسب روندال (Rondal وآخرون 1983) فالطفل يسهل عليه أن ينتمي انتماء ثقافيا مضعفا إذا كانت الطائفة التي ينتمي إليها تتقبل هذه الفكرة مما لو كانت ترفضها. فالصراع الناتج عن التمييز اللغوي بين العربية والبربرية قد يمدد إلى المجال الثقافي، رغم انتماء هذه الأخيرة إلى أسرة الثقافة العربية الاسلامية منذ أكثر من سبعة قرون. فالطلب الذي كان ملحا للإعتراف بالأمازيغية أسبابه سياسية لكن جذوره تمتد إلىأسباب ثقافية، ولهذا السبب ينبغي بحث هذا الجانب النفسي/الاجتماعي وأثره على تعلم اللغة العربية عند أطفال هذه المناطق.
الدراسات السابقة:
لقد أجري عدد من الدراسات حول مشكلات تعل|م اللغة العربية في مراحل التعليم العام، وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي في الجزائر. كان البعض منها بهدف الحصول على إجازة جامعية، بينما أنجز البعض الآخر بهدف الكشف عن الموضوع. أما الدراسات الأجنبية حول صعوبات تعل|م اللغة العربية في الجزائر فلم نعثر عليها. وأما دراسة المشكلة في المناطق الناطقة بالبربرية فلم ينجز من قبل.
وفيما يلي نستعرض أهم نتائج هذه الدراسات:
في سنة 1989 ظهر كتاب مليكة بودالية قريفو (Grefou) بعنوان "المدرسة الجزائرية من ابن باديس إلى بافلوف". فقد بينت الدارسة بالمقارنة الدقيقة أن أهداف تعليم اللغة العربية في الطور الأول، هي نفس أهداف تعليم اللغة الفرنسية في أقسام التكييف الخاصة بالمتخلفين تخلفا عقليا بسيطا بفرنسا، وأن منهاج هذه اللغة هو نفس منهاج اللغة في هذه الأقسام.(5/123)
أما عن الطريقة المتبناة لتدريس اللغة العربية، فتتمثل في تلك التي تتبناها اللغات الأجنبية في بداية ظهورها، وهي المنبثقة من المذهب "السلوكي البافلوفي". وقد صرّح بها واضعو المناهج في كتيب المعلم الخاص بالتوجيهات (سنة رابعة أساسي) . إلا أن المؤلفة قد طرحت مشكلة هامة وكان من الأفضل أن تستخلص من خلال دراسة ميدانية استطلاعية شاملة، حتى يكون لها أثر أقوى في نفوس المسؤولين عن التربية والتعليم، ويبحثون عن الحلول المناسبة لها. كما أنها لم تقدم حلولا للمشكلة المطروحة حتى يستفاد منها في الانطلاقة في العلاج المناسب لها.
كما قامت الأستاذة خولة طالب الإبراهيمي بدراسة (باللغة الفرنسية) حول مدى استجابة منهاج اللغة العربية في التعليم الأساسي لحاجات المتعلمين ولمتطلبات تعلّم اللغة التي تدرّس بها المواد الدراسية (لغة المدرسة) . فتمثلت النتائج في النقاط التالية:
* تجاهل واضعو منهاج اللغة العربية مما أتى به علم الاجتماع وعلم النفس اللغويين والتربية العملية والتعليمية من نتائج علمية حول تعليم اللغات. وهنا اتفقت مع مليكة قريفو حول طريقة تعليم اللغة العربية.
* وبينت أن ذلك أدى إلى إحداث قطيعة على المستوى الاجتماعي/اللغوي تتمثل في الرفض المتصلب للخبرة المعيشة والمكتسبات اللغوية للطفل في مرحلة ما قبل المدرسة. فلغة المدرسة لغة مصطنعة لا يمكن أن تتحقق في حياة المتكلم الجزائري، وهي في نفس الوقت لا تنطبق على اللغة الشفهية المتصفة بالعفوية. * وترى أن الوضع الذي تدرس من خلاله هذه اللغة يكوّن أهم أسباب الرسوب وعدم السيطرة على اللغة، ويؤدي ذلك إلى نفور التلاميذ من تعلمها ومن كل ما يمت بصلة إليها.(5/124)
* ومن ناحية الاستمرارية اللغوية بين أطوار التعليم ترى الباحثة أن " الانتقال من لغة مصطنعة مفصولة عن بيئتها الطبيعية إلى سجل لغة أكثر ثراء ومطبوعة بدقة البلاغة يؤدي إلى قطيعة خطيرة في استمرارية اللغة. مما يجعل التلاميذ يفقدون معالمهم الاجتماعية اللغوية، لأن لغة المدرسة أو اللغة المدرسية في المدرسة لا علاقة لها بحقيقة بيئتهم ...
في نهاية المسار التعليمي، لا يسيطر التلاميذ على أي من اللغتين المكتوبتين (العربية والفرنسية) المتنافستين باستمرار في المجتمع. وقد نتج عن هذه الظاهرة فقدان هؤلاء لمعالمهم اللغوية والثقافية ووصل الأمر بهم إلى عدم معرفتهم كيفية التبصّر والتفكير وتأليف نصوص منتظمة.
وحسب المؤلفة دائما أن المدرسة اعتبرت لغة الطفل ما قبل المدرسة لغة خاطئة لذلك فهي تحتاج إلى تصحيح بحيث تطابق سجلا هو الوحيد الذي يعتبر مشروعا ويكون ذلك بإحداث قطيعة عنيفة بين عالم المعرفة للطفل وعالمه المدرسي وذلك من خلال تغطيسه في عالم من الترويض البافلوفي الآلي والمنفّر والذي يفقد معاني الإبداع، وذلك بوضعه في قالب معد مسبقا، عن طريق الترويض الذي يساهم، بطابعه التكراري، في إفقار قدرات التلميذ والتي قلصت إلى مستوى الببغاوة، إثر تعليم آلي "بنيوي" مؤسس على النموذج:
مثير -> استجابة، أساس المنهجيات المباشرة والسمعية البصرية البنيوية الكلية التي سيطرت على تعليم اللغات طوال عشرات السنين، نموذج تعليم الذي ذُمّ من قبل عدد من المختصين منذ الشروع في تطبيقه.
في النهاية اقترحت المؤلفة عددا من الاقتراحات نلخصها فيما يلي:
الاهتمام بخبرات الطفل ما قبل المدرسة وبرصيده اللغوي الذي يساعده على ترقية الرثيد الذي سيحثل عليه في المدرسة.(5/125)
ينبغي الاضطلاع والأخذ على العاتق الثنائية اللغوية (المعبر عن المسافة بين لغة الطفل ولغة المدرسة) وليس بالتنديد والإبعاد للغات المحلية من حقل تعليم/تعلم اللغة. وبالعكس ينبغي العمل على تسهيل دخول الطفل إلى كل سجلات الذخيرة اللغوية الشفهية المستعملة في المجتمع الجزائري.
وفي الختام لتحديد الاستعمالات التدريسية في تعليم اللغة العربية ينبغي:
أن يقدم في هذا التعليم المقاربة النصية (استعمال النصوص) التي تتحمل على عاتقها كل أبعاد إنتاج نص (إذا خطابا) ، وما يجعل فعل القراءة فعلا منتجا ومحركا للنشاطات اللغوية الأخرى إذ هناك نشاطات عدة يمكن تحقيقها في الصف. وذلك باستخدام الاشتقاق في العمليات الكبرى للتصنيف الدلالي والنحوي، والذي يشكل جهاز تنظيم وبناء العمليات اللغوية التي يحققها المتكلم عندما يتحدث ... تحديد يجعل من التلاميذ والمعلمين الممثلين الأساسيين للفعل التربوي التعليمي".
وهناك دراسة قامت بها شريفة غطاس (في إطار تحضير أطروحة دكتوراه) حول "الطفل الجزائري وتعلم اللغة العربية في المدرسة الأساسية " (1995) وأهم النتائج التي توصلت إليها ما يلي:
يملك الطفل الجزائري كفاءة لغوية أرقى بكثير من تلك التي الكفاءة التي تعمل المدرسة على تنميتها وتوطيدها.
يتمكن الأطفال ذوي عمر الخامسة والسادسة من إنتاج نص التعبير الشفهي غير محرف وخال من الأخطاء طوله يماثل طول نص أطفال هذا العمر، وعدد الجمل التي يحتوي عليها النص أكثر بكثير من المضمون المبرمج في الكتاب المدرسي، وهي جمل منسّقة ومرتبة ومنسجمة مع المضمون المقصود.
بينت الدراسة أن كفاءة الأطفال في سرد قصص تختلف حسب نوع الاختبار المقترح على الطفل، وقد أظهر أفراد العينة، سواء في إنتاج قصص حرة أو مرددة كفاءة أكثر من غيرهم.(5/126)
تبيّن أن إنتاج القصص الحرة والمرددة تتصف باستعمال تراكيب معقدة ومفردات غنية أكثر من سرد قصص انطلاقا من صور. وحسب المؤلفة كل هذه الملاحظات تؤدي إلى تأكيد تنوّع المهام في الإطار المدرسي، عكس التعليم المؤسس على نموذج جامد أكد عدم فعاليته وجدواه على المستوى اللغوي والتربوي. إذ أن الطريقة مبنية على مبدأ النموذج الجامد الأحادي الأساس والاتجاه الذي يمتد لمدة السنوات الثلاث الأولى لاكتساب اللغة في الإطار المدرسي، فهي تدعم وتحابي البسيط مقابل المركب، والتجاور والتقريب مقابل الانتظام والتناسق، والجملة مقابل النص، والتكرار والحفظ للجمل مقابل إبداعها. إن تبني هذا النظام البسيط والآلي قد تولّد عنه نموذج الاكتساب الببطئ، فهو يظهر كنموذج قابل لأن يكوّن حواجز ويوقف مسار تعلم اللغة وتطور النمو الفكري. كما أن التوجيه التربوي يقف كعائق ضد تنمية المستوى اللغوي والاكتساب الذي يبني المستوى الحقيقي للمتعلمين.
وفيما يتعلق بالاقتراحات التي تراها كحلول للمشكلة التي درستها فقد مست جوانب مما ذكرته الأستاذة خولة طالب منها: الاهتمام بلغة الطفل الأولى في المدرسة، وجعل الطفل محور عملية تعلم اللغة بواسطة جعله طرفا أساسيا في تعليم اللغة العربية مع الاعتناء الكبير بقدراته الذهنية التي لا ينبغي تجاهلها مثلما هو عليه اليوم، ثم اعتماد التنوع التربوي في مجال اللغة، بحيث يعرض الطفل إلى كل أنواع النصوص اللغوية شفهيا وكتابيا، ولا يمكن نسيان أهمية اللغة المكتوبة وقواعد اللغة والكتابة وذلك بالأساليب التي تناسب الأطفال وبالاعتماد على الطرق المناسبة له.(5/127)
لقد أجريت دراسات أخرى حول مشكلات تعلّم اللغة العربية في المرحلة الإعدادية من قبل " رشيد مرجانة، وفي مرحلة التعليم الثانوي مثل ساعد زغاش، لكنها دراسات في إطار تحضير رسائل ماجستير. وتوصّل الإثنان إلى أن سبب انخفاض المستوى الدراسي للمتعلمين يعود إلى ضعفهم في تحصيل مادة اللغة العربية.
لا شك في أن نتائج هذه الدراسات تساهم مساهمة فعالة في حل المشكلات العديدة التي يعاني منها أبناؤنا في المدرسة في جميع المراحل التعليمية، بدءا بالطور الأول من التعليم إلى السنة الأخيرة من التعليم الجامعي وحسب ما هو ملاحظ فإن للغة ضلع كبير في ذلك، إذ بواسطتها يتعلم المتعلم المواد الدراسية الأخرى، وهي في نفس الوقت تدخل ضمن هذه المواد. إضافة إلى ما ظهر من تجاهل المدرسة للغة الطفل العائلية وغير ذلك مما تسببت فيه المدرسة في حد ذاتها. إلا أن الموضوع خطير بشكل أكثر مما طرح أعلاه بالنسبة للأطفال الناطقين بالبربرية؛ فإذا كانت الطريقة المعتمدة في تعليم اللغة العربية في المدرسة منبثق من منهجيات تعليم اللغات الأجنبية (للكبار طبعا) ، وأن المنهاج والطريقة المعتمدين في المدرسة قد أديا إلى ما هو عليه أطفالنا، فإن ذلك أخطر في المناطق الناطقة بالبربرية رغم تطبيق الطريقة التي يدّعى أنها تناسبهم أكثر من غيرهم لأنهم لا يتكلمونها في حياتهم اليومية لهذا، إضافة إلى ما تُوصل إليه من نتائج فإن البحث الحالي سيكشف، من خلال الفرضيات المطروحة، على جوانب عدة منها ما هو تربوي تعليمي، ومنها ما هو لغوي، ومنها ما هو اجتماعي لغوي ونفسي لغوي.
نتائج البحث الميداني
النتائج العامة للدراسة:(5/128)
تتناول هذه النتائج كل البييانات والمعطيات التي جُمعت من خلال أدوات البحث مع تحليلها، والمتمثلة في الدرجات التي تحصّل عليها أفراد العينتين الناطقين بالبربرية والناطقين بالعربية، في كل من الاختبارين التحصيليين في اللغة العربية والتربية الرياضية (الحساب) ، وما قدّمه المعلمون من آراء حول مضمون وطريقة تدريس منهاج اللغة العربية، في الطورين الأول والثاني من التعليم الأساسي (المرحلة الابتدائية) . وكذا النتائج المستخلصة من خلال اختبار قياس الاتجاهات نحو اللغة العربية وتعلّمها لدى الأطفال الناطقين بالبربرية وذويهم. كما نقوم بعرض أسباب الصعوبات التي يعاني منها المتعلمون كدليل على معاناتهم لهذه لصعوبات في تعلّم هذه اللغة، وخاصة الناطقين بالبربرية منهم، وبعد ذلك نقدّم أهم الاقتراحات التي نراها حلولا مناسبة للمشكلة. ونبدأ عرض هذه النتائج بعرض نتائج اختبار التحصيل في اللغة العربية:
1. نتائج اختبار اللغة العربية:
جدول (1) يوضح درجات تلاميذ الصفين 5 و6 في اختبار اللغة العربية.
فئات الدرجات
نا. بالبربرية
%
نا. بالعربية
%
11-8
272
8,10
12
0,96
15-12
287
8,55
14
1,12
19-16
438
13,05
19
1,52
23-20
459
13,37
31
2,47
27-24
499
14,86
81
6,47
31-28
529
15,76
150
11,98
35-32
383
11,41
188
15,02
39-36
278
8,28
215
17,17
43-40
147
4,38
230
18,37
47-44
48
1,43
168
13,42
51-48
13
0,4
86
6,97
55-52
4
0,11
49
3,91
60-56
0
0
9
0,72
مجموع
3357
100
1252
100
إذا ما انطلقنا في هذه النتائج من المتوسط الحسابي لكلا العينتين البربرية والناطقة بالعربية، فإنه بلغ لدى الأولين (العينة البربرية) 25,03 بينما بلغ لدى الناطقين بالعربية 35,77، من أصل 60 درجة. وأما النتائج حسب مستويات التحصيل فهي كالتالي:(5/129)
المستوى المتفوق: لا يوجد في هذا المستوى سوى 6,32% من التلاميذ التاطفين بالبربرية (ن. ب) مقابل 43,29% من التلاميذ الناطقين بالعربية (ن. ع) (1) . يلاحظ هنا نسبة تفوّق (ن. ع) الكبير مقارنة بنسبة زملائهم (ن. ب) ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن (ن. ب) أكثر معاناة لصعوبات تعلم هذه اللغة من غيرهم.
المستوى المتوسط: بالنسبة للمستوى المتوسط (تتراوح درجاته ما بين 26 و 39) نجد 42.3% من (ن. ب) ، إلا أن أغلب التلاميذ يتواجدون في فئات الدرجات الدنيا (34-26) . بينما نجد نسبة التلاميذ (ن. ع) تبلغ 53,11% لكنهم يتجمعون في فئات الدرجات العليا (39 -32) .
المستوى الضعيف: يوجد ضمن هذا المستوى 51,38% من (ن. ب) و 3.4% من (ن. ع) ، ويتضح أن التلاميذ (ن. ب) أكثر ضعفا من زملائهم (ن. ع) . وللتحقق من هذه الفروق طبقنا اختبار {ت} فكانت قيمته هي 38,12؛ الفرق دال عند مستوى الدلالة 0,001. ومن خلال هذه النتائج يمكن أن نستخلص ما يلي:
1. إن الدرجات التي تحصّل عليها التلاميذ البربر تنخفض انخفاضا ملحوظا عن تلك التي تحصّل عليها زملاؤهم ويلاحظ انتشار الضعف والصعوبات عند الأولين عنه عند الأخيرين.
2. اتضح أن تلاميذ الصف السادس أكثر حصولا على الدرجات من زملائهم في الصف الخامس، وهذا في كلا العينتين (ن. ب) و (ن. ع) .
3. تبين من خلال النتائج أن نسبة المتفوقين مرتفعة عند (ن. ع) عنه عند (ن. ب) .
4. ينتشرالتلاميذ في المستوى المتوسط أكثر منه في المستويين الآخرين، علما بأن التلاميذ (ن. ب) ينتشرون في الفئات الدنيا للدرجات وذلك عكس زملائهم (ن. ع) .
5. وأخيرا تبيّن أن التلاميذ البربر يعانون ضعفا كبيرا في تحصيلهم للغة العربية، بينما يبقى مستوى تحصيل زملائهم مقبولا بل وحسنا، مما يدلّ على أن تدريس هذه اللغة يحابي هؤلاء الأخيرين.
2. نتائج اختبار التربية الرياضية:(5/130)
الهدف، كما ذكرنا أعلاه، من هذا الاختبار هو معرفة مدى استفادة التلاميذ من الرصيد اللغوي المتعلم في اللغة العربية لفهم لغة الرياضيات، (وقد اخترنا هذه المادة لأهميتها مقارنة بالمواد الدراسية الأخرى التي تدرّس بواسطة اللغة العربية) . وقد ظهر ذلك من خلال الدرجات المحصّل عليها في اختبار التربية الرياضية والموضّح حسب المستويات، في الجدول التالي:
جدول رقم (2) يبيّن الدرجات المحصّل عليها في التربية الرياضية مقارنة بالمستويات التحصيلية
التلاميذ/المستوى
صفر
م. ضعيف
م. متوسط
م. متفوق
ص5. نا. ب. 1528
10,93
64,40
33,83
1,77
نا. عرب 642
6,54
38,32
50,78
10,9
ص6. نا. ب 1829
10,28
72,88
23,84
3,28
نا. عرب 610
3,44
30,65
46,58
22,79
حددنا المستويات كالتالي: المستوى الضعيف يتراوح بين 0 و 10 درجات، المستوى المتوسّط ويتراوح بين 11 و 20 درجة، المستوى المتفوّق ويتراوح بين 21 و 30 درجة.
يوجد من 69,02% التلاميذ البربر في المستوى الضعيف مقابل 34,58% من زملائهم (ن. ع) . ويوجد 28,38% من التلاميذ و 48,72 % من (ن. ع) في المستوى المتوسّط، أما في المستوى المتفوق فلا يوجد سوى 2,60م% من التلاميذ (ن. ب) مقابل 16,69% من التلاميذ (ن. ع) .
هذه النتائج تبيّن بوضوح الفروق الموجودة بين تلاميذ العينتين في هذه المادة أيضا؛ علما بأن عدد الكلمات التي لم يفهمها التلاميذ (ن. ع) لا يتعدى 3، بينما بلغ هذا العدد عند (ن. ب) ال 18 كلمة في نصوص التمارين الرياضية. لقد بين اختبار {ت} الفرق الواضح بين تلاميذ العينتين، إذ أن قيمته تساوي إلى 7,197، وهي دالة عند مستوى 0,001.
لقد ظهرت صعوبات فهم اللغة في التربية الرياضية من خلال عدد الكلمات غير المفهومة من قبل أفراد العينتين، إذ طُلب منهم نقل كل تمرين ثم وضع خط تحت كل كلمة غير مفهومة، وبعدها تنجز هذه التمارين. ويظهر عدد الكلمات غير المفهومة في كلا العينيتن من خلال الجدول التالي:(5/131)
جدول (3) يبين عدد الكلمات غير المفهومة في الصفين الخامس والسادس في اختبار التربية الرياضية.
مستو/كلمات
فهم كلي
3-1
6-4
9-7
12-10
15-13
18-16
مجموع
نا. بربر
504
874
1299
464
153
17
-
2807
%
15,01
26,03
38,69
13,82
4,56
0,5
0,11
83,73
نا. عرب
655
493
30
-
-
-
-
493
%
52,39
39,38
2,39
-
-
-
-
41,77
يظهر من الجدول السابق أن 15,01% فقط من التلاميذ البربر، لم يصرحوا بوجود كلمات صعبة في نصوص تمارين التربية الرياضية، وأغلبهم يوجدون في المستوى المتفوق في الاختبارات الخاصة باللغة العربية والتربية الرياضية. وبالمقابل يوجد 52,39 % من التلاميذ الناطقين بالعربية الذين يوجدون في نفس الوضعية. وهذا الفارق الكبير بين النسبتين، يبيّن الاختلاف الواضح في مستوى تلاميذ المنطقتين من جهة، والضعف الواضح الذي يعانيه التلاميذ البربر في تعلم اللغة العربية من جهة ثانية، مع عدم الاستفادة منها في تعلم المواد الدراسية الأخرى (ومنها التربية الرياضية) . وللتأكد من هذا الفارق بين العينتين طبقنا كا² فكانت قيمته تساوي إلى 574,8 وهي دالة عند المستوى 0.001. ويظهر من هذه النتائج أنه كلما كان مستوى التلاميذ منخفضا في اللغة العربية، تبعه انخفاض في مستوى نتائج اختبار التربية الرياضية والعكس، (وقد يعمّم ذلك على المواد الدراسية الأخرى، لكون اللغة العربية هي مادة دراسية ولغة التعليم معا.
وبالنسبة للعلاقة بين المستوى في هذه اللغة وبين التربية الرياضية طبقنا معامل الارتباط الذي بلغت درجته 0.83 وهي علاقة قوية وموجبة ودالة عند مستوى 0,001. هذه العلاقة تبين بوضوح مدى تأثير اللغة العربية، لغة التعليم، في تعلم المواد الأخرى ولعل المشكلة قد اتضحت أكثر هنا وظهرت خطورتها.
تفسير أسباب صعوبات تعلم اللغة العربية: ما يمكن ذكره حول أهم الأسباب ما يلي:(5/132)
لم يفهم ولم يكتسب تلاميذ المناطق البربرية ما تعلموه (إن حدث هناك تعليم وتعلم) ، من حروف الربط والأدوات التي تُدخل التغيرات على الحركات الإعرابية في الاسم أو الفعل، ولا القوالب والتراكيب اللغوية التي قدمتها له المدرسة رغم طول المدة (خمس أو ست سنوات) .
وقد نتج عن عدم الفهم هذا عدم القدرة على التمييز بينها ومن ثمة صعوبة استخدامها عند الحاجة: فلا فرق بين النفي عامة والنفي في الماضي أو في المستقبل، ولا بينه وبين النهي. ونفس الشيء ينطبق على المجالات الأخرى من القواعد التركيبية للجملة، والروابط التي تصل بين عناصرها.
يتضح أن المضمون التعليمي الذي قدم لهؤلاء التلاميذ، أنه لم يحقق الأهداف التي خطط من أجلها. فالمردود ضعيف جدا مقارنة بما ينبغي أن يتحقق، علما بأن الجانب التركيبي للغة يشرع في تدريسه منذ السنة الأولى من التعليم. لذلك نلفت انتباه القائمين على بناء المناهج على أخذ خصوصيات هذه المناطق بعين الاعتبار، من حيث الجوانب التربوية أو من حيث مضامين البرامج والمناهج الدراسية، وكذلك ما يتعلق بتكوين المعلمين.
يتبين من خلال الأخطاء التي ارتكبها التلاميذ أن المشكلة ناجمة عن
عدم القدرة على التعرف على الفعل أصلا، وبالتالي عدم التمييز بينه وبين غيره من الكلمات.
عدم القدرة على التعرف على أنواع الأفعال وأزمنتها.
القدرة على التعرف على الأفعال التي درست في القسم فقط دون غيرها.
عدم التمييز من حيث الاصطلاح بين الفعل والفاعل والمفعول به وكذلك من حيث الوظيفة النحوية.
صعوبة التمييز بين الأفعال المصرفة في المثنى أو في الجمع عنه إذا كانت في المفرد الغائب.(5/133)
تعليق: تعود الصعوبات التي يعاني منها تلاميذ الصفين الخامس والسادس، في مجال القواعد النحوية أساسا إلى السطحية والهشاشة التي تقدم بها دروس هذا النشاط اللغوي من جهة، وإلى النقص الكبير في الأعمال التطبيقية والتدريبات التي تساهم في ترسيخ هذه الدروس في أذهان التلاميذ، إضافة إلى غياب المراجعات وعدم التأكيد على أسس اللغة المكتوبة في تدريس اللغة العربية في هذا الطور.
ومن حيث كون التلاميذ الناطقين بالبربرية أكثر معاناة للصعوبات فإن الطريقة المتبعة في تقديم دروس اللغة العربية، ولا سيما ما يتعلق بالجانب التركيبي للغة لا تتماشى وطبيعة المحيط اللغوي لهؤلاء التلاميذ، وهي لا تساعد الناطقين بالعربية أيضا، إلا أن المجتهدين يتعلمون رغم الصعاب. لذلك ينبغي التأكيد على الطريقة الاستقرائية والمعتمدة على التدريس بالمفاهيم في نفس الوقت بحيث يتمكن التلاميذ من الاكتساب الصحيح للتراكيب اللغوية؛ وقبل الاهتمام بالبنية اللغوية ينبغي الاهتمام بتعليم اللغة كوسيلة اتصال أولا وقبل كل شيء.
من حيث الرصيد اللغوي، بيّنت النتائج أن التلاميذ يعانون نقصا كبيرا في هذا المجال. ولعل من بين الأسباب التي أدت إلى ذلك هو الفصل التام بين لغة التلميذ ولغة المدرسة، حتى في المناطق الناطقة بالعربية. وفيما يلي نذكر بعض المظاهر لذلك:
1. الترتيب الخاطئ لكلمات الجملة من خلال الوظيفة النحوية
2. تكرار عناصر من الجملة مما يفسد المعنى
3. جمل ناقصة بناء ودلالة
4. جمل ذات بنية صحيحة ودلالة غامضة
5. رصف كلمات دون روابط
6. جمل خالية من الكلمات الوظيفية والأدوات
7. الاستعمال الخاطئ للكلمات الوظيفية والأدوات
8. حشو الكلمات الوظيفية والأدوات
وأغلب الصعوبات سببها النقل من اللهجة البربرية نحو اللغة العربية.
بعض أسباب الفروق بين الجملة المنقولة من البربرية ومقابلها بالعربية.(5/134)
نقدم فيما يلي بعضا من الأسباب التي أدت إلى اختلاف بُنى الجمل العربية المنقولة أساسا من البربرية الظاهرة في كتابات التلاميذ الموجهة أو الحرة.
1 تُطبّق في البربرية صيغة الجمع على العدد الأكثر من الواحد (غياب المثنى) ، وذلك على كل المعدودات: الإنسان والحيوان والجماد.
2 موضع اسم الإشارة يأتي بعد المشار إليه وذلك عكس اللغة العربية.
3 يمكن للجملة البربرية أن يرصف فيها عدد من الكلمات دون أدوات الربط في بعض الوضعيات ولا ينطبق ذلك على الجملة العربية.
4 هناك عدد من ظروف المكان التي يجوز استخدامها في البربرية ولا تنطبق على الجملة العربية.
5 ظاهرة النكرة في البربرية بالنسبة للمفرد يسبق /يِوَنْ/ أي أحد، أو بدون هذا الظرف الأخير. أما المعرفة فتأتي علامتها بعد الاسم النكرة خلاف العربية، إلا ما يتعلق بالمعرف بالإضافة، مثل: /أًرْقَزْ/ [argaz] (رجل) /يِوَنْ وَرْقَزْ/ [yewen wergaz] (رَجُلٌ) كذلك.
6 هناك مجموعة من الاسماء جنسها مذكر أو مؤنث وهي عكس ذلك في اللغة العربية.
7 يوجد في البربرية مجموعة من الاسماء التي صيغت في الجمع وبقيت دون تصريف.
8 هناك مجموعة من الروابط التي تختلف بين اللغتين أو تستخدم في البربرية روابط حيث لا تتطلب العربية ذلك. (صدمتها في رجلها = صدمت رجلها) .
3. دور المدرسة في تكوين صعوبات تعلم اللغة العربية:
نهدف هنا إلى معرفة مدى إمكانية تدخل العامل المدرسي المتمثل في المعلم والمنهاج والطريقة، في المساهمة في تكوين صعوبات تعلم اللغة العربية، في كلتا المنطقتين الناطقة بالعربية أو بالبربرية. ونظرا للنقائص التي يتصف بها كل من المنهاج والطريقة في اللغة العربية، يلجأ معلمو المناطق البربرية إلى الترجمة كمخرج لا مفر منه في دروسهم وفي تواصلهم التربوي، (حسب آراء المعلمين) . هذه الترجمة التي قد تصبح هي الأخرى عاملا من عوامل الصعوبات، إذا ما عممت على مجمل نشاطات اللغة.(5/135)
لقد تبيّن أن منهاج الطور الأول يركز أساسا على دراسة تراكيب اللغة، دون إعطاء أي اهتمام للرصيد اللغوي الذي ينبغي أن يحصل عليه اللتلاميذ ولا على المعارف والخبرات التي تفيدهم، مما أدى بتلاميذ الطور الثاني (بصدد الدراسة) إلى الضعف في اللغة العربية وفي المعارف العامة.
وأما عن طريقة التدريس في الطورين الأول والثاني (المرحلة الابتدائية) ، فتتمثل في تلك التي تتبناها اللغات الأجنبية في بداية ظهورها، وهي المنبثقة عن المذهب "السلوكي". وقد صرّح بذلك واضعو منهاج اللغة في كتيب المعلم الخاص بالتوجيهات (سنة رابعة أساسي) ؛ وهذا ما أكدته نتائج الدراسات السابقة.
فالطريقة التي تدرس بها هذه اللغة تعدّ من أهم أسباب الرسوب وعدم السيطرة على اللغة، ويؤدي ذلك إلى نفور التلاميذ من تعلمها ومن كل ما يمت بصلة إليها. علما بأن التلاميذ يسجنون في ترسيمة مبسطة ومختصرة في الحوار الذي لا يسمح بالاكتساب ولا بالسيطرة على الميكانزمات الأساسية للغة العربية الشفهية منها والمكتوبة.
1 آراء المعلمين حول منهاج اللغة العربية: استعنا بآراء المعلمين حول مواصفات المنهاج المتضمّن في مذكرات مطبوعة من قبل وزارة التربية، وخصائص طريقة تدريس اللغة العربية التي اتبعتها هذه المذكرات نوضّحها في الجدول التالي:
جدول (4) يبين آراء المعلمين حول منهاج اللغة العربية
المذكرات
جيدة
مقبولة
غير تامة
لافائدة
د. جواب
المجموع
المعلمون
x
x
x
x
x
x
مناط. ب
20
134
13
40
6
213
%
9.09
60.90
5.9
18.18
2.75
96.92
مناط. عر
22
98
x
40
5
165
%
13.33
52
x
24.24
3.03
100(5/136)
صرّح 35.45 % فقط من معلمي المناطق البربرية بأنهم يطبقون مضمون المذكرات دون أي تغيير فيها، بينما يُجري بعض التعديلات الطفيفة 64.55 % الآخرون (بسبب مراقبة المشرف) . أما معلمو المناطق الناطقة بالعربية فلا يحدث 74.54 % أي تغيير اقتناعا بصلاحيتها، مقابل 20 % الذي يعدلون فيها. أما على مستوى الأهمية من عدمها فيتبين من الجدول (4) ، أن 60,90% من معلمي المناطق البربرية و 52% من زملائهم بالمناطق العربية بأنه (المضمون) مقبول ويمكن الاعتماد عليه في تدريس اللغة العربية. بينما ترى النسبة الباقية من المعلمين (39,10 % م. ب، و 48% م. ع) بأنها لا جدوى منها بسبب المضمون الذي لا يحقق الأهداف التي سطرت لتعليم اللغة. وعموما فامنهاج المتضمن في المذكرات يشجع المعلمين على الكسل وعدم الاكتراث، كما ترسخ الاتجاه السلبي نحو البحث والمطالعة الواسعة التي يتطلبها التحضير الجيد للدروس.
موضوعات المنهاج وعلاقتها بمحيط الطفل: يرى 84.54 % من معلمي المناطق البربرية بُعدها عن محيط الطفل؛ بينما يرى 89.7 % من المعلمين في المناطق العربية قربها من محيط الطفل الناطق بالعربية.
ملاحظات المعلمين حول مواوضيع منهاج للغة العربية.
* تجاهلت الموضوعات البيئة التي يعيش فيها الطفل البربري.
* أغلب الموضوعات خالية من الخبرات على المستوى المعرفي.
* أعدت الموضوعات إعدادا اصطناعيا ولا تتناول حقائق المحيط الاجتماعي والعائلي للتلاميذ.
* ولا يستجيب القليل من المعارف التي تحتوي عليها الموضوعات لحاجيات التلاميذ، كما أنها ذات طابع تقليدي مما يجعلها عديمة الفائدة بالنسبة لهؤلاء.
* أُعدت على نفس النموذج وعرضت بنفس الطريقة وهذا يؤدي بالتلاميذ إلى الملل والنفور منها.(5/137)
* تقوم الموضوعات بتكوين إشراط لدى التلاميذ عوض أن تحرر قدراتهم التعبيرية والذهنية، فهذه العملية تسجنهم في مكتسبات ضيقة ومحدودة في المجال المدرسي، دون تمكينهم من ممارسة التعبير الحر والتلقائي في الحياة العامة.
بعض أسباب صعوبات تعلم اللغة العربية حسب آراء المعلمين في المناطق البربرية.
- لا يقدم المنهاج سوى نماذج منعزلة من المعارف السطحية.
- لا يأخذ تكوين المعلمين بعين الاعتبار خصوصيات هذه المناطق.
- صعوبة فهم خطاب المعلم في دروس اللغة.
- الترجمة التي يستخدمها التلاميذ من العربية إلى البربرية ثم العودة الى العربية.
- هناك موضوعات بعيدة جدا عن اهتمامات التلاميذ.
- طريقة تعليم اللغة ذات مسؤولية كبيرة في ظهور صعوبات في تعلم هذه المادة.
الترجمة ودروس اللغة العربية: يستخدم 80.60% من معلمي (م. ب) الترجمة في دروسهم كضرورة ملحة لأجل إيصال المعلومات إلى التلاميذ ليفهموها، مقابل 11.5% من زملائهم الناطقين بالعربية. وهناك مجموعة من العوامل التي قد تتسبّب في ظهور صعوبات تعلم اللغة العربية منها ما يلي:
تعتبر السياسة اللغوية اللغة العربية هي اللغة الأولى في كامل التراب الوطني، وتتجاهل الوضعية التي يعيش فيها الأطفال البربر، مما قد يكوّن مشكلا بسبب عدم تحضير هؤلاء لمواجهة تعلم اللغة الجديدة.
غياب التكوين النوعي للمعلمين الذين يدرّسون في المناطق البربرية، خاصة في ميدان علم اللغة وعلم النفس وارجتماع اللغويين.
غياب الدعم التربوي الذي قد يساهم في حل بعض المشكلات التي يعاني منها التلاميذ في تعلمهم لهذه اللغة، فحصة الاستدراك للمواد الأساسية كل أسبوع، لا تحقق الهدف الذي وضعت من أجله وذلك لعدم تطبيق منهجية الدعم حسب الشروط التي يتطلبها.(5/138)
يمكن للترجمة أن تساعد التلاميذ على فهم مضمون رسالة المعلم، لكن دون الاستفادة من المفردات والمحتوى اللغوي الذي وضعت فيه الفكرة. فهذه الترجمة تبقى عاملا معرقلا لتعلم اللغة العربية، لأن التلميذ يتمكن من تذكر الشيء أو الكلمة التي أخذت من لغته في الترجمة لإفهامه، لكن لا يتذكر بسهولة الكلمات أو العبارات الخاصة باللغة الهدف. لذلك تبقى الترجمة في هذه الحالة عاملا معرقلا للتعلم المراد بلوغه.
هكذا يتضح لنا أن المدرسة عوض أن تساهم في لعب دوها التربوي /التعليمي نجدها تساهم هي الأخرى في تكوين صعوبات التعلم عند التلاميذ وخاصة الناطقين بالبربرية منهم.
4. اتجاهات التلاميذ وأوليائهم نحو تعلم اللغة العربية وأثر ذلك على المستوى في هذه اللغة (1)
لقد بيّنت عدة دراسات أهمية الاتجاه الإيجابي نحو تعلّم لغة غير اللغة الأم (ماكي Mackey 1967) وأثر ذلك في النجاح وفي سرعة تعلّمها، بينما يؤدي الاتجاه السلبي إلى صعوبة تعلم هذه اللغة. ونظرا لظهور الاتجاه السلبي نحو اللغة العربية من قبل نسبة من السكان البربر في نهاية الثمانينات، افترضنا بأن ذلك قد يؤثّر في تحصيل هذه اللغة لدى تلاميذ عينتنا، مما يمكن أن يؤثر على المستوى الدراسي العام. جاءت النتائج حسب ما يلي:
جدول (5) يبين اتجاهات التلاميذ البربر نحو اللغة العربية بعلاقتها بدرجاتهم فيها.
لغ. عر/ف. درج
إ. إيجابي
%
إ. حيادي
%
إ. سلبي
%
مجموع
%
11-8
20
1
52
1,56
196
5,87
268
8,03
15-12
43
1,29
52
1,56
189
5,66
284
8,57
19-16
85
2,54
79
2,37
272
8,15
436
13,06
23-20
83
2,49
115
3,45
254
7,61
452
13,54
27-24
112
3,35
122
3,65
263
7,88
497
14,89
31-28
215
6,44
105
3,15
204
6,11
524
15,70
35-32
217
6,50
74
2,22
103
3,10
394
11,81
39-36
154
4,61
43
1,29
55
1,65
252
7,52
43-40
108
3,23
23
0,69
31
0,93
162
4,85
47-44
43
1,29
4
0,12
2
0,06
43
1,47
51-48
12(5/139)
0,36
1
0,03
1
0,03
14
0,42
55-52
5
0,15
x
x
x
x
5
0,15
مجموع
1097
32,87
670
20,07
1570
47,05
3357
100
بيّن اختبار الاتجاهات من خلال درجات الجدول أن هناك % 32,87 من التلاميذ البربر لهم اتجاه إيجابي نحو تعلم اللغة العربية. وإذا أضفنا ذوي الاتجاه الحيادي إلى الإيجابي تصبح النسبة 52,94 %. أما التلاميذ الذين صرحوا باتجاههم السلبي فتبلغ نسبتهم 47,05%، وهؤلاء قد بيّنوا رفضهم تعلم هذه اللغة.
لقد وجدنا أن هناك تأثيرا لكل من الاتجاهين في مستوى التحصيل في اللغة العربية لدى تلاميذ العينة البربرية. طبقنا اختبار كا² لمعرفة الفروق بين التلاميذ ذوي الاتجاهين السلبي والإيجابي مع المحايد، فكانت قيمته تساوي إلى 440,03 وهي أكثر من القيمة المجدولة، والتي تعد دالة عند مستوى 0,001. هذه القيمة تبيّن بوضوح أن هناك فرقا دالا وجوهريا بين التلاميذ ذوي الاتجاه الإيجابي أو المحايد وبين ذوي الاتجاه السلبي، مع العلاقة الإيجابية أو السلبية بالدرجات المحصل عليها في اختبار اللغة العربية. لقد كان نوع الاتجاه لدى التلاميذ يتطابق نوعا ما واتجاه أهلهم، وإن كان الأبناء أكثر ميلا نحو اللغة العربية من ذويهم. وأما عن العلاقة بين الاتجاه والمستوى في اللغة العربية فتظهر في الجدول التالي:
جدول (6) يوضح توزيع التلاميذ حسب الاتجاه والمستوى في اختبار اللغة العربية.
المستوى/ الاتجاه
إيجابي
سلبي
حيادي
م. ضعيف
288
1056
362
%
16,88
61,90
21,22
% الى المجموع
8,63
31,64
10,85
م. متو.+متف.
809
514
308
%
49,60
31,51
18,88
% الى المجموع
24,24
25,40
9,23(5/140)
يلاحظ من خلال هذه التكرارات والنسب للمستويين المذكورين في الجدول (6) أن نسبة التلاميذ الضعفاء في الاتجاه الإيجابي، هي أقل من نسبة زملائهم من نفس الاتجاه في المستوى المتوسط والمتفوق بثلاث مرات. وهذا يختلف عن نسبة التلاميذ ذوي الاتجاه المحايد، حيث نجد النسبتين متقاربتين جدا في كلا المستويين. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الاتجاه فعلا حيادي، إذ لا يؤثر سلبيا ولا إيجابيا في تعلم اللغة العربية عند هؤلاء التلاميذ. أما التلاميذ ذوي الاتجاه السلبي فإن نسبتهم في المستوى الضعيف تساوي أكثر من نصف زملائهم في المستوى المتوسط والمتفوق -- (61,90%، مقابل 31,51%) .
بالنسبة للتلميذ الذي يكون متوسطا أو متفوقا في اللغة العربية، إضافة إلى اتجاهه الإيجابي نحوها مع الظروف البيئية والثقافية المنسبة، إضافة إلى المكانة التي يحرز عليها في القسم، مما يساعده على التقدم في تعلم هذه المادة وكذلك المواد الدراسية الأخرى. فالمكانة والدعم والطموح مع النتائج المرضية ... كل هذا يمكن أن يدفع التلميذ إلى العمل والنجاح أكثر؛ وهذه الوضعية قد تنطبق أيضا على التلميذ الذي يكون اتجاهه سلبيا، لكن مكانته الدراسية في الصف جيدة مما قد يشجعه على الاجتهاد وغض الطرف عن الاتجاه.(5/141)
لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن أغلب التلاميذ الذين يتصف اتجاههم نحو اللغة العربية بالإيجاب أو الحياد يوجدون في المستوى المتوسط أو المتفوق (33,47 %) أما في المستوى الضعيف فيوجد 19,48% وأما ذوي الاتجاه السلبي فيوجد 15,40% في المستوى المتوسط والمتفوق، و 31,64% في المستوى الضعيف. ولكي نتمكن من معرفة العلاقة بين المستوى في اللغة وبين الاتجاه، عن طريق معرفة الفروق بين الاتجاهات طبقنا اختبار كا² لمعرفة الفروق بين التلاميذ ذوي الاتجاهين السلبي والإيجابي مع المحايد، وكانت قيمته تساوي إلى 440,03 وهي أكثر بكثير من القيمة المجدولة، والتي تعد دالة عند مستوى 0,001. هذه القيمة تبيّن بوضوح أن هناك فرقا دالا وجوهريا بين التلاميذ ذوي الاتجاه الإيجابي أو المحايد وبين ذوي الاتجاه السلبي، مع العلاقة الإيجابية أو السلبية بالدرجات المحصل عليها في اختبار اللغة العربية.
واليوم نتساءل: هل أن الاعتراف الرسمي بالبربرية (الأمازيغية) والسماح بتعليمها يمكن أن يحل الصراع بين اللهجات البربرية واللغة العربية، وبالتالي تقليص الصعوبات في تعلم اللغة العربية؟ أم أن هذا الاعتراف سيشجع أكثر على رفضها من قبل المتعلمين البربر وذويهم وبالتالي تطرح المشكلة بصفة أكثر حدة وعمقا؟
الاقتراحات:
نقدّم فيما يلي مجموعة من الاقتراحات التي لا تعني أبناء المناطق البربرية فقط، وإنما تعني كل المتعلمين في الطورين الأول والثاني (المرحلة الابتدائية) ، في مجال تعليم اللغة العربية وأنواع المواضيع التي ينبغي أن يتضمّنها المنهاج الذي من خلاله تقدّم مادة هذه اللغة.
أ. ما يتعلق بالمضمون:
1. على مستوى الموضوعات والنصوص:
أن تنتقى موضوعات النصوص بحيث يكون بعض منها من اهتمامات التلاميذ ومتماشية مع الهدف المقصود: تثقيفي، تكويني، تاريخي، أدبي، تربوي ...
أن تتضمّن النصوص المعلومات والمعارف ذات الأثر الفعّال في تنمية شخصية التلميذ.0(5/142)
أن تنتقى النصوص التي تكوّن الجانب النفسي والاجتماعي والفكري والأدبي للتلميذ، وأن يظهر فيها التوجيه المراد بلوغ هدفه.
نرى أنه من الأفيد أن تقدم النصوص التي تسمح بالحصول على الخبرات والمعارف مع الأصالة والدقة، عوض كثرة النصوص وسطحيتها، حتى وإن كانت النصوص المقترحة طويلة بعض الشيء. ينبغي أن يكون النص مرجعا يفيد التلميذ في مطالعته الشخصية في البيت، وملجأ في وحدته ومعينا لحل مشاكله، عوض أن يقدّم في حصص القراءة فقط
2 على مستوى الرصيد اللغوي.
1. أن يُشرع في تعليم الرصيد اللغوي ابتداء من السنة الأولى من التعليم.
2. أن يشجّع التلاميذ على استعمال رصيدهم اللغوي المكتسب في كتاباتهم وفي اتصالاتهم الشفهية بعد أن يتدرّبوا على ذلك.
3. أن يتبع المعلمون طريقة مناسبة في التدريب على استعمال الرصيد اللغوي مثل: تبديل الكلمات في نصوص القراءة بمرادفاتها، بحيث يقوم التلميذ كعمل منزلي باستبدال المفردات والعبارات بأخرى في فقرات من نصوص القراءة، وكذا توسيع عبارة أو تلخيص فقرة ... إضافة إلى تركيب جمل انطلاقا من كلمات الثروة اللغوية المدروسة.
4. أن تنتقى مسبقا وضمن المنهاج قائمة الرصيد اللغوي التي يدرسها التلميذ في كل صف دراسي، وتقدم الإرشادات المناسبة لعملية التدريس وللطريقة، وكذا نماذج التدريبات الممكن إنجازها.
5. أن يُعلّم التلاميذ كيفية استخدام المنجد وكيفية البحث عن كلمة ومعانيها، ثم ينتقي المعنى الذي يناسب الكلمة الموجودة في سياق الجملة أو النص.
3 على مستوى النحو والصرف: (نظرا للضعف الشديد الذي يعاني منه التلاميذ في النحو والصرف فإنه ينبغي الاكتفاء بالموضوعات الضرورية لكل سنة من سنوات الطور) .
1. أن تنقل الموضوعات التي هي فوق المستوى الحالي للتلاميذ إلى الصف الموالي.
2. الإبقاء على الموضوعات الضرورية التي يستفيد منها التلميذ بصفة مباشرة في لغته الشفاهية والمكتوبة.(5/143)
3. أن تستبدل طريقة تدريس النحو والصرف الحالية بطريقة أكثر نجاعة، وهي الانطلاق من النص والمحور المعتمد في الأسبوع، مع التركيز على الأخطاء التي يرتكبها التلميذ كمنطلق لتدريس موضوع من موضوعات النحو، خاصة إذا كانت هذه الأخطاء شائعة. ويفضّل استخدام طريقة التدريس بواسطة المفاهيم، لأننا وجدنا متعلمي العينتين لا يفهمون معاني المصطلحات النحوية كالحال والنعت والمفعول ووظائف الأدوات كالجر والفتح ... (نذكر مثالا في الأخير عن هذه الطريقة) .
4. أن تكثر التدريبات التطبيقية والمراجعات والتطبيقات الموزعة على فترات متباعدة عوض التدريبات الفورية ثم ينقطع التلميذ انقطاعا شبه نهائي عن الموضوع.
ب الطريقة
ذكرنا سابقا أن الطريقة المعتمدة في تدريس اللغة العربية في الطورين الأول والثاني من التعليم الأساسي، هي الطريقة المنبثقة عن المذهب السلوكي المنتقد انتقادا لاذعا من قبل عدد من المختصين في اللسانيات وفي علم النفس اللغوي، أمثال تشومسكي وبياجيه وغيرهما ... وقد ظهر المذهب المعرفي الذي غيّر النظرة نحو متعلّم اللغة، سواء كان الأمر متعلقا باللغة الأولى أو الثانية. لهذا قبل تقديم اقتراحات عملية حول كيفية تدريس النشاطات اللغوية، سواء في الطور الأول (السنوات الثلاث الأولى من التعليم الابتدائي) ، أو في الطور الثاني (السنوات الثلاث الباقية من هذه المرحلة) ، نقترح على مسؤولي المدرسة الجزائرية استخدام الطريقة المعرفية المنبثقة عن المذهب المعرفي تعليم اللغة. هذه الطريقة التي تقدّم خصائصها فيما يلي:
ب. 1. الطريقة الذهنية المعرفية:(5/144)
لقد بدأت المنهجيات والطرق الخاصة بتعليم اللغات تأخذ بعين الاعتبار الجانب الذهني المعرفي الذي نادى به كل من تشومسكي (Chomsky) وجان بياجيه (J.Piaget) ومن حذا حذوهما. رغم أن الطريقة الذهنية المعرفية قد ظهرت منذ الستينات على يد كارول (J.B.Carrol) في مجلة: (modern language journal) في سنة 1965 ثم صدرت في كتاب فالدمان (Valdman) (Trends in language teaching، سنة 1966) .
أهم ملامح الطريقة:
1. " تعريف المتعلم بالنظام الصوتي والنحوي والصرفي ودلالات اللغة. فالأساس الأول لتمكين المتعلم من ممارسة اللغة، هو أن يسيطر بوعي على نظامها متفهما له مستوعبا لحقائقه.
2. يُشرع في الدرس بشرح القاعدة (ولو بشكل سطحي) ثم ضرب الأمثلة عليها، أي تتبع الطريقة الاستنباطية في تعليم اللغة. الهدف من المثال هو تدريب المتعلم على تطبيق القاعدة بشكل واع. يتبع هذه الأمثلة والتدريبات أوجه نشاط لغوي أخرى، ويسمى هذا العمل في مجال النظرية التحويلية "بالكفاية الاتصالية ". ويعتبر العمل هذا "طلاقة" في النظرية المعرفية لتعليم الرموز وتقدم الأنشطة في مواقف ذات معنى، وتشتمل على حوارات وألعاب لغوية ولعب الدور وغيرها.
3. قد تستخدم اللغة الوسطية منذ الحصة الأولى في حالة كون اللغة الهدف هي لغة ثانية، بحيث يُستعان بها في شرح القاعدة باعتبارها جديدة على المتعلمين.
4. إن الهدف من تدريس القواعد ليس حصر المواقف التي يمكن أن يمر بها المتعلم ثم تدريبه عليها، وإنما هو تدريب هذا المتعلم على الاستخدام الواعي للقاعدة في مواقف جديدة، يصعب التنبؤ بها وبالتالي حصرها. فالكفاية اللغوية لا تقاس بقوة ذاكرة المتعلم في ترديد ما يسمع فحسب، بل في قدرته على تطبيق قاعدة تعلمها على عدد لا يحصى من الأمثلة في اللغة سماعا وإنتاجا ". (طعيمة 1984)
تقييم الطريقة الذهنية المعرفية:(5/145)
1. تهتم هذه الطريقة اهتماما كبيرا بتعليم المهارات اللغوية الأربع في نفس الوقت، والتي لا تهتم بنفس المستوى والوقت أية طريقة أخرى.
2. تعتبر السيطرة على نظام اللغة شرطا لممارستها، ويدخل ضمن النظام: التراكيب والقواعد النحوية وأنماط المفردات وكيفية اشتقاقها.
3. تضمن لنا هذه الطريقة أن تكون ممارسة اللغة ممارسة واعية، وليست تكرارا آليا لتدريبات نمطية.
4. تزود هذه الطريقة المتعلمين بإمكانات إدارة الحوار مثلما تعتمد عليه الطرائق الحوارية وهي تعتبره أساسا في الدرس. فهذه الطريقة تدعو المتعلم إلى ممارسة الاتصالية بعد عرض النص ودراسته وإجراء التمرينات عليه.
أما الاقتراحات على المستوى العملي حسب النشاطات اللغوية فنذكرها فيما يلي:
ب. 2. التعبير: بالنسبة لتدريس التعبير ينبغي الانطلاق من الموضوعات التي تستجيب لحاجات المتعلم أولا، ومن الموضوعات التي تنمي فكره، خاصة تلك التي تتميز بالأصالة. ونظرا لقلة فرص التمارين التدريبية الكتابية، ونظرا لكون اكتساب اللغة يتم بواسطة المران، فإن ما ينبغي التركيز عليه في الطور الثاني هو المطالعة المستمرة للنصوص الأصيلة والثرية، التي تزخر بها اللغة العربية وآدابها وكذا التعبير الكتابي، وتدريب التلاميذ على الكتابة من خلال أنشطة مختلفة: كالنسخ والتلخيص والتحويل والوصف ... فالتحكم في اللغة المكتوبة يعد من أهم أهداف تعليم اللغة في هذا الطور وذلك لأسباب أهمها: أن اللغة المكتوبة هي التي تميّز بين التلاميذ، وأنها الوسيلة الوحيدة في دراسة وتعلم المواد الأخرى، وأنها الوسيلة الأساسية للتثقيف وتنمية الرصيد المعرفي ... ويعتبر العجز فيها عجزا في هذه الجوانب أيضا.(5/146)
ب. 3. الرصيد اللغوي: إن من أهم وسائل الإثراء اللغوي لدى التلميذ، هو تعلمه لمعاني ولقوانين الأوزان الخاصة بالمزيد من الأفعال، وتحوّل هذه الأفعال إلى اسماء، أي الاشتقاقات الاسمية مثل: قبل/ أقبل/ تقابل/ استقبل/ مقبلٌ/ مستقبل/ مقابل/. فبواسطة تعلم قواعد المزيد والاشتقاق والمعاني العامة لكل صيغة مزيدة أو مشتقة، يتمكن التلميذ من اختصار الطريق نحو إثراء رصيده اللغوي، الذي ينبغي أن يتعلمه في هذا المستوى. وعلى المعلم أن يدرب التلاميذ على هذا الأسلوب من التعليم والتعلم بواسطة التمارين التطبيقية المتعددة لكل موضوع مدروس.
إلى جانب هذا الأسلوب هناك أسلوب ثان ينبغي للمعلم أن يستخدمه في تدريسه للرصيد اللغوي، وهو انتقاء الكلمات الأساسية، أي المفاصل التي تحدد معنى الفقرة في النص، وعادة ما تتضمن الفقرة كلمة أو كلمتين، ويتضمن النص عددا محددا منها. يقوم المعلم بانتقاء أهمها فيشخّص دلالة كل كلمة عن طريق إدخالها في جمل من طرف التلاميذ، كما يبحث عن أوزانها من خلال تحديد نوع الاشتقاق؛ وبعدها يدرب التلاميذ على البحث عن مرادفات لها نفس الدلالة في المنجد، كما يستخدم أسلوب دراسة أضداد هذه الكلمات. كل هذا يساهم في ترسيخ الرصيد اللغوي المكتسب ويعمل على تعميق فهم النصوص أكثر.
ب. 4. تعليم النحو بواسطة المفاهيم: لتعليم المفهوم (النحوي) وضع ميريل (Merrill) وتنيسون (Tennyson) (منذ السبعينات) ، مجموعة من الخطوات التي تعتبر بمثابة موجهات توجه المعلم نحو تحديد الإستراتيجية الصحيحة، واستخدامها بشكل صحيح في تدريسه للمفاهيم. وفيما يلي نقدم ملخصا لها:
1. تحديد محتوى الدرس وتحديد المفاهيم المراد تعليمها وتحضير الدرس لها بحيث يتضمن:
- الأهداف التدريسية أو التعليمية، - تعريف المفهوم، - أمثلة ولا أمثلة (1) على المفهوم، - تقويم التعلم الحادث(5/147)
2. تزويد المتعلمين بالأهداف التعليمية لكل درس قبل القيام بمهمة التدريس.
3. تقديم تعريف للمفهوم بحيث يتضمن اسم المفهوم وخصائصه الضرورية والعلاقات التي تربطها (يقدم فقط للإعلام) .
4. تقديم مجموعة كافية من الأمثلة واللاأمثلة على المفهوم، بحيث يراعى فيها:
أ. تقارب الأمثلة واللاأمثلة.
ب. استخدام قاعدة التقابل (مثال / لامثال) .
ج. استخدام قاعدة عزل الخاصية، وذلك باستخدام الوسائل المتنوعة من شأنها أن تظهر الخصائص المميزة للمفهوم بشكل بارز وملفت للنظر.
د. التدرج في مستوى صعوبة الأمثلة واللاأمثلة بحيث يبدأ بالسهل منها والانتقال تدريجيا نحو الأصعب.
5. تقديم التدريب الاستجوابي، ويتضمن تقديم أمثلة ولاأمثلة جديدة على المفهوم بترتيب عشوائي، وبطريقة تجعلنا نطالب التلميذ بتصنيفها إلى ما هو مثال ينتمي للمفهوم وما هو لامثال على المفهوم، مع توضيح سبب ذلك.
6. تقديم التغذية الرجعية الصحيحة بعد صدور الاستجابة مباشرة.
• • •
الخاتمة:
لقد طرحنا في هذا المقال مشكلا من أهم المشاكل التي ينبغي للمدرسة العربية عامة والجزائرية خاصة أن تولي له أكبر اهتمام وأن تتصدى له، ألا وهو صعوبات تعلم اللغة العربية في المدرسة. وقد استخدمنا الميدان للتأكد من صحة ما نلاحظه يوميا، وما هذا الوصف إلا لفت الاتنباه إلى أن العدالة في التربية والحق في التعليم مشروع يجب على المجتمعات أن تحميه وتدافع عنه.
الحواشي والتعليقات
أمثال: صيني 1982، وبراهام ع. ع. 1980، ومحمد أحمد 1980 وغيرهم ...
أمثال: تعوينات ع. 1992، بودالية قريفو م. 1989 وغيرهم ...
تازروتي ح.: لغة الطفل بين المحيط والمدرسة، دراسة إفرادية، معهد اللغة العربية وآدابها، جامعة الجزائر 1999(5/148)
كان هدفنا إجراء دراسة باستخدام المنهج التجريبي المعتمد على المتغير التجريبي والمتمثل في تطبيق طريقة التدريس المقترحة والمتغيرات المستقلة، لكن الإدارة رفضت التدخل بهذا الشكل وسمحت بالأدوات التي استخدمناها فقط.
Encyclopedie Berbere (1984) : Union International des Sciences Anthropologiques et Ethnographiques, Aix en Province, France, Edissud.
ن. ع. = ناطقون بالعربية / ن. ب. = ماطقون بالبربرية.
بحثنا موضوع الاتجاهات واللغة مع أبناء المتاطق البربرية فقط.
المثال هو ذلك المثال الذي ينطبق على موضوع الدرس. واللامثال هو ذلك المثال الذي يشبه كثيرا المثال ولكنه يخالفه في خاصية عدم تطابقه مع موضوع الدرس.
المصادر والمراجع
1- اسماعيل صيني محمد وإسحاق محمد أمين (1982) : التقابل اللغوي وتحليل الأخطاء، عمادة شؤون المكتبات، جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية.
2- أحمد عبد الرحمان حماد، (1982) : عوامل التطور اللغوي، دراسة في نمو وتطور الثروة اللغوية، دار الأندلس، بيروت، لبنان.
3- برهام، ع. ع. (1980) : مشكلة تعليم العربية لغير الناطقين بها مع حلول علمية وعملية، السجل العلمي للندوة العالمية الأولى لتعليم العربية لغير الناطقين بها، صص 119 130.
4- بودالية، غريفو مليكة (1989) : المدرسة الجزائرية من ابن باديس إلى بافلوف، المؤسسة الجزائرية للطباعة.
5- تعوينات، ع. (1983) : التأخر في القراءة في مرحلة التعليم المتوسط، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر.
6- تعوينات، ع. (1992) : صعوبات تعلم اللغة العربية المكتوبة في الطور الثالث من التعليم الأساسي ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر.
7- تازروتي، ح. (1999) : لغة الطفل بين المحيط والمدرسة، دراسة إفرادية، ماجستير في اللغة العربية، معهد اللغة العربية وآدابها جامعة الجزائر.(5/149)
8- حسن الساعاتي، (1983) : الثقافة والشخصية، دار النهضة العربية، مصر.
9- حمادة إبراهيم (1987) : الاتجاهات المعاصرة في تدريس اللغة العربية واللغات الحية الأخرى لغير الناطقين بها، دار الفكر العربي.
10- رشدي أحمد طعيمة، (1982) : الأسس المعجمية والثقافية لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، جامعة أم القرى، وحدة البحوث والمناهج /سلسلة دراسات في تعليم اللغة العربية (3) ، مكة المكرمة.
11- = = =، (1984) : تعليم العربية لغير الناطقين بها مناهجه وأساليبه، جامعة المنصورة، مصر.
12- ريشل، م. (1984) : اكتساب اللغة، ترجمة كمال بكتاش، بيروت لبنان.
13- زغاش ساعد (1984) : انحراف الساوك اللغوي لدى تلاميذ الثانوية، دبلوم الدراسات المعمقة، معهد علم النفس وعلوم التربية، جامعة الجزائر.
14- سيجوان وماكي (Siguan، Mackey) ، (1995) : التعليم وثنائية اللغة، ترجمة د. إبراهيم بن محمد ود. عاطف مجاهد، جامعة الملك سعود، عمادة شؤون المكتبات الرياض.
15- الصوري، ع. (1989) : تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها الأداة والثقافة، التدريس، مجلة مغربية لعلوم التربية، العدد 14، السنة، ص 10.
16- القاسمي، ع. (1980) : الكتاب المدرسي لتعليم العربية لغير الناطقين بها، في السجل العلمي للندوة العالمية الأولى لتعليم العربية لغير الناطقين بها، ج.2، الرياض، صص 75 108.
17- الكندري، عبد الله عبد الرحمان ومحمد عطا إبراهيم (1992) : تعليم اللغة العربية للمرحلة الابتدائية، مكتبة الفلاح، الكويت.
18- مدكور، ع. أ. (1991) : تدريس فنون اللغة العربية، مكتبة الفلاح، الكويت.
19- محمود كامل الناقة (1981) : الأخطاء النحوية عند طلاب قسم اللغة العربية بكليات التربية، سلسلة دراسات وبحوث تربوية، جامعة أم القرى، كلية التربية، مكة المكرمة.(5/150)
20- مرجانة رشيد (1990) : التاخر الدراسي اللغوي لدى تلاميذ السنة التاسعة أساسي، ماجستير في علم النفس التربوي، معهد علم النفس وعلوم النربية، جامعة الجزائر.
المراجع باللغة الأجنبية:
21 - ABOU, S. (1979) : Les Conditions d’une Culture Nationale à Partir
du Bilinguisme dans les Etats Multilingues, Problème et Solution Travaux du Centre International de Recherche sur le Bilinguisme, Université de Laval Quebec.
22 - ACHOCHE, M (sd) : La Situation Linguistique en Algérie, in
Langues et Migration, Centre de Didactique des Langues, Publication de l’Univsesité des Langues , et des Lettres de Grenoble pp. 39-49.
23 - BASSET, A. (1929) : La Langue Berbère, Morphologie, le Verbe,
Etude des Thèmes, Paris.
24 - BOUTON , C.P. (1971) : l’Acquisition d’une Langue Etrangère
Aspects Théorique et Pratique, Conscequences Pédagogiques., édit. Klincksieck, Paris.
25 - BOUTON , C.P. (1979) : le Developpement du Langage , Aspects
Normal et Pathologique , Masson les Presses de l’Unesco.
26- BROHEET , J.M. Confaid ,J. P. (1995) : coll. Interlangue et
DidactIque, P.U du Mirail.
27 - DABENE , L. (1994) : Repères Sociolinguistiques pour
l’Enseignement des Langues Hachette , Paris , France.
28- DABENE , L. (1993) : L’Enseignement Précoce d’une Langue
Etrangère: Conditions d’une Réussite dans l’Enseignement de la Langue Française à l’Ecole Elémentaire Italienne BCLE , Rome , Eds. Analisi.
29 - DE GREVE, M. (1985) : Langue Dominante Langue Dominée, le
Status des Langues dans une Société Plurilinguiste , in «le Langage et l’Homme» vol.20, fasc.3, octobre, n° 59.(5/151)
30 - FITOURI,C. (1983) : Bilinguisme , Biculturalisme , et Education ,.
Delachaux et Niestlet
31 - GHETTAS, CH. (1995) : l’Enfant Algérien et l’Apprentissage de la
Langue Arabe à l’Ecole Fondamentale , Essai d’Analyse des Compétences Narratives et Textuelles de L’Enfant Algérien Entre Cinq et Neuf Ans , Thèse de Doctorat en Linguistique et Didactiques des Langues , Université Stendhal , Grenoble 3 , U.F.R. des Sciences du Langage , pp.323-328. بتصرف.
32 - GAONAC’H , D. (1982) : Psychologie Cogniyive et Approche
Communicative en Didactique des Langues Etrangères , Revue de Phonétique Appliquée, 61, 159-175.
33 - MARTINET, J. (1980) : Théories Linguistiques et Enseignement
de la Langue , P.U.F.
34 - OVERBACK ,Van. (1976) : Mécanisme de l’Interférence
Linguistique , Madrid.
35 - PIATELI - PALMARINI, (1979) : Théories du Langage - Théories
de l'Apprebtissage, le Débat Entre Jean Piaget et Noam Chomsky , Paris , Seuil.
36 - PUREN , C. (1988) : Histoire des Méthodologies de l’Eseignement
des Langues , Nathan , Clé Internationnal.
37 - RONDAL ,J A. (1983) : Problèmes de Psycholinguistiques ,
Bruxelles, P.Mardaga..
38- TALEB IBRAHIMI, K. (1993) : A Propos de l’Ecole Algérienne
d’Ibn Badis à Pavlov , de M. Boudalia - Greffou , Quelques Réfflexions sur l’Enseignement de la Langue Arabe dans le Système Educatif Algérien. in NAQD , Revue d’Etudes et de Critiques Sociales:<< Culture et Système Educatif >> n° 5 , Avril - Aout
39 - TITONE , R. (1972) : Le Bilinguisme Précoce , trad.par G.
Soto ,Bruxelles Eds. Charles Dessart.(5/152)
40 - UNESCO, (1984) : Encyclopedie Berbere (1984) : Union
International des Sciences Anthropologiques et Ethnographiques, Aix en Province, France, Edissud.
41 - UNESCO , (1988) : la Langue , Identité et Communication.
42 - VOGEL, K. (1995) : l’ Interlangue , la Langue de l’Apprenant ,
traduction de. l'Allemant par J.M Brohéet et J.P. Confaid , P.U du Mirail
43 - WEINREICH, U. (1973) : Unilinguisme et Multilinguisme, in
Dossiers Pédagogiques, Paris Janv./Fév. ,n° 3.
ملحق
استمارة الاتجاهات نحو اللغة العربية خاصة بالأولياء.
الى السادة والسيدات الأولياء المحترمين، في إطار إجراء دراسة علمية حول الاتجاهات نحو تعلم اللغة العربية نوجه إلى حضرتكم هذه الاستمارة قصد الإجابة عن عدد من الأسئلة التي نطرها عليكم، ونرجو أخذها بعين الاعتبار قدر الإمكان. (للإجابة ضع دائرة حول نعم أو لا، وما يتطلب الكتابة أجب خلف الورقة مع وضع رقم السؤال) .
الجنس: ذكر: أنثى: المهنة:
المستوى الثقافي للأب: للأم: عدد الإخوة:
1 هل تعتقد أن تواجد اللغات (فرنسية، عربية، بربرية) في محيط الطفل البربري يعرقل عملية التعلم؟ نعم، لا
2 هل ترى أن تعليم الفرنسية مبكرا يعرقل الطفل على التعلم؟ نعم، لا
3 هل تعتقد أن طريقة تدريس العربية حاليا صالحة للطفل البربري؟ نعم، لا
4 هل تعتبر اللغة العربية أجنبية على الطفل البربري؟ نعم، لا
5 يعاني أطفال البربر صعوبات في تعلم اللغة العربية، ما هي الأسباب في رأيك؟
6 هل تعتقد بأن البيئة الاجتماعية واللغوية للطفل البربري تكونعائقا ضد تعلمه اللغة العربية؟
7 كثر الكلام عن وجوب تعليم البربرية، هل يمكن أن يؤثر ذلك على تعلم الطفل للغة العربية وللمواد الأخرى؟
8 هل سما الطفل لكلام الكبار حول معاداة اللغة العربية يمكن أن يكون اتجاها سلبيا نحو اللغة العربية؟(5/153)
9 هل توافق أن يسبق ابنك في تعلم العربية ثم بعدها الأمازيغية أم العكس؟
10 ما رأيك في السكان الأمازيغ الذين يرفضون تعليم اللغة العربية لأبنائهم؟
استمارة استبيان خاصة بالمعلمين (مناطق أمازيغية عربية)
تعليمات
حضرة المعلم والمعلمة، يشرفني أن أتقدم إليكم بهذا الاستبيان الذي يهدف الى جمع معلومات حول كيفية تعليم اللغة العربية والصعوبات التي يواجهها أطفال المناطق الأمازيغية في تعلم هذه المادة، باعتبار لغتهم الأولى تختلف عن لغة المدرسة، ثم المساهمات التي يقدمها المعلمون لعلاج هذه الصعوبات.
زميلي (ة) المحترم (ة) أرجوأن تطلع على وثيقة الاستبيان قبل الشروع في الاجابة عن الأسئلة، حتى تعرف المجالات التي تتناولها، كما يرجى منك أن تدلي بالمعلومات بكل موضوعية، علما بأن ذلك يستغلّ في بحث علمي تربوي لا غير، يساهم في حل بعض مشكلات التربية والتعليم في المدرسة عامة وفي المناطق الناطقة بالأمازيغية خاصة. لذلك أتمنى أن يؤخذ هذا العمل مأخذ الجد ويوضع في إدارة المدرسة عند إتمامه. وفي النهاية تقبل مني تحيتي الخالصة
ملاحظات:
1 الإجابة عن الأسئلة التي تحتوي على نعم ولا تكون بوضع دائرة حول الجواب المناسب.
2 الإجابة التي تتطلب رأيك تكون كتابية ويمكن متابعة الكتابة خلف الصفحة، بوضع عبارة تابع لرقم ...
1 المعلم
اللقب والاسم: العمر:
المستوى العلمي: الشهادة المهنية:
الأقدمية في التعليم: الأقدمية في تعليم الطور 1: الطور 2:
المستويات المشتغل فيها:
المشاركة في الدروس التطبيقية وفي الندوات التربوية. نعم، لا
هل يَعتبِرُ التكوين والندوات خصوصيات المناطق الأمازيغية؟ نعم، لا
2 الكتب المدرسية: هل يعتبر عرض المحاور في الكتاب مناسبا؟ نعم لا، إذا كان لا ماهو الكتاب الذي يوجد فيه خلل في العرض؟
هل تعمل أحيانا على تقديم محاور وتاخير أخرى؟ نعم لا(5/154)
هل توجد محاور ودروس مرتبطة بمحيط الطفل الأمازيغي؟ نعم لا
إذا كان نعم هل تمثل ½ المحاور، 1/3، ¼، أقل من ¼
هل توجد دروس ومحاور بعيدة جدا عن محيط الطفل الأمازيغي؟ نعم لا
ما هي الدروس التي يفهمها الطفل الأمازيغي أكثر؟ تلك التي تتصل بمحيطه،
تلك التي لا تتصل بمحيطه، كل المواضيع، لا يفهم بسهولة كل الدروس والمواضيع، لا يفهم إلا نادرا الدروس.
هل يفهم الأطفال والمفردات المستعملة في كتاب القراءة: بسهولة، بصعوبة، لا يفهمونها، لا يفهمون رغم الشرح، يفهمون فهما سطحيا، يفهمون لكن ينسون بسرعة، أخرى ...
هل يفهم الأطفال عبارات ومفردات دروس التعبير الشفهي: بسهولة، بصعوبة.
هل ينجز الأطفال الأعما لالمنزلية والتمارين اللغوية: بسهولة، بصعوبة، ينجزونها لكن خطأ، أخرى ...
3 المذكرات: هل تتبع المذكرات الرسمية بكاملها؟ نعم لا
إذا كان نعم في أي مجال تتدخل؟
ما رأيك في هذه المذكرات؟ جيدة، مقبولة، غير مفيدة، تعلّم الأطفال عناصر مشتتة من المعارف اللغوية، أخرى ...
ما هي العيوب التي تجدها في هذه المذكرات؟
+اقتراحات حول طريقة تدريس اللغة للأطفال الأمازيغيين:
4 صعوبات تعلم اللغة: مستوى قسك في اللغة العربية متفوق، عادي، ضعيف
ضعيف جدا. المستوى الذي يأتي به الطفل من الطور الأول: مقبول، ضعيف،
ضعيف جدا. إذا كان ضعيفا الى ماذا يرجع ذلك في نظرك؟
ما هي النشاطات اللغوية التي يظهر فيها الأطفال ضعفا؟ القراءة، التعبير الشفهي،
الكتابي، النحو، أخرى ...
5 فهم المقروء: هل يفهم أغلب الأطفال ما يقرأونه؟ نعم لا، إذا كان لا ما هي النسبة بالتقريب؟ أكثر من نصف القسم، نصف القسم، ثلث القسم ربع، أقل
الى ماذا يرجع عدم فهم المقروء في نظرك؟ الضعف في فهم المفردات، صعوبات القراءة، عدم القدرة على الربط بين الجمل، عدم إدراك الوظائف النحوية، أخرى(5/155)
كيف تساهم في علاج صعوبات القراءة لدى الأطفال؟
كيف تشرح محتوى نصوص القراءة؟ تقضي الوقت المخصص للدرس، تقضي وقتا أكثر، دائما، أحيانا.
6 التعبير:
أالتعبير الشفهي: ما هي نسبة الأطفال الذين يعانون صعوبات في التعبير الشفهي؟
ربع، ثلث، نصف، أكثر من نصف،. ما هي أسباب ذلك في نظرك؟
كيتساهم في علاج هذه الصعوبات عند الأطفال؟
ب التعبيرالكتابي: ما هي الجوانب التي يظهر الأطفال التخلف فيها؟
عدم القدرة على بناء الجملة، الخلط بين العربية واللغة المحلية، العجز على استخدام النحو، أخرى ... كيف تساهم في علاج هذا التخلف؟
7 النحو والصرف: ما هي الصعوبات التي يعاني منها الأطفال في النحو والصرف؟ الخلط بين بنيات النحو العربي والأمازيغي، عدم فهم المصطلحات النحوية، العجز على استعمال ما تعلموه، عدم فهم وظيفة القواعد النحوية، الخلط بين القواعد المختلفة
ما هي الحلول التي يمكن أن تقدمها للقضاء على هذه الصعوبات؟
عندما يتفوّق طفل أمازيغي في اللغة الى ماذا يعود ذلك في نظرك؟
8 التراكيب اللغوية: هل يتعلم الأطفال التراكيب اللغوية بسهولة؟ نعم، لا.
إذا كان لا كيف يظهر عدم تعلمهم لها؟
إذا كان نعم هل يستخدمونها في كتاباتهم؟ نعم، لا.
هل يخلطون بين هذه التراكيب وتراكيب اللغة الأمازيغية؟ نعم لا.
هل تعتقد أن ضعف الطفل في المواد الدراسية الأخرى يعود الى ضعفه في اللغة؟ نعم لا
إذا كان نعم كيف تساهم في علاج ذلك؟
9 الازدواجية: هل تعتقد بأن اللغة العربية أجنبية على أبناء المناطق الأمازيغية؟ نعم لا
إذا كان نعم هل ترى بأنها ينبغي تعليمها كلغة أجنبية؟ نعم لا.
هل تعتقد بأن المحيط الاجتماعي ةاللغوي للطفل الأمازيغي يمكن أن يكون عائقا ضد تعلم اللغة العربية في المدرسة؟ نعم، لا.
يقال أن الطفل الأمازيغي يحيا الازدواجية اللغوية قبل دخوله الى المدرسة (عربية/أمازيغية)(5/156)
هل هذا صحيح في نظرك؟ نعم لا، إذا كان نعم كيف يظهر ذلك؟
هل يستطيع طفل الطور الثاني التمييز بين الفصحى والعامية واللهجة المصرية؟ نعم لا
أيمكن أن يستخدم اللغات الثلاث في عمله المدرسي؟ نعم لا
هل تعتقد أن الطفل يعيش الازدواجية بين العربية والأمازيغية في المدرسة؟ نعم لا ما هي المشكلات التي يمكن أن تنجرّ عن هذه الازدواجية؟
هل تعتقد بأن الانطلاق من اللغة المحلية للطفل يسهّل تعلم اللغة العربية؟ نعم لا.
عندما يصعب عليك شرح عناصر من الدرس بالغربية هل تلجأ الى الأمازيغية أو الفرنسية (التي يعرفها الأطفال) للشر؟ نعم لا
في أي ميدان من ميادين اللغة تلجأ فيه الى الأمازيغية؟ شرح المفردات، التراكيب اللغوية، النحو والصرف العبارات، أخرى ...
هل تلجأ الى هذه الترجمة مرارا، عدة مرات في الأسبوع، أحيانا
10 التقييم: متى تعتبر تلميذك ضعيفا في اللغة؟
هل الحصول على درجات منخفضة في التعبير الكتابي يمكن أن يكون مقياسا لمعرفة الصعوبات
اللغوية؟ نعم لا
ما هي المقاييس التي تستخدمها لتعتبر التلميذ ضعيفا في اللغة؟
هل تعتقد بأن الأطفال غير الأمازيغ يتعلمون اللغة العربية بسهولة أكثر؟ نعم لا إذا كان نعم ماهي الأسباب في نظرك؟
11 اقتراحات عامة: أرجو من حضتك تقديم اقتراحات خاصة بكيفية تحسين تعليم وتعلم اللغة العربية في الطورين الأول والثاني.
بالنسبة للإستمارة الموجهة للمعلمين في المناطق الناطقة بالعربية، قمنا بتعويض اللغة الأمازيغية بكلمة العامية أو المحلية. كما تكلمنا عن الازدواجية بين كل من الفصحى والعامية بالإضافة الى الفرنسية المتداولة ضمن الخليط اللغوي المستعمل يوميا. وأما الجوانب الأخرى فقد بقيت كما هي في الوثيقة أعلاه.
(نماذج مستخلصة من انجازات التلاميذ)(5/157)
1 أمثلة عن صعوبات في التراكيب: نقوم هنا بعرض مجموعة من الأمثلة من خلال ورودها في التمارين ذاتها بحيث نبيّن الخطأ الذي ارتكبه المتعلمون مع تكرار الخطأ في نفس الوقت.
السنة الخامسة
المطلوب وضع اسماء الإشارة المقترحة في فراغات الجمل.
الاسم المقترح الخطأ النسبة ن. أن. ع
ذلك: أولئك، تلك، هؤلاء، أولئك. % 37 % 9
تلك: هذا، ذلك، أولئك، هؤلاء، هذه. % 34 % 3
تلك:أولئك، هذه، هذا، هؤلئك، ذلك. % 41 % 7
هذا: أولئك، تلك، هؤلاء، ذلك، هؤلئك. % 21 x
أولئك: ذلك، تلك، هؤلاء. % 7 x
خطأ: استخدام أدوات أخرى % 17 x
عدم الانجاز. % 13 % 2
* مثال: هذا الأشخاص هم أفراد أسرتي (عوض هولاء) .
قدمت جمل تحتوي على اسم موصول خاطئ طلب تصحيحه.
التصحيح خاطئ. % 43 % 7
عدم الانجاز. % 5 x
* مثال: أخي هو التي /الذين يساعدني في فروضي (عوض الذي) .
تركيب جملة فيها أياك.
تعويض أياك بأداة أخرى. % 7 x
تغيير أماكن الكلمات بحيث تحتل أياك مكانا خاطئا. % 27 % 2
جملة ناقصة أو ذات بناء خاطئ. % 23 %4
* مثال: لا تذهب المدرسة إلى أياك (ترتيب خاطئ لعناصر الجملة)
* مثال: سأزورك مهما جاء العيد / ترتوي الأرض إذْ سقط المطر.
وضع إلا وماعدا كل في جملة.
استعمال إلا كحرف جر.
استعمال ماعدا كفعل عاد. معدل النسب = % 29,3 %7,33
ترتيب خاطئ لأحدهما أو الاثنين.
* مثال: ماعدا أبي من العمل / ذهبت أمي إلا خالتي.
تركيب جملة ب "ماكاد ... حتى".
عدم تصريف كاد حسب الضمير.
وضع الفعل الثاني مصدرا أو اسما. معدل النسب = %14,33 %2,3
دون النموذج.
وضع الفعل الثاني في الماضي.
تركيب الجملة خاطئ.
* مثال: ما كاد النار اشتعل جاء الإطفاء حتى طفاها.
انتقاء جمل صحيحة من الخاطئة.
اعتبار كل الجمل صحيحة.
عدم التمييز بين الصواب والخطأ. معدل النسب = %19,36 %3,66
الاقتصار على جواب واحد.(5/158)
تعيين الأجوبة الخاطئة فقط عوض الصحيحة فقط.
2 أمثلة عن الصعوبات الخاصة بالنحو والصرف:
وضع أداة نصب مناسبة في مكان النقط من الجمل % 43 % 13
(أدوات نصب مقترحة) .
الوضعية الصحيحة للإجابة بالترتيب: لكيلا، كي، لكيلا أو حتى لا.
الحالات الأربع للأجوبة المقدمة: حتى، حيث، لأن.
لأن، لكيلا، حيث.
حتى، لكي، لأن.
لكي، حتى، حيث.
المطلوب وضع الخطوط تحت الأفعال: ماضي، مضارع، أمر.
خلط بين الأزمنة. %35 %16
تعرف على بعض الأفعال فقط وترك الباقي. %42 %4
عدم التمييز بين الفعل وغيره. %51 x
خلط بين الفعل والفاعل. %18 %3
تحويل أفعال من جملة حسب ضمائر مقترحة. [%57 %11]
خلط بين الأزمنة.
تصريف الأفعال في زمن زاحد عوض الأزمنة المطلوبة.
عدم التطابق بين الأفعال والضمائر.
حذف النون حيث ينبغي تثبيته.
إسناد أحرف المضارعة للماضي.
تحريف جذور الأفعال أو الأحرف اللواحق.
الخلط بين المثنى والجمع.
وضع أسماء مفردة في المثنى والجمع. [%49 %15] .
أفي المثنى:
ترديد العمل في المفرد مع إضافة "ال"، أو ترديد المفرد فقط.
خلط بين المفرد والمثنى والجمع.
اختراع كلمات جديدة.
ب في الجمع:
إضافة "ون" للمفرد (حتى وإن كان الجمع جمع تكسير) .
الخلط الكبير بين أنواع الجموع.
* مثال: مثنى: أختوان، معلموان، كتابن.وفي الجمع:زهرتون، كتابون، شجرتون
وضع إشارة للجمل الاسمية وأخرى للفعلية. %37 %3
تعيين كل الجمل على أنها اسمية أو فعلية.
عدم التمييز بين الجمل الاسمية والفعلية.
وضع خط تحت الفعل وخطين تحت الفاعل في فقرة صغيرة.
خلط بين الفعل والفاعل. %33 %4
إنجاز مطلب واحد جزئيا. %18 %3
خلط بين المطلوب وغيره. % 42 %3
وضع خط تحت أغلب الكلمات. %7 x
انتقاء وترتيب حروف الجر حسب فراغات في فقرة مقترحة.
وضح حروف الجر في غير محلها.
اتيان بحروف جديدة ليست للجر. %27 x
الإنجاز الجزئي للمطلب.(5/159)
تثنية عدد من الأسماء في بضع جمل المتوسط [%31 %3] .
خلط بين المفرد والمثنى والجمع.
تحويل المطلب وغيره.
عدم احترام الاعراب، وإنجاز جزئي للمطلب.
تحويل عدد من الكلمات من المفرد إلى الجمع أو العكس [%47 %10] .
الترديد، والانجاز في غير المطلب.
تحريف الجمع (كلاب= كلابون، كاتبة=كاتبتون) .
تحويل كل الكلمات الى جمع مذكر سالم.
الإتيان بصفات مع الكلمات المقترحة.
خروج عن موضوع المطلب.
الحاق زوائد بالمفرد (هن، تن، كم، صيادتن،) .
تحويل خاطئ (جرحى=جُرْح، نظارات=نظرة) .
الخلط بين الحالات الثلاث للاسم.
تحريف الكلمات المحولة (جرحى=جرحاء، فتيات=فتوة) .
إدخال كان وأخواتها في فراغات بفقرة مقترحة. متوسط [%46 %9] .
رفع خبر كان وأخواتها.
أفعال ناقصة مستعملة في غير مكانها (عدم فهم المعنى) .
ترديد المطلب.
الخلط مع أخوات إن.
إنجاز جزئيي والإتيان بأفعال تامة، أو عدم التصريف.
وضع دائرة بجانب كل جملة مبنية للمجهول بها نائب الفاعل [%53 %11] .
تعيين جمل لمعلوم.
خلط بين المعلوم والمجهول.
إنجاز جزئي.
3 أمثلة عن الصعوبات الخاصة بالثروة اللغوية (سنة سادسة فقط) .
الإتيان بأضداد عدد من المفردات (أفعال وصفات) . [%28 %5,3] .
الإتيان بالمرادفات، أو بضد خاطئ.
الدمج بين المرادفات والأضداد.
الإتيان بأفعال أو اسماء (وضع اسم للفعل وفعل للاسم) .
تعيين مجموعة من أدوات ووضعها في الأماكن المناسبة لاستعمالها [%24,33 , %5,66] .
الخلط الكلي أو الجزئي في تعيين المكان.
تعيين أماكن جديدة غير مقترحة.أو وضع كلمات لا علاقة لها بالمقترح.
4 أمثلة عن الصعوبات في التعبير الكتابي (الفقرة) .
4 1 التراكيب الخاصة بالجملة:
4 1 1 الترتيب الخاطئ لمفردات الجملة ووظائفها النحوية:
+ التلاميذ (ن. أ) : الجمل المنقولة من اللغة الأولى.
حتى الآن الشرطة مازالوا هناك./ قاست كم من المترات صدمتها.(5/160)
ذهبت إلى الحانوت فاشتريت الرسالة هذه./ منذ نهضت في يوم العيد في الصباح.
أخذت أقترب منها حتى رأيتها تجري إليَحتى أكلتني وأنا رعشان في هذا الحلم.
بنت عمّي تحكي لنا عندما نفطر (نتغذى) ماذا نلبس./ جلسنا معا كلنا.
+ التلاميذ (ن. ع) : جمل منقولة من العامية:
أنت الذي ثعلب مخيف./ ذات يوم ذهبت وخرجلي وأنا ناؤمة ثعبان./ كانت أمي ليست هنا./ ذهب ليأكلني ففطنت من منامي./ عندما استيقضت ذهبت لأن ذلك حلم./ كانت هذه الوحوش غير مشبهة للإنسان بكثير وكثير./ لقد لصوص سرقوا هاجر صديقتي.
4 1 2 تكرار عناصر من الجملة مما يخل بالمعنى.
+ التلاميذ (ن. أ) : جمل منقولة:
أعطتلي أمي العشاء لأتعشى / بعدما بقيت ساعة أنظرها وهي تنظرني./ ذهبت إلى دار عمي وأنا فرحت وأنا امشي./ حتى رأيته رجع رأسه كرأس الكلب./ يوم الفرح السرر نفرح كلنا./ شربت رحت لبست ثياب والملبس والحذاء./ أخذنا نهرب والأولاد هربو وأنا لم أستطع الهرب./ نمت في ساعة متأخرة من الليل وكنت أحلم ورأيت كنت أسير./ كنت أحلم وأحلم وأنا أحلم أتت امرأة عندنا./ في وقت النوم ذهبت إلى النوم ونمت./ ذهبت لزيارة خالتي ولأزور جدتي.
+التلاميذ (ن. ع) : في الليل كنت نائما وبينما أنا نائم حلمت بحلم./ كنت نائمة حتى بدأت في حلم فحلمت./ وجدت أمي قتلت وهي في الحقيقة أمي ليست مقتولة./ كنت نائمة حتى نمت نوما حتى نهضت أصرخ من النوم./ ذهبت إلى البحر حتى كنت في داخله أعوم حتى كنت أخرج.
413 جمل ناقصة بناء أو دلالة.
+ التلاميذ (ن. أ) : جمل منقولة:
بدأت أكتب قلت". لكي إذا لم تأتي الى بيتنا./ كنت أتجول في تيزي وزو لصوص هجموا عليَّ فهربت حمدو الله على نجاتي./ كانت السيرات تروح؟ بعد أخرى./ بدأت أكتب./ انتهى من؟ القهوة.
يجب على الناس؟ في العيد./ أتمنى؟ كلكم بخير./ خرجت الى الشارع كي أنتظر؟(5/161)
+ التلاميذ (ن. ع) : خفت وهربت يجريان ورائي./ خرج وحش من المقابر وفي الليل وأنا هارب حتى أمسكني./ رأيت في نومي ونحن الآن أحكي./ حلمت فرأيت كنت أنا وأختي.
4 14 جمل ذات بنية صحيحة ودلالة خاطئة
+التلاميذ (ن. أ) : هنا يحاول أفراد العينة عن طريق الحشو أن يركبوا جملا صحيحة لكن مع ذلك يقعون في أخطاء الدلالة.
جمل منقولة أو مترجمة:
نغسل الكرش وكل ما في بطنه./ ذهبت لأفطر منتصف النهار./ أخاف أن هذه الوحوش صحيحة./ نذهب إلى المقابر لنزور الناس الذين ماتوا./ قبلنا كلنا عليهم.
+ التلاميذ (ن. ع) : نهضت مستيقظة./ عندما نظرت إلى الشجرة حتى نظرت إلى صديقتي./ في أحد الأيام كنت نائمة في منتصف الليل./ دار بي رجال لا يلبسون شيئا.
4 1 5 رصف كلمات دون روابط:
+التلاميذ (ن. أ) : جمل منقولة:
حلمت أصبحت شريرة بعض الرجال مثلي./ بدأت أحلم جلست قرب صخرة./ حلمت أتى رجا بسكين.
جمل أخرى محرفة: حلمت حلمة ذهبت للغابة أتجول./ خفت شدة الخوف الحلم./ عندما المشي وراء الناس.
+التلاميذ (ن. ع) : لا توجد هذه الظاهرة لدى التلاميذ الناطقين بالعربية.
42 استخدام أدوات في غير محلها أو غيابها.:
1 حمل خالية من الحروف والأدوات
+ التلميذ (ن. أ) : أخبرك فرحتي يوم العيد ذهبت جدتي./ ما كدت أقدم مترين أخذني رجل. خرجت من الغرفة أطفأت ضوء خرجت الأشباح./ نظر أبي أطلب النجدة./ يوم العيد فرجت تلفاز شبعت.
+التلاميذ (ن. ع) : ذهبت أرى ... / كنت خائفا أن يكلني./ لو كنت مكاني خفت.
2 الاستعمال الخاطئ للحروف والأدوات
+التلاميذ (ن. أ) : أحدثك على كيف حالك./ بات يتحكم علينا./ الفرنسيون يحاربون على الجزائر. ذهبت لزيارة أبي الى المدينة./ جاءت سيارة الإسعاف نقلتها./ سلمنا معهم. الخوف مازال بين نفسي./ ضربهم كلهم حتى أنقذني./ شربت القهوة والحلوى. ماذا حالتك./ رأيت كلبا ينبح لكن أنا كنت خائفة./ لا يحس بكل شيء.
+ التلاميذ (ن. ع) : لا شيء(5/162)
44 كلمات في غير محلها.
1 كلمات مخلة بالمعني جزئيا
+ التلاميذ (ن. أ) عملت القهوة./ دهمتها سيارة./ فجازت في الطريق./ نهضت من النعاس. بقيت أنظرها.
+ التلاميذ (ن. ع) : مرضت مرضا قويا./ نضع المنازل بالتراب./ نمت نوما شديدا./ حلمت حلما رديئا.
5 القواعد النحوية.
+التلاميذ (ن. أ) : ذهبت الى أقاربي لنزورهم./ أزور صديقتي وألعب معهما./ أمي وعمتي تعملن الطعام./ نحن كانوا يتفرجون/ جدي وجدتي يدورون /الحيوانات جئن./ دخلوا الناس وسمع الشرطة.
+التلاميذ (ن. ع) : كلبان يبحثون علي/الكلاب يجروا/قبضوا عليه الشرطة/جدتك ليس مريضة/اقتربوا (أنا)
3 زمن الفعل ودلالة الجملة:
+التلاميذ (ن. أ) : أخذ السكين ليضربني فخفت وأتراجع إلى الوراء/أخذو أمي وأنا أبحثها/ في الغد رجعت إلى دار الشرطة/كلب أكلني في رجلي وأجري/كنت أجلس في الدار أحد طرق الباب.
+التلاميذ (ن. ع) : وغدا رويت لأصدقائي/كلما أصعد شجرة صعدها/نمت حتى تظهر الشمس./ بعد غد بحثت على الخبيث./ غدا في الصباح رايت.
7 تدخل اللغة الأولى في لغة المدرسة:
+التلاميذ (ن. أ) :1 النقل من الأمازيغية مباشرة:
مازال أقرأ في السنة الخامسة./ كم أخذت في الامتحان./ أكلت العشاء./ لقيت مع رفاقي فسلمت عليهم./ أتمنى أن يكون كل الأيام أعياد./ يكملون غفرهم./ مازال ما انتهينا من الاختبار.
2. الجملة خاطئة في العربية وصحيحة في الأمازيغية أو في العامية:
+التلاميذ (ن. أ) : يعطينا الكراريس الذين ننظر إليهم كم أخذنا./ مبروك في عيدك./ فاستحمت جسمي./ لآخذ الملابس وألبسهم./ كتفها اليمنى./ أخذت الحلويات إلى بيت خالتي لكي إذا لم تأتي إلى بيتنا.
8 صعوبات في الرسم الإملائي:
حذف المد أو إضافة المد في غير محله. ضم كلمتين إو إضافة حرف أو أكثر لكلمة.
تعويض مد بآخر أو حرف بآخر. حذف حرف أو اكثر.
كتابة الهمزة ومشاكل ذلك. كتابة التاء في الأفعال والاسماء.
كتابة التنوين بالنون.(5/163)
المرأة الناقدة في الأدب العربي
د. محمد أحمد المجالي
أستاذ مشارك - قسم اللغة العربية
جامعة مؤتة - الأردن
ملخص البحث
يتناول هذا البحث جهود المرأة الناقدة في الأدب العربي، وهو بحث يقوم على دراسة هذه الظاهرة منذ العصر الجاهلي حتى الآن.
وقد قدّمت لهذا الموضوع بتمهيد أشرت فيه إلى بدايات الحركة النقدية النسائية، وبينت من خلاله أن هذه البدايات قد جاءت متأخرة قياساً على حركة النقد النسائي، وأن الوجود الحقيقي لهذا النقد لم يلحظ إلا في منتصف هذا القرن. ثم تحدثت عن أهم الاتجاهات التي سيطرت على هذا النقد، وبينت أنها قد سارت في اتجاهين اثنين هما: الاتجاه الفني الذي جاء بارزاً عند عدد من الناقدات ممّن أقمن نقدهن على التحليل والتمحيص والدراسة العميقة، والاتجاه التاريخي الذي سيطر على عدد كبير من الدراسات الأكاديمية الجامعية.
وبينت أن حركة النقد النسائي قد شملت معظم الأقطار العربية، وأن معظم هذا النقد قد جاء منصباً على نقد المرأة للرجل، وأن جزءاً يسيراً منه قد جاء في نقد المرأة للمرأة، ثم إن مضامين هذا النقد قد جاءت منصبة بالدرجة الأولى على أعمال أدبية حديثة، وإن عدداً قليلاً من الأعمال النقدية قد تناول الأعمال الأدبية القديمة.
• • •
يسعى هذا البحث إلى الكشف عن جانب مهم من جوانب النقد العربي، يتمثل في الحديث عن دور المرأة العربية في تطوير حركة النقد العربي، من خلال الوقوف على أهم الإسهامات النقدية التي قدمتها في هذا الميدان، ودورها في ترسيخ منهج نقدي متطور تستطيع معه أن تثبت وجودها في الساحة النقدية، ثم تحديد الفترة الزمنية التي استطاعت فيها أن ترسم الخطوط العريضة لهذا المنهج، والتعريف بعدد من الناقدات المتميزات ممن لعبن دوراً مهما في هذا المجال.(5/164)
وقد شجعني على تناول هذا الموضوع عدة عوامل، أهمها أن موضوع هذا البحث يشكل لبنة جديدة في عالم النقد النظري ونواة لدراسات أخرى قد تكون اكثر عمقا وشمولا على أيدي الباحثين والناقدين، لا سيما انه لم يدرس دراسة مستقلة تخفف من عناء الباحثين في متابعة جوانبه واستقصائها، وثمة عامل آخر دفعني إلى اختيار الموضوع هو باعث ذاتي، فلقد وجدت نفسي تميل إلى هذه القضية ميلا ظاهرا بالقراءة عنها تارة، وتارة أخرى بمناقشة الباحثين فيها ومحاولة الوصول إلى جزئياتها والوقوف على بواعثها.
وأرتأيت أن لا أتناول أنموذجا نقديا واحدا ليمثل هذه الدراسة، ذلك أن هذا المنهج لا يمكن أن يعطي انطباعا كاملا عن الموضوع المطروح، لا سيما أن هذا الموضوع لم يدرس بصورة مستقلة من قبل، لذا فقد اعتمدت منهجا يقوم على دراسة الموضوع دراسة شاملة، ويتناول اكبر عدد من الدراسات النقدية النسائية من مختلف الأقطار العربية.
ثم قدمت للموضوع بتمهيد أشرت فيه إلى بواكير الحركة النقدية النسائية، ثم جعلت البحث في قسمين: تناول الأول منهما الأعمال النقدية المتخصصة في دراسة بعض الأعمال الأدبية المميزة وتناول الثاني الإصدارات النقدية التي بحثت في الظواهر والقضايا العامة.
وقد أفدت في كتابة هذا البحث من مجموعة من الآثار النقدية المختلفة سواء ما جاء منها على شكل كتب أو مقالات موزعة في الدوريات العربية المختلفة، وأخص بالذكر هنا مجلة فصول التي تخصصت في نشر كل الأعمال النقدية الجادة ومجلة الآداب اللبنانية التي كان لها الدور الأكبر في نشر معظم النتاج النقدي النسائي.
وحرصت على أن تكون هذه الدراسة موضوعية ما وسعني الجهد، وتوخيت أن تكون نائية عن العاطفة والهوى بريئة من التحيز والتعصب، كيلا يؤدي ذلك إلى خلل فني في البحث.(5/165)
ومهما يكن من أمر فان التصدي لهذا الموضوع يظل محاولة لرصد ظاهرة تستحق اكثر من دراسة، آملا أن أكون قد فتحت من خلال هذه الدراسة الباب للباحثين لمواصلة البحث والاستقصاء.
تمهيد:
استعملت اللغة العربية لفظ النقد لمعان مختلفة:
الأول: تمييز الجيد من الرديء، قالوا: نقدت الدراهم وانتقدتها إذا أخرجت منها الزيف ومنه التنقاد والانتقاد وهو تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها.
الثاني: العيب والانتقاص: قالوا: وما زال فلان ينقد بصره إلى الشيء إذا لم يزل ينظر إليه، والإنسان ينقد الشيء بعينه وهو مخالسة النظر لئلا يفطن إليه، وفي حديث أبي الدرداء أنه قال: إن نقدت الناس نقدوك وإن تركتهم تركوك، ومعنى نقدتهم أي عبتهم واغتبتهم قابلوك بمثله وهو من قولهم نقدت رأسه بإصبعي أي ضربته ونقدت الجوزة أنقدها إذا ضربتها (1) .
واستعمل الأدباء العرب كلمة النقد بالاستعمالين لنقد الكلام شعره ونثره على السواء، وبدأ ظهور ذلك في القرن الثالث الهجري على وجه التقريب حيث ألف قدامه كتابه " نقد الشعر " وألّف ابن رشيق " العمدة في صناعة الشعر ونقده ".
وسار النقاد العرب في نقدهم على كل من الاستعمالين حيث استعملوه في القديم والحديث على معنى التحليل والتمييز والحكم، فالنقد عندهم دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها المشابهة لها، أو المقابلة، ثم الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها، واستعملوه كذلك بمعنى العيب والمؤاخذة والتخطئة فألّف المرزباني كتابه "الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء " ويريد بالعلماء النقاد، ولا يزال النقد مستعملا بهذا المعنى حتى اليوم عند بعض النقاد المعاصرين.(5/166)
ويعرّف المحدثون النقد بناء على المعنى الأول في الاستعمال اللغوي فيقولون: إنه التقدير الصحيح لأي أثر فني وبيان قيمته في ذاته ودرجته بالنسبة إلى سواه، فكلمة النقد تعني في مفهومها الدقيق الحكم، وهو مفهوم نلحظه في كل استعمالات الكلمة حتى في اشدها عموما (2) . وبهذا يصبح الناقد لا مجرد متعقب للأخطاء بل صاحب دور إيجابي متمم لدور المؤلف، فهو أقدر على فهمه من فهمه لنفسه (3) .
ولعل وظيفة النقد الأساسية تتمثل في أنه ينير سبل الأدب أمام القرّاء ويغريهم بالسير فيه ويلفت أنظارهم إلى ما فيه من جمال لا يستطيعون أن يدركوه بأنفسهم، ذلك أن القارئ مهما كان ذكيا قادرا على فهم الأدب فإنه يظل بحاجة إلى معونة الناقد الذي تهيأت له كل أدوات النقد الصحيح، فعن طريقه يستطيع القارئ العادي أن يرى ما يكمن في روائع الأدب من صفات القوة والجمال، والناقد كثيرا ما يعطي وجهة نظر جديدة تماما، أو ينقل إلى تعبير محدد واضح بعض احساسات القراء الشائعة المبهمة، أو يرشد إلى جوانب غير منظورة فيما يمر به القراء في طريقهم (4) .
وحتى تتحقق وظيفة النقد بالشكل الصحيح لا بد أن تتوافر في أي ناقد مجموعة من الشروط، أهمها أن يكون ذا موهبة قادرة على تذوق مواطن القوة والجمال الأدبي وعلى الكشف عنها وجلائها وبيان أسبابها ووجودها، خبيرا بالأدب عالما بفنونه، ضليعا فيه، واسع الاطلاع عليه والمخالطة له دارسا لآراء الأقدمين حوله، عارفا بطرقهم ومناهجهم واتجاهاتهم، ملما من كل فن بطرف، متجردا من استبداد الهوى به، معتدلا في حكمه، جاعلا الحق وصواب الرأي هدفه وغايته (5) سريع الاستجابة لكل التأثيرات، قوي الفهم للأساسيات (6) .(5/167)
وقد رأيت أن جميع الدارسين لآراء النقاد القدماء لم يميزوا في شرحهم لماهية النقد وشروط الناقد الجيد بين رجل وامرأة وانهم قد نظروا لمعايير النقد نظرة مرنة لا ترتبط من قريب أو بعيد بالذكورة والأنوثة، وأن الدارس الوحيد الذي استوقفني ولفت نظري في هذا المجال وجعل النقد خاصا بالرجال هو محمد زغلول سلام الذي وقف عند قول ابن سلام " وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم به كسائر أصناف العلم والصناعات، منها ما تثقفه العين ومنها وما تثقفه الأذن.... ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم لا تعرف جودتهما بلون ولا مس ولا طراز، ولا وسم ولا صفة ويعرفه الناقد عند المعاينة، فيعرف بهرجها وزائفها (7) وقول ابن رشيق " وقد يميز الشعر من لا يقوله كالبزاز يميز من الثياب ما لم ينسجه والصيرفي يخبر من الدنانير ما لم يسبكه ولا ضربه حتى إنه ليعرف مقدار ما فيه من الغش وغيره فينتقص قيمتها" (8) .
وقال معقبا عليهما: "ومن كلام ابن سلام وابن رشيق يتعين مفهوم الناقد عند العرب، وهو الرجل الذي يستطيع أن يميز بين الجيد والرديء وكذلك الحال في ناقد البيان - والشعر خاصة - فهو إذن الرجل الخبير به الذي يستطيع أن يتعرف على بواطنه فيدل على جودته أو يخبر بقبحه " (9) .
وقد يقودنا هذا الرأي إلى مجموعة أسئلة تعد مدخلا مهما لهذا البحث هي:
هل النقد كفن جزء من العمل الذكوري فقط؟ وهل هناك نقد خاص بالرجال وآخر بالنساء؟ وان لم يكن الأمر كذلك فلماذا تم الفصل في هذا البحث بين الجنسين وتم اعتماد الموضوع تحت عنوان " المرأة الناقدة ".
أقول: -(5/168)
إنني ضد فكرة الفصل ما بين المرأة والإبداع في أي مجال من مجالات الحياة. فالمرأة منذ اقدم العصور فرضت وجودا مميزا في المجالات السياسية والاجتماعية والأدبية ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقلل من شأنها ونجعلها مخلوقا ضعيفا غير قادر على مواصلة التأليف والإبداع، وقد تكون نظرتنا الدونية إليها وإخراجنا لها من دائرة الإبداع انعكاسا لترسبات بالية تدخلنا في دائرة الجهل والاستبداد كما ترى د. يمنى العيد حيث تقول:
" طويلة هي المسافة ... وشرط الكتابة يبقى تاريخا، ولأننا جميعا معنيون بهذا التاريخ، أرى بأنه إن كان ثمة من تفاوت فظيع أحيانا، بين ما هو متوفر للرجل وما هو متوفر للمرأة في انصراف كل منهما إلى ممارسة الكتابة، أو الإبداع في مجال من مجالات الفنون، فان ثمة تفاوتا افظع بين رجل ورجل في نظرة كل منهما إلى حق المرأة في الحياة والإبداع إن الحد الذي يقوم عليه شرط الكتابة والإبداع ليس بين المرأة والرجل أو بين الأنوثة والذكورة بل هو بين الجهل والعلم بين الاستبداد والحرية، وعلى هذا تصبح المسألة لا مسألة المرأة والإبداع، بل مسألة الإنسان العربي والإبداع (10) .
وإذا كنت التقي مع يمنى العيد في أن المرأة هي جزء من دائرة الإبداع ولا يمكن إخراجها منه إطلاقا، فإنني اختلف معها في تأكيدها على فكرة عدم الفصل بين إبداع الرجل وإبداع المرأة في كافة المجالات حيث تقول:(5/169)
" إن القول بإبداع رجل وبإبداع امرأة، أي تمييز الإبداع على أساس جنس الفاعل هو قول لا يخلو من خطورة، خطورة قراءة الأثر بقراءة صاحبه لا بمعنى إضاءة الأثر بمرجعية في صاحبه، بل بمعنى المماثلة بين الأثر وصاحبه، أو إسقاط الثاني على الأول، وفي ذلك تقديم للفاعل على الموضوع أو للشخص على الإبداع أو للعارف على المعرفة أو للمحاكم على القول أو للسلطة على الثقافة. . . . وإذ توضع المرأة خلف الرجل يصير كل ما يكتبه الرجال افضل من كل ما تكتبه النساء، كما قد يصير ما يكتبه الأسياد أفضل مما يكتبه (11) .
إن مثل هذا الإصرار على تجاوز التمايز في أي ظاهرة إبداعية بين الرجل والمرأة قد يقلل - في رأيي - من أهمية هذا الظاهرة ويولد قلقا واضطرابا في فهمها ومتابعة خيوطها والوقوف على ابرز روادها ودورهم في تطويرها وإثرائها ففي الوقت الذي كنا نتجاوب فيه مع المرأة في مطالبتها بعدم الفصل بين أدب الرجال وأدب النساء في أي قطر عربي على اعتبار أن المرأة الأديبة قد أدّت رسالتها الأدبية منذ اقدم العصور شعرا ونثرا وسجلت بصمات واضحة في هذا الميدان منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث، فإننا نجد انه من الصعب أن نقر بهذا المطلب، وان نتجاوز هذا التمايز في حقل النقد. فثمة فارق كبير جدا بين نقد الجنسين كما وكيفا. . هذا إذا ما علمنا أن الحركة النقدية النسائية تكاد تكون حركة وليدة. . . لا يتجاوز عمرها الحقيقي بضع سنوات وتقتصر على عدد معين من الناقدات في حين أن نقد الرجال قد رافق الأدب منذ اقدم العصور، وحقق إنجازا واسعا على كافة الأصعدة.
المرأة وحركة النقد. . .(5/170)
إن دراسة متأنية لواقع النقد النسائي عبر العصور المختلفة تشير إلى أن هذا النقد يكاد يكون مختفيا تماما منذ العصر الجاهلي وحتى بداية هذا القرن، وقد قمت بدراسة مسحية لهذا الموضوع بينت من خلالها أن العصور العربية المختلفة لم تعرف إلا عددا قليلا من الناقدات منهن الناقدة أم جندب امرأة امرئ القيس بن حجر حيث ذكرت المصادر أن امرأ القيس وعلقمة بن عبده (علقمة الفحل) تنازعا أيهما اشعر، فقال كل واحد منهما: أنا أشعر منك. فقال علقمة: قد رضيت بامرأتك أم جندب حكما بيني وبينك. فحكّماها. فقالت أم جندب لهما: قولا شعرا تصفان فيه فرسيكما على قافية واحدة وروى واحد فقال امرؤ القيس:
خليليّ مرّا بي على أم جندب
نُقضّ لبانات الفؤاد المعذب
وقال علقمة:
ذهبت من الهجران في غير مذهب
ولم يك حقاً طول هذا التجنّب
فأنشداها جميعا القصيدتين. فقالت لامرئ القيس: علقمة أشعر منك. قال وكيف؟ قالت: لأنك قلت:
فللسوط أُلهوب وللساق دِرَّةٌ
وللزجر منه وقع أخرب مهذب
الأخرج ذكر النعام والخرج بياض في سواد وبه سمي فجهدت فرسك بسوطك في زجرك ومريته فأتعبته بساقك. وقال علقمة:
فأدركهنّ ثانيا من عنانه
يمرُّ كمرِّ الرائح المتحلّب
فأدرك فرسه ثانيا من عنانه لم يضربه بسوطٍ ولم يتعبه. فقال: ما هو بأشعر مني ولكنك له عاشقة. وطلّقها. فخلف عليها علقمة فسمي الفحل لذلك (12) .
وأشارت المصادر كذلك للناقدة السيدة سكينة بنت الحسين بن علي والتي قال عنها صاحب الأغاني: " إنها كانت عفيفة تجالس الأجلّة من قريش وتجمع إليها الشعراء " ومن نقدها أنها سمعت نصيبا يقول:
أهيم بدعد ما حييتُ فإن أمت
فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدي
فعابت عليه انه صرف همه ورأيه إلى من يعشقها بعده وفضلت أن يقول:
أهيم بدعد ما حييتُ فإن أمت
فلا صلحت دعد لذي خُلَّةٍ بعدي
وتسمع الأحوص يقول:
من عاشقين تراسلا وتواعدا
ليلاً إذا نجم الثريا حلّقا(5/171)
باتا بأنعم ليلةٍ وألذّها
حتى إذا وضح الصباح تفرّقا
تقول: كان الأولى أن يقول تعانقا بدل تفرقا (13)
وهو نقد - في حدود تقديري - يكاد يكون إنطباعياً تأثريا لا يستند إلى قواعد صحيحة بل هو أشبه بمحاولات تجريبية تحكمها بعض عوامل البيئة.
ومن نقدها أيضا تفضيلها لجرير على الفرزدق حين زعم الفرزدق أمامها أنه أشعر الناس، فقالت له: كذبت، أشعر منك الذي يقول:
بنفسي من تجنبه عزيز
عليّ ومن زيارته لمام
ومن أمسى وأصبح لا أراه
ويطرقني إذا هجع النيام
فقال: والله لو أذنت لي لأسمعتك أحسن منه. قالت أقيموه فأُخرج. ثم عاد إليها من الغد فدخل عليها، فقالت: يا فرزدق من أشعر الناس؟ فقال: أنا، قالت: كذبت! صاحبك جرير أشعر منك حيث يقول:
لولا الحياء لعادني استعبار
ولزُرتُ قبرك والحبيب يزار
لا يلبث القرناء أن يتفرقوا
ليل يكرّ عليهم ونهار
فقال: والله لئن أذنت لي لأسمعتك أفضل منه، فأمرت به فأُخرج. ثم جاء في اليوم الثالث ليتكرر الموقف ولتنشد سكينة ما أعجبها من قول جرير:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهنّ أضعف خلق الله أركانا
أتبعتهم مقلة إنسانها غرقٌ
هل ما ترى تارك للعين إنسانا (14)
كما أشارت بعض المصادر إلى عقيلة بن عقيل بن أبي طالب التي كانت تجلس للناس دائما وتنقدهم ومما ذكره المرزباني في كتابه الموشح عنها في هذا المجال انه وبينما هي جالسة إذ قيل لها: العذري بالباب. فقالت: ائذنوا له. فدخل. فقالت له: أأنت القائل:
فلو تركت عقلي معي ما بكيتها
ولكن طِلابيها لما فات من عقلي
إنما تطلبها عند ذهاب عقلك، لولا أبيات بلغتني عنك ما أذنت لك، وهي:
علقتُ الهوى منها وليدا فلم يزل
إلى اليوم ينمى حبها ويزيدُ
فلا أنا مرجوعٌ بما جئت طالباً
ولا حبها فيما يبيد يبيدُ
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها
ويحيى إذا فارقتها فيعودُ(5/172)
ثم قيل: هذا كُثيّر عز ة والأحوص بالباب. فقالت " ائذنوا لهما. ثم أقبلت على كُثيّر، فقالت: أما أنت يا كثير فألأم العرب عهدا في قولك:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثلُ لي ليلى بكل سبيلِ
ولم تريد أن تنسى ذكرها؟ أما تطلبها إلا إذا مثلت لك! أما والله لولا بيتان قلتهما ما التفت إليك، وهما قولك:
فيا حبّها زدني جوى كلَّ ليلة
ويا سلوةَ الأيام موعدُك الحشرُ
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها
فلما انقضى ما بيننا سكن الدهرُ
ثم أقبلت على الأحوص فقالت: وأما أنت يا أحوص فأقل العرب وفاء في قولك:
من عاشقين تراسلا فتواعدا
ليلا إذا نجمُ الثرّيا حلّقا
بعثا أمامهما مخافة رقبة
عبدا ففرّق عنهما ما أشفقا
باتا بأنعم عيشةٍ وألذها
حتى إذا وضح الصباحُ تفرّقا
ألا قلت: تعانقا، أما والله لولا بيت قلته ما أذنت لك، وهو:
كم من دنيّ لها قد صرتُ أتبعه
ولو صحا القلبُ عنها صار لي تبعا
ثم أمرت بهم فأُخرجوا إلا كثيرّا، وأمرت جواريها أن يكتّفنه، وقالت له: يا فاسق، أنت القائل:
أإِنْ زُمّ أجمال وفارق جيرة
وصاحَ غُرابُ البين أنتَ حزينُ
أين الحزن إلا عند هذا؟ خرقن ثوبه يا جواري. فقال: جعلني الله فداءك إني قد أعقبت بما هو أحسن من هذا. ثم أنشدها:
أأزمعت بينا عاجلاً وتركتني
كئيباً سقيما جالسا أتلدد
وبين التراقي واللهاة حرارة
مكان الشّجا ما تطمئنّ فتبرُدُ
فقالت: خلين عنه يا جواري. وأمرت له بمائة دينار وحلة يمانية، فقبضها وانصرف (15) .
وغير عقيلة فقد ذكرت المصادر أم جحدر بنت حسان المرية التي فضلت ابن ميادة على الحكم وعملس فغضبا وقال كل منهما أبياتا في هجائها (16) .
وأشارت بعض المصادر إلى ولادة بنت المستكفي الأميرة المتحررة التي انشأت ندوة للمساجلة الشعرية في العصر الأندلسي (17) وهي بهذا تكون قد تركت بصمة واضحة في ميدان النقد لأن ندوات المساجلة هي بحد ذاتها نواة طيبة لحركة نقدية فاعلة.(5/173)
ثم يختفي صوت المرأة الناقدة بعد ذلك تماما، حتى إذا ما وصلنا عصر النهضة وتوقعنا أن تكون البداية الحقة مع مطلع هذا العصر وجدنا بأن الأدب لم يعرف إلا النساء الكاتبات أمثال مي زيادة التي اشتهرت بمقالاتها وأبحاثها الاجتماعية وخواطرها ومحاولاتها المسرحية والقصصية وبعض المحاولات النقدية التي سآتي على ذكرها فيما بعد (18) . وملك حفني ناصف (1886 - 1918) التي كانت تراسل الصحف وتخطب في الأندية داعية إلى تعليم المرأة (19) وماري عجمي في سوريا (1888 – 1965) التي انشأت مجلتها " العروس " ووجدت فيها ميدانا لبث دعوتها الإصلاحية (20) .
ومع ظهور مدرستي الرابطة القلمية والعصبة الأندلسية في المهجر كنا نتوقع أن تظهر بوادر النقد النسائي بحكم القرب من الغرب، لكن ذلك لم يحصل إطلاقا، فكل ما ذكرته لنا الكتب التي اهتمت بدراسة الأدب المهجري وجود ناثرات فقط يقول الناعوري: " فلم تكن المرأة عنصر تأثير في أدب المهجر، بل كانت عنصر تأثر فحسب، تترسم في حياتها الأدبية خطى الرجل، ولست أعرف في أديبات المهجر إلا الناثرات" (21) ، ويقول أيضا: " ومن بين مهاجري الشمال لا اعرف أية امرأة أسهمت بقلمها في خدمة الضاد إسهاما يستحق الذكر، وأما اللواتي برزت أسماؤهن في ميادين الصحافة والأدب فهن من المهجر الجنوبي، وكلهن ممن أقمن في البرازيل وشاركن الرجال هناك في مهنة القلم " (22) . ويشير الناعوري بهذا الصدد إلى الأديبات السيدة سلمى صائغ مؤلفة كتاب "ذكريات وصور " والسيدة أنجال عون شليطا والسيدة سلوى سلامه أطلس (23) .
وقد لا نستغرب غياب النقد النسائي عن الأدب المهجري، ما دامت المؤلفات المختلفة لا تذكر لنا عن نقد الرجال في المهجر سوى كتابين نقديين هما: "الغربال" لميخائيل نعيمه، "والمنقار الأحمر " لشكر الله الجر.(5/174)
وفي ذلك يقول د. علي جواد الطاهر " وإذا كان النقد الغربي - بالمعنى الصحيح - قد ولد في القرن التاسع عشر فليس غريبا أن يولد نقدنا متأخرا عنه ... متأثرا به ... في القرن العشرين - إن شئت قلت متأثرا ... والمسألة اكثر من تأثر" (24) .
ولكي يكتمل الحديث عن النقد النسائي عبر العصور المتعاقبة لا بد أن أجتهد في تحديد الأسباب التي أدت إلى اختفاء هذا النقد منذ من العصر الجاهلي وحتى منتصف هذا القرن تقريبا، وعلى النحو التالي:
1- إن دور المرأة في بناء الحضارات القديمة يكاد يكون هامشيا لأن مشاركتها الفكرية لم تكن ناضجة، ولما كان النقد جزءا من الفكر فإنه من غير المأمول أن يكون للمرأة دور مميز في ذلك.
2-إن العادات والتقاليد التي تحكم مجتمعنا كانت - وما زالت - عائقا أمام المرأة في مزاولة مختلف الأشكال الأدبية ولذلك فان معظم أعمالها الأدبية جاءت تحت أسماء مستعارة، وهذا الأمر ينسحب على النقد، لا بل قد يكون اكثر تعقيدا وصعوبة.
3- إن الثقافة التي كانت تتمتع بها المرأة تكاد تكون متدنية ولا تساعد في امتلاك أدوات النقد الحقيقية.
ومع حلول منتصف هذا القرن، شهدت الحركة النقدية النسائية نقلة واسعة - كما وكيفا - وأضحى هذا النوع من النقد عملا مستقلا لا يمكن إغفاله بأي حال من الأحوال، وظهر اثر تطوره واضحا من خلال إسهامه في دفع حركة النقد العربية المعاصرة إلى الأمام واحتلالها مكانة مميزة ومرموقة، ولعل هذا التطور عائد لغير عامل أهمها:
1- أن دخول المرأة للحياة العملية واحتكاكها من خلال العمل بالرجال قد أعطاها دفعة قوية وجعلها اكثر ثقة بنفسها.
2- شعور المرأة بان النقد رسالة أدبية واجتماعية وسياسية يؤديها الناقد، وأنها جزء من هذا المجتمع وعليها أن تحمل هذه الرسالة بكل أمانة وإخلاص.
3- التحصيل الثقافي العالي الذي صارت تتمتع به المرأة وهو جزء من الثقافة العالية التي صار يتمتع بها المجتمع بشكل عام.(5/175)
4- وعي المجتمع للدور الذي تقوم به المرأة في عملية الإبداع والبناء وتشجيعه لها من خلال تقديم كافة التسهيلات
5- انتشار المطابع والمكتبات ودور النشر مما سهل توافر المادة المطبوعة من خلال الصحف والمجلات والكتب المختلفة.
6- دور الجامعات والمعاهد الفعال في تطوير مفهوم النقد عند المرأة وتشكيل الأدوات الحقيقية لممارسته.
7- مشاركة المرأة في العديد من الندوات والمؤتمرات العالمية والعربية والمحلية مما كان له اكبر الأثر في تحقيق المهارة والدربة والممارسة.
8- الاطلاع على معظم الآثار النقدية الغربية بفعل حركة الترجمة والتأثر بها.
ولم يكن هذا التطور مقتصرا على قطر عربي بعينه، بل شمل كافة الأقطار العربية، ومن ابرز الأسماء التي كان لها الدور المهم في تشكيل حركة النقد النسائية المعاصرة:
نازك الملائكة، خالدة سعيد، رضوى عاشور، ريتا عوض، يمنى العيد، روز غريب، أمينة غصن، نجاح العطار سلافة العامري، رندة حيدر، فريدة النقاش، سلمى الخضراء الجيوسي، أمينة رشيد، أمينة العدوان، فدوى مالطي دوجلاس، نبيلة إبراهيم، فريال جبوري غزول، اعتدال عثمان، سيزا قاسم، منى ميخائيل، نجوى الرياحي القسنطيني، فاطمة حسن، بشرى موسى صالح، جليلة رضا، فاطمة المرنيسي، بشرى الخطيب، عزيزة مريدن نبال خماش، ثريا ملحس، لطيفة الزيات، هند حسين طه، فاطمة محجوب، عواطف عبد الكريم، سامية أحمد أسعد سحر مشهور، ديزيره سقال، فاطمة الزهراء أزرويل، سهير القلماوي، نعمات أحمد فؤاد، إخلاص فخري عمارة ثناء أنس الوجود.
وقد تبين لي من خلال دراسة نتاج معظم هذه الأسماء أن المحاولات النقدية قد سارت في اتجاهين هما:
1- الوقوف على عمل كامل لأديب ما أو دراسة ظاهرة مميزة ضمن هذا العمل.
2- دراسة الظواهر العامة.(5/176)
وسوف أحاول أن أعرض لكل اتجاه منهما بشكل مفصل أوضح من خلاله طبيعة الأثر النقدي والاتجاه الذي كان يمثله في عالم النقد.
دراسة الأعمال الأدبية
ويحتل هذا النوع من الدراسات مساحة واسعة من حجم النقد النسائي، ويسير في اتجاهين اثنين هما: الوقوف على أثر كامل لأديب ما أو دراسة ظاهرة معينة في أدبه، وتكاد تنصب معظم هذه الدراسات على موضوعات حديثة معاصرة، وتتميز بعمق في التحليل واتباع منهج فني ناضج بعيد عن النزعة التاريخية، وقد ارتأيت أن أجعل هذه الدراسة في ثلاثة موضوعات هي:
أ- نقد المرأة للرجل.
ب- نقد المرأة للمرأة.
ج - نقد المرأة لذاتها.
أ - نقد المرأة للرجل:
اهتمت المرأة الناقدة كثيرا بالوقوف على آثار الأدباء المختلفة، وقد اتسعت دائرة هذا النوع من النقد لتشمل أعمال الأدباء في مختلف الأقطار العربية، إذ تبين لي من خلال الاطلاع على معظم النتاج النقدي النسائي في هذا الاتجاه أن المرأة الناقدة تناولت أدب الرجال بموضوعية وقدرة واضحة في إصدار الأحكام، كما بدا واضحا أن ثقتها بنفسها قد ظهرت عالية تماما وبخاصة في تعاملها مع بعض الأعمال المشهورة والمميزة.
وتقف في مقدمة الناقدات في هذا الاتجاه نازك الملائكة التي شكلت بأعمالها النقدية ثقافة شاملة حين درست مجموعة أعمال مسرحية وروائية وشعرية وقصصية لتؤكد أن المرأة ليست أقل ثقافة من الرجل، وأنها قادرة على التصدي لكل الأعمال الأدبية، ومن أبرز الدراسات التي قدمتها نازك في هذا المجال:-
أ - الحب والموت في شعر ابن الفارض.
ب - الجانب العروضي من مسرحية شوقي.
ج - ملامح عامة في شعر إيليا أبي ماضي.
د - إيليا أبو ماضي في ديوانه الجداول.
هـ- - الصومعة والشرفة الحمراء.
و مسرحية "الايدي القذرة " لسارتر. .
ز - مسرحية " السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم.
ح - مسرحية " يا طالع الشجرة " لتوفيق الحكيم.
ط - رواية " الخندق الغميق " لسهيل إدريس.(5/177)
ي - رواية " عبث الأقدار " لنجيب محفوظ.
ك - رواية " الشيخ والبحر " لارنست همنغوي.
ولعل المتابع لكل هذه الأعمال سيلاحظ أنها تشكل دراسات نقدية جادة لأعمال إبداعية رصينة ذاعت شهرتها بين أوساط المثقفين، ثم إن نازك لم تكن لتقف عند الجوانب الإيجابية في هذه الأعمال بل تميزت بجرأة فائقة في الحديث عن سلبياتها، فهي مثلا حين تقف عند مسرحية " الأيدي القذرة " لسارتر تؤكد أن الزمن قد عولج بأسلوب ليس فيه ابتكار حيث تقول: "إن هذا الأسلوب في معالجة الزمن ليس جديدا في الأدب المعاصر، فقد نجح فيه مارسيل بروست في سلسلته القصصية البديعة " بحثا عن الزمن الضائع ".... غير أن سارتر لم يوفق كثيرا في استعمال هذا الأسلوب في تقديم الزمن" (25) .
ثم ترى أن الحكيم كان موفقا في احتواء الحكاية التي بنى عليها مسرحيته " السلطان الحائر " فقد استخدم أسلوب العرض الفني والتزم تخطيطا عاما في الفصول كلها: فكان يبدأ الفصل بعرض المشكلة من وجهة نظر الجمهور الذي يمثله شخص أو شخصان ثم ينتقل ويعرض وجهة نظر السلطان وحاشيته (26) .
وتقول في مدح رواية " الخندق الغميق " لسهيل إدريس " لعل اعمق ما تعيش به رواية الخندق الغميق في نفس قارئها هو الجو السحري المعطر الذي يحف بها من أولها إلى آخرها، فهذه رواية ذات نكهة خاصة بها تغلفها وتترك أثرها المضمخ في حس القارئ " (27) .
وهي لا تعالج في نقدها القضايا الشكلية فقط، ذلك أنها تؤمن أن المضامين على درجة من الأهمية، ولأنها تنظر إلى الأثر الأخلاقي للأدب فإنها تقول في تقديرها للجوانب الأخلاقية في رواية " عبث الأقدار" لنجيب محفوظ " ومما يزيد هذا الظل المعنوي وضوحا أن النبرة العامة في رواية عبث الأقدار نبرة أخلاقية (28) .
وتؤكد على أهمية الشكل في شعر أبي ماضي حيث تقول:(5/178)
" وإن أكرم تأبين لإيليا أبي ماضي أن نلتفت في أيامنا الشعرية الحرجة هذه إلى القوة وكمال الشكل في قصائد فنتلقى عنه دروسا في الإيجاز والوضوح، فلعلنا لا نبالغ مطلقا إذا قلنا إننا حتى بعد انصرام ثلاثين سنة كاملة على صدور مجموعة الجداول، ما زلنا محتاجين إلى أن نتعلم منه دروسا تفيدنا في سلوكنا نحو مستقبل أكمل للشعر العربي" (29) .
ولعل أهم دراساتها النقدية وأكثرها جرأة هي دراستها لشعر علي محمود طه الموسومة ب" الصومعة والشرفة الحمراء " تناولت فيها الناقدة قضايا الشكل المضمون معا حيث تحدثت عن شهرة علي محمود طه ووازنت بينه وبين نزار قباني في اكثر من غرض ثم فصلت القول في شعره الغزلي والفكري وشعر المناسبات، وتحدثت عن بعض القضايا الفنية في شعره كالموسيقى والصورة الشعرية والعروض وأخذت على الشاعر مآخذ كثيرة في هذا الجانب أهمها:
أ - السقوط في الألفاظ الحوشية:حيث ترى نازك انه كان يلجأ إليها لضرورة عروضية تقول: " ولكن شاعرنا يسقط في الألفاظ الحوشية في بعض شعره، فيأتي بكلمات قاموسية فيها غرابة وخشونة وجفاف وبعد عن روح العصر، ويغلب أن يقع له هذا حين تضايقه متعرجات الوزن ومتطلبات القافية الموحدة فيضطر إلى اللجوء إلى القاموس واستخراج كلمات ملائمة " (30) ثم تمثل على هذه الظاهرة من خلال قوله:
وما هي أسطر كتبت ولكن
معانٍ في القلوب لهنّ علبُ
وهبّت في نواحي الأرض دنيا
لحق يجتبى ومنى تلبّ
تقول نازك " فما من قارئ معاصر يستسيغ كلمتين مثل علب وتلب في قصيدة حديثة (31) .
ب - كثرة استعمال المترادفات في البيت الواحد كقوله:
يا باعث الروح الفتيّ بأمّةٍ
تسمو به آماله وتحلق
فانين في حب الإله فلن ترى
بعد الألوهة ما يُحب ويُعشق
وحديث أرواح يضوع عبيره
ومن الطهارة ما يضوع ويعبق
تقول نازك " أليس تسمو وتحلق في معنى واحد؟ وهل يحب غير يعشق، أم هل يضوع تختلف كثيرا عن يعبق؟ (32)(5/179)
ج - الأخطاء العروضية - وهي كثيرة في شعره كما تراها نازك ومنها قوله:
لم أقبلت في الظلام إليّ
ولماذا أطرقت بابي ليلا
" فقد جاء فيه ب" فاعلات " دونما إشباع في خاتمة الشطر الأول مع أن الصحيح هو " فاعلاتن " لأن البيت من البحر الخفيف ".
وقوله:
يا لها كيف استقرّت ثم فرّت
لحظة مرّت ولكن ما وعاها
" وفيه كان عروض الرمل " فاعلاتن " في غير ما تصريع، وهو خطأ ظاهر لأن الصحيح أن تصير " فاعلن " وعلى ذلك جرى الشعر العربي كله (33) .
د - الأخطاء النحوية - وترى نازك أنها قد تعددت في شعره علما أن بعضها لا يحتاج إلى أدنى ثقافة لمعرفتها، ومن الأمثلة عليها قوله:
هات كفيك ولا تضطربي
لا تخالي ريبة في ناظري
" فقد خاطب المؤنث فيه بكلمة "هات " حاذفا ياء المخاطبة على غير ما وجه يسوغ ذلك "
وقوله:
ما عجيب أن تردّيه عليا
بل عجيب أنني لا زلت حيا
" فقد استعمل فيه " لا زال " لغير الدعاء والصواب " ما زلت "كما لا يخفى على أي تلميذ ذكي من تلاميذ الثانوية"
وقد يجزم الفعل المضارع دون داع إلى جزمه كما في قوله:
أقسمت لا يعص جبار هواها
أبد الدهر ولو كان إلها
تقول نازك: " فان حق الفعل " لا يعصي " فيه هو الرفع لا الجزم ولعل في ذهن الشاعر التباسا يتعلق بالجملة التي يتصدرها ما يشعر بالقسم أو نحوه، وهو وهم ظاهر ليس له أساس في النحو " (34)
ثم تطالعنا الناقدة ريتا عوض التي قدمت مجموعة من الدراسات المهمة في هذا الاتجاه أهمها دراستها " بنية القصيدة الجاهلية " التي تجلت فيها روح النقد الحقيقية من خلال الوقوف على موضوع " الصورة في شعر امرئ القيس " إذ ابتعدت في طريقة طرحها عن الأساليب التقليدية وحاولت إرساء منهج جديد في دراسة هذا الشعر بعد أن شعرت أن الدراسات السابقة التي قامت على دراسة هذا الشعر لم تصل إلى زيادة الوعي بهذا الشعر من حيث هو عنصر حيوي في التراث الحضاري (35) .(5/180)
وغير هذه الدراسة فقد قدمت ريتا عوض للساحة النقدية سلسلة من الكتب وقفت فيها عند مجموعة من الشعراء المتميزين في العصر الحديث وهم: احمد شوقي، أبو القاسم الشابي، بدر شاكرالسياب، الياس أبو شبكه. وكانت تتحدث في كل كتاب منها عن حياة كل شاعر ومذهبه ومؤلفاته ثم تعرض لأبرز قصائده مع تحليل أولي لواحدة منها، وهي في هذه المجموعة النقدية لم تظهر كما ألفناها في أعمالها النقدية الأخرى، إذ غاب عنها الجانب التحليلي الرصين وظهر عليها الاستعجال واضحا في كل ما قدمته.
ومن دراساتها الأخرى المهمة " الجنون في أدب جبران " (36) وصورة الإنسان العربي في ديوان " الرعد الجريح لحاوي " (37) و " خليل حاوي الشاعر والناقد والفيلسوف " (38) .
ثم تطالعنا أيضا الناقدة يمنى العيد التي استطاعت أن تثبت وجودها في الساحة النقدية من خلال ما قدمته من أعمال نقدية رائعة شكلت بعدا قويا وواضحا في الحركة النقدية النسائية، ولعل أهم ما يميز نقد يمنى العيد أنها كانت تقف فيه أمام الأعمال الأدبية الرصينة بكل ثقة وجرأة وهي في ذلك تقول:
" إن اختيار الأثر، يقوم على علاقة بينه وبين الناقد، وان هذه العلاقة يحددها الطرفان: الأثر بما يحمل، والناقد لمؤهلاته، فلا الناقد قادر على تناول أي اثر ولا كل اثر جدير بالنقد، بدون هذه العلاقة يصبح النقد قسرا للناقد واغتصابا للأثر " (39) .
ولعل حرصها الشديد على نقدنا العربي يظهر واضحا من خلال تأكيدها على أن هناك قصورا في هذا النقد يجب أن نتنبه إليه قبل كل شيء حيث تقول:
" إذا كان الأثر يحمل إضاءة في علاقته مع الواقع فإن النقد يحمل إضاءة في علاقته مع الأثر، وإذا كان من مهمات النقد تطوير الأدب وترقيته فنحن بحاجة إلى نقد " بديل " يساهم في تطوير نقدنا الحاضر وترقيته " (40) .(5/181)
وترى كذلك أن أي اثر أدبي يمكن أن يدرس دون معرفة صاحبه: " هكذا كنت انطلق من الأثر وقد اعرف شيئا عن صاحبه وآثارا له، وقد اجهل كل شيء عن صاحبه ولا أعرف له إلا هذا الأثر، ولكنني في كلا الحالين كنت أرى أن الأثر الأصيل هو اصدق وجود لصاحبه. . . صورة مارون عبود تجلت لي في وضوح مدهش يوم قرأت كل آثاره، ومعاناة أبي شبكة الشاعر البائس امتلكتها يوم قرأت دواوينه والكثير من منشوراته الشعرية والنثرية في مختلف المجلات والصحف " (41) .
ولعل من ابرز الموضوعات التي وقفت عليها في هذا المجال للناقدة يمنى العيد:
أ- البناء الفني في قصص محمد عيتاني.
ب- تنامي الوعي والبعد الرمزي في رواية غسان كنفاني.
ج - قراءة قصة قصيرة " شرف العائلة " لعبد الستار ناصر.
د - مشروع رؤية جديدة للفكر في العصر الوسيط / د. طيب تيزيني.
هـ - حول كتاب عز الدين إسماعيل " القصص الشعبي في السودان - دراسة في فنية الحكاية ووظيفتها –".
و حول كتاب غالي شكري " التراث والثورة ".
ز - الموقف والرؤية الفكرية في كتابات مارون عبود.
ولعل أكثر ما يميز يمنى العيد في محاكمتها لهذه الأعمال الجرأة البارزة، والموضوعية والصدق في إصدار أحكامها سواء كانت أحكاما إيجابية أم سلبية، فهي مثلا تدافع عن محمد العيتاني وترد على الذين اتهموه بالتخلف عن المعاصرة فتقول: " إن أسلوب هذا القصاص الذي قال فيه من كتب وتحدث عنه إنه أسلوب واقعي وبالتالي متخلف عن المعاصرة وإنه في واقعيته كثيرا ما كان مباشرا وعاديا، هو هنا ذو واقعية متميزة وهذا في نظري أمر هام، فالمعاصرة أو القيمة الفنية لأسلوبه لا تكمن في كونه واقعيا أو رمزيا أو غيرهما، بقدر ما تكمن في قدرة الأديب على الأداء المميز بهذا الأسلوب أو ذاك، أداء يحملنا مرغمين باقتناع على وعي وامتلاك ما يقوله فنيا لنا " (42) .(5/182)
وتمتدح أيضا أسلوب كنفاني في رواياته المختلفة مؤكدة على أهمية البعد الرمزي في هذا الأسلوب:
" إن الرمز أو البعد الرمزي في أسلوب كنفاني ليس لعبة فنية، ليس فنتازيا بل أداة فنية، لها دور هام في إيصال المعنى إلى القارئ، المعنى الذي يبغيه الأديب القائم عنده في مسافة البعد الذاتي، المشحون بزخم، هو زخم الرؤيا الهادفة المريدة، المنتمية المتطلعة إلى المستقبل في آن واحد " (43) .
ثم تحمل على الكاتب عز الدين إسماعيل في دراسته للقصص الشعبي في السودان مؤكدة على أن مفهومه لبناء الحكاية هو مفهوم يفصل بن الشكل والمضمون بحيث يعطي الشكل وجودا مستقلا قائما بذاته ولا يرى فيه بناء عضويا يقوم عليه لنسج الحكاية كعمل فني معين، وان تحليله للحكاية يقصره في معظم الأحيان على رصد ما فيها من ظاهرات تميزها دون أن ينفذ إلى جذور هذه الظاهرات التي تعلل وجودها، وأن تحليله أيضا يفتقر إلى الدقة العلمية في تحديد عناصر الحكاية وخصائصها، يضاف إلى ذلك أنه قد اغفل الكلام على كل ما يتعلق بجمالية الأداء فيها وأنه يميل إلى رصد المعتقدات اكثر من التعمق في تحليلها وتعليلها (44)
ويظهر أيضا الاتجاه النقدي عند الكاتبة في تناولها لشعر المقالح تحت عنوان " شعر المقالح: مرجعيته وشعريته " (45) وهو إن دل على شيء فإنما يدل على أن يمنى العيد لم تقف عند غرض أدبي واحد في نقدها بل جمعت في نقدها بين الشعر والنثر بأسلوب متميز وبصيرة نافذة ورأي ثاقب.(5/183)
ومن الناقدات المتميزات في هذا المجال أيضا خالدة سعيد التي أثرت الحركة الأدبية النقدية بكتابها الرصين "حركية الإبداع " وكانت قبله قد أصدرت كتابها " البحث عن الجذور " سنة (1960) الذي كان يشكل خطوة رائدة لمنهجية النقد واستقلاليته خاصة إذا ما قورن بالنتاج المزامن له. أما "حركية الإبداع " فهو يعد بحق من الكتب النقدية المتقدمة عالجت من خلاله موضوعات شاملة تتعلق بالشعر والرواية والقصة وغيرها من خلال الوقوف على أعمال مختلفة أهمها: “ثرثرة فوق النيل " لنجيب محفوظ و " الاي اي " ليوسف إدريس، وقصة " الشاطئ" لغسان كنفاني، و " النهر والموت " لبدر شاكر السياب وغيرها الكثير وفقا للمنهج البنيوي، وفي ذلك يقول نبيل سليمان في كتابه مساهمة في نقد النقد الأدبي:
" وهكذا تعمد الناقدة إلى معالجة النص على أنه نظام مترابط من الدلالات، وفقا لحرفية المنهج البنيوي" (46)
وإذا كان عملها في هذا الكتاب يدخل في باب الإبداع الفني فإنه لا يخلو أيضا من بعض المآخذ وبخاصة في دراستها للرواية التي اخذ عليها النقاد فيها الاستعجال وعدم التعمق حيث يقول نبيل سليمان في ذلك:
" وعلى أي حال، فإن دراسة الناقدة للرواية العربية تتسم بالعجالة وتفتقر إلى التعمق، وهذا ما تعكسه بقوة تصنيفاتها ومصطلحاتها أيضا، فهي تسمى جيل طه حسين والعقاد والحكيم من الروائيين بالمثاليين لأنهم اغنوا الرواية ببعد فكري، فهل تعني المثالية إغناء الرواية كجنس أدبي وبالتالي الأدب بالبعد الفكري؟ هل يؤدي البعد الفكري إلى المثالية تلقائيا؟
إن الناقدة تطلق مصطلح الرواية الفكرية على رواية لويس عوض " العنقاء " وروايتي يوسف حبشي الأشقر "أربعة أفراس حمر – لا تنبت الجذور في السماء " لأن هذه الروايات خاضت في مسائل فكرية، فأين هي المثالية هنا؟ وأين هو البعد الفكري؟(5/184)
والناقدة تتردد في اعتبار رواية صنع الله إبراهيم " تلك الرائحة " بالرواية أو القصة الطويلة دون أن تخوض في حيثيات كل تصنيف، على الرغم من أهمية هذه المسألة إصلاحيا ونقديا " (47) .
وهناك الناقدة لطيفة الزيات التي قدمت دراسة متميزة بعنوان " من صور المرأة في القصص والروايات العربية " وقفت من خلالها عند عدد من الروايات والقصص الهامة منها: "الرباط المقدس " لتوفيق الحكيم و " ريح الجنوب " للكاتب الجزائري عبد الحميد هدوقه و " البحر يكشف كل الأقنعة " لعبد الله الطوخي و " دمشق الحرائق " لزكريا تامر و " الأبنوسة البيضاء " لحنا مينا و " البنات والصيف " لإحسان عبد القدوس و " أين عمري "لإحسان عبد القدوس و " موسم الهجرة إلي الشمال " للطيب صالح ... وقد استبعدت الناقدة أجيالا من الكتاب ربما كانت تحتل مكان الصدارة في القصص التي تنحو منحى الواقعية التقليدية واعتمدت في دراسة صورة المرأة في القصص العربي منهج التحليل للنص الروائي والقصص وتوصلت إلى المعنى العام للنص عن طريق تحليله إلى جزيئات وإظهار العلاقات التي تندرج بمقتضاها هذه الجزيئات في كلية فنية مستقلة ذات معنى عام، والكاتبة لم تتوقف في هذه الدراسة عند معنى النص ولا حتى عند المنطلق الفلسفي الذي ينبع منه ولا عند جمالياته، ولم تقتصر على المنهج التحليلي إذا أملت الدراسة عليها ضرورة تعدد المناهج النقدية وكانت تدخل شخصياتها في معظم الأحيان فتقول مثلا: إن وجهة نظر حنا مينا للمرأة سليمة في مجموعها وإن لم تخل من هنات " (48) .
وحتى تصل إلى المنهج التحليلي التطبيقي، فإنها تقيم دراسة نقدية على روايات نجيب محفوظ تحت عنوان:
المرأة في روايات نجيب محفوظ (1945 – 1973) .
المنظور المثالي للشخصية الروائية والمرأة في روايات نجيب محفوظ (1939 – 1967) .
وهي تبدو في هذه الدراسات التطبيقية جريئة وبخاصة في نقدها لشخصيات نجيب محفوظ في رواياته حيث تقول:(5/185)
" وفي العالم الروائي لنجيب محفوظ ينطبق المنظور المثالي في الأعم على الشخصيات الروائية من الرجال دون الشخصيات الروائية من النساء ويعني هذا سواء وعي الكاتب الحقيقة أو لم يعها، إدراج الرجل في دائرة الإنسان الذي هو امتداد للذات العليا وإخراج المرأة عن هذه الإنسانية في مفهوم الكاتب، والرجل إنسان من خلال هذا المنظور المثالي لماهية الإنسان والمرأة ليست كذلك، وفي هذا ما فيه من انتقاص من وضعية المرأة، ومن المفارقة أن هذا الانتقاص ذاته للمرأة هو الذي ينقذ شخصيات نجيب محفوظ من النساء في غالب الأحيان من الجمود والتشييء الناتج عن صراع لا يتلقى الحل أو انحباس في قالب أحادي واحد، وهو الذي يمنح بعض الشخصيات النسائية وخاصة في الروايات الواقعية الامتلاء كشخصيات روائية جامعة للمتناقضات، وقادرة على المصالحة بين هذه المتناقضات ومن ثم فنية الانتقاص تتحول في التجسيد الروائي إلى إعلاء " (49) .
أما عزيزة مريدن فقد قدمت في كتابها " القصة الشعرية في العصر الحديث "أنموذجا متقدما للنقد التحليلي الأصيل، فعلى الرغم من أن أي قارئ قد يتخيل أن العنوان يشي بمنهج تاريخي صرف، إلا أن الواقع غير ذلك، ذلك أن الناقدة قد انصرفت في دراستها للقصة الشعرية إلى العناية بالخصائص الفنية العامة لكل نوع من قصصها، فضلا عن النواحي التحليلية والدراسة النقدية التي اتبعتها في كل قصة، وقد حرصت الناقدة على تناول كل قصة من زاويتها الفنية المتميزة بها عن غيرها وذلك من حيث الحدث والتصوير والإيماء والحوار وغيرها.
ولعل ما لفت انتباهي في هذه الدراسة قدرة الناقدة على مواجهة الأعمال الأدبية المختلفة بالأحكام الثاقبة ومعارضتها لعدد من النقاد حول آرائهم في هذه الأعمال، وذلك كما ورد في تحليلها لقصة أحمد عبد المعطي حجازي " مذبحة القلعة" وموقف رجاء النقاش منها (50) .(5/186)
والناقدة تظهر متميزة في إصدار أحكامها وإدخال شخصيتها في تعليقها على قصة شبلي الملاط " عاشقة الطيار " حيث تقول:
" ويؤخذ على الشاعر تدخله في بعض الحوادث أحيانا مما يصرف ذهن القارئ عن تسلسل القصة، وهذا واضح في المقطع الثالث منها، إذ بعد ما يصف لنا ذلك الشيخ المتصابي الذي وقع في الحب، يترك الأحداث ليلتفت إلى الفتاة ويخاطبها متعجبا من تصابي ذلك الشيخ ... إن بتر الوقائع على هذه الصورة يجزئ أوصال القصة ويقطع على القارئ لذة متابعتها" (51) .
وتخص الناقدة فاطمة حسن أدب نجيب محفوظ بالدراسة في كتابها "الرمزية في أدب نجيب محفوظ " وتشير ضمن ذلك إلى الاتجاهات المختلفة في روايات نجيب محفوظ وتحدد فترتها الزمنية مع تعليل مقبول لأسباب انتشارها، فهي مثلا ترى أن نجيب محفوظ قد التزم المنهج الواقعي ابتداء من "القاهرة الجديدة " وحتى " الثلاثية" لأن الوقت الذي كانت فيه الرمزية قد أخذت مكانها في الرواية العالمية لم يواكب محفوظ الأساليب الحديثة في الرواية، ذلك أن المناخ الثقافي الذي بدأ الكتابة فيه لم يكن مستعدا لتقبل مثل هذه الروايات الرمزية التي تتطلب مشاركة ذهنية من القارئ فلم يشأ محفوظ أن يقدم روايات تتبع احدث الاتجاهات الأدبية حتى لا يحد ذلك من انتشار رواياته انتشارا كبيرا ثم إنه ظل حريصا على رغبة الانتشار حتى في المرحلة التالية التي اتسمت بالرمزية حيث ضمن رمزيته عناصر من الواقع تجذب القارئ العادي.(5/187)
وترى الناقدة أن محفوظ قد توسع في استخدام أساليب المدرسة الرمزية في المرحلة الجديدة لكن دون إسراف، فأصبح الرمز مكثفا يقدم أكثر من دلالة رمزية، وتلحظ الناقدة في قصص وروايات هذه المرحلة غلبة الحوار على السرد والحديث الباطني لأن الحوار يناسب تلك القضايا الفكرية التي يعالجها وترى أن الأسلوب ارتفع في كثير من الأحيان إلى مستوى الشعر، فقد م حالات شعورية لا يتفق معها التعبير باللغة العادية، وقدم محفوظ في هذه المرحلة الروائية مضمونا يجمع بين القضايا المحلية وقضايا فلسفية عامة (52) .
وأما نجوى الرياحي القسنطيني فقد قدمت دراسة بعنوان "الحلم والهزيمة في روايات عبد الرحمن منيف " وهي من أكثر الدراسات النقدية دقة وتفصيلا وعمقا، حيث بدت صاحبتها على درجة من الوعي والثقافة، وعلى درجة فائقة من القدرة على التحليل الفني الرصين، وقد وقفت في هذه الدراسة على ثلاث روايات هي: " الأشجار واغتيال مرزوق " و" شرق المتوسط" و " حين تركنا الجسر".(5/188)
وقد تحدثت عن المفهوم النظري للحكم والهزيمة عند عبد الرحمن منيف وملامح الحكم والهزيمة في الروايات الثلاث ثم فصلت القول في مكان الهزيمة وزمانها ولغتها، وأشارت إلى صورة الشرق العربي بين الموجود والمنشود في هذه الروايات وقد استخلصت الناقدة مجموعة من الاستنتاجات أهمها أن الروايات الثلاث تقرن بين الاتجاه الذاتي والموضوعي فتذهب من استبطان الشخصية وعرض تجاربها الفردية الخاصة إلى الاهتمام بقضايا المجتمع، وأن هذه الروايات كانت شهادة واضحة على عصرها تكشف عن سلبيات المجتمع وعن كثير من أزمات الأقطار العربية ومظاهر تخلفها، وأنها تحمل تحذيرا للأمة من نكبات لم تحصل، إضافة إلى أن عبد الرحمن منيف لم يكن أحادي الجانب في نظرته إلى أوضاع العالم العربي بل نقد السلطة السياسية والإنسان العربي كذلك، ولم يكن في رواياته تشاؤميا سوداويا ولم يكن مغتربا عن الشرق موليا وجهه نحو الغرب كما رأى بعض النقاد.
والناقدة في تناولها لأعمال عبد الرحمن منيف تميزت باهتمامها البالغ بها حيث كانت تصغي إليها قدر الإمكان ثم تحلل ما يبلغها عنها من أصوات وتؤلف بينها من خلال الغوص فيها ولم يكن في تأويلها وتفسيرها لنصوص عبد الرحمن منيف تعسف وإسقاط وقسر، فهي لم تخضعه لمنهج لا يتلاءم معه حيث جمعت في دراستها لهذا الموضوع بين المنهج النفسي والاجتماعي الفني. فكان بحثها في هذه الروايات بحثا في المضامين والأبعاد والفنيات (53) .
وغير هذه الدراسات فإننا نقع على دراسات أخرى كثيرة في مواقع متعددة، منها دراسة فريال جبوري غزول وعنوانها " فيض الدلالة وغموض المعنى في شعر محمد عفيفي مطر " وهي تحاول فيها أن تفسر ظاهرة الغموض في شعر محمد مطر، مؤكدة أنه شاعر متميز، وأن عدم الإقبال على دراسة شعره يعود لغموضه، تقول:(5/189)
" فبالرغم من غزارة مطر وعطائه، لا نقع إلا على دراسات نادرة لشعره وهناك إجماع سائد بين النقاد والشعراء بان لمحمد عفيفي مطر صوتا منفردا، وقدرة إبداعية وشاعرية متميزة، وأثرا بالغا على حركة الشعر الجديد، وإذا كان لبعضهم تحفظات على مطر فذلك بسبب غموضه وصعوبة شعره " (54) .
