وقد روي عن الإمام الشافعي أنه قال: {آمنت بما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله (} (1) .
وقال سفيان بن عيينة: {كل ما وصف الله -تعالى- به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره، ولا كيف، ولا مثل} (2)
المبحث الثامن: أثر الإيمان بصفة الرضا في حياة المسلم
لقد قام هذا الدين على أصول ثلاثة، هي:
1 - معرفة العبد ربه.
2 - معرفة العبد دينه.
3 - معرفة العبد نبيه - (-.
ومعرفة العبد ربه تتمثل في معرفته بأسمائه وصفاته وأفعاله، فلايكون الإنسان على حقيقة من دينه إلاَّ بعد العلم بالله - سبحانه وتعالى -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} (3) ، وأعلم الخلق بالله {بأسمائه وصفاته} أخشاهم لله وأتقاهم، ولذلك لايستطيع العباد إدراك حقيقة العبودية لله، وتحقيقها قولاً وعملاً إذا لم يعرفوا صفات الله - عزّوجل -.
ومن نفى أسماءه وصفاته كان أجهل الناس به، وبمقدار ما ينفي العبد من صفات الله يغلب عليه الجهل، ويقسو قلبه وتنحرف عبادته.
فهذا الركن العظيم من ركني التوحيد - توحيد العلم والاعتقاد وتوحيد الإرادة والقصد - تحقيقه تزكية للنفس وإقامة لها على طاعته، وسبب للعصمة من الزلل والانحراف، ويفتح الأمل، ويقي من الخمول والكسل.
ولهذا كان رسول الله - (- يقرأ بما تتضمن العلم بالصفات والعمل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (4) و {قُلْ ياأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (5) في ركعتي الفجر والمغرب والطواف وغير ذلك (6) ، فعلم العبد بتفرد الرب بالخلق، والإحياء والإماتة والرزق، والرضا، وغيرها من الصفات، يورث العمل بمقتضياتها.
ولهذا عظمت نصوص الأسماء والصفات؛ لأنها تتحدث عن الواحد الأحد صاحب الصفات العظيمة مثل آية الكرسي وقل هو الله أحد وغيرها.(3/331)
بل إن العلم بالصفات والعمل بمقتضاها أصل للعلم بكل معلوم والأمر به، ولذلك يزيد إيمان المؤمن بإثبات صفات الله - تعالى - على ما أراده الله، وعلى ما أراده رسوله - (- فيما وصفه به.
ولهذا قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: {آمنت بما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله - (-} (1) .
وما أعظم ثواب من عمل بمقتضى صفات الله - تعالى - كما في الآيات التي ذكرتها في الأدلة على ثبوت هذه الصفة ولايتحقق تعظيم الله وتمجيده ودعاؤه إلاَّ بأسمائه وصفاته، وإثبات صفة الرضا والعمل بمقتضاها من تعظيم الله وتمجيده ودعائه، كما في الحديث السابق: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك} .
وهذا هو الصراط المستقيم الذي التزمه مثبتة الصفات: أهل السنة والجماعة.
وإليك أخي المؤمن نبذة يسيرة عن أثر هذه الصفة في حياة المسلم الموحد المثبت لصفة الرضا:
الاستعاذة بصفة الله من كمال التوحيد، فكان من دعاء النبي - (-: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك ... } .
قال ابن القيم - رحمه الله -: {فاستعاذ بصفة الرضا من صفة الغضب، وبفعل العافية من فعل العقوبة، واستعاذ به منه باعتبارين، وكأن في استعاذته منه جمعاً لما فصله في الجملتين قبله، فإن الاستعاذة به منه ترجع إلى معنى الكلام قبلها مع تضمنها فائدة شريفة وهي كمال التوحيد، وأن الذي يستعيذ به العائذ ويهرب منه إنَّما هو فعل الله ومشيئته وقدره فهو وحده المتفرد بالحكم، فإذا أراد بعبده سوءاً لم يعذه} (2) .(3/332)
والمتأمل للحديث السابق يجد أن الرسول - (- استعاذ بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة فالأول للصفة، والثاني لأثرها المترتب عليها، ثُمَّ ربط ذلك كله بذاته - سبحانه - {وبك منك} ؛ لأن ذلك كله راجع إليه وحده دون سواه (1) .
وأثر صفة الرضا دائم في الآخرة بدوام رضاه سبحانه وتعالى (2) .
ويستحيل تخلف آثارها ومقتضاها عنها؛ لأن ذلك تعطيل لأحكامها كما أن نفيها نفي لحقائقها، وكلا التعطيلين محال عليه - سبحانه وتعالى -، فمن عطل صفاته - سبحانه -، فقد عطل الله مِمَّا يستحق، ومن لم يعمل بمقتضاها فقد عطل أحكامها وموجباتها، ومن جمع بين التعطيلين فقد حاز الكفر كله.
إن الحصول على رضا الله سبحانه وتعالى - أثر الصفة - درجة رفيعة من درجات المؤمنين الصادقين، كما في قوله- سبحانه -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} في سورة المائدة، وفي سورة التوبة، وفي سورة البينة وغيرها.
فهم يحصلون على درجة الرضا عنهم عند دخولهم الجنات وخلودهم فيها فيغمرهم رضاه - سبحانه - ويبلغوا درجة الرضا بما لقوا من نعيم ربهم الكريم.
ورضا الله - سبحانه وتعالى - من أعظم ما يمتع به المؤمن الصادق، فهو بما يصحبه من نعيم مقيم إلاَّ إنه في ذاته هو النعيم فهو أعلى وأكرم مثوبة من الله {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (3) .(3/333)
ما أعلى رضا الله - سبحانه - وأكمله، وما أندى وما أنعم وما ألذ أثر هذه الصفة العظيمة، أثر صفة الرضا عظيم وهو خاص بحزب الله المفلحين بخير البرية، هم أهله، وهم الراضون به، {إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولائِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (1) .
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير الآية: {ومقام رضاه أعلى مِمَّا أوتوه من النعيم المقيم} (2) .
أمَّا الفاسقون العاصون لأمر الله وأمر رسوله - (- فهم المحرومون من رضى الله - سبحانه وتعالى - وأولهم المنافقون الذين يقولون بألسنتهم وظاهرهم: آمنا أو أسلمنا وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا، فهؤلاء، قال الله فيهم: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (3) ، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَآ أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} (4) .
إن رضى الله عن العبد أكبر نعمة ينعمها الله على عبده: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ... } (5) .
قال ابن كثير - رحمه الله -: {وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة، وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله عز ّوجل -، والاحتساب عند الله - تعالى - جزيل الثواب وهو الجَنَّة، المشتملة على فضل الله - عز ّوجل - وهو سعة الرزق عليهم، ورضاه - تعالى - عنهم، وهو أكبر من الأول} (6) .(3/334)
{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1) .
فرضا الله عن المؤمنين أكبر وأجل وأعظم مِمَّا هم فيه من النعيم.
أكبر من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار المعدة للخلود فيها أبداً.
وأكبر من المساكن الطيبة القرار، الحسنة البناء، الموصوفة من رسول الله - (- بقوله: {جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاَّ رداء الكبر على وجهه في جنة عدن} (2) .
وقال رسول الله - (-: {إن للمؤمن في الجَنَّة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً من السماء للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلايرى بعضهم بعضاً} (3) .
فرضا الله على المؤمن أكبر من الجَنَّة التي هي: {مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض} (4) .
وصدق الله العظيم: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} .
أخرج الإمام مالك، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - (- قال: {إن الله - عزّوجل - يقول لأهل الجَنَّة: يا أهل الجَنَّة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لانرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك. فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً} .
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (: {إذا دخل أهل الجَنَّة الجَنَّة قال الله - عزّوجل -: {هل تشتهون شيئاً فأزيدكم؟ قالوا: يا ربنا ما خير مِمَّا أعطيتنا؟ قال: رضواني أكبر} (5) .(3/335)
وعن عروة قال: {أفضل ما أعطي العباد في الدنيا العقل، وأفضل ما أعطوه في الآخرة رضوان الله -عزّوجل-} (1)
بل إن أكبر نعيم يتحقق للمؤمن يوم القيامة - وهو رؤيته سبحانه وتعالى - إنَّما تكون مع تحقق الرضا، كما في قوله سبحانه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُولائِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (2) .
وعند مسلم، عن أبي سعيد الخدري في الرؤية من حديث طويل، وفيه: { ... فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية، قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجَنَّة:هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الجَنَّة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثُمَّ يقول: ادخلوا الجَنَّة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ فيقولون: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً} (3)
وفي كتاب الزهد لابن المبارك: {وغضب الله ... لا دواء له إلاَّ رضوان الله - تعالى -} (4) .
فليبشر المؤمن الصادق فله الرضا من الله، كما قال الله - تعالى -: {الَّذِينَءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولائِكَ هُمُ الْفَآئِزُونَ، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ، خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (5) .(3/336)
ولقد قص الله علينا في كتابه الكريم أنباء وأخبار المستحقين لرضوانه – سبحانه وتعالى - على مستوى الجماعة وعلى مستوى الفرد، كما في قوله - عزّوجل -: {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (1) .
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسير الآية: {يقول تعالى مبيناً حال المستحقين لمال الفيء أنهم {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} أي: خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه {وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولائِكَ هُمُ الصّادِقُونَ} أي: هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم، وهؤلاء هم سادات المهاجرين} (2) .
الذي يطلب رضا الله ويعمل من أجله هو الصادق في قوله وعمله، فهم يطلبون الرضا ويبتغون مرضاة الله، ولذلك قص الله - تعالى - أمر موسى - عليه السلام - حينما عجل لإرضاء ربه وحصوله على رضاه فقال - سبحانه -: {وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَامُوسَى، قَالَ هُمْ أُولآءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (3) ، وموسى ممن رضي الله عنهم ولكن كان شغوفاً ليزيد رضى الله عنه فسبق قومه لذلك فقال: {لِتَرْضَى} أي لتزداد عني رضا (4) .(3/337)
وكم رغّب الله في رضاه، والحصول على أثر هذه الصفة العظيمة، في مثل قوله - سبحانه -: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرُ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (1) .
فالآخرة كائنة لا محالة، حذر الله - سبحانه وتعالى - في هذه الآية من أمرها، ورغّب فيما فيها من الخير فقال - سبحانه -: {وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} فليس في الآخرة القريبة إلاَّ هذا أو هذا، إمَّا عذاب وإمَّا مغفرة من الله ورضوان (2) .
فهي دعوة وترغيب في طلب رضوان الله ومغفرته.
ولذلك فالمؤمن يطلب رضا الله حتى لو وصل به ذلك إلى إسخاط الناس، بل وليس الأباعد ولكن حتى لو سخط الأقارب كما قال - سبحانه -: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَاَنهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولائِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولائِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3) .(3/338)
قال ابن كثير - رحمه الله -: { ... وفي قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} سر بديع؛ وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله - تعالى - عوضهم الله بالرضا عنهم وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم، والفضل العميم} (1) .
والاقتداء بالرسل في طلب رضا الله هو المأمور به في آيات كثيرة، منها: قوله - تعالى - عن إسماعيل - عليه السلام -: {وَاذْكُرْ فِي الْكتابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا، وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (2) .
ولقد كان محمد - (- أزكى من رضي الله عنهم، فكانت له الشفاعة العظمى.
وكم من شافع لاتنفع شفاعته يوم القيامة؛ لأن الله لم يأذن، ولم يرض له قولاً، ولم يرض عن المشفوع له، كما قال - سبحانه -: {يَوْمَئِذٍ لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} (3) ، وقال سبحانه: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّماوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيئا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَى} (4) ، وقال - عزّوجل -: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} (5) .
فلابد في الشفاعة من الرضا:
1 - الرضا عن الشافع.
2 - الرضا عن المشفوع له، مع إذنه - سبحانه - بالشفاعة (6) .
وهذا في الشفاعة العامة التي للنبي - (- ولسائر الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، أمَّا الشفاعة العظمى فهي خاصة به - (- وهي المقام المحمود، الذي يدل على أن محمداً - (- خير من رضي الله عنه.(3/339)
وكم هي أمنية المؤمن الصادق أن يحصل على رضا الله - تعالى - كما قال - سبحانه - عن سليمان - عليه السلام-: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذَآ أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (1) .
قال ابن كثير - رحمه الله -: { {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} أي: عملاً تحبه وترضاه} (2) .
وهذا التعبير من سليمان - عليه السلام -، يشير بنعمة الله عليه، ويصور نوع تأثره ورضاه بما أنعم الله عليه فهو بهذا: توجه بقوة وارتعاش وجدان، وارتياع بال، إلى طلب ما يحقق له رضا الله، بأن يوفقه إلى شكر نعمة الله عليه وعلى والديه، وإلى عمل ما يرضي الله - سبحانه -.
والتشوق إلى رضا الله - عزّوجل - ورحمته في اللحظة التي تتجلى فيها نعمته منزلة شريفة يتميز بها عباد الله المخلصين الصادقين الصالحين.
قال الله - تعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفُ بِالْعِبَادِ} (3) .(3/340)
نزلت في صهيب بن سنان الرومي - رضي الله عنه -، وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله وإن أحب أن يتجرد ويهاجر فعل، فتخلص منهم وأعطاهم ماله، فأنزل الله فيه هذه الآية، فتلقاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وجماعة إلى طرف الحرة في طرف المدينة النبوية، فقالوا له: ربح البيع، فقال: نعم، وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم، وما ذاك؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية (1) .
إي والله ربح البيع صهيب، وكل مجاهد، وكل مهاجر قد هجر الشرك، وهجر الكبائر والمعاصي، وفدا دينه وعبادته وتوحيده، وابتغى مرضاة الله - تعالى -.
وفي الحديث: عن ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - (- قال: {إن العبد ليلتمس مرضاة الله - تعالى - فلا يزال بذلك فيقول الله - عز ّوجل - لجبريل إن فلاناً عبدي يلتمس أن يرضيني، ألا وإن رحمتي عليه، فيقول جبريل: رحمة الله على فلان، ويقولها حملة العرش، ويقولها من حولهم، حتى يقولها أهل السموات السبع، ثُمَّ يهبط إلى الأرض} (2)
ولا يستوي من طلب الرضا واتبع الرضا مع من باء بسخط الله واتبع الغواية، وانحرف عن عبادة الله، وأسخط ربه بشركه، وضلاله: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (3)
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: {أي لايستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه فاستحق رضوان الله وجزيل ثوابه وأجير من وبيل عقابه، ومن استحق غضب الله وألزم به فلا محيد له عنه، ومأواه يوم القيامة جهنم وساءت مصيراً} (4)
قلتُ: لايستوي من أسس حياته على تقوى من الله ورضوانه، ومن أسس حياته على النفاق والصد عن رضا الله وفرّق بين المؤمنين أو حارب أمر الله ورسوله، أو تركه ولم يعمل به.(3/341)
قال الله - تعالى -: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (1) .
وقال - سبحانه -: {لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (2) .
ولهذا كله يجب على كل مسلم إعانة طالب الرضا وعدم صده عن ذلك، فالله - سبحانه – يقول - وقوله الحق -: {يَاأَيّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ ولاء أمين الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَبِّهِمْ وَرِضْوَا نًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (3) .
فمن معاني الآية: { ... لاتستحلوا قتال القاصدين إلى بيت الله الحرام، الذي من دخله كان آمناً، وكذا من قصده طالباً فضل الله وراغباً في رضوانه، فلاتصدوه ولاتمنعوه ولاتهيجوه} (4) .
وقوله: {وَرِضْوَانًا} قال ابن عباس: {يترضون الله بحبهم} (5) .(3/342)
ورضا الله -سبحانه وتعالى- من خير ما يعطيه لعباده الصالحين يوم القيامة، كما في حديث أنس - رضي الله عنه - وفيه: { ... ثُمَّ يتجلى لهم فيقول: أنا الذي صدقتم وعدي، وأتممت عليكم نعمتي، وهذا محل كرامتي فسلوني، فيسألونه الرضا، فيقول: رضائي أحلكم داري، وأنا لكم كرامتي، فسلوني، فيسألونه الرضا، فيشهدهم الرضا، ثُمَّ يفتح لهم ما لم تر عين، ولم يخطر على قلب بشر إلى مقدار منصرفهم من الجمعة ... } الحديث (1) .
{قُلْ أَؤُنَبِّئكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ} (2) أي: يحل عليهم رضوانه فلايسخط عليهم بعد أبداً.
وفي معنى الحديث السابق قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
فبينا همو في عيشهم وسرورهم
وأرزاقهم تجري عليهم وتقسم
ذا هم بنور ساطع أشرقت له
بأقطارها الجنات لا يتوهم
تجلى لهم رب السموات جهرة
فيضحك فوق ثُمَّ يكلم
سلام عليكم يسمعون جميعهم
بآذانهم تسليمه إذ يسلم
يقول سلوني ما اشتهيتم فكل ما
تريدون عندي أنني أنا أرحم
فقالوا جميعاً نحن نسألك الرضا
فأنت الذي تولي الجميل وترحم
فيعطيهم هذا ويشهد جميعهم
عليه تعالى الله فالله أكرم (3)
عن ابن عباس عن جويرية أن النبي - (- خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح - وهي في مسجدها، ثُمَّ رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلتِ على الحال التي فارقتكِ عليها؟ قالت: نعم. قال النبي - (-: {لقد قلتُ بعدكِ أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته} (4) .
فقوله: {ورضا نفسه} يتضمن أمرين عظيمين:
أحدهما: أن يكون المراد تسبيحاً هو والعظمة والجلال سيان.
والثاني: ولرضا نفسه.(3/343)
فهو في الأول: مخبر عن تسبيح مساوٍ لعدد خلقه، والثاني مثبت لرضا نفس الرب لا نهاية له في العظمة والوصف.
فالتسبيح ثناء عليه يتضمن التعظيم والتنزيه.
فإذا كانت أوصاف كماله ونعوت جلاله لا نهاية لها ولا غاية، بل هي أعظم من ذلك وأجل؛ كان الثناء عليه بها كذلك إذ هو تابع لها إخباراً وإنشاء، وهذا معنى الأول من غير عكس.
وإذا كان إحسانه - سبحانه - وثوابه وبركته وخيره لا منتهى له، وهو من موجبات رضاه وثمرته فكيف بصفة الرضا؟ .
وقد ذكر في الأثر: {إذا باركت لم يكن لبركتي منتهى} فكيف بالصفة التي صدرت عنها البركة، وهي الرضا؟ .
{والرضا يستلزم المحبة والإحسان والجود والبر والعفو والصفح والمغفرة، والخلق يستلزم العلم والقدرة والإرادة والحياة والحكمة، وكل ذلك داخل في رضا نفسه، وصفة خلقه} (1) .
وهذا الحديث متضمن لثلاثة أصول:
الأول: إثبات صفات الكمال لله - سبحانه - ومنها صفة الرضا، والثناء عليه بها.
الثاني: محبته والرضا به.
الثالث: اجتماع الحمد والتنزيه على أكمل الوجوه، وأعظمها قدراً، وأكثرها عدداً، وأجزلها وصفاً، وهذه مزية وفضل عظيمين.
قبول الرضا:
إن العمل اليسير المرافق لمرضاة الله وسنة المصطفى - (- خير وأحب إلى الله من العمل الكثير إذا خلا عن ذلك، أو عن بعضه.(3/344)
يوضح ذلك آيات كثيرة، منها: قول الله - تعالى -: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (1) ، وقوله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (2) . وقوله - عزّوجل -: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (3) فالله - سبحانه وتعالى - خلق السموات والأرض والموت والحياة وزين الأرض بما فيها وما عليها ليبلو العباد أيهم أحسن عملاً لا أكثر عملاً.
وحسن العمل هو: خلاصه وصوابه، وموافقته لمرضاة الله - تعالى - ومحبته، وليس الأكثر الخالي من ذلك كله أو بعضه، والتعبد لله بالأرضى له وإن كان قليلاً أرضى له من الأكثر الذي لايرضيه، فقد يتفق العملان في الصورة، وبينهما تفاضل كبير وعظيم، قد يصل مثل ما بين السماء والأرض.
وهذا الفضل يكون بحسب رضا الله - سبحانه وتعالى - بالعمل وقبوله ومحبته وفرحه به كما قال - (-: {لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها} (4) .
قال البيهقي في شرح الحديث: {قوله: أفرح: معناه لله أرضى بالتوبة وأقبل لها، والفرح قد يكون بمعنى الرضا. قال تعالى: {كُلُّ حِزْبِ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (5) أي: راضون} (6) .
ولهذا كان قبول العمل بحسب رضا الرب - سبحانه وتعالى - به، فقد يتصدق اثنان أحدهما بكثير أو مرات متعددة والآخر بقليل، أو مرة، حسب استطاعته وغناه، ولكن صدقة هذا تفضل على صدقة الأول بكثير، وذلك بحسب محبة الله وقبوله لها، ورضاه قبل هذه وهذه.
فقبول الرضا والمحبة والاعتداد والمباهاة شيء، وقبول الثواب والجزاء شيء؛ لأن القبول أنواع:
النوع الأول:(3/345)
قبول رضا، ومحبة، واعتداد، ومباهاة، وثناء على العامل بين الملأ الأعلى، كما تقدم في حديث ثوبان عن النبي - (- قال: {إن العبد ليلتمس مرضاة الله - عزّوجل - فلايزال كذلك، فيقول: يا جبريل إن عبدي فلاناً يلتمس أن يرضيني برضائي عليه، قال: فيقول جبريل - (- رحمة الله على فلان، وتقول حملة العرش، ويقول الذين يلونهم، حتى يقول أهل السموات السبع، ثُمَّ يهبط إلى الأرض، ثُمَّ قال رسول الله - (-: وهي الآية التي أنزل الله عليكم في كتابه: {إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (1) ، وإن العبد ليلتمس سخط الله، فيقول الله – عزّوجل - يا جبريل إن فلاناً يستسخطني، ألا وإن غضبي عليه، فيقول جبريل: غضب الله على فلان، وتقول حملة العرش، ويقول من دونهم، حتى يقوله أهل السموات السبع، ثُمَّ يهبط إلى الأرض} (2) .
ويشهد لهذا المعنى ما أخرجه البخاري ومسلم (3) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - (-: {إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه جبريل، ثُمَّ ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثُمَّ يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثُمَّ ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثُمَّ توضع له البغضاء في الأرض} .
وعن عمرو بن مالك الرواسي (4) قال: أتيت النبي - (- فقلت: يا رسول الله - (- ارض عني قال: فأعرض عني ثلاثاً، قال: قلت: يا رسول الله، إن الرب ليترضى فيرضى، قال: فرضي عني (5) .(3/346)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - (-: {يقول الله - تعالى - أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة} (1) .
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله - (-: {إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليَّ مِمَّا افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته} (2) .
وكل هذا من أثر رضا الله عن العبد، وقبوله له قبول رضا ومحبة واعتداد ومباهاة.
ومن المباهاة بالمؤمنين ما رواه أبو سعيد الخدري قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آلله ما أجلسكم إلاَّ ذاك؟ ، قالوا: والله ما أجلسنا إلاَّ ذاك، قال: أمَّا إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله - (- أقل عنه حديثاً مني، وإن رسول الله (خرج على حلقة من أصحابه فقال: {ما أجلسكم؟} ، قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن به علينا، قال: {آلله ما أجلسكم إلاَّ ذاك؟} قالوا: والله ما أجلسنا إلاَّ ذاك. قال: {أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم؛ ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله – عزّ وجل - يباهي بكم الملائكة} (3) .
النوع الثاني:(3/347)
قبول جزاء وثواب، وإن لم يقع موقع الأول، ولعل مِمَّا يوضح ذلك قوله - سبحانه -: {ثُمَّءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًي وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} (1) .
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: {أي جزاء على إحسانه في العمل وقيامه بأوامرنا وطاعتنا كقوله: {هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} (2) ... وقال قتادة: من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الآخرة} (3)
ويوضحه قول الله - تعالى -: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (4) فمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح فله الحسنى في الآخرة، كقوله - تعالى -: {هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} أمَّا قوله: {وَزِيَادَةٌ} فهذا تضعيف لمن استحق ذلك، فيضاعف له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ويشمل ذلك ما يعطيه الله المؤمنين في الجنان، من القصور، والحور، والرضا، وما أخفاه الله لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك كله أعلاه النظر إلى وجهه الكريم (5) .
أمَّا النوع الثالث:
{فقبول إسقاط للعقاب فقط، وإن لم يترتب عليه ثواب وجزاء، كقبول صلاة من لم يُحضر قلبه في شيء منها؛ فإنه ليس له من صلاته إلاَّ ما عقل منها} (6) .
فإذا صلى بالصفة السابقة سقط عنه الفرض، لكنه لايثاب عليها، ومثل ذلك صلاة العبد الآبق، وصلاة من أتى العراف فصدقه فيما يقول، فقد قال بعض العلماء: إن صلاة هؤلاء لاتقبل ومع هذا لايؤمرون بالإعادة (7) .
أمَّا من غلط فأوّل الصفات، أو عطّلها، ومنها صفة الرضا، فيرون أن الأعمال متساوية، والجزاء والثواب عليها واحد، ولا أثر لرضا الله - سبحانه وتعالى - فيها(3/348)
وهذا دليل على عدم الفقه في أسماء الله - تعالى - وصفاته، فإنه يتبع ذلك عدم الفقه في شرع الله وأمره، فلا فقه لهم في أعمال القلوب، وحقائق الإيمان بالله - تعالى - وبأسمائه وصفاته.
المبحث التاسع: من أسباب حصول الرضا
جعل الله - سبحانه - في مقابلة أسباب عصيانه وسخطه وغضبه أسباباً يحبها، ويرضاها، ويفرح بها أكمل فرح ولهذا استعاذ النبي - (- بصفة الرضا من صفة السخط، وما يستعاذ به صادر عن مشيئة الله وإرادته وقضائه، وأذن في وقوع الأسباب، فمنه السبب والمسبب.
فإذا أغضبته - سبحانه - معاصي الخلق، وكفرهم، وشركهم، وظلمهم، أرضاه تسبيح ملائكته، وعبادة المؤمنين له، وحمدهم إياه، وطاعتهم له، فيعيذ رضاه من غضبه (1) .
وهذه بعض تلك الأسباب على سبيل الاختصار:
1 - الحمد:
فعن أنس مرفوعاً: {إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها} (2) .
والحمد مكمل الرضا، ومنزلته عظيمة، وهو علامة رضى الله على عباده، وإنعامه عليهم.
الحمد الذي افتتح الله به كتابه الكريم، وخلقه واختتمه.
فله الحمد في الأولى والآخرة، أي: في جميع ما خلق، وما هو خالق، هو المحمود في ذلك كله (3) .
قال علي - رضي الله عنه -: {الحمد كلمة أحبها الله ورضيها، وأحب أن تقال} (4) ، وفي الحديث: {أن أهل الجَنَّة يلهمونها مع التسبيح كما يلهمون النفس} (5) .
2 - الشكر:
قال الله تعالى: {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (6) ، فعلق الرضا بشكرهم، وجعله مجزوماً جزاء له، وجزاء الشرط لايكون إلاَّ بعده، فالشكر سبب الحصول على رضا الله، والرضا جزاء الشكر (7) .
3 - الشوق إلى لقاء الله:(3/349)
الشوق إلى لقاء الله بالشوق إلى المبادرة إلى طاعته - سبحانه -، وإن كان ذلك يؤدي إلى الشهادة في سبيله، وكم يكون الشوق حادياً للحصول على الرضا، وسمة ذلك كما قال الشاعر:
وأخرج من بين البيوت لعلني ... أحدث عنك القلب بالسر خالياً (1)
فالشوق يحمل المحب على العجلة في رضا المحبوب، والمبادرة إليه على الفور، ولو كان فيها تلفه كما حصل من نبي الله موسى - عليه السلام - فيما حكاه الله عنه في القرآن الكريم: {وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَامُوسَى، قَالَ هُمْ أُولآءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (2) ، وقال بعض المفسرين للآية: {أراد شوقاً إليك فستره بلفظ الرضا} (3)
4 - المبادرة إلى طاعات الله وإن اكتنفها مشقة وخوف أو نحو ذلك:
فأهل بيعة الرضوان الذين بادروا وتسابقوا في نصرة النبي - (- ونصرة دينه، والإخلاص في ذلك، قال الله –تعالى- فيهم: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا، وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (4) ، وفي الحديث: {لايدخل النَّار - إن شاء الله - من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها} (5) .
وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله - (- قال: { ... لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} (6) ، وهذا كناية عن كمال الرضا، وصلاح الحال، وتوفيقهم للخير لا للترخص في كل فعل (7)(3/350)
والأسباب كثيرة، وبعضها أفضل من بعض، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد في سبيل الله، وغير ذلك {وَمِنَ ا؟ لنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفُ بِالْعِبَادِ} (1) ، وما ذكرناه نماذج فقط، وبعضاً من الأسباب المتعددة، التي من حققها حصل على رضوان الله.
وأمَّا الغضب مع الرضا والبغض مع الحب فهو أكمل ممن لايكون منه إلاَّ الرضا، والحب دون البغض والغضب للأمور المذمومة التي تستحق أن تذم وتبغض (2) .
• • •
الخاتمة:
هذا ما تيسر جمعه وكتابته في هذا الموضوع المهم، وبهذا الأسلوب الواضح الجلي السهل، وقد قصدتُ بذلك أن يكون منهجاً لكل مسلم في الإيمان بكل اسم لله تعالى أو صفة من صفاته سبحانه.
فالإيمان بها هو الإيمان بأن لله أسماء وصفات سمى نفسه ووصفها بهذه الأسماء والصفات إيماناً يتمثل في تعظيمه - سبحانه - وتقديسه والتعبد بها والعمل بمقتضاها.
وهذه هي النتيجة الأولى والمهمة من نتائج هذا البحث، وإلاَّ فهناك نتائج مهمة مكملة لهذه، منها:
1 - إن من أعظم، بل أعظم العلوم: معرفة الله بأسمائه وصفاته - سبحانه -.
2 - حاصل تعريف الرضا في اللغة والشرع: إثبات صفة الرضا لله - تعالى -، من غير تكييف ولا تمثيل، معلوم معناها حق على حقيقتها، كأي صفة من صفات الله - تعالى -.
3 - أن العقل الصحيح الصريح يعلم أن نصوص كتاب الله وسنة نبيه - (- وكلام سلف الأمة: دلت على ثبوت صفة الرضا لله - تعالى -، فلايعطل من صفته اللائقة به، ولا تعطل النصوص مِمَّا دلت عليه من الكمال لله - تعالى -، وهذا هو الحق الذي عليه سلف الأمة، وأئمتها، ومن تبعهم بإحسان.(3/351)
4 - أن الطريق الصحيح لمعرفة الله بأسمائه وصفاته واحد لايتعدد؛ هو كتاب الله وسنة نبيه - (-، فليس للعقل أن ينكر ذلك أو يدعى ما يخالف الوحي في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو نفاه عنها، وإلاَّ فهو ضال، بعيد عن الحق، وفهمه والالتزام به.
5 - أن من تأول صفة الرضا، أو قال بأنها مخلوقة، أو نفاها عنه - سبحانه -، وجعلها إمَّا مجازاً أو صفة لبعض مخلوقاته، فقد ضل عن الصواب، وتبرأ منه أهل الإثبات؛ أهل السنة والجماعة، بل وردوه عليه بالسمع، والعقل الموافقان للغة، والفطرة السليمة.
6 - إذا لم يكن للإيمان بصفات الله - عزّوجل - ومنها صفة الرضا - أثر على حياة المسلم وعمله فإنه لم يحقق التوحيد على الحقيقة؛ لأن العلم بالصفات دون العمل بمقتضاها، ليس هو الإيمان المطلوب، بل لابد مع العلم من العمل بما أخبر الله به عن نفسه، والعمل بما يدل عليه ذلك الخبر.
7 - فعل الأسباب المأمور بها يحقق للمؤمن رضى الله -تعالى- في الدنيا، والآخرة. كما قال الله -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفُ بِالْعِبَادِ} (1) .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين.
• • •
الحواشي والتعليقات
سورة المؤمنون: الآيتان 115، 116.
سورة التوبة: الآية 109.
سورة آل عمران: الآية 162.
سورة آل عمران: الآية 110.
سورة النور: الآيتان 51، 52.
آخر سورة الفتح: الآية 29.
سورة النساء: الآية 14.
سورة الأحزاب: من الآية 36.
سورة طه: الآيات 124 - 126.
سورة ص: من الآية 26.
سورة الأنعام: الآية 153.
سورة الأنعام: من الآية 153.(3/352)
حديث صحيح أخرجه الطيالسي برقم 244، وأحمد في المسند 1/435، والحاكم 2/318، وقال: {حديث صحيح الإسناد} ووافقه الذهبي، والبزار في كشف الأستار رقم 2212، والدارمي في المقدمة، باب: كراهية أخذ الرأي.
أخرجه أبو داود في كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها 4/97، وابن ماجة في كتاب الحدود، باب من عمل عمل قوم لوط 2/856، والترمذي في كتاب الفتن، باب 50، والدارمي في المقدمة، باب كراهية أخذ الرأي، وباب إن الله كره لكم قيل وقال، وابن حبان في صحيحه 10/431، 15/110، والإمام أحمد في المسند 4/123، 5/278 284، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/221: {ورجال أحمد رجال الصحيح} .
أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/420، 423، والطبراني في المعجم الصغير 1/309، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/188: {رواه أحمد والبزار والطبراني في الثلاثة ورجاله رجال الصحيح} ، وقال في 7/306: {رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح} ، وانظر: الترغيب والترهيب للمنذري 3/101.
أتباع جهم بن صفوان: ينفون الصفات ويقولون بالإرجاء وبالجبر، وفناء الجَنَّة والنار، وخالفوا السلف في كثير من مسائل الاعتقاد. انظر: الفرق بين الفرق ص 199 - 200، والبداية والنهاية 10/26 - 27، والملل والنحل للشهرستاني 1/109 - 112.
خلق أفعال العباد 1/38، والآية في سورة طه: الآية 5.
هو: الكاتب المتكلم، أس الضلالة، صاحب الذكاء والجدال، المنكر للصفات، القائل بخلق القرآن، وأن الله في كل مكان، والإيمان بالقلب وإن نطق بالكفر، رأس الجهمية: الجهم بن صفوان، أبو محرز الراسبي مولاهم السمرقندي قيل: إن سلم بن أحوز قتله لإنكاره أن الله كلم موسى عليه السلام. انظر: سير أعلام النبلاء 6/26 - 27، وميزان الاعتدال 1/426، والملل والنحل 1/199 - 200.
انظر: العقيدة الأصفهانية 2/167.
سورة التوبة: من الآية 100.
سورة النور: الآية 55.(3/353)
سورة التوبة: الآية 72.
سورة النساء: الآيتان 114، 115.
انظر: لسان العرب 14/323 - 224، 7/312 - 313، ومختار الصحاح ص 246.
انظر: النهاية للجزري 2/232، باب الراء مع الضاد، ولسان العرب 14/323.
انظر: لسان العرب 14/324، ومختار الصحاح ص 246، والمصباح المنير 1/272.
انظر: لسان العرب 14/324، ومختار الصحاح ص 246.
سورة البينة: من الآية 8.
انظر: لسان العرب 14/324.
انظر: لسان العرب 14/324.
انظر: المصباح المنير 1/272، ولسان العرب 14/324.
انظر: لسان العرب 14/324، ومختار الصحاح ص 246.
سورة المائدة: من الآية 119، والتوبة 100، والمجادلة 22، والبينة 8.
سورة الفتح: من الآية 18.
سورة طه: من الآية 109.
سورة المائدة: من الآية 3.
سورة النور: من الآية 55.
سورة الأنبياء: من الآية 28.
سورة طه: من الآية 84.
سورة الزمر: من الآية 7.
سورة النمل: من الآية 19، والأحقاف: 15.
سورة النساء: من الآية 108.
سورة التوبة: من الآية 96.
أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء ... باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب 4/2095، والنسائي في السنن الكبرى 4/202، في كتاب الدعاء بعد الأكل، وباب ثواب الحمد لله.
سورة النساء: من الآية 114.
سورة البقرة: من الآية 207.
سورة الممتحنة: من الآية 1.
سورة الفتح: من الآية 29، وسورة الحشر: من الآية 8.
سورة التوبة: من الآية 72.
متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع أهل الجَنَّة 12/487، ومسلم في كتاب الجَنَّة ونعيمها، باب إحلال الرضوان على أهل الجَنَّة فلايسخط عليهم أبداً 4/2176، وأخرجه البخاري بنحوه في كتاب الرقاق باب صفة الجَنَّة والنار.(3/354)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/352، ومالك في الموطأ في كتاب القرآن باب ماجاء في الدعاء، وابن خزيمة في صحيحه 1/335، في كتاب الصلاة، باب نصب القدمين في السجود، وباب الدعاء في السجود، وابن حبان في صحيحه 5/259، وغيرهم.
تفسير الطبري 6/162.
الاستقامة 137.
ذم التأويل لابن قدامة ص 18.
التدمرية لابن تيمية، تحقيق السعوي ص 7.
سورة الأعراف: الآية 180.
سورة فصلت: الآية 40.
سورة الشورى: من الآية 11.
انظر: التدمرية بتحقيق السعوي ص 7 - 8.
العرض: ما لايقوم إلاَّ بغيره، مثل الألوان: السواد والبياض ونحو ذلك. انظر: التعريفات للجرجاني 2/193 والتعاريف للمناوي 2/510.
الجسم: ما يقوم بنفسه كالحجر والجدار ونحو ذلك. انظر: الصحاح مادة (جسم) ، ولسان العرب 12/99.
الجوهر: هو ما يقوم بنفسه كالحائط ونحوه إلاَّ أن الجسم أعم من الجوهر. انظر: لسان العرب 4/152 والتعاريف للمناوي 2/668، والتعريفات للجرجاني 2/108.
سورة الشورى: من الآية 11.
مثل: فلان لايكتب، ومثل قول الشاعر:
قبيلة لايغدرون بذمة ... ... ولايظلمون الناس حبة خردل
[انظر: شرح الطحاوية ص 69] .
سورة الكهف: من الآية 49.
سورة البقرة: من الآية 255.
التدمرية ص 43.
تفسير ابن كثير 1/6.
هي: أم المؤمنين أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشية المخزومية، اسمها هند وقيل: رمكة، وأبوها حذيفة، وقيل: سهيل. وأمها عاتكة بنت عامر الكنانية من بني فراس، وأم سلمة كانت من المهاجرين إلى الحبشة هي وزوجها قبل الرسولشتوفيت في خلافة يزيد بن معاوية. انظر: الإصابة 8/221 - 224 والاستيعاب 8/1939.
سورة طه: الآية 5.
ذم التأويل لابن قدامة ص 25، وفتح الباري 13/406، واعتقاد أهل السنة للالكائي 3/397.(3/355)
هو: مفتي المدينة في وقته، وعالم الوقت، من أئمة الاجتهاد، ومن رواة الحديث، وأحد الحفاظ، شيخ الإمام مالك اسمه: ربيعة ابن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي بالولاء المشهور بربيعة الرأي، روى عن أنس بن مالك وعن التابعين، قال عنه مالك: {كان ربيعة أعجل شيء جواباً} وقال ابن الماجشون: {والله ما رأيت أحوط لسنة من ربيعة} ، مات ربيعة بالهاشمية من أرض الأنبار سنة 136 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 6/89 - 96، وتاريخ بغداد 8/420.
ذم التأويل لابن قدامة ص 25، وانظر: سير أعلام النبلاء 6/90، وإثبات صفة العلو لابن قدامة 2/114.
حجة الأمة، إمام دار الهجرة، مالك بن أنس بن مالك المشهور، امتحن وضرب بالسياط، ألف كثير من الناس في مناقب مالك، وهو صاحب الموطأ، وله رسالة في القدر، وله غير ذلك من الكتب، توفي سنة 79 هـ رحمه الله ورضي عنه. انظر: سير أعلام النبلاء 8/48 - 135، والبداية والنهاية 10/174 - 175، وغيرهما.
ذم التأويل لابن قدامة ص 13، وانظر: اعتقاد أهل السنة للالكائي 3/398، والاعتقاد للبيهقي 2/116.
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن.. 1/288، والنسائي في السنن الكبرى 1/511، 6/203، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ماجاء في الدعاء بين الأذان والإقامة 1/145، وصححه الألباني وأخرجه الترمذي في باب الدعاء عند الأذان 2/27، وقال الألباني: {صحيح} .
العلامة القدوة، المفسر، المذكر، المحدث، سيف السنة، ودامغ البدعة، الزاهد، أبو عثمان إسماعيل ابن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل النيسابوري الصابوني، المولود سنة 372 هـ، والمتوفى سنة 449 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 18/40 - 44، والنجوم الزاهرة 5/62.
الرسالة في اعتقاد أهل السنة ص 3 - 4.
مجموع الفتاوى 6/518.
مجموع الفتاوى 12/173.
سورة المائدة: من الآية 3.
سورة المائدة: من الآية 119.(3/356)
سورة التوبة: من الآية 100.
سورة طه: الآية 109.
سورة الفتح: الآية 18.
سورة المجادلة: الآية 22.
سورة طه: الآيتان 83، 84.
سورة النمل: الآية 19.
سورة الأحقاف: من الآية 15.
سورة النساء: الآية 108.
سورة الزمر: الآية 7.
سورة التوبة: الآية 96.
سورة النور: الآية 55.
سورة آل عمران: الآية 15.
سورة التوبة: الآية 72.
سورة الحشر: الآية 8.
سورة البقرة: الآية 207.
سورة النساء: الآية 114.
سبق في ص 171.
سبق في ص 171.
سبق في ص 171.
أخرجه الترمذي في كتاب الزهد، باب ماجاء في الصبر على البلاء 4/601 وقال: {حسن غريب من هذا الوجه} ، وابن ماجة في الفتن، باب الصبر على البلاء 2/1338، وقال الألباني: {حسن} ، وأخرجه القضاعي في مسند الشهابي 2/170.
أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان ...
أخرجه ابن حبان في صحيحه في ذكر رجاء المرء من رضوان الله ... 1/514، والحاكم في المستدرك من عدة طرق 1/107، والترمذي في الزهد، باب في قلة الكلام، وقال: {حسن صحيح} 4/559، وابن ماجة في كتاب الفتن باب كف اللسان في الفتنة، وأخرجه الإمام مالك في الموطأ، كتاب الكلام، باب ما يؤمر به من التحفظ في الكلام 2/985.
الشكر لابن أبي الدنيا ص 40، وتفسير السيوطي 1/370.
سورة المطففين: الآية 15.
اعتقاد أهل السنة للالكائي 3/506، والاعتقاد للبيهقي 2/131، وحاشية ابن القيم على سنن أبي داود 13/42
سورة طه: من الآية 81.
العقيدة للإمام أحمد برواية الخلال 2/109.
سورة النحل: الآية 74.
سورة النحل: الآية 60.
سورة الروم: الآية 27.
انظر: التدمرية ص 50.
سورة فصلت: من الآية 40.
سورة الأعراف: الآية 180.
انظر: التدمرية ص 70.
ذم التأويل ص 23.
انظر: جواب أهل العلم والإيمان لابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى 17/152.
انظر: المرجع السابق نفس الموضع.(3/357)
انظر: الوابل الصيب لابن القيم 1/46.
سورة الشورى: من الآية 11.
انظر: رفع الاستار للصنعاني 2/142.
انظر: المصدر السابق نفس الموضع.
سورة المائدة: من الآية 119، وسورة التوبة: من الآية 100، وسورة البينة: من الآية 8.
انظر: رسالة في الصفات الاختيارية ضمن مجموع الفتاوى 6/217.
انظر: شرح السيوطي 1/104.
سورة الفتح: من الآية 18.
انظر: كتاب الإيمان الكبير ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 7/444.
الاستقامة 1/215.
وصفه - تعالى - بالسكوت ورد في السنة والأثر، فمن ذلك حديث أبي الدرداء يرفعه:
{ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته؛ فإن الله لم يكن نسياً، ثُمَّ تلا هذه الآية {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} } [مريم: 64] أخرجه البزار في كشف الأستار، وقال: {إسناده صالح} ، والحاكم في المستدرك 2/375، وقال: {صحيح الإسناد} ، وأقره الذهبي، وأخرجه البيهقي في الكبرى 10/12 والدارقطني في المعجم الكبير 6/250، 261.
وله شاهد عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: {كان أهل الجاهليَّة يأكلون أشياء، ويتركون أشياء تقذراً، فبعث الله - تعالى - نبيه - (- وأنزل كتابه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا: {قُل لاَ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ... } إلى آخر الآية. أخرجه أبو داود في كتاب الأطعمة، باب ما لم يذكر تحريمه رقم 3800، والحاكم في المستدرك 4/115 وصححه، ووافقه الذهبي على ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: {فثبت بالسنة والإجماع أن الله يوصف بالسكوت} [مجموع الفتاوى 6/179] .
سورة الزمر: الآية 7.
سورة المائدة: من الآية 3.
سورة طه: الآية 84.
سورة البينة: من الآية 8.
سورة التوبة: الآية 96.(3/358)
النهاية 2/232. وانظر: تحفة الأحوذي 10/9.
انظر: جواب أهل العلم والإيمان لابن تيمية 17/152.
سورة المائدة: من الآية 119، وسورة التوبة: من الآية 100، وسورة البينة: من الآية 8.
سورة الفتح: من الآية 18.
سورة المائدة: من الآية 119.
سورة المائدة: من الآية 3.
انظر: جواب أهل العلم والإيمان ضمن مجموع الفتاوى لابن تيمية 17/152.
قال ذلك الفخر الرازي - عفا الله عنه -. شرح قصيدة ابن القيم 1/208، ووفيات الأعيان 4/250، وشرح الطحاوية ص 244.
سورة طه: الآية 5.
سورة فاطر: من الآية 10.
سورة الشورى: من الآية 11.
سورة طه: من الآية 110.
شرح العقيدة الطحاوية ص 242، شرح قصيدة ابن القيم 1/208.
قال ذلك الشهرستاني محمد بن عبد الكريم. شرح الطحاوية ص 244.
أعلم المتأخرين، جامع طرق المذاهب، الإمام الكبير شيخ الشافعية، إمام الحرمين،
أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف ابن عبد الله ... الجويني، ثُمَّ النيسابوري، ولد سنة 419 هـ، وتوفي سنة 478 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 8/468 - 476، والأعلام 4/160، وطبقات الشافعية 3/249 - 253.
شرح العقيدة الطحاوية ص 245.
المعتزلة: إحدى الفرق المنتسبة إلى أهل القبلة، سموا بذلك لاعتزالهم المسلمين أو لاعتزالهم مجلس الحق فقد اعتزل رئيسهم مجلس الحسن البصري فسمّاهم الحسن معتزلة، وقد أجمعت على نفي الصفات والقول بخلق القرآن وأن العبد يخلق فعله، وأن مرتكب الكبيرة مخلد في النَّار، ونفوا الشفاعة ويرون الخروج على الأئمة. انظر: البرهان في عقائد أهل الأديان للسكسكي ص 36 - 27، والفرق بين الفرق ص 114 - 117.
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري ص 266، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 17/149.
انظر: جواب أهل العلم لابن تيمية ضمن الفتاوى 17/149.
انظر: السابق 6/329.(3/359)
جامع علم الإمام أحمد، المفسر، العالم بالحديث، الحافظ الفقيه، شيخ الحنابلة وعالمهم، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الخلال، تتلمذ على المروزي وغيره من كبار العلماء، ورحل إلى فارس والشام والجزيرة يطلب فقه الإمام أحمد وفتاويه وأجوبته، توفي سنة 311 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 14/297 - 298، وتاريخ بغداد 5/112 - 113، والبداية والنهاية 11/148.
انظر: العقيدة للإمام أحمد برواية الخلال 2/109.
هم: أتباع أبو محمد عبد الله بن سعد بن كلاب القطان، وهم من أقرب المتكلمين إلى السنة، من أقوالهم: إن أسماء الباري لا الباري ولا غيره، والوصف لله بأنه كريم ليس صفات الفعل، والكلام من صفات النفس. انظر: سير أعلام النبلاء؟ /174 - 176، ومقاولات الإسلاميين ص 172، 179، 517.
هم: أتباع أبي الحسن بن سالم القائلين بأن صفات الأفعال بغير المشيئة والإرادة، وأن القرآن حروف وأصوات قديمة، ويوافقون أهل السنة في أكثر مسائل الاعتقاد فهم من أقرب الطوائف إلى أهل السنة. انظر: النبوات لابن تيمية 2/143، وشرح قصيدة ابن القيم 1/279، 288.
انظر: رسالة في الصفات ضمن مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/217.
انظر: السابق 6/220.
أوحد زمانه في المعقول وعلوم الأوائل، إمام التفسير، المتكلم، أحد فقهاء الشافعية، والمشهور بالتصانيف الكبار والصغار، المعظم عند الملوك، أبو المعالي وأبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن علي القرشي التميمي البكري المشهور بالفخر الرازي المتوفى سنة 606 هـ. انظر: البداية والنهاية 13/55 - 56، والأعلام 6/313.(3/360)
صاحب المصنفات في الأصلين، الحنبلي ثُمَّ الشافعي، الأصولي المنطقي الجدلي، صاحب الأخلاق، سليم الصدر أبو الحسن سيف الدين علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي ثُمَّ الحموي ثُمَّ الدمشقي، المتوفى سنة 631 هـ. انظر: البداية والنهاية 13/140 - 141، وطبقات الشافعية 5/129، والأعلام 4/332.
انظر: رسالة في الصفات لابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى 6/221.
انظر: جواب أهل العلم ضمن فتاوى ابن تيمية 17/149.
انظر: تفسير القرطبي 15/237.
انظر: رسالة في الصفات ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 6/233.
ذكره الضياء المقدسي في المختارة، وقال: {إسناده صحيح} 6/272 - 273، والدارقطني في رؤية الله 1/80، 81، والآجري في التصديق بالنظر 1/67 وقال: {حديث صحيح} ، والهيثمي في مسند الحارث 1/301، وفي مجمع الزوائد للهيثمي 10/421 - 422 وقال: {رواه البزار والطبراني في الأوسط بنحوه وأبو يعلى باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وقد وثقه غير واحد وضعفه غيرهم وإسناد البزار فيه خلاف} اهـ. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: {رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط بإسنادين أحدهما جيد ... } .
انظر: رسالة في مسألة تأويل الصفات لابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى 6/44.
انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 1/127 - 128.
انظر: منهاج السنة 2/115.
انظر: شرح حديث النزول ضمن فتاوى ابن تيمية 5/351، ومنهاج السنة 2/116.
انظر: شرح حديث النزول ضمن فتاوى ابن تيمية 5/352.
انظر: رسالة في مسألة تأويل الصفات لابن تيمية ضمن الفتاوى 6/46.
سورة المائدة: من الآية 119.
سورة الفتح: من الآية 18.
سورة البينة: من الآية 8.
انظر: رسالة في مسألة تأويل الصفات ضمن بمجموع فتاوى ابن تيمية 6/46، والتدمرية ص 32 - 33.(3/361)
بيان تلبيس الجهمية 1/431، 2/164، وذم التأويل لابن قدامة ص 22.
ذم التأويل ص 23.
انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 12/10، والديباج للسيوطي 4/319.
ذم التأويل لابن قدامة ص 11، تحقيق: بدر البدر.
ذم التأويل ص 19.
سورة محمد: من الآية 19.
سورة الإخلاص: الآية 1.
سورة الكافرون: الآية 1.
انظر: الرسالة التدمرية ص 5.
ذم التأويل لابن قدامة ص 11.
طريق الهجرتين 1/431.
انظر: مدارج السالكين 1/254.
انظر: رفع الأستار للأمير الصنعاني 2/142.
سورة التوبة: من الآية 100.
سورة البينة: الآيتان 7، 8.
تفسير ابن كثير 4/538.
سورة التوبة: الآية 96.
سورة محمد: من الآية 28.
سورة الفتح: من الآية 29.
تفسير ابن كثير 4/204.
سورة التوبة: الآية 72.
أخرجه البخاري في تفسير سورة الرحمن، باب: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} ، ومسلم في كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى 1/163.
أخرجه مسلم في كتاب الجَنَّة، باب صفة خيام الجَنَّة وما للمؤمنين 4/2182، وأخرجه بنحوه البخاري في كتاب التفسير، باب حور مقصورات في الخيام.
انظر: صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء، وصحيح مسلم كتاب الإمارة، باب بيان ما أعد الله للمجاهد في الجَنَّة من الدرجات.
أخرجه الحاكم في المستدرك 1/82، وقال: {هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه} ووافقه الذهبي في التلخيص، وأخرجه الطبراني في الأوسط 9/26، وقال ابن كثير لما أورده في تفسيره 2/371: {رواه البزار من حديث الثوري، وقال الضياء المقدسي في مختاراته في كتاب صفة الجَنَّة: (هذا عندي على شرط مسلم) } قلتُ: لم أجده في المختارات.
العقل وفضله لابن أبي الدنيا ص 41.
سورة يونس: الآية 26.(3/362)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية 1/170، والبخاري بنحوه في باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، والدارقطني في رؤية الله 1/26.
ذكر ذلك ابن المبارك في الزهد ص 274 فيما روي من وصايا لقمان لابنه.
سورة التوبة: الآيات 20 - 22.
سورة الحشر: الآية 8.
تفسير ابن كثير 4/337.
سورة طه: الآيتان 83، 84.
انظر: تفسير ابن كثير 3/161.
سورة الحديد: الآية 20.
انظر: تفسير ابن كثير 4/313.
سورة المجادلة: الآية 22.
تفسير ابن كثير 4/329.
سورة مريم: الآيتان 54، 55.
سورة طه: الآية 109.
سورة النجم: الآية 26.
سورة الأنبياء: من الآية 28.
انظر: شرح حديث النزول للشيخ ابن عثيمين ص 57.
سورة النمل: الآيات 17 - 19.
تفسير ابن كثير 3/360.
سورة البقرة: الآية 207.
انظر: تفسير ابن كثير 1/248.