ثم دراسة سيزا قاسم وعنوانها "قراءة في اختناقات العشق والصباح " لإدوار الخراط، حيث وقفت على جملة عناوين في هذا الكتاب هي: (نقطة دم، قبل السقوط، أقدام العصافير على الرمل، على الحافة، محطة السكة الحديد ") حيث عالجت فيها موضوعات التناص والعمل المفتوح والبعد المعرفي وغيرها.
تقول: " لقد استمتعنا حقا بقراءة هذا الكتاب الذي ينطوي على عنف عارم وحب حميم، ولا حاجة بنا لأن نؤكد أن العشق والصباح يختنقان في واقعنا هذا، وان الكاتب يثور على هذا الاختناق ويحاول الإفلات منه أو مناهضته، ولكن الرسالة التي يبثها هذا الكتاب اخطر من أن تنحصر في " النقد الاجتماعي " إنها مناشدة إلى الخلق والإبداع وما أحوجنا أليهما والإنسان لا يعيش بالنقد وحده، اجتماعيا كان أو سياسيا أو غيرهما، ولكنه يعيش بالإبداع والمشاركة" (55) .
ودراسة رضوى عاشور " الإنسان والبحر " (56) التي عمدت فيها إلى إجراء مقارنة بين نصين هما " الشيخ والبحر " لهمنغواي و " الكلب الأبلق الراكض على حافة البحر" لأتيماتوف، وقد تعمدت الناقدة إجراء مقارنة بينهما لأن إطارهما واحد هو إطار الرواية القصيرة المرتكزة إلى قصة رمزية أركان صورتها الأساسية هي البحر والصياد والرحلة.
وكذلك دراسة منى ميخائيل "الست هدى - تحليل للمضمون الفكري والاجتماعي " والتي استطاعت من خلالها أن تكشف عن مزايا إبداع شوقي في مسرحية الست هدى حيث تقول:(5/190)
" لقد نجح شوقي في اتخاذ موقف واضح إزاء هذه القضية، وقدم شخصيات تتمتع بخصوصية إنسانية ونفسية متميزة، كما استطاع أن يفجر إمكانات جديدة للكوميديا وللخطاب الشعري على السواء، لقد اعتمد شوقي على الأوزان التقليدية للشعر الغنائي دون أن يعوقه ذلك عن الاستغلال البارع للمستويات اللغوية المتعددة " (57) .
وقد تركت اعتدال عثمان بصمات واضحة في هذا الميدان من خلال مجموعة من الأعمال أهمها: " نحو قراءة نقدية إبداعية لأرض محمود درويش " (58) وكذلك نبيلة إبراهيم في أعمالها " شعبيه شوقي وحافظ " (59) و "خصوصية التشكيل الجمالي للمكان في أدب طه حسين " (60) وفدوى مالطي دوجلاس في دراساتها " الوحدة النصية في ليالي سطيح" (61) و " البطل والرواية الإبداع الأدبي في الجنوبي " (62) وأمينة غصن في دراستها"خليل حاوي أو رأس اورفيوس المقطوع المغني " (63) وسلافة العامري في دراستها " الحب في أدب نجيب محفوظ " (64) ونجاح العطار في دراستها " الياس أبو شبكه الشاعر المتمرد " (65) وأمينة رشيد في دراستها "رواية (الأرض) بين القيمة وعلاقة الزمان بالمكان" (66)
وقدمت الناقدة أمينة العدوان أعمالا متميزة في هذا المجال، إذ وقفت على مجموعة من الأعمال الشعرية والقصصية والمسرحية، والقارئ لنقدها لهذه الأعمال يلمس مقدرتها على المعالجة النقدية القائمة على استعدادات متباينة من الثقافة والحس النقدي الأصيل، ووضوح الرؤيا ومعرفة قواعد النقد الحديث، وهي لم تلتفت في نقدها إلى اختيار روايات معينة تعبر عن اتجاه فكري محدد، لكنها انتقت دون هدف محدد. كما أنها لم تقف في نقدها عند المضامين فقط بل وقفت عند الشكل الفني من حيث استخدام السرد والتقطيع والتداعي واللغة والحمل والحوار وغيرها.(5/191)
وقد تعددت آراء النقاد في أعمالها، إذ يقول الناقد سمر روحي الفيصل في نقد كتابها "مقالات في الرواية العربية المعاصرة ": " في اعتقادي أن الكتاب مجموعة من المقالات كتبت في أوقات متباعدة ثم جمعتها المؤلفة بين دفتي كتاب واحد، لهذا فقد الكتاب منهجا نقديا محددا تنظر الكاتبة من خلاله إلى الروايات كلها، على أن المرء إذا وضع في ذاكرته كون المؤلفة لا تريد من الكتاب أن يقدم دراسات عن الروايات، وإنما مقالات عنها، إذا التفت المرء إلى هذه الناحية فانه سيغض الطرف عن قضية المنهج ويروح يشكر للمؤلفة نظرتها النقدية الصائبة المتفرقة أشتاتا في مقالات الكتاب " (67) .
ويقول إبراهيم العجلوني أيضا مبديا رأيه في الناقدة نفسها: " إن لأمينة العدوان قدرة فائقة على تقصي الأعمال الأدبية المحلية وتشريحها وإعادة تقديمها إلى القارئ، مما يعطي كتاباتها صفة وثائقية، إن لأمينة العدوان شغفا لا ينكر في استقصاء جزئيات العمل المنقود وفي دراسته بأناة، وفي الوقوف مليا إزاء بنائه الفني، وتلك هي ميزة الناقد الأصيل الذي يسبر أغوار النصوص ويستخلص من ثم حيثيات حكمه" (68) .
ويقول د. عصام الموسى: " أمينة العدوان غير هؤلاء هي لا تصنف، ولا تتهم، ولا تدعي، أمينة دارسة ناقدة، تقرأ العمل الأدبي، تتفهمه وتتمثله وتدرك قيمته، تتفهم الدوافع التي جاءت به، فتدرسه من ناحية علاقته بالمجمتع، تدرس الشخصيات وتحللها، وتبين علاقة الشخصيات ببعضها، وعلاقتها بالأحداث التي تسيرها، وردة الفعل التي تتركها الأحداث في نفوس الشخوص، وهي في هذا واعية كل الوعي لواقع ما تنقد واتصاله بالمجتمع والإنسان، من هنا نحس بصوتها الغاضب يكاد ينبعث من كلماتها الناقدة يرفض هذا الواقع الذي يصور عجز الإنسان العربي وتقوقعه وانهزاميته " (69) .(5/192)
وقد تعددت أعمالها النقدية في هذا المجال، ولم تقتصر في نقدها على أعمال الأدباء الأردنيين بل تعد ت ذلك ليشمل الأدباء من كافة الأقطار العربية مع تركيز واضح على الذين اتجهوا في تفكيرهم اتجاها وطنيا، ولعل من أبرز هؤلاء جمال الغيطاني وهاشم غرايبة ورشاد أبو شاور وصنع الله إبراهيم وإسماعيل فهد إسماعيل وغالب هلسا وتيسير السبول ومحمود سيف الدين الإيراني وجمال أبو حمدان وإبراهيم العبسي ومحمد القيسي وبدر عبد الحق وغيرهم.
وقد اتضح لي من خلال الوقوف على معظم آرائها النقدية أنها ذات ثقافة عالية، وموضوعية مميزة وجرأة فريدة فهي مثلا تقول في نقد رواية تيسير السبول " أنت منذ اليوم:" تبنى الرواية على استحضار مقاطع غير مترابطة ولا متسلسلة هي عبارة عن تراكم وتتالي صور مفاجئة متناقضة - مزج وتقطيع الصور أو المونتاج السينمائي بدلا من العقدة والصور - والصور التي تستحضر هي صور رمزية مجازية بديلة عن مواقف الكاتب الفكرية والاخلاقية " (70) .
وتقول في مسرحية " الرجال لهم رؤوس " للمخرج شعبان حميد:
" تعتبر هذه المسرحية من افضل المسرحيات التي عرضت نصا وإخراجا، حيث استطاع المخرج شعبان حميد أن يحمل المتفرج على فهم الدلالات العامة " (71) .
وتقول في مسرحية " مذكرة من جبل النار " للمخرج احمد شقم:
" وبالرغم من ضعف النص الذي تجسد في تفاهة الحوار وعدم تحديد ملامح فارقة للشخصيات، إلا انه استطاع أن يقدم للمشاهد ما يجب أن تكون عليه الشخصيات والإنسان عامة أمام قوى الاحتلال " (72) .
ب - نقد المرأة للمرأة(5/193)
لم يشكل هذا النوع من النقد حيزا واسعا من مساحة الحركة النقدية النسائية، ولعل ذلك عائد في - حدود تقديري - إلى غير عامل، أهمها قلة النتاج الأدبي النسائي الذي يمكن أن يشكل مادة صالحة للنقد مقارنه مع أدب الرجال، ثم ميل المرأة إلى نقد الأعمال الخاصة بالأدباء ولا سيما المشهورين منهم، يضاف إلى ذلك شعور المرأة الداخلي بان الرجل اكثر مرونة وتقبلا للنقد من غيره، ومحاولتها تلافي كل ما يدعو إلى الحساسية واضطراب العلاقة الشخصية بينها وبين المرأة الأديبة.
ونلتقي في مقدمة الناقدات في هذا المجال بمي زيادة التي وضعت كتابين نقديين هما: " وردة اليازجي "و "عائشة تيمور " وهذان الكتابان يمثلان المحاولات الأولى لمي زيادة في عالم النقد، لأن تركيز الناقدة فيهما جاء منصبا على التعريف بحياة الأديبتين، وذكر أبرز أغراضهما الشعرية والنثرية دون الوقوف عند المظاهر النقدية الأخرى.
فهي في كتابها " وردة اليازجي " تحاول التعريف بحياتها واستعراض أغراضها الشعرية والتمثيل عليها ببعض المقطوعات الشعرية دون أن تصدر أحكامها وتعليلاتها على أعمالها المختلفة، فنجدها مثلا تكتفي بالتعليق عليها في موقع معين بالقول: " وهكذا نراها تهتدي شيئا فشيئا إلى التعبير البليغ المجرد من التعمل لان الشعور بالحزن لا يترك مجالا للتطويل " (73) .
وتقول في موضع آخر من الكتاب نفسه:
" على أن اجمل مراثيها وأمتنها نظما وأشبعها عاطفة، ولو أن المعاني فيها غير جديدة لنا، قيلت في ولدها أمين شمعون، وفي أخيها الشيخ إبراهيم، فهي تتجرد في مرثاة ولدها أمين شمعون من الخواطر التي ليست هي حزنها مباشرة، فلا تأمل هناك ولا فلسفة ولا دروس في حكمة الموت " (74) .(5/194)
أما في كتابها " عائشة تيمور " فقد بدت مي زيادة اكثر نضجا وعمقا وقدرة على التحليل، إذ وقفت وقفة تفصيلية عند الجوانب التاريخية والاجتماعية والنفسية المحيطة بالأديبة، وربطت بينها وبين طبيعة شعرها ونثرها، كل ذلك بموضوعية واضحة، وأحكام رصينة: حيث تقول:
" جميع هذه العيوب في ديوان التيمورية حيث لا تنظيم ولا تنسيق حتى ولا تبويب على الأبجدية، ولا أثر للتاريخ في القصائد، إلا القصائد التاريخية في السطر الأخير منها ولئن جرت على عادة العرب في التعبير، أي الإفصاح عن عواطفها غالبا باستعارات من سبقها، فالأمر الذي يسبيني في شعرها أن شخصيتها تبدو من خلال المحفوظات كما يبدو الجسد في لوحة تصويرية من خلال الأنسجة الشفافة وقد تفلتت من عيب
" المفاخرة " بذويها وأهلها، ولا هي تبدأ بالتغزل لتنتهي بالإطناب، وليس للأطلال والمضارب ذكر في قصائدها، وأما من حيث الصدق فأظنها في مقدمة الصادقين من شعرائنا، ومعظم استسلامها للغلو في جزء خارج عنها وهو شعر المجاملة بينا هي في شعرها الذي يرسم نفسها ساذجة مخلصة تروي حديثها بأسلوب ليس هو بالهندسي الذي لا يقدر أنصار القديم سواه إنما هو كما يقول الفرنجة روائي يجري عليه بعض شعراء العصر " (75) .
ومن الناقدات المتميزات في هذا المجال أيضا أمينة العدوان التي وقفت عند عدد لا بأس به من الأعمال الأدبية النسائية ومنها: رواية " لم نعد جواري لكم " لسحر خليفة ورواية " الحب والصمت " لعنايات الزيات ورواية "الغائب " لنوال السعداوي، ورواية " لنظل إلى الأبد أصدقاء " لإقبال بركة، واكثر من عمل مسرحي ل"مرجريت ملا تجيان" ولعل الخيط الذي كان يربط معظم هذه الأعمال قد جاء بارزا في تركيز الناقدة على الجانب الاجتماعي عند المرأة، ثم إن أمينة العدوان قد تناولت جميع هذه الأعمال بموضوعية وجرأة فائقة في إصدار الأحكام دون أن يكون في ذلك تجريح أو تشهير.(5/195)
فهي مثلا تعالج رواية إقبال بركة " لنظل إلى الأبد أصدقاء " وتقول معلقة على سلبيات الرواية:
" والحوار مليء بالكلمات الجاهزة أو الكليشيهات والأفكار المتداولة المألوفة، ويعيبه انه مليء بالتجريدات الممتلئة بالوعظ والخطابة والمبالغة في المدح والذم، وهو يتضمن المناقشات اليومية والتبريرات والأحكام والتعميمات (أسلوب الريبورتاج) (76) .
وتعالج أيضا رواية سحر خليفة “ لم نعد جواري لكم " لتعلن بكل جرأة وصراحة عن عيوب عملها لا سيما ما يتعلق منه بقضايا الشكل من حوار وشخصيات وغيرها فتقول:
" كما أن تصوير جانب واحد من الشخصية جعل تطور ونهاية الأحداث مفتعلا وغير مقنع، كما أن عرض تطور الأحداث وتغير الشخصيات بطريقة تقريرية فصلت بين الشخصيات والأحداث وأعطت للشخصية وجودا ثابتا غير متطور وغير نام وكأن الأحداث التي جرت للشخصيات عبارة عن مصادفة. . . كما أن كثرة المناقشات في الرواية عن مساواة المرأة بالرجل التي تحولت إلى دروس أخلاقية ومقالات أدبية في الفن والأدب وضعت على حساب البناء الروائي، حيث إن هذه المناقشات لم تساعد على تطوير الأحداث ونمو الشخصيات " (77) .
وهي لا تتناول الجوانب السلبية في كل نقدها، بل كثيرا ما كانت تركز على الجوانب الإيجابية وتمتدح بعض الإضاءات في العمل الأدبي كما هو الحال في نقدها لرواية " الحب والصمت " لعنايات الزيات حيث تقول:
" وأجادت المؤلفة في اختيار الأحداث التي تبدو كأنها أتت بالصدفة. . . أجادت في تصوير العالم الداخلي والخارجي للشخصية مثل شخصية نجلاء وتجسد ذلك في حيوية المواقف مثل تصوير الصراع بين الشخصية " (78) .(5/196)
أما روز غريب فقد وقفت عن نقد أمينة العدوان وقفة مميزة، وتحدثت عن أعمالها النقدية المتمثلة بكتابيها: "مقالات في الرواية العربية المعاصرة " و " دراسات في الأدب الأردني المعاصر" وقد امتدحت في الناقدة أكثر من قضية أهمها حسن اطلاعها على الأدب العربي المعاصر الذي استوحاه قسم كبير من المؤلفين في الدراستين، وحسن اطلاعها على تقنية القصة الحديثة والمسرح الحديث أصول إخراجه ثم محاولتها التعبير عن وعي جديد وعميق لمشكلات الشخصية العربية باقتحامها دروب الرمز واللامعقول في فن القصة والمسرح يضاف إلى ذلك أنها تضع خلاصة جامعة في نهاية كل فصل تسهل على القاريء استيعاب المضمون، لكنها أخذت على الناقدة أيضا أسلوب السرعة والاختزال الذي تعتمده ويسوقها أحيانا إلى بتر المعنى وإهمال توضيحه والتغاضي عن أخطاء لغوية كثيرة، وأخذت عليها كذلك أنها تنعت شعر إبراهيم طوقان بالتقليدي كما تعتبر المسرح السابق ليونسكو مسرحا تقليديا (79) .
ج- نقد المرأة لذاتها
وهذا النوع من النقد يكاد يكون قليلا في الحركة النقدية العربية بشكل عام، ولعل ذلك عائد في رأيي إلى عدة عوامل أهمها:
أ - الفهم الخاطيء لمعنى النقد والمقتصر في تقدير كل ناقد على نقد الآخرين فقط.
ب - العامل النفسي الذي يشعر صاحبه بالكمال في كافة الجوانب.
ج - عدم وجود الدربة والمهارة لممارسة هذا النوع من النقد بأسلوب فني مناسب.
د - الخوف من التجرد من " الموضوعية " المقياس الأهم في نقد العمل الأدبي.(5/197)
ولان هذا التقصير يكاد ينسحب على الحركة النقدية بشكل عام، فمن المتوقع أن لا نجد على المستوى النسائي شيئا في هذا المجال، ولعل الناقدة الوحيدة التي انفردت بهذا النوع من النقد هي " نازك الملائكة "التي تعرضت بالنقد لقصيدة شعرية خاصة بها بعنوان " أغنية لطفلي " وقد دفعها لذلك ما كتبه عنها الأستاذ عبد الجبار داوود البصري تحت عنوان " الطفل في الشعر العراقي الحديث " علما بأنها لم تكن سابقا ترد على النقاد إيمانا منها بحرية النقد واحتراما لمهمة الناقدة تقول نازك: " وكان موقفي هذا ولم يزل يصدر عن إيماني بحرية النقد واحترامي لمهمة الناقد، ولذلك لم يحدث عبر ثلاثين عاما من حياتي الأدبية أن اشتبكت مع باحث أو دارس في حوار مطبوع، فأنا اقرأ ما يكتبون عني واستمتع به أو أضيق. فلا اكتب ردودا ولا تعليقات، بحيث أصبحت هذه ظاهرة معروفة عني في مختلف الأوساط الأدبية (80) .
ثم تحاول نازك أن تعلل خروجها عن المألوف وتصديها للأستاذ البصري فتقول:
" إنني أتصدى للكتابة مدفوعة بالشوق إلى أن أخوض تجربة جديدة في النقد " (81) ثم تبين أنها ستقف عند قصيدتها بكل موضوعية، فتقول:
" أرجو أن يكون ملحوظا أنني حاولت أن اقف من القصيدة المنقودة موقف الناظر من الخارج لا موقف الشاعرة التي نظمتها وبذلك عاملتها كما لو كانت قصيدة شاعرة غيري " (82) .
وهي في معرض نقدها لهذه القصيدة تركز على قضايا الشكل والمضمون مؤكدة أن القصيدة تخلو تماما من التلكف والتناقض كما ذكر البصري، ذلك أن اللغة العلمية تختلف عن اللغة الشعرية، فاللغة الشعرية تهوم وترمز وتشع وتشحذ الخيال في حين أن اللغة العلمية تلتزم بالمعنى المتفق عليه للألفاظ التزاما تاما.(5/198)
وتشير نازك إلى الأساليب التي استخدمتها في قصيدتها، فتبين أنها جاءت بها لإثارة الاهتمام. . ثم إنها كانت تحمل وظائف جمالية وتربوية وقصصية، وأما التكرار فقد كان لإقناع الطفل بوسيلة لفظية تسره، ولان هذا التكرار يربط آخر كل شطر بأول الشطر التالي، إضافة إلى الوظيفة التعليمية له.
وتؤكد نازك أن هذه القصيدة تحمل معاني كثيرة أهمها أنها تعطي صورة حزينة لحياة الشعب العراقي، وتعكس ظاهرة الإيمان الديني العميق الذي يتصف به الشعب العراقي (83) وهي بهذا تحاول أن تدافع عن قصيدتها مؤكدة أنها تحمل هموما وأبعادا واضحة، وأن لها دورا توجيهيا مميزا في الحياة.
وفي موقع آخر تنتقد نازك الملائكة ذاتها بكل موضوعية وتجرد معتذرة عن بعض الآراء التي اتخذتها بشأن الشعر الحر في كتابها " قضايا الشعر المعاصر " حيث تقول:
" في عام 1962 صدر كتابي هذا في طبعته الأولى، وكنت قد أوردت فيه كل ما استطعت الوصول إليه من قواعد الشعر الحر ومسائله، ولذلك لم احتج إلى كتابة مقدمة له، أما الآن وأنا اصدر الطبعة الرابعة منه، فإن اثنتي عشرة سنة قد مر ت على الشعر الحر بعد وضعي لقواعده ودارستي لمسائله. وهذه السنوات قد جاءت بنقد كثير للكتاب، وقد أثار النقاد تساؤلات متعددة حول بعض آرائي فيه، بحيث أجدني مضطرة إلي أن اكتب لهذه الطبعة مقدمة أشخص فيها موقفي من الشعر الحر تشخيصا جديدا. ذلك أن المد العظيم من القصائد الحرة الذي غمر العالم العربي قد استثار عندي آراء جديدة، وأعطاني فرصة لاستكمال قواعد الشعر الحر، أو على الأقل للإضافة إليها، وغربلتها، ثم إن طائفة من القواعد التي وضعتها أصبحت تبدو لي على شيء من التزمت لأن سمعي نفسه قد تطو ر، وليس هذا غريبا وإنما هو مألوف في تاريخ التقنين للحركات الشعرية والبلاغية الجديدة " (84) .
دراسة الظواهر العامة(5/199)
ظهر هذا الاتجاه واضحا في النقد النسائي المعاصر، حيث اتجه عدد من الناقدات إلى دراسة بعض القضايا العامة دراسة تفصيلية يغلب عليها الجانب الفني القائم على الاتصال المباشر بالعمل الأدبي بالقواعد والأصول الفنية، في حين اتجه عدد آخر إلى اتخاذ التاريخ السياسي والاجتماعي وسيلة لتفسير الأعمال وتعليل ظواهرها وخواصها. وتقف الناقدة نازك الملائكة في مقدمة الناقدات اللواتي اهتممن بالجانب الفني في دراستها لبعض الظواهر العامة، فهي مثلا في كتابها " قضايا الشعر المعاصر " تحاول أن تحدد العلاقة بين الشعر والمجتمع، فتهاجم كل الذين نادوا بان يكون الشعر اجتماعيا وتبين أن هذا لا يمكن أن يحدث وأنه يسيء للشعر، حيث تقول: " والدعوة بصورتها الحالية تحتمل نقدا شديدا من جهاتها كلها: فنيا، وإنسانيا، ووطنيا وجماليا، وأبرز مواطن الضعف فيها أنها لا ترتكز إلى أسس فنية شعرية ولم يحاول كاتب واحد بعد أن يحددها من وجهتها النظرية " (85) .
ثم تنبه على النتائج الخطيرة لهذه الدعوة، مؤكدة على أن نهاية الشعر العربي ستكون على أيدي هؤلاء الدعاو:
" فماذا سينتهي إليه الشعر العربي إن قدّر للدعوة الاجتماعية أن تنجح؟ لا شك في انه سيصبح نمطا واحدا مصطنعا لا يملك الشاعر أن يحيد عنه، وفي هذا سيلقي الشعر مصيره، وإذا مات الشعر فكيف سيتاح له أن يكون عامل خير في حياتنا العربية؟ هذا هو المحذور الذي ينساه دعاة الاجتماعية في اندفاعهم العاطفي، وان اعظم ما نخشاه أن تؤدي بنا دعوتهم إلى أن نخسر أصالة شعرنا دون أن ننجح في أن نفيد الأمة العربية " (86) .
وهي لا تتوقف عند هذا الحد في نقدها، بل نجدها تصرخ بقوة في وجه كل النقاد الذين يتهاونون في معالجة الأخطاء اللغوية والإملائية في نقدهم لكثير من الأعمال الناشئة منطلقين في تبريرهم لذلك من أهمية التركيز على المضامين فقط، تقول:(5/200)
" تتجلى لمن يراقب النقد العربي المعاصر ظاهرة خطيرة شائعة فيه، ملخصها أن النقاد يتغاضون تغاضيا تاما عن الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية، فلا يشيرون إليها ولا يحتجون عليها، وكأنهم بذلك يفترضون أن من حق أي إنسان أن يخرق القواعد الراسخة وان يصوغ الكلمات على غير القياس الوارد وأن يبتدع أنماطا من التعابير الركيكة التي تخدش السمع المرهف، وكأن من واجب الناقد أن يوافق على ذلك كله موافقة تامة فلا يشير إلى الأخطاء ولا يحاول أن يعطي تلك الأخطاء تخريجا أو مسامحة ... أفلا ينطوي هذا الموقف من النقاد على تشجيع واضح للجيل كله على الاستهانة باللغة العربية والاستخفاف بقواعدها الرصينة، وإلى أي مدى ينبغي أن يعد الناقد نفسه مسؤولا عن لغة الشعر المعاصر " (87)
ثم تقسو على شعراء القصيدة الحرة، وتؤكد أن الضعف الذي أصاب القصيدة الحرة لا يعود إلى طبيعة القصيدة نفسها فقط، بل إلى الشعراء الذين أخذوا على عاتقهم تحقيق السيرورة لها: " لم تكن طبيعة الشعر الحر ولا ظروف العصر الذي نشأ فيه هي وحدها التي أضعفت مكانته لدى الجمهور، وإنما ساهم الشاعر الذي ينظم هذا الشعر مساهمة فعالة في إشاعة الفوضى في أساليبه وتفاصيله، وفي تشويه صفحته العروضية لدى الجمهور والأدباء " (88) .
ثم تخص بالنقد الشعراء الناشئين الذين يدخلون معترك الشعر بحثا عن الشهرة دون أن يمتلكوا أدنى مقومات الثقافة الشعرية، فتقول:
" وهكذا انطلق الشعراء الناشئون يخطئون أفظع الأخطاء وهم يحسبون انهم يأتون بأعظم التجديد، ومضى الناقد يسب ويهاجم ويسخر دون أن يستطيع مساعدة هؤلاء الناشئين الذين يحتاجون إلى التوجيه والرعاية والتشجيع" (89) .(5/201)
ونازك الملائكة لا تتوقف عند هذه الظواهر العامة بل نجدها في كتابها " سيكولوجية الشعر ومقالات أخرى " توسع دائرة النقد لتناقش قضايا أخرى أهمها " سيكولوجية القافية " و " سيكولوجية القصيدة المدورة " و " الخليل والدوائر الشعرية " و " القافية في الشعر العربي الحديث " وغيرها (90) .
وتناولت مثل هذه القضايا العامة الناقدة بشرى موسى صالح في كتابها " الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث " حيث فصلت القول في الصورة كمصطلح نقدي وحاولت تكثيف دلالات المصطلح لتوضيح مفهومه ومشكلاته عند النقاد المحدثين لا سيما من عني منهم بالصورة مؤكدة على الطبيعة المراوغة لهذا المصطلح وتعذر الإلمام بماهيته في تعريفه مما يعني حالة عدم الاستقرار والثبوت في تحديده. كما وقفت على مصادر الصورة الشعرية والعوامل المؤثرة في تشكيلها وفصلت القول في أبرز مصادرها ثم وقفت عند عناصرها ووسائل تشكيلها ثم أساليب بنائها.
ولعل أهم ما يميز هذه الدراسة اطلاع الكاتبة على معظم الدراسات النقدية الحديثة واستفادتها منها ثم محاولتها الربط بين اكثر من موقف من اجل الوصول إلى نتائج مميزة، وهي بحق تعد من الدراسات المهمة في إثراء نقدنا المعاصر، ويبدو الاتجاه الفني الناضج فيها واضحا (91) .
وتشكل دراسة الناقدة سلمى الخضراء الجيوسي تحت عنوان " بنية القصيدة العربية عبر القرون - المقاومة والتجريب" بعدا نقديا بارزا ضمن هذا الاتجاه حيث حاولت من خلالها الدفاع عن بنية القصيدة العربية رغم كل محاولات الهجوم عليها والتغيير فيها في الوزن والقافية، وهي ترى أن كل الثائرين على هذه القصيدة لا يعرفون عنها شيئا وأن القصيدة العربية لم تعط أسرارها قط لأولئك الذين قاربوها بسذاجة نقدية أو سوء ظن حيث تقول:(5/202)
" في العصر الحديث بدأت محاولات كثيرة لتحرير الشكل الشعري، وكانت كلها في البدء تستهدف القافية إما بتنويعها أو بإلغائها كليا فيما سماه الشعراء التجريبيون وقتها بالشعر المرسل، قام بهذه المحاولة الزهاوي وعبد الرحمن شكري ومحمد فريد أبو حديد واحمد زكي أبو شادي، كما قام الأخير بمحاولة مزج البحور الشعرية العربية في القصيدة الواحدة دون نجاح، غير أن كتابة الشعر المقطعي بقواف متراوحة أو محاولة كتابة الشعر المرسل مع الإبقاء على شكل الشطرين لم تفعل شيئا نحو تحرير الشكل لأن قضية الشكل الموروث برهنت على أنها ليست قضية قواف بل قضية تقسيم البيت إلى شطرين متكافئين بعدد معين من التفاعيل. . . إن محاولة الكشف عن سر هذه المناعة في وزن الشطرين هو عمل النقد الإيجابي ولا شك أنها تعود إلى أسباب جمالية متداخلة في بنية القصيدة ولا علاقة لها فيما يزعمون من جمود العقل العربي وعجزه عن التغير " (92) . ولعل الناقدة في موقفها هذا إنما تعتمد على قواعد عقلية تستند إليها في الحكم.
أما دراسة الناقدة فاطمة الزهراء أزرويل الموسومة ب" المجتمع العربي القديم والإبداع النسائي " فتجيب عن كثير من الأسئلة المهمة وهي: كيف اقتحمت المرأة مجال الإبداع في مجتمع أبوي تسيطر عليه قيم الذكورة؟ كيف تقبل المجتمع مساهمتها؟ ولماذا تباينت مواقف الوسط العربي تجاه المرأة التي أنتجت الشعر والمرأة التي احترفت الغناء؟
ولعل الجرأة قد ظهرت عند الناقدة في محاولتها لتفسير غزارة شعر الرثاء عند النساء حين جعلته مظهرا من مظاهر تبعية المرأة للرجل حيث تقول:(5/203)
" من دراسة نماذج شعر النساء في الرثاء، أمكننا ملاحظة مدى تعبير هذا الشعر عن المحيط الضيق الذي تتحرك فيه المرأة، والحصار الذي تعاني منه واستغلال المكان والعلاقات الاجتماعية، لا شيء يمنع أن تكون المرأة شاعرة لكن علاقتها بالزوج والأخ تشكل كل عالمها وإن اختفى أحدهم إلى غير رجعة ندبته كل أيام حياتها، ولذلك يمكن اعتبار طغيان شعر الرثاء واستئثاره بالنصيب الأكبر في إبداع المرأة مظهرا من مظاهر تبعية المرأة للرجل في المجتمع الأبوي المرتبط بتقسيم الأدوار بين الجنسين " (93) .
وهي تجتهد كذلك في تفسير ظاهرة الغزل في كل القصائد القديمة وتقول: " ومن تدقيق أشعار المعلقات أو غيرها نجد أن الشعر الغزلي تعبير عن الحب من طرف واحد هو الرجل، أما المرأة الملهمة لهذا الشعر فإن حضورها لا يتعدى مجال الخيال " (94) .
وتفرد الناقدة ديزيرة سقال أكثر من دراسة في هذا المجال هي:-
أ - حركة الحداثة - طروحها وإنجازاتها -
ب - الأرض الخراب الشعر العربي الحديث.
ج - الكتابة والخلق الفني.
د - بحوث إسلامية.
هـ - من الصورة إلى الفضاء الشعري.
ولعل دراستها " من الصورة إلى الفضاء الشعري " تشكل أثرا واضحا وناضجا في مجال الإبداع النقدي القائم على التجديد والابتكار، فهي تحاول من خلال هذه الدراسة الغوص إلى جوهر الموضوع وتسجيل كل جديد في دراسة الصورة وقد اعتمدت في هذه الدراسة على الجانب التطبيقي للنصوص فدرست الصورة والفضاء الشعريين ومدى ذاكرة الكلمات التي منها يتشكل المعجم المختص بالنص والتي تحدد طبيعة استخدامها شعرية النص أو نثريته، ثم قامت بتجميع عناصر " الدليل " ودرست طريقة تشكلها وتمحورها وإمكانية تشكيل النص المفتوح (95) .
وتترك الناقدة خالدة سعيد بصمة واضحة في هذا الجانب من الدراسات العامة بدراستها " الملامح الفكرية للحداثة " التي تحاول من خلالها الوقوف على أبرز ملامح الحداثة حين تقول:(5/204)
" إن الحداثة تحول معرفي سمته الأولى الانتقال من المشابهة السكونية إلى الاختلاف والتحول أو الجدل، أي من التكرار إلى التوليد والتجاوز، وهذا يجعل الحداثة حالة عقلية قبل كل شيء، أي وضعية فكرية ومسارا، فالحداثة ليست إنجازا محددا يمكن تقليده أو استبداده أو حتى تصديره، إنها نقيض كل تقليد أو محاكاة أو استلهام لمثال وهي كذلك لأنها نقدية تحديا " (96) .
وغير هذه الدراسة فإن دراستها للمسرح اللبناني تحت عنوان " المسرح اللبناني مصطلحا وصاحب مشروع" (97) تكاد تكون رائدة وتجديدية في هذا المجال، وغيرها أيضا فإن دراستها "الحداثة المسرحية ومسيرة البحث عن الذات " دراسة في مسرح"فرقة الحكواتي " تنبئ عن اهتمام واضح بالأعمال المسرحية، فقد أقدمت خالدة سعيد علي نقد مسرحية " أيام الخيام " مؤكدة على المستوى الرفيع الذي حظيت به والأسلوب الفني الرائع الذي تميزت به حيث تقول:
" هذه المسرحية التي تبدو محافظة لأنها تقد م الراهن المتحقق لا المحتمل على انه الصورة الكاملة وتوهم بالواقعية التي تنقل الواقع في جزئياته، إنما هي قراءة كاشفة ترسم الخط الواصل بين الظاهر والأعماق، بين ظاهر مبعثر وباطن يتوحد فيه الحب والموت والحياة" (98) .
ولا بد من الإشارة أيضا إلى عدد من الدراسات المميزة التي عالجت عددا من الظواهر العامة بأسلوب نقدي ناضج يرتكز على المعالجة الفنية الهادفة ويراوح في طرحه بين طرافة الشكل والمضمون وأهمها:
- أسطورة الموت والانبعاث في الشعر العربي الحديث وأدبنا الحديث بين الرؤيا والتعبير للناقدة ريتا عوض.
- المرأة العربية والابداع - يمنى العيد (99)
- تغيير المشهد من القراءة إلى الصياغة -يمنى العيد (100)
- الكتابة الشعرية والتراث - مكانية القصيدتين القديمة والحديثة -ريتا عوض (101)
- تعدد التصويت في الموسيقى -عواطف عبد الكريم (102)
- الشعر والموت في زمن الاستلاب -اعتدال عثمان (103)(5/205)
- النقد المسرحي والعلوم الإنسانية - سامية أحمد أسعد (104)
- نحو تنظير سيميو طبيقي لترجمة الإبداع الشعري - فريال جبوري غزول (105)
- العملية الإبداعية من منظور تأويلي - سحر مشهور (106)
- المفارقة - نبيلة إبراهيم (107)
- لغة الضد الجميل في شعر الثمانينات - النموذج الفلسطيني - فريال جبوري غزول (108)
- قص الحداثة - نبيلة إبراهيم (109)
- نقاط أولية حول الاغتراب القسري والرواية العربية - فريدة النقاش (110)
- القصة الفلسطينية الجديدة بين تيارين - رندة حيدر (111)
أما الدراسات التي تناولت الظواهر العامة بمنهج تاريخي يعمد إلى ربط الظواهر الأدبية بالتاريخ السياسي والاجتماعي فهي كثيرة، وتكاد تكون في معظمها دراسات أكاديمية جامعية تخلو من الحداثة النقدية القائمة على تجاوز البدهيات والغوص إلى جوهر الموضوع وكثيرا ما كانت هذه الدراسات تعتمد على الاستقراء الناقص وإصدار الأحكام القاطعة واللجوء إلى التعميمات، وهي أحيانا تستفيد من المنهج الفني في تدعيم بعض الجوانب التاريخية.
ولعل من ابرز هذه الدراسات الدراسة الموسومة ب" القيم الروحية في الشعر العربي " للناقدة ثريا ملحس وهي تركز فيها على القيم الروحية في الشعر العربي قديمه وحديثه من حيث الجمال والكمال والفن والحب والسعادة والحرية والدين والوطنية وغيرها، وقد وقفت فيها على عدد من الدواوين الشعرية المشهورة، لكنها اتكأت على مصادر أولية في دراسة الفكر المختلفة ولم تقف على المصادر الرئيسة، وكانت تكتفي بإيراد المقطوعات الشعرية والتقديم لها دون أن تلجأ إلى التحليل الفني العميق لها فمثلا تقول:
" كذلك يقف فوزي المعلوف حائرا متسائلا عن سر مجيئنا وعن سر وجودنا " (112)
وتقول أيضا:(5/206)
" ويتأمل جبران في الإنسان، فيرى الضعيف الفقير الذي يسرق ليسد رمقه مذموما محتقرا، أما القوي الغني الذي يسرق أموال شعبه فلا يجرؤ أحد أن يلومه خوفا من سطوته، فقاتل الجسد يقتل بفعلته أما قاتل الروح فلا يدري به أحد " (113) .
وغيرها فإن من الدراسات التاريخية الأخرى "القصة والحكاية في الشعر العربي " للناقدة بشرى الخطيب وهي في هذه الدراسة تفرد قسما كبيرا للحديث عن تحديد مصطلح القصة والرواية والحكاية وبداية ظهورها في الشعر الجاهلي والإسلامي، ثم تقف عند عدد من القصص الاجتماعية والعاطفية وقفة سطحية تعتمد فيها على إعادة تلخيص ما ورد في القصة دون أن يكون لشخصيتها دور في توضيح الأبعاد المختلفة داخل النص، فمثلا كانت تقول في نقد قصة حميد بن ثور:
" وقد اخترنا لتمثيل تلك القصص أجملها وأبرزها في نظرنا وهي قصة لحميد بن ثور، ويبدؤها بالقسم الموثق بالله بأنه لن ينسى حبيبته " جملا" ولن يتراجع عن حبها لو أعطيت له الدنيا أو ما يعادلها بل لن يتغير حبه لها حتى لو كانت لغيره وذلك لأنها تستحق حبه وتقديره " (114) .
أما دراسة هند حسين طه " الشعراء ونقد الشعر منذ الجاهلية حتى نهاية القرن الرابع الهجري " فقد حاولت الناقدة من خلالها أن تقدم صورة عن نقد الشعراء للشعر منذ العصر الجاهلي وحتى نهاية حياة الشريف الرضي، وعرضت فيه إلى ما تجمع لديها من آراء الشعراء في أشعار بعضهم مراعية في ذلك كله المنهج التاريخي، ولم تقصر الرؤية عند من اشتهر من هؤلاء النقاد، بل تعرضت لكل من وجدت عنده نشاطا في هذا الميدان محاولة رصد الآراء النقدية التي كان لها دور مهم في مبادئ النظرية النقدية عند العرب، وكانت أحيانا تحاول أن تجتهد في تعليل بعض الظواهر الفنية كأن تقول: -
" وذوق الفرزدق النقدي هو الذي جعله يرفض الألفاظ الغريبة وينكرها " (115) .(5/207)
وتقول أيضا " وعلى هذا فمن كانت هذه ثقافته، فلا عجب أن يخوض في السرقات الشعرية في فترة شاعت فيها فكرة تتبع السرقات " (116) .
وغير هذه الدراسات فقد ظهرت دراسات أخرى منها " وقفة مع الشعر والشعراء" للناقدة جليلة رضا وقد مالت فيها إلى الوقوف عند بعض المقطوعات الأدبية لعدد من الأدباء وكانت تعرضها وتشرحها بطريقة أولية سطحية ثم تنطلق لتعطي حكما عليها كثيرا ما كان يتكئ على المجاملة والمبالغة وإظهار العاطفة كأن تقول: " وبعد، فما زلت أقول: إن الخفاجي أديب كبير قبل أن يكون شاعرا وقد استنزف أيامه في مزاولة الأدب في أسلوبه النثري مما اكسبه اتقانا وبراعة وأصالة، فلما زاول الشعر وتمرس جاء ديوانه " أشواق الحياة " وفيه من شفافية الروح ما جعل قارئه يكاد يرى صاحبه من خلال السطور " (117) .
ومن أبرز الأدباء الذين وقفت عليهم الناقدة في هذه الدراسة: أحمد هيكل، عوض الوكيل، يوسف عز الدين، فتحي سعيد، مختار الوكيل، طاهر زمخشري، عبده بدوي، محمد عبد المنعم خفاجي، فؤاد الخطيب، عبد العزيز شرف وغيرهم.
ثم دراسة فاطمة محجوب " قضية الزمن في الشعر العربي" وهي دراسة جمعية تاريخية وقفت فيها الناقدة على مرحلة الشباب ومدح الشباب وذمه ثم حلول الشيب وسوء منظره وقد أفردت بابا صغيرا للحديث عن موقف البحتري من الشيب ومقارنته بما ورد عن الشعراء (118) .
• • •
وبعد
فإن دراسة متأنية لكل ما ذكر في هذا البحث تبين لنا ما يلي:
- إن بدايات النقد النسائي قد جاءت متأخرة قياسا بحركة الأدب النسائية إذ إن الوجود الحقيقي لهذا النقد يكاد تكون في منتصف هذا القرن فقط.
- إن الاتجاهات التي سيطرت على هذا النقد قد تمثلت في اتجاهين اثنين هما:(5/208)
الاتجاه الفني، وقد برز واضحا عند عدد لا بأس به من الناقدات ممن أقمن نقدهن على التحليل والتمحيص والدراسة العميقة، والاتجاه التاريخي الذي سيطر على عدد كبير من الدراسات الأكاديمية الجامعية.
- إن حركة النقد النسائية لم تكن لتقف عند حدود قطر عربي بعينه بل امتدت لتشمل معظم الأقطار العربية وبخاصة مصر وسوريا ولبنان والعراق ودول المغرب العربي.
- إن معظم هذا النقد قد جاء في نقد المرأة للرجل، وإن جزءا قليلا فقط قد جاء في نقد المرأة للمرأة.
- إن الغاية الحقيقية من هذا النقد قد تعدت حدود العمل من أجل كسب الشهرة لتشمل بكل فاعلية العمل على النهوض بالأدب العربي ودفعه إلى الأمام.
- إن مضامين هذا النقد قد جاءت منصبة بالدرجة الأولى على معالجة قضايا مختلفة في أدبنا الحديث، وإن عددا قليلا من الأعمال النقدية قد تناول موضوعات قديمة جاءت ضمن الدراسات التاريخية الأكاديمية.
- إن الموضوعية والجرأة في إصدار الأحكام كانتا من ابرز الصفات التي ميزت الناقدات في معظم أعمالهن وبخاصة أعمال الناقدات المشهورات على مستوى الوطن العربي.
- إن بعض الناقدات قد استفدن من المناهج النقدية الحديثة في دراسة الأعمال الأدبية لا سيما المنهج البنيوي الأكثر انتشارا في عالم النقد الحديث.
- إن معظم هذه الأعمال النقدية قد جاءت على شكل مقالات نقدية موزعة في الكتب والدوريات المختلفة وأخص بالذكر هنا مجلة الآداب اللبنانية ومجلة فصول.
الحواشي والتعليقات
(1) ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، باب الدال، ص425-426.
(2) د. محمد عبد المنعم خفاجي، مدارس النقد الأدبي الحديث، الدار المصرية اللبنانية، ص9-11.
(3) محمد زغلول سلام، النقد الأدبي الحديث، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1981، ص156.
(4) انظر: عبد العزيز عتيق، في النقد الأدبي، ط2، دار النهضة العربية، 1972، ص268.(5/209)
(5) انظر: محمد طاهر درويش، النقد الأدبي عند العرب، دار المعارف، 1979، ص34-41.
(6) في النقد الأدبي، ص272.
(7) النقد الأدبي الحديث، ص143.
(8) المصدر نفسه، ص144.
(9) المصدر نفسه، ص144.
(10) يمنى العيد، المرأة العربية والإبداع، الآداب، عدد4-6، سنة39، 1991، ص24.
(11) المصدر نفسه، ص25.
(12) عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، ج1، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، ص217.
(13) أحمد أمين، النقد الأدبي، ط4، دار الكتاب العربي، بيروت، 1967، ص455.
(14) مي يوسف خليف، الشعر النسائي في أدبنا القديم، مكتبة غريب، ص24-25.
(15) المرزباني، الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995، ص194-196.
(16) الشعر النسائي في أدبنا القديم، ص24-25.
(17) روز غريب، نسمات وأعاصير في الشعر النسائي، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص14.
(18) المصدر نفسه، ص39-40.
(19) المصدر نفسه، ص50.
(20) المصدر نفسه، ص57-58.
(21) عيسى الناعوري، أدب المهجر، ط3، دار المعارف، مصر، ص35.
(22) المصدر نفسه، ص35.
(23) المصدر نفسه، ص36-38.
(24) علي جواد الطاهر، وراء الأفق الأدبي، منشورات وزارة الإعلام، 1977، ص263.
(25) عبد الرضا علي، نازك الملائكة الناقدة، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1995، ص214
(26) المصدر نفسه، ص216.
(27) المصدر نفسه، ص200.
(28) المصدر نفسه، ص202.
(29) المصدر نفسه، ص218.
(30) نازك الملائكة، الصومعة والشرفة الحمراء، ط2، دار العلم للملايين، بيروت، 1979، ص176.
(31) المصدر نفسه، ص176-177.
(32) المصدر نفسه، ص180.
(33) المصدر نفسه، ص212-213.
(34) المصدر نفسه، ص216.
(35) ريتا عوض، بنية القصيدة الجاهلية، ط1، بيروت، دار الآداب، 1992، ص20.(5/210)
(36) ريتا عوض، الجنون في أدب جبران، الآداب، عدد8، سنة22، 1974، ص36-39.
(37) ريتا عوض، صورة الإنسان العربي في ديوان الرعد الجريح لحاوي، الآداب، عدد4-6، سنة39، 1991 ص29-39.
(38) ريتا عوض، خليل حاوي - الشاعر – الناقد – الفيلسوف، الآداب، عدد6، سنة40، 1992، ص28-36.
(39) يمنى العيد، ممارسات في النقد الأدبي، دار الفارابي، بيروت، 1975، ص98.
(40) المصدر نفسه، ص8.
(41) المصدر نفسه، ص8-9.
(42) المصدر نفسه، ص29.
(43) المصدر نفسه، ص38.
(44) انظر: المصدر نفسه، ص115-132.
(45) يمنى العيد، شعر المقالح – مرجعيته وشعريته -، الآداب، عدد4-6، سنة34، 1986، ص28-36.
(46) نبيل سليمان، مساهمة في نقد النقد الأدبي، ط2، دار الحوار للنشر والتوزيع، 1986، ص48.
(47) المصدر نفسه، ص51.
(48) لطيفة الزيات، من صور المرأة في القصص والروايات العربية، دار الثقافة الجديدة، ص31.
(49) المصدر نفسه، ص163-164.
(50) عزيزة مريدن، القصة الشعرية في العصر الحديث، ط1، دار الفكر، 1984، ص85-86.
(51) المصدر نفسه، ص196.
(52) انظر: فاطمة حسن، الرمزية في أدب نجيب محفوظ، ط1، المدرسة العربية للدراسات والنشر، 1981 ص257-260.
(53) انظر: نجوى القسنطيني، الحلم والهزيمة في روايات عبد الرحمن منيف، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية 1995.
(54) فريال جبوري غزول، فيض الدلالة وغموض المعنى في شعر محمد عفيفي مطر، فصول، مجلد4، عدد3 1984، ص176.
(55) سيزا قاسم، حول بويطيقيا العمل المفتوح، قراءة في اختناقات العشق والصباح لإدوار الخراط، فصول مجلد4، عدد2، 1984، ص241.
(56) رضوى عاشور، الإنسان والبحر، فصول، مجلد3، عدد3، 1983، ص121-127.
(57) منى ميخائيل، الست هدى، فصول، مجلد3، عدد1، 1982، ص198.(5/211)
(58) اعتدال عثمان، نحو قراءة نقدية إبداعية لأرض محمود درويش، فصول، مجلد5، عدد1، 1984، ص191-210.
(59) نبيلة إبراهيم، شعبية شوقي وحافظ، فصول، مجلد3، عدد2، 1983، ص213-223.
(60) نبيلة إبراهيم، خصوصية التشكيل الجمالي للمكان في أدب طه حسين، فصول، مجلد9، عدد1-2، 1990 ص49-59.
(61) فدوى مالطي دوجلاس، الوحدة النصية في ليالي سطيح، فصول، مجلد3، عدد2، 1983، ص109-118.
(62) فدوى مالطي دوجلاس، البطل والرواية (الإبداع الأدبي في الجنوب) ، فصول، مجلد6، عدد4، 1986 ص203-208.
(63) أمينة غصن، خليل حاوي أو رأس أورفيوس المقطوع المغني، الآداب، عدد6، سنة40، 1992، ص51-56
(64) سلافة العامري، الحب في أدب نجيب محفوظ، الآداب، عدد1، سنة22، 1974، ص59-62.
(65) نجاح العطار، إلياس أبو شبكة الشاعر المتمرد، الآداب، عدد5-12، سنة30، 1982، ص22-27.
(66) أمينة رشيد، رواية الأرض بين القيمة وعلاقة الزمان بالمكان، فصول، مجلد5، عدد4، 1985، ص203-210.
(67) أمينة العدوان، الأعمال النقدية، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص322.
(68) المصدر نفسه، ص333.
(69) المصدر نفسه، ص318.
(70) المصدر نفسه، ص51.
(71) المصدر نفسه، ص281.
(72) المصدر نفسه، ص295.
(73) مي زيادة، وردة اليازجي، ط2، بيروت، مؤسسة نوفل، 1980، ص47.
(74) المصدر نفسه، ص48.
(75) مي زيادة، عائشة تيمور، ط2، بيروت، مؤسسة نوفل، 1983، ص100.
(76) أمينة العدوان، الأعمال النقدية، ص77.
(77) المصدر نفسه، ص93-94.
(78) المصدر نفسه، ص138.
(79) المصدر نفسه، ص312-316.
(80) نازك الملائكة، سيكولوجية الشعر ومقالات أخرى، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1993، ص145.
(81) المصدر نفسه، ص146.
(82) المصدر نفسه، ص146.
(83) انظر: المصدر نفسه، ص145-146.(5/212)
(84) نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، دار العلم للملايين، بيروت، ص5-6.
(85) المصدر نفسه، ص296.
(86) المصدر نفسه،ص302-303.
(87) المصدر نفسه، ص325-326.
(88) المصدر نفسه، ص162.
(89) المصدر نفسه، ص176.
(90) انظر هذه المقالات في كتابها سيكولوجية الشعر ومقالات أخرى.
(91) انظر: بشرى موسى صالح، الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، ط1، المركز الثقافي العربي، 1994.
(92) سلمى الخضراء الجيوسي، بنية القصيدة العربية عبر القرون: المقاومة والتجريب – المؤثرات الأجنبية في الشعر العربي المعاصر – الحلقة النقدية في مهرجان جرش الثالث عشر، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1995 ص34.
(93) فاطمة المرنيسي وآخرون، صور نسائية، ط1، 1996، ص159-160.
(94) المصدر نفسه، ص163.
(95) ديزيرة سقال، من الصورة إلى الفضاء الشعري، ط1، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1993.
(96) خالدة سعيد، الملامح الفكرية للحداثة، فصول، مجلد4، عدد3، 1984 ص32.
(97) خالدة سعيد، المسرح اللبناني مصطلحا وصاحب مشروع، الآداب، عدد4-5، سنة42، 1992، ص58-67
(98) خالدة سعيد، الحداثة المسرحية ومسيرة البحث عن الذات – دراسة في مسرح فرقة الحكواتي، فصول، مجلد4 عدد4، 1984، ص121.
(99) يمنى العيد، المرأة العربية والإبداع، الآداب، عدد4-6، سنة39، 1991، ص24-27.
(100) يمنى العيد تغيير المشهد من القراءة إلى الصياغة، الآداب، عدد7-9، سنة33، 1985، ص9-11.
(101) ريتا عوض، الكتابة الشعرية والتراث – مكانة القصيدتين القديمة والحديثة، الآداب، عدد7-9، سنة39 1991، ص2-13.
(102) عواطف عبد الكريم، تعدد التصويت في الموسيقى، فصول، مجلد5، عدد2، 1985، ص100-106.
(103) اعتدال عثمان، الشعر والموت في زمن الاستلاب، فصول، مجلد4، عدد1، 1983، ص221-228.(5/213)
(104) سامية أحمد أسعد، النقد المسرحي والعلوم الإنسانية، فصول، مجلد4، عدد1، 1983، ص155-162.
(105) فريال جبوري غزول، نحو تنظير سيميو طبيقي لترجمة الإبداع الشعري، فصول، مجلد10، عدد1، 1991 ص116-125.
(106) سحر مشهور، العملية الإبداعية من منظور تأويلي، فصول، مجلد10، عدد1، 1991، ص91-104.
(107) نبيلة إبراهيم، المفارقة، فصول، مجلد7، عدد3، 1987، ص131-142.
(108) فريال جبوري غزول، لغة الضد الجميل في شعر الثمانينات – النموذج الفلسطيني، فصول، مجلد7، عدد1 1987، ص192-202.
(109) نبيلة إبراهيم، قص الحداثة، فصول، مجلد6، عدد4، 1986، ص95-107.
(110) فريدة النقاش، نقاط أولية حول الاغتراب القسري والرواية العربية، الآداب، عدد2-3، سنة28، 1980 ص33-38.
(111) رندة حيدر، القصة الفلسطينية الجديدة بين تيارين، الآداب، عدد10، سنة22، 1974، ص28-30.
(112) ثريا ملحس، القيم الروحية في الشعر العربي، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني، بيروت، ص277.
(113) المصدر نفسه، ص116.
(114) بشرى الخطيب، القصة والحكاية في الشعر العربي، ط1، دار الشؤون الثقافية والعامة، بغداد، 1990 ص219.
(115) هند طه حسين، الشعراء ونقد الشعر، ط1، بغداد، 1986، ص56.
(116) المصدر نفسه، ص61.
(117) جليلة رضا، وقفة مع الشعر والشعراء، ج2، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989، ص134.
(118) انظر: فاطمة محجوب، قضية الزمن في الشعر العربي، دار المعارف، القاهرة.
المصادر والمراجع
1- ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت.
2- أحمد أمين: النقد الأدبي، ط4، دار الكتاب العربي، بيروت، 1967.
3- أمينة العدوان: الأعمال النقدية، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بدون تاريخ.
4- بشرى الخطيب: القصة والحكاية في الشعر العربي، ط1، دار الشؤون الثقافية والعامة، بغداد، 1990.(5/214)
5- بشرى موسى صالح: الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، ط1، المركز الثقافي العربي، 1994.
6- ثريا ملحس: القيم الروحية في الشعر العربي، مكتبة المدرسة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، بدون تاريخ.
7- جليلة رضا: وقفة مع الشعر والشعراء، ج2، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989.
8- ديزيرة سقال: من الصورة إلى الفضاء الشعري، ط1، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1993.
9- روز غريب: نسمات وأعاصير في الشعر النسائي، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بدون تاريخ.
10- ريتا عوض: بنية القصيدة الجاهلية، ط1، بيروت، دار الآداب، بدون تاريخ.
11- سلمى الخضراء الجيوسي: بنية القصيدة العربية عبر القرون – المقاومة والتجريب – الحلقة النقدية في مهرجان جرش الثالث عشر، ط1 المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
12- عبد الرضا علي: نازك الملائكة الناقدة، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، بدون تاريخ.
13- عبد العزيز عتيق: في النقد الأدبي، ط2، دار النهضة العربية، 1972.
14- عزيزة مريدن: القصة الشعرية في العصر الحديث، ط1، دار الفكر، 1984.
15- علي جواد الطاهر: وراء الأفق الأدبي، منشورات وزارة الإعلام، بدون تاريخ.
16- عمر رضا كحالة: أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، ج1، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، بدون تاريخ.
17- عيسى الناعوري: أدب المهجر، ط3، دار المعارف، مصر، بدون تاريخ.
18- فاطمة حسن: الرمزية في أدب نجيب محفوظ، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1981.
19- فاطمة محجوب: قضية الزمن في الشعر العربي، دار المعارف، القاهرة، بدون تاريخ.
20- فاطمة المرنيسي وآخرون: صور نسائية، ط1، 1996.
21- لطيفة الزيات: من صور المرأة في القصص والروايات العربية، دار الثقافة الجديدة، بدون تاريخ.(5/215)
22- محمد زغلول سلام: النقد الأدبي الحديث، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1981.
23- محمد طاهر درويش: النقد الأدبي عند العرب، دار المعارف، 1979.
24- محمد عبد المنعم خفاجي: مدارس النقد الأدبي الحديث، الدار المصرية اللبنانية، بدون تاريخ.
25- المرزباني (أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني) : الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء، ط21، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
26- مي زيادة: وردة اليازجي، ط2، بيروت، مؤسسة نوفل، 1980.
: عائشة تيمور، ط2، بيروت، مؤسسة نوفل، 1983.
27- مي يوسف خليف: الشعر النسائي في أدبنا القديم، مكتبة غريب، بدون تاريخ.
28- نازك الملائكة: سيكولوجية الشعر ومقالات أخرى، دار الشؤون الثقافية والعامة، بغداد، 1993.
: الصومعة والشرفة الحمراء، ط2، دار العلم للملايين، بيروت، بدون تاريخ.
: قضايا الشعر المعاصر، دار العلم للملايين، بيروت، بدون تاريخ.
29- نبيل سليمان: مساهمة في نقد النقد الأدبي، ط2، دار الحوار للنشر والتوزيع، 1986.
30- نجوى قسنطيني: الحلم والهزيمة في روايات عبد الرحمن منيف، كلية العلوم الإنسانية الاجتماعية، 1995.
31- هند طه حسين: الشعراء ونقد الشعر، ط1، بغداد، 1986.
32- يمنى العيد: ممارسات في النقد الأدبي، دار الفارابي، بيروت، 1975.
الدوريات
الآداب اللبنانية:
عدد1، سنة22، 1974.
عدد8، سنة22، 1974.
عدد10، سنة22، 1974.
عدد2-3، سنة28، 1980.
عدد5-12، سنة30، 1982.
عدد7-9، سنة33، 1985.
عدد4-6، سنة34، 1986.
عدد4-6، سنة39، 1991.
عدد7-9، سنة39، 1991.
عدد4-5، سنة42، 1992.
عدد6، سنة42، 1992.
فصول:
عدد1، مجلد3، 1982.
عدد1، مجلد4، 1983.
عدد2، مجلد4، 1983.
عدد3، مجلد3، 1983.
عدد2، مجلد4، 1984.
عدد3، مجلد4، 1984.
عدد4، مجلد4، 1984.
عدد1، مجلد5، 1984.(5/216)
عدد2، مجلد5، 1985.
عدد4، مجلد6، 1986.
عدد1، مجلد7، 1987.
عدد3، مجلد7، 1987.
عدد1-2، مجلد9، 1990.
عدد1، مجلد10، 1991.(5/217)
كتاب الإغفال
وهو المسائلُ المصلَحَةُ من كتاب (معاني القرآن وإعرابه) لأبي إسحاق الزَّجَّاج
المتوفَّى سنة 311 هـ
تأليف العلاَّمة
أبي عليٍّ الحسنِ بنِ أحمدَ بنِ عبد الغفَّار الفارسيِّ النَّحويِّ
المتوفَّى سنة 377 هـ
تحقيق
د. عبد الله بن عمر الحاج إبراهيم
أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية من جامعة الملك فهد
للبترول والمعادن - الظهران
ملخص البحث
هذا العمل هو تحقيق لنص من النصوص اللغوية التراثية، قائم حول مواضع من كتاب “ معاني القرآن وإعرابه ” لأبي إسحاق الزجاج. عمد فيه مؤلفه أبو علي الفارسي إلى إصلاح ما وقع في كتاب “ معاني القرآن ” من أخطاء لغوية.
سبقت النص مقدمة موجزة تناولت فيها باختصار التعريف بصاحب الكتاب (أبي علي الفارسي) ، وأهم الملامح في هذا الكتاب، ونسخه الخطية. وقد حاولت جاهداً إظهار نص الكتاب واضحاً سليماً إلى حد أرجو أن يكون مقبولاً فضبطته بالشكل، وعلقت عليه بحسب ما تدعو إليه الحاجة وتقتضيه عملية تحقيق النصوص من إيضاح، وتفصيل وتخريج للأقوال والمسائل والشواهد، والتعريف بما تدعو الحاجة إلى تعريفه، وكذلك مقابلة مسائله وإرجاعها إلى المصادر الأصلية في هذا الفن.
وأرجو بعملي المتواضع هذا أن أكون قد وفقت إلى إظهار نص تراثي مهم بعيداً عن أيدي الباحثين والمختصين فترة طويلة من الزمن - على الرغم مما عانيته من ذلك وصرفت فيه من وقت وجهد - ومعتذراً للإخوة الأفاضل عما قد يكون فيه من قصور. والحمد لله أولاً وآخراً.
أوَّلاً:
مقدمة التحقيق.
ترجمة المؤلف.
كتاب (الإغفال) موضوعه منهجه أهميته.
اسم الكتاب، وزمن تأليفه.
نسخ الكتاب، ومنهج التحقيق.
مقدمة التحقيق(5/218)
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، أحمدُهُ على عظيم مِنَنِهِ، وسابِغِ نِعَمِهِ، حمْدَ الشَّاكرين، وأسألُهُ المزيدَ من فضله. وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على أشرف خَلْقِه محمَّدِ بنِ عبدِ الله، صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليه، وعلى آله وصحابته الكرام البررة، والتَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
وبعد، فيَسُرُّني أنْ أُقَدِّمَ إلى سَدَنَة كتاب الله العظيم، وعُشَّاق لغته الغالية، هذا الأثرَ النَّفيسَ من آثار سَلَفِنَا الصَّالح رضوانُ الله ورحماتُهُ عليهم أجمعين، هؤلاء الأفذاذ الذين بذلوا الغاليَ والنَّفيسَ، فضربوا الأكباد، وهجروا لذيذَ الرُّقاد، لصون هذه الُّلغة العظيمة، لغة القرآن الكريم، وحمايتها من الاندثار والأفول، فكان النَّتاجُ آثاراً نفيسةً، تدلُّ على رسوخِ قَدَمٍ، وعُلُوِّ كعبٍ، وسُمُوِّ هِمَّةٍ. فرحِمَ الله هؤلاء الأعلام، وأعلى مقامهم في الخالدين.
هذا الأثرُ هو كتاب (الإغفال) وهو، (المسائل المصلحة من كتاب معاني القرآن وإعرابه للزّجَّاج) .
أمَّا مؤلِّفُهُ (أبو عليٍّ الفارسيُّ) فهو عَلَمٌ مبرِّزٌ من هؤلاء الأشياخ الذين قلَّ أن يجهَلَهم طالبُ علمٍ، لِمَا لهم من أيادٍ بيضاءَ سابغةٍ، شهد لهم بها القاصي والدَّاني. وقد قيَّضَ الله لأبي عليٍّ باحِثِينَ وأساتذةً أجِلاَّءَ قاموا بنفض غبار الزَّمن عمَّا وَصَلَ إلينا من مؤلفاته؛ إذ قد طُبِعَ إلى اليوم أكثرُهَا، وتقبَّلَهَا أهلُ العربيَّة بقَبولٍ حسَنٍ.
إلاَّ أنَّني رأيتُ بعضَ كتبِ أبي عليٍّ لا تزالُ رهينةَ أرفف المكتبات، ورأيتُ كثيراً من أهل العربية يُحجِمون عن تحقيقها وإخراجها، وهي بذلك جديرةٌ، وله مستوجبة.(5/219)
ولَمَّا صَحَّت عزيمتي في إخراج بعض تلك الكُتُبِ التي غُمِطَتْ أقدارُها، وضُرِبَ عنها صفحاً، وجَّهتُ شطري نحو كُتُبِ أبي عليٍّ (رحمه الله) لعلِّي أكونُ أحدَ خَدَمَتِهَا، فرأيتُ منها كتابَين جليلَين، لهما نُسَخٌ متوافرةٌ لَمَّا يَرَيَا النورَ بعدُ، وهما ينتظران العناية والاهتمام:
أولهما: كتابُ ((الإغفال)) ، وهو موضوع تحقيقنا.
وثانيهما: كتاب ((المسائل الشِّيرازيَّات)) . وهذا الكتاب قد قيَّضَ الله له أستاذَنَا الفاضلَ الدُّكتور حسن بن موسى الشَّاعر؛ حيث ندب نفسه لإخراجه، فسح الله في مدَّته، وسهَّلَ أمره لإتمامه.
ولَمَّا كانت لأبي عليٍّ رحمه الله تلك الشُّهرةُ الذَّائعةُ بين أهل العربيَّة، وكان كثيرٌ من الأساتذة والباحثين قد أفاضوا في الحديث عنه، وعن حياته العلميَّة، ومؤلَّفاته، وسائرِ جوانب حياته، وعلى رأسهم أستاذيَ الفاضلُ الدُّكتور عبد الفتَّاح إسماعيل شلبي في سِفْره النفيس ((أبو عليٍّ الفارسي)) ؛ إذ كان وافياً شافياً. أضِف إليه مقدِّمات المحقِّقين الأفاضل الذين قاموا بنشر كتبه، وتحدَّثوا في صدر تحقيقاتهم عنه بإسهابٍ؛ لهذا سوف أقتضب الحديث عن أبي عليٍّ وسيرته فأعطي منها صورةً مقتضبةً لمن أرادها على طرف الثُّمام.(5/220)
وإني إذ أحمدُ الله سبحانه على توفيقه لي في الشروع في تحقيق هذا الكتاب، كلِّي أملٌ أن يقع عملي هذا موقع الرِّضَا والقَبُولِ لدى أهل العربيَّة الخالدة. وقد بذلتُ فيه ما وسعني من جهدٍ، ولم أضنَّ عليه بوقتٍ أو بحثٍ أو مشورة فإن أصبتُ فيما أسلَفْتُ فمن الله سبحانه، وأسألُهُ أن يجعَلَ عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، ومُدَّخراً لي في صالح العمل، أزدلفُ به إليه يوم الحشر الأكبر، وإنْ كنتُ أخطأتُ أو أسأتُ في عملي، فأستغفرُ الله العظيم منه، وأُذكِّرُ كلَّ مَن يقفُ على شيءٍ من ذلك بقول الإمام الخطابي (1) (رحمه الله) : ((وكلُّ مَن عَثَرَ منه على حرفٍ أو معنًى يجبُ تغييرُهُ فنحنُ نناشدُهُ الله في إصلاحه وأداءِ حقِّ النَّصيحة فيه، فإنَّ الإنسانَ ضعيفٌ لا يَسْلَمُ من الخطأ إلاَّ أنْ يعصِمَهُ الله بتوفيقه، ونحنُ نسألُ الله ذلك، ونَرْغَبُ إليه في دَرَكِهِ، إنَّه جَوَادٌ وَهُوبٌ)) . والشُّكرُ مزجًى إلى كلِّ مَن يقفُ على خطأٍ فيه فيُرشدُني إليه، ورَحِمَ الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي. والرجاء موصولٌ لكلِّ مَن ينظُرُ فيه أن يخصَّني بدعوةٍ صالحةٍ بظهر الغيب.
وآخِرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمِّد وعلى آله وصحبه وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
• • •
أبو عليٍّ الفارسيُّ:
هو الحسنُ بنُ أحمدَ بنِ عبدِ الغفَّار بنِ سليمانَ الفارسيُّ الفَسَويُّ النَّحويُّ، أبو عليٍّ (2) ، المشهورُ في العالم اسمُهُ المعروفُ تصنيفُهُ ورسمُهُ، أوحدُ زمانه في علم العربيَّة. من أكابر أئمَّة النَّحويين. عَلَتْ منزلتُهُ بينهم حتى فضَّله قومٌ من تلامذته على المبرِّد. قال فيه أبو طالبٍ العبديُّ: ما كان بين سيبويه وأبي عليٍّ أفضلُ منه.(5/221)
وُلد أبو عليٍّ بمدينة (فسا) من مدن بلاد فارس (1) سنة (288هـ) ، وتجوَّل في كثير من البلدان، فقدم بغداد واستوطنها سنة (307 هـ) ، ورحل إلى الموصل سنة (337 هـ) ، وفيها لقيه ابن جني، ثم رحل إلى حلب سنة (341هـ) ، وأقام بها مدة عند سيف الدولة، ثم عاد إلى فارس وصحب عضد الدولة البويهي، وتقدم عنده، وعلت منزلته وعنه أخذ عضدُ الدولة النحو حتى قال فيه: أنا غلام أبي عليٍّ النحوي الفَسَوي في النحو. وله صنَّف أبو عليِّ كتاب ((الإيضاح)) في النحو، فلما حمله إليه استقصره عضد الدولة، وقال له: ما زدتَ على ما أعرفُ شيئاً وإنما يصلُحُ للصِّبيان، فمضى أبو عليٍّ وصنف كتاب ((التكملة)) وحملها إليه، فلما وقف عليها عضدُ الدولة قال: غضب الشَّيخُ، وجاء بما لا نفهمه نحن ولا هو. ثم رحل أبو عليٍّ إلى بغداد واستقرَّ فيها إلى أن وافته منيَّتُهُ سنة (377هـ) ، وقد جاوز التسعين من عمره. رحمه الله رحمةً واسعة.
أخذ أبو عليٍّ عن جلَّةٍ من علماء زمانه، أشهرهم (2) :
أبو إسحاق الزجَّاج (ت 311 هـ) ، وأبو الحسن علي بن سليمان الأخفش الأصغر (ت 315 هـ) ، وأبو بكر محمد بن السري بن السراج (ت316 هـ) ، وأبو بكر بن الخياط (ت 320 هـ) ، وأبو بكر محمد بن الحسن بن دريد (ت321 هـ) ، وأبو بكر بن مجاهد (ت 324 هـ) ، وأبو بكر مبرمان (ت325هـ) .
وبرع له تلامذةٌ أجلاَّءُ أشهرُهُم:
أبو الفح عثمان بن جني (ت 392 هـ) ، وأبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (ت393 هـ) ، وأبو طالب العبدي (ت 406 هـ) ، وأبو عبد الله محمد بن عثمان بن بلبل (ت 410 هـ) ، وعلي بن عبد الله السمسمي (ت415 هـ) ، وأبو الحسن علي بن عيسى الربعي (ت 420 هـ) ، وأبو علي المرزوقي (ت421 هـ) ، وابنُ أخته أبو الحسين محمد بن الحسين بن عبد الوارث الفارسي النحوي (ت 421 هـ) ، وغيرهم (3) .
وقد عاصر أبا عليٍّ ثلَّةٌ من العلماء، كان من أبرزهم:(5/222)
أبو القاسم الزجاجي (ت 337هـ) ، وأبو سعيد السيرافي (ت 368 هـ) ، وابن خالويه (ت370هـ) ، وأبو الحسن علي بن عيسى الرماني (ت384هـ) . رحمهم الله جميعاً.
أمَّا عن آثاره فقد رحلَ أبو عليٍّ الفارسيُّ (رحمه الله) عن الدُّنيا تاركاً لنا ميراثاً عزيزاً غزيراً، ومصنَّفاتٍ عجيبةً حسنةً لم يُسْبَقْ إلى مثلها، نشير إلى أهمِّها فيما يلي (1) :
1 الحجة للقراء السَّبعة (2) .
2 الإغفال أو (المسائل المصلحة من كتاب إبي إسحاق الزجاج) . وهو موضوع تحقيقنا.
3 الإيضاح (3) .
4 التكملة (4) .
5 المسائل العسكريات (5) .
6 المسائل البغداديات (6) .
7 المسائل العضديات (7) .
8 المسائل الحلبيات (8) .
9 المسائل المنثورة (9) .
10 المسائل البصريات (10) .
11 المسائل الدمشقية.
12 المسائل الكرمانية.
13 المسائل الشيرازيات.
14 المسائل المجلسيات.
15 المسائل الذهبيات.
16 المسائل القصرية.
17 الهيثيات.
18 الأهوازيات.
19 العوامل المائة.
20 المقصور والممدود.
21 أبيات المعاني.
22 نقض الهاذور (وهو ردٌّ على ابن خالويه في ردِّه على الإغفال الذي قيل: إنه سماه بالهاذور) .
23 إيضاح الشعر (أو شرح الأبيات المشكلة الإعراب) (11) .
24 التعليقة على الكتاب (12) .
25 التذكرة، (وهو كبير في مجلدات) . وغيرها.
أمَّا عن قرض الفارسيِّ للشعر فيروي لنا تلميذُهُ ابنُ جني (رحمه الله) قائلاً (13) : ((لم أسمع لأبي عليٍّ شعراً قطُّ، إلى أن دخل إليه في بعض الأيام رجلٌ من الشُّعراء، فجرى ذِكْرُ الشِّعر، فقال أبو عليٍّ: إنِّي لأغبطُكُم على قولِ الشِّعر، فإنَّ خاطري لا يواتيني على قولِهِ، مع تحقُّقي للعلوم التي هي من موارده. فقال له ذلك الرَّجُلُ: فما قلتَ قطُّ شيئاً منه البتَّةَ؟ فقال: ما أعهد لي شعراً إلا ثلاثة أبياتٍ قلتُها في الشَّيب، وهي قولي:(5/223)
خَضَبْتُ الشَّيْبَ لَمَّا كَانَ عَيْباً وَخَضْبُ الشَّيْبِ أَولَى أَنْ يُعَابَا
وَلَمْ أَخْضِبْ مَخَافَةَ هَجْرِ خِلٍّ وَلاَ عَيْباً خَشِيْتُ وَلاَ عِتَابَا
وَلَكِنَّ المشِيْبَ بَدَا ذَمِيْماً فَصَيَّرْتُ الخِضَابَ لَهُ عِقَابَا
فاسْتَحْسَنَّاها وكَتَبْنَاها عنه)) .
كتاب الإغفال (موضوعه، منهجه، أهميته) :
يُعَدُّ كتاب ((الإغفال)) صورةً واضحةً لذلك اللَّون من النَّشاط النَّحوي الذي شاع في القرن الرَّابع الهجري والمتمثِّل في تعقُّب النُّحاة وتتبُّع بعضهم بعضاً، كما يُعدُّ الكتابُ صورةً صادقةً لضلاعة أبي عليٍّ وتمكُّنه العلمي وتبحُّره، ومن ثَمَّ رأينا ابنَ قاضي شهبة (رحمه الله) يصفُ كتابَ ((الإغفال)) بأنَّه كتابٌ نفيسٌ (1) .
يدور موضوع هذا الكتاب حول مسائل أخذها أبو عليٍّ على شيخه أبي إسحاق الزَّجَّاج في كتابه ((معاني القرآن وإعرابه)) ، فذكَرَ نصَّها، وأبدى موضع المؤاخَذَةِ منها، ثم عرض لها بالتَّفنيد والرَّدِّ والإصلاح،كما أشار في بداية الكتاب حيث قال: ((هذه مسائلُ من كتاب أبي إسحاق الزَّجَّاج في إعراب القرآن، ذَكَرْنَاها لِمَا اقتضَتْ عندنا من الإصلاح للإغفال الواقع فيها، ونحنُ ننقلُ كلامَهُ في كل مسألةٍ من هذه المسائل بلفظه، وعلى جهته من النُّسخة التي سمعناها منه فيها، ثم نُتبِعُهُ بما عندنا فيه، وبالله التَّوفيقُ)) .
تناول أبو عليٍّ في الكتاب ما يزيد على مائةِ مسألةٍ. وهي في مجملها قضايا نحويَّةٌ وصرفيَّةٌ وصوتيَّةٌ تناولها أبو عليٍّ بالشَّرح والتَّحليل. وقد أطنب في بعضها كثيراً بحيث لم يترك زيادةً لمستزيد، وفي بعضها كان يقتضبُ القول اقتضاباً بما يوضِّحُ موضعَ الإغفال من كلام الزجاج، وفي بعضها الآخر نراه يسكُتُ فلا يُعقِّبُ بشيء بعد ذِكْرِ موضع الإغفال، ولعله اكتفى بكلامه عنه في مكانٍ آخَرَ.(5/224)
كان من منهج أبي عليٍّ في ((الإغفال)) أنَّه يبتدئُ بذِكْرِ نصِّ أبي إسحاقَ، وقد يشير إلى مواضعَ أخرى من (معاني القرآن وإعرابه) تكرَّرَ فيها كلامُ أبي إسحاق، ثمَّ يُتْبِعُ أبو عليٍّ ذلك بكلامه مبتَدِئاً بقوله: ((قال أبو عليٍّ)) ، ثمَّ يأخُذُ بتفنيد رأي أبي إسحاق، ودحضه بالأدلة والبراهين، ويصف في بعض الأحيان قولَه بالغلط والنِّسيان، وأحياناً بالفساد والبُعْدِ عن قول سيبويه.
كتابُ ((الإغفال)) يصدُرُ عن نزعةِ التَّقدير التي وَقَرَت في صدر أبي عليٍّ لسيبويه، ومن أجل ذلك هاجم مَن هاجَمَ كالمبرِّد والزَّجَّاج، وسالَمَ مَن سَالَمَ كأبي زيدٍ وقُطْرُب، معتبراً في ردِّهِ وهجومه ومسالمته ما يرى أنَّه الحقُّ أوَّلاً وما يبدو من موقفِ المهاجم أو المسالم ثانياً (1) .
كتاب ((الإغفال)) يدلُّ دلالةً واضحةً وصادقةً على تفهُّم أبي عليٍّ لكتاب سيبويه، وعكوفه عليه، وتعمُّقه في دراسته، لذا فقد كان أبو عليٍّ يضمِّنُ كلامَه كثيراً من عبارات سيبويه وأمثلتِهِ، حتَّى إنَّكَ لتراه يجري على لسانه كأنَّه يحفظُهُ عن ظهر قلب، حتى إن عباراته تداخلت مع نص الكتاب في بعض نسخه (2) .(5/225)
وكثيراً ما يتكلَّمُ بكلام سيبويه، ويمثِّل بأمثلته دونما إشارة، فإذا عدتَ إلى الكتاب رأيت الكلام لسيبويه. ولَمَّا كان لسيبويه (رحمه الله) المكانة الأولى بين النحاة، فلا غرابة في أن يجري أبو عليٍّ في فلكه. ويرى الأستاذ الدكتور عبد الفتاح شلبي أنَّ هناك أسباباً خاصة أخرى جعلت أبا عليٍّ يقفُ هذا الموقف من إمام النُّحاة؛ فكلاهما فارسيٌّ، بل إن قبر سيبويه موجود بشيراز تلك المدينة التي بقي فيها أبو عليٍّ قرابة عشرين سنة أيام صباه، ثم عاد إليها بعد رحلته إلى بغداد واتصاله بعضد الدولة ليقيم فيها عشرين سنة أخرى، فهذه أربعون عاماً قضاهاً بجوار ذلك الإمام، ولعلَّ كلَّ ذلك دافِعٌ لأنْ يقِفَ أبو عليٍّ ذلك الموقف الصُّلب مدافعاً عن إمام النحاة (سيبويه) ضدَّ معارضيه (رحمهم الله جميعاً) (1) . وأقولُ: بل ربما يكونُ الدَّافعُ الأهمُّ في هذه الحملة التي قادها أبو علي ضدَّ شيخه هو الخلاف المذهبي بين أبي إسحاق السني، وأبي عليٍّ المعتزلي.
((لقد قرأ أبو عليٍّ (رحمه الله) كتاب سيبويه قراءةً فاحصةً واعيةً، ووازن نسخه بعضها ببعض، وردَّ ما يُتَوهَّمُ في الكتاب من التَّدافع، وصحَّحَ مذهبه، واحتجَّ به، واحتجَّ له، ونصَّ على أنَّ القولَ قولُ سيبويه، وبنى على ما يرويه، وقاس على ما يحكيه)) (2) ، ومن ثَمَّ فإنَّ أبا عليٍّ يُتعِبُ مَن يتصدَّى إلى تحقيق مؤلفاته، في إرجاع اقتباساته من كلام سيبويه إلى ((الكتاب)) ، لذا فقد تعبتُ في تتبُّع مسائله في الكتاب، وأخفقتُ في الوصول إلى بعضها ممَّا حكاه عن سيبويه.(5/226)
كلُّ هذا في ((الإغفال)) يدلُّ بوضوحٍ على صدق قول أبي حيَّان التوحيدي في أبي عليٍّ و ((الكتاب)) حيث قال (1) : ((وأما أبو عليٍّ فأشدُّ تفرُّداً بالكتاب، وأشدُّ إكباباً عليه، وأبعدُ من كلِّ ما عداه مما هو علمُ الكوفيين، وما تجاوز في اللُّغة كتبَ أبي زيدٍ، وأطرافاً مما لغيره، وهو متِّقدٌ بالغيظِ على أبي سعيد، وبالحسد له، كيف تمَّ له تفسيرُ كتاب سيبويه من أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ بغريبه، وأمثاله، وشواهده، وأبياته)) .
ومن ثَمَّ رأينا أبا عليٍّ يدافع عن سيبويه، وعن آراء سيبويه، ضد المعترضين وبخاصَّةٍ المبرِّدُ الذي اعترض على سيبويه وخطَّأه في كتابه المسمى ب (الغَلَط) ، ولعلَّ هذا ما جعل الفارسيَّ يعمد إلى الزَّجَّاج تلميذ المبرد فيتعقَّبُهُ في كتابه ((معاني القرآن وإعرابه)) ويَرُدَّ عليه في هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحقيقه، ولعل ذلك أيضاً كان الحامل على مسالمته في الأعم الأغلب لأحمد بن يحيى (ثعلب) خصم المبرد (2) . على أنَّ أبا حيَّان (رحمه الله) أرجَعَ ذلك إلى أنَّ أبا عليٍّ كان محبًّا للرَّدِّ على الزَّجَّاج وتخطئته، قال: ((لأنَّه كان مولَعاً بذلك)) (3) .
لقد جاء كتاب ((الإغفال)) شرحاً لكثير من نصوص كتاب سيبويه، وتطبيقاً للقواعد التي فيه، فقد رأيتُهُ حريصاً بشكل كبير على شرح كلام سيبويه أينما مرَّ به، وكان يعمدُ في كثير من الأحيان إلى بسط القولِ في المسائل لأنَّ لها ارتباطاً بكلام سيبويه، فنراه يقول (4) : (( ... وإنمَّا شَرَحْنَا هذا لأنَّهَا من مسائل الكتاب، وهذا لفظُ سيبويه، قال: وممَّا جاء من هذا الباب في القرآن وغيرِه قولُهُ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيْمٍ تُؤْمِنُوْنَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ وَتُجَاهِدُوْنَ في سَبِيْلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} ، فلما انقضت الآية قال: {يَغْفِرْ لَكُمْ} )) .(5/227)
وقد يشرحُ أبو عليٍّ نصاً لسيبويه لا نجدُهُ له في كتبه الأخرى، ولا في تعليقته التي وضعها على الكتاب، وخاصَّة إذا كان يُوردُ أكثرَ من رواية لنص سيبويه كما هي عادته في كثير من المواطن، ومن ذلك ما فعله مع نص سيبويه الذي قال فيه (1) : ((اعلَمْ أنَّ قولَهم في الشِّعْرِ: إِنْ زَيدٌ يَأْتِكَ يكنْ كذا، إنمَّا ارتَفَعَ على فِعْلٍ هذا تفسيرُهُ،كما كان ذلك في قولِكَ: إِنْ زَيْداً رَأيتُهُ يكُنْ ذلك؛ لأنَّه لا يُبْتَدَأ بعدها الأسماءُ ثُمَّ يُبْنَى عليها)) .
قال (أي: سيبويه) : ((فإنْ قلتَ: إِنْ تَأتِنِي زَيدٌ يَقُلْ ذاكَ، جاز على قولِ مَنْ قالَ: زَيداً ضَرَبْتُهُ، وهذا موضعُ ابتداءٍ وفي نسخةٍ أخرى: وليس هذا موضعُ ابتداءٍ، ألا ترى أنَّكَ لو جِئْتَ بالفاء فقلتَ: إِنْ تَأْتِنِي فَأنَا خيرٌ لكَ، كان حَسَناً. وإنْ لم تَحمِلْهُ على ذلك رُفِعَ، وجاز في الشِّعْرِ كقوله:
* ... ... اللَّهُ يَشْكُرُهَا *
ومثلُ الأوَّلِ قولُ هِشَامٍ الْمُرِّيِّ:
فَمَنْ نَحْنُ نُؤْمِنْهُ يَبِتْ وَهْوُ آمِنٌ وَمَنْ لاَ نُجِرْهُ يُمْسِ مِنَّا مُفَزَّعَا))
فقد تكلم الفارسيُّ على هذا النصِّ (في كلتا روايتيه) بإسهابٍ، وبيَّن مقصوده فيه.
إنَّ أبا عليٍّ يقفُ باقتدارٍ عجيبٍ على دقائق كلام سيبويه، ونراه (رحمه الله) ينبِّهُ على وجود كلامٍ في كتاب سيبويه يوحي بالتَّناقض بين موضعٍ وآخَرَ، وأنَّه يجب التنبُّه إلى ذلك فيُتَفَقَّدَ ويُمَحَّصَ فلا يحمل على التناقض، استمع إليه يقولُ (2) : ((كثيرٌ من الكتاب يجب أن يُتَفَقَّدَ فلا يُحمَلَ على ما يتناقَضُ. وهو غير قليلٍ)) .(5/228)
ومن مظاهر عنايته واهتمامه وتفرده بالكتاب أنه قد يجمع لنا ما يخص المسألة من كلام سيبويه المتفرق في كتابه، ويشير إلى ذلك فيقول (1) : (( ... فقد نصَّ كما ترى على أنَّ (فَعَلْتُ) قد وقع موقع (أَفعَلُ) في غير الجزاء، فإنمَّا غرضُهُ في وقوع هذه الأمثلة بعضِها مكان بعضٍ، ما تقدَّمَ حكايتنا له. وهذه المواضع التي جمعناها فيما أردْنَاه من الاتِّساع في هذه الأمثلة متفرِّقةٌ في ((الكتاب)) غيرُ مجتمعةٍ، فقِفْ عليها)) .
وإذا لم يكن لسيبويه نصٌّ في الموضوع الذي يتحدَّثُ فيه الفارسيُّ نَصَّ على ذلك فقال: ((وليس لسيبويه فيه نصٌّ)) (2) .
ورُبمَّا قوَّى رأيَ غيرِ سيبويه عليه،كما في المسألة السادسةَ عشرَةَ حيث أيَّدَ رأيَ الأخفش في أنَّ الألِفَ واللاَّمَ في ((الرجل)) من قولهم: ((ما يحسُنُ بالرَّجُل مثلك)) زائدةٌ فقال: ((ومذهبُهُ عندي أقوى)) (3) .
عرَضَ أبو عليٍّ في كتابه هذا كثيراً من المسائل النَّحْويَّة واللُّغويَّة والصَّرفيَّة، وهذه المسائلُ في أغلبها مسائلُ اعتمد فيها الزَّجَّاجُ على كلام للخليل وسيبويه، إلاَّ أنَّه فَهِمَهُ على غير الوجه الذي فَهِمَهُ عليه الفارسيُّ، ومن هنا كان الطَّابَعُ العامُّ لهذه المسائل طابعاً نحوياً صرفياً، وفي القليل كان تعقُّبُهُ عليه من جهة التَّفسير، ولعلَّ أكبر دليل على ذلك هو أنَّكَ تمضي في الكتاب إلى صفحة (100) تقريباً فلا تراه يتناول إلا ثلاثَ مسائلَ هي: (لفظ الجلالة وتصريفه) و (إيَّا) ، و (حروف التَّهجِّي في أوائل السور) . وقد اقتضب أبو عليٍّ الحديث في بعضها، وأطال في بعضها الآخر واستطرَدَ مستشهداً على كل ما يقول في غالب الأحيان بأقوال سيبويه، والأئمة من اللغويين أمثال أبي زيدٍ وقطرُبٍ، ومستدلاً على ما يقول بأشعار العرب وأمثالهم.(5/229)
شخصيَّةُ أبي عليٍّ واضحةٌ غاية الوضوح في ((الإغفال)) ، فتراه يصحِّحُ ويقوِّي، ويخطِّئ ويوهِّنُ ما يراه وتراه يختارُ مشيراً إلى الأحبِّ من الآراء إليه فيقولُ: ((والأول أعجبُ إلينا)) ، أو يستبعدُ ما لايراه قوياً فيقول: ((ولا أستحسنُ هذا)) (1) .
كان أبو عليٍّ (رحمه الله) يُقَدِّرُ العلماءَ الثِّقات، بل إنَّه يرى وُجُوبَ اعتبارِ ما رَوَوه وإنْ جاء مخالفاً للعام الشَّائع، فتراه يقولُ عن قُطْرُبٍ في روايته ل ((إسوار)) بالكسر: ((فأمَّا ما حكاه قُطْرُبٌ من أنَّه يُقالُ فيه: ((إِسْوَارٌ)) فهذا الضَّرْبُ من الأسماء قليلٌ جدّاً، إلاَّ أنَّ الثِّقَةَ إذا حَكَى شيئاً لَزِمَ قَبُولُهُ. ونظيرُهُ قولُهُم: الإِعْصَارُ ... )) .
يعمَدُ أبو عليٍّ في كثيرٍ من الأحيان إلى استقصاء المعنى في مادَّةٍ لغويَّةٍ ما، وذِكْرِ الكَلِمِ المصَرَّفة منها،كما في (شور) (2) و (آن) (3) وغيرها.
يَشيعُ في ((الإغفال)) النَّزعةُ المنطقيَّةُ الجدليَّةُ التي اتَّسَمَ بها أسلوبُ أبي عليٍّ، ومن ثَمَّ فإنَّكَ واجدٌ عباراته: (فإن قال قائلٌ ... قيل له) و (فإن قيل: ... قيل) ، و (فإن قلتَ ... فالجواب) مبثوثةً في كل مسألة.
أمَّا الاستطرادُ والخروج عن موضوع المسألة المعتَرَضِ عليها فأمر واضحٌ أيضاً، ولذلك رأيناه يقولُ في غير مكان: ((وهذا شيءٌ قد عرض في المسألة ثمَّ عدنا إليها)) (4) .(5/230)
يجمَعُ أبو عليٍّ بعضَ المسائل مع بعضها لمناسبة بينها، ومن ثَمَّ فإن بعض الآيات يتقدَّم ذكرها عن مكانها الحقيقي في سورتها، ولا يعيد أبو علي ذكرها في مكانها، أو أنه يذكرها ويحيل على ما تقدم فيها،كما حدث في الآية: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوْعِ} ، وهي الآية (155) من سورة البقرة، فقد أوردها الفارسيُّ حين حديثه عن الآية (38) في المسألة الثامنة، في حين أن هناك آيات أخرى متقدمة عليها جاءت بعدها، كما ذَكَرَ في هذا المكان أيضاً قولَه تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} وهي الآية (186) من سورة آل عمران، وقولَه: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ الله بِشَيءٍ مِنَ الصَّيْدِ} وهي الآية (94) من سورة الأنعام وهكذا، وقد صنعت فهرساً عامّاً للآيات الواردة في الكتاب يمكن من خلاله الوصول إلى مكان أي آية.
يُحيلُ الفارسيُّ كثيراً في كتاب ((الإغفال)) إلى بعض كتبه الأخرى وخاصةً كتاب: ((المسائل المشكلة)) المعروف ب ((البغداديات)) ، على أنه تجدُرُ الإشارةُ أيضاً هنا إلى شيء مهمٍّ وهو أنَّ الفارسيَّ (رحمه الله) قد أحال أيضاً في كتابه ((المسائل المشْكِلَة)) المعروف ب ((البغداديَّات)) إلى كتاب ((الإغفال)) ، وذلك قد أوقع بعضَ الباحثين في حيرةٍ من أمرهم، هل كتاب ((المسائل المشْكِلَة)) غيرُ كتاب ((البغداديَّات)) ؟ أم أنَّهما كتابٌ واحدٌ؟ وإذا كان كذلك، فكيف وقعت الإحالةُ في كلِّ كتابٍ منهما على الآخَرِ؟
ذهب الدُّكتورُ عبد الفتَّاح شلبي في استنتاجه إلى أنَّهما كتابان:
أوَّلهما ((المسائل المشْكِلَة)) .
وثانيهما ((البغداديَّات)) .
ويكونُ ترتيبُ تأليفهما مع ((الإغفال)) على النحو التَّالي: ((المسائل المشْكِلة)) أوَّلاً، ثمَّ ((الإغفال)) ، ثمَّ
((المسائل البغداديَّات)) (1) .(5/231)
على أنَّ محقِّقَ ((المسائل المشْكِلَة)) المعروفة ب ((البغداديَّات)) ذهب إلى أنَّ كتاب ((المسائل المشْكِلَة)) هو نفسُهُ كتاب ((البغداديَّات)) ، فهما كتابٌ واحدٌ، وفسَّر الإحالة من كلِّ كتابٍ على الآخر بأنَّ كتاب ((المسائل المشكلة)) قد تقدَّمت بعضُ مسائله على كتاب ((الإغفال)) فأحال منه إليها، وتأخَّرت بعضُ مسائله عن ((الإغفال)) فأحال منها إليه، فتكون فترة تأليف ((المسائل المشكلة)) أطولَ زمناً من ((الإغفال)) (1) .
أمَّا أهميَّة الكتاب فتكمن في: تعلقه بكتاب الله تبارك وتعالى، فقد أقامه على مواضع من كلام شيخه أبي إسحاق الزجاج في كتابه ((معاني القرآن وإعرابه)) ، حيث أصلح مواطن الخطأ والإغفال فيه.(5/232)
ومن أهميته أيضاً: ذِكْرُهُ لنصوصٍ من كتبٍ مفقودةٍ لم يصل إلينا منها إلاَّ أسماؤها، ككتاب ((الغلط)) وكتاب ((المسائل المشروحة من كتاب سيبويه)) (1) كلاهما لأبي العبَّاس المبرِّد، وشرحُهُ لهذه النصوص وردُّهِ عليها وإصلاحُهُ لبعض المسائل المشهورة عن أبي العبَّاس المبرِّد، ومن ذلك النَّصُّ الذي جاء عنه في كتاب ((الغلط)) (2) الذي نصَّ فيه على جواز نداء (الذي) إذا سُمِّيَ به حيث قال فيه المبرِّدُ (3) : (( ... وقد صار اسماً فخَرَجَ من أنْ تقولَ فيه: يا أيُّهَا، ولكن تقولُ: يا الذي رأيتُهُ،كما تقولُ: يا ألله اغفِرْ لي)) . ويعقِّبُ الفارسيُّ على هذا النَّصِّ بقوله (4) : ((وأَظُنُّ أنَّ أبا العبَّاسِ لم يقطَعْ بهذا الذي قالَه في كتابه المترجَم ب (الغَلَط) ؛ لأنَّ بعضَ مَن أخَذَ عنه حَكَى عنه في هذه المسألة أنَّه قال: يجبُ أن يُنظَرَ فيه، بل لا أشُكُّ؛ لأنِّي قرأتُ على أبي بكر بن السَّرَّاج في كتابِ أبي العبَّاس المترجَم ب (المسائل المشروحة من كتاب سيبويه) ما يخالفُ هذا، وهذا لفظُ ما قال: فأمَّا قولُ سيبويهِ: إنَّهُ إنْ سُمِّيَ رَجُلاً (الرَّجُلُ منطلِقٌ) ناداه فقال: يا الرَّجُلُ منطَلِقٌ، فهو كما قال؛ لأنَّ هذا ابتداءٌ وخبرٌ سَمَّى بهما رَجُلاً، ليس أحدُهما الاسمَ دون الآخَرِ، والألفُ واللاَّمُ بهما ثَمَّ للاسم كلِّهِ، وليسَتَا ل (الرَّجل) دون (منطَلِقٌ)) ) .
ومن الكتب التي ذكرها أيضاً كتاب ((التهذيب)) الذي كتبه إملاءً من شيخه أبي بكر بن السَّرَّاج، ولم أقف على حقيقته.
كما أن بعض النصوص التي نقلها عن ابن السراج أظنها من شرحه على الكتاب (5) ، وهو مفقود.
ذكر لنفسه كتاباً كرره كثيراً بقوله (6) : ((وفي كتابي عن أبي العباس في تفسير هذه الآية ... )) ولم أقف على هذا الكتاب، أو المقصود به، والله أعلم.(5/233)
ذكر بعض النصوص النادرة عن المازني معترضاً على سيبويه (1) .
أشار أبو عليٍّ في بعض المواضع إلى نسخ أخرى من كتاب سيبويه فيها بعض زيادات عن غيرها. كما نصَّ على بعض المصادر التي عاد إليها ككتاب (الغلط) للمبرد، و (النَّوادر) لأبي زيدٍ وغيرهما.
اسم الكتاب، وزمن تأليفه:
اسم الكتاب هو ((الإغفال)) كما هو واضح على مخطوطة الكتاب التركية، وكما تواترت عليه المصادر التي ترجمت لأبي عليٍّ الفارسي، وأفادت من الكتاب ونقلت عنه. وللكتاب اسم آخر هو: ((المسائل المصلحة من كتاب أبي إسحاق الزجاج)) ، كما هو واضح من نسخة دار الكتب المصرية، وكما ذكره الفارسي نفسه في بعض كتبه الأخرى (2) ،كما ذكره في مكان آخر باسم ((مسائل إصلاح الإغفال)) (3) . والأول هو الأشهر. إلا أنَّ وهماً وقع عند بعض المترجمين، فياقوت الحموي بعد أن ذكر الكتاب باسمَيه للفارسي عاد وذكر له كتاباً باسم ((المسائل المصلحة من كتاب ابن السراج)) (4) ، ومعنى ذلك أن للفارسي كتابان في المسائل المصلحة أحدهما على الزجاج، وثانيهما على ابن السراج، والمعروف أن المسائل التي أصلحها الفارسي هي على شيخه الزجاج، وهو المسمى ب ((الإغفال)) .
وفي إنباه الرواة (5) جاء اسم الكتاب: ((كتاب الإغفال فيما أغفله الزجاجي من المعاني)) ، ولعله من وهم النساخ(5/234)
وهل هو (الأغفال) بالفتح أو (الإغفال) بالكسر؟ فهذا ما لم تحدده المصادر، إلاَّ أن الضبط الواضح على مخطوطة (شهيد علي) التركية هو بالكسر، وسوف أعتمد ما ورد فيها، ولعلَّه الأقرب، وبخاصَّة أن أبا عليٍّ نفسَهُ قد كرَّره كثيراً في ثنايا الكتاب، فقال في مفتتح الكتاب: ((هذه مسائلُ من كتاب أبي إسحاقَ الزَّجَّاجِ في إعراب القرآن، ذَكَرْناها لِمَا اقتضت عندنا من الإصلاح منها للإغفال الواقع فيها، ونحن ننقُلُ كلامَه في كلِّ مسألةٍ من هذه المسائلِ بلفظه، وعلى جهته، من النُّسخة التي سمِعْناها منه فيها، ثُمَّ نُتْبِعُهُ بما عندنا فيه، وبالله التَّوفِيقُ)) ، ونراه يكرر ذلك كثيراً في المسائل فيقول: ((وهذا موضع الإغفال منها)) ، ويقول: ((موضع الإغفال من هذه المسألة أنه حكى ... )) (1) ويقول (2) : (( ... ثبت موضع الإغفال من المسألة)) .
ووجهه أنه من باب الإعجام، فتكون الهمزة للسَّلب. أما (الأغفال) فهو جمع (غُفْل) ، والله أعلم.
أما زمن تأليف ((الإغفال)) فقد كان مبكراً، وهو من كتب أبي عليٍّ الأولى، وكان ذلك قبل ارتحاله إلى حلب حيث أحال عليه في مسائله ((الحلبيَّات)) في عدة أماكن (3) .
ومهما يكن من أمرٍ فإنَّ أبا عليٍّ بإصلاح مسائل الإغفال في هذا الوقت المبكر من حياته، وبتعقُّبِهِ شيخِهِ الزَّجَّاج وهو مَن هو في مكانته بين العلماء والشُّيوخ في عصره جعَلَ لنفسه شهرةً سبقَتْهُ إلى حلب حيث بلاطُ سيف الدولة، وإلى شيرازَ حيث عضدُ الدَّولة الذي استدعاه فيما بعد (4) .
عملي في الكتاب ومنهج التحقيق:(5/235)
قمتُ بنسْخِ الكتاب، ومعارضته بالنُّسخِة الأخرى، وإثباتِ أهمِّ الفروق بين النُّسختين، والأسقاط الحاصلة فيهما إن وُجِدَت، وجعلتها بين معقوفين مع الإشارة إلى ذلك أحياناً وتركه أحياناً أخرى. وقد وجَّهتُ أكبر عنايتي لنصِّ الكتاب وإخراجِهِ صحيحاً سليماً قدرَ المستطاع، وقُمْتُ بضبط أغلب ألفاظِهِ ونصوصِهِ. وقد عانيتُ يعلمُ الله في قراءة نصِّ الكتاب كثيراً، ومن الله أرجو الأجرَ والمثوبَةَ، وأكثرُ ما أتعبني فيه هو القِسْمُ السَّاقطُ من النُّسخة (ص) ، واعتمادي على النُّسخة (ش) ، وهذه النُّسخةُ كثيرة الأوهام والأغلاط كما سيأتي شرحه، فاجتهدتُ قدرَ الإمكان من أجل الوصول إلى الوجه الصَّواب في النَّصِّ، على أنَّني أقول: إنَّ هناك بعضَ المواضع التي ما تزالُ قابلةً للنَّظر.
أرْجَعْتُ غالبَ كلام أبي عليٍّ إلى مقابله من كلام سيبويه، وإلى مواضعه من كُتُبِ أبي عليٍّ الأخرى.
خرَّجْتُ أقوالَ العلماء والنُّصوصَ المنقولةَ عنهم من مصادرها المعتَمَدَة، وأشيرُ إلى أنَّني اعتمدتُ في بعض المصادر ك (كتاب الشعر لأبي عليٍّ) على أكثرَ من تحقيقٍ، وأشرتُ في الحواشي إلى أحد التحقيقين، وتركتُ الإشارةَ إلى الآخَرِ علامةً عليه، فليُتَنَبَّهْ لذلك.
خرَّجْتُ الشَّواهدَ والأمثالَ، وذَكَرْتُ نِسْبَةَ ما ترك أبو عليٍّ نسبَتَهُ منها وهو الأغلب فيها.
تتبَّعْتُ القراءاتِ القرآنيَّةَ التي أشار إليها أبو عليٍّ وأحلْتُهَا إلى مصادرها من كتب القراءات السَّبعيَّةِ والشَّاذة وفيما يتعلَّقُ بالقراءات السَّبعيَّة فقد كنتُ أُحيلُ القارِئَ فيها غالباً إلى ما قاله هو في كتابه (الحجَّة للقرَّاء السَّبعة) وكثيراً ما يتَّفقُ كلامُهُ هنا وهناك مع زيادة تفصيلٍ في أحدهما.
ترجمتُ للرِّجال المغمورين الذين ورَدَ لهم ذِكْرٌ في الكتاب بما يكشف عن واقعهم، ويُبيِّنُ حالهم.(5/236)
صنعتُ فهارسَ متنوعةً تعينُ الباحثين على الإفادة من الكتاب.
نسخ الكتاب المخطوطة:
وقفتُ على مصوَّرَتَين لنسختَين عتيقتَين من هذا الكتاب:
أولاهما: نسخةٌ محفوطةٌ بدار الكتب المصرية برقم (52) تفسير، وهي نسخةٌ كتبت في القرن السادس الهجري (على وجه التقريب) ، وتقع في ثلاث وعشرين ومائة ورقة، وهي نسخةٌ صحيحةٌ في الغالب، قليلةُ التَّحريف والتَّصحيف، ومن ثَمَّ كان اعتمادي عليها أكثرَ من الثَّانية، إلاَّ أنَّ خَرْماً وقع في أولها ذهب بلوحة العنوان، وباللوحة رقم (3) ، وخَرْماً آخرَ وقع في وسطها في آخر اللوحة (70/أ) ، أقدِّرُهُ بعشر لوحاتٍ، ذهب فيها ما يقرب من خمس عشرة مسألةً، وكان اعتمادي في هذا الجزء على النسخة الأخرى، وقد عانيتُ في قراءته ما عانيتُ كما أشرتُ سابقاً في منهج التحقيق.
تحتوي كل ورقة من أوراق هذه المخطوطة على (26) سطراً، في كل سطر (18) كلمةً تقريباً. وقد رمزتُ لها بالحرف (ص) .
وثانيتهما: نسخةٌ محفوطةٌ بالمكتبة السُّليمانيَّة باستانبول (مكتبة شهيد علي) برقم: (298) ، وهي من مخطوطات القرن السَّابع الهجري، حيث انتهى ناسخُها منها سنة (654 هـ) .
تقعُ هذه النُّسخةُ في جزأين، عدد أوراقهما (425) ورقة، في الجزء الأول (196) ، وفي الجزء الثَّاني (229) ورقة، في كل ورقة (13) سطراً، في كل سطر (10) كلماتٍ تقريباً. وكتب في لوحة العنوان من الجزأين: ((في نوبة الفقير إبراهيم بن إيبك بيك)) . وفي لوحة عنوان الجزء الثاني كتب أيضاً بخط حديث: ((ملكه الفقير عيسى المغربي لطف الله به من الشيخ إبراهيم البلبيسي وما قبله بثمانية قروش)) .(5/237)
والنَّسخةُ مكتوبة بخطٍّ نسخي جميلٍ جداً، سالمةً من الخروم، غير أنَّها مشحونةٌ بالأغلاط والتَّصحيفات، ولذلك فقد أغفلتُ منها قدراً جماً لم أرَ في ذكره والتَّنبيه عليه فائدةً، ولم أنبِّه إلاَّ على ما رأيتُ في الإشارة إليه فائدة. وقد رمزتُ لهذه النُّسخة بالحرف (ش) .
ومن ثَمَّ فإني اعتمدْتُ على النُّسختين كلتيهما في إثبات النص مع الاتكاء بشكل أكبر على النسخة (ص) ، وإثبات بعض الفوارق التي تؤثِّرُ في المعنى فيما بين النُّسختَين.
اعتمدتُ في تقسيم الجزأَين على التَّقسيم الوارد في النسخة (ش) .
وهناك نسختان أخرَيَان بدار الكتب المصريَّة حديثتان منقولتان عن نسخة دار الكتب المصرية آنفة الذكر، وهما مليئتان بالأخطاء والأسقاط، ومن ثمَّ لم ألتفت إليهما لوجود أصلهما، والحمد لله رب العالمين.
• • •
نماذج مصورة من مخطوطتي الكتاب(5/238)
ثانياً: النص المحقق
الجزء الأوَّل (1)
من كتاب الإغفال
صَنْعَةُ أبي عليٍّ الفارسيٍّ (رحمه الله)
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
(صلى الله على محمَّدٍ وآله.
قال أبو عليٍّ أحمدُ بنُ الحسن بنِ عبدِ الغفَّار الفَسَوِيُّ الفارسيُّ النَّحْويُّ) (2) :
هذه مسائلُ من كتاب أبي إسحاقَ الزَّجَّاجِ في إعراب القرآن، ذَكَرْناها لِمَا اقتضت عندنا من الإصلاح منها للإغفال الواقع فيها، ونحن ننقُلُ كلامَه في كلِّ مسألةٍ من هذه المسائلِ بلفظه، وعلى جهته، من النُّسخة التي سمِعْناها منه فيها، ثُمَّ نُتْبِعُهُ بما عندنا فيه، وبالله التَّوفِيقُ.
المسألة الأولى (3)
ذَكَرَ أبو إسحاقَ اسمَ الله تعالى فقال (4) :
((أَكْرَهُ أنْ أذْكُرَ ما قاله النَّحْويُّون في هذا الاسم تنزيهاً لله تعالى)) ، ثمَّ قال في سورة الحشر (5) في قوله تعالى: {هُوَ الله الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ} : ((جاء في التَّفسير أنَّها تسعةٌ وتسعون اسماً، ونحن نُبَيِّنُ إنْ شاء الله تعالى هذه الأسماءَ واشتقاقَ ما ينبغي أن يُبيَّنَ منها)) . فبدَأَ بتفسير هذا الاسم فقال: ((قال سيبويه: سألتُ الخليلَ عن هذا الاسمِ فقال: الأصلُ فيه (6) (إِلاَهٌ) ، فأُدْخِلَت الألفُ واللاَّمُ بدلاً من الهمزة. وقال مرةً أخرى: الأصلُ: (لاَهٌ) ، وأُدخِلَت الألفُ واللامُ لازمة)) انتهى كلامُ أبي إسحاقَ.
قال أبو عليٍّ:(5/239)
ما حكاه عن سيبويهِ عن الخليل سهوٌ، ولم يحكِ سيبويهِ عن الخليل في هذا الاسم أنَّه ((إِلاهٌ)) ، ولا قال: إنِّه سأله عنه. لكن قال الخليلُ (1) : إنَّ الألفَ واللامَ بدلٌ من الهمزة في حدِّ النِّداء في الباب المترجَم ب (هذا ما ينتصبُ على المدح أو التَّعظيم أو الشَّتم لأنَّه لا يكونُ وصفاً للأوَّلِ، ولا عطفاً عليه) . وأوَّلُ الفَصْلِ (2) : ((اعْلَمْ أنَّه لا يجوزُ لكَ أنْ تناديَ اسماً فيه الألفُ واللاَّمُ البتَّةَ؛ إلاَّ أنَّهم قالوا: يا ألله اغْفِرْ لي)) . وهو فصلٌ طويلٌ في هذا الباب إذا قرأتَهُ وقفْتَ منه على ما قُلْنَا.
والقولُ الآخَرُ الذي حكاه أبو إسحاقَ فقال: ((وقال مرةً أخرى ... )) ،لم ينسبْهُ سيبويه أيضاً إلى الخليل، لكن ذكَرَه في حدِّ القَسَم في أوَّلِ بابٍ منه (3) .
قال أبوعليٍّ: ورُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ في قوله تعالى: {وَيَذَرَكَ وَإلاَهَتَكَ} (4) قال: عِبَادَتَكَ. فقولنا: ((إِلاَهٌ)) من هذا كأنَّه ذو العبادة، أي: إليه تُوَجَّهُ، وبها يُقصَدُ ويُعتَمَد. قال أبو زيدٍ (5) : تألَّهَ الرجُلُ إذا نَسَكَ، وأنشَدَ:
سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي (6)
ونظيرُ هذا في أنَّه في الأصل اسمُ حَدَثٍ، ثمَّ جَرى صفةً للقديم سبحانه قولُنَا: السَّلام. وفي التَّنزيل: {السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ} (7) فالسَّلام مِن سَلَّمَ كالكلام من كَلَّمَ (8) ، والمعنى: ذو السَّلام، أي: يُسَلِّمُ من عذابه مَنْ لم يستحقَّهُ،كما أنَّ المعنى في الأوَّل: أنَّ العبادةَ تجِبُ له.
فإن قلتَ: فَأَجِزِ الحالَ عنه وتَعَلُّقَ الظَّرفِ به،كما يجوزُ ذلك في المصادر.(5/240)
فإنَّ ذلك لا يَلزَمُ؛ ألا ترى أنَّهم أَجْرَوا شيئاً من المصادر واسمِ الفاعل مُجْرَى الأسماء التي لا تُناسِبُ الفعل، وذلك قولُهُم: ((للهِ دَرُّكَ)) (1) ، وزَيدٌ صاحبُ عمرٍو، (فلم يجيزوا إعمالَهما عملَ الفعل وإنْ كانا في مواضعهما) (2) .
وأمَّا ما حكاه أبو زيدٍ من قولهم: ((تَألَّهَ الرَّجُلُ)) ، فإنَّه يَحتَمِلُ عندي ضربَين من التَّأويل:
يجوزُ أنْ يكونَ كقولهم: تَعَبَّدَ والتَّعَبُّد.
ويجوزُ أنْ يكونَ مأخوذاً من الاسم دون المصدر على حدِّ قولكَ: اسْتَحْجَرَ الطِّينُ، واسْتَنْوَقَ الجَمَلُ، فيكونُ المعنى: يفعَلُ الأفعالَ المقرِّبَةَ إلى الإلهِ، والمستحقَّ بها الثَّوابَ.
وتُسَمَّى الشَّمسُ إلاهَةَ والإلاهَةَ (3) ، رُوِيَ لنا عن قُطْرُبٍ ذلك، وأنشَدَ:
تَرَوَّحْنَا مِنَ اللَّعْبَاءِ قَصْراً وَأَعْجَلْنَا الإِلاَهَةَ أَنْ تَؤُوبَا (4)
فكأنَّهم سَمَّوها ((إِلاَهَةَ)) على نحو تعظيمهم لها، وعبادَتِهِم إيَّاها. وعن ذلك نهاهُمُ الله تعالى، وأمَرَهُم بالتَّوجُّهِ / في العبادة إليه (جلَّ وعزَّ) دون ما خلَقَهُ وأَوجَدَه بعد أنْ لم يكُنْ، فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} (5) .
ويدلُّكَ على ما ذَكَرْنا من مذهب العرب في تسميتهم الشَّمسَ ((إِلاَهَةَ)) ما حكاه أحمدُ بنُ يحيى (6) من أنَّهم يُسَمُّونها ((إلاهةَ)) غيرَ مصروفٍ، فقرَّبَ ذلك أنَّه منقولٌ؛ إذ كان مخصوصاً. وأكثرُ الأسماء المختصَّة الأعلامِ منقولةٌ نحو (7) : أَسَدٍ وزَيدٍ، وما يكثُرُ تَعدادُهُ من ذلك. فكذلك ((إلاهةُ)) ، يكونُ منقولاً من ((إلاهةٍ)) التي هي العبادةُ لِمَا ذَكَرْنَا. وأُنْشِدَ البيتُ:
وَأَعْجَلْنَا إِلاَهَةَ أَنْ تَؤُوبَا(5/241)
غيرَ مصروفٍ (1) ، وبلا ألفٍ ولامٍ.
فهذا معنى ((الإلاهةَ)) في اللُّغة، وتفسيرِ ابنِ عبَّاسٍ لِمَنْ قرأ: ((وإِلاَهَتَكَ)) .
وقد جاء على هذا الحدِّ غيرُ شيءٍ؛ قال أبو زيدٍ (2) : ((لَقِيْتُهُ النَدَرَى، وفي النَّدَرَى، وفَيْنَةً، والفَيْنَةَ بعد الفَيْنَةَ)) . وفي التَّنزيل: {وَلاَ يَغُوْثَ وَيَعُوْقَ وَنَسْراً} (3) . وقال الشَّاعرُ (4) :
أَمَا وَدِمَاءٍ لاَ تَزَالُ كَأَنَّهَا عَلَى قُنَّةِ العُزَّى وبِالنَّسْرِ عَنْدَمَا
فهذا مثلُ ما ذكَرْنَاه من ((إلاهةَ)) و ((الإلاهةَ)) في دخولِ لامِ المعرفة الاسمَ مرَّةً، وسقوطِها أخرى.
فأمَّا مَنْ قرأ (5) : {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} فهو جمعُ ((إِلاَهٍ)) ،كقولكَ: إزارٌ وآزِرَةٌ، وإناءٌ وآنيةٌ. والمعنى على هذا: أنَّه كان لفرعونَ أصنامٌ يعبدُها شِيْعَتُهُ وأتباعُهُ، فلمَّا دعاهم موسى - عليه السلام - إلى التَّوحيد حَضُّوا فرعونَ عليه وعلى قومه وأغْرَوه بهم. ويُقوِّي هذه القراءةَ:
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأَتَوا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} (6) ، ففي هذا دلالةٌ على تعظيمهم لها وعبادَتِهِم إيَّاها في ذلك الوقت.
وأمَّا قولُنا: ((الله)) فقد حمله سيبويهِ على ضَرْبَين (7) :
أحدهما: أنْ يكونَ أصلُ الاسم ((إلاه)) (8) ، ففاءُ الكلمة على هذا همزةٌ، وعينُها لامٌ، والألفُ ألفُ (فِعَالٍ) الزَّائدةُ واللاَّمُ هاءٌ.
والقولُ الآخَرُ: أن يكون أصلُ الاسم ((لاَهٌ)) ، ووزنُهُ (فَعَلٌ) .
فأمَّا إذا قَدَّرْتَ أنَّ الأصلَ ((إلاهٌ)) (9) ، فيَذهبُ سيبويه فيه عندي إلى أنَّهُ حُذِفَت الفاءُ حذفاً لا على التَّخفيف القياسيِّ على حدِّ قولكَ: ((الخَبُ)) في الخبْءِ، و ((ضَوٌ)) في ضَوْءٍ (10) .(5/242)
فإن قال قائل: ولِمَ قدَّره هذا التَّقديرَ؟ وهلاَّ حمَلَهُ على التَّقدير القياسيِّ؛ إذ تقديرُ ذلك سائغٌ فيه، غيرُ ممتنعٍ منه والحملُ على القياس أَولى من الحمل على الحذف الذي ليس بقياسٍ؟
قيل له: إنَّ ذلك لا يخلو من أنْ يكونَ على الحذف كما ذهب إليه سيبويه، أو على تخفيف القياس في أنَّه إذا تحرَّكت الهمزةُ وسَكَنَ ما قبلها حُذِفَت، وأُلقِيَتْ (1) حَرَكَتُهَا على السَّاكن، فلو كان طَرْحُ الهمزة على هذا الحدِّ دون الحذف، لَمَا لَزِمَ أنْ يكونَ منها عِوَضٌ؛ لأنَّها إذا حُذِفَت على هذا الحدِّ فهي وإنْ كانت مُلْغاةً من اللَّفظ مبَقَّاةٌ في النيَّة (2) ومعاملةٌ معاملةَ المثبَتَةِ غيرِ المحذوفة. يدلُّ على ذلك تَرْكُهُم الياءَ مُصَحَّحةً في قولهم:
((جَيْأَل)) إذا خَفَّفوا فقالوا: ((جَيَل)) (3) ، ولو كانت محذوفةً في التَّقدير كما أنَّهَا محذوفةٌ من اللَّفظ لَلَزِمَ قَلْبُ الياء أَلِفاً. فلمَّا كانت الياءُ في نيَّةِ سُكُونٍ لم تُقلَبْ،كما قُلِبَتْ في ((نابٍ)) (4) ونحوِهِ. ويدلُّ على ذلك تحريكُهُم الواوَ في ((ضَوٍ)) وهي طَرَفٌ إذا خُفِّفَتْ، ولو لم تكُنْ في نيَّةِ سكونٍ لقُلِبَت ياءً، ولم تَثْبُتْ آخِراً. ويدلُّ عليه أيضاً تَبْيِيْنُهُم للواو في ((نُوْيٍ)) إذا خَفَّفَ ((نُؤْي)) ، ولولا نيَّةُ الهمزة لقُلِبَتْ ياءً وأُدغِمَتْ،كما فُعِلَ في ((مَرْمِيٍّ)) (5) ونحوه، فكما أنَّ الهمزةَ في هذه المواضعِ لَمَّا كان حذفُها على التَّخفيف القياسيِّ،كانت / (6) منويَّةً في المعنى،كذلك لو كان حذفُها في اسم ((الله)) تعالى على هذا الحدِّ، لَمَا لَزِمَ أنْ يكونَ مِنْ حَذْفها عِوَضٌ؛ لأنَّها في تقدير الإثبات للأدلَّة التي ذَكَرْناها.(5/243)
وفي تعويضهم من هذه الهمزة ما عَوَّضوا ما يَدُلُّ على أنَّ حَذْفَهَا عندهم ليس على حدِّ القياس ك ((جَيَلٍ)) في ((جَيْأَل)) ، ونحوِ ذلك، بل يَدُلُّ العِوَضُ منها على أنَّهُم حَذَفوها حَذْفاً على غيرِ هذا الحدِّ.
فإن قالَ: فما العِوَضُ الذي عُوِّضَ من هذه الهمزة (1) لَمَّا حُذِفَت على الحدِّ الذي ذَكَرْتَ، وما (2) الدلالة على كونه عِوَضاً؟
قيلَ: أما العِوَضُ منها فهو الألفُ واللاَّمُ في قولهم: الله.
وأمَّا الدَّلالةُ على أنَّها عِوَضٌ فاستجازَتُهُم لقَطْعِ الهمزة الموصولة الدَّاخلةِ على لام التَّعريف في القَسَم والنِّداء وذلك قولُهُم: ((أفألله لَتَفْعَلَنَّ)) ، و ((يا ألله اغْفِرْ لي)) (3) ؛ ألا ترى أنَّها لو كانت غيرَ عِوَضٍ لم تَثْبُتْ،كما لم تَثْبُتْ في غير هذا الاسم، فلمَّا قُطِعَت هنا واسْتُجِيزَ ذلك فيها، ولم يُسْتَجَزْ في غيرها من الهَمَزَات الموصولة، علِمْنَا أنَّ ذلك لمعنًى اختَصَّتْ به ليس في غيرها. ولا شيءَ أَولى بذلك المعنى من أنْ يكونَ العِوَضَ من الحرف المحذوف الذي هو الفاء.
فإن قال قائلٌ: فما أنكَرْتَ ألاَّ يكونَ ذلك المعنى العِوَضَ، وإنمَّا يكونُ كَثْرَةَ الاستعمالِ، فغُيِّرَ بهذا كما يُغَيَّرُ غيرُهُ ممَّا يَكْثُرُ في كلامهم عن حال نظائره وحَدِّه؟
قيلَ: لا يخلو من أنْ يكونَ (4) ذلك العِوَضَ،كما ذَكَرْناه، أو يكونَ كثرةَ الاستعمال، أو يكونَ لأنَّ الحرفَ ملازمٌ للاسمِ لا يفارقُهُ.
فلو كان كثرةُ الاستعمال هو الذي أوجَبَ ذلك دون العِوَض، لَلَزِمَ أنْ تُقطَعَ الهمزةُ أيضاً في غير هذا ممَّا يَكْثُرُ استعمالُهُ(5/244)
ولو كان لِلُزُومِ الحرفِ، لَوجَبَ أن تُقطَعَ هَمْزَةُ ((الذي)) للزومها، ولكثرة استعمالها أيضاً، ولَلَزِمَ قَطْعُ هذه الهمزةِ فيما كَثُرَ استعمالُهُ. وهذا فاسدٌ؛ لأنَّه قد يَكْثُرُ استعمالُ ما فيه هذه الهمزةُ فلا تُقطَعُ، فإذا كان كذلك ثَبَتَ أنَّه للعِوَض، وإذا كان للعِوَض لم يَجُزْ أنْ يكونَ حَذْفُ الهمزة من الاسم على الحدِّ القياسيِّ؛ لِمَا قَدَّمْناه؛ فلهذا حمَلَهُ سيبويه على هذا الوجه دون الوجه الآخَرِ فقال (1) : ((كأنَّ الاسمَ والله أعلمُ إلاهٌ، فلَمَّا أُدخِلَ فيه الألِفُ واللاَّمُ حَذَفُوا الألِفَ وصارت الألِفُ واللاَّمُ خَلَفاً منها، فهذا أيضاً ممَّا يُقَوِّيه (2) أنْ يكونَ بمنزلة ما هو من نَفْسِ الحرف)) .
فإن قال قائلٌ: أَفَلَيسَ قد حُذِفَت الهمزةُ من ((النَّاس)) ،كما حُذِفَت من هذا الاسم حذفاً، فهل تقولُ: إنَّهَا عِوَضٌ منها،كما أنَّ الألفَ واللامَ عِوَضٌ من الهمزة المحذوفة من اسم ((الله)) - عز وجل -؟
قيلَ له: ليس الألِفُ واللامُ عِوَضاً في ((النَّاس)) كما كانا عوضاً في هذا الاسم، ولو كانا عِوضاً لَفُعِلَ بهما ما فُعِلَ بالهمزة في اسم ((الله)) لَمَّا جُعِلَت [في] الكلمة التي دخلت عليها عوضاً من الهمزة المحذوفة (3) .
فإن قلتَ: أليس قد قال سيبويهِ بعد الكلام الذي ذكَرْتَهُ له: ((ومثلُ ذلك (أُنَاسٌ) ، فإذا أَدْخَلْتَ الألِفَ واللاَّمَ قُلْتَ: النَّاس)) ؟
قيلَ: إنَّه قال هذا، ومعنى قوله: ((ومثلُ ذلك أُناسٌ)) أي: مثلُهُ في حَذْفِ الهمزة منه في حال دُخُولِ الألِفِ واللاَّمِ عليه، لا أنَّه بدلٌ من المحذوف كما كان في اسم ((الله)) - عز وجل - بَدَلاً. ويُقوِّي ذلك ما أنشَدَه أبو العبَّاسِ عن أبي عثمانَ:
إِنَّ المَنَايَا يَطَّلِعْنَ على الأُنَاسِ الآمِنِينَا (4)(5/245)
فلو كان عوضاً لم يكن ليجتمع مع المعوَّضِ منه. فإذا حُذِفَت الهمزةُ ممَّا لا يكونُ الألِفُ واللاَّمُ عِوَضاً منه، كان حذْفُهَا فيما يَثْبُتُ أنَّ الألفَ واللامَ عوضٌ منه أَولى وأَجْدَرَ. فتبَيَّنَ من هذا أنَّ الهمزةَ التي هي فاءٌ محذوفةٌ من هذا الاسم.
فإن قال قائلٌ: فما أنكَرْتَ أنْ يكونَ قَطْعُ الهمزة في هذا الاسم في الوصل لا لشيءٍ مماَّ ذكَرْتَ من العِوَض، وكَثْرَةِ الاستعمال، ولا لِلُزُومِ الاسمِ، ولكن لشيءٍ آخَرَ غير ذلك كلِّهِ؛ وهو أنَّهَا همزةٌ مفتوحةٌ وإنْ كانت موصولةً والهمَزَاتُ الموصولةُ في أكثرِ الأمر على ضربَين: مكسورةٌ ومضمومةٌ، فلمَّا خالف هذا ما عليه الجمهورُ والكثرةَ اسْتُجيزَ في الوصل قطعُها؛ لمشابهتها بانفتاحها الهمزةَ في ((أحمر)) ونحوه من المقطوعة، فقُطِعَت لمشابهتها إيَّاها في انفتاحها لا لغير ذلك.
قيلَ له: إنَّ كونَهَا مفتوحةً (1) لا يُوجِبُ في الوصل قَطْعَهَا وإنْ شابَهَتْهَا في الزِّيادة والانفتاح؛ ألا ترى أنَّ الهمزةَ في قولهم: ((ايْمُ [اللهِ] )) ، و ((ايْمُنُ الله)) همزةُ وصلٍ، وأنَّها مفتوحةٌ مثلَ المصاحِبَةِ للام التَّعريف، ولم تُقطَعْ في موضعٍ من مواضع وَصْلِها كما قُطِعَت هذه، فهذا يدلُّ على أنَّ قطعَهَا ليس لانفتاحها، ولو كان قَطْعُهَا لانفتاحها لوجبَ أن تُقطَعَ في غير هذا الموضع؛ لدُخُولِ الانفتاح، فلمَّا لم تُقطَعْ في الحرف الذي ذَكَرْنَاهُ وهو ((اَيْمُ)) و ((اَيْمُنُ)) ولم تُقطَعْ في غير هذا الاسم، علِمْنَا أنَّ الانفتاحَ ليس بعلَّةٍ مُوجِبةٍ للقطع، وإذا لم يكن ذلك ثَبَتَ ما ذَكَرْناه من العِوَضِ.(5/246)
فإنْ قدَّرْتَه على التَّخفيف القياسيِّ فكأنَّ الأصلَ ((الإلاه)) ، ثُمَّ خَفَّفْتَ الهمزةَ وما قبلها ساكنٌ فحذَفْتَهَا وألقَيْتَ حَرَكَتَهَا على السَّاكن، فاجتمع مِثْلان، فسَكَّنْتَ الأوَّلَ وأَدْغمْتَ. وعلى هذا التَّقدير قولُهُ - عز وجل -: {لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي} (1) إلاَّ أنَّ توجيهَ الاسم على ما ذهب إليه سيبويه القولُ؛ لِمَا ذكرْتُ لكَ.
وذكَرَ أبو بكرٍ عن أبي العبَّاس أنَّ الكِسَائيَّ (2) أجازَ: {بِمَا أُنْزِلَّيْكَ} في قوله:
{بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} (3) فأدغَمَ اللاَّمَ الأُولى في الثَّانية، وشَبَّهَهُ بقوله: {لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي} . قال أبو العبَّاس (4) : هذا خطأٌ؛ لأنَّ ما قبلَ الهمزة من ((لكنْ أنا)) ساكنٌ، فإذا خَفَّفْتَ حَذَفْتَ فَأَلْقَيْتَ الحركةَ على السَّاكن. وما قبل الهمزةِ في {أُنْزِلَ إِلَيْكَ} متحرِّكٌ، فإذا خَفَّفْتَ لم يَجُزِ الحذفُ،كما جاز في الأَوَّلِ، لكن تجعَلُ الهمزةَ بين بين (5) ، فإذا لم يَجُزِ الحذفُ لم يَجُزِ الإدغامُ لحجز الحرفِ بين المِثْلَين. وهذا الذي قاله أبو العبَّاس ظاهرٌ بيِّنٌ.
فإن قال قائلٌ: تُحذَفُ الهمزةُ حذفاً كما حُذفت من ((الناس)) .
قيلَ: أماَّ الخطأُ في التَّشبيه فحاصلٌ؛ إذ شَبَّهَ بين مختلِفَين من حيثُ شَبَّهَ. أمَّا هذا الضَّرْبُ من الحذف فلا يجوزُ تسويغُهُ حتَّى يتقدَّمَهُ سماعٌ. ألا ترى أنَّه لا يجوزُ حَذْفُ الهمزةِ من ((الإباء)) و ((الإياب)) ،كما كان في ((النَّاس)) وليس كذلك الحذفُ فيما كان من الهمَزَات ما قبله ساكنٌ؛ لأنَّ حَذْفَ ذلك قياسٌ مُطَّردٌ مستمرٌّ.
فإن قال قائلٌ: أفليس الهمزةُ قد حُذِفَت من قولهم: ((وَيْلِمِّهِ)) (6) ، وفي قولهم:(5/247)
((ناسٌ)) (1) ، وفي اسم ((الله)) - عز وجل -، وكلُّ ذلك قد حكاه سيبويه (2) ، وذهَبَ إلى حذْفِ الهمزة فيه، فما أنكَرْتَ أنْ يكونَ حَذْفُ الهمزة المبتدَأَةِ كثيراً يجوزُ القياسُ عليه، ورَدُّ غيره إليه. وقد ذهب الخليلُ (3) إلى حذفِ الهمزةِ من ((أنْ)) في قولهم: لَنْ يَفْعَلَ، وقال: هو ((لاَ أَنْ)) ؟
قيلَ له: ليست هذه الحروفُ من الكثرة والسَّعةِ بحيث يُقاسُ غيرُها عليها، إنمَّا هي حروفٌ كَثُرَ استعمالُها فحُذِفَ بعضُها، وعُوِّضَ من حَذْفِهِ. وليست الهمزةُ في الآية إذا حُذِفَتْ عند الكِسَائيِّ بمعُوَّضٍ منها شيءٌ، بل يُحذَفُ معها
غيرُها من الكلام للإدغام، والقياسُ / على هذه الحروفِ لا يُوجِبُ حَذْفَها؛ إذ لا عِوَضَ منها،كما حُذِفَت من هذه الحروف لماَّ عُوِّضَ منها.
فإن قلتَ: فإنَّ [في] قولهم: ((وَيْلِمِّهِ)) حَذْفٌ، ولم يُعوَّضْ منه شيءٌ؟
فإنَّ القياسَ على هذا الفَذِّ (4) الشَّاذِّ غيرُ سائغٍ، ولاسيَّما إذا كان المقيسُ عليه فيه معنًى أوجَبَهُ شيءٌ ليس في المقيس مثلُهُ؛ وهو كثرةُ الاستعمال. ألا ترى أنَّكَ تقولُ: لا أدْرِ، ولم أُبَلْ (5) فتَحْذِفُ لكثرَةِ الاستعمال، ولا تقيسُ عليه غيرَهُ إذا كان متعرِّياً من المعنى الموجِبِ في هذا الحذفَ. وكذلك لا تقيسُ على ((وَيْلِمِّهِ)) ما في الآية من حذْفِ الهمزة؛ إذ لا يخلو الحذفُ فيها من أنْ يكونَ لكثرة الاستعمال كما ذَكَرْنَا، أو لأنَّهَا همزةٌ مبتدَأَةٌ، فلو كان الحذْفُ لأنَّها همزةٌ مبتَدَأَةٌ لوجَبَ حذْفُ كلِّ همزةٍ مبتَدَأَةٍ، وذلك ظاهرُ الفساد. فثَبَتَ أنَّه كما ذَكَرْناه.(5/248)
ويَفْسُدُ حَذْفُ هذه الهمزة من جهةٍ أخرى؛ وهي أنَّهُ إذا سَاغَ الحذفُ في بعض الأسماء أو الأفعال لكَثْرَةِ الاستعمال أو الاستثقال، أو ضَرْبٍ من الضُّروب،لم يَجُزْ حَذْفُ الحروف قياساً عليها؛ لأنَّها قَبيلٌ غيرُها ونوعٌ سواها، فحُكمُهُ في الحذف غيرُ حُكمها؛ ألا ترى أنَّ الحذفَ لم يجئ في شيءٍ من الحروف إلاَّ في بعض ما كان مضاعَفاً نحو: ((رُبَّ)) و ((إنَّ)) و ((كأنَّ)) ، ولم يجئ في كل ذلك، لم نعلَمْهُم حذفوا مِن ((ثمَّ)) ولا ((لعلَّ)) ، وليس ((إلى)) بمضاعَفٍ فيجوزُ ذلك فيه (1) . ولهذا ذهب أهلُ النَّظَرِ في العربيَّةِ (2) إلى تغليب معنى الاسم على ((مُذْ)) لِمَكان الحذْفِ، وتغليبِ معنى الحرف على ((مُنْذُ)) لتمامها، فلو جاء الحذفُ في الأسماء في نحو ذا لم يَجُزِ الحذفُ من الحروف قياساً عليها؛ لقلَّةِ الحذفِ من الحروف. ولم نَعْلَمِ الحروفَ حُذِفَ منها شيءٌ إلاَّ ما ذَكَرْنَاه، والألِفَ من ((ها)) التي للتَّنبيه في قولهم: ((هَلُمَّ)) (3) ، وذلك لكَثْرَةِ استعماله، وبنائِهِ مع غيره. وليس في الحرْفِ الذي في الآية شيءٌ من ذلك، فتجويزُ هذا فاسِدٌ في العربيَّةِ وقياسِهَا لِمَا ذَكَرْناه.
فأمَّا ما ذهب إليه الخليلُ في ((لَنْ)) ، فلم يَتْبَعْهُ في ذلك سيبويهِ (4) ، ولا أحدٌ ممَّن رواهُ من أصحابِهِ، وذهبوا كلُّهُم إلى فسادِهِ (5) .(5/249)
ويَفْسُدُ قياسُ حَذْفِ الهمزة من ((إلى)) على التي في ((وَيْلِمِّهِ)) ، وعلى الألف في ((هَلُمَّ)) من جهةٍ أخرى وهي: أنَّ هذَين الحرفَين لَمَّا ضُمَّا إلى الاسمين غيرهما، وكَثُرَ استعمالُهُما، صارا كالكلمة الواحدة المتَّصلة من أجل اللُّزُوم، والحذْفُ وسائرُ حروفِ التَّغيير والاعتلالِ إلى المتَّصلِ أسْرَعُ (1) ، وفيه أوْجَدُ منه إلى المنفصل. فالحذفُ في هذَين الحرفَين يَسُوغُ ما لا يَسُوغُ في غيرهما؛ لِمَا ذَكَرْنَاه من شِدَّة الاتِّصال. ويدلُّكَ على شدَّةِ اتِّصَالهما: أنَّهُم اشتقُّوا منهما وهما مُرَكَّبَان،كما يُشتَقُّ من المفرَدَين؛ قال أبو زيدٍ (2) : يُقالُ: ((هو رَجُلٌ ويْلِمَّةٌ)) ، والوَيْلِمَّةُ من الرِّجال: الدَّاهيةُ.
وقال الأصمعيُّ (3) : إذا قال لكَ: هَلُمَّ، فقُلْ: لا أَهَلُمُّ. فهذا يدلُّ على إجرائهم الكلمتَين في الموضعَين مُجْرَى المفرَد، فاشْتُقَّ منهما كما اشْتُقَّ من المفرَد، فعلى حسَبِ هذا حسُنَ الحذْفُ منهما،كما يُحْذَفُ من الكَلِمِ المفرَدة.
والمفرَدُ والمتَّصِلُ وما جرى مَجْراهما يكونُ فيهما من الحذْفِ ما لا يكونُ في غيرهما من المنفصل في جميع أبواب العربيَّة، ألا ترى أنَّكَ تُدغِمُ مثل: مَدَّ وفَرَّ، وما أشْبَهَ ذلك، لا يكونُ فيه غيرُ الإدغام (4) ، وأنتَ في ((جَعَل لَّكَ)) و ((فَعَل لَّبيدٌ)) (5) ونحوِ ذلك مخيَّرٌ بين الإدغام والبَيَان، فكذلك ما في الآية، يمتنعُ الحذفُ من الحرف فيه لأنَّه منْفَصِلٌ.
فهذه جهةٌ أخرى يمتنعُ لها الحذفُ من الحرفِ ويَضْعُفُ.
فأمَّا مثلُ: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الجَبَلِ} (6) ، و {انْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ} (7) / و {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} (8) . فحَذْفُهُ مُطَّرِدٌ قياسيٌّ، وليس من هذا الباب.
فهذا شيءٌ عَرَضَ في هذه المسألة مما يتَعَلَّقُ بها، ثمَّ نعودُ إليها:(5/250)
فأماَّ القولُ الآخَر الذي قاله سيبويهِ في اسم ((الله)) تعالى، فهو أنَّ الاسمَ أصلُهُ ((لاهٌ)) ، وَزْنُهُ على هذا (فَعَلٌ) ، اللاَّمُ فاءُ الفعل، والألفُ منقلبةٌ عن الحرف الَّذي هو عينٌ، والهاءُ لامٌ. والذي دلَّهُ على ذلك أنَّ بعضَهم يقول: ((لَهْيَ أبوكَ)) ، قال سيبويه (1) :
((فقَلَبَ العينَ وجعلَ اللامَ ساكنةً؛ إذْ صارت مكانَ العَين،كما كانت العينُ ساكنةً، وتركوا آخِرَ الاسم مفتوحاً،كما تركوا آخِرَ ((أَيْنَ)) مفتوحاً. وإنمَّا فعلوا ذلك به حيث غيَّروه لكَثْرَتِهِ في كلامهم، فغَيَّرُوا إعرابَهُ كما غَيَّرُوهُ)) . فالألفُ على هذا القول في الاسم منقلبةٌ عن الياء (2) ؛ لظهورها في موضع اللاَّمِ المقلوبةِ إلى موضع العَين، وهي في الوجه الأوَّلِ زائدةٌ ل (فِعَالٍ) ، غيرُ منقلبةٍ عن شيءٍ، واللَّفْظَتان على هذا مختلفتان، وإنْ كان في كلِّ واحدةٍ منهما بعضُ حروف الأخرى.
وذَكَرَ أبو العبَّاس هذه المسألةَ في كتابه المترجَم ب ((الغَلَط)) ، فقال (3) : ((قال سيبويه فيه: إنَّ تقديره (فِعَالٌ) لأنَّه ((إِلاَهٌ)) ، والألفُ واللاَّمُ في ((الله)) بدلٌ من الهمزة، فلذلك لَزِمَتَا الاسمَ مثل: ((أُناس)) و ((النَّاس)) ، ثمَّ قال: إنَّهم يقولون: ((لَهْيَ أبوكَ)) في معنى: للهِ أبوكَ، فقال: يُقَدِّمون اللاَّمَ، ويؤخِّرُونَ العينَ)) . قال أبو العبَّاس (4) : ((وهذا نقضُ ذلك؛ لأنَّه قال أوَّلاً: إنَّ الألفَ زائدةٌ؛ لأنَّها ألفُ (فِعَال) ، ثمَّ ذَكَرَ ثانيةً أنَّها عينُ الفعل)) .(5/251)
قال أبو عليٍّ: وهذا الذي ذَكَرَهُ أبو العبَّاس من أنَّ هذا القولَ نَقْضٌ مغالَطةٌ، وإنمَّا كان يكونُ نَقْضاً لو قال في حرفٍ واحدٍ من كلمةٍ واحدةٍ وتقديرٍ واحدٍ: إنَّه زيادةٌ، ثمَّ قال فيها نفسِها: إنَّها أصلٌ، فهذا لو قاله في كلمةٍ بهذه الصِّفة لكان لا محالةَ فاسداً، كما أنَّ قائلاً لو قال: إنَّ التَّاءَ في ((تَرْتُب)) (1) زائدةٌ، ثمَّ قال: إنَّها في ((تَرْتُبَ)) أصلٌ، والكلمةُ لمعنًى واحدٍ من حروفٍ بأعيانها في الكلمة الأُولى، لكان فاسداً منتَقِضاً؛ لأنَّه جعلَ حرفاً واحداً من كلمةٍ واحدةٍ زائداً أصلاً، وهاتان حالتان يتنافى اجتماعُهُما في حرفٍ واحدٍ من كلمةٍ واحدةٍ في تقديرٍ واحدٍ. فلا يستقيمُ لذلك أنْ يُحكَمَ بهما عليه.
فأمَّا إذا قَدَّرَ الكلمةَ مُشْتَقةً من أصلَين مختلفَين، لم يمتنع أن يُحكَمَ بحرفٍ فيه أنَّهُ أصلٌ، ويُحكَمَ على ذلك الحرفِ أنَّهُ زائدٌ؛ لأنَّ التَّقديرَ فيهما مختلفٌ وإنْ كان اللَّفظُ فيهما متَّفقاً؛ ألا ترى أنَّكَ تقولُ: مَصِيرٌ ومُصْرَانٌ ومَصَارِينُ، و ((مَصِيرٌ)) مِن صَارَ يَصِيرُ، فتكونُ الياءُ من الأُولى زائدةً (2) ، ومن الثَّانية أصلاً، فلا يمتنعُ لاتِّفاقِهِما في اللَّفظ من أنْ يُحْكَمَ على هذا بالزِّيادة، وعلى هذا بأنَّه أصلٌ (3) .
وكذلك ((مَسِيلٌ)) إن أخذْتَهُ مِن سَالَ يَسِيلُ [كان مَفْعِلاً] (4) ، و ((مَسِيلٌ)) إنْ أخَذْتَه مِن مَسَلَ (5) كان (فَعِيلاً) .
وكذلك مَوْأَلَةٌ إنْ جعَلْتَهُ (مَفْعَلَة) (6) مِن وَأَلَ، وإنْ جَعَلْتَه مِن قولهم: ((رَجُلٌ مَأْلٌ وامرأةٌ مَأْلَةٌ)) (7) ،كان (فَوْعَلَة)
وكذلك ((أُثْفِيَّةٌ)) ، إنْ أخَذْتَه من قولهم: ((هو يَثْفُوهُ)) (8) ، و ((أُثْفِيَّةٌ)) إن أخَذْتَه مِن تَأثَّفْنَا بالمكان (9) .(5/252)
وكذلك ((أرْوَى)) (1) إن نوَّنْتَهُ جاز أنْ يكون (أَفْعَل) مثل ((أفْكَل)) (2) ، وأن يكون (فَعْلَى) مثل ((أرْطى)) (3) ، فإنْ لم تنوِّنْهُ كان (فَعْلَى) والألفُ فيه مثلُ ألفِ حُبْلَى (4) .
وكذلك ((أُرْبِيَّةٌ)) لأصل الفَخِذِ (5) ، إن أخذْتَهُ من الأَرَبِ الذي هو التَّوَفُّرُ من قولكَ: أَرَّبْتُ الشَّيءَ إذا وَفَّرْتَهُ وقولِهم: ((فلانٌ أريبٌ)) / أرادوا أنَّه ذو توفُّرٍ وكمالٍ، (لأنَّه عضوٌ له من التَّوفُّر والكمال ما ليس لغيره) (6) ، وإنْ أخذْتَهُ من رَبَا يرْبُو إذا ارتَفَعَ؛ لأنَّهُ عُضْوٌ مرتفعٌ في القَصَبَة والخِلْقة، فاللَّفظتان متَّفقتان، والمعنيان مختلفان. وهذا كثيرٌ جداً، تتَّفِقُ الألفاظُ فيه، وتختلفُ المعاني والتَّقديرُ.
فكذلك هذا الاسم الذي نقولُ: ((لَهْيَ)) ، عند سيبويه يُقدِّرُهُ مقلوباً من (لاهٍ) . و (لاهٌ) على هذا الألفُ فيه عينُ الفعل (7) غير التي في ((الله)) إذا قدَّرْتَه محذوفاً منه الهمزة التي هي فاءُ الفعل، فحُكِمَ بزيادة الألف من غير الموضع الذي حُكِم فيه بأنَّهَا أصلٌ، وبأنَّها أصلٌ من غير الموضع الذي حُكِمَ فيه بأنَّهَا زائدةٌ، فإذا كان كذلك سَلِمَ قولُهُ من النَّقض، ولم يكُنْ فيه دَخَلٌ (8) .
فإن قال قائلٌ: ما تُنكِرُ أنْ يكونَ ((لاهٌ)) في قول مَن قال: ((لَهْيَ أبوكَ)) هو أيضاً من قولكَ: ((إلاهٌ)) ، ولا يكونُ كما قدَّره سيبويهِ من أنَّ العينَ ياءٌ؛ لكن تكونُ الياء (9) في ((لَهْيَ)) منقلبةً عن الألِفِ الزَّائدَةِ في ((إلاهٍ)) ؟
قيلَ: الذي يمتنعُ له ذلك ويَبعُدُ أنَّ الياءَ لا تنقلِبُ عن الألِفِ الزَّائدةِ على هذا الحدِّ، إنمَّا تنقلِبُ (10) واواً في ((ضَوَاربَ)) ، وهمزةً في ((كنائنَ)) ، وياءً في ((دنانير)) ، فأمَّا أنْ تنقلِبَ ياءً على هذا الحدِّ فبعيدٌ،لم يجئْ في شيءٍ عَلِمْنَاه.(5/253)
فإن قلتَ: فقد قالوا: زَبَانيٌّ (1) وطائيٌّ، فأبدلوا الألفَ من ياءَين زائدَتَين، فكذلك تُبدَلُ الياءُ من الألِفِ الزَّائدةِ في ((لَهْيَ)) .
فالجوابُ: أنَّ إبدالَهُم الألِفَ من الياء في ((زَبَانيّ)) ليس بإبدالِ ياءٍ من الألفِ، فيَجُوزُ عليه ((لَهْيَ)) ، ومَن أبدلَ الياءَ من الألِف في نحو قوله:
لَنَضْرِبَنْ بِسَيْفِنَا قَفَيْكَا (2)
لم ينبغ لكَ أن تُجيزَ هذا قياساً عليه؛ لأنَّ ذلك لغةٌ ليست بالكثيرة؛ ولأنَّ ما قبل المبدَلِ قد اختَلَفَ (3) . ألا ترى أنَّ العينَ في ((قَفَيكا)) متحرِّكةٌ، وما قبلَ الياء في ((لَهْيَ)) ساكنٌ. ومماَّ يُبعِدُ ذلك أنَّ القلبَ ضَرْبٌ من التَّصريف تُردُّ فيه الأشياءُ إلى أصولها. ألا ترى أنَّكَ لا تكادُ تجدُ مقلوباً محذوفاً منه، بل قد يُرَدُّ منه في بعض المقلوب ما كان محذوفاً قبلَ القلب كقولهم: ((هارٍ)) (4) ، وذلك لأنَّهُ لَمَّا أُزِيلَتْ حُرُوفُ الكلمة فيها عن نَظْمها ونَضْدِها كما فُعِلَ ذلكَ بالتَّكسير والتَّصغير أشبَهَهُمَا. فإذا أشبَهَهُمَا من أجل ما ذَكَرْنا (5) ، وجَبَ رَدُّ المحذوفِ إليه من أجل هذا الشَّبَه،كما رُدَّ إليهما.
فلهذه المضارَعَةِ التي في القلْب بالتَّحْقير والتَّكسيرِ تَرَجَّحَ عندنا قَولُ مَنْ قال في ((أَيْنُقٍ)) : إنَّهَا (أعْفُل) ، قُلِبَتْ العينُ فيها فاءً (6) على غير قياسٍ على قولِ مَنْ قالَ: إنَّهَا (أيْفُل) وذهب إلى الحذفِ وتعويضِ الياء منها (7) .
ويُقَوِّي الوجهَ الأوَّلَ ثَبَاتُهُ في التَّكسير في قولهم: أَيَانِق. أنشَد أبو زيدٍ (8) :
لَقَدْ تَعَلَّلْتُ عَلَى أَيَانِقِ
صُهْبٍ قَلِيلاَتِ الْقُرَادِ اللاَّزِقِ
فإن قلتَ: فإذا كان الاسمُ على هذا التَّقدير (فَعَلاً) بدلالة انقلاب العين ألفاً، فهَلاَّ كان في القلب أيضاً على زِنَتِهِ قبل القلب؟ (9)(5/254)
قيلَ: إنَّ المقلوبَ قد جاء في غير هذا الموضع على غير زِنَةِ المقلوب عنه. ألا ترى أنَّهُم قالوا: ((له جاهٌ عند السُّلطان)) ، فجاء على (عَفَلٍ) (1) ، وهو مقلوبٌ عن ((الوجه)) ، فهذا وإنْ كان عكسَ ما ذَكَرْناه من القلب الذي ذهب إليه سيبويه في الاسم في الزِّنَةِ، فإنَّه مثلُهُ في اختصاص المقلوب ببناءٍ غيرِ بناء المقلوب عنه، وهذا يؤكِّدُ ما ذكَرْناه من مشابهة القلب بالتَّحقير / والتَّكسير. ألا ترى أنَّ البناءَين اختَلَفَا،كما اختَلَفَ التَّحقيرُ والتَّكسيرُ.
ومثلُ ذلك قولُهُم: فُوْقٌ وفُقًا (2) ، قال:
وَنَبْلِي وَفُقَاهَا كَ عَرَاقِيبِ قَطًا طُحْلِ (3)
ومثلُ ذلك في البناء دون القلب: نُوْيٌ ونُؤْيٌ.
فأمَّا بناءُ الاسم فلأنَّه تَضَمَّنَ معنى لامِ المعرفة كما تَضَمَّنَها ((أمسِ)) ، فبُني كما بُني، ولم يُجعَل في القلب على حدِّ ما كان قبل القلب، فكما اختلَفَ البناءان،كذلك اختلف الحذفان، فكان في القلب على حدِّه في ((أمسِ)) دون ((سَحَر)) ، وقبلَ القلبِ على حدِّ الحذف من اللَّفْظِ للتَّخفيف لاجتماع الأمثال وتقديرِ الثَّبات في اللَّفظ، نحو:
{تَذَكَّرُوْنَ} (4) في مَن خَفَّف، و ((يَسْطِيع)) وما أشبه ذلك.
وحَكَى أبو بكرِ بنُ السَّرَّاج أنَّ أبا العبَّاس اختارَ في هذا الاسم أنْ يكونَ أصلُهُ:
((لاهاً)) ، وأنْ يكونَ ((لَهْيَ)) مقلوباً، وأنَّ القولَ الآخَرَ الذي لسيبويه فيه من أنَّه من قولهم: ((إلاهٌ)) (5) ، وتشبيهَ سيبويه إياه ب ((أُناس)) ليس كذلك، وذلك أنَّهُ يقال: أُنَاسٌ والأُناسُ (6) ، فإذا أدخَلَ الألِفَ واللاَّمَ ثبَتَت الهمزةُ.