رواه الإمام أحمد في المسند 5/279، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/202: {ورجاله رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان وهو ثقة} ، وقال ابن حجر في الفتح 10/462: {ويشهد له حديث أبي هريرة الآتي في الرقائق ففيه: {ولايزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه} الحديث. وانظر: تحفة الأحوذي للمباركفوري 8/483.
سورة آل عمران: الآية 162.
تفسير ابن كثير 1/425، وانظر: تفسير الطبري 4/161.
سورة التوبة: الآية 109.
سورة النساء: الآية 114.
سورة المائدة: الآية 2.
تفسير ابن كثير 3/5.
السابق 3/5.
ذكره الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة 6/272 - 273، وقال: {إسناده صحيح} ، وسبق باقي تخريجه
سورة آل عمران: الآية 15.
حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح 1/7.(3/363)
أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء ... ، باب التسبيح أول النهار وعند النوم 4/2090، وابن حبان في صحيحه 3/113، وابن خزيمة في صحيحه 1/370، وأحمد في المسند 6/324، 429، والطبراني في المعجم الكبير 24/61، والترمذي في الدعوات، باب 104 وقال: {حسن
صحيح} 5/555، وابن ماجة في كتاب الأدب، باب فضل التسبيح 2/1251، وغيرهم.
المنار المنيف لابن القيم 1/36.
سورة الملك: الآية 2.
سورة الكهف: من الآية 7.
سورة هود: 7.
أخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها، بألفاظ متعددة وطرق متعددة، والبيهقي في السنن الكبرى 10/188، وابن حبان في صحيحه 2/387، وأحمد في عدة مواضع من المسند منها 2/316.
سورة المؤمنون: من الآية 53، وسورة الروم: من الآية 32.
الأربعون الصغرى 2/30.
قلتُ: وقول البيهقي - رحمه الله - هذا ليس هو الصحيح في إثبات صفة الفرح لله - تعالى - وإن كان يدل على معنى من معاني الرضا، والصحيح أن صفة الفرح لله - تعالى - على ما يليق بجلاله وعظمته، كسائر صفاته، وتأويلها بالرضا ليس صحيحاً، وإنَّما هو مذهب أهل التأويل والتعطيل، وإلاَّ فالصفة له على ما يليق به، معناها معلوم في اللغة العربيَّة وكيفها مجهول، والإيمان بها واجب، كما ثبتت في النصوص، ومنها هذا الحديث.
سورة مريم: الآية 96.
أخرجه الطبراني في الأوسط 2/57 - 58، وقال: {لايروى هذا الحديث عن ثوبان إلاَّ بهذا الإسناد تفرد به ميمون} ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/272 ثُمَّ قال: {رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات} .
أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، وفي مواضع أخرى، وأخرجه مسلم في كتاب البر والصلة، باب إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده 4/2030.(3/364)
هو: عمرو بن مالك بن قيس بن بجيد الرواسي كوفي وفد على النبيشمع أبيه فأسلما، وقال قوم: إن الصحبة لأبيه. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة 4/675، والاستيعاب لابن عبد البر 8/1200، والطبقات الكبرى لابن سعد 1/300.
أخرجه أبو يعلى في مسنده 12/236، والبيهقي في شعب الإيمان 6/312، وابن حبان في الثقات 3/270. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/202: {رواه البزار من رواية طارق عن عمرو بن مالك، وطارق ذكره ابن أبي حاتم ولم يوثقه، ولم يجرحه وبقية رجاله ثقات} اهـ
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء ... باب الحث على ذكر الله 4/2061، وباب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى 4/2067.
أخرجه البخاري في كتاب الرقائق، باب التواضع، وابن حبان في صحيحه 2/58، وأحمد في المسند 6/256 وغيرهم.
أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر 4/2075، وابن حبان في صحيحه 3/95، والطبراني في الدعاء ص 529، وأبو يعلى في مسنده 13/381، وأحمد في المسند 4/92 والترمذي في كتاب الدعوات، باب ماجاء في القوم يجلسون فيذكرون الله ... 5/459، وغيرهم.
سورة الأنعام: الآية 154.
سورة الرحمن: الآية 60.
تفسير ابن كثير 2/192.
سورة يونس: من الآية 26.
انظر: تفسير ابن كثير 2/485.
المنار المنيف لابن القيم ص 32.
انظر: المنار المنيف ص 33.
انظر: عدة الصابرين لابن القيم 1/238.
سبق تخريجه في ص 9. وانظر: أصول الإيمان للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ص 44.
انظر: تفسير ابن كثير 1/3.
أخرجه ابن أبي حاتم كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره 1/23.(3/365)
أخرجه بنحوه مسلم في كتاب الجَنَّة وصفة نعيمها، باب في صفات الجَنَّة وأهلها ... 4/2181، وابن حبان في صحيحه 16/462، والدارمي في كتاب الرقاق، باب في أهل الجَنَّة ونعيمها.
سورة الزمر: من الآية 7.
انظر: رسالة في الصفات الاختيارية ضمن مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/226.
روضة المحبين لابن القيم ص 437.
سورة طه: الآيتان 83، 84.
روضة المحبين: ص 437.
سورة الفتح: الآيتان 18، 19.
أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان 4/1942، وأحمد في المسند 5/695، وقال: {حسن صحيح} ، وغيرهم.
أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس، وقول الله تعالى: {لاَتَتَّخِذُوا عَدُوِّي ... } ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة، وأحمد في المسند في مواضع منها 1/330، وأبو يعلى في مسنده 1/316.
انظر: عون المعبود 12/264.
سورة البقرة: الآية 207.
الرسالة الأكملية لابن تيمية ضمن الفتاوى 6/94.
سورة البقرة: الآية 207.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
الأحاديث المختارة: أو المستخرج من الأحاديث المختارة مِمَّا لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما، ضياء الدين، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي، ط الأولى 1412 هـ، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، دراسة وتحقيق: د. عبد الملك بن دهيش.
الأربعون الصغرى: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: أبو إسحاق الحويني الأثري، ط الأولى 1408 هـ، نشر دار الكتاب العربي، بيروت.
الاستقامة: لابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، ط الأولى 1404 هـ، طبع ونشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، تحقيق: علي محمد البجاوي، مطبعة نهضة مصر.(3/366)
أصول الإيمان: للشيخ محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: د. باسم الجوابرة.
الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر العسقلاني، ط الأولى 1328 هـ، نشر: دار العلوم الحديثة.
الاعتقاد: لأبي بكر البيهقي، تحقيق: أحمد عصام الكاتب، ط الأولى 1401 هـ، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
البداية والنهاية: لأبي الفداء الحافظ ابن كثير، نشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض، ومكتبة المعارف ببيروت.
البرهان في عقائد أهل الأديان: للسكسكي، دار التراث العربي 1400 هـ.
بيان تلبيس الجهمية: لابن تيمية، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن القاسم، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة 1392 هـ.
تأريخ بغداد، أو مدينة السلام: للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتب العالمية ببيروت.
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري، نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
التدمرية: لابن تيمية، تحقيق: د. محمد السعوي، ط الأولى 1405 هـ.
الترغيب والترهيب: لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، ط الأولى 1417 هـ نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
التصديق بالنظر: لمحمد بن حسين الآجري، تحقيق: سمير الزهيري، ط الأولى 1408 هـ، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت.
التعريفات: لعلي بن محمد الجرجاني، تحقيق: إبراهيم الأبياري، ط الأولى 1405 هـ، نشر دار الكتاب العربي ببيروت.
التوقيف على مهمات التعاريف: لمحمد بن عبد الرؤوف المناوي، تحقيق: د. محمد رضوان الداية ط الأولى 1410 هـ، نشر: دار الفكر ببيروت ودمشق.
تفسير القرآن العظيم: لأبي الفداء الحافظ ابن كثير، دار الفكر ببيروت، 1401 هـ.
الثقات: لابن حبان البستي، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد، ط الأولى 1395 هـ، نشر: دار الفكر.(3/367)
الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، دار الكتب، نشر: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة 1387 هـ.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ط الثالثة، البابي الحلبي بمصر 1388 هـ.
الجامع الصحيح المختصر: لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: مصطفى البغا 1407 هـ، دار ابن كثير واليمامة.
الجامع الصحيح (سنن الترمذي) : لمحمد بن عيسى أبي عيسى الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، وإبراهيم عطوة عوض، نشر المكتبة الإسلاميَّة.
حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح: لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1415 هـ.
خلق أفعال العباد: لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: د عبد الرحمن عميرة 1398 هـ، نشر دار المعارف بالرياض.
درء تعارض العقل والنقل: لابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، 1399 هـ.
الدر المنثور في التفسير بالمأثور: لجلال الدين السيوطي، نشر دار الفكر ببيروت، سنة 1414 هـ.
الدعاء: لسليمان أبي القاسم الطبراني، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط الأولى 1413 هـ نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
الديباج على صحيح مسلم: لجلال الدين السيوطي، تحقيق: أبي إسحاق الأثري، نشر دار ابن عفان بالخبر 1416 هـ.
ذم التأويل: لموفق الدين ابن قدامة المقدسي، الدار السلفية، الكويت.
رؤية الله: لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق: مبروك إسماعيل مبروك، نشر مكتبة القرآن بالقاهرة.
الرسالة في اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة، أو عقيدة السلف أصحاب الحديث: لأبي إسماعيل الصابوني، تحقيق: بدر البدر، نشر الدار السلفية بالكويت.(3/368)
رفع الأستار: لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط الأولى 1405 هـ، نشر المكتب الإسلامي ببيروت.
روضة المحبين ونزهة المشتاقين: لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1412 هـ.
الزهد: لعبد الله ابن المبارك المروزي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية ببيروت.
الزهد وصفة الزاهدين: لأحمد بن محمد ابن الأعرابي، تحقيق: مجدي فتحي السيد، ط الأولى 1408 هـ نشر دار الصحابة بطنطا، مصر.
سنن أبي داود: للحافظ سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: عزت الدعاس، دار الحديث بحمص سوريا.
سنن أبي داود: للحافظ سليمان بن الأشعث، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر ببيروت.
سنن الدارمي: لأبي محمد الدارمي، دار الكتب العلمية ببيروت، نشر دار إحياء السنة النبوية.
سنن ابن ماجة: للحافظ أبي عبد الله محمد بن زيد بن ماجة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
السنن الكبرى: لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: د. عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي، ط الأولى 1411 هـ، دار الكتب العلمية ببيروت.
السنن الكبرى: للبيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز بمكة المكرمة 1414 هـ.
سير أعلام النبلاء: لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، مؤسسة الرسالة.
شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لابن العماد الحنبلي، دار الآفاق الجديد ببيروت.
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: لهبة الله بن الحسن اللالكائي، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان 1402 هـ، دار طيبة بالرياض.
شرح الحافظ السيوطي لسنن النسائي: للحافظ جلال الدين السيوطي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة ط الثانية 1406 هـ، مكتبة المطبوعات الإسلاميَّة بحلب.
شرح حديث جبريل عليه السلام: للشيخ محمد بن صالح العثيمين، دار الثريا للنشر والتوزيع، ط الأولى 1415 هـ.(3/369)
شرح العقيدة الأصفهانية: لابن تيمية، تحقيق: إبراهيم سعيداي، ط الأولى 1415 هـ، مكتبة الرسالة بالرياض.
شرح العقيدة الطحاوية: لابن أبي العز الحنفي، تحقيق: د. عبد الله التركي وشعيب الأرناؤوط مؤسسة الرسالة
شرح قصيدة ابن القيم: لابن القيم الجوزية، تحقيق: زهير الشاويش، ط الثالثة 1406 هـ، نشر المكتب الإسلامي ببيروت.
شعب الإيمان: لأبي بكر البيهقي، تحقيق: محمد السعيد زغلول، ط الأولى 1410 هـ، نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
الشكر: لابن أبي الدنيا، مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت.
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: لمحمد بن حبان البستي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ط الثانية 1414 هـ مؤسسة الرسالة ببيروت.
صحيح الإمام مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر ببيروت 1398 هـ
صحيح مسلم بشرح النووي: للإمام النووي، دار الفكر ببيروت.
طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين السبكي، دار المعرفة للطباعة والنشر ببيروت.
الطبقات الكبرى: لابن سعد، دار صادر ببيروت.
طريق الهجرتين وباب السعادتين: لابن القيم الجوزية، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر، ط الثالثة 1414 هـ، نشر دار ابن القيم بالدمام.
عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين: لابن القيم الجوزية، تحقيق: زكريا علي يوسف، نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
العقل وفضله: لابن أبي الدنيا، تحقيق: لطفي محمد الصغير، ط الأولى 1409 هـ، نشر دار الراية بالرياض
العقيدة: للإمام أحمد بن حنبل برواية الخلال، تحقيق: عبد العزيز السيروان، ط الأولى 1408 هـ نشر دار قتيبة بدمشق.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: لابن حجر العسقلاني، المكتبة السلفية.
الفرق بين الفرق: لعبد القاهر البغدادي، دار المعرفة ببيروت.
القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى: للشيخ محمد بن صالح العثيمين، عالم الكتب.(3/370)
كشف الأستار عن زوائد البزار: لنور الدين الهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، ط الثانية 1404 هـ نشر مؤسسة الرسالة ببيروت.
لسان العرب: لأبي الفضل بن منظور، دار صادر ببيروت.
مجمع الزوائد ومنيع الفوائد: لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مؤسسة المعارف ببيروت.
مجموع فتاوى ابن تيمية: جمع عبد الرحمن القاسم، ط رئاسة الحرمين.
مختار الصحاح: لمحمد بن أبي بكر الرازي، دار الفكر ببيروت.
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: لابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، ط الثانية 1393 هـ، نشر دار الفكر العربي ببيروت.
المستدرك على الصحيحين: للإمام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وبذيله التلخيص للإمام الذهبي توزيع مكتبة المعارف بالرياض.
مسند أبي يعلى: لأحمد بن علي الموصلي، تحقيق: حسين سليم أسد، ط الأولى 1404 هـ نشر دار المأمون للتراث بدمشق.
المسند: للإمام أحمد بن حنبل، المكتب الإسلامي للطباعة، نشر دار الفكر ببيروت.
مسند البزار: لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار، تحقيق: د. محفوظ الرحمن وزين الله، ط الأولى 1409 هـ مؤسسة علوم القرآن ببيروت، ومكتبة العلوم والحكم بالمدينة.
مسند الحارثي {بغية الباحث عن زوائد الحارث} : للحارث بن أبي أسامة والحافظ الهيثمي، تحقيق: د. حسين الباكري، ط الأولى 1413 هـ، نشر مركز خدمة السنة بالمدينة.
مسند الشهاب: لمحمد بن سلامة القضاعي، تحقيق: حمدي السلفي، ط الثانية 1407 هـ، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت.
مسند الطيالسي: لسليمان بن داود الطيالسي، دار المعرفة ببيروت.
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: لأحمد بن محمد المقرزي الفيومي، توزيع دار الباز بمكة.
المعجم الأوسط: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله، وعبد المحسن الحسيني 1415 هـ، نشر دار الحرمين بالقاهرة.(3/371)
المعجم الصغير: لابن القاسم الطبراني، تحقيق: محمد شكور، ط الأولى 1405 هـ، نشر المكتب الإسلامي دار عمار ببيروت وعَمّان.
المعجم الكبير: لأبي القاسم الطبراني، تحقيق: حمدي السلفي، ط الثانية 1404 هـ، مكتبة دار الحكم بالموصل.
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: لأبي الحسن الأشعري، تحقيق: هلموت ريتر، ط الثالثة نشر دار إحياء التراث العربي ببيروت.
الملل والنحل: لأبي الفتح الشهرستاني، دار المعرفة ببيروت.
المنار المنيف في الصحيح والضعيف: لابن القيم الجوزية، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط الثانية 1403 هـ نشر مكتب المطبوعات الإسلاميَّة بحلب.
منال الطالب في شرح طوال الغرائب: لمجد الدين أبي السعادات ابن الأثير، تحقيق: د. محمود الطناحي طباعة ونشر جامعة أم القرى.
منهاج السنة النبوية: لابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، 1406 هـ.
الموسوعة الحديثية {مسند الإمام أحمد} : تحقيق: د. عبد الله التركي، وشعيب الأرناؤوط ومن معهم مؤسسة الرسالة ببيروت.
الموطأ: للإمام مالك بن أنس، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر: دار إحياء التراث العربي ببيروت.
ميزان الاعتدال: للإمام محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة ببيروت.
النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة: لابن تغري بردي.
النبوات: لابن تيمية، نشر المطبعة السلفية بالقاهرة، 1386 هـ.
النهاية في غريب الأثر: لأبي السعادات ابن الأثير الجزري، تحقيق: طاهر الزاوي، ومحمود الطباخي 1399 هـ، نشر دار الفكر ببيروت.
الوابل الصيب من الكلم الطيب: لابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد عبد الرحمن عوض، ط الأولى 1405 هـ نشر الكتاب العربي ببيروت.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: لأبي العباس ابن خلكان، تحقيق: د. إحسان عباس، دار صادر ببيروت.(3/372)
مواقف الطوائف
من توحيد الأسماء والصفات
د. محمد بن خليفة بن علي التميمي
الأستاذ المشارك بقسم العقيدة - كلية الدعوة وأصول الدين
الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة
ملخص البحث
يتناول البحث جانباً من جوانب مسألة توحيد الأسماء والصفات وهو “ مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات ” وقد احتوى البحث على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، وتضمنت المقدمة أهمية الموضوع والخطة التي سار عليها البحث بينما خصص الفصل الأول لبيان موقف أهل السنة والجماعة من توحيد الأسماء والصفات، من خلال التعريف بهم وبيان وسطيتهم وموقفهم الإجمالي والتفصيلي من أسماء الله وصفاته والأسس والقواعد التي قام عليها معتقدهم في هذا الباب.
واحتوى الفصل الثاني على بيان موقف المعطلة من هذا الباب وذلك من خلال التعريف بطوائف المعطلة وذكر قول كل طائفة وموقفها من أسماء الله وصفاته، فقد تم التعريف في المبحث الأول بالفلاسفة وطوائفهم وذكر درجات تعطيلهم لأسماء الله وصفاته. كما تم التعريف في المبحث الثاني بأهل الكلام وبيان العلاقة بينهم وبين الفلاسفة، وبيان أقوال فرقهم (الجهمية - المعتزلة - الكلابية - الأشاعرة - الماتريدية) في باب الأسماء والصفات.
وأما الفصل الثالث فقد عقد لبيان موقف المشبهة من توحيد الأسماء والصفات وتضمن المبحث الأول ذكر من عرف بالتشبيه (وهم قدماء الرافضة وغلاة المتصوفة) وبيان أقوالهم.
وأما المبحث الثاني فعقد لبيان من نسب إلى التشبيه، وخصص المطلب الأول لذكر الفرق بين التشبيه والتجسيم والمطلب الثاني لذكر من نسب إلى التشبيه وحقيقة أقوالهم.
وختم البحث بخاتمة تضمنت بيان وسطية أهل السنة في هذا الباب وغيره، وسلامة منهجهم في التأصيل والتقرير.
المقدمة(3/373)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَأيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ} [آل عمران 102] .
{يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَّاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَّاتّقُواْ اللهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء 1] .
{يَأَيّهَا االّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُّطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب 71 - 72] .
أما بعد: فإنه على أساس العلم الصحيح بالله وأسمائه وصفاته يقوم الإيمان الصحيح، والتوحيد الخالص، وتنبني مطالب الرسالة جميعها؛ فهذا التوحيد هو أساس الهداية والإيمان، وهو أصل الدين الذي يقوم عليه، ولذلك فإنه لا يتصور إيمان صحيح ممن لا يعرف ربه، فهذه المعرفة لازمة لانعقاد أصل الإيمان وهي مهمة جداً للمؤمن لشدة حاجته إليها لسلامة قلبه، وصلاح معتقده، واستقامة جوارحه، فالمعرفة لأسماء الله وصفاته وأفعاله توجب للعبد التمييز بين الإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، والإقرار والتعطيل، وتنزيه الرب عما لا يليق به ووصفه بما هو أهله من الجلال والإكرام.
وبهذه المعرفة تحصل زيادة الإيمان ورسوخه، فكلما ازداد العبد علماً بالله زاد إيمانه وخشيته ومحبته لربه وتعلقه به قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر 28] ، كما تجلب للعبد النور والبصيرة التي تحصنه من الشبهات المضللة والشهوات المحرمة.(3/374)
ولذا كان هذا العلم هو بحق أفضل ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول، وليست القلوب الصحيحة والنفوس المطمئنة إلى شيء من الأشياء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر ولا فرحها بشيء أعظم من فرحها بالظفر بمعرفة الحق فيه.
وإن من واجب طالب العلم أن يتعمق في فهم الحق في هذا الباب المبني على الكتاب والسنة؛ فإنه بالنظر إلى كون باب الأسماء والصفات من أكثر الأبواب التي حصل فيها النزاع بين علماء السلف وخصومهم الأمر الذي تسبب في حدوث نزاع في مسائل كثيرة ومتعددة ترتب عليها انقسام الناس إلى ثلاثة أقسام: أهل السنة، وأهل التعطيل، وأهل التمثيل، ومثل هذا الحال يوجب على طالب العلم أن يميز بين قول أهل الحق في تلك المسائل وأقوال أهل الباطل، وأن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة مسائل هذا الباب، وأن تكون تلك المعرفة سالمة من داء التعطيل وداء التمثيل اللذين ابتلي بهما كثير من أهل البدع.
فالمعرفة الصحيحة هي المتلقاة من الكتاب والسنة، وما روي عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فهذه هي المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة إيمانه، وقوة يقينه، وطمأنينة أحواله ولما كان باب الصفات هو قلب هذا الباب ومحور النزاع مع الخصوم فيه فإن من الواجب على المسلم أن يدرس مسائل هذا الباب ويتعمق في فهمها وفق ما ورد في الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة،وأن يحذر من التيارات الفلسفية التي أضرت بأصحابها وأدخلتهم في دوامة الانحراف والضياع.
ومن منطلق توضيح مسائل الصفات وبيان الخلاف الحاصل بين الطوائف فيها، أحببت جمع شتات تلك المسائل وترتيبها ليسهل على الراغب في دراستها الاطلاع عليها بأقصر طريق وأقل مؤنه.
وقد سميت البحث ((مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات)) .
ورتبت عناصره في ثلاثة فصول وخاتمة تسبقها مقدمة وفق ما يأتي:
المقدمة: وفيها استهلال البحث وبيان بفصوله ومباحثه.(3/375)
الفصل الأول: أهل السنة والجماعة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة، وتحته مطلبان
المطلب الأول: التعريف بهم.
المطلب الثاني: بيان وسطيتهم.
المبحث الثاني: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات، وانتظم ثلاثة مطالب
المطلب الأول: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات عموماً.
المطلب الثاني: موقفهم من باب الأسماء.
المطلب الثالث: موقفهم من باب الصفات.
الفصل الثاني: طوائف المعطلة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، واحتوى مبحثين
المبحث الأول: الفلاسفة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، واشتمل مطلبين.
المطلب الأول: التعريف بهم.
المطلب الثاني: قولهم في توحيد الأسماء والصفات.
المبحث الثاني: أهل الكلام وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، وضمّ مطلبين.
المطلب الأول: التعريف بهم.
المطلب الثاني: مواقفهم من توحيد الأسماء والصفات.
الفصل الثالث: المشبهة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، واندرج تحته مبحثان.
المبحث الأول: من عرف بالتشبيه وبيان أقوالهم.
المبحث الثاني: من نسب إلى التشبيه.
الخاتمة:
وإني لا أدعي أني وصلت بهذا البحث إلى درجة الكمال، ولكن حسبي أني اجتهدت فإن وفقت فذلك بفضل من الله وحده، وإن حصل تقصير أو خطأ فهذا من طبيعة جهد البشر،وأسأل الله أن يتقبل مني هذا الجهد وأن يجعله عملاً صالحاً، ولوجهه خالصاً، وأن لا يجعل لأحد فيه شيئاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الفصل الأول: أهل السنة والجماعة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات
وفيه مبحثان
المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة، وفيه مطلبان
المطلب الأول: التعريف بهم.(3/376)
((المقصود بأهل السنة والجماعة: هم الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، ومن سلك سبيلهم، وسار على نهجهم، من أئمة الهدى ومن اقتدى بهم من سائر الأمة أجمعين. فيخرج بهذا المعنى كل طوائف المبتدعة وأهل الأهواء. فالسنة هنا في مقابل البدعة، والجماعة هنا في مقابل الفُرقة)) (1) .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى {يَوَمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران 106] قال: ((تبيض وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدعة والفُرقة)) (2) .
والجدير بالذكر هنا أن نعرف أن العلماء يستعملون هذه العبارة لمعنيين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فلفظ أهل السنة يراد به:
1 من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة (3) .
2 وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: ((إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يُرَى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة)) (4) .
ومقصودنا بعبارة (أهل السنة) هو المعنى الثاني الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية؛ ذلك لأن لأهل السنة أصولهم التي اتفقوا عليها ونصوا عليها في كتب الاعتقاد المعروفة.
ولأهل السنة عدة مسميات منها: أهل الحديث، الفرقة الناجية، الجماعة، الطائفة المنصورة وغير ذلك.
ويمكن حصر قواعد منهج أهل السنة في النِّقاط التالية:
أولاً: ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها.
ثانياً: التقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث. وذلك يتم ب:
أالاجتهاد في تمييز صحيحه من سقيمه.
ب الاجتهاد في الوقوف على معانيه وتفهمه (5) .
ثالثاً: العمل بذلك والاستقامة عليه اعتقاداً، وتفكيراً، وسلوكاً، وقولاً، والبعد عن كل ما يخالفه ويناقضه.
رابعاً: الدعوة إلى ذلك باللسان والبنان.(3/377)
فمن التزم هذه القواعد في الاعتقاد، والعمل، فهو على نهج أهل السنة بإذن الله (1) .
وأهل السنة قالوا: الأصل في الدين الاتباع والعقل تبع، فالعقل المجرد ليس له إثبات شيء من العقائد والأحكام، وإنما المرجع في ذلك إلى القرآن والسنة.
ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء، ولبطل الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء (2) .
والتقرير بأن النقل مقدم على العقل لا ينبغي أن يُفهم منه أن أهل السنة ينكرون العقل والتوصل به إلى المعارف والتفكير به في خلق السموات والأرض وفي الآيات الكونية الكثيرة، فأهل السنة لا ينكرون استعمال العقل، ولكنهم توسطوا في شأن العقل بين طائفتين ضلتا في هذا الباب هما:
أهل الكلام: الذين يجعلون العقل وحده أصل علمهم ويفردونه ويجعلون الإيمان والقرآن تابعين له، والمعقولات عندهم هي الأصول الكلية الأولية، المستغنية بنفسها عن الإيمان والقرآن، فجعلوا عقولهم هي التي تثبت وتنفي، والسمع معروضاً عليها، فإن وافقها قُبِلَ اعتضاداً لا اعتماداً، وإن عارضها رُدَّ وطُرِح، وهذا من أعظم أسباب الضلال التي دخلت على الأمة.