قال: وأنشَدَني أبو عثمانَ المازنيُّ:
إِنَّ الْمَنَايَا يَطَّلِعْنَ على الأُنَاسِ الآمِنِيْنَا (7)
فكذلك ثبَتَت الهمزةُ في ((الإلاه)) .(5/255)
قال أبو عليٍّ: وقد قدَّمْتُ في هذا الفصل (1) ما يُستَغنَى به عن الإعادة في هذا الموضع، وصحَّةَ ما ذهب إليه سيبويه من حَذْفِ الهمزة التي هي فاءٌ، وكونَ الألِفِ واللاَّمِ عِوَضاً منها؛ ألاَ ترى أنَّكَ إذا أثْبَتَّ الهمزةَ في ((الإلاه)) ولم تحذِفْ، لم تكن الألفُ واللاَّمُ فيه على حدِّها في قولنا: ((الله)) ؛ لأنَّ قَطْعَ همزةِ الوصل لا يجوزُ في ((الإلاه)) كما جاز في قولنا: ((الله)) ؛ لأنَّهُمَا ليسا بعِوَضٍ من شيءٍ، كما أنَّها في اسم ((الله)) تعالى عِوَضٌ بالأدلَّة التي أَرَينا.
فأمَّا قولُهُم: ((لاهِ أبوكَ)) فقال سيبويه (2) : ((حذفوا إحدى اللاَّمَين من قولهم: ((لاهِ أبوكَ)) ، حَذَفوا لامَ الإضافة أو اللاَّمَ الأخرى)) (3) .
وذَكَرَ أبو بكرِ بنُ السَّرَّاج عن أبي العبَّاس أنَّه قال: ((إنَّ بعضَهم قال: إنَّ المحذوفَ من اللاَّمَين الزَّائِدَةُ، وقال آخَرون: المحذوفُ الأصلُ، والمُبَقَّى الزَّائِدُ خلافَ قولِ سيبويه.(5/256)
قال: فمِن حُجَّتَهِم أنْ يقولوا: إنَّ الزَّائِدَ جاء لمعنًى، فهو أَولى بأنْ يُترَكَ فلا يُحذَفَ؛ إذ الزَّائِدُ لمعنًى إذا حُذِفَ زالت بحذْفِهِ دلالتُهُ التي جاء لها، وقد رأيناهم يحذفون من نفس الكلمة في قولهم: لَم يَكُ، ولا أَدْرِ، ولم أُبَلْ (1) ؛ إذا كان الذي أُبقِيَ يدلُّ على ما أُلغِيَ، فكذلك يكونُ المحذوفُ من هذا الاسم ما هو من نَفْسِ الحرف، ويكونُ المبَقَّى الزَّائِدَ وأيضاً فما يُحذَفُ من هذه المكرَّراتِ إنمَّا يُحذَفُ للاستثقال، وإنمَّا يقعُ الاستثقالُ فيما يتكرَّر لا في المبدوءِ به الأَوَّلِ فالأَولى أنْ يُحذَفَ الذي به وقَعَ الاستثقالُ، وهو الفاءُ وحرفُ التَّعريف. ألا ترى أنَّهُم يُبدِلونَ الثَّانيَ مِن نحو: ((تَقَضَّيتُ)) ونحوِهِ، و ((آدَمَ)) وشبهِهِ، وكذلك حُذِفَتِ النُّونُ التي تكونُ مع علامةِ المتكلِّم المنصوبِ (2) من ((كأنِّي)) لَمَّا وقَعَت بعد النُّونِ الثَّقيلةِ.
وأيضاً فإنَّ الحرفَين إذا تكرَّرا فكان أحدُهما لمعنًى، وكان الآخَرُ من كلمةٍ، حُذِفَ الذي من الكلمة، وتُرِكَ الذي جاء لمعنًى وذلك نحو: ((تكَلَّمُ)) ، فالمحذوفُ تاءُ (تَفَعَّلُ) لا التَّاءُ التي فيها دليلُ المضارَعَةِ، وكذلك يكون قولُهُم: ((لاهِ أبوكَ)) . انتهت الحكايةُ عن أبي العباس.(5/257)
قال أبو عليٍّ: والجوابُ عن الفصل الأوَّل: أنَّ حرفَ المعنى قد حُذِفَ حذفاً مُطَّرِداً (1) في نحو قولهم: ((واللهِ أفعلُ)) إذا أرَدْتَ: واللهِ لا أفعلُ، وحُذِفَ أيضاً في قولهم: ((لأَضْرِبَنَّهُ ذَهَبَ أو مَكَثَ)) ، وحُذِفَ أيضاً في قول كَثيرٍ من النَّحْويِّين [من] نحو: هذا زيدٌ قَامَ، تريدُ: قد قام (2) /، و {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} (3) . وليس في هذه الضُّرُوب المطَّرِدةِ الحذفِ دلالةٌ تدلُّ عليها من اللَّفظ. فإذا ساغ هذا فحذفُ الذي يبقى في اللَّفظ دلالةٌ عليه منه أَسْوَغُ.
وقد حُذفت همزة الاستفهام في نحو قول عِمرانَ بنِ حِطَّانَ (4) :
فَأَصْبَحْتُ فِيهِم آمِناً لاَ كَمَعْشَرٍ
أَتَونِي فَقَالُوا مِنْ رَبِيْعَةَ أَو مُضَرْ
وأبياتٍ أُخَر (5) . وحُذِفَت اللاَّمُ الجازمةُ في نحو قولِ الشَّاعر (6) :
مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ
إِذَا مَا خِفْتَ مِنْ قَومٍ تَبَالاَ
وأنشَد أبو زيدٍ (7) :
فَتُضْحِي صَرِيْعاً مَا تَقُومُ لِحَاجِةٍ
وَلاَ تُسْمِعُ الدَّاعِي وَيُسْمِعْكَ مَنْ دَعَا
وأنشَدَ البغداديُّونَ (8) :
وَلاَ تَسْتَطِلْ مِنِّي بَقَائِي وَمُدَّتِي
وَلَكِنْ يَكُنْ لِلْخَيرِ مِنْكَ نَصِيْبُ
وأنشَدوا (9) :
فَقُلْتُ ادْعِي وَأَدْعُ فإِنَّ أَنْدَى
لَصَوتٍ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ
وقال الكِسَائيُّ في قولِهِ تعالى: {قُلْ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} (10) إنماَّ هو لِيَغْفِرُوا (11) ، فحَذَفَ اللاَّمَ. وقياسُ قوله هذا عندي أنْ تكونَ اللاَّمُ محذوفةً من هذا القَبِيْلِ، نحو قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِيْنَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاَةَ} (12) ، وقالوا: ((اللهِ لأفعَلَنَّ)) (13) .
وحُذِفَ الحرفُ في ما كان من نحو: ((ما كان لِيَفْعَلَ)) ، ومع الفاء والواو وأو وحتَّى.(5/258)
فإذا حُذفَ في هذه الأشياء لم يمتنعْ حذفُهُ في هذا المواضعِ أيضاً؛ لأنَّ الدلالةَ علىحذفه قائمةٌ. ألا ترى أنَّ انجِرَارَ الاسمِ يدلُّ عليه،كما أنَّ انتصابَ الفعل في المواضع التي ذكَرْنا يدلُّ عليه.
فالحذفُ في هذا الحرفِ الزَّائدِ كالحذف في الحروف الأصليَّة؛ إذ الدلالةُ قائمةٌ على حَذْفِهِ،كالدَّلالة على الحذْفِ من الأصل نحو: ((لم أُبَلْ)) وأَبْلَغُ؛ لأنَّ الجرَّ في الاسم يدلُّ على الجارِّ المحذوفِ، وقد حُذِفَ الحرفُ الزَّائِدُ كما حُذِفَ الأصل نحو: إنِّي ولعلِّي، وكحَذْفِهِم التَّاءَ من ((استطاع)) (1) . وكذلك يَسُوغُ حَذْفُ هذا الزَّائدِ الجارِّ. وقد حذفوا الجارَّ أيضاً في قولهم: ((مَرَرْتُ برَجُلٍ إنْ صالِحٍ وإنْ طالِحٍ)) (2) .
فليس في شيءٍ ذَكَروهُ في الفصل الأوَّلِ ما يمتنعُ له حَذْفُ الحرفِ من قولهم: ((لاهِ أبوكَ)) .
وأمَّا ما ذَكَروه في الفصل الثَّاني من أنَّ الحذفَ إنما يكونُ فيما يتكرَّرُ من الحروفِ؛ لأنَّ الاستثقالَ به يكونُ، فقد حُذِفَ الأوَّلُ من الحروف المتكرِّرَة، كما حُذِفَ الثَّاني منها، وذلك قولُهُم: ظَلْتُ ومَسْتُ (3) ونحو ذلك.
فإن قلتَ: فما الدَّليلُ على أنَّ المحذوفَ الأوَّلُ، وما يُنكِرُ أنْ يكونَ الثَّانيَ؟
فالدَّليلُ على أنَّهُ الأوَّلُ قولُ مَن قال في ((ظَلِلْتُ)) : ظِلْتُ، وفي ((مَسِسْتُ)) : مِسْتُ (4) ، فأَلْقَى حركةَ العينِ المحذوفةِ على الفاءِ،كما ألقاها عليها في ((خِفْتُ)) و ((هِبْتُ)) و ((طُلْتُ)) (5) .(5/259)
ويدلُّ أيضاً سُكُونُ الحرف قبلَ الضَّمير في ((ظِلْتُ)) و ((طُلْتُ)) ،كما سُكِّنَ في ((ضَرَبْتُ)) . ولو كان المحذوفُ اللاَّمَ دون العين لَتَحَرَّكَ ما قبلَ الضَّمير، ولم يُسَكَّن (1) . فقد دلَّكَ هذا على أنَّ المحذوفَ الأَوَّلُ لا المتكرِّرُ. وقالوا: ((عَلْمَاءِ بنو فلان)) (2) ، يريدونَ: على الماء، و ((بَلْحَارث)) (3) ، فحذفوا الأوَّلَ.
وأماَّ ما ذَكَرُوه في الفصل الثَّالث: من أنَّ التَّخفيفَ والقلبَ يَلْحَقُ الثَّانيَ من المكرَّرِ دون الأوَّلِ، فقد يَلْحَقُ الأوَّلَ من المكرَّر (4) ،كما يلحقُ الثَّانيَ وذلك قولُهُم: دينارٌ وقِيراطٌ ودِيوانٌ ونحو ذلك؛ ألا ترى أنَّ القَلْبَ لَحِقَ الأوَّلَ كما لَحِقَ الثَّانيَ في ((تَقَضَّيْتُ)) و ((أَمْلَيْتُ)) ونحوِ ذلك، وقد خُفِّفَت الهمزةُ الأُولى كما خُفِّفَت الثَّانيةُ في نحو: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} (5) ونحو ذلك.
وأمَّا ما ذَكَرُوه من قولهم: ((كَأَنِّي)) ، فقد حُذِفَ غيرُ الآخِر من الأمثال إذا اجتمعت / نحو قولِهِم: ((إنَّا نَفعلُ)) فالمحذوفُ ينبغي أنْ يكونَ الأوسطَ دون الآخِرِ. ألا ترى أنَّ النُّونَ الثَّانيةَ قد حُذِفَتْ من ((أنَّ)) في نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} (6) . والنُّونُ من ((فَعَلْنَا)) لم تُحْذَفْ في موضعٍ، فلذلك جَعَلْنَا المحذوفةَ الوسْطَى (7) . وعَمِلَتِ المخفَّفَةُ في المضمَرِ على حدِّ ما عَمِلَت في المظهَر (8) في نحو: إنْ زيداً منطلقٌ ولَمُنْطَلِقٌ، وقد أجازه سيبويه (9) ، وزعم أنها قراءةٌ. وقد يجيء على قياسِ ما أجازَهُ في الظَّاهر هذا البيتُ الذي أنشَدَهُ البغداديُّون (10) :
فَلَوْ أَنْكِ في يَومِ اللِّقَاءِ سَأَلْتِنِي
فِرَاقَكِ لَمْ أَبْخَلْ وَأَنْتِ صَدِيقُ(5/260)
إلاَّ أنَّ هذا القياسَ إنْ رُفِضَ كان وجهاً؛ لأنَّ ما يُحذَفُ مع المظهَرِ أو يُبدَلُ إذا وُصِلَ بالمضمَرِ رُدَّ إلى الأصل ألا ترى أنَّهُم يقولونَ: ((مِن لَدُ الصَّلاة (1)) ) ، فإذا وَصَلوا بالمضمَرِ قالوا: ((مِن لَدُنْهُ)) ، و ((مِن لَدُنِّي)) وقالوا: ((واللهِ لأفعلنَّ)) ، فلما وُصِلَ بالمضمَرِ قالوا: ((به لأفعلنَّ)) (2) .
ويذهب سيبويه إلى أنَّ ((أنَّ)) المفتوحَةَ إذا خُفِّفَت أُضمِرَ معها القِصَّةُ والحديثُ، ولم يَظهَرْ في موضِعٍ (3) . فلو كان اتِّصالُ الضَّمير بها مخفَّفَةً سائغاً لكان خليقاً أنْ يتَّصِلَ بالمفتوحةِ مخفَّفةً.
وقالوا: ذيَّا وتيَّا في تحقير ((ذا)) و ((تا)) . فاجتمعوا على حذْفِ الأوَّل من الأمثال الثَّلاثة.
فليس في هذا الفصل أيضاً شيءٌ يمنعُ جوازَ قولِ سيبويه.
وما قالوه من الحذف في ((تَكَلَّمُ)) و ((تَذَكَّرُ)) فإنمَّا كان الحذْفُ في الثَّاني دون الأوَّل؛ لأنَّهُ الذي يعتلُّ بالإدغام في نحو: ((تَذَكَّرُ)) ، ولأنَّه لو حُذِفَ حرفُ المضارَعَة لوَجَبَ إدخالُ ألفِ الوصلِ في ضَرْبٍ من المضارع نحو: تَذَّكَّرُ ودُخُولُ ألفِ الوصلِ لا مسَاغَ له هنا، كما لا يدخُلُ على أسماء الفاعلِين والمفعولِين، ولأنَّ حذفَ الجارِّ أقوى من حذْفِ حرفِ المضارَعَة؛ للدَّلالة عليه بالجرِّ الظَّاهرِ في اللَّفظ. فلهذا حُذِفَ الثَّاني في هذا النَّحو دون حرفِ المضارَعَة (لا لأنَّ الحذفَ غيرُ سائغٍ في الأوَّل ممَّا يتكرَّرُ) (4) ، لأنَّكَ قد رأيتَ مساغ الحذف في الأوَّلِ في هذه المتكرِّرَةِ.(5/261)
فليس في شيءٍ ممَّا احتجُّوا به في أنَّ المحذوفَ الآخِرُ دون الأوَّلِ حُجَّةٌ. ويَثبُتُ قولُ سيبويه في أنَّ المحذوفَ الأوَّلُ (1) بدلالةٍ وهي أنَّ اللاَّمَ منفتحةٌ، ولو كانت اللاَّمُ في الكلمة لامَ الجرِّ لوَجَبَ أنْ تَنْكَسِرَ؛ لأنَّ الاسمَ مُظهَرٌ، وهذه اللاَّمُ تُكسَرُ مع المظهَرَة في الأمر الأكثرِ، فكما لا يجوزُ لِتَحُرُّكِ اللاَّمِ أنْ يُقَالَ: إنَّها لامُ التَّعريف؛ لأنَّ تلك ساكنةٌ، كذلك لا يجوز لِتَحَرُّكِهَا بالفتح أن يُقَالَ: إنَّها الجارَّةُ؛ لأنَّ تلك تُكسَرُ مع المظهَر ولا تُفتَحُ (2) .
فإن قلتَ: فقد فُتِحَت في قولهم:
يَا لَبَكْرٍ ... ... ... ... (3)
ونحوِهِ، فما يُنكِرُ أنْ تكونَ مفتوحةً في هذا الموضع أيضاً؟
فالجوابُ: أنَّ ذلك لا يجوزُ هنا من حيث جاز في قولهم: ((يا لَبَكْرٍ)) ، وإنمَّا جاز فيه لأنَّ الاسمَ في النِّداء واقعٌ موقعَ المضمَر، ولذلك بُنِيَ المفرَدُ المعرفةُ فيه، فكما جاز بناؤُهُ، جاز انفتاحُ اللاَّمِ معه.
فإن قلتَ: تكونُ اللاَّمُ الجارَّةُ هنا مفتوحةً لمجاوَرَتها الألِفَ؛ لأنَّهَا لو كُسِرَت كما تُكسَرُ مع سائر المظهَرِ، انقلب الحرفُ الذي بعدها.
قيل: هذا القولُ لا يستقيمُ لقائله أنْ يقولَهُ؛ لِحُكْمِهِ فيما يُتَنَازَعُ فيه بما لا نظيرَ له، ولا دلالةَ عليه، وسائرُ ما لحقَتْهُ هذه اللاَّمُ في المظهَرِ يدفَعُ ما قاله لمخالفته له.
ويمتنعُ من وجهٍ آخَرَ: وهو أنَّه إذا جَعَلَ هذه اللاَّمَ هي الجارَّةُ فهي غيرُ ملازمةٍ للكلمة، وإذا لم تكن ملازمةً للكلمة لم يُعتَدَّ بها، وإذا لم يُعتَدَّ بها فكأنَّهُ / قد ابتدأ بساكنٍ، فمِن حيث يمتنع الابتداءُ بالسَّاكن، يمتنع ما ذَهَبَ إليه في هذا.(5/262)
وممَّا يؤكِّدُ ذلك: أنَّ أهلَ التَّخفيف لم يخفِّفُوا الهمزةَ المبتدَأَةَ؛ لأنَّ التَّخفيفَ تقريبٌ من السَّاكن، فإذا رفضوا ذلك لتقريبه من السَّاكن مع أنَّه في اللَّفظ ووَزْنِ الشِّعر بمنزلة المتحرِّك، فأَلاَّ يُبتَدَأَ بالسَّاكن المحْضِ ويُرفَضَ في كلامهم أَجْدَرُ ألا ترى أنَّ مَنْ كان مِن قوله تخفيفُ الأُولى من الهمزتين إذا التَقَتَا (1) وافَقَ الذين يخفِّفُون الثَّانيةَ (2) ، فتَرَكَ قولَهُ في نحو: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} (3) ؛ لِمَا كان يَلْزَمُهُ من الابتداء بالحرف المقرَّبِ من السَّاكن، وإذا كانوا قد حَذَفوا الألفَ من ((هَلُمَّ)) ؛ لأنَّ اللاَّمَ التي هي فاءٌ لَمَّا كانت متحرِّكةً بحركةِ غيرها، صار كأنَّه في تقدير السُّكون، فحُذِفَ كما كان يُحذَفُ مع السَّاكن، مع أنَّ الحرفَ بُني مع الفعل حتَّى صار كالكلمة الواحدة. فأنْ تكونَ اللاَّمُ في ((لاهٍ)) هي الجارَّةُ أَبْعَدُ لأنَّه يَلْزَمُ أنْ يُبْتَدَأَ بساكنٍ؛ لأنَّ اتِّصَالَ الجارِّ به ليس كاتِّصالِ حرْفِ التَّنبيه بذلك الفعل؛ ألا ترى أنَّه قد بُني معه على الفتح،كما بُني مع النُّونِ في ((لأفْعَلَنَّ)) على الفتح، فإذا قدَّرُوا المتحرِّكَ في اللَّفظ تقديرَ السَّاكنِ فيما هو متَّصِلٌ بالكلمة لمكان البناء معها، فالسَّاكنُ الذي ليس بمتحرِّكٍ مع ما هو في تقدير الانفصال منه أجدرُ أن يَبْعُدَ في الجواز.
فأمَّا ما أنشَدَهُ بعضُ البصريِّين من قول الشَّاعر:
أَلاَ لاَ بَارَكَ اللَّهُ في سُهَيلٍ
إِذَا مَا اللَّهُ بَارَكَ في الرِّجَالِ (4)(5/263)
فمِمَّا يجوزُ في الشِّعر دون الكلام. وينبغي أنْ يُوَجَّه هذا على أنَّه أخرَجَهُ على قول مَنْ قال: إنَّ أصلَ الاسم ((إلاهٌ)) فحَذَفَ الألفَ الزَّائِدَةَ،كما يُقصَرُ الممدودُ في الشِّعر، ولا نَحمِلُهُ على الوجه الأخير فيَلْزَمُهُ فيه أنَّهُ حَذَفَ العينَ؛ لأنَّ ذلك غيرُ مستقيمٍ، ولا موجودٍ إلاَّ في شيءٍ قليلٍ.
فهذا مما يُبيِّنُ لكَ أنَّ الأَوْجَهَ من القولين هو أنْ يكونَ أصلُ الاسم ((إلاهٌ)) .
قال أبو عليٍّ: فأماَّ الإمالةُ في الألف من اسم ((الله)) تعالى فجائزٌ في قياس العربيَّة. والدَّليلُ على جوازها فيه أنَّ هذه الألِفَ لا تخلو من أنْ تكونَ زائدةً ل (فِعَالٍ) كالتي في ((إزارٍ)) و ((عِمَادٍ)) ، أو تكونَ عينَ الفعل. فإن كانت زائدةً ل (فِعَالٍ) جازت فيها الإمالةُ من جهتَين:
إحداهما: أنَّ الهمزةَ المحذوفةَ كانت مكسورةً، وكسرُها يُوجِبُ الإمالةَ في الألِفِ، كما أنَّ الكسرةَ في ((عِمادٍ)) تُوجِبُ إمالةَ أَلِفِهِ.
فإن قلتَ: كيف تُمالُ الألِفُ من أجل الكسرة وهي محذوفةٌ؟
فالقولُ فيها: إنَّهَا وإنْ كانت محذوفةً مُوجِبةٌ للإمالة،كما كانت تُوجِبُهَا قبلَ الحذف؛ لأنَّهَا وإنْ كانت محذوفةً فهي من الكلمة، ونظيرُ ذلك ما حكاه سيبويهِ (1) من أنَّ بعضَهُم يُمِيلُ الألِفَ في ((مَادٍّ)) و ((شَادٍّ)) (2) للكسرة المنْوِيَّةِ في عين (فَاعِلٍ) المدغَمَةِ، قال (3) : ((ومنهم مَن يقولُ: هذا مَاشٍ فَيُمِيلُ الألِفَ في الوقف وإن لم يكنْ في لفظِهِ بالكلمة كسرةٌ)) . فكذلك الألِفُ في اسم ((الله)) - عز وجل -، يجوزُ إمالَتُهَا وإنْ لم تكن الكسرةُ ملفوظاً بها.(5/264)
ويجوزُ إمالَتُهَا من جهةٍ أخرى؛ وهي أنَّ لامَ الفعلِ منجَرَّةٌ (1) ، فتجوزُ الإمالةُ لانجِرَارِهَا. قال سيبويه (2) : ((سمعناهم يقولونَ: مِنْ أَهْلِ عَادٍ)) . قال: ((وقالوا (3) : مَرَرْتُ بِعَجْلانِكَ، فأَمَالُوا)) ، فكذلكَ أيضاً تجوزُ الإمالة في الألِفِ من اسم ((الله)) . فإنْ كانت الألفُ في الاسم عَيناً ليست بزائدةٍ، جازت إمالَتُهَا وحَسُنَتْ فيها؛ إذ كان / انقلابُهَا عن الياء بدلالةِ قولهم: ((لَهْيَ أبوكَ)) ، وظهورُ الياء لَمَّا قُلِبَت إلى موضع اللاَّمِ.
فإذا لم تَخْلُ الألِفُ من الوجهَين اللَّذَين ذَكَرْنَا، وكان جوازُ الإمالَةِ فيها على ما أَرَيْنَا، عَلِمْتَ صحَّتَهُ، فإنْ ثَبَتَت بها قراءةٌ، فهذه جهةُ جوازِهَا.
* * *
[سورة الفاتحة]
المسألة الثَّانية
قال (4) في قوله - عز وجل -: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الآية: 4] (5) :
(( [موضعُ] (إيَّاك) نصبٌ بوقوع الفعل عليه، وموضع الكاف في (إيَّاكَ) خفضٌ بإضافة (إيَّا) إليها، و (إيَّا) اسمٌ للمضمَر المنصوب إلاَّ أنه ظاهرٌ يُضافُ إلى سائر المضمَرَات (6) نحو قولكَ: إياكَ ضربتُ، وإيَّاه حَدَّثتُ (7) ، ولو قلتَ: إيَّا زيدٍ حَدَّثْتُ كان قبيحاً؛ لأنه خُصَّ به المضمَرُ، وقد رُوِيَ عن العرب رواه الخليلُ (8) : ((إذا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإيَّاهُ وإيَّا الشَّوَابِّ)) ومَن قال: إنَّ (إيَّاكَ) بكماله الاسمُ، قيل له: لم نرَ اسماً للمضمَر ولا للمظهَر يُضَافُ، وإنمَّا يتغيرُ آخِرُهُ ويبقى ما قبل آخِرِه على لفظٍ واحدٍ، والدَّليلُ على إضافته قولُ العرب: ((إيَّاهُ وإيَّا الشَّوابِّ)) ، وإجراؤُهُمُ الهاءَ في (إيَّاه) مُجراها في (عصاه)) ) .(5/265)
قال أبوعليٍّ (أيَّدهُ الله) (1) : الدَّليلُ على أنَّ هذا الاسمَ مضمَرٌ ليس بمظهَرٍ أنَّه في جميع الأحوال منصوبُ الموضع وليس في الأسماء الظَّاهرة اسمٌ يَلزَمُهُ الانتصابُ، ولا يَرتَفِعُ إلاَّ ما كان ظرفاً، وليس (إيَّا) بظرفٍ فيَلزَمَ إجازةُ هذا الحكمِ عليه، فكونُهُ منتصباً أبداً دليلٌ أنَّه ليس بظاهر (2) .
ويدلُّ أيضاً على أنَّه ليس بظاهر تغيُّرُ ذاتِهِ، وامتناعُ ثباته في حال الرَّفع والجرِّ، وليس كذلك الأسماءُ الظَّاهرَةُ ألا ترى أنَّها تَعتَقِبُ عليها الحركاتُ في آخِرِها، ويُحكَمُ لها بها في موضعها من غير تغيُّر نفسِهَا، فمخالفةُ هذا الاسمِ في هذا الذي وصَفْنَاه للمظهَر تدلُّ على أنَّه مُضْمَرٌ ليس بمظهَر.
فإن قلتَ: ما يُنكِرُ أن يكونَ هذا الاسمُ محكوماً له في موضعه بالنَّصْب، وأنْ يكونَ حرفُ العلَّة آخِرَهُ في موضع نَصْبٍ،كما أنَّهُ من ((عَصًا)) ونحوه من المعتلِّ كذلك، فلا يكونُ حينئذٍ خارجاً مماَّ عليه جملةُ الأسماءِ الظَّاهرة؟(5/266)
فالقول: إنَّ هذا التَّقديرَ فيه غيرُ سائغٍ؛ ألا ترى أنَّ ((عصًا)) وما أشبهها ممَّا يُحكَمُ في حرف العلَّة منه بالنَّصب يَثْبُتُ في حال الرِّفعِ والجرِّ ثَباتَهُ في حال النَّصْب، وليس ((إيَّا)) كذلك؛ لأنَّها تقعُ في موضع النَّصْبِ دون الموضعَين الآخَرَين (1) ، (فليس ((إيَّا)) إذاً مثلَ ((مِعْزى)) ونحوِهِ، فيكونُ الآخِرُ منه في موضعِ نَصْبٍ) (2) ،كما أنَّ الأواخِرَ من الظَّاهرة كذلك لكنَّه في موضع نصبٍ، (كما أنَّ الكافَ مِن ((رأيتُكَ)) في موضع نَصْبٍ) (3) ، وكما أنَّ ((هُوَ)) و ((أنتَ)) في نحو: ((ما جاء إلاَّ أنتَ)) ، و ((ما قام إلاَّ هُوَ)) في موضع رَفْعٍ؛ لأنَّ ((إيَّا)) كنايةٌ لازمةٌ لموضِعٍ،كما أنَّ الكافَ و ((هُوَ)) و ((أنتَ)) ونحوَها كناياتٌ لازمةٌ لمواضِعَ، فكما لا يُحكَمُ لآخِرِ ((هُوَ)) و ((أنتَ)) ونحوِهما بحركةٍ تكونُ بها في موضع رَفْعٍ، كذلك لا يُحكَمُ لآخِرِ ((إيَّا)) بحركةٍ تكونُ بها في موضع نَصْبٍ.
وقولُ أبي إسحاقَ في آخِرِ الفصل: ((إنَّ الهاء في (إيَّاهُ) مَجْرَاها كالَّتي في عَصَاهُ)) إنْ أرادَ به شرحَ ما ذهب إليه من أنَّ ((إيَّا)) اسمٌ ظاهرٌ في موضع نَصْبٍ، كما أنَّ الأواخِرَ من المعتلَّة نحو: ((عصًا)) و ((مِعْزًى)) محكومٌ في مواضعها بحسَبِ الإعراب الذي يستحقُّهَا، فهو فاسدٌ لِمَا ذَكَرْنَاه، وإنْ أرادَ أنَّ اتصالَهُ بالهاء على حدِّ اتصالِ ((عصًا)) به في أنَّ الألِفَ تبقى على سكونها وصورتها،كما يكونُ في ((عصًا)) كذلك، ولا تنقلبُ ياءً كما تنقلب التي في ((إليه)) و ((عليه)) فهو صحيحٌ.
ويدل أيضاً على أنَّه اسمٌ مضمَرٌ أنَّه في المنصوب / نظيرُ ((أنتَ)) في المرفوع، فكما أنَّ ((أنتَ)) مضمَرٌ،كذلك قولُنا: ((إِيَّاكَ)) مضمَرٌ.(5/267)
فإن قال قائلٌ: إذا كان اسماً مضمَراً فكيف جاز إضافتُهُ في قولهم: إيَّاكَ وإيَّاهُ ونحوِ هذا، والمضمَرُ لا يُضافُ لأنَّ الإضافة للتخصيص، والمضمَرُ أشدُّ المعارف تخصيصاً؟
فالقولُ: إنَّ النُّظَّارَ في العربيَّة اختلفوا في ذلك (1) ؛ فحَكَى أبو بكر محمَّدُ بنُ السَّرِيِّ السَّرَّاج، عن أبي العبَّاس محمَّدِ بنِ يزيدَ أنَّ الخليل (2) يذهب إلى أنَّ ((إيَّا)) مضمَرٌ مضافٌ. وحُكِيَ عن المازنيِّ مثلُ هذا القول المحكيِّ عن الخليل في أنه اسمٌ مضمَرٌ مضافٌ.
وحَكَى أبو بكرٍ عن أبي العبَّاس (3) عن أبي الحسن الأخفشِ، وأبو إسحاقَ عن أبي العبَّاس غيرَ منسوبٍ إلى الأخفش أنَّه اسمٌ مفرَدٌ (4) مضمَرٌ، يتغيَّرُ آخِرُهُ كما يتغيَّرُ أواخِرُ سائر المضمَرات لاختلاف أعداد المضمَرين وأنَّ الكافَ في ((إيَّاكَ)) كالتي في ((ذلك)) في أنَّه دلالةٌ على الخِطاب فقط مجرَّدةً من كونها علامةً للمضمَر.
ولا يجيزُ أبو الحسن فيما حُكِيَ عنه: إيَّاكَ وإيَّا زيدٍ، وإيَّايَ وإيَّا الباطلِ، فقال قائلٌ مُنْكِراً عليه قولَه ورَادّاً: إنَّ الكافَ التي في ((إيَّاكَ)) ليست كالَّتي في ((ذلك)) ؛ لأنَّ ((إِيَّا)) قد تُضافُ إلى الهاء فيقالُ: إيَّاهُ وإيَّاهما، وتُضافُ إلى المتكلِّم أيضاً في ((إيَّايَ)) ونحوِهِ، فاعتقابُ هذه الأوصافِ (5) عليه يدلُّ أنَّه ليس بمنزلة الكاف في ((ذلك)) وأنَّه ضميرٌ.
والجوابُ: أن لأبي الحسن أنْ يستَدِلَّ بترْكِهِم تأكيدَ هذا المضمَرِ في ((إيَّاكَ)) وقلَّةِ إضافتِهِم له إلى المظهَرِ أنَّ سائرَ علاماتِ الضَّمير في ((إيَّا)) سوى الكاف حروفٌ غيرُ أسماءٍ. ألا تَرَى أنَّه لم يُسْمَعْ: إيَّاكُم كُلِّكُم، وإيَّاكَ نفْسِكَ.(5/268)
فإن قلتَ: فقد قال سيبويه (1) عن الخليل: ((لو أنَّ قائلاً قال: إيَّاكَ نفسِكَ لم أعنِّفْهُ)) فليس ذلك بروايةٍ، ولا محضَ إجازةٍ، وهو قياسٌ على ما حكاه سيبويه من قوله (2) : ((حدَّثَني مَن لا أَتَّهِمُ عن الخليل أنَّه سمِعَ أعرابيّاً يقولُ: إذا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإيَّاهُ وإيَّا الشَّوابِّ)) ، وكأنَّ أبا الحسن استقلَّ هذه الروايةَ ولم يجدها كثيرةً، فلم يَقِسْ عليها ولم يعتَدَّ بها. ألا تَرَى أنَّه لم يُجِزْ: إيَّاكَ وإيَّا الباطلِ، ولا يَستَحْسِنُ الجميعُ إضافةَ هذا الاسمِ إلى الظَّاهر. فهذان الأمران يُقَوِّيَان أنَّ هذه العلاماتِ في هذا الاسمِ ليست بأسماءٍ.
وبعدُ، فإذا جاز أن تكونَ الكافُ والياءُ والألِفُ والواوُ تارةً أسماءً، وتارةً حروفاً، جاز ذلك في سائر هذه العلامات ولم يمتنع، فتكونُ الكافُ (3) والهاءُ في هذا الاسم لعلامة الخطاب والغيبة فقط،كما كانت تلك الحروفُ الأُخَرُ لهما من غير أن تكون اسماً، فيكون تغُيُّرُ هذا الآخِرِ بتغيُّرِ المضمَرِين كتغيُّرِ ((ذلك)) وما أشبهه من علامات الخطابِ.
فما اعتلَّ به مَنْ ذَكَرَ أنَّه اسمٌ ظاهرٌ من الإضافة ليس بحجَّةٍ؛ لاحتماله أنْ يكونَ غيرَ مضافٍ بما ذَكَرْنَاه، وثبَتَ بما قدَّمْنَاه من الأدلَّة أنه مضمَرٌ ليس بمظهَرٍ.
وشَبَّهَ هذا القائلُ في ((إيَّا)) : إنَّه اسمٌ مظهَرٌ هذا الاسمَ ب ((كِلا)) ، فذَكَرَ أنَّه مثلُ ((كِلا)) في أنَّه يُتَوصَّلُ به إلى المضمَر كما يُتَوصَّلُ ب ((كِلا)) إليه.
قال أبو عليٍّ: وليس ((كِلا)) مثل ((إيَّا)) ؛ لأنَّهَا تتَصَرَّفُ، وتُضافُ إلى المظهَرِ إضافةً مطَّردةً كما تُضافُ إلى المضمَر، وتُضَافُ إلى المفرَدِ الذي يُرادُ به الكثرةُ، وينقلب حرفُ الإعراب فيه كما ينقلب في ((أخيك)) و ((أبيك)) و ((فيك))(5/269)
والتثنيةِ والجمعِ،/ ويؤنَّثُ، ويُبدَلُ من لامِ فِعْلِهِ التَّاءُ. فليس ((إيَّا)) مثلَ ((كِلاَ)) ؛ لأنَّ ((كِلاَ)) اسمٌ مُفْرَدٌ مُظْهَرٌ يَدلُّ على الاثنين (1) ،كما أنَّ ((كُلاًّ)) اسمٌ مفرَدٌ مُظْهَرٌ يدلُّ على الجميع، والذي يَلْزَمُنَا أنْ نُفَصِّلُ من حيث شَبَّهَ فنرى أن ((كِلاَ)) ليس بوُصْلَةٍ إلى المضمَرِ؛ لإضافَتِهِم إيَّاه إلى الظَّاهر، نحو قولِهِ: كِلاَ الفريقَين، وأنشَدَ:
وَكِلاَهُمَا في كَفِّه يَزَنِيَّةٌ والهُنْدُوَانِيَّاتُ يَخْطَفْنَ الْبَصَرْ (2)
وقال الشَّمَّاخُ:
كِلاَ يَوْمَي طُوَالَةَ وَصْلُ أَرْوَى ظَنُوْنٌ، آنَ مُطَّرَحُ الظَّنُونِ (3)
ونحو هذا، فليس ((كِلاَ)) متوَصَّلاً به إلى المضمَر، لكنَّه اسمٌ ظاهرٌ؛ لإبدالهم اللاَّمَ منه كإبدالهم إيَّاه من ((أُخْت)) ، ولِلَحاق علامةِ التَّأنيث به. وبَدَلُ الحروف، والتَّأنيثُ، وانقلابُ حروفِ الإعراب لا يلحَقُ شيءٌ منه الأسماءَ المضمَرَةَ، فَبَيِّنٌ أنَّ ((إيَّا)) ليس ك ((كِلا)) ؛ إذ لم نجدْ شيئاً مماَّ وجَدْناه في ((كِلا)) فنَستَدِلَّ به على أنَّه اسمٌ ظاهرٌ، ويَبْطُلُ أنْ يكونَ ((إيَّا)) مثل ((كِلاَ)) في أنَّه مُتَوَصَّلٌ به إلى المضمَر؛ لاطِّراد إضافة ((كِلا)) إلى الظَّاهر وامتناع إضافة ((إيَّا)) إليه مطَّرداً.
وقولُ أبي إسحاقَ (4) : ((مَن قال: إنَّ (إيَّاكَ) بكماله الاسم (5) ، قيلَ له: لم نَرَ اسماً للمضمَر ولا للمظهَر يُضافُ إنما يَتَغيَّرُ آخِرُهُ، ويبقى ما قبل آخِرِه على لفظٍ واحدٍ)) . في عبارته اختلالٌ، وأحسَنُ ما نصرِفُهُ إليه أن نوجِّهَهُ على أنه يريد به تضعيفَ قول أبي الحسن (6) : ((إنَّه اسمٌ مفرَدٌ مضمَرٌ)) ، وقد قدَّمْنَا ذِكْرَ ما لَهُ أن يَحتَجَّ به.(5/270)
فأمَّا ما حكاه أبو العبَّاس عن الخليل أنه مضمَرٌ مضافٌ، وما حَكَيْتُهُ عن المازنيِّ من ذلك، فهو مستبعَدٌ لا أعلَمُ له سماعاً يَعْضُدُهُ، ولا قياساً يُثْبِتُهُ.
وحُكي عن أبي عثمانَ أنَّه قال: ((لولا قولُهُم: (وإيَّا الشَّوابِّ) ، لكانت الكافُ للمخاطبة كالتي في (ذلك)) ) .
والذي عندي أنَّ حَمْلَ هذه الحكايةِ على الشُّذوذ أسهلُ من إضافته إلى المضمَر؛ إذ الغرضُ في الإضافة التَّخصيصُ والمضمَرُ على نهاية التَّخصيص، فلا وجهَ إذاً لإضافته.
ويُقَوِّي قولَهُم يعني (المازنيَّ والخليلَ في أنَّ ((إيَّا)) مفرَدٌ مضمَرٌ) (1) ما حكاه سيبويهِ (2) من أنَّ بعضَهُم سمِعَ: ((خَرَجْتُ مَعَهُم)) ، فقال: معَ مَنِينَ؟ فاستفهَمَ عن المضمَرِ كما يُستَفهَمُ عن المنكور. ألا ترى أنَّ ((منًا)) و ((مَنِينَ)) ونحوَه يقَعُ استفهاماً عن النَّكَرات دون المعارفِ والمختَصَّاتِ.
* * *
[سورة البقرة] :
المسألة الثَّالثة
قال (3) في قوله - عز وجل -: {الم * ذَلِكَ} [الآيتان: 1 2] :
((ففي فتح الميم قولان:
أحدهما: لجماعةٍ من النَّحْويين (4) وهو أنَّ هذه الحروفَ مبنيةٌ على الوقف، فيجب بعدها قطعُ ألف الوصل فيكون الأصلُ: {المْ * أَلله} (5) ، ثمَّ طُرِحَت فتحةُ الهمزة على الميم، وسَقَطَت الهمزة، كما تقول: واحدْ، إثْنَان، وإنْ شئْتَ قلتَ: واحدِ اثْنان، فأَلقَيْتَ كسرةَ همزةِ ((إِثنين)) على الدَّال.
وقال قومٌ من النَّحْويين: لا يَسُوغُ في اللَّفظ أن يُنطَقَ بثلاثة أحرفٍ سَوَاكِنَ، فلا بدَّ من فتحة الميم التي في: {المَ * الله} لالتقاء السَّاكنين، (أعني الميمَ واللاَّمَ التي بعدها) . وهذا القولُ صحيحٌ لا يمكنُ في اللَّفظ غيرُه (6) .(5/271)
وأمَّا مَنْ زعَمَ أنَّه إنمَّا ألْقَى حركةَ الهمزة فيجبُ أن يقرأَ: {المِ * الله} ، وهذا لا أعلَمُ أحداً قرأَ به إلا الرُّؤَاسيَّ (1) ، فأمَّا مَن رواه عن عاصمٍ فليس بصحيح الرِّواية.
وقال بعضُ النحويين: لو كانت متحرِّكةً لالتقاء السَّاكنين لكانت مكسورةً. وهذا غَلَطٌ بَيِّنٌ، لو فعلنا ذلك في التقاء السَّاكنين إذا كان الأوَّلُ ياءً لَوَجَبَ أن تقول: أينِ زَيدٌ، وكيفِ زَيدٌ، وإنمَّا وقع الفتح (2) لِثِقَلِ الكسرة بعد الياء)) .
قال أبو عليٍّ / (أيَّده الله) :
هذه الحروفُ موضوعةٌ على الوقف عليها دون الوصل بها، والدَّليلُ على ذلك قولُهُم في التَّقطيع والتَّهجِّي: قاف صاد، لام، ونحو ذلك ممَّا جاء على أكثرَ من حرفَين فلم تُحرَّك أواخِرُهُنَّ. ونظيرُ هذه الحروف في أنَّها موقوفةٌ غيرَ موصولةٍ أسماءُ العدد نحو: ثلاثه، أربعه، وما بعد ذلك، فإذا أَخبَرْتَ عن حروف الهجاء أو أسماءِ الأعداد فقد أخرَجْتَهَا بذلك من حيِّزِ الأصوات، وأدْخَلْتَهَا في جملة الأسماء المتمكِّنَةِ، واستَحَقَّتْ أنْ تُعرَبَ للإخبار عنها، وأنَّه لا معنى للحرفيَّة فيها؛ إذ زال إرادةُ الحكاية بها، فدخَلَتْ بذلك في حدِّ المتمكِّنَات، وخَرَجَتْ من باب الأصوات، (وكذلك العددُ إذا أردْتَ به معدوداً ولم تُرِدِ العددَ وحدَه دون المعدود أعْرَبْتَ) (3) .
وكذلك إذا عَطَفْتَ؛ لأنَّ الأصواتَ ليس حكمُها أن تُعطَفَ بحروف العطف؛ إذ حالُ (4) العطف كالتَّثْنِيَةِ.(5/272)
وأمَّا قولُهُ - عز وجل -: {الم * الله} فمذهبُ سيبويهِ (1) فيه أنَّه حُرِّكَ لالتقاء السَّاكنين، والسَّاكنُ الذي حُرِّكَ له الميمُ هو لامُ التَّعريف. والدَّليل على صحة ذلك أنه لا يخلو من أن يكون محرَّكاً لالتقاء السَّاكنين كما ذهب إليه، أو حُرِّكَ لأنَّ فتحةَ الهمزة أُلْقِيَت عليه،كما قال مَن خَالفَه (2) ، فتبيَّنَ أنه لا يجوزُ أنْ تكونَ (3) الحركةُ للهمزة؛ إذ هذا الحرفُ رَسْمُهُ وحُكْمُهُ أن يُجتَلَبَ (4) في الابتداء إذا احتِيجَ إلى اللَّفظ بحرفٍ ساكنٍ دون الصِّلة والإدراج. فإذا اتَّصل السَّاكنُ المجتلَبُ له هذا الحرفُ بشيءٍ قبلَه، استُغْنِيَ عنه فحُذِفَ، ولم يُحتَجْ إليه فاطُّرِحَ. فإن كان المتَّصلُ به السَّاكنُ متحرِّكاً بقي على حركته، نحو: ذَهَبَ ابنُكَ، وإن كان حرفاً ساكناً غيرَ لِينٍ أو مضارِعاً لِلِّين حُرِّكَ نحو: {عَذَابٍ ارْكُضْ} (5) و {أَنْ لَّوِ اسْتَقَامُوا} (6) وزَيدُنِ العاقلُ، ونحو ذلك، فكذلك الهمزةُ في اسم ((الله)) من قوله: {الم * ألله} إذا اتَّصَلَ بما قبلها لَزِمَ حذفُها،كما لَزِمَ إسقاطُها فيما ذَكَرْنَا، فإذا لَزِمَ حذفُها لَزِمَ حَذْفُ حركتها أيضاً؛ لأنَّكَ لا تجدُ هذه الهمزةَ المجتَلَبَةَ في موضعٍ مُلقَاةً (7) وحَرَكَتُهَا مُبقَاةٌ، فإذا لَزِمَ حَذْفُها من حيث ذَكَرْنَا، لم يَجُزْ إلقاؤها على الحرف السَّاكن. فليس حركةُ الميم إذاً بحركة الهمزة، وإذا لم تكن (8) حركةَ الهمزة بدلالة ما ذَكَرْنَا، ثَبَتَ أنَّهَا حركةُ التقاء السَّاكنين؛ إذ لا قِسمَ ثالثاً.(5/273)
ويدلُّ أيضاً على امتناع قولِ مَن قال بذلك: أنَّ (هذه الهمزةَ في الابتداء) (1) في التوصُّلِ إلى النُّطق بالسَّاكن نظيرُ الهاء التي تلحَقُ في الوقف لتَبْيِين الحركة وإثباتِها، فكما أنَّ الحرفَ الذي تُجتَلَبُ له الهاءُ في الوقف إذا اتَّصَلَ بشيءٍ بعده لم تَتَبَيَّن حركتُهُ بها؛ لقيام ما يتَّصِلُ به مَقَامَه، فحَذَفْتَهُ ساكناً كان أو متحرِّكاً، كذلك يَلْزَمُ أنْ تُحذَفَ الهمزةُ إذا اتَّصل ما اجتُلِبَت لسكونه بشيءٍ قبلَه، وإثباتُها في الوصل خطأٌ، (كما أنَّ إثباتَ الهاء في الوصل خطأٌ) (255) .
فإنْ قال: إنَّ هذه الحروفَ موضوعةٌ على الوقف (دون الوصل) (255) ، فإذا كان كذلك وَجَبَ أنْ تَثْبُتَ الهمزةُ ولا تُحذَفَ،كما تَثْبُتُ في الابتداء مفتوحةً، فإذا لَزِمَ ألاَّ تُحذَفَ كما لا تُحذَفُ في الابتداء،لم يمتنع أن تُلقَى حركَتُهَا على ما قبلها.
قيلَ: إنَّ وضْعَ هذه الحروفِ على الوقف دون الوصل لا يُوجِبُ قطعَ ألِفِ الوصل وإثباتَه في المواضع التي يسقُطُ فيها، كما لا يُوجِبُ / تغييرَ حركتِهِ، وكما لا يُوجِبُ أن يجتلبَه لمتحرِّكٍ، وأنت إذا ألقيتَ حركتَهَا على السَّاكن فقد وصَلْتَ الكلمة التي فيها بما قبلها (وإن كان ما قبلها) (2) موضوعاً على الوقف. فقولُكَ: ألقَيْتُ حركَتَه عليه، بمنزلة قولكَ: وصَلْتُهُ؛ إذ لا تُلقَى حركةُ الهمزة على ساكنٍ قبلَها إلاَّ في الوصل؛ ألا ترى أنَّكَ إذا خَفَّفْتَ: ((مَنْ أَبُوكَ)) قلتَ: مَنَ بُوْكَ (3) ، ولو وَقَفْتَ لم تُلْقِ الحركةَ عليها، فإذا وصَلْتَهَا بما قبلها لزمَ إسقاطُها، وكان إثباتها مخالفاً لأحكامها في سائر متصرَّفَاتها وفاسداً من أجل ذلك.(5/274)
فإن قال قائلٌ: إذا جاز أن تَثبُتَ هذه الهمزةُ إذا تحرَّكَ ما بعدها (1) في نحو قولهم: أَلَحْمَر (2) ، وإن كانت الحركةُ فيما بعدها قد تحذِفُها في نحو: ((سَلْ)) و ((رَهْ)) (3) ، فلِمَ لا يجوزُ ثَبَاتُها إذا اتَّصَلَ بما قبلها في الآية، وإنْ كان قد يُحذَف إذا اتَّصَلَ بما قبلها في مثل: {لَوِ اسْتَطَعْنَا} (4) ونحوِهِ من السَّواكن؟
قيلَ: إنمَّا جاز ثَبَاتُهَا في هذا الموضع وحَسُنَ من حيث كانت النيَّةُ بما بعدها السُّكونَ، فكما ثبتت إذا كان ما بعدها ساكناً، كذلك تثبُتُ إذا كان في نيَّةِ سكونٍ، وكما أُجْرِيَ المتحرِّكُ مُجْرَى السَّاكن إذا كان التَّقديرُ به السُّكونَ، كذلك أُجْرِيَ السَّاكنُ مُجْرَى المتحرِّك إذا كان التَّقديرُ به الحركةَ. ألا تراهم قالوا: ((لَقَضْوَ الرَّجُلُ)) (5) ، فتُرِكَت الياءُ على انقلابها مع زوال الضَّمَّة التي قَلَبَتْهَا في اللَّفظ، وإنمَّا لم يُعتَدَّ بالحركة في لام التَّعريف وبالسُّكون في عين (فَعُلَ) لكونهما زائلَين غيرَ ثابتَين. ألا ترى أنَّ مَن حقَّقَ أسْكَنَ اللام في ((الأحمر)) ، ومَن لم يخفِّف الضَّمَّة حَرَّكَ العين (6) ، فلما كانا غيرَ لازمَين لم يُعتَدَّ بها،كما لم يُعتَدَّ بواو ((وُوْرِيَ)) وواو ((نُوْي)) (7) ، ونحو ذلك ممَّا لا يَلْزَم. فلا يجوزُ قَطْعُ الألِفِ في {الم * الله} من حيث تَثْبُتُ في هذا الموضع. ألا ترى أنَّ مَن يقولُ: ((ألَحْمَر)) فيُثْبِتَهَا مع تحرُّكِ ما بعدها، لا يُثبِتُهَا إذا اتَّصَلَ بشيءٍ قبلَهَا ساكناً كان أو متحرِّكاً، فيقولُ: هذا لَحْمَر (8) فيَحذِفُ،كما يقولُ: عُمَرُ لَحْمَر فلا يُثْبِتُ.(5/275)
فإلقاءُ الحركة من اسم ((الله)) على الميم السَّاكنة لا يجوزُ من حيث جاز قطعُ الهمزة وإثباتُها في قولهم: ((ألَحْمَر)) ، وقد قالوا: ((لَحْمَر)) ، فأَسْقَطوا الهمزةَ لتحرُّكِ ما اجتُلِبَت له، وإن كانت الحركةُ غيرَ لازمة،كما قالوا: ((رُيَّا)) (1) فأَدْغَموا وإن كانت الواوُ غيرَ لازمةٍ.
فإن قال: إذا كانت النيَّةُ بهذا الحرف السُّكونَ، ومِن أجل ذلك ثَبَتَت الهمزةُ في قولهم: ((أَلَحْمَر)) ، فكيف وَجْهُ قراءة أبي عمرٍو: {عَاداً لُّوْلَى} (2) بإدغام النُّون في اللاَّم، والمدغَمُ فيه لا يكونُ إلاَّ متحرِّكاً، فإذا كان التَّقديرُ باللاَّم الإسكانَ، فهلاَّ امتنع الإدغامُ فيها،كما يمتنع في الحرف السَّاكن؟
قيل: إنَّها وإنْ كان منوِيّاً بها الإسكانُ، فإنَّ الإدغامَ غيرُ ممتنع؛ ألا تراهم أَدْغَموا ((عَضَّ)) و ((فِرَّ)) ونحوَ ذلك، والحرفُ الثَّاني ساكنٌ لوقوعه موقوفاً للأمر، فكما لم يمتنع الإدغامُ في هذه اللاَّمات لسكونها، كذلك لا يمتنع في لام التَّعريف في ((الأُولى)) ، وإنْ كان التقديرُ بها الإسكانَ. وقد ذَكَرْنَا ذلك بأبسَطَ من هذا في موضَعٍ آخَرَ (3) . قال أبو عثمانَ: وإليه ذهب أبو عمرٍو (4) .
فإن قال قائلٌ: فهلاَّ جاز إلقاءُ حركة هذه الهمزة على ما قبلها في الوصل كما جاز ثَبَاتُها فيه في قولهم: ((يا أللَّهُ اغْفِرْ لي)) ، وفي قولهم: ((أفأللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ)) (5) ، وقولهم:
((أاَلرَّجُلُ قال ذا)) . ألا ترى أنَّ الهمزةَ قد ثبتت في هذه المواضعِ وهي مُدرَجَةٌ ليست بمبتدَأَةٍ، فكذلك تقديرُ إثباتِهَا موصولةً في الآية، / وإذا ثبتت موصولةً ولم يلزَمْ حذفُها،لم يمتنع أن تُلقَى حركَتُهَا على السَّاكن الذي قبلها في الآية؟(5/276)
قيل: إنَّ ثباتَ الألِفِ في هذه المواضع نادرٌ شاذٌ عمَّا عليه الكثيرُ وجاء عليه الجمهورُ، فلا يجب أن يُترَكَ الكثيرُ إلى القليل (1) ، والشَّائعُ إلى النَّادر، ومع ذلك ففي كل موضعٍ من هذه المواضع التي أُثبِتَت فيها الهمزةُ في الوصل معنًى له جاز قطعُ هذه الألف وإثباتُها في الصِّلة والدَّرْجِ ليس بموجودٍ في الآية، (فإذا لم يوجد شيءٌ من هذه المعاني في الاسم الذي قبله) (2) لم يجز أن يُجعَلَ حُكْمُهُ حُكْمَ ما بعد فاتحة السُّورة في القطع.
أمَّا قولُهُم: ((أفأللَّهِ)) فإنمَّا جاز إثباتها في الصلة لمعاقبتها حرفَ القَسَم، وقيامها مَقَامه، وكونِها بدلاً منه، فلما كانت بدلاً مما يَثبُتُ ثَبَتَتْ لتدلَّ عليه. وهذا مذهبُ سيبويه.
وأمَّا ثَبَاتُها مع همزة الاستفهام فللفصل بين الخبر والاستخبار.
وأمَّا قولهم: ((يا أللَّهُ)) فلأنَّ النِّداءَ مَوضِعُ تغييرٍ، يُغيَّرُ فيه الشَّيءُ بالزِّيادة والنُّقصان منه، والتَّغيير عمَّا يكونُ عليه في غيره. وليس شيءٌ من هذه المعاني التي ذَكَرْنَاها في هذه المواضع في الفاتحة، فيجوزُ قطعُ الهمزة فيها وإلقاءُ حركَتِهَا منها على السَّاكن قبلها.
فإن قال: إنَّ هذا الاسمَ فيها (3) محذوفٌ منه الهمزةُ، والألفُ واللاَّمُ عِوَضٌ من المحذوف عندكم، فهلاَّ جاز ثَبَاتُها في الوصل لكونها عِوَضاً،كما جاز ثَبَاتُهَا فيه لَمَّا كان عِوَضاً في قولك: أفأللهِ لَتَفعَلَنَّ؟(5/277)
قيل: إنَّ قطْعَهَا (1) في الفاتحة لا يَلزَمُ؛ لكونها بدلاً من الهمزة، ولو وجب ذلك لَلَزِمَ أن تُقطَعَ وتَثْبُتَ في اسم ((الله)) في كلِّ مَوضِعٍ؛ إذ كانت الهمزةُ منها محذوفةً في سائر المواضع، كما أنَّها في هذا الموضع محذوفةٌ، فلو كان ذلك عِوَضاً لثَبَتَت غيرَ (2) موصولةٍ في كلِّ مَوضِعٍ،كما ثبتت في قولهم: ((أفأللهِ)) ، فإذا لم تَثْبُتْ في موضِعٍ عِوَضاً من حذف الفاء في الدَّرْجِ، كذلك لا يلزَمُ أنْ تثبُتَ مُدْرَجَةً في الفاتحة. على أنَّ أبا عثمانَ يذهبُ (فيما حكاه أبو بكرٍ عن أبي العبَّاس) (3) إلى أنَّ حرفَ التَّعريف في هذا الاسمِ وفي ((النَّاس)) ليس بعِوَضٍ من حذف الهمزة (4) ، واستدلَّ على ذلك بقول الشَّاعر:
إِنَّ المَنَايَا يَطَّلِعْنَ على الأُنَاسِ الآمِنِينَا (5)
(6) فقد ثبت فيما قدَّمْناه أنَّ هذه الهمزةَ إثباتُها غيرُ جائز في الوصل، وإذا لم يجُزْ إثباتُهَا لم يجُزْ إلقاءُ حركَتِهَا على الميم وتحريكُهَا بها.
فأمَّا ما احتجَّ به مَنْ زَعَمَ أنَّ الميمَ من قوله تعالى: {الم * الله} متحرِّكَةٌ بحركة الهمزة من أنَّه بمنزلة قولكَ: ((واحدِ اثْنَان)) في أنْ ألْقَى حركةَ الهمزةِ من ((اثنين)) على آخِرِ
((واحد)) فحُرِّكَ بالكسر، فلم يحكِهِ سيبويه، لكنَّهُ زَعَمَ (7) أنهم يُشِمُّون الآخِرَ من
((واحد)) الضَّمَّ، وأنَّهم فعلوا ذلك به دون غيره من أسماء العدد لتمكُّنِهِ.(5/278)
فإن ثَبَتَ ما حَكَى من الكسر من ((واحد)) فلالتقاء السَّاكنَين دون إلقاء حركةِ الهمزة الموصولة من ((اثنين)) على آخِرِ الاسم. وكلُّ ما دفَعَ أنْ تُلقَى حركةُ الهمزةِ الدَّاخلةِ على لام التَّعريف في اسم ((الله)) على الميم، فهو بعينه يدفَعُ أن تُلقَى حركةُ هذه الهمزةِ على آخِرِ هذا الاسم؛ لأنه مثلُهُ وداخلٌ في حُكْمِهِ، وإن كان وضعُ العدد على الوقف،كما أنَّ وضعَ حروف التَّهجِّي على الوقف (1) .
ألا ترى أنَّ السَّاكنين في امتناع اللَّفظ بهما مُدْرَجَين / في الكلام كامتناع الثَّلاثة، فمن حيث لَزِمَ (أنْ تُحرَّكَ الميمُ بعد الياء للدَّرْجِ والوصل بما بعده،كذلك لَزِمَ) (2) أنْ يُحَرَّكَ السَّاكنُ الأوَّلُ من ((واحدِ اثْنان)) لإدراج السَّاكن الثَّاني من ((اثنين)) بما قبله، فليس لهم في هذا حجَّةٌ، ولا للقول بذلك قوَّةٌ.(5/279)
فإذا لم يجز أن تكون الحركةُ في الميم لإلقاء حركة الهمزة عليها، عُلِمَ أنَّها لالتقاء السَّاكنَين، وإذا كان لالتقاء السَّاكنَين فلا يخلو من أن يكونَ للسَّاكن الثَّالث كما ذهب إليه سيبويه (1) ، أو للسَّاكن الثَّاني، فالذي يدُلُّ على أنَّ الحركةَ للسَّاكن الثَّالث دون الثَّاني ما تقدَّمَ (2) أنَّ هذه الحروفَ مبنيَّةٌ على الوقف دون الوصل، وإذا كان كذلك لم يمتنع فيها الجمعُ بين السَّاكنَين. ألا ترى أنَّه لو كانت الحركةُ للثَّاني لَزِمَ أن تُحَرَّكَ له سائرُ الفواتِحِ الَّتي اجتمع فيها ساكنان نحو: {الم} ، و {حم * عسق} (3) ونحو ذلك، فامتناعُهُم من تحريك هذه الحروفِ وجمعُهُم بين السَّاكنين فيها، دليلٌ على أنَّها في {الم * الله} ليس بمتحرِّكٍ للسَّاكن الثَّاني لكنَّه للسَّاكن الثَّالث لِما أعْلَمْتُكَ؛ (إذ لو كان للثَّاني لم يُحَرَّك كما لم يُحَرَّك سائرُ ما أَعْلَمْتُكَ ممَّا أشبهه. فإذا لم يَجُزْ أن تكون الحركةُ في الميم للسَّاكن الثَّاني لِمَا أَعْلَمْتُكَ، ثبتَ أنه للسَّاكن الثَّالث) (4) كما ذهب إليه سيبويه.(5/280)
فأمَّا ما حكاه أبو إسحاقَ عن بعض النَّحْويين من أنَّ هذا الحرفَ لو كان متحرِّكاً لالتقاء السَّاكنين لوجب أن يُكسَرَ، وتغليطُهُ له في ذلك، فقد قال بإجازة الكسر في هذا الحرف بعينه لالتقاء السَّاكنين أبو الحسن (1) ، ولم يَحْكِ سيبويهِ (2) الكسرَ في شيءٍ من ذلك لالتقائهما، وذَكَرَ (3) قراءةَ مَنْ قَرَأَ: قَافَ، فزَعَمَ أنَّ الذي فتَحَهُ جعلَهُ اسماً للسورة كأنه قال: أَذْكُرُ (4) . وأجاز أيضاً أنْ يكونَ اسماً غيرَ متمكِّنٍ فأُلزِمَ الفتحَ كما حُرِّكَ نحو: كيفَ وأينَ وحيثُ وأمسِ (5) . وهذه الأشياءُ التي حُكِيَتْ بها هذه الأصواتُ المتقطِّعةُ في مدارجها ليس يمتنعُ تحريكُها لالتقاء السَّاكنين بضربٍ من الحركات،كما لم يمتنع تحريكُ ما حُكِيَ به غيرُ ذلك من الأصوات نحو: ((مَاءٍ)) و ((غَاقٍ)) في حكاية صوت الشَّاة والغُراب. فمَن قرَأَ: ((قافَ)) فجائزٌ أنْ يكونَ فتَحَهُ لالتقاء السَّاكنين، كما أنَّ مَن قَرَأَ: ((قافِ)) حرَّكه بالكسر لهما، فلم يكن يمتنع على قول مَن قال: ((قافِ)) فكسَرَ لالتقاء السَّاكنين أن يقولَ: ((ميمِ)) (6) فيَكسِرُ الميمَ لسكون الياء. قال أبو الحسن: ((ولا أعلَمُهُ إلا لُغةً)) (7) .(5/281)
فأمَّا ما ذَكَرَه أبو إسحاقَ (1) من أنَّ ذلك غَلَطٌ بَيِّنٌ، وأنه لو جاز ذلك لجاز: كيفِ الرَّجُلُ، فخطأٌ لا يَلزَمُ، ولو ورد بذلك سماعٌ لم يدفعه قياسٌ، بل كان يُثْبِتُهُ ويقَوِّيه ويَعْضُدُهُ ولا ينافيه؛ ألا تراهم قالوا: ((جَيْرِ)) ، و ((كان من الأمر ذَيْتِ وذَيْتِ)) ، و ((كَيْتِ وكَيْتِ)) ، و ((حيثِ)) ، فحُرِّكَ السَّاكنُ بعد الياء بالكسر،كما حُرِّكَ بعدها بالفتح في ((أَيْنَ)) ، فكما جاز الفتحُ بعد الياء لقولهم: ((أَيْنَ)) ،كذلك يجوزُ الكسرُ بعدها لقولهم: ((جَيْرِ)) . ويدلُّ على جواز التَّحريك بالكسر لالتقاء السَّاكنين فيما كان قبلَه ياءٌ جوازُ تحريكِهِ بالضَّمِّ كقولهم: ((حَيْثُ)) ، فإذا جاز الضَّمُّ كان الكسرُ أسهَلَ وأجْوَزَ.
ولو قال له قائلٌ: لو جاء (2) ميمٌ مفتوحةٌ بعد الياء لالتقاء السَّاكنين، لَمَا جاز لقولهم: ((جَيْرِ)) وأخواته فقَلَبَ عليه ما ذَكَرَه، وعَكَسَ قولَه، لَمَا اتَّجَهَ له عليه برهانٌ، ولا وجَدَ لقوله مِن بيان. والقولُ في هذا: إنَّه لو جاء مكسوراً لالتقاء السَّاكنين كان جيِّداً، كما أنَّه لو وَرَدَ مفتوحاً لاجتماعهما كان حَسَناً.(5/282)
ويدلُّ على جواز الكسر في هذا الحرف لو أُدْرِكَ في سَمْعٍ أنَّ أصلَ التَّحريك لالتقاء السَّاكنين الكسرُ، وإنما يُترَكُ إلى غيره في الأسماء والأفعال لِمَا يَعرِضُ في بعض المبنيَّات / من كونه متمكِّناً قبل حاله المُفْضِيَةِ به إلى بنائه أو لاتِّبَاعِ الْمُشاكِلِ مُشَاكِلَهُ، أو لخلاف هذا الوجه من كراهية اجتماع المِثْلِ مع المِثْلِ، فإذا جاء الشيءُ على بابه فلا وجهَ لرَدِّه ولا مساغَ في دفْعِهِ، على أنَّه لو جاء مخالفاً لبابه لَلَزِمَ أنْ تَتَّبِعَهُ، ولم يجز لنا أن ندفَعَهُ فيما نُعَلَّمُهُ ونُدَوِّنُهُ من هذه القوانين، إنمَّا هو أن نتوصَّلَ بها إلى النُّطق باللِّسَان، ونُسوِّيَ بين مَن لم يكن من أهل اللغة بتعلُّمِهِ إيَّاها وتمسُّكِهِ بها، بأهل الفصاحة والبيان، فإذا ورد السَّمعُ في نحو هذا بشيءٍ وجَبَ اتِّباعُهُ، ولم يَبْقَ غَرَضٌ مطلوبٌ بعده.
فإن قال قائلٌ: ما تنكِرُ أنْ يكونَ في منعه الميمَ أن يكونَ محرَّكاً لالتقاء السَّاكنين بالكسر مصيباً؛ إذ كان ((جَيْرِ)) وما ذكَرْتَهُ من الشَّاذِّ عن القياس، وإنْ كان مطَّرداً في الاستعمال، فلا يَسُوغُ أن يُجيزَ تصحيحَ العين في نحو: ((استقام)) ، وإنْ جاء ((استَحْوَذَ)) مُطَّرِداً في الاستعمال.(5/283)
قيل له: إنمَّا كان يجب أن يُحكَمَ بشذوذِ ((جَيْرِ)) ونحوه عن القياس ممَّا حُرِّكَ بالكسر في التقاء السَّاكنين وقبله ياءٌ لو كان المتحرِّكُ بالفتح أكثرَ منه وأَشْيَعَ، فأمَّا والمتحرِّكُ بالكسر مما قبلَه الياءُ أكثَرُ من المتحرِّك بالفتح، أو مثلُهُ، أو قريبٌ منه، فلا يَسُوغُ أن يُحْكَمَ عليه بالشُّذوذ عن الاستعمال؛ ألا ترى أنَّ ((استحْوَذَ)) و ((أَغْيَلَت)) (1) وبابَه إنما قلنا فيه: إنه شاذٌّ عن القياس لكثرة المعتل في هذا الباب وقلَّة الصَّحيح، ولو كان المصحَّحُ أكثَرَ من المعتلِّ لَمَا قلنا فيه: إنه شاذٌّ في الاستعمال. فتَبَيَّنَ أنَّ منْعَ مجيء الميمِ مكسورةً لالتقاء السَّاكنين غيرُ سائغٍ من هذا الوجه؛ إذ كانت المتحرِّكاتُ بالكسر من نحوه مثلَ المتحرِّكات بالفتح، بل أكثرُ منه.
* * *
المسألة الرَّابعة
قال أبو إسحاق (2) :
((فأمَّا ((صاد)) فقرأها الحسن (3) : {صَادِ * وَالقُرْآنِ} فكَسَرَ الدَّالَ، فقال أهلُ اللُّغة: معناه: صَادِ القرآنَ بعملك؛ أي: تَعَمَّدْهُ، وسقطت الباءُ للأمر)) .
قال: ((ويجوز أنْ يكونَ كُسِرَت الدَّالُ لالتقاء السَّاكنين إذا نَوَيْتَ الوَصْلَ. وكذلك قرأ عبدُ الله بنُ أبي إسحاقَ (4) لالتقاء السَّاكنين، وقرأ عيسى (5) : {صادَ * والقُرْآنِ} ، وكذلك: {نُوْنَ} و {قَافَ} بالفتح أيضاً لالتقاء السَّاكنين)) .
قال: ((وقال أبو الحسن (6) : يجوزُ أن تكونَ ((صَادَ)) و ((قَافَ)) و ((نُونَ)) أسماءً للسُّوَر منصوبةً إلاَّ أنَّهَا لا تُصرَفُ كما لا تُصرَفُ جملةُ أسماء المؤنَّث)) .(5/284)
قال (1) : ((والقولُ الأوَّلُ أعني الفتحَ والكسرَ من أجل التقاء السَّاكنين أَقْيَسُ؛ لأنه (2) يزعُمُ أنه يَنصِبُ هذه الأشياءَ كأنه قال: اذْكُرْ صادَ، وكذلك يُجيزُ في ((حم)) و ((طس)) و ((يس)) النَّصبَ أيضاً على أنها أسماءٌ للسُّوَر، ولو قرَأَ بهذا قارِئٌ لكان وجهُهُ الفتحَ لالتقاء السَّاكنين)) .
قال أبو عليٍّ (أيَّده الله) (3) :
أقولُ: إنَّ ما حكاه أبو إسحاقَ من أنَّ أهلَ اللغة قالوا في قراءة الحسن: {صَادِ} معناه: ((صادِ القرآنَ بعَمَلِكَ)) تمثيلٌ ليس بالجيِّد؛ ألا ترى أنَّ الواوَ على التمثيل غيرُ متعلِّقٍ بشيءٍ، فلا يَعرِفُ المبتدِئُ ومَن فَوقَهُ أيضاً ما معناها، وبأيِّ شيءٍ تَعَلُّقُهَا. والجيِّدُ في مثالِ هذا أن يُقالَ: معناه: صادِ بالقرآن عَمَلَكَ (4) ؛ لِيُعلَمَ بالمثال من الاستدلال أنَّ الواوَ عِوَضٌ من الباء الجارَّة على هذا التَّأويل (5) ،كما أنَّها عِوَضٌ منها في القَسَم، وأنَّ قولَهُ: {وَالقُرْآنِ} في موضع / نصبٍ بالفعل الظَّاهر، وليس بالفعل المضمَر كقراءة مَنْ أَسْكَنَهَا أو فَتَحَهَا، و ((صَادِ)) على هذا التَّأويل مأخوذٌ من الصَّدَى (6) الذي هو اسمٌ لما يُعارِضُ الصَّوتَ في الجَبَلِ ونحوِه من الأجسام الصَّقيلة والكثيفة (كأنَّه صوتٌ
آخَرُ) (7) . قال الشَّاعرُ (8) :
صَمَّ صَدَاهَا وعَفَا رَسْمُهَا وَاسْتَعْجَمَتْ عَنْ مَنْطِقِ السَّائِلِ(5/285)
فكأنَّ المعنى والله أعلَمُ: ليَتَّبِعْ عَمَلُكَ القرآنَ مطابِقَاً وموافِقاً له،كقوله: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (1) ، وهذا القولُ (2) إن ثَبَتَتْ رِوَايةٌ به عن الحسن فهو الذي لا يُدفَعُ عن التَّأويل والعلمِ بوجوه التَّنزيل، وإن لم تثبُتْ به روايةٌ عنه، وإنمَّا تأوَّلَهُ أهلُ اللُّغةِ، فحَمْلُهُ على أنَّ كَسْرَهُ لالتقاء السَّاكنين كما أنَّ فتْحَهُ لذلك أَجْوَدُ؛ إذ لم نجد الواوَ تُبدَلُ من الباء الجارَّةِ في غير القَسَم، ووجدْنَا هذه الفواتِحَ في أوائل السُّوَرِ قد حُرِّكَت لالتقاء السَّاكنين، وكُسِرَت كما فُتِحَت، فحَمْلُها على ما عليه غيرُها أَحسَنُ من إخراجها عن جملتها إلى ما لا نظيرَ له. ألا ترى أنَّكَ إذا تأوَّلْتَ الكسرَ في ذلك على أنَّه أمرٌ بزِنَةِ (فَاعِلْ) خالفْتَ بها قراءةَ مَن فتَحَها بعَينِها، ومَن كسَرَ {قَافِ} ، وجَعَلْتَ الواوَ بَدَلاً من الباء في غير القَسَم، وكانت الواوُ (3) خلافَ التي في قول مَن فَتَحَ فقرأ: {صَادَ * وَالقُرْآنِ} ، وإذا قدَّرْتَ الكسرةَ للسَّاكنَين، تشاكَلَت القراءتان وتطابَقَتَا، ولم تخالِفْ واحدةٌ منهما الأخرى، ومع هذا فليس بممتنعٍ في اللَّفظ، ولا بمردودٍ في المعنى، بل كِلاَ الأمرَين يَعْضُدُه ويُثبِتُهُ ولا يَدفَعُهُ.
أمَّا اللَّفظُ فلأنَّ الكلمةَ على زِنَةٍ (4) لا تُنكَرُ، والواوُ من الباء في غيره قد أُبدِلَ.
وأمَّا المعنى فلأنَّ ما أشبَهَهُ من الأمر في التَّنزيل قد ثَبَتَ وحُضَّ عليه وكُرِّرَ كقوله - عز وجل -: {وَاتَّبِعْ مَا يُوْحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (5) ، ونحو ذلك من الآي.(5/286)
وزعمَ الفرَّاءُ (1) أنَّ قولَهُ: {صَاد} معناها كقولِكَ: وَجَبَ واللهِ، كأنَّهُ قالَ: وَجَبَ والقرآن، فإنْ كان ذلك رُوِيَ عن بعض المفسِّرين، وإلاَّ فلستُ أعرِفُهُ. فأمَّا تمثيلُهُ إيَّاه ب ((وَجَبَ)) فرديءٌ؛ لأنه ذَكَرَ فِعْلاً لم يُسْنِدْهُ إلى فاعلٍ، فليس يُعلَمُ ما فاعلُ الوجوب، ولا بم يتعلَّقُ، وإذا كان ذلك كذلك لم يكن كلاماً.
فإن قال قائلٌ: فيكونُ فاعلُهُ المصدَرَ،كأنَّهُ وجَبَ الوُجُوبُ،كما قُلْتُمْ في قوله:
{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِيْنٍ} (2) المعنى: ثُمَّ بدا لهم بَدْوٌ (3) .
قيلَ له: لا يُشْبِهُ هذا ((وَجَبَ)) ؛ لأنَّ ((بدا لهم بَدْوٌ)) بمنزلة ظَهَرَ لهم رَأيٌ، ثم فُسِّرَ ذلك الرَّأيُ ما هو بالجملة التي هي ((لَيَسْجُنُنَّهُ)) ، فلذلك كان حسناً مفيداً؛ إذ كان في المعنى بمنزلة قولكَ: ثمَّ بَدَا لهم سَجْنُهُ، فإنْ شَبَّهَ ((وَجَبَ الوجوب)) بما تَلَوناه، فقدجَمَعَ بين مختلفَين، ووفَّقَ بين أمرين غير مشتبهين.
وزعَمَ (4) أنه يُقَالُ: إنَّهُ أرادَ: لَكَمْ أهلكنا، فلمَّا فصَلَ بينهما حَذَفَ اللاَّمَ، مثلُ قولِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (5) بعد قوله: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} . وهذا الذي ذَكَره (6) غيرُ جائزٍ البتَّةَ (7) عندنا؛ وذلك أنه لا مَدخَلَ لشيءٍ من اللاَّمات على ((كم)) ، أمَّا التي للابتداء فتمتنعُ من الدُّخُول عليها من جهتَين:
إحداهما: لانتصاب ((كم)) بالفعل الذي بعده، وهي لا تَدخُلُ على المفعولات.(5/287)
والجهةُ الأخرى: أنَّ هذه اللاَّمَ إنمَّا تدخُلُ على المبتدأ الذي تتسلَّطُ عليه الأفعالُ الدَّاخلةُ على المبتدأ والخبر وما ضارعها، فإذا لم يجُزْ دخولُ هذه الأفعالِِ عليه، لم يجُزْ دخولُ لامِ الابتداء؛ لأنها تبقى متعلِّقةً، و ((كم)) في كلتا جهتيها الخبرِ والاستفهامِ لا يَعمَلُ فيها ما قبلها، ولا تُبنَى عليه، وإنمَّا تُبنَى الجملةُ التي هي فيه على ما قبلها،/ فالحكْمُ لها من دونها. وأمَّا الداخلةُ على الأفعال دون الأسماء نحو: لَيَنْطَلِقَنَّ، ولقد قام زَيدٌ، فإنها تختصُّ بالدُّخُول على الأفعال دون الأسماء، وإذا كان كذلك لم يكن لها على ((كم)) مَدْخَلٌ؛ إذ كانت اسماً.
فإن قال قائلٌ: فما يُنكِرُ أنْ تكونَ اللاَّمُ التي تَدخُلُ على الأفعال مُرَادةً في ((كم)) محذوفةً لطول الكلام، وأنَّ دخولها في ((كم)) العاملُ فيه ((أهلَكْنا)) بمنزلة دخولِهَا على ((إلى)) المعلَّقة بالفعل المنتصبةِ الموضعِ في قوله تعالى: {لإِلى اللهِ تُحْشَرُوْنَ} (1) فكما جاز دخولها على الجارِّ المنتصب الموضع، كذلك يجوز دخولها على ((كم)) المنتصبة؟(5/288)
فالجوابُ عندي: أنَّ التَّقديرَ بهذه اللاَّم في قوله - عز وجل -: {لإِلى اللهِ تُحْشَرُوْنَ} أن تكون داخلةً على ((تُحشَرون)) . ألا ترى أنَّ القَسَم إنما وقع على أنهم يُحشَرون لا على الجارِّ والمجرور، فالمقسَمُ عليه الفعلُ، وهو المؤكَّدُ باللاَّم والمتلَقِّي للقَسَم. وإنمَّا دخلت اللاَّمُ على الجارِّ لتقدُّمِهَا عليه، ولم تدخل إحدى النُّونَين على الفعل لوقوعه على الحرف،كما لم تدخُلْ في قوله: {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (1) لوقوعه على الحرف، وجاز دخولها على الحرف في كلا الموضعين إذ المرادُ به التَّأخيرُ، كما جاز دخولُ لام الابتداء في مثل: إنَّ زيداً لطَعَامَكَ آكِلٌ، إذ المرادُ به التَّأخيرُ إلى الخبر. فإذا كان التَّقديرُ ما ذَكَرْنَا، لم يجز أن يكونَ {كَمْ أَهْلَكْنَا} بمنزلة {لإِلى اللهِ تُحْشَرُوْنَ} في جواز دخول اللاَّم عليها، كدخولها في ((كم)) ؛ إذ كان دخولها في قوله تعالى: {لإِلى اللهِ تُحْشَرُوْنَ} بمنزلة دخوله على الفعل حسب ما تكون عليه هذه اللامُ في سائر مواضعها ومتصرَّفاتها. وليس يَسُوغُ تقديرُ دخولها على الفعل في ((كم)) .
فإن قال قائلٌ: فقَدِّرْ دخولهَا على الفعل الذي هو ((أهلَكْنَا)) وبعد ((كم)) كما قَدَّرْتَ دخولَهَا على الفعل الذي بعد الجارِّ.
فالجوابُ: أنَّ اللاَّمَ التي للقَسَم لا يجوزُ تقديرها بعد ((كم)) ، ووقوعُهَا على الفعل النَّاصب له؛ لأن ((كم)) لا تخلو من أن تكون خبراً أو استفهاماً، وفي كلتا جِهَتَيْهَا لا يتعلَّقُ شيءٌ مما قبلها بها، فلو قَدَّرْتَ اللاَّمَ داخلةً على قوله: ((أهلَكْنَا)) ، لم يجُزْ أنْ تكونَ جواباً؛ لِمَا ذَكَرْتُ من انقطاع ذلك في كِلاَ وجهَيه مما قبله.(5/289)
فإذا امتنع بما ذَكَرْنَا دخولُ واحدةٍ من اللاَّمَين على ((كم)) ، ولم يَسُغْ تقديرُها فيها لِمَا بَيَّنَّا،كما جاز تقديرُها في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} ، تبيَّنَ أنَّ قولَ الفرَّاء: (( {كَمْ أَهْلَكْنَا} جوابٌ للقَسَم)) خَطَأٌ.
وقد ذَكَرْنَا وجوهَ اللاَّماتِ في هذا الكتاب عند ذِكْرِنَا لقوله - عز وجل -: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} (1) ذِكْراً يستوفيها بوجوهها قريباً من تقصِّيها.
قال الفرَّاءُ: وقيل (2) : {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} (3) قال: وذلك بعيدٌ لذِكْرِ قَصَصٍ مختلفةٍ جَرَتْ بينهما (4) .
وليس يمتنع عندي لِجَرْيِ هذه القَصَصِ أن تكون عليه، وإن كان الأحسَنُ غيرَه، وليس الفصلُ بهذه القَصَصِ بينهما بأبعَدَ من ذِكْرِ أمرٍ في سورةٍ يكونُ الجوابُ عنه في سورةٍ أخرى،كقوله - عز وجل - حكايةً عن قائِلِه: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ} (5) ، وقوله: {وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي في الأَسْوَاقِ} (6) ، و {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً} (7) ، ثمَّ قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوْحِي إِلَيْهِمْ} (8) ، و {مَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَ يَأْكُلُوْنَ الطَّعَامَ} (9) ونحو هذا، فكذلك هذا لا يمتنع، والله أعلم.
فأمَّا ما حكاه أبو إسحاقَ (10) عن أبي الحسن (11) مِن جواز كونِ ((صادَ)) و ((قافَ)) و ((نونَ)) أسماءً للسُّوَرِ منصوبةً، إلاَّ أنَّهَا لا تنصرفُ كما لا تنصرفُ أسماءُ المؤنَّث. فقد قاله سيبويهِ (12) ، وزعم أنَّ انتصابه على ((اذكُرْ)) . وينبغي أنْ يُعلَمَ أنَّ سيبويهِ (لم يُرِدْ) (13) بتمثيله انتصابَ / هذا أنَّهُ على جهة القَسَم بهذه الفواتح كقوله (14) :(5/290)
أَلاَ رُبَّ مَنْ قَلْبِي لَهُ اللهَ نَاصِحُ
لأنَّ ذلك ممتنعٌ غيرُ سائغ.
فإن قلتَ: فمِنْ أينَ امتنع وهذه السُّوَرُ قرآنٌ، وقد أقسَمَ الله - عز وجل - به ظاهراً وعلى ما لا إشكالَ فيه كقوله تعالى: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} (1) {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيْدِ} (2) ونحو ذلك؟
فالذي يمتنع هذا له من الجواز أنَّ القَسَمَ على هذا التَّأويل يبقى غيرَ متعلِّقٍ بمُقْسَمٍ عليه. ألا ترى أنَّهُ إذا قال: ((قافَ)) و ((صادَ)) فنَصَبَه بأنَّهُ مُقْسَمٌ به، لم يتلَقَّهُ محلوفٌ عليه. يدلُّكَ على ذلك استئنافُكَ باسمٍ آخَرَ لا يجوز عطفُهُ على هذا الاسم الأوَّلِ إذا قدَّرْتَهُ مُقْسَماً به لانجراره بالواو.
فهذا التَّأويلُ الذي ذَكَرْنَا امتناعَهُ في هذه الفواتح لا يخلو الاسمُ المنجَرُّ فيه من أحد أمرَين: إمَّا أنْ يكونَ معطوفاً على ما قبله، وإمَّا أن يكون مستأنَفاً منه منقطعاً. فلا يجوز أن يكون معطوفاً على ما قبله؛ لانجراره وانتصاب المعطوف عليه. فإذا لم يجز ذلك ثبَتَ أنه منقطعٌ مما قبله، وأنَّ الواوَ للقَسَم لا للعطف، وإذا كان كذلك لم يكن الأوَّلُ قَسَماً. ألا ترى أنَّ الخليلَ وسيبويهِ لم يُجيزا في قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} (3) كونَ الواوَين اللَّتَين بعد الأُولى قَسَماً كالأُولى، فقالا فيهما (4) : إنَّهما للعطف لماَّ كان يلزَمُ في إجازة ذلك من بقاء القَسَمِ الأوَّلِ غيرَ متعلِّقٍ بمُقسَمٍ عليه.
فإن قلتَ: فما يُنكِرُ أنْ يكونَ قولُهُ: ((اُذْكُر القرآنَ)) مَخْرَجُهُ على غير القَسَم، وأنَّهُ مُقسَمٌ عليه،كأنَّهُ قال: اُذْكُرْ صادَ والقرآنِ. فتكونُ هذه الأشياءُ مُقسَماً عليها، ويكون ما بعدها قَسَماً كقولك: اُذْكُرْ زَيداً واللهِ؟(5/291)
فذلك غيرُ جائزٍ من أجل أنَّ هذه الأسماءَ المقسَمَ بها المنْجَرَّةَ بالواو قد تُلُقِّيَتْ بما هو أجوبةٌ لها؛ ألا ترى أنَّ قولَهُ تعالى: {وَالْقَلَمِ} (1) قد أُجِيب بقوله: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} .
وكذلك {صَاد} وسائرُ هذه الأسماء المقسَم بها.
فالوجْهُ عندنا فيمَن فَتَحَ شيئاً من هذه الفواتح أنْ تُحْمَلَ على التقاء السَّاكِنَين، كما أنَّ مَنْ كَسَرَ لم يكُنْ إلاَّ كذلك.
* * *
المسألة الخامسة
قال (2) في قوله - عز وجل -: {الَّذِيْنَ يُؤْمِنُوْنَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيْمُوْنَ الصَّلاَةَ} [البقرة: 3] بعد كلامٍ كثيرٍ ذَكَرَه في حذف الهمزة من (أَفْعَل) الذي هو فعلٌ ماضٍ في المضارع:
((الأصلُ في (يُقِيم) : يُؤَقْيِمُ ولكنَّ الهمزة حُذِفَت لأنَّ الضَّمَّ دليلٌ على ذوات الأربعة، ولو ثَبَتَ لوَجَبَ إذا أنبأتَ عن نفسِكَ (أن تقولَ) (3) : أنا أُؤَقْيِمُ (4) ، فتجتمعُ همزتان فاستُثْقِلَتَا، فحُذِفَت الهمزةُ التي هي فاءُ الفعل، وتبعَ سائرُ الفعل ذلك)) .
قال أبو عليٍّ (أيَّدَهُ الله) (5) :
اعْلَمْ أنَّ الأفعال لا تخلو من أن تكون ثلاثيةً أو رباعيةً، والثلاثيةُ لا تخلو من أن تكون أصولاً أو ذواتَ زوائِدَ وكذلك الرباعيُّ، وجميعُ هذه الأصناف في اختلافها تَنْتَظِمُ أبنيَةُ مُضَارِعِهَا ما يتضمَّنُ أمثلةَ ماضيها إلاَّ أنْ يكونَ الأوَّلُ حرفاً مجتَلَباً في الابتداء لسُكُونِ ما بعدَه، أو حرفَ علَّةٍ. وحروفُ العلَّةِ: الواوُ والياءُ والهمزةُ. فالأوَّلُ الذي يُحذَفُ فيه حرفُ العلَّةِ في المضارع على ضربَين:
أحدهما: أنْ يكونَ الحرفُ أوَّلَ ثلاثيٍّ أصلٍ.
والآخَرُ: أن يكون أوَّلَ ثلاثيٍّ ذي زيادةٍ.(5/292)
فالحرفُ الأوَّلُ المعتلُّ من بنات الثَّلاثة ينقسمُ بانقسام حروف العلَّة وهي: الياءُ والواوُ والهمزةُ، والذي يطَّرِدُ حذفُهُ من ذلك الواوُ من المضارع إذا كانت فاءً واقعةً بين ياءٍ وكسرةٍ، ثمَّ يتبَعُ سائرُ حروف المضارَعَةِ الياءَ، فتُحذَفُ الواوُ معهنَّ كما حُذِفَت معها، ولا تُحذَفُ في غير (يَفعَلُ) .
فأمَّا الياءُ إذا كانت فاءً، فلا يُحذَفُ في المضارعة كيف كان بناؤُهُ. وحَكَى سيبويهِ (1) على جهة الشُّذوذ: ((يَئِسُ)) مثل: يَعِدُ.
ونظيرُ هذا في القلَّةِ ما حَكَى من / قولهم في مضارع ((وَجَدَ)) : يَجُدُ (2) .
والهمزةُ مثل الياء في الإتمام وتركِ الحذف إلاَّ ما جاء من قولهم: كُلْ وخُذْ.
والضَّرْبُ الآخَرُ الذي يُحذَفُ فيه الحرفُ الأوَّلُ من الثُّلاثيِّ ذي الزِّيادة الثَّابتِ في الماضي من المضارع هو بناءُ (أَفْعَلَ) نحو: أَكْرَمَ، وأَعْطَى، وآمَنَ، وهذه الهمزةُ تُحذَفُ في المضارع كراهيةً لاجتماع الهمزتَين،كما ذَكَرَ سيبويهِ (3) ، ثمَّ أُتبِعَ سائرُ الحروف الهمزةَ، كما أُتبِعَ في باب ((وعَدَ)) الياء.
والدَّليلُ على أنَّ حذْفَهَا لكراهية التقائهما: أنَّهُ حيثُ أُبدِلَ منها حرفٌ مُقارِبٌ لها أُتِمَّ ولم يُحْذَفْ، فقالوا: يُهَرِيقُ (وجاء على ما كان يَلزَمُ أن يكونَ عليه هذا المثالُ، هذا في مَنْ فَتَحَ فقالَ: يُهَرِيقُ) (4) . فأمَّا مَنْ أسْكَنَ فقالَ: أَهْرَقْتُ أُهْرِيقُ، فإنَّهَا عنده مِثْلُ: أَسْطَعْتُ وأُسْطِيعُ. جعَلَ الهاء عِوَضاً ممَّا دخل الكلمةَ من الضَّعف والتَّهيُّؤ للحذف في الجزم والوقف، كما أنَّ السِّينَ في ((أسْطَعْتُ)) كذلك، وحذفُها مطَّرِدٌ في الكلام، وربمَّا أثبَتَهَا الشَّاعرُ في الضَّرورة. أنشَدَ سيبويهِ (5) :
كُرَاتُ غُلاَمٍ في كِسَاءٍ مُؤَرْنَبِ
فأمَّا قولُهُ (6) :
وَصَالِيَاتٍ كَكَمَا يُؤَثْفَيْنْ(5/293)
فعلى هذا وجْهُهُ. و ((أُثْفِيَّةٌ)) على قياس قوله هذا (أُفْعُولَةٌ) (1) . قال: أحمدُ ابنُ يحيى (2) عن ابن الأعرابيِّ (3) : جاء فلانٌ يَثْفُوهُ، ويَثْفِيهِ، ويَثِفُهُ، ويَكْسُوهُ، ويَذْنُبُهُ، ويَدْمُرُهُ،كُلُّهُ بمعنًى واحدٍ. ف ((يُؤَثْفَيْنْ)) على هذا (يُؤَفْعَلْنْ) ، ويجوزُ أنْ يكونَ (يُفَعْلَيْنْ) مثل: يُسَلْقَيْنْ (4) .
قال أبو زيدٍ (5) : (( [يقالُ] : تأثَّفْنَا بالمكان إذا أَلِفُوهُ ولم يَبْرَحُوهُ)) ، ف ((يُؤَثْفَيْنْ)) على هذا (يُفَعْلَيْنْ) ، وأُثْفِيَّة (فُعْلِيَّة) ، ومن كلا المعنيين يجوز أن نأخُذَ أُثْفِيَّةً؛ لأنَّهُم يَصِفُونها في أشعارهم بالخُلُود والإقامة والعَكْفِ والرُّكُود. وتأثَّفنا: أقَمْنَا، كما أنَّ يَثْفُوهُ: قَامَ مَقَامَه. وحَمْلُهَا على أنَّهَا (أُفْعُولَة) والهمزةُ زائدةٌ كأنَّهُ أقوى؛ لأنَّ هذه الكلمةَ أكثَرُ تصرُّفاً، ولا يمتنعُ الوجهُ الآخَرُ.
ويجوزُ في ((أُثْفِيَّة)) في مَنْ جعَلَها (أُفْعُولَة) أنْ تكونَ اللاَّمُ ياءً إذا أخَذَه مِن ((يَثْفِيه)) ، ويجوزُ أنْ تكونَ واواً. وكونُهُ من الواو أكثَرُ؛ لأنَّ ((يَثِفُهُ)) لا يكونُ إلاَّ من الواو.
فإن قلتَ: هلاَّ قلتَ: إنَّهُ من الياء (6) مِن قولِ مَنْ قال: يَثْفِيْه؛ إذ لو كانت من الواو (7) لَصَحَّت؛ لأنَّهُ لا شيءَ يُوجِبُ قلبَهَا ياءً من كسرةٍ وياءٍ مُدغَمٍ فيها؟
قيل له: إنَّ (أُفْعُول) قد تُقلَبُ اللامُ فيه إذا كانت واواً كثيراً؛ ألا تراهم قالوا:
((أُدْحِيُّ النَّعَامِ)) (8) وهو مِن دَحَا يَدْحُو. وحروفٌ كثيرةٌ مثله، فكذلك ((أُثْفِيَّة)) .
فأمَّا قولهم: ((الأُرْوِيَّة)) للأنثى من الوُعُول، فقد شرحناه في ((المسائل المشكلة)) (9) .(5/294)
وأمَّا ((الأُرْبِيَّة)) [لأصلِ الفَخِذِ] (1) فتكون (أُفْعُولَة) مِن رَبَا يَرْبُو أُرْبِيَّةً لارتفاعِهِ على سائر أعْظُمِ الرِّجْلِ في النِّصْبَةِ، أو لزيادتها عليه في الخِلْقَة.
وإنْ شئتَ كان (فُعْلِيَّة) من ((الإِرْب)) الذي هو بمعنى التَّوَفُّر (2) ، من قوله في الحديث: ((أنَّهُ أُتِيَ بِكَتِفٍ مُؤَرَّبَةٍ)) (3) ، ومن قولهم: ((فلانٌ أَرِيبٌ)) (4) إذا وُصِفَ بالكمال وتوفُّرِ العقل. وقال أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ الحسنِ بنِ دُرَيد (5) : ((قالوا: جاء فلانٌ في أُرْبِيَّةٍ؛ إذا جاء في جماعةٍ من قومه)) .
فأمَّا ((الأُثْبِيَّةُ)) للجماعة ف (أُفْعُولَة) ؛ لقولهم: ثُبَةٌ، فالمحذوفُ اللامُ، وقالوا: ((ثَبَّيْتُ الرَّجُلَ)) (6) إذا جمعْتَ محاسِنَهُ، فالهمزةُ زائدةٌ ولا تكون فاءً.
* * *
مسألةٌ من هذا الباب (7) :
أنشَدَنا مَن نَثِقُ بروايته عن الدِّمَشْقيِّ (8) عن قُطْرُبٍ (9) للأعْشَى (10) :
وَمَا أَيْبُلِيٌّ عَلَى هَيْكَلٍ
بَنَاهُ وَصَلَّبَ فِيْهِ وَصَارَا
قال أبو عليٍّ:
فقوله: ((أَيْبُلِيٌّ)) لا يخلو من أحد أمرين:
إمَّا أن يكونَ الاسمُ أعجمياً أو عربيّاً، فإن كان الاسمُ أعجميّاً فلا إشكالَ فيه؛ لأنَّ الأعجميَّ إذا عُرِّبَ لا يُوجِبُ تعريبُهُ أن يكونَ موافقاً / لأبنية العربيِّ (11) ، وإن كان عربياً جاز عندي أن يكونَ أَيْبُليٌّ (فَيْعُلِيٌّ) (12) من قوله (13) :
بِهِ أَبَلَتْ شَهْرَيْ رَبِيْعٍ ...
ونحوِه، إذا اجتزَأَتْ بالرُّطْب عن الماء (14) . فكذلك هذا الرَّاهِبُ قد اقتصر بما على هَيكَلِهِ، واجتزأ به، وانقطَعَ عن غيره.
فإن قلتَ: فقد قال سيبويهِ (15) : ليس في الكلام على مثل: (فَيْعُل) ، فكيف يصحُّ ما ذَكَرْتَه من ((أيْبُليٌّ)) ؟
فإنِّهُ يجوزُ أنْ يكونَ لم يَعْتَدَّ بهذا الحرف لقلَّتِهِ، وقد فعل مثلَ ذلك في حروف نحو:(5/295)
((إنْقَحْل)) (1) . وأيضاً ففي النِّسبة مثل: تَحَوِيٌّ إذا أضفْتَ إلى ((تحيَّة)) ، فهذا لكَ فيه بعضُ الاستئناس أنه قد يجيء في بناء النِّسبة ما لا يجيءُ في غيره. ولا يَبعُدُ هذا،كما جاء مع الهاء بِنَاءٌ لم يجئ بلا هاءٍ، والتَّاءُ وياءُ النِّسبة أَختان. ألا ترى أنَّ ((زنجيّاً)) و ((زنجاً)) كثيرٌ، مثل شَعِيرةٍ وشعير (2) . فكما جاء (مَفْعُلَة) مع الهاء، ولم يجئ بلا هاءٍ كذلك يجوز أن يكون مع ياءَي النَّسب ما لا يجيءُ مع غيرهما لمشابهتهما لهما فيما ذَكَرْنَا (3) .
ولماَّ كانت الفاءاتُ من ذوات الثَّلاثة كما ذَكَرْنَا في انقسامها بعدد حروف العلَّة، وكان هذا البناءُ يُنقَلُ إلى (أَفْعَلَ) بالهمزة لمعانٍ سِوَى الإلحاق، نُقِلَ ما كان الفاءُ منه هَمْزةً، كما نُقِلَ غيرُهُ وزِيدَتْ فيه الهمزةُ وذلك نحو: آمَنَ وآتَى وآذَنَ. وشَرْطُ المضارع أنْ ينتظِمَ حروفَ الماضي إلا ما استُثْنِيَ من هذه الهمزة وغيرِها، فكما أنَّ المحذوفَ من نحو: ((أَكْرَمَ)) و ((أَقْعَدَ)) في المضارع الهمزةُ دون الفاء، كذلك المحذوفُ ممَّا كانت فاؤُهُ همزةً هذا الحرفُ الزَّائدُ دون الذي هو فاءٌ.
فقولُهُ في آخِرِ الفصل الذي كتبناه: ((حُذِفَت الهمزةُ التي هي فاءُ الفعل (4)) ) سَهْوٌ بَيِّنٌ، والتَّذكير بما ذَكَرْنَاه من هذا يُجزِئُ عن الاحتجاج والإكثار، ولولا أنَّ غَرَضَنَا في هذه المسائل إصلاحُ مواضعِ السَّهْو لَتَرَكْنَا ذِكْرَ هذا وما أشبَهَه لوُضُوحِهِ، وتجاوَزْنَاهُ إلى غيره.
ألا ترى أنَّ آمَنَ مثلُ أَقْعَدَ، فكما تقولُ: يُقْعِدُ فتَحْذِفُ الهمزةَ وتُثبِتُ الفاءَ، كذلك في قولك: يُؤْمِنُ، تحذِفُ الهمزةَ الزَّائدةَ ل (أَفْعَلَ) ، وتُثْبِتُ التي هي فاءٌ.(5/296)
ولكَ في مضارع آمَنَ وآذَنَ (1) واسمِ الفاعل منه وفي نحوه ضربان: تخفيفُهَا وتحقيقُهَا، ولكِلا الأمرين وَجْهٌ فجهةُ التَّحقيق أنَّكَ كنتَ خفَّفْتَ في الماضي لاجتماع همزتين، وفي المضارع لاجتماع همزتين أو ثلاثٍ. فإذا زال المعنى الموجِبُ للتَّخفيف رَجَعْتَ إلى التَّحقيق، فقُلْتَ: يُؤْمِنُ، ومُؤْمِن، فخفَّفْتَ الفاءَ التي كنتَ أبدَلْتَ لاجتماع الهمزتين لزوال اجتماعهما، والتَّخفيفُ عندي أقوى في مقاييس العربيَّة وأَوْجَهُ؛ لأنَّ الأفعالَ المعتلَّةَ إذا لَحِقَ بناءً منها علَّةٌ لمعنى أُتبِعَ سائرُ الأبنيةِ العاريةِ من تلك العلَّة المعتلَّ. يَدُلُّكَ على ذلك قولُهُم: يقومُ، ويبيعُ، وأَقَالَ، ويُقِيلُ، ويَعِدُ، ونَعِدُ، وأَعِدُ ويُكرِمُ، فكما تُعَلُّ هذه الأشياءُ لإتباع بعضها بعضاً، كذلك يُعَلُّ ((يؤمِنُ)) و ((مؤمن)) لإتباعه ((آمَنَ)) . بل الإعلالُ للإتباع في هذا يزدادُ قوَّةً وحُسْناً على غيره؛ لأنَّهُ يَلزَمُهُ أيضاً الاعتلالُ في قولهم: ((أُؤْمِنُ)) للإبدال.
فإذا أُتبِعَ ما اعتلَّ في موضعٍ واحدٍ سائرَ الأبنية نحو ما مثَّلنا، فما اعتلَّ في موضعَين أَولى بالإتباع (2) ، وما ذَكَرْنَاهُ من الحجَّة لإيثار التَّخفيف حُجَّةٌ لأبي عمرٍو في قراءته:(5/297)
{يُوْمِنُونَ} (1) ، واختيارُهُ ذلك على التَّحقيق، وذلك أنَّ حرفَ المضارَعَة المضمومَ صادَفَ حرفاً ينقلبُ ألِفاً قبلَ أن يَلحَقَهُ، فلمَّا وَلِيَ المضمومَ، انقلبت الألِفُ واواً، فعلى هذه الجهة يُوَجَّهُ التَّخفيفُ في قوله، لا على مَن قال: ((جُوْنَة)) في تخفيف ((جُؤْنَة)) (2) ، وإنْ كان (3) اللَّفظان واحداً، ومِن ثَمَّ قَرَأَ: {يَا صَالِحُ ايْتِنَا} (4) فتَرَكَ الفاء مُعَلَّةً للزوم العلَّة لها في غير هذا الموضع، كما تركها مُعلَّةً / في: {يُوْمِنُوْنَ} ، ولم يحقِّق الهمزةَ ولم يُرْجِعْهَا، كما لم يحقِّقْهَا في {يُوْمِنُوْنَ} . (وقد ذَكَرْنا هذا مستقصًى في موضعٍ آخر (5) ، وذَكَرَ الشَّيخُ أنَّ هذه المسألةَ فيها زيادةٌ لم تتمَّ) (6) .
* * *
الحواشي والتعليقات
غريب الحديث 1/49.
أبرز مصادر ترجمته:
تاريخ بغداد 7/275، ونزهة الألبا: 232، وإنباه الرواة 1/308، ومعجم الأدباء 7/232، ووفيات الأعيان 2/80، وإشارة التعيين: 83، وبغية الوعاة 1/496، وشذرات الذهب 3/88، وكتاب ((أبو علي الفارسي)) للدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي. ومراجع أخرى تراها في حواشي تلك الكتب.
بينها وبين شيراز أربع مراحل. انظر معجم البلدان 4/260 (فسا) .
انظر كتاب أبو علي الفارسي: 117.
انظر كتاب أبو علي الفارسي: 132.
انظرها مفصلةً في كتاب أبو علي الفارسي: 147 148.
حققه الأستاذان: بدر الدين قهوجي، وبشير جويجاتي، وطبع بدمشق متتالياً ابتداء من سنة 1404 هـ 1413 هـ.
حققه الدكتور حسن شاذلي فرهود، وطبع بالرياض سنة 1408هـ.
حققه الدكتور حسن شاذلي فرهود، وطبع بالرياض سنة 1401هـ، كما حققه الدكتور كاظم بحر المرجان، وطبع بالموصل سنة 1401هـ.(5/298)
طبع بثلاثة تحقيقات: بتحقيق الدكتور إسماعيل عمايرة بعمَّان 1401هـ، والدكتور علي جابر المنصوري ببغداد سنة 1402هـ، والدكتور محمد الشاطر أحمد بالقاهرة سنة 1403هـ.
حققه صلاح الدين السنكاوي، وطبع ببغداد.
حققه الدكتور علي جابر المنصوري، وطبع ببيروت سنة 1406 هـ.
حققه الدكتور حسن هنداوي، وطبع بدمشق سنة 1407هـ.
حققه الأستاذ مصطفى الحدري، وطبع بدمشق سنة 1406هـ.
حققه الدكتور محمد الشاطر أحمد، وطبع بالقاهرة سنة 1405هـ.
حققه الدكتور حسن هنداوي، وطبع بدمشق سنة 1407هـ، كما حققه الدكتور محمود الطناحي، وطبع بالقاهرة سنة 1408هـ.
حققه الدكتور عوض القوزي، وطبع بالقاهرة متتالياً ابتداءً من سنة 1410هـ.
انظر معجم الأدباء 7/251 252.
طبقات النحاة واللغويين: 295، وانظر كتاب ((أبو علي الفارسي)) : 487.
أبو علي الفارسي: 483.
انظر نهاية المسألة [33] وقارنه بما جاء في الكتاب 3/129 الحاشية (1) .
انظر: أبو علي الفارسي 130.
أبو علي الفارسي: 129.
الإمتاع والمؤانسة 1/131 132.
أبو علي الفارسي: 130.
البحر المحيط 1/331 332، وانظر كتاب ((أبو علي الفارسي)) : 477.
انظر اللوحة: [50/ب] .
الكتاب 3/113 114. وانظر اللوحة [93/ أب] .
انظر اللوحة: [18/ب] .
انظر اللوحة: [50/أ] .
انظر مثلاً المسألة (10) اللوحة [24/أ] ، واللوحة [24/ب] .
انظر المسألة (16) اللوحة: [40/ب] .
انظر المسألة (82) اللوحة: [102/ب 103/أ] .
انظر اللوحة: [42/ب] .
انظر اللوحة: [44/أ] .
انظر مثلاً اللوحات: [4/ب] ، و [44/ب] ، و [83/أ] .
انظر كتاب ((أبو علي الفارسي)) : 467.
انظر مقدمة تحقيق المسائل المشكلة (البغداديات) : 31 34.
انظر اللوحة: [40/أ] .
كما نقله ابن ولاَّد في ((الانتصار)) : 208.
وهذا المشهور عنه في كتب النحاة. انظر: شرح التسهيل لابن مالك 3/398، والمساعد 2/502.
انظر اللوحة: [40/أ] .(5/299)
انظر نهاية المسألة (83) اللوحة: [105/ب] .
انظر مثلاً نهاية المسألة [24] اللوحة: (55/أ) .
المسألة [43] ، اللوحة: [52/59 60] .
انظر المسائل الحلبيات: 262، 377.
انظر المسائل البغداديات: 312.
انظر معجم الأدباء 7/240 241، وانظر: الفهرست: 95.
إنباه الرواة 1/309.
انظر بداية كلام الفارسي في المسألة [65] .
انظر نهاية المسألة [99] اللوحة: [121/أ] .
انظر المسائل الحلبيات ص: 262، 377، والمسائل البغداديات: 312.
أبو علي الفارسي: 477.
هذا التقسيم من نسخة (ش) .
ما بين القوسين من نسخة (ص) ، وقد جاء عنوانُ الكتاب فيها بعد البسملة هكذا: ((كتاب المسائل المصلحة من كتاب أبي إسحاق)) .
رقَّمَت النُّسختان المسائلَ، ولم يستمرَّ التَّرقيمُ إلى نهاية الكتاب، بل وقف في المنتصف تقريباً، على أنَّه لم يبتدئ من أولها أيضاً بل ابتدأ في نسخة (ص) من المسألة (20) ، وفي نسخة (ش) من المسألة (3) . وقد قمتُ بترقيم المسائل الرئيسية كلِّها من أول الكتاب إلى نهايته، دون المسائل الفرعية الواردة في أثناء المسائل الأصلية، حيث سأفردها بالذكر في فهرس مسائل الكتاب إن شاء الله تعالى.
معاني القرآن وإعرابه 1/43.
وقد نقل ابن سيده (رحمه الله) هذه المسألة بتمامها في المخصص 17/136 151، كما نقل البغدادي ردَّ ابن خالويه على (الإغفال) ، وردَّ الفارسيِّ عليه في كتابٍ له آخر سمَّاه (نقض الهاذور) . انظر الخزانة 2/281 287، 10/356 360.
من الآية: 24، وانظر كلام الزجَّاج في معاني القرآن وإعرابه 5/151 152.
سقطت كلمتا ((الأصل فيه)) من (ش) .
انظر الكتاب 2/197.
الكتاب 2/195.
الكتاب 3/498 ولا دليل فيه على ما قصده المصنف. وانظر: اشتقاق أسماء الله للزجاجي: 27، ومجالس العلماء له: 57، والبارع للقالي: 108، والصحاح (ليه) .(5/300)
سورة الأعراف: من الآية: 127. وهي قراءةٌ شاذة رُويت عن بعض الصحابة، انظرها في تفسير الطبري (جامع البيان) 13/39 40، ومختصر الشَّواذّ: 45، والمحتسب 1/256. وانظر كتاب العين 4/91، وتفسير ابن عباس: 232.
كتاب الهمز: 9 10.
البيت لرؤبة في ديوانه: 165، وقبله:
لله دَرُّ الْغَانِيَاتِ الْمُدَّهِ
وأنشده أبو زيد في كتاب الهمز: 9 10. وانظر: العين 4/90، والمسائل الحلبيات: 336، والمحتسب 1/256 وشرح المفصل 1/3
سورة الحشر: من الآية: 23.
أي: أنه اسم مصدر.
قال ابن دريد في جمهرة اللغة 1/110: ((وفسَّر بعض العلماء باللغة قولهم: (لله درك) قال: أرادوا صالح عملك؛ لأن الدر أفضل ما يُحتَلَبُ)) . وانظر: الفاخر: 55، والزاهر 1/391، وجمهرة الأمثال 2/210.
ما بين القوسين ساقط من (ش) ، ومن نص المخصص 17/137.
انظر: الجيم لأبي عمرو الشيباني 3/225، والصحاح (أله) . وفي تكملته للصغاني (أله) : أنَّ ((الإلاهة)) اسمٌ للهلال أيضاً عن أبي عمرو.
البيت من الوافر لميَّة بنت عتيبة بن الحارث (أم البنين) كما في الجيم لأبي عمرو الشيباني 3/225، وقيل: لبنت عبد الحارث اليربوعي، ويقال: لنائحة عتيبة بن الحارث. انظر جمهرة اللغة 2/991، وسر الصناعة 2/784، والمحتسب 2/123، ومعجم البلدان 5/18، والتاج (أله) . (وراجع تخريج البيت في الجمهرة 1/367) . واللعباء: موضع بالبحرين.
سورة فصلت: من الآية: 37.
ومن قوله: ((روي عن ابن عباس)) إلى هنا، نقله ابنُ سيده في المخصص 13/9697.
ثعلب، ولم أقف على حكايته هذه مع أنه تعرض للكلام على قوله تعالى في قراءة: {وَيَذَرَكَ وَإِلاَهَتَكَ} وقال: ((وإلاهَتَكَ أي: عبادتك، ومَن قرأ: {وإلاهَتَكَ} أراد: أنك تُعبَدُ ولا تَعْبُدُ، ومَن قرأ: {وآلِهَتَكَ} أراد التي يعبدها)) . انظر مجالس ثعلب 1/180 181(5/301)
العبارة في (ش) : ((منقولةٌ من أسماء الأجناس نحو ... )) .
قوله: ((غيرَ مصروفٍ)) ساقطٌ من (ش) .
النوادر: 403.
سورة نوح: من الآية: 23.
هو عمرو بن عبد الجن. والبيت من الطويل، وقد أنشده أبو علي في المسائل الحلبيات: 287، وانظر: سر الصناعة 1/359، وأمالي ابن الشجري 1/235، 3/121، والإنصاف: 318، والخزانة 7/214. وقنة العزى: أعلاها، والعَنْدَمُ: صبغٌ أحمر، ويُسَمَّى البقَّمُ، فارسيٌّ معرَّبٌ. انظر المعرَّب: 59، وقصد السبيل 1/292.
وهي قراءة السَّبعة.
سورة الأعراف: من الآية: 138.
انظرهما في الكتاب 2/194 196 و 3/498، وانظر مجالس العلماء: 56 57.
وهذا القول هو أعلى قولَي سيبويه رحمه الله كما قال ابن جني في الخصائص 3/150، وراجع التعليقة على الكتاب 1/278.
في (ش) : ((لاه)) .
انظر الكتاب 3/556.
كلمة ((ألقيت)) ساقطة من (ش) .
العبارة في (ش) : ((فهي وإن كانت ملقاة متقاة في النية ... )) .
جيْألُ وجيْألَةُ: الضَّبُعُ. انظر: التعليقة على الكتاب 4/12، واللسان (جأل) ، وفيه: ((قال أبو عليٍّ النحويُّ: وربما قالوا: جَيَل بالتخفيف، ويتركون الياء مصحَّحَةً؛ لأن الهمزة وإن كانت ملقاةً من اللفظ، فهي مُبَقَّاةٌ في النيَّة معاملةٌ معاملةَ المثبَتةِ غير المحذوفة)) .
في (ش) : باب، وفي (ص) : ((قاب)) .، ولعل ما أثبته الصحيح.
حيث إن الأصل: مرموي، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً، وأدغمت الياء في الياء فأصبح مرميّ.
اللوحة (3/أب) سقطت بكاملها من النسخة (ص) ، وهي تبدأ من اللوحة (5) في نسخة (ش) .
أي: التي في ((إله)) .
في (ش) : ((وأما الدلالة)) ، وانظر المخصَّص 17/139.
انظر الكتاب 2/195، 3/500، والتعليقة عليه لأبي علي 1/340.
قوله: (من أن يكون) ساقطٌ من (ش) .
الكتاب 2/195.
في (ش) : (مما يقربه) ، وانظر الكتاب 2/195.(5/302)
لابن خالويه رد على أبي علي في مسائل هذا الكتاب، ولأبي علي ردٌّ عليه في كتابٍ سماه ((نقض الهاذور)) ،. وقد أورد العلامة البغدادي منه قدراً مهماً فيما يخص هذه الفقرة. انظر الخزانة 2/281، وراجع التعليقة على الكتاب 1/278.
البيتُ من مجزوء الكامل، وهو لذي جَدَن الحميري كما نصَّ السِّجستاني في كتابه (المعمَّرون والوصايا) ص: 43، وانظر: مجالس العلماء: 57، والخصائص 3/151، وأمالي ابن الشجري 1/188، 2/193، والخزانة 2/280.
كلمة ((مفتوحة)) ساقطة من (ش) .
سورة الكهف: من الآية: 38.
ورد هذا التشبيه ابن كيسان انظر: إعراب القرآن للنحاس 1/183، والخصائص 3/141. وراجع: إعراب القراءات للعكبري 1/111، والتبيان 1/19، والبحر المحيط 1/41.
سورة البقرة: من الآية: 4 وغيرها.
لم أقف على قوله في المقتضب والكامل اعتماداً على فهارسهما.
انظر الكتاب 3/541، قال السيرافي: ((معنى قولنا: بين بين في هذا الموضع وفي كل موضع يرد بعده من الهمز أن تجعلها من مخرج الحرف الذي منه حركة الهمزة، فإذا كانت مفتوحة جعلناها متوسطة إخراجها بين الهمزة وبين الألف؛ لأن الألف من الفتحة، وذلك قولك: سال إذا خففنا سأل، وقرا يا فتى إذا خففنا قرأ، وإذا كانت مضمومة فجعلناها بين بين أخرجناها متوسطة بين الهمزة والواو كقولنا: لوم تخفيف لؤم، وإذا كانت مكسورة جعلناها بين الياء وبين الهمزة)) انظر شرح الكتاب 5/5 أ (مخطوط) .
انظر الكتاب 3/5، وسر الصناعة 1/113، 118، 2/745، واللسان (ويل) .
في (ش) : ((أناس)) .
الكتاب 2/195 196، 3/5.
العين 8/350، وانظر الكتاب 3/5.
الفَذُّ: جاء في اللسان (فذذ) : ((وكلمةٌ فذَّةٌ وفاذَّةٌ: شاذةٌ)) .
انظر الكتاب 2/196، والمنصف 2/227.
يردُّ على الكسائي الذي حذف الهمزة من ((إليك)) في النقل المتقدم عنه ص: 49.(5/303)
انظر المقتضب 3/31، ورصف المباني: 387، والجنى الداني: 304.
لأنها مركبةٌ من ((ها)) للتنبيه)) و ((لُمَّ)) فعلُ أمرٍ من لمَّ الله أمرَه أي: جمعه.
قال: ((ولو كانت على ما يقول الخليل لما قلتَ: أما زيداً فلن أضربَ؛ لأن هذا اسمٌ والفعل صلةٌ، فكأنه قال: أما زيداً فلا الضربُ له)) . الكتاب 3/5.
العبارة في (ش) : ((سيبويه ولا كثير من أصحابه ويفسد قياس ... )) .
في (ش) : ((أسوغ)) .
النوادر: 583، وانظر الكتاب 3/5.
نقله ابن جني في سر الصناعة 1/234 عن شيخه أبي علي.
في (ش) : ((لا يكونُ فيه الإدغام)) .
انظر الكتاب 4/437.
سورة الأعراف: من الآية: 143.
سورة الروم: من الآية: 50.
سورة المائدة: من الآية: 24.
الكتاب 3/498، وانظر: الانتصار: 233، والتعليقة على الكتاب 1/278، وكتاب الشعر: 45 وما بعدها (تحقيق د. الطناحي) ، والمسائل البصريات 2/909، والصحاح (ليه) .
قوله: ((عن الياء)) ساقطٌ من (ش) .
انظر قولَ أبي العبَّاس وردَّ ابن ولاَّدٍ عليه في الانتصار: 233، وانظر كلام سيبويه في الكتاب 2/195 196، 3/498. والعبارة في (ش) : ((فقال سيبويه: إن تقدير فعال ... )) .
النص في الانتصار: 233.
ويقال أيضاً (تُرْتَب، وتُرْتُب) . ومعناها: الأمر الثَّابت. والتاء الأولى فيها زائدة لأنه ليس في الكلام كجَعْفُر، وكذلك الاشتقاق يدل عليه لأنها من الشيء الراتب. الكتاب 3/196، والتعليقة عليه لأبي عليٍّ 3/11 12. وانظر: المسائل البصريات 2/794، وسر الصناعة 1/120، 158، 168، والصحاح (رتب) .
حيث هي من (مَصَرَ) . والمصير منها هو المِعَى، والجمع: أمصرةٌ ومُصران مثل: رغيف ورُغفان. انظر اللسان (مصر) .
قوله: ((وعلى هذا بأنه أصل)) ساقط من (ش) .
زيادة يقتضيها السياق.(5/304)
والمسَلُ والمسيلُ بمعنى المكان الذي يسيل فيه ماء السيل، والجمع: أمسلة ومُسُل ومُسلان ومسايل. انظر اللسان (سيل، مسل) .
وهو قول سيبويه. انظر الكتاب 4/93، وسر الصناعة 1/154.
رجلٌ مأْلٌ: ضخمٌ كثير اللحم تارٌّ. اللسان (مأل) .
أي: يتبعه.
فعلى الأول (هو يثفوه) معناه: هو يَتْبعُهُ، ووزنه على هذا (أُفْعُولَة) ، والثاني (تأثَّفنا بالمكان) قال أبو زيد في النوادر: 325: ((يقال: تأثَّفنا بالمكان تأثُّفاً إذا أَلِفُوهُ فلم يبرحوهُ)) ووزنه على هذا (فُعْلُوْيَة) . وانظر كلام الفارسي على ((أثفيَّة)) فيما يأتي من هذا الكتاب عند قول الشاعر:
وَصَالِيَاتٍ كَكَمَا يُؤَثْفَيْنْ
وراجع: المنصف 2/185، واللسان (ثفا) 14/114.
الأروى: جمع أُروية، وهي أنثى الوعول. وانظر المسائل البغداديات: 127.
الأفْكل: رِعْدةٌ تعلو الإنسان. ولا فعلَ له. اللسان (فكل) .
الأرطى: شجرٌ ينبت بالرمل.
انظر اللسان (روى) 14/351.
انظر: المنتخب 1/85، والصحاح (ربا) والتاج (أرب، ربو) .
ما بين القوسين ساقطٌ من (ش) .
قوله: ((عين الفعل)) ساقط من (ش) .
الدَّخَلُ: العيبُ.
في (ش) : ((لكون الياء)) .
أي: الألف.
نسبة إلى ((زبينة)) اسم قبيلة. انظر الكتاب 3/335 336.
رجزٌ لرجل من حِمْيَر كما في النوادر: 347، وقد أنشده أبو علي في المسائل العسكريات: 114، وقبله:
يَا بْنَ الزُّبيرِ طَالَ مَا عَصَيْكَا
وَطَالَ مَا عَنَّيْتَنَا إِلَيْكَا
وانظر سر الصناعة 1/280، والخزانة 4/428، وشرح شواهد شرح الشافية: 425.
في (ش) : ((قد اختلف فيه)) .
في الصحاح (هور) : ((هار الجرفُ يهور هوراً وهُؤوراً، فهو هائرٌ، ويقالُ: جرفٌ هارٍ، خفضوه في موضع الرفع وأرادوا هائرٌ، وهو مقلوبٌ من الثلاثي إلى الرباعي، كما قلبوا شائك السلاح إلى شاكي السلاح)) .
في (ش) : ((فيما ذكرنا)) .(5/305)
فأصل الكلمة على هذا (أنْوُق) على (أفْعُل) ، قدمت الواو على النون فصارت: (أونُق) ، ثم قلبت الواو ياء فأصبحت (أيْنُق) على (أعْفُل) . انظر شرح التصريف للثمانيني: 324 325، وشرح الشافية 1/22.
وفي نسخة (ش) : ((ياء)) .
وهو الذي ذهب إليه المصنف في تعليقته على الكتاب 4/264، وهو قول سيبويه في الكتاب 4/285 حيث قال: ((كما جعلوا ياء أينق وألف يمان عوضاً)) . وانظر شرح التصريف للثمانيني: 324 325، والنكت 2/1166.
النوادر: 392 دون نسبة، وهما في المخصص 14/118، 17/145، واللسان (زهق) . ويروى معهما بيتٌ ثالث هو:
وذاتِ أَلْيَاطٍ وَمُخٍّ زَاهِقِ
انظر هذا التساؤل والجواب عنه في إيضاح الشعر: 57.
في النسختين (فعل) .
في اللسان (فوق) : ((الفُوقُ من السَّهم: موضع الوتر، والجمع: فُقًا، مقلوبٌ)) وأنشد البيت.
من الهزج، وهو للفِنْدِ الزِّمَّاني (شهل بن شيبان) في شعره: 310، وينسب إلى امرئ القيس بن عابس، وهو في شعره: 377 (ضمن أشعار المراقسة) . وقد أنشده الفارسي في المسائل البصريات 2/920.
من الآية: 152 من سورة الأنعام، وسور أخرى. وانظر السبعة: 272.
في (ش) : ((لاه)) .
((الأناس)) سقطت من (ش) .
سبق في صفحة: 47.
انظر صفحة: 43 وما بعدها.
الكتاب 3/498.
في (ش) : ((حذفوا اللامين من قولهم: لاه أبوك، حذفوا لام الإضافة واللام الأخرى)) .
انظر الكتاب 2/196، والمنصف 2/227.
في (ش) : ((علامة المنصوب)) .
انظر كلام أبي علي عن هذه المسألة في كتابه إيضاح الشعر: 50.
في (ش) : ((جاءني زيد قامَ، تريدُ: قد قام زيدٌ)) .
سورة البقرة: من الآية: 28. التقدير: ((وقد كنتم)) انظر معاني القرآن للفراء 1/24.(5/306)
الخارجي، يمدح قوماً من الأزد نزل بهم متنكراً فأكرموه. والبيت من الطويل وهو في شعر الخوارج: 182، وراجع تخريحه هناك. وقد أنشده الفارسي في إيضاح الشعر: 68، 420، وانظر أمالي ابن الشجري 1/407.
كقول الكميت:
طَرِبْتُ وَمَا شَوْقاً إِلى الْبِيْضِ أَطْرَبُ وَلاَ لَعِباً مِنِّي وَذُوْ الشَّيْبِ يَلْعَبُ
أراد: أوَ ذو الشيب يلعب. وكقول عمر بن أبي ربيعة:
ثُمَّ قَالُوا تُحِبُّهَا قُلْتُ بَهْراً عَدَدَ الْقَطْرِ وَالْحَصَى وَالتُّرَابِ
أراد: أتحبها، يدل عليه ما قبله. وانظر كلام ابن جني على ذلك في الخصائص 2/281.
من الوافر، وقد اختلف في نسبته، فنسب إلى أبي طالبٍ، وإلى حسَّان رضي الله عنه، ولم أقف عليه في شعرهما. وانظر: الكتاب 3/8، والمقتضب 2/130، وسر الصناعة 1/391، والإنصاف 2/530، وشرح المفصل 7/35، والمغني: 297، وشرح أبياته 4/335، والخزانة 9/11.
من الطويل، ولم أجده في النوادر اعتماداً على فهارسه، وقد أنشده أبو عليٍّ في المسائل البغداديات: 469 منسوباً إلى عمران بن حطان الخارجي، ولم أجده في شعره، ونقله عنه تلميذه ابن جني في سر الصناعة 1/390. وانظر: شرح المفصل 7/6، 9/24.
من البسيط، يخاطب الشَّاعر به ابنه لما سمع أنه يتمنى موته. انظر: معاني القرآن للفراء 1/159، ومجالس ثعلب 2/456، وسر الصناعة 1/390، والمغني: 297، وشرح أبياته 4/333.(5/307)
من الوافر، وهو لدِثار بن شيبان النَّمَري، ونُسِبَ في الكتاب 3/45 إلى الأعشى، ونسبه القالي في أماليه 2/102 إلى الفرزدق، ولم أجده في ديوانيهما. قال الأعلم في تحصيل عين الذهب: 399: ويروى للحطيئة، وهو في ملحق ديوانه: 338. وفي شرح المفصل 7/33 هو لربيعة بن جشم. وانظر: معاني الفراء 2/314، ومجالس ثعلب 2/456، ومختارات ابن الشجري: 415، والإنصاف 2/531، وضرائر الشعر: 150، والمغني: 519، وشرح أبياته 6/229، وشرح الشواهد للعيني 4/392. والنَّدى: بُعْدُ الصوت، والتقدير: لتدعي ولأدعُ على معنى الأمر.
سورة الجاثية: من الآية: 14.
قال الفراء في معاني القرآن 3/45: ((فهذا مجزوم بالتَّشبيه بالجزاء والشَّرط كأنه قولك: قم تصبْ خيراً)) . ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا} [الإسراء: 53] . والجزم في (يغفروا) و (يقيموا) و (يقولوا) مختلف فيه على أقوال انظرها في التبيان 2/769، والدر المصون 4/269 (وهو أوفاها) ، والمغني: 298، 840.
وانظر: الكتاب 3/98، ومعاني القرآن للفراء 2/425، والمقتضب 2/81 82، ومعاني القرآن وإعرابه 3/162، وإعراب القرآن للنحاس 4/143، ومشكل إعراب القرآن 1/405، والمحرر الوجيز 13/304، وأمالي ابن الشجري 2/477، وشرح الكافية 2/248، والبحر المحيط 5/426.
سورة إبراهيم: من الآية: 31. وقد نسب السمين الحلبي إلى أبي علي أنه يقول: ((إنه مضارع صرف عن الأمر إلى الخبر، ومعناه: أقيموا)) قال: ((وهذا مردود ... )) . الدر المصون 4/270.
انظر الكتاب 3/498.
انظر الكتاب 1/25، 4/285، 483، وسر الصناعة 1/199، 202.
انظر الكتاب 1/262، والأصول 2/248، وإيضاح الشعر: 63.
انظر الكتاب 4/482، والأصول 4/432.
انظر الكتاب 4/482، 484.
هِبت وخِفت على (فَعِلتُ) ، وطُلْتُ على (فَعُلْتُ) لقولهم: طويل. انظر المنصف 1/238، 247.(5/308)
في (ش) : ((ولم يسكن في ضربت، ولو كان المحذوف فقد دلَّك ... )) .
قال سيبويه: ((ومثل هذا قول بعضهم: ((علْمَاءِ بنو فلان، فحذف اللام، يريد: على الماء بنو فلان. وهي عربية)) . الكتاب 4/485. وانظر الأصول 3/434.
قال سيبويه في الكتاب 4/484: ((ومن الشَّاذ قولُهُم في بني العنبر وبني الحارث: بَلْعَنْبَر وبَلْحَارث بحذف النون)) ، والأصل: بني الحارث، وبني العنبر، واللام والنون قريبتا المخارج. وانظر الأصول 3/433.
في (ش) : ((المكرر من الأول)) .
سورة محمد ش: من الآية: 18. وتخفيفُ الهمزة الأولى رواه سيبويه عن أبي عمرو. انظر الكتاب 3/549، والإقناع 1/380
سورة المزمل: من الآية: 20.
من (كأنِّي) حيث إن الأصل: كأنَّني، فحُذفت النون الوسطى.
عمل (إنْ) المخففة في الاسم الظاهر مسألة خلافية. انظر الإنصاف 1/195 208، والتبيين: 347 352.
أي: أجاز عمل (إنْ) المخففة في المضمَر. وليس سيبويه الذي زعم أنها قراءةٌ، بل نقل ذلك فقال في الكتاب 3/166: ((وزعموا أنَّهَا في مصحف أُبيٍّ: {أَنْهُمْ لا يَقْدِرُونَ} )) . والضَّبطُ في الكتاب (أنَّهم) بتشديد النون، وهو خطأ.
من الطويل، وهو مجهول القائل، انظر: معاني القرآن للفراء 2/90، والمنصف 3/128، والأزهية: 62، والإنصاف 1/205، ورصف المباني: 196، والخزانة 5/426، وغيرها. قال ابن جني بعد الاستشهاد بالبيت: ((خفَّفها وأعملها في المضمر، وهذا بعيدٌ؛ لأن الإضمار يَرُدُّ الأشياء إلى أصولها، وكان حكمُهُ إذا أعملها في المضمر أن يثقِّلَها، ولكنه حمل المضمر على المظهر، وهو شاذٌّ)) .
انظر الكتاب 3/505، والمسائل البغداديات: 162، وسر الصناعة 2/546.
في (ش) : ((بك لأفعلن)) .
قال سيبويه (رحمه الله) في الكتاب 3/163 164: ((لا تُخفِّفُها في الكلام أبداً وبعدها الأسماءُ إلاَّ وأنتَ تريدُ الثَّقيلةَ مضمراً فيها الاسم)) .(5/309)
ما بين القوسين ساقط من (ص) .
أي:من ((لاه)) ، فالمحذوف على قول سيبويه لام الجر؛ لأن الأصل: لله، وراجع ما سبق في صفحة: 61.
في (ش) : ((لا تكسر مع المظهر ولا تفتح)) . وانظر إيضاح الشعر: 56.
من بيت مهلهل بن ربيعة:
يا لَبَكْرٍ أَنشِرُوا لي كُليباً يَا لَبَكْرٍ أيْنَ أَيْنَ الفِرَارُ
وهو من المديد في ديوانه: 32، وانظر الكتاب 2/215، وشرح أبياته 1/466، واللاَّمات: 87، والخصائص 3/229 والخزانة 2/162
وهو مذهب أبي عمرٍو فيما حكاه عنه سيبويه. انظر الكتاب 3/549، والإقناع 1/380.
تخفيف الثانية قراءة ورش وقنبل. انظر الإقناع 1/378، 380، 381.
سورة هود: آية: 72.
من الوافر، ولم أقف على نسبته. وانظر: سر الصناعة 2/721، والخصائص 3/135، والمحتسب 1/181، 299، والممتع 2/611، وضرائر الشعر: 131، ورصف المباني: 341، والخزانة 10/355. وجه الاستشهاد أنه حذف الألف التي بعد اللام من لفظ الجلالة في الشَّطر الأوَّل.
الكتاب 4/132.
الذي في الكتاب 4/132: مادٌّ وجادٌّ.
انظر الكتاب 4/122، 132 بغير لفظه، وانظر التعليقة عليه لأبي عليٍّ 4/190.
في (ش) : ((متحركة)) .
الكتاب 4/122.
في الكتاب: ((وقالوا في الجرِّ ... )) .
معاني القرآن وإعرابه 1/48 49.
جاء الحديث عن الآية (7) من سورة الفاتحة في المسألة [17] حيث جمعها الفارسيُّ مع الآية (71) من سورة البقرة كما هي عادته في جمع بعض الآيات مع غيرها لمناسبة بينها.
هذا رأي الخليل، وأغلب البصريين على أنه اسمٌ مضمرٌ والضمائر المتصلة به حروف لا موضع لها. وذهب الكوفيون إلى أن الضمائر المتصلة به هي الضمائر المنصوبة، وأن (إيا) عماد، وبعضهم ذهب إلى أنه بكماله هو الضمير. والمسألة خلافية انظرها في الإنصاف 2/695. وراجع: إعراب القرآن للنحاس 1/173، ومشكل إعراب القرآن 1/69 70.
في (ص) : إياك.(5/310)
انظر الكتاب 1/279، والإنصاف 2/695. والشوابُّ: جمع شابَّة.
عبارة ((قال أبو علي رحمه الله)) أو ((أيده الله)) تكررت كثيراً في نسخة دون أخرى، ولن أكرر الإشارة إليها.
انظر الحديث عن (إيا) مفصلاً في سر الصناعة 1/312، 2/655.
قوله: ((دون الموضعين الآخرين)) وضعت في (ش) بعد كلمة (النصب) السابقة.
ما بين القوسين ساقطٌ من (ش) .
ما بين القوسين ساقط من (ص) .
في هذه المسألة خلاف واسع بين العلماء انظر تفصيله في: سر صناعة الإعراب 1/312 318، 2/655، حيث نقل ابن جني عن أبي عليٍّ جلَّ كلامه هنا، والإنصاف 2/695، وراجع كتاب من آراء الزجاج النحوية ص: 37 46 ففيه بسطٌ للمسألة.
انظر العين 8/440 441. والمرجع السابق.
في (ش) : وحكى أبو العباس عن أبي الحسن ...
أي: غير مضاف.
في (ش) : الإضافات.
الكتاب 1/279.
الموضع السابق.
في النسختين: ((التاء)) ، ولعل ما أثبت الصواب.
البصريون يرون أن (كِلا) ومثله (كلتا) اسمٌ مفرَدٌ لفظاً مثنى معنى، أما الكوفيون فيرون أنها مثنى لفظاً ومعنى. انظر تفصيل ذلك في شرح أبيات الإيضاح للقيسي 1/404408، والإنصاف 2/439، وقد استوفى الفارسي رحمه الله الحديث عن (كلا) وما تضاف إليه في ((المسائل الشيرازيات)) : 108 125 (مخطوط) .
العبارة من قوله قبل الشاهد: ((نحو قوله)) إلى هنا من نسخة (ش) ، وفي ص: جاءت العبارة هكذا: ((نحو قوله:
وَكِلاَهُمَا في كَفِّه يَزَنِيَّةٌ كِلاَ الفرِيقَين اشتَهَرْ
والسُّرَيْحِيَّاتُ يَخْطَفْنَ الْقَصَرْ
وقال الشماخ: ... )) . ويظهر أن فيه خلطاً وتحريفاً.
وقوله: ((والسُّرَيْحِيَّاتُ يَخْطَفْنَ الْقَصَرْ)) بيتٌ للعجاج في ديوانه: 42، وصحة روايته:
((وبالسريحيات يخطفن القصر))(5/311)
والسُّريحياتُ: ضربٌ من السُّيوف منسوبةٌ إلى شيء. ورواها ابن سيده: ((السريجيات)) بالجيم المعجمة، قال: ((والسُّريجيات (بالجيم) منسوبةٌ إلى قينٍ يقالُ له: سُرَيجٌ، قال العجاج:
والسُّريجيَّات يخطفنَ القَصَر))
والقَصَرُ: أصولُ الأعناق، الواحد: قَصَرَة. انظر جمهرة اللغة 3/1281، والمخصص 6/25. ويَزنيَّةٌ: رماحٌ منسوبةٌ إلى ذي يزن (أحد ملوك حمير) ، تنسب إليه لأنه أول من عملت له. اللسان (يزن) . والهندوانيَّات: السُّيُوفُ المنسوبة إلى حديدِ بلاد الهند.
وقد أنشد الفارسي الشطر الأول من الشاهد في مسائله الشيرازيات: 110 (مخطوط) ، والشطر الثاني في اللسان (خطف) .
من الوافر، وهو للشَّمَّاخ بن ضرار الغطفاني في ديوانه: 319، وهو مطلع قصيدة له في مدح عَرَابةَ بنِ أوسٍ رضي الله عنه (من بني مالك بن الأوس، صحابي جوادٌ، من سادات المدينة المشهورين، أدرك حياة النبي e وأسلم صغيراً، وفد الشام في أيام معاوية رضي الله عنه، وله معه أخبارٌ، توفي بالمدينة نحو سنة (60 هـ) ، اتصل به الشماخ ومدحه، وهو الذي يقول الشماخ فيه:
إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ باليَمِيْنِ
فأجزل عَرَابةُ عطاءه. انظر الإصابة ترجمة: 5500، والخزانة 4/349، 353) .
والبيت في: المحتسب 1/321، والإنصاف 1/67، وشرح المفصل 3/101. وطُوالةَ: موضعٌ ببرقان فيه بئرٌ ... وقال نصر: طُوالةَ: بئرٌ في ديار بني فزارة لبني مرة وغطفان قال الشماخ ... )) وأنشد البيت. انظر معجم البلدان 4/45. وأروى: اسم محبوبته.
معاني القرآن وإعرابه 1/49.
وهو قول الكوفيين. انظر مشكل إعراب القرآن 1/70، والإنصاف 2/695.
انظر ما سبق في صفحة: 76.
ما بين القوسين ساقط من (ش) .
انظر الكتاب 2/410 411، والذي في الكتاب: ((وزعم يونس أنه سمع أعرابياً يقول: ضَرَبَ مَنٌ مَنًا)) .(5/312)
معاني القرآن وإعرابه 1/65 66. وفي (ش) جاء في البداية قوله: ((ومن السورة التي يذكر فيها البقرة قال في قوله عز وجل)) .
انظر معاني القرآن للفراء 1/9، ومعاني القرآن للأخفش 1/19، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/59.
سورة آل عمران: 1 2.
وهو قول سيبويه كما سيمر بعد قليل، وانظر الكتاب 4/153.
محمد بن الحسن بن أبي سارة الكوفي، أستاذ الكسائي والفراء، كان رجلاً صالحاً، وهو أول من وضع كتاباً في النحو من الكوفيين. انظر أخباره في: طبقات اللغويين والنحويين: 125، ونزهة الألبا: 54، وبغية الوعاة 1/82. ولم أقف على هذه القراءة فيما اطلعت.
في (ش) : ((وقع الفعل)) .
ما بين القوسين ساقط من (ش) .
في (ش) : ((إدخال)) .
الكتاب 4/153.
أجازه الأخفش مع إجازته قولَ سيبويه أيضاً، قال في معاني القرآن 1/22 23: ((فالميم مفتوحةٌ لأنها لَقِيَهَا حرفٌ ساكنٌ، فلم يكن من حركتها بدٌّ. فإن قيل: فهلاَّ حُرِّكت بالجرِّ؟ فإن هذا لا يلزم فيها؛ إنما أرادوا الحركة، فإذا حرَّكوها بأيِّ حركةٍ كانت فقد وصلوا إلى الكلام بها، ولو كانت كُسِرت لجاز، ولا أعلمها إلاَّ لغة)) . وانظر ما يأتي في صفحة: 91 وما بعدها.
في (ش) : تخفيف.
في (ص) : يختلف.
سورة ص: الآيتان: 41 42.
سورة الجن: آية: 16.
في (ص) : ملغاة.
في (ش) : وإذا أمكن.
ساقطٌ من (ش) .
ساقط من (ش) .
انظر الكتاب 3/545، ومعاني القرآن للأخفش 1/23.
في (ش) : ((قبلها)) .
انظر الكتاب 3/545.
في (ش) : سدورة. وانظر المسائل المشكلة (البغداديات) : 190.
سورة التوبة: آية: 42.
يقال: ((لَقَضْوَ الرَّجُلُ)) إذا بالغتَ في الخبر عنه بجودة القضاء. قُلبت الياء واواً لانضمام ما قبلها، حيثُ إن الأصل (لقَضُوَ الرجل) بضم الضاد، ثم أسكنت ونويت الضمة فيها.
من ((لقَضْوَ)) فيقال: لَقَضُوَ.(5/313)
مخفف ((نؤي)) حيث أقروا الواو وإن كانت ساكنة قبل ياء، وإنما هو لما فيها من نية الهمزة. انظر المنصف 2/125، وسر الصناعة 2/486. والنُّؤي: الحفير جول الخيمة يمنع عنها ماء المطر. انظر اللسان (نأى) .
انظر التكملة: 214، والمسائل البغداديات: 189، وسر الصناعة 2/485.
الأصل: ((رُوْيا)) تخفيف ((رؤيا)) ، إلا أنهم أجروا الواو في ((روْيا)) وإن كانت بدلاً من الهمزة مجرى الواو اللازمة، فأبدلوها ياءً وأدغموها في الياء بعدها فقالوا: رُيَّا،كما قالوا: طويتُ طَيَّا، ... وشويتُ شيَّا، وأصلها: طوْياً وشوْياً، ثم أبدلوا الواو ياءً، وأدغموها في الياء فصارت طيّاً وشيّاً، فعلى هذا قالوا: رُيّا. انظر سر الصناعة 2/486.
سورة النجم: آية: 50، وانظر السبعة: 615، والحجة لأبي علي 6/237، والمسائل البغداديات: 191 192.
بسطه في المسائل البغداديات: 190 194، والحجة 6/237 240.
انظر التكملة: 215، والمسائل البغداديات: 191، والحجة 6/237.
انظر الكتاب 4/445، والمسائل البغداديات: 189، والنكت 2/1253.
في (ص) : القليل إلى الكثير.
ساقط من (ش) .
أي: في الفاتحة.
أي: همزة الوصل من (أل) التعريف.
في (ش) : لثبتت موصولة.
جاءت هذه العبارة في (ش) بعد البيت مع زيادة غير واضحة كما سيأتي.
انظر ماسبق في صفحة: 46 47.
سبق ذكره في صفحة: 47.
جاء النص في نسخة (ش) : ((وهذا حكاه أبو بكرٍ عن أبي العبَّاس عن أبي عثمانَ، وحكى حكايةً عن زيادٍ فيها والالا فيه)) .
قال في الكتاب 3/265: ((فإن قلتَ: ما بالي أقول: واحدُ اثنان فأُشِمُّ الواحد، ولا يكون ذلك في هذه الحروف؟ فلأن الواحد اسم متمكنٌ، وليس كالصوت)) .
انظر معاني القرآن للأخفش 1/19.
ساقط من (ص) .
الكتاب 4/153.
انظر بداية كلام أبي علي.
سورة الشورى: الآيتان: 1 2.
ساقط من (ص) .(5/314)
معاني القرآن 1/22 قال الأخفش: ((ولو كانت كُسِرت لجاز، ولا أعلمها إلا لغة)) .
في (ش) : ولم يحك عن سيبويه.
الكتاب 3/258، وهي قراءة عيسى بن عمر. انظر: معاني القرآن للأخفش 1/20، وإعراب القرآن للنحاس 3/449، ومختصر الشواذ: 144، والمحتسب 2/281.
انظر إعراب القراءات الشواذ 2/388، 505.
قال في الكتاب 3/258: ((ويجوزُ أيضاً أن يكون (ياسينُ) و (صادُ) اسمين غير متمكنين، فيُلزَمان الفتحَ، كما ألزمْتَ الأسماءَ غير المتمكنة الحركاتِ نحو: كيفَ، وأينَ، وحيثُ، وأمسِ)) .
يقصد كسر الميم من {الم الله} .
معاني القرآن 1/22.
معاني القرآن وإعرابه 1/66.
في (ش) : جاز.
يقال: أغيلت المرأة ولدها: سقته الغَيل وهو لبن المأتية أو لبن الحبلى، وأغيَلَت الغنم إذا نُتجت في السنة مرتين. اللسان (غيل)
معاني القرآن وإعرابه 1/63 65. من باب فواتح السور، وهذه المسألة متقدمة على سابقتها عند الزجاج في المعاني، حيث إنه قدم قبل البدء بسورة البقرة بباب عن حروف التهجي ذكر فيه (ص) وغيره من الحروف التي افتتحت بها بعض السور.
الحسن بن يسار البصري، إمام أهل زمانه علماً وعملاً، توفي سنة 110 هـ. غاية النهاية 1/235. وانظر القراءة في: معاني القرآن للأخفش 1/20، ومختصر الشواذ: 139، والمحتسب 2/230، وإعراب القراءات الشواذ 2/386، والبحر المحيط 7/383.
عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي مولاهم، المقرئ النحوي البصري. توفي سنة 117 هـ. أخبار النحويين البصريين: 42، ومراتب النحويين: 31، وإنباه الرواة 2/104.
عيسى بن عمر الثقفي، المقرئ النحوي البصري، أخذ عن ابن أبي إسحاق، وعنه أخذ الخليل ابن أحمد. من تصانيفه الإكمال والجامع في النحو، وهما مفقودان. توفي سنة 149 هـ. أخبار النحويين البصريين: 49، وإنباه الرواة 2/104، ومعجم الأدباء 16/146.
معاني القرآن 1/20.
أي: الزجاج.(5/315)
أي: الأخفش. انظر معاني القرآن 1/20.
في (ش) : (فآ أقول) وهو رمز للفارسي نفسه كما ورد في مصنفاته الأخرى كالبصريات كثيراً.
انظر المحتسب 2/230. وفي معاني القرآن للأخفش 1/20: ((كأنه قال: صاد الحقَّ بعملك أي: تعمَّدْه)) .
انظر معاني الحروف المنسوب إلى الرماني: 61، وجواهر الأدب: 198، والجنى الداني: 154.
نقله عنه ابن جني في المحتسب 2/230.
وردت هذه العبارة في (ش) عقب البيت مباشرة.
من السريع لامرئ القيس في ديوانه: 119، وانظر الخصائص 3/76. وهو ثاني أبيات قصيدته التي مطلعها:
يَا دَارَ مَاوِيَّةَ بِالحَائِلِ فَالسَّهْبِ فَالخَبْتَينِ مِنْ عَاقِلِ
سورة القيامة: آية: 18.
أي: قراءة الحسن البصري ((صادِ)) بالكسر.
في (ش) : القراءة.
في (ش) : وجه.
سورة الأحزاب: آية: 2.
معاني القرآن 2/396.
سورة يوسف: آية: 35.
وهذا قول أبي العبَّاس المبرد حيث اعترض على سيبويه، وخطَّأَ تفسيره، وأبدى رأيه قائلاً:
((كأنه والله أعلم: ثم بدا لهم بَدْوٌ، قالوا: ليسجننه، ولم يذكر (قالوا) لدلالة الكلام عليه)) . انظر: الانتصار: 187.
وهناك قولان آخران: أولهما: لسيبويه وهو أنَّ الفاعل (ليسجننه) .
وثانيهما: أن معنى بدا له في اللغة؛ أي: ظهر له ما لم يكن يعرفه، فالمعنى: ثم بدا لهم أي: لم يكونوا يعرفونه، وحذف هذا لأن في الكلام عليه دليلاً ... انظر الكتاب 3/110، وإعراب القرآن للنحاس 2/329.
أي الفراء. انظر معاني القرآن 2/397.
سورة الشمس: آية: 9.
في (ش) : ((ذكرناه)) .
في (ش) : ((في النية)) .
سورة آل عمران: آية: 158.
سورة الشعراء: آية: 49. وفي (ش) : ((ولسوف)) .
سورة الحج: آية: 13. وانظر المسألة [89] .
أي: في جواب القسم. انظر معاني القرآن 2/397.
سورة ص: آية: 64. وقد أقحم في نسخة (ش) بعد الآية كلمة (فالجواب) .(5/316)
عبارته في معاني القرآن 2/397: ((فلا نجد ذلك مستقيماً في العربية والله أعلم)) .
سورة المؤمنون: آية: 34.
سورة الفرقان: آية: 7.
سورة الإسراء آية: 47، وسورة الفرقان: آية: 8.
سورة يوسف: آية: 109، والنحل: آية: 43. وفي (ش) : {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً} وهي في الأنبياء: 7.
سورة الأنبياء: آية: 8.
معاني القرآن وإعرابه 1/64.
معاني القرآن 1/20، وانظر: ما ينصرف وما لا ينصرف: 84، وإعراب القرآن للنحاس 3/450. وراجع ما سبق من حديث عن ((صاد)) وقول أبي الحسن فيها في المسألة السابقة.
الكتاب 3/258. قال سيبويه: ((وقد قرأ بعضهم: {ياسينَ والقرآنِ} ، و {قافَ والقرآنِ} ، فمَن قال هذا فكأنه جعله اسماً أعجمياً، ثم قال: اذكُر ياسينَ. وأما صادُ فلا تحتاج إلى أن تجعله اسماً أعجمياً، لأن هذا البناء والوزن من كلامهم، ولكنه يجوز أن يكون اسماً للسورة فلا تصرفه)) .
ساقطٌ من (ش) .
صدرُ بيتٍ لذي الرمة في ملحق ديوانه 3/1861، وهو بتمامه:
أَلاَ رُبَّ مَنْ قَلْبِي لَهُ اللهَ نَاصِحُ ومَن قلبُهُ لي في الظِّبَاءِ السَّوَانِحِ
وانظر: الكتاب 2/109، 3/498، وتحصيل عين الذهب: 513، والمخصص 13/111، وشرح المفصل 9/103. والشاهد فيه: نصب المقسَم به وهو لفظ الجلالة لما حذف حرف الجر، وأوصل إليه الفعلَ المقدرَ، والتقدير: أحلف بالله، ثم حذف الجارَّ، فعملَ الفعلُ فنصَبَ. والسانحُ من الظباء: ما أخَذَ عن ميامن الرامي فلم يمكنه رميُهُ حتى يتحرَّفَ له فيتشاءمَ به.
سورة ص: آية: 2.
سورة ق: آية: 2.
سورة الليل: الآيات: 1 3.
انظر الكتاب 3/501.
سورة القلم: آية: 2.
معاني القرآن وإعرابه 1/72 73.
ساقط من (ش) .
في (ش) : أقيم.
عبارة: ((قال أبو علي أيده الله)) ساقطة من (ش) .(5/317)
الكتاب 4/54، قال سيبويه (رحمه الله) : ((وزعموا أنَّ بعضَ العرب يقولُ: يَئِسَ يَئِسُ فاعلم، فحذفوا الياءَ مِن (يفعِلُ) لاستثقال الياءات ههنا مع الكسَرَات، فحذف كما حذف الواو، فهذه في القلَّة مثلُ: يَجُدُ)) .
الكتاب 4/54 55، قال سيبويه (رحمه الله) : ((وإنمَّا قلَّ مثلُ (يَجُدُ) لأنهم كرهوا الضَّمَّةَ بعد الياء،كما كرهوا الواوَ بعد الياء فيما ذَكَرْتُ لكَ، فكذلك ما هو منها، فكانت الكسرةُ مع الياء أخفَّ عليهم، كما أنَّ الياءَ مع الياء أخفُّ عليهم ... )) .
الكتاب 4/279، وانظر: التعليقة عليه 4/260 261، والنكت 2/1165.
ساقطٌ من (ص) .
الكتاب 4/280، وهو عجز بيت من الطويل لليلى الأخْيَلِيَّة في ديوانها: 56، وفيه (مرنب) بدل (مؤرنب) . وصدره:
تَدَلَّتْ عَلَى حُصِّ الرؤُوْسِ كَأَنَّهَا
تصفُ قَطاةً تدلَّت على فراخها وهي حُصُّ الرُّؤوس لا ريش لها، والحُصُّ: جمع أحص وحصاء من حصَّ شعره إذا انجرد وتناثر. وكُرات: جمع كُرة.
وانظر الشاهد في: المقتضب 2/38، والمنصف 1/192.
من السريع، وهو لخُطام المجاشعي، انظر: الكتاب 1/32، 408، 4/280، والمنصف 1/192، وشرح شواهد شرح الشافية: 59. والبيت أنشده المصنف في المسائل البغداديات: 398، والمسائل البصريات 1/538، وراجع الخزانة 2/313 وأماكن أخرى منه.