وأهل التصوف: الذين يذمون العقل ويعيبونه، ويرون أن الأحوال العالية والمقامات الرفيعة، لا تحصل إلا مع عدمه ويقرون من الأمور بما يكذِّب صريح العقل.
ويمدحون السُّكْر والجنون والوَلَه، وأموراً من المعارف والأحوال التي لا تكون إلا بزوال العقل والتمييز، كما يصدقون بأمور يُعْلَمُ بالعقل الصريح بطلانها. وكلا الطرفين مذموم.
وأما أهل السنة فيرون أن العقل شرط في معرفة العلوم، وكمال وصلاح الأعمال وبها يكمل العلم والعمل، ولكنه ليس مستقلاً بذلك. فالعقل غريزة في النفس وقوة فيها، بمنزلة البصر التي في العين.
فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن، كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس أو النار.
وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن إدراكها.(3/378)
وإن عزل بالكلية كانت الأقوال والأفعال مع عدمه أموراً حيوانية.
فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة، والأقوال المخالفة للعقل باطلة، والرسل جاءت بما يعجز العقل عن إدراكه ولم تأت بما يعلم بالعقل امتناعه (1) .
المطلب الثاني: بيان وسطيتهم
وقد توسط أهل السنة في كثير من مسائل الاعتقاد، منها ما يلي:
1 في أسماء الله وصفاته: فإن مذهب السلف هو إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها فتوسطوا بذلك بين المعطلة الذين نفوها فأبطلوا ما أثبته الله ورسوله، والمشبهة الذين خرجوا بها إلى ضرب من التشبيه والتكييف.
2 في أفعال الله ((القدر)) : فإن مذهب السلف هو أنهم أثبتوا لله فعلاً ومشيئة وأثبتوا للعبد فعلاً ومشيئة داخلة تحت مشيئة الله وقدرته، فتوسطوا بذلك بين الجبرية الذين أنكروا قدرة العبد ومشيئته، والقدرية الذين أنكروا قدرة الله في أفعال العباد.
3 في الإيمان: فإن مذهب السلف هو أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل يزيد وينقص، فتوسطوا بذلك بين المرجئة الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، والخوارج والمعتزلة الذين أنكروا زيادة الإيمان ونقصانه.
4 في وعيد الله ((أي مرتكب الكبيرة)) : فإن مذهب السلف هو أن مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته، وهو مستحق للوعيد ولكنه تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه على قدر ذنبه ثم يخرجه من النار، وإن شاء غفر له وأدخله الجنة.
فهم بذلك توسطوا بين المفرطين من المرجئة الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وبين الوعيدية (الخوارج والمعتزلة) ، فالخوارج يقولون: هو كافر في الدنيا، والمعتزلة يقولون: هو في منزلة بين المنزلتين ويتفقون على أنه في الآخرة خالد مخلد في النار.(3/379)
5 في أصحاب رسول الله (: فإن مذهب السلف هو الاعتراف بفضل الصحابة جميعاً رضي الله عنهم وأرضاهم وأنهم أكمل هذه الأمة إيماناً وإسلاماً وعلماً وحكمةً، وأنهم عدول بتعديل الله لهم، ولكنهم لم يغلوا فيهم ولم يعتقدوا عصمتهم بل قاموا بحقوقهم وأحبوهم لعظيم سابقتهم وحسن بلائهم في نصرة الإسلام وجهادهم مع رسول الله (، فهم بذلك توسطوا بين الرافضة والخوارج.
فالرافضة - قبحهم الله- يسبون الصحابة ويلعنونهم وربما كفروهم أو كفروا بعضهم، والغالية منهم مع سبهم لكثير من الصحابة والخلفاء يغلون في علي رضي الله عنه وأولاده ويعتقدون فيهم الإلهية (1) .
والخوارج قابلوا هؤلاء الروافض فكفروا عليا ومعاوية ومن معهما من الصحابة وقاتلوهم واستحلوا دماءهم وأموالهم.
والمقصود أن أهل السنة هم أعرف الناس بالحق، ولذلك فإن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين آثار رسول الله (، لا ينفردون عن طائفة أهل السنة إلا بقول فاسد، ولا ينفردون بقول صحيح، وكل من كان عن السنة أبعد، كان انفراده بالأقوال والأفعال الباطلة أكثر.
فالسعيد من لزم السنة، والله الموفق وهو الهادي إلى سبيل الرشاد.
المبحث الثاني: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات
وفيه ثلاثة مطالب
المطلب الأولى: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات عموماً معتقد أهل السنة في أسماء الله وصفاته، يقوم على أساس الإيمان بكل ما وردت به نصوص القرآن والسنة الصحيحة إثباتاً ونفياً، فهم بذلك:
1 يسمون الله بما سمى به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله (، لا يزيدون على ذلك ولا ينقصون منه.
2 ويثبتون لله عز وجل ويصفونه بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله (من غير تحريف (2) ، ولا تعطيل (3) ، ومن غير تكييف (4) ، ولا تمثيل (5) .
3 وينفون عن الله ما نفاه عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله محمد (، مع اعتقاد أن الله موصوف بكمال ضد ذلك الأمر المنفي.(3/380)
فأهل السنة سلكوا في هذا الباب منهج القرآن والسنة الصحيحة، فكل اسم أو صفة لله سبحانه وتعالى وردت في الكتاب والسنة الصحيحة فهي من قبيل الإثبات فيجب بذلك إثباتها.
وأما النفي فهو أن ينفى عن الله عز وجل كل ما يضاد كماله من أنواع العيوب والنقائص مع وجوب اعتقاد ثبوت كمال ضد ذلك المنفي.
قال الإمام أحمد: ((لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله (لا نتجاوز القرآن والسنة)) (1) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وطريقة سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله (، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، إثبات الصفات ونفي ممثالة المخلوقات قال تعالى {ليس كمثله شيء} [الشورى 11] ، فهذا رد على الممثلة {وهو السميع البصير} [الشورى 11] رد على المعطلة.
وقولهم في الصفات مبني على أصلين:
أحدهما: أن الله سبحانه وتعالى منزه عن صفات النقص مطلقاً كالسِّنَةِ، والنوم، والعجز، والجهل، وغير ذلك.
والثاني: أنه متصف بصفات الكمال التي لا نقص فيها، على وجه الاختصاص بما له من الصفات، فلا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات)) (2) .
وقد ارتكز معتقد أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته على ثلاثة أسس رئيسة، هي (3) :
الأساس الأول: الإيمان بما وردت به نصوص القرآن والسنة الصحيحة من أسماء الله وصفاته إثباتاً ونفياً.
الأساس الثاني: تنزيه الله جلّ وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته شيئاً من صفات المخلوقين.
الأساس الثالث: قطع الطمع عن إدراك كيفية اتصاف الله بتلك الصفات.
وهذه الأسس الثلاثة هي التي تفصِّل وتميز عقيدة أهل السنة في هذا الباب عن عقيدة أهل التعطيل (من الفلاسفة وأهل الكلام) من جهة.
وعن عقيدة أهل التمثيل (من الكرامية والهشامية وغيرهم) من جهة أخرى.(3/381)
فالأساس الأول: فيه تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المعطلة، فأهل السنة يجعلون الأصل في إثبات الأسماء والصفات أو نفيها عن الله تعالى هو كتاب الله وسنة نبيه (، ولا يتجاوزنهما، فما ورد إثباته من الأسماء والصفات في القرآن والسنة الصحيحة فيجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما فيجب نفيه.
((وأما ما لم يرد إثباته ونفيه فلا يصح استعماله في باب الأسماء وباب الصفات إطلاقاً، وأما في باب الإخبار فمن السلف من يمنع ذلك، ومنهم من يجيزه بشرط أن يستفصل عن مراد المتكلم فيه، فإن أراد به حقاً يليق بالله تعالى فهو مقبول، وإن أراد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده)) (1) .
ومجمل القول أن في الأمر ثلاثة أبواب:
1 باب الأسماء: وهذا يجب الاعتماد فيه على الكتاب والسنة فقط.
2 باب الصفات: وهذا كذلك يجب الاعتماد فيه على الكتاب والسنة فقط.
3 باب الإخبار: وهذا لا يشترط فيه النصّ الشرعي، ولكن يشترط أن يكون معنى اللفظ المستعمل ليس بسيئ.
أما أهل التعطيل: فقد جعلوا ((العقل)) وحده هو أصل علمهم، فالشُّبه العقلية هي الأصول الكلية الأولية عندهم، وهي التي تُثبِت وتَنفي، ثم يعرضون الكتاب والسنة على تلك الشبه العقلية، فإن وافقتها قُبِلَت اعتضاداً لا اعتماداً، وإن عارضتها رُدت تلك النصوص الشرعية وطُرِحت، وفي هذا يقول قائلهم: ((كل ما ورد السمع به ينظر فإن كان العقل مجوزاً له وجب التصديق به ... وأما ما قضى العقل باستحالته فيجب فيه تأويل ما ورد السمع به، ولا يتصور أن يشمل السمع على قاطع مخالف للمعقول. وظواهر أحاديث التشبيه يعني بها أحاديث الصفات أكثرها غير صحيح، والصحيح منها ليس بقاطع، بل هو قابل للتأويل)) (2) .(3/382)
فهذا النقل يبين لك مدى تقديم هؤلاء لشبههم العقلية وتعصبهم لها، وكيف أنهم يجعلونها هي الأصول والسمع معروضاً عليها، فما أجازته عقولهم قبلوه، وما لم تُجزه عقولهم شككوا فيه وانتقصوه، ومن ثمَّ سعوا في تأويله وتحريفه، ومن يُلقي نظرةً على كتب الأشاعرة مثلاً يجد أن القوم يُقسِّمون أبواب العقيدة إلى إلهيات ونبوات وسمعيات، وهم في باب الإلهيات والنبوات لا يعتمدون نصوص الكتاب والسنة، ولذلك لن تجد في هذين البابين إلا الشبه العقلية المركبة وفق القواعد المنطقية، ويا عجبا أنأخذ ديننا من ملاحدة اليونان وتلامذتهم أم من كلام الله ورسوله (؟!
وأما باب السمعيات أي البعث والحشر والجنة والنار والوعد والوعيد فهم يقبلون النصوص الشرعية، وبالتالي سموا هذا الباب بالسمعيات في مقابل باب الإلهيات والنبوات؛ إذ إنهم يعتمدون فيهما على العقليات، وهؤلاء شابهوا حال من قال الله تعالى فيهم {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُم إِلاَ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُنيَا وَيَومَ القِيَامَة يُرَدُّون إِلى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة 85] .
وأما الأساس الثاني: وهو تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، ففيه تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المعطلة من جهة وعن عقيدة المشبهة من جهة أخرى.(3/383)
فأهل السنة: يعتقدون أن ما اتصف الله به من الصفات لا يماثله فيها أحد من خلقه، فالله (قد أخبرنا بذلك بنص كتابه العزيز حيث قال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى 11] ، فإذا ورد النص بصفة من صفات الله تعالى في الكتاب أو السنة فيجب الإيمان به والاعتقاد الجازم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والشرف والعلو مما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فالشر كل الشر في عدم تعظيم الله، وأن يسبق في ذهن الإنسان أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فعلى القلب المؤمن المصدق بصفات الله التي تمدح بها أو أثنى عليه بها نبيه (، أن يكون معظما لله (غير متنجس بأقذار التشبيه، لتكون أرض قلبه طيبة طاهرة قابلة للإيمان بالصفات على أساس التنزيه أخذاً بقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى 11] (1) .
أما أهل التعطيل: فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات التي لا وجود لها إلا في أفهامهم الفاسدة، فعقيدة هؤلاء المعطلة جمعت بين التمثيل والتعطيل، وهذا الشر إنما جاء من تنجس قلوبهم وتدنسها بأقذار التشبيه، فإذا سمعوا صفة من صفات الكمال التي أثنى الله بها على نفسه كاستوائه على عرشه ومجيئه يوم القيامة وغير ذلك من صفات الجلال والكمال، فإن أول ما يخطر في أذهانهم أن هذه الصفة تشبه صفات الخلق فَلِتَلَطُّخ القلب بأقذار التشبيه لم يُقَدِّر الله حق قدره ولم يعظم الله حق عظمته حيث سبق إلى ذهنه أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فيكون أولا نجس القلب بأقذار التشبيه ثم دعاه ذلك إلى أن ينفى صفة الخالق جل وعلا عنه بادعاء أنها تشبه صفات المخلوق، فيكون فيها أولاً مشبهاً، وثانياً معطلاً ضالاً ابتداءً وانتهاءً متهجماً على رب العالمين ينفي صفاته عنه بادعاء أن تلك الصفة لا تليق (2) .(3/384)
وأما عقيدة أهل التمثيل: فهي تقوم على دعواهم أن الله (لا يخاطبنا إلا بما نعقل، فإذا أخبرنا عن اليد فنحن لا نعقل إلا هذه اليد الجارحة، فشبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، فقالوا: له يد كأيدينا ونحو ذلك، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وأما العارفون به، المصدقون لرسله، المقرون بكماله فهم يثبتون لله جميع صفاته، وينفون عنه مشابهة المخلوقات فيجمعون بين الإثبات ونفي التشبيه، وبين التنزيه وعدم التعطيل، فمذهبهم حسنة بين سيِّئتين، وهدى بين ضلالتين.
وأما الأساس الثالث: ففيه تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المشبهة، فأهل السنة يفوضون علم كيفية اتصاف الباري (بتلك الصفات إلى الله (، فلا علم للبشر بكيفية ذات الله تبارك وتعالى ولا تفسير كنه شيء من صفات ربنا تعالى كأن يقال استوى على هيئة كذا، فكل من تجرأ على شيء من ذلك فقوله من الغلو في الدين والافتراء على الله (واعتقاد ما لم يأذن به الله ولا يليق بجلاله وعظمته ولم ينطق به كتاب ولا سنة، ولو كان ذلك مطلوبا من العباد في الشريعة لَبَيَّنه الله تعالى ورسوله (فهو لم يدع ما بالمسلمين إليه حاجة إلا بيَّنه ووضحه، والعباد لا يعلمون عن الله تعالى إلا ما علمهم كما قال تعالى {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيء من علمه إلا بما شاء} [البقرة 225] فليؤمن العبد بما علَّمه الله تعالى وليقف معه، وليمسك عما جهله وليكل معناه إلى عالمه (1) .
وأما المشبهة فقد تعمقوا في شأن كيفيات صفات الله وتقولوا على الله بغير علم، حيث يقول أحدهم: له بصر كبصري ويد كيدي، وقدم كقدمي، تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً.
المطلب الثاني: موقفهم من باب الأسماء.
يمكن إجمال معتقد أهل السنة في أسماء الله في النقاط التالية:
أولاً: الإيمان بثبوت الأسماء الحسنى الواردة في القرآن والسنة، من غير زيادة ولا نقصان.(3/385)
فمن الأمور المتقررة في عقيدة أهل السنة في باب أسماء الله الحسنى أن من ضابط أسماء الله الحسنى ورود النص بذلك الاسم فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله (.
ولذلك يرى السلف أن من أحكام باب الأسماء ما يلي:
1 إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء الحسنى الواردة في نصوص القرآن والسنة الصحيحة.
2 ألاّ ننفي عن الله ما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله (.
3 ألاّ نسمي الله بما لم يسم به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله محمد (.
وذلك لأنه لا طريق إلى معرفة أسماء الله تبارك وتعالى إلا من طريق واحد هو طريق الخبر (أي الكتاب والسنة) .
ومن أقوال أهل العلم في تقرير هذه المسألة ما يلي:
قال ابن القيم رحمه الله: ((أسماء الله تعالى هي أحسن الأسماء وأكملها، فليس في الأسماء أحسن منها ولا يقوم غيرها مقامها ولا يؤدي معناها، وتفسير الاسم منها بغيره ليس تفسيراً بمرادف محض، بل هو على سبيل التقريب والتفهيم.
فإذا عرفت هذا فله من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى، وأبعده عن شائبة عيب أو نقص.
فله من صفة الإدراكات:
العليم الخبير دون العاقل الفقيه.
والسميع البصير دون السامع والباصر والناظر.
ومن صفات الإحسان:
البر الرحيم الودود دون الشفوق.
وكذلك العلي العظيم دون الرفيع الشريف.
وكذلك الكريم دون السخي.
وكذلك الخالق البارئ المصور دون الفاعل الصانع المُشكل.
وكذلك سائر أسمائه تعالى يجري على نفسه منها أكملها وأحسنها وما لا يقوم غيره مقامه فتأمل ذلك، فأسماؤه أحسن الأسماء كما أن صفاته أكمل الصفات، فلا تعدل عما سمى به نفسه إلى غيره، كما لا تتجاوز ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله (إلى ما وصفه به المبطلون والمعطلون)) (1) .(3/386)
وقال أبو سليمان الخطابي: ((ومن علم هذا الباب -أعني الأسماء والصفات- ومما يدخل في أحكامه ويتعلق به من شرائط، أنه لا يتجاوز فيها التوقيف، ولا يستعمل فيها القياس فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر وضع اللغة ومتعارض الكلام:
((فالجواد)) لا يجوز أن يقاس عليه السخي وإن كانا متقاربين في ظاهر الكلام، وذلك أن السخي لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد.
و ((القوي)) لا يقاس عليه الجلْدُ، وإن كانا يتقاربان في نعوت الآدميين لأن باب التجلد يدخله التكلف والاجتهاد.
ولا يقاس على ((القادر)) المطيق ولا المستطيع.
وفي أسمائه ((العليم)) ومن صفته العلم، فلا يجوز قياساً عليه أن يسمى عارفاً لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء وكذلك لا يوصف بالعاقل.
وهذا الباب يجب أن يراعى ولا يغفل، فإن عائدته عظيمة والجهل به ضار وبالله التوفيق)) (1) .
وقال السفاريني في منظومته:
لنا بذا أدلة وفية
لكنها في الحق توقيفية
ثم قال في شرحه: ((لكنها -أي أسماء الله- في القول الحق المعتمد عند أهل الحق توقيفية بنص الشرع وورود السمع بها، ومما يجب أن يعلم أن علماء السنة اتفقوا على جواز إطلاق الأسماء الحسنى والصفات على البارئ جل وعلا إذا ورد بها الإذن من الشارع، وعلى امتناعه على ما ورد المنع عنه)) (2) .
من خلال ما تقدم من نقول يتضح لك مدى تمسك علماء أهل السنة بالتوقيف في باب الأسماء الحسنى، ومنعهم لاستخدام القياس اللغوي والعقلي في هذا الباب.
وهذا هو القول الحق الذي تدل عليه النصوص الشرعية ومنها ما يلي:
أولاً: قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى} [الأعراف 180] . فهذه الآية تدل على أن الأسماء توقيفية من وجهين:
1 قوله {الأسماء} فهي هنا جاءت (بأل) وهي هنا للعهد، فالأسماء بذلك لا تكون إلا معهودة، ولا معروف في ذلك إلا ما نص عليه في الكتاب أو السنة (3) .(3/387)
2 قوله {الحسنى} فهذا الوصف يدل على أنه ليس في الأسماء الأخرى أحسن منها، وأن غيرها لا يقوم مقامها ولا يؤدي معناها (1) فلا يجوز بحال أن يدخل في أسماء الله ما ليس منها، فهذا الوصف يؤكد كونها توقيفية.
ثانيا: قوله تعالى {وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} [الأعراف 180] .
قال الإمام البغوي: ((قال أهل المعاني الإلحاد في أسماء الله تسميته بما لم يتسم به ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسوله ()) (2) .
وقال ابن حجر: ((قال أهل التفسير: من الإلحاد في أسمائه تسميته بما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة)) (3) .
قال ابن حزم: ((منع تعالى أن يسمى إلا بأسمائه الحسنى وأخبر أن من سماه بغيرها فقد ألحد)) (4)
وبهذا يتبين أن هذه الآية دليل على أن أسماء الله توقيفية، وأن مخالفة ذلك وتسميته تعالى بما لم يسم به نفسه ميل بها عما يجب فيها، فالإقدام على فعل شيء من ذلك هو نوع من الإلحاد في أسماء الله.
ثالثاً: قوله تعالى {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى 1] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((ومن جعله تسبيحاً للاسم يقول المعنى: أنك لا تسم به غير الله، ولا تلحد في أسمائه فهذا ما استحقه اسم الله)) (5) .
فإذا فسرت الآية بهذا الوجه ففيها دليل على ما سبق في الآية التي قبلها من اعتبار تسميته بما لم يسم به نفسه من أنواع الإلحاد في أسمائه.
رابعاً: قوله تعالى {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} [البقرة 255] .
وقوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء 36] .
وقوله تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف 33] .(3/388)
فإذا كانت هذه الآيات تحرم وتحذر من الخوض في الأمور المغيبة عند فقد الدليل الشرعي، فإن ذلك التحريم والتحذير يدخل فيه باب أسماء الله باعتباره من الأمور المغيبة التي لا تعرف إلا من طريق النص الشرعي.
ولذلك من الواجب هنا الاقتصار على الأسماء الواردة في النصوص وترك ما سواها.
خامساً: حديث ((ما أصاب عبداً قط هَمٌّ ولا غَمٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ... )) الحديث (1) .
والشاهد من الحديث قوله: ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك)) .
قال ابن القيم: ((فالحديث صريح في أن أسماءه ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم)) (2) .
و ((أو)) في قوله: ((سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك)) حرف عطف والمعطوف بها أخص مما قبله فيكون من باب عطف الخاص على العام فإن ما سمى به نفسه يتناول جميع الأنواع المذكورة بعده، فيكون عطف كل جملة منها من باب عطف الخاص على العام، فوجه الكلام أن يقال ((سميت به نفسك فأنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك)) (3) .
ثانياً: الإيمان بأن الله هو الذي يسمي نفسه، ولا يسميه أحد من خلقه، فالله عز وجل هو الذي تكلم بهذه الأسماء وأسماؤه منه، وليست محدثة مخلوقة كما يزعم الجهمية، والمعتزلة، والكلابية، والأشاعرة، والماتريدية.
فمن معتقد أهل السنة والجماعة في هذه المسألة أنهم يؤمنون بأن الله الذي سمى نفسه بأسمائه الحسنى وتكلم بها حقيقة، وهي غير مخلوقة وليست من وضع البشر، يستدلون لقولهم بما يلي:(3/389)
1 حديث: ((ما أصاب عبداً قط هَمٌّ ولا غَمٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ... )) الحديث (1) .
والشاهد من الحديث قوله: ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك)) .
فقد دل الحديث على أن أسماء الله غير مخلوقة بل هو الذي تكلم بها وسمى بها نفسه، ولهذا لم يقل بكل اسم خلقته لنفسك ولا قال سماك به خلقك؛ فالحديث صريح في أن أسماءه ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم، وأن الله سبحانه تكلَّم بتلك الأسماء وسمَّى بها نفسه (2) .
2 أن أسماء الله من كلامه، وكلامه تعالى غيرُ مخلوق، فأسماؤه غير مخلوقة، فهو المُسمِّى لنفسه بتلك الأسماء (3) .
3 أن الله عز وجل يُسألُ بهذه الأسماء، ولو كانت مخلوقة لم تجز أن يُسألَ بها. فإن الله لا يُقسَمُ عليه بشيء من خلقه (4) ، فالسائلَ لله بغير الله:
أإما أن يكون مقسماً عليه.
ب وإما أن يكون طالباً بذلك السبب، كما توسَّل الثلاثة في الغار بأعمالهم.
فإن كان إقساماً على الله بغيره فهذا لا يجوز، وإن كان سؤالاً بسبب يقتضي المطلوب، كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعةُ الله ورسوله مثل السُّؤال بالإيمان بالرسول ومحبته وموالاته ونحو ذلك فهذا جائزٌ (5) .
4 أن اليمين بهذه الأسماء منعقدةٌ، فمن حلف باسم من أسماء الله فهو حالف بالله، ولو كانت الأسماء مخلوقة لما جاز الحلفُ بها، لأن الحلف بغير الله شركٌ بالله، والله لا يُقسَمُ عليه بشيء من خلقه (6) .
قال الإمام الشافعي: ((من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفَّارة؛ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة أو بالصفَّا أو بالمروة فليس عليه كفَّارة لأنه مخلوق وذلك غير مخلوق)) (7) يعني أسماء الله.(3/390)
5 أن أسماء الله مشتقةٌ من صفاته، وصفاته قديمةٌ به، فأسماؤه غير مخلوقة (1) .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما سُئل عن قوله تعالى {وكان الله عزيزاً حكيماً} [النساء 58] . {غفوراً رحيماً} [النساء 96] قال: ((هو سمَّى نفسه بذاك، وهو لم يزل كذلك)) .
فأثبت قدم معاني أسمائه الحسنى، وأنه هو الذي سمَّى نفسه بها (2) .
والربُّ تعالى يُشتق من أوصافه وأفعاله أسماءٌ (3) ، ولا يُشتق من مخلوقاته، وكل اسم من أسمائه فهو مشتقٌ من صفة من صفاته، أو فعل قائم به، فلو كان يُشتق له اسم باعتبار المخلوق المنفصل لسُمِّيَ متكوِّناً أو متحركاً، وساكناً وطويلاً وأبيض وغير ذلك، لأنه خالقُ هذه الصفات، فلما لم يُطلق عليه اسم من ذلك مع أنه خالقه عُلم أنما تُشْتَقُّ أسماؤه من أفعاله وأوصافه القائمة به، وهو سبحانه لا يتصف بما هو مخلوقٌ منفصل عنه، ولا يتسمَّى باسمه (4) .
ثالثاً: الإيمان بأن هذه الأسماء دالة على معانٍ في غاية الكمال، فهي أعلام وأوصاف، وليست كالأعلام الجامدة التي لم توضع باعتبار معانيها، كما يزعم المعتزلة.
فمن الأمور المتقررة في عقيدة أهل السنة والجماعة أن أسماء الله الحسنى متضمنة للصفات، فكل اسم يدل على معنى من صفاته ليس هو المعنى الذي يدل عليه الاسم الآخر، فالعزيز متضمن لصفة العزة وهو مشتق منها، والخالق متضمن لصفة الخلق وهو مشتق منها، فأسماء الله مشتقة من صفاته وليست جامدة كما يزعم المعتزلة ومن وافقهم الذين ادعوا أنها أعلام لا معاني لها فقالوا سميع بلا سمع بصير بلا بصر وعزيز بلا عزة، فسلبوا بذلك عن أسماء الله معانيها.
فالرب تعالى يشتق له من أوصافه وأفعاله أسماء ولا يشتق له من مخلوقاته، وكل اسم من أسمائه فهو مشتق من صفة من صفاته أو فعل قائم به.
ولمزيد من الإيضاح وإلقاء الضوء على هذه المسألة وبيان عقيدة أهل السنة أود طرح ذلك في النقاط التالية:(3/391)
النقطة الأولى: أن أسماء الله الحسنى لها اعتباران:
أسماء الله الحسنى كلها متفقة في الدلالة على نفسه المقدسة، ثم كل اسم يدل على معنى من صفاته ليس هو المعنى الذي دل عليه الاسم الآخر (1) .