انظر المنصف 1/193، وسر الصناعة 1/173، وشرح شواهد شرح الشافية: 59 60.
ثعلب المتوفى سنة 291 هـ. ولم أقف على نقله هذا فيما اطلعت عليه من كتبه.
هو محمد بن زياد الأعرابي، نحويٌّ عالم باللغة والشعر، راويةٌ كثيرُ الحفظ. سمع الأعرابَ واستكثر منهم. قرأ على المفضل، وجالس الكسائيَّ. من أشهر تصانيفه (النوادر) . توفي سنة
231 هـ. انظر أخباره في: طبقات النحويين: 195، وإنباه الرواة 3/128، ومعجم الأدباء 18/189، ووفيات الأعيان 4/306.
المنصف 1/193.(5/318)
النوادر: 325. وكلمة ((يقال)) ساقطة من النسختين، والتوجيه من النوادر.
في (ص) : الواو.
في (ص) : الياء.
أدْحِيُّ النعام: هو موضعها الذي تفرخ فيه. وهو (أُفعولٌ) على هذا، انظر الصحاح (دحا) . قال ابن سيده في المحكم: ((يكون من الياء والواو)) المحكم 3/329.
وهي المسائل المعروفة ب (البغداديات) : 127 130.
تكملة يستقيم بها السياق، وانظر اللسان (ربا) .
انظر اللسان (أرب) ، والتاج (أرب) 1/301.
انظر غريب الحديث لابن الجوزي 1/18، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 1/36. وتكملته: ((أنَّهُ أُتِيَ بِكَتِفٍ مُؤَرَّبَةٍ فأكلها وصلَّى ولم يتوضَّأ)) . ومؤَرَّبة: أي متوفِّرة لم ينقص منها شيءٌ.
انظر الصحاح واللسان (أرب) .
المتوفى سنة 321 هـ، ولم أقف على قوله هذا في الجمهرة، وانظر اللسان (ربا) 14/307.
انظر اللسان (ثبا) .
أي باب ((أُربيَّة)) و ((أثفيَّة)) و ((وأُرويَّة)) التي سبق الحديث عنها آنفاً.
لم أقف عليه.
أبو علي محمد بن المستنير النحوي المعروف ب (قطرب) ، لازم سيبويه وكان يدلج إليه، فإذا خرج رآه على بابه فقال له: ما أنت إلا قطرب ليلٍ، فلقب به. توفي سنة 206 هـ. انظر معجم الأدباء 19/53، وبغية الوعاة 1/252.
من المتقارب، في ديوانه: 103، يمدح قيس بن معديكرب. وقد أنشده أبو علي في المسائل البصريات 1/267، والمسائل الحلبيات: 368، 374. وانظر: شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف: 293، والخصائص 3/194، والمحتسب 1/63، والمنصف 1/163، والمخصص 13/101، والخزانة 7/218 (عرضاً) .
وأَيْبُليٌّ (ويقال: أبيلي) : صاحب أيبل وهي العصا التي يُدَقُّ بها الناقوس، وفيها لغاتٌ انظرها في الخزانة نقلاً عن صاحب القاموس. والهيكل: موضعٌ في صدر الكنيسة يقرب فيه القربان. وصُلَّب: صُوِّرَ فيه الصليب. (الديوان) ، وانظر المعرب: 31.
انظر المسائل البصريات 1/267، والمعرب: 31.(5/319)
قال أبو علي في المسائل البصريات 1/267: ((وإن كان على (أَفْعُليٍّ) فهو خارجٌ عن أمثلتهم ... ولو قيل: هو (أفْعُليٌّ) ولكنه جاز لأن فيه ياءي النسب، وهما يشبهان هاء التأنيث بدلالة: زنجيٍّ وزنجٍ، وروميٍّ ورومٍ، وقد جاء في هاء التأنيث (مفْعُلَة) ، وليس في الأصول (مفْعُل) ، فكذلك يجوز: أفْعُليٌّ وإن لم يكن في الأصول (أفْعُلٌ) لكان وجهاً)) .
من الطويل، وهو جزء من صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح ديوان الهذليين 1/72 وفيه:
((بها أبلَتْ ... )) ، والضمير راجع إلى الظبية المتقدم ذكرها. وتكملة البيت:
فَقَدْ أَبَلَتْ شَهْرَيْ رَبِيْعٍ كليهِمَا فَقَدْ مَارَ فيها نَسْؤُهَا واقتِرَارُهَا
مارَ: ماج وذهب وجاء. ونسؤها: بدء سمنها. واقترارها: يقال: تقرَّرت الإبل إذا أكلت اليبيس والحِبَّة فعقدت عليها الشحمَ، فخثرت أبوالها فيتجسَّدُ على أفخاذها. (شرح الديوان) .
انظر جمهرة اللغة 2/1027.
الكتاب 4/266، قال رحمه الله: ((ولا نعلمُ في الكلام فَيْعُل ولا فَيْعِل في الاسم والصفة)) .
رجلٌ إنقَحْل وامرأةٌ إنقحْلَةٌ: مخلَقَان من الكبر والهرم، أنشد الأصمعي في كتاب الإبل: 163 (ضمن الكنز اللغوي) :
لَمَّا رأتْني خَلَقاً إنقَحْلاَ
قال ابن جني: ينبغي أن تكون الهمزة في (إنقحل) للإلحاق بما اقترن بها من النون في باب (جِرْدَحْل) . انظر الخصائص 1/229، وشرح التصريف للثماميني: 263.
وجاء رسم العبارة في نسخة (ش) : ((وذلك في حروف حري واسمل)) .
ياء النسب عديلة هاء التأنيث في السقوط، فتثبت في المفرد، وتسقط في الجمع. انظر المحكم 7/213، والمخصص 16/101.
من قوله: ((أنشدنا)) في أول المسألة، إلى هنا نقله ابن سيده في المخصص 13/101.
معاني القرآن وإعرابه: 1/73.
في (ص) : آزر.
في (ش) : بالاعتلال.
هي كثيرة في القرآن، وانظر: السبعة: 133، والإقناع 1/408.(5/320)
قال ابن سيده في المحكم 7/341: ((الجؤنة: سُلَيلة مستديرة مغشَّاة أَدَماً يُجعل فيها الطيب والثياب، والجمع: جُؤَن، وكان الفارسيُّ يختار جونة بغير همز، ويقول: هو من الجَوْن الذي هو أسود؛ لأن الجونة موضعُ الطيب، والغالب على لون الطيب السواد)) ، وانظر الصحاح (جون) .
كلمة ((كان)) ساقطة من (ص) .
سورة الأعرف: آية: 77، وسورة هود: آية: 62. قال سيبويه رحمه الله في كتابه 4/338: ((وزعموا أن أبا عمرٍو قرأ: {يَا صَالِحُيْتِنَا} جعل الهمزةَ ياءً، ثم لم يقلبها واواً،
ولم يقولوا هذا في الحرف الذي ليس منفصلاً. وهذه لغةٌ ضعيفةٌ؛ لأنَّ قياسَ هذا أن تقولَ: يا
غلامُوجَلْ)) .
تحدث الفارسي عن تخفيف الهمز في المسألة [107] فلتنظر.
ما بين القوسين لم يرد في (ش) .(5/321)
دفاع عن كتاب الله
(القرآن ... والضرورة الشعرية)
أ. د. أحمد مكي الأنصاري
أستاذ الدراسات النحوية بقسم الدراسات العليا
كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى - سابقاً
ملخص البحث
العنوان: ((دفاع عن كتاب الله: القرآن ... والضرورة الشعرية)) .
هذا البحث ... جديد كل الجدة.. لم يمسسه قلم منهجي من قبل، وهو يدافع عن كتاب الله دفاعاً مجيداً، وذلك بتسديد بعض الثغرات التي نفذ منها الطاعنون في القرآن الكريم مثل بعض المستشرقين، وبعض المسلمين المارقين المنحرفين عن جادة الدين الحنيف.
والثغرة التي يعالجها هذا البحث علاجاً منهجياً لأول مرة في التاريخ هي ثغرة ((الضرورة الشعرية)) حيث جاء في بعض النصوص القديمة ما يثبت الضرورة الشعرية في كلمة (الغوانِ) من قول الأعشى:
وأخو الغوانِ متى يشأْ يَصرِمْنَهُ ويكُنَّ أعداءً بُعَيْد وِدَادِ
حيث جاءت كلمة (الغوانِ) محذوفة الياء وهي من الأسماء المنقوصة ...
ولما كان في القرآن الكريم نظائر لهذه الكلمة تماماً ... يستطيع أعداء الإسلام أن ينفذوا من هذه الثغرة ويقولون: إن القرآن فيه ضرورة شعرية ... محتجين بأن القاعدة الأصولية تقول:
((ما جاز على أحد المثلين جاز على الآخر)) .
ومن هذا المنطق دافع هذا البحث دفاعاً قوياً منهجياً مَدْعوماً بالأدلة القاطعة بأن القرآن الكريم منزّه عن الضرورات الشعرية محتجاً بالأدلة العلمية من ناحية، وبالآية الكريمة الصريحة القاطعة من ناحية أخرى: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين} - وقد أثبت البحث أن حذف الياء من كلمة (الغوانِ) في بيت الأعشى إنما هو للتخفيف وليس للضرورة الشعرية بدليل مجيئه في النثر العربي العريق، وأكثر من هذا أنه جاء في القرآن الكريم في آيات متعددة.(5/322)
وقد عالج البحث هذه القضية علاجاً منهجياً غير مسبوق، كما يرى القارئ المنصف ذلك واضحاً كل الوضوح وسيقدّره كل التقدير إن شاء الله - والله ولي التوفيق.
• • •
أبادر فأقول متسائلاً: هل تتأتى الضرورة الشعرية في القرآن الكريم؟
هذا السؤال هو المحور الذي تدور عليه الدراسة في هذا البحث ...
وقبل الإجابة عن ذلك ينبغي أن نستعرض معاً بعض ما جاء في تراثنا العربي العريق، وإليك البيان بالتفصيل:
جاء في كتاب سيبويه إمام النحويين أجمعين.. ثلاثةُ أبواب عن الضرورة الشعرية، جاء أولُها وأطولُها تحت عنوان: (هذا باب ما يحتمل الشعر) (1) .
وقد أوْرد فيه الإمام العبقري كثيراً من الشواهد التي تدخل في هذا الإطار، وكان كعادته دائماً متألِّقاً ومحلِّقاً في الأفق البعيد ... ذلك الذي يعزّ على كثير من فطاحل العلماء في السابقين واللاحقين، وفي الشرق والغرب على السواء
هذا إلى أن بعض الشواهد التي أوردها الإمام الملهم تستحق الوقوف عندها، وتستوجب النظر فيها ... ومن تلك الشواهد قول الأعشى:
(وأخو الغوانِ متى يشأْ يَصرِمْنَهُ
ويكُنَّ (2) أعداءً بُعَيْدَ وِدَادِ)
حيث جعل حذف الياء من كلمة (الغوانِ) من باب الضرورة الشعرية ... وفي ذلك نظر أيّ نظر!
وقبل أن نخوض في غمار البحث …… ... وقبل أن نقرر شيئاً من الأحكام ... ينبغي أن نلقي الضوء الساطع على ((مفهوم الضرور الشعرية)) ليكون القارئ الكريم على بيّنة من القضية التي يعالجها هذا البحث ... وإليك البيان بالتفصيل:
سيبويه ومفهوم الضرورة الشعرية:(5/323)
على الرغم من طول صحبتي لكتاب سيبويه، ورجوعي إليه، والتصاقي به، وملازمتي إياه، ودراسته لطلاب وطالبات الدراسات العليا وقراءته قراءة متأنية فاحصة واعية ... على الرغم من كل ذلك لم أوفق في العثور على نص صريح في مفهوم الضرورة الشعرية عند سيبويه، وكل ما نُسب إليه من الآراء في ذلك كان مأخوذاً أخذاً من كلام سيبويه، ومستنبطاً مجرد استنباط فقط دون تصريح بهذا التعريف أو ذاك، ولهذا اختلف العلماء من بعده في مفهوم الضرورة الشعرية اختلافاً كبيراً كما سيأتي بالتفصيل بعد قليل.
عالج سيبويه ظاهرة الضرورة الشعرية في ثلاثة أبواب، جاءتْ متفرقة متباعدة في ((الكتاب)) وكان أولها ما جاء بعنوان: ((هذا باب ما يحتمل الشعر)) (3) ، وقد صالَ فيه وجال، وتناول كثيراً من القضايا التي تتعلق بالضرورات الشعرية.
ومع ذلك (لم يَسْتَقْصِ) (4) كما يقول السيرافي شارح ((الكتاب)) ، وكما اعترف بذلك سيبويه نفسه في آخر هذا الباب حين قال: ((وما يجوز في الشعر أكثر من أن أذكره لك هنا؛ لأن هذا موضع جُمَل، وسنبين ذلك فيما يُستقبل إن شاء الله)) (5) .
وعلى الرغم من هذه العزيمة الصادقة - فيما يبدو - لم يتمكن سيبويه من الوفاء بما وعد من ذكر التفاصيل ... حينما تعرض للضرورة الشعرية في بابين اثنين آخرين في ((الكتاب)) خصصهما للضرورة الشعرية فيما بعد؛ لأن المنية عاجلتْه في ريعان الشباب (6) قبل أن يحقق ما أراد - رحمه الله رحمة واسعة، أما البابان الآخران فعنوانهما كالآتي بالنص:
1 - ((هذا باب ما رخّمت الشعراءُ في غير النداء اضطراراً)) (7) .
2 - ((هذا باب ما يجوز في الشعر من (إيّا) ولا يجوز في الكلام)) (8) .
وقد أدرك الإمام السيرافي هذا الاختصار عند سيبويه، فاستدرك عليه وشرح هذا الباب شرحاً موسعّاً مطولاً استحق أن يطبع في كتاب مستقل فيما بعد (9) .(5/324)
وعلى الرغم من هذا الشرح المستفيض من الإمام السيرافي ... لم يبيّن لنا بياناً شافياً في مفهوم الضرورة الشعرية، بل إنّه لم يتطرق إلى ذلك على الإطلاق، لأنّه شُغِلَ بذكر الأقسام والتفاصيل الدقيقة الأخرى، ((وقد سماه باب ما يشتمل الشعر)) (10) ، ولم يبعد كثيراً عن تسمية سيبويه لهذا الباب.
ولم يكن السيرافي وحيداً في عدم بيان ((مفهوم الضرورة الشعرية)) ، بل إنّ شرّاح الكتاب جميعاً - فيما أحصيت - لم يتعرضوا لمفهوم الضرورة الشعرية، ومن هؤلاء الشراح الرماني (11) ، والصفار (12) ، وابن خروف (13) وغيرهم (14) ممن كانت له عناية خاصة بكتاب سيبويه كأبي علي الفارسي في كتاب (التعليقة) (15) ، وأبي نصر المجريطي القرطبي (ت 401 هـ) في مؤلف قيم له سماه (شرح عيون كتاب سيبويه) (16) .
وكذلك فعل شرّاح شواهد الكتاب، وأصحاب ((النكت)) على الكتاب، وما أكثر هؤلاء وأولئك، ومنهم على سبيل المثال فقط، الأعلم الشنتمري، وابن السيرافي.
هذا وبعد أن فشلتُ في العثور على نص صريح لسيبويه في كل ما أشرت إليه من المراجع السابقة ... اتجهتُ إلى شريحة أخرى من المراجع الخاصة بالضرائر الشعرية ... لعلها تكون قد نقلتْ بعض النصوص من المخطوطات التي لم تنشر بعد، وما أكثر المخطوطات التي تحتاج إلى نشر، وقد قدرها بعض المختصين بحصر المخطوطات في العالم من المكتبات العامة والخاصة ... قدروها بما يربو على ثلاثة ملايين مخطوطة لم تَرَ النور بعد!!
وبعد جهد جهيد، وبعد ((اللّتيّا والتي)) كما يقولون خرجتُ من هذه الشريحة بخفّيْ حنين، أو كما يقول الحريري في مقاماته، خرجتُ منه ((خاليَ الوِفاض، باديَ الإِنْفاض)) فلم أعثر على أي نص إطلاقاً، ولم يكن حظي معها بأسعدَ من حظي مع أخواتٍ لها سابقات!!(5/325)
وما أكثر المراجع التي تناولت الضرورة الشعرية في بحوث مستقلة، أو ضمن المؤلفات العامة التي تشتمل على الضرورة وغيرها من الموضوعات الأخرى (17) .
اختلاف العلماء في مفهوم الضرورة الشعرية:
لقد رأينا العلماء الأجلاء يختلفون اختلافاً كبيراً في مفهوم الضرورة الشعرية، وأبرز خلاف (18) رأيته في ذلك هو ما كان بين الإمامين ابن مالك الجياني، وأبي حيان الأندلسي - فأبو حيان ينكر على ابن مالك فهمه لضرورة الشعر حيث يقول ابن مالك في أكثر من موضع: ليس في هذا البيت ضرورة، لأن قائله يتمكن من أن يقول كذا ... - ففهم أن الضرورة في اصطلاحهم هي الإلجاء إلى الشيء - فعلى زعمه لا توجد ضرورة أصلاً، لأنه ما من ضرورة إلا ويمكن إزالتها باستعمال تركيب آخر غير ذلك التركيب.
ويبدو من مناقشة أبي حيان لابن مالك أنّ الضرورة الشعرية عند أبي حيان مقصورة على وقت الإنشاد، أي أن الشاعر لم يستطع الإفلات منها حينما أنشد هذا البيت أو ذاك، أما لو أراد بعد ذلك أن يتفادى هذه الضرورة بتعديل البيت أو تغييره نهائياً فإنّه يستطيع ذلك، وبناء عليه لا تكاد توجد ضرورة على الإطلاق.
ويخيّل إليّ أن رأي أبي حيان يتفق مع رأي سيبويه في مفهوم الضرورة الشعرية، غير أن الألوسي يرى أن ابن مالك هو الذي يتفق مع سيبويه في ذلك.
فكيف نوفق بين هذا وذاك؟
يلوح لي أن التوفيق لا يتأتي إلا في ظلال التعمق في فهم النصوص الواردة عن ابن مالك، وبعد البحث والتقصي بدا أنّ الإمام ابن مالك له رأيان في الضرورة الشعرية.
الرأي الأول يتفق مع المأخوذ من كلام سيبويه، وهو أنّ الضرورة الشعرية هي التي
لا مندوحة للشاعر عنها وقت الإنشاد، وذلك لأننا رأينا في أكثر من موقف يُثْبِت الضرورة الشعرية، ويعترف بوجودها، من ذلك مثلاً ما جاء في باب إعراب المتعل الآخر من كتاب التسهيل وشرحه لابن مالك نفسه (19) .(5/326)
الرأي الثاني هو الذي فهمه أبو حيان من كلام ابن مالك، وبناء عليه أخذ يحاسبه حساباً عسيراً، وينقده كما سلف به البيان، أي أنّ الضرورة الشعرية هي التي لا مندوحة للشاعر عنها في أيّ وقت من الأوقات.
وهناك آراء أخرى في الضرورة الشعرية حيث يرى العلامة حازم القرطاجني في كتابه ((منهاج البلغاء)) أنّ الضرورة الشعرية لابدّ أن تكون مستساغة في الذوق البلاغي، ولا يكفي أن تكون جائزة في القواعد اللغوية والنحوية (20) .
والذي يعنينا الآن هو الجانب النحوي اللغوي، وخلاصة ما قيل فيه تتجلّى في الآراء الآتية:
1 - الضرورة هي التي تقع في الشعر سواء أكان للشاعر منها مندوحة أم لا.
2 - الضرورة هي التي لا مندوحة للشاعر عنها في أي وقت من الأوقات.
وهذا هو الذي فهمه أبو حيان من كلام ابن مالك كما سلف به البيان.
3 - الضرورة هي التي لا مندوحة للشاعر عنها وقت الإنشاد - وهذا ما يؤخذ من كلام سيبويه، وتابعه فيه كثير من العلماء، منهم أبو حيان وابن مالك في أحد قوليه - وهو الراجح في نظري.
وجاء في شرح الصفار لكتاب سيبويه رأيان أخران فيهما شيء من الطرافة حيث قال:
4 - ((ومنهم من لم يشترط في الضرورة أن يضطر الشاعر إلى ذلك في شعره، بل جُوِّز له في الشعر ما لا يجوز في الكلام وإن لم يضطر، لكون الشعر قد أُلِفَتْ فيه الضرائر، وإلى هذا ذهب أبو الفتح بن جني ومن أخذ بمذهبه)) (21) .
5 - ((ومنهم من ذهب إلى أن الشاعر يجوز له في كلامه وشعره ما لا يجوز لغير الشاعر في كلامه، لأن لسان الشاعر قد اعتاد الضرائر، فجُوِّزَ له ما لم يجز لغيره، وهو مذهب الأخفش)) (22) .
إلى هنا نكتفي بهذه العجالة في ((مفهوم الضرورة الشعرية)) إيثاراً للإيجاز - ومن أراد المزيد فعليه بالرجوع إلى أمهات الكتب القديمة والحديثة على السواء (23) .
القرآن وظاهرة حذف الياء:(5/327)
الآن آن لنا أن ندخل في صلب الموضوع ... لنرى أمثال كلمة (الغوانِ) في القرآن الكريم ... هل لها وجود؟
نعم لها وجود بدليل أن لها نظائر متعددة في القرآن الكريم ... وما دام لها نظائر بَطَلَ كونُها من الضرورة الشعرية لأنّ القرآن الكريم ليس من الشعر في شيء، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين} (24) .
ومن المعلوم أن كلمة (الغوان) في بيت الأعشى تُمثّل ظاهرة من الظواهر اللغوية، وهي حذف الياء من المنقوص، وقد جاء هذا الحذف في القرآن الكريم بصور متعددة، وفي حالات متنوعة ... جاء في الأسماء والأفعال وفي الفواصل في رءوس الآيات، كما جاء في وسط الآيات في كثير من المواضع ... إلى آخر ما هناك من الكلمات المختلفة في الشكل ولكنها متفقة في ظاهرة الحذف (حذف الياء من المنقوص) وإليك البيان بالتفصيل:
لا أريد أن أستشهد هنا بآية الفجر: {والليل إذا يَسْرِ} (25) ، حيث جاءت فيها كلمة (يسر) محذوفة الياء - وكذلك كلمة (نَبْغِ) من قوله تعالى في سورة الكهف:
{ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} (26) ومثلهما آية هود حيث جاءت فيها كلمة (يأتِ) محذوفة الياء كذلك في قوله تعالى: {يوم يأتِ لا تَكَلّمُ نفسٌ إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد} (27) .
لا أريد أن أستشهد بشيء من ذلك ... خشية أن يقال: إن وجه الشبه لم يكتمل بينها وبين كلمة (الغوانِ) في بيت الأعشى لاختلاف النوع بينهما، فالغوانِ اسم من الأسماء، وتلك أفعال مضارعة كما هو معلوم للجميع، ولا يجوز ولا يصح أن نقيس الأسماء بالأفعال.(5/328)
وأقول: إن الاعتراض وجيه إلى حدٍّ ما، أو حد كبير، ومهما يكن من أمر فإنني أخرجتُ هذه الأفعال من قائمة الشواهد على الرغم من أنها تصلح شاهداً على حذف الياء من المنقوص بوجه عام، دون نظر إلى نوعه إن كان من الأسماء أو من الأفعال - ومع الاطمئنان التام إلى هذه الصلاحية بوجه عام.. إنني آثرت أن أنتقل إلى شريحة أخرى من الشواهد الواردة في القرآن الكريم تلك التي جاءت فيها الأسماء المنقوصة محذوفة الياء، وهي مقترنة بأداة التعريف من ذلك كلمة (المتعال) من قوله تعالى: {عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال} (28) .
وكذلك كلمة (التلاق) من قوله تعالى: {رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق} (29) . وكذلك كلمة (التناد) من قوله تعالى: {يا قوم إنِّي أخاف عليكم يوم التناد} (30)
وكذلك كلمة (بالواد) من قوله تعالى: {وثمود الذين جابوا الصخر بالواد} (31) .
ورب قائل يقول: إن وجه الشبه لم يكتمل أيضاً بين هذه الشريحة وبين كلمة (الغوان) حيث وقعت هذه الكلمات في أواخر الآيات مما يصح معه القول بأن الياء حذفت للوقف على الفواصل، ولا يتأتى ذلك في كلمة (الغوان) حيث جاءت في وسط الكلام كما هو واضح للجميع في قول الأعشى:
وأخو الغوانِ متى يشأْ يصرمْنه ... (البيت)
ونزولاً على رغبة القارئ النابه ... أنتقل إلى شريحة أخرى يكتمل فيها وجه الشبه بإذن الله، مع علمي التام بأن هذه الشريحة مثل أخواتها السابقات صالحة للاستشهاد بها بوجه عام.
والآن آن لنا أن نَدْلف إلى الشريحة المكتملة، تلك التي جاء فيها الاسم المنقوص محذوف الياء مع أنّه مقترن بألْ وجاء موقعه في وسط الكلام، مثل كلمة (الغوان) تماماً بتمام، وإليك البيان بالتفصيل:(5/329)
من تلك المواطن كلمة (الداعِ) من قوله تعالى في سورة البقرة: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان فلْيستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (32) . وكذلك كلمة (المهتد) من قوله تعالى: {ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له أولياء من دونه} (33) . تلك في سورة الإسراء ومثلها في سورة الكهف كلمة (المهتد) من قوله تعالى: { ... من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن يجد له ولياً مرشداً} (34) وكذلك كلمة (والباد) من قوله تعالى في سورة الحج {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} (35) ، وكذلك كلمة (المنادِ) من قوله تعالى: {واستمع يوم يناد المنادِ من مكان قريب} (36) ، ومثلها كلمة (الداع) في آيتين اثنتين من سورة القمر: الأولى في قوله تعالى: {فتولّ عنهم يوم يدعو الداعِ إلى شيء نكر} (37) ، والثانية في قوله تعالى: {مهطعين إلى الداعِ يقول الكافرون هذا يوم عسر} (38) .
كل ما سبق من الكلمات القرآنية تلتقي مع كلمة (الغوان) في بيت الأعشى وتتفق معَها في أنّها من الأسماء المنقوصة المقرونة بأداة التعريف وجاءت في وسط الكلام، وليست في الأواخر.
وهناك بعض الكلمات القرآنية اتفقت مع كلمة (الغوان) في كل ما سبق آنفاً وزادتْ عليها أنّها جمع تكسير مثل (الغوان) تماماً بتمام، وهذا يعطينا دفعة أقوى وأقوى في الترقي بالأدلة القاطعة إلى أعلى الدرجات والحمد لله رب العالمين.(5/330)
من تلك الكلمات التي وردتْ جمع تكسير كلمة (الجوابِ) جمع (جابية) في قوله تعالى: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدورٍ راسيات اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور} (39) ، ومثلها تماماً من حيث الجمع كلمة (الجوارِ) جمع (جارية) في قوله تعالى: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام} (40) . تلك هي المواضع التي استطعت الحصول عليها ... وقد بلغتْ زهاء عشرة مواضع، وبالتحديد هي تسعة فيما أحصيت حتى الآن، وربما كان هناك شيء فاتَنِي في أثناء الحصر والاستقصاء - وجلّ من لا يسهو -.
ولعلك توافقني بأن هذا العدد كافٍ جداً في إثبات القضية التي نحن بصددها، وهي أن ظاهرة حذف الياء من المنقوص ليستْ مقصورة على الشعر فقط، وإنّما هي موجودة في النثر كذلك وفي أعلى نص في الوجود وهو القرآن الكريم، وما دام الأمر كذلك فإن جَعْلها من الضرورات الشعرية غير صحيح ولا مستقيم.
على أن إثبات هذه القضية يكفي فيه وجود آية واحدة فقط فما بالك بهذا الكم الوفير! ويعجبني في هذا المقام ما جاء في المبدأ الإسلامي الخالد، ذلك الذي يقول:
((آية واحدة من القرآن الكريم أوثق من كلام البشر أجمعين))
بقي علينا أن نعرف العلة في هذا الحذف ما دمنا قد رفضنا العلة التي جاء بها شيخنا العظيم سيبويه إمام النحويين أجمعين بلا جدال ولا مراء.
ولهذا نقول - وبالله التوفيق - إن العلة في هذا الحذف بالذات هي ((الخفة)) أو ((التخفيف)) كما يقولون - وكلاهما سواء - وعلة التخفيف واردة في اللسان العربي المبين، لأن اللغة العربية ((لغة اقتصادٍ في الجهد العضلي)) كما يقول علماء اللغة قديماً وحديثاً على سواء، والدليل القاطع على أن الحذف هنا للتخفيف وليس للضرورة الشعرية مجيء هذا الحذف في النثر الصحيح، وأكثر من هذا أنه ورد في القرآن الكريم في مواطن متعددة كما رأينا فيما أسلفنا منذ قليل.(5/331)
ومن نافلة القول أن نقول: ((إن لغة القرآن أفصح أساليب العربية على الإطلاق)) (41) . كما قال أسلافنا الأوائل من قبل، وكما يشهد به الواقع الماثل لكل ذي بصر وبصيرة، وكما شهد به كثير من المستشرقين المنصفين - ((والفضل ما شهدت به الأعداء)) - ولولا خشية الإطالة لذكرت من ذلك الكثير والكثير، ولكن المقام هنا لا يسمح بأكثر من ذلك، ((وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق)) .
ولو سلمنا بأن هذا الحذف من باب الضرورة الشعرية.. لَلزم علينا أن نسلّم بأن القرآن فيه ضرورة شعرية ... وذلك محال كما هو معلوم بالضرورة لكل مسلم، بل ولكل منصف من غير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على السواء، وحسبنا ما جاء في محكم التنزيل حيث يقول: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن
مبين} (42) .
ذلك هو المزلق الخطير الذي يدخل منه كل من يريد الطعن في القرآن الكريم، وأنَّى لهم ذلك والمسلمون الصادقون لهم بالمرصاد في كل زمان ومكان، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (43) من هذا المنطلق - منطلق الدفاع عن القرآن الكريم - قام هذا البحث بالدفاع المستميت عن حوزة الدين وكتابه المبين، ذلك الكتاب الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (44) .
وقصارى القول أن ظاهرة الحذف من هذا المنقوص بالذات إنما هي وليدة ((التخفيف)) لا غير سواء أكان ذلك في القرآن الكريم أم في الشعر العربي الأصيل - ولست أزعم أن التعليل بالتخفيف في القرآن هو من بنات أفكاري ... كلا إنّه تعليل قديم قدم كتب التفسير لهذه الآيات الكريمة، ومن أراد التأكد من ذلك فلْيرجع إلى أمهات كتب التفسير (45) - وما أكثرها - وهي قريبة المنال لكل من يريد كأنها ((الثُّمام)) على قارعة الطريق، والله ولي التوفيق.
تعقيب واعتراف
(1) - التعقيب (ويشتمل على ما يأتي) :(5/332)
(أ) لماذا لم أستشهد بالمنثور من كلام العرب؟
(ب) وهل يدخل الحديث النبوي الشريف تحت قسم المنثور؟ وما حكم الاحتجاج به؟
(ج) المستشرقون والثغرات المتعددة!
وإليك البيان بالتفصيل:
(أ) الآن بعد أن فرغنا من إيراد الحجج الدامغة ... تلك التي تمثلتْ في الآيات القرآنية المتعددة ... نجد أنفسنا أمام هذا السؤال الذي يطرح نفسه علينا فيقول:
لماذا لم نستشهد بالمنثور من كلام العرب، واقتصرنا على الاستشهاد بالقرآن الكريم فقط؟
والجواب أنني لم أشأ أن أستشهد بشيء من كلام العرب المنثور لكيلا يقال: إنّه يتطرق إليه الشك أو احتمال التغيير والتبديل؛ لأن القاعدة الأصولية تقول: ((إنّ الدليل إذا دخله الاحتمال سقط به الاستدلال)) .
والتزاماً مني بالمنهجية العليا تلك التي تنشد الأدلة القاطعة.. رأيتُ أن أضرب صفحاً عن الاستشهاد هنا بكلام العرب مع أنّه موضع الثقة عندي إلى حد كبير ... ذلك أنني وجدتُ طلبتي وضالتي المنشودة في أوثق كلام في الوجود، وأقدس كتاب نزل من السماء، وهو القرآن الكريم، ذلك الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (46) ، لهذا كان مصوناً ومحفوظاً من أي تغيير أو تبديل، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (47) .
لكل ما سبق رأيت أن أكتفي بالشواهد القرآنية فقط عزوفاً عن مواطن الضعف في الكلام العربي المنثور عند من يرون ذلك، عملاً بالحكمة التي تقول: ((في لُجة البحر ما يغني عن الوشَلِ)) (48) ، وتطبيقاً للمثل المشهور ذلك الذي يقول:
((ومن وَرَدَ البحر استقلَّ السواقيا))
(ب) مما لا شك فيه أن الحديث النبوي الشريف داخل في قسم المنثور من الكلام، ولكن: هل اتفق العلماء على الاحتجاج به أو أنهم اختلفوا في ذلك؟
الجواب أنهم اختلفوا اختلافاً كبيراً ... قديماً وحديثاً على السواء.(5/333)
وقد أُلّفَتْ في ذلك مؤلفات كثيرة (49) ومنها رسائل جامعية متعددة، والذي يعنينا الآن هو معرفة الموقف الذي نرتضيه ونؤيده كل التأييد، فما هو؟
لقد أعفانا المجمع اللغوي الموقر من متاعب البحث والتنقيب فأصدر قراره الموفق بعد جلسات متعددة مطولة ... ومناقشات حامية واعية، وإليك خلاصة هذا القرار العظيم:
((يحتج بالحديث المدون في الكتب الصحاح الست فما قبلها على الوجه الآتي:
(أ) - الأحاديث المتواترة والمشهورة.
(ب) - الأحاديث التي تستعمل ألفاظها في العبادات.
(ج) - الأحاديث التي تُعد من جوامع الكلم.
(د) - كتب النبي ش.
(هـ) - الأحاديث المروية لبيان أنّه كان ش يخاطب كل قوم بلغتهم.
(و) - الأحاديث التي دونها من نشأ بين العرب الفصحاء.
(ز) - الأحاديث التي عُرف من حال رُواتها أنهم لا يجيزون رواية الحديث بالمعنى مثل: القاسم بن محمد ورجاء بن حَيْوَة، وابن سيرين.
(ح) - الأحاديث المروية من طرق متعددة، وألفاظها واحدة)) (50) .
(ح) المستشرقون والثغرات:
لكي نكون من المنصفين ينبغي أن نقول: ((بعض المستشرقين)) وليس كل المستشرقين، ذلك أن فيهم من كتب عن الإسلام كتاباتٍ يعتزّ بها الإسلام والمسلمون، ودافعوا عن هذا الدين الحنيف دفاع الأبطال أو دفاع الأسد عن عرينه كما يقولون، ومنهم من ألّف كتاباً قيّماً بعنوان ((العظماء الخالدون مائة وأعظمهم محمد)) ، لهذا ينبغي أن نكون من المنصفين في كل الظروف، وبخاصة في البحوث العلمية المتخصصة، غير أننا ينبغي كذلك ألا نكون من المفرّطين المتساهلين في حقوق الإسلام ضد الأعداء الألداء، سواء أكان هؤلاء الأعداء من المستشرقين أم من المسلمين المارقين المنحرفين عن جادة الدين الحنيف.(5/334)
ومن هذا المنطق دافعتُ في هذا البحث عن ثغرة من الثغرات التي ينفذ منها الطاعنون المتعصبون ... وما أكثر الثغرات التي فتحتْ باباً واسعاً للطعن في القرآن وفي الإسلام بوجه عام، وقد استغلها الأعداء أسوأ استغلال، ولولا خشية الإطالة لذكرت كثيراً من تلك الثغرات، فالمقام هنا لا يتسع للإفاضة في هذه الثغرات المتعددة، ومن أراد المزيد فعليه بالإطلاع على ما كتبه بعض المستشرقين من أمثال جولد تسيهر، ونولدكة، وفندريس، وآثر جفري، ويوهان فك، وبرجشتراسر، وغيرهم كثير وكثير (51) .
ومن فضل الله تعالى أن بعض المحققين والمترجمين لكتب المستشرقين دافع عن الإسلام دفاعاً قوياً مجيداً، ومن أبرزهم في هذا الميدان أستاذنا العلامة الدكتور عبد الحليم النجار - طيب الله ثراه، ورحمه رحمة واسعة جزاء ما قدّم من خدمة جليلة للإسلام والمسلمين أجمعين.
(2) - الاعتراف:(5/335)
كنتُ أظن أنني أول من تنبّه لهذا المأخذ ضد شيخنا وشيخ النحاة أجمعين سيبويه العبقري العظيم ... وكنت أيام الشباب سعيداً بهذا السبق إلى حد كبير ... وظللتُ حيناً من الدهر أرْصُدُ هذه القضية بدقةٍ واعية، وألحظها بعينٍ لا تغفل وأرقُبها بعقل متيقّظٍ متوهّج دَءُوب.... إلى أن جاءت المفاجأة السارة بالعثور على نص صريح في شرح السيرافي للكتاب، يذكر فيه أن قوماً كثيرين أنكروا هذه الفكرة التي تقول: إن حذف الياء من المنقوص المقرون بالألف واللام هو من الضرورة الشعرية، ولكن هذا الإنكار جاء خالياً من كل تفصيل أو تحليل، واكتفى بذكره موجزاً غاية الإيجاز وإليك النص بحذافيره كما جاء في شرح السيرافي حيث قال: ((وأما حذف الياء مع الألف واللام فإنّ سيبويه ذكره في باب ضرورة الشاعر، فأنكره كثير من الناس وقالوا: قد جاء في القرآن بحذف الياء في غير رءوس الآي، وقرأ به عِدّةٌ من القراء كقوله تعالى: {من يهد الله فهو المهتدِ ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً} (52) . وفي آيٍ غيرها وما جاء مثله في القرآن وقرأتْ به القُراء لم يدخل مثلُه في ضرورة الشعر)) (53) .
ومهما يكن من أمر فإن فرحة السبق قد ضاعت مني ولكنني مع ذلك جِدّ سعيد حيث وجدتُ من العلماء الأجلاء من يؤيدني في هذا الإنكار، ولم أكن بدعاً ولا وحيداً في هذه القضية، ومن هذا المنطلق أحسستُ بالسعادة الغامرة، ولست أدري بأيّ الأمرين أنا أسعد: بالسبق أم بالتأييد؟ هما أمران كلاهما حلو المذاق عند من ينشد الحق والحقيقة أيّاً كانت وكيفما كانت، وحيثما تكون - فالمهم عندي هو صحة الفكرة من حيث هي فكرة، ولا يعنيني بعد ذلك إن كنت من السابقين أو من اللاحقين!(5/336)
صحيح أنه ضاع مني السبق الذي كنت أعتزّ به، ولكن أصحُّ من هذا أن الوصول إلى الحقيقة العلمية أعزّ من هذا وأكبر، لأن الحقيقة هي ضالة المؤمن ينشدها أنّى وجدها، ولا يبالي بعد ذلك بما يفوته من الاعتزاز أو الزهو أو الإعجاب، أو غير هذا وذاك من كل ما يدخل في دائرة الرعونة أو طيش الشباب.
وإن أنْسَ لا أنْسَ أن أسلافنا الأوائل هم أصحاب الفضل الأول علينا بعد الله تعالى، رضوان الله عليهم أجمعين - جزاهم الله عن العلم وأهله خير ما يجزي به العلماء الأبرار.
ولله در الشاعر الوفي (ابن مقبل) حين قال - وما أجمل ما قال -:
ولو قبل مبكاها بكيتُ صبابةً بسُعْدَى شفيتُ النفس قبل التندم
ولكن بكتْ قبلي فهَيّج لي البكا بكاها فقلت: الفضل للمتقدم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،
الحواشي والتعليقات
في طبعة - بولاق 1 / 8، وفي تحقيق هارون 1 / 26.
في رواية أخرى (ويَعُدْنَ) بدلاً من (ويكُنّ) والمعنى مستقيم في كلتيهما كما ترى.
1 / 8 بولاق و1 / 26 هارون.
عبارة السيرافي (لم يَتَقصَّه) والمعنى متحد كما ترى.
((الكتاب)) 1 / 12 بولاق - وفي هارون 1 / 32.
مات سيبويه وعمره ثلاث وثلاثون سنة في أرجح الأقوال - انظر أخبار النحويين البصريين للسيرافي ص 37 ط (1) سنة 1374 هـ - 1955 م - وكتاب طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ص 74 ط (1) 1373 هـ - 1954 م، وإنباه الرواة للقفطي 2 / 353 طبع دار الكتب المصرية 1369 هـ - 1950 م.
1 / 342 بولاق، وفي هارون 2 / 269.
في بولاق 1 / 382، وفي هارون 2 / 362.
حققه الدكتور رمضان عبد التواب ونشره بعنوان: (ضرورة الشعر لأبي سعيد السيرافي) كما أن الدكتور عوض القوزي حققه تحقيقاً آخر ولكن نشره بعنوان: ((ما يحتمل الشعر من الضرورة)) ، وسيأتي بيان الطبعات لكل منهما في فهرس المراجع.(5/337)
ينظر كتاب سيبويه وشروحه للدكتورة خديجة الحديثي ص 186 ط (1) بغداد 1386 هـ - 1967 م.
حقق الجزء الأول منه الدكتور محمد إبراهيم شيبة في رسالته للدكتوراه بإشراف الدكتور أحمد مكي الأنصاري - كما حقق سائر الأجزاء الأخرى الدكتور المتولي الدميري.
حققت جزءاً منه (الدكتورة منيرة محمد علي حجازي) في رسالة الماجستير بكلية دار العلوم
بعنوان: (الضرورة الشعرية عند الصفار - شرح باب ما يحتمل الشعر من كتاب سيبويه) .
حقق جزءاً منه الدكتور صالح الغامدي في رسالته للدكتوراه بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
من باب التخفيف على الهوامش رأيت ألا أثقلها بذكر المراجع التي لم أعثر فيها على نص صريح، واكتفيت بذكرها مفصلة في فهرس المصادر والمراجع لمن يريد الرجوع إليها تحقيقاً للفائدة.
حققه الدكتور عوض القوزي، ونشره في ستة أجزاء مع الفهارس.
حققه الدكتور عبد ربه عبد اللطيف عبد ربه - الطبعة الأولى سنة 1984 م.
ومنها على سبيل المثال فقط ((الكتاب)) لسيبويه، والعمدة لابن رشيق، وعروس الأفرح للسبكي، ومنهاج البلغاء للقرطاجني، والإفصاح للفارقي، وقد طبع في تونس 1966 م كما أن الأستاذ سعيد الأفغاني حققه للطبعة الثالثة 1980 م - طبع بيروت (مؤسسة الرسالة) .
هذا المبْحث مستخلص من بحث للدكتور أحمد مكي الأنصاري بعنوان (سيبويه عملاق النحو العربي) تحت الطبع
ينظر التسهيل وشرحه في باب إعراب معتل الآخر.
انظر منهاج البلغاء ص 222 طبع تونس 1966 م.
مأخوذ من نص طويل للصفار جاء في ((كتاب سيبويه وشروحه)) للدكتورة خديجة الحديثي ص 229 ط بغداد.
المصدر السابق.
منها على سبيل المثال فقط كتاب (ما لا يجوز للشاعر في الضرورة) للقزاز القيرواني، وكتاب(5/338)
(ضرائر الشعر للألوسي) ، وكتاب (الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر) لابن عصفور، وهناك مخطوطة بعنوان (موارد البصائر في الفوائد الضرائر) تأليف الشيخ محمد سليم بن حزيم - ومنها نسخة بدار الكتب المصرية تحت رقم (60) أدب. ونسخة أخرى بمكتبة محمد الفاتح باستنبول رقم (4129) مكتوبة سنة 1117 هـ.
ومن المراجع الحديثة كتاب ((أوهام شعراء العرب في المعاني)) تأليف العلامة أحمد تيمور وقد نشرتْه لجنة إحياء آثاره بمصر - وكتاب ((الضرورة الشعرية في النحو العربي)) تأليف الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف - نشر مكتبة دار العلوم بمصر سنة 1979 م - وكتاب ((الضرورة الشعرية: دراسة أسلوبية)) تأليف السيد إبراهيم محمد - طبع بيروت - وكتاب ((سيبويه والضرورة الشعرية)) للدكتور حسن إبراهيم حسن ط (1) 1403 هـ - 1983 م.
سورة يس - آية 69.
آية رقم 4.
آية 64.
آية 105.
سورة الرعد - آية 9.
سورة غافر - آية 15.
سورة غافر - آية 32.
سورة الفجر - آية 9.
سورة البقرة - آية 186.
سورة الإسراء - من آية 97.
من آية 17 - الكهف.
سورة الحج - آية 25.
سورة ق - آية 41.
سورة القمر - آية رقم 6.
سورة القمر - آية رقم 8.
سبأ - آية 13.
سورة الشورى - آية 32.
ينظر كتاب (أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة - للدكتور أحمد مكي الأنصاري - نشر دار المعارف بمصر
سورة يس - آية 69.
الحجر - آية 9.
سورة فصلت - آية 42.
من ذلك مثلاً تفسير البحر المحيط لأبي حيان، وتفسير الطبري والقرطبي، وتفسير ابن كثير، وتفسير الزمخشري (الكشاف) ، وتفسير ابن عطية، وتفسير ابن عاشور، والتفسير القيم للإمام ابن القيم، وتفسير الدر المصون للسمين الحلبي، إلخ.
سورة فصلت - آية 42.
سورة الحجر - آية 9.(5/339)
الوشَل هو الماء القليل مطلقاً أو هو الماء الذي يتحلّب من بين الصخور، مادة (وشل) من اللسان، ولسان اللسان، والصحاح، والقاموس المحيط.
منها كتاب (موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف - للدكتورة خديجة الحديثي - دار الرشيد للنشر (1981 م) بغداد.
قرارات المجمع اللغوي - طبع مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
ينظر في ذلك كتاب ((مذاهب التفسير الإسلامي)) للمستشرقين جولد زيهر، وكتاب ((العربية)) ليوهافك، وكتاب ((اللغة)) لفندريس، وغير ذلك من كتابات المستشرقين في المؤلفات المستقلة أو في الدوريات المتخصصة.
من آية 17 من سورة الكهف - وقد جاء في الهامش خطأ مطبعي حيث قال (سورة الكهف 18 / 17) .
شرح كتاب سيبويه لأبي سعيد السيرافي (ت 368 هـ) ج 2 ص 156 فما بعدها تحقيق الدكتور رمضان عبد التواب - طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب 1960 م (مركز تحقيق التراث) .
المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم.
2- أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة - للدكتور أحمد مكي الأنصاري - نشر دار المعارف مصر 1384 هـ - 1964 م.
3- إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر - للبنا الدمياطي - ط - المشهد الحسيني.
4- أخبار النحويين البصريين للسيرافي (ت 368 هـ) ط 1، 1374 هـ - 1955 م.
5- الإفصاح في شرح أبيات مشكة الإعراب للفارقي.
(أ) - طبع تونس 1966 م.
(ب) - طبع بيروت تحقيق الأستاذ سعيد الأفغاني، ط3 - مؤسسة الرسالة، بيروت.
6- إنباء الرواة على أنباه النحاة - للقفطي - تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم طبع دار الكتب المصرية 1396 هـ - 1950 م.
7- أوهام شعراء العرب في المعاني - تأليف العلامة أحمد تيمور وقد نشرتْه لجنة إحياء آثاره بمصر.
8- تاج العروس من جواهر القاموس - أبو الفيض محب الدين محمد مرتضى الزبيدي طبع الأميرية 1307 هـ.(5/340)
9- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك تحقيق الدكتور محمد كامل بركات طبع دار الكتاب العربي بمصر.
10- ((التعليقة)) على كتاب سيبويه لأبي علي الفارسي، تحقيق الدكتور عوض القوزي، ونشره في ستة أجزاء مع الفهارس.
11- تفسير ابن عطية المسمى (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) لأبي محمد عبد الحق بن عطية الغرناطي (ت 541 هـ) تحقيق أحمد صادق الملاح.
12- تفسير ابن عاشور المسمى (التحرير والتنوير) تأليف الشيخ محمد الطاهر بن عاشور. (ثلاثون جزءاً) طبع الدار التونسية للنشر.
13- تفسير الطبري المسمى (جامع البيان في تفسير القرآن) ط - بيروت 1961 م.
14- تفسير الألوسي المسمى (روح المعاني) طبع المطبعة الأميرية.
15- تفسير القرطبي المسمى (الجامع لأحكام القرآن) ط دار الكتب المصرية 1373 هـ - 1954 م.
16- تفسير الطبرسي المسمى (مجمع البيان في تفسير القرآن) .
(أ) - طبع طهران 1314 هـ.
(ب) - طبع بيروت 1961 م.
17- تفسير الفخر الرازي المسمى (مفاتيح الغيب) 1289 هـ.
18- التفسير القيم للإمام ابن القيم (ت 751 هـ) جمْع محمد أويس الندوي تحقيق محمد حامد الفقي نشر دار الفكر - بيروت.
19- تفسير الكشاف للزمخشري:
(أ) - طبع المطبعة الشرقية 1307 هـ.
(ب) - نشر دار الكتاب العربي بيروت وبذيله أربعة كتب:
الأول: الانتصاف لابن المنير، والثاني: الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر، والثالث: حاشية المرزوقي على تفسير الكشاف، والرابع: مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف للمرزوقي أيضاً - رتبه وضبطه وصححه مصطفى حسين أحمد / خادم السنة المحمدية.
20- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب - عبد القادر البغدادي:
(أ) - طبع السلفية 1347 هـ.
(ب) - تحقيق عبد السلام محدم هارون طبع القاهرة 1406 هـ.
21- دراسات لأسلوب القرآن الكريم - الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة - مطبعة السعادة بمصر.(5/341)
22- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - للسمين الحلبي (ت 756 هـ) تحقيق الدكتور أحمد محمد الخراط - طبع دار القلم دمشق 1407 هـ.
23- ديوان الأعشى الكبير (ميمون بن قيس) تحقيق الدكتور محمد حسين - مكتبة الآداب.
24- ((السبعة)) في القراءات لابن مجاهد - تحقيق الدكتور شوقي ضيف ط - دار المعارف بمصر.
25- سيبويه عملاق النحو العربي - للدكتور أحمد مكي الأنصاري (تحت الطبع) .
26- سيبويه والضرورة الشعرية للدكتور حسن إبراهيم حسن ط (1) 1403 هـ - 1983 م.
27- ((سيبويه في الميزان)) للدكتور أحمد مكي الأنصاري - بحث نشر بمجلة المجمع اللغوي بمصر في الجزء الرابع والثلاثين: شوال 1394 هـ - نوفمبر 1974 م.
28- شرح السيرافي على كتاب سيبويه:
(أ) - مخطوط دار الكتب رقم 136 نحو.
(ب) - تحقيق الدكتور رمضان عبد التواب - طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب 1960 (مركز تحقيق التراث)
29- شرح الرماني (ت 384 هـ) على كتاب سيبويه (الجزء الأول) :
(أ) - تحقيق الدكتور محمد إبراهيم شيبة - رسالة دكتوراه بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
(ب) - تحقيق الدكتور المتولي رمضان أحمد الدميري (سائر الأجزاء) 1408 هـ - 1988 م.
30- شرح ابن خروف لكتاب سيبويه - حقق جزءاً منه الدكتور صالح الغامدي في رسالته للدكتواره بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
31- شرح الصفار على كتاب سيبويه - حققتْ جزءاً منه الدكتورة (منيرة محمد علي حجازي) في رسالة الماجستير بكلية دار العلوم بعنوان: (الضرورة الشعرية عند الصفار - شرح باب ما يحتمل الشعر من كتاب سيبويه) .
32- شرح عيون كتاب سيبويه - لأبي النصر المجريطي القرطبي (ت 401 هـ) تحقيق الدكتور عبد ربه عبد اللطيف عبد ربه ط (1) 1984 م.
33- شرح أبيات الكتاب للأعلم الشنتمري - على هامش ((الكتاب)) ط بولاق 1316 هـ.
34- شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (يوسف ابن سعيد) :(5/342)
(أ) - تحقيق الدكتور محمد علي الريح 1974 م.
(ب) - تحقيق الدكتور محمد علي سلطاني - دمشق 1979 م.
35- شرح أبيات سيبويه - لأبي جعفر النحاس (338 هـ) :
(أ) - تحقيق أحمد خطاب (جامعة الموصل: كلية الآداب) مطابع المكتبة العربية - حلب 1974م.
(ب) - تحقيق الدكتور وهبة متولي عمر سالمة - طبع القاهرة 1405 هـ.
36- شرح التسهيل لابن مالك - تحقيق الدكتور عبد الرحمن السيد، والدكتور محمد بدوي - ط (1) 1410 هـ.
37- الصحاح للجوهري (إسماعيل بن حماد) - طبع دار الكتاب العربي 1956 م.
38- الضرورة الشعرية في النحو العربي - تأليف الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف - نشر مكتبة دار العلوم بمصر 1979 م.
39- الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر - لابن عصفور الإشبيلي - تحقيق السيد إبراهيم محمد - دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع - ط (1) 1980 م.
40- الضرائر اللغوية في الشعر الجاهلي - للدكتور عبد العال شاهين - دار الرياض للنشر والتوزيع بالرياض 1983م
41- الضرورة الشعرية: دراسة أسلوبية - تأليف السيد إبراهيم محمد - طبع بيروت.
42- ضرائر الشعر للألوسي.
43- طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ط (1) 1373 هـ - 1954 م.
44- طبقات القراء لابن الجزري - الطبعة الأولى.
45- ((العربية)) - يوهان فك - ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار - طبع دار الكتاب العربي.
46- العمدة في صناعة الشعر ونقده - ابن رشيق القيرواني - طبع السعادة بمصر.
47- فهارس كتاب سيبويه - الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة - ط (1) 1975 م.
48- القاموس المحيط للفيروزبادي - المطبعة الحسينية 1330 هـ.
49- قرارات المجمع اللغوي - طبع مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
50- ((الكتاب)) لسيبويه.
(أ) طبعة بولاق 1316 هـ - 1900 م - بمصر.
(ب) تحقيق عبد السلام محمد هارون 1966 م بمصر.(5/343)
51- ((كتاب سيبويه وشروحه)) - للدكتورة خديجة الحديثي - ط (1) بغداد - 1386 هـ -1967 م.
52- الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها - مكي بن أبي طالب القيسي - تحقيق الدكتور محيي الدين رمضان - طبع دمشق 1394 هـ - 1974 م.
53- لسان العرب لابن منظور - المطبعة الأميرية.
54- لسان اللسان تهذيب لسان العرب لابن منظور بعناية المكتب الثقافي لتحقيق الكتب إشراف الأستاذ عَبْد أ. علي مهنا - نشر دار الكتب العلمية بيروت ط (1) 1413 هـ - 1993 م.
55- ((اللغة)) - فندريس - ترجمة الدكتور محمد القصاص.
56- ما يجوز للشاعر من الضرورة - - للقزاز القيرواني - تحقيق الدكتور رمضان
عبد التواب - والدكتور صلاح الدين الهادي مكتبة العروبة - الكويت 1401 هـ.
57- مجمع الأمثال للميداني - تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - دار المعرفة بيروت - مصورة عن طبعة السعادة بمصر 1379 هـ.
58- مذاهب التفسير الإسلامي - جولد زيهر - ترجمة وتحقيق الدكتور عبد الحليم النجار.
59- معاني القرآن للفراء (207 هـ) تحقيق مجموعة من العلماء الأجلاء - طبع دار الكتب المصرية.
60- معاني القرآن للأخفش (ت 215 هـ) تحقيق الدكتور فائز فارس - الكويت ط (2) 1401 هـ.
61- معجم القراءات القرآنية - الدكتور عبد العال سالم مكرم، والدكتور أحمد مختار عمر - مطبوعات جامعة الكويت 1408 هـ - 1988م.
62- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم - محمد فؤاد عبد الباقي - ط 1378 هـ.
63- معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم - وضعه الدكتور إسماعيل عمايرة - والدكتور
عبد الحميد مصطفى السيد، طبع بيروت مؤسسة الرسالة 1986 م.
64- معجم آيات القرآن الكريم - محمد منير الدمشقي - طبع مكتبة التراث الإسلامي بالقاهرة.
65- معجم شواهد العربية - عبد السلام محمد هارون - نشر الخانجي بمصر.(5/344)
66- معجم شواهد النحو الشعرية - د. حنا جميل حداد (جامعة اليرموك) ط (1) نشر دار العلوم للطباعة والنشر بالرياض - المملكة العربية السعودية 1404 هـ - 1984 م.
67- المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية - د. إميل بديع يعقوب - طبع دار الكتب العلمية بيروت (ثلاثة أجزاء)
68- مفردات الراغب الأصفهاني - تحقيق محمد سيد كيلاني - طبع الحلبي بمصر 1381 هـ.
69- المقتضب للمبرد - تحقيق الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة - ط المجلس الأعلى بمصر.
70- منهاج البلغاء تأليف حازم القرطاجني - طبع تونس 1966 م.
71- موارد البصائر في الفوائد الضرائر - تأليف الشيخ محمد سليم بن حزيم - (مخطوطة) منها:
(أ) - نسخة بدار الكتب المصرية تحت رقم (60) أدب.
(ب) - نسخة أخرى بمكتبة محمد الفاتح باستانبول رقم 4129 مكتوبة سنة 1117 هـ.
72- موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف - الدكتورة خديجة الحديثي - دار الرشيد للنشر 1981 م - بغداد.
73- النشر في القراءات العشر لابن الجزري (ت 833 هـ) ط - بيروت دار الكتب العلمية.
74- نظرية النحو القرآني - للدكتور أحمد مكي الأنصاري - نشر دار القبلة بجدة المملكة العربية السعودية 1405 هـ
75- ((النكت)) في تفسير كتاب سيبويه للأعلم الشنتمري - تحقيق الدكتور زهير عبد المحسن سلطان، نشر معهد المخطوطات بالكويت 1407 هـ.
76- همع الهوامع على جمع الجوامع للسيوطي (ت 911 هـ) .
(أ) - تصحيح السيد محمد بدر الدين النعساني - دار المعرفة بيروت.
(ب) - تحقيق الدكتور عبد العال سالم مكرم - مؤسسة الرسالة بيروت ط (2) 1407 هـ.(5/345)
محتويات الجزء الأول
أولاً: القسم العربي:
أ - دراسات في الشريعة وأصول الدين
1 - معاني الركوع والسجود في القرآن المجيد
د. إبراهيم بن سعيد الدوسريّ ... 3 - 86
2 - جزء فيه حديث رسول الله (: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ... )) رواية ودراية
د. عبد الرحمن بن محمد شريف ... 87 - 134
3 - البيان والتبيين لضوابط ووسائل تمييز الرواة المهملين
د. محمد بن تركي التركي ... 135 - 161
4 - صفة الرضا بين الإثبات والتعطيل، وأثر الإيمان بها في حياة المسلم
د. سالم بن محمد القرني ... 163 - 234
5 - مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات
د. محمد بن خليفة التميمي ... 235 - 325
6 - الذكر الجماعيّ بين الإتباع والابتداع
د. محمد بن عبد الرحمن الخميس ... 327 - 364
7 - قواعد مهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء الكتاب والسنة
د. حمود بن أحمد الرُّحيلي ... 365 - 412
8 - حكم الأواني الذهبيّة والفضية وما مُوَّه بهما استعمالاً وبيعاً وشراءً
د. صالح بن زابن المرزوقي ... 413 - 488
9 - نظرةٌ فقهية للإرشاد الجيني
د. ناصر بن عبد الله الميمان ... 489 - 516
10 - العقل عند الأصوليين: عرض ودراسة
د. علي بن سعد الضويحي ... 517 - 571
11 - المجاز عند الأصوليين بين المجيزين والمانعين
د. عبد الرحمن بن عبد العزيز السُّديس ... 573 - 610
ب - دراسات في التاريخ والحضارة:
12 - العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية في عهد الخليفة هارون الرشيد
د. محمد بن ناصر الملحم ... 613 - 667
13 - الوجود الإسلامي في صقلية في عهد النورمان بين التسامح والاضطهاد
(444 - 591 هـ / 1052 - 1194 م)
د. علي بن محمد الزهراني ... 669 - 711
14 - جهود الملك عبد العزيز في عمارة عين عرفة
د. عادل بن محمد نور غباشي ... 713 - 752
ج - دراسات في اللغة العربية وآدابها:
15 - خلل الأصول في معجم الجمهرة(5/346)
د. عبد الرزّاق فرّاج الصاعديّ ... 755 - 823
16 - الأبنية المختصّة باسمٍ أو صفة في كتاب سيبويه
د. عبد الله بن ناصر القرني ... 825 - 902
17 - القياس الشّكليّ
د. سعود غازي أبو تاكي ... 903 - 939
18 - مفهوم المجاز بين ابن سينا وابن رشد
د. محمود درابسة ... 941 - 958
19 - ظاهرة التلطّف في الأساليب العربية
د. - محمد بن سعيد الثبيتي ... 959 - 981
20 - صعوبات تعلّم اللغة العربية لدى تلاميذ الطور الثاني من التعليم الأساسيّ في المناطق
الناطقة بالبربرية والمناطق الناطقة بالعربيّة
د. علي تعوينات ... 983 - 1035
21 - المرأة الناقدة في الأدب العربي
د. محمد أحمد المجالي ... 1037 - 1086
د - نصوص تراثية محققة
22 - كتاب الإغفال، لأبي عليّ الفارسي (ت 377 هـ)
تحقيق د. عبد الله بن عمر الحاج إبراهيم ... 1089 - 1176
هـ - الآراء والقضايا
23 - دفاع عن كتاب الله (القرآن والضرورة الشعرية)
أ. د. أحمد مكي الأنصاري ... 1179 - 1200
ثانياً: القسم الإنجليزي:
أ - ملخصات الأبحاث العربية باللغة الإنجليزية ... 1203 - 1235(5/347)
محتويات الجزء الثاني
ب - دراسات في التاريخ والحضارة:
12 - العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية في عهد الخليفة هارون الرشيد
د. محمد بن ناصر الملحم ... 613 - 667
13 - الوجود الإسلامي في صقلية في عهد النورمان بين التسامح والاضطهاد
(444 - 591 هـ / 1052 - 1194 م)
د. علي بن محمد الزهراني ... 669 - 711
14 - جهود الملك عبد العزيز في عمارة عين عرفة
د. عادل بن محمد نور غباشي ... 713 – 752
ج - دراسات في اللغة العربية وآدابها:
15 - خلل الأصول في معجم الجمهرة
د. عبد الرزّاق فرّاج الصاعديّ ... 755 - 823
16 - الأبنية المختصّة باسمٍ أو صفة في كتاب سيبويه
د. عبد الله بن ناصر القرني ... 825 - 902
17 - القياس الشّكليّ
د. سعود غازي أبو تاكي ... 903 - 939
18 - مفهوم المجاز بين ابن سينا وابن رشد
د. محمود درابسة ... 941 - 958
19 - ظاهرة التلطّف في الأساليب العربية
د. - محمد بن سعيد الثبيتي ... 959 - 981
20 - صعوبات تعلّم اللغة العربية لدى تلاميذ الطور الثاني من التعليم الأساسيّ في المناطق
الناطقة بالبربرية والمناطق الناطقة بالعربيّة
د. علي تعوينات ... 983 - 1035
21 - المرأة الناقدة في الأدب العربي
د. محمد أحمد المجالي ... 1037 – 1086
د - نصوص تراثية محققة
22 - كتاب الإغفال، لأبي عليّ الفارسي (ت 377 هـ)
تحقيق د. عبد الله بن عمر الحاج إبراهيم ... 1089 - 1176
هـ - الآراء والقضايا
23 - دفاع عن كتاب الله (القرآن والضرورة الشعرية)
أ. د. أحمد مكي الأنصاري ... 1179 - 1200
ثانياً: القسم الإنجليزي:
أ - ملخصات الأبحاث العربية باللغة الإنجليزية ... 1203 - 1235(5/348)
العدد 21
فهرس المحتويات
1- الرضا بالقضاء
2- الحديث المقلوب تعريفه، وفوائده، وحكمه، والمصنفات فيه
3- المباحث الغيبية
4- قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام في توحيد الربوبية
5- حكم نقض الوضوء بأكل لحم الإبل
6- من مفاهيم ثقافتنا الإسلامية
7-كتاب الصوائف-المُستخرَج
8- التنمية والتقارب والاندماج في مجتمع المملكة العربية السعودية قديماً وحديثاً
9- الترتيب الصرفي في المؤلفات النحوية والصرفية إلى أواخر القرن العاشر الهجري
10- الزِّياديُّ النَّحويُّ
11- التذكير والتأنيث
12- الألفاظ المشتركة المعاني في اللغة العربية طبيعتها أهميتها مصادرها
13- الكم الزمني لصويت الغنة في الأداء القرآني
14- نحو علم لغة خاص بالعلوم الشرعية
15- التصغير في اللغة
16- مقدمة القصيدة الجاهلية عند حسان بن ثابت رضي الله عنه
17- عمرو بن مسعدة الصولي - السيرة، والتراث النثري
18- الصورة الفنية لحقول التراجيدي في الشعر الجاهلي
19- ظاهرة التكرار في شعر أبي القاسم الشابي
20- مجلة جامعة أمِّ القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها(5/349)
الرضا بالقضاء
د. سالم بن محمد القرني
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة وأصول الدين - جامعة الملك خالد
ملخص البحث
تضمن البحث مقدمة، ثُمَّ تعريفاً للرضا، والقضاء والقدر في اللغة، وفي الاصطلاح، ثُمَّ حقيقة الرضا، وأقوال الناس فيه، وهل هو مقام أم حال؟ ، وأن المقامات قد تحصل بفعل الأسباب ومن غير فعلها، وفي كلا الحالتين فالموجد لها: الله، وأمَّا الحال فشرعية هي: التصرف بما أمر الله ورسوله وترك ما نهيا عنه وغير شرعية، وهي: السخط والاعتراض، وعدم التسليم.
ثُمَّ الصلة بين الرضا والتوكل، وأن التوكل والتفويض يكون قبل وقوع القضاء، والرضا بعد وقوعه وهو الثمرة.
ثُمَّ الأمر بالرضا بالقضاء والحث عليه، والرضا وفعل الأسباب، وبعض الشبهة ومناقشتها، ومنزلة الرضا وفضله، وأنواع القضاء:
الديني، والمراد به، والأمر به، وحكم الرضا به.
الكوني، والمراد به، وأقسامه:
الأول: الموافق لمحبة العبد، وإرادته، ورضاه، وحكم الرضا به.
الثاني: ما جاء على خلاف مراد العبد، ومحبته مِمَّا لايلائمه ولايدخل تحت اختياره، وأنه قسمان:
أ - ما للعبد استطاعة، واختياره، وإرادة في منازعته ومدافعته بكل ممكن، وحكم الرضا به.
ب - ما ليس للعبد فيه اختيار، ولا طاقة، ولا حيلة في منازعته، ومدافعته، وحكم الرضا به.
ثُمَّ حكم الرضا بالمصائب، وقولي العلماء، وأدلتهم، والراجح.
الثالث: وهو الجاري باختيار العبد وقضاء الرب، مِمَّا يكرهه الله ويسخطه ((الرضا بالمعاصي)) وحكم الرضا به.
ثُمَّ بعض ما ينافي الرضا؛ كالاعتراض على قضاء الله الشرعي، وترك التوكل على الله، والسخط بما قسم، والحزن على ما فات، والنياحة، وتمني الموت لضر أو بلاء، وعدم الرضا بالمقسوم من الرزق، والجزع والهلع عند المصيبة.
ثُمَّ مذهب الصوفية في الرضا بالقضاء، وأسباب ضلالهم ودرجات الرضا عندهم، ومناقشتهم.(5/350)
ثُمَّ خاتمة بأهم النتائج، وقائمة بالمراجع والمصادر.
• • •
المقدمة:
حمداً لله على نعمائه، وجوده، وكرمه، ورضاه، ونستعينه، ونطلب الهداية والتوفيق والسداد منه، ونستعيذ برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، وبه منه، ونسأله الرضا بعد القضاء، والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، والقناعة بما قسم لنا، من خير وإبعادنا عن الشر، والإعانة على الصبر على القضاء، والابتداء، والاقتداء بمحمد - (-
أمَّا بعد: فالرضا بالقضاء مأمور به في كتاب الله، وفي سنة المصطفى - (- وفعل الأنبياء، والصالحين، والصديقين، والشهداء، ومن اقتفى أثرهم، واهتدى بهداهم، وقد تعبدنا الله به، وهو من كمال تحقيق العبودية لله - تعالى -، وسبب للخلاص من الشرك، وإكمال للتوحيد، وخضوع، وتسليم لأمر الله، ونهيه، ويقين بأن الأمر كله لله، بيده كل شيء، فهو المعطي لمن يشاء، المانع لمن يشاء، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.
تحقيقه هداية، يحمل على الإخلاص، فيكون الباعث له في جميع الأعمال: امتثال أمر الله، واجتناب نهيه، والعلم بأنه ماشاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، يقود صاحبه إلى الرضا بالقليل، والعفاف عما في أيدي الناس، ويبعده عن التملق لغير الله، أو الانشغال بغير عبادة الله، ورضاه، أو إرضاء الناس بسخط الله، ويورث العزم في متانة، ويربط القلب، فيمضي صاحبه حتى يبلغ الغاية (1) .
فالمؤمن بالقضاء، الراضي به، صبور متجلد، يتحمل المشاق، ويتضلع بالأعباء، وخاصة في العصور المتأخرة، فكيف بالوقت الذي يكون {القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر} (2) .(5/351)
أمَّا ضعيف الرضا بالقضاء، الذي لايقوى على احتمال المصائب، ولايصبر على أدنى شيء منها، فهذا لضعف إيمانه، ورخاوة نفسه، وانزعاجها العظيم للشيء الحقير، فما أن يصاب بالتافه من الأمر حتى تراه حرج الصدر، فتقض مضجعه، وتؤرق جفنه، وهي - وأكبر منها - لو وقعت لمن هو أقوى منه إيماناً ورضاً بالقضاء لم يلق لها بالاً، ولم تحرك منه نفساً، ولنام ملء جفونه رضيَّ البال، قرير العين.
فالذي يجزع لأتفه الأسباب، قد يصل إلى الجنون، أو الوسوسة، أو تعاطي المسكرات، على اختلاف مستوياتها، أو قتل النفس، أو الانتحار.
وما أكثر هذه الأمور في المجتمعات التي لاترضى بقضاء الله - تعالى -.
فالذي لايرضى بما يصيبه من المصائب: يدب إلى روعه القنوط، ويظن أنها قاصمة الظهر، ونازلة النوازل، ويرمي نفسه في وحل اليأس، وسجن الظلم.
أمَّا المؤمن بالقضاء والقدر، الصابر على المصيبة، وعن المعصية، فلاتراه إلاَّ متفائلاً في جميع أحواله، منتظراً الفرج من الله، مؤقناً بأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسراً، وأن العاقبة للتقوى، وأن قضاء الله نافذ لا محالة، فلايأس، ولا قنوط، ولا كسل، ولا هوان، ولا تهاون، تسمو به الحال، فيصل إلى منزل الرضا، فيرضى عن الله، ويرضى الله عنه.
سبب اختيار الموضوع:
ولقد كان السلف الصالح - من عهد النبوة وعبر القرون الفاضلة - على هذا الاعتقاد، وهذا المستوى في الرضا بالقضاء، بيد أنه ظهر بعد ذلك خلل في هذا، من قبل غلاة المتصوفة، الذين أهملوا الوحي، وحكموا العاطفة، وتسابقوا في ترك الأسباب، والغلو في ذلك، حتى قال بعضهم: {الرضا: ألا نسأل الله الجَنَّة، ولانستعيذه من النَّار} (1) ، وقال الآخر:
أصبحت منفعلاً لما يختاره مني ففعلي كله طاعات (2)(5/352)
ثُمَّ في هذا الزمان فرط كثير من المسلمين في الرضا بحكم الله، شرعاً، وكوناً، وقدراً، فضعف الرضا، واليقين، واتبعت الشهوات والشبهات، وتأثر المسلمون بالطرق الشيطانية، الصارفة عن الرضا بقضاء الله.
ولو ضربنا أمثلة عن التقصير، في الرضا بالقضاء الشرعي، أو القضاء الكوني في كل ميدان من ميادين الحياة العملية، والعلمية، التجارية، والسياسية، الدينية، والمالية، الأسرية، والاجتماعية، لطال بنا المقام.
ولكن أترك الأمر للقارئ الكريم؛ ليطبق ما ذكرته في هذا البحث المتواضع، على واقع الناس في هذا الزمان، آملاً ألا يغفل جانباً من جوانب الحياة، سائلاً المولى عزّوجل أن يكتب المغفرة للجميع.
فلهذا وذاك رأيت أن أكتب في الرضا بالقضاء؛ للحاجة الملحة إلى ذلك، ولأنني لم اطلع على كتابة في الموضوع، مفردة، مرتبة متناولة لكل مسائل الرضا بالقضاء، على هذا الترتيب الذي جعلته في هذا البحث.
وقد اشتمل البحث على هذه المقدمة، وعلى تعريف الرضا والقضاء والقدر في اللغة والاصطلاح وبيان حقيقة الرضا بالقضاء، وأقوال الناس فيه، وهل الرضا مقام أم حال؟ ، والصلة بين الرضا والتوكل، والأمر بالرضا والحث عليه، في القرآن والسنة وأقوال السلف، ثُمَّ الرضا بفعل الله، وحكم الرضا به، والقضاء الشرعي وأدلته، وحكم الرضا به، والقضاء الكوني القدري وأدلته، والمراد به، وأقسامه:
1 - الموافق لمحبة العبد، وإرادته، ورضاه، وحكم الرضا به.
2 - ماجاء على خلاف مراد العبد ومحبته مِمَّا لايلائمه ولايدخل تحت اختياره، وهو قسمان أيضاً:
أ) - ما للعبد فيه استطاعة، واختيار، وإرادة في منازعته ومدافعته بكل ممكن، وحكم الرضا به.
ب) - ما ليس للعبد فيه اختيار، ولا طاقة، ولا حيلة في منازعته ومدافعته، وحكم الرضا به.
ثُمَّ حكم الرضا بالمصائب، وأقوال العلماء في ذلك، وبيان الراجح منها.(5/353)
3 - القسم الثالث من الكوني: وهو الجاري باختيار العبد، وقضاء الرب، مِمَّا يكرهه الله، ويسخطه، وينهى عنه {المعاصي} ، وحكم الرضا به.
وتفصيل تلك المسائل باختصار غير مخل - إن شاء الله -.
ثُمَّ ذكر بعض ما ينافي الرضا بالقضاء، على وجه الاختصار، مثل:
1 - الاعتراض على قضاء الله الشرعي الديني.
2 - ترك التوكل على الله.
3 - السخط بما قسم الله.
4 - الحزن على ما فات.
5 - النياحة.
6 - تمني الموت لضر نزل أو بلاء.
7 - عدم الرضا بالمقسوم من الرزق.
8 - الجزع والهلع.
ثُمَّ مناقشة الصوفية في انحرافهم في الرضا بالقضاء، على وجه الاختصار غير المخل - بإذن الله تعالى -.
هذا وقد آثرت الإيجاز، مع الحرص على الوفاء بالموضوع، ليسهل على القارئ والمطلع الإفادة، وأسأل الله أن يسدد أعمالنا، ويغفر زلاتنا وتقصيرنا، وأن ينفع بهذا البحث، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الرضا في اللغة
الرضا: مصدر، مقصور: ضد السخط، والسخط: الكراهية للشيء، وعدم الرضا به (1) ، وفي حديث الدعاء: {اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء} (2) ، وقد رضي يرضى رضا ورُضا ورِضواناً ورُضواناً - الأخيرة عن سيبويه (3) - فهو راض من قوم رُضاة (4) .
ورضيت عنك، وعليك، رضى، ومثله: رضيت الشيء، وارتضيته، فهو مرضي، ومرضو أيضاً، على الأصل، مقصور: مصدر محض، والاسم الرضا ممدود (5) عن الأخفش (6) .
قال القحيف العقيلي (7) :
إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها
ولاتنبو سيوف بني قشير ... ولاتمضي الأسنة في صفاها (8)
عدّاه بعلى؛ لأنه إذا رضيت عنه أحبته، وأقبلت عليه، فلذلك استعمل على بمعنى عن (9) .
وقال ابن جني (10) : وكان أبو علي (11) يستحسن قول الكسائي (12) في هذا، لأنه لما كانت رضيت ضد سخطت عدى رضيت بعلى، حملاً للشيء على نقيضه، كما يحمل على نظيره.(5/354)
قال: وسلك سيبويه هذه الطريق في المصادر كثيراً، فقال: قالوا كذا، كما قالوا كذا، وأحدهما ضد الآخر (1) ، وقوله - جلّ وعلا -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (2) تأويله: أن الله - تعالى - رضي عنهم أفعالهم، ورضوا عنه ما جازاهم به.
وأرضاه: أعطاه ما يرضى به (3) .
وترضَّاه: طلب رضاه؛ قال:
إذا العجوز غضبت فطلق ... ولاترضَّاها ولاتَملق (4)
أثبت الألف من ترضاها في موضع الجزم تشبيهاً بالياء في قوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بِمَا لاقت لبون بني زياد (5)
والرضي: المرضي، وارتضاه: رآه أهلاً، والرجل الرضا (6) أي العدل.
وقالوا: رضيت عنه رضا، وإن كان من الواوي: لمكان الكسر وحقه: رضو.
قال أبو منصور (7) : إذا جعلت الرضا بمعنى المراضاة فهو ممدود، وإذا جعلته مصدر رضي يرضى فهو مقصور.
قال سيبويه: وقالوا: عيشة راضية، على النسب أي: ذات رضا.
ومن الألفاظ التي بمعنى الرضا:
1 - الركون: كما في قول الله - تعالى -: {وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (8) ، أي لاترضوا أعمالهم (9) .
2 - العُتبى بالضم: بمعنى الرضا (10) ، ومنه قوله - (- في الدعاء: {لك العتبى حتى ترضى} (11) ، واستعتب: طلب أن يرضى عنه، كما تقول: استرضيته فأرضاني
المعتب: المرضي، ومنه الحديث: {لايتمنين أحدكم الموت إمَّا محسناً فلعله يزداد، وإمَّا مسيئاً فلعله يستعتب} (12) أي: يرجع عن الإساءة ويطلب الرضا ومنه في الحديث: {ولا بعد الموت من مستعتب} (13) أي ليس بعد الموت من استرضاء، لأن الأعمال بطلت، وانقضى زمانها، وما بعد الموت دار جزاء، لا دار عمل (14) .
3 - الدّقع: - محركة - الرضا بالدون من العيشة، وسوء احتمال الفقر (15) .(5/355)
4 - القانع: كما في قول الله - تعالى -: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (1) ، وهو من القنوع: الرضا باليسير من العطاء، وقد قنع يقنع قنوعاً وقناعة بالكسر: إذا رضي، وقنع بالفتح يقنع قنوعاً، إذا سأله، ومنه ما ورد في الحديث: {القناعة كنز لايفنى} (2) لأن الإنفاق منها لاينقطع، كلما تعذر عليه شيء من أمور الدنيا قنع بما دونه ورضي (3) .
والقناعة: الرضا بالقسم، وبابه سلم، وهو قنع وقنوع، وأقنعه الشيء: أي أرضاه، وقال بعض أهل العلم: إن القنوع أيضاً قد يكون بمعنى الرضا، والقانع بمعنى الراضي ... ، ويجوز أن يكون السائل سمي قانعاً لأنه يرضى بما يعطى قلّ أو كثر، ويقبله، ولايرده، فيكون معنى الكلمتين راجعاً إلى الرضا (4) .
6 - القنى: بمعنى الرضا، ومنه قول الله - تعالى -: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} (5) ، وقني الرجل - بالكسر - قنى، بوزن رضا، أي صار غنياً، وراضياً، والقنى - كإلى -: الرضا؛ قناه الله، وأقناه: أرضاه، وأقناه أيضاً: رضَّاه، ويقال: أعطاه الله وأقناه: أي أعطاه ما يسكن إليه (6) .
7 - ويأتي الحمد بمعنى الرضا، فيقال: بلوته فحمدته، أي: رضيته، ويقال: أحمد إليكم كذا: أي أرضاه لكم (7) .
والرضا نقيض الغضب (8) ، والغضبة ضد الرضا (9) .
والرضا والغبطة: ضد الندامة والحسرة (10) .
والرضا والوفاء: ملزوم أحدهما بالآخر (11) .
والتسليم: بذل الرضا بالحكم (12) .
القضاء في اللغة:
القضاء - ممدود - مصدر معرف، أصله: قَضَايٌ، لأنه من قضيت، إلاَّ أن الياء لما جاءت بعد الألف همزت (13) ، فعله: قضى يقضي، ومصدره: قضاء وقضية، والفاعل: قاضٍ، والقاضي: القاطع للأمور المحكم لها (14) .
واستقضي فلان: أي جُعل قاضياً.
والقضايا: جمع قضية وهي الأحكام.
والقضاء يأتي بعدة معان، منها:(5/356)
1 - الفصل في الحكم، يقال: قضى يقضي قضاءً إذا حكم وفصل، قال - تعالى -: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} (1) أي: لفصل وحكم بينهم (2) .
2 - ويأتي بمعنى الإتقان، والفراغ منه: فيكون على هذا بمعنى الخلق، قال الله - تعالى -: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} (3) أي: ففرغ من خلقهن (4) .
3 - بمعنى أداء الشيء وتمامه، قال الله - تعالى -: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ} (5) أديتم وفرغتم (6) ، ويدخل في المعنى السابق.
4 - ويأتي بمعنى: إمضاء القدر، كما في قوله - سبحانه -: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} (7) أي: أمضينا قضاءنا على سليمان بالموت (8) .
5 - التمام: كما في قول الله - تعالى -: {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} (9) فمعنى ((لقضي الأمر)) : لتم إهلاكهم (10) .
6 - الإكمال والوفاء: ومنه قوله - تعالى -: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} (11) أي: فلما وفى، وأكمل صاحبه الأجل (12) .
7 - الحتم: ومنه قوله - تعالى -: {ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّي عِندَهُ} (13) ، فالمعنى حتم بذلك.
8 - الصنع والعمل: يدل على ذلك قول الله - تعالى -: {فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ} (14) أي: اصنع وافعل واعمل ما أنت صانع أو فاعل أو عامل (15) ، وتقول: قضى الشيء قضاء صنعه وقدره.
وهذا هو القضاء الكوني القدري.
9 - الإعلام: ومنه قول الله - عزّوجل -: {وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِي إِسْرَاءِيلَ فِي الْكِتَابِ} (16) أي: أعلمناهم إعلاماً مقطوعاً به (17) .
10 - إنهاء العمر أو الحياة: من ذلك ما ورد في قصة موسى - عليه السلام - من قول الله - تعالى -: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} (18) أي: قتله وأنهى حياته بالوكز (19)(5/357)
11 - الأمر (1) : من ذلك قول الله - تعالى - في الوصية والأمر بعبادته - سبحانه -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} (2) أي: أمر وأوصى، أمراً محتوماً ووصية مقطوعاً بها (3) .
وهذا هو القضاء الشرعي الديني.
وأكثر المعاني السابقة تعود إلى الفراغ، وإتمام الشيء وانقطاعه، وهناك اشتقاقات أخرى غير هذه، ذكرها أهل اللغة، يُرجع إليها في مظانها، في مادة {قضى} والله الموفق.
القدر في اللغة:
القدر: بفتح القاف والدال: اسم يطلق على الحكم والقضاء، أو القضاء الموفق (4) .
ومن ذلك حديث الاستخارة، وفيه: {فاقدره لي ويسره لي} (5) .
وقال الله - تعالى -: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (6) أي: إنا خلقنا كل شيء بمقدار قدرناه وقضيناه (7) .
وقال - سبحانه وتعالى -: {فَالْتَقَي الْمَآءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} (8) أي: على أمر قد قدره الله، وقضاه أي: قضاه في اللوح المحفوظ (9) .
وقال - سبحانه -: {إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} (10) أي: قضى إليه فيها؛ إنها لمن الباقين ثُمَّ هي مهلكة بعد (11) .
وقال - سبحانه -: {إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (12) وهي الليلة التي تقدر فيها الأرزاق، وتقضى (13) .
ويأتي بمعنى: التضيق (14) {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ} (15) أي: ويقتر على من يشاء منهم في رزقه وعيشه، فيضيقه عليه؛ لأنه لايصلحه إلاَّ الإقتار (16) ، وقوله - تعالى -: {وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} (17) .
ويأتي: بمعنى الخلق: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} (18) أي: والذي قدر خلقه فهدى (19) .(5/358)
والقَدَر: بفتح القاف والدال أيضاً: الطاقة والوسع (1) ، كما يدل على ذلك قول الله - عزّوجل -: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} (2) وقَدّر الشيء - بالتشديد -: قضاه، ويجوز التخفيف.
والقَدْر: بفتح القاف وإسكان الدال: الوسع والطاقة، أيضاً، وبمعنى المقدار، فقدر كل شيء مقداره أي: مقياسه، يقال: قدره به قدراً إذا قاسه، والقدر من الرحال والسروج: الوسط (3) .
وقدرت الشيء أقدره من التقدير، ومنه قوله - (- في الحديث: {فإن غم عليكم فاقدروا له} (4) أي: قدروا له عدد الشهر ثلاثين يوماً، وقيل: قدروا له منازل القمر، فإنه يدلكم على أن الشهر تسعة وعشرون يوماً أم ثلاثون يوماً (5) .
والقَدْر، والتقدير: تبيين كمية الشيء، يقال: قَدَرته وقدّرْته وقدره بالتشديد، أعطاه القدرة، يقال: قدَّرَني الله على كذا وقواني عليه.
فتقدير الله الأشياء على وجهين:
أحدهما: إعطاء القدرة.
والثاني: بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة.
فأحدهما بالحكم منه - سبحانه -، أن يكون كذا أولا يكون كذا (6) ، كما في قول الله - تعالى -: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (7) .
والمراد أن الله علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها، ثُمَّ أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته، فهو قضاؤه.
القضاء والقدر في الاصطلاح:
مِمَّا سبق في تعريف القضاء والقدر في اللغة، وما تدل عليه النصوص الشرعية، يتبين لنا أن القضاء والقدر في الاصطلاح، أو في الشرع: تقدير الله الأشياء في الأزل وقضاؤها وكتابتها في اللوح المحفوظ، وعلمه - سبحانه - بوقوعها في أوقات معلومة عنده، على صفات مخصوصة بمشيئته، وقدرته، وخلقه وأمره، والأمر باليقين والعمل لذلك.(5/359)
قال الله - تعالى -: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (1) .
وقال - سبحانه -: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا} (2) .
وقال - عزّوجل -: {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (3) .
وقد عرفه الإمام أحمد بقوله: {القدر: قدرة الله} (4) .
وعرف بتعريفات أخرى، كلها تدل على علم الله بكل ما أراد إيجاده، أو إفناؤه، من العوالم، والخلائق، والأحداث، والأشياء، وتقدير ذلك، وكتابته في اللوح المحفوظ، كما هو: كميته، وصفته، وكيفيته، وزمانه، وأسبابه، ومقدماته، ونتائجه، بحيث لايتأخر شيء من ذلك عن وقته، ولايتقدم، ولايتبدل (5) .
ومعنى قولهم: {القدر سر الله في خلقه} : أن الله قد أخفى علمه عن خلقه، فلايطلع عليه أحد لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فهو - سبحانه - أوجد وأفنى، وأفقر وأغنى، وهدى وأضل، {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ} (6) .
وقد روي عن ابن عمر مرفوعاً: ((لاتكلموا بشيء من القدر فإنه سر الله فلاتفشوا سر الله)) (7) .
وسئل علي - رضي الله عنه - عن القدر، فقال: {سر الله فلا تكشفه} (8) .
{والقضاء والقدر: أمران متلازمان لاينفك أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس؛ وهو القدر، والآخر بمنزلة البناء؛ وهو القضاء} (9) .
فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء، ونقضه، فالمقضي مقدر، والمقدر مقضي، ولا دليل على التفريق بينهما (10) ، إلاَّ أن الذي أراه أنهما إذا اجتمعا فإن لكل لفظ من لفظيهما زيادة بيان عن الآخر من وجه، كما هو الحال في ألفاظ اللغة العربيَّة ومترادفاتها، ومن ذلك ألفاظ القرآن الكريم ثُمَّ إن لذكر اللفظ مع الآخر في موضع أو سياق له دلالته، والله أعلم.
وقد جاء في تعريف الرضا بالقضاء أقوال كثيرة، منها:(5/360)
قيل: {الرضا: ارتفاع الجزع في أي حكم كان} (1) .
وقيل: {سكون القلب تحت مجاري الأحكام} (2) .
وقال بعضهم الرضا: {ترك الخلاف على الله فيما يجريه على العبد} (3) .
وقال آخر الرضا: {سرور القلب بمر القضاء} (4) .
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: {الرضا: أن لاترضي الناس بسخط الله، ولاتحمد أحداً على رزق الله ولاتلم أحداً على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لايسوقه حرص حريص، ولايرده كراهية كاره، والله بقسطه وعلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط} (5) .
وقيل: الرضا: ألاّ يتمنى خلاف حاله (6) .
وقيل: الرضا: ترك الاختيار (7) .
وقيل: الرضا: استقبال الأحكام بالفرح (8) .
وقال بعضهم الرضا: نظر القلب إلى قديم اختيار الله للعبد؛ فإنه اختار له الأفضل (9) .
وسئل أحدهم عن الرضا، فقال: {من لم يندم على ما فات من الدنيا، ولم يتأسف عليها} (10) .
وقال الآخر: {معنى الرضا: فيه ثلاثة أقوال: ترك الاختيار، وسرور القلب بمر القضاء، وإسقاط التدبير من النفس حتى يحكم لها عليها} (11) .
ولما سئل أحدهم عن الرضا، قال: {الرضا بالحق، والرضا عن الحق، والرضا له} .
فقال: الرضا به: مدبراً ومختاراً، والرضا عنه: قاسماً ومعطياً، والرضا له: إلهاً ورباً} (12) .
وقال شقيق البلخي (13) : {وتفسير الرضا على ثلاث (14) خصال: أولها: أمن من الفقر، والثاني: حب القلة والثالث: خوف الضمان، وتفسير الضمان: ألا يخاف إذا وقع في يده شيء من أمر الدنيا؛ أن يقيم حجته بين يدي الله، في أخذه، وإعطائه، على أي الوجوه كان} (15) .
وقال الراغب الأصفهاني (16) : {ورضا العبد عن الله: أن لايكره ما يجري به قضاؤه، ورضا الله عن العبد: هو أن يراه مؤتمراً لأمره، ومنتهياً عن نهيه} (17) .(5/361)
والرضا عمل قلبي، ليس بقول اللسان، ولا عمل الجوارح، ولا هو من باب العلوم والإرادات.
ولهذا يُمكن أن يكون تعريف الرضا تبعاً لمعناه في اللغة، وما سبق من هذه الأقوال جميعاً، وما يوافق نصوص كتاب الله، وسنة رسوله - (- هو: التسليم بالقضاء، والقناعة بما قسم، قل أو كثر، والسكون إلى الله، وحمده على ما قضاه، وترك الندم أو الحسرة أو الحزن على ما فات من رزق، وعدم التسخط، أو الاعتراض على ما وقع من قضاء الله الكوني، وحب أمر الله، والعمل به، وترك معاصيه، واجتنابها، والبشر والإكرام، والغنى عما في أيدي الناس، واليقين بأن الله المعطي، المانع وحده لا شريك له.
أو نقول: الإيمان بالقضاء والقدر هو: التصديق الجازم بأن كل خير وشر فهو بقضاء الله وقدره، واليقين بأنه - سبحانه - الفَعَّالُ لما يريد، لايكون شيء إلاَّ بإرادته، ولايخرج عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ولايصدر إلاَّ عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر، ولايتجاوز ما خط في اللوح المحفوظ، وأنه خالق أفعال العباد، من الطاعات، والمعاصي، ومع ذلك فقد أمر العباد، ونهاهم، وجعلهم مختارين لأفعالهم، غير مجبورين عليها، بل هي واقعة بحسب قدرتهم، وإرادتهم. يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (1) .
ثُمَّ الرضا بعد وقوع كل ذلك، وتحققه بما يجري عليه من هذا القضاء والقدر، وعدم الجزع، أو الاعتراض على ما قضي، والتسليم للأمر والنهي، وما وقع من خير أو شر، وأن لله حكمة في ذلك، لايعلمها إلاَّ هو، قد تكون خيراً للعبد، وهو يظن أنها ليست كذلك، فيحسن الظن بالله - تعالى -، ويقنع بما يحصل له من رزق، وغيره، ولاتتوق نفسه إلى غير ما قضي، وقدر له، مع فعل الأسباب المأمور بها.
حقيقة الرضا(5/362)
والرضا - وإن كان من أعمال القلوب - فله حقيقة تترجمه إلى واقع ملموس، ومشاهد، ويتفاوت الناس عند الله - تعالى - في هذه الأعمال، فما هي حقيقة الرضا؟ .
لقد تحدث الكثير عن حقيقة الرضا، وأمسك البعض وظن أن حقيقة الرضا لاتعرف، ولاتعلم (1) ، وبالغ آخرون، فجعلوا الرضا من جملة الأحوال التي ليست بمكتسبة بل هو موهبة محضة (2) ، وبعضهم جعله الانطراح والتسليم لما يجريه الله دون العمل، حتى يقول: {الرضا أن لاتسأل الله الجَنَّة ولاتستعيذ به من النَّار} (3) .
وإليك أقوال الناس عن حقيقة الرضا:
قيل: حقيقة الرضا من رضي الله في كل شيء فقد بلغ حد الرضا (4) .
وقيل: عدم الحرص على الازدياد، فهذا غنى النفس، الذي هو الناشيء عن الرضا بقضاء الله - تعالى - والتسليم لأمره؛ وأنَّ ما عنده خير وأبقى، فيعرض صاحبه عن الحرص والطلب، كما قال القائل:
غنى النفس ما يكفيك من سد حاجة فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقراً (5)
وقال سفيان الثوري: {لايكون غنياً أبداً حتى يرضى بما قسم الله له؛ فذلك الغنى} (6) .
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: {ما أبالي إذا رجعت إلى أهلي على أي حال أراهم، أبسراء أم بضراء، وما أصبحت على حال فتمنيت أني على سواها} (7) .
وقيل للفضيل بن عياض: من الراضي عن الله؟ قال: الذي لايحب أن يكون على غير منزلته التي جعل فيها (8) .
وقيل عن الرضا: من لم يتكلم بغير الرضا فهو راض (9) .(5/363)
وقيل: اشتكى عمران بن حصين - رضي الله عنه - فدخل عليه جار له، فاستبطأه في العيادة، فقال له: يا أبا نجيد، إن بعض ما يمنعني من عيادتك ما أرى بكم من الجهد. قال: فلاتفعل، فإن أحبه إليّ أحبه إلى الله، فلاتبتئس لي بما ترى، أرأيت إذا كان ما ترى مجازاة بذنوب قد مضت، وأنا أرجو عفو الله على ما بقي، فإنه قال: {وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (1) (2) .
وقيل: إن سفيان الثوري قال عند رابعة (3) : {اللهم ارض عني} فقالت له: أما تستحي أن تطلب رضا من لست عنه براض (4) ؟ .
قال سهل (5) : إذا اتصل الرضا بالرضوان اتصلت الطمأنينة، فطوبى لهم وحسن مآب.
يريد قوله - جلّ وعزّ -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (6) . فمعناه: أن الرضا في الدنيا تحت مجاري الأحكام، يورث الرضوان في الآخرة بما جرت به الأقلام.
قال الله - تعالى -: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (7) (8) .
وقيل: {الرضا عن الله ينتظم الصبر انتظاماً} (9) .
وقيل: {ثلاثة من أعلام التسليم: مقابلة القضاء بالرضا، والصبر عند البلاء، والشكر عند الرضا} (10) .
وقيل لسفيان بن عيينة: ما حد الزهد؟ قال: {أن تكون شاكراً في الرضا، صابراً في البلاء} (11) .
وقال نفطويه (12) : {كان يقال: العاقل من كرم صبره عند البلاء، ولم يظهر منه ترفع عند الرضا} (13) .
وسئل بعضهم عن أصول الدين، فقال: {اثنان: صدق الافتقار إلى الله - عزّوجل – وحسن الاقتداء برسول الله - (- وفرعه أربعة: الوفاء بالعهود، وحفظ الحدود، والرضا بالموجود، والصبر على المفقود} (14) .
وقال الساجي (15) : ((قال لي رجل لو جُعلت لي دعوة مستجابة ما سألت الفردوس، ولكن أسأله الرضى: هو تعجيل الفردوس.(5/364)
الرضى: إنَّما هو في الدنيا، يقول: {رضي الله عنهم، ورضوا عنه، وأعد لهم هناك في الآخرة، والرضى: ملك يفضي إلى ملك، وهم أوجه الخلق عندهم، ولم تكن لهم أعمال تقدمت شكرهم عليها، ولا شغفا لهم عنده، ولكنه كان ابتداء منه، وقد فرغ الله مِمَّا أرادوا، أسعد بالعلم من قد عرف، وإنَّما العقوبات على قدر الملمات، إذا لم يكن شيء جاءت عقوبات ذلك بقدره} (1) .
وقال أحدهم: {وثلاثة من أعلام الرضا: ترك الاختيار قبل القضاء، وفقدان المرارة بعد القضاء، وهيجان الحب في حشو البلاء} (2) .
وقيل: {الرضى سكون القلب إلى قديم اختيار الله للعبد أنه اختار له الأفضل فيرضى به} (3) .
قال ابن القيم - رحمه الله - بعد ذكر هذا القول: {قلت: وهذا رضى بما منه، وأمَّا الرضا به: فأعلى من هذا، وأفضل، ففرق بين من هو راض بمحبوبه، وبين من هو راض بما يناله من محبوبه، من حظوظ نفسه، والله أعلم} (4) .
وقال أيضاً - رحمه الله -: {ومنها - أي من حكمته - أنه - سبحانه - يذيق ألم الحجاب عنه، والبعد، وزوال ذلك الأنس، والقرب، ليمتحن بده، فإن أقام على الرضا بهذه الحال، ولم يجد نفسه تطالبه حالها الأول مع الله، بل اطمأنت، وسكنت إلى غيره، علم أنه لايصلح، فوضعه في مرتبته التي تليق به ... } (5) .
وقال ابن تيمية - رحمه الله -: {والرضا وإن كان من أعمال القلوب فكماله الحمد، حتى إن بعضهم فسر الحمد بالرضا، وذلك يتضمن الرضا بقضائه} (6) .
وقال: {والله يستحق الرضا لذاته} (7) .
وقد رأى بعضهم أن حقيقة الرضا هي: الزهد، كما روي عن الفضيل بن عياض أنه قال: {الزهد: الرضا عن الله} (8) .
وقد رأى بعض العلماء أن الرضا هو: غنى النفس.(5/365)
وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: {ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس} (1) ، وغنى النفس إنَّما ينشأ عن الرضا بقضاء الله، والتسليم لأمره، علماً بأن الذي عند الله خير وأبقى، فهو معرض عن الحرص، والطلب.
فالمتصف بغنى النفس يكون قانعاً بما رزقه الله، لايحرص على الازدياد لغير حاجة، ولايلح في الطلب، ولايلحف في السؤال، بل يرضى بما قسم الله له، فكأنه واحد أبداً (2) .
وهذا ما عناه النبي - (- عندما استعاذ من فتنة الغنى، وفتنة الفقر؛ لأنهما حالتان تخشى الفتنة فيهما، بالتسخط، وقلة الصبر، والوقوع في حرام، أو شبهة للحاجة، ويخاف من الأشر، والبطر، والبخل بحقوق المال، أو إنفاقه في إسراف، وفي باطل، أو في مفاخر ...
قال الخطابي: {إنَّما استعاذ - (- من الفقر الذي هو فقر النفس، لا قلة المال} (3) .
وقال القاضي عياض: {وقد تكون استعاذته من فقر المال، والمراد الفتنة في عدم احتماله، وقلة الرضا به ... } (4) .
وبعضهم يرى أن حقيقة الرضا: القناعة، أو أن القناعة أول الرضا (5) .
وروي عن أبي سليمان الداراني قوله: {إذا سلا العبد عن الشهوات فهو راض} (6) .
وعلى هذا إنَّما يمنع العبد من الرضا والقناعة طلب نفسه لفضول شهواتها، فإذا لم يحصل سخط، فإذا سلا عن شهوات نفسه، رضي بما قسم الله له من الرزق (7) .
وقال أعرابي في الرضى، والقناعة (8) ، وذم السؤال:
علام سؤال الناس والرزق واسع
وأنت صحيح لم تخنك الأصابع
وللعيش أوكار وفي الأرض مذهب
عريض وباب الرزق في الأرض واسع
فكن طالباً للرزق من رازق الغنى
وخل سؤال الناس فالله صانع (9)
وقال مسلم بن الوليد (10) :
أقول لمأفون البديهة طائر
مع الحرص لم يغنم ولم يتمول
سل الناس إني سائل الله وحده
وصائن عرضي عن فلان وعن فل (11)
وقال بعض العلماء نظماً:
تقنع بِمَا يكفيك واستعمل الرضا(5/366)
فإنك لاتدري أتصبح أم تمسي (1)
قال أبو ذؤيب الهذلي (2) :
والنفس راغبة إذا رغبتها
وإذا ترد إلى قليل تقنع (3)
وقال لبيد (4) :
فمنهم سعيد آخذ بنصيبه
ومنهم شقي بالمعيشة قانع (5)
قلتُ: ويُمكن أن تكون حقيقة الرضا، هي: لزوم ما جعل الله رضاه فيه، من الأحكام الشرعية، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، لاسيما إذا قام بواجبها، ومستحبها، وعمل ما أبيح له من غير تعد إلى المحظور، مع اليقين والصبر، وعدم طلب فضول الشهوات، والقناعة بما يقضيه الله له في عيشه، وما يحتاج إليه في حياته، وعدم حسد الخلق، أو مخاصمتهم، أو تمني ما في أيديهم، أو سخط ما آتاه الله، وإن كانت نفسه تكرهه طبعاً، وتظنه ليس خيراً، والتسليم بذلك، مع فعل الأسباب المأمور بها، وكراهة المعاصي، والابتعاد عنها، كما تدل عليه النصوص الكثيرة، منها قوله - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولائِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (6) .
وما في الصحيح عن أبي هريرة، عن النبي - (- قال: {إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مِمَّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته} (7) .
وستتضح حقيقة الرضا بالحديث عن أنواع الرضا بالقضاء وأنواع القضاء - إن شاء الله تعالى -.
الرضا مقام أم حال؟(5/367)
واختلف أهل التصوف في حقيقة الرضا هل هو مقام مكتسب، أم حال موهبي؟ إلى ثلاث فرق أو طرق هي:
1 - طائفة - أو فرقة - قالت: الرضى مقام مكتسب، هو نهاية التوكل، يُمكن أن يتوصل إليه العبد باكتسابه، وهؤلاء متصوفة خراسان، في القرن الثامن، ومن تبعهم عليه (1) .
واحتجت هذه الطائفة بأن الله مدح أهله، وأثنى عليهم، وندبهم إليه، فدل ذلك على أنه مقدور لهم (2) .
2 - طائفة - أو فرقة - قالت: الرضا حال من جملة الأحوال، وليس كسبياً للعبد، بل هو نازلة تحل بالقلب، كسائر الأحوال، أي أنه موهبة محضة (3) .
3 - وطائفة ثالثة؛ منهم القشيري - صاحب الرسالة القشيرية وغيره - قالوا: بداية الرضا مكتسبة للعبد، وهي من جملة المقامات، ونهايته من جملة الأحوال، وليست مكتسبة، فأوله مقام ونهايته حال (4) .
واعتبروا هذا جمعاً - أو حكماً - يُمكن الجمع به بين مذهب الطائفتين السابقتين.
قال ابن القيم - رحمه الله -: {فمما اختلفوا فيه: الرضا، هل هو حال أم مقام، فيه خلاف بين الخراسانيين والعراقيين، وحكم بينهم بعض الشيوخ فقال: إن حصلت بكسب فهو مقام، وإلاَّ فهو حال.
والصحيح في هذا: أن الواردات والمنازلات لها أسماء باعتبار أحوالها، فتكون لوامع، وبوارق، ولوائح عند أول ظهورها وبدُوّها، كما يلمع البارق، ويلوح عن بعد، فإذا نازَلَتْه، وباشرها فهي أحوال، فإذا تمكنت منه، وثبتت له من غير انتقال، فهي مقامات، وهي لوامع، ولوائح في أولها، وأحوال في أوسطها، ومقامات في نهاياتها} (5) .
فهو يرى - رحمه الله - أن الرضى كسبي باعتبار سببه، موهبي باعتبار حقيقته، فقال: {فيمكن أن يقال بالكسب لأسبابه، فإذا تمكن في أسبابه، وغرس شجرته: اجتنى منها ثمرة الرضى، فإن الرضى آخر التوكل} (6) .(5/368)
قلتُ: والفرق بين المقامات، والأحوال عند الصوفية: أن المقامات عندهم من المكاسب، أمَّا الأحوال فهي مجرد المواهب.
والصحيح: أن المقامات قد تحصل بفعل الأسباب من العبد، وقد تحصل من غير فعل العبد، وفي كلا الحالتين فالموجد لها هو الله - سبحانه وتعالى -، فمقام الرضا بالقضاء: مقام عظيم، وأصل من أصول الإيمان، ومن قواعد الدين، التي يطلب بها حظوظ الدنيا، وأمور الدين، وهي في أمور الدين أعظم، كالتوكل، والإنابة، والاستعانة، وغيرها (1) .
وقد يحصل على الرضا بسبب، وقد لايحصل عليه، فالسبب والمسبب من الله - تعالى -، ولذلك طلب الرسول - (-: الرضا بالقضاء: {وأسألك الرضا بعد القضاء} .
أمَّا الحال فهي التي يكون عليها العبد عند القضاء وهي قسمان:
1 - حال شرعية: وهي التصرف بما أمر الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه، ورسوله، فهذه الأحوال مواهب من الله، وكرامات للصالحين من هذه الأمة.
2 - حال غير شرعية: وهي السخط، والاعتراض، وعدم التسليم، وهي حال فاسدة لايتمثل صاحبها ما أمر الله به ورسوله، ولايتصرف بها في ذلك.
فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة، ولايدل إعطاؤهم، أو إمهالهم، على محبة الله لهم.
الصلة بين الرضا والتوكل
التوكل من مقامات المؤمنين لا انفكاك للمؤمن منه.
والرضا أعلى درجات التوكل، بل هو باب الله الأعظم، كما قيل، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين ونعيمهم، وحياة المخبتين، وقرة عيون المشتاقين} (2) .
فالرضا ثمرة التوكل، والتوكل نصف الإيمان، وهما من أعلى مقامات الإحسان التي هي أعلى المندوبات (3) .
وقد قيل: إن حقيقة التوكل: الرضا؛ لأنه لما كان ثمرته، وموجبه، استدل له عليه استدلالاً بالأثر على المؤثر، وبالمعلول على العلة، لا أن التوكل هو الرضا، أو الرضا التوكل (4) .(5/369)
وقد سئل أبو بكر الواسطي عن ماهية التوكل، قال: {الصبر على طوارق المحن، ثُمَّ التفويض، ثُمَّ التسليم، ثُمَّ الرضا، ثُمَّ الثقة} (1) .
قال الله - تعالى -: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَآءَاتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} (2) .
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: {فتضمنت هذه الآية الكريمة أدباً عظيماً، وسراً شريفاً، حيث جعل الرضا بما آتاه الله ورسوله، والتوكل على الله وحده، وهو قوله: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} ، وكذلك الرغبة إلى الله وحده، في التوفيق لطاعة الرسول - (- وامتثال أوامره، وترك زواجره، وتصديق أخباره، والاقتضاء بآثاره} (3) .
فعلى هذا لابد من فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه، في التوكل والرضا، ومن قال فيهما بترك الأسباب، والركون إلى مسبب الأسباب، فقد طعن في سنة الرسول - (- كما سيأتي - إن شاء الله - في فصل الرضا، وفعل الأسباب.
وقال ابن تيمية - رحمه الله -: {والرضا والتوكل يكتنفان المقدور، فالتوكل قبل وقوعه، والرضا بعد وقوعه} (4) .
فما يكون قبل القضاء إنَّما هو عزم على الرضا، وهو التوكل لا حقيقة الرضا، فهو بعد القضاء، فالعبد لابد أن يتوكل على الله، ويعزم على الرضا، فيما لو وقع ما لايحب، أو ما لايرى فيه فائدته في الظاهر، وإذا وقع المقدر، رضي به، على ما سيأتي في حكم الرضا بالقضاء - إن شاء الله -.(5/370)
ولهذا كان النبي - (- يقول في الصلاة ما روي عن الصحابي الجليل: عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: كان النبي - (- يقول في الصلاة: {اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، وأسألك القصد في الفقر، والغنى، وأسألك نعيماً لاينفد، وأسألك قرة عين لاتنقطع، اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك، من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين} (1) .
قال بعضهم في معنى قول النبي - (-: {أسألك الرضا بعد القضاء} قال: {لأن الرضى قبل القضاء عزم على الرضا، والرضى بعد القضاء هو الرضا} (2) .
وقال أبو سعيد الخراز (3) : {الرضا قبل القضاء تفويض، والرضا بعد القضاء تسليم} (4) .
وقيل: {ثلاثة من أعلام الرضا: ترك الاختيار قبل القضاء، وفقدان المرارة بعد القضاء، وهيجان الحب في حشو البلاء} (5) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: {ولهذا كان طائفة من المشائخ يعزمون على الرضا قبل وقوع البلاء، فإذا وقع انفسخت عزائمهم، كما يقع نحو ذلك في الصبر وغيره} (6) .
واستشهد بعدة آيات منها قول الله - تعالى -: {وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} (7)
وقال - تعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} (8) .(5/371)
وهذه الآية نزلت في أناس من المؤمنين، تمنوا معرفة أحب الأعمال، وأفضلها، ليعملوا بها، فلما أخبر الله نبيه بذلك قصروا في ذلك فعوتبوا (1) .
فالحاصل أن التوكل والتفويض يكون قبل وقوع المقدور، والرضا بعده، وهو الثمرة.
قال رسول الله - (- في دعاء الاستخارة: {اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر - ثُمَّ تسميه بعينه - خيراً لي في عاجل أمري وآجله، قال: أو في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي، ويسره لي ثُمَّ بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري، وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثُمَّ رضني به} (2) .
فهذه حاجته التي سألها متوكلاً عليه - سبحانه -، ولم يبق عليه إلاَّ الرضى بما يقضيه له، فقال: {اقدر لي الخير حيث كان، ثُمَّ رضني به} (3) .
فالرضا إنَّما يأتي بعد الاستعانة، والتوكل على الله؛ لأن اليقين بالقضاء الذي لم يقع ليس برضا، وإنَّما يكون بعد وقوع المقضي، أمَّا قبل وقوعه فاستعانة وتوكل فقط، فمن بلغ الرضا فلاشك أنه استعان بالله وتوكل عليه، ومن استعان بالله وتوكل عليه فقد بلغ الرضا.
الأمر بالرضا بالقضاء والحث عليه
حث الإسلام على الرضا بالقضاء والقدر، وأمر به في نصوص كثيرة، منها:
1 - قول الله - تعالى -: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسى أَن تَكْرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (4) .(5/372)
فهذه الآية تضمنت الحض على التزام أمر الله، وإن شق على النفوس، وعلى الرضا بقضائه، وإن كرهته النفوس، فهو - سبحانه - كما هو العليم في اختياره من يختاره من خلقه، وإضلاله من يضله منهم: العليم الحكيم بما في أمره، وشرعه من العواقب الحميدة، والغايات العظيمة.
فبين - سبحانه - أن ما أمرهم به يعلم ما فيه من المصلحة، والمنفعة لهم، التي اقتضت أن يختاره، ويأمرهم به، وهم قد يكرهونه، إمَّا لعدم العلم، وإمَّا لنفور الطبع، فهذا علمه بما في عواقب أمره مِمَّا لايعلمونه (1) .
2 - وقوله - عزّوجل -: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَآءَاتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَيُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (2) .
فما أصاب العبد من مصيبة في الأرض، من قحط، وجدب، وذهاب زرع، وغير ذلك، أو في الأنفس من الأمراض، والأوجاع، حتى خدش العود، ونكبة القدم، إلاَّ مقدر مقضي في اللوح المحفوظ، من قبل أن يخلقها الله، فلايحزن العبد على ما فاته، أو يفرح فرح مختال متكبر، ولكن لابد له من الرضا بما يصيبه من القضاء، إن خيراً، وإن غير ذلك (3) .
3 - ومنها قوله - سبحانه -: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ، اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (4) .(5/373)
أي: لم يصب أحداً من الخلق مصيبة إلاَّ بإذن الله، أي بقضائه، وتقديره، ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله، وقدره، يوفق الله قلبه بالاحتساب، والتسليم لأمره، والرضا بقضائه، وعوضه الله عما فاته من الدنيا: هدى في قلبه، ويقيناً صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيراً منه.
وروي عن ابن عباس: {يعني يهدي قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه} (1) .
وفي آخر هذه الآية الكريمة، الأمر بالتوكل، وأعلى درجات التوكل الرضا بالقضاء.
4 - ومنها ما في القرآن الكريم أنه - سبحانه - المعطي والذي يجعل المعطَى راضياً بما أعطاه، قال - سبحانه -: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} (2) أي: أعطى فأرضى (3) .
ومن السنة والأثر:
1 - قوله - (-: {ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً} (4) .
وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله - (- أنه قال: {من قال حين يسمع المؤذن أشهد ألا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه} (5) .
2 - ومنها: حديث الاستخارة السابق: {اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر - ثُمَّ تسميه بعينه - خيراً لي في عاجل أمري وآجله، قال: أو في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي، ويسره لي ثُمَّ بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري، وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثُمَّ رضني به} (6) .(5/374)
ففي هذا الحديث: بيان لحاجة العبد إلى فعل ما ينفعه في معاشه، ومعاده، وعلم ما فيه مصلحته، وتيسير الله له ما قدره له من الخير، فهو القادر - سبحانه وتعالى - على كل شيء، والعبد عاجز إن لم ييسر الله له ما فيه مصلحته، ولذلك أرشده النبي - (- إلى طلب فضله - سبحانه - وتيسيره، ثُمَّ إذا اختاره له بعلمه، وأعانه عليه بقدرته، ويسره له من فضله، فهو يحتاج إلى البقاء عليه، وثبوت هذا الفضل، ونموه، ثُمَّ إذا فعل ذلك كله فهو محتاج إلى أن يرضيه، فإنه قد يهيء له ما يكرهه فيظل ساخطاً والخيرة فيه.
3 - ومنها: ما أخرج مسلم عن أنس أن رسول الله - (- قال: (ولد لي الليلة غلام فسميته بأبي إبراهيم)) ، ثُمَّ دفعه إلى أم سيف، امرأة قين يقال له: أبو سيف، فانطلق يأتيه واتبعته. فانتهينا إلى أبي سيف، وهو ينفخ بكيره قد امتلأ البيت دخاناً، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله - (- فقلت: يا أبا سيف، أمسك، جاء رسول الله - (- فأمسك، فدعا النبي - (- بالصبي فضمه إليه، وقال: ماشاء الله أن يقول. قال أنس: لقد رأيته وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله - (- فدمعت عينا رسول الله - (- فقال: {تدمع العين، ويحزن القلب، ولانقول إلاَّ مايرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون} (1) .
4 - ومنها: ما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كنت خلف النبي - (- يوماً فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلاَّ بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلاَّ بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف} (2) .(5/375)
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله - (- لابن عباس (1) : {يا غلام، أو يا غليم، احفظ عني كلمات، لعل الله أن ينفعك بهن: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، احفظ الله في الرخاء يحفظك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فلو جهد الخلائق لم يعطوك شيئاً لم يقدره الله - عزّوجل - لك ما استطاعوا، أو يمنعوك شيئاً قدره الله لك، ما استطاعوا ذلك، اعمل باليقين مع الرضا، واعلم أن مع العسر يسراً، واعلم أن مع العسر يسراً} .
وفي معنى هذا الحديث ما روي عن الوليد بن عبادة، قال: دخلت على أبي، وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه أوصني، واجتهد لي، فقال: أجلسوني، فلما أجلسوه، قال: يا بني، إنك لن تجد طعم الإيمان، ولن تبلغ حقيقة العلم بالله - تبارك وتعالى - حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت: يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول الله - (- يقول: إن أول ما خلق الله القلم، ثُمَّ قال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النَّار} (2) .(5/376)
5 - ومنها: ما ورد في قصة إسماعيل وأمه وأبيه وزوجتيه: عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقاً لتعفي أثرها على سارة، ثُمَّ جاء بها إبراهيم، وبابنها إسماعيل، وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم، في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذٍ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جراباً (1) فيه تمر، وسقاء، فيه ماء، ثُمَّ قفى (2) إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مراراً، وجعل لايلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا، قال: نعم. قالت: إذن لايضيعنا. وفي الرواية الأخرى: قالت: رضيت بالله.
ثُمَّ رجعت فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثنية، حيث لايرونه، استقبل بوجه البيت، ثُمَّ دعا بهؤلاء الكلمات، ورفع يديه، فقال: {رَبَّنَآ إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} حتى بلغ {يَشْكُرُونَ} (3) ، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، أو قال: يتلبط (4) .
فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثُمَّ استقبلت الوادي، تنظر هل ترى أحداً، فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثُمَّ سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثُمَّ أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً، فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات.(5/377)
قال ابن عباس: قال النبي - (-: {فذلك سعي الناس بينهما، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه - تريد نفسها - ثُمَّ تسمعت فسمعت أيضاً فقالت، قد أسمعت إن كان عندك غواث (1) ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال: بجناحه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه (2) ، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعدما تغرف} .
قال ابن عباس: قال النبي - (-: {يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم - أو قال: لولم تغرف من الماء - لكانت زمزم عيناً معيناً. قال: فشربت، وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لاتخافوا الضيعة، فإن هاهنا بيت الله، يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لايضيع أهله، وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم (3) ، أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق كداء (4) ، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائراً عائفاً (5) ، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء؛ لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جرياً أو جريين (6) ، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا، قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ ، فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم} .
قال ابن عباس: قال النبي - (-: {فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام، وتعلم العربيَّة منهم، وأنفسهم، وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل، يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، ثُمَّ سألها عن عيشهم، وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق، وشدة، فشكت إليه (7) }(5/378)
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يغير عتبة (1) بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس (2) شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم. جاءنا شيخ، كذا وكذا، فسألنا عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء، قالت: نعم؛ أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك. قال ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ماشاء الله.
ثُمَّ أتاهم بعد، فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم وسألها عن عيشهم، وهيئتهم، فقالت: نحن بخير، وسعة، وأثنت على الله (3) ، فقال: ما طعامكم، قالت: اللحم، قال: فما شرابكم، قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء، قال النبي- (-: ولم يكن لهم يومئذٍ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه، قال: فهما لايخلو عليهما أحد بغير مكة إلاَّ لم يوافقاه، قال: فإذا جاء زوجك، فاقرئي عليه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل، قال: هل أتاكم من أحد، قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك، فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ ، قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك، ثُمَّ لبث عنهم ماشاء الله.(5/379)
ثُمَّ جاء بعد ذلك، وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد، والولد بالوالد، ثُمَّ قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، وأشار إلى أكمة (1) مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه، وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2) قال: فجعلا يبنيان، حتى يدروا حول البيت، وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} (3) .
6 - قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: {إذا قضى الله قضاء أحب أن يرضى بقضائه} (4) .
7 - وعن أبي العلاء مطرف بن عبد الله المشهور بابن الشخير - رضي الله عنه -، يرفعه إلى النبي - (- قال: {إذا أراد الله بعبده خيراً أرضاه بما قسم له، وبارك له فيه، وإذا لم يرد به خيراً لم يُرضه بما قسم له، ولم يبارك له فيه} (5) .
8 - وقال الشعبي: سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر، يرفعه إلى رسول الله - (- يقول: {إن موسى - عليه السلام - سأل ربه، فقال: أي رب، أي أهل الجَنَّة أدنى منزلة؟ قال: رجل يأتي بعدما يدخل أهل الجَنَّة، فيقال له: ادخل. فيقول: كيف أدخل وقد نزلوا منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ قال: فيقال له: أترضى أن يكون لك ما كان لملك من ملوك الدنيا؟ ، فيقول: نعم، أي رب، قد رضيت، فيقال له: فإن لك هذا وعشرة أمثاله، فيقول: رضيت أي رب، فيقال: فإنه لك مع هذا ما اشتهت نفسك ولذت عينك} (6) .(5/380)
9 - وعن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - (- يقول: {إن من التواضع الرضا بالدون من شرف المجالس} (1) .
10 - وروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: {إن من رأس التواضع أن ترضى بالدون من شرف المجلس، وأن تبدأ بالسلام من لقيت، وأن تكره من المدحة والسمعة والرياء بالبر} (2) .
11 - وروي أن عبد العزيز بن أبي رواد (3) قال: {كان يقال: من رأس التواضع الرضا بالدون من شرف المجالس} (4) .
12 - وجاء في كتب أهل الكتاب، في وصف أمة أحمد - (-: {علماء، حكماء، أبرار، أتقياء، كأنهم من الفقه أنبياء، يرضون من الله باليسير من الرزق، ويرضى الله منهم اليسير من العمل، يدخلهم الجَنَّة بشهادة أن لا إله إلاَّ الله} (5) .
والأدلة كثيرة:
منها: أدلة التوكل على الله من الكتاب والسنة؛ لأن الرضا ثمرة التوكل، وهو أعلى درجاته.
ومنها: أدلة الإيمان بالقضاء والقدر، ومراتبه فإن الإيمان الصادق بقضاء الله وقدره يثمر الرضا به.
ومنها: أدلة الشكر، التي منها قوله - تعالى -: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (6) ، فالشكر مقام أعلى من الرضا بالقضاء، فهو متضمن للرضا، والشكر ينتظم الرضا انتظاماً.
ومنها: أدلة الفرح بفضل الله، وبرحمته، مثل قوله - سبحانه -: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (7) ؛ لأن الفرح أعلى من الرضا، فالرضا داخل في الفرح.
ومنها: أدلة الزهد، والقناعة، وغيرها.
الرضا وفعل الأسباب
العبدُ دائرٌ بين مأمور بفعله، ومحظور بتركه، فوظيفته، أو عمله، أو ما يجب فعله: فعل المأمور، واجتناب المنهي، وهو بهذا يفعل الأسباب المأمور بها، ويترك المنهي عنها.(5/381)
ومن الأسباب التي لابد له من فعلها - أي هو مأمور بها -: ما يحفظ حياته من الطعام، والشراب، واللباس، والمسكن، وكذلك الأسباب الموجبة لبقاء نوع الإنسان من النكاح والتسري، وما يحافظ على عقله، وماله، وغير ذلك من ضرورات الحياة، بل وكل الأمور التي تحافظ على عقله ودينه.
وتعطيل شيء مِمَّا أمر الله به، أو الوقوع فيما نهى الله عنه، يفسد حياته، وآخرته.
ولايكون فعل الأسباب مانعاً من الرضا، بل هي من الرضا بقضاء الله وقدره، ولايتحقق الرضا بالقضاء إلاَّ بفعل الأسباب المأمور بها.
{إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (1) .
وقال - سبحانه -: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيْمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2) .(5/382)
وغيرهما من الآيات الكثيرة، التي تدل على أن فعل الأسباب من الإيمان، والعمل الصالح، بكل أنواعه، وأشكاله، وكيفياته، ومنه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والحب في الله، والبغض فيه وله، والجهاد في سبيل الله، وابتغاء الرزق الحلال من غير جشع، أو طمع، يوقع فيما يغضب الله، أو يخالف أمره، وشرعه، والإنفاق في وجوه الخير، وغير ذلك من العبادات: الواجبات والمسنونات والمستحبات.
وكما قيل: {من أراد أن يبلغ محل الرضا فليلزم ما جعل الله رضاه فيه} (1) .
ومن قال، أو ظن، أو فهم، أن الرضا ترك التدبير، أو ترك الأسباب، فقد طعن في الشريعة التي جاء بها محمد - (-، وأن الله - عزّوجل - يقول: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا} (2) والغنيمة: اكتساب.
وقال تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاق وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (3) فهذا عمل.
وكان أصحاب رسول الله - (- أحرص ما يكون على العمل، ولما قال النبي - (-: {ما منكم من أحد، وما من نفس منفوسة: إلاَّ كتب مكانها من الجَنَّة والنار، وإلاَّ كتبت شقية، أو سعيدة، قال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، وقرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (4) } (5) .(5/383)
فالرضا والتسليم لله، والإيقان بأن قضاء الله وقدره ماض، واتباع سنة الرسول - (- في السعي فيما لابد منه من الأسباب، من مطعم ومشرب، وتحرز من عدو، وإعداد الأسلحة، واستعمال ما تقتضيه سنة الله - تعالى - المعتادة: هو الحق والصواب، والخير والفلاح للعبد في ذلك، والدعاء وطلب الدواء من فعل الأسباب، التي يستحب عملها، وذلك لاينافي الرضا، أو الاتصاف بالصبر المحمود.
شبهة ورد:
الإلحاح في الدعاء، أو المبالغة فيه: يقدح في الرضا.
والجواب: إذا كان يلح في الدعاء للحصول على أغراضه، وحظوظه العاجلة الفانية الدنيوية، مثل المال والجاه، من غير سكون القلب بما قسم الله، وغير ذلك، فإن ذلك يقدح في الرضا (1) .
وأمَّا إذا ألَحّ على الله في سؤاله بما فيه رضاه والقرب منه، فإن ذلك لايقدح في مقام الرضا أصلاً، بل هو من الرضا بالقضاء الشرعي الديني؛ لأن الله قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) ، وقال - سبحانه -: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (3) ، وقال: {وَلِلَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (4) ، وقال عزّ وجل: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (5) ، والآيات في هذا كثيرة.(5/384)
وفي الحديث: {لما كان يوم بدر قال: نظر النبي - (- إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي - (- القبلة، ثُمَّ مد يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثُمَّ قال: ((اللهم أين ما وعدتني، اللهم أنجز ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلاتعبد في الأرض أبداً، قال: فما زال يستغيث ربه - عزّوجل - ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر - رضي الله عنه - فأخذ رداءه، ثُمَّ التزمه من ورائه، ثُمَّ قال: يا نبي الله: كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. وأنزل الله - عزّوجل -: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (1) } الحديث (2) .
وكذلك الحديث السابق: { ... فاقدر لي الخير كله، ثُمَّ رضني به} ، وعند الترمذي وغيره: {من لايسأل الله يغضب عليه} (3) ، فإذا كان سؤال الله يرضيه، لم يكن الإلحاح فيه منافياً لرضاه (4) .
أمَّا سؤال العباد، والغضب للنفس، فإن ذلك يطفيء الرضا، ويذهب بهجته، وتبدل حلاوته مرارة، ويتكدر صفوه (5)
ومن قال من الصوفية: إن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم.
فالجواب عليه: إن الطلب من الله ليس ممنوعاً، بل هو عبادة من أجل العبادات أمر الله بها كما قال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (6) .
وقال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (7) .(5/385)
والاشتغال بالذكر والدعاء استغناء بما يقسمه الله للعبد ويقدره له، ويفعله به، وهو أفضل من السؤال، ويعطى الذاكر أفضل مما يعطاه السائل، كما في الحديث: {من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل مِمَّا أعطي السائلين} (1) .
وذلك أن السائلين سألوه، فأعطاهم الفضل الذي سألوه، أمَّا الراضون فرضوا عنه، فأعطاهم رضاه عنهم، وهذا ليس معناه أن نمنع العبد سؤال أسباب الرضى، بل إن أصحابه ملحون في سؤال الله ذلك (2) .
منزلة الرضا وفضله
بلوغ مقام الرضا لايكون بالتحلي ولا بالتمني، كما ورد في الأثر عن الإيمان: {ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل} (3) .
وليس بالادعاء والكبرياء، كما في قصة قارون لما وعظه قومه بشأن ماله، فقال لهم: إنَّما أوتيت هذه الكنوز على فضل علم عندي، علمه الله مني، فرضي بذلك عني، وفضلني بهذا المال عليكم، لعلمه بفضلي عليكم، فأنزل الله - تعالى - في ذلك: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} إلى قوله: {قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلاَ يُسْئلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} (4) .
وفي تفسير الطبري في قوله: {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} قال: {لولا رضا الله عني، ومعرفته بفضلي، ما أعطاني هذا} (5) .(5/386)
فليس المال وكثرته وحده هو الذي يبلغ به العبد درجة الرضا، فكم مع قارون؟ وكم ملك قارون؟ وما أغنى عنه شيئاً، وما رضي عن الله، ولا بقضائه، لقد تمنى من تمنى ممن رأى قارون في زينته، وماله، وجبروته، أن يحصلوا على ما حصل عليه، فقالوا: {يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (1) .
وظنوا أنه بلغ مقام الرضا، ولكن الله أخبر أن المال ليس بدليل على رضا الله عن صاحبه، فإن الله يعطي ويمنع، ويضيق ويوسع، ويخفض ويرفع، وله الحكمة التامة - سبحانه -، والحجة البالغة.
ولهذا لما أدرك المتمنون ما حصل لقارون، وأنه بعيد كل البعد عن رضا الله أولاً، والرضا بما أعطاه قالوا: {لَوْلاَ أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) ، فلولا لطف الله بنا، وإحسانه إلينا لخسف بنا كما خسف به (3) .
والرضا حال من أحوال أهل الجَنَّة، لايفارق صاحبه المتحلي به في الدنيا، مادام مع أمر الله راضياً بقضائه في الدنيا، وفي الآخرة، كما في الآيات والأحاديث السابقة (4) .
فالرضا بالقضاء من تمام الإيمان بالقضاء والقدر (5) .
والرضا غاية يسعى لها المؤمن الصادق، كما في حديث الاستخارة السابق: { ... واقدر لي الخير حيث كان ثُمَّ رضني به} .
ولهذا كان النبي - (- يدعو في صلاته أن يعطيه الله الرضا بعد القضاء، كما في حديث عمار ابن ياسر - رضي الله عنه - السابق: {وأسألك الرضا بعد القضاء} .
والرضا بالقضاء له منزلة عظيمة عند الله - تعالى -، ولذلك فإن ثوابه عظيم أيضاً، كما في الحديث، الذي أخرجه الترمذي وغيره عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: {وإن الله - تعالى - إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط} (6) .(5/387)
فهو من منازل الشهداء، كما في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء ناس إلى النبي - (- فقالوا: أن ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار يقال لهم: القراء، فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن، ويتدارسونه بالليل، يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء، فيضعونه بالمسجد، ويحتطبون؛ فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة (1) ، وللفقراء، فبعثهم النبي - (- إليهم، فعرضوا لهم، فقتلوهم؛ قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا، أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا، قال: وأتى رجل حراماً، خال أنس، من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة! فقال رسول الله - (- لأصحابه: {إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا} (2) .
وهو من سعادة المؤمن في الدنيا والآخرة، كما في حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: {من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له} (3) .
وقيل: إن الله جعل الروح والفرح في الرضا بقضاء الله - تعالى - كما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - (- قال: {لاترضين أحداً بسخط الله، ولاتحمدن أحداً على فضل الله، ولاتذمن أحداً على ما لم يرد الله، فإن رزق الله لايسوقه إليك حرص حريص، ولايرده عنك كراهة كاره، وإن الله بقسطه وعدله جعل الروح والراحة والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في السخط} (4) .
و {الرضا من مقامات الإحسان التي هي من أعلى المندوبات} (5) .
ومرتبة الإحسان هي أعلى مراتب الدين، كما في حديث جبريل - عليه السلام - المشهور (6) .(5/388)
وروي أن أبا الدرداء قال: {ذروة الإيمان أربع خلال: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب} (1) .
ومقام الرضا أعلى من مقام الصبر.
قال ابن القيم - رحمه الله -: {فمقامات الإيمان لاتعدم بالتنقل فيها، بل تندرج وينطوي الأدنى في الأعلى، كما يندرج الإيمان في الإحسان، وكما يندرج الصبر في مقامات الرضا، لا أن الصبر يزول، ويندرج الرضا في التفويض، ويندرج الخوف والرجاء في الحب، لا أنهما يزولان} (2) .
ثُمَّ إن الرضا من المقامات التي توصل الطمأنينة؛ لأنها مقام جامع للإنابة والتوكل والرضا والتسليم، فهي معنى ملتئم من هذه الأمور إذا اجتمعت صار صاحبها صاحب طمأنينة، وما نقص من هذه الأمور نقص من الطمأنينة (3) .
وكم يتمنى العبد الحصول على الطمأنينة فالرضا من الأمور التي تسبب في وصول العبد إليها، فهو باب الله الأعظم (4) .
قال ابن القيم - رحمه الله -: {ولذلك كان الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبين، ونعيم العابدين، وقرة عيون المشتاقين} (5) .
وقال ابن تيمية - رحمه الله -: {وإن ارتقى إلى الرضا رأى أن الرضا جنة الدنيا، ومستراح العابدين وباب الله الأعظم} (6) .
وقال الفضيل بن عياض: {الرضا عن الله درجة المقربين ليس بينهم وبين الله - تعالى - إلاَّ روح وريحان} (7) .
ومن الكلام الحسن في فضل الرضا، وبيان منزلته، ما روي عن الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: {أمَّا بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلاَّ فالصبر} (8) .
وما روي عن الفضيل بن عياض - رحمه الله -: {الرضا أفضل من الزهد في الدنيا؛ لأن الراضي لايتمنى فوق منزلته} (9) .(5/389)
وسئل أبو سهل محمد بن سليمان (1) عن الشكر والصبر أيهما أفضل، فقال: {هما في محل الاستواء فالشكر مطية السراء، والصبر فريضة الضراء، قال: وقيل: الصبر أسنى الأمرين؛ لأن الشكر استجلاب واستدعاء، والصبر استكفاء وارتضاء، وموضع الرضا يفضل موضع الدعاء ... } (2) .
وروي عن مجاهد عن ابن عباس: {أوحى الله إلى موسى - عليه السلام - إنك لم تتقرب إليّ بشيء أحب من الرضا بقضائي} (3) .
وقال الذهبي - رحمه الله - في كتاب الكبائر: {أجمع سبعون رجلاً من التابعين، وأئمة المسلمين، والسلف، وفقهاء الأمصار، على أن السنة التي توفي عليها رسول الله - (- أولها: الرضا بقضاء الله وقدره، والتسليم لأمره، والصبر تحت حكمه، والأخذ بما أمر الله به، والنهي عما نهى الله عنه، وإخلاص العمل لله، والإيمان بالقدر، خيره وشره، وترك المراء، والجدال، والخصومات في الدين ... } (4) اهـ.
ومِمَّا قيل في فضل الرضا بالقضاء:
وما لي من عبد ولا من وليدة
وإني لفي فضل من الله واسع
بنعمة ربي ما أريد معيشة
سوى قصد حال من معيشة قانع
ومن يجعل الرحمن في قلبه الرضا
يعش في غنى من طيّب العيش واسع
إذا كان ديني ليس فيه غميزة
ولم أشْرِه في بعض تلك المطامع
ولم أبتع الدنيا بدين أبيعه
وبائع دين الله من شر بائع
ولم تشتملني مرديات من الهوى
ولم أتخشع لامرئ ذي بضائع
جموع لشر المال من غير حله
ضنين بقول الحق للزور راتع (5)
ومن الشعر أيضاً:
ولاتجزعي يا نفس من نازل جرى
بتقدير خلاق إله البرية
فإن الرضا والصبر في كل محنة
لمن أخلاق أصحاب النفوس الرضية (6)
أنواع القضاء وحكم الرضا به
القضاء ثلاثة أنواع:
1 - القضاء الديني.
2 - القضاء الكوني.
3 - القضاء الذي هو وصف الله تعالى.(5/390)
وهذا النوع الثالث الذي هو وصف الله سبحانه ونفس فعله كعلمه وكتابه وتقديره ومشيئته وإرادته، فالرضا به من تمام الرضا بالله رباً وإلهاً ومالكاً ومدبراً (1) .
ولا سبيل إلى إدراك كيفية الربوبية - الصفات - بالعقول.
فلابد في ذلك من الرضا والتسليم، والإيمان والتصديق، من غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (2) ، وكما قال الإمام مالك بن أنس - رحمه الله تعالى - وشيخه ربيعة، ومن قبلهما، ومن بعدهما من السلف الصالح - رحمهم الله -: {الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة} (3) .
فالعباد لايدركون، ولايعرفون كيفية صفاته - سبحانه وتعالى -.
ومن صفاته أيضاً: الرضا، والرضا صفة الرب - سبحانه وتعالى - على ما يليق به، كما يدل عليها قوله - تعالى -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} (4) ، وغيرها من الآيات، والأحاديث التي أثبت فيها - سبحانه وتعالى - لنفسه هذه الصفة، وأثبتها له رسوله (، وقد أفردت هذه الصفة {صفة الرضا} في بحث مستقل سميته: {صفة الرضا بين الإثبات والتعطيل، وأثر الإيمان بها في حياة المسلم} .
فالقضاء الذي هو الحكم، أو القدر، أو المقضي، هو إمَّا ديني، أو كوني، كما سبق، وسيكون الحديث هنا عن هذين النوعين:
أولاً: القضاء الديني:
وهو الشرعي، أو ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
فما شرعه الله لعباده، وأمرهم به، ونهاهم عنه في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله محمد - (- هو ما قضاه الله، وأمر به شرعاً، وكذلك ما نهى عنه، في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله - (-.
وما أمر به - سبحانه - أو قضاه هو المذكور في حديث شعب الإيمان {فأفضلها قول: لا إله إلاَّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان} (5) .(5/391)
قال الله - تعالى -: {وَمَآءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) ، وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} (2) .
وهذا القضاء هو المذكور في قول الله - تعالى -: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَآءَاتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَي اللَّهِ رَاغِبُونَ} (3) .
قال ابن تيمية - رحمه الله - عن هذه الآية: {وذكر الرسول هنا يبين أن الإيتاء هو الإيتاء الديني الشرعي لا الكوني القدري} (4) .
وفي الحديث الصحيح السابق عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - (- يقول: {ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً} .
وفي صحيح مسلم - أيضاً - عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عن رسول الله - (- أنه قال: {من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه} .
ومدار رحى الإسلام على هذين الحديثين الذي معناهما: أن يرضى العبد بعبادة ربه وحده، وأن يسخط عبادة غيره، والعبادة هي الحب مع الذل.
فكل من ذل الإنسان له - غير الله -، وأطاعه، مع حبه له، وحبه لأمره فقد عبده، وهذا شرك أكبر، لايطهره إلاَّ الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً.
وهذه الأمور الثلاثة المذكورة في الحديثين هي أركان التوحيد: ألا يتخذ سواه رباً، ولا إلهاً، ولا غيره حكماً.
قال الله - تعالى -: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} (5) .
وقال - سبحانه -: {أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} (6) يعني معبوداً، وناصراً، ومعيناً، وملجأ، وهو ما يتضمن الحب والطاعة.(5/392)
وقال - عزّوجل -: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} (1) .
ولو تأملت الآيات الثلاث لرأيتها نفس الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً.
فحقيقة الرضا بالله رباً ... أن يترك ويسخط عبادة ما دون الله من الآلهة الباطلة، ويعبد الله وحده حباً، وخوفاً، ورجاء، وتعظيماً، وإجلالاً.
فجميع أقوال اللسان وأعماله، وأقوال القلب وأعماله، تنبني على توحيد الله - عزّوجل - وعبادته، وسخط عبادة ما سواه.
فهو المحبوب وأمره المحبوب، وبهذا يجد العبد حلاوة الإيمان، كما قال رسول الله - (-: {ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مِمَّا سواهما، وأن يحب المرء لايحبه إلاَّ لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار} (2) .
لكن كثير من الناس يرضي بالله رباً، ولايبغي رباً سواه، لكنه لايرضى به وحده ولياً وناصراً، بل يوالي من دونه أولياء طناً منه أنهم يقربونه إلى الله، وأن موالاتهم كموالاة خواص الملك، وهذا عين الشرك، بل التوحيد: أن لايتخذ من دونه أولياء، والقرآن مملوء من وصف المشركين بأنهم اتخذوا من دونه أولياء.
وهذا غير موالاة أنبيائه ورسله، وعباده المؤمنين فيه، فإن هذا من تمام الإيمان ومن تمام موالاته.
فموالاة أوليائه لون واتخاذ الولي من دونه لون، ومن لم يفهم الفرقان بينهما فليطلب التوحيد من أساسه؛ لأن هذه المسألة أصل التوحيد وأساسه.
وكثير من الناس يبتغي غيره حكماً، يتحاكم إليه، ويخاصم إليه، ويرضى بحكمه.
وفي المنهيات وتركها الخير كل الخير للمؤمن، فإذا نهى عن شيء، ولو رأى أنه بحاجته، أو يحبه، أو غير ذلك، فإنه إن تركه تنفيذاً لنهى الله عنه، أو نهي رسوله، عوضه الله خيراً، كما في الحديث: {إنك لن تدع شيئاً اتقاء لله إلاَّ أعطاك الله خيراً منه} (3) .(5/393)
وقال سفيان - رحمه الله -: {إنه بلغني أنه ليس أحد يدع من الدنيا شيئاً لله إلاَّ عوضه الله خيراً من ذلك} (1) .
فعلى المؤمن أن يرضى بطاعة الله عن معصيته، وأن يترك المعصية لله - تعالى - يكتب له الأجر، ويرضى الله عنه، فيكون له الرضى.
وقد روي عن أبي سليمان الداراني المتصوف: {إذا سلا العبد عن الشهوات فهو راض} (2) .
قال ابن تيمية - رحمه الله - معلقاً على هذا القول: {وذلك أن العبد إنَّما يمنعه من الرضا والقناعة طلب نفسه لفضول شهواتها، ... ، فإذا سلا عن شهوات نفسه رضي بما قسم الله له من الرزق} (3) .
وهذا معناه الطمأنينة إلى أحكام الله، وأوامره، والانتهاء عما نهى الله عنه.
وقد ذم الله تارك الرضا بما أمر به، وفاعل ما نهى عنه في نصوص كثيرة منها:
قوله - تعالى -: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (4) .
وقوله - سبحانه -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَآ أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} (5) .
وقوله - عزّوجل -: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ} (6) .
ومن الناس من يبعد عن الأمر الشرعي، ويسترسل حتى ينسلخ من الإسلام بالكلية، ويبقى واقفاً مع هواه والقدر.
ومن هؤلاء من يموت كافراً، ومنهم من يتوب فيتوب الله عليه، ومنهم من يموت فاسقاً، ومنهم من يتوب فيتوب الله عليه.
وهؤلاء ينظرون إلى الحقيقة القدرية، معرضين عن الأمر الشرعي.(5/394)
ولابد لهم مع ذلك من اتباع أمر ونهي غير الأمر الشرعي، إمَّا من أنفسهم، وإمَّا من غير الله ورسوله، إذ الاسترسال مع القدر مطلقاً ممتنع لذاته؛ لأن العبد مفطور على محبة أشياء، وبغض أشياء، وإن من يتولى عن الرضا بما جاء به محمد - (- فإن العقوبة ووقوع المصائب على المتولي غير بعيدة في عاجل الدنيا، فترك الرضا بأمر الله، وأمر رسوله، سبب وقوع المصائب، والعقوبات العاجلة والآجلة، كما قال الله في شأن اليهود: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (1) .
قال ابن جرير في تأويل هذه الآية: {فاعلم أنهم لم يتولوا عن الرضا بحكمك، وقد قضيت بالحق إلاَّ من أجل أن الله يريد أن يتعجل عقوبتهم في عاجل الدنيا، ببعض ما قد سلف من ذنوبهم} (2) .
حكم الرضا بالقضاء الشرعي الديني:
الرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب من لوازم الإسلام (3) ، بل إنه أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان.
فيجب على العبد أن يكون راضياً به بلا حرج، ولا منازعة، ولا معارضة، ولا اعتراض، يدل على ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (4) .
فقد جاء القسم في هذه الآية مؤكداً أنهم لايؤمنون حتى يحكموا رسول الله في كل شيء، وحتى يرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه - (- وحتى يسلموا لحكمه تسليماً ما بعده منازعة، ولا معارضة، ولا اعتراض، وهذا حقيقة الرضى بحكمه - ((5) -.(5/395)
قال ابن القيم - رحمه الله -: {فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان} (1) .
فعلى الناس أن يرضوا بما أمر الله به، فليس لأحد أن يسخط ما أمر الله به، كما في الآية الكريمة (2) ، وكما في الحديث: {وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب} (3) انقلبت النفوس الأمارة بالسوء إلى نفوس لوامة على المعاصي، ثُمَّ إلى نفوس راضية، وادعة، تتلقى أحكام ربها بصدور واسعة منشرحة، وهذا هو الرضا بالقضاء الديني المحبوب لله - عزّوجل - ولرسوله - (-.(5/396)
ولما نزلت على رسول الله - (- {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله - (- فأتوا رسول الله - (- ثُمَّ بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية، ولانطيقها، قال رسول الله - (-: {أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا، وعصينا، بل قولوا: سمعنا، وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير} ، قالوا: سمعنا، وأطعنا، غفرانك ربنا، وإليك المصير، فلما اقترأها القوم، ذلت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها {ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (2) ، فلما فعلوا ذلك نسخها الله - تعالى - فأنزل الله - عزّوجل - {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: نعم. {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} قال: نعم. {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: نعم. {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (3) قال: نعم} (4) .(5/397)
قال ابن القيم - رحمه الله - في حكم الرضا بالقضاء الشرعي، أو الديني: { ... حكم شرعي ديني، فهذا حقه أن يتلقى بالمسالمة والتسليم، وترك المنازعة، بل بالانقياد المحض، وهذا تسليم العبودية المحضة، فلايعارض بذوق، ولا وجد، ولا سياسة، ولا قياس، ولا تقليد، ولا يرى إلى خلافه سبيلاً البتة، وإنَّما هو الانقياد المحض، والتسليم، والإذعان، والقبول، فإذا تلقى بهذا التسليم، والمسالمة، إقراراً، وتصديقاً بقي هناك انقياد آخر، وتسليم آخر، له إرادة وتنفيذاً وعملاً، فلاتكون له شهوة تنازع مراد الله من تنفيذ حكمه، كما لم تكن له شبهة تعارض إيمانه وإقراره، وهذا حقيقة القلب السليم، الذي سلم من شبهة تعارض الحق، وشهوة تعارض الأمر، فلا استمتع بخلاقه، كما استمتع به الذين يتبعون الشهوات، ولا خاض في الباطل خوض الذين يتبعون الشبهات، بل اندرج خلاقه تحت الأمر، واضمحل خوضه في معرفته بالحق، فاطمأن إلى الله، معرفة به، ومحبة له، وعلماً بأمر، وإرادة لمرضاته، فهذا حق الحكم الديني} (1) .
{ولم ينازع العلماء أن الرضا بما أمر الله به ورسوله واجب، محبب، لايجوز كراهة ذلك وسخطه، وأن محبة ذلك واجبة، بحيث يبغض ما أبغضه الله، ويسخط ما سخطه الله من المحظور، ويحب ما أحبه، ويرضى ما رضيه لله من المأمور} ، كما قال الله - تعالى -: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَآءَاتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَي اللَّهِ رَاغِبُونَ} (2) .
ثانياً: القضاء الكوني القدري:(5/398)
والمراد به ما لايتعلق بالأمر والنهي، فهو القدر، أو المراد كوناً وقدراً، فما شاء الله قدراً من غير اشتراط محبته إياه، أو الرضا به، يدخل في الكوني، فيدخل فيه الإيمان والكفر والطاعة والمعصية، والمحبوب والمكروه، فكل ما يقع بمشيئته الشاملة لجميع الحوادث يدخل في الكوني القدري، وهذا ما يعبر عنه المسلمون بقولهم: {ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن} (1) .
ومن ذلك قول ابن تيمية - رحمه الله -:
فما شاء مولانا الإله فإنه ... يكون، وما لا لايكون بحيلة (2)
فما يكون بفعل الله قدراً، أو من فعل المخلوق بخلق الله وإرادته الكونية القدرية، فهو كوني قدري.
ولابد فيه من تحقق مراد الله - تعالى -، فما أراد الله كوناً وقع، فلا راد لهذا القضاء أبداً، قال الله - تعالى -: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (3) ، فما يكون من غنى أو فقر، أو راحة أو تعب، أو عافية أو سقم، أو حياة أو موت، أو إيمان أو كفر، فهو بقضاء الله وقدره الكوني.
وعلمُ ذلك قبل وقوعه وبعد وقوعه عند الله - تعالى - ومكتوب في اللوح المحفوظ، ومقدر: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ، وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعْمَلُونَ} (4) .(5/399)
فإذا وقع المقدر المعلوم، فهو بمشيئة الله وقدره، وإرادته: {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} (1) ، {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2) يخلق ما يخلقه بغير سبب معلوم لنا، أو بسبب معلوم لنا، فهو القادر - سبحانه - على أن يقول للشيء كن فيكون {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (3) .
والقضاء الكوني القدري على ثلاثة أقسام:
الأول: قسم موافق لمحبة العبد وإرادته، ورضاه، من صحة، وغنى، وعافية، ولذة.
فهذا أمر لازم بمقتضى الطبيعة، لأنه ملائم للعبد، محبوب له، فليس في الرضا به عبودية، لكن العبودية فيه مقابلته بالشكر، والاعتراف بالمنة، ووضع النعمة في المواضع التي يحب الله - تعالى - أن توضع فيها، وأن لايعصي العبد بها المنعم - سبحانه وتعالى (4) -.
فيجب الرضا بذلك، ويجب شكرها؛ لأن الرضا بالنعم من تمام شكرها وبركتها، كما قال الله - تعالى -: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (5) .
الثاني: ماجاء على خلاف مراد العبد ومحبته، مِمَّا لايلائمه، ولايدخل تحت اختياره.
وذلك مثل المرض، والفقر، وأذى الخلق، والحر والبرد، والآلام، ونحو ذلك من المصائب التي تصيب العبد المؤمن.
فالمؤمن من أكثر الناس بلاء، ولكنه أعظمهم قدراً، والمصائب ابتلاء، واختبار للعبد، أيرضى أم يسخط، ويبتلى المؤمن على قدر إيمانه.
وقد ورد في الحديث الصحيح: {من يرد الله به خيراً يصب منه} (6) .
فمن يثبت مع المصائب، ويصبر، ويحتسب، ويرضى بقضاء الله - تعالى - وقدره، يبلغ المنى، وتكفر خطاياه، كما في الصحيح: {ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلاَّ رفعه الله بها درجة، وحط بها عنه خطيئة} (7) .
وفي الحديث أيضاً: {ما ضرب من مؤمن عرق إلاَّ حط الله عنه به خطيئة، وكتب له به حسنة، ورفع له به درجة} (8)(5/400)
وفي صحيح مسلم: {ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلاَّ حط الله به سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها} (1)
وفي جامع الترمذي كما سبق: {إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط} .
وورد عن عمرو بن قيس في تفسير قول الله - تعالى -: {فَصَبْرٌ جَمِيْلٌ} (2) قال: {الرضا بالمصيبة والتسليم} (3)
والرضا هو بحسب معرفة العبد بعدل الله، وحكمته، ورحمته، وحسن اختياره، فكلما كان بذلك أعرف كان به أرضى.
فقضاء الله - سبحانه - في عبده دائر بين العدل والمصلحة، والحكمة والرحمة، لايخرج عن ذلك البتة، كما قال رسول الهدى - (- في الدعاء المشهور عن ابن مسعود: {اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، ما قالها أحد قط إلاَّ أذهب الله همه وغمه، وأبدله مكانه فرجاً} قالوا: أفلا نتعلمهن يا رسول الله؟ قال: {بلى ينبغي لمن يسمعهن أن يتعلمهن} (4) .
فقوله - (-: {عدل فيّ قضاؤك} يتناول كل قضاء يقضيه الله على عبده، من عقوبة، أو ألم، وسبب ذلك فهو - سبحانه - الذي لايقضي للمؤمن قضاء إلاَّ كان خيراً له، {وليس ذلك إلاَّ للمؤمن} ، كما في الحديث: {عجبت للمؤمن، لايقضي الله له شيئاً إلاَّ كان خيراً له} (5) .
وعن صهيب قال: قال رسول الله - (-: {عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلاَّ للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له} (6) .(5/401)
فيدخل في ذلك الذنب بشرطه، وهو ما يترتب عليه من الآثار المحبوبة لله، من التوبة، والانكسار، والندم، والخضوع، والذل، والبكاء، وغير ذلك.
وأجر المصائب إنَّما هو على الصبر والرضا بالقضاء، لا على المصيبة: الصبر والرضا عظم التكفير والأجر، أمَّا المصيبة فقد تكون تارة كفارة لذنب يوازيها، أو دفعاً لمصيبة أعظم منها (1) ، كما في الآحاديث الآنفة الذكر، وغيرها.
وعلى هذا فالمصائب رحمة، ونعمة في حق عموم الخلق، إلاَّ أن يدخل صاحبها بسببها في معاص أعظم مِمَّا كان قبل ذلك، فتكون شراً عليه من جهة ما أصابه في دينه، فهذا تكون العافية من المصائب خير له من جهة ما أورثته المصيبة، لا من جهة المصيبة، كما أن من أوجبت له المصيبة صبراً وطاعة كانت في حقه نعمة دينية، فهي بعينها فعل الرب - عزّوجل -، رحمة للخلق، والله - سبحانه - محمود عليها (2) .
أمَّا الجزع من القضاء، أو النياحة (3) ، أو الحلق (4) ، أو الشق (5) ، أو الصلق (6) ، فإن هذا يشعر بعدم الرضا بالقضاء، ومناف له، وترك للصبر على المصائب (7) ، كما سيأتي - إن شاء الله -.
ويجوز التألم من الأمراض، والأوجاع، والإخبار بما يجده الإنسان من ذلك، كالإخبار بما يجده من الجوع والفقر، من غير ضجر، أو جزع، أو سخط من ذلك كله، بل للتسلية والتصبر (8) ، قال الله - تعالى - في حال موسى - عليه السلام -: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} (9) أي: تعباً (10) .(5/402)
وقد خرج النبي - (- ذات ليلة فإذا هو بأبي بكر، وعمر، فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا فقاموا معه فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت: مرحباً وأهلاً، فقال لها رسول الله - (-: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله - (- وصاحبيه، ثُمَّ قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني، قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية فقال له: رسول الله - (-: إياك والحلوب، فذبح لهم فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا، قال رسول الله - (- لأبي بكر وعمر: {والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثُمَّ لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم} (1) .
وقال الله عنه يعقوب - عليه السلام -: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (2) .
وقال الله - تعالى - عن أيوب - عليه السلام -: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ... } (3) .
فالتألم والشكوى إلى الله، لاينافيان الرضا بالقضاء، فهما زيادة عبادة لله - تعالى -، إذا لم يصاحبهما تسخط على المقدور، ثُمَّ إن الألم لايقدر أحد على رفعه إلاَّ الله، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك، فلايستطاع تغييرها عما جبلت عليه (4) .
وفي صحيح البخاري (5) أن عائشة قالت: وا رأساه ... فقال النبي - (-: ((بل أنا وا رأساه)) .(5/403)
قال ابن القيم - رحمه الله -: {وقد أشكل على بعض الناس اجتماع الرضا مع التألم، وظن أنهما متباينان، وليس كما ظنه، فالمريض الشارب للدواء الكريه متألم به، راض به، والصائم في شهر رمضان في شدة الحر متألم بصومه، راض به ... فالتألم كما لاينافي الصبر لاينافي الرضا به. وهذا الخلاف بينهم إنَّما هو في الرضا بقضائه الكوني، وأمَّا الرضا به رباً، وإلهاً، والرضا بأمره الديني؛ فمتفق على فرضيته، بل لايصير العبد مسلماً إلاَّ بهذا الرضا، أن يرضى بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً} (1) .
فإخبار المريض بشدة مرضه، وقوة ألمه جائز، إذا لم يقترن بذلك شيء مِمَّا يمنع، أو يكره، من التبرم، وعدم الرضا، وهذا أثناء المرض.
فعن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه - رضي الله عنهما - قال: دخلت على أبي بكر - رضي الله عنه - في مرضه الذي توفي فيه، فسلمت عليه وسألته؛ كيف أصحبت؟ فاستوى جالساً، فقلت أصبحت بحمد الله بارئاً؟ قال: أمَّا إني على ما ترى وجع} (2) .
وقال عروة: دخلت أنا وعبد الله بن الزبير على أسماء - يعني بنت أبي بكر وهي أمهما - وأسماء وجعة، فقال لها عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت: وجعة (3) .
وإذا كان ذلك أثناء المرض فمن باب أولى جواز الإخبار بذلك بعد البرء (4) .
شبهة وجوابها:
بعض الناس يظن أن من شرط الرضى ألا يحس بالألم والمكاره، وطعنوا فيه وقالوا: هذا ممتنع على الطبيعة، وإنَّما هو الصبر، وإلاَّ فكيف يجتمع الرضى والكراهة؟ وهما ضدان.
والجواب من وجوه:
1 - أنه لاتناقض بينهما، فوجود التألم، وكراهة النفس له لاينافي الرضى، كرضى المريض بشرب الدواء الكريه، ورضى الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والظمأ، ورضى المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح، وغيرها.(5/404)
2 - أن طريق الرضى طريق مختصرة، قريبة جداً، موصلة إلى غاية، ولكن فيها مشقة، ومع هذا فليست مشقتها بأصعب من مشقة طريق المجاهدة، ولا فيها من العقبات والمفاوز ما فيها، وإنَّما عقبتها همة عالية، ونفس زكية، وتوطين النفس على كل ما يرد عليها من الله.
ويسهل ذلك إذا وطن نفسه على الرضا بما قدره الله عليه، ولايتكلف من الأسباب ما لا طاقة به له (1) .
وهذا القسم من الكوني أيضاً على نوعين:
النوع الأول: ما للعبد فيه استطاعة واختيار وإرادة في منازعته ومدافعته بكل ممكن:
ومثاله الجوع، والعطش، أو البرد ونحو ذلك، فإن العبد يترك الانقياد له، ومسالمته، ويدفعه بقدر آخر من الأكل والشرب واللباس ونحوه.
فإذا وقع حريق - مثلاً - في دار، أو متجر، أو مركب، فهذا بقدر الله - تعالى - والعبد لايستسلم له، ويسالمه، ويتلقاه بالإذعان، بل عليه أن ينازعه، ويدافعه بالماء والتراب، وغير ذلك مِمَّا يطفيء الحريق، وما خرج في ذلك عن قدر الله.
بل يجب أن يفعل الأسباب في عدم حصول ذلك أصلاً، كما في الحديث: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فحدث بشأنهم النبي - (-، قال: {إن هذه النَّار إنَّما هي عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم} (2) .
ومن ذلك تغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله عليها، وإطفاء السرج عند النوم، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب (3) .(5/405)
وهكذا إذا أصاب المؤمن مرض، فهذا بقدر الله - تعالى - وقضائه الكوني، فإن له أن يدافعه، وينازعه بقدر الله أيضاً، فيستعمل الأدوية الدافعة للمرض، فإن غلبه وقهره حرص على دفع آثاره وموجباته بالأسباب التي نصبها الله لذلك، فيكون قد دفع القدر بالقدر، كما في قصة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وقوله عندما عوتب على فراره من الطاعون، وعدم دخوله أرض الشام بمن معه من الصحابة، والتابعين - رضي الله عنهم جميعاً - فقالوا له: {أفراراً من قدر الله؟} ، فقال عمر - رضي الله عنه -: {نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت إن كانت لك إبل هبطت وادياً له عدوتان: إحداهما: خصيبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف - وكان متغيباً في بعض حاجته - فقال: إن عندي في هذا علماً، سمعت رسول الله (يقول: ((إذا سمعتم به بأرض فلاتقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلاتخرجوا فراراً منه} قال: {فحمد الله عمر، ثُمَّ انصرف} (1) .
قال ابن القيم - رحمه الله -: {ومن لم يستبصر من هذه المسألة ويعطها حقها لزمه التعطيل للقدر أو الشرع شاء أو أبى، فما للعبد ينازع أقدار الرب بأقداره في حظوظه، وأسباب معاشه، ومصالحه الدنيوية، ولاينازع أقداره في حق مولاه، وأوامره ودينه، وهل هذا إلاَّ خروج عن العبودية، ونقص في العلم بالله وصفاته وأحكامه} (2) .(5/406)
وعلى هذا، فإنه لابد أن يرضى بهذا المقضي، ولايجزع، ولايعترض على قدر الله وقضائه، وإن كره، أو تألم، أو أبغض المقدر، أو طلب تغييره إلى ما هو أحسن، مع علمه بأنه قد يكون ما أصابه من ذلك خير مِمَّا هو يحب أن يصيبه، مِمَّا ظاهره الخير، فهو غير مأمور بمدافعة القضاء الكوني {وَعَسى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (1) .
النوع الثاني: ما ليس للعبد فيه اختيار، ولا طاقة، ولا حيلة في منازعته ومدافعته.
وهذا ما أشار إليه حديث عبادة - رضي الله عنه - السابق: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} الحديث.
فهذا لاتنفع فيه المنازعة، ولا المدافعة، فهذا يقابل بالرضا، والاستسلام، وترك المخاصمة والسخط، والعلم والإيمان بأن الأمر والحكم والقضاء لله من قبل ومن بعد، وأنه - سبحانه - له حكمة في ذلك هو يعلمها - سبحانه -، وهو عدل في قضائه، والقدر المقضي ينزل مواقعه، ويحل محله لا راد له، وذلك أوجب للرب - سبحانه - عدله، وحكمته، وعزته، وملكه، وموجب أسمائه وصفاته، فله عليه أكمل الحمد، وأتمه، والرضا، والتسليم (2) .
وهذا ما دل عليه قوله - تعالى -: {أَوَلَمَّآ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3) أي: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه (4) .
وقال - سبحانه -: {مَآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} (5) .
وقوله - تعالى -: {وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (6) .(5/407)
وقوله - عزّوجل -: {وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةُ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ} (1) .
قال ابن القيم - رحمه الله - بعد ذكر هذه الآيات في هذا المقام: {فمن نزل هذه الآيات على هذا الحكم علماً، ومعرفة، وقام بموجبها إرادة، وعزماً، وتوبة، واستغفاراً، فقد أدى عبودية الله في هذا الحكم، وهذا قدر زائد على مجرد التسليم والمسالمة ... } (2) .
حكم الرضا بالمصائب
تنازع العلماء، والمشائخ من أصحاب الإمام أحمد، وغيرهم في الرضا بالقضاء في المصائب، هل هو واجب، أم مستحب، على قولين:
القول الأول: أنه واجب، وعلى هذا فهو من أعمال المقتصدين، ومعنى ذلك أنه فرض وعبادة كالصبر وغيره.
القول الثاني: أنه مستحب، وعلى هذا فهو من أعمال المقربين، أي أن الرضا به قربة لله - تعالى - يتقربها العبد لربه (3) .
وهذا بيان أدلة كل قول ومناقشتها وبيان القول الراجح:
القول بالوجوب: هو قول في مذهب الإمام أحمد (4) - رحمه الله - وممن ذهب إلى ذلك الإمام القرطبي المفسر - رحمه الله - قال: {فالواجب على كل امرئ الرضا بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه له فيما يحب} (5) .
وقال ابن حجر - رحمه الله -: {في قصة موسى والخضر من الفوائد: أن الله يفعل في ملكه ما يريد، ويحكم في خلقه بما يشاء، مِمَّا ينفع، أو يضر، فلا مدخل للعقل في أفعاله، ولا معارضة لأحكامه، بل يجب على الخلق الرضا والتسليم، فإن إدراك العقول لأسرار الربوبية قاصر، فلايتوجه على حكمه} (6) .
ومعنى ذلك أنه يجب الرضا بالقضاء في المصائب والأوامر معاً.
أدلة أصحاب هذا القول:(5/408)
1 - قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: {ومن أوجبه قال: السخط حرام، ولا خلاص عنه إلاَّ بالرضا، وما لا خلاص عن الحرام إلاَّ به فهو واجب} (1) .
قلتُ: فجعلوه من باب: ما لايتم الواجب إلاَّ به فهو واجب.
2 - قالوا: إن ذلك من تمام الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً (2) .
3 - أنه إذا لم يكن راضياً بقضاء الله وقدره فهو ساخط، إذ لا واسطة بين الرضا والسخط، وسخط العبد على قضاء الله - تعالى - مناف لرضاه به (3) .
4 - أن عدم الرضا بالقضاء والقدر يستلزم سوء الظن بالله، ومنازعة في اختياره لعبده، وأن الرب - سبحانه - يختار شيئاً ويرضاه، فلايختاره العبد ولايرضاه، وهذا مناف للعبودية (4) .
5 - ما روي في الأثر: {من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلواي فليتخذ رباً سواي} (5) .
ويجاب عن هذه الأدلة بما يلي:
1 - أن الرضا بكل ما يخلقه الله ويقضيه ليس عليه دليل من كتاب الله ولا من سنة رسوله - (- ولا قال به أحد من السلف، أمَّا الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، فهو واجب، دل على وجوبه الكتاب والسنة (6) .
2 - أن الرضا يشرع بما يرضى الله به، والله قد أخبر أنه {لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ} (7) و {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (8) ، وقال - تعالى -: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} (9) .
وهذا أمر موجود من أقوال العباد، وقد أخبر الله أنه لايرضاه، فإذا لم يرضه كيف يأمر العبد بأن يرضاه، بل الواجب أن العبد يسخط ما يسخطه الله، ويبغض ما يبغضه، ويرضى بما يرضاه الله.
قال الله - تعالى -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَآ أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (10) ، فذم من اتبع مساخطه وكره مراضيه، ولم يذم من كره مساخطه.(5/409)
3 - أمَّا قوله: {إنه لايتخلص من السخط على ربه إلاَّ بالرضى عنه، إذ لا واسطة بين الرضا والسخط} .
فكلام مدخول؛ لأن السخط بالمقضي لايستلزم السخط على من قضاه، كما أن كراهة المقضي وبغضه، والنفرة عنه، لاتستلزم تعلق ذلك بالذي قضاه وقدره، فالمقضي قد يسخطه وهو راض عمن قضاه وقدره، بل قد يجتمع تسخطه والرضا بنفس القضاء (1) ، فالسخط شيء، والشكاية شيء آخر.
4 - قولهم: {إنه يستلزم سوء ظن العبد بربه، ومنازعته له في اختياره} .
فليس كذلك، بل هو حسن الظن بربه في الحالتين، فإنه إنَّما يسخط المقدور وينازعه بمقدور آخر، كما ينازع القدر الذي يكرهه ربه بالقدر الذي يحبه ويرضاه، فينازع قدر الله بقدر الله بالله لله، كما يستعيذ برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، ويستعيذ به منه.
فأمَّا {كونه يختار لنفسه خلاف ما يختاره الرب} فهذا موضع تفصيل لايسحب عليه ذيل النفي والإثبات، فاختيار الرب - تعالى - لعبده نوعان:
أحدهما: اختيار ديني شرعي، فالواجب على العبد أن لايختار في هذا النوع غير ما اختاره له سيده، قال - تعالى -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (2) ، فاختيار العبد خلاف ذلك مناف لإيمانه وتسليمه، ورضاه بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً.
النوع الثاني: اختيار كوني قدري، لايسخطه الرب، كالمصائب التي يبتلي الله بها عبده، فهذه لايضره فراره منها إلى القدر الذي يرفعها عنه، ويرفعها ويكشفها، وليس في ذلك منازعة للربوبية، وإن كان فيه منازعة للقدر بالقدر، وكما تقدم عن عمر وأبي عبيدة - رضي الله عنهما -.
فهذا يكون تارة واجباً، وتارة يكون مستحباً، وتارة يكون مباحاً مستوي الطرفين، وتارة يكون مكروهاً، وتارة يكون حراماً.(5/410)
وأمَّا القدر الذي لايحبه ولايرضاه - مثل قدر المعائب والذنوب - فالعبد مأمور بسخطها، ومنهي عن الرضا بها، وهذا هو التفصيل الواجب في الرضا بالقضاء (1) .
5 - أن الأثر المستدل به من الآثار الإسرائيلية، فلاتقوم الحجة به؛ لأنه لايعرف ثبوته عن الله، وليس يصح عن النبي - ((2) -.
القول بالاستحباب: قال أصحابه: الرضا بالمصائب مستحب، وليس بواجب، وهذا قول أكثر العلماء (3) ، وهو قول في مذهب الإمام أحمد (4) .
أدلة أصحاب هذا القول:
1 - قالوا: الإيجاب يستلزم دليلاً شرعياً على الوجوب ولا دليل على ذلك (5) .
2 - أن الرضا من القرب التي يتقرب بها، وليس من الفرائض، أو الواجبات، كما قال الخليفة عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -: {الرضا عزيز، ولكن الصبر معول المؤمن} (6) .
3 - قالوا: لم يجئ الأمر بالرضا في القرآن الكريم، ولا في السنة المطهرة، مثل الصبر، فالصبر أمر الله به في مواضع كثيرة من كتابه - سبحانه -، وأمَّا الرضا فلم يأمر به في آية واحدة (7) .
4 - أن القول بوجوبه يلزم منه الرضا بما حرم الله، مثل الرضا بمصيبة الكفر والفسوق وغيرهما (8) من القضاء الكوني القدري.
5 - أنه قد روي عن ابن عباس يرفعه: {إن استطعت أن تعمل لله بالرضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً} (9) .
وهذا فيه الحث على الرضا لا الأمر به (10) .
6 - أن المأمور به هو الرضا المشروع الديني، ولم يأمرنا بالرضا بالمقدور الكوني (11) .
7 - قالوا: أجمع العلماء على أنه مستحب، مؤكداً استحبابه (12) ، قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: {وأكثر العلماء على أن الرضا بذلك مستحب وليس بواجب} (13) .
والصحيح أن المصائب هي قضاء الله ومنسوبة إليه على وجهين:(5/411)
الأول: كونها فعل الله القائم بذاته - تعالى -، فهذا يجب الرضا به، والتصديق والتسليم له، ومن ذلك عدل الله، وحكمته، وقدرته، وعلمه - سبحانه - وخلقه، فالرضا بالمصائب من هذا الوجه واجب لاشك في ذلك.
الثاني: المقضي المنفصل عن الله، المفعول له، فهذا قسمان: مصائب ومعائب، فالمعايب لاشك أنه يحرم الرضا بها، كما سيأتي.
وأمَّا ما يصيب الإنسان فقسمان - أيضاً -: ما كان من صحة وغنى ولذة وغيرها من النعم، وهذا القسم يجب الرضا به، وأنه فضل وإحسان من الله يحمد عليه ويشكر.
وأمَّا ما يصيب العبد المؤمن من فقر، ومرض، وجوع، وأذى، وحر وبرد، وغير ذلك مِمَّا يكرهه ويبغضه العبد، فيستحب الرضا به، ولو عمل الأسباب لتغييره إلى ما هو أحسن.
والأدلة على استحباب ذلك كثيرة هي ما ذكره أصحاب القول الثاني وغيرها كثير:
منها: أن الله - سبحانه وتعالى - أثنى على أهل الرضا بقوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (1) فأثنى عليهم ولم يوجب ذلك عليهم (2) ، قال ابن القيم - رحمه الله -: {وأمَّا الرضا فإنَّما جاء في القرآن مدح أهله، والثناء عليهم لا الأمر به} (3) .(5/412)
ومن ذلك: ما ورد في القرآن الكريم من مدح الراضين بما يفعله الله بعبده من المصائب، كقوله - تعالى -: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَءَاتَي الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلا ةَ وَءَاتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولائِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (1) والبأساء: الفقر، والضراء: المرض، وحين البأس: حين القتال (2) .
وقوله - تعالى -: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَءَامَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (3) .
قال ابن تيمية - رحمه الله -: {البأساء في الأموال، والضراء في الأبدان، والزلزال في القلوب} (4) .
الرضا بالمعاصي
القسم الثالث: وهو الجاري باختيار العبد، وقضاء الرب، مِمَّا يكرهه الله ويسخطه، وينهى عنه، وهو ما يسمى: الرضا بالمعصية:(5/413)
لقد فتح إبليس لكثير من الناس باب الأهواء، فلايتوبون، ولايستغفرون، ولايرون إلاَّ أنهم على الحق، وهو يرضى بذلك منهم دائماً (1) {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} (2) أي: هيأنا لهم شياطين، أو سلّطنا عليهم قرناء، يزينون لهم المعاصي، وهم من الجن ومن الإنس أيضاً، فآثروا المعاصي على أمر الله، وركنوا إلى أعمالهم في الدنيا، ونسوا الآخرة، فوجب عليهم العذاب، فكانوا من الخاسرين لأعمالهم في الدنيا، وأنفسهم وأهليهم في الآخرة (3) {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (4) .
بل إن الشيطان يحب أن يرى العبد يفعل ما يرضيه، ويفرحه، كما ورد في معنى حديث: {إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب} (5) ، فالشيطان يحب التثاؤب ويرضى به، لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه (6) ، {والتثاؤب من الشيطان} (7) .
والمعاصي والمنكرات أمور مضرة للعاصي ولغيره، ومع ذلك يبقى بعض الناس معها ومع طبعه وذوقه، وينسلخ عن دين الله، ورُبَّما دخل في الشرك الأكبر كالقول بوحدة الوجود، أو الاتحاد والحلول المطلق، أو يقول بالحلول والاتحاد في بعض المخلوقات، كالمسيح - عليه السلام - في زعم النصارى أو علي - رضي الله عنه - في زعم الإسماعيلية النصيرية - أو غيرهما - كالدروز عبدة الحاكم بأمر الله -، أو المشايخ، أو بعضهم، أو الملوك، أو المردان - عياذاً بالله -.(5/414)
فيقول بحلول الإله في الصور الجميلة، ويعبدها، ومنهم من يتدين فقط بحب الصور الجميلة من النساء الأجانب والمردان، وغير ذلك، ويزعم أن هذا من الجمال الذي يحبه الله، فهو يحبه فيلبس المحبة الطبيعية له المحرمة بالمحبة الدينية الشرعية، ويجعل ما حرمه الله - تعالى - مِمَّا يقرب إليه، كما قال الله عنهم، وعن أمثالهم: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَآءَابَآءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (1) .
وبعض الناس يبرر ما هو عليه من معاصٍ بادعاء أن الإيمان في القلب، ويستدل بما ثبت في الصحيح: {إن الله لاينظر إلى صوركم وأموالكم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم} (2) .
وما أكثر من يتعبد الله بما حرمه الله عليه، ويعتقد أنه طاعة وقربة، وحاله في ذلك شرٌّ من حال مَنْ يعتقد ذلك معصية وإثْماً، ويبغض مع ذلك مخالفه في هذه المحرمات والبدع المنكرة، بل ويشتد غضبه عليه كما قيل:
نظروا بعين عداوة لو أنها ... عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا (3)
وقيل:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا (4)
وهذا استقباح للحق، ورضى بالباطل، والبدعة، والمعصية.
وفيه شبه بالنصارى الضالين، الذين يتعبدون بما لايصدقه عقل عاقل، وينكرون على أهل الحق ما نص عليه المشرع، وتجوزه العقول (5) .
قال سفيان الثوري - رحمه الله -: {إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن البدعة لايتاب منها، والمعصية يتاب منها} (6) .
وقد تتمكن المعصية من القلب فيرضى بها صاحبها، بل ويغلو في ذلك، وذلك على حساب دينه، وصحته، وعقله، فيصير مثله مثل من قال في جاريته:
أرى ماء وبي عطش شديد
ولكن لا سبيل إلى الورود
أما يكفيك أنك تملكيني
وأن الناس كلهم عبيدي
وأنك لو قطعت يدي ورجلي(5/415)
لقلت من الرضا أحسنت زيدي (1)
وإيواء أهل المعاصي رضى بالمعصية، وتعاوناً عليها، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2) .
وعن أبي الطفيل؛ عامر بن واثلة قال: كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النبي - (- يسر إليك؟ قال: فغضب وقال: ما كان النبي - (- يسر إليّ شيئاً يكتمه الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع، قال: فقال ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: {لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غير منارالأرض} (3) .
فمن نصر جانياً وآواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه فقد رضي بفعله.
فالإيواء فيه الرضا به والصبر عليه.
وإذا رضي أحد بالبدعة، وأقر فاعلها، ولم ينكرها، فقد آواه (4) ، وخالف بذلك أمر الله - تعالى - وأمر رسوله - (- فهو مأمور بالإنكار، ويستلزم عدم الإيواء، أو الرضا بالمنكر، أو البدعة، وإذا لم ينكر، فإنه يتحمل تبعة تقصيره، ويكون قد رضي بالمعصية.
عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - (- قال: {ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع} قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: {لا، ما صلوا} (5) .
فقوله: {ولكن من رضي وتابع} دليل على وجوب ترك الإيواء أو الرضا بالمعصية.
وقريب من هذا معاشرة أهل البدع، وأهل الفسق والعصيان، ومنادمتهم، وتقريبهم، وإقصاء أهل الإيمان، وأهل الطاعة، وهذه تسمى مداهنة.
والأولى بالمسلم أن لايداهن أهل العصيان، ويرضى بما هم عليه من الفسوق، ويسكت سكوت راض بما هم فيه من غير إنكار.(5/416)
صحيح أن مداراة الناس، وخفض الجناح لهم، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، من أقوى أسباب الألفة، وقبول الحق، وهي مندوبة، كما في النصوص الشرعية الموضحة لذلك، مثل:
1 - قوله - تعالى - في خطاب الرسول - (-: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (1) .
2 - وقوله - سبحانه -: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (2) .
3 - وقوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (3) .
فالرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لايظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولاسيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك أمر مطلوب مستحب.
أمَّا الرضا بوقوع المعصية من العبد، والسكوت على ذلك، وتأييده ولو بغير تصريح، فإن هذا من الرضا بمعصية الله، وهذا مخالف لأمر الله، وأمر رسوله - ((4) -.
قال رسول الله - (-: {إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها، وقال مرة: فأنكرها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها} (5) .
وهذه مسألة عظمى؛ لأن الرضا بالمعصية معصية (6) ، فقد جاء رجل إلى الشعبي فحسن عنده مقتل عثمان - رضي الله عنه - فقال الشعبي: {شركت في دمه} (7) .
فجعل الرضا بالقتل قتلاً - رضي الله عنه -.
قال الله - تعالى -: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (8) .(5/417)
فهذا دليل على وجوب اجتناب أهل المعاصي إذا ظهر منهم منكر، وهذا عدم الرضا بالمعصية؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، كما دل عليه قوله: {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} فكل من جلس في معصية ولم ينكرها يكون مع أهلها في وزرهم، فينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية، أو عملوها، فإن لم يستطع الإنكار، فينبغي أن يقوم عنهم حتى لايكون من أهل هذه الآية.
يروى أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أخذ قوماً يشربون الخمر فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم، فحمل عليه الأدب (1) ، وقرأ هذه الآية {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} (2) أي: إن الرضا بالمعصية معصية، ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم.
ولاشك أن هذه المماثلة ليست في جميع الصفات، لكن إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة، وقد قال الشاعر:
عن المرء لاتسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي (3)
فتجنب أهل الأهواء والبدع واجب لغير الناصح والمعلم لهم، وليس مثلهم في الأهواء والبدع، لقوله - تعالى -: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} (4) .
ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله - (- آية ولا حديث يأمر العباد أن يرضوا بكل مقضي مقدر من أفعال العباد حسنها وسيئها، {فهذا أصل يجب أن يعتنى به} (5) .
فالرضا بالمعاصي محرم يعاقب صاحبه عليه، وهو مخالفة لأمر الله - تعالى - وأمر رسوله - (-.
{وقالت طائفة ترضى من جهة كونها مضافة إلى الله خلقاً، وتسخط من جهة كونها إلى العبد فعلاً، وكسباً، وهذا القول لاينافي الذي قبله} (6) .
فالأصل واحد، وهو إنَّما قدر - سبحانه - الأشياء لحكمة، فهي باعتبار تلك الحكمة محبوبة مرضية، وقد تكون في نفسها مكروهة ومسخوطة (7) .(5/418)
فالذي عليه أئمة الدين أنه لايجوز الرضا بالكفر والفسوق والعصيان، فعلى المسلم أن لايرضى بذلك؛ لأن الله لايرضاه، كما قال - سبحانه -: {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (1) .
وقال - سبحانه -: {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ} (2) .
وقال - عزّوجل -: {فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (3) .
وقال - سبحانه -: {فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (4) .
وقال - تعالى -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَآ أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} (5) .
وقال - تعالى -: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ} (6) .
وقال - سبحانه -: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} (7) .
وقال - تعالى -: {فَلَمَّآءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} (8) .
فإذا كان الله - سبحانه - لايرضى لهم ما عملوه، بل يسخط ذلك، وهو يسخط عليهم، ويغضب عليهم، فكيف يشرع للمؤمن أن يرضى ذلك، وأن لايسخط ويغضب لما يسخط الله ويغضبه.
ومن المعلوم أن أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله، وقد أمرنا الله أن نأمر بالمعروف، ونحبه، ونرضاه، ونحب أهله، ونهى عن المنكر، وأمرنا أن ننهى عنه، ونبغضه، ونسخطه، ونبغض أهله، ونجاهدهم بأيدينا وألسنتنا وقلوبنا، فكيف نتوهم أنه ليس في المخلوقات ما نبغضه ونكرهه، وقد قال الله - تعالى - لما ذكر من المنهيات: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} (9) ، فإذا كان الله يكرهها وهو المقدر لها فكيف لايكرهها ويبغضها العبد المأمور بذلك (10) ؟ .(5/419)
قال الله - تعالى -: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} (1) .
وقال - سبحانه -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} (2) .
وقال - سبحانه -: {وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (3) .
فبين أنه يرضى الدين الذي أمر به، فلو كان يرضى كل شيء لما كان له خصيصة.
وفي الصحيحين عن النبي - (- أنه قال: { ... إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته} (4) ، وقال - (-: {إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله} (5) ، ولابد في الغيرة من كراهة ما يغار منه وبغضه.
وبهذا التفصيل يتبين الصواب ويزول اللبس في هذه المسألة العظيمة التي هي مفرق طرق بين الناس.
بعض ما ينافي الرضا بالقضاء
1 - الاعتراض على قضاء الله الشرعي:
والاعتراض قد يكون على قضاء الله الديني الشرعي، وقد يكون على قضاء الله الكوني القدري، وخاصة ما يخالف ما يحب العبد ويهوى.
فمن الأول: ما ورد عن المنافقين الذين قالوا في غنائم حنين: {إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله} ، ونحو ذلك.
فهذا الاعتراض معصية لله ولرسوله - (- يخاف على صاحبه النفاق وإن لم يكن منافقاً، وهو ينافي الرضا بقضاء الله الشرعي الديني (6) .
وأعظم من ذلك سب النبي - (- وهذا من أعظم الاعتراض على الله وعلى قضائه الشرعي، والتكذيب بالقدر، ومن أظهر الاعتراض على النبي - ((7) -(5/420)
وقريب من ذلك الاعتراض على سنة من سنن الرسول - (-، فهذا الاعتراض مناف للرضا بالقضاء، ومعارض لقول المسلم: {رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً} ، قال الله - تعالى - محذراً من ترك الرضا بحكم الرسول - (-: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (1) .
وهذا تعريف من الله - تعالى - ذكره للمنافقين، بأن تركهم طاعة الله وطاعة رسوله - (- والرضا بحكمه إنَّما هو للسابق لهم من خذلانه، وغلبة الشقاء عليهم، ولولا ذلك لكانوا ممن أُذن له في الرضا بحكمه والمسارعة إلى طاعته (2) .
وقال - سبحانه -: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3) ، فأقسم بنفسه - سبحانه - على نفى إيمان من لم يجمع ثلاثة أمور هي: تحكيمه فيما شجر بينهم، ثُمَّ أن لايجد في نفسه حرجاً، والتسليم.
وهذا يوجب أنه ليس في أمره ونهيه ما يوجب الحرج عن امتثال ذلك، فإن حكمه لابد فيه من أمر ونهي وإن كان فيه إباحة أيضاً، فلو كان المأمور به والمنهي عنه مضرة للعبد، ومفسدة، وألماً بلا لذة راجحة، لم يكن العبد ملوماً على وجود الحرج فيما هو مضرة له ومفسدة.
فعلى المؤمن أن يحب ما أحب الله، ويبغض ما أبغضه الله، ويرضى بما قدره الله (4) ، ويسلم لحكم رسول الله - (-، وكل مقدور قدر للعبد إذا عمل فيه بطاعة الله ورسوله، وإنَّما يكون شراً لمن عمل بمعصية الله ورسوله.
2 - ترك التوكل ترك لأمر الله في آيات كثيرة:
منها قوله - تعالى -: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (5) .(5/421)
ومن لم يفوض أمره إلى الله، ويعمل الأسباب متوكلاً على الله فليس براض عن الله، أو عن قضاء الله وقدره، وفي الأثر: {من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ... ، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده} (1) .
3 - السخط:
والسخط ضد الرضا، وفيه شقاوة الساخط، كما في الحديث الذي مرّ {ومن شقاوة العبد تركه الاستخارة، وسخطه بما قسم الله له} .
وقد جعل الله فيه الهم والغم والحزن، وشتات القلب، وكف البال، وسوء الحال، والظن بالله خلاف ما هو أهله، وقلة اليقين، كما في حديث أبي سعيد الخدري السابق، قال: قال رسول الله - (-: {إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله ... } .
وأمَّا الرضا فيفرغ القلب، ويقلل همه وغمه، فيتفرغ لعبادة الله بقلب خفيف من أثقال الدنيا، وهمومها، وغمومها (2) .
والسخط من سوء الخلق (3) ؛ لأن الساخط مخاصم لله - تعالى - فيما لم يرض به، من أمره ونهيه، أو قضائه ورزقه، وما يصيبه من نوائب ومصائب.
وهذه المخاصمة هي أصل منهج إبليس مع ربه، فقد كان منهجه: عدم الرضا بأقضيته وأحكامه الدينية والكونية القدرية، فلو رضي لم يمسخ من الحقيقة الملكية إلى الحقيقة الشيطانية الإبليسية (4) .
والسخط يفتح باب الشك في الله، وقضائه وقدره، وحكمته وعلمه، فقل أن يسلم الساخط من شك يداخل قلبه، ويتغلغل فيه، وإن كان لايشعر به، لكن لو فتش نفسه غاية التفتيش، واختبرها، لوجد إيمانه معلولاً، وتصديقه مدخولاً ورضاه منقوضاً، فإن الرضا واليقين صاحبان لايكادان يفترقان، كما أن السخط والشك قرينان؛ أحدهما قرين الآخر (5) .
وهذا ما دل عليه الحديث السابق إن استطعت أن تعمل بالرضا مع اليقين فافعل.
وكذلك حديث {من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله} (6) .(5/422)
فالرضا بالقضاء من أسباب السعادة، والسخط على القضاء من أسباب الشقاوة.
والسخط يوجب اضطراب قلب العبد وريبته وانزعاجه وعدم قراره، كما أنه يوجب تلون العبد وعدم ثباته مع الله، فإنه لايرضى إلاَّ بما يلائم طبعه ونفسه، والمقادير تجري دائماً بما يلائمه، وبما لايلائمه، وكلما جرى عليه منها ما لايلائمه أسخطه، فلاتتحقق عبوديته لله - تعالى -.
فإذا ابتلى الله - سبحانه وتعالى - عبده في رزقه، أو غير ذلك من أمور حياته، فإنَّما ذلك امتحان له أيرضى أم يسخط، يدل على ذلك آيات منها: {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} (1) .
لأن الإكرام والإهانة لايدوران على المال وسعة الرزق، ونحو ذلك، فقد يوسع على الكافر لا لإكرامه، ويقتر على المؤمن لا لإهانته، لكن لحكمة هو يعلمها - سبحانه -، وقد يكون إكراماً له ومنعاً من شر الغنى كما تقدم.
4 - الحزن على مافات:
قال الله - تعالى -: {لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَآءَاتَاكُمْ} (2) ، فهذه دعوة للعباد إلى ترك الحزن على الدنيا، بل نهى الله عنه، وإن تعلق بالدين، كقوله - تعالى -: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} (3) ؛ لأنه لايجلب منفعة، ولايدفع مضرة، فلا فائدة فيه (4) .
أمَّا الحزن على موت قريب، أو فوات عبادة، أو نحو ذلك مِمَّا ليس فيه طمع أو سخط أو اعتراض على المقدر، فهو رحمة من الله، وهو حزن القلب، وحزن القلب لايؤاخذ به العبد إذا لم يصحبه اعتراض على قدر الله - تعالى -، فالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - حزنوا، ولم يكن ذلك دليلاً على عدم يقينهم بالله، ورضاهم بقضائه.(5/423)
والنبي - (- لما كان ابنه إبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا النبي - (- تذرفان، فقال له عبد الرحمن ابن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال: يا ابن عوف إنها رحمة الله، ثُمَّ أتبعها بأخرى، فقال: {إن العين تدمع والقلب يحزن ولانقول إلاَّ ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنونون} (1) .
ولما اشتكى سعد بن عبادة - رضي الله عنه - فأتاه النبي - (- يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنهم -، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله، فقال: قد قضى؟ قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي - (-، فلما رأى القوم بكاء النبي - (- بكوا، فقال - (-: {ألا تسمعون إن الله لايعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ... } (2) .
وأمَّا ما نهى عنه من الحزن في مثل قول الله - تعالى -: { ... وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (3) ، وقوله سبحانه: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (4) وغيرهما من الآيات إنَّما هو نهي عن الحزن مقرون بما يوجب زواله، ثُمَّ إنه لم يوجد هذا الحزن المنهي عنه، بل النهي لئلا يوجد هذا النوع من الحزن الذي رُبَّمَا يكون معصية، أو ينهى عن الافراط فيه، أو قد يكون تسلية أو أمراً باكتساب قوة تدفعه عنه؛ ليثاب على ذلك (5) .
فالحزن الذي لايخرج الإنسان من كونه صابراً راضياً، أي كان قلبه مطمئناً فإنه لايؤاخذ عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: {ولهذا لم يؤمر بالحزن المنافي للرضا قط، مع أنه لا فائدة فيه، بل قد يكون فيه مضرة، لكنه عفي عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله} (6) .
5 - النياحة:(5/424)
ومِمَّا يضاد الرضا وينافيه النوح من النساء، أو الرجال، وهو عادة يكون من النساء عند القبور، وعند نزول المصائب، وهذا من الجزع والاعتراض على القضاء، لما يصحبه من صك الوجه، أو لطم الخد، أو الدعاء بالويل والثبور، أو سب الدهر عند المصيبة، أو رفع الصوت بالبكاء والويل، اعتراضاً على القضاء والقدر، عند موت محبوب، أو قريب، أو فوات أمر دنيوي، وغير ذلك مِمَّا نهى عنه النبي - (- في مثل قوله: {ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية} (1) .
وما في الصحيح أن أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - وجع وجعاً شديداً، فغشي عليه، ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً، فلما أفاق قال: {أنا برئ ممن برئ منه رسول الله - (- فإن رسول الله - (- برئ من الصالقة، والحالقة، والشاقة} (2) .
والنياحة ضلال عظيم، تتضمن فعل ما نهى الله عنه، وترك ما أمر به، ففيها ترك الصبر، وفيها الجزع، وقول الهجر، ودعاء غير الله، وترك إخلاص الدين لله (3) .
والنائحة تعاقب على النياحة، كما في الحديث الصحيح عن أبي مالك الأشعري أن النبي - (- قال: {أربع في أمتي من أمر الجاهليَّة لايتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب} (4) .
والإنسان يعذب بالأمور المكروهة التي يشعر بها، مثل الأصوات الهائلة، والأرواح الخبيثة، والصور القبيحة.
ولذلك فإن الميت المناح عليه، إذا رضي بذلك وهو في حياته، أو أوصى به، أو دعا إليه، ولم ينه عنه، فإن له نصيبه من عذاب النياحة، لما ورد في الحديث: {إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه} (5) .
بل قد عد أهل العلم: صناعة الطعام من أهل الميت، ودعوة الناس إليه من النياحة.(5/425)
والاجتماع لهذا في حد ذاته من النياحة (1) .
فالنياحة وما يحفها ويقترن بها من المخالفات الشرعية تنافي الرضا بالقضاء، وهي أيضاً من التسخط الذي هو ضد الرضا.
ومِمَّا يحدث الشيطان لفئة من الناس - وهم الرافضة - بدعتي الحزن والنوح يوم عاشوراء، من اللطم، والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاد المراثي، وما يفضي إليه ذلك من سب السلف الصالح، ولعنهم ... إلخ.
وهذا من الجزع والنياحة للمصائب القديمة، وهو من أعظم ما حرم الله ورسوله، ويخالف الرضا بالقضاء، وينافيه (2)
أمَّا البكاء على الميت حين وفاته، على وجه الرحمة، فقد أخبرنا النبي - (- أنها {رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنَّما يرحم الله من عباده الرحماء} (3) .
6 - مِمَّا ينافي الرضا بالقضاء: تمني الموت لضر نزل أو مصيبة:
ففي الحديث: {لايتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لابد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي} متفق عليه (4) .
فالحديث دليل على النهي عن تمني الموت، للوقوع في بلاء، أو محنة، أو خشية ذلك من عدو، أو مرض، أو فاقة، أو نحوها من المصائب التي تصيب الإنسان في حياته، لما في ذلك من الجزع، وعدم الصبر على المقدر، وعدم الرضا بالقضاء.
وهذا بخلاف تمني الشهادة في سبيل الله، فإن هذا حسن مطلوب؛ لأنه ذروة الإيمان، يدل على الصبر والثبات والرضا بما يصيبه في ذلك مِمَّا يقدره الله عليه.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - (- قال: ((والذي نفسي بيده، وددت أني أقاتل في سبيل فأقتل، ثُمَّ أحيا، ثُمَّ أقتل، ثُمَّ أحيا، ثُمَّ أقتل)) (5) .(5/426)
وكذلك طلب الموت على الإسلام عند الاحتضار، كما في قول الله - تعالى - عن يوسف - عليه السلام -: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ} (1) ، وقول النبي - (- عند موته: ((اللهم في الرفيق الأعلى)) (2) ثلاثاً، وحتى في غير الاحتضار، فيطلب أن يموت على الإسلام عند انتهاء أجله، أو خوفاً من فتنة في الدين عامة، كما في إخبار الله عن السحرة، لما أرادهم فرعون عن دينهم، وتهددهم بالقتل، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} (3) .
وقال عن مريم - عليها السلام - لما علمت من أن الناس يقذفونها بالفاحشة؛ لأنها لم تكن ذات زوج ... ، وجاءها المخاض - أي الطلق - إلى جذع النخلة: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنسِيًّا} (4) .
فكل هذا جائز، ليس فيه جزع أو اعتراض على المقدر، فلاينافي الرضا بالقضاء (5) .
7 - عدم الرضا بالمقسوم من الرزق:
ما قدره الله للعبد من الرزق سيصله؛ وإن كان لابد من الاكتساب، وفعل الأسباب.
ومن الكسب ما يكون واجباً، وهذا عند احتياج العبد إلى النفقة على نفسه، أو عياله، أو قضاء دينه، وهو قادر على الكسب، ولايشغله ذلك عن ما هو أفضل عند الله، وهذا من الرضا بالقضاء الشرعي، وهو واجب عند العلماء، وتركه فيه معصية لله - تعالى -.
ومنه ما هو مستحب، وهو ما اكتسبه العبد، لنفع نفسه، والإنفاق في وجوه الخير (6) ، كما في الحديث: ((على كل مسلم صدقة)) قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ((فيعمل بيده فينفع نفسه، ويتصدق)) قالوا: فإن لم يستطع؟ أو لم يفعل؟ قال: ((فيعين ذا الحاجة الملهوف)) ، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: ((فليأمر بالخير)) أو قال: ((بالمعروف)) ، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: ((فليمسك عن الشر؛ فإنه له صدقة)) (7) .(5/427)
ومنه ما هو مذموم، وهو ما اكتسب لغير الحاجة، أو الإنفاق في وجوه الخير، أو أشغل عن ذكر الله - تعالى - وعبادته.
يدل على ذلك مثل قول الله - تعالى -: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (1) ، وقول النبي - (-: ((تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض)) (2) وغيره (3) .
وقد تعوذ منه النبي - (- في قوله: { ... اللهم إني أعوذ بك من علم لاينفع، ومن قلب لايخشع، ومن نفس لاتشبع، ومن دعوة لايستجاب لها ... } (4) .
فالحرص والطمع والشرك وتعلق النفس بالآمال البعيدة (5) : ترك للرضا ينافي الرضا بالقضاء، ويورث صاحبه في الدنيا حسد الأغنياء، والطمع في أموالهم، والتذلل بما يدنس العرض، ويثلم الدين.
أمَّا ما اكتسب من طريق محرم؛ كالربا، وأكل أموال الناس بالباطل، وبغير حق، ونحو ذلك، فصاحبه لاتحمد عاقبته في الآخرة، فلصاحبه العذاب المهين يوم القيامة (6) .
8 - الجزع والهلع:
المصيبة تورث نوعاً من الجزع، يقتضي لوم من كان سببها، فإذا تبين العبد أن هذه المصيبة وسببها مقدوراً، مكتوباً، فعليه الصبر على قدر الله، ويسلم لأمر الله؛ فإن هذا من جملة ما أمره الله به؛ كما في قوله تعالى: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (7) .(5/428)
قال ابن مسعود: {هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم} (1) ، والجزع ضعف النفس، وخوف القلب، يمده شدة الطمع والحرص، ويتولد من ضعف الإيمان بالقدر، وصاحبه معاقب به، فيحرمه الراحة التي يرتاحها العابدون الراضون، ويخرب القلب، ويحرم رضوان الله في الآخرة، {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} (2) والهلع أفحش الجزع (3) ، وفي الحديث: {شر ما في المرء شح هالع وجبن خالع} (4) .
فالهلع له معان منها: الحرص، والشح، والضجر، والبخل، والشره، والإمساك، والذي لايشبع، وضيق القلب، والعجلة، وهذه المعاني كلها تنافي الرضا بالقضاء.
والجزع ضد الصبر الآيل إلى الرضا، فلا خير في العجز ولا في الجزع، كما نجده في حال كثير من الناس، حتى بعض المتدينين إذا ظلموا أو رأوا منكراً فلاينتصرون ولايصبرون بل يعجزون ويجزعون.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - (- أنه قال: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولاتعجز، وإن غلبك أمر فلاتقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وماشاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان} (5) .
{فلايعجز المؤمن عن مأمور، ويجزع من قضاء مقدور} (6) .
فمن أراد بلوغ مقام الرضا فليحبس نفسه عن الجزع، والهلع، والتشكي، والتسخط باللسان عن الشكوى، وبالجوارح عما لاينبغي فعله، وهذا هو ثبات القلب على الأحكام القدرية والشرعية.
وليس هذا معناه أن يقسو قلبه ويمنعه من الانفعال والتأثر بالنوازل، فمن لم يتأثر بها لغلظة قلبه وقساوته لا لصبره واحتماله فليس من الراضين بالقضاء والقدر (7) .
مذهب الصوفية في الرضا بالقضاء
وممن ضل في هذا الباب أكثر أصحاب الطرق الصوفية، وكان سبب ضلالهم في الرضا بالقضاء أمور، أشهرها باختصار:(5/429)
1 - أنهم رأوا أن الراضي بأمر لايطلب غيره، ثُمَّ إنهم رأوا أقصى المطالب وأعظمها الجَنَّة، وأدناها وأكرهها النَّار، فقالوا ينبغي ألا يطلب شيئاً غير ما هو فيه.
2 - أنهم ظنوا أن الرضا بكل قضاء يحبه الله ويرضاه، من خير أو شر، إيمان أو كفر، معصية أو طاعة، وهذا ضلال بُيِّنَ خطأه وخطره في هذا البحث بما يكفي إن شاء الله.
3 - أنهم لايفرقون بين الدعاء الذي أمروا به إيجاباً، أو استحباباً، وهو من أسباب الرضا بالله، وعن الله، والذي نهوا عنه، أو لم يؤمروا به، ولم ينهوا عنه؛ لأن الدعاء ثلاثة أنواع:
نوع مأمور به إيجاباً، أو استحباباً، كما في قوله - سبحانه -: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (1) .
ونوع منهي عنه، وهو الاعتداء في الدعاء، مثل أن يسأل العبد ما هو من خصائص الرب، أو الأنبياء، مثل أن يسأل الله أن يجعله بكل شيء عليماً، أو يرفع عنه كل حجاب حتى يطلع على الغيب ونحو ذلك.
ويتبعه دعاء {اللهم اغفر لي إن شئت} (2) ونحوه.
ونوع منه ما هو مباح، كطلب المباحات التي لا معصية فيها.
والرضا عند الصوفية ثلاث درجات:
الأولى: رضى العامة، وهو الرضا بالله رباً، وتسخط عبادة ما سواه.
قالوا: وهذا قطب رحى الإسلام، وهو يطهر من الشرك الأكبر (3) .
ومنه رضاهم - أي العوام - بما قسمه الله، وأعطاهم (4) .
الدرجة الثانية: الرضا عن الله، وهو الرضا عنه في كل ما قضى وقدر.
ويقولون: إن هذا من أوائل مسالك أهل الخصوص (5) .
وقد ظن بعضهم أن هذا من توابع المحبة لله (6) .
ويقولون: إن هذه الدرجة لاتصح إلاَّ بثلاثة شرائط:
1 - استواء الحالات عند العبد.
2 - وسقوط الخصومة مع الخلق.
3 - والخلاص من المسألة والإلحاح (7) .
ويدخل في ذلك الرضا بالمعاصي، والكفر، والفسوق (8) .(5/430)
وهم بذلك لم يفرقوا بين القضاء الشرعي والكوني، ولا بين الإرادة والمحبة والرضا، ولا بين المأمور والمحظور، ولا بين أولياء الله وأعدائه.
ويسمون هذه الدرجة رضى الخواص (1) .
{الدرجة الثالثة: الرضا برضى الله، فلايرضى العبد لنفسه سخطاً، ولا رضى، فيبعثه على ترك التحكم، وحسم الاختيار، وإسقاط التمييز، ولو أدخل النَّار} (2) .
وهذه الدرجة هي التي عبر عنها الداراني فيما روي عنه في تعريف الرضا {الرضا أن لايسأل الله الجَنَّة ولايستعيذ به من النار} (3) .
وقال بعضهم: {لقد أوتيت من الرضا نصيباً لو ألقاني في النَّار لكنت بذلك راضياً} (4) .
وقال الآخر:
وليس لي في سواك حظ ... ... فكيما شئت فاختبرني (5)
ويسمون هذه الدرجة: رضى خواص الخواص به بدلاً من كل ما سواه (6) .
وإليك بعض الردود عليهم باختصار:
1 - أن الدرجة الأولى أعلى شأناً وأرفع قدراً، فإنها مختصة بعباد الله الصالحين، الذين يرضون بربوبية الله، ولايعبدون إلاَّ إياه، ويرضون بذلك، وبأسمائه وصفاته وأفعاله، كما في الحديث: {ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً} .
ومن أقوال بعض الصوفية الحسنة في هذا: {من أراد أن يبلغ محل الرضا فليلزم ما جعل الله رضاه فيه} (7) ، فالتزام ما جعل الله رضاه فيه من امتثال أمره واجتناب نهيه - ويتناول المباح من غير تعد إلى المحظور - هذا هو الرضا بالله رباً، كما سبق، وهذه هي درجة الصديقين.
أمَّا الثانية فهي مشتركة بين المؤمنين وغيرهم؛ لأنها الرضا بالقضاء، والرضا بالقضاء يصح من المؤمن وغيره؛ لأن غايته التسليم لقضاء الله وقدره، وقد يحصل من الكافر لا لله، ولكن مجرد رضى بالقضاء، وتسليماً بالقدر، {فأين هذا من الرضى به رباً، وإلهاً، ومعبوداً؟} (8) .(5/431)
2 - الرضا بالله رباً فرض، بل من آكد الفروض بالاتفاق، فمن لم يرض بالله رباً، لم يحصل له إسلام، ولا عمل، ولا حال.
وأمَّا الرضا بقضائه (المصائب) فهو مستحب، كما سبق عند أكثر العلماء، فالفرق بين الدرجتين فرق ما بين الفرض والندب، فالفرض وهو الرضى بالله رباً ... فعله الأولى والآكد، ومقدم على فعل المستحب، وهو الرضا بالقضاء، كما في الحديث الإلهي السابق: {يقول الله - عزّوجل -: ما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه} .
3 - أن الرضا بالله رباً هو الإيمان بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله - ربوبيته العامة والخاصة - وأنه الخالق المدبر، الآمر الناهي، الملك القدوس، المعطي المانع، الوكيل الولي، الحكم والحاكم، والناصر والمعين، والكافي، والحسيب والرقيب، والمبتلي والمعافي، والقابض والباسط، فهو المتصف بجميع صفات الربوبية.
أمَّا الرضا بالقضاء، أو الرضا عنه: فهو رضى العبد بفعل الله، وبما يعطيه عبده، ولهذا كان الترغيب فيه فيما يخص الثواب والجزاء، كما في قوله - تعالى -: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} (1) ، فهي ترضى بما يحصل لها من كرامة وثواب عملها الصالح.
وكذلك قوله - سبحانه وتعالى -: {خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَالِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (2) .
4 - أن الرضا بالله رباً متضمن للرضا بالقضاء والقدر، ومستلزم له؛ لأنه إذا رضي بالله رباً: رضي بأمره ونهيه، ويستلزم ذلك أن يرضى بما يقسمه له ويقدره عليه، ويعطيه إياه، ويمنعه عنه، فمن لم يرض بذلك كله لم يرض بالله رباً من جميع الوجوه.
إذاً فالرضى بالله رباً يستلزم الرضا بالقضاء ويتضمنه بلا شك (3) .(5/432)
5 - أن الرضا بالله رباً أصل، والرضا بالقضاء أو الرضا عنه كما يقولون فرع، أو ثمرة للرضا بالله رباً، ولعل مِمَّا يدل على هذا ما صح عن رسول الله - (- أنه قال: {ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً} ، فإنه علق ذوق طعم الإيمان بالرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً، التي هي أصول الإسلام التي لايقوم إلاَّ بها وعليها، ولم يعلق ذلك على الرضا بالقضاء أو ما يسمونه الرضى عنه.
فالرضا بالقضاء والقدر تابع لهذا الرضا، فمن رضي بالله رباً، رضيه الله له عبداً، ومن رضي بما أعطاه الله، أو منعه، وما أصابه من بلاء وعافية دون أن يرضى بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، لم يحقق الإسلام والإيمان ولايحصل له رضى الله - سبحانه - يوم القيامة، كما يدل على ذلك قول النبي - (-: {من قال كل يوم: رضيتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، إلاَّ كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة} (1) .
6 - أن الرضا بالله رباً ... يتضمن أنواع التوحيد، ومن ذلك عبادته وحده والإنابة إليه، والتوكل عليه، وخوفه ورجاؤه ومحبته، والصبر على طاعته وعن معصيته، وعلى قضائه وقدره، والشكر على نعمه ظاهرة وباطنة، وهذه هي حقيقة شهادة ألا إله إلاَّ الله، وطاعة رسوله محمد - (- فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلاَّ بما شرع، وهذا هو حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله، وهو الرضا بمحمد رسولاً، والتزام عبودية الله، وطاعته، وطاعة رسوله - (- هو الرضا بالإسلام ديناً، فهذا هو الدين كله، ومنه الرضا بالقضاء الذي يلزم كل مسلم، ويستحب منه، أو يجب عليه؛ كما سبق.
7 - طلب الجَنَّة والاستعاذة من النَّار طريق أنبياء الله ورسله، وجميع أوليائه المقربين وأصحاب اليمين.(5/433)
وقد سأل النبي - (- رجلاً: ما تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد ثُمَّ أقول: اللهم إني أسألك الجَنَّة، وأعوذ بك من النَّار، أما والله ما أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ، فقال النبي - (-: {حولها ندندن} (1) .
وحديث: {إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثُمَّ صلوا عليَّ ... ثُمَّ سلوا الله الوسيلة، فإنها منزلة في الجَنَّة، لاتنبغي إلاَّ لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو ... } (2) ، فلا مطلوب أعلى من الجَنَّة، ولها يعمل العاملون، ويدعو الداعون، ويرضى الراضون، ويشكر الشاكرون.
8 - قد علم بالاضطرار من دين الإسلام؛ أن طلب الجَنَّة من الله، والاستعاذة به من النَّار هو أعظم الأدعية المشروعة لجميع المرسلين، والنبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وأن ذلك لايخرج عن كونه واجباً أو مستحباً.
وأولياء الله لايخرجون عن هذا الطريق (3) .
9 - أن ما قاله هؤلاء أصحاب الدرجة الثالثة: متناقض في نفسه، فاسد في صريح المعقول.
وذلك أن الرضا عن الله محبته ومحبة أمره، وذلك بامتثال الأمر واجتناب النهي، ومن ذلك السؤال والطلب، ومن لايسأل الله الجَنَّة، ويستعيذه من النَّار ليس محباً لله، ولا عاملاً بأوامره، إذن فليس راضياً عن الله على ما ادعاه ولا بالله، فكيف يكون راضياً عن الله، غير عامل بما يرضى الله، ويكون سبباً في رضا العبد (4) .
وأمَّا ما يشاركون فيه القدرية أو الجهمية وغيرهم فالجواب عنه فيما مضى، والله الموفق.
• • •
الخاتمة:
هذا ما تيسرت كتابته وبحثه في هذا الموضوع المهم في حياة المسلمين جميعاً.
وإن من أهم النتائج التي توصلت إليها فيه ما يأتي:
أن الرضا بالقضاء من أعمال القلوب.(5/434)
أن الرضا بالقضاء هو اليقين القلبي المؤثر في السلوك، الداعي إلى عدم الركون إلى الظلم وأهله، والدافع إلى استرضاء الرب - سبحانه - بالأعمال الصالحة، واحتمال الفقر، والدون من المعيشة، والقناعة باليسير، وسكون القلب إلى فعل الله، وحمده على ما قضاه.
أن الرضا بالقضاء من تمام الإيمان بالقضاء والقدر، وأنه غاية شريفة، ومنزلة عظيمة عند الله، وثوابه عظيم، فهو من منازل الشهداء، وأنه من مقامات الإحسان التي هي من أعلى المندوبات.
أن حقيقة الرضا بالقضاء هي: لزوم ما قضاه الله وقدره، وذلك بعد فعل الأسباب المأمور بها، فلايتحقق الرضا إلاَّ بذلك.
أن الرضا بالقضاء يكون بعد وقوع المقضي والمقدر، وما قبله هو التوكل بفعل الأسباب المأمور بها، فالرضا ثمرة التوكل، وأعلى درجاته.
أن الرضا بالقضاء حال شرعية، حقيقتها التصرف بما أمر الله به، وترك ما نهى عنه بعد وقوع المقدور، وهذه من خصائص العابدين وكرامات الصالحين من عباد الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ((والمؤمن يخضع لأمر ربه طوعاً، وكذلك لما يقدره من المصائب، فإنه يفعل عندها ما أمر به من الصبر وغيره طوعاً، فهو مسلم لله طوعاً، خاضع له طوعاً، والسجود مقصوده الخضوع ... )) (1) .
أن القضاء المأمور بالرضا به قسمان: ديني شرعي يجب الرضا به، وكوني قدري يستحب الرضا به، ما لم يكن معصية لله - تعالى -، فإن المعصية لايرضى بها إلاَّ من جهة أنها مصيبة، أمَّا من جهة أنها عمل يغضب الله - تعالى - فلايرضى بها من هذا الوجه، أي من وجه أنها معصية، فترضى المصائب لا المعاصي والمعايب.(5/435)
مِمَّا يجب الابتعاد عنه؛ لأنه ينافي الرضا بالقضاء: الاعتراض على قضاء الله الديني الشرعي، وترك التوكل على الله، والسخط من المقدور، والحزن على ما فات، والنياحة، وتمني الموت لضر نزل أو مصيبة، وعدم الرضا بالمقسوم من الرزق، والجزع من المصائب، والهلع، والشح، والضجر، ونحو ذلك.
تبين ضلال بعض الصوفية في باب الرضا بالقضاء؛ حيث زعموا أن الرضا ثلاث درجات: رضى العامة؛ الذي يصفونه بأنه الرضا بالرب، وتسخط عبادة ما سواه، والرضا عن الله في كل ما قضى وقدر، وأن هذا من مسالك الخاصة، وما علموا أن ذلك يدخل فيه الرضا بالمعاصي، والكفر، والفسوق.
والرضا الباعث على ترك الأسباب، وإسقاط التمييز حتى لايسأل الراضي - في زعمهم - الجَنَّة ولايستعيذه من النَّار.
وقد كانت مناقشتهم في هذا البحث في ضوء نصوص كتاب الله وسنة رسوله - (-.
وإني لأرى أن تكون الأبحاث في كل فن مبنية على النصوص الشرعية وبعيدة عما يعن ويخطر من المجادلات العقليَّة الظنية، فإن الطريق الأول: الاستضاءة بوحي الله من الكتاب والسنة هو الأسلم والأحكم وفي نفس الوقت هو الذي يوصل إلى الحقائق العقليَّة الصحيحة السليمة إن وجدت.
وأمَّا الطريق الثاني: المبني على البراهين والحجج والجدل العقلي فحسب، بعيداً عن نور النصوص الشرعية أو لوي أعناقها وصرفها عن معانيها الحقيقية فإنه لايوصل إلى حقيقة ولايفيد الإنسان في حياته ولا في دنياه، ولايؤهله إلى العلم الصحيح النافع.
لذا فإنني عمدت إلى هذا الأسلوب في هذا البحث راجياً الله تعالى أن ينفع به من كتبه وقرأه.
غير مدّع العصمة أو الكمال فإنه لايكمل في هذا الميدان أحد، فكل يؤخذ من كلامه ويرد إلاَّ محمد - (- وإخوانه الأنبياء، فإن لهم العصمة من الله فيما بلغوه للناس، ولم يُحفظ مِمَّا بلغوه الناس إلاَّ ما جاء به محمد - (-:(5/436)
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) فيجب على كل باحث مسلم أن يبني دراساته وبحوثه على هذا الذكر الذي حفظه الله للعالمين، ليستقي النور والهداية والسداد والعلم والفهم منه، فما من علم من علوم الدنيا والآخرة إلاَّ قد أعطاه الله ما يستحق في هذا الذكر علم ذلك من علمه وجهله من جهله، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
. (2)
__________
(2)
الحواشي والتعليقات
انظر: عدة الصابرين لابن القيم ص 124.
من حديث أخرجه: الترمذي، في كتاب الفتن، باب 73، 4/526، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، والإمام أحمد، في المسند 2/390، وعبد الرحيم
العرافي، في الأربعين العشارية ص 205، 216 - 217، وذكره الهيثمي، في مجمع الزوائد 7/281، وقال: {رواه أحمد، وفيه بن لهيعة، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح} اهـ.
عزاه القشيري إلى أبي سليمان الداراني. انظر: الاستقامة لابن تيمية 2/65.
نسبه ابن تيمية في الفتاوى 8/257 لابن إسرائيل الشاعر المشهور محمد بن سوار الشيباني المتوفى سنة (677 هـ) ، وترجمته في العبر 5/316.
انظر: لسان العرب 14/323، 7/312 - 313، والمصباح المنير 1/272.
أخرجه الحاكم في المستدرك 1/697 وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، والطبراني في المعجم الكبير 5/119، والنسائي في الكبرى 1/387، وفي المجتبى 3/55، وقال الألباني: صحيح.
هو: إمام النحاة، وأول من بسط علم النحو، لم يصنع قبله ولا بعده مثله في النحو، واسمه عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، ولد في إحدى قرى شيراز، وقدم البصرة فلزم الخليل بن أحمد الفراهيدي في العربيَّة ففاقه، ورحل إلى بغداد، فناظر الكسائي، وأجازه الرشيد بعشرة آلاف درهم، وعاد إلى الأهواز فتوفي بها عام
180 هـ، وقيل: وفاته وقبره في شيراز، سمي سيبويه لأن أمه كانت ترقصه وهو صغير وتقول له ذلك، وسيبويه بالفارسية: رائحة التفاح. انظر: تأريخ بغداد 12/195، والبداية والنهاية 10/176، والأعلام 5/81.
انظر: مختار الصحاح ص 246.
انظر: مختار الصحاح ص 246، والمصباح المنير 1/272، ولسان العرب
14/323.
هو: سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، البلخي، ثُمَّ البصري، النحوي، الأخفش الأوسط، أخذ العربيَّة عن سيبويه، توفي سنة 215 هـ. أمَّا الأكبر فهو عبد الحميد بن عبد المجيد، مولى قيس بن ثعلبة، أبو الخطاب، من كبار العلماء بالعربيَّة، لقي
الأعراب، وأخذ عنهم، وأمَّا الأصغر، فهو علي بن سليمان بن الفضل، أبو المحاسن، نحوي، من أهل بغداد، له شرح كتاب سيبويه، وغيره، توفي 315 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 10/206، والأعلام 3/102، 288، 4/291.
هو: القحيف بن خمير بن سليم العقيلي، شاعر، عده بعض الكتاب من الطبقة العاشرة من الإسلاميين، وكان معاصراً لذي الرمة، توفي نحو 130 هـ. انظر: الأعلام 5/191.
لسان العرب 14/323 - 324.
انظر: لسان العرب 14/323 - 324.
هو: من أئمة الأدب، والنحو، وله شعر، كان المتنبي يقول: ابن جني أعرف بشعري مني، وهو عثمان بن جني الموصلي، المولود في الموصل بأرض العراق الآن، أبوه كان مملوكاً رومياً لسليمان الأزدي الموصلي، له تصانيف كثيرة في الأدب واللغة، توفي ببغداد سنة 392 هـ. انظر: تأريخ بغداد 11/311، وشذرات الذهب 3/140، والأعلام 4/204.
هو: أحد الأئمة في علم العربيَّة، له فيها تصانيف متعددة، منها المقصور والممدود، كان متهماً بالاعتزال، اسمه الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، الفارسي الأصل، ولد في فسا من أعمال فارس، وتجول في كثير من البلدان، ودخل بغداد سنة 307 هـ، وقدم حلب سنة 341 هـ، فأقام مدة عند سيف الدولة، وعاد إلى فارس، فصحب عضد الدولة ابن بويه، وتقدم عنده، وعلمه النحو، وصنف له الإيضاح في قواعد اللغة العربيَّة، توفي ببغداد، سنة 377 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 16/379 - 380، والأعلام 2/179 - 180.
هو: إمام في اللغة، والنحو، والقراءة، قرأ النحو بعد الكبر، مؤدب الرشيد العباسي وابنه الأمين، ثُمَّ أصبح من جلسائه ومؤانسيه، اسمه علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، أصله من أولاد فارس، ولد في إحدى قرى الكوفة، وتعلم بها، وتنقل في البادية، وسكن بغداد، وتوفي بالري سنة 189 هـ عن سبعين عاماً. انظر: تاريخ بغداد 11/403، والأعلام 4/283.
انظر: لسان العرب 14/324.
سورة المائدة: من الآية 119، والتوبة 100، والمجادلة 22، والبينة 8.
انظر: لسان العرب 14/324.
شرح السيوطي 5/187، ولسان العرب 14/324.
لسان العرب 14/324، وشرح السيوطي 5/187.
انظر: الزهد لابن المبارك ص 439.
هو: العالم المتفنن، والإمام الكبير، الفقيه، الأصولي، الشافعي، المتكلم، الحبر، عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي التميمي، الإسفراييني، ولد ونشأ في بغداد، ورحل إلى خراسان، فاستقر في نيسابور، ثُمَّ فارقها على إثر فتنة التركمان، كان يدرس في سبعة عشر فناً، له صولة وجولة مع القدرية والنفاة، توفي في أسفرائين سنة 429 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/238، والأعلام 4/48، وتبيين كذب المفترى ص 253.
سورة هود: من الآية 113.
انظر: تفسير الطبري 12/127.
انظر: القاموس المحيط: مادة (عتب) .
أخرجه الطبراني في الدعاء ص 315، والضياء المقدسي في المختارة 9/181.
أخرجه البخاري في كتاب التمني، باب ما يكره من التمني، وابن حبان في صحيحه 7/268.
أخرجه القضاعي في مسند الشهاب مرفوعاً 2/204، والبيهقي في شعب الإيمان 7/360، والأصبهاني في دلائل النبوة 2/139.
انظر: النهاية لابن الجزري، باب العين مع التاء، وشرح السيوطي 4/3، ولسان العرب 1/578.
انظر: القاموس المحيط مادة (د ق ع) ، ولسان العرب 8/89.
سورة الحج: من الآية 36.
ذكره المنذري في الترغيب والترهيب برقم 233، وقال: {رواه البيهقي في كتاب الزهد، ورفعه غريب} .
انظر: النهاية (باب القاف مع النون) ، ولسان العرب 8/297 - 298.
انظر: مختار الصحاح ص 552 - 553.
سورة النجم: الآية 48.
انظر: مختار الصحاح ص 553 - 554، ولسان العرب 15/202 - 203.
انظر: تفسير القرطبي 1/134، ولسان العرب 3/156.
لسان العرب 1/648.
القاموس المحيط مادة (غ ض ب) .
انظر: شعب الإيمان للبيهقي 7/366.
انظر: فتح الباري 11/255.
انظر: مختار الصحاح ص 311، ولسان العرب 12/295.
انظر: لسان العرب 15/186، والصحاح للجوهري 6/2463، وتاج العروس 10/296.
انظر: لسان العرب 15/186.
سورة فصلت: من الآية 45.
انظر: تفسير الطبري 24/129.
سورة فصلت: من الآية 12.
انظر: تفسير الطبري 24/99.
سورة البقرة: من الآية 200.
انظر: تفسير القرطبي 2/431.
سورة سبأ: من الآية 14.
تفسير الطبري 22/73.
سورة الأنعام: من الآية 8.
انظر: تفسير القرطبي 6/393.
سورة القصص: من الآية 29.
انظر: تفسير القرطبي 20/67، وتفسير ابن كثير 3/387.
سورة الأنعام: من الآية 2.
سورة طه: من الآية 72.
انظر: تفسير الطبري 16/189، وتفسير ابن كثير 3/159.
سورة الإسراء: من الآية 4.
انظر: تفسير الطبري 15/20، وتفسير ابن كثير 3/25.
سورة القصص: من الآية 15.
انظر: الصحاح 6/2463، ولسان العرب 15/187.
انظر: لسان العرب 15/186، وتاج العروس 10/296.
سورة الإسراء: من الآية 23.
انظر: تفسير الطبري 15/62 - 63، وابن كثير 3/34.
انظر: لسان العرب 5/74.
أخرجه البخاري في مواضع منها: كتاب التهجد، باب ماجاء في التطوع مثنى مثنى حديث 1162، وفي التوحيد، باب قول الله - تعالى -: {قُلْ هُوَ الْقَاهِرُ} ، وأبو داود في أول الوتر.
سورة القمر: الآية 49.
انظر: تفسير الطبري 27/110.
سورة القمر: من الآية 12.
انظر: تفسير الطبري 27/92، 93.
سورة الحجر: الآية 60.
انظر: تفسير الطبري 14/41.
سورة القدر: الآية 1.
انظر: لسان العرب 5/74.
انظر: تفسير الطبري 30/182، ولسان العرب 5/78.
سورة الرعد: من الآية 26.
انظر: تفسير الطبري 13/144.
سورة الفجر: من الآية 16.
سورة الأعلى: الآية 3.
انظر: تفسير الطبري 30/152.
انظر: لسان العرب 5/77.
سورة البقرة: من الآية 236.
انظر: ترتيب القاموس المحيط 3/570، وتاج العروس 3/482، ولسان العرب 5/76.
أخرجه البخاري في مواضع منها: كتاب الصيام، باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ... حديث 1899، ومسلم في كتاب الصيام، باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال 2/759 - 760، حديث 1080.
النهاية في غريب الحديث 4/23، وانظر: لسان العرب 5/78.
انظر: المفردات في غريب القرآن ص 395.
سورة الطلاق: من الآية 3.
سورة القمر: الآية 49.
سورة الأحزاب: من الآية 38.
سورة البقرة: من الآية 117.
شفاء العليل ص 28، وأخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى 2/262، برقم 1879،
ط دار الراية - الرياض وجدة، تحقيق: عثمان آدم الأثيوبي.
انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 253، ولوامع الأنوار البهية، للسفاريني 1/348، واالقضاء والقدر للدكتور عبد الرحمن المحمود ص 39، وغيرها.
سورة فاطر: من الآية 8. وانظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 320.
أخرجه اللالكائي في شرح أصول أهل السنة ... وقال محقق الكتاب - د. أحمد بن سعد حمدان -: ((سنده ثقات، ما عدا شيخ المؤلف وشيخه، فإني لم أجدهما)) اهـ.
أخرجه الآجري في الشريعة ص 202، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وابن بطة في الإبانة (2/207) ، والطبراني من قول ابن عباس - رضي الله عنهما - في الكبير 10/260.
لسان العرب 15/186، والنهاية في غريب الحديث 4/78.
ذكر أقوال من فرق بين القضاء والقدر، وأدلته: جمع من العلماء، والباحثين، أمثال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في مجموعة التوحيد (ص 235) ، ود. عبد الرحمن المحمود في القضاء والقدر ص 39، ود. عمر الأشقر في القضاء والقدر ص 27 - 28، وغيرهم، ولم أرَ مناسبة لذكرها هنا.
مدارج السالكين 2/177.
مدارج السالكين 2/177.
شعب الإيمان للبيهقي 1/227.
التعريفات للجرجاني 2/148، وانظر: التعاريف للمناوي 2/366.
أخرجه البيهقي في شعب الإيمان للبيهقي 1/222، هكذا من قول ابن مسعود، وفي الأربعين الصغرى عنه مرفوعاً (2/99) ، وانظر: ص 45 هامش (3) من هذا البحث.
الرضا لابن أبي الدنيا ص 34.
التعريف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي ص 102.
التعريف للكلاباذي ص 102.
التعريف لمذهب أهل التصوف ص 102.
شعب الإيمان للبيهقي 1/228.
شعب الإيمان للبيهقي 1/228.
المرجع السابق نفسه.
هو: الزاهد الصوفي، المجاهد، أبو علي، شقيق بن إبراهيم بن علي الأزدي، البلخي، من مشاهير مشائخ خراسان، وهو أول من تكلم في علوم الأحوال الصوفية، استشهد في غزوة كولان بما وراء النهر سنة 194 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 9/313، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 2/21، والأعلام 3/171.
في الأصل: أربع.
حلية الأولياء 8/61.
هو: العالم، الأديب، الحكيم، اللغوي، المفسر، صاحب التصانيف الكثيرة، أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الأصفهاني، سكن بغداد، واشتهر حتى يقال: كان يقرن بالإمام الغزالي، توفي سنة 502 هـ. انظر: تأريخ حكماء الإسلام للبيهقي
ص 112 - 113، معجم المؤلفين 4/59، والأعلام 2/255.
المفردات في غريب القرآن ص 197.
سورة الأنبياء: 23.
انظر: إحياء علوم الدين للغزالي 4/315.
انظر: مدارج السالكين 2/171.
الاستقامة 2/65.
انظر: الزهد وصفة الزاهدين لابن الأعرابي ص 34، والرضا عن الله لابن أبي الدنيا ص 88.
فتح الباري 11/272.
الرضا لابن أبي الدنيا ص 84.
المرجع السابق نفس الصفحة.
أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 10/131.
الرضا لابن أبي الدنيا ص 34.
سورة الشورى: الآية 30.
الرضا لابن أبي الدنيا ص 64.
هي: الصالحة المشهورة، من أهل البصرة، أم الخير، رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية، لها أخبار في العبادة، والنسك، ولها شعر، توفيت بالقدس سنة 135 هـ، وقيل: بالبصرة سنة 185 هـ. انظر: وفيات الأعيان 2/285 - 288، والأعلام 3/10.
التعرف لمذهب أهل التصوف ص 102.
هو: أحد أئمة الصوفية، وعلمائهم، والمتكلمين فيما يسمونه علوم الإخلاص، والرياضات وعيوب الأفعال، أبو محمد سهيل بن عبد الله بن يونس التستري، توفي سنة 283 هـ. انظر: حلية الأولياء 10/189، والأعلام 3/143.
سورة المائدة: من الآية 119، والتوبة 100، والمجادلة 22، والبينة 8.
سورة الزمر: من الآية 75.
التعرف لمذهب أهل التصوف ص 102.
شعب الإيمان للبيهقي 7/231.
شعب الإيمان للبيهقي 1/228، 7/228.
شعب الإيمان للبيهقي 7/228.
هو: الإمام الحافظ، النحوي، الفقيه، العلامة، الأخباري، أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان، العتكي، الأزدي، الواسطي، صاحب التصانيف المشهور بنفطويه؛ سمي بذلك لتأييده مذهب سيبويه في النحو، وهو على مذهب داود
الظاهري، توفي سنة 323. انظر: سير أعلام النبلاء 15/75 - 77، وتاريخ بغداد
6/159.
شعب الإيمان للبيهقي 7/228.
شعب الإيمان للبيهقي 7/229.
هو: المتصوف، العجاج، أبو عبد الله الساجي، سعيد بن يزيد، أقواله في التصوف كثيرة، ذكر كثيراً منها أبو نعيم في الحلية 9/310 - 317.
حلية الأولياء 9/315.
حلية الأولياء 9/342.
مدارج السالكين 2/175.
مدارج السالكين 2/175.
مفتاح دار السعادة 1/296.
التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/43.
الكلام على أن الحسنة من الله والسيئة من النفس، ضمن فتاوى ابن تيمية 8/207، والحسنة والسيئة له أيضاً 14/301.
الزهد وصفة الزاهدين ص 21.
أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب الغنى غنى النفس، ومسلم في كتاب الزكاة، باب: ليس الغنى عن كثرة العرض 2/726.
انظر: تحفة الأحوذي 7/36.
شرح صحيح مسلم 17/28.
شرح صحيح مسلم 17/28.
انظر: الزهد وصفة الزاهدين لابن الأعرابي ص 26.
سؤال عما ذكر عن أبي سليمان الداراني في تعريف الرضا ضمن فتاوى ابن تيمية 10/686.
الزهد وصفة الزاهدين لابن الأعرابي ص 21.
القناعة: الرضى بالقسمة، وعرفاً: الاقتصار على الكفاف، ويقال: الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها.
وفي اصطلاح الصوفية: السكون عند عدم المألوفات. انظر: التعاريف للمناوي 2/590، والقناعة للدينوي ص 40، والتعريفات للجرجاني 2/229.
التمهيد لابن عبد البر 4/111.
هو: شاعر الغزل، صريع الغواني، وأول من أكثر من البديع، أبو الوليد مسلم بن الوليد الأنصاري بالولاء، الكوفي، ثُمَّ البغدادي، اتصل بالفضل بن سهل، فولاه بريد جرجان إلى أن مات سنة 208 هـ. انظر: النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة 2/186، وتاريخ بغداد 13/96.
التمهيد لابن عبد البر 4/111.
تفسير القرطبي 5/340.
هو: الشاعر الفحل، المخضرم، أشعر هذيل من غير مدافعة، خويلد بن خالد بن محرّث، أدرك الجاهليَّة والإسلام، وفد على النبي - (- ليلة وفاته، فأدركه وهو مسجّى وشهد دفنه، وسكن المدينة، وعاش إلى أيام عثمان - رضي الله عنه -، واشترك في الغزو والفتوح، إلى أن مات بمصر أو بإفريقية نحو سنة 27 هـ. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة 2/364، والاستيعاب 8/1648، والأعلام للزركلي 2/325.
القناعة للدينوري ص 40.
هو: أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهليَّة، أبو عقيل لبيد بن ربيعة بن مالك العامري من عالية نجد، أدرك الإسلام، ووفد على النبي - (-، ويعد من
الصحابة، ومن المؤلفة قلوبهم، سكن الكوفة، وكان كريماً، توفي سنة 41 هـ. انظر: جمهرة أشعار العرب طبعة جامعة الإمام 1/347، وطبقات ابن سعد 6/20.
القناعة للدينوري ص 40.
سورة البينة: الآيتان 7، 8.
أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع، وابن حبان في صحيحه 2/85، والبيهقي في السنن الكبرى 10/219، وبنحوه الإمام أحمد في المسند 6/256، وغيرهم.
انظر: مدارج السالكين 2/171.
انظر: مدارج السالكين 2/172.
انظر: مدارج السالكين 2/171.
انظر: مدارج السالكين 2/171.
مدارج السالكين 1/135.
مدارج السالكين 1/173.
انظر: التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/5، 6.
انظر: فتاوى ابن تيمية 17/27، والفوائد لابن القيم 1/93.
انظر: التوكل على الله للباحث ص 42، 86.
انظر: طريق الهجرتين 1/500، ومدارج السالكين 2/174، وشفاء العليل
ص 278، وجواب أهل العلم ضمن فتاوى ابن تيمية 17/27.
شعب الإيمان للبيهقي 2/110.
سورة التوبة: الآية 59.
تفسير ابن كثير 2/364.
التحفة العراقية.. ضمن فتاوى ابن تيمية 10/37.
أخرجه الحاكم في المستدرك 1/697 وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وابن حبان في صحيحه 5/305، والنسائي في المجتبى 3/55، وصححه الألباني، وفي الكبرى 1/387 برقم 1230، وأبو يعلى في مسنده 3/195، وأحمد في المسند 5/191، والطبراني في مسند الشاميين 2/351، والدارقطني في رؤية الله 1/133، 134، 158، والسنة لابن أبي عاصم 1/186، وقال الألباني: إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
مدارج السالكين 2/177.
هو: شيخ الصوفية، أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز، البغدادي، قيل: أول من تكلم في علم الفناء، والبقاء، له تصانيف في علوم القوم، توفي سنة 286 هـ. انظر: شذرات الذهب 2/192، وسير أعلام النبلاء 13/421، وتذكرة الحفاظ 2/637.
شعب الإيمان للبيهقي 1/217.
مدارج السالكين 2/177.
التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/37.
سورة آل عمران: الآية 143.
سورة الصف: الآيات 2 - 4.
انظر: تفسير الطبري 28/83، 84، وتفسير ابن كثير 4/358.
سبق تخريجه في ص 11.
انظر: التوكل على الله للمؤلف ص 87.
سورة البقرة: الآية 216.
انظر: شفاء العليل لابن القيم ص 33.
سورة الحديد: الآيتان 22، 23.
انظر: تفسير الطبري 27/233 - 235، وتفسير ابن كثير 4/313 - 314.
سورة التغابن: الآيات 11 - 13.
انظر: تفسير الطبري 28/123، وتفسير ابن كثير 4/375.
سورة النجم: الآية 48.
انظر: فتح الباري 8/606.
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من رضي بالله رباً ... فهو مؤمن ... 1/62، والترمذي في كتاب الإيمان، باب 10، 5/14، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه في ذكر طعم الإيمان 4/592.
أخرجه مسلم في الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن ... 1/288، والنسائي في الكبرى 1/511، 6/23، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ماجاء في الدعاء بين الأذان والإقامة 1/145، وصححه الألباني، وأخرجه الترمذي في باب الدعاء عند الأذان 2/27 وقال الألباني: صحيح.
سبق تخريجه ص 11.
أخرجه البخاري - بغير هذا اللفظ - في كتاب الجنائز، باب قول النبي (: {إنا بك لمحزونون} ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته بالصبيان والعيال ... 4/1807.
أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة، والرقائق، والورع، باب 59، 4/667، وقال: هذا حديث حسن صحيح. قال الألباني: وهو كما قال. وأخرجه النقاش في فوائد العراقيين، وقال محققه: {صحيح وإسناده حسن} ، وأحمد في المسند
2/293، ومواضع أخرى بألفاظ أخرى، وله ألفاظ أخرى، وأسانيد بعضها صحيح،
وبعضها حسن، وبعضها ضعيف.
في باب التوكل، وفي سنده يحيى بن ميمون بن عطاء، أبو أيوب متروك، عن علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف. انظر: هامش السنة لابن أبي عاصم 1/138 - 139، وأخرجه من نفس الطريق عن أبي سعيد أبو يعلى الموصلي في معجمه ص 101، وقد حكم الألباني على جميع طرقه وألفاظه في تخريجه الحديث عند تحقيق كتاب السنة لابن أبي عاصم، وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة، فليرجع إلى ذلك من رغب الاستزادة.
أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/317، والترمذي بنحوه في كتاب القدر، باب 17، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وذكر الضياء المقدسي في مختاراته في 8/351، وقال: إسناده حسن بالمتابعة، وفي 8/353.
الجراب: الوعاء، وقيل: المزود، يصنع من الإهاب، أي الجلد. انظر: لسان العرب 1/261.
قفى: رجع. انظر: صحيح البخاري موضع هذا الحديث الرواية الأخرى.
سورة إبراهيم: من الآية 37.
يتلبط: أي يتمرغ مضطجعاً. انظر: لسان العرب 7/388.
في الرواية الأخرى: {أغث إن كان عندك خير} .
تحوضه: تعمل له أحواضاً حتى لايجري ظانة أنه بجريانه ينتهي.
جرهم: قبيلة من تهائم اليمن، لحقوا بمكة، ونزلوا على إسماعيل عليه السلام، ولو أمر الكعبة بعد ولد نابت بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وآخر ملوكهم الحارث مضاض بن عمرو، أجلتهم خزاعة من مكة. انظر: معجم البلدان 5/2004، 442، وتفسير ابن كثير 4/496، وفتح الباري 6/548.
كداء: بفتح أوله، ممدود، لايصرف لأنه مؤنث: جبل بمكة، يقال: هو عرفة،
وقيل: هو ثنية كدي، ولعله الصحيح. انظر: عون المعبود 5/226، ومعجم ما استعجم للبكري 4/1117.
عائفاً: العائف: الكاره للشيء. انظر: منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير ص 530، ومختار الصحاح ص 466.
الجري: الوكيل الواحد، أو الرسول، أو الغلام. انظر: لسان العرب 14/142، ومختار الصحاح ص 101.
وهذا تسخط وعدم رضا.
العتبة: أسكفة الباب التي يوطأ عليها. انظر: مختار الصحاح ص 410، والمصباح المنير 1/464.
آنس: الأنس ضد الوحشة، والأنيس الذي يستأنس به. انظر: إكمال الإعلام بتثليث الكلام 1/54، المشوف المعلم 1/82، والمصباح المنير 1/34.
وهذا رضا بالقدر المقضي من الرزق لهم.
الأكمة: الرابية. انظر: منال الطالب لابن الأثير ص 111، والمصباح المنير للفيومي 1/25.
سورة البقرة: من الآية 127.
أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب: يزفون النسلان في المشي، والبيهقي في الكبرى 5/98، والنسائي في الكبرى 5/101 وغيرهم.
أخرجه ابن المبارك في الزهد ص 32.
أخرجه ابن المبارك في الزهد ص 32.
أخرجه الترمذي في كتاب التفسير، باب ومن سورة السجدة 5/347، وقال
الترمذي: {هذا حديث حسن صحيح، وروى بعضهم هذا الحديث عن الشعبي عن المغيرة، ولم يرفعه، والمرفوع أصح} ، وأخرجه الطبري في تفسيره 21/304.
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/114، والبيهقي في شعب الإيمان 6/299، وذكر الضياء المقدسي في المختارة وقال: إسناده حسن. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد
8/59: {رواه الطبراني وفيه أيوب بن سليمان بن عبد الله بن حدلم، ولم أعرفه ولا والده، وبقية رجاله ثقات} .
انظر: الزهد لابن أبي عاصم 2/210، والزهد لابن السري 2/414، وأورده ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول، عن يحيى بن كثير ص 155.
هو: شيخ الحرم، أحد الأئمة العباد، عبد العزيز بن ميمون - وقيل ابن أيمن - بن
بدر، مولى الأمير المهلب بن أبي صفرة، الأزدي المكي، كان على مذهب المرجئة، مات على بدعته سنة 159 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 7/184 - 187، وطبقات ابن سعد 5/493.
سير أعلام النبلاء 7/185، والجامع لأخلاق الراوي 1/177، وحلية الأولياء 8/192.
هداية الحيارى لابن القيم 1/128.
سورة إبراهيم: من الآية 7.
سورة يونس: الآية 58.
سورة البينة: الآيتان 7، 8.
سورة المجادلة: الآية 22.
الاستقامة 2/80.
الأنفال: 69.
سورة الأنفال: من الآية 12.
سورة الليل: الآيات 5 - 10.
أخرجه البخاري في عدة مواضع في صحيحه، منها في تفسير سورة الليل، ومسلم في أول كتاب القدر 4/2040، وابن حبان في مواضع منها 2/46، وغيرهم.
انظر: مدارج السالكين 2/238، التوكل على الله للباحث ص 88.
سورة غافر: من الآية 60.
سورة البقرة: من الآية 186.
سورة الأعراف: من الآية 180.
سورة الأعراف: من الآية 55.
سورة الأنفال: الآية 9.
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/30، 32 بإسناد حسن في الموضعين، انظر: المسند بتحقيق: الأرناؤوط وزملائه (1/336، 346) ، وابن حبان في صحيحه 11/114، والترمذي في كتاب التفسير، باب: ومن سورة الأنفال، وقال: {هذا حديث حسن غريب لانعرفه من حديث عمر إلاَّ من حديث عكرمة ... } ، ومسلم - بغير هذا
اللفظ - في كتاب الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر ...
3/1383، 1383.
أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب 2، وأحمد في المسند 2/442، وقال محققو المسند: {إسناده ضعيف} 15/438، وأبو يعلى في مسنده، وقال المحقق الشيخ حسين أسد: {إسناده حسن} 12/10، والحاكم في المستدرك 1/667، 668، وصححه.
انظر: مدارج السالكين 2/238.
انظر: مدارج السالكين 2/231.
سورة البقرة: الآية 186.
سورة يونس: الآية 12.
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 6/34، والقضاعي في مسند الشهاب 1/340، والبخاري في خلق أفعال العباد، والبيهقي في شعب الإيمان 1/413، 414، 3/467، والبزار في مسنده (1/247) ، والترمذي في سننه بلفظ: ((من شغله القرآن ... )) في كتاب فضائل القرآن، باب [25] .
انظر: مدارج السالكين 2/217.
أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 1/80 من قول الحسن البصري، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة 4/8391 عن أبي هريرة يرفعه إلى النبي (، والصحيح أنه من كلام الحسن، والله أعلم.
سورة القصص: من الآية 76 - 78.
انظر: تفسير الطبري 20/113.
سورة القصص: من الآية 79.
سورة القصص: من الآية 82.
انظر: تفسير ابن كثير 3/402.
انظر: مدارج السالكين 2/174.
انظر: شفاء العليل ص 278.
أخرجه الترمذي في كتاب الزهد ... ، باب ماجاء في الصبر على البلاء، وقال:
{وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه} ، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، وقال الألباني: {حسن} ، والشهابي في مسنده، عن أنس عن رسول الله - (- أنه قال: {إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله - عزّوجل - إذا أحب ... } إلخ 2/170.
هم: الفقراء الغرباء، الذين كانوا يأوون إلى مسجد النبي - (-، وكانت لهم في آخره صفة - مكان منقطع من المسجد مظلل يبيتون فيه -. انظر: تفسير الطبري 26/21، وتفسير القرطبي 8/108، وهامش صحيح مسلم الموضع الآتي.
أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب ثبوت الجَنَّة للشهيد 3/1511، وأحمد في المسند 3/270.
أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 1/219، والشاشي في مسنده 2/224، وأبو يعلى في مسنده 2/6، وقال الشيخ حسين أسد: {إسناده ضعيف} ، والبزار في مسنده 3/305، والترمذي بنحوه في كتاب القدر، باب ماجاء في الرضا بالقضاء 4/455، وقال: {هذا حديث غريب لانعرفه إلاَّ من حديث محمد بن أبي حميد ... وليس بالقوي عند أهل الحديث} . وانظر: مجمع الزوائد 2/279.
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 10/215، وقال الهيثمي: {فيه خالد بن يزيد العمري واتهم بالوضع} . مجمع الزوائد 4/74، وأخرجه البيهقي في الأربعين الصغرى 2/99 مرسلاً عن سفيان الثوري عن منصور عن خيثمة عن ابن مسعود، لكن ذلك يدل أن له طريقاً آخر موصولاً غير طريق خالد بن يزيد العمري، ولعله من قول ابن مسعود، كما سبق ص 15.
شفاء العليل ص 278.
انظر: صحيح مسلم في أول كتاب الإيمان 1/37.
أخرجه ابن أبي الدنيا مرفوعاً إلى النبي - (- بسند حسن 2/85، والبيهقي في شعب الإيمان 1/219، وأبو نعيم في الحلية 1/216، وابن المبارك في الزهد ص 31 موقوفاً على أبي الدرداء.
عدة الصابرين 1/124.
انظر: مدارج السالكين 1/137.
انظر: تحفة الأحوذي 1/529.
مدارج السالكين 2/174، وانظر: الفوائد 1/93.
جواب أهل العلم والإيمان ضمن فتاوى ابن تيمية 17/27.
حلية الأولياء 8/97.
ذكره ابن تيمية في الاستقامة 2/84 وقال: ((هذا الكلام كلام حسن، وإن لم يعلم إسناده)) .
الاستقامة 2/81.
هو: الإمام، العلامة، الفقيه، الشافعي، المتكلم، النحوي، المفسر، اللغوي، الصوفي، شيخ خراسان، حبر زمانه، وبقية أقرانه، محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن هارون العجلي، الصعلوكي النيسابوري، من بني حنيفة، تلميذ ابن
خزيمة، والسراج وغيرهما، ومن أبرز تلاميذه: أبو عبد الرحمن السلمي، ولد أبو سهل سنة ست وتسعين ومائتين، وتوفي في ذي القعدة سنة تسع وستين وثلاثمائة للهجرة. انظر: سير أعلام النبلاء 16/235 - 239، وشذرات الذهب 3/69 - 70.
شعب الإيمان للبيهقي 3/107.
تهذيب مستمر الأوهام لابن ماكولا ص 103، وانظر: ذيل التقييد لأبي الخطيب 2/233.
ص 156.
تاريخ ابن معين برواية الدوري 4/406.
الشقائق النعمانية، والعقد المنظوم 2/340.
انظر: شفاء العليل لابن القيم ص 278.
سورة الشورى: من الآية 11.
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، 3/398، وانظر: ذم التأويل لابن قدامة ص 13، والاعتقاد للبيهقي 2/116.
سورة المائدة: من الآية 119، والتوبة 100، والمجادلة 22، والبينة 8.
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان 1/63، وابن حبان في صحيحه في ذكر البيان بأن قوله
- (-: {الإيمان بضع وسبعون باباً ... } 1/420، 407، ومواضع أخرى.
سورة الحشر: من الآية 7.
سورة الإسراء: من الآية 23.
سورة التوبة: الآية 59.
مراتب المحبة، ضمن فتاوى ابن تيمية 8/190.
سورة الأنعام: من الآية 114.
سورة الأنعام: من الآية 13.
سورة الأنعام: من الآية 164.
أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب من كره أن يعود في الكفر، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن ... 1/66، وأحمد 3/103، وغيرهم.
أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/78، عن أبي قتادة، وقال العجلوني في كشف الخفاء 2/239: {ورجاله رجال الصحيح} .
شعب الإيمان للبيهقي 5/53، وقد ذكره أبو نعيم بمعناه في الحلية 2/196 عن ابن عمر مرفوعاً إلى النبي - (- وقال: غريب، من حديث الزهري ولم نكتبه إلاَّ من هذا الوجه، قال العجلوني: وأخرجه ابن عساكر عن ابن عمر مرفوعاً - أيضاً - إلى النبي - (- بلفظ: {ما ترك عبد لله أمراً لايتركه إلاَّ لله عوضه الله منه ما هو خير له منه في دينه ودنياه} كشف الخفاء 2/239.
الاستقامة 2/80 - 81.
المرجع السابق نفس الموضع.
سورة التوبة: الآية 58.
سورة محمد: من الآية 28.
سورة التوبة: الآية 62.
سورة المائدة: الآية 49.
تفسير الطبري 6/273.
انظر: شفاء العليل ص 278.
سورة النساء: الآية 65.
انظر: مدارج السالكين 2/192، وتفسير الطبري 5/198 - 159.
مدارج السالكين 2/192.
انظر: الفتاوى 8/190.
جزء من حديث أخرجه البخاري في التفسير، باب {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا ... } ، ومسلم في الجهاد والسير، باب كتاب النبي (إلى هرقل 3/1393 - 1397، وأحمد في المسند 1/262 وغيرهم.
سورة البقرة: الآية 284.
سورة البقرة: الآية 285.
سورة البقرة: الآية 286.
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلاَّ ما يطاق 1/115، والإمام أحمد في المسند 2/412.
طريق الهجرتين 1/66 - 67.
سورة التوبة: الآيتان 58، 59.
شرح العقيدة الطحاوية ص 80.
مجموع الفتاوى 8/246.
سورة يس: الآية 82.
سورة الأنعام: الآيتان 59، 60.
سورة آل عمران: من الآية 47، وسورة المائدة: من الآية 17.
سورة الأعراف: من الآية 54.
سورة البقرة: من الآية 117.
انظر: مدارج السالكين 2/193.
سورة إبراهيم: من الآية 7.
أخرجه البخاري في أول كتاب المرضى وفيه عدة أحاديث لهذا المقام.
أخرجه مسلم في البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه 4/1991، وابن حبان في صحيحه 7/167، والترمذي في أول الجنائز وقال: {حسن صحيح} ، والبيهقي في الكبرى في كتاب الجنائز، باب: ما ينبغي لكل مسلم أن يستشعره من الصبر على جميع ما يصيبه بلفظ مقارب لهذا.
أخرجه الحاكم في المستدرك 1/347، وقال: {صحيح الإسناد} ووافقه الذهبي فقال: {صحيح} ، والبيهقي في شعب الإيمان 7/165.
أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه ... 4/1991، والنسائي في الكبرى 4/352، في كتاب الطب، باب شدة المرض، وباب وضع اليد على المريض 4/357، والبيهقي في الكبرى في كتاب الجنائز، باب: ما ينبغي لكل مسلم ... 3/372، وبنحوه البخاري في كتاب المرضى، باب شدة المرض.
سورة يوسف: من الآيتين 18، 83.
عدة الصابرين لابن القيم 1/78.
أخرجه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك 1/509، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، فإنه مختلف في سماعه عن أبيه، وابن حبان في صحيحه 3/253، والطبراني في الدعاء
ص 315، وأبو يعلى في مسنده 9/200، وأحمد في المسند 1/391.
أخرجه ابن حبان في صحيحه 2/507، وذكره الضياء في المختارة 5/196، وقال: {إسناده صحيح} ، وأحمد في المسند 5/24.
أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير 4/2295، وابن حبان في صحيحه 7/155، والبيهقي في الكبرى 3/375، والإمام أحمد في المسند 4/332، 333، وغيرهم.
انظر: فتح الباري لابن حجر 10/105.
انظر: تيسير العزيز الحميد ص 518.
النياحة: رفع الصوت بالبكاء مع ما يصاحب ذلك من الدعاء بالويل والثبور، ونحو ذلك. انظر: تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبد الله
ص 455، 514.
الحلق: حلق الشعر إظهاراً للتسخط من القضاء والقدر. انظر: لسان العرب 10/60.
الشق: شق الثوب إظهاراً للتسخط أيضاً. انظر: تيسير العزيز الحميد ص 515.
الصلق: رفع الصوت، وقد يصاحبه ضرب الخد. انظر: لسان العرب 10/60، 205.
انظر: نيل الأوطار للشوكاني 4/156.
انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 13/212.
سورة الكهف: الآية 62.
انظر: تفسير القرطبي 11/14.
أخرجه الإمام مسلم في كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يتق برضاه بذلك ويتحقق تحققاً تاماً، 3/1609، وانظر: كتاب الزهد لابن المبارك ص 412، ومسند أبي يعلى بإسناد قوي 11/41، والمعجم الكبير للطبراني 19/257.
سورة يوسف: من الآية 86.
سورة الأنبياء: الآية 83، وجزء من الآية 84.
انظر: فتح الباري 10/124، والعبودية، لابن تيمية ص 93 - 95، ومجموع الفتاوى 14/58.
أخرجه البخاري في كتاب المرضى، باب ما رخص للمريض أن يقول: إني وجعٌ، أو
وا رأساه، أو اشتد بي الوجع.
مدارج السالكين 1/112.
فتح الباري 10/124.
فتح الباري 10/124.
انظر: فتح الباري 5/368.
انظر: مدارج السالكين 2/175، وفتح الباري 9/120.
أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب طول النجوى ... ومسلم في كتاب
الأشربة، باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله عليها، وإطفاء السراج والنار عند النوم، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب 3/1596.
انظر: المواضع السابقة في صحيحي البخاري ومسلم وغيرها، وغيرهما.
أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، ومسلم في كتاب
السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها 4/1737.
طريق الهجرتين ص 68.
سورة البقرة: من الآية 216.
انظر: طريق الهجرتين لابن القيم 1/69.
سورة آل عمران: الآية 165.
انظر: تفسير ابن كثير 1/425.
سورة النساء: من الآية 79.
سورة الشورى: الآية 30.
سورة الشورى: من الآية 48.
طريق الهجرتين ص 70
انظر: التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/40، والاستقامة لابن تيمية
2/74.
انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 3/204.
تفسير القرطبي 11/38.
فتح الباري 1/221.
مدارج السالكين 1/111.
انظر: منهاج السنة النبوية 3/204.
انظر: مدارج السالكين 2/188.
انظر: مدارج السالكين 2/188.
منهاج السنة النبوية 3/204، وشفاء العليل ص 278، وهو من الإسرائليات، كما سيأتي - إن شاء الله -.
انظر: منهاج السنة النبوية 3/205، ومدارج السالكين 1/256.
سورة البقرة: من الآية 205.
سورة الزمر: من الآية 7.
سورة النساء: من الآية 108.
سورة محمد: الآية 28.
مدارج السالكين 2/188.
سورة الأحزاب: من الآية 36.
انظر: مدارج السالكين 2/188، 189.
انظر: منهاج السنة 3/205.
انظر: منهاج السنة النبوية 3/204، وشفاء العليل ص 278.
انظر: التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/40.
انظر: شفاء العليل ص 278.
انظر: التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/40.
انظر: شفاء العليل ص 278، ومنهاج السنة النبوية 3/204.
انظر: منهاج السنة النبوية 3/205.
أخرجه هناد بن السري في الزهد في باب التوكل 1/304 - 305، والبيهقي في شعب الإيمان 7/203.
انظر: التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/40.
انظر: منهاج السنة النبوية 3/204.
انظر: مدارج السالكين 2/171.
منهاج السنة النبوية 3/204.
سورة المائدة: من الآية 119، والتوبة 100، والمجادلة 22، والبينة 8.
انظر: منهاج السنة النبوية 3/204.
مدارج السالكين 2/171.
سورة البقرة: الآية 177.
انظر: تفسير الطبري 1/98 - 101، وتفسير ابن كثير 1/209.
سورة البقرة: الآية 214.
التحفة العراقية ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 10/41.
انظر: فتح القدير للشوكاني 1/382، وتفسير السيوطي 2/326.
سورة فصلت: الآية 25.
انظر: تفسير القرطبي 15/354 - 355.
سورة الشعراء: الآيتان 88، 89.
أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، وأبو داود في كتاب الأدب، باب إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، وأحمد في المسند 2/256، وفي مواضع أخرى.
انظر: عون المعبود لآبادي 13/352، وفتح الباري 10/612.
أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، ومسلم في كتاب الزهد والرقاق، باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب 4/2293، وابن حبان في صحيحه 6/121.
سورة الأعراف: الآية 28.
أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ... 4/1986، وابن ماجة في كتاب الزهد، باب القناعة 2/1388.
إغاثة اللهفان 2/181، والقائل والله أعلم محمد بن الحسين الرضا. انظر: المنتظم لابن الجوزي 7/281.
مفتاح دار السعادة لابن القيم 1/141.
انظر: الإعلام للقرطبي ص 221.
التصوف والسلوك ضمن فتاوى ابن تيمية 11/472.
تاريخ الطبري 4/593، وقائلها: قيل الرشيد، الخليفة، وفيه نظر فكثيراً ما نسبت إليه أمور لاتليق، وقيل: التوزي. انظر: البداية والنهاية لابن كثير 10/219، وتاريخ الطبري الموضع السابق.
سورة المائدة: من الآية 2.
أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله - تعالى - ولعن فاعله 3/1567، والنسائي في الكبرى، في ما ذبح لغير الله - عزّوجل - 3/67، وفي المجتبى 7/232، وصححه الألباني، وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه 14/571.
انظر: شرح السيوطي 7/234.
أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا 3/1480، 1481، وأحمد في المسند 6/295، 302، 321، وأبو داود في السنة، باب في الدجال 4/242، وصححه الألباني، وأخرجه الترمذي في الفتن، باب 78، 4/529 وقال: {حسن صحيح} وغيرهم.
سورة الحجر: من الآية 88.
سورة آل عمران: من الآية 159.
سورة فصلت: من الآية 34.
انظر: فتح القدير للشوكاني 1/382.
أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم، باب: الأمر والنهي 4/124.
انظر: تفسير القرطبي 4/295.
تفسير القرطبي 4/295.
سورة النساء: الآية 140.
أي: قام بتأديبه تعزيراً.
تفسير القرطبي 5/418.
قاله عدي بن زيد. انظر: تفسير الطبري 5/88، ومصنف ابن أبي شيبة 5/235.
سورة الأنعام: من الآية 69.
مراتب الإرادة ضمن فتاوى ابن تيمية 8/190.
التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/42.
انظر: شفاء العليل ص 278.
سورة النساء: من الآية 108.
سورة البقرة: من الآية 205.
سورة التوبة: من الآية 96.
سورة النساء: من الآية 93.
سورة محمد: من الآية 28.
سورة التوبة: من الآية 68.
سورة المائدة: من الآية 80.
سورة الزخرف: من الآية 55.
سورة الإسراء: من الآية 38.
انظر: مراتب الإرادة ضمن فتاوى ابن تيمية 8/191.
سورة الحجرات: من الآية 7.
سورة النور: من الآية 55.
سورة الزمر: من الآية 7.
أخرجه البخاري في كتاب الكسوف، باب الصدقة في الكسوف، ومسلم في كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف.
أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الغيرة، ومسلم في كتاب التوبة، باب غيرة الله وتحريم الفواحش 4/2114.
انظر: الصارم المسلول لابن تيمية 2/370.
انظر: المصدر السابق نفسه 2/383.
سورة النساء: من الآية 64.
انظر: تفسير الطبري 5/157.
سورة النساء: الآية 65.
انظر: قاعدة في المحبة ضمن مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/193.
سورة المائدة: من الآية 23.
أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الزهد (2/295) عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس مرفوعاً، وبلفظ من أحب أن يكون ... ، أخرجه الحاكم في المستدرك
(4/270) ، وقال: ((هذا حديث قد اتفق هشام بن زياد النصري، ومصارف بن زياد المدني، على روايته عن محمد بن كعب القرظي، والله أعلم، ولم أستجز إخلاء الموضع منه فقد جمع آداباً كثيرة)) اهـ.
وبيّن الذهبي بطلانه في التلخيص بهامش المستدرك، وأخرجه القضاعي في مسنده (1/234) ، وعبد بن حميد في مسنده أيضاً ص 225، بنحو لفظ الحاكم.
انظر: مدارج السالكين 2/224.
انظر: مدارج السالكين 2/220.
انظر: مدارج السالكين 2/212.
انظر: مدارج السالكين 2/208.
انظر: مدارج السالكين 2/207.
سورة الفجر: الآيتان 15، 16.
سورة الحديد: من الآية 23.
سورة آل عمران: من الآية 139.
انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 10/16 - 17، وانظر: نفس المرجع 34/16، ومنهاج السنة 8/463 - 465.
أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب قول النبي - (-: {إنا بك لمحزونون ... } ومسلم بنحوه في كتاب الفضائل، باب رقمه - (- الصبيان والعيال ...
4/1807.
أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض.
سورة النحل: جزء من الآية 127، والآية 128.
سورة التوبة: من الآية 40.
انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 8/464 - 466.
التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/46.
أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب.
أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى من الحلق عند المصيبة، ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريمه ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهليَّة
1/10.
انظر: الجواب الباهر في زوار المقابر ضمن فتاوى ابن تيمية 27/380.
أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة 2/644، وأحمد في المسند 5/342، 343، 344، وابن ماجه في الجنائز باب في النهي عن النياحة 1/503، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنائز، باب ما ورد من التغليظ في النياحة 4/63، وابن حبان في صحيحه 7/412، وأبو يعلى في مسنده 3/148 بإسناد صحيح.
أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب قول النبي - (- يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه ... ، وفي مواضع أخرى، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه 2/638.
انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 24/316.
انظر: منهاج السنة 4/554.
أخرجه البخاري في المرضى، باب عيادة الصبيان، ومسلم في الجنائز، باب البكاء على الميت 2/635.
أخرجه البخاري في المرضى، باب نهي تمني المريض الموت، وفي الدعوات، باب الدعاء بالموت والحياة، ومسلم في الذكر والدعاء ... باب تمني كراهة الموت ... 4/2064.
أخرجه البخاري في الجهاد، باب الجهاد من الإيمان، وباب تمني الشهادة، وفي أول كتاب التمني.
سورة يوسف: من الآية 101.
أخرجه البخاري في عدة مواضع، منها: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي
- (-: ((لو كنت متخذاً خليلاً ... )) ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة - رضي الله عنها - 4/1894، وغيرهما.
سورة الأعراف: من الآية 126.
سورة مريم: من الآية 23.
انظر: تفسير ابن كثير 2/493.
انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 8/536.
أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب حق الجوار في قرب الأبواب، ومسلم في كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف 2/699.
سورة الجمعة: الآية 11.
أخرجه البخاري في أكثر من موضع، منها: كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال.
انظر: العبودية لابن تيمية ص 102.
أخرجه مسلم في الذكر والدعاء ... ، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، 4/2088، وابن حبان في صحيحه 3/293، والنسائي في المجتبى في باب الاستعاذة من دعاء لايستجاب، وصححه الألباني 8/285، وغيرهم.
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 17/41، والديباج للسيوطي 6/71.
انظر: تفسير ابن كثير 1/561.
سورة التغابن: من الآية 11.
نسخة وكيع عن الأعمش ص 59، وسنن البيهقي الكبرى 4/66.
سورة التوبة: من الآية 72.
انظر: منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير ص 398.
أخرجه ابن حبان في صحيحه 8/42، وأحمد في المسند 2/302، 320، وأبو داود في الجهاد، باب في الجرأة والجبن، والبيهقي في الكبرى 9/170.
أخرج مسلم في القدر، باب الأمر بالقوة وترك العجز ... 4/2052، وابن حبان في صحيحه 13/29، وأبو يعلى بإسناد صحيح في مسنده 11/125، وأحمد في المسند 2/366.
رسائل متفرقة ضمن فتاوى ابن تيمية 16/37، 38.
انظر: الروح لابن القيم 1/241.
سورة الفاتحة: الآية 6.
أخرجه البخاري في التوحيد، باب قول الله - تعالى -: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ
مِدَادًا ... } ، ومالك في الموطأ، في كتاب القرآن، باب ماجاء في الدعاء 1/113، ومسلم في الذكر والدعاء ... ، باب العزم بالدعاء ولايقل إن شئت، 4/2063.
انظر: مدارج السالكين 2/181.
انظر: مدارج السالكين 2/177.
منازل السائرين للهروي الصوفي يداخل مدارج السالكين لابن القيم 2/183.
انظر: التحفة العراقية ضمن فتاوى ابن تيمية 10/47.
منازل السائرين للهروي الصوفي، ضمن مدارج السالكين لابن القيم 2/206.
انظر: سؤال عما ذكر عن أبي سليمان الداراني ضمن فتاوى ابن تيمية 10/684، 685.
انظر: منازل السائرين ضمن مدارج السالكين 2/177.
منازل السائرين للهروي الصوفي ضمن مدارج السالكين 2/240.
سؤال عما ذكر عن سليمان الداراني ضمن فتاوى ابن تيمية 10/678، وذكر ابن تيمية - رحمه الله - أن هذه المقولة مرسلة عن الداراني بإرسال لاتثبت بمثله. انظر: الاستقامة 2/65،
سؤال عما ذكر عن سليمان الداراني ضمن فتاوى ابن تيمية 10/689، وانظر: الاستقامة 2/86.
سؤال عما ذكر عن سليمان الداراني ... 10/60، والاستقامة 2/88، وقائله: سحنون الصوفي.
انظر: مدارج السالكين 2/177.
سؤال عما ذكر عن أبي سليمان الداراني ضمن فتاوى ابن تيمية 10/681، والاستقامة 2/72.
مدارج السالكين 2/184.
سورة الفجر: الآيتان 27، 28.
سورة البينة: من الآية 8.
انظر: مدارج السالكين 2/184.
أخرجه النسائي في الكبرى في عمل اليوم والليلة، باب ثواب من قال حين يصبح وحين ... 6/4، وباب ما يقول إذا أمسى 6/145، وابن ماجه في الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى 2/1273، وقال في الزوائد: {إسناده صحيح، رجاله ثقات} ، والحاكم في المستدرك 1/518، وقال: { ... صحيح الإسناد ولم يخرجاه} وصححه الذهبي.
الدندنة: الكلام الذي لايفهم، والحديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، في كتاب الصلاة، باب إباحة الدعاء بعد التشهد ... 1/356، وابن حبان في صحيحه
3/149، وأبو داود في الصلاة، باب تخفيف الصلاة 1/292 - 293، وابن ماجة في إقامة الصلاة، باب ما يقال في التشهد والصلاة على النبي - (- 1/295.
أخرجه مسلم في الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن ... 1/288، وأحمد في المسند 2/168، 265، وابن خزيمة في صحيحه 1/218، وابن حبان في صحيحه 4/590، وغيرهم.
انظر: سؤال عما ذكر عن أبي سليمان الداراني ضمن فتاوى ابن تيمية 10/714 - 715، والاستقامة 2/116، 117، 118.
انظر: سؤال عما ذكر عن أبي سليمان الداراني ضمن فتاوى ابن تيمية 10/705 - 708، والاستقامة 2/116 - 127.
مجموع الفتاوى 1/45.
سورة الحجر: الآية 9.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
الأحاديث المختارة: أو المستخرج من الأحاديث المختارة مِمَّا لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما، ضياء الدين، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي، ط الأولى 1412 هـ، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، دراسة وتحقيق: د. عبد الملك بن دهيش.
إحياء علوم الدين: لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، دار القلم ببيروت.
الأربعون الصغرى: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: أبو إسحاق الحويني الأثري، ط الأولى 1408 هـ، نشر دار الكتاب العربي، بيروت.
الأربعون العشارية: لعبد الرحيم العراقي، تحقيق: بدر عبد الله البدر، دار ابن حزم 1413 هـ.
الاستقامة: لابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، ط الأولى 1404 هـ، طبع ونشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، تحقيق: علي محمد البجاوي، مطبعة نهضة مصر.
أصول الإيمان: للشيخ محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: د. باسم الجوابرة.
الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر العسقلاني، ط الأولى 1328 هـ، نشر: دار العلوم الحديثة.
الاعتقاد: لأبي بكر البيهقي، تحقيق: أحمد عصام الكاتب، ط الأولى 1401 هـ، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
البداية والنهاية: لأبي الفداء الحافظ ابن كثير، نشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض، ومكتبة المعارف ببيروت.
الأعلام ((قاموس التراجم)) : لخير الدين الزركلي، ط الخامسة، دار العلم للملايين ببيروت 1980 م.
الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام: للقرطبي، تحقيق: أحمد السقا، دار التراث بالقاهرة.
البرهان في عقائد أهل الأديان: للسكسكي، دار التراث العربي 1400 هـ.
بيان تلبيس الجهمية: لابن تيمية، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن القاسم، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، 1392 هـ.
تاج العروس من جواهر القاموس: لمرتضى الزبيدي، دار ليبيا ببنغازي.
تاريخ الأمم والملوك: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري.
تأريخ ابن معين برواية الدوري: ليحيى بن معين أبو زكريا، تحقيق: د. أحمد نور
سيف، ط الأولى، 1399 هـ.
تأريخ بغداد، أو مدينة السلام: للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتب العالمية ببيروت.
تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري: لعلي بن الحسن ابن عساكر، دار الكتاب العربي ببيروت 1399 هـ.
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري، نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
ترتيب القاموس المحيط: لمحمد طاهر الزاوي، ط الثانية، عيسى البابي الحلبي وشركاه.
التدمرية: لابن تيمية، تحقيق: د. محمد السعوي، ط الأولى 1405 هـ.
تذكرة الحفاظ: لشمس الدين محمد الذهبي، تحقيق: عبد الرحمن المعلمي، دار الكتب العلمية ببيروت 1374 هـ.
الترغيب والترهيب: لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، ط الأولى 1417 هـ، نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
التصديق بالنظر: لمحمد بن حسين الآجري، تحقيق: سمير الزهيري، ط الأولى
1408 هـ، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت.
التعرف لمذهب أهل التصوف: لأبي بكر محمد الكلاباذي، دار الكتب العلمية ببيروت 1400 هـ.
التعريفات: لعلي بن محمد الجرجاني، تحقيق: إبراهيم الأبياري، ط الأولى 1405هـ، نشر دار الكتاب العربي ببيروت.
تفسير القرآن العظيم: لأبي الفداء الحافظ ابن كثير، دار الفكر ببيروت، 1401 هـ.
التوقيف على مهمات التعاريف: لمحمد بن عبد الرؤوف المناوي، تحقيق: د. محمد رضوان الداية ط الأولى 1410 هـ، نشر: دار الفكر ببيروت ودمشق.
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، ط 1387 هـ.
التوكل على الله: للدكتور سالم بن محمد القرني، دار المجتمع بجدة، ط الأولى
1417 هـ.
تهذيب مستمر الأوهام: لأبي النصر علي بن وهبة الله المشهور بابن ماكولا، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية ببيروت، 1410 هـ.
تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد: لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، المكتب الإسلامي.
الثقات: لابن حبان البستي، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد، ط الأولى 1395 هـ، نشر: دار الفكر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ط الثالثة، البابي الحلبي بمصر، 1388 هـ.
الجامع الصحيح المختصر: لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: مصطفى البغا
1407 هـ، دار ابن كثير واليمامة.
الجامع الصحيح (سنن الترمذي) : لمحمد بن عيسى أبي عيسى الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، وإبراهيم عطوة عوض، نشر المكتبة الإسلاميَّة.
الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، دار الكتب، نشر: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة 1387 هـ.
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تحقيق: د. محمود الطحاون، مكتبة المعارف بالرياض 1403 هـ.
جمهرة أشعار العرب في الجاهليَّة والإسلام: لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، تحقيق: د. محمد بن علي الهاشمي، ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة
1401 هـ.
حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح: لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية
ببيروت.
حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1415 هـ.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، ط الرابعة، دار الكتاب العربي ببيروت 1405 هـ.
خلق أفعال العباد: لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: د عبد الرحمن عميرة 1398هـ، نشر دار المعارف بالرياض.
درء تعارض العقل والنقل: لابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، 1399 هـ.
الدر المنثور في التفسير بالمأثور: لجلال الدين السيوطي، نشر دار الفكر ببيروت، سنة 1414 هـ.
الدعاء: لسليمان أبي القاسم الطبراني، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط الأولى 1413 هـ نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
دلائل النبوة ومعرفة أصحاب الشريعة: لأبي بكر البيهقي، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية ببيروت 1405 هـ.
الديباج على صحيح مسلم: لجلال الدين السيوطي، تحقيق: أبي إسحاق الأثري، نشر دار ابن عفان بالخبر 1416 هـ.
ذم التأويل: لموفق الدين ابن قدامة المقدسي، الدار السلفية، الكويت.
ذيل التقييد في رواة السنن والمسانيد: لأبي الطيب محمد بن أحمد الفاسي، تحقيق: كمال الحوت، دار الكتب العلمية ببيروت 1410 هـ.
رؤية الله: لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق: مبروك إسماعيل مبروك، نشر مكتبة القرآن بالقاهرة.
الرسالة في اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة، أو عقيدة السلف أصحاب الحديث: لأبي إسماعيل الصابوني، تحقيق: بدر البدر، نشر الدار السلفية بالكويت.
الرضا عن الله: لابن أبي الدنيا، تحقيق: ضياء السلفي، ط الأولى 1410 هـ، دار السلفية بومباي.
رفع الأستار: لمحمد بن إسماعيل، الشهير بابن الأمير الصنعاني، تحقيق: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط الأولى 1405 هـ، نشر المكتب الإسلامي ببيروت.
الروح في الكلام على أرواح الأموات والأحياء: لابن القيم الجوزية، دار الكتب العلمية ببيروت 1395 هـ.
روضة المحبين ونزهة المشتاقين: لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1412 هـ.
الزهد: لابن أبي عاصم، تحقيق: عبد العلي عبد الحميد، ط الثانية، دار الريان للتراث 1408 هـ.
الزهد: لعبد الله ابن المبارك المروزي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية ببيروت.
الزهد: لهناد بن السري الكوفي، تحقيق: عبد الرحمن الفريوائي، ط الأولى 1406 هـ، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي.
الزهد وصفة الزاهدين: لأحمد بن محمد ابن الأعرابي، تحقيق: مجدي فتحي السيد، ط الأولى 1408 هـ، نشر دار الصحابة بطنطا، مصر.
سنن أبي داود: للحافظ سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: عزت الدعاس، دار الحديث بحمص سوريا.
سنن أبي داود: للحافظ سليمان بن الأشعث، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر ببيروت.
سنن الدارمي: لأبي محمد الدارمي، دار الكتب العلمية ببيروت، نشر دار إحياء السنة النبوية.
سنن ابن ماجة: للحافظ أبي عبد الله محمد بن زيد بن ماجة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
السنن الكبرى: لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: د. عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي، ط الأولى 1411 هـ، دار الكتب العلمية ببيروت.
السنن ((المجتبى)) : للنسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط الثانية 1406 هـ، مكتب المطبوعات الإسلاميَّة بحلب.
السنن الكبرى: للبيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز بمكة المكرمة 1414 هـ.
سير أعلام النبلاء: لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، مؤسسة الرسالة.
شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لابن العماد الحنبلي، دار الآفاق الجديد ببيروت.
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: لهبة الله بن الحسن اللالكائي، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان 1402 هـ، دار طيبة بالرياض.
شرح الحافظ السيوطي لسنن النسائي: للحافظ جلال الدين السيوطي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة ط الثانية 1406 هـ، مكتبة المطبوعات الإسلاميَّة بحلب.
شرح حديث جبريل عليه السلام: للشيخ محمد بن صالح العثيمين، دار الثريا للنشر والتوزيع، ط الأولى 1415 هـ.
شرح العقيدة الأصفهانية: لابن تيمية، تحقيق: إبراهيم سعيداي، ط الأولى 1415هـ، مكتبة الرسالة بالرياض.
شرح العقيدة الطحاوية: لابن أبي العز الحنفي، تحقيق: د. عبد الله التركي وشعيب الأرناؤوط مؤسسة الرسالة.
شرح قصيدة ابن القيم: لابن القيم الجوزية، تحقيق: زهير الشاويش، ط الثالثة 1406 هـ، نشر المكتب الإسلامي ببيروت.
شعب الإيمان: لأبي بكر البيهقي، تحقيق: محمد السعيد زغلول، ط الأولى 1410هـ، نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
شفاء العليل: لابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد بدر الدين أبو فراس الحلبي، دار الفكر ببيروت 1398 هـ.
الشكر: لابن أبي الدنيا، مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت.
الصارم المسلول على شاتم الرسول: لابن تيمية، تحقيق الحلواني وشودري، ط الأولى، دار ابن حزم ببيروت 1417 هـ.
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: لمحمد بن حبان البستي، تحقيق: شعيب
الأرناؤوط، ط الثانية 1414 هـ، مؤسسة الرسالة ببيروت.
صحيح الإمام مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر ببيروت 1398 هـ.
صحيح مسلم بشرح النووي: للإمام النووي، دار الفكر ببيروت.
طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين السبكي، دار المعرفة للطباعة والنشر ببيروت.
الطبقات الكبرى: لابن سعد، دار صادر ببيروت.
طريق الهجرتين وباب السعادتين: لابن القيم الجوزية، تحقيق: عمر بن محمود أبو
عمر، ط الثالثة 1414 هـ، نشر دار ابن القيم بالدمام.
العبر في خبر من غبر: لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، دائرة المطبوعات بالكويت.
عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين: لابن القيم الجوزية، تحقيق: زكريا علي يوسف، نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
العقل وفضله: لابن أبي الدنيا، تحقيق: لطفي محمد الصغير، ط الأولى 1409 هـ، نشر دار الراية بالرياض.
العقيدة: للإمام أحمد بن حنبل برواية الخلال، تحقيق: عبد العزيز السيروان، ط الأولى 1408 هـ نشر دار قتيبة بدمشق.
عون المعبود شرح سنن أبي داود: لمحمد شمس الحق آبادي، ط الثانية، دار الكتب العلمية ببيروت 1415 هـ.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: لابن حجر العسقلاني، المكتبة السلفية.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير: لمحمد بن علي الشوكاني، ط الثالثة دار الفكر ببيروت 1393 هـ.
الفرق بين الفرق: لعبد القاهر البغدادي، دار المعرفة ببيروت.
فوائد العراقيين: لمحمد بن علي النقاش، تحقيق: مجدي السيد، مكتبة القرآن بالقاهرة.
القاموس المحيط: لمجد الدين الفيروزبادي، دار الفكر للجميع.
القضاء والقدر: للدكتور عمر الأشقر، دار النفائس ببيروت، ط الرابعة، 1419هـ.
القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة: للدكتور عبد الرحمن المحمود، ط الثانية، دار الوطن 1418 هـ.
القناعة: لأبي بكر أحمد الدينوري، تحقيق: عبد الله الجديع، ط الأولى 1409 هـ، مكتبة الرشد بالرياض.
القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى: للشيخ محمد بن صالح العثيمين، عالم الكتب.
كشف الأستار عن زوائد البزار: لنور الدين الهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، ط الثانية 1404 هـ، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت.
كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: لإسماعيل العجلوني تحقيق: أحمد العلاش، ط الرابعة، 1405 هـ، مؤسسة الرسالة ببيروت.
لسان العرب: لأبي الفضل بن منظور، دار صادر ببيروت.
لوامح الأنوار البهية: لمحمد بن أحمد السفاريني، المكتب الإسلامي ببيروت، مكتبة أسامة بالرياض، ط الثانية، 1405 هـ.
مجمع الزوائد ومنيع الفوائد: لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مؤسسة المعارف ببيروت.
مجموع فتاوى ابن تيمية: جمع عبد الرحمن القاسم، ط رئاسة الحرمين.
مجموعة التوحيد أو الجامع الفريد: دار الأصفهاني بجدة، الطبعة الثانية، تقديم: الشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله -.
مختار الصحاح: لمحمد بن أبي بكر الرازي، دار الفكر ببيروت.
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: لابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، ط الثانية، 1393 هـ، نشر دار الفكر العربي ببيروت.
المستدرك على الصحيحين: للإمام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وبذيله التلخيص للإمام الذهبي، توزيع مكتبة المعارف بالرياض.
مسند أبي يعلى: لأحمد بن علي الموصلي، تحقيق: حسين سليم أسد، ط الأولى 1404 هـ نشر دار المأمون للتراث بدمشق.
المسند: للإمام أحمد بن حنبل، المكتب الإسلامي للطباعة، نشر دار الفكر ببيروت.
مسند البزار: لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار، تحقيق: د. محفوظ الرحمن وزين الله، ط الأولى 1409 هـ، مؤسسة علوم القرآن ببيروت، ومكتبة العلوم والحكم بالمدينة.
مسند الحارثي {بغية الباحث عن زوائد الحارث} : للحارث بن أبي أسامة والحافظ الهيثمي، تحقيق: د. حسين الباكري، ط الأولى 1413 هـ، نشر مركز خدمة السنة بالمدينة.
مسند الشهاب: لمحمد بن سلامة القضاعي، تحقيق: حمدي السلفي، ط الثانية
1407 هـ، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت.
مسند الطيالسي: لسليمان بن داود الطيالسي، دار المعرفة ببيروت.
المشوف المعلم في ترتيب الاصطلاح على حروف المعجم: لأبي البقاء عبد الله
العكبري، نشر جامعة أم القرى.
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: لأحمد بن محمد المقرزي الفيومي، توزيع دار الباز بمكة.
المصنف في الأحاديث والآثار: لابن أبي شيبة، تحقيق: كمال الحوت، ط الأولى 1409 هـ مكتبة الرشد بالرياض.
المعجم الأوسط: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله، وعبد المحسن الحسيني، 1415 هـ، نشر دار الحرمين بالقاهرة.
معجم البلدان: لياقوت الحموي، دار الفكر ببيروت.
المعجم الصغير: لابن القاسم الطبراني، تحقيق: محمد شكور، ط الأولى 1405 هـ، نشر المكتب الإسلامي، دار عمار ببيروت وعَمّان.
المعجم: لأبي يعلى الموصلي، تحقيق: إرشاد الأثري، ط الأولى 1407 هـ، إدارة العلوم الأثرية - فيصل آباد.
المعجم الكبير: لأبي القاسم الطبراني، تحقيق: حمدي السلفي، ط الثانية 1404 هـ، مكتبة دار الحكم بالموصل.
معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: لأبي عبد الله البكري، تحقيق: مصطفى السقا، عالم الكتب ببيروت 1403 هـ.
معجم المؤلفين: لعمر رضا كحالة، مكتبة المثنى، ودار إحياء التراث ببيروت.
مفتاح دار السعادة: لابن القيم الجوزية، دار الكتب العلمية ببيروت.
المفردات في غريب القرآن: لحسين الراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة ببيروت.
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: لأبي الحسن الأشعري، تحقيق: هلموت ريتر، ط الثالثة نشر دار إحياء التراث العربي ببيروت.
الملل والنحل: لأبي الفتح الشهرستاني، دار المعرفة ببيروت.
المنار المنيف في الصحيح والضعيف: لابن القيم الجوزية، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط الثانية 1403 هـ، نشر مكتب المطبوعات الإسلاميَّة بحلب.
منال الطالب في شرح طوال الغرائب: لمجد الدين أبي السعادات ابن الأثير، تحقيق: د. محمود الطناحي، طباعة ونشر جامعة أم القرى.
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: لعبد الرحمن ابن الجوزي، ط الأولى 1358 هـ، دار صادر ببيروت.
منهاج السنة النبوية: لابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، 1406 هـ.
الموسوعة الحديثية {مسند الإمام أحمد} : تحقيق: د. عبد الله التركي، وشعيب الأرناؤوط ومن معهم، مؤسسة الرسالة ببيروت.
الموطأ: للإمام مالك بن أنس، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر: دار إحياء التراث العربي ببيروت.
ميزان الاعتدال: للإمام محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة ببيروت.
النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة: لابن تغري بردي، دار الكتب المصرية بالقاهرة.
النبوات: لابن تيمية، نشر المطبعة السلفية بالقاهرة، 1386 هـ.
نسخة وكيع عن الأعمش: لوكيع بن الجراح، تحقيق: عبد الرحمن الفريوائي، ط الثانية 1406 هـ، الدار السلفية بالكويت.
النهاية في غريب الأثر: لأبي السعادات ابن الأثير الجزري، تحقيق: طاهر الزاوي، ومحمود الطباخي، 1399 هـ، نشر دار الفكر ببيروت.
نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار: للشوكاني، دار الجيل ببيروت 1973 م.
الوابل الصيب من الكلم الطيب: لابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد عبد الرحمن عوض، ط الأولى 1405 هـ، نشر الكتاب العربي ببيروت.
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى: لابن قيم الجوزية، الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النبوية.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: لأبي العباس ابن خلكان، تحقيق: د. إحسان
عباس، دار صادر ببيروت.(5/437)
* * *(5/438)
الحديث المقلوب
تعريفه، وفوائده، وحكمه، والمصنفات فيه
د. محمد بن عمر بن سالم بازمول
الأستاذ المشارك بقسم الكتاب والسنة - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
ملخص البحث
الحديث المقلوب من أنواع علوم الحديث!
وقد قام الباحث بدراسة موضوعية تعريفية، ناهجاً سبيل التحليل والعرض لبيان هذا النوع وإلقاء الضوء عليه، فبدأ بتعريف الحديث المقلوب مستعرضاً كلام أئمة المصطلح، واقفاً عند عباراتهم لاستبيان مرادهم رحمهم الله في التعريف، وقدّم في نهاية ذلك التعريف المختار
ثم ثنّى ببيان فوائد معرفة الحديث المقلوب.
وثلث ببيان حكم الحديث المقلوب، ومرتبته! وفصّل في ذلك بحسب صوره وأحواله.
ثم بيّن الطريق التي يُعْرف بها القلب في الحديث.
ثم أورد أمثلة للحديث المقلوب متناً.
وذكر بعد ذلك الأئمة الذين استعملوا في عباراتهم الوصف بالقلب!
وأخيراً ذكر المصنفات في الحديث المقلوب!
وجاءت بعد ذلك الخاتمة والتي تتضمن أهم نتائج البحث.
ومن هنا جاء عنوان البحث:
"الحديث المقلوب تعريفه وفوائده وحكمه والمصنفات فيه"
وقد تحرّى الباحث في بحثه أن يمدّه بما تجمّع لديه من نصوص للأئمة منثورة في ثنايا كتب التخريج والجرح والتعديل والشروح، فلم يقتصر البحث في مادته على ما جاء في كتب المصطلح!
والباحث يرجو أن يسد ببحثه هذا فراغاً في المكتبة الحديثية حيث لا توجد حسب علمه دراسة مفردة لهذا النوع الحديثي مع أهميته!
• • •
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أمّا بعد: فهذا كتاب قصدت فيه بيان الحديث المقلوب وما يتعلق به، وقد أسميته:
الحديث المقلوب
تعريفه وفوائده وحكمه والمصنفات فيه
وقسمته على تمهيد وخمسة مقاصد وخاتمة، وتفصيل ذلك هو التالي:(5/439)
أمّا التمهيد: ففي دائرة الحديث المقلوب!
أمّا المقصد الأول: ففي تعريف الحديث المقلوب
أمّا المقصد الثاني: في فوائد معرفته.
المقصد الثالث: حكم الحديث المقلوب!
المقصد الرابع: كيف يعرف القلب في الحديث؟
المقصد الخامس: أمثلة للحديث المقلوب متناً.
المقصد السادس: الأئمة الذين استعملوا في عباراتهم الوصف بالقلب!
المقصد السابع: المصنفات في الحديث المقلوب!
أمّا الخاتمة: ففي أهم النتائج التي انتهت إليها الدراسة.
أسأل الله تبارك تعالى أن يتقبله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرزقني فيه القبول في الدنيا والآخرة، وأن يتقبل جميع عملي خالصاً لوجهه الكريم، وداعياً إلى سنة نبيه الرؤوف الرحيم (.
تمهيد: دائرة الحديث المقلوب
لم يقتصر دور قلب الحديث عند حدِّ استعماله وسيلة من وسائل الكشف عن حال الراوي في الضبط، ومعرفة مدى حفظه لمرويه؛ بل تعدّى ذلك إلى كونه وصفاً يوصف به الراوي لبيان نوع وهمه وخطئه، فهو بصفة عامة من الجرح المفسر غير المجمل، كما أصبح بالاستقراء علامة على نكارة حديث الراوي بدرجات متفاوتة قد تخف إلى درجة لا تخرج الراوي عن حيز القبول، وقد تزيد إلى درجة تخرج الراوي إلى حيز الرد، بل أحياناً إلى درجة الضعيف جداً الذي لا يقبل حديثه التقوي والانجبار بتعدد الطرق.
وسيأتي ذكر الأئمة الذين كانوا يستعملون الوصف بالقلب في كلامهم عن الرجال أو في بيان حال الأحاديث، ومنها ما جاء عن شعبة (ت160هـ) وحماد ابن سلمة (ت167هـ) ، وابن معين (ت233هـ) رحمهم الله.
بل يُعْرف قدر حفظ الراوي بأنه لم يُقْلب عليه إسناد!
قال عمرو بن محمد الناقد (ت232هـ) : "ما كان في أصحابنا أعلم بالإسناد من يحي بن معين ما قدر أحد يقلب عليه إسناد قط" (1) .
وتتسع دائرة المقلوب فتتداخل مع أنواع حديثية عديدة يأتي فيها صورة الحديث المقلوب.(5/440)
ولمّا ذكر ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله أنواع جرح الضعفاء، ذكر النوع العاشر وقال: "ومنهم من كان يقلب الأخبار ويسوّي الأسانيد كخبر مشهور عن صالح يجعله عن نافع وآخر لمالك يجعله عن عبيد الله بن عمر ونحو هذا.
كإسماعيل بن عبيد الله التيمي وموسى بن محمد البلقاوي وعمر بن راشد الساحلي، وذويهم وقد رأينا في عصرنا جماعة مثلهم يُسرون الأحاديث"اهـ (1) .
وقال الحاكم (ت405هـ) رحمه الله، لمّا ذكر أنواع الجرح والمجروحين على عشرة طبقات: "الطبقة الثانية من المجروحين: قوم عمدوا إلى أحاديث مشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد معروفة ووضعوا إليها غير تلك الأسانيد فركبوها عليها ليستغرب بتلك الأسانيد منهم: إبراهيم بن اليسع وهو ابن أخي حية يُحدِّث عن جعفر بن محمد الصادق وهشام بن عروة، فيركب حديث هذا على حديث ذلك، وكذلك حمّاد بن عمرو النصيبي وبهلول بن عبيد وأصرم بن حوشب، وغيرهم"اهـ (2) .
وفي الصفحات القادمة سنتبين الحديث المقلوب وأقسامه وما يتعلق به!
المقصد الأول: تعريف الحديث المقلوب
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الحديث المقلوب لغة
المطلب الثاني: تعريف المقلوب اصطلاحاً.
وإليك البيان:
المطلب الأول: تعريف الحديث المقلوب لغة
المقلوب لغة:
المقلوب اسم مفعول من (قلب) .
ومادة "ق. ل.ب" لها في اللغة أصلان صحيحان:
أحدهما يدل على خالص شيء وشريفة.
والآخر يدل على رد شيء من جهة إلى جهة.
والأصل الثاني هو المراد هنا. ومنه:
القليب: البئر قبل أن تطوى، وإنما سمِّيت قليباً لأنها كالشيء يقلب من جهة إلى جهة، وكانت أرضاً فلمّا حفرت صار ترابها كأنه قلب فإذا طويت فهي الطَّوى ولفظ القليب مذكر. والحوّل القلب: الذي يقلب الأمور ويحتال لها (3) .
المطلب الثاني: تعريف المقلوب اصطلاحاً.
المقلوب اصطلاحاً:
المقصود هنا تعريف المقلوب في اصطلاح علماء الحديث، دون غيرهم (4) .(5/441)
وسأستعرض هنا تعاريف أهل العلم للحديث المقلوب، مسجلاً عقب كل تعريف أورده ما لدي من ملاحظات عامة، خاتماً ذلك ببيان التعريف المختار.
تعريف ابن الصلاح (ت643هـ) رحمه الله:
قال عليه من الله الرحمة والرضوان: "هو نحو حديث مشهور عن سالم جُعِل عن نافع ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه، و [هو] كذلك [جعل] متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر"اهـ (1) .
وتلاحظ الأمور التالية:
1 تابع ابن الصلاح على تعريفه الذين اختصروا كتابه أو نظموه، ومن هؤلاء:
النووي (ت676هـ) رحمه الله (2) .
وابن جماعة (ت733هـ) رحمه الله (3) .
والطيبي (ت743هـ) رحمه الله (4) .
وابن كثير (ت774هـ) رحمه الله (5) .
والعراقي (ت806هـ) رحمه الله (6) .
2 جرى ابن الصلاح في تعريفه على التعريف بالمثال (7) ، وهو تعريف بالرسم الناقص. وفائدة هذه الملاحظة بيان أنه لا يتوجه عليه رحمه الله نقد في تعريفه من جهة أنه لم يكن جامعاً مانعاً؛ لأنه لم يقصد أصلاً التعريف بالحد التام أو الرسم التام.
3 اقتصر ابن الصلاح رحمه الله في تعريفه بالمثال على قسمين أو صورتين من المقلوب في السند، دون ذكر المقلوب في المتن. كما أنه أطلق الكلام فهو شامل لحال العمد والوهم!
وقد ذكر ذلك ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله أثناء تنبيهه على وقوع القلب في متن حديث أخرجه مسلم في صحيحه، قال: "وقع في صحيح مسلم مقلوبا: "حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله" (8) وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله ابن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب (9) لكنه قصره على ما يقع في الإسناد، ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح (10) ... وقال شيخنا: ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس (11) . انتهى.
والأولى تسميته مقلوبا؛ فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء، وقد سماه بعض من تقدم: (مقلوبا) ."اهـ (12) .(5/442)
4 وبناء على هذا فإن ابن الصلاح رحمه ومن تابعه وجماعة من أهل العلم، لم يأت في تعريفهم إلا القلب في الإسناد! وعلل أهل العلم سبب ذلك أنه قصداً للغالب والأكثر من صور القلب وهو القلب في السند.
قال السخاوي (ت902هـ) رحمه الله: "وقسّموا (أي: أهل الحديث) المقلوب السندي خاصة، لكونه الأكثر كاقتصارهم في الموضوع على المتني لكونه الأهم"اهـ (1) .
قال عطية الأجهوري (ت1194هـ) رحمه الله: "وهذا التعريف يخص القلب في السند واقتصر عليه في التعريف لكثرته في السند وقلته في المتن"اهـ (2) .
قال اللكنوي (ت1304هـ) رحمه الله: "و [مقلوب السند] أكثر وقوعاً بالنسبة إلى [مقلوب المتن] ولذا سكت عن ذكر [مقلوب المتن] كثير من المصنفين في هذا الفن، كما أنهم اقتصروا في بحث الموضوع على المختلق متناً لكثرة وقوعه مع أنه قد يكون الحديث صحيحاً والسند موضوعاً"اهـ (3) .
والحق الذي لا مرية فيه أن كلام أئمة الجرح والتعديل المتعلق بالمقلوب أكثره وجلّه متعلق بالقلب في السند، بل لا استحضر الآن كلاماً صريحاً لأحد من المتقدِّمين في القلب في المتن (4) ويؤيد هذا الواقع: الصور المندرجة تحت القلب في السند فإنها صورتان وصورة واحدة للمتن، وصورة مشتركة بينهما، وعدّها الأكثر من صور قلب السند.
5 ذكر ابن الصلاح في تعريفه مثالين للمقلوب، أحدهما: أن يجعل سند الحديث لمتن الآخر، وسند الآخر لمتن هذا، وهذه الصورة للقلب عدّها جمهور المصنفين في مصطلح الحديث من قبيل القلب في السند، وعدّها بعضهم من قبيل قلب المتن (5) .
وقد ذكر ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله مثالاً للقلب في المتن ينطبق على هذه الصورة حيث قال: "وأمّا في المتن فكمن يعمد إلى نسخة مشهورة بإسناد واحد فيزيد فيها متناً أو متوناً ليست فيها كنسخة معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد زاد فيها.(5/443)
وكنسخة مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما زاد فيها جماعة عدة أحاديث ليست فيها، منها القوي والسقيم وقد ذكر جلّها الدارقطني في غرائب مالك"اهـ (1) .
فإذا اعتبرنا أن القسم الثاني من المقلوب الذي ذكره ابن الصلاح وهو جعل متن هذا الإسناد لإسناد آخر ... الخ" من المقلوب متناً فإنه يكون رحمه الله قد أشار في تعريفه إلى القلب في السند وفي المتن. وينحصر القصور في تعريفه في جهة واحدة وهي كونه لم يشمل جميع أنواع المعرّف في كل صوره أو أفراده؛ مكتفياً بالإشارة إلى محله فالقلب إمّا أن يكون في السند وإمّا أن يكون في المتن، واكتفى بالتمثيل بمثال واحد لكل منهما. وفائدة هذا: التنبيه أنه لا يتوجه نقد ابن الصلاح بأنه لم يشر إلى القلب في المتن.
6 اقتصر بعض العلماء الذين جاؤوا بعد ابن الصلاح على نحو تعريف ابن الصلاح مقتصرين على تعريف المقلوب بحسب الغالب والأكثر؛ من هؤلاء:
ابن دقيق العيد (أبي الفتح القشيري) (ت702هـ) رحمه الله، حيث اقتصر على تعريف القلب في السند، مقتصراً على صورة واحدة منه وهي إبدال راوٍ في السند بآخر في طبقته (2) .
الذهبي (ت748هـ) رحمه الله،، حيث اقتصر على تعريف القلب سنداً، فذكر صورتين منه؛ القلب بتركيب إسناد حديث إلى متن آخر بعده، أو أن ينقلب عليه اسم راوٍ مثل: "مرّة بن كعب" ب "كعب بن مرّة"، و "سعد بن سنان" ب "سنان بن سعد" (3) .
ابن الملقن (ت804هـ) رحمه الله، حيث عرّف القلب مقتصراً على القلب في السند، فقال عن القلب إنه: "إسناد الحديث إلى غير راويه"اهـ (4) .
الشريف الجرجاني (ت816هـ) رحمه الله، فعرَّفه بتعريف ابن الصلاح باختصار (5) .
وكذا صنع محمد بن محمد بن علي الفارسي (ت873هـ) رحمه الله (6) .
ومحي الدين الكافيجي (ت879هـ) رحمه الله (7) .
وجمال الدين يوسف ابن عبد الهادي (ت909هـ) رحمه الله (8) .
تعريف الزركشي (ت794هـ) رحمه الله:(5/444)
قال رحمه الله: "جعل إسناد لمتن آخر وتغيير إسناد بإسناد"اهـ (1) .
ويلاحظ مايلي:
1 أن الزركشي رحمه الله اعتبر تعريفه هذا مبيناً لحقيقة المقلوب، وقاله بعد أن تعقّب ابن الصلاح في تعريفه بقوله: "لم يتعرّض للقلب في المتن" (2) .
وقد قدّمت لك ضمن الملاحظات تحت تعريف ابن الصلاح أنه يمكن اعتبار ابن الصلاح قد تعرّض للتعريف بالمقلوب في المتن، على الطريقة التي جرى عليها بعضهم، حيث ذكر المثال الثاني في تعريفه: "و [هو] كذلك [جعل] متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر"، وهذه الصورة يمكن أن تعتبر من المقلوب في المتن بالنظر إلى المتن؛ وعليه فلا تعقب على ابن الصلاح هنا!
2 بل لا بد من اعتبار ذلك في تعريف الزركشي حتى يصح كلامه في أن التعريف الذي ذكره (يعني: الزركشي) يبين حقيقة المقلوب!
وعندها يأتي سؤال: إذا كان هذا هو المراد، فما وجه تعقبه على ابن الصلاح بأنه لم يتعرّض للقلب في المتن؟
الجواب: إن تعريف ابن الصلاح بذكر المثال الثاني جاء بطريقة قد توهم أن محل التعريف عنده هو فقط قوله: "هو نحو حديث مشهور عن سالم جُعِل عن نافع ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه" لأن ذكره للجزء الثاني في التعريف جاء في سياق ذكره لقصة البخاري (ت256هـ) مع أهل بغداد لمّا قلبوا له الأحاديث فميزها!
فكأن والله اعلم الحافظ الزركشي رحمه الله اعتبر الجزء الأول من كلام ابن الصلاح هو فقط التعريف فأورد عليه إيراده ذاك!
3 إذا تقرر ما ذكرته؛ فلا تعقب على ابن الصلاح أصلاً من هذه الجهة، ويبقى أن يتعقب الزركشي في تعريفه بما سبق من تعقيب على ابن الصلاح من أن التعريف لم يشمل جميع صور القلب.
تعريف ابن الجزري (ت833هـ) رحمه الله:
قال رحمه الله:
والخبر المقلوب أن يكون عن
وقيل فاعل هذا يسرق
قلت: وعندي أنه الذي وضع
للحافظ البخاري في بغداد
منقلب وأصله كما يجب
كمثل للفارس سهمين للفرس
إن ابن مكتوم ليل يُسْمَع(5/445)
سالم يأتي نافع ليرغبن
ثم مركب على ذا أطلقوا
إسناد ذا لغيره كما وقع
والمزِّ أيضاً بابن عبد الهادي
يسبق لفظ الراو فيه ينقلب
للنار ينشيء الله خلقاً انعكس
وقبل جمعة يُصَلِّي أربع (1)
وتلاحظ الأمور التالية:
1 أن ابن الجزري رحمه الله أطلق المقلوب على صورة واحدة، منصوره، وهي: "حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه".
2 سمّى الصورة الثانية من صور المقلوب عند ابن الصلاح وهي: "جعل متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر"، سمّاها
ب "المركب"، وقال: هي أولى بهذه التسمية من الصورة الأولى التي سمّاها بعض المحدثين بذلك.
وهذا اصطلاح من ابن الجزري ولا مشاحة فيه.
3 ذكر صورة القلب في المتن التي هي: "أن يكون الحديث على وجه فينقلب بعض لفظه على الراوي فيتغيّر معناه وربما انعكس" (2) ، وسمّاها ب "المنقلب". وأشار رحمه الله أن في قلب المتن عكس للمتن.
وقد قال السراج البلقيني (ت805هـ) رحمه الله: "يمكن أن يسمى ذلك بالمعكوس، فينبغي أن يفرد بنوع خاص ولكن لم أر من تعرض له"اهـ (3) .
وابن الجزري رحمه الله في ذكره لهذه الصورة قد تميّز عمن قبله، بل إنه رحمه الله ذكر أمثلة لهذا القسم توضحه وتبينه، فجزاه الله خيراً.
4 يستدرك عليه رحمه الله أنه لم يذكر صورة القلب في الأسماء، وهو: "أن ينقلب عليه اسم راوٍ مثل: "مرّة بن كعب" ب "كعب بن مرّة"، و "سعد بن سنان" ب "سنان بن سعد".
5 جرى القاسمي (ت1332هـ) رحمه الله على نحو اصطلاح ابن الجزري رحمه الله، حيث قال القاسمي رحمه الله، تحت الأنواع التي تختص بالضعيف: "المقلوب وهو ما بدل فيه راوٍ بآخر في طبقته أو أخذ إسناد متنه فركب على متن آخر ويقال له المركب" (4) . وعدّ في الأنواع التي تشترك في الصحيح والحسن والضعيف: "المنقلب: الذي ينقلب بعض لفظه على الراوي فيتغير معناه"اهـ (5) .(5/446)
قلت: ويلاحظ أن القاسمي لم يرد في كلامه ذكر لصور من صور القلب وهي: إبدال اسم الراوي مع اسم أبيه. كما أنه صرّح بأن الصورتين اللتين ذكرهما من نوع الضعيف. وهو يعني بذلك والله اعلم أنهما من نوع الضعيف من جهة السند، أمّا المتن فقد يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً أو حتى موضوعاً؛ ولذلك تراه رحمه الله لمّا ذكر القلب المتعلق بالمتن وسمّاه ب "المنقلب" أدرجه تحت الأنواع التي تشترك في الصحيح والحسن والضعيف.
تعريف ابن الوزير اليماني (ت840هـ) رحمه الله:
قال رحمه الله: "هو قسمان: أحدهما: أن يكون الحديث مشهوراً براوٍ فيجعل مكانه راوٍ آخر في طبقته ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه كحديث مشهور بسالم يجعل مكانه نافع ونحو ذلك ... القسم الثاني: أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر، ومتن هذا فيجعل بإسناد آخر. القسم الثالث (1) : ما انقلب على راويه ولم يقصد قلبه. نوع آخر من المقلوب: وهو ما انقلب متنه على بعض الرواة"اهـ (2) .
ويلاحظ عليه الأمور التالية:
1 أن تعريفه جاء شاملاً للقلب في السند والمتن، مفرداً القلب في المتن بصورة خاصة غير مشتركة.