وذلك لأن أسماءه الحسنى لها اعتباران:
اعتبار من حيث الذات.
واعتبار من حيث الصفات.
فهي أعلام باعتبار دلالتها على الذات.
وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني.
وهي بالاعتبار الأول: مترادفة لدلالتها على مسمى واحد هو الله عز وجل ف ((الحي، العليم، القدير، السميع، البصير الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم)) كلها أسماء لمسمى واحد وهو الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء 110] .
فأسماء الله تعالى تدل كلها على مسمى واحد، وليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى يضاد دعاؤه باسم آخر، بل كل اسم يدل على ذاته.
وهي بالاعتبار الثاني: متباينة لدلالة كل واحد منها على معناه الخاص فمعنى الحي غير معنى العليم غير معنى القدير وهكذا (2) .
النقطة الثانية: الوصف بها لا ينافي العلمية:
قال ابن القيم: ((أسماء الله الحسنى هي أعلام وأوصاف، والوصف بها لا ينافي العلمية؛ بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة، بخلاف أوصافه تعالى)) (3) .
وقال رحمه الله: ((أسماء الرب تعالى وأسماء كتبه، أسماء نبيه (هي أعلام دالة على معانٍ هي بها أوصاف، فلا تُضادُّ فيها العلمية الوصف بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين فهو الله الخالق البارئ المصور القاهر فهذه أسماء له دالة على معان هي صفاته ... )) (4) .
قال الدارمي: ((لا تقاس أسماء الله بأسماء الخلق، لأن أسماء الخلق مخلوقة مستعارة وليست أسماؤهم نفس صفاتهم بل مخلوقة لصفاتهم، وأسماء الله وصفاته ليس شيء منها مخالفاً لصفاته ولا شيء من صفاته مخالفاً لأسمائه.(3/392)
فمن ادعى أن صفة من صفات الله مخلوقة أو مستعارة فقد كفر وفجر، لأنك إذا قلت (الله) فهو (الله) وإذا قلت (الرحمن) فهو (الرحمن) وهو (الله) فإذا قلت (الرحيم) فهو كذلك، وإذا قلت (حكيم - عليم - حميد - مجيد - جبار - متكبر - قاهر - قادر) فهو كذلك هو (الله) سواء، لا يخالف اسم له صفته ولا صفته اسماً.
وقد يسمى الرجل حكيماً وهو جاهل، وحَكَماً وهو ظالم، وعزيزاً وهو حقير، وكريماً وهو لئيم، وصالحاً وهو طالح وسعيداً وهو شقي، ومحموداً وهو مذموم، وحبيباً وهو بغيض، وأسداً وحماراً، وكلباً وجدياً، وكليباً، وهراً وحنظلة، وعلقمة وليس كذلك.
والله تعالى تقدس اسمه كل أسمائه سواء، ولم يزل كذلك ولا يزال. لم تحدث له صفة ولا اسم لم يكن كذلك، كان خالقاً قبل المخلوقين، ورازقاً قبل المرزوقين، وعالماً قبل المعلومين، وسميعاً قبل أن يسمع أصوات المخلوقين، وبصيراً قبل أن يرى أعيانهم مخلوقة)) (1) .
رابعاً: احترام معاني تلك الأسماء، وحفظ ما لها من حرمة في هذا الجانب، وعدم التعرض لتلك المعاني بالتحريف والتعطيل كما هو شأن أهل الكلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: ((ومذهب السلف أنه يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله (من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل. ونعلم أن ما وُصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه لا سيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما بقول، وأفصح الخلق في بيان العلم، وأفصح الخلق في البيان والتعريف، والدلالة والإرشاد)) (2) .
فمن المعلوم أن نصوص الصفات ألفاظ شرعية يجب أن تحفظ لها حرمتها وذلك بأن نفهمها وفق مراد الشارع، فلا نتلاعب بمعانيها لنصرفها عن مراد الشارع.
فمن الأصول الكلية أن يعلم أن الألفاظ نوعان:
النوع الأول: نوع جاء به الكتاب والسنة.(3/393)
فيجب على كل مؤمن أن يقر بموجب ذلك، فيثبت ما أثبته الله ورسوله وينفي ما نفاه الله ورسوله.
فاللفظ الذي أثبته الله أو نفاه حق، فإن الله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
والألفاظ الشرعية لها حرمة، ومن تمام العلم أن يبحث عن مراد رسوله بها ليثبت ما أثبته وينفي ما نفاه بالمعاني.
فإنه يجب علينا أن نصدقه في كل ما أخبر. ونطيعه في كل ما أوجب وما أمر.
ثم إذا عرفنا تفصيل ذلك كان ذلك من زيادة العلم والإيمان. وقد قال تعالى {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة 11] .
النوع الثاني: الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها.
فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده.
فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول أقر به.
وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول أنكره (1) .
خامساً: الإيمان بما تقتضيه تلك الأسماء من الآثار وما ترتب عليها من الأحكام (2) .
قال ابن القيم رحمه الله: ((وكل اسم من أسمائه سبحانه له صفة خاصة. فإن أسماءه أوصاف مدح وكمال. وكل صفة لها مقتضً وفعل: إما لازم. وإما متعد. ولذلك الفعل تعلق بمفعول هو من لوازمه. وهذا في خلقه وأمره وثوابه وعقابه. كل ذلك أثار الأسماء الحسنى وموجباتها.
ومن المحال تعطيل أسمائه عن أوصافه ومعانيها، وتعطيل الأوصاف عما تقتضيه وتستدعيه من الأفعال، وتعطيل الأفعال عن المفعولات، كما أنه يستحيل تعطيل مفعولاته عن أفعاله وأفعاله عن صفاته، وصفاته عن أسمائه، وتعطيل أسمائه وأوصافه عن ذاته.(3/394)
وإذا كانت أوصافه صفات كمال، وأفعاله حكماً ومصالح، وأسماؤه حسنى ففرض تعطيلها عن موجباتها مستحيل في حقه؛ ولهذا ينكر سبحانه على من عطله عن أمره ونهيه، وثوابه وعقابه، وأنه بذلك نسبه إلى ما لا يليق به وإلى ما يتنزه عنه وأن ذلك حكم سيئ ممن حكم به عليه، وأن من نسبه إلى ذلك فما قدره حق قدره، ولا عظمه حق تعظيمه، كما قال تعالى {وما قدروا الله حق قدره إذا قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} [الأنعام 91] . وقال تعالى في حق منكري المعاد والثواب والعقاب {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} [الزمر 67] . وقال في حق من جوز عليه التسوية بين المخلوقين، كالأبرار والفجار، والمؤمنين والكفار {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} [الجاثية 21] ، فأخبر أن هذا حكم سيئ لا يليق به تأباه أسماؤه وصفاته. وقال سبحانه {أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} [المؤمنون 115-116] عن هذا الظن والحسبان، الذي تأباه أسماؤه وصفاته.
ونظائر هذا في القرآن كثيرة ينفي فيها عن نفسه خلاف موجب أسمائه وصفاته إذ ذلك تعطيلها عن كمالها ومقتضياتها.
فاسمه ((الحميد، المجيد)) يمنع ترك الإنسان سُدى مهملاً معطلاً، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب، وكذلك اسمه ((الحكيم)) يأبى ذلك.
وكذلك اسمه ((الملك)) واسمه ((الحي)) يمنع أن يكون معطلاً من الفعل؛ بل حقيقة ((الحياة)) الفعل. فكل حي فعال. وكونه سبحانه ((خالقاً قيوماً)) من موجبات حياته ومقتضياتها.
واسمه ((السميع البصير)) يوجب مسموعاً ومرئياً.
واسمه ((الخالق)) يقتضي مخلوقاً. وكذلك ((الرزَّاق)) .(3/395)
واسمه ((الملك)) يقتضي مملكة وتصرفاً وتدبيراً، وإعطاءً ومنعاً، وإحساناً وعدلاً، وثواباً وعقاباً.
واسمه ((البر، المحسن، المعطي، المنان)) ونحوها تقتضي آثارها وموجباتها إذا عرف هذا. فمن أسمائه سبحانه ((الغفار، التواب، العفو)) فلابد لهذه الأسماء من متعلقات. ولابد من جناية تغتفر، وتوبة تقبل، وجرائم يعفى عنها.
ولابد لاسمه ((الحكيم)) من متعلق يظهر فيه حكمه. إذ اقتضاء هذه الأسماء لآثارها كاقتضاء اسم ((الخالق، الرازق، المعطي، المانع)) للمخلوق والمرزوق والمعطَى والممنوع. هذه الأسماء كلها حسنى.
والرب تعالى يحب ذاته وأوصافه وأسماءه. فهو عفو يحب العفو، ويحب المغفرة، ويحب التوبة ويفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرح يخطر بالبال.
وكان تقدير ما يغفره ويعفو عن فاعله، ويحلم عنه، ويتوب عليه ويسامحه، من موجب أسمائه وصفاته. وحصول ما يحبه ويرضاه من ذلك.
وما يَحمدُ به نفسه ويحمده به أهل سمواته وأهل أرضه، ما هو من موجبات كماله ومقتضى حمده. وهو سبحانه الحميد المجيد، وحمده ومجده يقتضيان آثارهما.
ومن آثارهما: مغفرة الزلات، وإقالة العثرات، والعفو عن السيئات، والمسامحة على الجنايات. مع كمال القدرة على استيفاء الحق. والعلم منه سبحانه بالجناية ومقدار عقوبتها. فحلمه بعد علمه، وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن كمال عزته وحكمته، كما قال المسيح عليه السلام {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة 118] أي فمغفرتك عن كمال قدرتك وحكمتك. لست كمن يغفر عجزاً ويسامح جهلاً بقدر الحق، بل أنت عليم بحقك. قادر على استيفائه حكيم في الأخذ به.
فمن تأمل سريان آثار الأسماء والصفات في العالم، وفي الأمر، تبين له أن مصدر قضاء هذه الجنايات من العبيد وتقديرها: هو من كمال الأسماء والصفات والأفعال.(3/396)
وغاياتها أيضاً: مقتضى حمده ومجده، كما هو مقتضى ربوبيته وألهيته فله في كل ما قضاه وقدَّره الحكمة البالغة والآيات الباهرة، والتعرفات إلى عباده بأسمائه وصفاته، واستدعاء محبتهم له، وذكرهم له، وشكرهم له، وتعبدهم له بأسمائه الحسنى. إذ كل اسم له تعبد مختص به، علماً ومعرفة وحالاً.
وأكمل الناس عبودية: المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر. فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر، كمن يحجبه التعبد باسمه ((القدير)) عن التعبد باسمه ((الحليم الرحيم)) . أو يحجبه عبودية اسمه ((المعطي)) عن عبودية اسمه ((المانع)) أو عبودية اسمه ((الرحيم العفو الغفور)) عن اسمه ((المنتقم)) أو التعبد بأسماء ((التودد، والبر واللطف، والإحسان)) عن أسماء ((العدل، والجبروت، والعظمة، والكبرياء)) ونحو ذلك.
وهذه طريقة الكُمَّل من السائرين إلى الله، وهي طريقة مشتقة من قلب القرآن، قال الله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف 180] والدعاء بها يتناول دعاء المسألة، ودعاء الثناء، ودعاء التعبد. وهو سبحانه يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها. ويأخذوا بحظهم من عبوديتها.
وهو سبحانه يحب موجب أسمائه وصفاته.
فهو ((عليم)) يحب كل عليم، ((جواد)) يحب كل جود، ((وِتْرٌ)) يحب الوتر، ((جميل)) يحب الجمال، ((عفو)) يحب العفو وأهله، ((حيي)) يحب الحياء وأهله، ((بَرٌّ)) يحب الأبرار، ((شكور)) يحب الشاكرين، ((صبور)) يحب الصابرين، ((حليم)) يحب أهل الحلم.
فلمحبته سبحانه للتوبة والمغفرة والعفو والصفح: خلق من يغفر له ويتوب عليه ويعفو عنه. وقدر عليه ما يقتضي وقوع المكروه والمبغوض له. ليترتب عليه المحبوب له والمرضى له ... )) (1) .
المطلب الثالث: موقفهم من باب الصفات.
يمكن إجمال معتقد أهل السنة في صفات الله في النقاط التالية:(3/397)
1- إثبات تلك الصفات لله عز وجل حقيقةً على الوجه اللائق به، وأن لا تعامل بالنفي والإنكار.
2- أن لا يتعدى بها اسمها الخاص الذي سماها الله به، بل يحترم الاسم كما يحترم الصفة، فلا يعطل الصفة، ولا يغير اسمها ويعيرها اسماً آخر.
3- عدم تشبيهها أو تمثيلها بما للمخلوق. فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
4- اليأس من إدراك كنهها وكيفيتها.
5- الإيمان بما تقتضيه تلك الصفات من الآثار وما يترتب عليها من الأحكام.
أما بالنسبة للنقطة الأولى: وهي إثبات الصفات لله عز وجل حقيقةً على الوجه اللائق به، وأن لا تعامل بالنفي والإنكار. فتفصيلها أن يقال: صفات الله تعالى كلها صفات كمال.
قال تعالى {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم} [النحل 60] .
وقال تعالى {وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} [الروم 27] .
قال ابن كثير: (( {ولله المثل الأعلى} أي الكمال المطلق من كل وجه)) (1) .
وقال القرطبي: (( {ولله المثل الأعلى} أي الوصف الأعلى)) (2) .
فالله سبحانه وتعالى أخبر عن نفسه أن له الوصف الأعلى والكمال المطلق من كل وجه، فيجب الإيمان بما أخبر الله به عن نفسه وذلك بالاعتقاد الجازم بأن كل ما أخبر به في كتابه أو على لسان رسوله (من الصفات هي صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لأن الله تعالى هو الذي أخبر بها عن نفسه ووصف بها نفسه، وهو سبحانه المستحق للكمال من جميع الوجوه، كما دلت على ذلك النصوص المتقدمة وغيرها.(3/398)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ((وصف سبحانه نفسه بأن له المثل الأعلى فقال تعالى {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم} [النحل 60] ، فجعل مثل السوء المتضمن للعيوب والنقائص وسلب الكمال للمشركين وأربابهم، وأخبر أن المثل الأعلى المتضمن لإثبات الكمالات كلها له وحده، ولهذا كان له المثل الأعلى وهو أفعل التفضيل، أي أعلى من غيره ... والمثل الأعلى: هو الكمال المطلق، المتضمن للأمور الوجودية والمعاني الثبوتية، التي كلما كانت أكثر في الموصوف وأكمل كان أعلى من غيره، ولما كان الرب تعالى هو الأعلى ووجهه الأعلى وكلامه الأعلى وسمعه الأعلى وبصره وسائر صفاته عليا، كان له المثل الأعلى، وكان أحق به من كل ما سواه، بل يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى اثنان، لأنهما إن تكافآ لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافآ فالموصوف بالمثل الأعلى أحدهما وحده، ويستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى، مثل، أو نظير، وهذا برهان قاطع من إثبات صفات الكمال على استحالة التمثيل والتشبيه، فتأمله فإنه في غاية الظهور والقوة ... فهذه الآية من أعظم الأدلة على ثبوت صفات كماله سبحانه)) (1) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((يجب أن يعلم أن الكمال ثابت لله، بل الثابت له هو أقصى ما يمكن من الأكملية، بحيث لا يكون وجود كمال لا نقص فيه إلا وهو ثابت للرب تعالى، يستحقه بنفسه المقدسة، وثبوت ذلك مستلزم نفي نقيضه، فثبوت الحياة مستلزم نفي الموت، وثبوت العلم يستلزم نفي الجهل، وثبوت القدرة يستلزم نفي العجز، وإن هذا الكمال ثابت له بمقتضى الأدلة العقلية والبراهين اليقينية، مع دلالة السمع على ذلك (2) .(3/399)
وثبوت ((معنى الكمال)) قد دل عليه القرآن بعبارات متنوعة، دالة على معاني متضمنة لهذا المعنى، فما في القرآن من إثبات الحمد لله، وتفصيل محامده، وأن له المثل الأعلى، وإثبات معاني أسمائه، ونحو ذلك كله دال على هذا المعنى.
وقد ثبت لفظ ((الكمال)) فيما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير {قل هو الله أحد الله الصمد} [الإخلاص 1-2] ، أن الصمد المستحق للكمال، وهو السيد الذي كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكم الذي قد كمل في حكمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الشريف الذي قد كمل أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه وتعالى.
وهذه صفة لا تنبغي إلا له، ليس له كُفُواً ولا كمثله شيء، وهكذا سائر صفات الكمال.
ولم يعلم أحد من الأمة نازع في هذا المعنى، بل هذا المعنى مستقر في فطر الناس، بل هم مفطرون عليه، فإنهم كما أنهم مفطورون على الإقرار بالخالق، فإنهم مفطورون على أنه أجل وأكبر، وأعلى وأعظم وأكمل من كل شيء، فالإقرار بالخالق وكماله يكون فطرياً ضرورياً في حق من سلمت فطرته، وإن كان مع ذلك تقوم عليه الأدلة الكثيرة، وقد يحتاج إلى الأدلة عليه كثير من الناس عند تغير الفطرة وأحوال تعرض لها)) (1) .
ولقد وصف الله نفسه بصفات كثيرة في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه محمد (منها على سبيل المثال صفة الحياة أو العلم والسمع والبصر والرحمة والحكمة والعزة والعظمة والعلو والاستواء والقدرة والنزول والضحك والغضب واليدين والوجه وغير ذلك، وهذه الصفات التي أثبتها لنفسه كلها صفات كمال في حقه نثبتها لله حقيقة مع الاعتقاد الجازم بأنه ليس كمثله شيء في هذه الصفات.(3/400)
وكما أثبت الله لنفسه صفات الكمال فقد نزه نفسه عن صفات النقص كالموت والجهل والنسيان والعجز والعمى والصمم ونحوها كما في قوله تعالى {وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان 58] وقوله عن موسى {في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى} [طه 52] وقوله {وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض} [فاطر 44] وقوله {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} [الزخرف 80] وقال النبي (في الدجال ((إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور)) (1) ، وقال ((أيها الناس اربعوا (2) على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً)) (3) .
فالصفة إذا كانت صفة نقص لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله تعالى ولقد عاقب الله تعالى الواصفين له بالنقص وذمهم كما في قوله تعالى {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} [المائدة 62] وقوله تعالى {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق} [آل عمران 181] .
ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص فقال سبحانه {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} [الصافات180] وقال تعالى {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} [المؤمنون 91] .(3/401)
ولقد أظهر الله بطلان ألوهية الأصنام بأنها متصفة بالنقص والعجز فقال تعالى {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون} [الأحقاف 5] ، وقال تعالى {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهو يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون} [النحل 21] ، وقال عن إبراهيم وهو يحتج على أبيه {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً} [مريم 42] ، وعلى قومه {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون} [الأنبياء 66] .
وبهذه الأدلة وغيرها يُعلم أن الواجب على المسلم أن يثبت لله ما وصف به نفسه في كتابه أو سنة نبيه محمد (حقيقة وأن تلك الصفات هي صفات كمال اختص بها سبحانه وتعالىلا يماثله ولا يشابهه فيها أحد.
كما يعلم ضلال من أنكر تلك الصفات أو بعضها بدعوى تنزيه الله تعالى عن النقص، فلقد نزه الله سبحانه نفسه عن النقص في مواطن متعددة من كتابه وعلى لسان رسوله (فلو كان ما نفوه من الصفات هي صفات نقص في حقه لنزه الله نفسه عنها ولم يثبتها لنفسه وكذلك لو كانت صفات نقص لما عاب علىالأصنام عدم إتصافها بها.(3/402)
النقطة الثانية: ((وهي أن لا يتعدى بها اسمها الخاص الذي سماها الله به، بل يحترم الاسم كما يحترم الصفة، فلا يعطل الصفة، ولا يغير اسمها ويعيرها اسماً آخر. كما يفعل المعطلة الذين لم يريدوا تنزيه الله ووصفه بالكمال وإنما أرادوا أن يحولوا بين القلوب وبين معرفة ربها، ولذلك سموا إثبات صفاته وعلوه فوق خلقه، واستواءه على عرشه: تشبيهاً وتجسيماً وحشواً، فنفروا عنه صبيان العقول، وسموا نزوله إلى سماء الدنيا وتكلمه بمشيئته، ورضاه بعد غضبه، وغضبه بعد رضاه وسمعه الحاضر لأصوات العباد، ورؤيته المقارنة لأفعالهم ونحو ذلك: حوادث. وسموا وجهه الأعلى، ويديه المبسوطتين وأصابعه التي يضع عليها الخلائق يوم القيامة: جوارح وأعضاء. مكراً منهم كُبّاراً بالناس. كمن يريد التنفير عن العسل فيمكر في العبارة ويقول: مائع أصفر يشبه العذرة المائعة. أو ينفر عن شيء مستحسن فيسميه بأقبح الأسماء فعل الماكر المخادع فليس مع مخالف الرسل سوى المكر في القول والفعل.
ولقد راج مكر هؤلاء المعطلة على أصحاب القلوب المظلمة الجاهلة بحقائق الإيمان وما جاء به الرسول (، فترتب على ذلك إعراضهم عن الله وعن ذكره ومحبته، والثناء عليه أوصاف كماله ونعوت جلاله، فانصرفت قوى حبها وشوقها وأنسها إلى سواه.(3/403)
ومعلوم أنه لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا في الإيمان حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله، ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرفها: هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان. فمن جحد الصفات فقد هدم أساس الإسلام والإيمان وثمرة شجرة الإحسان، فضلا عن أن يكون من أهل العرفان وقد جعل الله سبحانه منكر صفاته سَيِّئ الظن به. وتوعده بما لم يتوعد به غيره من أهل الشرك والكفر والكبائر فقال تعالى {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداك فأصبحتم من الخاسرين} [فصلت 22] فأخبر سبحانه أن إنكارهم هذه الصفة من صفاته من سوء ظنهم به وأنه هو الذي أهلكهم وقد قال في الظانين به ظن السوء {عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً} [الفتح 6] ولم يجئ مثل هذا الوعيد في غير من ظن السوء به سبحانه، وجَحْدُ صفاته وإنكار حقائق أسمائه من أعظم ظن السوء به)) (1) .
((وطائفة المعطلة قد أساءت الظن بربها وبكتابه وبنبيه وبأتباعه: أما إساءة الظن بالرب: فإنها عطلت صفات كماله ونسبته إلى أنه أنزل كتاباً مشتملاً على ما ظاهره كفر وباطل، وأن ظاهره حقائقه غير مراده، وأما إساءة الظن بالرسول: فلأنه تكلم بذلك وقرره وأكده، ولم يبين للأمة أن الحق في خلافه وتأويله، وأما إساءة ظنها بأتباعه فنسبتهم لهم إلى التشبيه والتمثيل، والجهل والحشو)) (2) .
وطائفة المعطلة لما فهمت من الصفات الإلهية ما تفهمه من صفات المخلوقين فرَّتْ إلى إنكار حقائقها، وابتغاء تحريفها وسمته تأويلاً فشبهت أولاً وعطلت ثانياً وأساءت الظن بربها وبكتابه ونبيه وأتباعه.(3/404)
فانظر إلى ما أدى إليه سوء فهم المعطلة لنصوص الأسماء والصفات ولم يكن المشبهة بأحسن حالاً من المعطلة فهم كذلك أدى بهم سوء فهمهم لنصوص الصفات إلى تشبيه الخالق سبحانه وتعالى بخلقه فقد فهموا منها مثل ما للمخلوقين وظنوا أن لا حقيقة لها سوى ذلك، وقالوا محال أن يخاطبنا الله سبحانه بما لا نعقله (1) . وهم بذلك عطلوا الله تبارك وتعالى عن كماله الواجب له حيث مثلوه وشبهوه بالمخلوق الناقص، وعطلوا كل نص يدل على نفي مماثلة الله لخلقه.
وقد هدى الله أصحاب سواء السبيل للطريقة المثلى فأثبتوا لله حقائق الأسماء والصفات ونفوا عنه مماثلة المخلوقات فكان مذهبهم مذهباً بين مذهبين وهدى بين ضلالتين.
فقالوا: نصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله (من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تشبيه ولا تمثيل بل طريقتنا إثبات حقائق الأسماء والصفات، ونفي مشابهة المخلوقات، فلا نعطل ولا نؤول ولا نمثل ولا نجهل، ولا نقول ليس له يدان ولا وجه ولا سمع ولا بصر ولا حياة ولا قدرة، ولا استوى على عرشه.
ولا نقول له يدان كأيدي المخلوق ووجه كوجوههم وسمع وبصر، وحياة وقدرة واستواء، كأسماعهم وأبصارهم وحياتهم وقدرتهم واستوائهم.
بل نقول: له ذات حقيقة ليست كذوات المخلوقين وله صفات -حقيقة لا مجازاً- ليست كصفات المخلوقين، وكذلك قولنا في وجهه تبارك وتعالى، ويديه، وسمعه وبصره، وكلامه، واستوائه.(3/405)
ولا يمنعنا ذلك أن نفهم المراد من تلك الصفات وحقائقها كما لم يمنع ذلك من أثبت لله شيئاً من صفات الكمال من فهم معنى الصفة وتحقيقها، فإن من أثبت له سبحانه السمع والبصر أثبتهما حقيقة، وفهم معناهما فهكذا سائر الصفات المقدسة يجب أن تجري هذا المجرى وإن كان لا سبيل لنا إلى معرفة كنهها وكيفيتها فإن الله سبحانه لم يكلف العباد ذلك ولا أراده منهم ولم يجعل لهم إليه سبيلا. بل كثير من مخلوقاته بل أكثرها لم يجعل لهم سبيلاً إلى معرفة كنهه وكيفيته وهذه أرواحهم التي هي أدنى إليهم من كل دان قد حجب عنهم معرفة كنهها وكيفيتها. وقد أخبرنا سبحانه عن تفاصيل يوم القيامة وما في الجنة والنار، فقامت حقائق ذلك في قلوب أهل الإيمان وشاهدته عقولهم ولم يعرفوا كيفيته وكنهه فلا شك أن المسلمين يؤمنون أن في الجنة أنهاراً من خمر وأنهاراً من عسل وأنهاراً من لبن، ولكن لا يعرفون كنه ذلك ومادته وكيفيته إذ كانوا لا يعرفون في الدنيا الخمر إلا ما اعتصر من الأعناب، والعسل إلا ما قذفت به النحل في بيوتها، واللبن ما خرج من الضروع والحرير إلا ما خرج من فم دود القز، وقد فهموا معاني ذلك في الجنة من غير أن يكون مماثلاً لما في الدنيا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء)) (1) ولم يمنعهم عدم النظير في الدنيا من فهم ما أخبروا به في ذلك؛ فهكذا الأسماء والصفات لم يمنعهم إنتفاء نظيرها في الدنيا ومثالها من فهم حقائقها ومعانيها بل قام بقلوبهم معرفة حقائقها وانتفاء التمثيل والتشبيه عنها وهذا هو المثل الأعلى الذي أثبته سبحانه لنفسه في ثلاثة مواضع من القرآن.
أحدها: قوله تعالى {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم} [النحل 60] .