2 أن جميع هذه الصور عنده في المقلوب، ولم يصطلح لها أسماء خاصة.
3 يستدرك عليه رحمه الله أنه لم يذكر صورة القلب في الأسماء، وهو: "أن ينقلب عليه اسم راوٍ مثل: "مرّة بن كعب" ب "كعب بن مرّة"، و "سعد بن سنان" ب "سنان بن سعد".
تعريف ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله:(5/447)
قال رحمه الله: "حقيقته إبدال من يعرف برواية بغيره فيدخل فيه إبدال راوٍ أو أكثر من راوٍ حتى الإسناد كله وقد يقع ذلك عمداً إمّا بقصد الإغراب أو لقصد الامتحان وقد يقع وهماً فأقسامه ثلاثة وهي كلها في الإسناد وقد يقع نظيرها في المتن وقد يقع فيهما جميعاً"اهـ (1) . وقال أيضاً: "إن كانت المخالفة بتقديم أو تأخير أي في الأسماء ك "مرة بن كعب" و"كعب بن مرّة"؛ لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر فهذا هو المقلوب، وقد يقع القلب في المتن أيضاً" (2) . ثم قال: "وقد يقع الإبدل عمداً لمن يريد اختبار حفظه امتحاناً من فاعله كما وقع للبخاري والعقيلي وغيرهما. وشرطه أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة، فلو وقع الإبدال عمداً لا لمصلحة بل للإغراب مثلاً فهو من أقسام الموضوع ولو وقع غلطاً فهو من المقلوب أو المعلل"اهـ (3) .
ويلاحظ ما يلي:
1 أن تعريف ابن حجر رحمه الله هذا لم يأت في محل واحد بل جاء مفرقاً في أكثر من موضع وفي أكثر من كتاب؛ فالمقطع الأول جاء في كتابه النكت على كتاب ابن الصلاح، والمقطع الثاني جاء في كتابه "نزهة النظر"، في موضعين منه.
2 أنه اصطلح على تسمية ما وقعت فيه "المخالفة بتقديم أو تأخير في الأسماء ك "مرة بن كعب" و"كعب بن مرّة"، ب "المبدل" مع تسميته له ب "المقلوب" (4) فهو مقلوب مبدل.
3 اصطلح على أن ما وقع فيه الإبدال (يعني: إبدال من يعرف برواية بغيره فيدخل فيه إبدال راوٍ أو أكثر من راوٍ حتى الإسناد كله) عمداً لا لمصلحة بل للإغراب مثلاً فهو من أقسام الموضوع، وهو بذلك لا يمنع تسميته بالمقلوب بل يقيده بأنه مقلوب موضوع، أمّا لو وقع غلطاً فهو من المقلوب أو المعلل، فحصر القلب في الوهم فهو الذي يطلق عليه أنه "مقلوب" دون أي قيد.
4 أن تعريف ابن حجر رحمه الله بالنظر إلى مجموعه جاء شاملاً لجميع صور المقلوب، وستأتي إن شاء الله تعالى في آخر هذا الاستعراض لتعريف المقلوب عند علماء المصطلح.(5/448)
5 في كلام ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله في نزهة النظر ما قد يوهم أن شرط المقلوب المبدل أن يقع وهماً وغلطاً (1) ، وسبب هذا والله اعلم عبارة ابن حجر رحمه الله نفسه حيث قال:"وقد يقع الإبدل عمداً لمن يريد اختبار حفظه امتحاناً من فاعله كما وقع للبخاري والعقيلي وغيرهما. وشرطه أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة، فلو وقع الإبدال عمداً لا لمصلحة بل للإغراب مثلاً فهو من أقسام الموضوع ولو وقع غلطاً فهو من المقلوب أو المعلل"اهـ (2) .
ويزول هذا الإيهام إن شاء الله تعالى إذا تنبهت إلى أن مراد الحافظ ابن حجر والله اعلم أن وقوع الإبدال عمداً يدخل في الموضوع لا أنه لا يسمى مقلوب، بل يكون مقلوباً موضوعاً، فلا يطلق عليه اسم القلب فقط؛ ويدل على هذا الأمور التالية:
أنه نص أن الإبدال يقع عمداً ووهماً، ويسمى في جميع حالته قلباً وذلك في قوله رحمه الله: "حقيقته (يعني: المقلوب) إبدال من يعرف برواية بغيره فيدخل فيه إبدال راوٍ أو أكثر من راوٍ حتى الإسناد كله وقد يقع ذلك عمداً إمّا بقصد الإغراب أو لقصد الامتحان وقد يقع وهماً فأقسامه ثلاثة وهي كلها في الإسناد وقد يقع نظيرها في المتن وقد يقع فيهما جميعاً"اهـ (3) .
أنه نص على أن إبدال اسم الراوي بالتقديم والتأخير من المقلوب حيث قال: "إن كانت المخالفة بتقديم أو تأخير أي في الأسماء ك "مرة بن كعب" و"كعب بن مرّة"؛ لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر فهذا هو المقلوب، وقد يقع القلب في المتن أيضاً".(5/449)
فتحصل من النصين أن الإبدال في الحديث سنداً أو متناً بجميع صوره عنده من المقلوب، وجميعه عنده يقع عمداً أو سهواً، وعليه؛ فإن مراده باصطلاح "المبدل": أن المقلوب في حالة حصوله عمداً سواء كان في اسم الراوي بالتقديم أو التأخير أو بإبدال راوٍ مكان راوٍ أو إبدال السند جميعه وهو ما مثل له في كلامه في "النزهة" بقوله: "كما وقع للبخاري والعقيلي"، فالإبدال في جميع هذه الصور إذا وقع عمداً فهو من أقسام الموضوع، ولا يزول عنه اسم المقلوب، فيكون مقلوباً موضوعاً.
يساعد هذا قوله في معرض ذكر أصناف الوضاعين: "الصنف الثالث: من حمله لشره ومحبة الظهور على الوضع ممن رق دينه من المحدثين فيجعل بعضهم للحديث الضعيف إسناداً صحيحاً مشهوراً كمن يدّعي سماع من لم يسمع وهذا داخل في قسم المقلوب"اهـ (1) .
فهنا أدخل هذا في المقلوب، وهناك أدخل الإبدال في حال العمد في الموضوع، فليس مراده إذا أنه لا يسمى مقلوباً إنما مراده أنه يسمى مقلوباً مع قيد الوضع، لأن راويه تعمد ذلك! فاسم "المقلوب" مطلقاً دون قيد شرطه: وقوع القلب وهماً لا عمداً.
وهذا هو ما أشار إليه السيوطي (ت911هـ) رحمه الله في قوله:
القلب في المتن وفي الإسناد قر
واحد نظيره ليغربا
لآخر وعكسه إغراباً أو
وهو يسمى عندهم بالسرقة
إمّا بإبدال الذي به اشتهر
أو جعل إسناد حديث اجتبى
ممتحناً كأهل بغداد حكوا
وقد يكون القلب سهواً أطلقه (2)
فقوله: "وقد يكون القلب سهواً أطلقه" يشير إلى المعنى الذي ذكرته لك. وهذا في الحقيقة يتفق مع ما تقرر في علم المصطلح عن الحديث الموضوع من أنه "لاتحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقروناً ببيان وضعه بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب" (3) .
6 وفي فلك تعريف ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله يدور تعريف تلميذه السخاوي (ت902هـ) رحمه الله (4) .(5/450)
وكذا السيوطي (ت911هـ) ، حيث أشار إلى تعريف المقلوب بأنه: "إبدال الذي به اشتهر الحديث سنداً أو متناً"، مع ملاحظة أنه اقتصر في الصور على ما ذكره ابن الصلاح رحم الله الجميع (1) .
وكذا زكريا الأنصاري (ت925هـ) رحمه الله، حيث عرّفه بأنه: "هو تبديل شيء بآخر على الوجه الآتي [في أقسام المقلوب] "اهـ (2) .
وكذا اللكنوي (ت1304هـ) رحمه الله (3) . وكذا محمد محمد أبوشهبة (ت1403هـ) رحمه الله (4) . وكذا محمد محمد السماحي (ت1404هـ) رحمه الله (5) . وكذا صبحي الصالح (ت1407هـ) رحمه الله (6) . وكذا السيد قاسم الإنديجاني رحمه الله (7) . وكذا محمد أديب الصالح حفظه الله (8) . وكذا نور الدين عتر حفظه الله (9) . وكذا محمد لطفي الصباغ حفظه الله (10) . وكذا محمود الطحان حفظه الله (11) .
وكاد تعريف محمد عجاج الخطيب حفظه الله، أن يكون من التعاريف الجامعة حيث قال: "هو الحديث الذي انقلب فيه على راوٍ بعض متنه أو اسم راوٍ في سنده أو سند متن مشهور به لآخر"اهـ (12) .
ويلاحظ ما يلي:
1 أن تعريفه فيه دور، حيث فسر الحديث المقلوب بالحديث الذي انقلب، ولم يأت في كلامه ما يوضح حقيقة القلب!
2 أن تعريفه غير جامع لصور المعرّف، إذ لم يذكر صورة القلب بالتقديم والتأخير في الأسماء، ولم تأت عبارته واضحة في صورة القلب ب إبدال ما اشتهر براوٍ فيجعل مكانه راوٍ في طبقته ليصير غريباً مرغوباً فيه.
تعريف طاهر الجزائري (ت1338هـ) رحمه الله:
قال رحمه الله، معرفاً للمقلوب وقد عدّه في أقسام الحديث الضعيف: "هو ما وقعت المخالفة فيه بالتقديم والتأخير ... والغالب في القلب أن يكون في الإسناد".
ثم قال: "وقال الأكثرون: القلب أعم من ذلك وجعلوا القلب في الإسناد قسمين ... وذكر نحواً من تقسيم ابن الصلاح". ثم قال: "وقد عرّف بعضهم القلب في المتن بقوله: أن يعطي أحد الشيئين ما اشتهر للآخر"اهـ (13) .
ويلاحظ ما يلي:(5/451)
1 أنه نظر في تعريفه إلى تعريف ابن حجر رحمه الله في كتابه نزهة النظر، وقد تقدّم، لكنه جعله عاماً ولم يخصّه بكونه في أسماء الرواة بل جعله شاملاً للسند والمتن.
2 يمكن أن يتعقب تعريفه بكون القلب أعم من أن يكون بالتقديم والتأخير، وهذا ما أشار إليه في كلامه عندما ذكر تعريف المقلوب عند الأكثرين! ويبدو أن مراد الشيخ رحمه الله أن حصر القلب في هذه الصورة أولى، ويكون هذا اصطلاحاً خاصاً به، ولا مشاحة في الاصطلاح!
3 تقدّم التنبيه على أن ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله في مجموع كلامه في النزهة لا يفيد حصر المقلوب في التقديم والتأخير في الأسماء، وإنما وقع إيهام في عبارته بسبب الفصل، ويؤكد أنه لم يرد حصر المقلوب في التقديم والتأخير في الأسماء أمور سبق ذكرها، فارجع غير مأمور إلى تعريف ابن حجر والملاحظات تحته!
4 ويتعقب أيضاً بأنه أدرج المقلوب تحت أقسام الضعيف، هكذا مطلقاً دون تفصيل، والواقع أن المقلوب منه ما يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً.
التعريف المختار:
وبعد: فقد مررنا في هذا الاستعراض بجملة من تعاريف أهل العلم الجامعة المانعة التي يصلح كل واحد منها أن يكون تعريفاً مختاراً، ومن ذلك:
ما نستخلصه من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله من أن المقلوب: حقيقته إبدال من يعرف برواية بغيره فيدخل فيه إبدال راوٍ أو أكثر من راوٍ حتى الإسناد كله، أو بتقديم أو تأخير أي في الأسماء ك "مرة بن كعب" و"كعب بن مرّة"؛ لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر. وقد يقع ذلك عمداً إمّا بقصد الإغراب أو لقصد الامتحان وقد يقع وهماً فأقسامه ثلاثة وهي كلها في الإسناد وقد يقع نظيرها في المتن وقد يقع فيهما جميعاً.
ومنه نعلم أن أركان القلب في الحديث هي التالية:
1 صرف وتحويل وتبديل للحديث عن وجهه.
2 يكون في السند أو المتن، أو فيهما.
3 يقع عمداً أو سهواً.(5/452)
4 صرف الحديث عن وجهه لا يكون مقلوباً إلا إذا كان فيه إبدال في السند أو المتن أو فيهما على صورة من الصور التالية:
القلب بإبدال الراوي المشهور بالسند بآخر في طبقته. وهذا قلب في الإسناد. ويسميه بعض أهل الحديث كما أشار ابن الجزري ب "المركب" (1) .
القلب بإبدال راوٍ بآخر في السند مطلقاً، ومن أشهر صوره القلب بإبدال الراوي المشهور بالسند بآخر في طبقته. ويسميه بعض أهل الحديث كما أشار ابن الجزري ب "المركب" (2) .
ومن صوره أن يكون الحديث من رواية الأكابر عن الأصاغر فيقلبه ويرويه على الجادة.
أو أن يكون الحديث من باب المدبج في رواية الأقران فينقلب عليه.
وهذا قلب في الإسناد.
القلب بالتقديم والتأخير ونحو ذلك في اسم الراوي في السند. وهذا قلب في الإسناد. ويسميه ابن حجر ب "المبدل" (3) فهو عنده "مقلوب مبدل".
القلب بإعطاء أحد المذكورين في الحديث ما اشتهر للآخر. وهذا قلب في المتن. ويسميه ابن الجزري ب "المنقلب". وقال السراج البلقيني (ت805هـ) رحمه الله: "يمكن أن يسمى ذلك بالمعكوس، فينبغي أن يفرد بنوع خاص ولكن لم أر من تعرض له"اهـ (4) . وتبع القاسميُّ رحمه الله ابن الجزري رحمه الله في اصطلاحه.
القلب بجعل سند هذا الحديث لمتن الآخر ومتن الآخر لسند هذا الحديث. وهذا قلب في الإسناد عند الأكثرين، وقلب للمتن عند بعضهم، وهو في حقيقته مشترك بينهما (5) . ويسميه ابن الجزري كما سبق ب "المركب"، وتابعه على ذلك القاسمي.
وهذه الصور مشتملة على أقسام المقلوب؛
فهو ينقسم باعتبار موضعه إلى قسمين:
مقلوب في السند.
مقلوب في المتن.
وينقسم باعتبار تعمده أو عدمه إلى ثلاثة أقسام:
القلب عمداً بقصد الإغراب.
القلب عمداً بقصد الامتحان.
القلب بدون قصد، وهماً وغلطاً.
والعلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي: عموم وخصوص مطلق، فكل مقلوب اصطلاحي مقلوب لغة ولا عكس.(5/453)
إذ القلب في اللغة عام في كل صرف لأي شيء عن وجهه، وفي الاصطلاح عند المحدثين خاص بصرف الحديث عن وجهه على هيئة مخصوصة.
المقصد الثاني: فوائد معرفة الحديث المقلوب
بعد أن تعرفنا على حقيقة وماهية الحديث المقلوب عند علماء الحديث، نقف هنا على فوائد معرفة الحديث المقلوب، وهي كثيرة الأفراد أذكر مجملها في النقاط التالية:
1 من فوائد معرفة المقلوب: أن الحديث يُظن فائدة، وليس كذلك، إذ يُكتشف أنه مقلوب.
قال شعبة (ت160هـ) رحمه الله: "أفادني ابن أبي ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة" (1) .
2 من فوائده: كشف تحقق حصول الاتصال من عدمه.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله: "سمعت أبي يقول: إسماعيل بن أبي خالد الفَدَكي لم يدرك البراء. قلت: حدّث يزيد بن هارون عن سيّار عن يحي بن أبي كثير عن إسماعيل بن أبي خالد الفدكي أن البراء بن عازب رضي الله عنه حدّثه في الضحايا؟ قال: هذا وهم، وهو مرسل"اهـ (2) .
قلت: ومعنى هذا أن الرواية انقلبت على أحدهم فرواه بصيغة السماع بين إسماعيل بن أبي خالد والبراء بن عازب، والحقيقة أنه لا سماع بينهما.
قال أبوزرعة الرازي (ت264هـ) رحمه الله، في "عبد الرحمن بن أبي الموال": "لا بأس به، صدوق". وذكر الذهبي في الميزان (3) حديثاً يرويه عبد الرحمن بن أبي الموال عن عبيد الله بن موهب عن عمرة عن عائشة. قال أبوزرعة: "هذا خطأ. الصحيح عن ابن موهب عن علي بن الحسين، مرسل".
قلت: وهذا بمعنى أنه أخطأ فقلبه! والملحوظ هنا أن قلبه أوهم اتصال سند الحديث!
ومن هذا القبيل ما تراه في بعض الأسانيد من صيغة السماع بين راويين صرّح أهل العلم بأنه لم يقع بينهما! ولا ينبغي العدول عن تصريح أهل العلم لمجرد وقوع مثل هذا الأمر في الأسانيد، إذ يغلب على الظن عندها أن وقوع ذلك هو من قبيل القلب (4) .(5/454)
قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله، في ترجمة: "سالم بن عبد الله الخياط": "يقلب الأخبار ويزيد فيها ما ليس منها ويجعل روايات الحسن عن أبي هريرة سماعاً، ولم يسمع الحسن عن أبي هريرة شيئاً. لا يحل الاحتجاج به" (1) .
3 ومن فوائد معرفة المقلوب: أن القلب يوهم التفريق بين رجلين لوجود اسمين وهما واحد، يُعرف هذا بمعرفة أن الحاصل من الاسمين إنما هو من باب قلب الأسماء.
ومن هؤلاء الذين انقلبت أسماؤهم بالتقديم والتأخير فظُن أنهما اثنان كثير ممن يوردهم الحافظ ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله في كتابه "الإصابة"، في القسم الرابع من كل حرف، والذي خصصه رحمه الله فيمن ذكر في الكتب التي اعتمد عليها في تصنيف كتابه على سبيل الوهم والغلط وبيان ذلك، فمن هؤلاء:
بشر بن رافع السلمي، قلبه بعضهم إلى "رافع بن بشر" السلمي (2) .
بلال بن الحارث المزني انقلب اسمه إلى "الحارث بن بلال المزني" وهو هو! (3) .
الحارث بن شريح بن ذؤيب النميري، انقلب اسمه في رواية عند عمر بن شبة إلى "شريح بن الحارث" (4) .
حصين بن ربيعة بن عامر الأحمسي، قيل فيه: "ربيعة بن حصين" كأنه انقلب اسمه! (5) .
فتمييز هؤلاء ومعرفتهم إنما كانت بإدراك وقوع القلب في أسمائهم، وهذا من فوائد معرفة المقلوب (
4 ومن فوائد معرفة المقلوب: أن الحديث الواحد يُعد أحاديث إذا وقع القلب في اسم الصحابي، فيتبين بمعرفة وقوع القلب فيه أنه حديث واحد، وليس حديثين (
قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "يوجد ذلك في كلام الترمذي فضلاً عمن دونه حيث يقال: وفي الباب عن فلان وفلان، ويكون الواقع أنه حديث واحد اختلف على راويه"اهـ (6) .
من ذلك ما جاء عند ابن حبان في ترجمة: "سعيد بن أوس أبوزيد الأنصاري، من أهل البصرة" (7) .(5/455)
قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله: "يروي عن ابن عون ما ليس من حديثه روى عنه البصريون لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به من الأخبار، ولا الاعتبار إلا بما وافق الثقات في الآثار.
روى عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بلال اسفر بالصبح فإنه أعظم للأجر". ثناه الحسين بن إسحاق الأصبهاني بالكرخ، ثنا القاسم بن عيسى الحضرمي ثنا سعيد بن أوس.
وليس هذا من حديث ابن عون ولا ابن سيرين ولا أبي هريرة؛ وإنما هذا المتن من حديث رافع بن خديج فقط. فيما يشبه هذا مما لا يشك عوام اصحابنا أنها مقلوبة أو معمولة"اهـ (1) .
قلت: فهذا الحديث يُظن بسبب القلب أن له رواية عن أبي هريرة، وليس كذلك!
5 ومن فوائده حصر الخلاف وتقليله فيمن اختلف في اسمه من الرواة، كما تراه في ترجمة أبي هريرة (واختلافهم في اسمه والواقع أنه وقع قلب في بعض الأقوال في اسمه، نبه عليه ابن حجر رحمه الله في الإصابة.
6 ومن فوائده كشف زيف تعدد الطرق لبعض الأحاديث وعند التحقيق ليس للحديث إلا طريق واحد انقلب على بعض الرواة فظُن طريقان (
7 ومن فوائد معرفة المقلوب: أن متن الحديث يُظن حديثاً آخر وهو حديث واحد انقلب على راويه.
كما في حديث: "كان صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الجمعة أربعاً"، وهذا الحديث مقلوب، انقلب على الراوي من حديث: "كان يصلي بعد الجمعة أربعاً" (2) .
8 ومن فوائده: أنه يبرز صورة من صور تدليس الشيوخ، بأن يتعمد المدلس قلب اسم شيخه مع اسم أبي شيخه (
وفي الرواة: محمد بن سعيد المصلوب. ت.ق.
قال عبد الله بن أحمد بن سوادة: "قلبوا اسمه على مائة اسم وزيادة، قد جمعتها في كتاب"اهـ (3) .
قال الذهبي (ت748هـ) رحمه الله: "وقد غيّروا اسمه على وجوه ستراً له وتدليساً لضعفه"اهـ (4) .
9 ومن فوائد المقلوب: أنه يكتشف به حال الراوي من الضبط.(5/456)
قال الخطيب البغدادي (ت463هـ) رحمه الله: "إذا سلم الراوي من وضع الحديث وادعاء السماع ممن لم يلقه وجانب الأفعال التي تسقط بها العدالة غير أنه لم يكن له كتاب بما سمعه فحدّث من حفظه لم يصح الاحتجاج بحديثه حتى يشهد له أهل العلم بالأثر والعارفون به أنه ممن قد طلب الحديث وعاناه وضبطه وحفظه (
ويعتبر اتقانه وضبطه بقلب الأحاديث عليه"اهـ (1) .
وقد ذكر ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله تعالى أن ممن كان يفعل قلب الأحاديث لقصد الامتحان شعبة (ت160هـ) رحمه الله، حيث كان يفعله كثيراً لقصد اختبار حفظ الراوي فإن أطاعه على القلب عرف أنه غير حافظ وإن خالفه عرف أنه ضابط (2) .
10 من فوائد معرفة المقلوب: أن الحديث يروي بزيادة، تُظن مفسرة، وهي مقلوبة، وهم فيها الراوي، يُعرف ذلك بمعرفة أنها مقلوبة.
جاء عن شعبة عن قتادة أنه سمع زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين: أن رسول الله (صلى بأصحابه الظهر، فقال: أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى؟ فقال رجل: أنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرفت أن رجلاً خالجنيها.
قال شعبة: فقلت لقتادة: كأنه كرهه؟
فقال: لو كرهه لنهى عنه" (3) .
قال البيهقي (ت463هـ) رحمه الله: "في سؤال شعبة وجواب قتادة في هذه الرواية الصحيحة تكذيب من قلب هذا الحديث وأتى فيه بما لم يأت به الثقات من أصحاب قتادة"اهـ (4) .
يشير إلى أن الرواية التي جاءت لهذا الحديث عن قتادة وفيها: "النهي عن القراءة" مقلوبة؛ إذ رواية قتادة لا تفيد النهي، والراوي أدرى بمرويه؛ فمن رواه عن قتادة على النهي فقد انقلب عليه الحديث، وهو ماجاء عن ابن صاعد عن يوسف عن سلمة بن الفضل عن حجاج بن أرطاة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس ورجل يقرأ خلفه فلما فرغ قال: من ذا الذي يخالجني سورتي فنهى عن القراءة خلف الإمام".(5/457)
قال ابن صاعد (ت318هـ) : قوله: "فنهى عن القراءة خلف الإمام" تفرد بروايته حجاج، وقد رواه عن قتادة: شعبة وابن أبي عروبة ومعمر وإسماعيل ابن مسلم وحجاج وأيوب بن أبي مسكين وهمام وأبان وسعيد بن بشر فلم يقل أحد منهم ما تفرد به حجاج. قال شعبة: سألت قتادة كأنه كرهه؟ قال: لو كرهه لنهى عنه"اهـ (1) .
ومعنى هذا الكلام: أن الرواية التي جاءت للحديث من طريق قتادة وفيها التصريح بالنهي عن القراءة مطلقاً خلف الإمام؛ رواية مقلوبة، انقلبت على الراوي عن قتادة، إذ رواية قتادة ليس فيها النهي عن القراءة خلف الإمام، بل قتادة نفسه الراوي لها صرّح بذلك، فكيف يكون في رواية الحديث عن طريقه التصريح بالنهي مع تصريحه بأنها لم تتضمن النهي عن القراءة؟!
11 ومن فوائد معرفة المقلوب: أن الراوي قد يقلب سند الحديث فيُظن أنه صحابي وهو تابعي! يكشف ذلك بمعرفة وقوع القلب في السند على الراوي.
في الرواة: أشعث بالمثلثة بن عمير بن جودان. يروي عن أبيه.
وقع في بعض الروايات عمير بن أشعث بن جودان عن أبيه.
فجعل عمير اسم لولده، يروي عن أبيه أشعث، فظُنّ الأب (أشعث) من الصحابة!
والصواب: عن أشعث بن عمير بن جودان عن أبيه. قاله ابن منده وغيره.
وقال أبو نعيم (ت430هـ) : "قلبه بعض الرواة"اهـ (2) .
وفي الرواة: ثابت بن معبد تابعي أرسل حديثا أو وصله فانقلب على بعض رواته، فتُوهِّم أنه صحابي.
ذكره ابن منده وبين جهة الوهم فيه قال: "روى عمرو بن خالد عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن رجل من كلب عن ثابت بن معبد أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة من قومه أعجبه حسنها الحديث".
هكذا قال: "عمرو"! ورواه علي بن معبد وغيره عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك عن ثابت بن سعيد عن رجل من كلب بهذا.
قال ابن منده (ت395هـ) : "هذا هو الصواب قلبه عمرو بن خالد"اهـ.(5/458)
وقال البخاري (ت256هـ) رحمه الله: "ثابت بن معبد روى عنه عبد الملك ابن عمير منقطع حديثه في الكوفيين"اهـ (1) . وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: "ثابت ابن معبد، روى عن عمر بن الخطاب روى عنه عبد الملك"اهـ (2) .
وقال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله: "ثابت بن معبد يروي عن عمه، روى عنه عبد الملك بن عمير"اهـ (3) .
وقال ابن مندة (ت395هـ) : "تابعي عداده في أهل الكوفة "اهـ (4) .
المقصد الثالث: حكم الحديث المقلوب ومرتبته
قلب الحديث إمّا أن يقع عمداً بقصد الامتحان أو بقصد الإغراب، وإما أن يقع سهواً.
فإن وقع سهواً بلا تفريط في حق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر فيه قريب (5) ، ولا إثم على من وقع منه ذلك والحال هذه، إن شاء الله تعالى. لكن حديثه وضبطه يُخْدَش بذلك بحسب كثرة الخطأ، فإن كان الغالب عليه الخطأ وعدم الحفظ، فكثر القلب في حديثه فهو منكر الحديث، وإن لم يكن غالباً فبحسبه، فتارة يكون صاحبه من شرط الحسن وتارة من شرط الصحيح لكن لا في أعلى درجاته، ما دام أن ذلك لم يكن غالباً ولا كثيراً في مروياته!
قال سفيان الثوري (ت161هـ) رحمه الله: "ليس يكاد يفلت من الغلط أحد، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط. وإن كان الغالب عليه الغلط ترك" (6) .
قال ابن مهدي (ت198هـ) رحمه الله: "الناس ثلاثة: رجل حافظ متقن فهذا لا يختلف فيه. وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه. وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه" (7) .
قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله في ترجمة إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم، بعد أن وصفه بقلب الحديث: "فالاحتياط في أمره الاحتجاج بما وافق الثقات من الأخبار، وترك ما انفرد من الآثار"اهـ (8) .
وقال أيضاً رحمه الله: "من ساء حفظه حتى كان يقلب الأسانيد ويروي عن الثقات ما ليس من حديثه لا يجوز الاحتجاج به"اهـ (9) .(5/459)
وقد ينسب من وقع منه ذلك إلى الكذب بمعنى مخالفة الواقع في مرويِّه لا بمعنى أنه وضاع طالما أنه لم يتعمّد، فتنبه!
كما تراه في وصف البيهقي لمن قلب حديثاً وليس في السند من يوصف بأنه وضاع، فقال، بعد أن ذكر رواية صحيحة تبين القلب وتكشف وقوع الخطأ في رواية كان يتكلم عنها، قال: "في هذه الرواية الصحيحة تكذيب من قلب هذا الحديث وأتى فيه بما لم يأت به الثقات من أصحاب قتادة"اهـ (1) .
الشاهد أنه قال: "تكذيب من قلب"؛ قلت: وليس في السند الذي ذكره هناك مَنْ يوصف بأنه يضع الحديث، فأطلق التكذيب ومراده الخطأ، ووجه ذلك أن الكذب يطلق في الأصح على عدم مطابقة الواقع مطلقاً، سواء بعمد أو بغير عمد (2) ، وهذه لغة أهل الحجاز كما نبه على ذلك أهل العلم (3) .
وإن وقع القلب عمداً بقصد الامتحان فقد استنكره حرَمي بن عمارة (ت201هـ) رحمه الله ووجه ذلك والله اعلم لما يترتب عليه من تغليط من يمتحنه فقد يستمر على روايته لظنه أنه صواب وقد يسمعه من لا خبرة له فيرويه ظناً منه أنه صواب (4) .
قال حماد بن زيد: "سألت سلمة بن علقمة عن شيء فرفع ثم نظر إليّ فقال: إن سرّك أن يكذب صاحبك فلقنه، ثم رجع".
وفي رواية: "لقنت سلمة بن علقمة حديثاً فحدثنيه ثم رجع عنه، وقال: إذا سرّك أن تكذب أخاك فلقنه" (5) .
عن مطر الوراق قال: قال أبو الأسود: "إذا سرّك أن تكذب صاحبك فلقنه" (6) .
عن بهز بن أسد العمي (مات بعد المائتين وقيل قبلها) وسأله حرمي بن عمارة (ت201هـ) عن أبان بن أبي عياش؟ فذكر له عن شعبة (ت160هـ) رحمه الله أنه قال: كتبت حديث أنس عن الحسن، وحديث الحسن عن أنس، فدفعتها إلى أبان بن أبي عياش فقرأها عليّ! فقال حرمي: بئس ما صنع، وهذا يحل؟ (7) .
وممن كان يكره القلب على الشيوخ: عبد الله بن إدريس (ت192هـ) رحمه الله، ويحي بن سعيد القطان (ت198هـ) رحمه الله.(5/460)
قال خلف بن سالم: حدثني يحي بن سعيد، قال: قدمت الكوفة وبها ابن عجلان وبها من يطلب الحديث: مليح بن وكيع، وحفص بن غياث، وعبد الله ابن إدريس، ويوسف بن خالد السمتي، فقلنا: نأتي ابن عجلان.
فقال يوسف بن خالد: نقلب على هذا الشيخ حديثه، ننظر تفهمه. قال: فقلبوا فجعلوا ماكان عن سعيد عن أبيه، وما كان عن ابيه عن سعيد، ثم جئنا إليه، لكن ابن إدريس تورّع وجلس بالباب وقال: لا استحل، وجلست معه ... القصة (1) .
وجمهور أهل الحديث على جواز القلب لامتحان ضبط الراوي؛ فإن أطاعه على القلب وقبل التلقين به عرف أنه غير حافظ، وإن خالفه عرف أنه ضابط، وهذه المصلحة أكثر من المفسدة فيه، وشرطه أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة.
قال الحافظ العراقي (ت804 هـ) رحمه الله في حديثه عن قلب الحديث: "وقد يُفعل اختباراً لحفظ المحدِث وهذا يفعله أهل الحديث كثيراً، وفي جوازه نظر، إلا أنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثاً وإنما يُقصد اختبار حفظ المحدث بذلك أو اختباره هل يقبل التلقين أوْ لا"اهـ (2) .
وقال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "وشرطه أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة"اهـ (3) .
وممن نقل عنه أنه فعل ذلك:
شعبة بن الحجاج (ت160هـ) رحمه الله، وتقدّم النص في ذلك في قصة حرمي!
عن بهز بن أسد العمي (مات بعد المائتين وقيل قبلها) وسأله حرمي بن عمارة (ت201هـ) عن أبان بن أبي عياش؟ فذكر له عن شعبة (ت160هـ) رحمه الله أنه قال: كتبت حديث أنس عن الحسن، وحديث الحسن عن أنس، فدفعتها إلى أبان بن أبي عياش فقرأها عليّ! ... (4) .
وممن فعل ذلك: حماد بن سلمة (ت167هـ) رحمه الله.
عن حماد بن سلمة (ت167هـ) رحمه الله، قال: "قلبت أحاديث على ثابت فلم تنقلب، وقلبت على أبان بن أبي عياش فانقلبت" (5) .(5/461)
وعنه قال: "كنت أقلب على ثابت البناني حديثه، وكانوا يقولون: القصاص لا يحفظون وكنت أقول لحديث أنس: كيف حدثك عبد الرحمن بن أبي ليلى؟ فيقول: لا إنما حدثناه أنس! وأقول لحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى: كيف حدّثك أنس؟ فيقول: لا إنما حدثناه عبد الرحمن بن أبي ليلى"اهـ (1) .
وممن فعل ذلك يحي بن معين (ت233هـ) رحمه الله.
قال أحمد بن منصور الرمادي: "كنا عند أبي نعيم نسمع مع أحمد بن حنبل (ت241هـ) ويحي بن معين (ت233هـ) قال: فجاءنا يوماً يحي ومعه ورقة قد كتبت فيها أحاديث من أحاديث أبي نعيم (يعني: الفضل بن دكين) وأدخل خلالها ما ليس من حديثه، وقال: أعطه بحضرتنا حتى يقرأ. وكان أبونعيم إذا قعد في تيك الأيام للتحديث كان أحمد على يمينه ويحي على يساره فلمّا خفّ المجلس ناولته الورقة، فنظر فيها كلها ثم تأملني ونظر إليها ثم قال وأشار إلى أحمد: أمّا هذا فآدب من أن يفعل مثل هذا، وأمّا أنت فلا تفعلن وليس هذا إلا من عمل هذا، ثم رفس يحي رفسة رماه إلى أسفل السرير، قل: علي تعمل، فقام إليه يحي وقبله، وقال: جزاك الله عن الإسلام خيراً، مثلك من يحدث إنما أردت أن أجربك"اهـ (2) .
وممن فعل ذلك: الحارث بن سريح النقال الفقيه (3) .
قال مجاهد بن موسى المخزومي: "دخلنا على عبد الرحمن بن مهدي (ت198هـ) في بيته فدفع إليه حارث النقال رقعة فيها حديث مقلوب، فجعل يحدثه حتى كاد أن يفرغ ثم فطن، فنقده فرمى به، وقال: كاذب والله كاذب والله".
وفي رواية أن ابن مهدي (ت198هـ) قال بعد أن رمى بالحديث الذي أدخل في الصحيفة: "كادت والله تمضي كادت والله تمضي" (4) .
أمّا إن وقع القلب عمداً، بقصد الإغراب فهذا من أقسام الموضوع (5) . وهو حرام (6) .
وفاعله على هذه الصفة من الوضاعين (7) . وحديثه مردود (8) .
وبعض صوره ووجوهه أغلظ تحريماً من الأخرى، وصوره هي التالية:(5/462)
الصورة الأولى: أن يقلب اسم الراوي بالتقديم والتأخير، أو نحوه، وتعمّد هذا القلب من صور تدليس الشيوخ، إذا كان بغرض الستر على الشيخ الضعيف أو المتروك فهو حرام.
واثم تدليس الكذاب الوضاع أكثر إثماً من تدليس الضعيف.
قال ابن الجوزي (ت597هـ) رحمه الله: "من دلّس كذاباً فالإثم لازم له؛ لأنه آثر أن يؤخذ في الشريعة بقول باطل"اهـ (1) .
قال العلائي (ت761هـ) رحمه الله: "وأمّا تدليس الشيوخ فهو يختلف باختلاف الأغراض؛
فمنهم من يدلس شيخه لكونه ضعيفاً أو متروكاً حتى لا يعرف ضعفه إذا صرّح باسمه.
ومنهم من يفعل ذلك لكونه كثير الرواية عنه كي لا يتكرر ذكره كثيراً.
أو لكونه متأخر الوفاة قد شاركه فيه جماعة فيدلسه للإغراب.
أو لكونه أصغر منه أو لشيء بينهما كما وقع للبخاري مع الذهلي.
وكلها سوى النوع الأوّل أمره خفيف.
وقد تسمّح بذلك جماعة من الأئمة، وأكثر منه الحافظ الخطيب في كتبه، وليس فيه إلا تضييع للمروي عنه وتوعيره لطريق معرفته على من يروم ذلك (2) .
وأمّا النوع الأوّل فهو مذموم جداً لما فيه من تغطية حال الضعيف والتلبيس على من يتنكب الاحتجاج به"اهـ (3) .
الصورة الثانية: أن يركب سند الحديث مع متن حديث آخر، ويجعل متنه مع سند آخر، أو أن يدخل حديثاً في نسخة تروى بسند واحد، ولها وجوه:
أن يركب إسناداً صحيحاً على متن صحيح.
أن يركب إسناداً صحيحاً على متن ضعيف.
أن يركب إسناداً ضعيفاً على متن صحيح.
أن يركب إسناداً ضعيفاً على متن ضعيف.
أن يختلق إسناداً على وصف الصحة يركبه على متن صحيح.
أن يختلق إسناداً على وصف الصحة يركبه على متن ضعيف.
أن يختلق إسناداً على وصف الضعف يركبه على متن صحيح.
أن يختلق إسناداً على وصف الضعف يركبه على متن ضعيف.
فالوجوه الأربعة الأخيرة من الوضع الظاهر للحديث.(5/463)
أمّا الوجوه الأولى فهي مع كونها حرام لاتجوز، إلا أن بعضها أخف إثماً من بعض، إذ الوجوه التي لا تختلف فيها مرتبة الحديث أخف إثماً من الوجوه التي تختلف فيها مرتبة الحديث!
الصورة الثالثة: أن يقلب لفظ الحديث وله وجوه:
أن يُعطي ما اشتهر لأحد المذكورين في الحديث ما جاء للآخر.
أن يكون الحديث مفيداً لحكم فيصرفه ويحوله عن وجهه.
والوجه الثاني هنا أعظم جرماً من الأول.
الصورة الرابعة: أن يبدل راوٍ في السند اشتهر الحديث بروايته، براوٍ آخر في طبقته، وله وجوه:
أن يُبدل راوٍ ثقة بآخر ثقة.
أن يُبدل راوٍ ثقة بضعيف.
أن يُبدل راوٍ ضعيف بثقة.
أن يُبدل راوٍ ضعيف بضعيف.
أن يُبدل راوٍ ثقة بآخر يختلقه.
أن يُبدل راوٍ ضعيف بآخر يختلقه.
وهنا تتفاوت درجة الاثم وغلظته بحسب أثر هذا الإبدال في درجة الحديث!
الصورة الخامسة: أن يقع القلب في السماع، أو أن يسرق السماعات ويدّعي سماع مالم يسمعه من الكتب والأجزاء.
فهذا كذب، ولكنه ليس كالكذب في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال الذهبي (ت748هـ) رحمه الله في كلامه عن المقلوب: "فمن فعل ذلك خطأ فقريب!
ومن تعمّد ذلك وركب متناً على إسناد ليس له فهو سارق الحديث، وهو الذي يقال في حقه: فلان يسرق الحديث. ومن ذلك أن يسرق حديثاً ما سمعه فيدعي سماعه من رجل.
وإن سرق فأتى بإسناد ضعيف لمتن لم يثبت سنده فهو أخف جرماً ممن سرق حديثاً لم يصح متنه وركب له إسناداً صحيحاً؛ فإن هذا نوع من الوضع والافتراء، فإن كان ذلك في متون الحلال والحرام؛ فهو أعظم اثماً، وقد تبوأ بيتاً في جهنم!
وأمّا سرقة السماع وادعاء ما لم يسمع من الكتب والأجزاء فهذا كذب مجرّد ليس من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، بل من الكذب على الشيوخ ولن يُفلح من تعاناه وقلّ من ستر الله عليه منهم. فمنهم من يفتضح في حياته. ومنهم من يفتضح بعد وفاته. فنسأل الله الستر والعفو"اهـ (1) .(5/464)
وهذا (أعني: التعمد في القلب) يُفسر وصف بعض الرواة بالقلب أو بالسرقة مع وصفهم بالوضع، فكأنه دليل على أنهم كانوا يتعمدون قلب الأسانيد، فحديثهم موضوع مقلوب.
أمّا حكم رواية الحديث المقلوب:
فالظاهر أن ما كان من القلب يأخذ حكم الوضع، فحكم روايته حكم رواية الحديث الموضوع، وما لا يأخذ حكم الوضع فحكم روايته حكم رواية الحديث الضعيف.
قال الترمذي (ت279هـ) رحمه الله: "قَالَ سَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ" قُلْتُ لَهُ: مَنْ رَوَى حَدِيثًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ إِسْنَادَهُ خَطَأٌ أَيُخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إِذَا رَوَى النَّاسُ حَدِيثًا مُرْسَلًا فَأَسْنَدَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ قَلَبَ إِسْنَادَهُ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟
فَقَالَ: لَا إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا رَوَى الرَّجُلُ حَدِيثًا وَلَا يُعْرَفُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلٌ فَحَدَّثَ بِهِ فَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ"اهـ (1) .
قال ابن الصلاح (ت643هـ) رحمه الله عن الحديث الموضوع أنه: ""لاتحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كن إلا مقروناً ببيان وضعه بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب"اهـ (2) .
أمّا مرتبة الحديث المقلوب:
فقد علمت مما سبق أن الحديث المقلوب إمّا أن يقع وهماً أو عمداً بقصد الإغراب أو بقصد الامتحان.
ووقوعه بقصد الامتحان خارج البحث هنا، إذ في مثل هذه الحالة لا تطلب مرتبة الحديث المقلوب!(5/465)
ويبقى وقوع القلب وهماً أو عمداً بقصد الإغراب، فما هي مرتبة الحديث في هذه الحال؟
الجواب: سبق أن القلب عمداً بقصد الإغراب من أقسام الموضوع، وهذه جملة سبق الكثير من تفاصيلها قريباً في أوّل هذا المطلب، فلا يحسن التكرار.
ويبقى ما هي مرتبة الحديث المقلوب وهماً من الراوي؟
والجواب: الحديث المقلوب عموماً لا يخرج عن كونه معلولاً أو شاذاً (1) .
ولكن هل كل شذوذ أو علة تخرج الحديث عن حيز القبول؟
أو بعبارة أخرى: هل كل علة أو شذوذ تقدح في ثبوت الحديث؟
الجواب: قد حرر أهل العلم أن وصف العلة والشذوذ المشترط انتفاؤه عن الصحيح والحسن إنما هو العلة القادحة والشذوذ القادح.
ومعنى هذا الكلام: أنه قد يجتمع وصف الصحة والحسن مع العلة والشذوذ بشرط أن لا تكون العلة قادحة، ولا يكون الشذوذ قادحاً! (2) .
وعليه؛ فقد يجتمع وصف القلب والاضطراب مع الصحة أو الحسن، بشرط أن لايكون القلب والاضطراب قادحاً (3) .
نعم إذا كان القلب قادحاً فالحديث ضعيف.
المقصد الرابع: كيف يُعْرَف القلب.
الأصل في معرفة وقوع القلب في الحديث وكشفه هو جمع طرقه والنظر فيها، ومقابلتها بأحاديث الثقات.
قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله، سمعت محمد بن إبراهيم بن أبي شيخ الملطي يقول: "جاء يحي بن معين (ت233هـ) إلى عفان ليسمع منه كتب حمّاد ابن سلمة، فقال له: ما سمعتها من أحد؟ قال: نعم حدثني سبعة عشر نفساً عن حماد بن سلمة! فقال: والله لا حدّثتك! فقال: إنما هو وَهْم، وانحذر إلى البصرة واسمع من التبوذكي. فقال: شأنك!
فانحدر إلى البصرة، وجاء إلى موسى بن إسماعيل فقال له موسى: لم تسْمع هذه الكتب عن أحد؟
قال: سمعتها على الوجه من سلعة عشر نفساً وأنت الثامن عشر!
فقال: وما تصنع بهذا؟(5/466)
فقال: إن حمّاد بن سلمة كان يخطيء فأردت أن أميِّز خطأه من خطأ غيره، فإذا رأيت أصحابه قد اجتمعوا على شيء علمت أن الخطأ من حماد نفسه، وإذا اجتمعوا على شيء عنه وقال واحد منهم بخلافهم علمت أن الخطأ منه لا من حمّاد، فأميِّز بين ما أخطأ هو بنفسه وبين ما أخطيء عليه" (1) .
وقال يحي بن معين (ت233هـ) رحمه الله: "لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهاً ما عقلناه" (2) .
ولا يتوقف الحال على هذا؛ بل هم يعتبرون حديثه بأحاديث الثقات.
عن عبد الرحمن بن مهدي (ت198هـ) رحمه الله قال: "كنا عند شعبة (ت160هـ) فسئل: يا أبا بسطام حديث من يترك؟ قال: من يكذب في الحديث، ومن يكثر الغلط، ومن يخطيء في حديث مجتمع عليه فيقيم على غلط فلا يرجع، ومن روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون. وليس يكفيه في الرجوع أن يمسك عن رواية ذلك الحديث في المستقبل حسب، بل يجب عليه أن يظهر للناس أنه كان قد أخطأ فيه وقد رجع عنه" (3) .
وقال أحمد بن حنبل (ت241هـ) رحمه الله: "توهمت أن بقية لا يحدِّث بالمناكير عن المشاهير فعلمت من أين أتي" (4) .
قال الحاكم (ت405هـ) رحمه الله: "إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط، وإنما يُعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ليظهر ما يخفى من علة الحديث"اهـ (5) .
قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "إنما يظهر أمر [المقلوب] بجمع الطرق واعتبار بعضها ببعض ومعرفة من يوافق ممن يخالف فصار المقلوب أخص من المعلل والشاذ، فكل مقلوب لا يخرج عن كونه معللاً أو شاذاً"اهـ (6) .
وكان من طرقهم في كشف القلب: أنهم يحفظون أحياناً النسخ الموضوعة وأحاديث المتهمين، وأحاديث غير الحافظين حتى إذا جاء أحد فقلبها فضحوا أمره، وصاحوا به!(5/467)
قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله: "سمعت أحمد بن إسحاق السني الدينوري يقول: رأى أحمد بن حنبل (ت241هـ) رضي الله عنه يحي بن معين (ت233هـ) في زاوية بصنعاء وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، فإذا اطّلع عليه إنسان كتمه، فقال أحمد بن حنبل رحمه الله له: تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، وتعلم أنها موضوعة فلو قال لك القائل: أنت تتكلم في أبان، ثم تكتب حديثه على الوجه؟
قال: رحمك الله يا أبا عبد الله أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق (ت211هـ) عن معمر عن أبان عن أنس وأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء إنسان، فيجعل بدل أبان ثابتاً ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس، فأقول له: كذبت إنما هي أبان لا ثابت" (1) .
وقد كان عليّ بن المديني (ت234هـ) رحمه الله يتعمد حفظ أحاديث بعض المتهمين حتى لا يأتي أحدهم ويقلبه.
قال أبوغسان (ت219هـ) : جاءني عليّ بن المديني فكتب عني عن عبد السلام بن حرب، أحاديث إسحاق بن أبي فروة فقلت: أي شيء تصنع بها؟ قال: أعرفها لا يقلب! (2) .
قال يحي بن حسان: جاء قوم ومعهم جزء فقالوا: سمعناه من ابن لهيعة! فنظرت فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة، فجئت إلى ابن لهيعة فقلت: ما هذا الذي حدثت به ليس فيه من حديثك ولا سمعتها قط؟! فقال: ما اصنع؟ يجيئوني بكتاب ويقولون: هذا من حديثك فأحدثهم به! " (3) .
فإن قيل: إذا كان الراوي ثقة فلم لا يجوز أن يكون للحديث إسنادان عند شيخه حدّث بأحدهما مراراً وبالآخر مراراً؟
قلنا: هذا التجويز لا ننكره، ولكن مبنى هذا العلم على غلبة الظن، وللحفاظ طريق معروفة في الرجوع إلى القرائن في مثل هذا، وإنما يقول في ذلك منهم على النقاد المطلعين منهم، ولهذا كان كثير منهم يرجعون عن الغلط إذا نبهوا عليه (4) .(5/468)
قال ابن حجر رحمه الله: "كذا خطّأ يحي القطان (ت198هـ) شعبة (ت160هـ) حيث حدّثوه بحديث: "لايجد عبد طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر"، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي. وقال: حدثنا به سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن ابن مسعود وهذا هو الصواب.
ولا يتأتى ليحي أن يحكم على شعبة بالخطأ إلا بعد أن يتيقن الصواب في غير روايته، فأين هذا ممن يستروح فيقول مثلا: يحتمل أن يكون عند أبي إسحاق على الوجهين فحدّث به كل مرّة على أحدهما.
وهذا الاحتمال بعيد عن التحقيق إلا أن جاءت رواية عن الحارث يجمعهما ومدار الأمر عند أئمة هذا الفن على ما يقوى في الظن، أمّا الاحتمال المرجوح فلا تعويل عندهم عليه"اهـ (1) .
ومما جاء في تخطئة بعض الحفاظ في أحاديث ورجوعهم عن الخطأ:
عن العلاء بن حسين قال: حدثنا سفيان بن عيينة (ت198هـ) حديثاً في القرآن فقال له عبد الله بن زيد: ليس هو كما حدثت يا أبا محمد قال: وما علمك يا قصير؟ قال: فسكت عنه هنية، ثم قام إلى سفيان فقال يا أبا محمد أنت معلمنا وسيدنا فإن كنت أوهمت فلا تؤاخذني. قال: فسكت سفيان هنية ثم قال: يا أبا عبد الرحمن قال: لبيك وسعديك! قال: الحديث كما حدثت أنت، وأنا أوهمت" (2) .
قال ابن عمار (ت242هـ) : رددت على المعافى بن عمران حرفاً في الحديث فسكت فلما كان من الغد جلس في مجلسه من قبل أن يحدث وقال: إن الحديث كما قال الغلام، قال: وكنت حينئذ غلاماً أمرد ما في لحيتي طاقة (3) .
عن يحي بن معين (ت233هـ) رحمه الله، قال: "حضرت مجلس نعيم بن حماد فجعل يقرأ كتاباً من تصنيفه قال فقرأ منه ساعة ثم قال: ثنا ابن المبارك (ت181هـ) عن ابن عون، فذكر أحاديث فقلت له: ليس هذا عن ابن المبارك، فغضب، وقال: ترد عليّ!
قلت: نعم أريد بذلك زينك فأبى أن يرجع!(5/469)
فقلت: والله ما سمعت أنت هذه الأحاديث من ابن المبارك من ابن عون فغضب هو وكل من كان عنده وقام فدخل البيت فأخرج صحائف فجعل يقول: نعم يا أبا زكريا غلطت، وكانت هذه صحائف يعني مجموعة فغلطت فجعلت أكتب من حديث ابن المبارك عن ابن عون وإنما رواها لي عن ابن عون غير ابن المبارك، قال: فرجع عنها" (1) .
قال البخاري (ت256هـ) رحمه الله: خرجت من الكتاب ولي عشر سنين فجعلت اختلف إلى الداخلي يعني فقال يوماً وهو يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم فقلت له: يا أبا فلان إن أبا الزبير لم يروه عن إبراهيم فانتهرني فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك.
فدخل ونظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف قلت يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم فقال: صدقت وأخذ القلم مني فاحكم كتابه. وكان للبخاري يومئذ إحدى عشرة سنة" (2) .
المقصد الخامس: أمثلة للحديث المقلوب متناً
سبق عند تعداد فوائد معرفة الحديث المقلوب أمثلة للقلب في الأسماء، وسيأتي أثناء ذكر الأئمة الذين استعملوا الوصف بالقلب في عباراتهم ذكر جملة من الأحاديث التي انقلبت أسانيدها، وقد أفردت دراسة خاصة مستقلة في الأحاديث التي وقع القلب في متونها، أكتفي هنا منها بإيراد هذه الأمثلة، سائلاً الله تعالى التوفيق والهدى والرشاد والسداد!
الحديث الأول
قال مسلم رحمه الله: "حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي خُبَيْبُ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(5/470)
"سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ. وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ. وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ".
وقال مسلم: "حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَالَ: وَرَجُلٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ" (1) .
قلت: وقع في سياق الحديث عند مسلم قلب، إذ قال: "وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ".
قال القاضي عياض (ت544هـ) رحمه الله: "والمعروف الصحيح: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"، وكذا وقع في الموطإ (2) والبخاري (3) وهو وجه الكلام؛ لأن النفقة المعهود فيها باليمين"اهـ (4) .
وقال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله، في شرحه لهذا الحديث: "وقع في صحيح مسلم مقلوبا: "حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله" وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله ابن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب (5) لكنه قصره على ما يقع في الإسناد (6) ، ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح (7) ...
وقال شيخنا [يعني: البُلقيني] : ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس (8) . انتهى.(5/471)
والأولى تسميته مقلوبا؛ فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء، وقد سماه بعض من تقدم (1) : (مقلوبا) ."اهـ (2) .
وقد اختلف في ممن وقع الوهم في هذه الرواية التي جاءت في صحيح مسلم:
قال عياض (ت544هـ) رحمه الله: "يشبه أن يكون الوهم فيها من الناقلين عن مسلم، بدليل إدخاله بعده حديث مالك، وقال: "بمثل حديث عبيد الله"، وتحرّى الخلاف فيه في قوله: "رجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود" فلو كان مارواه خلافاً لرواية مالك لنبه عليه، كما نبّه على هذا"اهـ (3) .
قلت: كذا قال رحمه الله، لكن نبه الحافظ ابن حجر إلى ورود ما يدل على أن الوهم فيه من شيخ مسلم أو من شيخ شيخه.
قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "وليس الوهم فيه ممن دون مسلم ولا منه بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه: يحيى القطان؛ فإن مسلما أخرجه عن زهير بن حرب وابن نمير كلاهما عن يحيى وأشعر سياقه بأن اللفظ لزهير، وكذا أخرجه أبو يعلى في مسنده عن زهير، وأخرجه الجوزقي في مستخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عن عبد الرحمن ابن بشر بن الحكم عن يحيى القطان كذلك، وعقبه بأن قال: سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول: يحيى القطان عندنا واهم في هذا، إنما هو "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" (4) .
قلت (ابن حجر) : والجزم بكون يحيى هو الواهم فيه نظر؛ لأن الإمام أحمد قد رواه عنه على الصواب، وكذلك أخرحه البخاري هنا عن محمد بن بشار وفي الزكاة عن مسدد، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق يعقوب الدورقي وحفص بن عمرو كلهم عن يحيى، [يعني: رووه على الصواب عنه] .
وكأن أبا حامد لما رأى عبد الرحمن قد تابع زهيرا ترجح عنده أن الوهم من يحيى، وهو محتمل بأن يكون منه لما حدث به هذين خاصة، مع احتمال أن يكون الوهم منهما تواردا عليه.(5/472)
وقد تكلف بعض المتأخرين توجيه هذه الرواية المقلوبة، وليس بجيد لأن المخرج متحد ولم يختلف فيه على عبيد الله بن عمر (1) شيخ يحيى فيه ولا على شيخه خبيب ولا على مالك رفيق عبيد الله بن عمر فيه.
وأما استدلال عياض على أن الوهم فيه ممن دون مسلم بقوله في رواية مالك مثل عبيد الله فقد عكسه غيره فواخذ مسلما بقوله مثل عبيد الله لكونهما ليستا متساويتين، والذي يظهر أن مسلما لا يقصر لفظ المثل على المساوي في جميع اللفظ والترتيب، بل هو في المعظم إذا تساويا في المعنى، والمعنى المقصود من هذا الموضع إنما هو إخفاء الصدقة والله أعلم"اهـ (2) .
قلت: وهناك احتمال ثالث أرجح عندي من الاحتمالين السابقين: أن الوهم من عبيد الله بن عمر؛ فقد قال أبونعيم: "حدثنا أحمد بن يوسف بن خلاد، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا مسدد ثنا حمّاد بن زيد (3) . ح وحدثنا محمد بن نصر ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ثنا محمد بن بكير ثنا عباد ابن عباد. وحدثنا عبد الله بن محمد ومحمد بن إبراهيم، قالا: ثنا أحمد بن علي حدثنا أبوخيثمة زهير بن حرب ثنا يحي بن سعيد. كلهم عن عبيد الله أخبرني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله عزوجل، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما ينفق شماله ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" (4) .
قلت: وهذا السياق صريح في أن الوهم من عبيد الله إذ اتفق يحي بن سعيد وعباد بن عباد وحماد بن زيد في روايته عنه على الوهم!(5/473)
وما وقع في صحيح البخاري وغيره (1) من رواية يحي عن عبيد الله بن عمر على الصواب بدون قلب، يحتمل أن عبيد الله رواه مرّة على الصواب ومرّة على الخطأ (2) ، ويؤكد سلامة يحي بن سعيد من تعصيب الوهم به، والله اعلم!
الحديث الثاني
قال الطبراني (ت360هـ) رحمه الله: "حدثنا إبراهيم قال: أخبرنا علي بن عثمان اللاحقي، قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحماد عن محمد بن زياد عن أبي هريرة: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم اختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوه، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ما استطعتم" (3) .
وهذا حديث مقلوب! (4)
قال الهيثمي (ت807هـ) رحمه الله: "هو في الصحيح بعكس هذا"اهـ (5) .
قلت: رواية الشيخين عكس هذا الذي عند الطبراني، وسياقها:
قال البخاري (ت256هـ) رحمه الله: "حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (6) .
الحديث الثالث
قال الطحاوي (ت321هـ) رحمه الله: "حدثنا أحمد بن أبي داود قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج قال: حدثنا وهيب، عن إسماعيل بن أمية ويحي بن سعيد وعبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحي بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر، قال: رقيت فوق بيت حفصة، فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم جالس على مقعدته، مستقبل القبلة مستدبر الشام".(5/474)
وقال أيضاً: "حدثنا ابن أبي داود قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا يحي ابن أيوب قال: حدثني محمد بن عجلان، عن محمد يحي، عن واسع بن حبان، عن ابن عمر، أنه قال: يتحدّث الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغائط بحديث، وقد اطلعت يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهر بيت، يقضي حاجته، محجوباً عليه بلبن، فرأيته مستقبل القبلة" (1) .
قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله: "أخبرنا الحسنُ بنُ سُفيان، قال: حدثنا إبراهيمُ بنُ الحجاج السَّامي، قال: حدثنا وهيبٌ، عن يحيى بنِ سعيدٍ الأنصاري، وإسماعيل بن أمية، وعبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن عمه: واسع بن حَبَّان، عن ابن عمر، قال: رقِيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ، فَإِذا أَنَا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، جَالِساً عَلَى مَقْعَدَتِهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ مُسْتَدْبِرَ الشَّامِ" (2) .
قوله: "فرأيته مستقبل القبلة"، وفي الرواية الأخرى:"مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ مُسْتَدْبِرَ الشَّامِ" مقلوب!
والصواب ما جاء عند البخاري ومسلم:
قال البخاري (ت256هـ) رحمه الله: "حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ".(5/475)
وقال أيضاً: "حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ أَنَّ عَمَّهُ وَاسِعَ بْنَ حَبَّانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ قَالَ: "لَقَدْ ظَهَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" (1) .
وقال مسلم (ت261هـ) رحمه الله: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ فَلَمَّا قَضَيْتُ صَلَاتِي انْصَرَفْتُ إِلَيْهِ مِنْ شِقِّي فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَقُولُ نَاسٌ إِذَا قَعَدْتَ لِلْحَاجَةِ تَكُونُ لَكَ فَلَا تَقْعُدْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلَا بَيْتِ الْمَقْدِسِ!
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَلَقَدْ رَقِيتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ".
وقال أيضاً: "حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَقِيتُ عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ" (2) .(5/476)
نص على وقوع القلب في الحديث ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله (1) والسخاوي (ت902هـ) رحمه الله (2) ، واللكنوي (ت1304هـ) رحمه الله (3) .
قال السخاوي رحمه الله عن هذا الحديث: "فرواه ابن حبان كما في نسخة صحيحة معتمدة قديمة جداً من طريق وهيب عن بن عبيد الله بن عمر وغيره عن محمد بن يحي، بلفظ: "مستقبل القبلة مستدبر الشام"، ورواه عن الحسن بن سفيان عن إبراهيم بن الحجاج عن وهيب، وهو مقلوب!
وقد رواه الإسماعيلي في مستخرجه عن أبي يعلى عن إبراهيم فقال: "مستدبر القبلة مستقبل الشام" كالجادة فانحصر في الحسن بن سفيان أو ابن حبان"اهـ (4) .
قلت: كذا قال رحمه الله! والواقع أنه بالنظر إلى الطريقين الذين عند الطحاوي لا يتعين أن القلب من ابن حبان أو شيخه الحسن بن سفيان، بل الذي يظهر لي والله أعلم أنه من يحي بن سعيد الأنصاري أو محمد بن يحي ابن حبان والله اعلم.
المقصد السادس: الأئمة الذين استعملوا في عباراتهم الوصف بالقلب!
جاء استعمال وصف القلب في عبارات أئمة الجرح والتعديل في أحيان كثيرة بذكر اسم (القلب) ، وفي أحيان بذكر اسم (الإحالة) وفي أحيان (دخل حديث في حديث) وفي أحيان أخرى باسم (السرقة) ، وأحياناً باسم (التدليس) مع ما يوضح أنه قلب، وأحياناً بذكر معناه وهيئته.
وأسوق أسماء الأئمة الذين وقفت لهم على عبارات في ذلك، دون استيعاب لجميع عباراتهم، فقط أورد بعضها للدلالة على أنهم استعملوا الوصف بالقلب، فمن هؤلاء:
1 شعبة بن الحجاج (ت160هـ) رحمه الله.
ذكر الخطيب في كتابه "الجامع لأخلاق الراوي وأدب السامع" (5) بسنده عن بهز بن أسد العمي (مات بعد المائتين وقيل قبلها) وسأله حَرَمِيّ بن عمارة
(ت 201هـ) عن أبان بن أبي عياش؟ فذكر له عن شعبة رحمه الله أنه قال: "كتبت حديث أنس عن الحسن وحديث الحسن عن أنس، فدفعتها إلى أبان بن أبي عياش، فقرأها عليّ". فقال حَرَمِيّ: بئس ما صنع وهذا يحل؟! ".(5/477)
قال شعبة رحمه الله: "أفادني ابن أبي ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة" (1) .
2 حماد بن سلمة (ت167هـ) رحمه الله.
عن حمّاد بن سلمة: "قلبت أحاديث على ثابت البناني فلم تنقلب، وقلبت على أبان بن أبي عياش فانقلبت" (2) .
وقال: "كنت أسمع أن القصاص لا يحفظون الحديث، قال: فكنت أقلب الأحاديث على ثابت أجعل أنس لابن أبي ليلى وأجعل ابن أبي ليلى لأنس أشوش بينهما فيجريهما على السواء" (3) .
3 حماد بن زيد (ت179هـ) رحمه الله.
قال سليمان بن حرب عن حماد بن زيد: "ثنا علي بن زيد وكان يقلب الأحاديث. كان يحدثنا اليوم بالحديث ثم يحدثنا غداً فكأنه ليس ذلك" (4) .
4 صدقة أظنه ابن خالد (ت184هـ) رحمه الله.
قال صدقة: "دفن يوسف بن أسباط كتبه فكان بعد تنقلب عليه فلا يجيء به كما ينبغي فاضطرب في حديثه روى عنه أبو الأحوص" (5) .
5 يحي بن سعيد القطان (ت198هـ) رحمه الله
قال خلف بن سالم: حدثني يحي بن سعيد، قال: قدمت الكوفة وبها ابن عجلان وبها من يطلب الحديث: مليح بن وكيع، وحفص بن غياث، وعبد الله ابن إدريس، ويوسف بن خالد السمتي، فقلنا: نأتي ابن عجلان.
فقال يوسف بن خالد: نقلب على هذا الشيخ حديثه، ننظر تفهمه. قال: فقلبوا فجعلوا ماكان عن سعيد عن أبيه، وما كان عن ابيه عن سعيد، ثم جئنا إليه، لكن ابن إدريس تورّع وجلس بالباب وقال ك لا استحل، وجلست معه.
ودخل حفص، ويوسف بن خالد، ومليح، فسألوه، فمرّ فيها، فلما كان عند آخر الكتاب انتبه الشيخ فقال: أعد العرض فعرض عليه، فقال: ما سألتموني عن أبي فقد حدثني سعيد به، وما سألتموني عن سعيد فقد حدثني به أبي، ثم أقبل على يوسف بن خالد، فقال: إن كنت أردت شيني وعيبي فسلبك الله الاسلام، وأقبل على حفص، فقال: ابتلاك الله في دينك ودنياك، وأقبل على مليح، فقال: لا نفعك الله بعلمك!
قال يحي: فمات مليح ولم ينتفع به، وابتلي حفص في بدنه بالفالج، وبالقضاء في دينه، ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة" (6) .(5/478)
6 عبد الرحمن بن مهدي (ت198هـ) رحمه الله.
قال ابن مهدي رحمه الله عن فرج بن فضالة: "حدّث عن أهل الحجاز بأحاديث منكرة مقلوبة" (1) .
7 محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ) رحمه الله:
لم يأت عنه صراحة اسم (القلب) في المتن، ولكن جاءت صورته، والعلماء مثلوا بها في المقلوب متناً، وهو ما جاء في كلام للبيهقي بعد روايته من طريق عبد الله يعني ابنَ عُمَرَ العُمَرِيَّ عن نافع عن ابنِ عُمَرَ: "أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ يومَ خَيْبَرَ للفارسِ سهمينِ، وللراجلِ سهماً". قال البيهقي (ت458هـ) رحمه الله: "عبدُ الله العُمَرِيُّ كثيرُ الوَهَمِ. وقد رُوِيَ ذلكَ من وَجْهٍ آخَرَ عن القَعْنَبِيِّ عن عبدِ الله العُمَرِيِّ بالشكِ في الفارسِ أَو الفَرَسِ. قالَ الشَّافِعيُّ في القديمِ: كَأَنَّهُ سمعَ نافعاً يقولُ: للفرسِ سهمينِ وللرجلِ سهماً، فقالَ: للفارسِ سهمينِ وللراجلِ سهماً. وليسَ يَشُكُّ أحدٌ مِنْ أهل العلم في تَقْدِمَةِ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ على أخيه في الحِفْظِ"اهـ (2) .
قلت: والشافعي يشير بهذا إلى أن عبد الله العمري قد وهم فقلب الحديث فقلب لفظ (الفرس) إلى (الفارس) ، وجعل ما للفرس له، فصار الأمر: أن للفارس هو وفرسه: سهمين، وللراجل سهماً واحداً فقط، فقلب الحديث الذي كان: للراجل سهماً، وللفرس سهمين، فيصير للفرس وصاحبه ثلاثة أسهم!
8 أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي (ت227هـ) رحمه الله.
قال أبو الوليد الطيالسي رحمه الله، في الربيع بن صبيح السعدي: "كان الربيع لا يدلس، وكان المبارك أكثر تدليساً منه" (3) .
قلت: مراده - والله اعلم - أن الربيع كان يقلب أسماء الرواة وأسانيد الأحاديث فيًظن تدليساً، وما هو بتدليس، وكان المبارك يتحقق فيه وصف التدليس أكثر من الربيع.(5/479)
ويدل على نفي وصف التدليس عن الربيع قول عثمان بن سعيد الدارمي (ت280هـ) : "المبارك [بن فضالة] عندي فوق [الربيع بن صبيح] فيما سمع من الحسن، إلا أنه ربما دلّس" (1) .
قلت: مفهوم هذا أن الربيع بن صبيح لا يدلس! ويؤكده ثبوت وصف الربيع بأن أحاديثه مقلوبة، كما قال عفان بن مسلم (ت261هـ) رحمه الله: "أحاديثه كلها مقلوبة" (2) .
9 يحي بن معين (ت233هـ) رحمه الله.
قصته مع أبي نعيم الفضل بن دكين مشهورة!
قال ابن معين رحمه الله في الحسين بن فرج الخياط: "كذاب يسرق الحديث" (3) .
وقال رحمه الله: "أحاديث زيد بن الحباب عن سفيان الثوري مقلوبة" (4) .
قال ابن معين رحمه الله، في سليمان بن داود ابن الشاذكوني: "ابن الشاذكوني ليس بثقة، ولا مأمون، إذا بلغه حديث عن انسان قلبه عن غيره، لا ينبغي يكتب عنه الحديث ولا كرامة" (5) .
10 ابن نمير (ت234هـ) رحمه الله
قال ابن نمير رحمه الله في محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي أبوهشام الرِّفاعي: "كان أبوهشام يسرق الحديث" (6) .
11 أحمد بن حنبل (ت241هـ) رحمه الله.
قال عبد الله عن أبيه أحمد بن حنبل رحمهم الله، في حبيب بن أبي حبيب: "ليس بثقة. قال: قدم علينا رجل (أحسبه قال: من خراسان) كتب عنه كتاباً عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن سالم والقاسم، فإذا هي أحاديث ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران، عن قاسم، وسالم. قال أبي: (أحالها) على ابن أخي ابن شهاب. قال أبي: كان يكذب، ولم يكن أبي يوثقه ولا يرضاه، وأثنى عليه شراً وسوء اً" (7) .
استعمل الإمام أحمد هنا (الإحالة) بمعنى القلب!
وقال رحمه الله: "كان شعبة يقلب أسامي الرجال" (8) .
وقال رحمه الله في عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العُمري، من أهل المدينة (9) : "ليس بشيء. وقد سمعت منه ومزقته وكان يقلب حديث نافع عن ابن عمر يجعله عن عبد الله بن دينار". وقال مرّة: "أحاديثه مناكير".(5/480)
12 محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) رحمه الله.
قال البخاري رحمه الله، في عيسى بن عبد الرحمن بن فروة أبوعباد الزرقي.: "عيسى بن عبد الرحمن عن الزهري. روى عنه عمرو بن قيس منكر الحديث. وابن لهيعة عن عيسى بن عبد الرحمن عن الزهري مقلوب" (1) .
وقال رحمه الله، في فرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم التنوخي أبوفضالة الحمصي: "كان عبد الرحمن لا يحدث عن فرج بن فضالة ويقول: حدّث عن يحي ابن سعيد أحاديث منكرة مقلوبة" (2) .
وقال في "زهير بن محمد": "أنا أتقي هذا الشيخ كأنه حديث موضوع وليس هذا عندي زهير بن محمد، وكان أحمد بن حنبل يضعف هذا الشيخ. ينبغي أن يكون قلب اسمه أهل الشام. يروون عن زهير بن محمد هذا مناكير"اهـ (3) .
13 عفان بن مسلم (ت261هـ) .
قال عفان بن مسلم رحمه الله، في الربيع بن صبيح: "أحاديثه كلها مقلوبة" (4) .
14 أبوالحسن أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي العجلي (ت261هـ) رحمه الله.
قال: "ما خلق الله أحداً كان أعرف بالحديث من ابن معين (ت233هـ) لقد كان يؤتى بالأحاديث قد خلطت وقلبت فيقول هذا كذا وهذا كذا فيكون كما قال" (5) .
15 أبوزرعة الرازي (ت264هـ) رحه الله.
قال أبوزرعة الرازي رحمه الله، في أسباط بن نصر الهمداني أبو يوسف ويقال أبو نصر الكوفي: "أمّا حديثه فيعرف وينكر وأمّا في نفسه فلابأس به. حدثنا محمد بن إدريس قال: سمعت أبا نعيم وقال له رجل: سمعت من أسباط بن نصر؟ قال: كان أسباط بن نصر يقلب الحديث. حدثنا محمد قال: سمعت أبا جعفر الجمال يذكر عن أبي نعيم، قال: ذكر له أسباط بن نصر، فقال: هالك هو" (6) .
قال ابن أبي حاتم (ت327هـ) رحمه الله: "سألته (يعني: أبازرعة) : عن حديث أبي الأحوص عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشربوا في الظروف ولا تسكروا".(5/481)
قال أبوزرعة: فوهم أبوالأحوص فقال عن سماك عن القاسم عن أبيه عن أبي بردة قلب من الإسناد موضعاً وصحّف في موضع. أمّا القلب فقوله: عن أبي بردة أراد عن ابن بريدة ثم احتاج أن يقول ابن بريدة عن أبيه، فقلب (في المطبوع: فقلت) الإسناد بأسره، وأفحش في الخطأ!
وأفحش من ذلك وأشنع تصحيفه في متنه: "اشربوا في الظروق ولا تسكروا" وقد روي هذا الحديث عن ابن بريدة عن أبيه. أبوسنان ضرار بن مرة وزبيد اليامي عن محارب بن دثار. وسماك بن حرب والمغيرة بن سبيع، وعلقمة بن مرثد والزبير بن عدي وعطاء الخرساني وسلمة بن كهيل كلهم عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في السقاء فاشربوا في الأسقية ولا تشربوا مسكراً" وفي حديث بعضهم قال: "واجتنبوا كل مسكر" ولم يقل أحد منهم: "ولاتسكروا" وقد بان وهم حديث أبي الأحوص من اتفاق هؤلاء المسمين (في المطبوع: وهو لا المشمس) على ما ذكرنا من خلافه"اهـ (1) .
ورأيته يصف حديثاً بأنه مرسل مقلوب (2) .
16 فضلك الرازي أبوبكر الفضل بن العباس (ت270هـ) رحمه الله.
قال أبوأحمد العسال: سمعت فضلك الرازي يقول: دخلت على محمد بن حميد وهو يركب الأسانيد على المتون" (3) .
17 محمد بن عوف (ت272هـ) رحمه الله
قال محمد بن عوف، في عبد الوهاب بن الضحاك: قيل له: إنه كان يأخذ فوائد أبي اليمان فيحدث بها عن إسماعيل بن عياش، وحدّث بأحاديث كثيرة موضوعة. قال: فخرجت إليه فقلت: ألا تخاف الله! فضمن لي أن لا يحدِّث بها بعد ذلك (4) .
18 أبوداود (ت275هـ) صاحب السنن رحمه الله.
روى أبوعبيد الآجري عن أبي داود أنه قال: الحسن بن مدرك كذاب كان يأخذ أحاديث فهد بن عوف قيقلبها على يحي بن حمّاد" (5) .(5/482)
وفي الرواة مصعب بن سلام (1) ، قال الآجري: "سألت أباداود عن مصعب بن سلام؟ فقال: ضعفوه بأحاديث انقلبت عليه أحاديث ابن شبرمة".
19 أبوحاتم محمد بن إدريس بن المنذر الرازي (ت277هـ) رحمه الله.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله: "سألت أبي (يعني: أباحاتم) وأبازرعة عن حديث رواه يحي بن يمان عن الثوري عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت فاستسقى فأتي بنبيذ فشمه فقطب وجهه فقيل: أحرام هو يارسول الله؟ قال: لا".
فقلت لهما: ما علة هذا الحديث؟ وهل هو صحيح؟
فقالا: أخطأ ابن يمان في إسناد هذا الحديث وروى هذا الحديث عن الثوري عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة عن النبي صلى الله عليه وسلم!
قال أبي: والذي عندي أن يحي بن يمان دخل حديث له في حديث:
رواه الثوري عن منصور عن خالد بن سعد مولى أبي مسعود: "أنه كان يشرب نبيذ الجر".
وعن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه كان يطوف بالبيت ... الحديث؛ فسقط عنه إسناد الكلبي فجعل اسناد منصور عن خالد عن أبي مسعود لمتن حديث الكلبي.
وقال أبوزرعة: وهم فيه يحي بن يمان إنما هو الثوري عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم"اهـ (2) .
20 عبد الرحمن بن خراش (ت283هـ) ، رحمه الله.
قال عبدان: قلت لعبد الرحمن بن خراش (ت283هـ) : هذه الأحاديث التي يحدث بها غلام خليل من أين له؟ قال: سرقها من عبد الله بن شبيب وسرقها عبد الله بن شبيب من النضر بن سلمة شاذان ووضعها شاذان" (3) .
21 البرذعي أبوعثمان سعيد بن عمرو (ت292هـ) رحمه الله.(5/483)
قال البرذعي: "سمعت أبازرعة يقول: هشام بن سعد واهي الحديث. أتقنت ذلك عن أبي زرعة، وهشام عند غير أبي زرعة أجل من هذا الوزن، فتفكرت فيما قال أبوزرعة؛ فوجدت في حديثه وهماً كبيراً، من ذلك: أنه حدّث عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة: في قصة المواقع في رمضان، وقد روى أصحاب الزهري قاطبة، عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن وليس من حديث أبي سلمة، وقد حدّث به وكيع، عن هشام، عن الزهري، عن أبي هريرة، كأنه أراد الستر على هشام في قوله عن أبي سلمة" (1) . قلت: فقلب هشام الحديث فجعله عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة! وهذا من البرذعي ذكر للقلب عن طريق ذكر صورته!
22 صالح بن محمد الأسديُّ الحافظ، صالح جزرة (ت293هـ) رحمه الله.
قال صالح جزرة، في محمد بن حميد: "كنا نتهم ابن حميد في كل شيء، ما رأيت أجرأ على الله منه. كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضها على بعض".
وقال: "كان كل ما بلغه من حديث سُفيان يُحيله على مِهْران، وما بلغه من حديث منصور يُحيله على عَمرو بن أبي قيس، وما بلغه من حديث الأعمش يحيله على مثل هؤلاء، وعلى عَنْبَسة، ثم قال: كل شيء كان يحدثنا ابن حُميد كنا نتهمه فيه. وقال في موضع آخر: كانت أحاديثه تزيد وما رأيت أحداً أجرأ على الله منه، كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضها على بَعْضٍ. وقال في موضع آخر: ما رأيتُ أحداً (أحذق) ، بالكَذِب من رَجُلَين: سُلَيْمان الشَّاذكونيّ، ومحمد بن حُميد الرازي، كان يُحْفَظ حديثه كله، وكان حديثه كل يوم يَزِيد" (2) .
23 أحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) رحمه الله.
قال النسائي رحمه الله، في النعمان بن راشد الرقي: "ضعيف كثير الغلط".
وقال مرّة: "أحاديثه مقلوبة".
وقال مرّة: "ضعيف" (3) .
24 عبدان الأهوازي، عبد الله بن أحمد بن موسى (ت306هـ) رحمه الله.(5/484)
قال ابن عدي (ت365هـ) رحمه الله: "سمعت عبدان يقول: قلت لعبد الرحمن بن خراش: هذه الأحاديث التي يحدث بها غلام خليل من أين له؟ فقال: سرقه من عبد الله بن شبيب وسرقه ابن شبيب من النضر بن سلمة شاذان ووضعها شاذان" (1) .
25 ابن خزيمة (ت311هـ) رحمه الله
ذكر صورة القلب في المتن، وقال: "قلب ابن نمير المتن على مارواه أبومعاوية. وتابع شعبة في معنى المتن! وشعبة وابن نمير أولى بمتن الخبر من أبي معاوية، وتابعهما أيضا سيار أبوالحكم عن أبي وائل عن عبد الله قال: خصلتان أحداهما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى أنا أقولها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات وهو يجعل لله نداً دخل النار، وأنا أقول: من مات وهو لا يجعل لله نداً دخل الجنة"اهـ (2) .
26 أبوحاتم محمد بن حبان البستي (ت354هـ) رحمه الله.
وكلامه في ذلك كثير جداً، لا تكاد تمر صفحات من كتابه المجروحين إلا وتجد له وصفاُ بالقلب أو السرقة! وهو أكثر أئمة الجرح والتعديل وصفاً بالقلب! فمن ذلك:
قوله في ترجمة أبان بن أبي عياش: "سمع عن أنس بن مالك أحاديث وجالس الحسن فكان يسمع كلامه ويحفظه فإذا حدث ربما جعل كلام الحسن الذي سمعه من قوله عن أنس عن النبي (وهو لا يعلم. ولعله روى عن أنس أكثر من ألف وخمسمائة حديث ما لكبير شيء منها أصل يرجع إليه"اهـ (3) .
وقوله في إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم أبي إسحاق البغدادي: "كان يقلب الأخبار ويسرق الحديث، فعمد إلى حديث تفرد به رجل واحد لم يره فجاء به عن شيخ آخر" ثم قال: "فالاحتياط في أمره الاحتجاج بما وافق الثقات من الأخبار وترك ما انفرد به من الآثار"اهـ (4) .
وقوله في إبراهيم بن إسحاق الواسطي: "شيخ يروي عن ثور بن يزيد ما لا يتابع عليه، وعن غيره من الثقات المقلوبات، على قلة روايته. لا يجوز الاحتجاج به"اهـ (5) .
27 ابن عدي (ت365هـ) رحمه الله.(5/485)
وكلامه رحمه الله في وصف الرواة بالقلب والسرقة كثير، وقد لهج في كتابه الكامل باستعمال وصف سرقة الحديث، فهو أكثر الأئمة استعمالاً لهذا الوصف في الرواة المتكلم فيهم! فمن ذلك:
قوله في إبراهيم بن بكر الشيباني، الأعور: "كان ببغداد يسرق الحديث. ... ثم قال: وإبراهيم بن بكر هذا هو الشيباني يسرق هذا الحديث من الهذيل ولا أعلم له كبير رواية وأحاديثه إذا روى إما أن تكون منكرة بإسناده أو مسروقاً ممن تقدمه"اهـ (1) .
وقوله في إبراهيم بن عبد السلام المخزومي المكي: "ليس بمعروف. حدّث بالمناكير. وعندي أنه يسرق الحديث" (2) .
وقوله في أحمد بن الحسن بن أبان: "حدّث عن أبي عاصم بأحاديث مناكير عن ابن عون وعن الصوري وشعبة، ويسرق الحديث، ضعيف"اهـ (3) .
28 أبوأحمد الحاكم (ت378هـ) رحمه الله.
قال أبو أحمد الحاكم (ت378هـ) رحمه الله في محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: "عامة أحاديثه مقلوبة" (4) .
29 علي بن عمر الدارقطني (ت385هـ) رحمه الله.
قال الدارقطني رحمه الله، في عبد الوهاب بن الضحاك: "له مقلوبات وبواطيل" (5) .
قال الدارقطني رحمه الله، في عبيد الله بن تمام: "بصري. عن التيمي وداود ابن أبي هند ويونس أحاديث مقلوبة" (6) .
وفي علل الدارقطني:
"735 وسئل عن حديث شقيق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا عالم أو متعلم وذكر الله"؟
فقال: يرويه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان. واختلف عنه؛ فرواه أبو المطرف مغيرة بن مطرف عن بن ثوبان عن عبدة ابن أبي لبابة عن شقيق عن عبد الله!
وهذا إسناد مقلوب؛ وإنما رواه ابن ثوبان عن عطاء بن بن قرة عن عبد الله ابن ضمرة عن أبي هريرة وهو الصحيح"اهـ (7) .
وفيها أيضاً: "1061 وسئل: عن حديث خالد بن سعيد عن أبي مسعود: "أن النبي صلى الله عليه وسلم عطش فاستسقى بنبيذ من السقاية فشمه فقطب فدعا بماء فصبه عليه وشربه"؟(5/486)
فقال: يرويه يحيى بن يمان عن الثوري عن منصور عن خالد بن سعيد عن أبي مسعود.
ويقال: إن يحيى وهم فيه وإنما روى الثوري يعني هذا عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة عن النبي صلى الله عليه وسلم!
والكلبي متروك الحديث. ولا يحفظ هذا من حديث منصور إلا من رواية يحيى بن يمان عن الثوري. وقد تابعه عبد العزيز بن أبان وهو متروك عن الثوري.
وتابعهما أيضا اليسع بن إسماعيل وهو ضعيف عن زيد بن الحباب عن الثوري.
وإنما حديث الكلبي الذي عند الناس والثوري عن منصور عن خالد ابن سعد عن أبي مسعود: "إنه كان يمسح على الجوربين"؛ فيقال: إن يحيى بن يمان انقلب عليه هذا الحديث ودخل عليه في حديث الكلبي عن أبي صالح عن المطلب والله أعلم!
حدثنا محمد بن سليمان بن علي وأحمد ابن محمد بن بحر العطار بالبصرة قالا: ثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب قال: ثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود: "إن النبي صلى الله عليه وسلم عطش وهو يطوف فاستسقى فأتى بنبيذ من السقاية فشمه ... " الحديث"اهـ (1) .
30 أبوسليمان الخطابي (ت388هـ) رحمه الله
قال الخطابي رحمه الله: "ولا أعلم خلافاً بين أهل الحديث في أن هذا الخبر لم يصح مسنداً عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية عمر بن الخطاب رضي الله، وقد غلط بعض الرواة فرواه من طريق أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم.(5/487)
حدثنا إبراهيم بن فراس قال حدثناه موسى بن هارون، قال حدثنا نوح بن حبيب قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال: حدثنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية ولكل امريء مانوى". فذكر نحواً من حديث عمر رضي الله عنه، وهذا عند أهل المعرفة بالحديث: مقلوب، وإنما هو إسناد حديث آخر ألصق به هذا المتن! ويقال: إن الغلط إنما جاء فيه من قبل نوح بن حبيب البذشي"اهـ (1) .
31 أبوعبد الله الحاكم (ت405هـ) رحمه الله.
قال الحاكم (ت405هـ) رحمه الله، في سعيد بن داود الزنبري: "يروي عن مالك أحاديث مقلوبة وصحيفة أبي الزناد أيسر من غيرها، فإن أحاديث أبي الزناد محفوظة، وإن لم يكن لمالك في بعضها أصل. وقد روى خارج النسخة عن مالك أحاديث موضوعة" (2) .
وقال ايضاً رحمه الله: "يزيد بن أبي زياد كان يذكر بالحفظ فلما كبر ساء حفظه فكان يقلب الأسانيد ويزيد في المتون ولا يميز" (3) .
32 أبونعيم الأصبهاني (ت430هـ) رحمه الله.
قال أبونعيم رحمه الله، عن علي بن سعيد بن شهريار: "روى عن يزيد بن هارون (ت206هـ) والأنصاري حديثين مقلوبين" (4) .
33 أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) رحمه الله.
قال البيهقي رحمه الله في أحد الراوة: "كان يقلب الأسانيد ويسرق الحديث حتى كثر ذلك في روايته وسقط عن حد الاحتجاج". وقال مرّة: "ضعيف" (5) .(5/488)
وقال مرّة: "أخبرناه أبو سعدٍ المَالِيْنِيُّ أنبأ أبو أحمدَ بنُ عَدِيَ الحافظُ أنبأ الحسنُ بنُ سفيانَ ثنا أبو مَعْمَرٍ ثنا ابنُ يَمَانٍ ح وأنبأ أبو بكرِ بنُ الحارثِ الأَصْبِهَانِيُّ أنبأ عليُّ بنُ عُمَرَ الحافظُ ثنا أبو علي محمد بنُ سليمانَ وأحمد ابنُ محمدِ بنِ بحرٍ العَطَّارُ جميعاً بالبَصْرَةِ قالا ثنا إسحقُ بنُ إبراهيمَ بنِ حبيبِ ابنِ الشهيدِ ثنا يحيى بنُ يَمَانٍ عن سفيانَ عن منصورٍ عن خالد بن سعدٍ عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ قالَ: عَطِشَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حولَ الكعبةِ، فَاسْتَسْقَى فَأُتِيَ بنبيذٍ من السقايةِ، فَشَمَّهُ فَقَطَّبَ، فقالَ: "عَلَيَّ بِذَنُوبٍ مِنْ زَمْزَمَ"، فَصَبَّهُ عليهِ، ثم شَرِبَ، فقالَ رجلٌ: حَرَامٌ هو يا رسولَ الله، قالَ: "لا". لفظُ حديثِ الشَّهِيدِيِّ.
وحديثُ أبي مَعْمَرٍ مختصرٌ: سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو في الطوافِ: أَحَلاَلٌ هو أَمْ حَرَامٌ، قالَ: "حَلالٌ" يعني النبيذَ.
قالَ عليُّ بنُ عُمَرَ (هو الدارقطني) : هَذَا حديثٌ معروفٌ بيحيى بنِ يَمَانٍ، ويقالُ: إِنَّهُ انْقَلَبَ عليهِ الإسنادُ واخْتَلَطَ بحديثِ الكَلْبِيِّ عن أبي صالحٍ، والكَلْبِيُّ متروكٌ، وأبو صالحٍ ضعيفٌ. ثم قال: "أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَمِيُّ أنبأ أبو الحسن المحموديُّ ثنا أبو عبد الله محمد بن علي الحافظ ثنا أبو موسى قالَ: ذَكَرْتُ لعبدِ الرحمنِ بنِ مَهْدِيَ حديثَ سفيانَ عن منصورٍ في النبيذِ قالَ: لا تُحَدِّثْ بِهَذَا.
قال الشيخ: وقد سَرَقَهُ عبدُ العزيزِ بنُ أَبَانَ فرواهُ عن سفيانَ، وسَرَقَهُ اليَسَعُ بنُ إسمعيلَ فرواهُ عن زيدِ بنِ الحُبَابِ عن سفيانَ، وعبدُ العزيزِ بنُ أَبَانَ متروكٌ، واليَسَعُ بنُ إسمعيلَ ضعيفُ الحديثِ"اهـ (1) .(5/489)
وقال أيضاً: “سمعتُ أَبَا عبدِ الله الحافظَ يقولُ: سمعتُ أَبَا عبدِ الله محمدَ ابنَ يعقوبَ الحافظَ غيرَ مرةٍ يقولُ: كانَ أبو بكرٍ الجَارُودِيُّ إِذَا مَرَّ بقبرِ جَدِّهِ في مقبرةِ الحسينِ بنِ معاذٍ يقولُ: يا أَبةِ، لو لَمْ تُحَدِّثْ بِحَدِيثِ بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ لَزُرْتُكَ.
قال الشيخ: وقد سَرَقَهُ عنهُ جماعةٌ من الضعفاءِ، فَرَوَوْهُ عن بَهْزِ بنِ حكيمٍ، ولم يَصِحَّ فيهِ شىءٌ"اهـ (1) .
34 أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت463هـ) رحمه الله.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله، في ترجمة سعيد بن داود الزنبري: "سكن بغداد وحدّث بها عن مالك، وفي أحاديثه نكرة، ويقال: قلبت عليه صحيفة ورقاء عن أبي الزناد فرواها عن مالك" (2) .
هذا ما تيسر لي الوقوف عليه من أسماء الأئمة الذين استعملوا في عبارات وألفاظ الجرح والتعديل اسم القلب أو السرقة، أو ما يدل عليهما، وبعد الخطيب يأتي الإمام الجامع لأطراف أنواع علوم الحديث أعني ابن الصلاح رحمه الله ثم الأئمة من بعده وقد أفردوا المقلوب في كتبهم بنوع خاص من أنواع علوم الحديث، وقد نقلت عباراتهم في التعريف بهذا النوع في المقصد الأول.
ولعل من أهم الملاحظات العامة التي أسجلها هنا الأمور التالية:
1 في جميع عبارات هؤلاء الأئمة الذين وقفت على كلامهم لم أجد بوضوح الإشارة إلى القلب في المتن، إلا ما رأيته في عبارة ابن خزيمة (ت311هـ) رحمه الله، والبيهقي (ت458هـ) رحمه الله!
نعم جاءت صورة القلب في المتن في عبارة الإمام الشافعي، لكن ليس فيها تصريح باسم القلب!
وهذا يبين لك سبباً من الأسباب التي دعت الحافظ ابن الصلاح أن يقتصر في تعريف المقلوب بالمثال على صورتين فقط وهما ما تكرر في عبارات هؤلاء الأئمة الأعلام!(5/490)
2 تبين من خلال التسلسل التاريخي أن استعمال القلب للكشف عن حال الرواة جرى في القرن الثاني قبل المائتين، خلافاً لما ذكره الذهبي (ت748هـ) رحمه الله حيث قال: "لم يكن ظهر لهم قلب الأسانيد على الشيوخ، إنما فعل هذا بعد المئتين.."اهـ (1) ؛ فقد اثبت التتبع والتسلسل التاريخي أنهم استعملوه قبل المئتين كما تراه مع شعبة (ت160هـ) وحماد بن زيد (ت167هـ) رحمهما الله، ويؤكد هذا أن التلقين أمر معروف قديماً وصورته صورة القلب!
نعم إذا أراد الحافظ الذهبي أنه بعد المئتين اشتهر وتفشى فهذا هو الواقع، والله اعلم!
3 أن الإمام ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله قد لهج في كتابه المجروحين باستعمال الوصف ب (القلب) ، كما لهج الإمام ابن عدي (ت365هـ) رحمه الله في كتابه في الضعفاء باستعمال الوصف ب (السرقة) !
4 للعلماء عبارات متنوعة عن القلب أشهرها (القلب) ، ثم (الإحالة) ، إدخال حديث في حديث، وأنهم يعبرون في بعض الرواة بحسب حالهم من الضبط ب (السرقة) ، أو (التدليس) .
المقصد السابع: المصنفات في الحديث المقلوب
لم أقف على شيء من المصنفات في الحديث المقلوب، لكن وقفت على تسمية بعض الكتب في هذا العلم، وهي الآتية:
1 للخطيب البغدادي (ت463هـ) رحمه الله تعالى، كتاب في المقلوب في الأسماء. ذكره الحافظ ابن الصلاح رحمه الله في آخر كلامه عن النوع السادس والخمسون: معرفة الرواة المتشابهين في الاسم والنسب المتمايزين بالتقديم والتأخير في الابن والأب، فقال عن هذا النوع: "مثاله: (يزيد بن الأسود) ، و (الأسود بن يزيد) :
فالأول: يزيد بن الأسود الصحابي، (الخزاعي) ، و (يزيد بن الأسود الجرشي) ، أدرك الجاهلية، وأسلم، وسكن الشام، وذكر بالصلاح، حتى استسقى به معاوية في أهل دمشق، فقال: "اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا". فسقوا للوقت، حتى كادوا لا يبلغون منازلهم.
والثاني: (الأسود بن يزيد النخعي) ، التابعي الفاضل.(5/491)
ومن ذلك (الوليد بن مسلم) ، و (مسلم بن الوليد) .
فمن الأول: (الوليد بن مسلم البصري التابعي) ، الراوي عن جندب بن عبد الله البَجلي. والوليد بن مسلم الدمشقي المشهور، صاحب (الأوزاعي) ، روى عنه (أحمد بن حنبل) والناس.
والثاني: (مسلم بن الوليد بن رباح المدني) ، حدث عن أبيه وغيره، روى عنه عبد العزيز الدراوردي وغيره، وذكره (البخاري) في (تاريخه) فقلب اسمه ونسبه، فقال: (الوليد بن مسلم) وأُخذ عليه ذلك.
وصنف (الخطيب الحافظ) في هذا النوع كتاباً سماه (كتاب رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب) وهذا الاسم ربما أوهم اختصاصه بما وقع فيه مثل الغلط المذكور في هذا المثال الثاني، وليس ذلك شرطاً فيه، وأكثره ليس كذلك، فما ترجمناه به إذا أولى، والله أعلم "اهـ (1) .
وقد سمى هذا النوع الحافظ العراقي (ت804هـ) رحمه الله في ألفيته: "المشتبه المقلوب" (2) ، وتابعه على هذه التسمية الحافظ السيوطي (ت911هـ) في ألفيته (3) .
وسمّاه ابن الجزري (ت833هـ) رحمه الله: "من وافق اسمه اسم والد الآخر واسم والد الآخر اسمه" (4) .
وقال عن هذا النوع الحافظ السخاوي (ت902هـ) رحمه الله: "هذا فن حسن وهو موافقة اسم الراوي لاسم والد راو آخر واسم أبيه لاسمه، فربما اتفق انقلاب أحدهما بحيث يكونان متفقين في الاسم واسم الأب، وللخطيب فيه رافع الارتياب"اهـ (5) .
قلت: فهذا الكتاب لا يختص بالمقلوب وهماً أو عمداً، إنما هو أعم من ذلك، بخلاف ما تشعر به عبارة الحافظ ابن حجر (ت852هـ) رحمة الله عليه حيث قال: "إن كانت المخالفة بتقديم أو تأخير أي: من الأسماء ك "مرة بن كعب" و "كعب بن مرة" لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر، فهذا هو "المقلوب". وللخطيب فيه كتاب "رفع الارتياب""اهـ (6) .(5/492)
وقال السخاوي (ت902هـ) رحمه الله تلميذ ابن حجر، أثناء كلامه عن المقلوب السندي: "ومن هذا القسم ما يقع الغلظ فيه بالتقديم في الأسماء والتأخير ك (مرة بن كعب) فيجعله (كعب بن مرة) و (مسلم بن الوليد) فيجعله (الوليد بن مسلم) ، ونحو ذلك مما أوجبه كون اسم أحدهما اسم أبي الآخر.
وقد صنف كل من الخطيب وشيخنا في هذا القسم خاصة؛
فأمّا الخطيب ففيما كان من نمط المثال الأخير فقط وسمّاه (رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب) وهو مجلد ضخم"اهـ (1) .
فتحصلنا من جميع ما سبق الأمور التالية:
أن للخطيب كتاباً اسمه "رافع الإرتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب".
أن موضوع الكتاب في موافقة اسم الراوي لاسم والد راو آخر واسم أبيه لاسمه، فربما اتفق انقلاب أحدهما بحيث يكونان متفقين في الاسم واسم الأب.
أن الكتاب ليس مقصوراً على أسماء الرواة الذين وقع فيها القلب، بل هو أعم من ذلك. ومن فوائده: أمن توهم القلب (2) .
2 ولابن البُلْقِيني جلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن عمر بن رسلان (ت824هـ) رحمه الله، جزء مفرد جمع فيه مقلوب المتن، ونظمها في أبيات.
قال الحافظ السخاوي (ت902هـ) رحمه الله في كلامه عن الأحاديث المقلوبة متناً: "ما اعتنى بجمعها بل ولا بالإشارة إليها إلا أفراد منهم من المتأخرين: الجلال ابن البُلْقِيني، في جزء مفرد ونظمها في أبيات"اهـ (3) .
وقال أيضاً رحمه الله: "وقد أفرد الجلال البلقيني رحمة الله تعالى عليه كثيراً من أمثلة هذا النوع [يعني: المقلوب متناً] لكن لا نطيل بإيرادها"اهـ (4) .
قلت: ولم أقف على كتابه، وقد اعتنيت بجمعها وتتبعها بقدر ما تيسر لي، وخرّجتها وأفردتها بدراسة خاصة ولله الحمد على توفيقه!
3 ولشمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد القيسي الدِّمشقي المعروف ب "ابن ناصر الدين" (ت842هـ) رحمه الله كتاب اسمه: "السراق والمتكلم فيهم من الرواة" (5) .(5/493)
وموضوعه كما يظهر من ترجمته: في جمع الرواة الذين وصفوا بسرقة الحديث، وهم داخلون في الرواة الموصوفون بقلب الحديث، وقد جمعتهم في معجم، أفردته لتراجم مختصرة لهم، ولله الحمد والمنة!
4 ولابن حجر (ت852هـ) رحمه الله كتاب في المقلوب، سمّاه: "جلاء القلوب في معرفة المقلوب"، ويُسمى "نزهة القلوب في معرفة المبدل والمقلوب"، وورد اسمه في بعض المصادر: "نزهة القلوب في معرفة المبدل من المقلوب" (1) .
ذكره تلميذه السخاوي (ت902هـ) رحمه الله ونقل من مقدمته مع زيادة وحذف منه، فقال: "وأمّا شيخنا (يعني: ابن حجر) فإنه أفرد من علل الدارقطني (ت385هـ) مع زيادات كثيرة ماكان من نمط المثالين اللذين قبله (2) . وسمّاه "جلاء القلوب في معرفة المقلوب" وقال: إنه لم يجد من أفرده مع مسيس الحاجة إليه بحيث أدّى الإخلال به إلى عدِّ الحديث الواحد أحاديث إذا وقع القلب في الصحابي، ويوجد في كلام الترمذي (ت279هـ) فصلاً عمن دونه حيث يقال: وفي الباب عن فلان وفلان، ويكون الواقع إنه حديث واحد اختلف على راويه.
وقد كان بعض القدماء يبالغ في عيب من وقع له ذلك، فروينا في مسند الإمام أحمد (3) عن يحي بن سعيد القطان (ت198هـ) أنه قال: حدّث سفيان الثوري (ت161هـ) عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي (أنه قال: لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس فقلت له: تعست يا أبا عبد الله (أي: عثرت) فقال: كيف هو؟ قلت: حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن أبي الجراح عن أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت.
وقد اشتمل هذا الخبر على عظم دين الثوري وتواضعه وإنصافه، وعلى قوّة حافظة تلميذه القطان وجرأته على شيخه حتى خاطبه بذلك ونبهه على عثوره حيث سلك الجادة لأن جلّ رواية نافع هي عن ابن عمر، فكان قول الذي يسلك غيرها إذا كان ضابطاً أرجح.(5/494)
كذا خطّأ يحي القطان شعبة (ت160هـ) حيث حدّثوه بحديث: "لايجد عبد طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر"، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي. وقال: حدثنا به سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن ابن مسعود وهذا هو الصواب، ولا يتأتى ليحي أن يحكم على شعبة بالخطأ إلا بعد أن يتيقن الصواب في غير روايته، فأين هذا ممن يستروح فيقول مثلا: يحتمل أن يكون عند أبي إسحاق على الوجهين فحدّث به كل مرّة على أحدهما.
وهذا الاحتمال بعيد عن التحقيق إلا إن جاءت رواية عن الحارث يجمعهما ومدار الأمر عند أئمة هذا الفن على ما يقوى في الظن، أمّا الاحتمال المرجوح فلا تعويل عندهم عليه"اهـ (1) .
قال السخاوي عقب ما نقله عن شيخه ابن حجر من مقدمة كتابه "جلاء القلوب": "واختار في تسمية قسمي العمد: الإبدال لا القلب"اهـ (2) .
هذا هو ما وقفت عليه من أسماء المصنفات في هذا النوع الحديثي!
سائلاً الله تعالى التوفيق والهدى والرشاد والسداد.
• • •
الخاتمة:
وتشتمل على أهم النتائج التي انتهت إليها هذه لدراسة، وهي التالية:
1 بيان أن الإمام ابن الصلاح رحمه الله اقتصر في تعريفه للمقلوب على تعريف المقلوب إسناداً، وأنه يمكن الاعتذار عنه بعدة أمور: منها أنه لم يقصد الحد بالرسم التام، إنما عرّف بالمثال وهو تعريف بالرسم الناقص! ومنها أنه رحمه الله قد أورد مثالاً يصلح أن يكون للقلب في السند كما يصلح أن يكون للقلب في المتن؛ فيكون كلامه فيه إشارة للقلب في المتن، ومنها أنه جرى على تعريف ما غلب وكثر في عبارات الأئمة وهو القلب في السند!
2 تحرير التعريف الجامع المانع للحديث المقلوب، وبيان أقسامه وأنواعه! وأن ابن الصلاح رحمه الله كان دقيقاً في التعبير عن الواقع لدى أئمة الحديث في تعريفه للمقلوب، إذ تطابق الواقع في عباراتهم مع تعريفه.(5/495)
3 أن القلب عرف لدى أئمة الجرح والتعديل منذ بداياته، في القرن الثاني، خلافاً للذهبي الذي قرر أن القلب على الشيوخ لم يُعرف إلا بعد القرن الثاني!
4 تحرير حكم قلب الحديث، وبيان مرتبته، وأنه قد يجتمع القلب مع الصحة والحسن بشرط أن لا يكون قادحاً في ثبوت الحديث!
5 تبين أن الإمام ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله من أكثر الأئمة لهجاً بالوصف بالقلب، وأن ابن عدي (ت365هـ) رحمه الله من أكثر الأئمة لهجا بالوصف بالسرقة!
6 إبراز طريقة أهل الحديث في الكشف عن وجود القلب في الحديث، وأن لهم في ذلك عبارات متعددة تدل على دراية تامة بحقيقة القلب وصوره ومدى تأثيره في الرواة، فتارة يصفون الراوي بالقلب، وتارة يصفونه بالسرقة، وتارة يعبرون عنه بالإحالة، وتارة يعبرون بالتدليس!
7 بيان أن هناك تداخلاً كبيراً للقلب مع أنواع ومصطلحات حديثية متعددة، كالتلقين والشذوذ والنكارة، والرواية على الجادة، والتدليس وغيرها، وقد أفردت هذا بدراسة خاصة!
وختاماً الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأسأل الله بأن له الحمد الحنان المنان بديع السموات والأرض أن يتقبل عملي خالصاً لوجهه الكريم وداعياً إلى سنة نبيه الرؤوف الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحواشي والتعليقات
تهذيب التهذيب (11/283) .
المجروحين (1/73) .
المدخل إلى الإكليل ص59، ونقله عنه ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول (1/139140) .
معجم مقاييس اللغة (5/17) .
يأتي القلب في اصطلاح علماء البلاغة وعلماء الصرف بمعاني اصطلاحية خاصة بهم، من ذلك:(5/496)
يأتي القلب في علم الصرف بمعنى تقديم بعض حروف الكلمة على بعض، ويسمى القلب المكاني، وأكثر ما يتفق في المهموز المعتل، فقد تقدم عين الكلمة على الفاء، كما في كلمة: "جاه" مقلوب "وجه"، و "أيس" مقلوب "يأس". وقد تقدم ... للام على الفاء كما في "أشياء" مقلوب "شيء". وقد تتأخر الفاء عن اللام كما في "الحادي" مقلوب "الواحد" انظر: معجم لقواعد العربية في النحو والصرف ص341.
يأتي القلب في علم البلاغة في مواضع منها: في باب الحصر والقصر، إذ من ضروب الحصر الإضافي باعتبار حال المخاطب: "قصر القلب"، حيث يخاطب به من يعتقد عكس الحكم الذي أثبته المتكلم فيقلبه عليه باستعمال أسلوب القصر. في باب الجناس، في نوع الجناس غير التام، ويسمى جناس العكس، وفيه نوعان: قلب البعض، وقلب الكل. المقلوب من عيوب ائتلاف المعنى والوزن عند قدامة بن جعفر، وهو أن يضطر الوزن الشعري إلى إحالة المعنى فيقلبه الشاعر على خلاف ما قصد. كقول عروة بن الورد:
فلو أني شهدت أبا سعاد
فديت بنفسه نفسي ومالي
غداة غدا بمهجته يفوق
وما آلوك إلا ما أطيق
أراد أن يقول: "فديت نفسه بنفسي" فقلب المعنى.
في باب التشبيه، "التشبيه المقلوب" وهو الذي يقلب فيه طرفي التشبيه، فيجعل المشبه به مشبهاً، والمشبه يُجعل مشبهاً به. نظر: معجم البلاغة العربية ص553558.
المقلوب من فنون العرب في كلامها كما يقال: عرضت الناقة على الحوض، أي: عرضت الحوض على الناقة. وهذا من لتوسعة في كلامهم. انظر الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي (1/327) ، معجم علوم اللغة ص323.(5/497)
قد استعمله بعض أهل الحديث في بيان معنى حديث: "زينوا القرآن بأصواتكم". قال الخطابي (ت388هـ) رحمه الله في معالم السنن (2/137138) : معناه زينوا أصواتكم بالقرآن، هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث، وزعموا أنه من باب لمقلوب كما يقال: عرضت الناقة على الحوض، أي: عرضت الحوض على الناقة ... والمعنى: اشغلوا أصواتكم بالقرآن والهجوا بقراءته واتخذوه شعاراً وزينة."اهـ، وانظر: غريب الحديث للخطابي (1/357) . قال السندي رحمه الله في حاشيته على سنن ابن ماجة (1/404) : "ولما رأى بعضهم أن القرآن أعظم وأجل من أن يحسن بالصوت بل الصوت أحق أن يحسن القرآن؛ قال: معناه زينوا أصواتكم بالقرآن هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث زعموا أنه من باب القلب"اهـ قال مجد الدين المبارك ابن الأثير (ت606هـ) رحمه الله، في النهاية في غريب الحديث والأثر (2/325326) :" "زَيِّنُوا القرآن بأصْواتِكم" قيل: هو مَقْلوبٌ، أي زَيِّنوا أصواتَكم بالقُرآن. والمعنى: الْهَجُوا بقِراءتِه وتَزَينُوا به، وليس ذَلك على تَطْريب القَول والتَّحْزين، كقوله: "ليسَ مِنَّا من لم يَتَغَنَّ بالقُرآن"أي: يَلهج بِتلاوته كما يلهج سائر النَّاس بالغِناء والطَّرَب. هكذا قال الهرَوى الخطَّابي ومن تقدَّمهما"اهـ.
ولم يسلّم هذا؛ ومحل بيانه في الدراسة التي أفردتها لدراسة الأحاديث المنقلبة متناً، والله الموفق!
علوم الحديث ص91.
تقريب النواوي مع شرحه تدريب الراوي (1/291) .
المنهل الرّوي ص53.
الخلاصة في أصول الحديث ص73.
اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث ص87.
في ألفيته مع شرحها "التبصرة والتذكرة" له (1/282) .
النكت لابن حجر (2/864) .
أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، حديث رقم (1031) .
وهو النوع الثاني والعشرون من أنواع علوم الحديث عند ابن الصلاح في كتابه، ص91.
انظر محاسن الاصطلاح ص285.(5/498)
محاسن الاصطلاح ص286، ونص عبارته: "ويمكن أن يسمى ذلك بالمعكوس، فينبغي أن يفرد بنوع خاص، ولكن لم أر من تعرّض له"اهـ.
فتح الباري (2/146) .
فتح المغيث (1/319) .
حواشي الأجهوري على شرح الزرقاني للبيقونية ص6465.
ظفر الأماني ص405.
إلا كلاماً للإمام الشافعي (ت204هـ) رحمه الله لم يأت فيه صراحة اسم (القلب) في المتن، ولكن جاءت صورته، والعلماء مثلوا بها في المقلوب متناً وهو ما جاء في كلام البيهقي في السنن الكبير (6/325) ، حيث قال بعد روايته من طريق عبد الله يعني ابنَ عُمَرَ العُمَرِيَّ عن نافع عن ابنِ عُمَرَ: "أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ يومَ خَيْبَرَ للفارسِ سهمينِ، وللراجلِ سهماً". قال البيهقي: "عبدُ الله العُمَرِيُّ كثيرُ الوَهَمِ. وقد رُوِيَ ذلكَ من وَجْهٍ آخَرَ عن القَعْنَبِيِّ عن عبدِ الله العُمَرِيِّ بالشكِ في الفارسِ أَو الفَرَسِ. قالَ الشَّافِعيُّ في القديمِ: كَأَنَّهُ سمعَ نافعاً يقولُ: للفرسِ سهمينِ وللرجلِ سهماً، فقالَ: للفارسِ سهمينِ وللراجلِ سهماً. وليسَ يَشُكُّ أحدٌ مِنْ أهل العلم في تَقْدِمَةِ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ على أخيه في الحِفْظِ"اهـ(5/499)
ووجدت كلاماً صريحاً في المقلوب متناً ولكن لعلمين من القرن الرابع والخامس أحدهما: الإمام ابن خزيمة (ت311هـ) رحمه الله في كتاب التوحيد ص360، حيث ذكر صورة القلب في المتن، وقال: "قلب ابن نمير المتن على مارواه أبومعاوية. وتابع شعبة في معنى المتن! وشعبة وابن نمير أولى بمتن الخبر من أبي معاوية، وتابعهما أيضا سيار أبوالحكم عن أبي وائل عن عبد الله قال: خصلتان أحداهما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى أنا أقولها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات وهو يجعل لله نداً دخل النار، وأنا أقول: من مات وهو لا يجعل لله نداً دخل الجنة"اهـ وثانيهما: الإمام البيهقي (ت458هـ) رحمه الله، في كتابه معرفة السنن والآثار (2/4849) ، حيث قال في كلام له عن حديث: "في هذه الرواية الصحيحة تكذيب من قلب هذا الحديث وأتى فيه بما لم يأت به الثقات من أصحاب قتادة"اهـ.
قلت: والذي وقع في الرواية التي تكلم عليها البيهقي قلب في المتن! وقد تكلمت عن ذلك بالتفصيل في الدراسة التي أفردتها للأحاديث لمقلوبة متناً!
من هؤلاء: محمد محي الدين عبد الحميد في تعليقه على توضيح الأفكار (2/100) ، والطحان في كتابه تيسير مصطلح الحديث ص108، وصاحب صقل الأفهام بشرح منظومة البيقونية ص161.
والخطب في ذلك سهل! إذ الأمر كما قال ابن دقيق العيد في الاقتراح ص236: "وقد يطلق المقلوب على اللفظ بالنسبة إلى الإسناد، والإسناد بالنسبة إلى اللفظ"اهـ
وعدّ السماحي في غيث المستغيث ص90، هذه الصورة من أمثلة القلب في المتن والسند جميعاً!
النكت لابن حجر (2/865) .
الاقتراح ص236.
الموقظة ص60.
تذكرة ابن الملقن مع شرحها التوضيح الأبهر ص58.
مختصر الجرجاني ص92.
جواهر الأصول ص7980 بتصرّف يسير.
المختصر في علم الأثر ص136137.
بلغة الحثيث إلى علم لحديث ص27.
نكت الزركشي على كتاب ابن الصلاح (2/299) .
النكت للزركشي (2/305) .(5/500)
الهداية في علم الرواية مع شرحها الغاية للسخاوي (1/339343) .
الغاية شرح الهداية (1/343) .
محاسن الاصطلاح ص286.
قواعد التحديث ص132.
قواعد التحديث ص126.
كذا! مع قوله في أوّل الكلام أن المقلوب قسمان، ونبّه في توضيح الأفكار (2/105) ، إلى ذلك.
تنقيح الأنظار مع شرحه توضيح الأفكار (2/98106) .
النكت على كتاب ابن الصلاح (لابن حجر) (2/864) .
ونص في فتح الباري (2/146) على أن القلب يقع تارة في السند، وتارة في المتن، كما قالوه في المدرج سواء.
نزهة النظر شرح نخبة الفكر ص101، 102.
كما صرّح بذلك في النزهة ص101.
نقله عن بعضهم في اليواقيت والدرر (2/86) .
نزهة النظر شرح نخبة الفكر ص101، 102.
النكت على كتاب ابن الصلاح (لابن حجر) (2/864) .
النكت لابن حجر (2/852) . ومنه تعلم ما في كلام الطوخي الذي نقله الشيخ عطية الأجهوري في حواشيه على شرح الزرقاني لنظم البيقونية ص65، حيث قال: "وأمّا لو أتى بسند كذباً من عنده ليس بسند لحديث أصلا فوضعه لمتن مشهور فلا يسمى قلباً باصطلاحهم بل هو حرام. وأمّا عكسه وهو ذكر سند مشهور لحديث موضوع فلا يسمى قلباً أيضاً"اهـ قلت: إن أراد أنه لايسمى مقلوباً مطلقاً إلا مقيداً بوصف الوضع فالأمر كما قال، وقد سبق التنبيه عليه تحت الملاحظات على تعريف الحافظ ابن حجر رحمه الله، وأمّا إن أراد نفي تسميته بالمقلوب أصلاً حتى بالقيد فهو خلاف ما تراه من كلام أهل العلم، والله الموفق.
ألفية السيوطي ص69.
علوم الحديث لابن الصلاح ص89.
فتح المغيث (1/318) ، (1/328) .
ألفية السيوطي ص69.
فتح الباقي (1/282) ، بتصرف.
ظفر الأماني ص405.
الوسيط في علوم ومصطلح الحديث ص315.
غيث المستغيث ص90.
علوم الحديث ومصطلحه ص191.
المصباح ص108.
لمحات في أصول الحديث ص251.
منهج النقد في علوم الحديث ص435.
الحديث النبوي مصطلحه بلاغته كتبه ص218.
تيسير مصطلح الحديث ص107.
المختصر الوجيز في علوم الحديث ص154155.(6/1)
توجيه النظر ص574،577، 578، 581، بتصرف يسير واختصار.
الهداية مع شرحها الغاية (1/340) .
الهداية مع شرحها الغاية (1/340) .
فتح المغيث (1/328) ، الغاية شرح الهداية (1/339) .
محاسن الاصطلاح ص286.
تقدّم أن من هؤلاء: محمد محي الدين عبد الحميد في تعليقه على توضيح الأفكار (2/100) ، والطحان في كتابه تيسير مصطلح الحديث ص108، وصاحب صقل الأفهام بشرح منظومة البيقونية ص161.
والخطب في ذلك سهل! إذ الأمر كما قال ابن دقيق العيد في الاقتراح ص236: "وقد يطلق المقلوب على اللفظ بالنسبة إلى الإسناد، والإسناد بالنسبة إلى اللفظ"اهـ
وعدّ السماحي في غيث المستغيث ص90، هذه الصورة من أمثلة القلب في المتن والسند جميعاً!
ترجمته في: المجروحين (2/243) ، الميزان (3/613) ، الكاشف (2/197) ، التهذيب (9/301) ، التقريب ص871.
المراسيل لابن أبي حاتم ص20، جامع التحصيل ص 146.
الميزان (2/592) .
والقضية عندي مثل قضية اثبات الصحبة لراوي جاء في سند من الأسانيد تصريحه بالنقل عن رسول الله (، مع وجود تصريح الأئمة بأن هذا الراوي ليس بصحابي، فهل لنا أن نقول: هو صحابي لوقوع روايته عن الرسول (في هذه السند!! كذا الحال هنا في هذه الأسانيد التي يأتي فيها التصريح بالسماع بين راويين نص أهل العلم على عدم سماعهما من بعض، ويوضحه إن شاء الله تعالى أن تعلم أن العنعنة من غير المدلِّس مع إمكان اللقاء محمولة على السماع، فاحتمال الوهم في قلبها بين راويين إلى صيغة صريحة بالتحديث وارد جداً، ويكشف وقوع القلب في ذلك تصريح الأئمة بعدم حصول السماع بين الراويين، ومثل هذه القضية تتكرر كثيراً في كتب المراسيل، وانظر إن شئت تحفة التحصيل، في الترجمة الأولى منه، فإن فيه مثالاً لما نحن فيه، وقع في صحيح مسلم، مع التنبيه أن هذه العلة في الحديث الذي في صحيح مسلم غير مؤثرة في ثبوت المتن!! والله الموفق.(6/2)
ترجمته في: المجروحين (1/342) ، الكاشف (1/422) ، التهذيب (3/439) ، التقريب ص360، الجامع (1/281) .
الإصابة (1/529) .
الإصابة (1/385) .
الإصابة (2/171) .
الإصابة (1/531) .
نقله عنه في فتح المغيث (1/326327) .
ترجمته في: المجروحين (1/324) ، الكاشف (1/432) ، التهذيب (4/3) ، التقريب ص374، الجامع (1/290) .
المجروحين (1/324) .
قد أفردت الأحاديث المقلوبة متناً بدراسة خاصة خرّجت فيها هذا الحديث وغيره!
ميزان الاعتدل (3/563) .
ميزان الاعتدال (3/561) .
الجامع لأخلاق الراوي (1/135) .
النكت لابن حجر (2/866) .
تخريجه في الدراسة التي أفردتها للأحاديث المقلوبة متناً.
معرفة السنن والآثار (2/4849) .
سنن البيهقي (2/162) .
الترجمة منقولة جميعها بتصرف من أسد الغابة (1/117118) ، الإصابة (1/ 125) .
التاريخ الكبير (2/169) .
الجرح والتعديل (2/457) .
الثقات (4/92) .
الترجمة منقولة جميعها بتصرف يسير من أسد الغابة (1/277) ، الإصابة (رسالة ما جستير على الآلة الكاتبة، تحقيق الأخ عبد الله عرالي، من حرف الثاء إلى نهاية حرف الحاء) (1/81) .
الموقظة ص60.
الكفاية ص144.
الكفاية ص143.
المجروحين (1/120) .
المجروحين (3/103) .
معرفة السنن والآثار (2/4849) .
فتح الباري (1/201) .
فتح الباري (2/490) .
النكت لابن حجر (2/866) .
الكفاية ص146، 149.
الكفاية ص149.
الجامع لأخلاق الراوي (1/136) .
أخرجها الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص398399، وستأتي إن شاء الله بطولها.
التبصرة والتذكرة (1/284) .
نزهة النظر ص102.
الجامع لأخلاق الراوي (1/136) .
الجامع لأخلاق الراوي (1/136) .
الجامع لأدب الراوي (1/135) .
المجروحين (1/33) ، وبنحوها في تاريخ بغداد (12/353354) ، وانظر تهذيب التهذيب (8/274) ، والنكت لابن حجر (2/866) ، فتح المغيث (1/323) ، وسااقها بسياق آخر الخطيب في الجامع (1/136) .
ترجمته في: الكامل (2/615) ، المتروكين (1/181) ، الديوان ص69، الجامع (1/141) .(6/3)
تنبيه: وقع اسم والده بالشين المعجمه (شريح) في المتروكين، وهو تصحيف.
ضعفاء العقيلي (1/220) ، الجامع لأخلاق الراوي (1/136) .
نزهة النظر ص102، اليواقيت والدرر (2/100) .
التبصرة والتذكرة (1/284) ، فتح الباقي (1/286) .
انظر: الكشف الحثيث ص29،166، 177،183، 198، 273، النكت لابن حجر (2/852) .
اليواقيت والدرر (2/100) .
نقله عنه الذهبي (ت748هـ) في الميزان (3/563) في ترجمة محمد بن سعيد المصلوب.
هذا صحيح لكن عندي أنه ينبغي التفريق بين من دلّس أسماء الشيوخ لغير الغرض الأول فوعّر طريقة معرفتهم وضيع المروي، أقول: ينبغي التفريق في هذا بين من يتوقف الحكم على الحديث عليهم، وبين من لا يتوقف الحكم على الحديث عليهم، كمن يقع اسمه في أسانيد الإجازات والأثبات والمشيخات؛ فهذا أهون كثيراً، ولعل لهذا السبب تسهّل من تسهّل من المتأخرين كالخطيب وابن الجوزي رحمهما الله، أما إذا كان الوقوف على درجة الحديث لا يتم إلا عن طريق هذا الإسناد الذي فيه هذا الشيخ ثم يُدلّس اسمه فيوعر طريق معرفته على من يروم ذلك، فهذا ضرر متحقق لا يجوز، فيما يظهر لي والله اعلم.
جامع التحصيل ص104.
الموقظة ص60.
سنن الترمذي كتاب العلم، باب من روى حديثاً وهو يرى أنه كذب، عقب الحديث رقم (2669) .
علوم الحديث لابن الصلاح ص89.
النكت لابن حجر (2/874) .
انظر: النكت لابن حجر (1/235) ، فتح المغيث (1/1819) ، تدريب الراوي (1/6566) .
اليواقيت والدرر (2/9899) .
المجروحين (1/32) .
المجروحين (1/33) .
الكفاية ص145، وذكره في المجروحين مقتصراً على بعضه (1/74) ، وكذا ساقه في الكفاية ص142.
المجروحين (1/7374) .
معرفة علوم الحديث ص5960.
النكت لابن حجر (2/874) .
المجروحين (1/32) .
ضعفاء العقيلي (1/102) ، تهذيب التهذيب (1/241) .
الكفاية ص152.
النكت لابن حجر (2/875) .(6/4)
نقله في فتح المغيث (1/327328) من مقدمة كتاب الحافظ ابن حجر "جلاء القلوب"، وقال عقبه: "انتهى مع زيادة وحذف، وكلام الحافظ في النكت (2/875) قريب منه.
الكفاية ص146.
الكفاية ص147.
الكفاية ص146، ونقلها في ابن حجر في النكت (2/876) .
النكت لابن حجر (1/877) .
أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة، حديث رقم (1031) .
في كتاب الجامع باب ما جاء في المتحابين في الله، حديث رقم (1777) .
في مواضع من صحيحه، وهي التالية: في كتاب الأذان باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، حديث رقم (660) ، وفي كتاب الزكاة باب الصدقة باليمين حديث رقم (1423) ، وفي كتاب الرقاق باب البكاء من خشية الله، تحت رقم (6479) بسياق مختصر، وفي كتاب الحدود، باب فضل من ترك الفواحش، حديث رقم (6806) .
إكمال المعلم (3/563) .
وهو النوع الثاني والعشرون من أنواع علوم الحديث عند ابن الصلاح في كتابه، ص91.
لم يأت في كلام ابن الصلاح ذكر المقلوب متناً صراحة، ولكنه مثل للمقلوب بمثالين، يصلح المثال الثاني أن يكون من أنواع القلب في المتن، وقد نبهت على هذا في المقصد الأول في الملاحظات على تعريف ابن الصلاح فارجع إليه غير مأمور (
محاسن الاصطلاح ص285.
محاسن الاصطلاح ص286 ونص عبارته:"ويمكن أن يسمى ذلك بالمعكوس، فينبغي أن يفرد بنوع خاص، ولكن لم أر من تعرّض له"اهـ.
من ذلك ما جاء في كلام للبيهقي في معرفة السنن والآثار (2/4849) حيث سمى ما وقع من ذلك في المتن (قلباً) . وسبق التنبيه عليه في المقصد الأول، عند تسجيل الملاحظات على تعريف ابن الصلاح رحمه الله!
فتح الباري (2/146) .
إكمال المعلم (3/563) .(6/5)
وكذا جزم بأن الوهم من يحي ابن خزيمة في صحيحه (1/186، حديث رقم 358) فقال بعد روايته للحديث من طريق يحي عن عبيد الله بن عمر به،: "هذه اللفظة، "لاتعلم يمينه ما تنفق شماله" قد خولف فيها يحي بن سعيد، فقال من روى هذا الخبر غير يحي: "لايعلم شماله ما تنفق يمينه"! "اهـ
وكذا أبونعيم في مستخرجه على مسلم (3/104) قال عقب ذكره للحديث مقلوباً: "لفظ زهير عن يحي رواه مسلم عن زهير ومحمد بن المثنى عن يحي"اهـ
وهذا منه بيان أن اللفظ المقلوب ليس الوهم فيه من زهير لأنه توبع عليه، وتأكيد أنه من يحي!
كذا قال، رحمه الله، ولكن سياق الروايات عند أبي نعيم، يُشعر بحصول اختلاف على عبيد الله بن عمر في روايته، وأن احتمال الوهم منه حاصل بل قوي جداً، وبيان ذلك سيأتي بعد قليل في الأصل!
فتح الباري (2/146) .
من طريق حمّاد بن زيد عن عبيد الله أخرجه ايضاً البيهقي في الشعب (549،7357) ، وابن عبد البر في التمهيد (فتح المالك 10/214) . وانظر مسند أحمد (الرسالة 15/415)
المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم (3/103، تحت رقم 2305) .
أخرج الحديث من طريق يحي عن عبيد الله بن عمر: أحمد في المسند (الرسالة 15/414، تحت رقم 9665) ، والبخاري في صحيحه وسبق ذكر مواضعه، وأرقامه عنده (660، 1423،6479) ، ومسلم وسبق بيان موضعه، وأن رقمه عنده (1031) ، والترمذي في كتاب الزهد باب ما جاء في الحب في الله، حديث رقم (2391) وأحال في لفظ المتن، وابن خزيمة تحت رقم (358) ، والبيهقي في السنن (4/190، 8/162) .
ويؤكده حصول اختلاف على عبيد الله بن عمر، فقد أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (5845) من طريق الليث أن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم حدّثه عن جدِّه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ستة يظلهم الله في ظله ... " وبلم يذكر قصة الرجل الذي فاضت عيناه! ... ذكر هذا الطريق محققو مسند أحمد (الرسالة 15/415) .(6/6)
أخرجه الطبراني في الأوسط (3/135) . قال الطبراني عقبه: "لم يروه عن أيوب إلا حماد. ولا رواه عن حماد إلا علي"اهـ
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/158) : "هو في الصحيح بعكس هذا. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات "اهـ
تدريب الراوي (1/293) .
مجمع الزوائد (1/158) .
أخرجه البخاري في كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله، حديث رقم (7288) ، وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل باب توقيره وترك اكثار سؤاله، تحت رقم (1337) ، وفي كتاب الحج باب فرض الحج مرة في العمر، تحت رقم (1337) .
شرح معاني الآثار (4/234) .
صحيح ابن حبان (الإحسان 4/266، تحت رقم 1418) .
أخرجه في كتاب الوضوء باب التبرز في البيوت، حديث رقم (148149) .
أخرجه في كتاب الطهاارة، باب الاستطابة، حديث رقم (266) .
النكت على كتاب ابن الصلاح (2/883) .
فتح المغيث (1/329) .
ظفر الأماني ص408.
فتح المغيث (1/329) .
(1/136) .
تهذيب التهذيب (9/301) ، وانظر المجروحين (2/244) .
(1/136) .
الكامل (2/527) .
التهذيب (7/323) .
التاريخ الكبير (8/385) ، التهذيب (11/408) .
أخرجها الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص398399، وذكرها الذهبي (ت748هـ) في ميزان لاعتدال (3/645) وقال: ومع كون ابن عجلان متوسطاً في الحفظ فقد ورد ما يدل على جودة ذكائه فروى أبومحمد الرامهرمزي ... وذكر القصة"اهـ، وساقها في سير أعلام النبلاء (6/321) ، وقال: "فهذه الحكاية فيها نظر! وما أعرف عبد الله هذا (يعني: شيخ الرامهرمزي) ومليح لا يدرى من هو، ولم يكن لوكيع بن الجراح ولد يطلب أيام ابن عجلان، ثم لم يكن ظهر لهم قلب الأسانيد على الشيوخ، إنما فعل هذا بعد المئتين.."اهـ(6/7)
قلت: كذا قال يرحمه الله، وقد اعتمد القصة هو نفسه في الميزان كما رأيت، واعتمدها ابن حجر في النكت (2/871872) ، والسخاوي في فتح المغيث (2/323) . وقوله: "لم يكن ظهر لهم قلب الأسانيد على الشيوخ، إنما فعل هذا بعد المئتين"، لا يطابق الواقع فهذا شعبة (ت160هـ) وحماد بن زيد (ت167هـ) قد استعملاه! ثم التلقين قديم وصورته صورة القلب! فسبحان الله!
التهذيب (8/261) .
السنن الكبير (6/325) .
التهذيب (3/247) .
التهذيب (3/247) .
الميزان (2/41) ، التهذيب (3/247) .
المتروكين (1/216) ، الديوان ص90.
الميزان (3/100) ، التهذيب (3/403) .
تاريخ أبي سعيد هاشم الطبراني عن أبي زكريا يحي بن معين ص34، اللسان (3/84) .
الميزان (4/68) .
العلل ومعرفة الرجال (1/252، تحت رقم 1445) ، وانظر: الكامل (2/818) ، التهذيب (2/180) .
تنبيه: وقع سقط من كلام ابن عدي، في ترجمته من التهذيب، يًعرف بمراجعة كلام ابن عدي في الكامل.
التهذيب (4/338) ، بحر الدم ص204.
ترجمته في: المجروحين (2/53) ، الكامل (4/1587) ، الكاشف (1/633) ، التهذيب (6/213) ، التقريب ص586، الجامع (2/79) .
التاريخ الكبير (3/391، تحت رقم 2741) ، وانظر الكامل (5/1885) ، الميزان (3/317) ، الجامع (2/341) .
التهذيب (8/260) ، الجامع (2/357) .
ترتيب علل الترمذي الكبير (2/953) .
الميزان (2/41) ، التهذيب (3/247) .
التهذيب (11/288) ، النكت لابن حجر (2/645) ، فتح المغيث (2/321) .
الميزان (1/157) ، التهذيب (1/211) .
علل الحديث لابن أبي حاتم (2/2425) .
علل الحديث (1/456) . وانظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/281) .
المجروحين (2/303) ، الكشف الحثيث ص227، التهذيب (9/127) .
المجروحين (2/148) ، التهذيب (6/447) .
تهذيب الكمال (المخطوط) (1/279) ، ميزان الاعتدال (1/523) ، الكشف الحثيث ص95، هدي الساري ص397، تهذيب التهذيب (2/323) .
تنبيه: كلام أبي داود لم أجده في المطبوع من سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود.(6/8)
وقد اختلفت كلمة "فيقلبها" في النص المنقول عن أبي داود، فجاءت كما أثبتها في ميزان الاعتدال، والكشف الحثيث، وهدي الساري، وهو الصواب، ووقعت في تهذيب الكمال (المخطوط) : "فيعلقها"، وفي طبعة بشار عواد: "فيلقنها"، وفي تهذيب التهذيب: "فيلقيها". ويدل على أن صوابها: "فيقلبها" تفسير ابن حجر المذكور عنه من كتابه هدي الساري، وبالله التوفيق.
ترجمته في: المجروحين (3/28) ، الكامل (6/2360) ، الكاشف (2/267) ، التهذيب (10/161) ، التقريب ص946، بحر الدم ص403، الجامع (3/1330) .
علل الحديث لابن أبي حاتم (2/2526) .
المجروحين (2/47) ، الكامل (4/1574) .
المجروحين (3/89) ، الميزان (4/298) ، التهذيب (11/39) .
المجروحين (2/303) ، الكشف الحثيث ص227، التهذيب (9/127) .
الميزان (4/265) ، التهذيب (10/452) ، الجامع (3/219) .
الكامل (6/2494) .
كتاب التوحيد ص360.
المجروحين (1/96) .
المجروحين (1/119،120) .
ترجمته في: المجروحين (1/113) ، المتروكين (1/22) ، الميزان (1/18) ، المغني (1/9) .
الكامل (1/256) .
تنبيه: تعقب في اللسان (1/41) ، قول الذهبي في الميزان (1/24) : "قال ابن عدي يسرق الحديث" بقوله: "وأمّا قول المؤلف عن ابن عدي: قال كان يسرق الحديث؛ ففيه نظر! ... إلى آخره"؛ أقول: كلام ابن عدي كما نقله الذهبي رحمه الله، وذلك أن ابن عدي رحمه الله صدر الترجمة بالكلام الذي نقله الذهبي عنه، ثم قال في آخرها الكلام الذي نقله ابن حجر رحم الله الجميع.
الكامل (1/258) .
الكامل (1/200) .
الميزان (3/613) ، التهذيب (9/301) .
الضعفاء والمتروكين للدارقطني (مجموع في الضعفاء والمتروكين) ص339، ترجمة 346، التهذيب (6/447) ، الجامع (2/150) .
الضعفاء والمتروكون (ضمن مجموع في الضعفاء والمتروكين) ترجمة رقم 329، الجامع (2/155) .
العلل الواردة في الأحاديث (5/89) . تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الدين السلفي، دار طيبة الطبعة الأولى.(6/9)
العلل الواردة في الأحاديث (6/192) . وانظر نحو هذا أيضاً في سنن الدراقطني (التعليق المغني 4/264) .
أعلام الحديث (1/110111) .
قلت: تعقبه الحافظ العراقي في طرح التثريب (2/4) فقال: "وقول الخطابي: "إنه يقال إن الغلط إنما جاء من قبل نوح بن حبيب الذي رواه عن ابن أبي رواد"؛ فليس بجيد من قائله؛ فإنه لم ينفرد به نوح عنه، بل رواه غيره عنه، وإنما الذي تفرد به ابن أبي رواد كما قال الدارقطني وغيره"اهـ
تاريخ بغداد (9/81) ، التهذيب (4/24) .
الميزان (4/425) ، نصب الراية (1/402) ، التهذيب (11/328) .
الضعفاء لأبي نعيم ص118.
معجم الجرح والتعديل (في السنن الكبرى) ص115.
السنن الكبرى (8/304) .
السنن الكبرى (10/210) .
تاريخ بغداد (9/81) ، التهذيب (4/24) .
سير أعلام النبلاء (6/321) .
علوم الحديث مع محاسن الاصطلاح ص637.
ألفية العراقي مع شرحها التبصرة والتذكرة (3/223) .
ألفية السيوطي في علم الحديث ص279.
الهداية في علم الرواية لابن الجزري مع شرحها الغاية للسخاوي (2/505) .
الغاية شرح الهداية (2/505) .
نزهة النظر ص101.
فتح المغيث (1/326) . وانظر منه (4/290) .
فتح الباقي (3/223) .
فتح المغيث (1/328) .
الغاية شرح الهداية (1/346) .
ذكره في مؤلفاته محقق كتابه "توضيح المشتبه" في مقدمة التحقيق (1/75) .
الجواهر والدرر (2/680) ، ابن حجر العسقلاني مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة (1/205) .
يعني من مقلوب الإسناد: القلب بإبدال راوٍ اشتهر الحديث به بآخر في طبقته، أو بإعطاء سند هذا الحديث لمتن حديث آخر، وسند الآخر لمتن غيره، سواء وقع عمداً بقصد الإغراب، أو وهماً وغلطاً.
(6/426) .
نقله في فتح المغيث (1/327328) ، وقال عقبه: "انتهى مع زيادة وحذف".
تح المغيث (1/328) .
المصادر والمراجع
الآحاد والمثاني / لابن أبي عاصم (ت287هـ) / تحقيق: باسم فيصل الجوابرة/ دار الراية/ الطبعة الأولى 1411هـ.(6/10)
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان / لعلاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت739هـ) / تحقيق شعيب الأرنؤوط/ مؤسسة الرسالة/ الطبعة الأولى 1412هـ
إختصار علوم الحديث، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير (ت774هـ) ، مع شرحه الباعث الحثيث لأحمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر مطبوع بهامش الإصابة = الإصابة.
أسد الغابة في معرفة الصحابة/ لعز الدين ابن الأثير علي بن محمد الجزري (ت630هـ) / تحقيق محمد البنا وزملائه/ مطبعة دار الشعب.
الأشباه والنظائر في النحو/ لجلال الدين السيوطي (ت911هـ) / توزيع دار الباز/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1405هـ.
الإصابة في تمييز الصحابة/ لأحمد بن علي بن حجر (ت852هـ) العسقلاني (ت852هـ) / وبهامشه الاستيعاب لابن عبد البر النمري (ت463هـ) / مطبعة السعادة/ مصر/ الطبعة الأولى/ 1328هـ.
أعلام الحديث في شرح الجامع الصحيح/ لحمد بن محمد الخطابي (ت388هـ) / تحقيق محمد بن سعد/ من مطبوعات مركز إحياء التراث/ جامعة أم القرى/ الطبعة الأولى 1409هـ.
إعلام الموقعين عن رب العالمين/ لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي (ت752هـ) / راجعه وعلق عليه طه عبد الرؤوف/ دار الجيل.
الاقتراح في بيان الاصطلاح وما أضيف إلى ذلك من الأحاديث المعدودة من الصحاح/ لتقي الدين بنن دقيق العيد (ت702هـ) / تحقيق قحطان عبد الرحمن الدوري/ مطبعة الإرشاد - بغداد 1402هـ.
إكمال المعلم بفوائد مسلم/ لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (ت544هـ) / تحقيق: د. يحي إسماعيل/ دار الوفاء/ مكتبة الرشد/ الرياض/ الطبعة الأولى 1419هـ.
ألفية السيوطي في علم الحديث/ لجلال الدين السيوطي (ت911هـ) / تصحيح وشرح الأستاذ الشيخ أحمد شاكر/ توزيع دار الباز/ مكة / دار المعرفة للطباعة والنشر.
ألفية العراقي = التبصرة والتذكرة.(6/11)
بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم/ ليوسف بن حسن بن عبد الهادي (ت909هـ) / حققه وصي الله بن محمد بن عباس/ دار الراية/ الطبعة الأولى 1409هـ.
بلغة الحثيث إلى علم الحديث/ لأبي المحاسن يوسف بن عبد الهادي (ابن المبرد) (ت909هـ) / تحقيق صلاح بن عايض الشلاحي/ دار ابن حزم/ 146هـ.
بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام/ لابن القطان الفاسي (ت628هـ) / تحقيق د. حسين آيت سعيد/ دار طيبة/ الطبعة الأولى 1418هـ.
تاريخ أبي سعيد هاشم بن مرثد الطبراني (ت278هـ) عن أبي زكريا يحي بن معين (ت233هـ) / تحقيق نظر محمد الفريابي/ الطبعة الأولى 1410هـ.
تاريخ بغداد / لأبي بكر أحمد البغدادي (الخطيب البغدادي) (ت463هـ) / دار الكتب العلمية.
التاريخ الكبير / لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) / طبع المكتبة الإسلامية/ ديار بكر - تركيا.
التبصرة والتذكرة (ألفية الحديث للعراقي) مع شرحها / للحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي (ت806هـ) / ومعها فتح الباقي بشرح ألفية العراقي/ لزكريا الأنصاري (ت925هـ) / بتصدير محمد بن الحسين العراقي الحسيني/ دار الكتب العلمية.
تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل / لولي الدين أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين أبي زرعة العراقي/ ضبط نصه وعلّق عليه: عبد الله نوّاره/ مراجعة مكتب السنة للبحث لعلمي/ مكتبة الرشد/ الرياض/ الطبعة الأولى 1419هـ
تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي / لجلال الدين السيوطي (ت911هـ) / تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف/ دار إحياء السنة النبوية/ الطبعة الثانية 1399هـ.
تذكرة ابن الملقن (ت806هـ) = التوضيح الأبهر
ترتيب علل الترمذي الكبير/ (ترتيب أبي طالب القاضي) / تحقيق حمزة ديب مصطفى/ مكتبة الأقصى/ عمان - الأردن/ الطبعة الأوزلى 1406هـ.
التعليق المغني على سنن الدارقطني = سنن الدارقطني(6/12)
تقريب التهذيب / لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) / تحقيق أبو الأشبال صغير أحمد شاغف/ دار العاصمة/ الرياض/ النشرة الأولى 1416هـ.
تقريب النواوي = تدريب الراوي.
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد / لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري (ت463هـ) = فتح المالك.
تنقيح الأنظار / لمحمد بن إبراهيم الوزير (ت840هـ) = توضيح الأفكار
تهذيب التهذيب / لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) / طبع مطبعة مجلس دائرة المعارف بحيدر أباد - الدكن/ الطبعة الأولى - نشر دار صادر.
تهذيب الكمال/ لأبي الحجاج يوسف المزي (ت742هـ) / قدم له عبد العزيز رباح، وزميله/ صورة المخطوطة/ دار المأمون للتراث.
توجيه النظر إلى أصول الأثر/ لطاهر الجزائري (ت1338هـ) / اعتنى به عبد الفتاح أبوغدة/ نشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب/ الطبعة الأولى 1416هـ.
التوحيد وإثبات صفات الرب عزّوجل/ لمحمد بن إسحاق بن خزيمة (ت311هـ) / راجعه وعلّق عليه محمد خليل هرّاس/ توزيع دار الباز/1398هـ.
التوضيح الأبهر لتذكرة ابن الملقن في علم الأثر/ لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) / تحقيق عبد الله بن عبد الرحيم البخاري/ اضواء السلف/ الطبعة الأولى 1418هـ.
توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار/ لمحمد بن إسماعيل الصنعاني (ت1182هـ) / تحقيق محمد محي الدين/ دار إحياء التراث العربي/ الطبعة الأولى 1366هـ.
تيسير مصطلح الحديث/ لمحمود الطحان/ مكتبة المعارف/ الرياض/ الطبعة السابعة 1405هـ.
الثقات / لمحمد بن حبان (ت354هـ) / مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية/ حيدر آباد الدكن/ الطبعة الأولى.
الثقات (تاريخ اسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم) / لعمر بن أحمد بن عثمان (ابن شاهين) (ت385هـ) / حققه وعلق عليه عبد المعطي أمين قلعجي/ توزيع دار الباز/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1406هـ.(6/13)
جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم/ لمجد الدين أبي البركات ابن الأثير (ت606هـ) / تحقيق عبد القادر الأرنؤوط/ دار الفكر/ الطبعة الثانية 1403هـ.
جامع التحصيل في أحكام المراسيل/ لصلاح الدين أبي سعيد بن خليل العلائي (ت761هـ) / تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي/ عالم الكتب/ مكتبة النهضة العربية/
الجامع الصحيح/ لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ مع شرحه فتح الباري/ المطبعة السلفية.
الجامع الصحيح/ لمسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ) / تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ دار إحياء التراث.
الجامع في الجرح والتعديل/ جمع السيد أبوالمعاطي، ومحمد مهدي (ت198هـ) المسلمي، وزملائهم/ عالم الكتب/ الطبعة الأولى 1412هـ.
الجامع لأخلاق الرّاوي وآداب السامع/ للخطيب البغدادي (463هـ) / تحقيق محمود الطحان/ مكتبة المعارف/ 1403هـ.
الجرح والتعديل/ لعبد الرحمن بن محمد إدريس الرازي (ت327هـ) / تحقيق عبد الرحمن بن يحي المعلمي/ (وتقدمة الجرح والتعديل في أول الكتاب) / مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية/ حيدر آباد الدكن/ الهند 1271هـ.
جواهر الأصول في علم حديث الرسول/ لمحمد بن محمد الفارسي (ت873هـ) / تعليق صلاح محمد عويضة/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1413هـ.
الجواهر والدرر في ترجمة شيخ افسلام ابن حجر/ لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) / تحقيق إبراهيم باجس/ دار ابن حزم/ الطبعة الأولى 1419هـ.
حاشية السندي على سنن ابن ماجة/ لأبي الحسن نور الدين بن عبد الهادي السندي (ت1138هـ) / دار الجيل/ بيروت.
ابن حجر العسقلاني مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة/ لشاكر محمود عبد المنعم/ مؤسة الرسالة/ الطبعة الأولى 1417هـ.
الحديث النبوي مصطلحه بلاغته كتبه/ محمد بن لطفي الصباغ/ المكتب الإسلامي/ الطبعة الخامسة 1407هـ.(6/14)
حواشي الشيخ عطية الأجهوري (ت1194هـ وقيل 1190هـ) على شرح الزرقاني على منظومة البيقونية/ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر/ الطبعة الأخيرة (!) 1368هـ.
الخلاصة في اصول الحديث/ للحسين بن عبد الله الطيبي (ت743هـ) / تحقيق صبحي السامرائي/ عالم الكتب/ الطبعة الأولى 1405هـ.
الدراية في تخريج أحاديث الهداية/ لابن حجر العسقلاني (ت852هـ) / صححه وعلّق عليه عبد الله هاشم اليماني/ توزيع عباس الباز/ دار المعرفة.
ديوان الضعفاء والمتروكين وخلق من المجهولين وثقات فيهم لين/ لشمس الدين الذهبي (ت748هـ) / حققه حماد الأنصاري/ نشر مكتبة النهضة الحديثة.
سنن الدارقطني / لعلي بن عمر الدارقطني (ت385هـ) / وبذيله "التعليق المغني" للآبادي/ عني بتصحيحه وتنسيقه وترقيمه وتحقيقه عبد الله هاشم يماني المدني (ت 1386هـ) / دارالمحاسن للطباعة/ القاهرة.
سنن أبي داود/ لسليمان بن الأشعث السجستاني أبوداود (ت275هـ) / إعداد وتعليق عزت عبيد الدعاس/ دار الحديث الطبعة الأولى 1388هـ.
سنن البيهقي = السنن الكبير (الكبرى)
سنن الترمذي/ لمحمد بن عيسى الترمذي (ت279هـ) / تحقيق أحمد شاكر ج1/2 ومحمد فؤاد عبد الباقي ج3وإبراهيم عطوة ج4/ 5 وفي آخره العلل الصغير للترمذي أيضاً/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
السنن الكبرى / لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) / تحقيق د. عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن/ دار الكتب العلمية/ الطبعة 1411هـ.
السنن الكبير (الكبرى) / لأحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) / وفي ذيله "الجوهر النقي"/ مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية/ الهند 1344هـ.
سنن النسائي/ لأحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) / وبهامشه زهر الربى على المجتبى/ لحلال الدين السيوطي (ت911هـ) / وحاشية السندي لأبي الحسن نور الدين بن عبد الهادي السندي (ت1138هـ) / دار إحياء التراث () كما رجعت لطبعة دار المعرفة.(6/15)
سير أعلام النبلاء، لشمس الدين أحمد بن محمد بن عثمان قيماز الذهبي، (ت748هـ) ، أشرف على تحقيقه شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1402هـ
شرح معاني الآثار/ لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321هـ) / حققه وضبطه ونسقه وصححه محمد زهري النجار/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1399هـ.
صحيح ابن حبان = الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان.
صحيح ابن خزيمة/ لمحمد بن إسحاق بن خزيمة (ت311هـ) / حققه وعلق عليه وخرّج أحاديثه وقدّم له الدكتور محمد مصطفى الأعظمي/ المكتب الإسلامي/ 1390.
صحيح البخاري = الجامع الصحيح للبخاري
صحيح مسلم = الجامع الصحيح لمسلم
صقل الأفهام الجلية بشرح المنظومة البيقونية/ لأبي سلام مصطفى بن محمد سلامة/ مكتبة الحرمين/ الطبعة الثانية 1413هـ
الضعفاء/ لأبي نعيم الأصبهاني (430هـ) / حققه فاروق حمادة/ دار الثقافة/ الدار البيضاء/ الطبعة الأولى 1405هـ.
ضعفاء العقيلي = الضعفاء الكبير
الضعفاء الكبير / لمحمد بن عمرو العقيلي (ت322هـ) / حققه عبد المعطي قلعجي/ توزيع دار الباز/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى/ 1404هـ.
ظفر الأماني في مختصر الجرجاني/ لمحمد عبد الحي اللكنوي (ت1304هـ) / تحقيق تقي الدين الندوي/ الجامعة الإسلامية أعظم كده الهند/ دار القلم/ الأمارات/ الطبعة الأولى 1415هـ.
علل الحديث/ لابن أبي حاتم (ت327هـ) / توزيع دار الباز/ دار المعرفة/ 1405هـ
العلل الواردة في الأحاديث/ لعلي بن عمر الدارقطني (ت385هـ) / تحقيق محفوظ الرحمن زين الدين السلفي/ دار طيبة الطبعة الأولى.
علوم الحديث/ لأبي عمرو عثمان ابن الصلاح (ت643هـ) / تحقيق نور الدين عتر/ المكتبة العلمية/ 1401هـ.
علوم الحديث ومصطلحه/ لصبحي الصالح/ دار العلم للملايين/ الطبعة السادسة عشرة 1986م.
غريب الحديث / لحمد بن سليمان الخطابي (ت388هـ) / تحقيق عبد الكريم العزباوي/ مطبوعات مركز إحياء التراث الإسلامي/ جامعة أم القرى/ 1402هـ(6/16)
غيث المستغيث في علم مصطلح الحديث/ لمحمد محمد السماحي (ت1404هـ) / دار العهد الجديد للطباعة/ الطبعة الثانية.
الغاية في شرح الهداية في علم الرواية/ لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) / تحقيق ودراسة محمد سيدي محمد محمد الأمين/ دار القلم/ دمشق/ الدار الشامية/ بيروت/ الطبعة الأولى 1413هـ.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري/ لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) / تحقيق عبد العزيز بن باز إلى كتاب الجنائز (ج1-3) / ترتيب وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي/ المكتبة السلفية.
فتح الباقي بشرح ألفية العراقي/ لزكريا الأنصاري (ت925هـ) / ومعه التبصرة والتذكرة (ألفية الحديث للعراقي) مع شرحها / للحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي (ت806هـ) / بتصدير محمد بن الحسين العراقي الحسيني/ دار الكتب العلمية.
فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ الإمام ملك/ لمصطفى صميدة/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1418هـ.
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) ، تحقيق علي حسين علي، إدارة البحوث الإسلامية بالجامعة السلفية ببنارس، الطبعة الأولى 1407هـ.
قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث/ لمحمد جمال الدين القاسمي (ت1332هـ) / دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1399هـ.
الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة/ لشمس الدين الذهبي (ت847هـ) / ومعه حاشية السبط ابن العجمي (ت841هـ) / تحقيق محمد عوامة/ شركة دار القبلة/ ومؤسسة علوم القرآن/ الطبعة الأولى 1413هـ.
الكامل في ضعفاء الرجال / لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (ت365هـ) / دار الفكر/ الطبعة الأولى 1404هـ.
الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث/ لبرهان الدين الحلبي (ت841هـ) / حققه صبحي السامرائي/ عالم الكتب/ مكتبة النهضة العربية/ الطبعة الأولى 1407هـ.(6/17)
الكفاية في علم الرواية/ لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت463هـ) / تحقيق عبد الرحمن بن يحي المعلمي/ دائرة المعارف العثمانية/ حيدر آباد الدكن/ يطلب من المكتبة العلمية.
الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات/ لأبي البركات محمد بن أحمد المعروف بابن الكيال (ت939هـ) / تحقيق ودراسة د. عبد القيوم عبد الرب النبي/ المكتبة الإمدادية/ الطبعة الثانية 1420هـ.
لسان الميزان/ لأحمد بن علي بن حجر (ت852هـ) / مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند/ حيدر آباد الدكن/الطبعة الأولى 1331هـ
لمحات في اصول الحديث/ لمحمد أديب الصالح/ المكتب الإسلامي/ الطبعة الرابعة 1405هـ.
المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين/ لأبي حاتم محمد بن حبان البستي (ت354هـ) / تحقيق محمود إبراهيم زايد/ توزيع دار الباز/ مكة.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) / دار الكتاب العربي/ الطبعة الثالثة 1402هـ.
محاسن الاصطلاح وتضمين ابن الصلاح/ للسراج الدين البُلْقيني (ت805هـ) / تحقيق عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء) / الفيصلية/ مكة/ دار المعارف/ مصر/ الطبعة الثانية 1411هـ.
المحدِّث الفاصل بين الرّاوي والواعي/ لحسين بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت360هـ) / تحقيق محمد عجاج الخطيب/ دار الفكر/ الطبعة الأولى 1391هـ.
مختصر الجرجاني/ للشريف الجرجاني (ت816هـ) / ومعه المختصر في علم الأثر/ لمحي الدين الكافيجي (ت879هـ) / تحقيق علي زوين باسم (رسالتان في مصطلح الحديث) / دار الرشد/ الرياض/ الطبعة الأولى 1407هـ.
المختصر في علم الأثر/ لمحي الدين الكافيجي (ت879هـ) / ومعها/ رسالة في اصول الحديث للجرجاني (مختصر الجرجاني) / للشريف الجرجاني (ت816هـ) / تحقيق علي زوين باسم (رسالتان في مصطلح الحديث) / دار الرشد/ الرياض/ الطبعة الأولى 1407هـ.
المختصر الوجيز في علوم الحديث/ لمحمد عجاج الخطيب/ مؤسسة الرسالة/ الطبعة الأولى 1405هـ.(6/18)
المدخل إلى كتاب الإكليل/ لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405هـ) / تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد/ دار الدعوة.
المراسيل / لأبي محمد بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي (ت327هـ) / علّق عليه أحمد عصام الكاتب/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1403هـ.
مستخرج أبي نعيم على صحيح مسلم = المسند المستخرج
مسند أحمد بن حنبل/ لأحمد بن محمد بن حنبل (ت241هـ) / الطبعة الميمنية/ وبهامشه المنتخب من كنز العمال/ المكتب الإسلامي/ بيروت/ الطبعة الثانية 1398هـ () .
مسند أبي داود الطيالسي/ لسليمان بن داود بن الجارود الطيالسي (ت204هـ) / دار المعرفة/ بيروت.
مسند إسحاق بن راهويه/ لإسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي (ت238هـ) / تحقيق عبد الغفور عبد الحق البلوشي/ توزيع مكتبة الإيمان/ المدينة المنورة/ الطبعة الأولى 1410هـ.
المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم/ لأبي نعيم الأصبهاني (ت430هـ) / حققه محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1417هـ.
المصباح في اصول الحديث/ للسيد قاسم الأندجاني/ مكتبة الزمان/ المدينة المنورة/ الطبعة الثانية 1408هـ
معالم السنن/ شرح سنن أبي داود/ لحمد بن محمد الخطابي (ت388هـ) / ومعه مختصر السنن للمنذري/ وتهذيب السنن لابن القيم/ تحقيق محمد حامد الفقي/ وأحمد محمد شاكر/ دار المعرفة 1400هـ.
المعجم الأوسط / لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ) / قسم التحقيق بدار الحرمين/ أبومعاذ طارق بن عوض الله بن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني/ منشورات دار الحرمين بالقاهرة/ 1415هـ
معجم البلاغة العربية/ لبدوي طبانة/ دار المنارة / جدة/ دار الرفاعي/ الرياض/ الطبعة الثالثة 1408هـ.
معجم الجرح والتعديل لرجال السنن الكبرى مع دراسة إضافية لمنهج البيهقي في نقد الرواة في ضوء السنن الكبرى/ لنجم عبد الرحمن خلف/ دار الراية/ الطبعة الأولى 1409هـ.(6/19)
معجم علوم اللغة العربية (عن الأئمة) / لمحمد سليمان عبد الله الأشقر/ مؤسسة الرسالة/ الطبعة الأولى 1415هـ.
معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذيل بالإملاء / لعبد الغني الدقر/ دار القلم/ دمشق/ الطبعة الأولى 1406هـ
معجم مقاييس البلاغة بين الأدباء والعلماء/ للدكتور حامد صالح خلف الربيعي/ مطبوعات معهد البحوث العلمية وإحياء التراث/ سلسلة بحوث اللغة العربية/ 1416هـ.
معرفة السنن والآثار / لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي/ تحقيق سيد كسروي/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1412هـ.
المغني في الضعفاء/ لشمس الدين الذهبي (ت748هـ) / حققه نور الدين عتر/
مقدمة تحقيق توضيح المشتبه لابن ناصر الين محمد بن عبد الله القيسي (ت842هـ) / لمحمد نعيم العقسوسي/ مؤسسة الرسالة/ الطبعة الثانية 1414هـ.
المنهل الرّوي في مختصر علوم الحديث النبوي/ لبدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة (ت733هـ) / تحقيق محي الدين عبد الرحمن رمضان/ دار الفكر/ الطبعة الثانية 1406هـ.
موطأ مالك / لمالك بن أنس الأصبحي (ت179هـ) / تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي/ دار إحياء التراث العربي 1406هـ.
منهج النقد في علوم الحديث/ لنور الدين عتر/ دار الفكر/ الطبعة الثالثة 1401هـ.
الموقظة "في علم مصطلح الحديث"/ لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (ت748هـ) / اعتنى به عبد الفتاح أبوغدة/ نشر مكتب المطبوعات الإسلامية/ بحلب/ الطبعة الأولى 1405هـ.
ميزان الاعتدال في نقد الرجال/ لأحمد بن محمد عثمان قايماز الذهبي (ت748هـ) / تحقيق علي محمد البجاوي/ دار المعرفة/ بيروت/ الطبعة الأولى 1382هـ.
نزهة النظر شرح نخبة الفكر/ لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) / تحقيق عمرو عبد المنعم/ نشر مكتبة ابن تيمية/ القاهرة/ توزيع مكتبة العلم بجدة/ الطبعة الأولى 1415هـ.(6/20)
نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية / جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي (ت762هـ) / مع حاشيته "بغية الألمعي"/ نشر المكتبة الإسلامية/ الطبعة الثانية 1393هـ.
النكت على كتاب ابن الصلاح / لابن حجر العسقلاني (ت852هـ) / تحقيق ربيع بن هادي عمير/ مطبوعات الجامعة الإسلامية/ بالمدينة المنورة/ الطبعة الأولى 1404هـ.
النكت على مقدمة ابن الصلاح/ لمحمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (ت794هـ) / حققه زين العابدين بن محمد بلا فريج/ أضواء السلف/ الطبعة الأولى 1419هـ.
النهاية في غريب الحديث والأثر / لمجد الدين أبوالسعادات المبارك بن محمد الجزري (ت606هـ) / تحقيق طاهر الزاوي ومحمود التناجي/ نشر المكتبة الإسلامية.
الهداية في علم الرواية/ لمحمد بن محمد الجزري (833هـ) = الغاية
هدي الساري مقدمة فتح الباري = فتح الباري.
الوسيط في علوم الحديث ومصطلحه/ لمحمد بن محمد أبوشهبة (ت1403هـ) / عالم المعرفة/ جدة/ الطبعة الأولى 1403هـ.
اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر/ لمحمد المدعو عبد الرؤوف المناوي (ت1031هـ) / تحقيق المرتضى الزين أحمد/ مكتبة الرشد/ الطبعة الأولى 1420هـ.(6/21)
المباحث الغيبية
د. عبد الشكور بن محمد أمان العروسي
الأستاذ المساعد بقسم العقيدة - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
ملخص البحث
يتعلق هذا البحث بأهم قضايا يتطلع إليها البشر في عصورهم المتعاقبة، لعلهم يحظون بعلم خباياها، ويظهرون على كوامنها وخفاياها. تلك هي القضايا الغيبية بجميع أنواعها وأقسامها.
وهذا البحث تناول في مباحثه الأربعة عشر أنواع الغيوب وأقسامها، وبين ما يمكن العلم منها وما لا يمكن، ومقدار ما يمكن علمه والوسائل الشرعية التي يعلم بها. وجاء فيه إيضاح أن تصور القضايا الغيبية بدون تلك الوسائل، وفوق ما تسمح به غير ممكن.
ولما كانت أسماء الله الحسنى، وصفاته العلى على رأس القضايا الغيبية، تم تأليف هذا البحث لبيان المعيار الشرعي في تصور الغيبيات بأنواعها وأقسامها، وذلك تجنباً للانحرافات العقدية التي وقعت فيه عديد من الفرق الإسلامية نتيجة للتصور الخاطئ لقضايا الغيب حيث جعلوا عالم الشهادة أصلاً تقاس عليه كل الغيبيات.
فمن أجل ذلك عطل من عطل، وأول من أول، بدعوى التنزيه، وشبه من شبه بدعوى الإثبات لما جاءت به النصوص، وتوقف من توقف ولم يقل إلا بإثبات ألفاظ غير قابلة للتفسير وهو المفوضة.
وقد تناول هذا البحث أيضاً أن قياس الغائب على الشاهد فيما اختلفت أجناسه من الخلق قياس غير صحيح، فكيف يستقيم قياس الخالق على خلقه في أسمائه وصفاته؟ فمن علم أنواع الغيب، واستوعب حقائقها، وحظ الإنسان منها، ووسائلها في تصورها، سلم من حيرة
المؤولين، وضلال المعطلين وغلو المشبهين. وسار على منهج السلف الصالح في إثبات ما أثبتته نصوص الوحي بلا تمثيل، ونفى ما نفته بلا تعطيل، تصديقاً لقوله تعالى: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير (فهو ليس كمثله شئ، ومع ذلك له صفة السمع والبصر.
وهذا ما بني عليه هذا البحث عسى الله تعالى أن يهدي به القلوب، ويظهر به معايير(6/22)
الغيوب، ويكشف به الكروب، وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
• • •
المقدمة:
الحمد لله الملك الكريم، البر الرحيم، رب السماوات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم، عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم، وصلاته وسلامه المتتابعان على رسوله المبعوث بالدين القويم، والداعي إلى الصراط المستقيم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. ... وبعد:
فإن الله تعالى خلق الإنسان ومنّ عليه بنعم جليلة، وهبات جزيلة، وفضله على كثير من خلقه تفضيلا ولم يخلقه عبثا، ولم يتركه سدى، بل خلقه لعبادته وحده لا شريك له فأرسل بذلك رسله، وأنزل كتبه، وبين فيها لعباده ما لا بد من العلم والإيمان به من الغيب وما لا بد من العمل به مما أوجب عليهم، وما يجب تجنبه مما حرم عليهم، وما أحل لهم من الطيبات من طعام وشراب ونكاح وأقوال وأفعال. فبلَّغت الرسل ما أنزل عليهم إلى أممهم البلاغ المبين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فكان كل رسول يتميز بالفصاحة والفطنة والذكاء المفرط، لتقوم الحجة على العباد، ولم يخاطبوا أممهم بما لا يفهمون من الكلام. ولهذا قال تبارك وتعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ((1) . فبلغوا ما أوحى الله تعالى إليهم البلاغ المبين. فكان مما أرسلوا به القسم العلمي التصديقي الذي لا عمل فيه سوى التصديق، وهو الجانب الاعتقادي من الدين الذي امتحن الله تعالى به قلوب عباده، أتُسلم لله تسليما مؤمنة بالغيب برضا وطمأنينة، فتنشط الجوارح في العمل بالجانب العملي التطبيقي من الدين، أم ترتاب في التصديق بالغيب، فتتكاسل الجوارح وتتقاعس عن العمل. فكلما قوى الإيمان بالغيب، كان العمل بالجوارح قويا، وكلما ضعف الإيمان بالغيب، كان العمل بالجوارح ضعيفا، وإذا انعدم الإيمان بالغيب، أدى ذلك إلى انعدام العمل. فالإيمان الصحيح والعمل الصالح لا ينفصلان وجوداً في قلوب الصادقين وجوارحهم، وذكراً في نصوص(6/23)
الشرع. وذلك راجع إلى هذا المعنى.
وإن مما يفقد العمل الصالح جماله ورونقه، ضعف ما في القلب من الإيمان الذي بقوته وصلاحه تصلح الأعمال. قال (:
(ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) (1) . فكما أن في الجسد مضغة يتوقف صلاحه على صلاحها، فكذلك يكون للدين لب، إذا صلح صلح الدين كله، وإذا فسد فسد الدين كله، وإن مما يزيل الإيمان من القلوب أو يضعفه النفاق والجهل والبدع. فالنفاق يزيل الإيمان والجهل والبدع يضعفان الإيمان في القلوب والعمل في الجوارح. ولما كان من البدع الشنيعة نفي أسماء الله تعالى وصفاته، أو تأويلها بدعوى التنزيه مما أدى إلى تعطيله عز وجل عن أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك تشبيه ربنا تبارك وتعالى بخلقه من قبل المشبهة بدعوى الإثبات. وكان منشأ ذلك إما غلوا في التنزيه المؤدي إلى التعطيل، أو غلوا في الإثبات الذي يؤدي إلى التمثيل، قمت بدراسة هذا الانحراف وسببه فوجدت أن كثيرا من هؤلاء أتوا من جهة اعتبارهم أن دلالة اللغة على صفات المخلوقات في عالم الشهادة هي الأصل، وأن استعمالها في عالم الغيب، أو غيب الغيوب هو الخروج عن الأصل، فلا بد إذن من قياس الغائب المجهول على الشاهد المعلوم، فرأت المشبهة أن هذا هو الذي ينبغي أن يسار إليه ويقال به، فشبهت الله تعالى بخلقه، وشبهت عالم الغيب بعالم الشهادة سواء بسواء. وأما المعطلة فقد سلكوا مسلك المشبهة أولاً فاستقبحوا ذلك ففروا من التشبيه إلى التعطيل. أي أنهم ما عطلوا إلا بعدما شبهوا. ولما رأوا أن التشبيه لا يليق بالله تعالى عدلوا إلى التعطيل والله المستعان.(6/24)
وكلا الفريقين أصبحا بعد ذلك في اتجاهين متعارضين بعد أن أخذوا جزءاً من الحق وهو الإثبات عند الممثلة وأضاف إليه باطل التمثيل، والتنزيه عند المعطلة بعد أن أخذوا جزء من الحق وهو التنزيه، فتجاوزوا حد التنزيه حتى نفوا ما أثبته الله تعالى لنفسه أو نفاه عنه رسوله مما لا يليق به تعالى. ولو أن كلا من الفريقين لم يتطرفا فيما ذهبا إليه لكان ما تفرق بينهما من الحق قد اجتمع. فهدى الله تعالى أهل الحق لما اختلف فيه الفريقان فجمعوا ما تفرق من الحق، فصح لهم ما لم يصح لغيرهم.
وهذا ما قصدت إيضاحه في هذه المباحث، وقد بذلت جهدي مستعينا بالله تعالى في إبراز جوانب متفرقة من أمور الغيب بأنواعها وأقسامها، وحظ الإنسان من العلم بها، ووسائله التي يستعين بها على علم ما غاب عنه وخفي عليه مما يقر شرع الله تعالى استخدامها، أو التصديق بنتائجها والعمل بها.
والله تعالى أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم. ورحم الله تعالى من نظر في هذا البحث بعين النصح والتهذيب والتصويب، فأوقفني على ما ظهر فيه من العيب والتقصير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المجتبى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته البررة الصادقين، ومن سار على نهجه واقتفى أثره، واتبع هديه إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
• • •
المبحث الأول: مكانة الإيمان بالغيب في الإسلام
إن للإسلام جانبين رئيسين لا يغني أحدهما عن الآخر، ولا يكون المرء مسلماً إلا بهما، وهما:
الجانب العلمي التصديقي:(6/25)
وهو جميع القضايا الاعتقادية التي يجب التصديق بها تصديقاً جازماً وتمثل هذا الجانب أركان الإيمان الستة، ويضاف إليه اعتقاد جازم بوجوب ما أوجب الله من الأعمال كالصلاة والصيام والزكاة وغيرها من أركان الإسلام، لأن الإيمان بوجوبها جانب علمي وتصديقي، وواجب شرعي، وكذلك يضاف إلى هذا اعتقاد حرمة ما حرم الله تعالى على عباده مما لا خلاف في حرمته كشرب الخمر والزنا، وقول الزور، وشهادة الزور، وغير ذلك مما علم من الدين بالضرورة حرمته.
الجانب العملي التطبيقي:
وهي الأقوال والأفعال المأمور بأدائها في شرع الله تعالى، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر والدعاء وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وإغاثة الملهوف وغير ذلك مما يطول ذكره من شرائع الإسلام التي تتعلق بالجانب العملي التطبيقي منه.
فإذا صح اعتقاد العبد وصدق إيمانه بالجانب الأول، وهو العلمي
التصديقي، أثمر ذلك العمل الصادق في الجانب الثاني الذي هو العملي التطبيقي. فمن زعم أنه يكتفي بالجانب الأول دون الثاني فهو كافر كذاب، ومن زعم أنه يكفيه الجانب الثاني فهو منافق لأنه أبطن الكفر وأعلن الإسلام أي الاستسلام العلني.
إن أعظم الجانبين وأهمهما وأولهما: هو الأول، فإن الاعتقاد مقدم على القول والعمل، وهذا الجانب برمته هو الإيمان بالغيب.(6/26)
فمعنى هذا أن الإيمان بالغيب له المكانة الفضلى والمرتبة العليا في الإسلام، وأن الله تعالى لا يقبل من أحد ديناً إلا به، ولا يكون عمل ما زاكياً صالحاً إلا إذا كان مبنياً على الإيمان بالغيب. ولهذا أثنى الله على عباده المؤمنين بالغيب في آيات كثيرة من كتابه الكريم فمن ذلك قوله تعالى في وصف المتقين الذين جعل لهم الهداية في كتابه الكريم: (فيه هدى للمتقين (الذين يؤمنون بالغيب (1) (وقوله عز وجل: (الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون (2) (وقوله تعالى (إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير ((3) وقوله سبحانه:
(إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرةٍ وأجرٍ كريم (4) (وقوله عز وجل (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيب ((5) وقوله جل شأنه: (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبير ((6) وهذه الآيات وغيرها تدل على مكانة الإيمان بالغيب، وخشية الله تعالى بالغيب، لأن من آمن بالغيب إيماناً صادقاً راسخاً نشطت جوارحه في الأعمال وحسنت أعماله وأقواله، وأحواله كلها فيعيش راضياً مرضياً، يتقلب في طاعة ربه، شاكراً على السراء، صابراً على الضراء خاشعاً لله ظاهراً وباطناً، موقناً بوعده، خائفاً وجلاً من وعيده متمكناً من المرابطة بين الخوف والرجاء. فمن لم يؤمن بالغيب فلا نصيب له من الطمأنينة في الدنيا، والفلاح والظفر في الآخرة. بل يعيش قلقاً حائراً ساخطاً غير راض بقضاء الله تعالى وقدره. وهو في الآخرة من الخاسرين.(6/27)
.. والإيمان بالغيب معناه أن يؤمن المرء بما غاب عن حسه، أي إن الغيب هو الأمر الذي يجب الإيمان به مما غاب عن الحس ومما أخبرت بوجوده نصوص الوحي. وقال بعض أهل العلم (1) : معنى الإيمان بالغيب هو أن يؤمن المرء وهو غائب بما أمر أن يؤمن به. أي إن الغيب في القول الأول وصف للأمور الغائبة عن الحس، وفي القول الثاني وصف للمؤمنين أي يؤمنون وهم غائبون. فكلا القولين لا تنافر بينهما، بل هما متلازمان، لأن المؤمن بما غاب عن الحس قد آمن به وهو غائب عنه، ومن آمن وهو غائب فقد آمن بما غاب عنه فليتأمل.
المأمورات والمنهيات مبناها على الاعتقاد:
إن أركان الإسلام الخمسة وغيرها من شرائع الإسلام بأوامرها ونواهيها مبنية على الاعتقاد بأن الله تعالى أوجب الواجب منها وحرم المحرمات التي أوجب تركها وتجنبها، وتصديق الشرع في ذلك (2) .
فأول أركان الإسلام: الشهادتان، فمجرد قولهما باللسان دون التصديق بالقلب لا يدخل قائلها الإسلام أي أن التصديق بالجنان هو الذي يترتب عليه النطق باللسان. فمن لم يصدق بقلبه لم يكن مؤمناً عند ربه.
وثاني أركان الإسلام: إقام الصلاة، فإقامتها لا تتأتى إلا بعد التصديق بأن الله تعالى فرضها علينا ومن لم يعتقد بأن الله تعالى فرضها فهو عند الله تعالى ليس بمؤمن ولو تظاهر بإقامتها.
وثالثها: إيتاء الزكاة، فإن من لا يعتقد بشرعيتها ووجوبها، ليس بمؤمن عند الله تعالى، وعمله مردود عليه مهما بلغ حجمه.
ورابعها: صيام رمضان، فالمؤمن الصادق هو الذي يصوم رمضان معتقداً بأن الله فرضه على عباده فإذا لم يصدق بوجوبه وفرضيته على عباد الله لم يكن من المؤمنين عند الله تعالى.
وخامسها: حج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً، فمن حج وهو لا يصدق بأن الله تعالى فرضه على من استطاع إليه سبيلاً فهو غير مؤمن عند الله تعالى.(6/28)
وكذلك ما حرم الله على عباده من الأمور، لابد من اعتقاد أن الله حرمها على عباده، ومن لا يؤمن أن الله تعالى حرم الفواحش، وقتل النفس بغير حق، وشهادة الزور، وقول الزور، وشرب الخمور، لم يكن مؤمناً عند الله تعالى، سواءً ارتكب تلك المحرمات أم تركها.
والمراد باعتقاد الوجوب، هو الوجوب العام على العباد، لأن بعض الفرائض تسقط فرضيتها عن البعض لأمور طارئة، كسقوط فرضية الصلاة عن النساء في حالة الحيض أو النفاس، وسقوط فرضية الصيام عن المسافر حتى يقيم، فإذا أقام قضى. وعدم وجوب الزكاة على من لا يملك نصاباً، وعدم وجوب الحج على من لم يستطع إليه سبيلاً. والمراد إذن إنكار الوجوب العام على العباد. وبهذا يتبين أن دائرة الإيمان تشمل دائرة الأعمال بالجوارح كما تشمل اعتقاد وجوب ترك ما حرم الله فعله من المحرمات.
المبحث الثاني: أثر الإيمان بالغيب
للإيمان بالغيب آثار جلية في نفوس المؤمنين وسلوكهم، وآثار في معاملاتهم، وعلاقاتهم بربهم، وعلاقاتهم ببعضهم، وعلاقاتهم بغيرهم، ونظرتهم إلى الكون من حولهم، ونظرتهم إلى ما يأتي في أقدار الله تعالى من خير أو شر، أو حلو أو مر.
أثر الإيمان بالغيب في تعلق العبد بربه:
المؤمن بالغيب يكون صادقا مع الله تعالى في السر والعلانية، يطيع أوامر ربه، وأوامر رسوله (مستسلما راضياً يرجو ثواب الله تعالى، ويحرص على ما فيه رضوانه. فتكون طاعة الله تعالى وذكره وعبادته بما شرع، راحة نفسه، وقرة عينه، ومنية قلبه، ومنتهى رغبته. ولصدقه في إيمانه بالغيب يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه.(6/29)
والمؤمن بالغيب موقن بأنه (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد ((1) وبأن حركاته وسكناته، وما يدور بخلده وما توسوس به نفسه، أو يختلج في صدره، خاضع لمراقبة الله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ((2) . (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ((3) ، (وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون ((4) ، (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ((5) ، (فلا يحزنك قولهم إنَّا نعلم ما يسرون وما يعلنون ((6) ، (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله بكل شيء عليم ((7) . (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ((8) . (قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً ((9) وهو سبحانه يعلم خبايا النفوس وخفاياها: (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ((10) (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ((11) ، ولا يدرك حقيقة علمه المحيط الشامل لكل شيء زماناً ومكاناً إلا من آمن بالغيب إيماناً صادقاً جازماً، ولهذا كانت قرة عين رسول الله (، أي أن راحة نفسه، وسكينة قلبه، وطمأنينته، في ذكر ربه الكريم. وهو يستيقن أنه أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد. والمؤمن بالغيب يكون الله تعالى، ورسوله أحب إليه مما سواهما، فإذا أحب أحب لله، وإذا أبغض أبغض من أجل لله، وإذا أعطى أعطى لله، وإذا منع منع من أجل الله، وهو في سرائه شكور، وفي ضرائه صبور. والمؤمن بالغيب يعلم علم يقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويعلم أن الحذر لا ينجي من القدر، وأن الله تعالى قدر كل شيء في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وأنه تعالى يضع الموازين القسط ليوم القيامة، وأنه لا يظلم أحدا من خلقه ولا يبخسه من حقه، ولا تزر وازرةُ وزر أخرى، وأنه أحكم الحاكمين،(6/30)
وأسرع الحاسبين، وأرحم الراحمين، وأنه من أجل هذا يعبد ربه طامعاً في رحمته ومغفرته ورضوانه، خائفاً من غضبه وعقابه وأليم عذابه، فيكون في حياته متوازناً، لا الرجاء في رحمة الله يطغى عليه حتى يأمن من مكره، ولا الخوف من عقابه يوقعه في اليأس من رحمته، ولكنه يدعوه خوفاً وطمعاً ويعبده رغباً ورهباً عملاً بقوله تعالى: (وادعوه خوفاً وطمعاً ((1) وقوله في وصف عباده الأخيار: (ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ((2) .
أثر الإيمان بالغيب في سلوك المؤمن:
إن أثر الإيمان بالغيب في سلوك المؤمن أثر عظيم. فالمؤمن بالغيب يصدق بوعد الله ووعيده. وتصديقه بوعد الله يجعله في شوق إلى لقاء الله تعالى، وما وعد به أهل طاعته من النعيم المقيم والرضا الدائم، فكأنه يرى ما أعد الله للمؤمنين من نعيم الجنان والحور العين رأي العين فيبادر إلى طاعة ربه، ويسارع في الخيرات، وتصديقه بوعيد الله يجعله يخاف من غضبه وسطوته وعقابه، وأليم عذابه فكأنه يرى نار جهنم وأغلالها وما فيها من شدائد وأهوال ونكال. فيبتعد عما حرم الله تعالى ورسوله (، ويعيش في توازن تام بين الخوف والرجاء والرغبة والرهبة من غير أن يطغى جانب على جانب، لا خوفه يطغى على رجائه رحمة ربه الواسعة، ولا رجاؤه يتغلب عليه حتى لا يخشى من عذاب الله وعقابه. فبذلك يكون خيراً لنفسه وخيراً لأهله، وخيراً لأمته، وخيراً للخلق أجمعين.
أمثلة من أثر الإيمان بالغيب
إن الأمثلة على أثر الإيمان بالغيب من واقع هذه الأمة كثيرة جداً تزيد عن العد والحد، فعلى سبيل التقريب لا التحديد والتعديد إليك أمثلة خاصة لأفراد هذه الأمة تليها أمثلة عامة توضح لمن تدبرها ما وصل إليه سلف هذه الأمة من كمال الإيمان، وترقيهم إلى أعلى درجات اليقين:
1- أنس بن النضر بن ضمضم يوم أحد رضي الله عنه:(6/31)
روى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قصة عمه أنس بن النضر فقال: "غاب عمي عن قتال بدر فقال: يا رسول الله؛ غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين، والله لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ فقال: أين يا سعد (1) ؛ هذه الجنة ورب أنس أجد ريحها دون أحد، قال سعد بن معاذ: فما استطعت ما صنع، فقاتل. قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ما بين ضربةٍ بسيف، أو طعنةٍ برمح، أو رميةٍ بسهم، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون، فما عرفته أخته الربيع بنت النضر إلا ببنانه. قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه:
(من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ((2) الآية " (3) .
هكذا صدق هذا المؤمن ما عاهد الله عليه أمام رسول الله (حيث قال: "ليرين الله ما أصنع"، فصنع ما وعد به وعاهد عليه ربه، وما ذاك إلا أثراً عظيماً من آثار الإيمان بالغيب، بل إنه رضي الله عنه قد وجد ريح الجنة دون أحد. وهذا قمةٌ في التصديق بوعد الله تعالى بالغيب حتى إنه من شدة تصديقه غمرت ريح الجنة وأريجها حاسة شمه حيث حلف على ذلك قائلاً: "هذه الجنة ورب أنس أجد ريحها دون أحد". قال تعالى: (جنات عدنٍ التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتياً ((4) وهذا التصديق القوي بوعده تعالى بالغيب كان من آثاره الوعد الصادق، ثم الوفاء بالوعد بالصدق عند اللقاء.
2 – عمير بن الحمام في يوم بدر رضي الله عنه:(6/32)
لقد حرض رسول الله (المؤمنين على القتال يوم بدر، فذكر ما للمؤمنين المجاهدين عند ربهم من أجرٍ عظيمٍ فقال: " والذي نفس محمدٍ بيده، لا يقاتلهم اليوم رجلٌ فيقتلهم صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة. فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة، وفي يده تمرات يأكلهن: بخٍ بخ، أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم وهو يقول:
ركضاً إلى الله بغير زاد
إلاّ التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد
إن التقى من أعظم السداد
وخير ما قاد إلى الرشاد
وكل حيٍ فإلى نفاد
ثم حمل، فلم يزل يقاتل حتى قتل (1) .
وروى الإمام مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله (قال يوم بدر:
" … قوموا إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض " قال: عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله : جنةٌ عرضها السماوات والأرض؟ قال: " نعم " قال: بخٍ بخ " فقال رسول الله (: " ما يحملك على قولك: بخٍ بخ "؟
قال: لا، والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها. قال: " فانك من أهلها ". فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن. ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياةٌ طويلة. قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل " (2) .
وقد وردت في صحيح البخاري روايةٌ أخرى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رجلٌ للنبي (يوم أحد: أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال: " في الجنة ". فألقى تمراتٍ في يده، ثم قاتل حتى قتل (3) .(6/33)
إن القصتين متشابهتان في دلالتهما على صدق الإيمان بالغيب وظهور ثمراته على سلوك المؤمنين في هذه الحياة حتى إن هذا الصحابي ليرى استمراره على الحياة حتى ينتهي من أكل ما في يده من التمرات تأخراً طويلاً عن الوصول إلى جنة الله التي وعد المتقون. فبادر وسارع حتى يدخلها فجاد بنفسه تصديقاً بوعد الله على لسان رسوله (. وهل بعد هذا الجود من جود؟ والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
لقد أدرك عظم ما وعد الله به المؤمنين الصادقين، فهانت لديه الدنيا، فجاد لله الكريم بنفسه راضياً متوثباً إلى نعيم لا ينفد، وعطاءٍ لا يزول ولا يحول، فرضي الله عنه وأرضاه. وما ذلك إلا آثار الإيمان الصادق بالغيب، حتى لكأنه يرى الجنة وسعتها وما فيها من النعيم الخالد رأي العين فاشتاق وانساق إلى لقائها فحقق الله له ما أراد.
3 – الخنساء (تماضر بنت عمرو بن الشريد رضي الله عنها) يوم القادسية:
هي امرأة اشتهرت في الجاهلية بالبكاء والرثاء والجزع والعويل على قتل أخويها صخر ومعاوية. فكانت لا تكف عن البكاء والرثاء حتى أصبح لا ينافسها أحد من الرجال والنساء في شعر الرثاء. والعبرة هنا ليس في كثرة شعرها في الرثاء ولا في جودته. ولكن العبرة في جزعها وحزنها الشديد وعدم كفها عن البكاء عشرات من السنين، ولم يتوقف بكاؤها ورثاؤها ولم ينقطع، إلا بسيف الإيمان الصادق الذي بتر الله به كل حبلٍ يمت إلى الجاهلية بصلة " كما بين ذلك رسول الله (حين قال لعمرو (1) بن العاص: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله " (2) فانقلب قلب الخنساء طاهراً نظيفاً يملؤه نور الإيمان بحيث لم يترك أي فراغ في قلبها لأثر من آثار الجاهلية ونزعة من نزعاتها.(6/34)
وبعد أن أرضعتها الجاهلية وغذتها بلبانها العكر، فطمها الإسلام وفرغ قلبها من شوائب الجاهلية وطهره من دنسها ورجسها، وملأه بنور الإيمان، فانتقلت من ظلمات الجهل والكفر والهوان، إلى ضياء القرآن، وطاعة الرحمن. ففي يوم القادسية أرسلت أربعةً من أبنائها الشجعان للجهاد والاستبسال في سبيل الله والفوز بالشهادة، ووصتهم ليلة القادسية قائلةً:
" يابَنيَّ إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجلٍ واحد كما إنكم بنو امرأةٍ واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غبرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خيرٌ من الدار الفانية يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (" (1) .
فإن أصبحتم غداً إن شاء لله سالمين؛ فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين فإذا رأيتم الحرب قد شمرت (2) عن ساقها واضطرمت لظى (3) على سياقها وحللت (4) ناراً على أوراقها (5) فتيمموا وطيسها (6) ، وجالدوا رئيسها، عند احتدام خميسها (7) ، تظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة. فخرج بنوها قابلين لنصحها عازمين على قولها. فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم (8) . فقاتل أبناؤها فقتلوا رحمهم الله تعالى. فبلغها ذلك فما زادت على أن قالت: " الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته " (9) .(6/35)
هكذا يتجلى أثر صدق الإيمان بالغيب في قصة هذه المرأة المؤمنة التي تجسدت الجاهلية الجهلاء في بكائها ونياحها دهراً طويلاً حتى كف بصرها قبل إسلامها. لقد كانت كذلك حينما كانت شابة جلدة تقوى على التجلد والصبر، ولكنها بعد الإيمان بالغيب أصبحت خلقاً جديداً، فتحولت تحولاً عجيباً، فإذا بها لا ترى إلا الآخرة وما وعد الله فيها لأهل طاعته فاختارت الباقية لنفسها ولبنيها على الفانية، لا الرغبة في استشهادهم ضعفت ووهنت، ولا الصبر الجميل بعد استشهادهم خانها وفارقها. وما هذا كله إلا أثرٌ من إيمانها بالغيب كأحسن ما يكون الإيمان. فالمرأة في أصل خلقتها ضعيفة الصبر كثيرة الجزع بما جعل الله فيها من الرحمة والحنان والعطف. فإذا أصيبت بمصيبة الموت في أهل بيتها كان جزعها أشد من جزع الرجال، وصبرها أقل من صبرهم. وهذا ما كانت عليه الخنساء في الجاهلية ولم ينافسها في ذلك أحد من النساء أما بعد الإيمان فهي قد ضربت مثلاً أعلى للصبر على ما جرى لبنيها الأربعة من الاستشهاد في سبيل الله تعالى بل إنها وطنت نفسها وأعدتها لهذا المقام، قبل نزول الحمام. وكان هذا أثراً عظيماً من آثار الإيمان بالغيب. ومن أثر هذا الإيمان القوي على بنيها، أن استبسلوا في الجهاد راغبين فيما عند الله راضين بنصيحة أمهم منفذين لأوامرها. فكل واحدٍ منهم، ينشد أبياتاً من الشعر قبل أن يقتحم صفوف الأعداء مشيداً بنصيحة تلك الأم الصالحة، مبدياً رغبته الشديدة فيما عند الله تعالى من الأجر الجزيل والثواب الجليل. فرضي الله عنها وأرضاها ورضي عن أبنائها الشهداء، وسلام عليهم في المؤمنين المخلصين الخالدين.
4 – مثال من أمثلة التأثر الجماعي بالإيمان بالغيب وأثر ذلك:(6/36)
هذا المثال ينتظم مجموعة قد ارتقت درجات الإيمان واليقين وتمكن التصديق بوعد الله ووعيده من قلوبهم أيما تمكن. بين لنا ذلك رسول الله (حيث قال: " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم، وهو أعلم منهم، ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً، وأكثر لك تسبيحاً. قال: يقول: فماذا يسألونني؟ قال يقولون: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبةً. قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: كيف ولو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منه فراراً وأشد لها مخافة. قال: فيقول: اشهدوا أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة. قال هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم " (1) .(6/37)
هؤلاء هم عباد الرحمن الذين آمنوا بالغيب، آمنوا بربهم وهم لم يروه ذلك الإيمان الذي جعلهم يسارعون في طلب رضوانه، والفرار إليه من سخطه، وغضبه، آمنوا بالجنة وما فيها من النعيم الدائم، فشمروا عن ساق الجد في طلبها طول أعمارهم وهم لم يروها. آمنوا بأن النار حق فجدوا بطلب السلامة والنجاة منها. هؤلاء الصالحون الذين عبدوا ربهم كأنهم يرونه وهم لم يروه، فكيف تكون عبادتهم لو رأوه؟ وقد طلبوا منه الجنة وهم في غاية الشوق إليها من غير أن يروها، فكيف لو رأوها؟ وقد استعاذوا بربهم من النار خائفين وجلين وهم لم يروها، فكيف يكون خوفهم وفرارهم منها لو رأوها؟ ولكن مراتب المؤمنين بالغيب لا تساويها مراتب من يرى الغيب ويشاهده.
... هؤلاء هم الفائزون بما طلبوا، طلبوا رضوان الله تعالى، فرضي عنهم، طلبوا جنته، فاستجاب لهم، استعاذوا به من النار فنجاهم. وأشهد على مغفرته لهم ملائكته بياناً لفضلهم وإظهاراً لمكانتهم وقدرهم: " اشهدوا أني قد غفرت لهم ". وبركة هذا الإيمان الراسخ المثمر للعمل الصالح، شملت الجلساء الذين لم يغشوا مجلس الذكر رغبة فيه وإنما جاءوا لبعض شؤونهم. لأن الجليس الصالح له على من يجالسه أثر عظيم. ومن ذلك هذا الأثر الطيب المبارك: "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" والجليس الصلح شبهه النبي (بحامل المسك الذي ينالك نفعه في كل حال، إما بشراء المسك منه، أو بأن يمنحك شيئاً منه، أو بأن تجد منه ريحاً طيبة. وهو في كل حالٍ تنال منه الخير والنفع. وأعظم الخير وأفضلهم بركة ما يوصل إلى غفران الله ورضوانه.
أثر الإيمان بالغيب في نفس المؤمن:
إن للإيمان بالغيب أثراً عظيماً في سلوك المؤمن كما سبقت أمثلته آنفاً. وأثراً عظيماً في نفس المؤمن كما سيأتي بيان ذلك في الأمور الآتية:
أثره في غرس الطمأنينة في النفس:(6/38)
الإيمان بالغيب يورث الطمأنينة في نفس المؤمن لأنه يحبب إلى النفس ذكر الله تعالى على كل الأحيان كما قال الله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ((1) . أي أن الإيمان الصادق هو الذي يثمر الاطمئنان إلى ذكر الله تعالى، لأن التلذذ بذكر الله تعالى لا يكون إلا ثمرة منه ثمار الإيمان بالغيب وأثراً من آثاره.
صاحب هذا الإيمان يوطن نفسه على أن كل شيءٍ في هذا الكون بقضاء الله وقدره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه كما قال صلوات الله وسلامه عليه لابن عباس رضي الله عنهما: " … فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك، لم يقدروا عليه. وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا " (2) .
أثره في الصبر على البلاء والخروج من العسر إلى اليسر:
إن الذي يؤمن بالغيب يعلم علم اليقين أن الصبر على بلاء الله تعالى من مقتضيات إيمانه ومتطلباته، وأن الله تعالى يحب الصابرين، وهو معهم بعونه وتوفيقه، وتفريج كرباتهم، وتيسير ما صعب من أمورهم، مصداقاً لقول النبي (: " وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا ". ولقوله تعالى: (فإن مع العسر يسرا (إن مع العسر يسرا ((3) ولقوله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ((4) ، وقوله: (وبشر الصابرين (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ((5) . وقوله جل ذكره(6/39)
: (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ((1) ، وقال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ((2) وقال: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ((3) .
هكذا يثق المؤمن بمعية الله عز وجل وهو متمسك بدينه عامل بشرعه مصدق بوعده وكلماته ونصره وتأييده، فترتاح نفسه، ويهدأ باله، ويطمئن قلبه، ويسكن فؤاده، وتنشط أعضاؤه وجوارحه في طاعة ربه، ويلهج لسانه بذكره، فلا تؤثر فيه المحن، ولا تربكه الفتن، ولا تزعجه حوادث الزمان، ولا تكدر صفو حياته غوائل الحدثان. لأنه على هدى من ربه، إذ يعلم أنه ملك لله تعالى يتصرف فيه كيف يشاء، فما عليه إلا أن يرضى بحكمه ويسلم لأمره، ويؤمن بقضائه وقدره، وذلك هو أثر الإيمان.
أثره في المعاملة:
إن أثر الإيمان بالغيب يظهر جلياً في معاملة المؤمن للناس، قريبهم وبعيدهم، صديقهم وعدوهم مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم. فالمؤمن الصادق في إيمانه، يعامل الناس، وليس له من وراء ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله تعالى. فيكون براً بوالديه واصلاً لرحمه، موقراً للكبير راحماً للصغير معيناً للمحتاجين مطعماً للفقراء والمساكين آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، مشفقاً على العباد، معيناً على النوائب والمصائب. سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، إذا كال أو وزن وفى، وإذا وعد وفى، وإذا قال صدق، وإن شهد أو حكم عدل، وإن خاصم أنصف، وهو في هذا كله يهدي بالحق وبه يعدل، وبشرع الله القويم يصول ويجول، وفي روضات القرآن الندية يسرح ويرتع، ومن رحيق أزهاره العطرة يرشف، ومن بحاره الزاخرة يغرف، وفي ساحاته الرحبة الطاهرة يعكف.(6/40)
فهو إن أعطى لا يمن على أحد من الخلق لأنه يؤمن إيماناً يمنعه من المن والأذى يهتدي في هذا بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوانٍ عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيءٍ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ((1) .
وهو كذلك إن أعطى يخفي عطاياه خشية الرياء، ويهتدي في هذا بقول رسول الله (في أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:
" ورجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ". يتحرى في صدقته السرية ليقينه بأن الله تعالى يرى ما يخفيه، ويتقبله ويضاعفه له.
وإن أطعم أطعم ابتغاء رضوان الله تعالى مهتدياً بقوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً (إنَّا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً ((2) .
إنه إن أطعم لا يرجو من وراء ذلك شكراً من أحد، وإنما يرجو ثواب الله تعالى ويخاف من سوء الحساب في ذلك اليوم الشديد هوله الذي تعبس فيه الوجوه، وتتقطب فيه الجباه.
وإذا باع لا يطفف ولا يخسر، يهتدي في ذلك بقول الله تعالى:
(ويلٌ للمطففين (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليومٍ عظيم (يوم يقوم الناس لرب العالمين ((3) .
إنه لا يفعل ما يفعله المخسرون الخاسرون من التطفيف في الوزن والكيل، إذ إنهم حينما يكتالون يأخذون حقهم وافياً، أما إن اكتال الناس أوزنوا عندهم، فهم يبخسون حقوقهم ويخسرونهم. وهذه حال من لا يؤمن أن الله سيبعثه في ذلك اليوم العظيم الذي يقوم فيه الناس لربهم ليجزوا ويحاسبوا على أعمالهم.(6/41)
وهو في قوله وفعله يعدل بين الناس قريبهم وبعيدهم غنيهم وفقيرهم عدوهم وصديقهم، لأنه يؤمن ويعمل بقول الله تعالى: (ولا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ((1) . وقوله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بها ولا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً ((2) .
هذا هو المبدأ الذي عمل به الرعيل الأول من سلف هذه الأمة، وهم صحابة رسول الله (الذين عادوا قرابتهم في الله تعالى، وجاهدوهم في سبيل الله. وأسوتهم في ذلك خليل الله ورسوله إبراهيم عليه السلام والذين معه. وقد قال الله تعالى فيهم: (قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ((3) .
فرباط الدين هو الذي تشد به العلائق بين الناس في دين الله، إذ الإيمان رحم بين أهله فإذا خرج أولو الأرحام عن دائرة الإيمان فلاعتبار لعلاقة النسب وحدها. ولأن الله تعالى يقول: (ونفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون ((4) ويقول: (ولا يسأل حميمٌ حميماً ((5) ويقول: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ((6) .(6/42)
وحينما كان أولو القربى لرسول الله (وصحابته رضوان الله تعالى عليهم خارجين عن دائرة الإيمان، معادين لأهل الإيمان، كان من العدل أن يعلنوا معاداتهم، ويتبرأوا من موالاتهم فجرت الخصومة والحروب بينهم. وفيهم يقول الله تعالى: (هذان خصمان اختصموا في ربهم ((1) . وفي هذا إشارة إلى ما وقع يوم بدر من المبارزة بين المؤمنين من المهاجرين، وبين أقاربهم المشركين من أهل مكة.
ولكن الذين غمر الإيمان قلوبهم لم يبالوا برابطة القرابة والقومية التي خلت من الإيمان بدين الله، واتباع رسول الله (. فالمؤمن يحب الله تعالى ورسوله ودينه، والكافر يبغض الله تعالى ورسوله ودينه، والمؤمن يحب ما يحبه الله ويرضى، ويبغض ما يبغضه الله. ولذلك لا يوجد مؤمن صادق في إيمانه يحب أعداء الله ويواليهم. قال الله تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه ((2) .
وهو إن غضب لا يستبد به الغضب، بل يكظم غيظه، عملاً بقول الله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ((3) .
وإذا انتصر عفا وتجاوز (والعافين عن الناس (. ومع أن الانتصار على أهل الظلم مشروع ما لم تترتب عليه مفسدة أعظم، فإن العفو عن الظالم عند المقدرة من عزم الأمور: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون (وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذابٌ أليم (ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور ((4) .(6/43)
وهو إن أحب يحب لله تعالى وفيه، لأن الحب في الله تعالى من مقتضيات الإيمان الراسخ وثمراته كما قال صلوات الله وسلامه عليه: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار " (1) .
فمن وجد حلاوة الإيمان يكون حبه لأخيه المسلم في الله تعالى لا لغرض من أغراض الدنيا ولا لمصلحةٍ من مصالحها الفانية، لا يحبه لنسبه إن بطأ به عمله ولكنه يحبه لدينه وخلقه وأمانته، إن كان ذا دينٍ وخلق وأمانة لأنه يؤمن بأن الله تعالى سيقول يوم القيامة: " أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي" (2) . كما بين ذلك رسول الله (. إنه يحب أخاه المسلم لأن ذلك من متطلبات الإيمان الصحيح. ولقد بين رسول الله عليه صلاة ربي وسلامه بقوله: "والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" (3) .(6/44)
إن أكمل المؤمنين إيماناً، أكثرهم تحابباً في الله تعالى، وتعاضداً، وتعاوناً وتناصحاً وتواسياً. وكلما ضعف الإيمان ضعفت هذه العلائق، بين المسلمين. ولهذا قال الناصح الأمين (: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (1) . إنه مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام الذي لو قام به كل مسلم ومسلمة لما وجدت المحاكم خصومات تقضي فيها بين المسلمين، فالذي يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، لا يظلمه، ولا يحقره ولا يؤذيه، ولا يشهد عليه زوراً، ولا يخونه في عرضه وماله ولا يصل إليه منه ما يكدر صفو حياته من قولٍ أو فعل. فمتى قام كل فرد من أفراد المسلمين من ذكورٍ وإناثٍ بالعمل بهذا المبدأ العظيم؛ أصبح المجتمع المسلم مجتمعاً طاهراً، من مظالم الحقد والأضغان والخصومات، تتجلى فيه الخيرية التي ذكرها الله تعالى في وصف هذه الأمة في قوله: (كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ((2) . والذين تحابوا في الله تعالى يظلهم الله في ظل عرشه يوم الدين، يقول رسول الله (: " يقول الله عز وجل: المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي" (3) . وروى عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله (قال سمعت رسول الله (يقول عن ربه تبارك وتعالى: " حقت محبتي على المتحابين فيَّ، وحقت محبتي على المتناصحين فيَّ، وحقت محبتي على المتزاورين فيَّ وحقت محبتي على المتباذلين فيّ وهم على منابر من نور، يغبطهم النبيون والصديقون بمكانهم " (4) .
وصاحب الإيمان الصادق يؤدي الأمانة إلى من ائتمنه، ولا يخون من خانه، لقوله (: " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " (5) .
ولأن الله عز وجل يقول: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ((6) ولقد عد النبي (تضييع الأمانة من أشراط الساعة حينما سأله رجلٌ عن الساعة: قال له: " فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " (7) .(6/45)
إن مفهوم الأمانة في الإسلام لا يقتصر على المعاملات المالية والودائع المستودعة، ولكنه شامل لجوانب حياة الإنسان المسلم كلها. فالدين أولى الأمانات وأجلها. وهو المعني بقول الله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ((1) . وحفظ أمانة الدين التصديق بأخباره ووعده ووعيده، والعمل بأوامره، والانتهاء عن مناهيه، والدعوة إليه، والموالاة فيه، والمعاداة من أجله. فمن فعل ذلك فقد قام بأداء الأمانة ولذلك قال (:
" احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك " (2) أي احفظ دين الله تعالى الذي هو أمانة الله عندك، يحفظك الله تعالى كما حفظت دينه.
ثم حقوق العباد بعضهم على بعض من الأمانات التي تجب لبعضهم على بعض فالأبناء أمانة على الوالدين، ومن أداء أمانة الأبناء على الوالدين اختيار الأسماء الحسنة والتربية الحسنة وتعليمهم مبادئ الإسلام، وإبعاد كل ما يسيء إليهم في صحتهم الجسدية، والعقلية، والدينية، والخلقية. وكذلك من أداء الأمانة القيام ببر الوالدين الواجب للأباء على الأبناء، وخدمتهما والإحسان إليهما وطاعتهما بالمعروف، والدعاء لهما والاستغفار لهما، والترحم عليهما، وصلة أرحامهما. وإكرام أصدقائهما. ومن أداء الأمانة حفظ الحقوق الزوجية بين الزوجين، بحسن المعاشرة والتناصح والتعاون بينهما، وعلى الزوج أداء حقوق الزوجة التي أوجبها الله تعالى لها عليه من النفقة والكسوة والسكن والعلاج. وعلى الزوجة حفظ حقوق زوجها في غيبته وحضوره وحسن التبعل وحفظ أسرار الزوج وممتلكاته، والنصح له وطاعته في المعروف.(6/46)
ولا يتأتى ذلك على الوجه الصحيح إلا لمن وجد حلاوة الإيمان، وصدق في اعتقاده وقوله وعمله. وكلما تعمق المؤمن في الإيمان الصحيح، ظهرت على جوارحه الأعمال المصدقة لإيمانه، المترجمة لما في قلبه من الصدق والإخلاص حيث تصدر منه الأعمال بسهولةٍ ويسر وسلاسة بلا تكلفٍ أو تنطع. أو تكاسل أو رياء. كل هذا من آثار الإيمان بالغيب وثماره على الأفراد الذين يكونون لبنات صالحة لبناء صرح المجتمع المسلم المتضامن المتعاون المتآخي الذي يخلو من الأحقاد والضغائن والتباغض والتدابر والتنافر والتقاطع، مجتمع الإيمان والأمن والأمان. والله تعالى أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا الإيمان الصادق الصحيح الذي تظهر آثاره، وتينع ثماره، إنه سميعٌ مجيب.
المبحث الثالث: العالم وأقسامه
العالم هو كل ما سوى الله عز وجل، سمي كذلك لأنه علم على وحدانية الله في ربوبيته وألوهيته وصفاته ويجمع العالم على: عالمون ويعامل معاملة جمع المذكر السالم في إعرابه. ولهذا تضاف كلمة: رب وإله إذ يقال لله تبارك وتعالى: رب العالمين، وإله العالمين.
فمن ذلك قول الله عز وجل في فاتحة الكتاب: (الحمد لله رب العالمين (وقد وردت هذه الكلمة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم في نحو أربعين موضعاً.
وهذا يدل على أن العالم علويه وسفليه مخلوق لله تعالى، وأنه تعالى خالقهم وربهم ومليكهم ومدبر أمورهم، ومصلح شؤونهم وأن العالم تحت سلطانه وقهره وملكوته وجبروته وكل ما سواه يدل على ذلك بحاله ومقاله وخصاله وفعاله.
والعالم ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول / عالم الغيب:
وهو كل ما خلقه الله تعالى ولم يظهر عليه أحداً من خلقه إلا من أذن له من رسله. ولا تتعلق غيبته بأمر خارج منه، وإنما الغيبية صفةٌ ملازمةٌ له.
القسم الثاني / عالم الشهادة:(6/47)
وهو كل ما خلقه الله مهيأ للمشاهدة والظهور عليه إما بالوسائل الخلقية، وإما بالوسائل الصناعية المستحدثة. وهذا القسم غيبه نسبي والغيبية في غيبه ليست صفة من صفاته الملازمة له، وإنما هي حالةٌ طارئة عليه أو على من خفي عليه لأمرٍ خاص به.
أما القسم الأول فيسمى بالغيب المطلق لأنه مطلق عن القيد إذ لم يعتبر غيباً نسبياً وإنما هو غيب من جميع الوجوه حيث خلقه الله تعالى غيباً مكنوناً لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى. وفي ذلك يقول الله ربنا الكريم تبارك وتعالى: (قل لا يعلم من في السماوات الأرض الغيب إلا الله ((1) أي إن أحداً من خلقه لا يعلم الغيب المطلق. وقال تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ((2) فذكر في هذه الآية أنه يطلع من ارتضاهم من الرسل على غيبه، فالإظهار على الغيب لا يعني علم الغيب. فإذا كان المراد بالغيب هو الغيب المطلق يكون التعبير عن ذلك بالإظهار أو الاطلاع لا بالعلم، لأن العلم بالغيب المطلق من صفات ربنا الخاصة به تبارك وتعالى. وفي هذا وردت نصوص كثيرة دلت دلالة جلية على أن علم الغيب خاص بالله تعالى فمن ذلك قوله تعالى: (وعند مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ((3) وقوله: (عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير ((4) وقوله: (إن الله عالم غيب السماوات والأرض ((5) وقوله: (قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب ((6) .(6/48)
فتبين من هذا أن علم الغيب خاص بربنا تبارك وتعالى. وأما الاطلاع والظهور على الغيب فمعناهما واحد فهو العلم الجزئي بالشيء الذي أذن الله تعالى لرسله أن يعلموا به. والعلم الجزئي بالشيء ليس كالعلم الكلي الشامل المحيط بالشيء. ولعل السر في هاتين الكلمتين في حق العباد، الإشارة إلى هذا المعنى فالعلم لله تعالى، والاطلاع والظهور على بعض هذه الغيبيات لمن اصطفاهم الله تعالى من رسله عليهم الصلاة والسلام. ومما يجدر التنبيه عليه هنا، أن في كتاب الله تعالى نصوصا دلت على أن الله تعالى أعلم بعض عباده من الرسل والأتباع فكانوا على علم بتلك الغيوب التي أوحى الله تعالى بها إلى رسوله (وذلك كقوله تعالى:
(تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ((1) وقوله: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ((2)
ويفيد هذا انهم علموا بأنباء الغيب بعد أن أوحى الله تعالى بها إلى نبيه (. فإن قيل أو ليس قد سبق أن عباده المصطفين يظهرون على بعض الغيب ولا يعلمون به لأن العلم هو الإحاطة والشمول وذلك ليس إلا لربنا عز وجل؟ فالجواب أن الآيات المفيدة بأن الرسول (وأتباعه علموا بأنباء الغيب بعد وحي الله تعالى إليه جاءت في الغيب النسبي وليس في الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل. وأيضا إن الله تعالى أخبرهم بما قد جرى ووقع في زمن قد مضى وانقضى لم يكن رسول الله (وقومه في ذلك الزمان أو المكان، ولو كانوا ثمّ لعلموا به كما علم من كان بذلك الزمان والمكان ولذلك قال الله تعالى بعد ذلك:(6/49)
(وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه… ((1) . وقال في قصة يوسف واخوته بعد أن قصها على نبيه (: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ((2) . وقال عقب قصة موسى (: (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ((3) .
وهذان المعنيان يفهمان من سياق الآيات القرآنية في الفرق بين الإطلاع والظهور، وبين العلم بأخبار الغيب، فالعلم بأخبار الغيب المتعلقة بعالم الشهادة له مصادر شتى كما سيأتي بيانه في موضعه. غير أن الوحي أهم المصادر وأصدقها وأجلها وأدقها. وأما الغيب المطلق فليس للإطلاع عليه مصدر آخر غير الوحي الرباني. وكأن المطلع عليه يطلع عليه من نافذة الوحي كما يطلع المرء من نافذة منزله أو كوة فيه على ما في الخارج، فإنه لا يحيط به من جميع الجوانب.
وهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الاطلاع والظهور على الغيب معناهما مشاهدة الغيب نفسه، وإن كان بلا إحاطة.
وأما أخبار الغيب التي يوحى بها فهي لا تعني أن من أوحى بها إليه شاهد الغيب واطلع عليه ولكنه أخبر به. فمثال الاطلاع على الغيب مشاهدات الرسول (ليلة الإسراء والمعراج، ورؤيته للمسجد الأقصى بعد ذلك وهو بمكة حينما سألته قريش عن صفاته حتى وصف لهم وصفا دقيقا حيث جلاه الله تعالى له (4) . ومثال العلم بأخبار الغيب عن طريق الوحي، ما جاء من قصص الأنبياء وأممهم في القرآن.
المبحث الرابع: أنواع الغيب وأقسامه
الغيب من حيث إطلاق لفظ الغيب عليه ثلاثة أنواع:
النوع الأول: غيب الغيوب:(6/50)
وهو الغيب الخاص بذات الله وأسماءه وصفاته. وهذا النوع هو قمة الغيب وأعظمه وأبعده عن علم الخلق. ولم يكن هذا النوع قسيم غيب العالم بقسميه المطلق والنسبي، لأن الله تعالى ليس من العالم، بل هو رب العالمين تبارك وتعالى.
إن ذات ربنا وصفاته غيب استأثر الله تعالى بعلمه، ولا يعلم كيف هو إلا هو، ولا يعلم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى غيره تعالى. فعباده تعالى لا يعلمون من ذلك إلا ما علمهم عن طريق الوحي إلى رسله وأنبيائه. وما علمهم الله تعالى من ذلك قليل من كثير استأثر الله تعالى به في علم الغيب. وإلى ذلك أشار النبي (في قوله: " أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك… " (1) .
ولهذا لا يجوز تجاوز ما جاء في نصوص الوحي في أسماء الله تعالى وصفاته، لأنها قمة الغيب وذروته التي لا يحيد عنها إلا هالك، ومن حاد عنها وأرخى الزمام لعقله القاصر وقال في صفات الله تعالى برأيه نفيا وإثباتا فقد ضل ضلالا مبينا. وهذا النوع هو الذي كان باعثا لتأليف هذه المباحث لعلي أبين حدود العقل البشري وموقفه من هذه الحمى الذي اقتحمه طائفة من البشر بلا هدى ولا كتاب منير، فزاغوا عن الحق وأزاغوا.
النوع الثاني: غيب العالم، وهو قسمان:
القسم الأول: الغيب المطلق (2) :
وهو المتعلق بعالم الغيب. وعالم الغيب هو المخلوق على وضع لا يصل الإنسان إلى العلم به بحواسه التي يتوصل بها إلى العلم بعالم الشهادة، أو هو كل ما خلقه الله تعالى غير قابل لوصول الحواس إليه، وذلك كالملائكة والجن والشياطين فمتى أذن الله تعالى لمن شاء من عباده بذلك حصل ما أذن له به، في وقت أذن به، بقدر ما أذن به على هيئة أذن بها.(6/51)
فمن ذلك رؤية الرسول (لجبريل عليه السلام على هيئته الملكية في النزلة الأولى من جبل حراء، وفي نزلته الأخرى عند سدرة المنتهى ليلة المعراج (1) . ومن ذلك رؤيته أرواح الأنبياء في تلك الليلة في السماوات. فقد رأى آدم في السماء الدنيا، ورأى يحي وعيسى في السماء الثانية، ورأى يوسف في الثالثة، وإدريس في الرابعة، وهارون في الخامسة، وموسى في السادسة، ورأى إبراهيم في السماء السابعة (2) .
والأرواح من عالم الغيب الذي أطلع الله تعالى رسوله (عليه تلك الليلة، وأما أجسادهم عليهم الصلاة والسلام فهي مدفونة في الأرض، سوى ما كان من أمر عيسى (فإنه حي بجسده في السماء. حيث رفعه الله تعالى إليه حيا كما قال الله تعالى: (بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما ((3) .(6/52)
ومن الغيب المطلق النبوة والرسالة، ونزول الكتب على الرسل، والقضاء والقدر، واليوم الآخر. أي إن أركان الإيمان الستة كلها داخلة دخولا أوليا في الغيب المطلق، سوى الركن الأول وهو الإيمان بالله تعالى، فإنه غيب الغيوب كما سبق بيانه، ولهذا قال الله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ((1) . والإيمان لا يكون إلا بالغيب سواء كان الغيب من النوع الأول أو من النوع الثاني بأقسامه. فالأمور الحسية لا يطلب من الإنسان أن يؤمن بها، لأنه يحس بها ويشاهدها فلا يسعه إنكارها. ثم إن الله تعالى اختبر عباده حيث أمرهم بالإيمان بالغيب الذي لا يعلمون به إلا عن طريق إخبار الله تعالى بها لا عن طريق المشاهدة. ولهذا لا ينفع الإيمان حينما ينكشف الغطاء عند حلول الأجل، وبلوغ الروح الحلقوم، وعند طلوع الشمس من مغربها، وعند نزول العذاب الذي توعد الله به أقوام الرسل، لأنه لا يسع أحدا شاهد ذلك إلا التصديق بالمحسوس وذلك ليس من الإيمان في شيء. ولهذا لم يقبل الله تعالى من فرعون إيمانه لنزول الموت به، ومشاهدته حقائق ما كفر به من قبل، قال الله عز وجل: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (آالآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ((2) ، وقال رسول الله (: "إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" (3) .
فإذا قيل إن من أركان الإيمان ما ليس بغيب كالرسل والكتب إذ هم من عالم الشهادة. فكيف تعلق بهم الإيمان مع القول إن الإيمان لا يتعلق بالمحسوسات؟(6/53)
قيل إن ذلك راجع أيضا إلى هذه القاعدة التي لا يخرج عنها ركن من أركان الإيمان، وذلك بأن الإيمان بالرسل ليس متعلقا بوجودهم في زمن من الأزمان، وذلك أمر معلوم بداهة، ولكن الذي يتعلق به الإيمان إرسال الله تعالى لهم وذلك هو الغيب الذي أمرنا بالإيمان به، أما الوجود التاريخي للرسل فهو أمر لم يكن الكفار ينكرونه، إذ هم يشاهدون الرسل في أزمانهم، وينصب كفرهم على رسالتهم ونبوتهم ولذلك قالوا لرسلهم: (إن أنتم إلا بشر مثلنا ((1) ، أي لا تتميزون علينا بالرسالة التي تدعون أنكم تحملونها ولهذا قال قوم صالح (بعضهم لبعض: (أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه ((2) . وقال
الكافرون لرسول الله (كما حكى الله تعالى عنهم في قوله: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ((3) وما قالوا هذا إلا نفيا وإنكارا للأمر الغيبي الذي هو النبوة والرسالة.(6/54)
وكذلك الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله، متعلق الإيمان لم يكن بوجودها بين الناس، فإن وجودها في أيدي الناس، أمر حسي لا ينكره أحد، ولكن الذي أمرنا بالإيمان به كونها منزلة على الرسل من عند الله تعالى، والذين كفروا بها لم يكفروا بوجودها، ولكنهم كفروا بنزولها من عند الله. ولذلك قالوا لرسلهم كما حكى الله تعالى عنهم بقوله: (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون ((1) ، وقال الله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ((2) . وقالوا في القرآن الكريم: (إن هذا إلا قول البشر ((3) .وهذا يدل على أن كفرهم كان متعلقا بنزول الوحي به لا بوجود الكتاب العيني، فإن المشار إليه بقولهم: (إن هذا (هو القرآن المعروف لديهم بوجوده بينهم، ولم ينكروا إلا كونه من عند الله تعالى. ويلحق بهذا القسم مكنونات الصدور من مقاصد ونوايا. فإن ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى. ولهذا وصف الله تعالى نفسه الكريمة بقوله: (يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ((4) ،: (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ((5) ،: (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ((6) . فمن زعم أنه يعلم خواطر النفوس وكوامنها وأسرارها، فقد تجاوز حدوده واعتدى على حق الله تعالى. وأما ما قد يلمع لبعض من أخلصوا لربهم وصدقوا في اتباعهم من لمع تتعلق ببعض الخواطر فليس من العلم بالغيب، وإنما هو فراسة كما سيأتي ذكر ذلك في مبحث خاص إن شاء الله تعالى.
القسم الثاني: الغيب النسبي أو الإضافي:(6/55)
الغيب النسبي أو الإضافي هو ما كان من عالم الشهادة، وكان غيبا بالنسبة والإضافة إلى بعض الخلق دون بعض، وذلك باختلاف الزمان والمكان وما يستخدم في الوصول إليه أي أن غيبيته لم تكن صفة لازمة له إنما هي صفة نسبية أو إضافية، مثال ذلك من الزمن الماضي ما جرى بين الرسل وأممهم من الوقائع والأحداث غيب بالنسبة والإضافة إلينا نحن الذين نعيش في زمان غير زمانهم وهي نفسها مشاهدة بالنسبة والإضافة لأهل زمانهم ومكانهم ولم تكن غيبا. وهي غيب أيضا لمن يعيش في مكان آخر في ذلك الزمان.
وهذا القسم تحته ثلاثة أقسام بحسب الزمان:
الأول: غيب الزمن الماضي.
الثاني: غيب الزمن الحاضر.
الثالث: غيب الزمن المستقبل.
أما غيب الزمان الماضي: فهو ما يتعلق من الحوادث بغيب الأزمنة الماضية. وسبب غيبيتها وقوعها في زمن قد مضى قبل زمن قوم بلغهم الخبر عن ذلك الماضي لم يكونوا فيه.
وأما غيب الزمان الحاضر: فهو ما كان من عالم الشهادة واقعاً في الزمن الذي أنت فيه، وسيأتي بيان سبب غيبيته في المبحث العاشر إن شاء الله تعالى.
وأما غيب الزمان المستقبل: فهو ما سيحدث من الحوادث بعد اللحظة التي تعتبر الزمن الحاضر. وهو شبيه في غيبيته بالغيب المطلق لتوغله في الغيبية.
فالإنسان لا يعلم شيئا مما سيحدث في المستقبل لقول الله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ((1) .
وهذه الحوادث المذكورة في الآية الكريمة حوادث مستقبلة لا يعلمها إلا الله تعالى.(6/56)
فأولها: متى قيام الساعة، فعلم ذلك عند الله تعالى كما دلت على ذلك نصوص كثيرة من الكتاب والسنة. فمنها قول الله تعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ((1) ، ومنها قوله: (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ((2) . وقال رسول الله (لجبريل (حينما سأله عن الساعة: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " (3) .أي إن الرسول (لا يعلم ميعادها كما لا يعلم سائله جبريل (متى هي.
وثاني تلك الحوادث التي تضمنتها الآية، موعد نزول الغيث، فعلمه كذلك عند الله تعالى، فكما أنه تعالى هو الذي ينزل الغيث فهو الذي يعلم موعد نزوله.
وثالثها علم ما في الأرحام، ولا يعلم ما في الأرحام غير الله عز وجل، وهو الذي يعلم وحده ما حوته الأرحام علما جليا محيطا عميقا، وعلم ما في الأرحام ليس مقتصرا على معرفة نوع الجنين من ذكر وأنثى، وإنما هو أوسع من ذلك وأعمق بكثير. فمعرفة نوع الجنين في مراحل حياته المتأخرة بعد تكامل أعضائه مما أمكن العلم به في هذا العصر باستخدام الآلات الحديثة، وما دام الأمر كذلك فإن المراد بعلم ما في الأرحام الذي يختص به الله ليس هذا الجانب قطعا، وإنما يشمل علمه عز وجل علم ما في الأرحام منذ اللحظة الأولى التي وقعت فيها النطفة في الرحم، أذكر أم أنثى، أسقط أو مولود، أشقي أم سعيد، أعالم أم جاهل، أخامل أم عامل، أرئيس أم مرؤس، أغني أم فقير، أعزيز أم ذليل، أعقيم أم يولد له، ويعلم علما دقيقا ماذا سيكون لهذه النطفة من الذراري وما تتصف به من صفات عدها في علمه وأحصاها تبارك وتعالى إلى آخر مولود من الخلائق وهو علام الغيوب سبحانه وتقدست أسماؤه وصفاته.(6/57)
ورابع تلك الأشياء التي دلت الآية الكريمة على اختصاص الرب بعلمها ما تكسبه النفوس في المستقبل بعد اللحظة التي هي فيها، وما سيكون من أمرها وماذا سيحدث منها أو سيحدث لها، كل ذلك علمه عند ربنا تبارك وتعالى ولهذا أمر الله تعالى رسوله (أن يقول لقومه: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ((1) .
ولو كان أحدنا يعلم من أين يأتيه ما يخاف ويحذر لتجنبه، وما أصابه مكروه ولو كان يعلم من أين يأتي ما ترغب فيه النفس من الخير لتعرض له وما فاته شيء من المطلوب والمرغوب. ولكن الله تعالى استأثر بعلم ذلك وحده.
وخامسها: علمه تعالى وحده أين تموت كل نفس، ومتى تموت وبم تموت، وعلى أية حال تموت، ولا يعلم أحد من خلقه، أين تموت نفسه ومتى، كما لا يعلم آجال غيره من النفوس. أما رب النفوس وخالقها ومحييها ومميتها وباعثها فهو الذي له علم ذلك كله: (إن الله عليم خبير (. فإن قيل إذا كان الخلق لا يعلمون ما يستقبل من الحوادث، فكيف استطاع الفلكيون معرفة تواريخ الكسوف وساعاته، واستطاع مراقبوا أحوال الطقس عن طريق المراصد الجوية الإخبار بأخباره قبل حدوثه.
قيل أن ذلك من التجارب البشرية المتكررة التي مكنت العلماء الذين يقومون بالرصد المتواصل من توقع تلك الحوادث على سبيل التوقع والظن لا على سبيل العلم واليقين فكما يستنتج أحدنا تقابل قطارين في نقطة معينة إذا كان انطلاقها في وقت واحد وسرعة واحدة سائرا كلا منهما في الاتجاه المواجه للأخر. فكذلك توقع الفلكيين مرور القمر بين الأرض والشمس في موضع معين في ساعة معينة لا يدل على علم الغيب، وإنما هو توقع مبني على التجارب والملاحظات المتواصلة، والاختبارات المتكررة. وهذا مما لا يجزم بحدوثه ووقوعه، والعلم بالشيء هو الجزم بما هو عليه، أو بما سيقع لا محالة، فليتأمل.
المبحث الخامس: حظ الإنسان من علم الغيب(6/58)
سعى الإنسان منذ نشأته إلى الوقوف على ما يجهله في هذه الحياة بالوسائل التي خلقها الله فيه، تدفعه غرائزه التي زوده بها. فوصل بالوسائل التي لديه إلى تحقيق الكثير مما يتوق إلى معرفته مما يمكن الوصول إليه من خبايا عالم الشهادة، غير أنه لم يكتف بذلك ولم يقتنع بما حققه من الإنجازات في ذلك، بل حاول في مختلف العصور الاطلاع على ما لم يتمكن من الوصول إليه بالوسائل التي ركّبت في بدنه، وزوده الله بها لتكون عوناً له في هذه الحياة، فاستعان بالجن والشياطين حتى نشأت بين الناس فئة ادعت أنها تعلم الغيب، وهي فئة الكهان والعرافين وقارئي الفناجين والمشعوذين الذين استغلوا التطلع الإنساني إلى المجاهيل، فأضلوه بما زعموا من معرفة الغيب من عالم الشهادة، بل تجاوزوا ذلك إلى عالم الغيب، فأخذوا يشيعون بين مصدقيهم أن لهم علاقة بالملائكة والجن، وأن لهم صلة بالنجوم والشمس والقمر والكواكب، فأقاموا لهذه الأجرام السماوية معابد وهياكل عبدوها من خلالها زاعمين أن لها أرواحاً وعقولاً وتصرفاً في الكون، وأنها ترضى وتغضب وتعطي وتمنع، وتفرق وتجمع، وتحيي وتميت، وتخفض وترفع، غير أن الله عز وجل الذي خلق هذا الكون لحكمة أرادها، والذي يتنزه عن كل نقص، ما ترك الإنسان سدى، حتى يتخبط في جهالاته وضلالاته تستهويه الشياطين في الأرض حيران لا يهتدي سبيلاً، ولا يجد هادياً ولا دليلاً، فأرسل إليه رسله تترى في كل عصر وجيل، وأنزل عليهم الكتب، فهداهم من الظلمات إلى النور، فأطاع من أطاع وعصى من عصى، واستمر الصراع بين الحق والباطل استمرار الإنسان في هذه الحياة.(6/59)
ولقد أعلم الله الإنسان عن طريق رسله ما خلق من أجله، وما ينبغي عليه أن يؤمن به، وما يجب أن يعمله أو لا ينبغي أن يعتقده أو يعمله، غير أن الشيطان وجنوده من الجن والإنس ما فتئوا يزينون له الباطل من الاعتقاد والقول والعمل مع قيام الحجة، ووضوح المحجة، فاستمر الإنسان الذي لم يستجب لرسل الله تعالى، أو استجاب ولكنه لم يلتزم بمنهج الرسل وأتباعهم التزاماً صحيحاً، في التطلع إلى عالم الغيب، حتى وجد بين الناس من أطلق لعقله الزمام متجاوزاً بتفكيره القاصر الطموح ما وراء الطبيعة، حتى تجاوز ذلك إلى الكلام في ذات الله وأسمائه وصفاته، معرضاً عن نصوص الوحي المنزل أو مؤولاً لها، يصرفها عن دلالاتها اللغوية والشرعية، إلى ما تهواه نفسه، ويملي عليه هواها زاعماً أن عقله هو المعيار الصحيح الذي به توزن الغيبيات وزناً دقيقاً، فكان منهم من أنكر صفات الله تعالى الواردة في نصوص الوحي، فعطل رب العالمين عن صفاته الثابتة له كالمعتزلة، ومنهم من نفى أسماءه وصفاته غير مبال بنصوص الوحي كالجهمية، ومنهم من أقر ببعض صفاته على ما يلائم عقله، وأول ما لم يوافق عقله كالأشاعرة والماتريدية، فهدى الله الذين تمسكوا بنصوص الوحي وما دلت عليه من الحق من سلف هذه الأمة وخلفها، حيث لم يجعلوا العقل فوق نصوص الوحي يحكم عليها بأوهامه، ويتحكم فيها بظنونه، ولم يلغوا وظيفته، فتوسطوا في ذلك مدركين أن دور العقل هو الفهم عن الله ورسوله، والتصديق بكل ما جاء في نصوص الوحي على مراد الله تعالى كما بلغ رسوله الصادق الأمين، وأن الغيب يجب التصديق به على ما وردت به النصوص من غير أن يكون للعقل دخل في تصوره، فالله ما كلف الإنسان بما لا يطيق، وإن العقل الذي ركب فيه أداةٌ خاصةٌ لاستخدامها في عالم الشهادة من أمور دنياه، وأما عالم الغيب فكفاه الله مئونته بأن بين له ما يجب أن يصدق به منه، وما ذلك إلا لعلمه تعالى أن طاقة عقل الإنسان في هذه الحياة الدنيا(6/60)
لا تتجاوز هذا المجال ولا تتعداه، فكما أن الموازين التي تستخدم في المتاجر لوزن المبيعات من الفواكه والحبوب والثمار لا يصح أن توزن بها الجمال والجبال، فكذلك لا يصح أن توزن الغيبيات بهذا العقل الذي خلقه الله لأمر غير هذه الأمور ليس أهلاً له. ولذلك اختلفت الفرق وتباينت آراؤهم في الغيبيات، لاختلاف عقولهم، فعقل الجهمية يرى أن ما يتوهمه هو عين العقل والصواب، وعقل المعتزلة يرى ما يخالف ذلك في بعض الغيبيات، وعقل الأشاعرة كذلك يرى ما يخالفهم منفرداً ببعض الآراء عن الجهمية والمعتزلة، وهكذا يرى كل فريق أن عقله هو المعيار الصحيح والميزان القسط التي توازن به حقائق الغيبيات، فعقل من منهم العقل الذي يجب القول بما جنح إليه من الاعتقاد؟ إنه لا يوجد في الناس عقل كلي معصوم من الخطأ يجب الرجوع إليه عند الاختلاف في الغيبيات، ولكن الذي يجب الرجوع إليه والجزم بصحة ما دل عليه هو الوحي الرباني الذي من تمسك به رشد، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن اعتصم به نجا، ومن عمل به هدي إلى صراط مستقيم.
وفي هذه الدراسة التي تم ذكر أنواع الغيوب وأقسامها فيها، أذكر بشيء من التفصيل حظوظ الإنسان من الاطلاع على تلك الأنواع والأقسام من الغيوب، طبقاً لما دلت عليه النصوص الشرعية، وشهدت له التجارب الإنسانية عبر العصور المختلفة، وذلك في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى وأعان.
المبحث السادس: حظ الإنسان من غيب الغيوب
لقد سبق أن غيب الغيوب هو الغيب المتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته. وهو أعظم أنواع الغيب وذروته.
وحظ الإنسان من هذا الغيب هو ما جاءت به النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وليس لأحد أن يقول شيئا في أسماء الله تعالى وصفاته إلا بإيقاف من الله تعالى ورسوله عليها. وهذا معنى قول العلماء: إن أسماء الله تعالى توقيفية، وكذلك صفاته تعالى على الراجح من كلام العلماء، قال السفاريني في الدرة المضيئة:
لكنها في الحق توقيفية(6/61)
لنا بذا أدلة وفية
وإن سلف هذه الأمة من أصحاب رسول الله (ومن تبعهم بإحسان، قد التزموا بقبول ما دلت عليه نصوص الوحي من أسمائه وصفاته فأثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه الكريمة في كتابه، أو أثبته له رسوله الصادق في سنته الثابتة عنه على الوجه الذي يليق به تعالى من غير تأويل يؤدي إلى التحريف، أو نفي يؤدي إلى التعطيل تحت ستار التنزيه. وكذلك نفوا عن الله تعالى ما نفاه عن نفسه في كتابه أو نفاه عنه رسوله (في سنته. ولم يكونوا في الإثبات غالين مشبهين، كما لم يكونوا في النفي متجاوزين لحدود النصوص الواردة في النفي حتى يكونوا بذلك معطلين. فهم بذلك وسط بين أهل التشبيه، وأهل التعطيل. وما لم يرد نفيه أو إثباته في الكتاب والسنة، توقفوا في إثباته ونفيه، ولم يثبتوا خشية أن يكون غير ثابت لله، ولم ينفوا خشية أن يكون ثابتاً لله تعالى، لأن ذلك راجع إلى القول على الله بغير علم، وهو مما لا يجوز في شرع الله تعالى.
وهنا يتحتم بيان ثلاثة أمور في غاية الأهمية في الإسلام:
الأمر الأول:
تعلق مسائل الإيمان عامة بثوابت غيبيه، سواء كانت من غيب الغيوب الخاص بأسماء الله وصفاته. أومن عالم الغيب الذي منه الغيب المطلق، أو ما يلحق به في غيبيته من عالم الشهادة.
الأمر الثاني:
مسائل الإيمان توقيفية، أي أن النصوص الشرعية هي التي أوقفتنا على تلك المسائل التي لا نعلم عنها شيئا قبل ورود النصوص الشرعية التي بينتها لنا وأوقفتنا عليها.
ولا يسع المسلم الحريص على دينه أن يتجاوز هذا الموقف الشرعي برأيه وعقله المحدود، وإنما يجب عليه الوقوف على ما أوقفه الشرع عليه من مسائل الإيمان التي يجب على الإنسان أن يتقبلها بقبول حسن على النحو الذي وردت به في النصوص الشرعية.(6/62)
ومن هنا يتبين أن المراد بالتوقيف أن الشارع أوقف العباد عليها بنصوص الوحي من الكتاب والسنة الصحيحة، والعباد يتوقفون على ذلك ولا يتجاوزونه بحال. أي توقيف من الله يترتب عليه توقف من العباد. وفعل التوقيف بناؤه للمطاوعة إذ تقول: وقفته إذا توقف. أما إذا لم يتوقف فلا تقول: وقفته ولكن تقول: استوقفته، أي طلبت منه أن يتوقف، واستفعل تدل على الطلب، وفعّل بتشديد عين الكلمة للمطاوعة، كما تقول: علمته فتعلم، وكسرته فتكسر، وقلبته فتقلب؛ تقول: وقفته فتوقف. والمطاوعة معناها؛ ظهور أثر الفعل في المفعول، فالله تعالى وقف عباده على ما ينبغي أن يتوقفوا عليه ولا يتجاوزوه، فتوقيفه العباد توقيف دلالة وإرشاد وتعليم، وليس توقيف جبر وقهر، لأن القضايا الإيمانية اختيارية وليست جبرية، فمن قبل توقيف الله تعالى ولم يتجاوز ما جاءت به النصوص الشرعية بتمثيل أو تأويل يؤدي إلى التعطيل فقد أفلح وفاز، ومن لم يتوقف بتوقيف الله تعالى، وتجاوز حدود النصوص الشرعية بعقله القاصر فقد تعدى حدود الله: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ((1) .(6/63)
ومن رأى أن يتجاوز حدود الإثبات الشرعي لأسماء الله وصفاته فشبه الله تعالى بخلقه في ذلك فقد ضل ضلالاً بعيداً، لأن ربنا تبارك وتعالى لا يشبهه أحد من خلقه في صفاته الذاتية والفعلية، فكما لا تشبه ذاته ذوات خلقه، لا تشبه صفاته صفات خلقه سبحانه. ومن رأى بعقله المحدود أن ما جاء في النصوص الشرعية من الأسماء والصفات ظاهر معانيها لا يليق بالله تعالى، فأتى بمعان زعم أنها هي المرادة من النصوص فقد استدرك على الله تعالى ورسوله، حيث اعتقد أن الظاهر من كلامه تعالى وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام لا يليق بالله تعالى، وأن الذي يراه ويؤول به النصوص هو الصواب، وذلك رجم بالغيب، وتزكية للنفس حيث رأى أن عباراته التي أتى بها لتفسير كلام الله تعالى وكلام رسوله أليق بالله تعالى وأوضح في تنزيهه عن مشابهة الخلق، وهذا منتهى الغرور أن يظن عبد بربه أنه خاطب عباده بما لا يفهم منه إلا ما لا يليق به، واتهام لرسوله المبلغ عنه البلاغ المبين أنه ما بين ما أنزل الله عليه لأمته، وأنه خاطب أمته بما لا يفهمون مراده منه، حتى نهض هؤلاء لبيان ما قصر عنه البيان في كتاب الله وسنة رسوله.الأمر الثالث: مسائل الإيمان غير قابلة للنسخ، فالقضايا الإيمانية هي التصديق بالأمور الواقعة، أو التي ستقع على سبيل القطع، على الوجه الذي وردت به النصوص الشرعية، وهي إخبار الله تعالى أو إخبار رسوله عن أمور واجبة التصديق والتسليم، فالأخبار لا تنسخ وإنما الأوامر والنواهي هي التي يدخلها النسخ، وأما الأخبار فنسخها يعني عدم صحتها، وذلك ما لا يجوز على أخبار الله تعالى، (ومن أصدق من الله حديثا ((1) (ومن أصدق من الله قيلا ((2) ، وكذلك لا يجوز على أخبار رسوله إلا الصدق لأنه: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ((3) ، فالله تعالى ما اصطفاه للرسالة إلا لعلمه أنه أصدق الناس وأحفظهم للأمانة التي حملها الله إياه. فمن فهم هذه الأمور الثلاثة(6/64)
فهماً صحيحاً، وعمل بمقتضاها، وعامل النصوص الشرعية على أساسها، فقد اهتدى، وأصاب كبد الحقيقة، ونجا من حيرة المتكلمين ومن سلك سبيلهم،، وكان على بصيرة ونور من ربه، وأما من زين له سوء عمله من التشبيه والتجسيم، أو التعطيل والتأويل فقد ظلم نفسه ولن يضر الله شيئاً.
المبحث السابع: التصورات الخاطئة لغيب الغيوب ونتائجها السيئة
إذا أخبر الإنسان بصفات إنسان لم يره قط، فلا بد أن توجد في ذهنه صورة لذلك الإنسان وتلك الصورة الذهنية هل تطابق الصورة الحقيقية لذلك الإنسان أو لا؟ وإذا أخبر عدد من الناس بمثل هذا الخبر، فإن كل واحد ممن سمعوا الخبر عن صفاته لديه صورة ذهنية عن ذلك الإنسان الموصوف، وهل يوجد تشابه بين تلك الصور الذهنية المتعددة أولا؟ وهل تطابق كل تلك الصور الذهنية، صورة ذلك الإنسان في الخارج؟ الجواب: أن ذلك غير حاصل، فالصورة الذهنية لشخص غير مشاهد، تخالف صورته في الخارج والواقع ولا تطابقه، فكيف إذا اختلفت التصورات وتعددت الصور الذهنية بتعدد المتصورين؟(6/65)
هذا في صفة إنسان يعتبر واحداً من أفراد جنسه، وجنسه ونوعه معروفان في الخارج، والصفات المشتركة بين أفراد الجنس الواحد كثيرة، ومع ذلك فقياس زيد الغائب على عمرو الشاهد من جميع الوجوه مع تجانسهما، فاسد إلا فيما كان من الخصائص الإنسانية العامة الشائعة في أفراد الجنس. فإذا كان هذا لا يصح في أفراد الجنس الواحد في بعض خصائصه، فكيف يصح قياس الغائب على الشاهد في موصوف ليس من جنس الخلق؟ وهو الله تبارك وتعالى؟ من هنا أتي كل من المشبِهة والمعطِلة. لقد أتي من هاهنا فريقان وهما فريق المشبهة الذين شبهوا صفات الله بصفات خلقه وفريق المعطلة الذي نفى أسماء الله تعالى وصفاته كالجهمية، أو نفى صفاته وأنكر أن تكون أسماؤه الكريمة دالة على صفاته كالمعتزلة، أو أثبت بعض صفاته إثباتاً مشوباً بالغموض والاضطراب، ونفى معظمها تحت ستار التأويل الذي يعتبر صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر لا دليل عليه من اللغة أو من النصوص الشرعية، وهم الأشاعرة والماتريدية.
قياس المشبهة:
إن المشبهة هم الذين غلوا في الأخذ بنصوص الصفات، وتجاوزوا ما دلت عليه النصوص الشرعية قياساً منهم للغيب على الشهادة، فذهبوا إلى أن صفاته تعالى الواردة في النصوص هي مماثلة لصفات خلقه، فجعلوا بذلك الشاهد أصلاً قاسوا عليه الغائب، وهو تصور خاطئ، وقياس فاسد، فقياس الغائب على الشاهد يصح فيما اتحد جنسه، واشترك في خصائصه كقياس الإنسان على الإنسان، في خصائص الإنسانية التي ثبت بالاستقراء أن الناس لا يختلفون فيها باختلاف الأزمان والأوطان.(6/66)
أما في حالة اختلاف الأجناس، فإن قياس الغائب على الشاهد لا يصح، فالملائكة جنس، والبشر جنس، وللملائكة كلام، وللبشر كلام، فإذا كان الشاهد في كلام الإنسان أن يكون بلسان وشفتين وغيرهما من الأدوات التي جعلها الله معينة على التكلم، فإنه لا يلزم من ذلك أن يكون كلام الملائكة مثل كلام البشر بأدوات مشابهة لأدوات الإنسان، وهكذا في كل مختلف الأجناس من خلق الله تعالى، لا يصح قياس بعضها على بعض، وإن تشابهت الألفاظ التي تطلق على هذه الأجناس في خصائص صفاتها، فللطير أجنحة، وللملائكة أجنحة، فهل يقول عاقل أن أجنحة الملائكة كأجنحة الطير قياساً للشاهد على الغائب؟ هذا مالا يقوله عاقل. فإذا كان قياس بعض ما اختلفت أجناسه على بعض من المخلوقات لا يصح، فكيف يصح قياس الخالق على خلقه، إن هذا إلا إفك مبين.
قياس المعطلة:(6/67)
إن المعطلة على اختلاف دركاتهم في التعطيل انطلقوا من منطلق واحد، وهو اعتبار أن الحقائق في الصفات هي التي في الشاهد، فاليد هي الجارحة، والعين هي الباصرة، والكلام لا يكون إلا بلسان وشفتين في الشاهد، والرحمة رقة تحدث في القلب في الشاهد، والغضب انفعال يحدث في النفس عند وجود موجبه، هذا هو الأصل في الشاهد. أما في حق الله تعالى، فقياسه على خلقه لا يصح، فلا بد إذن من البحث عن معنى آخر تتقبله عقولهم، فلتكن اليد هي القدرة أو النعمة، ولتكن الرحمة إرادة الثواب، والغضب إرادة العقاب، هكذا جعلوا كل المعاني التي دلت عليها اللغة عند إطلاقها أصلاً في الإنسان كما رأت ذلك المشبهة فشبهت، أما المعطلة فقد انطلقوا من نفس المنطلق، ولكنهم وجدوا أن التشبيه غير صحيح، فوجدوا النفي مركباً للهروب من التشبيه الذي توهموا أن إثبات صفات الله تعالى على نحو ما جاءت به النصوص الشرعية يؤدي إليه، هذا كله عند القائلين بالتأويل، وأما القائلون بالنفي الكلي أو الجزئي، فمنطلقهم أيضاً نفس منطلق المشبهة والمؤلة، غير أن كل فريق انطلق إلى اتجاه غير اتجاه الآخر، فالمشبهة إلى وحل التشبيه فسقطوا فيه، والمعطلة إلى التعطيل تحت غطاء التنزيه، فسقطوا في مستنقع التعطيل على تفاوت فيما بينهم في الغوص في أعماقه.
وسبب هذا السقوط في تلك الأوحال والمستنقعات عدم نظرهم إلى القضايا الغيبية نظرة ثاقبة على ضوء ما دلت عليه النصوص الشرعية، فالمشبهة نظروا إلى الغيب نظرهم إلى الشاهد، فشبهوا ولم يأخذوا بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ((1) ، بل نظروا فقط إلى نصوص الإثبات نظرة سطحية فتطرفوا، والمعطلة نظروا إلى الغيب أيضاً نظرهم إلى الشاهد فتشابه الأمر عليهم فنفوا ولم يأخذوا بنصوص الإثبات مع نصوص التنزيه فعطلوا باسم التنزيه.(6/68)
فهدى الله سلف هذه الأمة، ومن اقتدى بهم من الخلف، فأثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه الكريمة في كتابه العزيز، وما أثبته له رسوله (في سنته الصحيحة إثباتاً بلا تمثيل، ونفوا عنه ما نفاه عن نفسه الكريمة في كتابه الكريم مما لا يليق به، أو نفاه عنه رسوله (في سنته الثابتة نفياً لا يؤدي إلى التعطيل مهتدين بقول الله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (، (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ((1) ، ولما كانت فرقة المعطلة الكبرى: (المعتزلة والجهمية) لم يبق في ديار الإسلام منهما إلا ما اندرج تحت عباءة بعض الفرق الأخرى التي لا تحمل أسماء تلك الفرق، ولم يبق منها إلى الاسم والرسم بحمد الله تعالى، اضرب عنهم الذكر صفحاً، مكتفياً بما سبقت الإشارة إليه من أن الجهمية معطلة في الأسماء والصفات، والمعتزلة معطلة في الصفات، ولقد بادتا بشؤم الاعتقاد الفاسد الذي خالفتا به كتاب الله تعالى وسنة نبيه، وهكذا شؤم المعاصي على الأمم والجماعات، وهي سنة الله تعالى التي قد خلت في عباده.
ولقد بقيت في ديار الإسلام فرق التأويل وهي تزعم أنها على مذهب أهل السنة والجماعة، غير أن ذلك ادعاء تعارضه الأدلة، ويكذبه الواقع، فلننظر فيما يأتي إلى أمثلة من تأويلاتهم المضطربة لنصوص الصفات الواردة في الكتاب والسنة والتي لا يزال يتشبث بها فريق من العلماء ظناً منهم أن ذلك هو الحق وأن ما خالفه هو الباطل.
أمثلة من التأويلات الحائرة لنصوص الصفات(6/69)
إن صفات ربنا تبارك وتعالى من غيب الغيوب، وهي قسمان: صفات ذات، وهي التي يوصف الله تعالى بها على الدوام والاستمرار، ولا يجوز أن يوصف بضدها، كاليد، والوجه، والعين، والإصبع، والقدم، والساق، وصفات فعل، وهي التي تتعلق بإرادته تبارك وتعالى، يفعلها متى شاء وكيف شاء، وقد يفعلها ويفعل ضدها، ولا يطرد هذا في جميع الصفات الفعلية، وأمثلة الصفات الفعلية الخلق، والرَزق، والإحياء، والإماتة، والاستواء، والمجيء، والإتيان، والنزول، والرضا، والغضب، والكلام، فكل هذه الصفات ثابتة لربنا تبارك وتعالى، وهي صفات فعله الاختيارية يفعلها متى شاء، وكيف شاء على ما يليق بجلاله وعظمته.
إن مؤولي صفات الله تعالى ذهبوا بعقولهم القاصرة، وأفكارهم الحائرة إلى القول بأن كثيراً مما ورد في الكتاب والسنة من صفات الله تعالى الذاتية أو الفعلية تدل معانيها الظاهرة منها عند إطلاقها على ما لا يليق به تعالى، فمن أجل ذلك قالوا إن الواجب على المسلم إزاءها أحد أمرين:
الأمر الأول:
التأويل، وهو صرف المعنى الظاهر إلى معنى آخر لا يتحمله اللفظ ولا يدل عليه دليل لغة وشرعاً.
الأمر الثاني:
التفويض: أي إثبات لفظ مجرد عن المعنى وتفويض العلم بمعناه إلى الله تعالى، والتأويل هو القول المقدم عندهم، وفي هذا يقول صاحب جوهرة التوحيد:
وكل نص أوهم التشبيها
أوله أو فوض ورم تنزيها
هذا ما ذهب إليه الأشاعرة، فواكبهم الماتريدية في ذلك، قال السفاريني رحمه الله تعالى في الدرة المضيئة:
فكل من أول في الصفات
كذاته من غير ما إثبات
فقد تعدى واستطال واجترى
وخاض في بحر الضلال وافترى (1)
أ/ تأويلهم لصفات الذات:
أولاً: تأويلهم لصفة الوجه:(6/70)
وردت صفة الوجه في كتاب الله تعالى في أحد عشر موضعاً (1) وصف الله تعالى بها نفسه الكريمة. ومع ذلك يأبى المؤولون إلا صرف معاني هذه الآيات عن ظاهرها. فقد قالوا في صفة الوجه: "إن المراد بالوجه الذات" (2) ، "لأن الوجه وضع للجارحة، ولم يوضع لصفة أخرى بل لا يجوز وضعه لما لا يعقله المخاطب، فتعين المجاز " (3) .
ثانياً: تأويلهم لصفة اليد:
وردت صفة اليد في حق ربنا تبارك وتعالى في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة، فقد وردت في القران وحده في أحد عشر موضعا (4) أيضا. أما في السنة النبوية فما ورد من ذلك شيء كثير.
وحال المؤولين في هذه الصفة كحالهم في صفة الوجه، فإنهم قالوا في تأويل معنى هذه الصفة: "وباليد القدرة" (5) أي المراد بالوجه الذات والمراد باليد القدرة.
وقال الإيجي نقلا عن القاضي في بعض كتبه: "وقال الأكثر: إنهما مجاز عن القدرة فإنه شائع (وخلقته بيدي) أي بقدرة كاملة" (6) .
ثالثاً: تأويلهم لصفة اليمين:
وردت هذه الصفة في حق ربنا تبارك وتعالى في الكتاب والسنة. أما الكتاب فقد وردت في قوله تبارك وتعالى: (والسماوات مطويات بيمينه ((7) وقد قالوا في تأويل هذه الصفة وصرفها عن ظاهرها: "وإن المراد باليمين في قوله تعالى: (والسماوات مطويات بيمينه (: القوة" (8) .
رابعاً: تأويلهم لصفة العين:
وردت في حق ربنا تبارك وتعالى صفة العين في القرآن الكريم بصيغة الإفراد وصيغة الجمع، فمن ذلك قوله تعالى: (ولتصنع على عيني ((9) ، وقوله: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ((10) فقام أصحاب التأويل بصرف معناها عن ظاهرها حيث قالوا: المراد بالعين: "التربية والرعاية" (11) .(6/71)
قال السفاريني رحمه الله تعالى: "فإن المعطلين لم يفهموا من أسماء الله تعالى وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات فجمعوا بين التمثيل والتعطيل، فمثلوا أولاً وعطلوا آخراً فهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته تعالى بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، فعطلوا ما يستحقه سبحانه وتعالى من الأسماء والصفات اللائقة به عز وجل، بخلاف سلف الأمة، وأجلاَّء الأئمة، فإنهم يصفون الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به نبييه (من غير تحريف ولا تشبيه) تعالى لله عن ذلك، فإنه تعالى قال في محكم كتابه: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ((1) ، فرد على المشبهة بنفي المثلية ورد على المعطلة بقوله: (وهو السميع البصير (" (2) .
إن المؤولين قد قاسوا الغيب على الشهادة بعد أن جعلوا عالم الشهادة هو الأصل في كل التصورات والمعاني، فلما نظروا في النصوص الشرعية بهذه النظرة توهموا أن كل عبارة وردت في الكتاب والسنة في حق من ليس كمثله شيء من الصفات يوهم ظاهر معناها تشبيه الله تعالى بخلقه لأن الأصل عندهم دلالتها على صفات الخلق لا على صفات الخالق، فانطلقوا من قاعدة التشبيه إلى قاعدة التأويل والتعطيل، لأنهم لم يؤولوا حتى شبهوا، ثم فروا من تلك الأوهام التي تخيلوها، إلى الأوحال التي غاصوا فيها.(6/72)
ولو استحلف هؤلاء المؤولون لمعاني صفات الله تعالى آلله أعلمكم أنه ما أراد بتلك الكلمات إلا هذه المعاني التي ذكرتموها؟ لما أجاب أحد منهم بنعم، وإنما يقول: (إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين (، أفعلى مثل هذه الأوهام يبنون القضايا الإيمانية التي هي أساس دينهم الذي يرجون لقاء الله تعالى به؟ أوليسوا هم الذين يزعمون أن قضايا الاعتقاد لا يستدل عليها إلا بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وقطعي الثبوت عندهم ما جاء عن طريق التواتر؟ فكيف اعتمدوا على هذه الأوهام التي لم يكن لها أصل يعتمد عليه لا من اللغة ولا من النصوص الشرعية الصحيحة؟
ب/ تأويلهم لصفات الفعل:
أولاً: تأويلهم لصفة الاستواء:
الاستواء على العرش من صفات الله الفعلية التي وردت في القرآن الكريم في سبع آيات (1) ، فقد أول المتأولون معنى الاستواء بالاستيلاء (2) ، محتجين على هذا التأويل ببيت من الشعر جاء فيه:
قد استوى بِشرٌ (3) على العراق
من غير سيف ودم مُهراق(6/73)
فالشاعر إن ثبت أنه قال: استوى لا استولى كما يقول بعض العلماء، فإن قوله لا يكون حجة في تفسير كلام الله تعالى، ولكن الذي ذكره أهل العلم أن الرواية الصحيحة في بيت الشاعر قوله: استولى لا استوى، فالاستيلاء على قطر من الأقطار بقتال أو بغير قتال أمر يجري بين الناس ولا ينكره منكر لا من حيث الجواز ولا من حيث الوقوع، لأن استيلاء الملوك والأمراء والقواد على بلد أو إدخاله في الحوزة والسيطرة بعد أن كان خارجاً عنها جائز، وواقعٌ كثيراً في تاريخ الأمم والشعوب وهل يصح ويستقيم هذا في حق من له ملك السموات والأرض؟ هل كان العرش خارجاً عن ملكه وحكمه وسلطانه، ثم استولى عليه من يد غيره وسلطانه؟ هذا ما لا يقوله عاقل، وإن الوهم الذي فروا منه وهو أن إثبات علو الله على عرشه يلزم منه التحيز، قد أوقعهم في أمر قبيح، واعتقاد فاسد، فأصبحوا كمن فر من المطر ووقف تحت الميزاب، فإذا كان المشبه قد غلا في الإثبات وشبه الله بخلقه بتجاوز حدود الإثبات، فإنه أثبت أولاً ولكنه تجاوز الحد بعد الإثبات أي أنه زاد على الحق باطلاً، وأما المؤول فإنه لم يثبت إلا لفظاً لا معنى له، فأي الفريقين أقبح سبيلاً وأوهى دليلاً؟
ثانياً: تأويلهم لصفة المجيء والإتيان:
الإتيان والمجيء من صفات الفعل الثابتة لله تعالى وردا في كل من الكتاب والسنة أما الإتيان فقد جاء في موضعين من القرآن الكريم (1) وأما المجيء فقد جاء في موضع واحد (2) وأما السنة فقد جاء فيها إتيان الرب لفصل القضاء.(6/74)
ولكن محبي التأويل والتحويل لم يرق لهم القبول بما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة إذ أولوا الإتيان والمجيء بإتيان ومجيء أمره أو عذابه أو ملائكته. فكأن الرب خاطب الناس بألغاز، أو بعبارات لا يفهم منها المراد. وكأن الرسول لم يبين ما نزل إليه في الذكر فأتى هؤلاء المتكلمون المؤولون يستدركون على الله ورسوله، ولسان حالهم يقول؛ إن الذي قلته يا رب في كتابك عن نفسك أو قال عنك رسولك ظاهره لا يليق بك، لأنه يؤدي إلى التشبيه، لذا نرى أنك حينما قلت: (وجاء ربك ((1) أو قلت: (أو يأتي ربك ((2) أردت بذلك إتيان أمرك أو عذابك أو ملائكتك؟! أوليس هذا لسان حال المؤولين الذين لا يتورعون عن التصريح بأن ظاهر هذه النصوص يوهم التشبيه فيجب صرفها عنه بأمثال هذه الأوهام.
ثالثاً: تأويلهم صفة المحبة والرضا:
وردت النصوص الشرعية الكثيرة من الكتاب والسنة بإثبات صفتي المحبة والرضا لربنا تبارك وتعالى، وهو تبارك وتعالى يحب المحسنين، ويحب الصابرين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب المقسطين، ويحب المتقين، ويحب المتوكلين، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص.
كل هذا مما دلت عليه آيات الكتاب الحكيم في غير ما موضع، وكذلك صفة الرضا وردت في القرآن فيما يزيد عن عشرين موضعاً في كل تلك الآيات إثبات صفة المحبة والرضا لربنا الكريم على ما يليق به تبارك وتعالى، كما وردت نصوص أخرى في الكتاب والسنة صرحت أن الله لا يرضى ولا يحب ما لم يأمر به في دينه، وأنه لا يحب الظالمين والفاسقين والكافرين والمسرفين والمعتدين والمفسدين والمستكبرين والخائنين والفرحين، وأنه لا يحب كل كفار أثيم، ولا من كان مختالاً فخوراً، ولا من كان خواناً أثيماً، ولا كل خوان كفور، وأنه تعالى لا يرضى لعباده الكفر، ولا يرضى عن القوم الفاسقين.(6/75)
وهكذا تتابعت نصوص القرآن على هذه المعاني وتوالت نفياً أو إثباتاً لهاتين الصفتين وهما صفة المحبة وصفة الرضا أي بإثبات محبة الله لأهل طاعته، ونفي محبة الله لأهل الكفر والمعاصي. ولكن أهل التأويل لم يعجبهم إثباتهما لله تعالى على ما يليق به، فقالوا: إن ذلك في الشاهد رقة تحدث في القلب، ولا يليق ذلك بالله تعالى، فأولوهما بلازمهما، وهو إرادة الثواب، ولا شك أن الثواب يترتب على الرضا والمحبة، وليس الثواب هو المحبة والرضا لا لغة ولا شرعاً.
رابعاً: تأويلهم لصفة الغضب:
وردت صفة الغضب في القرآن الكريم في حق ربنا العظيم في نحو سبعة عشر موضعا من آياته. وهي من صفات فعله تعالى المتعلقة بمشيئته واختياره كسائر صفات الفعل التي وصف الله تعالى بها نفسه، أو وصفه بها رسوله (في سنته الصحيحة.
ومع وضوح الأدلة المثبتة لله تعالى صفة الغضب كما يليق به تعالى، أبى المؤولون إلا تأويلهم وتحويلهم وتبديلهم إذ قالوا إن إثبات صفة الغضب يؤدي إلى التشبيه لأن الغضب في الشاهد المألوف انفعال في النفس يحدث لحدوث موجبه، وهذا لا يليق بالله تعالى. فليصرف إذن معنى الغضب عن ظاهره إلى معنى آخر تتقبله عقول المؤولين الحائرة، وذلك المعنى هو إرادة العقاب وإرادة العقاب من لوازم الغضب وليس من معنى الغضب، وقد يغضب غاضب ولا يعاقب المغضوب عليه، كما قال الله تعالى في عباده: (وإذا ما غضبوا هم يغفرون ((1) ، فوصفهم بأنهم يغفرون لمن أغضبهم، فلم يكن الغضب هو العقاب أو إرادة العقاب كما زعموا.(6/76)
إن سلف هذه الأمة من الصحابة، ومن سار على نهجهم من التابعين وأتباع التابعين وأئمة المسلمين المتمسكين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله (يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله في سنته الصحيحة، وينفون ما نفى عن نفسه أو نفاه عنه رسوله فيما صح عنه، وهم في الإثبات متبعون لا مبتدعون ابتداع المشبهة التي شبهت الله بخلقه، وفي النفي ملتزمون بما ورد نفيه، ولا يتجاوزون تجاوز أهل التأويل والتعطيل، وهم بذلك ينزهون الملك الجليل مما وصفه به أهل التشبيه والتمثيل ويصفونه بما وصف به نفسه خلافاً لأهل التبديل والتأويل والتعطيل، ولله الحمد على التوفيق والتسديد، وأسأله الثبات على الحق والصواب، إنه هو المعين على كل أمر سديد، وعمل رشيد.
المبحث الثامن: حظه من الغيب المطلق ووسائله
لقد سبق بيان أن الغيب المطلق هو عالم الغيب وما يلحق به من عالم الشهادة. وهو ما لا سبيل إلى العلم به بالوسائل الخلقية الحسية أو الوسائل العلمية الصناعية.
وفي هذا المبحث بيان لحظ الإنسان من العلم بعالم الغيب وما يلحق به، ووسائله في حظه من العلم بذلك.(6/77)
إن عالم الغيب قد يكون منه ما هو قريب من الإنسان قربا مفرطا، كالروح والملائكة الحفظة وشاهدي حلق الذكر منهم، والكرام الكاتبين، وما يكون بعيدا عن الإنسان بعدا مفرطا كحملة العرش من الملائكة، وسكان السماوات السبع والجنة وما فيها، وما يكون متوسطا بينهما كالجن والشياطين الذين قد يكونون قريبين من الإنسان أو بعيدين عنه. وكل ذلك مما لا سبيل للإنسان إلى العلم به سواء كان في غاية القرب منه كالروح أو في غاية البعد عنه كحملة العرش، أي أن القريب والبعيد في عالم الغيب لا يختلفان في الغيبية لأن الغيبية في عالم الغيب لا تتعلق بالقرب أو البعد، وإنما تتعلق بخلق الله له غير مهيأ لوصول وسائل العلم البشري إليه. ولا يختلف عالم الغيب في غيبيته عن غيب الغيوب الذي يتعلق بأسماء الله تعالى وصفاته، حيث ساوى بينهما الغيبية المطلقة وإن كان غيب الغيوب ذروتها وقمتها لتعلقه بما لربنا تبارك وتعالى.
وعالم الغيب منه ما هو متحرك متنقل كالملائكة والجن والشياطين، ومنه ما هو ثابت وغير متنقل كالجنة وما فيها، والنار وما فيها، ومنه ما لا يعلم حاله. وأما المتنقل المتحرك فمنه ما لا يتنقل ولا يتحرك إلا بأمر الله تعالى وهم الملائكة الذين وصفهم الله تعالى بقوله: (ويفعلون ما يؤمرون (1) (2) وقوله: (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ((3) وقوله حكاية عنهم: (وما نتنزل إلا بأمر ربك ((4) .
ومن المتنقل المتحرك ما يتحرك بإرادته واختياره كالجن والشياطين الذين يجولون في الأرض، ويقومون بأعمال مختلفة مريدين مختارين، يستطيعون أن يحادثوا الإنسان ويواصلوه بطرق مختلفة. ويعرفون إلى الإنسان أنفسهم، ويظهرون له بمظاهر شتى من صور الإنس من رجال ونساء، أو صور الحيوانات المختلفة.(6/78)
أما الإنسان فهو لا يستطيع الظهور عليهم برغبته وإرادته واختياره، وهو لا يراهم إلا إذا أرادوا ذلك، أو تجردوا من الحجاب لأمر ما فوقع بصر الإنسان على من تجرد منهم من غير قصد. اللهم إلا إذا كان السحرة الذين يستعينون ببعض أقويائهم على إخضاع ضعافهم لرغباتهم وتسلطهم. ويدل على غيبيتهم وعدم قدرة الإنسان على مشاهدتهم قوله تعالى: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ((1) ،وقوله في الملائكة: (وأيده بجنود لم تروها ((2) وقوله تعالى: (وأنزل جنوداً لم تروها ((3) . وقوله: (فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها ((4) .
وما دام الأمر كذلك فإن الإنسان لا يتمكن من الانتقال من عالم الشهادة إلى عالم الغيب ويعلم ما فيه بالوسائل التي وهب الله تعالى له ليستخدمها في عالم الشهادة. فكما أن أجهزة التحكم عن بعد لا تتحكم في جميع الأجهزة الكهربائية إلا فيما صنعت له، فكذلك حواس الإنسان ووسائله لا تقوى على الظهور على عالم الغيب مهما كان قريبا.
أما حظ الإنسان من العلم بعالم الغيب فلم يكن يختلف عن حظه من العلم بغيب الغيوب. فالذي يعلمه الإنسان من عالم الغيب قليل من كثير مما خلق الله تعالى غيبا: (وما يعلم جنود ربك إلا هو ((5) . ونسبة عالم الشهادة لعالم الغيب، كنسبة الطفل الرضيع في حضن أمه إلى عالم الشهادة بأسره. فماذا يعلم ذلك الطفل الصغير من العالم المشهود الذي يعيش فيه؟ إنه لا يعلم غير أمه التي ترضعه وبعض أهل بيته علما غير متكامل، وما لا يعلم مما يحيط به في بيت أهله من أثاث وأدوات وأمتعة، يعتبر بالنسبة إليه عالما كبيرا واسعا. فكيف بما هو خارج بيت أهله من الكائنات التي لا يعلم عنها أي شيء؟!
إن حظ الإنسان من الاطلاع على عالم الغيب لوامع تلمع له من خلال عالم محيط به بعيد عن وسائل العلم التي خلقت له بعدا حسيا أو معنويا.(6/79)
أما وسائله إلى تلك اللوامع التي لمعت له من عالم الغيب من العلم فهي نصوص الوحي التي أنزلها الله تعالى على رسله صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سبيل إلى العلم بعالم الغيب إلا الوحي الرباني الذي بلغته الرسل إلى الأمم بلاغاً مبيناً، ووعته وحفظته من التبديل والتحريف، وتناقلته بالصدق والأمانة والضبط والدقة حتى تلقته الأجيال عن العدول الثقات جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن.
وإن هذا التلقي المتصف بهذه الصفات لم يتوفر إلا لهذه الأمة الخيرة التي اختارها الله تعالى لحمل أمانة التبليغ عن رسول الله الذي بلغ البلاغ المبين، وأشهد ربه على أنه قام بذلك خير قيام على الوجه الذي أمر الله تعالى به وقال قبل وفاته بقليل مرارا وتكرارا أي في حجة الوداع: (ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد) . وقد حث أمته على حفظ ما بلغهم وتبليغه إلى من بعدهم بدقة وضبط، ودعا لمن فعل ذلك قائلا: (نضر الله عبدا سمع مقالتي ووعاها فأداها كما سمعها) (1) .وقال: (بلغوا عني ولو آية) . فقامت أمته بما أمرت به خير قيام، إذ وعت نصوص الوحي وبلغت إلى من بعدها كما سمعتها، ولم تنافسها في ذلك أمة من الأمم، لا في اتصال السند وضبط النصوص، ولا في تحري الصدق والأمانة والحفظ. حتى غدت مكائد أعدائها من المشركين واليهود والنصارى والمنافقين الذين بذلوا جهوداً عظيمة في تحريف النصوص، ووضع الأحاديث في مهب الريح أمام جهود أئمة الإسلام الأمناء، فباءوا بالخيبة والخزي والعار، فبقيت بذلك المحجة بيضاء نقية ليلها كنهارها كما قال: (وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء) .(6/80)
ومع وضوح المحجة وقيام الحجة، فإن الذين فتنوا واغتروا بعقولهم القاصرة، لم يسعهم هذا المنهاج الواسع، والضياء اللامع، واستعاضوا عن الاستنارة بنور الوحي والسير في ضوئه ونهاره، بالوثب على الغيب بأنواعه وأقسامه، فاصطلموا بنيران الحجب وصواعق الشهب أيما اصطلام، كما تصطلم الهوام والفراشات باقتحام النيران المشتعلة في ليلة مظلمة، وهكذا كان كل من استعذب الخوض في لجج الغيب بلا هدى من نصوص الوحي، وحاول السباحة في الاتجاه العكسي للحق المبين، وجعل عقله القاصر وفكره الحائر حاكماً على نصوص الوحي الثابتة، فما وافق عقله ومزاجه العكر قبله، وما لم يجده موافقاً لهواه أوله وحوله، أو رفضه ورده بحجة مخالفته لعقله، أو طعنه في دلالته ونقله.
وسبب ذلك راجع إلى اعتبار عالم الشهادة أصلاً يقاس عليه ويلحق به ما كان من عالم الغيب، أو غيب الغيوب الخاص بربنا تبارك وتعالى، والأصل فيما لا تجانس بينها عدم التشابه، وعدم قياس بعضها على بعض ما دام التجانس غير متحقق كما سبق بيانه في المبحث السادس، ولبيان ما أدى إليه هذا التوجه من الأخطاء في تصور الغيبيات إليك أمثلة لما جنح إليه العقلانيون في دفع معاني النصوص الشرعية إلى ما تقره عقولهم وتتقبله أفكارهم غير مقيمين لدلالة النصوص وزناً، وقد غفلوا عن حقيقة ثابتة هي أن النصوص الشرعية وحي من الله تعالى، ووحي الله تعالى هو حبله الذي يعصم من اعتصم به، وأن ما أخبرت به النصوص الثابتة عن المعصوم يؤخذ به على الوجه الذي وردت به تلك النصوص، لا يزاد عليها ولا ينقص منها إلا بدليل شرعي، وأن الاجتهاد في تصور الغيبيات وإدراك حقيقتها مما لم يأمر الله تعالى به ولا رسوله، فمن أقدم على ذلك فقد ضل ضلالاً بعيداً.
وأما أهل العلم بالكتاب والسنة الراسخون فيه فهم كما وصفهم الله تعالى:(6/81)
(يقولون آمنا به كل من عند ربنا ((1) ، وأما الغائصون في أوحال علم الكلام، وما لليونان من الجهل والهذيان، فقد أبوا إلا أن يكونوا أتباع أرسطو وأفلاطون، وظلوا في حيرتهم يعمهون، معرضين بذلك عما جاء به رسول الهدى من كتاب يهدي للتي هي أقوم وسنة من اعتصم بها ضمن الصلاح والهداية في الدنيا، والسلامة والفوز في الدار الآخرة اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وثبتنا عليه حتى نلقاك وأنت راض عنا، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا كراهيته واجتنابه، إنك رحيم ودود.
أمثلة للغيبيات المصروفة نصوصها عن دلالتها:
المثال الأول: نطق الجمادات وطاعاتها لله رب العالمين:
وردت نصوص من الكتاب والسنة دلت بعبارات صريحة بينة أن الجمادات تسبح الله تعالى وتطيعه وتسجد له، قال تعالى:
(إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ((2) ، وقال:
(تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ((3) .(6/82)
لقد زعموا أن ما نسب في هذين النصين وغيرهما من نصوص الكتاب والسنة إلى الجمادات من أقوال وأعمال إنما هو مجاز لا حقيقة، أي إنه لسان حال لا مقال، وأنها تطيع الله طاعة قهر وتسخير لا طاعة فكر وتخيير، وأما تسبيحها فمعناه أن من شاهدها سبح الله تعالى، لا أنها هي التي تسبح الله تعالى. والآيتان المذكورتان فيهما ما يرد هذا التأويل الفاسد، فآية سورة الأحزاب صريحة في أن الأمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال، وعرض الشيء لا بد أن يكون على ما له إدراك، وإلا فيكون ذلك عبثاً، فالله تعالى منزه عن العبث، ثم إباؤها وإشفاقها من الأمانة دليل على الإدراك، وهذا المعنى تؤكده آية سورة فصلت التي قال الله تعالى فيها: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ((1) ، فبين فيها أنه خير السماوات والأرض بين أن يأتيا طوعاً لأمر الله على سبيل الطاعة والاختيار، وبين أن يأتيا على سبيل القهر والتسخير، فاختارتا الإتيان الطوعي على الإتيان القهري، وذلك دليل واضح على الإدراك والاختيار. وأما آية سورة الإسراء فقد بينت أن جميع الخلق يسبحون بحمد ربهم تبارك وتعالى، ثم صرحت للإنس أنهم لا يفقهون كيف تسبح كل الكائنات ربها، ولكن أبى المفتونون بالتأويل والتحويل إلا أن يقولوا: إن تسبيحها غير معقول، وإدراكها غير مقبول، وأن الإنسان هو الكائن العاقل المدرك المتميز بعقله وإدراكه، وأن الجمادات لا تسبح الله إلا بلسان حالها لأنها لا تعقل، فكأنه يقول لربه الذي خلقه وقال له: (ولكن لا تفقهون تسبيحهم (بل نفقه تسبيحهم، وأنه يتم بلسان الحال، لا بلسان المقال.
المثال الثاني: وزن أعمال العباد يوم القيامة:(6/83)
زعموا أنها لا توزن، لأنها أعراض وليست أجساماً. ووزنها مجازات العاملين على أعمالهم كل بحسب عمله. فإذا كان العليم الخبير قد أخبر بذلك فما على المؤمن إلا أن يصدق ويؤمن ويسلم تسليماً، وأما أن يقول: كيف توزن الأعمال؟ فذلك مما لا سبيل لعقله القاصر على إدراكه، ولو سئل هذا المفتون: كيف توزن قوة التيار الكهربائي وضعفه وتعاير على ذلك الأجهزة الكهربائية مع أن التيار عرض من الأعراض، لما وجد جواباً إلا الإذعان.
وبعد… فهذا بعض ما ذهب إليه أهل التأويل والرد والتحويل، من الفرق المبتدعة التي اغترت بعقلها القاصر، حيث جعلته حكماً على نصوص الشرع، مع أن العقل السليم يشهد لنصوص الشرع ويخضع لسلطانها، وذلك معيار سلامته وصحته.
المبحث التاسع: وسائل العلم بعالم الشهادة
إن الله تعالى جعل للإنسان وسائل العلم بعالم الشهادة الذي يعيش فيه، بها يتعرف عليه، ويتعامل معه، ويستفيد مما يفيد، ويحذر مما يضر.
وتنحصر تلك الوسائل في الأمور التالية:
1- السمع. ... 2- البصر. ... 3- اللمس. ...
4- الذوق. ... 5- الشم. ... 6- الحس.
ويلحق بهذه الوسائل الخلقية الوسائل المستحدثة التي صنعها الإنسان للوصول إلى ما خفي عليه بتلك الوسائل.
أما السمع: فيتعلق بالمسموعات، وهي الأصوات.
وأما البصر: فيتعلق بالمبصرات من الذوات، والكتابة والرسوم والإشارات والرموز.
وأما اللمس: فيتعلق بالأجسام الملموسة، فيدرك به النعومة والخشونة، والرطوبة واليبوسة والحرارة والبرودة، والصلابة والهشاشة، والحدة، وغيرها مما لا يمكن إدراكه إلا باللمس.
وأما الذوق: فيعلم به طعم الأشياء من حلاوة ومرارة، وملوحة وحموضة، وحراقة وغيرها.
وأما الشم: فتعلم به روائح الأشياء.
وأما الحس: فتدرك به أمور لا تندرج تحت الوسائل التي سبق ذكرها، كالثقل والخفة.(6/84)
وقد جعل الله تعالى لهذه الوسائل قدرة محدودة، ومدى لا تتجاوزه، ولكنها تتفاوت قوة وضعفاً تفاوتاً يسيراً، فمن الناس من أوتي قوة السمع أكثر من غيره، ومنهم من أوتي حدة الإبصار أكثر من غيره، وكذلك في سائر الحواس والوسائل التي يدرك بها عالم الشهادة، يوجد شيء من التفاوت غير أن الغالب من الناس تكاد هذه الوسائل تتفق في مداها، إلا ما كان منها متعرضاً لمانع طارئ.
ويكون ما تجاوز المدى المألوف من هذه الوسائل نادراً جديراً بالإشارة والتنبيه إليه.
أما ما خرج من وصول الإنسان إليه بهذه الوسائل لكونه خارجاً عن مداها، فهو مما يعتبر غيبا، ولكنه غيب بالنسبة لمن كان خارجا عن حدوده ومداه، أما بالنسبة لمن كان قادرا على الوصول إليه بها فليس بغيب، ويسمى هذا بالغيب النسبي لأجل ذلك كما سبق بيانه.
وهذا كله إن كان مما هو قائم في الزمن الحاضر، إذ لا تعلق لتلك الوسائل إلا بما هو موجود قائم في زمنها، فمن أجل ذلك سمي بغيب الزمان الحاضر.
ويضاف إلى تلك الوسائل التي خلقها الله في الإنسان ليعلم بها ما يوجد معه في عالم الشهادة؛ الوسائل الحديثة التي صنعها الإنسان، والتي مكنته من الإطلاع على ما لا تصل إليه الوسائل الخلقية، فرأى بها البعيد وكبر بها الأجرام الصغيرة التي لا تراها العيون واخترق بها الحواجز والستائر والحجب، وسمع بها من الأصوات ما لا يمكن أن يسمع بالأذن المجردة عن الوسائل الحديثة لبعدها وخروجها عن مدى السماع، أو لضعفها وخفوتها بحيث لا تقوى الآذان على سماعها، وكذلك الوسائل الحديثة الأخرى التي أرسلها الإنسان إلى الأماكن البعيدة، فلمست أجهزته ما لا يمكن أن تلمس يده من الأجسام، وتعرف بها الإنسان على الطعوم والروائح التي لا يستطيع معرفتها بحاستي الذوق والشم اللتين لا يدركهما الإنسان بالوسائل الخلقية.(6/85)
والذي يملك هذه الوسائل الصناعية ويطلع بها على ما خفي على غيره لا تعد الأمور التي اطلع عليها غيبا بالنسبة له لظهوره واطلاعه عليها.
أمثلة الوسائل الحديثة:
أ- الوسائل الصناعية لسماع ما لا يسمع بالأذن وحدها:
السمع أهم وسائل العلم التي خلقها الله في الإنسان، فلذلك نجده متقدما في الذكر على الوسائل الأخرى في كتاب الله تعالى، حيث ورد فيه تقديم السمع على البصر في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً ((1) وقوله تعالى: (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ((2) .
ومما يؤكد أفضليته على سائر الحواس، أن من ولد أصم عاش أبكم، ولا يستطيع أن ينطق ويتكلم، ومن ولد أعمى فليس كذلك، فكم من العلماء ولدوا عميانا، ولكن الله تعالى منّ عليهم ببصائر العلم فكانوا مصابيح الدجى بما أوتوا من العلم الذي به يهتدى.
أما وسائل تقوية مداه، فهي الأجهزة المكبرة للأصوات الخافتة كدقات القلب وحركة الأمعاء، أو دقات قلب الجنين وحركاته، أو التي يتنصت بها على الأصوات البعيدة أو يخترق بها الحواجز التي تحول عادة بين الإنسان ووصول ما خلفها أو داخلها من الأصوات إليه، وذلك كالمذياع والتلفاز والهاتف التي يستمع الإنسان بواسطتها إلى الأصوات البعيدة الخارجة عن مدى السمع وكأجهزة التصنت إلى أصوات الأحياء تحت المنازل أو المناجم المتهدمة أو تحت المياه. وقد يعود الظهور على الصوت الخافت بتكبيره بحيث يسمع من بعيد بالأذن المجردة أي أن السامع في هذه الحالة لم يستخدم شيئا من وسائل الاستماع، وإنما الصوت هو الذي قوي حتى أمكن سماعه من مسافة بعيدة، وذلك كالأصوات المسموعة بواسطة مكبرات الصوت.
وكل ذلك راجع إلى استخدام الوسائل الصناعية سواء في ذلك السماع بواسطتها أو الإسماع بها.
ب- الوسائل الصناعية لرؤية ما لا يرى بالعين وحدها:(6/86)
إذا كانت نعمة السمع أعظم نعم الحواس التي من الله بها على الإنسان، فإن نعمة البصر تليها في العظمة -وإن كانت كل نعم الله عظيمة وجليلة- فالبصر به ترى الذوات ويميز به بين شخص وشخص ويفرق به بين الألوان، ويتعلم به الكتابة والقراءة، وتتعلق به حركة الحياة برمتها.
ولكن الله تعالى جعل للإبصار مدى لا تتعداه العيون، وجعل للذوات المبصرة أحجاماً لا ترى العيون ما هو أدق منها وأصغر، كما لا ترى الأبصار من الأنوار إلا بعض الألوان منها.
ولما كان الإنسان مولعاً بحب الاطلاع على ما خفي عنه من الأمور استحدث من الوسائل ما يمكنه من الاطلاع والظهور على أمور لا يصل إليها ببصره، إما لبعدها المفرط عنه، وإما لصغر حجمها ودقتها، وإما لاحتجابها بحاجز مانع عن الرؤية، وهذا كله ما كان من عالم الشهادة.
فمن تلك الوسائل: المناظير، والأجهزة المكبرة للأجرام الصغيرة، أو المقربة للبعيدة مع التكبير، أو الأجهزة المخترقة للحواجز المانعة من الرؤية والسمع، والأجهزة المميزة بين الأنوار على اختلافها.
ولقد تمكن الإنسان في بعض مجتمعاته من مشاهدة النجوم والكواكب والشموس والأقمار والمجرات بواسطة مخترعاته التي استعان بها على رؤيتها كما شاهد الأشياء الخفية المحتجبة بحجب تمنع الأعين من رؤيتها كمشاهدة الجنين، ومعرفة وضعه وجنسه، واكتشاف أمراض خفية في جسم الإنسان، وكذلك رأى بها الأشياء الدقيقة التي ما كانت العين تراها لولا استخدام الإنسان للوسائل الحديثة.
فمن اطلع وظهر على هذه الأشياء باستخدام هذه الأجهزة، فإن ما اطلع عليه منها لا يعتبر بالنسبة إليه غيباً، وإنما يعتبر غيباً بالنسبة إلى من لم يستخدم تلك الأدوات، فمثلهما في ذلك كمثل رجلين كانا في حجرة واحدة، فتح أحدهما نافذة الحجرة فرأى ما في الخارج من إنسان وسيارات، فلم يفعل الآخر ذلك، ولو أخبر الأول من في الحجرة بما شاهد لما قيل له إنه اطلع على الغيب أو علم به.(6/87)
ولو أخبر الثاني بما يجري خارج الحجرة، لقيل فيه إنه يتكلم عن الغيب، فالغيب هنا قد يكون قريباً جداً وقد يكون بعيداً جداً، وقد يكون قريباً قرباً يصل إليه مدى الإبصار لولا الحاجز المانع، فمن هذا معرفة نوع الجنين من قبل من استخدم الآلة الحديثة والتحاليل الدقيقة للسائل الأمينوسي لمعرفة الجنس (1) ، ومن هذا القبيل معرفة الألوان المختلفة للمبصر فإنها بالنسبة له من الأمور البدهية، ولكنها بالنسبة لمن ولد أعمى غيب نسبي، ولو أخبر المبصر عن الألوان التي يراها لكان ذلك خبراً عن المشاهدة، أما لو أخبر ذلك الضرير الذي لم يسبق أن رأى الألوان منذ ولادته لو أخبر عن الألوان، لكان ذلك إخباراً عن الغيب، فالغيبية في هذه الصور المختلفة وما شابهها لم تكن من صفات تلك الأشياء اللازمة لها، وإنما هي حالات طارئة على تلك الأشياء حتى حالت تلك الحالة بينها وبين مشاهدة من أراد رؤيتها بالعين، أو حالة طارئة على الإنسان منعته من رؤيتها.
قال صاحب تفسير المنار: "والغيب قسمان: غيب حقيقي مطلق، وهو ما غاب علمه عن جميع الخلق حتى الملائكة، وفيه يقول الله عز وجل: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ((2) ، وغيب إضافي: وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض، كالذي يعلمه الملائكة من أمر عالمهم وغيره ولا يعلمه البشر مثلاً، وأما ما يعلمه بعض البشر بتمكينهم من أسبابه، واستعمالهم لها، ولا يعلمه غيرهم لجهلهم بتلك الأسباب، أو عجزهم عن استعمالها، فلا يدخل في عموم معنى الغيب الوارد في كتاب الله، وهذه الأسباب منها ما هو علمي كالدلائل العقلية والعلمية، فإن بعض علماء الرياضيات وغيرها يستخرجون من دقائق المجهولات ما يعجز عنه أكثر الناس، ويضبطون ما يقع من الكسوف والخسوف بالدقائق والثواني قبل وقوعه بالألوف من(6/88)
الأعوام (1) . ومنها ما هو عملي كالتلغراف الهوائي أو اللاسلكي الذي يعلم به المرء بعض ما يقع في أقاصي البلاد، وأجواز البحار التي بينه وبينها ألوف من الأميال، ومنها ما قد يصل إلى حد العلم من الادراكات النفسية الخطية كالفراسة والإلهام، وأكثر هذا النوع من الانكشاف لوائح تلوح للنفس لا يجزم بها إلا بعد وقوعها.
فما يصل منها إلى حد العلم الذي يجزم به صاحبه لاستكمال شروطه، يشبه ما ينفرد بإدراكه بعض الممتازين بقوة الحاسة كزرقاء اليمامة التي ترى على بعد عظيم ما لا يراه غيرها، أو بقوة بعض المدارك العقلية كالعلماء الذين أشرنا إليهم آنفاً " (2)
المبحث العاشر: غيب الزمن الماضي وأدلة غيبيته
إن غيب الزمن الماضي كل ما حدث وانقضى في زمن غير زمنك من عالم الشهادة وهو ما كان بعد نشأة الإنسان وسكنه الأرض، أما ما كان قبل نشأة الإنسان فهو ليس غيبا نسبياً، لأنه لا يوجد أحد من الناس في الأرض ذلك الزمان حتى يقال؛ إنه بالنسبة لهم شهادة وبالنسبة لسواهم غيب، وعليه فإن ما كان قبل نشأة الإنسان في الأرض من الغيب المطلق، أي ملحق به في عدم العلم به بالوسائل العلمية خلقية كانت أم صناعية صنعها الإنسان.
أمثلة غيب الزمن الماضي وأدلة غيبيته:
أول ما يمكن أن يمثل به من حدث مضى على غيب الزمن قصة ابنيّ آدم التي حكى الله تعالى علينا في كتابه الكريم بقوله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم:
(واتل عليهم نبأ ابنيّ آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (لإن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (فبعث الله غرابا يبحث(6/89)
في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواريَ سوءة أخي فأصبح من النادمين ((1) .
هذه هي القصة الأولى التي أخبرنا الله تعالى بها عن طريق وحيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لها مصدر آخر من أخبار البشر، فهي شهادة بالنسبة لابني آدم ومن كان ثم من إخوانهما والأبوين الكريمين، وغيب بالنسبة لمن جاء بعد ذلك من ذرية آدم عليه السلام.
وثاني الأمثلة على حدث قد مضى قصة نبي الله ورسوله نوح مع قومه إذ أرسله الله تعالى إليهم بعد كفرهم به بعبادة غيره من الآلهة التي ذكر الله أسماءها في سورة نوح، واستمرار نوح على دعوتهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ودعائه عليهم في نهاية الأمر، وإهلاك الله تعالى لهم بالطوفان، كل هذا مما قص الله علينا في كتابه الكريم وسماه غيبا حيث قال: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ((2) .
هذه قصة نوح عليه السلام مع قومه، فقد سمى الله تعالى تلك الأحداث الماضية التي لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقومه يعلمونها قبل وحي الله تعالى إليه غيبا حيث قال: (تلك من أنباء الغيب (،فدل هذا على أن أحداث الزمن الماضي من عالم الشهادة تسمى غيبا أي غيباً نسبيا.
وثالث قصة سماها الله غيبا هي قصة يوسف واخوته التي قصها الله تعالى علينا في كتابه الكريم وسماها من أنباء الغيب التي أوحاها إلى رسوله حيث قال: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ اجمعوا أمرهم وهم يمكرون ((3) .
هكذا سماها غيبا وبين سبب الغيبية، وهو أنه ما كان لديهم أي ما كان في زمانهم ومكانهم، ولو كان في مكانهم وزمانهم لكان ذلك مشاهدة لا غيبا.(6/90)
ورابع مثال على تسميته تعالى أحداث الزمان الماضي غيبا قصة آل عمران حيث قال تعالى بعد ذكره خبر امرأة عمران، ونذرها لله بما في بطنها، وولادتها لمريم، وكفالة نبي الله زكريا (لها، ونشأتها نشأة صالحة في طاعة ربها، وما كان من دعاء زكريا ربه أن يهب له ذرية طيبة، وبشارة الملائكة له بيحيى ومخاطبة الملائكة لمريم بأمر الله تعالى واصطفائه إياها على نساء العالمين؛ بعد ذكر ذلك كله قال عز وجل: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ((1) .
وبعد أن سمى الله تعالى ذلك غيبا بين سبب غيبية ذلك بقوله: (وما كنت لديهم (أي أن عدم وجودك في ذلك الزمان والمكان جعل ذلك غيبا عنك.
وهكذا بين الله تعالى لنا أن هذا القسم مما مضى به الزمان وانقضى من عالم الشهادة غيب بسبب أن المخبر به لم يكن في ذلك الزمان والمكان أي أنه غيب نسبي.
وهذا الغيب مع أنه من عالم الشهادة فإن العلم به على سبيل الإحاطة ليس إلا لربنا تبارك وتعالى، فإذا علمنا بشيء منه عن طريق الوحي الرباني، أو النقل الصحيح لم يكن علمنا به علما شاملا محيطا، بل هو علم جزئي يعتبر قطرة من بحر علمه تعالى يعلم ببعضه من يشاء من عباده المصطفين ويطلعهم عليه بقدر ما تقتضي حكمته تعالى وهو الحكيم العليم.(6/91)
ألا ترى أنك حينما تنظر إلى شيء تراه أمامك لا تراه إلا من جانب واحد، حسب الجهة التي تليك منه، وأما ما لا يواجهك من جوانبه الأخرى فأنت لا تحيط به، وزد على هذا أنك تعلم الظواهر ولا تعلم البواطن والخفايا، ولهذا وصف الله الكافرين بعدم العلم، ثم وصفهم بأنهم يعلمون بظواهر الأمور في هذه الحياة، قال تعالى: (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ((1) .
وهذا ما يسمى بانفكاك الجهتين أي أن العلم المنفي غير العلم المثبت.
المبحث الحادي عشر: وسائل العلم به
إن لغيب الزمن الماضي وسائل تمكن الإنسان من العلم به، وقد تنوعت تلك الوسائل قديماً، وتعددت حديثاً، ولم يزل الناس يسعون للعلم بأخبار الغابرين من الأمم بوسائل شتى، وإليك بيان تلك الوسائل حسب أهميتها وأقدميتها التاريخية:
الوسيلة الأولى: وحي الله تعالى إلى أنبيائه ورسله:
لأن أخبار الله تعالى أصدق الأخبار، وأنبياؤه ورسله أعدل من حمل أخبار الله ونقلها إلى الناس، وورثتهم من العلماء العاملين أحرص الناس على نشر ما بلغتهم الأنبياء والرسل من أخبار الله على الوجه الذي حملوه، وهذه الوسيلة أعظم الوسائل الصحيحة وأقدمها وجوداً مع الإنسان في تاريخه الطويل.
الوسيلة الثانية: الأخبار الصحيحة:
إن الأخبار المنقولة نقلاً صحيحاً من الوسائل التي استفاد الإنسان منها العلم بأخبار من مضى من الأمم، وقد سلك الناس في ذلك ثلاثة مسالك:
المسلك الأول/ الكتابة:
وهذا المسلك أكثر انتشاراً وازدهاراً في المجتمعات البشرية، حيث ألفت فيه كتب وبيضت فيه صحف، تناقلوا فيها الأخبار الماضية من تواريخ الملوك والأمم والأنبياء والرسل والقبائل والدول، والحروب والحوادث والفتن مما امتلأت به صفحات التاريخ، غير أن المفيد للعلم منها ما كان صحيح النقل ولم يكن مبنياً على استنتاج أو استنباط أو تحامل.(6/92)
المسلك الثاني/ الكتابة مع الرسوم:
ومن المسالك التي استفاد منها الإنسان في تاريخه الطويل الكتابة مع الرسوم والصور الإيضاحية لبعض الحوادث، حيث كانت بعض الدول تسجل الحوادث المهمة من حياتها بالكتابة والصور، وقد سلك هذا المسلك الآشوريون والبابليون والمصريون القدامى، فجعلوا بذلك تاريخهم الماضي تنتقل أخباره إلى من بعدهم كتابة وتصويراً، وهذا المسلك –وإن كان استخدامه أقل من الأول- فإن أثره في نفس القارئ أقوى لاشتراك الكتابة والتصوير في نقله.
المسلك الثالث/ النقل الشفهي:
هذه الوسيلة أيضاً من الوسائل التي أفادت الإنسان في علم ما لم يعلم من أخبار من سبق حيث تناقلت أجياله المتعاقبة أخبار الغابرين تناقلاً جعل من لم يكن في ذلك الزمان والمكان على علم بما كان قبله من الأحداث، ولعل هذا المسلك هو المسلك الثاني في التاريخ البشري، لأن الكتابة والرسم لم يواكبا الحياة البشرية منذ النشأة الأولى، ولكنها مما طرأ على الحياة الإنسانية بعد أن لم تكن، والله تعالى أعلم.
والمسلمون تميزوا على غيرهم من الأمم في حفظ الأخبار وضبطها بدقة متناهية، وهي أمة إذا روت ضبطت، وإذا أخبرت صدقت، وإذا قالت عدلت، وإذا خاصمت غلبت، وإذا جادلت دحضت، وما سبب ذلك إلا لما في أخبارهم من دقة وضبط وصدق وعدل.
الوسيلة الثالثة: الوسائل الحديثة:(6/93)
زاد الله عز وجل في خلقه ما شاء في هذا العصر الذي نحن فيه، حيث قويت فيه الوسائل القائمة من كتابة وتصوير، وتطورت تطوراً عظيماً، فالكتابة التي كانت تزاول باليد منذ آلاف السنين أصبح لها وسائل متعددة، كالمطابع الضخمة، والآلات الكاتبة المختلفة، وطابعات الكمبيوتر الدقيقة، فغدت الكتابة أسرع، ووسائلها أكثر، وعلمها أدق، كما أصبحت الرسوم والصور في هذا العصر صوراً للحقائق القائمة، والأحداث الجارية، إذا التقطت بالآلات الحديثة، وليست تمثيلاً وتشبيهاً كما كانت في الأزمنة الماضية، وإنما هي صور مطابقة للوقائع والأحداث كما وقعت وحدثت.
ولقد حدثت في هذا العصر وسائل قوية لنقل الأخبار الماضية نقلاً صحيحاً دقيقاً، فمن تلك الوسائل:
1 - التصوير التلفزيوني أو الفيديوي: المتميز بنقل الصور والأصوات والحركات على ما هي عليه، وهذه الوسيلة تعتبر أقوى الوسائل وأجلاها، وأشدها إفادة للعلم، لأن الصور المتحركة فيها صور حقيقية لأشياء حقيقية، وأصوات حقيقية، وحركات حقيقية.
لقد مكنت هذه الوسيلة الإنسان من سماع الأصوات الحقيقية ورؤية الصور الحقيقية لأناس قد مضوا، وحوادث قد جرت منذ عشرات السنين، كأحداث الحرب العالمية الثانية وغيرها من الحروب، فعلم بذلك الإنسان ما قد مضى علماً أقوى مما كان يعلم به من الأحداث عن طريق الوسائل القديمة، فرأى وسمع بها ما رأى وسمع من حضر وشهد.
2 - التسجيل الصوتي: الذي تمكن الإنسان به من سماع الأصوات التي حدثت منذ عشرات السنين وقد يتمكن من الاستماع إليها بعد مئات السنين أو آلاف السنين، والله أعلم.
ولقد كان الناس يتناقلون الكلام كتابياً أو شفهياً أن فلاناً قال كذا وكذا، وأما الآن فإنهم يسجلون صوت القائل بأنفاسه حتى استمع إليه من غاب كما استمع إليه من حضر، وشهد تلك الأحداث.
لقد حفظت الآلات الحديثة الأصوات ونقلتها إلى الأجيال المتعاقبة، وذلك فتح جديد في مجال العلم في عصرنا.(6/94)
3- التصوير الفوتوغرافي المقترن بالكتابة: إذا كانت الرسوم والصور القديمة تمثيلاً وتشبيهاً للحقائق على وجه التقريب على تفاوت بين المصورين والرسامين في الاقتراب من الحقيقة أو الابتعاد عنها، فإن التصوير الفوتوغرافي هو التقاط للصورة الحقيقية وليس تمثيلاً وتكلفاً، ولذلك تكون إفادة الصورة الفوتوغرافية للعلم إفادة تامة، وخاصة إذا اقترنت مع الكتابة التي تشرح موضوع الصورة، ويلاحظ هنا أن إطلاق اسم المصور على من يلتقط الصور بالآلة غير صحيح، وإنما هو ملتقط للصور الموجودة عن طريق الآلة، ولو أن أنساناً نظر إلى صورته في المرآة واستطاع إبقاءها فيها لما صح أن يقال له مصور، لأن المصور هو الذي يتكلف التصوير بالرسم أو النحت أو النقش أو العجن أو القص، وعلى هذا فإن المصور هو الذي يحدث الصورة لا الذي يلتقط الصورة الموجودة، فليتأمل.
4 - التصوير الإشعاعي أو التلفزيوني: المستخدم لتشخيص الأمراض في المستشفيات والمراكز الطبية.
5 - التحاليل الدقيقة في المختبرات الطبية والعلمية: التي تعرف بها الأمراض الخفية أو العناصر والجزيئات الدقيقة.
المبحث الثاني عشر: غيب الزمن الحاضر وسبب غيبيته
إن غيب الزمن الحاضر من أقسام الغيب النسبي الذي هو من عالم الشهادة كما سبق ذكره، وهو الغيب المعاصر للإنسان من عالم الشهادة، وسبب غيبيته راجع إما إلى ما حال بينه وبين الإنسان من حواجز وسواتر مع قربه، وإما راجع إلى بعده عن الإنسان، وإما راجع إلى صغر حجمه صغراً يمنع من رؤيته، أو ضعف صوته وخفوته خفوتاً يمنع من سماعه، أو راجع إلى ما قد يعتري الإنسان من عوارض تطرأ عليه كالصمم والعمى وفقدان الإحساس.
وفيما يأتي بيان تفصيلي لتلك الأسباب التي من أجلها تعتبر من الغيب النسبي ما كان معاصراً للإنسان من الأمور:
السبب الأول/ البعد المكاني:(6/95)
أي ما كان البعد المكاني مانعاً من الوصول إلى العلم به، ولولا بعد المكان لأمكن رؤية ما يرى وسمع ما يسمع، وشم ما يشم، ولمس ما يلمس وذوق ما يطعم.
أما أمثلته فالبعيد عن الرؤية والإبصار ما كان خارج مدى النظر في العادة، وما كان كذلك فرؤيته تكون بالآلات المقربة للبعيد كالمناظير المقربة بمختلف أنواعها ودرجاتها، فقد تمكن الإنسان من مشاهدة ما خرج عن مدى الرؤية بالعين المجردة إلى الأجرام البعيدة بعداً كبيراً كالنجوم والكواكب والأقمار والمجرات، وفي الأصوات البعيدة عن السماع استخدم الأجهزة المقوية لسمعه، أو المكبرة للأصوات الخافتة، أو البعيدة، حتى استطاع الاستماع إليها، وهكذا في سائر ما خفي وغاب عن حواسه من الغيب النسبي الذي هو غيب الزمن الحاضر، فتمكن بها من علم خفايا هذه الأشياء من عالم الشهادة.
وهذه الأمور تعتبر غيباً نسبياً، إذ هي بالنسبة لمن استخدم تلك الآلات ليست غيباً بل هي شهادة، وبالنسبة لمن لم يستخدمها غيب.
السبب الثاني: الحاجز المانع:
أي ما حال بين الإنسان وبين علمه حاجز منع من الوصول إليه والعلم به، ولولا وجود ذلك الحاجز لما كان غيباً.
أمثلة ذلك ما يمنع الرؤية أو السمع أو الشم أو اللمس من السواتر كالجدران والألواح والأوعية، وسائر الأجسام، ويدخل في هذا ما في الأرحام من الأجنة بعد تمام الخلقة واكتمال الصورة، وهذا أيضاً لا يعتبر غيباً لمن استخدم الآلات المخترقة لتلك الموانع الساترة.
السبب الثالث: التناهي في الصغر إن كان جرماً، والخفوت الشديد إن كان صوتاً:(6/96)
فاستخدم الإنسان من الأجهزة ما مكنه من رؤية الأجرام الدقيقة جداً بتكبيرها آلاف المرات أو ملايين المرات، كما تمكن بآلات أخرى من سماع الأصوات الخافتة التي ما كان يسمعها بالأذن المجردة، واستخدم أجهزة أخرى في معرفة ما خفي عليه من الروائح والطعوم، فأصبحت تلك الأمور مرئية مسموعة بواسطة تلك الآلات، ومن هذا القبيل معرفة فصائل الدم، ومشاهدة كريات الدم والشرايين الدقيقة للجسم.
السبب الرابع: الآفات والنقائص:
وهي ما يعتري البعض من النقائص كالعمى الذي يمنع من الرؤية، والصمم الذي يمنع من السمع، وفقدان حاسة الشم الذي يمنع من تمييز الروائح، وحاسة الذوق التي يعرف بها طعم الأشياء المختلفة والخدر الذي يمنع إحساس الجسم بالألم والحرارة والبرودة. وهذه الأشياء تعتبر غيبا نسبيا، إذ هي بالنسبة لمن يملك تلك الوسائل جلية ليست بغيب، بينما تعتبر بالنسبة لمن فقدها غيبا.
السبب الخامس: الحجب الرباني:
لقد حجب الله عز وجل بعض عالم الشهادة حجبا لا سبيل لأحد من الخلق إلى اختراقه مع أنه من حيث الجنس من عالم الشهادة، ليعلم عباده أنه هو الذي حجب عنهم ما حجب من خلقه، وكشف لهم ما كشف، وكل ذلك راجع إلى قدرته تعالى لا إلى طبيعة الأشياء الذاتية، فلا الإنسان قادر على إدراك ما أدرك بقدرته وطبيعته، ولا ما كان غيبا قادرا على الغيبية بقدرته، وإنما طبع الله تعالى خلقه على تلك الأحوال بقدرته ومشيئته، فمتى شاء أن يخرق سننه الكونية لحكمة أرادها، غيرها وبدلها حتى يدرك الخلق أن للطبيعة خالقا مريدا طبعها بما شاء وكيف شاء. فمن أمثلة ذلك:
أولاً: خفاء المسيح الدجال (1) :(6/97)
المسيح الدجال رجل من اليهود ورد ذكره في الأحاديث النبوية على سبيل التحذير من فتنته، وأن جميع الأنبياء حذروا أممهم منه كذلك. وذكر من صفاته أنه خارج من موضع بين الشام والعراق. وأن الله تعالى يسخر له كثيرا من الخلق ليفتن بذلك العباد، حيث تظهر على يديه الخوارق الشيطانية، وأنه يدعي الألوهية، ومكتوب بين عينيه كافر، يقرأ ذلك أهل الإيمان ممن يقرأ وممن لا يقرأ، وأنه أعور العين اليمنى، وأنه يجوب في الأرض سريعا ويمكث فيها أربعين يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كالأيام المعتادة، وأنه يذوب كما يذوب الملح في الماء حينما يرى المسيح عيسى ابن مريم عليه
السلام (1) ، وأنه يقتله نبي الله عيسى بفلسطين، في مكان يدعى "باب لد" (2) وهو موضع المطار الدولي الحالي لليهود المحتلين لفلسطين، وأنه يمنع من دخول مكة والمدينة (3) .
والدجال موجود في مكان غير معلوم للناس في هذه الأرض. ومع كونه من بني آدم الذين هم من عالم الشهادة فإن أحدا من الناس لا يعلم في أي بقعة من الأرض هو. ويدل على وجوده حديث تميم الداري رضي الله عنه المشهور حيث رواه عنه رسول الله (على سبيل الاستشهاد بما رآه لا على سبيل استفادة العلم بما لا يعلم صلوات الله وسلامه عليه. فقد علم من ربه وأعلم الناس بما علم. ولما سمع من تميم الداري ما طابق علمه مما شاهد أخبر بذلك الصحابة رضي الله عنهم، إذ الأمر قبل ذلك خبر جاء به الوحي الإلهي وأما الذي رواه تميم فكانت معاينة ومشاهدة لغيب أراد الله أن يطلعه عليه هو ومن معه ليكون ذلك شاهدا لنبيه (.(6/98)
وتجنبا للإطالة أورد موضع الشاهد من حديث تميم ابن أوس الداري الذي روته فاطمة بنت قيس: حيث كان قد ركب البحر مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام فلعب بهم موج البحر شهرا فخرجوا في النهاية إلى جزيرة فلقيتهم دابة غزيرة الشعر فسألوها ما هي؟ فقالت: أنا الجساسة (1) ، فطلبت منهم أن ينطلقوا إلى رجل في الدير لشوقه إلى الأخبار، فانطلقوا إلى الدير سراعاً فرأوا فيه إنسانا عظيم الجثة شديد الوثاق مجموعة يداه إلى عنقه وما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. فسألهم من هم؟ وكيف وصلوا إلى الجزيرة؟ وما الذي دلهم عليه؟ فلما عرف منهم أنهم من العرب سألهم عن أمور كثيرة في بلاد العرب حتى سألهم عن نبي الأميين ما فعل؟ فأخبروه أنه خرج من مكة ونزل بيثرب، وسألهم عن قتال العرب له وماذا فعل بهم؟ فأجابوه أنه ظهر على من يليه من العرب فأطاعوه. ثم إنه قال لهم: "وإني مخبركم عني؛ إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدا أو واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت راوية الحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: " قال رسول الله (وطعن بمخصرته في المنبر: " هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة" بمعنى المدينة " ألا هل كنت حدثتكم ذلك" فقال الناس: نعم." فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو" وأومأ بيده إلى المشرق) (2) .(6/99)
إنه من قبل المشرق كما أكد رسول الله (ذلك في هذا الحديث، ولكن أين ذلك الموضع بالتحديد؟ ذلك ما لا يعلمه إلا عالم الغيب والشهادة. والشاهد من الحديث هنا أن الدجال موجود منذ عهد بعيد في مكان غير معلوم، وأنه سيخرج حينما يأذن الله بخروجه ولا يعلم أحد متى ذلك. ومن هنا نعلم أيضا أن ما كان في أصله من عالم الشهادة، إذا شاء الله غيبيته كان من عالم الغيب ولو شاء الله أن يقلب الغيب شهادة، والشهادة غيبا لفعل، ولكنه لا يخرق نواميسه وسننه الكونية إلا تأييدا لرسله أو من أخلص في اتباعهم من أهل طاعته، ليبين في كلتا الحالتين أن ما جاءت به الرسل حق منزل من عند الله تعالى الذي له ملكوت كل شيء سبحانه.