الثاني: قوله تعالى {وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} [الروم 27] .(3/406)
الثالث: قوله تعالى {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى 11] .
فنفى سبحانه المماثلة عن هذا المثل الأعلى وهو ما في قلوب أهل سمواته وأرضه من معرفته والإقرار بربويته وأسمائه وصفاته وذاته. فهذا المثل الأعلى هو الذي آمن به المؤمنون وأنس به العارفون وقامت شواهده في قلوبهم بالتعريفات الفطرية، المكملة بالكتب الإلهية، المقبولة بالبراهين العقلية. فاتفق على الشهادة بثبوته العقل والسمع والفطرة فإذا قال المثبت: ((يا الله)) قام بقلبه رباً قيوماً قائماً بنفسه مستوياً على عرشه مكلماً متكلماً، سامعاً رائياً، قديراً سديدا فعالاً لما يشاء يسمع دعاء الداعين، ويقضي حوائج السائلين، ويفرج عن المكروبين، ترضيه الطاعات وتغضبه المعاصي تعرج الملائكة بالأمر إليه وتنزل بالأمر من عنده)) (1) .
النقطة الثالثة: وهي عدم تشبيهها أو تمثيلها بما للمخلوق. فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
فأما التمثيل: فهو اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله تعالى مماثل لصفات المخلوقين.
وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى {ليس كمثله شيء} [الشورى 11] وقوله {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} [النحل 17] وقوله {هل تعلم له سميا} [مريم 65] وقوله {ولم يكن له كفواً أحد} [الإخلاص 4] وقوله تعالى {فلا تضربوا لله الأمثال} [النحل 74] وقوله {ولله المثل الأعلى} [النحل 60] .
أما العقل: فمن وجوه:
الأول: أنه قد علم بالضرورة أن بين الخالق والمخلوق تبايناً في الذات وهذا يستلزم أن يكون بينهما تباين في الصفات لأن صفة كل موصوف تليق به كما هو ظاهر في صفات المخلوقات المتباينة في الذوات فقوة البعير مثلاً غير قوة الذرة، فإذا ظهر التباين بين المخلوقات مع اشتراكها في الإمكان والحدوث، فظهور التباين بينها وبين الخالق أجلى وأقوى (2) .(3/407)
الثاني: أن يقال كيف يكون الرب الخالق الكامل من جميع الوجوه مشابهاً في صفاته للمخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى ما يكمله، وهل اعتقاد ذلك إلا تنقص لحق الخالق فإن تشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصاً (1) .
الثالث: أننا نشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية فنشاهد أن للإنسان يداً ليست كيد الفيل وله قوة ليست كقوة الجمل مع الاتفاق في الاسم، فهذه يد وهذه يد، وهذه قوة وهذه قوة وبينهما تباين في الكيفية والوصف فعلم بذلك أن الاتفاق في الاسم لايلزم منه الاتفاق في الحقيقة.
والتشبيه كالتمثيل وقد يفرق بينهما بأن التمثيل: التسوية في كل الصفات.
والتشبيه: التسوية في أكثر الصفات لكن التعبير بنفي التمثيل أولى لموافقة القرآن {ليس كمثله شيء} [الشورى 11] .
وفي هذا الباب يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ((الثالث: عدم تشبيهها بما للمخلوق، فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فالعارفون به، المصدقون لرسله، المقرون بكماله: يثبتون له الأسماء والصفات وينفون عنه مشابهة المخلوقات فيجمعون بين الإثبات ونفي التشبيه، وبين التنزيه وعدم التعطيل، فمذهبهم حسنة بين سيئتين، وهدى بين ضلالتين، فصراطهم صراط المنعم عليهم، وصراط غيرهم صراط المغضوب عليهم والضالين. قال الإمام أحمد: ((لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين)) (2) وقال: ((التشبيه: أن تقول يد كيدي)) (3) تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً)) (4) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((التشبيه الممتنع إنما هو مشابهة الخالق للمخلوق في شيء من خصائص المخلوق أو أن يماثله في شيء من صفات الخالق.
فإن الرب تعالى منزه عن أن يوصف بشيء من خصائص المخلوق، أو أن يكون له مماثل في شيء من صفات كماله وكذلك يمتنع أن يشاركه غيره في شيء من أموره بوجه من الوجوه)) (5) .(3/408)
وقال أيضاً: ((وأما لفظ المشبهة، فلا ريب أن أهل السنة والجماعة والحديث من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم متفقون على تنزيه الله تعالى عن مماثلة الخلق، وعلى ذم المشبهة الذين يشبِّهون صفاته بصفات خلقه ومتفقون على أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله)) (1) .
النقطة الرابعة: وهي اليأس من إدراك كنهها وكيفيتها.
التكييف: هو أن يعتقد المثبت أن كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا من غير أن يقيدها بمماثل. وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى {ولايحيطون به علما} [طه 110] وقوله {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} [الإسراء 36] . ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفات ربنا لأنه تعالى أخبرنا عنها ولم يخبر عن كيفيتها فيكون تكييفنا قفوا لما ليس لنا به علم وقولاً بما لم يمكننا الإحاطة به.
وأما العقل: فلأن الشيء لا تعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته، أو العلم بنظيره المساوي له، أو بالخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله عز وجل فوجب بطلان تكييفها.
وأيضاً فإننا نقول: أيّ كيفية تقدرها لصفات الله تعالى؟
إن أيّ كيفية تقدرها في ذهنك فالله أعظم وأجل من ذلك.
وأيّ كيفية تقدرها لصفات الله تعالى فإنك ستكون كاذباً فيها لأنه لا علم لك بذلك.
وحينئذ يجب الكف عن التكييف تقديراً بالجنان أو تقريراً بالسان أو تحريراً بالبنان.(3/409)
ولقد سار السلف جميعهم على منع التكييف في صفات الله تعالى، ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن قوله {الرحمن على العرش استوى} [طه 5] كيف استوى؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحضاء (العرق) ثم قال: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)) (1) . وروى عن شيخه ربيعة أيضاً: ((الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول)) (2) . وقد مشى أهل العلم بعدهما على هذا الميزان. وإذا كان الكيف غير معقول ولم يرد به الشرع فقد انتفى عنه الدليلان العقلي والشرعي، فوجب الكف عنه.
فالحذر الحذر من التكييف ومحاولته فإنك إن فعلت وقعت في مفاوز لا تستطيع الخلاص منها، وإن ألقاه الشيطان في قلبك فاعلم أنه من نزغاته فالجأ إلى ربك فإنه معاذك وافعل ما أمرك به فإنه طبيبك، قال الله تعالى {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} [الأعراف 200] )) (3) .
وقال ابن القيم: ((والعقل قد يئس عن تعرف كنه الصفة وكيفيتها، فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله، وهذا معنى قول السلف ((بلا كيف)) أي بلا كيف يعقله البشر، فإن من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته، كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته؟
ولا يقدح ذلك في الإيمان بها ومعرفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك، وكما أنا لا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر، ولا نعرف حقيقة كيفيته، مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق. فعجزنا عن معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم.(3/410)
فكيف يطمع العقل المخلوق المحصور المحدود في معرفة كيفية من له الكمال كله، والجمال كله، والعلم كله، والقدرة كلها، والعظمة كلها والكبرياء كلها، من لو كُشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته السموات والأرض وما فيها وما بينهما، وما وراء ذلك. الذي يقبض سمواته بيده، فتغيب كما تغيب الخردلة في كف أحدنا، ونسبة علوم الخلائق كلها إلى علمه أقل من نسبة نَقْرَة عصفور من بحار العلم الذي لو أن البحر -يمده من بعده سبعة أبحر- مداد، وأشجار الأرض - من حيث خلقت إلى يوم القيامة- أقلام: لفني المداد وفنيت الأقلام، ولم تنفد كلماته. الذي لو أن الخلق من أول الدنيا إلى آخرها - انسهم وجنهم وناطقهم وأعجمهم- جعلوا صفاً واحداً: ما أحاطوا به سبحانه، الذي يضع السماوات على إصبع من أصابعه والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والأشجار على إصبع، ثم يَهْزُّهُنَّ، ثم يقول: أنا الملك.
فقاتل الله الجهمية والمعطلة أين التشبيه ههنا؟ وأين التمثيل؟ لقد اضمحل ههنا كل موجود سواه، فضلاً ممن يكون له ما يماثله في ذلك الكمال ويشابهه فيه. فسبحان من حجب عقول هؤلاء عن معرفته، وولاها ما تولت من وقوفها مع الألفاظ التي لا حرمة لها، والمعاني التي لا حقائق لها)) (1) .
النقطة الخامسة: وهي الإيمان بما تقتضيه تلك الصفات من الآثار وما يترتب عليها من الأحكام.
أي الإيمان بما تضمنته من المعاني وبما ترتب عليها من مقتضيات وأحكام. فهذا ما جاء الأمر به والحثُّ عليه في القرآن والسنة.
فمن القرآن قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف 180] ، والشاهد من الآية قوله {فادعوه بها} .
ووجه الاستشهاد أنَّ الله يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها، ويأخذوا بحظهم من عبوديتها فإن الدعاء بها يتناول:
دعاء المسألة: كقولك: ربي ارزقني.
ودعاء الثناء: كقولك سبحان الله.
ودعاء التعبد: كالركوع والسجود (2) .(3/411)
ومن السنة قوله ش: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة)) متفق عليه (1) .
الشاهد من الحديث: قوله ش: ((من أحصاها)) .
ووجه الاستشهاد: أن معنى من أحصاها: أي حفظها ألفاظاً، وفهم معانيها ومدلولاتها، وعمل بمقتضياتها وأحكامها.
فالعلم بأسماء الله وصفاته واعتقاد تسمي الله واتصافه بها هو من العبادة وإدراك القلب لمعانيها، وما تضمنته من الأحكام والمقتضيات، واستشعاره وتجاوبه لذلك بالقدر الذي يؤدي إلى سلامة تفكيره واستقامة سلوكه، هو عبادة أيضاً.
فأهل السنة يؤمنون بما دلَّت عليه أسماء الله وصفاته من المعاني، وبما يترتب عليها من مقتضيات وأحكام، بخلاف أهل الباطل الذين أنكروا ذلك وعطَّلوه.
ويجب تحقيق المقتضى والأثر لتلك الصِّفات، فلكُلِّ صفة عبوديةٌ خاصةٌ هي من موجباتها ومقتضياتها -أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها- فعلم العبد بتفرُّد الرَّبِّ بالخلق والرِّزق والإحياء والإماتة، يُثمر له عبودية ((التوكل)) .
وعلم العبد بجلال الله وعظمته وعزِّه، يُثمرُ له الخضوع والاستكانة والمحبة.
فالسَّلف يؤمنون بأسماء الله وصفاته، وبما دلَّت عليه من المعاني والأحكام، أما كيفيَّتها فيفِّوضون علمها إلى الله.
وهم برآء مما اتَّهمهم به المعطلة الذين زعموا أن السلف يؤمنون بألفاظ نصوص الأسماء والصِّفات، ويُفوِّضون معانيها.(3/412)
وهذا الزعم جهلٌ على السَّلف، فإنهم كانوا أعظم النَّاس فهماً وتدبُّراً لآيات الكتاب وأحاديث النبي ش، خاصة فيما يتعلق بمعرفة الله تعالى، فكانوا يدرون معاني ما يقرأون ويحملون من العلم، ولكنَّهم لم يكونوا يتكلَّفون الفهم للغيب المحجوب، فلم يكونوا يخوضون في كيفيَّات الصِّفات شأن أهل الكلام والبدع، فإنهم حين خاضوا في ذات الله وصفاته وقعوا في التأويل والتَّعطيل، وإنما ألجأهم إلى ذلك الضيقُ الذي دخل عليهم بسبب التَّشبيه، فأرادوا الفرار منه فوقعوا في التعطيل، ولم يقع تعطيلٌ إلا بتشبيه، ولو أنهم نزَّهوا الله تعالى ابتداءً عن مشابهة الخلق، وأثبتوا الصِّفة مع نفي المماثلة لسَلموا ونجوا ولوافقوا اعتقاد السلف ولبان لهم أن السلف لم يكونوا حملة أسفار لا يدرون ما فيها.
ومن تدبَّر كلام أئمة السَّلف المشاهير في هذا الباب عَلِمَ أنهم كانوا أدقَّ النَّاس نظراً وأنهم أعلم النَّاس في هذا الباب وأن الذين خالفوهم لم يفهموا حقيقة أقوال السلف والأئمة، ولذلك صار أولئك الذين خالفوا مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب، وقد قال تعالى {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} [البقرة 176] .
ومن له اطلاع على أقوال السَّلف المدوَّنة في كتب العقيدة والتفسير والحديث عند الحديث عن نصوص الصِّفات يعلم أن السَّلف تكلموا في معاني الصِّفات وبيَّنوها ولم يسكتوا عنها، وهذه الأقوال هي أكبر شاهدٍ على فهم السَّلف لمعاني الصِّفات وإيمانهم بها والله أعلم (1) .
الفصل الثاني: طوائف المعطلة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات
المبحث الأول: الفلاسفة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات وفيه مطلبان:
المطلب الأولى: التعريف بهم.(3/413)
((الفلاسفة، اسم جنس لمن يُحِبُ الحكمة ويُؤثِرُها. وقد صار هذا الاسم في عرف كثير من الناس مختصاً بمن خرج عن ديانات الأنبياء، ولم يذهب إلا إلى ما يقتضيه العقل في زعمه. وأخص من ذلك أنه في عرف المتأخرين اسم لأتباع أرسطو وهم المَشَّاؤُون خاصة وهم الذين هذب ابن سينا طريقتهم وبسطها وقررها. وهي التي يعرفها، بل لا يعرفُ سواها المتأخرون من المتكلمين)) (1) .
والذي ينبغي معرفته أن الفلاسفة لا يؤمنون بوجود الله حقيقة، ولا يؤمنون بوحي ولا نبوة ولا رسالة، وينكرون كل غيب، فالمباديء الفلسفية جميعها تقوم على أصلين هما:
الأصل الأول: أن الأصل في العلوم هو عقل الإنسان، فهو عندهم مصدر العلم.
الأصل الثاني: أن العلوم محصورة في الأمور المحسوسة المشاهدة فقط.
فتحت الأصل الأول أبطلوا الوحي، وتحت الأصل الثاني أبطلوا الأمور الغيبية بما فيها الإيمان بالله واليوم الآخر.
وقد تسلط الفلاسفة على المسائل الاعتقادية وزعموا أنها مجرد أوهام وخيالات لا حقيقة ولا وجود لها في الخارج، فلا الله موجود حقيقة، ولا نبوة ولا نبي على التحقيق، ولا ملائكة، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور.
فإيمانهم بالله تبارك وتعالى لا يكاد يتعدى الإيمان بوجوده المطلق، -أي بوجوده في الذهن والخيال دون الحقيقة- وأما ما عدا ذلك فلا يكادون يتفقون على شيء، فالمباحث العقدية عندهم من أسخف وأفسد ما قالوا به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((أما الإلهيات فكلياتهم فيها أفسد من كليات الطبيعة، وغالب كلامهم فيها ظنون كاذبة فضلاً عن أن تكون قضايا صادقة)) (2) .
ويتجلى فساد معتقد الفلاسفة في الله أكثر عندما نعرض لك بعض أقوالهم في ذات الله وصفاته.
فالفلاسفة يطلقون على الله مسمى (واجب الوجود) ، وتوحيد واجب الوجود عندهم يكفي مجرد تصوره للعلم الضروري بفساده.(3/414)
فالتوحيد عندهم يقتضي تجريده من كل صفات الكمال اللازمة له، فهو ليس له حياة ولا علم ولا قدرة ولا كلام، ولا غير ذلك من الصفات، ويقولون بدلاً من ذلك: ((إنه عاقل ومعقول وعقل، ولذيذ وملتذ ولذة، وعالم ومعلوم وعلم)) ، وجعلوا كل ذلك أموراً عدمية.
ودفعهم إلى ذلك زعمهم أن تعدد الصفات موجب للتركيب في حق الله، وفساد هذا القول جلي واضح، فالله وصف نفسه بالصفات، ووصفه بها رسوله ش وثبت ذلك في الكتاب والسنة نقلاً.
كما أن العقل يشهد بفساد قولهم، فإن تعدد الصفات لم تقل لغة ولا شرع ولا عقل سليم إنه يوجب تركيب الموصوف إلا عند الفلاسفة (1) .
ومن شنيع كلامهم كذلك زعمهم أن الله لا يعلم الجزئيات، فهو عندهم لا يعرف عين موسى، ولا عيسى، ولا محمدٍ عليهم الصلاة والسلام، فضلاً عن الوقائع التي قصها القرآن وغيرها من أمور المخلوقات. وفساد هذا القول واضح جلي في النقل والعقل. أما النقل فالله يقول {ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} [الأنعام 59] وكذا العقل أيضاً شاهد بفساد هذا المعتقد، فكيف يجهل الله أموراً سيرها بأمره وأجراها بقدره وأخبر عنها في كتابه.
ومن شنيع قولهم ما قالوه في قدرة الله من أنه فاعل بالطبع لا بالاختيار لأن الفاعل بالطبع يتحد فعله، والفاعل بالاختيار يتنوع فعله، وما دروا أنهم بهذا جعلوا الإنسان الفاعل بالاختيار أكمل من الله الفاعل بالطبع على حد زعمهم. وهذا القول مردود بقول الله {وربك يخلق ما يشاء ويختار} [القصص 28] ، ومردود بالعقل لأن الله هو أكمل الفاعلين فكيف يُشَبه فعله بفعل الجماد.
فهذا ما عند هؤلاء من خبر الإيمان بالله عز وجل.(3/415)
((وأما الإيمان بالملائكة فهم لا يعرفون الملائكة، ولا يؤمنون بهم. وإنما الملائكة عندهم ما يتصوره النبيُّ بزعمهم في نفسه من أشكال نُورانِية، هي العقول عندهم، وهي مجرَّدات ليست داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوق السموات ولا تحتها، ولا هي أشخاص تتحرك، ولا تصعد، ولا تنزل، ولا تدبِّر شيئاً، ولا تتكلم، ولا تكتب أعمال العبد، ولا لها إحساس ولا حركة البتة ولا تنتقل من مكان إلى مكان، ولا تَصُفُّ عند ربها، ولا تصلي، ولا لها تصرف في أمر العالم البتة، فلا تقبض نفس العبد، ولا تكتب رزقه وأجله وعمله، ولا عن اليمين وعن الشمال قعيد، كل هذا لا حقيقة له عندهم البتة.
وربما تقرب بعضهم إلى الإسلام، فقال: الملائكة هي القوى الخَيِّرة الفاضلة التي في العبد، والشياطين هي القوى الشريرة الرَّديئة، هذا إذا تقربوا إلى الإسلام وإلى الرسل.
وأما الكتب فليس لله عندهم كلام أنزله إلى الأرض بواسطة الملك، فإنه ما قال شيئاً، ولا يقول، ولا يجوز عليه الكلام. ومن تقرب إليهم ممن ينتسب للمسلمين يقول: الكتب المنزلة فَيْضٌ فاضَ من العقل الفَعَّال على النفس المستعدة الفاضلة الزكية، فتصورت تلك المعاني، وتشكلت في نفسه بحيث توهم أصواتاً تخاطبه، وربما قَوِيَ الوهم حتى يراها أشكالا نورانية تخاطبه، وربما قوي ذلك حتى يُخَيِّلها لبعض الحاضرين، فيرونها ويسمعون خطابها، ولا حقيقة لشيء من ذلك في الخارج.
وأما الرسل والأنبياء فللنبوة عندهم ثلاث خصائص، من استكملها فهو نبيُّ:
أحدها: قوة الحدس، بحيث يدرك الحد الأوسط بسرعة.
الثانية: قوة التخيل والتخييل، بحيث يتخيل في نفسه أشكالاً نورانية تخاطبه، ويسمع الخطاب منها، ويخيلها إلى غيره.
الثالثة: قوة التأثير بالتصرف في هيولى العالم. وهذا يكون عنده بتجرد النفس عن العلائق، واتصالها بالمفارقات، من العقول والنفوس المجردة.(3/416)
وهذه الخصائص تحصل بالاكتساب. ولهذا طلبَ النبوة من تصوف على مذهب هؤلاء كابن سبعين، وابن هود وأضرابهم. والنبوة عند هؤلاء صنعةٌ من الصنائع، بل من أشرف الصنائع، كالسياسة، بل هي سياسة العامة، وكثير منهم لا يرضى بها، ويقول: الفلسفة نبوة الخاصة. والنبوة: فلسفة العامة.
وأما الإيمان باليوم الآخر فهم لا يقرون بانفطار السموات، وانتثار الكواكب، وقيامة الأبدان، ولا يقرون بأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، وأوجد هذا العالم بعد عدمه.
فلا مبدأ عندهم، ولا معاد، ولا صانع، ولانبوة، ولا كتب نزلت من السماء، تكلم الله بها، ولا ملائكة تنزلت بالوحي من الله تعالى.
فدين اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خير من دين هؤلاء.
وحَسبُكَ جهلاً بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، من يقول: إنه سبحانه لو علم الموجودات لحقه الكلال والتعب واستكمل بغيره. وحسبك خذلاناً، وضلالاً وعمى: السير خلف هؤلاء، وإحسان الظن بهم، وأنهم أو لو العقول)) (1) .
المطلب الثاني: قولهم في توحيد الأسماء والصفات.
الفلاسفة يدأبون حتى يثبتوا واجب الوجود، ومع إثباتهم له فهو عندهم وجود مطلق، لا صفة له ولا نَعْتَ، ولا فعل يقوم به، لم يخلق السموات والأرض بعد عدمها، ولا له قدرة على فعل، ولا يعلم شيئاً. ولا شك أن الذي كان عند مشركي العرب من كفار قريش وغيرهم أهون من هذا، فعباد الأصنام كانوا يثبتون رباً خالقاً عالماً قادراً حياً، وإن كانوا يشركون معه في العبادة.
وفساد أقوال الفلاسفة في الله لا يضاهيها فساد، فهم ينفون جميع الأسماء والصفات، سواء كانوا أصحاب فلسفة محضة كالفارابي (2) ، أو فلسفة باطنية رافضية إسماعيلية قرمطية كابن سينا (3) ، وإخوان الصفا، أو فلسفة صوفية اتحادية كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض.(3/417)
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: ((والتحقيق أن التجهم المحض وهو نفي الأسماء والصفات، كما يُحكي عن جهم والغالية من الملاحدة ونحوهم من نفي أسماء الله الحسنى، كفر بين مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول)) (1)
فهؤلاء جميعاً لا يثبتون الأسماء والصفات لله تعال. ويمنعون الإثبات بأي حال من الأحوال ولهم في النفي درجات:
الدرجة الأولى: درجة المكذبة النفاة: وهي التي عليها طائفة من الفلاسفة (2) كابن سينا وأمثاله (3) .
فهم يصفون الله بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون له إلا وجوداً مطلقاً لا حقيقة له عند التحصيل وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان، يمتنع تحققه في الأعيان (4) فهؤلاء وصفوه بالسلوب والإضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، وقد علم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن، لا فيما خرج عنه من الموجودات (5) .
الدرجة الثانية: المتجاهلة الواقفة: الذين يقولون لا نثبت ولا ننفي، وهذه الدرجة تنسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية المتفلسفة (6) .
فهؤلاء هم غلاة الغلاة (7) لأنهم يسلبون عنه النقيضين فيقولون: لا موجود، ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، لأنهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات فسلبوا النقيضين، وهذا ممتنع في بداهة العقول؛ وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب وما جاء به الرسول ش، فوقعوا في شر مما فروا منه، فإنهم شبهوه بالممتنعات إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين، كلاهما من الممتنعات (8) .(3/418)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فالقرامطة الذين قالوا لا يوصف بأنه حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز، بل قالوا لا يوصف بالإيجاب ولا بالسلب، فلا يقال حي عالم ولا ليس بحي عالم، ولا يقال هو عليم قدير ولا يقال ليس بقدير عليم، ولا يقال هو متكلم مريد، ولا يقال ليس بمتكلم مريد، قالوا لأن في الإثبات تشبيهاً بما تثبت له هذه الصفات، وفي النفي تشبيه له بما ينفي عنه هذه الصفات)) (1) .
الدرجة الثالثة: المتجاهلة اللاأدرية: الذين يقولون: نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت، فلا ننفي النقيضين، بل نسكت عن هذا وهذا، فنمتنع عن كل من المتناقضين، لا نحكم بهذا ولا بهذا، فلا نقول: ليس بموجود ولا معدوم ولكن لا نقول هو موجود ولا نقول هو معدوم.
ومن الناس من يحكي نحو هذا عن الحلاج، وحقيقة هذا القول هو الجهل البسيط والكفر البسيط، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله ومعرفته وحبه وذكره وعبادته ودعائه (2) .
الدرجة الرابعة: أهل وحدة الوجود: الذين لا يميزون الخالق بصفات تميزه عن المخلوق، ويقولون بأن وجود الخالق هو وجود المخلوق. فعلى سبيل المثال هم يقولون بأن الله هو المتكلم بكل ما يوجد من الكلام وفي ذلك يقول ابن عربي:
ألا كل قول في الوجود كلامه
سواء علينا نثره ونظامه
يعم به أسماع كل مكون
فمنه إليه بدؤه وختامه (3)
فيزعمون أنه هو المتكلم على لسان كل قائل. ولا فرق عندهم بين قول فرعون:
{أنا ربُّكم الأعلى} [النازعات 24] {وما علمت لكم من إله غيري} [القصص 28] وبين القول الذي يسمعه موسى {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} [طه 14] . بل يقولون: إنه الناطق في كل شيء، فلا يتكلم إلا هو ولا يسمع إلا هو، حتى قول مسيلمة الكذاب، والدجال، وفرعون، يصرحون بأن أقوالهم هي قوله)) (4) .(3/419)
وهذا قول أصحاب وحدة الوجود كابن عربي، وابن سبعين وابن الفارض، والعفيف التلمساني.
وأصل مذهبهم: أن كل واحد من وجود الحق، وثبوت الخلق يساوى الآخر ويفتقر إليه وفي هذا يقول ابن عربي:
فيعبدني وأعبده
ويحمدني وأحمده (1)
ويقول: إن الحق يتصف بجميع صفات العبد المحدثات، وإن المحدث يتصف بجميع صفات الرب، وإنهما شيء واحد إذ لا فرق في الحقيقة بين الوجود والثبوت (2) فهو الموصوف عندهم بجميع صفات النقص والذم والكفر والفواحش والكذب والجهل، كما هو الموصوف عندهم بصفات المجد والكمال فهو العالم والجاهل، والبصير والأعمى، والمؤمن والكافر، والناكح والمنكوح، والصحيح والمريض، والداعي والمجيب، والمتكلم والمستمع، وهو عندهم هوية العالم ليس له حقيقة مباينة للعالم، وقد يقولون لا هو العالم ولا غيره، وقد يقولون: هو العالم أيضا وهو غيره، وأمثال هذه المقالات التي يجمع فيها في المعنى بين النقيضين مع سلب النقيضين (3) .
وهؤلاء الاتحادية يجمعون بين النفي العام والإثبات العام فعندهم أن ذاته لا يمكن أن ترى بحال وليس له اسم ولا صفة ولا نعت، إذ هو الوجود المطلق الذي لا يتعين، وهو من هذه الجهة لا يرى ولا اسم له.
ويقولون: إنه يظهر في الصور كلها، وهذا عندهم هو الوجود الاسمي لا الذاتي، ومن هذه الجهة فهو يرى في كل شيء ويتجلى في كل موجود، لكنه لا يمكن أن ترى نفسه، بل تارة يقولون كما يقول ابن عربي: ترى الأشياء فيه، وتارة يقولون يرى هو في الأشياء وهو تجليه في الصور، وتارة يقولون كما يقول ابن سبعين:
عين ما ترى ذات لا ترى
وذات لا ترى عين ما ترى
وهم مضطربون لأن ما جعلوه هو الذات عدم محض، إذ المطلق لا وجود له في الخارج مطلقاً بلا ريب، لم يبق إلا ما سموه مظاهر ومجالي فيكون الخالق عين المخلوقات لا سواها، وهم معترفون بالحيرة والتناقض مع ما هم فيه من التعطيل والجحود. (4) .
وفي هذا يقول ابن عربي:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيداً(3/420)
وإن قلت بالتشبيه كنت محدداً
وإن قلت بالأمرين كنت مسدداً
وكنت إماماً في المعارف سيداً
فمن قال بالإشفاع كان مشركاً
ومن قال بالإفراد كان موحداً
فإياك والتشبيه إن كنت ثانياً
وإياك والتنزيه إن كنت مفرداً
فما أنت هو بل أنت هو وتراه
في عين الأمور مسرحا ومقيداً (1)
خلاصة أقوال غلاة المعطلة:
كلام غلاة المعطلة المتقدم ذكره يدور على أحد أصلين:
1- الأصل الأول:
النفي والتعطيل الذي يقتضي عدمه، بأن جعلوا الحق لا وجود له، ولا حقيقة له في الخارج أصلاً وإنما هو أمر مطلق في الأذهان. وهذا الذي عليه المكذبة النفاة، والمتجاهلة الواقفة، والمتجاهلة اللاأدرية.
2- الأصل الثاني:
أن يجعلوا الحق عين وجود المخلوقات، فلا يكون للمخلوقات خالق غيرها أصلاً، ولا يكون رب كل شيء ولا مليكه. وهذا الذي عليه حال أهل وحدة الوجود الاتحادية في أحد حاليهم فهذا حقيقة قول القوم وإن كان بعضهم لا يشعر بذلك.
ولذلك كان الغلاة من القرامطة والباطنية والفلاسفة والاتحادية نسخة للجهمية الذين تكلم فيهم السلف والأئمة، مع كون أولئك كانوا أقرب إلى الإسلام. فقد كان كلام الجهمية يدور أيضاً على هذين الأصلين فهم يظهرون للناس والعامة أن الله بذاته موجود في كل مكان، أو يعتقدون ذلك.
وعند التحقيق يصفونه بالسلب الذي يستوجب عدمه كقولهم: ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له ومحايث، ولا متصل به ولا منفصل عنه، وأشباه هذه السلوب.
فكلام أولهم وآخرهم يدور على هذين الأصلين:
1- إما النفي والتعطيل الذي يقتضي عدمه.
2- وإما الإثبات الذي يقتضي أنه هو المخلوقات. أو جزء منها أو صفة لها.
وكثير منهم يجمع بين هذا النفي وهذا الإثبات المتناقضين، وإذا حوقق في ذلك قال: ذاك السلب مقتضى نظري. وهذا الإثبات مقتضى شهودي وذوقي. ومعلوم أن العقل والذوق إذا تناقضا لزم بطلانهما أو بطلان أحدهما (2) .(3/421)
وهذا حالهم يترددون بين هذا النفي العام المطلق، وهذا الإثبات العام المطلق، وهم في كليهما حائرون ضالون لا يعرفون الرب الذي أمروا بعبادته (1) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((نفاة الصفات تارة يقولون بما يستلزم الحلول والاتحاد، أو يصرحون بذلك. وتارة بما يستلزم الجحود والتعطيل، فنفاتهم لا يعبدون شيئاً، ومثبتتهم يعبدون كل شيء.)) (2) .
ولا ريب أن هؤلاء المعطلة بصنيعهم هذا قد أعرضوا عن أسمائه وصفاته وآياته وصاروا جهالاً به، كافرين به، غافلين عن ذكره، موتى القلوب عن معرفته ومحبته وعبادته، وهذا هو غاية القرامطة الباطنية والمعطلة الدهرية أنهم يبقون في ظلمة الجهل وضلال الكفر، لا يعرفون الله ولا يذكرونه (3) .
المبحث الثاني: أهل الكلام وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات.
وفيه مطلبان:
المطلب الأولى: التعريف بهم.
وأما أهل الكلام فقد شاركوا الفلاسفة في بعض أصولهم، وأخذوا عنهم القواعد المنطقية والمناهج الكلامية، وتأثروا بها إلى درجة كبيرة. وسلكوا في تقرير مسائل الاعتقاد المسلك العقلاني على حد زعمهم، وهم وإن كانوا يخالفون الفلاسفة في قولهم: إن هذه الحقائق مجرد وهم وخيال، إلا أنهم شاركوهم في تشويه كثير من الحقائق الغيبية، فلا تجد في كتب أهل الكلام على اختلاف طوائفهم تقريراً لمسائل الاعتقاد كما جاءت بها النصوص الصحيحة، فبدل أن تسمع أو تقرأ قال الله أو قال رسوله ش أو قال الصحابة، فإنك لا تجد في كتبهم إلا قال الفضلاء، قال العقلاء، قال الحكماء، ويعنون بهم فلاسفة اليونان من الوثنيين، فكيف جاز لهم ترك كلام الله وكلام رسوله ش والأخذ بكلام من لا يعرف الله ولا يؤمن برسوله.
والمطلع على كتب أهل الكلام يدرك عظم الضرر الذي جَنَتْهُ على الأمة المسلمة، إذ تسببت تلك الكتب في حجب الناس عن المعرفة الصحيحة لله ورسوله ولدينه، وجُعِلَ بدل ذلك مقالات التعطيل والتجهيل والتخييل.(3/422)
وأهل الكلام ليسوا صنفاً واحداً بل هم عدة أصناف، وأشهرهم:
1- الجهمية. 2- المعتزلة. 3- الكلابية. 4- الأشاعرة. 5- الماتريدية.
وهذه الأصناف الخمسة كل له قوله ورأيه بحسب الشبه العقلية التي استند إليها.
أولاً: الجهمية، وهم أتباع جهم بن صفوان الذي أخذ عن الجعد بن درهم مقالة التعطيل عندما التقى به بالكوفة (1) وقد نشر الجهم مقالة التعطيل وامتاز عن شيخه الجعد بمزية المغالاة في النفي وكثرة إظهار ذلك والدعوة إليه نظراً لماكان عليه من سلاطة اللسان وكثرة الجدال والمراء.
من أشهر معتقداتهم:
1- إنكارهم لجميع الأسماء والصفات كما سيأتي تفصيله.
2- إنهم في باب الإيمان مرجئة، يقولون: إن الإيمان يكفي فيه مجرد المعرفة القلبية، وهذا شر أقوال المرجئة.
3- إنهم في باب القدر جبرية، ينكرون قدرة العبد واختياره في فعله.
4- ينكرون رؤية الخلق لله يوم القيامة.
5- يقولون:إن القرآن مخلوق.
6- يقولون بفناء الجنة والنار.
إلى غير ذلك من المعتقدات الباطلة التي قال بها الجهمية.
ثانياً: المعتزلة، وهم أتباع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، وهم فرق كثيرة يجمعها ما يسمونه بأصولهم الخمسة وهي:
1- التوحيد. 2- العدل. 3- الوعد والوعيد. 4- المنزلة بين المنزلتين. 5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والاعتزال في حقيقته يحمل خليطاً من الآراء الباطلة التي كانت موجودة في ذلك العصر، فقد جمع المعتزلة بين أفكار الجهمية، والقدرية، والخوارج، والرافضة.
فقد شاركوا الجهمية في بعض أصولهم، فوافقوهم في إنكار الصفات، فزعموا أن ذات الله لا تقوم بها صفة ولا فعل، كما سيأتي تفصيله. وقالوا بإنكار رؤية الله يوم القيامة وقالوا: إن القرآن مخلوق إلى غير ذلك.
كما شاركوا القدرية في إنكارهم لقدرة الله في أفعال العباد، وأخذوا عنهم القول بأن العباد يخلقون أفعالهم.(3/423)
كما شاركوا الخوارج في مسألة الإيمان، وقالوا بقولهم إن الإيمان قول، واعتقاد، وعمل، لا يزيد ولا ينقص، وإنه إذا ذهب بعضه زال الإيمان.
وبناءً على ذلك شاركوهم في مسألة مرتكب الكبيرة، فالمعتزلة وإن قالوا بأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين في الدنيا، لكنهم وافقوا الخوارج في قولهم بأن مرتكب الكبيرة في الآخرة خالد مخلد في النار.
وأخذوا كذلك عن الخوارج رأيهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما أنهم شاركوا الروافض في الطعن في أصحاب النبي ش، فقد كان من كلام واصل بن عطاء في أهل صفين قوله: ((إن كليهما فاسق لا بعين)) وقوله عن علي ومعاوية رضي الله عنهما: ((لو أن كليهما جاء عندي يشهد على حزمة بقل ما قبلت شهادتهما)) ، وأواخر المعتزلة كانوا أقرب إلى التشيع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وقدماء الشيعة كانوا مخالفين للمعتزلة بذلك (يعني مسائل الصفات والقدر) ، فأما متأخروهم من عهد بني بويه ونحوهم من أوائل المائة الرابعة ونحو ذلك، فإنهم سار فيهم من يوافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم، والمعتزلة شيوخ هؤلاء إلى ما يوجد في كلام ابن النعمان المفيد وصاحبيه أبي جعفر الطوسي، والملقب بالمرتضى ونحوهم هو من كلام المعتزلة، وصار حينئذ في المعتزلة من يميل إلى نوع من التشيع إما تسوية علي بالخليفتين، وإما تفضيله عليهما، وإما الطعن في عثمان، وإن كانت المعتزلة لم تختلف في إمامة أبي بكر وعمر. وقدماء المعتزلة كعمرو بن عبيد وذويه كانوا منحرفين عن علي حتى كانوا يقولون: لو شهد هو وواحد من مقاتليه شهادة لم نقبلها، لأنه قد فسق أحدهما لا بعينه. فهذا الذي عليه متأخروا الشيعة والمعتزلة خلاف ما عليه أئمة الطائفتين وقدماؤهم)) (1) .
كما أخذوا عن الشيعة الرافضة أكثر آرائهم الخاصة بالإمامة.
وعلى هذا فأفكار المعتزلة إنما هي خليط من آراء الفرق المخالفة في عصرهم.(3/424)
وأفكار المعتزلة يحملها اليوم كل من: الرافضة الإمامية، والزيدية، والإباضية، وكذلك من يسمون بالعقلانيين.
ثالثاً: متكلمة الصفاتية (الكلابية - الأشاعرة - الماتريدية) .
(1) - الكلابية، وهم أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان (1) (ت 243هـ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((كان الناس قبل أبي محمد بن كلاب صنفين:
فأهل السنة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها.
والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا وهذا.
فأثبت ابن كلاب قيام الصفات اللازمة به، ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها. ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري وغيرهما.
وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه ثم قيل عن الحارث: إنه رجع عن قوله. (2)
فهذا النهج الذي أحدثه ابن كلاب هو ما صار يعرف فيما بعد بمنهج متكلمة الصفاتية لأن ابن كلاب كان في طريقته يميل إلى مذهب أهل الحديث والسنة، لكن كان في طريقته نوع من البدعة، لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله، ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته.
وقد كانت له جهود في الرد على الجهمية (3) ولكنه ناظرهم بطريق قياسية سلم لهم فيها أصولاً هم واضعوها من امتناع تكلمه تعالى بالحروف، وامتناع قيام الصفات الاختيارية بذاته مما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال والكلام وغير ذلك (4) فأصبح بعد ذلك قدوة وإماماً لمن جاء بعده من هذا الصنف الذين أثبتوا الصفات وناقضوا نفاتها، لكن شاركوهم في بعض أصولهم الفاسدة التي أوجبت فساد بعض ما قالوه من جهة المعقول ومخالفته لسنة الرسول.)) (5)(3/425)
فابن كلاب أحدث مذهباً جديداً، فيه ما يوافق السلف وفيه ما يوافق المعتزلة والجهمية. وبذلك يكون قد أسس مدرسة ثالثة وهي مدرسة «الصفاتية» التي اشتهرت بمذهب الإثبات، لكن في أقوالهم شيء من أصول الجهمية (1)
وقد سار على هذا النهج القلانسي، والأشعري، والمحاسبي، وغيرهم، وهؤلاء هم سلف الأشعري والأشاعرة القدماء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وكان أبو محمد بن كلاب هو الأستاذ الذي اقتدى به الأشعري في طريقته هو وأئمة أصحابه، كالحارث المحاسبي، وأبي العباس القلانسي، وأبي سليمان الدمشقي، وأبي حاتم البستي)) (2)
فابن كلاب هو إمام الأشعرية الأول، وكان أكثر مخالفة للجهمية، وأقرب إلى السلف من الأشعري (3) .
ولكن هذا النهج الكلابي ابتعد شيئاً فشيئاً عن منهج السلف، وأصبح يقرب أكثر فأكثر إلى نهج المعتزلة وذلك على يد وارثيه من الأشاعرة.
فابن كلاب كما أسلفنا كان أقرب إلى السلف من أبي الحسن الأشعري، وأبو الحسن الأشعري أقرب إلى السلف من القاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي أبو بكر وأمثاله أقرب إلى السلف من أبي المعالي الجويني وأتباعه (4)
ولهذا يوجد في كلام الرازي والغزالي ونحوهما من الفلسفة مالا يوجد في كلام أبي المعالي الجويني وذويه، ويوجد في كلام الرازي والغزالي والجويني من مذهب النفاة المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي الحسن الأشعري وقدماء أصحابه، ويوجد في كلام أبي الحسن الأشعري من النفي الذي أخذه من المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي محمد بن كلاب الذي أخذ أبو الحسن طريقه.
ويوجد في كلام ابن كلاب من النفي الذي قارب فيه المعتزلة ما لا يوجد في كلام أهل الحديث والسنة والسلف والأئمة. وإذا كان الغلط شبراً صار في الأتباع ذراعاً ثم باعاً حتى آل إلى هذا المآل والسعيد من لزم السنة (5) .(3/426)
وقد تلاشت الكلابية كفرقة، لكن أفكارها حملت بواسطة الأشاعرة، فقد احتفظ الأشعري وقدماء أصحابه بأفكار الكلابية ونشروها، وبذلك اندرست المدرسة الكلابية الأقدم تاريخاً والأسبق ظهوراً في الأشعرية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والكلابية هم مشايخ الأشعرية، فإن أبا الحسن الأشعري إنما اقتدى بطريقة أبي محمد بن كلاب، وابن كلاب كان أقرب إلى السلف زمناً وطريقة. وقد جمع أبو بكر بن فورك (ت406هـ) كلام ابن كلاب والأشعري وبين اتفاقهما في الأصول)) (1) .
فالكلابية أسبق في الظهور من الأشاعرة والماتريدية، فقد نشأت الكلابية في منتصف القرن الثالث، وهي أول الفرق الكلامية بعد الجهمية والمعتزلة، فقد توفي ابن كلاب سنة (243هـ) ، وفي أول القرن الرابع الهجري نشأت بقية فرق أهل الكلام وهم الأشاعرة المنتسبون إلى أبي الحسن الأشعري المتوفى سنة (324هـ) والماتريدية: أتباع أبي منصور الماتريدي المتوفى سنة (333هـ) وهي الفرق القائمة حتى زماننا هذا.
(2) - الأشعرية:
يُعَدُّ أبو الحسن الأشعري إمتداداً للمذهب الكلابي فأبو الحسن الأشعري الذي عاش في الفترة ما بين (260هـ-324هـ) كان معتزلياً إلى سن الأربعين، حيث عاش في بيت أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في البصرة، ثم رجع عن مذهب المعتزلة وسلك طريقة ابن كلاب وتأثر بها مدة طويلة، ولعل السبب في ذلك أنه وجد في كتب ابن كلاب وكلامه بغيته من الرد على المعتزلة وإظهار فضائحهم وهتك أستارهم، وكان ابن كلاب قد صنف مصنفات رد فيها على الجهمية والمعتزلة وغيرهم. ولكن فات الأشعري أن ابن كلاب وإن رد على المعتزلة وكشف باطلهم وأثبت لله تعالى الصفات اللازمة، لكنه وافقهم في إنكار الصفات الاختيارية التي تتعلق بمشيئته تعالى وقدرته، فنفى كما نفت المعتزلة أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته. كما نفى أيضاً الصفات الاختيارية مثل الرضى، والغضب، والبغض، والسخط وغيرها.(3/427)
وقد مضى الأشعري في هذا الطور نشيطاً يؤلف ويناظر ويلقي الدروس في الرد على المعتزلة سالكاً هذه الطريقة.
ثم التقى بزكريا بن يحيى الساجي فأخذ عنه ما أخذ من أصول أهل السنة والحديث (1) ، وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها (2) ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أموراً أخرى وذلك بآخر أمره.
ولكن كانت خبرته بالكلام خبرة مفصلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة، فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة واعتقد أنه يمكنه الجمع بين تلك الأصول، وبين الانتصار للسنة، كما فعل في مسألة الرؤية والكلام، والصفات الخبرية وغير ذلك (3) .
وقال عنه السجزي: ((رجع في الفروع وثبت في الأصول)) (4) أي أصول المعتزلة التي بنوا عليها نفي الصفات، مثل دليل الأعراض وغيره (5) .
وقال ابن تيمية: ((أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كُلاَّب البصري، وأبو الحسن الأشعري كانا يخالفان المعتزلة ويوافقان أهل السنة في جمل أصول السنة. ولكن لتقصيرهما في علم السنة وتسليمهما للمعتزلة أصولاً فاسدة، صار في مواضع من قوليهما مواضع فيها من قول المعتزلة ما خالفا به السنة، وإن كانا لم يوافقا المعتزلة مطلقاً)) (6) .
وقال أيضاً: ((والذي كان أئمة السنة ينكرونه على ابن كلاب والأشعري بقايا من التجهم والاعتزال، مثل اعتقاد صحة طريقة الأعراض وتركيب الأجسام، وإنكار اتصاف الله بالأفعال القائمة التي يشأها ويختارها، وأمثال ذلك)) (7) وقد مرت الأشعرية بأطوار ومراحل كان أولها زيادة المادة الكلامية، ثم الجنوح الكبير للمادة الاعتزالية، ثم خلط هذه العقيدة بالمادة الفلسفية.
((فالأشعرية المتأخرة مالوا إلى نوع من التجهم بل الفلسفة وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه)) (8) .(3/428)
فقدماء الأشاعرة يثبتون الصفات الخبرية بالجملة، كأبي الحسن الأشعري وأبي عبد الله بن مجاهد وأبي الحسن الباهلي والقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي إسحاق الاسفرائيني، وأبي بكر بن فورك، وأبي محمد بن اللبان، وأبي علي بن شاذان، وأبي القاسم القشيري، وأبي بكر البيهقي وغير هؤلاء (1) .
لكن المتأخرين من أتباع أبي الحسن الأشعري كأبي المعالي الجويني وغيره لا يثبتون إلا الصفات العقلية، وأما الخبرية فمنهم من ينفيها ومنهم من يتوقف فيها كالرازي والآمدي وغيرهما.
ونفاة الصفات الخبرية منهم من يتأول نصوصها ومنهم من يفوض معناها إلى الله تعالى.
وأما من أثبتها كالأشعري وأئمة أصحابه. فهؤلاء يقولون تأويلها بما يقتضي نفيها تأويل باطل، فلا يكتفون بالتفويض بل يبطلون تأويلات النفاة (2) .
وهذا الاضطراب في العقيدة الأشعرية بين المتقدمين والمتأخرين سببه ما أسلفنا من ميل الأشاعرة بأشعريتهم إلى الاعتزال أكثر فأكثر بل إنهم خلطوا معها الفلسفة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فالأشعرية وافق بعضهم المعتزلة في الصفات الخبرية، وجمهورهم وافقهم في الصفات الحديثية، وأما الصفات القرآنية فلهم قولان:
فالأشعري والباقلاني وقدماؤهم يثبتونها، وبعضهم يقر ببعضها، وفيهم تجهم من جهة أخرى.
فإن الأشعري شرب كلام الجبائي شيخ المعتزلة، ونسبته في الكلام إليه متفق عليها عند أصحابه وغيرهم.
وابن الباقلاني أكثر إثباتاً بعد الأشعري، وبعد ابن الباقلاني ابن فورك، فإنه أثبت بعض ما في القرآن.
وأما الجويني ومن سلك طريقته فمالوا إلى مذهب المعتزلة فإن أبا المعالي كان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم، قليل المعرفة بالآثار، فأثر فيه مجموع الأمرين (3) .(3/429)
فما إن جاء أبوبكر الباقلاني (ت403هـ) ، فتصدى للإمامة في تلك الطريقة وهذبها ووضع لها المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة، وجعل هذه القواعد تبعاً للعقائد الإيمانية من حيث وجوب الإيمان بها (1) وأسهم إلى حد كبير في تنظير المذهب الأشعري الكلامي وتنظيمه مما أدى إلى تشابه منهجي بين المذهب الأشعري والمذهب المعتزلي فقد كان الأشعري يجعل النص هو الأساس والعقل عنده تابع، أما الباقلاني فالعقيدة كلها بجميع مسائلها تدخل في نطاق العقل (2) ويعتبر الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري (3) .
ثم جاء بعده إمام الحرمين الجويني (ت 478 هـ) فاستخدم الأقيسة المنطقية في تأييد هذه العقيدة، وخالف الباقلاني في كثير من القواعد التي وضعها. وإن كان الجويني قد استفاد أكثر مادته الكلامية من كلام الباقلاني، لكنه مزج أشعريته بشيء من الاعتزال استمده من كلام أبي هاشم الجبائي المعتزلي على مختارات له، وبذلك خرج عن طريقة القاضي وذويه في مواضع إلى طريقة المعتزلة.
وأما كلام أبي الحسن الأشعري فلم يكن يستمد منه، وإنما ينقل كلامه مما يحكيه عنه الناس (4) وعلى طريقة الجويني اعتمد المتأخرون من الأشاعرة، كالغزالي (ت505هـ) وابن الخطيب الرازي (ت606هـ) وخلطوا مع المادة الاعتزالية التي أدخلها الجويني مادة فلسفية، وبذلك ازدادت الأشعرية بعداً وانحرافاً.
فالغزالي مادته الكلامية من كلام شيخه الجويني في "الإرشاد" و"الشامل" ونحوهما مضموماً إلى ما تلقاه من القاضي أبي بكر الباقلاني. ومادته الفلسفية من كلام ابن سينا، ولهذا يقال أبو حامد أمرضه الشفا، ومن كلام أصحاب رسائل إخوان الصفا ورسائل أبي حيان التوحيدي ونحو ذلك.(3/430)
وأما الرازي فمادته الكلامية من كلام أبي المعالي والشهرستاني فإن الشهرستاني أخذه عن الأنصاري النيسابوري عن أبي المعالي، وله مادة اعتزالية قوية من كلام أبي الحسين البصري (ت436هـ) . وفي الفلسفة مادته من كلام ابن سينا والشهرستاني ونحوهما (1) والأشعرية الأغلب عليهم أنهم مرجئة في باب الأسماء والأحكام وجبرية في باب القدر، وأما الصفات فليسوا جهمية محضة بل فيهم نوع من التجهم، ولا يرون الخروج على الأئمة بالسيف موافقة لأهل الحديث وهم في الجملة أقرب المتكلمين إلى أهل السنة والحديث (2) .
والأشاعرة يخالفون أهل السنة في الكثير من مسائل الاعتقاد ومنها على سبيل المثال:
1- أن مصدر التلقي عندهم في قضايا الإلهيات (أي التوحيد) والنبوات هو العقل وحده، فهم يقسمون أبواب العقيدة إلى ثلاثة أبواب: إلهيات، نبوات، سمعيات، ويقصدون بالسمعيات ما يتعلق بمسائل اليوم الآخر من البعث والحشر والجنة والنار وغير ذلك. وسموها سمعيات لأن مصدرها عندهم النصوص الشرعية وأما ما عداها أي الإلهيات والنبوات فمصدرهم فيها العقل.
2- زعمهم أن الإيمان هو مجرد التصديق، فأخرجوا العمل من مسمى الإيمان.
3- بناءً على تعريفهم للإيمان فقد أخرجوا توحيد الألوهية من تقسيمهم للتوحيد، فالتوحيد عندهم هو أن الله واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في أفعاله لا شريك له، وواحد في صفاته لا نظير له. وهذا التعريف خلا من الإشارة إلى توحيد الألوهية، فلذلك فإن أي مجتمع أشعري تجد فيه توحيد الإلهية مختلاً، وسوق الشرك والبدعة رائجة لأن الناس لم يعلموا أن الله واحد في عبادته لا شريك له.
4- وبناءً -كذلك- على تعريفهم للإيمان فقد أخرجوا الاتباع من تعريفهم للإيمان بالنبي ش فحصروا الإيمان بالنبي في الأمور التصديقية فقط، ومن أجل ذلك انتشرت البدع في المجتمعات الأشعرية.
5- خالفوا أهل السنة في أسماء الله وصفاته وهذا سيأتي بيانه.(3/431)
6- خالفوا أهل السنة في باب القدر، فقولهم موافق لقول الجبرية.
7- خالفوا أهل السنة في مسألة رؤية الله من جهة كونهم يقولون يرى لا في مكان.
8- خالفوا أهل السنة في مسألة الكلام، فهم لا يثبتون صفة الكلام على حقيقتها بل يقولون بالكلام النفسي.
إلى غير ذلك من أنواع المخالفات.
(3) - الماتريدية:
تعد الماتريدية شقيقة الأشعرية، وذلك لما بينهما من الائتلاف والإتفاق حتى لكأنهما فرقة واحدة، ويصعب التفريق بينهما. ولذلك يصرح كل من الأشاعرة والماتريدية بأن كلاً من أبى الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي هما إماما أهل السنة على حد تعبيرهم (1) .
ولعل هذا التوافق مع كونه يرجع إلى سبب رئيس هو توافق أفكار الفرقتين وقلة المسائل الخلافية بينهما خاصة مع الأشعرية المتأخرة، هناك أسباب مهمة يرجع إليها يجب اعتبارها وأخذها في الحسبان ولعل أهمها التزامن في نشأة الفرقتين مع كون كل فرقة استقلت بأماكن نفوذ لم تنازعها فيها الفرقة الأخرى. فالماتريدية انتشرت بين الأحناف الذين كانوا متواجدين في شرق العالم الإسلامي وشماله فقل أن تجد حنفياً على عقيدة الأشاعرة إلا ما ذكر من أن أبا جعفر السمناني وهو حنفي، كان أشعرياً.