ثانياً: خفاء يأجوج ومأجوج:
لقد أخفى الله يأجوج ومأجوج على من سواهم من الناس مع أنهم من ذرية آدم عليه السلام، ومع أنهم قد كانوا موجودين مشاهدين، حيث يقومون بالإغارة على مجاوريهم، والإفساد في أرضهم حتى قام ذو القرنين بعزلهم عن الناس حينما جعل بينهم وبين مجاوريهم سدا لا يفتح إلا يوم الوعد، وذلك بين جبلين لم يستطيعوا بعده أن يظهروه.
وإن أحدا من الناس لا يراهم الآن ولا يعلم أين هم لأنهم أصبحوا غيبا بعد أن كانوا شهادة.
ولقد ورد ذكرهم في القرآن والسنة. أما القرآن فقد ذكرهم في سورة الكهف وسورة الأنبياء.(6/100)
وفي سورة الكهف قال الله تعالى في الإخبار عن رحلة ذي القرنين وما جرى فيها من الأمور وأنه بلغ بين السدين ووجد من دونهما قوما: (قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سداً (قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما (آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطراً (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا (قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً ((1) .
وأما في سورة الأنبياء فقال الله تعالى: (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين ((2) .
لقد دلت آية سورة الكهف في شأنهم على الأمور الآتية:
الأمر الأول: وجودهم في ذلك الزمن الغابر وجودا مشاهدا.
الأمر الثاني: إنهم أهل كفر وفساد في الأرض.
الأمر الثالث: إنهم حجزوا وراء السد وحيل بينهم وبين الإفساد في الحرث والنسل.
الأمر الرابع: إن هذا السد المنيع لا يمكنهم نقبه من أسفله ولا الصعود من أعلاه.
الأمر الخامس: إن ذلك السد لا يفتح إلا في آخر الزمان قرب قيام الساعة وعليه دلت آية سورة الأنبياء أيضا.
الأمر السادس: إن ذلك السد يتكون من قطع من الحديد الذي أفرغ عليه الصفر المذاب وهو أقوى ما يكون.
الأمر السابع: إنه لا بد من خروجهم إذا جاء وعد الله تعالى بأن يجعله دكا. وعليه دلت أيضا آية سورة الأنبياء.
أما آية سورة الأنبياء فقد صرحت بأمور:
الأمر الأول: خروجهم في آخر الزمان.
الأمر الثاني: إن خروجهم علامة على قرب قيام الساعة.
الأمر الثالث: إنهم حين يأتي وعد الله بفتح السد يخرجون ويموج بعضهم في بعض حيث يندفعون ويسرعون وينحدرون من كل حدب.(6/101)
هذا ما جاء في القرآن الكريم في شأن يأجوج ومأجوج.
وأما ما جاء في السنة فهو على كثرة الروايات لا يخرج عما تضمنته الآيات القرآنية في كثير من الأمور (1) . غير أن الأحاديث تميزت بالنص على أنهم من بني آدم، وأنهم أكثر بني آدم عددا، وأن العدد الأكبر من بعث النار يكون منهم يوم القيامة (2) .
وليس المقصود هنا ذكر ما يتعلق بيأجوج ومأجوج من الروايات على سبيل الاستقصاء، ولكن المراد بيان أنهما مع كونهما من عالم الشهادة خلقا، فإن الله أخفاهما عن المشاهدة. فمن ادعى أنه يعلم مكانهما أو أنهم من الشعوب المعروفة التي تتعامل مع سائر الشعوب في هذا العصر، فقد تكلم في الغيب الذي حجبه الله تعالى عن البشر إلى أن يأتي وعده حيث يفاجئون بخروجهم مقترنا ذلك ببعض علامات الساعة الكبرى كخروج الدجال ونزول المسيح عليه السلام. ومع تقدم الوسائل العلمية وتطورها فإنها لا تتخطى عالم الشهادة المسخر للحواس.
المبحث الثالث عشر: وسائل العلم به
إن غيب الزمن الحاضر من عالم الشهادة سعى الإنسان لمعرفته بالوسائل المختلفة، ولكن الذي نريد البحث فيه هنا الوسائل المفيدة للعلم، لا كل الوسائل التي استخدمها الإنسان.
وتلك الوسائل تتجلى فيما يأتي:
الوسيلة الأولى/ الوحي الرباني:
حيث يُعلم الله تعالى أنبياءه ورسله ببعض ما هو خفي عن الناس في أزمانهم، مما يقع في سر وخفاء إن كان قريباً أو مما يقع في أماكن بعيدة عن الأحداث في عصورهم. ويتجلى ذلك في الأمثلة التالية:
إخبار الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم باستشهاد جعفر وزيد وعبد الله بن رواحة في موقعة مؤتة ساعة استشهادهم، وأخذ خالد بن الوليد للراية وفتح الله عليه (3) .
إخبار الله له باستشهاد أصحاب بئر معونة من الحفاظ (4) .
إخبار الله له بقتل كسرى على يد ابنه شيرويه (5) .
إخبار الله له بالظعينة التي حملت خطاب حاطب بن أبي بلتعة (6) .(6/102)
إخبار الله إياه بموت النجاشي رحمه الله يوم وفاته (1) .
إخبار الله تعالى إياه بما كان بين عمير بن وهب وصفوان بن أبي أمية بمكة (2) .
إخبار الله إياه بأكل الأرضة من صحيفة المقاطعة التي كتبتها قريش وعلقتها داخل الكعبة كل اسم لله ورد فيها، وأبقت ما فيها من شرك وظلم وقطيعة (3) .
إخباره بما جرى بين زوجيه عائشة وحفصة في أمر أسره النبي إلى عائشة، كما في صورة التحريم (4) .
والأمثلة على هذا الأمر أكثر من أن تعد وتحصى، وهذا خاص بزمن الوحي، أما بعد توقف الوحي وانقطاعه بوفاة النبي فقد انقطعت هذه الوسيلة وتوقفت.
الوسيلة الثانية/ الأجهزة العلمية الحديثة:
حينما انقطع الوحي بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن هناك وسيلة يعلم بها ما يجري في خفاء أو بعد، فالوحي الرباني لم تكن مهمته إنباء الناس بما غاب عنهم أو خفي عنهم، ولكنه يأتي بإجلاء ذلك بقدر ما تحتاج إليه الدعوة، ويكون مؤيداً لها، وليس من مهمة الوحي الإخبار عن أماكن وجود الضالة، والكشف عن المسروقات، فإن تلك أعمال العرافين والكهان والمشعوذين، غير أن الإنسان اهتدى في هذا العصر إلى اختراع آلات تمكن بها من الوصول إلى علم ما لا يعلم مما في عصره من خفايا عالم الشهادة، فمن تلك الآلات ما يأتي:
البث المباشر المرئي المسموع، وجهاز الاستقبال: (التلفاز) .
البث الإذاعي المسموع عن طريق جهاز الالتقاط: (الراديو) .
الهاتف الذي ينقل الصوت الحي من مسافة بعيدة بين طرفين متحادثين، والفاكس.
أجهزة التصنت على الأصوات من بعد.
الأقمار الصناعية وما تشتمل عليه من أجهزة دقيقة كاشفة لبعض الخفايا.
المراصد التي يتم بها اكتشاف الفضاء الكوني وما بث الله تعالى فيه من الأجرام المختلفة.(6/103)
المركبات الفضائية التي تجوب الفضاء الكوني السحيق وتبث إلى أجهزة في الأرض صوراً عن النجوم والشموس والأقمار والمجرات، إلى غير ذلك مما تنتجه مصانع الدول الصناعية المتطورة من آلات جعلت الاطلاع على كثير من الخفايا في غاية من السهولة واليسر.
المبحث الرابع عشر: غيب الزمن المستقبل وأدلة غيبيته
الزمن المستقبل هو الزمن الذي يأتي بعد اللحظة التي نحن فيها، وغيبه هو ما سيقع فيه من حوادث لم تقع بعد، فهو وإن كان من عالم الشهادة قبل وقوعه، فليس من الغيب النسبي الذي يعلم به قوم دون قوم، ومع عده من حيث التقسيم من غيب عالم الشهادة، فإنه في غيبيته عن الحس والإدراك الإنساني يشبه الغيب المطلق الذي هو من عالم الغيب، كما يشبه في حكمه أيضا ما قبل نشأة الإنسان من غيب الزمن الماضي من عالم الشهادة.
وسيلة الإطلاع على غيب الزمن المستقبل:
إن الوسيلة التي يمكن أن يعلم بها الإنسان ما يأتي في المستقبل من ساعاته وأيامه وشهوره وسنواته، هي وحي الله تعالى إلى أنبيائه ورسله، أي إن الله تعالى هو الذي يعلم وحده ما سيكون فهو الذي يعلم من يشاء من عباده المصطفين ما سيأتي غير أن سنن الله في الوحي إلى أنبيائه بذلك جرت على عدم تحديد تواريخ ما سيأتي من الأحداث، وإنما يوحي الله تعالى إليهم بصفات تلك الأحداث وحالاتها حتى يترقبها الإنسان في حياته كلها لا في يوم معين أو شهر معين أو سنة معينة، فكما علم الناس أن لهم آجالا تنتهي إليها أعمارهم، ولا يعلمون متى ذلك، فإنهم لا يعلمون متى سيقع حدث من الحوادث التي أوحى الله تعالى بحدوثها في المستقبل ولكنهم يفاجأون بحدوث ما قد آمنوا بحدوثه، وفي هذا يقول الشاعر:
ما مضى فات والمؤمل غيب
ولك الساعة التي أنت فيها
وقال زهير:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله
ولكنني عن علم ما في غد عمي
أما أدلة غيبية حوادث المستقبل في عالم الشهادة فكثيرة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه فمن ذلك:(6/104)
1- قوله تعالى حكاية عما قاله العاص بن وائل لخباب (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولداً (أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا (، لقد زعم أنه سيكون له مال وولد إذا بعث، وأنه سيوفي خباباً حقه هناك، قال ذلك على سبيل السخرية والاستهزاء من البعث بعد الموت. بيان سبب ذلك أن خباباً قال: "جئت العاصي بن وائل السهمي أتقاضاه حقاً لي عنده، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا حتى تموت ثم تبعث، قال: وإني لميت ثم مبعوث؟ قلت: نعم، قال: إن لي هناك مالا وولدا فأقضيكه. فنزلت هذه الآيات.
وقد سمى الله تعالى هذا غيبا، وأنكر على من زعم أن له مالا وولدا في الآخرة، بأن قال: (أطلع الغيب (أظهر على ما في الغيب وعلم أن له مالا وولدا.
2- كذلك سمى الله تعالى المستقبل غيبا لا يعلمه سواه، فقال لملائكته (إني أعلم ما لا تعلمون (، وذلك أنهم لما أخبرهم الله تعالى بأنه (جاعل في الأرض خليفة (قالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك (، فأخبرهم الله تعالى بأنه هو وحده يعلم ما سيكون وهم لا يعلمون من ذلك شيئاً، ثم إنه تعالى لما خلق آدم علمه الأسماء كلها، ثم عرض على الملائكة تلك المسميات، فسألهم عن أسمائها فلم يعلموا هنالك أمر الله آدم أن يعلمهم ما لم يعلموا. حيث قال تعالى في ذلك كلها (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ((1) .
وهذا دليل آخر على أن ما سيقع في المستقبل من الأحداث في عالم الشهادة غيب انفرد الله بعلمه سبحانه وتعالى.(6/105)
3- وكذلك دل على غيبية حوادث المستقبل قول الله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (، أي إن هذه الأمور المذكورة في الآية من حوادث المستقبل علمها عند الله تعالى وحده ليس لأحد من خلقه علم بها.
وأما السنة النبوية فقد امتلأت كتبها بأحاديث الفتن، وما سيحدثه الله في المستقبل من الحوادث التي يكون حدوثها من علامات الساعة، مما أعلم الله نبيه عن طريق الوحي فمن أراد الوقوف عليها فليرجع إليها.
4- ولقد دلت آية من كتاب الله تعالى على حدثين أحدهما من غيب الزمن الحاضر والآخر من غيب الزمن المستقبل عند نزول الآية فتحقق ذلك في زمن يسير، ذلك هو قول الله عز وجل: (آلم (غلبت الروم (في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون (بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ((1) .
وقوله: (غلبت الروم (: إخبار بغيب الزمن الحاضر حيث إن غلبة فارس للروم وقعت في ذلك الزمن، والناس لم يقفوا بعد على ذلك، فكان الوحي في ذلك الزمن هو الوسيلة والمصدر الوحيد للوقوف على هذا القسم من الغيب ونقله إلى من غاب عنه، وقوله: (وهم من بعد غلبهم سيغلبون (في بضع سنين (، إخبار بغيب الزمن المستقبل الذي سيقع في زمن لا يزيد عن عشر سنين، وهو انتصار الروم على الفرس، وأن ذلك اليوم يوم فرح للمؤمنين لانتصار أهل الكتاب على أهل الشرك، أو المراد بيوم الفرح هو يوم بدر الذي يوافق يوم انتصار الروم على الفرس كما قال بذلك بعض العلماء، وهذا أبلغ في الفرح وأليق، وهو يعتبر أيضاَ إخباراً بغيب المستقبل، وهو انتصار أهل الحق على أهل الباطل يوم بدر.
• • •
الخاتمة:(6/106)
إن الحوادث المستقبلة لا يعلم ميعادها وحقيقتها وصورتها وحجمها وكل ما يتعلق بها إلا رب العالمين. ومن زعم أن أحدا من الخلق يعلم ما يستقبل من الأمور فقد كذب على الله وكذب برسول الله (. وقد زعم بعض المفتونين أن حوادث معينة ستقع في سنة معينة وشهر معين، فلم يحدث من ذلك شيء. مع مضي تلك السنة وذلك الشهر. ومنذ بضع سنوات سرت إشاعات زعم أصحابها أن صيحة ستحدث ليلة الجمعة في النصف من شهر رمضان، فصدق بذلك بعض العوام وحدثت بلبلة للأفكار، وقلق وفزع، فانبرى أهل البصيرة لبيان زيف تلك الدعوى وعدم صحة الحديث الذي بنيت عليه تلك الأوهام، فجاء اليوم الموعد الذي ترقب الجهال أن تحدث فيه تلك الصيحة ولم يحدث شيء، ثم في هذه السنة أعادوا الكرة على نطاق أوسع ومستوى أعلى وأرفع فيما أطلق عليه عام ألفين، ووقوع حوادث في الليلة الأولى منه، وقيام الساعة فيه، ولكنهم خسئوا وخابوا فلم يحدث من ذلك شيء. وعلى المسلم الحريص على دينه وسلامة عقيدته، وحسن تصديقه، لما بلغه عن الله تعالى ورسوله، ألا يركن إلى ما يشيعه أعداء الإسلام، والجاهلون من أبنائه، ومدعوا العلم ممن لم يؤتوا العلم بمنهج أهل العلم الصحيح من سلف هذه الأمة، وأن لا يندفع نحو كل صارخ وناعق، فكتاب الله تعالى وسنة رسوله (هما مصدر العلم الصحيح، والعقيدة الصافية، فيلتزم المسلم بها مستنيرا في فهمها بأقوال العلماء الربانيين من أهل السنة والجماعة) .
وأسأل الله تعالى العظيم، رب العرش الكريم، أن يهدينا إلى الحق ويثبتنا عليه اعتقادا وقولا وعملا، وأن يميتنا على ذلك بمنه وكرمه وإحسانه إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحواشي والتعليقات
سورة إبراهيم: 4.
رواه البخاري/كتاب الإيمان/ باب فضل من استبرأ لدينه، ومسلم/كتاب المساقاة/باب أخذ الحلال وترك الشبهات.
سورة البقرة: 3
سورة فاطر: 18
سورة فاطر: 18.
سورة يس: 11
سورة ق: 33
سورة الملك: 12(6/107)
أنظر تفسير الجواهر الحسان المعروف بتفسير الثعالبي لمحمد بن عبد الرحمن الثعالبي ج1 ص183 وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي ج4 ص152 وإرشاد العقل السليم المعروف بتفسير أبي السعود لمحمد بن العماد الحنفي ج1= = ص53-54 وتفسير الرازي المشهور بمفاتيح الغيب لمحمد بن ضباء الدين عمر المشتهر بالفخر الرازي ج1 ص31 وكتاب التسهيل لعلوم التنزيل لمحمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي ج1 ص62.
انظر مجموع الفتاوى ج 11 ص 336.
سورة ق: 18.
سورة ق: 16.
سورة آل عمران: 5.
سورة الانفطار: 12.
سورة طه: 7.
سورة يس: 76.
سورة البقرة: 235.
سورة الأنعام: 3.
سورة الفرقان: 6.
سورة القصص: 69.
سورة البقرة: 284.
سورة الأعراف: 56.
سورة الأنبياء: 90.
لفظ البخاري: (أين يا سعد) واللفظ المذكور في الإصابة والاستيعاب وفي مسند أحمد: (يا أبا عمرو أين) .
سورة الأحزاب: 23.
أسد الغابة في معرفة الصحابة ج 1 ص 155 وانظر صحيح البخاري كتاب المغازي / باب غزوة أحد.
سورة مريم: 61.
انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة ج 3 ص 787 – 788. والسيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 627.
صحيح مسلم كتاب الإمارة / باب ثبوت الجنة للشهيد.
البخاري / كتاب المغازي / باب غزوة أحد.
المعجم الكبير للطبراني ج3 ص266-267 حديث 3367 وراجع في ترجمته أسد الغابة في معرفة الصحابة ج1 ص414 والإصابة في تمييز الصحابة ج1 ص289.
رواه مسلم /كتاب الإيمان / باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج.
سورة آل عمران: 200.
شمرت عن ساقها: شمر عن ساقه وشمر في أمره: أي خف. لسان العرب. وهو كناية عن شدة الحرب.
واضطرمت لظى: ضرمت النار وتضرمت النار واضطرمت إذا التهبت. واللظى:
النار. الصحاح.
وحللت: أي غشيت وألبست.
على أوراقها: أوراقها هم المتقاتلون.(6/108)
وطيسها: الوطيس المعركة وقيل تنور من حديد شبهت به الحرب. وقيل الضراب في الحرب وقيل غير هذا. أنظر لسان العرب.
خميسها: الخميس: الجيش سمي كذلك إما لأنه خمس فرق: المقدمة، والقلب والساقة والميمنة والميسرة، ولأنه يخمس الغنائم. أنظر لسان العرب.
الإصابة في تمييز الصحابة ج 4 ص287 – 289 وانظر أسد الغابة ج6 ص88-90، وانظر الاستيعاب لابن عبد البر رحمه الله تعالى على هامش الإصابة ج4 ص295-297.
انظر ترجمتها في مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق لأبي زكريا أحمد بن إبراهيم الدمشقي ثم الدمياطي المتوفى سنة 814 هـ ج 1 ص 215.
أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله عز وجل. وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: فضل مجالس الذكر، كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه. واللفظ للبخاري.
سورة الرعد: 28.
رواه أحمد في المسند ج 1 ص 306-307 بهذا اللفظ. وقال المحققون للمسند:
" حديث صحيح " انظر الموسوعة الحديثية: مسند الإمام أحمد بن حنبل ج5 ص19 حديث 2803 ورواه الترمذي بلفظ آخر في كتاب صفة القيامة. باب 59 حديث 2516 وقال حديث: حديث حسن صحيح. وأبو يعلي في مسنده ج3 ص84-85 حديث 2549.
سورة الشرح: 5.
سورة الزمر: 10.
سورة البقرة: 155-157.
سورة البقرة: 177.
سورة الطلاق: 4.
سورة الطلاق: 2 - 3.
سورة البقرة: 264.
سورة الإنسان: 8 –10.
سورة المطففين: 1-6.
سورة المائدة: 8.
سورة النساء: 135.
سورة الممتحنة: 4.
سورة المؤمنون: 101.
سورة المعارج: 10.
سورة لقمان: 33.
سورة الحج: 19.
سورة المجادلة: 22
سورة آل عمران: 134
سورة الشورى: 39 – 43.
أخرجه البخاري / كتاب الإيمان / باب حلاوة الإيمان. ومسلم / كتاب الإيمان / باب بيان خصال من انصف بهن وجد حلاوة الإيمان ومسلم / كتاب البر والصلة / باب في فضل الحب في الله.(6/109)
أخرجه أحمد في المسند ج2 ص 338 و 370، 23 عن أبي هريرة وصححه الألباني / كلاهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه / في مختصر العلو للبيهقي، ص105 بتحقيق وتعليق ناصر الدين الألباني.
أخرجه مسلم / كتاب الإيمان / باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ص 105.
رواه مسلم / كتاب الإيمان / باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون.
سورة آل عمران: 110.
أخرجه أحمد في مسنده ج5، ص128.
رواه ابن حبان في صحيحه / ذكر إيجاب محبة الله للمتناصحين والمتباذلين.
رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة وقال حديث حسن غريب كتاب البيوع باب 38 حديث 1264 وانظر الجامع الصغير بشرح فيض القدير للمناوي ج 1 ص 223 ورمز السيوطي لصحته. وانظر الصحيحة للألباني 424 والإرواء 1544.
سورة النساء: 58.
البخاري / كتاب العلم / باب من سئل علماً وهو مشتغل في حديثه …
سورة الأحزاب: 72.
رواه الترمذي وقال حديثٌ حسنٌ صحيح.
سورة النمل: 65.
سورة الجن: 26.
سورة الأنعام: 59.
سورة الأنعام: 73.
سورة فاطر: 38.
سورة سبأ: 48.
سورة هود: 49.
سورة يوسف: 102.
سورة آل عمرآن: 44-45.
سورة يوسف: 102.
سورة القصص: 44-46.
انظر صحيح البخاري/ كتاب التفسير/ باب قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام (. وكتاب فضائل الصحابة، باب حديث الإسراء.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار… والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان. مجمع الزوائد ج10 ص136.
انظر الكليات لأبي البقاء أيوب بن موسى الكفوي ج3 ص303-304. وانظر كتاب: عالم الغيب والشهادة لعثمان جمعة 75.
اقرأ قوله تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى (سورة النجم: 13-14.
انظر البخاري/ كتاب بدء الخلق/ باب ذكر الملائكة، وكتاب فضائل الصحابة/ باب المعراج. ومسلم/ كتاب الإيمان/ باب الإسراء برسول الله (.
سورة النساء: 158.(6/110)
سورة البقرة: 3.
سورة يونس: 90-91.
رواه الترمذي وقال حديث حسن. كتاب الدعوات باب فضل التوبة والاستغفار. حديث 3537.
سورة إبراهيم: 10.
سورة الأعراف: 75.
سورة الرعد: 43.
سورة يس: 15.
سورة الأنعام: 91.
سورة المدثر: 25.
سورة الهود: 5.
سورة القصص: 69.
سورة الملك: 13.
سورة لقمان: 34.
سورة الأعراف: 87.
سورة الأحزاب: 63.
رواه مسلم من حديث جبريل المشهور.
سورة الأعراف: 188.
سورة الطلاق: 1.
سورة النساء: 87.
سورة النساء: 122.
سورة النجم: 3.
سورة الشورى: 11.
سورة البقرة: 213.
لوامع الأنوار البهية ص1، ص101.
سورة البقرة: 115و272، الرعد: 22، الروم 38، 39، الرحمن: 27،
الإنسان: 9، الليل: 20، الأنعام: 52، الكهف: 28، القصص: 88.
شرح جوهرة التوحيد لإبراهيم الباجوري ص161.
المواقف في علم الكلام للإيجي ص 298، وشرح المقاصد ج 4، ص 174.
آل عمران: 26، 73، المائدة: 64 مرتين، الفتح: 10، الحديد: 29،
المؤمنون: 88، يس: 45، 83، ص: 75، الملك: 1.
شرح جوهرة التوحيد لإبراهيم الباجوري ص161.
المواقف ص 298 وشرح المقاصد ج 4 ص 174.
سورة الزمر: 67.
شرح جوهرة التوحيد لإبراهيم الباجوري ص 161.
سورة طه: 39.
سورة هود: 37.
شرح جوهرة التوحيد لإبراهيم الباجوري ص 161.
سورة الشورى: 11.
لوامع الأنوار البهية ج1 ص 94.
الأعراف: 54، يونس: 3، الرعد: 2، طه: 5، الفرقان: 59، السجدة: 4، الحديد: 4.
انظر المواقف ص297 وشرح المقاصد ج4 ص174.
وفي المواقف عمرو مكان بشر.
سورة البقرة: 210، الأنعام: 158.
سورة الفجر: 32.
سورة الفجر: 22.
سورة الأنعام: 158.
الشورى: 35.
سورة التحريم: 6.
سورة الأنبياء: 27.
سورة مريم: 64.
سورة الأعراف: 27.
سورة التوبة: 40.
سورة التوبة: 26.
سورة الأحزاب: 9.
سورة المدثر: 31.(6/111)
رواه الشافعي بهذا اللفظ في المسند ج1 ص 16 كتاب العلم. وابن حبان كتاب العلم باب ذكر دعاء المصطفى. وذكر المنذري في الترغيب والترهيب ج1 حديث 6.
سورة آل عمرن: 7.
سورة الأحزاب: 77.
سورة الإسراء: 44.
سورة فصلت: 11.
سورة الإنسان: 2.
سورة الملك: 23.
ثبت لدى المختصين من العلماء أن تحليل ما لديهم بالسائل الأمنيوسي بعد مضي أربعة أشهر من الحمل يمكنهم من معرفة نوع الجنين أذكر أم أثنى، حيث إن حرف (y) يدل على خصائص الذكورة وأن حرف (x) يدل على خصائص الأنوثة، فبهاتين العلامتين يمكن التعرف على نوع الجنين.
سورة النمل: 65.
هذا التحديد أمر مبني على سياق ما سيأتي على ما قد مضى من التجارب، ولا يعلم أحد أن ذلك يقع حتماً، لاحتمال أن الدنيا قد لا تستمر إلى ذلك الزمن أو على ذلك النحو المعلوم من قبل فليتأمل.
تفسير القرآن الحكيم المعروف بتفسير المنار ج 7 ص 422-423.
سورة المائدة: 27-31.
سورة هود: 49.
سورة يوسف: 102.
سورة آل عمران: 44-45.
سورة الروم: 6-7.
إن المسيح الدجاللم يرد ذكر له في القرآن الكريم غير أن بعض العلماء يرون أنه داخل في قوله تعالى: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل (أنظر النهاية للفتن والملاحم للإمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ج1 ص 128-129 بتعليق وتحقيق محمد خير طعمة وخليل مأمون شيحا.
أنظر في هذه الصفات كلها صحيح مسلم كتاب الفتن باب خروج الدجال وصفته، وباب قصة الحساسة. وانظر الترمذي أيضاً كتاب الفتن باب ما جاء في فتنة الدجال وأبا داود كتاب الملاحم باب خروج الدجال.
رواه الترمذي في كتاب الفتن باب ما جاء في قتل عيسى بن مريم الدجال. وقال حديث حسن صحيح.
أنظر صحيح مسلم كتاب الفتن باب في صفة الدجال وتحريم المدينة عليه. وباب قصة الجساسة. والترمذي كتاب الفتن باب ما جاء في الدجال لا يدخل المدينة.(6/112)
الجساسة: اسم تلك الدابة قيل إنها سميت بذلك لأنها تجسس الأخبار للدجال. وذكر بعضهم أنها هي الدابة التي ذكرت في القرآن والسنة أنها تخرج في آخر الزمان وتكلم الناس.
رواه مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة باب قصة الجساسة وأبو داود كتاب الملاحم باب في خبر الجساسة.
سورة الكهف: 94-98.
سورة الأنبياء: 96-97.
أنظر صحيح البخاري / كتاب الأنبياء، باب قصة يأجوج ومأجوج. وصحيح مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج كلاهما عن زينب بنت جحش.
أنظر البخاري / كتاب الأنبياء / باب قصة يأجوج ومأجوج. وصحيح مسلم / كتاب الإيمان / باب قوله
(يقول الله يا آدم: أخرج بعث النار (.
أنظر البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة من أرض الشام.
أنظر البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة.
السيرة النبوية لابن كثير، ج3، ص 509-510.
أنظر البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الفتح.
البخاري فضائل الصحابة، باب هجرة الحبشة.
أنظر السيرة النبوية لابن هشام، ج1، ص 661-663.
أنظر السيرة النبوية لابن كثير، ج2، ص44-46.
أنظر البخاري، كتاب التفسير، باب (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً (.
سورة البقرة: 31-33.
سورة الروم: 1-5.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
إرشاد العقل السليم، أبو السعود محمد بن العمادي الحنفي.
أسد الغابة في معرفة الصحابة، مجد الدين أبو السعادات المبارك محمد الجزري ابن الأثير.
الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.
الاستيعاب، أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري.
بصائر ذوي التمييز، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي.
الترغيب والترهيب، زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المشهور بالحافظ المنذري.
تفسير القرآن الحكيم، رشيد رضا ومحمد عبده.
الجامع الصحيح، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي.(6/113)
الجامع الصغير، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي.
الجواهر الحسان، محمد بن عبد الرحمن الثعالبي.
سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني.
سنن ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني.
سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي.
السيرة النبوية، أبو محمد عبد المك بن هشام الحميري.
السيرة النبوية، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي.
شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني.
شرح جوهرة التوحيد، إبراهيم الباجوري.
صحيح ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي.
صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري.
صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري.
عالم الغيب والشهادة، عثمان جمعة.
الكليات، أيوب بن موسى الكفوي.
كتاب التسهيل لعلوم التنزيل، محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي.
لوامع الأنوار البهية، محمد بن أحمد السفاريني.
مجمع الزوائد، نور الدين على بن أبي بكر الهيثمي.
مختصر العلو للعلي الغفار، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي.
المسند، الإمام أحمد بن حنبل.
مسند أبي يعلى، أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي.
مسند الإمام الشافعي، الإمام محمد بن إدريس الشافعي.
مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق، أحمد بن إبراهيم الدمشقي.
معجم الطبراني الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني.
مفاتيح الغيب، المشهور بتفسير الرازي، محمد بن ضياء الدين عمر الشهير بالفخر الرازي.
المواقف في علم الكلام، عضد الدين الإيجي.
موسوعة حياة الصحابيات، محمد سعيد مبيض.(6/114)
قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام في
توحيد الربوبية
عرض ونقد في ضوء مذهب السلف
د. سعود بن عبد العزيز الخلف
الأستاذ المشارك في قسم العقيدة - كلية الدعوة وأصول الدين -
بالجامعة الإسلامية
ملخص البحث
إن وجود الله عز وجل أمر ظاهر ودليله واضح في كل متحرك وساكن وقد فطر الناس على ذلك إلا أن طائفة ممن ينتمي إلى الإسلام زوراً وبهتاناً بحثوا في هذا الأمر بعقول مريضة وقياسات فاسدة متبعين في ذلك قول فلاسفة اليونان الوثنيين فزعموا جميعاً أن الله عز وجل لا صفة له ولا فعل ولا خلق ولا تدبير ولا خلق وإنما هو علة أولى استنفدت أغراضها وانتهى دورها، وقبعت في أبعد نقطة من عقل الإنسان وإحساسه. تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
ويمكننا تقسيمهم باعتبار انتماءاتهم المذهبية إلى ثلاثة أقسام:
1 - أهل الفلسفة المحضة: وقولهم هو المذكور سابقاً ما عدا الكندي الذي قال إن الله خلق العالم من العدم.
2 - الباطنيون: الذين زادوا على القول السابق نفي النقيضين لا موجود ولا لا موجود ولا موصوف ولا لا موصوف.
3 - فلاسفة الصوفية: الذين قالوا بقول الفلاسفة وزادوا دعوى وحدة الوجود التي هي من ضمن دعاوى بعض فلاسفة الوجود.
وقد بينت تلك المقالات من ناحيتين:
من الناحية العقلية: لإثبات أنهم من أضل الناس في العقل الذي هو مصدرهم ولا يقيمون لغيره وزناً.
ومن الناحية الشرعية: لإثبات أن دعواهم تناقض مع الشرع تماماً فقولهم لا عقل ولا شرع.
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:(6/115)
فإن الله تعالى أرسل رسله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ويهدوهم إلى صراطه المستقيم، ويقيموهم على الملة القويمة، ويعلموهم العلم الصحيح النافع لهم في دينهم ودنياهم.
وكان مما أنزل الله على أنبيائه ورسله الهدى والبينات التي تعرف الخلق بربهم، وتنير قلوبهم بمعرفته المعرفة الصحيحة، التي تثمر تعظيمه وإجلاله ومحبته وخشيته ورجاءه والتعلق به، وتبعثهم على العمل الصالح والعلم النافع، مع التزكية والطهارة، ولزوم الأخلاق الحميدة والخصال الكريمة.
وفازت هذه الأمة من تلك التعاليم والنور والهدى بالحظ الأوفى والنصيب الأعلى بواسطة نبيها الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
إلا أن طائفة من الأمة تنكبت الصراط، وزاغت عن المنهاج، وأخذت تبحث عن الطريق إلى معرفة الله تعالى من غير طريق الأنبياء ومسلك الأتقياء، ووقع اختيارها لسوء طالعها وشؤم نظرها وفساد فكرها على أفسد المسالك، وأعقد الطرائق، وابعدها عن الهدى، وأقربها وألصقها بمسلك إبليس عدو الله وعدوها، ألا وهو منهج الفلاسفة الوثنيين المتقدمين من اليونان ومقالتهم. فأحلوها بعجرها وبجرها محل وحي الله ورحمته وتعليمه وهدايته، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، واشتروا الضلالة بالهدى، والغواية بالرشاد. فأعقبهم ذلك نفاقاً في قلوبهم وحيرة في نفوسهم مع ريب وشك، بل طعن وتنقص لربهم، وإنكار وجحود لخالقهم، والمنعم عليهم ربهم، رب العالمين سبحانه عما يصفون، وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وهذه الطائفة ممن تنتسب إلى الإسلام زوراً وبهتاناً، وهم من يسمون " فلاسفة المسلمين "، الذين لايثبتون لله تعالى وجوداً ولاصفة، ولافعلاً ولاربوبية ولا ألوهية، وإنما حقيقة قولهم الإلحاد والكفر.(6/116)
وكان سبق لي أن كتبت دراسة مختصرة في قول الفلاسفة الوثنيين اليونان في التوحيد، وبينت من خلال النقول عنهم أنهم لا يقرون لله تعالى بوجود حقيقي ولاربوبية ولاألوهية، سواء منهم من صرح بالإلحاد وإنكار وجود الخالق، وأن العالم خلق من غير شيء، ومن زعم أنه يثبت موجوداً أعلى هو العلة لوجود العالم، لكنها علة ضعيفة هزيلة، تعالى الله عن قولهم جميعاً علواً كبيراً.
وكانت تلك الدراسة الأولى ضمن سلسلة في ذكر قول الفلاسفة في الله تعالى، وأثر قولهم.
وهذه دراسة ثانية أشير بها إشارات مختصرة إلى مقالة تلاميذ أولئك من المنتسبين للإسلام، وأبين فيها قولهم ثم أبين بطلانه، وأنه قول لايقوم على شرع صحيح، ولا عقل صريح، بل هو لاعقل ولاشرع، وإنما هو ترديد لكلام السابقين من الوثنيين، وقد يضيفون عليه شيئاً من المسميات الإسلامية ذراً منهم للرماد في العيون، ورغبة في أن تروج تلك البضاعة الفاسدة على المسلمين.
ولكن الله لهم بالمرصاد يخزيهم ويفضحهم، ويثبت عباده الصالحين على الحق والهدى، بما أنزل في كتابه من النور والبركة، وبما أوحى لنبيه من الحق والرشاد، وبتكفله تبارك وتعالى لهذا الدين بالبقاء والثبات والعلو والنصرة. قال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} التوبة (33) ، وقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر (9) .
وفيما أنزل الله من الحق والهدى والنور، المضمن في كتابه وسنة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في باب التوحيد وغيره، ما فيه غناء عما سواه، وكفاية عن قول كل ما عداه.(6/117)
فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ونسأله سبحانه إذ هدانا بفضله وكرمه أن يمن علينا بالثبات على الحق والهدى إلى يوم نلقاه، وأن يقينا والمسلمين من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يثبتنا على الحق والهدى إلى يوم نلقاه. إنه فعال لما يريد، جواد كريم، رؤوف رحيم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. آمين
خطة الدراسة:
جعلت هذه الدراسة في فصل واحد في قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام، ويتضمن تمهيداً ومبحثين على النحو التالي:
التمهيد: في تاريخ دخول الفلسفة على المسلمين.
المبحث الأول: قول أهل الفلسفة المحضة والباطنيين، وبيان بطلانه، وفيه مطالب:
المطلب الأول: قولهم في وجود الله تعالى وصفاته.
أولاً _ أهل الفلسفة المحضة.
ثانياً_ الباطنيون.
ثالثاً _ الرد على الفلاسفة والباطنيين في قولهم في الله تعال.
المطلب الثاني: قولهم في إيجاد الكون:
أولاً _ أهل الفلسفة المحضة.
ثانياً _ الباطنيون.
ثالثاً _ بيان بطلان قولهم.
المبحث الثاني: قول فلاسفة الصوفية أصحاب وحدة الوجود:
تمهيد: فيه تعريف بالصوفية.
المطلب الأول: قولهم في وجود الله تعالى وصفاته.
المطلب الثاني: قولهم في إيجاد الكون.
المطلب الثالث: قولهم في وحدة الوجود.
المطلب الرابع: الرد عليهم في دعوى وحدة الوجود.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج.
فصل: في قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام في التوحيد
وفيه تمهيد ومبحثان:
مقدمة:
فلاسفة اليونان ورثوا العالم شراً عظيماً فيما يتعلق بالاعتقاد بالله (ومعرفته وعبادته وقد تأثر بهم في مقالاتهم كثير من اليهود كما تأثر بهم النصارى تأثراً قوياً، بل يمكن القول إن مقالاتهم صبغت تعاليم المسيح (وحلت محلها وذلك عن طريق بولس وغيره من فلاسفة النصارى مع عوامل أخرى عديدة (1) .(6/118)
وكما أثرت في اليهود والنصارى فقد أثرت أيضاً في المسلمين وانتحلها بعض المنتسبين للإسلام وتبنوا تلك الآراء وأخذوا بها، كما أثرت في آخرين أخذوا ببعض مناهج الفلاسفة فأحلوها محل مقابلها من الشرع، إلا أن المسلمين تميزوا بفضل الله عن غيرهم بأن دخول الفلسفة كان لبعض المنتسبين للإسلام، بحيث صاروا فرقة أو طائفة ولم يكن قولاً عاماً يأخذ به جل المسلمين فضلاً عن جميعهم، وإنما أخذ به من كان خاوياً من الوحي والنور المنزل في القرآن والسنة أو كان حظه منهما ضعيفاً وليس كاملاً.
وهؤلاء الذين أخذوا بقول الفلاسفة من المنتسبين للإسلام يمكننا أن نقسمهم إلى ثلاثة أقسام:
1 -أهل الفلسفة المحضة.
2 -الباطنيون.
3- فلاسفة الصوفية.
وقبل أن نذكر قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام نقدم بتمهيد نذكر فيه باختصار تأريخ دخول الفلسفة على المسلمين.
تمهيد: تاريخ دخول الفلسفة على المسلمين
المسلمون كانوا في سلامة وعافية من أقوال أهل الضلالة والانحراف، فقد كانوا زمن الصحابة (والتابعين مجمعين على كتاب ربهم وسنة نبيهم (ليس لهم نظر في غيرهما ولا التفات إلا إليهما، إلى أن ابتلوا بداء من قبلهم من الأمم باسم العقل، فدب فيهم الخلاف والانحراف كما دب في الذين من قبلهم من أتباع الأنبياء. وسنشير في عجالة مختصرة لتاريخ دخول الفلسفة على المسلمين.
أولاً: انتقال فلسفة اليونان إلى المناطق التي طالتها الفتوح الإسلامية
الفلسفة اليونانية كما ذكر كثير من المؤرخين تمركزت قبل الإسلام في ثلاث مناطق هي:
حران (1) : وهي بلاد الصابئة وقد التقت في تلك المدينة الفلسفة اليونانية وخاصة مذهب الفيثاغوريين (2) والأفلاطونية المحدثة (3) مع وثنية أهل البلاد.
ومدينة جنديسابور (4) : حيث أسس كسرى أنوشروان فيها معهداً للدراسات الفلسفية والطبية وكان معظم معلمي ذلك المعهد من النصارى النساطرة (5) السريان (6) .(6/119)
والإسكندرية: التي كانت وارثة أثينا في الفلسفة، حيث أنشأ فيها بطليموس الثاني فيلادلفوس الحاكم اليوناني مكتبة الحكمة وذلك بعد سنة 285 ق. م وجمع فيها كتب الفلسفة، فاجتمع عنده فيها ديانة البلاد وفلسفة اليونان وفيها ظهرت الأفلاطونية المحدثة على يد أفلوطين وفيلون اليهودي (1) وهما مصريان.
ثانياً: دخول تلك الفلسفة على المسلمين
لما دخل المسلمون تلك البلدان التي كانت مراكز للفلسفة اليونانية واحتكوا بأهلها تأثر بعضهم بتلك الفلسفات، ومما زاد في التأثير شغف بعض حكام المسلمين بالعلوم الطبيعية ثم بالعلوم العقلية، فقاموا بترجمة ما وجدوا في تلك البلدان من الكتب.
ويهمنا من ذلك كتب الفلسفة المتعلقة بخالق هذا الكون وإيجاده له. وكان هذا الأمر وهو ترجمة كتب اليونان إلى العربية قد تم عن طريق النصارى السريان سواء كانوا من النساطرة أو اليعاقبة (2) حيث كانوا نقلوا من قبل بعض كتب اليونان إلى لغاتهم خاصة السريان منهم ثم صاروا الواسطة في اطلاع المسلمين على فلسفة اليونان وكان من أوائل المترجمين:
يحي بن البطريق المتوفى 200هـ: الذي ترجم كتاباً سماه ((طيماوس)) لأفلاطون الذي يتحدث فيه عن ترتيب ما يسميه الطبيعة، كما ترجم كتاب ((الأثار العلوية)) لأرسطو.
ومنهم عبد المسيح الحمصي: المتوفى في حدود 220 هـ ترجم كتاب
((الأغاليط)) لأرسطو، وكتاباً نسب خطأً لأرسطو يسمى ((الربوبية)) وهو جزء من تاسوعات أفلاطون.
وأبو زيد حنين بن إسحاق المتوفى عام 260 هـ وابنه إسحاق بن حنين المتوفى عام 298هـ وابن أخته حبيش بن الحسن.
وهم من مترجمي الدولة العباسية وبالأخص المأمون، وقد عني حنين بن إسحاق بترجمة كتب الطب، أما ابنه إسحاق فقد عني بترجمة كتب الفلسفة.
ومنهم قسطا بن لوقا البعلبكي: وهو من نصارى الشام وقد شرح كثيراً من كتب أفلاطون وأرسطو كما ترجم من اليونانية إلى العربية بعض كتب شراح أرسطو.(6/120)
وأبو بشر متى بن يونس القنائي المتوفى عام 328 هـ وتلميذه يحيى بن عدي بن زكريا المتوفى عام 364هـ. وكل هؤلاء من النصارى إما النساطرة أو اليعاقبة. (1)
وبسبب هذه الترجمات اتصل المسلمون بتلك العلوم الفلسفية، ومما زاد في تأثير ذلك اهتمام بعض الخلفاء بهذه العلوم وتشجيعهم لها بل وتقديم المتأثرين بها وانتحال مذهبهم، كما هو الحال مع المأمون (2) والمعتصم (3) والواثق (4) .
وقد كان المأمون من أكثرهم حرصاً على هذه العلوم، حتى أنه راسل ملوك الروم، وأتحفهم بالهدايا، ملتمساً منهم أن يرسلوا بما لديهم من كتب الفلاسفة، فبعثوا إليه ما كان لديهم من كتب أفلاطون (5) وأرسطو (6) وأبقراط (7) وغيرهم من الفلاسفة، فاختار لها أمهر المترجمين وكلفهم إحكام ترجمتها ثم حض الناس على قراءتها ورغبهم في تعلمها.
وكما هو معلوم فإن المأمون قد انتحل مذهب المعتزلة القائم على أصول فلسفية في صفات الله (وأفعاله، كما حمل الناس بقوة السلطان على الأخذ بذلك ومن أبى فليس له إلا الإقصاء أو الحبس والأذى، وتابعه على ذلك أخوه المعتصم ثم ابنه الواثق في امتحان الناس على مذهب المعتزلة بما يسمى في التاريخ ((بفتنة القول بخلق القرآن)) (8) أو ((محنة الإمام أحمد بن حنبل)) .
وهكذا وجدت الفلسفة اليونانية الوثنية طريقها إلى المسلمين، فزاحمت في عقول العديد منهم وقلوبهم وحي الله ونوره المتمثل في القرآن والسنة فراح بعضهم يحاول التلفيق بين الوحي المنزل وبين الفلسفة الوثنية، ومنهم من أقصى الوحي المنزل وأحل محله في جميع الأمور المتعلقة بالله (وصفاته وأفعاله قول فلاسفة اليونان.(6/121)
كما ثبتت طائفة من المسلمين على الحق المتمثل في القرآن والسنة وفهم السلف معرضة بل ومحتقرة سخافات العقول وترهاتها المتمثلة في كلام فلاسفة اليونان ومن أخذ بقولهم مستغنية في عقيدتها وجميع شؤونها الدينية بما جاء من الحكيم الخبير {ومن أصدق من الله حديثاً} النساء (87) ، وهي في نفس الوقت عالمة ومتيقنة بصحته وسلامته من كل خطأ أو شذوذ أو تناقض أو انحراف في كل معلومة متعلقه بالله (أو غيره مما ورد في الوحي المنزل، بخلاف ما عليه كلام الفلاسفة المتخرصين الذين لا يكادون يصيبون في قضية، ولا يسلم ولا يصح لهم وسيلة ولا هدف ولا نتيجة وإنما هم متخبطون متناقضون متهافتون وهم كما قال الله ( {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} الأنعام (148) .
المبحث الأول: قول أهل الفلسفة المحضة والباطنيين وبيان بطلانه
المطلب الأول: قولهم في وجود الله (وصفاته.
أولاً: أهل الفلسفة المحضة:
أهل الفلسفة المحضة، ونقصد بهم من لم يكن منتمياً إلى فرق أخرى، مثل الباطنية والصوفية ونحوه، وذلك مثل: الكندي والفارابي وابن سينا (1) ونحوهم هم تلاميذ لأرسطو وأفلاطون وغيرهم من فلاسفة اليونان الوثنيين، وهم وإن لم يجلسوا في حلقاتهم ويستمعوا إلى دروسهم إلا أنهم تتلمذوا على كتبهم التي ترجمت كما قلنا أولاً من قبل النصارى، فتلقفها عنهم هؤلاء وأخلصوا لها والتزموا ما فيها معرضين عن النور الذي أوحي إلى نبيهم وفيه فصل المقال والحكمة الحقة من لدن حكيم خبير.
فأخذ هؤلاء المتفلسفة بالحظ الأدنى والحال الأردى، فقالوا في الله تعالى قولاً عظيماً ونأوا عن الإسلام وأهله نأياً بعيداً.(6/122)
فمن ذلك قول الكندي (1) الذي يعتبر من فلاسفة المسلمين الأوائل ومما عزي إليه من القول في ذلك: أن الله تبارك وتعالى أزلي واحد بإطلاق لا يسمح بأية كثرة، ولا تركيب، ولا ينعت ولا يتصف بأية مقولة، ولا يتحرك، وهو وحدة محضة، وعنه تصدر كل وحدة وكل ماهية، وهو الخالق والمبدأ لكل حركة (2) .
أما الفارابي (3) فيقول إن الله تبارك وتعالى هو واجب الوجود، وهو قائم بذاته منذ الأزل لا يعتريه تغير من حال إلى حال، وهو عقل محض، وخير محض، ومعقول محض، وعاقل محض، وهو العلة الأولى لسائر الموجودات، وتعينه هو تعين ذاته، وهو إذا وصف بصفات فإنها لا تدل على المعاني التي جرت العادة أنها تدل عليها، وهي صفات مجازية لا يدرك كنهها إلا بالتمثيل (4) .
ويقول ابن سينا (5) : إن الله تبارك وتعالى واجب الوجود، ووجوده عين ماهيته، وهو واحد لا كثرة في ذاته بوجه، ولا تصدر عنه الكثرة، وهو عقل محض لا جنس له، ولا ماهية له، ولا كيفية ولا كمية، ولا أين له، ولا متى، ولا ندَّ له، ولا شريك، ولا ضد له، ولا حد له، ولا برهان عليه، وهو يستحيل عليه التغير، وهو مبدأ كل شيء، وليس هو شيئاً من الأشياء بعده، وهو لا يتحرك وإنما يحرك غيره على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه (6) .
وهو يرى أن الله لا يوصف إلا بالسلب (7) أو الإضافة (8) أو مركب منهما (9) .
ويتضح من ذلك أن هؤلاء المنتسبين للإسلام من الفلاسفة لم يدخل قلوبهم ولا عقولهم شيء من نور الوحي، وإنما راحوا خانعين يرددون كالببغاوات ما قال أشياخهم الفلاسفة الوثنيون، وصاروا إلى المقالة نفسها وهي: أن الله لايوصف لا بالصفات ولا بالأفعال، كما أنه لا ذات له على الحقيقة وإنما هو وجود ذهني مطلق لا وجود له خارج الذهن.
ثانياً: الباطنيون(6/123)
الباطنيون ممن ينتسب للإسلام زوراً وبهتاناً فقد درجوا على كل نحلة وملة إلا الإسلام فإنهم لم يعرفوه ولم يعرجوا عليه. والباطنيون هم من غلاة الشيعة الذين أظهروا التشيع لأهل البيت وأبطنو الكفر والزندقة.
وهم فرق عديدة من أهمها.
الإسماعيلية: وهم الذين يسوقون الإمامة في علي ثم أولاده من بعده الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين (1) ، ثم محمد بن علي بن الحسين الملقب بالباقر (2) ،ثم جعفر بن محمد بن علي الملقب بالصادق (3) ،ثم إسماعيل بن جعفر (4) ، إلا أن إسماعيل هذا مات في حياة أبيه وقد خلَّف ابناً اسمه محمد (5) .
فمن الشيعة من وقف على إسماعيل واعتبره الإمام، وأنه غاب بسبب خوفه على نفسه، وهو لا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
ومنهم من قال: إن الإمام بعد جعفر هو حفيده محمد بن إسماعيل ثم زعموا أن الأئمة المستورين الذين يدعون إلى المذهب في سائر البلدان ابتدأوا من محمد ابن إسماعيل.
وقالوا: إن الإمام إما ظاهر مكشوف، وإما باطن مستور، فإذا كان الإمام ظاهراً جاز أن يكون حجته مستوراً، وإذا كان الإمام مستوراً فلابد أن يكون حجته ودعاته ظاهرين.
وللإسماعيلية عقائد كفرية من أهمها قولهم بقول الفلاسفة الوثنيين في التوحيد كما سنبين.
كما أنهم يزعمون أن للأنبياء أدواراً كل سبعة منهم يمثلون دوراً وكلما جاء آخر السبعة نسخ شرائع الذين قبله ويعتبرون أن محمد بن إسماعيل هو الدور السابع بعد نبينا محمد (فهو ناسخ لشريعته.
وينكرون المعاد والبعث الجسدي والجنة والنار ويزعمون بقاء الحياة وأنها لا تنقطع أبداً، أما القيامة عندهم فهي رمز لخروج إمامهم وهو محمد بن إسماعيل وزعموا أن أعداء الإسماعيلية تبقى أرواحهم في هذه الدنيا تنتقل من بدن إلى بدن، أما الأرواح الزكية فتتحد في العالم الروحاني بعد مفارقتها الجسد وذلك هو جنتها (6) .
ومن الإسماعيلية انبثق القرامطة والحشاشون والفاطميون والدروز.(6/124)
وسنذكر قول كل من الإسماعيلية والدروز إذ هم المنتشرة كتبهم من الفرق الباطنية.
قول الإسماعيلية في وجود الله (وصفاته:
الإسماعيلية قالوا بما قال به من قبلهم من الفلاسفة، فلم يختلف قولهم عن قول من قبلهم إلا في المسميات التي يلبسون بها على المسلمين، فقد نفو عن الله (جميع الصفات بل الذات والأفعال بل قالوا ما يدل على نفي وجوده تبارك وتعالى عما يقولون.
يقول الداعي الكرماني (1) في كتابه ((راحة العقل)) : إن الله تعالى لا يوصف بالوجود، وعلل ذلك بأن إثبات وجوده يحتاج إلى إثبات موجد، فعليه فهو غير موجود (2) كما أنه لا موصوف ولا هو لا موصوف (3) فكل صفة يوصف بها المخلوق الموجود لا يوصف الله (بها.
وقال الحامدي (4) : ((فلا يقال عليه -يعني الله (- حي ولا قادر ولا عالم ولا عاقل ولا كامل ولا تام ولا فاعل لأنه مبدع الحي القادر العالم التام الكامل الفاعل ولا يقال له ذات لأن كل ذات حاملة للصفات)) (5) .
ومن هذا قول محمد بن سعد بن داؤد الرفنة (6) في رسالته الكافية:
((الحمد لله الملك المبدع الأحد الفرد الصمد من غير عدد رافع السموات بلا عمد الذي لم يزل في القدم موجوداً، وبأزل الأزل معبوداً لا يدخل على ذاته التغيير ولا يعزب مثقال ذرة عن علمه ولا تحويه الأشياء ولا يدركه العقل أو يشمله الفكر، ليس هو موجوداً فيوصف ولا غائباً فينعت سبحانه لا إله إلا هو ظهر للكل بالكل، فلولا وجوده لما عرفه أحد لأنه لا بمكان كائن ولا يوجد تفاوت في ذاته القويمة القديمة)) (7) .
قول الدروز:
الدروز طائفة من الباطنية الإسماعيلية، تعزى إلى رجل تركي يسمى: محمد بن إسماعيل الدرزي، واسمه الحقيقي " نشتكين". وفد إلى مصر سنة 407هـ، فحسن للحاكم بأمر الله الفاطمي (8) ادعاء الألوهية.(6/125)
فالدروز يؤلهون الحاكم، ويعتقدون أنه الصورة الناسوتية للإله، ويعبدونه ويصرحون بذلك، وإن كان بعضهم يحاول أن يخفي ذلك. وهم يقولون بالتناسخ بعد الموت، وأن الشرائع كلها منقوضة إلا عقيدتهم، التي يطلقون عليها التوحيدية. (1)
والدروز كإخوانهم الإسماعيلية وعموم الباطنية في نفيهم عن الله تعالى جميع الصفات، بل الذات والأفعال، فهذا د. سامي نسيب مكارم الدرزي يقول في كتابه " أضواء على مسلك التوحيد ": " فهو تعالى لا شخص ولا روح ولا شيء، ولا جوهر ولا عرض ولا فكر ولا جسم ولا وجود ولا عدم، ولا عنصر، ولا كثيف ولا لطيف، ولا نور ولا ظلمة، ولا جزء ولا كل، ولا علوي ولا سفلي، ولا قائم ولا حاضر، ولا ماض ولا مقبل (2) ، ولا كبير ولا صغير، ولا قريب ولا بعيد، ولا أية صفة تضمنتها اللغات والكلمات أو تصورتها وتخيلتها الأفهام. فهو منزه يتعدى جميع الصفات التي يدركها البشر بحواسهم وبعقولهم، وبمشاعر قلوبهم، بل كل ما يقال عنه مجاز ودلالة " (3) .
ثالثاُ: الرد على الفلاسفة والباطنيين في قولهم في الله (
الفلاسفة المنتسبون للإسلام الحجة عليهم قائمة أكثر وأعظم ممن قبلهم من الوثنيين، لأنهم أدركوا الإسلام وعرفوه، ووجد بين أيديهم ما يفضح فساد قول أهل الضلالة، ويظهر عوره ونقصه، لو كانوا يبصرون. وهؤلاء نرد عليهم من ناحيتين عقلية وشرعية:
أما عقلاً فنقول:
1 إن كلام الفلاسفة السابقين واللاحقين عن الخالق تبارك وتعالى كله من باب الظن والتخمين، لأنهم لم يروا الباري تبارك وتعالى، ولم يروا شبيهاً له، ولم يشهدوا خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم، كما لم يأخذوا قولهم هذا عن مخبر صادق، فبالتالي لا يعدو أن يكون ظناً وتخميناً.(6/126)
2 إنهم بنوا كلامهم عن الباري تبارك وتعالى على النظر في مخلوقاته مما يحيط بهم ويرونه ويشاهدونه، وهذا ليس كافياً في إعطاء العلم الصحيح الكامل بالله عز وجل لأن مخلوقاته تدل على أشياء عامة وليس أشياء دقيقة كما راحوا يحاولون أن يقرروا ويثبتوا.
3 إنهم استخدموا في كلامهم عن الله (قياس الغائب على الشاهد قياس تمثيل وقياس شمول، وكل ذلك باطل بالنسبة لله (،لأن قياس التمثيل قياس يستوي فيه الأصل والفرع، وقياس الشمول يستوي فيه الأفراد تحت حكم واحد (1) ، وإذا كان الفلاسفة يرون أن الله لا يشبهه أحد فقياسهم فاسد وموصل لفساد، لأنهم به: إما أن يجعلوه شبيهاً لغيره، بناءً على قياس التمثيل، أو يجعلوه محكوماً بقاعدة واحدة هو وأفراد من جنسه، بناءً على قياس الشمول، أو ينفوا وجوده، بناءً على الغلو في نفي المشابهة.
وهذا كله باطل والأولى من ذلك استعمال قياس الأولى وهو أن ما كان كمالاً في المخلوق فالخالق واهبه فهو أولى به، وما كان من نقص فالخالق منزه عنه لكماله وجلاله (2) .
4 إنهم لم يقفوا في نظرهم ومحاولتهم التعرف على خالق هذا الكون على النظر إلى المخلوقات الظاهرة أمام أعينهم فيهديهم ذلك إلى كمال وجلال موجدها وخالقها، وإنما راحوا يبحثون في أصل مادة الكون وعلة وجوده ومباحث أخرى هي تبع لذلك مبنية على الظن والتخمين وبنوا على ذلك الخرص والتخمين وصف الله (ومعرفته، مع أن معرفة أصل الأشياء ومادتها الأولية فيه صعوبة بل عسر، أما مابعد عنا كالكواكب والسموات وما غاب عنا من المخلوقات فمعرفة أصل مادته أقرب إلى المستحيل، فيكون إدراج ذلك كله في قضية واحدة مع المشاهد المحسوس من الخلق خلفاً وخطأً كبيراً.(6/127)
5 إن إثبات وجود الله (ضرورة من الضروريات بل هو من أوجبها وألزمها وأوضحها، ولا ينكر وجوده جل وعلا إلا مكابر جاحد لأن مما هو مستقر في الفطر وبدهي في العقل أن كل موجود لا بد له من موجد، ولا بد أن يصل التسلسل إلى نهاية وإلا كان باطلاً والتسلسل في الوجود موصل إلى نهاية وهو الله تبارك وتعالى، وهذا لا يخالف فيه إلا شذاذ ملاحدة الفلاسفة. (1) وهنا نقول كما أن الله تبارك وتعالى وجوده ضروري، فكذلك إثبات صفاته تعالى ضروري لعدة أمور:
أأن وجوده موجب لإثبات صفاته لأن كل موجود لابد أن يكون له صفات، فإذا لم يكن له صفات فهو المعدوم، والمعدوم ليس شيئاً موجوداً بل هو كاسمه ليس بشيء.
فلا يفرق بين الموجود والمعدوم إلا بوجود الصفات في الموجود وانتفائها عن المعدوم.
ب أن كل موجود إنما يتميز عن غيره بالصفات الخاصة به فالبشر يتميزون فيما بينهم بالصفات وهكذا سائر المخلوقات، وهي وإن كان بينها تماثل من وجه في تلك الصفات إلا أن بينها تمايزاً ظاهراً من وجوه أخرى، فكذلك الخالق تبارك وتعالى يتميز عن البشر بالصفات التي تميزه عن المخلوقات تميزاً ظاهراً.
ج أن إثبات التمايز وعدم التماثل بين الخالق والمخلوق ضروري، كإثباتنا لوجوده وصفاته، لأنه وإن كان البشر وسائر المخلوقات تتصف بصفة الوجود، والخالق تبارك وتعالى متصف بذلك إلا أن الفرق بين الوجودين ظاهر واضح، فوجود كل موجود سوى الله (محدود له بداية، كما أنه يستمد وجوده من إيجاد الله تبارك وتعالى له، أما الله تبارك وتعالى فلا بداية لوجوده ولا يستمد وجوده من أحد سبحانه فهو الفرد الصمد وهو الأول والآخر. فعلى هذا لا بد أن يكون له من الصفات أكملها وأعلاها مما لا يماثله فيها أحد من مخلوقاته.(6/128)
د أن وجود المخلوقات موجب لوجود الصفات للخالق لأنه لا يمكن بحال أن توجد هذه المخلوقات مع ما هي عليه من حسن الخلق وعجيب الصنع وبديع النظام، ممن هو فاقد للصفات، فلا بد من إثبات الصفات حتى يصح نسبة الإيجاد إليه، وعزو الفلاسفة ومن أخذ بقولهم الإيجاد إلى أشياء في زعمهم صدرت عن الله مثل النفس الكلية والعقل وما إلى ذلك، إنما هو خرافة لأنه لا يمكن أن توجد النفس الكلية التي تفعل وتوجد أو تدبر وتتصرف والأصل الذي صدرت عنه فاقد لذلك، فمن أين لها أن توجد لنفسها الصفات التي تؤهلها للفعل والتدبير ما لم يكن أصلها يملك ذلك.
6 أن ما ذكره الفلاسفة في وصفهم لله تبارك وتعالى كلام فاسد لا يعدو أن يكون كلاماُ لا يثبت به شيء. وذلك يتضح من وجوه:
أولاً: قولهم إن الله تبارك وتعالى عقل، كما يصرح بذلك الفارابي وابن سينا، يعني أن الله فكر أو فكرة أو شيء معقول أو يَعْقِل ويُعْقَل، وهذا كله إثبات لمعنى بدون ذات، وهو أمر لا يعقل ولا يفهم، إنما المفهوم منه أنه لا ذات له جل وعلا، ومنهم من صرح بذلك، كما قال بذلك الحامدي والدرزي، وكل ما لا ذات له لا وجود له، أو لا وجود له بنفسه، بل يكون قائماً في غيره أو صادراً عن غيره مثل الأفكار والكلام فهي معان وصفات تقوم بغيرها ولا تقوم بنفسها، والفلاسفة ينفون أن يكون الله قائماً بغيره أو صادراً عن غيره، لأنهم يدعون أنه علة للوجود، فبالتالي يكون مرادهم أنه لا ذات له، وهذا نفي لوجوده وهو قول يتناقض تماماً مع دعوى وجوده ودعوى صدور العالم عنه كما سيأتي. فيتفقون بذلك مع ملاحدة الفلاسفة.(6/129)
ثانياً: قولهم بأنه واحد أو أوحد مرادهم به: أنه واحد من كل وجه بحيث لا يوصف بغير الواحدية أو الأحدية وهذا نفي لصفاته، وهو نفي لوجوده أيضاً، لأن كل موجود لا بد أن يوصف بالصفات، كما سبق أن بينا، فإذا انتفت عنه الصفات فذلك نفي لوجوده، لأن إثبات وجود الشيء إنما هو إثبات لصفاته، فلا يمكن أن يكون موجوداً لا صفة له لأنك حين تقول لا صفة له فذلك يعني أحد أمرين: إما أنك غير قادر على التعبير عن صفاته بالعبارات الصحيحة مثل قول النبي (عن سدرة المنتهى: ((فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها)) (1) . وهذا ما لا يقصده الفلاسفة.
والمعنى الآخر الذي يقصدونه: أنه لا صفة له في نفس الأمر يمكن أن تذكر أو يعبر عنها بعبارة، وحقيقة هذا أنه مثل قولك لا وجود له، لأن ما لا صفة له هو المعدوم الذي لا وجود له، وهذا يتنافى مع العقل، ولازم أخذهم بالعقل يوجب عليهم إثبات الصفات لأن نفي الصفات بالكلية عن الموجود ينافي العقل، فإن العقل لا يثبت موجوداً إلا له صفات، وما نفى العقل وجوده هو ما لا يستطيع أن يصفه بصفة وهذا هو حقيقة قول هؤلاء الفلاسفة الدهرية.(6/130)
ثالثاً: نفيهم عن الله (التغير إنما يريدون به -كما ينص على ذلك ابن سينا وغيره-: أنه لا يحدث فيه أي تغير لا في الماضي ولا في المستقبل مهما كان هذا التغير قليلاً. هو قول لا يقبله العقل فضلاً عن الشرع، لأن معنى ذلك نفي لفعله وتشبيه له بالمعدوم أو الجماد، لأن المعدوم لا يتأتى منه الفعل، كما أن الجماد لا يتأتى منه فعل ولا تغير إلا أن يُغَير أما هو فلا يغير نفسه، ومعنى ذلك أن الله تبارك وتعالى لا يريد ولا يأمر ولا ينهى ولا يدبر ولا يتصرف في شيء بل الأشياء هي التي تتصرف دونه، ولا قدرة له عليها ولا تدبير له فيها، وهي المدبرة المتصرفة بشأنها، وكل ذلك يأباه العقل، فإن الحياة والإيجاد والتصرف والتدبير الموجود في الكون، إما أن يعزى إلى فاعل مدبر متصرف ذي قدرة كاملة وإرادة تامة، وإما أن يعزى إلى جماد أو عدم، ولا شك أن العقل مضطر إلى الإقرار بوجود الخالق المتصرف ذي القدرة والإرادة والتدبير، وإلا انتفى وجود الكون كله، لأن ما فيه من خلق وإيجاد وتصرف وتدبير يدل على وجود وحياة الخالق وكمال قدرته وإرادته دلالة واضحة يضطر إليها كل عاقل، فضلاً عمن أمعن ودقق النظر، فإنه سيضطر إلى الإقرار بوجود الخالق ذي الجلال والإكرام.
وقول ابن سينا وغيره: إن الخالق لا يتغير ثم يزعمون أن الخلق صدر عنه، كما سيأتي مثل من يزعم أن جبل أحد أو أن صخرة صماء أوجدت بنفسها إنساناً أو حيواناً بدون فعل فاعل أو أن إنساناً أو حيواناً صدر عنها ووجد منها، فهذا كله مناف للعقل ويستسخفه كل ذي عقل سليم.
رابعاً: قولهم إنه لا يتحرك كما هو زعم ابن سينا هو مثل سابقه لأنه يتضمن نفي حياته، لأن فرق ما بين الحي والميت الحركة فالشيء الذي لا يتحرك هو الميت أو الجماد، والجماد ميت لا حياة فيه.(6/131)
ولا شك أن هنا سؤالاً يطرح نفسه وهو: كيف يتأتى من ميت أو فاقد للحركة أن يعطي الحياة ويبث الحركة في غيره، هذا أمر مرفوض غير مقبول، لأنا إذا نظرنا في المصنوعات التي صنعها الإنسان فإنا نراه يصنع المصنوعات ويبث فيها الحركة بما يجعل فيها من الطاقة والقدرة على ذلك بواسطة الوقود أو الكهرباء أو نحو ذلك، والإنسان حي متحرك فأمكن له أن يوجد متحركاً بما مكنه الله فيه، فالله تبارك وتعالى أولى أن يكون حياً يفعل ما يشاء، فإن لم يكن كذلك فلا يمكن أن يوجد هذا الكون لأن الميت لا يفعل ولن يفعل شيئاً.
خامساً: قولهم إنه محرك لغيره بدون أن يتحرك، كما ادعى ذلك ابن سينا: هو وصف اضطروا إليه، حتى يثبتوا دوراً للخالق تبارك وتعالى في الكون، وهو ما يسمونه: العلة الأولى، وحتى لا يضطروا إلى القول بأن الأشياء أو المادة التي يزعمون أنها قديمة، كما سيأتي فعلت بنفسها فتكون هي الخالقة الموجدة ويكون دعوى وجود الخالق دعوى فارغة لا حاجة إليها ولا ضرورة.
ولا شك أن قولهم إنه محرك بدون أن يتحرك قول لا يستقيم لهم وهو باطل بناءً على كلامهم من عدة أوجه:
1 أن دعاويهم السابقة في نفي ذاته وصفاته وأفعاله تبطل دعواهم إنه محرك لغيره لأنه لا يمكن لشيء لاصفة له ولا ذات ولا فعل أن يكون محركاً لغيره فهذا محال.
2 أن دعواهم إنه محرك لا يتحرك: دعوى متناقضة لأنه ما لم يكن بنفسه متحركاً فكيف يحرك غيره؟ إلا أن يكون كالصخرة التي تسقط على غيرها فتدفعها وتحركها، إلا أن ذلك ينفيه الفلاسفة لأن لازم ذلك أن لحركته علة خارجة عنه، والعله تحتاج إلى علة أخرى إلى ما لا نهاية، وهذا ما يحذره الفلاسفة ويمنعونه، فهم مضطرون إلى القول بهذه الدعوى المتناقضة حتى يدفعوا التسلسل إلى ما لا نهاية.(6/132)
3 أن دعواهم: إن تحريكه لغيره على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه دعوى خيالية ظنية باطلة، فليس لهم عليها أدنى دليل سوى الدعوى، ثم إن المعشوق حسب تعبيرهم لا يمكن أن يُعشَق وهو لا صفة له ولا ذات ولا فعل.
4 أن الحركة الناتجة من دعوى التحرك على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه حركة في غاية الضعف لا تعدو أن تكون حركة قلبية أو نحوها، فكيف يمكن لحركة بهذا الضعف أن ينتج عنها هذا الوجود الباهروالصنع المتقن للكون.
سادساً: إن زعم الإسماعيلية الباطنية أن الله تبارك وتعالى غير موجود هو تصريح منهم بالإلحاد والدهرية، فهم بذلك اشد كفراً من الفلاسفة المؤلهة.
سابعاً: إن تصريح الداعي الكرماني بأن الله لا موصوف ولا هو لا موصوف (1) ، وقول الآخر " الرفنة " لم يزل في القدم موجوداً، ليس هو موجود فيوصف (2) إنما هو قول بالنقيضين، وهو قول متناقض شرعاً وعقلاً، لأن النقيضين لا يرتفعان ولا يجتمعان. (3)
أما شرعاً فنقول:
1 إن قول هؤلاء الفلاسفة المبني على قول فلاسفة اليونان السابقين مخالف لأصل الإسلام ودين الله تعالى، ولا يمت إليه بأية صلة كما لا يمت إلى أية تعاليم من تعاليم الأنبياء السابقين عليهم السلام، وليس لهم عليه أي شبهة شرعية في ذلك.
2 إن الله تبارك وتعالى قد أفادنا في القرآن الكريم بأن له الصفات العلى مثل: السمع، والبصر، والكلام، والحياة، والقدرة، والإرادة، والعلم، والغضب، والرضى، والاستواء، والعلو، والإتيان، والمجيء، كما أفادنا بالتصرف والتدبير لشؤون خلقه إلى غير ذلك من صفات الكمال والجمال وقد ورد هذا في القرآن بحال يعتبر أعظم الموضوعات وأكثرها تأكيداً وذكراً، وهذا البيان من الله (إما أن يؤمن به هؤلاء الفلاسفة، فعندها يلزمهم أن يقروا به وينبذوا قول الفلاسفة الوثنيين لأنه على نقيضه، أو يزعموا أنهم غير مؤمنين به فيكون حكمهم الظاهر الكفر والزندقة.(6/133)
أما أن يزعموا أنهم مؤمنون مع بقائهم على هذه المقالة ثم يحاولوا أن يجدوا مخارج لما ادعوا بالتلفيق بين الشرع والفلسفة بدعوى التأويل، فهذا باطل لأن صراحة دلالة القرآن على إثبات الصفات ووضوحها يمنع كل تأويل ويبطله.
3 إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد أخبروا بواسطة الوحي عن الله (فهم مبلغون عمن يخبر عن نفسه بما أخبر وعلَّم من صفاته وأفعاله مع كمال صدق الأنبياء عليهم السلام ونصحهم وعصمتهم من الخطأ في التبليغ.
أما الفلاسفة فقد أخبروا عن الله (بعقولهم ونظرهم فيما لم يروه ولم يرو شبيهاً له، وأخبروا بمقولات ناقصة ومتناقضة، وهم في الأصل يعتريهم ما يعتري البشر من النقص في العلم والخطأ والسهو وما إلى ذلك، وقد ثبت خطؤهم في الأمور الدنيوية حتى أنه ما يكاد يأتي تلميذ إلا وينقض كلام شيخه أو يزيد عليه أو ينقص، فخطؤهم فيما لم يشاهدوه أكبر وأعظم، فمن هنا من قدم قول الفلاسفة على قول الأنبياء عليهم السلام في الله (فقد ترك الصدق وأخذ بالكذب وترك اليقين وأخذ بالخرص والظن والتخمين.
4 إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد وصفوا الله (بكل صفات الكمال والجمال والجلال فهم يصرحون بوضوح بأن الله تبارك وتعالى واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد وأنه لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، وأن صفاته لعظمتها وجلالها لا يمكن لبشر أن يحيط بها علماً أو يقدرها بقدر فالله أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء.
والفلاسفة يصرحون بوضوح أن الله لا ذات له ولا صفات ولا فعل ولا خلق ولا حق، فهو عديم الذات عديم الفعل، فقير لا حول له ولا طول، ولا تدبير ولا تصرف، تعالى الله عن قولهم.
ولا شك أن العقل والنفس إنما يرتاح لقول الأنبياء المتضمن تعظيم الله وإجلاله.
أما القول الثاني فهو مرفوض عقلاً لما فيه من تنقص الله (ونفي وجوده حقيقة كما يتضمن نفي فعله وحقه جل وعلا.(6/134)
5 إن مقالة الأنبياء في الله (متسقة متوافقة فهم لم يختلفوا فيما بينهم في وصف الله تبارك وتعالى بصفات الكمال والجلال، أما الفلاسفة فمقالتهم متناقضة، وهم على ثلاث مقالات في الله تبارك وتعالى، فمنهم من أنكر وجود الله تعالى بالكلية، ومنهم من زعم أن هذا الوجود هو الله جل وعلا، وهم أصحاب وحدة الوجود، ومنهم من زعم وجود موجود أعلى هو علة وجود هذا العالم، يشيرون بذلك إلى الله تعالى. (1) وتلك المقالات يختلف أصحاب كل مقالة فيما بينهم فيها، مع أنها قائمة على أصل واحد عندهم وهو العقل.
فأيهما أولى بالحق والقبول قول من تناقض في قوله مع العقل والشرع أم قول من قال بالحق واتفق قوله مع العقل والشرع.
وفي ختام هذا نقول: إن كلام الفلاسفة، - سواء منهم: الوثنيون، أو المنتسبون للإسلام - عن الله تبارك وتعالى متناقض في حقيقته مع الضرورات العقلية والبدهيات، فبالتالي يمكن أن يعزى في أصله إلى واحد من أمرين:
إما وساوس من الشيطان قلبت في رؤوسهم الموازين، فقالوا بالمتناقض الفاسد.(6/135)
وإما مبادئ فاسدة وعقائد وثنية في رؤوسهم بنوا قولهم عليها، ولم يتبينوا فساد تلك المقالات لأن قلوبهم وعقولهم قد أشربت الضلالة فصارت منتكسة لا تستبين الصراط والنور والحق، والأخير في رأيي هو السبب المباشر لضلالهم وانحرافهم، ومن رأى ضلال البشر أدرك ذلك، فإنك ترى الرجل العاقل ذا النظر الثاقب والمعرفة الجيدة بأمور الدنيا، وقد يكون ذا رئاسة وزعامة لم يصل إليها إلا بحسن تدبيره وعلمه وعقله، ومع ذلك فتراه في آخر النهار يسجد لصنم أو يذهب إلى السوق ويشتري صنما ينظفه ويطيبه وينير الشموع له في البيت ثم يقدم له صنوف الخضوع والذلة والتعظيم والإجلال، وما ذلك لنقص في فهم، وإنما لما تشرب عقله ووجدانه وقلبه من عقيدة متعلقة بهذا الصنم، وقد يقبل في مقابل ذلك من الهذيان والقصص ما لا يروج على الأطفال لاستعداده لذلك، وهذا ما حدث لأولئك الفلاسفة الذين استخدموا عقولهم في أمور الدنيا، فلما ارتفعوا بنظرهم إلى الخالق لم يندرج معهم تحت مجال النظر والبحث والملاحظة ولا تحت القياس الشمولي، فرجعوا إلى عقائدهم يستلهمون منها المعاني التي يمكن أن توضح لهم المقالة في الله تبارك وتعالى إلا أن عقائدهم كانت وثنية، فأعطتهم مما فيها فخرجوا بهذه المقالات الساقطة والتخيلات الفاسدة - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
ثم إن الفلاسفة لم يتمكنوا من الانتباه إلى عور تلك المقولات وفسادها بسبب ما درجوا عليه مما هو أفسد منها من العقائد، فلهذا قالوا بها وأخذها عنهم أمثالهم الذين هم مثلهم في المرض فلم يدركوا عورها وفسادها، أو وجدوها أفضل ما يمكن أن يتوصلوا إليه أو أفضل مما هم عليه من الإلحاد فالتزموها، ثم عملت الشهرة وباقي مقولات الفلاسفة في الأمور الدنيوية في إضفاء الهالة على كلامهم حتى صاروا يقاسون لدى أتباعهم بالأنبياء أو يوصفون بأنهم عظماء البشرية وهداتها.(6/136)
فهذا كله يبين أن مقولة الفلاسفة في الله تبارك وتعالى مبنية على عقائد وثنية، فكيف يليق بمن يدعي الإسلام أن يأخذ بتلك المقالات وهي متناقضة وعورها وفسادها بين لكل ذي عينين.
المطلب الثاني: قولهم في إيجاد الكون.
الفلاسفة والباطنيون لم يخرجوا عن قول الوثنيين في دعوى إيجاد الكون، وإنما أخذوا مقالة أشياخهم.
أولاً: أهل الفلسفة المحضة.
قول الكندي
يرى الكندي: أن الفلك أو الجرم الأقصى مخلوق من العدم وهو جسم حي فاعل يسمع ويبصر وهو الذي يهب الحياة في الكائنات اضطراراً (1) .
فقول الكندي هذا متفق فيه مع ما قال به أرسطو وأفلاطون من أن للكواكب حياة وتصرفاً وأنها التي تهب للكائنات الحياة، إلا أن الكندي هنا لم يفصل لنا ترتب إيجاد الكائنات، وهذا فيما يذكر "عبد الرحمن بدوي" يعود إلى فقد الجزء الثاني من كتابه ((الفلسفة الأولى)) ،وهو الذي يحوي قوله في هذه المسألة كما أنه خالف الفلاسفة الأوائل في قوله بأن الفلك الأقصى مخلوق من العدم (2) .
قول الفارابي:
الفارابي كما سبق عنه يرى أن الله -تعالى عن قولهم-:عقل وعاقل ومعقول، وهو عنده واحد من كل وجه، والواحد لا يصدر عنه إلا واحد (3) .فبناءً على هذا فعنده أن الأول، وهو الله تعالى صدر عنه وفاض عنه العقل الثاني، أو المسمى الموجود الثاني.(6/137)
وبسبب أن العقل الثاني يعقل الأول، ويعقل ذاته، أو بمعنى آخر فكر في الأول وهو الله تعالى وفكر في نفسه صدر عنه بسبب ذلك شيئان، أحدهما: العقل الثالث، وثانيهما: الفلك الأقصى بمبادته وصورته ونفسه، ثم العقل الثالث بسبب عقله للأول صدر عنه عقل رابع، وبسبب عقله لذاته صدر عنه الكواكب الثابتة بمادتها وصورتها ونفسها. وهذا الرابع صدر عنه بسبب عقله للأول، صدر عنه عقل خامس، وبسبب عقله لذاته صدر عنه زحل. وهكذا تصدر العقول والكواكب إلى آخرها العقل الحادي عشر، ويسمى العقل الفعال، وآخر الكواكب والأجرام السماوية القمر، ثم عنده تتكون الموجودات الأخرى من مواد مشتركة للأجرام السماوية، وبسبب دورانها واختلاطها تكونت العناصر الأربعة، وهي: الماء والهواء والتراب والنار، ثم من العناصر الأربعة تكون سائر الموجودات من حيوان ونبات ومعدن وغير ذلك. وعنده أن العقل الفعال، وهو آخر العقول هو الذي يتولى تدبر الأمور المتعلقة بتكون المخلوقات التي تحت فلك القمر (1) .
قول ابن سينا:
قال ابن سينا بما قال به الفارابي على تفاوت في التعبير والترتيب حيث يقول: إن الواحد الأول: وهو عنده الله تبارك وتعالى لم يصدر عنه إلا واحد فاض عنه فيضاً مبايناً لذاته وهو: العقل الأول، والعقل الأول: ليس مادة ولا صورة بل هو عقل محض، فهو يعقل الأول، ويعقل ذاته، ويعقل إمكان وجوده المندرج تحت تعقله لذاته، ويصدر عنه بسبب هذه التعقلات الثلاث ثلاثة أشياء: فعقله الأول يصدر عنه عقل تحته، وعقله لذاته: يصدر عنه صورة الفلك وهي النفس، وعقله لإمكان وجوده المندرج تحت تعقله لذاته: يصدر عنه جرم الفلك الأقصى، ثم يصدر عن كل واحدة من هذه: عقل ونفس وفلك بجرمه وصورته (2) إلى تمام العشرة عقول وأنفس وأفلاك يصدر كل واحد منها عمن قبله، فالعقل الثاني ومعه الفلك الأقصى ونفسه، ثم يصدر عنه العقل الثالث ومعه فلك الكواكب الثوابت ونفسها.(6/138)
ثم العقل الرابع ومعه فلك زحل ونفسه.
ثم العقل الخامس ومعه فلك المشتري ونفسه.
ثم العقل السادس ومعه فلك المريخ ونفسه.
ثم العقل السابع ومعه فلك الشمس ونفسها.
ثم العقل الثامن ومعه فلك الزهرة ونفسها.
ثم العقل التاسع ومعه فلك عطارد ونفسه.
ثم العاشر وهو العقل الفعَّال ومعه فلك القمر ونفسه (1) وهو آخر الفيوض عنده وهو الذي يدبر أنفسنا (2) .
ومن العقل الفعَّال: تفيض العناصر الأربعة، ومنها تتكون الأجسام وتتطور تلك الأجسام صعوداً من الجماد إلى النبات فالحيوان البهيم، فالإنسان (3) .
وعنده أن علم الله بخلقه هو علمه بما صدر عنه وما عليه الوجود، وعنايته بالخلق هي ما جعل فيه من نظام الخير على الوجه الأبلغ (4) وليس معنى العناية عنده إكرام شخص دون شخص ولا تبديل في القوانين الطبيعية حباً بالبعض أو نصرة لبعض على بعض (5) .
ثانياً: الباطنيون.
قول الإسماعيلية في إيجاد الكون.
الإسماعيلية الباطنية لما لم يثبتوا صفة ولا فعلاً بل ولا ذاتاً لله (كما فعل أشياخهم الفلاسفة، راحوا يخترعون الوسائط بين من يسمونه الموجود الأول ومُبْدَعِه، وهي أقوال مقتبسة من الفلاسفة الوثنيين مع تفاوت بينهم في تلك الأسماء المفتراة.
فهذا الكرماني: يزعم أنه صدر عن المتعال بنفسه المُبْدَع الأول وهو: العقل الأول، وهو عين الإبداع وعين المبدع عين الوحدة وعين الواحد، وأن العقل الأول هو: الموجود الأول الذي لا يتقدمه شيء ولا يسبقه في الوجود سواه (6) ، وأنه واحد لا مثيل له، وأنه لا يعقل إلا ذاته (7) وأنه علة الموجودات كلها وهو المحرك الأول لجميع المتحركات (8) .
وقد انبعث عن العقل الأول اثنان:
أحدهما: العقل الثاني وعنه صدرت الملائكة والأرواح.
ثانيهما: الهيولى والصورة أو ما يسمونه اللوح وعنه صدرت العناصر الأربعة والأجسام، ومن مجموع العقل الثاني والجواهر صدرت سائر الكواكب والإنسان وسائر المخلوقات الأخرى (9) .(6/139)
كما ورد في إحدى رسائل الإسماعيلية:
أن أول ما أوجد المبدِع من أمره العقل، فحصر في جوهره صور المبدَعات كلها كي لا يذهب منها شيء، وزعموا أن العقل يسمى القلم والعرش والأول والسابق والهيولى والشمس، ثم بعده النفس وهي صادرة عن الأول وتسمى اللوح والملك والتالي والقدر والصورة والقمر.
ويقال لهما معاً الأصلان وذلك أن العقل والنفس مرجع الأشياء سواء أكان روحانياً أو جسمانياً (1) .
وقال " الرفنة" في الكافية عن الإنسان: ((هو المولود المنتقى الروحاني الممكن الوجود عن الحدين العلويين اللذين هما والداه وهما: الإبداع الأول: العقل، والإبداع الثاني: النفس التي فاضت عنها الحدود الروحانية وقامت منها السموات والأرض وما فيهن على أحسن حال قال: {حملته كرهاً} الأحقاف (15) والحمل على الابتداء، لأنه في البداية كان صفراً من الإشراق، والأنوار العلوية {ووضعته كرهاً} الأحقاف (15) ، أي أظهرته إلى الوجود قبل أن تتصل به لمعات التأييد الخفية، وعلى وجه ثان ... لما تكاملت صورته الروحانية، أظهرته النفس بالقوة الإلهية)) (2) .
فهذان الباطنيان يزعمان أن وجود الإنسان وكذلك سائر المخلوقات يعود إلى خالقين مبدعين وهما: العقل والنفس، ويستدل الأخير منهما بقول الله ( {حملته كرهاً ووضعته كرهاً} الأحقاف (15) .هكذا يزعم.
وقال أصحاب رسائل إخوان الصفا: إن أول فيض، فاض من الله تبارك وتعالى بلا زمان ولا مكان ولا واسطة هو: العقل الفعَّال، وهو عندهم نور الله تبارك وتعالى وهو جوهر بسيط نوراني فيه صورة كل شيء وهو باق تام.
ثم أوجد النفس الكلية بواسطة العقل وهي نور العقل وفيضه الذي فاض منه، وهي جوهرة بسيطة روحانية حية فعالة، وهي صورة من صور العقل الفعَّال، وهي باقية تامة غير كاملة.
ثم أوجد الهيولى الأولى منه وهي ظل النفس وفيئه، وقد فاضت من النفس وهي جوهر روحاني باق غير تام ولا كامل.(6/140)
ثم الصور المجردة، وهي النقوش والأصباغ والأشكال التي عمتها النفس في الهيولى (1) .
هذا قول إخوان الصفا في الأمور التي يسمونها الروحانية.
أما الأشياء الطبعية فعندهم أنها: أبدعت وأحدثت على التدريج عبر الدهور والأزمان، وذلك أن العقل الفعَّال كان يفيض على النفس الكلية الفضائل والخيرات، فلما امتلأت النفس من تلك الفضائل أخذها شبه المخاض فأقبلت تطلب ما تفيض عليه تلك الخيرات والفضائل وكان الهيولى الكلي أي الجسم المطلق فارغاً من الأشكال والصور والنقوش، فأقبلت النفس على الهيولى تميز الكثيف من اللطيف وتفيض عليه تلك الفضائل والخيرات، فخلق من ذلك الجسم عالم الأفلاك وأطباق السموات من لدن الفلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض، وركب الأفلاك بعضها في جوف بعض، وركز الكواكب مراكزها (2) ، ورُبطت به النفس الكلية من أعلى فلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض، وهي سارية في جميع أفلاكه وأركانه ومولداته، ومدبرة لها ومحركة (3) .
قول الدروز:
الدروز كإخوانهم الإسماعيلية في الكفر والإلحاد في دعوى وجود الله (وخلقه للعالم فهم يعتقدون أن الله تبارك وتعالى نور محض وهو معنى من زعم أنه لا صفة له ولا ذات، وأنه أوجد العقل الأول. وفي هذا يقولون:
((العقل الأرفع أو الكلي الذي هو المُبدَع الأول أُبْدِع من النور الشعشعاني المحض صورة صافية كاملة فتضمن في سره معنى ما كان وما يكون دفعة واحدة بدون زمان، فكان قوة كاملة وفعلاً تاماً وكان علة العلل وأصل الوجود وغايته معاً ...
ثم قالوا: والعقل: هو فعل الإبداع وهو يصدر عن فيض تنزُّه الطاقة وكمالها بإمداد المهيمن له بالقوة التامة والنور الفائض.
ولقد تعالى المهيمن عن إلزام المبدِع والمبدَع والإبداع، فالعقل هو الأمر من قبل ومن بعد، وقد نزل المبدَع الأول في تعقله وخلقه مضطراً بذلك بعد أن أفاض عليه المهيمن نوراً وقوة ...(6/141)
ثم قالوا: وطالما أن العقل الأرفع يعقل المهيمن في انبثاقه من فيضه فلا يتميز عنه في جوهره ووحدته)) (1) .
ثم بينوا أن هذا النور الذي هو العقل الأول انبثق عنه الظلمة فقالوا: وطالما أن العقل الأرفع يعي المهيمن في انبثاقه من فيضه فلا يتميز عنه في جوهره ووحدته فما كان لهذا العقل أن يفطن إلى وجود صورته، ولكنه ما لبث بحكمة غير مدركة أن تحول نظره إلى نفسه، فرآها دون نظير يشاكلها، فأعجب بها، والإعجاب إنفراد المبدَع بذاته عن الإبداع ولو فترة من التخلي، والالتفات إلى ما سوى النور المحض وغيبة عنه فولدت ظلمة الأنِّية في مقابلة النور الفائض المشرق من ذات الوجود وكان انبثاق الثنائية من الأحدية المحض نوراً وظلمة في البدء.
فهذا بينوا به بروز ما سموه الظلمة من النور ثم شرحوا انبثاقاً آخر من العقل الأول فقالوا:
((ثم إن العقل الأرفع تنبه إلى منحنى هذا التحول فعاد ببصيرته إلى الجوهر الأول الذي تنزه عن فعل الخلق ووعي حقيقته كما هي صورة نوارنية في فيض نور المهيمن الأزلي فانبثق عنه بسبب التفاته إلى الجوهر الأول المقابل له وهو الظلمة)) .
وهذا العقل -إن صح التعبير- انبثق عندهم منه: الغيبة عن وعي الوجود فصار ازدواجاً في الموجودات وهي: النور والظلمة، أو الوجود والغيبة عن وعي الوجود، وعنهما صدرت المخلوقات بسبب الحركة المتغيرة وفي هذا قالوا:
((وهكذا برزت في مقابل النور المحض الظلمة المحضة، وفي مقابل الوجود الأرفع الغيبة عن وعي الوجود الأول، فتم الإزدواج: نور وظلمة، وجود وغيبة عن وعي الوجود.
وبانطلاق هذا الازدواج من عقاله حصل التكوين، إذ التكوين هو تولد دائم من وبين الازدواجات المتناقضة، فمن ذينك المتضادين النور والظلمة، أو الوجود والغيبة عن وعي الوجود، حصل التكوين المتحرك المتغير)) (2) .(6/142)
فمن هذا تبين أن الدروز كمن تقدمهم من الفلاسفة الوثنيين يرون أن إيجاد الخلق يرجع إلى غير الله (وهو ما يسميه الفلاسفة النفس الكلية ثم عقول أو أرواح الكواكب.
ويمكن هنا أن نلخص مقالة هؤلاء المتفلسفة الباطنية الضلال في إيجاد الكون على النحو التالي:
أن الله تبارك وتعالى ليس له أي فعل ولا دور في فعل وخلق، وإنما صور الأشياء عنده منذ الأزل قديمة بقدمه، وأنه فاض منه العقل الأول، وهذا الفيض أزلي أيضاً، ثم العقل، أو ما يسميه الدروز النور فاض منه فيض آخر، وهو النفس، أو ما يسميه الدروز الظلمة، ومنهما صدرت المخلوقات، ووجدت بكيفيات يختلفون في تفصيلها، ويتفقون في أنهالم تخلق خلقاً مباشراً من قبل الله تعالى، وأنه تبارك وتعالى عن قولهم لا دور له في إيجادها، وإنما مصدرها الحقيقي العقل مع النفس أو النور مع الظلمة.
ثانيا: الرد على الفلاسفة والباطنيين في كلامهم في إيجاد هذا الكون وخلقه:
لا شك أن دعوى الفلاسفة والباطنيين في إيجاد الكون زندقة ووثنية ظاهرة واضحة وشرك في الربوبية، وهو قول لا ينتمي لا إلى عقل ولا شرع وإنما ينتمي إلى الوثنية اليونانية التي تتعبد للكواكب وتدعى لها أرواحاً وتصرفاً وتدبيراً، الذين لا يختلفون عن دعوى عباد الأصنام في أصنامهم من مشركي العرب والهنود ومن كان على شاكلتهم.
ولا شك أن من العجب العجيب والأمر الغريب أن يترك هؤلاء الناس النور والحق الذي بين أيديهم ويذهبوا إلى مقالات ساقطة سافلة، ودعاوى كاذبة خاطئة، ووثنية جاهلة فاسدة، فقد اشتروا الضلالة بالهدى والنور والحق بالظلمة والكذب، فنسأل الله العافية.(6/143)
وآيات التوحيد في القرآن سواء في الربوبية أو الألوهية هي رد عليهم وذلك مثل قوله ( {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} فاطر (3) ، {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل} الأنعام (102) ، {أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً إ إله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون} النمل (60-61) ، {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} الأعراف (54) .
إلى غير ذلك من الآيات مما لا يحصى كثرة، وكفى بذلك حجة ووضوحاً لمن أراد الله هدايته.
وبالإضافة إلى ذلك نقول: (1)
1 - إن الإقرار لله تعالى بالربوبية أمر عام في جل بني آدم، وبنو آدم لا يعرفون خالقاً إلا الله تعالى، ودعوى العقل والنفس الكلية والنور والظلمة، وما إلى ذلك من الدعاوى، ليس لها في نفوس البشر أي صدى ولا أثر، فما وجدنا أحداً من بني آدم يدعو في رخاء ولا شدة العقل أو النفس الكلية أو النور ولا غيرها، بل لا يدعو إلا الله تعالى، كما قال ( {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} العنكبوت (65) .(6/144)
2- إن من نظر في الكون يجد انسجاماً تاماً واتساقاً عاماً، لا تضاد ولا تنافر، وإنما مخلوقات رتب خلقها وإيجادها وجميع شؤونها، بحيث تدل على موجد واحد، له صفات الكمال والجلال والحكمة والعلم. وهي في وجودها توحي بحكمة عامة وغاية عظيمة، فنرى فيها التكامل العجيب، فانظر الشمس والقمر والأرض، كيف رتب وجود كل منها ليخدم مهمة محددة بكيفية محددة، وانظر الزوجين الذكر والأنثى، وكيف خلقهما الله تعالى لتحقيق غاية ومهمة خاصة، يكمل كل واحد منهما الآخر.
وقل مثل ذلك في الحيوانات والزروع والثمار، وما لا يحصي الإنسان من الدلائل والبراهين، التي لا يمكن بحال أن تنسب إلى اثنين فضلاً عن ثلاثة وأربعة، إلى غير ذلك من دعاوى أهل الضلالة والانحراف.
وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى وضوح هذه النظرة ودلالتهاعلى أن الله واحد لا شريك له بقوله: {أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحن الله رب العرش عما يصفون. لايسئل عما يفعل وهم يسئلون. أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون} الأنبياء (21-24) .
3- إن الدعاوى التى ادعاها هؤلاء الفلاسفة، ومن كان قبلهم من الوثنيين هي دعاوى مبنية على النظر العقلي في قضية وأمر هو من الغيب الذي لا يمكن للإنسان الوصول إلى الحقيقة فيه بنظره وفكره فقط، لأنه حديث عما لم يقع تحت حواسنا ومداركنا، فهو حديث عما هو موغل في القدم الزماني، الذي لا يعلم مداه إلا الله تعالى، والله (يقول:
{ماأشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا} الكهف (51) .
فهم لم يشهدوا شيئاً من ذلك، فدعاويهم كلها على ذلك باطلة مردودة.(6/145)
4- إن ما قاله الفلاسفة الوثنيين، وأخذ به الفلاسفة المقلدون من المنتسبين للإسلام مناقض ومعارض كل المعارضة لما ذكر الله تعالى في وحيه عن خلق الكون وإيجاده، ولا يستطيع أولئك ولا هؤلاء أن يقيموا دليلاً واحداً يثبتون به صحة دعاويهم، فضلاً عن أن يثبتوا بطلان ما ذكر الله تعالى عن خلق الكون وإيجاده.
5- إن الله تعالى لم يقبل من مشركي مكة إقرارهم بربوبيته، حتى يشهدوا أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وحكم عليهم بالكفر والخلود في النار، وهؤلاء المتفلسفة زادوا في الكفر والانحراف فوق كفر المشركين بمراحل، حيث أنكروا ربوبية الله تعالى والخلق والإيجاد إلى معان مفتراة مكذوبة. فعلى هذا حكمهم وحالهم ومقالهم أفسد، وأبعد في الضلالة من أبي جهل وأبي لهب وأبي بن خلف، وسائر مشركي مكة.
6- إن دعوى هؤلاء المتفلسفة لا يمكن بحال أن يوجد بها الكون، وذلك من عدة نواح:
أ- إن دعواهم أن المثل أو الصور أو العقل أو النور قديمة أزلية باطل بداهة، لأن وجودها مرهون بوجود موجود أوجدها، فكل موجود لا بد أن يعود إلى موجد، وإلا لزم التسلسل، وهو باطل.
فلهذا إثبات أن الله هو الموجود الأول الذي لا بداية لوجوده، وأن ما سواه مخلوق ضرورة، هو الذي به يتحقق إثبات وجود الكون.
ب- أن العقل الأول، وغيره من المسميات التي يدعيها الفلاسفة لا يمكن بحال أن يوجد عنها ما يسمونه النفس أو الأرواح، لأنها إن كانت من جنس العقل الأول، فقد نتج عندنا تكرار من الصنف نفسه، وإن كانت من غير جنسه فهي دعوى باطلة يرفضها الواقع، لأن العقل الأول عندهم ذو صفة واحدة وكيفية واحدة، وهي العقل أو النور، فكيف ينتج عنه ما هو خلاف جنسه.(6/146)
ج- أن العقل الأول معنى من المعاني يدل عليه اسمه: "عقل"، وهو أشبه ما يكون في دعواهم بالفكر أو الخيال، وهذا شيء لا وجود له ذاتي، وإنما هو موجود ذهني قائم بالنسبة لنا بالعقل المركب في أجسادنا. فادعاء أنه صدر عنه النفس أو الظلمة أو أرواح الكواكب دعوى مرفوضة عقلاً، لأنه لا وجود له بنفسه في الخارج، فكيف يوجد ما له وجود خارجي مستقل.
فهذا مرفوض عقلاً، كما لو قلنا: إن أحداً من الناس تخيل خيال طائرة، ثم الطائرة التي تخيلها بذهنه أنتجت حصاناً محسوساً، فلو قال قائل ذلك، لقيل له: هذا كذب وجنون.
فلو قال قائل: إن ما يتعلق بالعقل الأول، أو العقل الفعال أو نحوه، يختلف عما عليه الإنسان، لقلنا له ومن أخبرك بذلك؟ هل اطلعتم على تكوين العقل الأول ومادته وفعله، أم تخرصون وتخبطون؟ لا شك أنهم يخرصون ويخبطون.
د- أن ما نسبوا إليه إيجاد الكون والمخلوقات هي أشياء عاجزة تماماً، فإن العقل الأول أو النفس أو مجموعهما أمور معنوية عاجزة، يدل على عجزها في دعواهم أنه لم يصدر عن كل واحدة منها إلا شيء واحد، أو شيئان أو ثلاثة أشياء، وهذا دليل عجزها وضعفها.
وإذا نظرنا إلى الكون والمخلوقات الموجودة فيه، فإنها أقوى وأقدر بكثير مما زعموا أنه أصلها ومادتها.
فالشمس تنتج ما لايحصى من الأنواع العديدة من أجناس الأشعة وأصناف أخرى محسوسة كالنور والحرارة. والأرض تنتج ما لايحصى من المكونات والنباتات والمواد الكثيرة المتنوعة، التي تتكون منها، والتي تصدر عنها، فإذا كان هذا في المخلوقات، فمعنى ذلك هي أعظم من موجدها فيما يزعمون.
هـ - إن المخلوقات مكونة من شيئين: روح ومادة، أما الروح فلا نعلم كنهها ومادتها، أما المادة الموجودة في المخلوقات التي تحيط بنا، فإن لها مكونات لا نكاد نحصيها كثرة، من تراب وماء وهواء ونور ونار وخشب ومعادن وحيوانات(6/147)
لها تكوين آخر تتكون منه، مثل: الدم والعصب والعظم، وكل نوع من هذه الأنواع مكون من مكونات عديدة كثيرة، لا يعلم احصاءها إلا الذي خلقها.
فكيف أمكن لما يسمونه العقل أو النفس أو هما معاً أن يوجدا تلك المكونات العديدة المتنوعة، وهما فاقدان لها، وكيف أمكن لهما أن يوائما بينها تلك المواءمة العجيبة، التي تدل على علم وحكمة متناهية لا يمكن أن تعزى إلى أمور معنوية لا حقيقة لها خارج الأذهان، وهوما يسمونه العقل أو النفس.
كما أنه لا يمكن لهما بحال أن يرعيا تلك المواد ويحققا لوجودها هذا الأثر العظيم الذي نراه في أنفسنا، وفيما حولنا من المخلوقات على هذه الأرض.
فبعد وجود المواد لا بد لها من الرعاية والعناية، وإلا فإنه لا يمكن لها الاستمرار وتحقيق النتائج الباهرة من وجودها، فإن الرجل مثلاً، وكذلك سائر ذكور الحيوانات تضع نطفها في أرحام الإناث. ثم إن النطف بالأرحام تتخلق، وتتكون بطريقة خارجة عن إرادتها وتدبيرها يقيناً، لأنها فاقدة للإرادة والتدبير، حتى يتم خلقها وتكوينها وخروجها من أرحام أمهاتها مخلوقات جديدة تبدأ بها دورة جديدة للحياة.
فهل يمكن لما يدعون من العقل أو النفس، أو هما معاً أن تؤدي دوراً كهذا؟ لا شك أن ذلك لا يمكن بداهة، لأن كليهما فاقد للقدرة، التي يمكن أن يتحقق بها شيء من ذلك، فهما أمران معنويان.
ولا شك أن وراء ذلك خالق عظيم، ومدبر عليم حكيم، له كل صفات الكمال والجلال، ولا بد أن يعزى إليه القدرة التامة على إيجاد كل موجود وتدبيره، وتنظيم شؤون خلقه، وأن له القدرة المطلقة على إيجاد الأشياء من العدم المحض وتدبيرها والتصرف فيها، ليتكون منها هذه النتائج الباهرة في هذا الكون.(6/148)
إن كل من نظر إلى جهاز الحاسب الآلي، وأجال النظر فيه تيقن ببساطة من أن له صانعاً ذا قدرات متعددة، وإمكانات عقلية وعلمية، حتى تمكن من إيجاد آلة لها قدرة على القيام بأعمال حسابية وعلمية متعددة، وإن كل إنسان يزعم أن ذلك لا صانع له فهو إنسان مجنون لا عقل له، وكذلك كل من يزعم أن صانع الحاسب الآلي هو ذلك الجدار أو الجبل، أو ذلك الحيوان البهيم، فحكمه حكم من زعم أنه وجد من غير صانع.
فإذا كان هذا الحكم في جهاز بسيط من مصنوعات بني آدم، فلا شك أن أمر الكون أعظم وأعظم، وأن دلالته على خالق عظيم خلقه بمشيئته وإرادته في الوقت الذي يشاء على الكيفية التي يشاء ألزم وأوجب.
وبه يتبين أن قول هؤلاء المتفلسفة باطل بداهة وهو لا يمث بصفة إلى العقل الذي يزعمون أنهم أربابه والملتزمون بأحكامه ولا يمت إلى الشرع الذي يزعمون أنهم ينتسبون إليه ويؤيدونه بدلالتهم العقلية، وأن قولهم لا يخرج عن الخرص والظن الباطل أرادوا إتباعه غروراً وهوى.
المبحث الثاني: قول فلاسفة الصوفية أصحاب وحدة الوجود
تمهيد: التعريف بالصوفية
قبل أن نذكر قول فلاسفة الصوفية نعرف بالصوفية تعريفاً موجزاً فنقول:
الصوفية مذهب من المذاهب المبتدعة بني في أصله على الزهد، وغلا فيه المنتسبون إليه، واتسع على أهله الخرق، ونأى به الانحراف إلى بدع ضالة تصل عند بعضهم إلى الكفر والخروج عن دين الاسلام كما سيتبين.
والصوفية لغة: اختلف كلام الناس في بيان اشتقاقها:
وأقرب ما يكون اشتقاق كلمة الصوفية من الصوف،وهو ما يكون في الضأن ويقوم مقام الشعر في المعز.
ولبس الصوف هو مما يتميز به الصوفية في الأصل لأنه يشعرهم بالزهد والتخلي عن ناعم الثياب إلى خشنها (1) .
الصوفية اصطلاحاً: يختلف الصوفية في بيان مذهبهم إلى أقوال وتعريفات كثيرة مثل:
قول الجنيد (2) : التصوف هو أن يميتك الحق عنك ويحييك به.(6/149)
وقال الحسين بن منصور (1) وقد سئل عن الصوفي فقال: هو وحداني الذات لا يقبله أحد ولا يقبل أحداً.
وقال أبو سهل الصعلوكي (2) : التصوف الإعراض عن الاعتراض (3) .
إلى غير ذلك من الأقوال.
وهذه التعريفات السابقة تنبئ عن وجه من أوجه التصوف، إلا أنا إذا نظرنا إلى التصوف بمنظار أشمل يعم كثيراً من السابقين واللاحقين، فيمكن أن نقول عنه:
إن التصوف هو: مذهب أوله الابتداع في الزهد والمجاهدة والأذكار ثم غلا بعض المنتسبين إليه،حتى صار غايته عندهم الحلول ووحدة الوجود.
نشأة الصوفية وتطورها:
إن ظاهر ما يقوم عليه التصوف هو الزهد وترك الدنيا هذا ظاهر أمر الصوفية وأصله، والزهد في الدنيا وإيثار الآخرة مطلوب شرعاً إلا أن الطريقة فيه مسنونة من قبل النبي (، فقد كان أكمل الزهاد وأعظمهم، ومن بعده أصحابه رضوان الله عليهم، ولا يتنافى مع الزهد المشروع أكل الطيبات وكسب الطيبات لأن الزهد المشروع هو: عدم الحرص على الدنيا والتنافس فيها وتقديمها على الآخرة بل اعتبارها مزرعة للآخرة، فيأخذ العبد منها ما يعينه على العبادة ويقربه من ربه (مع عدم اشغالها للعبد عن العبادة، ومع عدم دخولها قلبه، وعدم التفريط في الواجب من أجلها، بل يسعى في تحصيلها لينفقها في سبل الخير ومرضات الله (، ويتخذها مطية إلى أرفع الدرجات في الآخرة وقد قال عليه الصلاة والسلام كما روى البخاري عن ابن مسعود (مرفوعاً: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلط على هلكته بالحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) (4) .(6/150)
وروى أبو نضرة (1) قال، قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر. قال: أتيت عمر بن الخطاب وقد أعطيت منطقاً، فأخذت في الدنيا فصغرتها، فتركتها لا تسوى شيئاً، وإلى جنبه رجل أبيض الرأس واللحية والثياب، فقال: كل قولك مقارب إلا وقوعك في الدنيا، هل تدري ما الدنيا؟ فيها بلاغنا، أو قال: زادنا إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها. قلت:من هذا ياأمير المؤمنين؟ قال: هذا سيد المسلمين أبي بن كعب" (2) .
فما كان أصحاب رسول الله (يذمون من الدنيا إلا ما كان منها ملهياً عن طاعة الله أو وسيلة إلى ذلك.
وعليه فالزهد المشروع والصحيح هو الوسط الذي كان نبي الله (عليه وأصحابه.
كما أن العبادة المشروعة هي ما كان عليه نبي الله (وجاء بها الإسلام. وكل ما تعدى حدود المشروع سواء كان في الإفراط في الشيء وذلك بالإكثار منه والتعمق فيه زيادة على المشروع فهو مذموم، أو كان في التفريط بالشيء وذلك بتضييع الأمر وعدم مراعاة حدوده الشرعية فهو مذموم أيضاً، وكلما زاد الانحراف والتعدي زاد الذم والبطلان.
وقد وقع من بعض المسلمين بعد عصر الصحابة تشدد في الدين وتزهد غير مشروع، وعبادة وتبتل غير مشروع رغبة في الوصول إلى رضوان الله (وكان أكثر ذلك في البصرة التي اشتهرت بكثرة العباد والزهاد.
وقد قسم شيخ الإسلام الصوفية إلى ثلاثة أصناف وذلك باعتبار انتمائهم إلى المذهب الصوفي وهي:
صوفية الحقائق: وهم الذين كانوا أهل صدق في الزهد وكثرة العبادة والمجاهدة من المتقدمين منهم كما سيأتي الإشارة إليهم.
صوفية الأرزاق: وهم الذين وقفت عليهم الوقوف ولزموا تلك الخوانك وكانوا أهل استقامة والتزام بالآداب الشرعية.
صوفية الرسم: وهم المقتصرون على النسبة،فهمهم اللباس والآداب الوضعية،فهؤلاء لهم من النسبة الاسم فقط (3) .
ويمكن أن نقسم التصوف باعتبار ما مر به من مراحل إلى ثلاث مراحل:(6/151)
المرحلة الأولى: مرحلة المجاهدة للطبع والرياضات والنفسية وتعذيب النفس بغية الوصول إلى صفاء الروح والنفس،وعلى هذا جمع من المتقدمين ممن يروى عنهم ذلك، مثل: السري السقطي (1) ، والجنيد، وسهل التستري (2) وغيرهم.
المرحلة الثانية: مرحلة المصطلحات الغامضة والألفاظ الغريبة
مثل: جمع الجمع، والمحاضرة والمكاشفة، والمشاهدة ونحو ذلك،مما يحمل معاني يمكن تفسيرها حقاً وباطلاً.
المرحلة الثالثة: القول بالحلول ووحدة الوجود (3) .
إن أكثر ألفاظ الصوفية وأحوالهم التي يسعون إلى التحلي بها والوصول إليها تدور حول فناء النفس بالذات الإلهية إما تصوراً أو حقيقة فيما يزعمون، وهي أحوال مبتدعة لم يسع إليها الرسول (ولا أصحابه من بعده.
وأقرب ما تكون تلبيسات شيطانية وتغريرات إبليسية، ولأنها باطلة ومبتدعة فإنها قادت إلى ما هو أشد انحرافاً وخطورة وهو ما آل إليه حال كثير من ضلال الصوفية في القرون المتأخرة وهو القول بالحلول أو الاتحاد أو وحدة الوجود.
والمراد بالحلول أن الله (وتعالى عن قول الظالمين يكون حل فيهم فصار الشخص منهم مكاناً لله تعالى.
وممن يعزى إليه القول بالحلول الحسين بن منصور الحلاج الذي قتل في بغداد على الزندقة سنة 309هـ فقد نسب إليه قول:
سر سنا لاهوته الثاقب
سبحان من أظهر ناسوته
في صورة الآكل والشارب
ثم بدا في خلقه ظاهراً
كلحظة الحاجب بالحاجب (4)
حتى لقد عاينه خلقه
أما الاتحاد فهو اتحاد المخلوق بالخالق، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
ومن جنس ذلك ما يعزى إلى أبي يزيد البسطامي أنه قال:
((رفعني مرة فأقامني بين يديه وقال لي: يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك فقلت: زيني بوحدانيتك وألبسني إنيتك وارفعني إلى أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك، فتكون أنت ذاك ولا أكون أنا هنا)) (5) .(6/152)
أما وحدة الوجود فتعني أن الله تعالى عن قولهم هو هذا الوجود من حولنا، وأن كل واحد من المخلوقات مظهر من مظاهر ذلك الوجود كما سيأتي.
وكان من أكبر من أظهر هذ الزندقة محيي الدين بن عربي الحاتمي الطائي (1) الذي قال في كتابه الفتوحات المكية:
الرب حق والعبد حق
ياليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك رب
أو قلت رب فأنى يكلف
ومن تلامذته الزنديق الآخر عمر بن علي الحموي المصري (2) الملقب بابن الفارض وهو صاحب التائية المشهورة، ومنها قوله:
وأ شهد أنها لي صلت
لها صلاتي بالمقام أقيمها
حقيقة الجمع في كل سجدة
كلانا مصل عا بد سا جد إلى
صلاتي لغيري في أدا كل ركعة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن
ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
وما زلت إياها وإياي لم تزل
وذاتي بذاتي إذا تحلت تجلت (3)
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها
فهذا الكفر والزندقة هو الذي آل إليه أمر بعض كبارالصوفية المتأخرين، وهو كفر ظاهر، بل هو أشد كفراً من كفر اليهود والنصارى. وتجد بعض الصوفية الذين يمجدون ابن عربي وابن الفارض وغيرهم، وقد يرددون كلامهم، إذا خشي من الناس فإنه سيعتذر عنهم بأنهم لم يقصدوا ما قالوا.
ونحن نقول: لئن لم يكن ذلك القول وتلك التصورات كفراً فلا يوجد في الدنيا في الحقيقة كفر، لأن هؤلاء قد نطقوا بما هو أشد من كفر اليهود والنصارى والمشركين، وكثير من الكتاب يشير إلى أن وحدة الوجود هي غاية أكثر المتصوفة التي يسعون إليها، ويرمزون للحديث عنها بألفاظ تشكل على من كان من غير طريقتهم ومنهجهم، وأن مقصدهم في جميع رياضاتهم الوصول إلى هذه الغاية وهي وحدة الوجود أو وحدة الشهود (4) .
ونرى ابن الفارض الذي يسميه الصوفية العاشق الإلهي يخاطب في أبياته السابقة الذات الإلهية خطاب الأنثى،ومثله شيخه ابن عربي في هذا الانحلال والزندقة،فيقول أخزاه الله بعد فلسفة فارغة في ظهور الله (بشكل المرأة:(6/153)
((فشهوده -يقصد النبي (- للحق -يقصد الله (- (1) في المرأة أتم وأكمل لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل ... فشهود الحق في النساء أعظم الشهود وأكمله، وأعظم الوصلة النكاح)) (2) .
فهذا الشيخ الضال المضل المفتون يسميه الصوفية: الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر، والقطب والغوث، وما إلى ذلك من الألقاب ويكفى في بيان انحرافه وكفره ما ذكرنا عنه وصدق الله القائل {إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً لعنه الله وقال لاتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً} النساء (117-119) .
وقد أطلت في بيان هذه المرحلة لارتباطها بموضوعنا.
المطلب الأول: قول فلاسفة الصوفية في وجود الله (وصفاته
لم يختلف قول فلاسفة الصوفية عن شيوخهم من الفلاسفة الوثنيين. وإليك أقوال بعضهم:
يزعم ابن عربي الحاتمي الطائي أن الله واحد لا صفة له ولا اسم، وإنما له وجود مطلق وليس له صفة سوى الأحدية. وفي هذا يقول في كتابه الفصوص:
((أما الأحدية الإلهية فما لواحد فيها قدم لأنه لا يقال لواحد منها شيء ولآخر منها شيء لأنها لا تقبل التبعيض فأحديته مجموع كله بالقوة)) (3) .
ويقول في موضع آخر: ((فمن حيث هوية الحق هو وجوده)) (4) .
وقال: ((وقد كان أحدي العين من حيث ذاته كالجوهر الهيولاني أحدي العين من حيث ذاته)) (5) .
وقال في كتابه ((عنقا مغرب)) : ((إن معرفة الياقوت الأحمر أن لا يعرف ولا يحد ولا يوصف)) (6) .
وقال أيضاً: ((فغاية معرفتنا أنه موجود وأنه الخالق والمعبود، وأنه السيد الصمد المنزه عن الصاحبة والولد، وهذا كله راجع إلى التنزيه وسلب التشبيه فتعالى أن تعرف منه صفات الإثبات، وجل أن تدرك كنه جلاله المحدثات)) (7) .(6/154)
ومثله قال ابن سبعين (1) : ((إن الخالق والمخلوق هو مجموع المادة والصورة وأن ما يخص الخالق تبارك وتعالى من ذلك هو المادة وأنه بدون الصورة لا صفة له وفي هذا يقول: ((وللمتصور من حيث هو لا من جهتها -أي بدون الصورة- لا وصف ولا نعت ولا اسم ولا رسم ولا حد وإن كان له شيء من ذلك كله ولكن بأول مرتبة صورية إطلاقية فله الاطلاقات الأحدية)) (2) .
ومثله عبد الغني النابلسي (3) حيث قال في شرحه لكتاب محمد بن فضل الله الهندي (4) التحفة المرسلة في علم حقيقة الشريعة المحمدية: ((إن الحق (هو الوجود المحض عن قيوم الماهيات كلها المحسوسات والمعقولات وليس له تعالى ماهية أصلاً غير الوجود المحض. ثم قال: إن ذلك الوجود المحض ليس له شكل أي صورة محسوسة أو معقولة ولا حدَّ، أي مقدار)) (5) .
فهذه الأقوال المتناقضة والمتهافتة في وصف الله تبارك وتعالى هي دعوى من سبقهم من الفلاسفة الوثنيين في عدم وصف الله تبارك وتعالى بشيء من الصفات الثبوتية، إلا أن هؤلاء الضلال اختلفوا عن أشياخهم السابقين بزعمهم أن الله تبارك وتعالى هو المادة أو الجوهر بدون صورته، وزادوا على هذا الضلال أن تلك المادة والجوهر لا صفة لها البتة ولا اسم ولا رسم.
وهذا الكلام مضمونه لا عقل ولا شرع، فالمادة لا بد لها من الصفة والاسم والرسم وإلا لم تكن مادة.
وفلاسفة الصوفية مسبوقون بهذا الضلال حيث أخذوا ذلك عن ملاحدة الفلاسفة الذين ينفون وجود الخالق ويثبتون المادة فقط،ثم أضافوا إليه قول الفلاسفة المؤلهة (6) ، وركبوا من مجموع ذلك كله قولاً واحداً،وهو أن المادة هي الإله وأنها لا صفة لها ولا رسم ولا حد، فجمعوا ولفقوا قولاً من المقالتين الفاسدتين الضالتين.(6/155)
ويكفي حكاية هذه الأقوال عن ردها وبيان بطلانها إذ حكايتها كاشفة لتهافتها وسخافتها وأنها مقالة مجردة عن العقل والدين، وليس فيها إلا ترديد مقالة الوثنيين بدون أن يكون هناك عقل يميز أو دين يهدي ويرشد.
المطلب الثاني: قول فلاسفة الصوفية في إيجاد الكائنات.
لم يختلف قول ابن عربي واخوانه من فلاسفة الصوفية عن أسلافهم من الفلاسفة الوثنيين بشيء سوى أنهم أضفوا عليها أسماءً قد تكون إسلامية تمويهاً وتلبيساً فهو يزعم أن الله تعالى هو هذا الوجود كله وأنه ظهر في شكل هذه المخلوقات العلوية والسفلية، ويزعم أن الوجود تقاسمته أسماء الله (وأعظم هذه الأسماء هو الحقيقة المحمدية التي هي عنده عبارة عن مجموعة من الأسماء الإلهية وهي حسب كلامه: الرحمن الرحيم العظيم الخبير العلي الكريم الحميد (1) .
فأنشأ أولاً من هذه المجموعة من الأسماء ما سماه ابن عربي سيدنا محمد حيث يقول: ((وأول النشئ نشأ سيدنا محمد (على أكمل وجه وأبدع نظام بحر اللؤلؤ والمرجان المودع في العالم الأكبر والإنسان، ولما تعلقت إرادة الحق سبحانه يإيجاد خلقه وتقدير رزقه برزت الحقيقة المحمدية من الأنوار الصمدية في الحضرة الإلهية وذلك عندما تجلى لنفسه بنفسه من سماء الأوصاف ...
ثم قال: فكمن فيه كمون تنزيه ودخل جوده في حضرة علمه فوجد الحقيقة المحمدية على صورة حكمه، فسلخها من ليل غيبه فكانت نهاراً وفجرها عيوناً وأنهاراً، ثم سلخ العالم منها فكانت سما عليهم مدرارا وذلك أنه سبحانه اقتطع من نور غيبه قطعة لم تكن متصلة فتكون عنه عند التقاطع منفصلة (2) ... ثم قال: ولما اقتطع القطعة المذكورة مضاهية للصورة أنشأ منها محمداً (على النشأة التي تنجلي أعلامها ولا يظهر من صفاته إلا أحكامها ثم انقطع العالم كله تفصيلاً على تلك الصورة وأقامه متفرقاً على غير تلك النشأة المذكورة)) .(6/156)
هذا قوله في انشاء الصور، ثم ذكر بعد ذلك إنشاء العالم المحسوس من الحقيقة المحمدية أولاً: الماء ثم الأرواح ثم العرش ثم الكرسي ثم أرواح الكواكب ثم العناصر الأولى للكون وهي التراب والهواء والنار ثم أنشأ السموات والأرض من العناصر الأربعة)) (1) .
ومثله في الضلالة عبد الغني النابلسي حيث جعل لوجود الله سبع مراتب ناقلاً ذلك عن عبد الكريم الجيلي (2) وهذه المراتب هي:
الأولى: مرتبة اللاتعين وذلك أنه وجود منزه عن النعوت والصفات وتسمى الأحدية.
الثانية: مرتبة التعين الأول ويعني ذلك علمه سبحانه بنفسه على سبيل الإجمال وتسمى مرتبة الوحدة وتسمى أيضاً الحقيقة المحمدية.
الثالثة: مرتبة التعين الثاني ويعني بذلك علمه بذاته وصفاته تفصيلاً وتسمى مرتبة الواحدية وتسمى الحقيقة الإنسانية، فهذه المراتب كلها قديمة أزلية.
الرابعة: مرتبة الأرواح.
الخامسة: مرتبة عالم المثال ويعني صور الأشياء التي ستوجد وهي في الخيال.
السادسة: مرتبة عالم الأجسام المؤلفة من العناصر الأربعة: النار والهواء والماء والتراب.
السابعة: الجامعة لجميع المراتب وهي: الجسمانية وهي: مرتبة التجلي والانكشاف الإلهي الأخير وهو الإنسان المطلق أو الإنسان الكامل (3) .
فهذه الأقوال كلها مبنية على قول الفلاسفة الوثنيين وهي خلط لقول الفلاسفة المؤلهة مع قول الفلاسفة أصحاب وحدة الوجود مع خلط ذلك بمسميات واردة في الشرع، مثل: محمد (والعرش والكرسي.
فإن وصف الله (بالوجود المطلق هذا هو غاية ما أثبته الفلاسفة، كما أن ادعاء التعين في الخيال أو المثال هو عالم المثل عند أفلاطون، ثم دعوى الحقيقة المحمدية المشابهة للوجود المطلق هي دعوى الفلاسفة المؤلهة بالنفس الكلية المشابهة للأول.(6/157)
وكذلك دعوى انبثاق الوجود من الحقيقة المحمدية هي دعوى أولئك انبثاق الوجود من النفس الكلية على الترتيب نفسه: الأرواح ثم العناصر. تشابهت قلوبهم وأقوالهم فحذو حذوهم حذو القذة بالقذة.
المطلب الثالث: قول فلاسفة الصوفية في وحدة الوجود.
الصوفية وخاصة ابن عربي ومن تأثر بقوله بنوا على دعواهم في الوجود المطلق لله (الذي هو عندهم لا صفة له ولا حد دعوى وحدة الوجود وهي دعوى بطنَّها وسترها ابن عربي في كتابه ((عنقا مغرب)) ولكنه صرح بها في كتابه ((فصوص الحكم)) وصرح بها من جاء بعده.
فيقول ابن عربي في كتابه ((عنقا مغرب)) أثناء تخيله لمحاورة خرافية بين أسماء الله (يبدو منها رغبة الأسماء في ظهور حقائقها وبروز أعيانها بالذوات وفي هذا يقول: ((فوزعت الأسماء (1) كلها مملكة العبد الإنساني على هذا الحد الرباني،وتفاخرت في الحضرة الإلهية الذاتية بحقائقها، وبينت حكم مسالكها وطرائقها،وتعجلوا في وجود الكون رغبة في أن يظهر لهم عين (2) فلجؤا إلى الاسم المريد الموقوف عليه تخصيص الوجود، وقالوا:سألناك بهذه الحضرة التي جمعتنا والدار التي تسلمتنا إلا ما علقت نفسك بهذا الوجود المنتظر فأردته، وأنت يا قادر سألتك بذلك إلا ما أوجدته ... إلى أن قال: فتوقف الأمر على جميع الأسماء وأن بجملتها وجود عالم الأرض والسماء وما بينهما إلى مقام الاستواء ... إلى أن قال: فعندها (3) وقع هذا الكلام الأنفس في هذا الجمع الكريم الأقدس تعطشت الأسماء إلى ظهور أثارها في الوجود ولا سيما الاسم المعبود)) (4) .
فابن عربي يزعم في هذا الكلام الخرافي:أن الوجود هو مظهر عين أسماء الله، فإنها لم يكن لها وجود ذاتي إلا بهذا الوجود المحسوس، وقد صرح عن مذهبه هذا أكثر في كتابه ((الفصوص)) فقال: ((فما في الوجود مثلٌ، فما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة والشيء لا يضاد نفسه (5) .
فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن(6/158)
فما ثم موصول وما ثم بائن
بذا جاء برهان العيان فما أرى
بعيني إلا عينه إذ أعاين
وقال: فهو هو لا غيره فكل ما تدركه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات، فمن حيث هوية الحق فهو وجوده، ومن حيث اختلاف الصور فيه هو أعيان الممكنات، فكما لا يزول باختلاف الصور اسم الظل كذلك لا يزول باختلاف الصور اسم العالم أو اسم سوى الحق، فمن حيث أحدية كونه ظلاً هو الحق،لأنه الواحد الأحد، ومن حيث كثرة الصور هو العالم،فتفطن وتحقق ما أوضحته لك، وإذا كان الأمر على ما ذكرته لك، فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي، وهذا معنى الخيال أي خيل لك أنه أمر زائد قائم بنفسه خارج عن الحق وليس الأمر كذلك في نفس الأمر ... لأنه يستحيل على الشيء الإنفكاك عن ذاته)) (1) .
وقال أيضاً عن مراتب الوجود: ((فإن الوجود منه أزلي وغير أزلي وهو الحادث، فالأزلي وجود الحق لنفسه وغير الأزلي وجود الحق بصورة العالم الثابت، فيسمى حدوثاً لأنه ظهر بعضه لبعضه، وظهر لنفسه بصور العالم، فكمل الوجود، فكانت حركة العالم حبيَّة للكمال فافهم، ألا تراه كيف نفس عن الأسماء الإلهية ما كانت تجده من عدم ظهور آثارها في عين مسمى العالم فكانت الراحة محبوبة له ولم يوصل إليها إلا بالوجود الصوري الأعلى والأسفل فثبت أن الحركة كانت للحب)) (2) .
ومثل ابن عربي قال تلميذه وربيبه محمد بن إسحاق القونوي (3) حيث زعم أن الحق هو الوجود المطلق، والفرق بينه وبين الخلق من جهة التعيين فإذا عين كان خلقاً، وإذا أطلق الوجود كان حقاً (4) .
ومثله قال التلمساني (5) حيث يجعل الوجود هو الصورة بكثرتها وتنوعها، ولكنه يزعم: أن الصورة لها اسم من حيث هي صورة في متصور قائم بذاته وهي قائمة به وللمتصور من حيث هو موصوف بها اسم.(6/159)
ويقصد بالصورة المخلوقات، والمتصور هو الله تعالى الله عن قولهم، ويجعل هذا المتصور من حيث هو بدون الصورة ليس قابلاً لشيء من الصفات وفي هذا يقول: ((وللمتصور من حيث هو لا من جهتها لا وصف ولا نعت ولا اسم ولا رسم ولا حد)) .
وهو يزعم أن لا انفكاك للصورة عن المتصور حيث يقول: ((ولم يصح الإخبار عن مطلق الصورة إلا ومطلق المتصور ضمناً، ولا عن محيط المتصور إلا والصورة ضمناً، فالمتصور بالصورة يسمى بظاهر الصورة: ظاهراً، وبباطنها: باطناً، ويحكم عليه بكل حكم قبلته الصورة من إطلاق وحصر وغيبة وحضور وأحدية وكثرة وجمع وتفرقة وسذاجة ولون وحركة وسكون إلى ما لا ينضبط كثرة من الأسماء والصفات ... وللمتصور من حيث هو لا من جهتها لا وصف ولا نعت ولا اسم ولا رسم ولا حد)) ، ثم ذكر أن المنظور يحكم له حسب المخاطب به خالق أو مخلوق، وفي هذا يقول: ((فإن كان الكثرة والتعدد وأخواتها فاعلم: أن المخاطب به هو الصورة، والخلق يتصورها وصفاً وإن غلبت الوحدة وأخواتها فالمخاطب بذلك المتصور الحق ... ثم قال: فالوجود واحد وهو القائم بجميع الصور غير الخالي عنها على التعاقب، والصور هي الهالكة دوماً المتعاقبة دواماً كائنة فانية شاهدة غائبة قديمة حديثة موجودة معدومة)) (1) .
ومثله الزنديق الآخر ابن الفارض حيث يقول في تائيته:
ولا فلك إلا من نور باطني
به ملك يَهدي الهدى بمشيئتي
ولا قَطْر إلا حل من فيض ظاهري
به قطرة عنها السحائب سحت
ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن
شهود ولم تعهد عهود بذمة
فلا حي إلا من حياتي حياته
وطوع مرادي كل نفس مريدة
وكل الجهات الست نحوي توجهت
بما تم من نسك وحج وعمرة
لها صلواتي بالمقام أقيمها
وأشهد فيها أنها لي صلت
أو كلانا مصل عابد وساجد
إلى حقيقة الجمع في كل سجدة (2)(6/160)
ولا شك أن هذا الزنديق قد فاق إبليس جرأة، وتفوق على فرعون طغياناً وكفراً، فقد صرح بما لم يصرح به إبليس، وتبجح بما لم يتبجح بمثله فرعون. والعجب ليس من الكافر أن يصرح بالكفر فإن الإنسان ظلوم كفور، ولكن العجب كل العجب ممن يعتقد صلاح هؤلاء الزنادقة أو ولايتهم أو أنهم يحبون الله أو يعظمونه فإن المسلم لا يتمالك نفسه حين يسمع مثل هذا من أن يقول: سبحانك هذا بهتان عظيم.
ومثله في الضلالة من يُسمى ابن عامر (1) حيث يقول:
نظرت فلم أبصر سوى محض وحدة
بغير شريك قد تغطت بكثرة
تكثرت الأشياء والكل واحد
صفات وذات ضمناً في هوية
فأنت أنا لا بل أنا أنت وحدة
منزهة عن كل غير وشركة (2)
ومثلهم قال عبد الغني النابلسي حيث يقول في شرحه لكتاب
((التحفة المرسلة في علم حقيقة الشريعة المحمدية)) : ((واعلموا أيضاً (أن ذلك الوجود) المحض الذي هو الحق تعالى هو (حقيقة جميع الموجودات) أي الماهيات المحسوسة والمعقولة وصفاتها وأحوالها من حيث هي موجودات، ولهذا سماها الموجودات (وباطنها) أي باطن جميع الموجودات حيث هي المنظور إليها ... ثم قال: إن الخالق الحق هو وجود جميع الموجودات ولا يكون هناك للموجودات وجود حادث أصلاً، وإنما هو الوجود القديم الحق ظهر بما قدره وصوره من المعدومات)) (3) .
هذا إفكهم وما يفترون، ونسألهم عن قولهم هذا هل الله أخبرهم بذلك أم على الله يفترون؟ لا شك أنهم على الله يفترون، وسيحكم الله (بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.
المطلب الرابع:الرد على فلاسفة الصوفية في دعوى وحدة الوجود.
هذا القول وهو دعوى وحدة الوجود لم يظهر صريحاً قبل ابن عربي في المسلمين، وقد تابعه عليه العديد من ملاحدة الصوفية وصارت تحوم حوله أقوالهم إشارة مرة وتلويحاً مرة وتصريحاً أخرى.(6/161)
وهي مقالة مركبة من قول فلاسفة اليونان القائلين بوحدة الوجود مثل: أكسينوفان (1) ، وبرمنيدس (2) ، والرواقيين (3) وغيرهم، ومن قول المؤلهة كأفلاطون (4) ، وأرسطو (5) ، وأفلوطين (6) وغيرهم.
فقد أخذوا عن الأولين قولهم بوحدة الوجود وأن الله تعالى عن قولهم منبث في هذا الكون من أصغر ذرة إلى أكبر جرم فيه.
وأخذوا عن الآخرين قولهم بإثبات الوجود المطلق لله، والقول بصدور النفس الكلية عنه والتي تماثل وتشابه الأول الذي صدرت عنه، وهذه توازي عند ابن عربي وأتباعه ما يسميه الحقيقة المحمدية.
ثم عن النفس الكلية صدرت أرواح الكواكب كما هو عند أرسطو وهكذا هو عند ابن عربي حيث زعم أن الله أنشأ من الحقيقة المحمدية محمداً (ثم اقتطع العالم كله تفصيلاً على تلك الصورة بالخيال ثم أنشأ من الحقيقة سائر العالم المحسوس.
فمن هذا يتبين أن هذا الضال المضل أسس مذهباً مركباً من قول الفلاسفة الوثنيين وأضاف عليه بعض المسميات التي جاءت في الإسلام والشرع كاسم محمد (والعرش والكرسي ونحو ذلك، وذكر هذه الأسماء وإقحامها في مقولته لا تصحح انتماءه إلى الإسلام لا من قريب ولا بعيد بل هو مغرق في الإلحاد والكفر، وهو أشد كفراً وبعداً عن الحق من هذا الوجه من مقالة أرسطو وأتباعه، لأن أولئك اعتقدوا تنزيه الله (عن المحدثات على العموم والذي يعني التعطيل.
وهؤلاء قالوا بتنزيهه أي تعطيله أولاً، ثم جعلوه هو المحدثات طيبها وخبيثها حسنها وقبيحها، وهذا متضمن لنفي وجوده مرتين:
الأولى: بتعطيله وإثبات الوجود المطلق الذي هو وجود ذهني.
والثانية: بزعمهم أنه هو الوجود كله والكون كله.
فمن هنا فكل رد لنا على القائلين بوحدة الوجود أو على القائلين بالوجود المطلق من فلاسفة اليونان على مقتضى العقل (7) هو رد على هؤلاء، وكذلك كل رد على الفلاسفة المنتسبين للإسلام بمقتضى الشرع (8) هو رد على هؤلاء في تعطيلهم لله (وعدم وصفه بالصفات.(6/162)
يبقى أن نرد عليهم في دعواهم وحدة الوجود بمقتضى الشرع مع أن باطلهم أظهر وأوضح من أن يرد عليهم فيه، ولكن نقول على سبيل الاختصار حتى لا يغتر أحد بتدليسهم وتلبيسهم وزخرفتهم للباطل بالتحريفات الفاسدة ما يلي:
1 إن الله (قد أثبت لنفسه الصفات والأفعال نحو قوله ( {وهو السميع البصير} الشورى (11) ، وقوله {كل شيء هالك إلا وجهه} القصص (88) ، {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ص (75) {الرحمن على العرش استوى} طه (5) ، {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما نفسك} المائدة (116) ، {وهو العليم القدير} الروم (54) ، {الله خالق كل شيء} الزمر (62) ، {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} الأنعام (1) .
فهذه النصوص الدالة على صفات الله تعالى وأفعاله، وغيرها كثير مما يعتبر أعظم وأكبر موضوع تكرر ذكره في القرآن الكريم بشكل فاق جميع الموضوعات بكثرة الآيات الواردة فيه، فإنه لا تكاد تخلو آية من ذكره كيف لا وهو متضمن للتعريف بالله (وتمجيده وتعظيمه.
فإذا كانت هذه الآيات مع كثرتها لا تدل على ذات موصوفة بالصفات، وذات للخالق تبارك وتعالى تميزه عن سائر مخلوقاته، وتجعل لكل من الخالق والمخلوق وجوده الذي يتميز به وصفاته التي يتميز بها، فإن نصوص التوحيد والصلاة والحج والإيمان باليوم الآخر والجنة والنار، وكذلك النصوص التي تحرم الشرك وتحرم القتل والزنا والربا والظلم والبغي وسائر المحرمات والفواحش، لا تدل على تلك الواجبات ولا على تحريم تلك المحرمات، ويكون الدين بذلك كله باطلاً.(6/163)
2 إن دعوى هؤلاء الصوفية الضلال متناقضة غاية التناقض وهي أشد في تناقضها من دعوى فلاسفة اليونان المؤلهة، حيث يزعم هؤلاء أن الله تبارك وتعالى ليس له صفة ولا نعت ولا حد ولا ماهية ولا وجود إلا الوجود المحض، ثم يزعمون مع هذا أنه المادة قبل تشكلها وتصورها أو ما يسمونه التعين والظهور، فهذا تناقض بين لا يستقيم بحال؛ إذ كيف يستقيم أن يكون مادة ثم مع ذلك ليس له نعت ولا وصف ولا وجود ولا ماهية؟ هذا يعني شيئاً واحداً أن أصحاب هذه المقالة زنادقة امتلأت قلوبهم كفراً وإلحاداً فأخذوا يبرزون المقالات المتناقضة لعلهم بذلك يتوصلون إلى غرضهم في إضلال الناس مع التعمية على إلحادهم ودهريتهم.
3 إن دعواهم أن الله لا صفة له ولا رسم ولا نعت ولا ماهية، كل هذه الدعاوى تمنع أن يكون خالقاً موجداً كما تمنع أن يكون هو هذا الكون، لأن حقيقة المقالة أنه غير موجود وإن كان موجوداً فهو عاجز لأنه لا صفة له ولا رسم ولا ماهية، فكيف يمكن أن يوجد ما له صفة ورسم وماهية ووجود؟ (ففاقد الشيء لا يعطيه.
4 لو كانت دعوى ابن عربي وأمثاله صحيحة للزم من ذلك أن القرآن والسنة وجميع ما فيهما من العلوم والأوامر والنواهي كلمات جوفاء لا معنى لها حقيقي وظاهر، بل هي مجرد رموز لمعان بعيدة ظلت خفية على الرسول (وعلى أصحابه والمسلمين في العصور الأولى، بل استمر خفاؤها على المسلمين، ولم يعرف تلك المعاني الخفية إلا ابن عربي وأضرابه من أفراخ ملاحدة الفلاسفة.
5- لماذا لم يصرح الله تبارك وتعالى بوحدة الوجود، ويدع إليها وينبه عليها؟ مع أن ذلك لو حدث لما وجد من يعارض ذلك ويرده لأن فيه أمران خطيران:
الأمر الأول: أن جميع البشر بل جميع الأشياء آلهة بل هم الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.(6/164)
الأمر الثاني: أنه ليس هناك شيء محرم أو لا يجوز أو مكروه، بل كل شيء محبوب مطلوب سواء كان شركاً أو قبيحاً مثل الزنا أو الربا، أو بغياً وظلماً مثل القتل والاعتداء. فكل ذلك داخل في نطاق المباح الذي ليس فيه حرمة بوجه من الوجوه، إذ الكل الله تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
6 أن الرسول (لم يرد عنه لا من قريب ولا بعيد شيء يدل على دعوى وحدة الوجود، فما الذي منعه عليه الصلاة والسلام من الدعوة إلى ذلك والجهر به؟ مع كمال شجاعته وكمال نصحه وفصاحته وبلاغته عليه الصلاة والسلام، وهو الذي عرض نفسه للقتل في سبيل الله وفي بيان بطلان معبودات أولئك المشركين، بل استباح دماءهم وأموالهم بسبب شركهم، كما استباح المشركون أيضاً دمه (ودم أصحابه بسبب معارضته لمعبوداتهم ودعوته لهم إلى توحيد الله (. فبناءً على دعوى ابن عربي وأضرابه كل ذلك كان من العبث، إذ أن الأمر لا يستحق شيئاً من ذلك، لأن المشركين على دعوى ابن عربي وأضرابه إنما كانوا يعبدون الله -تعالى الله علواً كبيراً- فهل في الأقوال الفاسدة أفسد من هذه الأقوال.
7 أن الله (قد لعن من أشرك معه في العبادة وأوجب له الخلود في النار وذلك في مثل قوله تعالى {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} المائدة (72) ، كما لعن إبليس وذلك في قوله
{وأن عليك لعنتي إلى يوم الدين} ص (78) ، كما لعن الله (اليهود في قوله {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بماعصوا وكانوا يعتدون} المائدة (78) ، فالله (في هذه الآيات وغيرها كثير لعن وأثبت غضبه وعذابه لمن عبد شيئاً معه أو غيره عاماً أو خاصاً.
فلو كان الأمر كما زعم هؤلاء الزنادقة من أنه ما ثمَّ إلا الله وأن الوجود كله مظهر ومجلى لله (لكان لازم ذلك أن يكون الله (لعن نفسه -عياذاً بالله تعالى-وحكم على نفسه بالخلود في النار سبحانك هذا بهتان عظيم.(6/165)
8 أن الله لعن من عبد غيره وكذلك كل من ادعى الألوهية من البشر، فقد لعن فرعون وجعله إماماً في الضلال متبوعاً بلعنة الله هو ومن اتبعه قال ( {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين} القصص (42) وذلك لقوله
{أنا ربكم الأعلى} الذاريات (24) ، فمن زعم أن المخلوق هو الخالق فقد زعم أن فرعون كان صادقاً وأن اللعنة والتقبيح له ولأتباعه بغير وجه حق أو هو ظلم غاية الظلم.
وقد التزم ابن عربي الضال المضل في مقابل ذلك إيمان فرعون ونجاته، بل زعم أنه صادق في قوله {أنا ربكم الأعلى} (1) .
ولا شك أن هذا تكذيب صريح لكلام الله (واستدلال على الفاسد وهو قوله بوحدة الوجود بما هو مثله في الفساد وهو تكذيب
الله (وتحريف كلامه بادعاء أن فرعون مؤمن وأنه صادق في دعواه للربوبية.
9 إن دعوى وحدة الوجود يلزم منها أن كل إنسان هو الله أو جزء من الإله، وهذا أمر لا وجود له في قرارة الإنسان، بل كل إنسان يشعر بنقصه وعجزه وحاجته وفقره، وأنه مخلوق مربوب، هذا واقع كل إنسان وهو مما يشعر به أيضاً، لهذا يسعى الإنسان إلى تكميل نفسه وتسديد حاجة نفسه من غيره، وإذا انقطعت الأسباب بالنسبة للإنسان على العموم لجأ إلى خالقه وموجده وهو يقر بوجوده وربوبيته، هذا مما لا يستطيع بشر أن ينفك عنه إلا مكابرة، وفرعون وهو من أكبر المتكبرين عن عبادة الله لما دهمه الماء وأشرف على الغرق وأدرك أن نجاته وحاجته عند واحد فقط وهو رب العالمين اضطر إلى ندائه والاستغاثة به لعله ينجو.
10 يقال للصوفية من أصحاب وحدة الوجود في جميع دعاويهم التي ادعوها في الله (:من أين علمتم وأخذتم معلوماتكم هذه التي تتناقض مع الشرع تناقضاً بيناً؟ فإن ما في الشرع جاء عن طريق الوحي وما ادعيتموه لابد أن تثبتوا مصدره فإن العقل لا يستطيع أن يتوصل إلى ما ذكرتموه.(6/166)
وشيوخ الصوفية الضلال من أصحاب وحدة الوجود ليسوا أنبياء ينزل عليهم الوحي.
فهنا قد يدعون أن فيهم خاتم الأولياء (1) .
فنقول: إن الأنبياء عليهم السلام قد أقاموا الأدلة والبراهين على صدقهم، فأين براهين هؤلاء الكذبة من أصحاب وحدة الوجود على دعاويهم؟ وأين معجزاتهم التي تبرهن على أنه يوحى إليهم؟ لا شك أنه لا يوجد شيء من ذلك سوى الدعاوى الكاذبة التي يفترون بها على الله بدون أن يقيموا عليها برهاناً شرعياً ولا حتى عقلياً.
11 إن ما ادعاه ابن عربي الضال في الله (وما ادعاه من وحدة الوجود ادعاه من أخذ بمنهجه من الصوفية بعده،بدون أن يسندوه إلى الله (أو إلى الأنبياء عليهم السلام، كما أنهم لم يسندوه إلى ابن عربي نفسه بل كل واحد منهم يزعم أنه توصل إلى هذا القول من خلال عرفانه ومقامه، فمعنى ذلك أنهم لم يأخذوا معلوماتهم من خاتم الأولياء ابن عربي في زعمهم. فهي إذا -أعني ختم الولاية- دعوى فارغة المضمون، كما أن معنى ذلك أن كل واحد منهم يوحى إليه في هذا المقام بهذه الدعاوي الخطيرة التي هي عين الكفر والزندقة ولا شك أنها إذا تناقضت مع الوحي المنزل من الرحمن لم يبق إلا وحي الشيطان كما قال الله (:
{وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون} الأنعام (112-113)
وهذه الآية نص في أولئك الضلال، وبيان صريح لمصدرهم في العلم، وكذلك سبب دعاويهم تلك ألا وهو: الغرور والإعجاب بالنفس مع عدم الإيمان باليوم الآخر.
12 نرى أن ما ادعاه ابن عربي وكذلك ما ادعاه سائر الصوفية من بعده من أصحاب وحدة الوجود ويزعمون أنه حصل لهم من(6/167)
الله (من خلال مقاماتهم التي يدعونها أو من خلال منامات رأوها أو القاء من قبل الله ((1) كل ذلك كذب بين واضح، إذ أن أقوالهم لم تخرج عن قول ملاحدة اليونان قبلهم سواء كانوا من الفلاسفة الدهريين والوجوديين أو المؤلهة منهم، وكذلك من جاء بعدهم من أصحاب الأفلاطونية الحديثة، وكذلك من أخذ بتلك الأقوال من المنتسبين للأديان من اليهود والنصارى والمسلمين من أمثال الفارابي وابن سينا وملاحدة الباطنية وغيرهم، فهي دعاوى قد سبق إليها ملاحدة اليونان ابن عربي وأضرابه من دعاة وحدة الوجود، وكان دور هؤلاء الزنادقة أنهم جمعوها ولفقوا بينها وأضافوا إليها بعض المسميات الإسلامية حتى تروج على الناس.
فيظهر من هذا كذب ابن عربي وأتباعه في دعواهم أن هذا العلم حصلوه بالكشف أو الوحي فهم كاذبون في ذلك مستحقون لوعيد الكاذب على الله في ادعاء الوحي قال ( {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} الأنعام (93) .
وقد زاد ابن عربي وأضرابه على فلاسفة اليونان في الضلال والفجور؛ إذ أن أولئك توصلوا إلى أقوالهم تلك بالبحث والنظر العقلي البعيد تماماً عن الوحي.
أما هؤلاء فقد أخذوا أقوالهم تلك من الفلاسفة السابقين،وعزوها إلى أنفسهم، وزعموا أيضاً أنها وحي من الله أوحاه إليهم فزادوا بذلك الكذب على الله (والافتراء عليه، عليهم من لله عالى مايستحقون.
• • •
خاتمة:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والحمد لله الذي هدانا بغير حول منا ولا طول والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وصلي الله على معلم البشرية الخير وهاديها إلى كل فلاح ونجاح نبينا وسيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
أما بعد:(6/168)
فبعد أن طوفنا خلال هذا البحث المختصر على قول أهل الباطل ممن أخذ بقول الفلاسفة من المنتسبين للإسلام نختم هذا البحث بأهم النتائج المستفادة منه وهي:
1 أن العقل غير قادر باستقلال للوصول إلى العلم الصحيح عن الله (.
2 أن العقل مهما كان ناضجاً وقوياً فإنه لا يسلم من تأثير البيئات المحيطة به والتربية التي تربى عليها الشخص، فلهذا تأتي أحكامه وتصوراته متأثرة بمؤثرات خارجية تفسد عليه نقاوته وصحته وتقلب في بعض الأحيان موازينه.
3 أن الفلاسفة الوثنيين أثروا في أناس عديدين من أهل الأديان من اليهود والنصارى والمسلمين.
4 أن الفلاسفة المنتسبين إلى الاسلام تركوا النور والهدى الذي بين أيديهم، وراحوا يتلمسون الهدى في زبالات الأذهان والخيالات والأوهام
5 أن أهل الفلسفة المحضة، وكذلك الباطنية المنتسبين للإسلام قد أخذوا بقول فلاسفة اليونان الوثنيين في الله (في صفاته وفي أفعاله وإيجاده لهذا العالم حذو القذة بالقذة.
6 أن فلاسفة الصوفية كابن عربي وأتباعه قد أتوا بخليط متناقض من الأقوال غاية التناقض لأنهم لفقوا بين أفسد الأقوال وأقبحها، فقد أخذوا بقول الوجوديين من الفلاسفة وقول الفلاسفة المؤلهة وجمعوا بينها، فأفرز لهم مقالة هي من أفسد المقالات وأقبحها وأبعدها عن الإسلام والحق بل أبعدها عن العقل والفهم السليم.
7 أن فلاسفة الصوفية غلفوا أقوالهم ببعض المسميات الإسلامية حتى تروج على بعض المسلمين ويظهروا بمظهر المنتمي للإسلام والمعتمد عليه.(6/169)
8 أن الله (بفضله وكرمه قد حمى هذا الدين فحفظ له أصوله القرآن والسنة والطائفة التي تلتزم بمنهج القرآن والسنة وهم السلف ومن سار على منهجهم، ولولا هذا التكرم من ربنا الكريم لأصاب الإسلام ما أصاب الأديان الأخرى من اختلاط الحق بالباطل وتلبسه على الناس بحيث لا يستطيع الإنسان أن يتوصل إلى الحق من خلاله وذلك بفعل الفلسفات الوافدة وأصحاب الضلالة والانحراف والأهواء من المنتسبين للدين، الذين يزخرفون الباطل بالألفاظ المنمقة والدعاوى الباطلة.
فلربنا الحمد والشكر والثناء الأول والآخر وله سبحانه المنة والفضل في كل هدى وخير.
هذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الدراسة المختصرة. وفي الختام نسأل الله تعالى أن يهدي المسلمين ويبصرهم بمواقع عزهم ورفعتهم في دنياهم وأخراهم، وأن يردهم إلى الحق رداً جميلاً، وأن يستعملنا في طاعته، ويثبتنا على دينه، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه، وأن يتقبله منا، ويبارك لنا فيه،وينفع به اخواننا المسلمين، إنه جواد كريم غفور حليم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحواشي والتعليقات
انظر: دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية ص 254-262.
حران مدينة في الجزيرة على طريق الموصل والشام وقد فتحت في عهد عمر بن الخطاب (معجم البلدان (2/236) .
الفيثاغورية: نسبة إلى فيثاغورس اليوناني كان نحو 570 - 457 ق. م هرب بسبب الاضطرابات في بلاده إلى إيطاليا وأسس بها فرقة دينية سياسية فلسفية سيطرت بعض الوقت على بعض المدن هناك ثم قضي عليها وبقيت تعاليمه، وهي تدور على الدعوة إلى الطهارة بالصمت واختبار الذات والامتناع عن اللحوم باعتبار أن المخلوقات أقارب، ويرى تناسخ الأرواح ويرون أن الأشياء أعداد، والعدد عندهم ليس رقماً إنما هو شكل وهو ما يسمى الأصل الرياضي. انظر: الموسوعة الفلسفية ص 353.(6/170)