بينما نجد الأشعرية قد انتشرت بين الشافعية والمالكية وهم اليوم يتواجدون في وسط وغرب وجنوب وجنوب شرق العالم الإسلامي، فجل الشافعية والمالكية على الأشعرية.
والماتريدية تنسب إلى أبي منصور محمد بن محمد بن محمود بن محمد الماتريدي المتوفى سنة (333هـ) (2) كان معدوداً في فقهاء الحنفية، وكان صاحب جدل وكلام ولم يكن له دراية بالسنن والآثار (3) ، وقد نهج منهجاً كلامياً في تقرير العقيدة يشابه إلى حد كبير منهج متأخري الأشاعرة، وعداده في أهل الكلام من الصفاتية من أمثال ابن كلاب وأبي الحسن الأشعري وأمثالهما.
وقد تابع الماتريدي ابن كلاب في مسائل متعددة من مسائل الصفات وما يتعلق بها (4) .(3/432)
ومن المعلوم أن الأحناف وأهل المشرق عموماً كانوا من أسبق الناس تأثراً بعلم الكلام، فقد كانت بداية الجهم من تلك الجهات، وفي هذا يقول الإمام أحمد في معرض كلامه عن الجهم: ((وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة..)) (1) .
فبشر بن غياث المريسي (228هـ) والقاضي أحمد بن أبي دؤاد (240هـ) وغيرهما كانوا من الأحناف، فلا غرابة أن يكون الماتريدي الحنفي من أولئك الذين ناصروا علم الكلام وسعوا في تأسيسه وتقعيده، إلى أن أصبح علماً من أعلامه وصاحب إحدى مدارس الكلام التي صارت فيما بعد تعرف باسمه.
فالماتريدي لا يبعد كثيراً عن أبي الحسن الأشعري (في طوره الثاني) فهو خصم لدود للمعتزلة، إلا أنه كان متأثراً بالمنهج الكلامي على طريقة ابن كلاب من الاعتماد على المناهج الكلامية في تقرير المسائل الاعتقادية شأنه في ذلك شأن أبي الحسن الأشعري، فكلاهما يُعَدُّ امتداداً لمدرسة ابن كلاب التي عرفت كمدرسة ثالثة بعد أن كان الخلاف دائراً بين أهل السنة والجماعة من جهة، والجهمية والمعتزلة من جهة أخرى، فجاء ابن كلاب وأحدث منهجاً ثالثاً حاول فيه التلفيق بين النصوص الشرعية والمناهج الكلامية كما سبق الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن الكلابية.
فالمذهب الكلابي كان له وجوده في العراق والري وخراسان وكان له انتشار في بلاد ما وراء النهر التي كانت تغص بمختلف الطوائف والفرق (2) .
ولم تتعرض الماتريدية للتطور الذي حصل على العقيدة الأشعرية والذي سبق بيانه في الحديث عن الأشعرية فالماتريدية بقيت على ما كانت عليه.
المطلب الثاني: مواقفهم من توحيد الأسماء والصفات.
1 الجهمية:
أتباع الجهم بن صفوان وهم ينفون جميع الأسماء والصفات
أما في أسماء الله عز وجل فقد عرف عن الجهم بن صفوان أنه له مسلكان:
الأول: نفيه جميع الأسماء الحسنى عن الله عز وجل.(3/433)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((جهم كان ينكر أسماء الله تعالى فلا يسميه شيئاً لا حيا ولا غير ذلك إلا على سبيل المجاز)) (1)
الثاني: أن الله يسمى باسمين فقط هما "الخالق" و"القادر".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((كان الجهم وأمثاله يقولون: إن الله ليس بشيء، وروي عنه أنه قال: لا يسمى باسم يسمى به الخلق، فلم يسمه إلا "بالخالق" و"القادر" لأنه كان جبريا يرى أن العبد لا قدرة له)) (2) .
وقال رحمه الله: ((ولهذا نقلوا عن جهم أنه لا يسمى الله بشيء، ونقلوا عنه أنه لا يسميه باسم من الأسماء التي يسمى بها الخلق: كالحي، والعالم، والسميع، والبصير، بل يسميه قادراً خالقاً، لأن العبد عنده ليس بقادر، إذ كان هو رأس الجهمية الجبرية)) (3) .
وأما في صفات الله عز وجل فالجهمية ينفون جميع الصفات ولا يصفون الله إلا بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون له إلا وجوداً مطلقاً لا حقيقة له عند التحصيل وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان، يمتنع تحققه في الأعيان (4) فهؤلاء وصفوه بالأسلوب والإضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، وقد علم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن، لا فيما خرج عنه من الموجودات (5) .
2 المعتزلة ومن وافقهم:
ومعهم النجارية والضرارية والرافضة الإمامية والزيدية والإباضية وابن حزم وغيرهم. وهؤلاء مشتركون مع الجهمية والفلاسفة في نفي الصفات (6) وإن كان بين الفلاسفة والمعتزلة نوع فرق (7) فالمعتزلة تجمع على غاية واحدة وهي نفي إثبات الصفات حقيقة في الذات ومتميزة عنها. ولكنهم سلكوا طريقين في موقفهم من الصفات.
الطريق الأول: الذي عليه أغلبيتهم وهو نفيها صراحة فقالوا: إن الله عالم بذاته لا بعلم وهكذا في باقي الصفات.(3/434)
والطريق الثاني: الذي عليه بعضهم وهو إثباتها اسماً ونفيها فعلاً فقالوا: إن الله عالم بعلم وعلمه ذاته وهكذا بقية الصفات، فكان مجتمعاً مع الرأي الأول في الغاية وهي نفي الصفات.
والمقصود بنفي الصفات عندهم: هو نفي إثباتها حقيقة في الذات ومتميزة عنها، وذلك أنهم يجعلونها عين الذات فالله عالم بذاته بدون علم أو عالم بعلم وعلمه ذاته (1) .
وهناك آراء أخرى للمعتزلة لكنها تجتمع في الغاية مع الرأيين الأولين، وهو التخلص من إثبات الصفات حقيقة في الذات ومتميزة عنها (2) .
وهذه الآراء للمعتزلة حملها عنهم الزيدية والرافضة الإمامية (3) والإباضية. وابن تومرت (4) ، وابن حزم (5) .
فالمعتزلة يرون امتناع قيام الصفات به، لاعتقادهم أن الصفات أعراض، وأن قيام العرض به يقتضي حدوثه فقالوا حينئذ إن القرآن مخلوق، وإنه ليس لله مشيئة قائمة به، ولا حب ولا بغض ونحو ذلك.
وردوا جميع ما يضاف إلى الله إلى إضافة خلق، أو إضافة وصف من غير قيام معنى به (6) .
3 النجارية:
وهم أتباع حسين بن محمد بن عبد الله النجار المتوفى سنة (220هجرية) تقريباً.
وكان يزعم أن الله سبحانه لم يزل جواداً بنفي البخل عنه، وأنه لم يزل متكلماً بمعنى أنه لم يزل غير عاجز عن الكلام، وأن كلام الله سبحانه محدث مخلوق، وكان يقول بقول المعتزلة في التوحيد، إلا في باب الإرادة والجود، وكان يخالفهم في القدر ويقول بالإرجاء (7) .
4 الضرارية:
وهم أتباع ضرار بن عمرو الغطفاني المتوفى سنة (190هجرية) تقريباً وكان يزعم أن معنى أن الله عالم قادر أنه ليس بجاهل ولا عاجز وكذلك كان يقول في سائر صفات الباري لنفسه)) (8) .
فكل من النجارية والضرارية يحملون النصوص الثبوتية على المعاني السلبية، كما قال البغدادي عنهم: ((من غير إثبات معنى أو فائدة سوى نفي الوصف بنقيض تلك الأوصاف عنه)) (9) .(3/435)
وكان الجهمية والمعتزلة والنجارية والضرارية هم خصوم أهل السنة زمن فتنة القول بخلق القرآن (1) .
5 الكلابية وقدماء الأشاعرة ومن وافقهم (نفاة الصفات الاختيارية المتعلقة بالمشيئة) .
وهو قول الكلابية: أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب، وقول الحارث المحاسبي (2) وأبي العباس القلانسي، وأبي الحسن الأشعري في طوره الثاني، وقدماء الأشاعرة كأبي الحسن الطبري والباقلاني وابن فورك، وأبي جعفر السمناني ومن تأثر بهم من الحنابلة كالقاضي أبي يعلى وابن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني والتميميين وغيرهم (3) .
وهؤلاء يُسَمُّون الصفاتية لأنهم يثبتون صفات الله تعالى خلافاً للمعتزلة، لكنهم لم يثبتوا لله أفعالاً تقوم به تتعلق بمشيئته وقدرته، بل ولا غير الأفعال مما يتعلق بمشيئته وقدرته (4) .
وأصلهم الذي أصَّلوه في هذا أن الله لا يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته (5) لا فعل ولا غير فعل (6) .
والفرق بينهم وبين المعتزلة:
أن المعتزلة تقول: ((لا تحله الأعراض والحوادث)) فالمعتزلة لا يريدون [بالأعراض] الأمراض والآفات فقط، بل يريدون بذلك الصفات. ولا يريدون [بالحوادث] المخلوقات، ولا الأحداث المحيلة للمحل ونحو ذلك -مما يريده الناس بلفظ الحوادث- بل يريدون نفي ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها فلا يجيزون أن يقوم به خلق، ولا استواء، ولا إتيان ولا مجيء، ولا تكليم، ولا مناداة، ولا مناجاة، ولا غير ذلك مما وصف بأنه مريد له قادر عليه.
ولكن ابن كلاب ومن وافقه خالفوا المعتزلة في قولهم: " لا تقوم به الأعراض" وقالوا: " تقوم به الصفات ولكن لا تسمى أعراضاً ".
ووافقوا المعتزلة على ما أرادوا بقولهم: لا تقوم به الحوادث من أنه لا يقوم به أمر من الأمور المتعلقة بمشيئته (7) .
ففرقوا بين الأعراض -أي الصفات- والحوادث -أي الأمور المتعلقة بالمشيئة (8) .(3/436)
فالكلابية ومن تبعهم ينفون صفات أفعاله (1) ، ويقولون: "لو قامت به لكان محلاً للحوادث. والحادث إن أوجب له كمالاً فقد عدمه قبله وهو نقص، وإن لم يوجب له كمالاً لم يجز وصفه به (2) .
ولتوضيح قولهم نقول: إن المضافات إلى الله سبحانه في الكتاب والسنة لا تخلو من ثلاثة أقسام:
أحدها: إضافة الصفة إلى الموصوف
كقوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء مِن علمه} [البقرة 255] ، وقوله: {إن الله هو الرَّزَّاق ذو القوَّة} [الذاريات 58] ، فهذا القسم يثبته الكلابية ولا يخالفون فيه أهل السنة، وينكره المعتزلة.
والقسم الثاني: إضافة المخلوق إلى الله.
كقوله تعالى: {ناقة الله وسقياها} [الشمس 13] ، وقوله تعالى: {وطهر بيتي للطائفين} [الحج 26] ، وهذا القسم لا خلاف بين المسلمين في أنه مخلوق.
والقسم الثالث: -وهو محل الكلام هنا- ما فيه معنى الصفة والفعل.
كقوله تعالى: {وكلَّم الله موسى تكليما} [النساء 164] ، وقوله تعالى: {إن الله يحكم ما يريد} [المائدة 1] ، وقوله تعالى: {فَبَاءُوا بغضب على غضب} [البقرة 90] .
فهذا القسم الثالث لا يثبته الكلابية ومن وافقهم على زعم أن الحوادث لا تحل بذاته. فهو على هذا يلحق عندهم بأحد القسمين قبله فيكون:
1- إما قديماً قائماً به.
2- وإما مخلوقاً منفصلاً عنه.
ويمتنع عندهم أن يقوم به نعت أو حال أو فعل ليس بقديم ويسمون هذه المسألة: (مسألة حلول الحوادث بذاته) (3) وذلك مثل صفات الكلام، والرضا، والغضب، والفرح، والمجيء، والنزول والإتيان، وغيرها. وبالتالي هم يؤولون النصوص الواردة في ذلك على أحد الوجوه التالية:
1- إرجاعها إلى الصفات الذاتية واعتبارها منها، فيجعلون جميع تلك الصفات قديمة أزلية، ويقولون: نزوله، ومجيئه وإتيانه، وفرحه، وغضبه، ورضاه، ونحو ذلك: قديم أزلي (4) وهذه الصفات جميعها صفات ذاتية لله، وإنها قديمة أزلية لا تتعلق بمشيئته واختياره (5) .(3/437)
2- وإما أن يجعلوها من باب «النسب» و «الإضافة» المحضة بمعنى أن الله خلق العرش بصفة تحت فصار مستوياً عليه، وأنه يكشف الحجب التي بينه وبين خلقه فيصير جائياً إليهم ونحو ذلك. وأن التكليم إسماع المخاطب فقط (1) .
فهذه الأمور من صفات الفعل منفصلة عن الله بائنة وهي مضافة إليه، لا أنها صفات قائمة به. ولهذا يقول كثير منهم: "إن هذه آيات الإضافات وأحاديث الإضافات، وينكرون على من يقول آيات الصفات وأحاديث الصفات (2) .
3- أو يجعلوها «أفعالاً محضة» في المخلوقات من غير إضافة ولا نسبة (3)
مثل قولهم في الاستواء إنه فعل يفعله الرب في العرش بمعنى أنه يحدث في العرش قرباً فيصير مستوياً عليه من غير أن يقوم بالله فعل اختياري (4) .
وكقولهم في النزول إنه يخلق أعراضاً في بعض المخلوقات يسميها نزولاً (5) .
ونفاة الصفات الاختيارية يثبتون الصفات التي يسمونها عقلية وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة، والسمع، والبصر والكلام. واختلفوا في صفة البقاء.
ويثبتون في الجملة الصفات الخبرية كالوجه، واليدين، والعين ولكن إثباتهم لها مقتصر على بعض الصفات القرآنية على أن بعضهم إثباته لها من باب التفويض.
وأما الصفات الخبرية الواردة في السنة كاليمين، والقبضة، والقدم، والأصابع فأغلب هؤلاء يتأولها (6) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((بل أئمة المتكلمين يثبتون الصفات الخبرية في الجملة، وإن كان لهم فيها طرق كأبي سعيد بن كلاب وأبي الحسن الأشعري، وأئمة أصحابه: كأبي عبد الله بن مجاهد وأبي الحسن الباهلي، والقاضي أبي بكر بن الباقلاني، وأبي إسحاق الاسفرائيني، وأبي بكر بن فورك، وأبي محمد بن اللبان، وأبي علي بن شاذان، وأبي القاسم القشيري وأبي بكر البيهقي، وغير هؤلاء. فما من هؤلاء إلا من يثبت من الصفات الخبرية ما شاء الله تعالى. وعماد المذهب عندهم: إثبات كل صفة في القرآن.(3/438)
وأما الصفات التي في الحديث فمنهم من يثبتها ومنهم من لا يثبتها. (1) .
6- متأخرو الأشاعرة والماتريدية (من يقول بإثبات سبع صفات فقط أو ثمان ونفي ما عداها.)
وهذا قول المتأخرين من الأشاعرة والماتريدية الذين لم يثبتوا من الصفات إلا ما أثبته العقل فقط، وأما ما لا مجال للعقل فيه عندهم فتعرضوا له بالتأويل والتعطيل.
ولا يستدل هؤلاء بالسمع في إثبات الصفات، بل عارضوا مدلوله بما ادعوه من العقليات.
وهذا القول لمتأخري الأشاعرة إنما تلقوه عن المعتزلة، لما مالوا إلى نوع التجهم، بل الفلسفة، وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه، الذين لم يكونوا يقرون بمخالفة النقل للعقل، بل انتصبوا لإقامة أدلة عقلية توافق السمع، ولهذا أثبت الأشعري الصفات الخبرية بالسمع، وأثبت بالعقل الصفات العقلية التي تعلم بالعقل والسمع، فلم يثبت بالعقل ما جعله معارضاً للسمع بل ما جعله معاضداً له، وأثبت بالسمع ما عجز عنه العقل.
وهؤلاء خالفوه وخالفوا أئمة أصحابه في هذا وهذا، فلم يستدلوا بالسمع في إثبات الصفات، وعارضوا مدلوله بما ادعوه من العقليات (2) .
فالصفات الثبوتية عند متأخري الأشاعرة هي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام (3) وزاد الباقلاني وإمام الحرمين الجويني صفة ثامنة هي الإدراك (4) .
والصفات الثبوتية عند الماتريدية (5) هي ثمان: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام والتكوين (6) وهم قد خصوا الإثبات بهذه الصفات دون غيرها، لأنها هي التي دل العقل عليها عندهم، وأما غيرها من الصفات فإنه لا دليل عليها من العقل عندهم، فلذا قالوا بنفيها (7) .
وهؤلاء لا يجعلون السمع طريقاً إلى إثبات الصفات ولهم فيما لم يثبتوه طريقان.
1- منهم من نفاه.
2- ومنهم من توقف فيه فلم يحكم فيه بإثبات ولا نفي ويقولون بأن العقل دلّ على ما أثبتناه ولم يدل على ما توقفنا فيه (8) .(3/439)
وبهذا يعلم أنه ليس عند هؤلاء من الإثبات إلا الصفات السبع التي يسمونها صفات المعاني وهي، الحياة، والعلم والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام وما عداها من الصفات الثبوتية لا يثبتونها ولهم في نصوصها أحد طريقين إما التأويل أو التفويض وفي هذا يقول قائلهم:
وكل نص أوهم التشبيها
أوِّله أو فوِّض ورم تنزيها (1)
فنصوص الصفات التي وردت في إثبات ما عدا الصفات السبع التي يثبتونها، يسمونها نصوصاً موهمة للتشبيه، فهم يصرفونها عن ظاهرها، ولكنهم تارة يعينون المراد كقولهم استوى: استولى، واليد: بمعنى النعمة والقدرة؛ وتارة يفوضون فلا يحددون المعنى المراد ويكلون علم ذلك إلى الله عز وجل. ولكنهم يتفقون على نفي الصفة لأن ناظمهم يقول: (ورم تنزيهاً) وشارح الجوهرة يقول: (أو فوض) أي بعد التأويل الإجمالي الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، فبعد هذا التأويل فوض المراد من النص الموهم إليه تعالى (2) .
فهم بذلك متفقون على نفي تلك الصفات، ويخيرون في تحديد المعنى المراد أو السكوت عن ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وأبو المعالي وأتباعه نفوا هذه الصفات -أي الصفات الخبرية- موافقة للمعتزلة والجهمية. ثم لهم قولان:
أحدهما: تأويل نصوصها، وهو أول قولي أبي المعالي، كما ذكره في الإرشاد.
والثاني: تفويض معانيها إلى الرب، وهو آخر قولي أبي المعالي كما ذكره في "الرسالة النظامية" وذكر ما يدل على أن السلف كانوا مجمعين على أن التأويل ليس بسائغ ولا واجب.
ثم هؤلاء منهم من ينفيها ويقول: إن العقل الصريح نفى هذه الصفات. ومنهم من يقف ويقول: ليس لنا دليل سمعي ولا عقلي، لا على إثباتها ولا على نفيها، وهي طريقة الرازي والآمدي)) (3) .
الفصل الثالث: المشبهة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: من عرف بالتشبيه وبيان أقوالهم
من المعلوم أن توحيد الأسماء والصفات له ضدان هما:
1- التعطيل ... ... 2- التمثيل(3/440)
ولذلك ذم السلف والأئمة، المعطلة النفاة للصفات، وذموا المشبهة أيضاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((إن السلف والأئمة كثر كلامهم في ذم الجهمية النفاة للصفات، وذموا المشبهة أيضاً وذلك في كلامهم أقل بكثير من ذم الجهمية، لأن مرض التعطيل أعظم من مرض التشبيه)) .
وتقوم عقيدة أهل التمثيل على دعواهم أن الله عز وجل لا يخاطبنا إلا بما نعقل، فإذا أخبرنا عن اليد فنحن لا نعقل إلا هذه اليد الجارحة، فشبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، فقالوا له يد كيدي، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
لكن المشبهة لا يمثلون الخالق بالمخلوق من كل وجه وإنما قالوا بإثبات التماثل من وجه والاختلاف من وجه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((مع أن مقالة المشبهة الذين يقولون: يد كيدي، وقدم كقدمي، وبصر كبصري، مقالة معروفة، وقد ذكرها الأئمة كيزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وغيرهم، وأنكروها وذموها، ونسبوها إلى مثل داود الجواربي البصري وأمثاله. ولكن مع هذا صاحب هذه المقالة لا يمثله بكل شيء من الأجسام، بل ببعضها، ولابد مع ذلك أن يثبتوا التماثل من وجه، لكن إذا أثبتوا من التماثل ما يختص بالمخلوقات كانوا مبطلين على كل حال)) (1) .
وأكثر من عرف بمقالة التشبيه
أولاً: قدماء الرافضة:
فأول من تكلم في التشبيه هم طوائف من الشيعة (2) وإن التشبيه والتجسيم المخالف للعقل والنقل لا يُعرف في أحد من طوائف الأمة أكثر منهم في طوائف الشيعة.
وهذه كتب المقالات كلها تخبر عن أئمة الشيعة المتقدمين من المقالات المخالفة للعقل والنقل في التشبيه والتجسيم بما لا يعرف نظيره عن أحد من سائر الطوائف.
وقدماء الإمامية ومتأخروهم متناقضون في هذا الباب، فقدماؤهم غلو في التشبيه والتجسيم، ومتأخروهم غلو في النفي والتعطيل)) (3) .(3/441)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فهذه المقالات التي نقلت في التشبيه والتجسيم لم نر الناس نقلوها عن طائفة من المسلمين أعظم مما نقلوها عن قدماء الرافضة. ثم الرافضة حُرِموا الصواب في هذا الباب كما حُرِموه في غيره، فقدماؤهم يقولون بالتجسيم الذي هو قول غلاة المجسمة، ومتأخروهم يقولون بتعطيل الصفات موافقة لغلاة المعطلة من المعتزلة ونحوهم، فأقوال أئمتهم دائرة بين التعطيل والتمثيل، لم تعرف لهم مقالة متوسطة بين هذا
وهذا)) (1) .
وأما قدماؤهم فهم:
1- البيانية: من غلاة الشيعة وهم أتباع بيان بن سمعان التيمي الذي كان يقول: إن الله على صورة الإنسان وإنه يهلك كله إلا وجهه، وادعى بيان أن يدعو الزُهَرَة فتجيبه، وأنه يفعل ذلك بالاسم الأعظم، فقتله خالد بن عبد الله القسري (2) .
2- المغيرية: وهم أصحاب المغيرة بن سعيد، ويزعمون أنه كان يقول إنه نبي وإنه اسم الله الأكبر وإن معبودهم رجل من نور على رأسه تاج، وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل، وله جوف وقلب تنبع منه الحكمة، وإن حروف (أبي جاد) على عدد أعضائه، قالوا: والألف موضع قدمه لاعوجاجها، وذَكَرَ الهاءَ فقال: لو رأيتم موضعها منه لرأيتم أمراً عظيما يعرِّض لهم بالعورة وبأنه قد رآه، لعنه الله وأخزاه (3) .
3- الهشامية: ويسمون بالهشامية نسبة إلى هشام بن الحكم الرافضي وأحياناً تنسب إلى هشام بن سالم الجواليقي وكلاهما من الإمامية المشبهة والجدير بالذكر أن الرافضة الإمامية كان ينتشر فيهم التشبيه وهذا في أوائلهم (4) .
4- الجواربية: أتباع داود الجواربي الذي وصف معبوده بأن له جميع أعضاء الإنسان إلا الفرج واللحية (5) .
وقال: ((اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك)) (6) . تعالى الله عما يقوله علواً كبيراً.(3/442)
وقال الأشعري في المقالات: ((وقال داود الجواربي: إن الله جسم، وإن له جُثةً وإنه على صورة الإنسان له لحم ودم وشعر وعظم، له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين، وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره)) (1) .
وحكي عن داود الجواربي أنه كان يقول: إنه أجوف من فِيهِ إلى صدره، مُصْمَتٌ ما سوى ذلك (2) .
قال أبو الحسن الأشعري في كتاب "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين": ((اختلف الروافض وأصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فرق:
فالفرقة الأولى: (الهشامية) ، أصحاب هشام بن الحكم الرافضي.
يزعمون أن معبودهم جسم، وله نهاية وحَدٌ، طويل، عريض، عميق، طوله مثل عرضه، وعرضه مثل عمقه، لا يُوفي بعضه على بعض، وزعموا أنه نور ساطع، له قدر من الأقدار، في مكان دون مكان، كالسبيكة الصافية، يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها، ذو لون وطعم، ورائحة، ومجسَّة، لونه هو طعمه، وطعمه هو رائحته)) وذكر كلاماً طويلاً.
وذكر عن هشام أنه قال في ربه في عام واحد خمسة أقاويل، زعم مرة أنه كالبلورة، وزعم مرة أنه كالسبيكة، وزعم مرة أنه غير صورة، وزعم مرة أنه بشبر نفسه سبعة أشبار ثم رجع عن ذلك وقال: هو جسم لا كالأجسام.
الفرقة الثانية: من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام، وإنما يذهبون في قولهم: إنه جسم، إلى أنه موجود، ولا يثبتون الباري ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة ويزعمون أن الله على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف.
الفرقة الثالثة: من الرافضة يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، ويمنعون أن يكون جسماً.(3/443)
الفرقة الرابعة: من الرافضة (الهشامية) أصحاب هشام بن سالم الجواليقي يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً ويقولون هو نور ساطع يتلألأ بياضاً، وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان، له يد، ورجل وأنف، وأذن، وعين، وفم، وأنه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة عنده، وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وَفْرَة (1) سوداء وأن ذلك نور أسود.
الفرقة الخامسة: يزعمون أن لرب العالمين ضياءً خالصاً، ونوراً بحتاً، وهو كالمصباح الذي من حيث جئته يلقاك بأمر واحد، وليس بذي صورة ولا أعضاء، ولا اختلاف في الأجزاء، وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان أو على صورة شيء من الحيوان.
الفرقة السادسة: من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الأشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس، وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج، وهؤلاء قوم من متأخريهم، فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه.
قال شيخ الإسلام: ((وأما متأخروهم من عهد بني بويه ونحوهم من أوائل المائة الرابعة ونحو ذلك فإنهم صار فيهم من يوافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم)) (2) .
وقال أيضاً: ((وكتب الشيعة مملوءة بالاعتماد في ذلك -يعنى مسائل الصفات والقدر- على طرق المعتزلة وهذا كان في أواخر المائة الثالثة، وكثر في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي والطوسي.
وأما قدماء الشيعة فالغالب عليهم ضد هذا القول، كما هو قول الهشامية وأمثالهما.
فالرافضة الإمامية وكذلك الزيدية على عقيدة المعتزلة في مسائل الصفات إلى يومنا هذا.
ثانياً:غلاة المتصوفة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((قال الأشعري: وفي الأمة قوم ينتحلون النسك، يزعمون أنه جائز على الله تعالى الحلول في الأجسام، وإذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري، لعله ربنا.(3/444)
ومنهم من يقول: إنه يرى الله في الدنيا على قدر الأعمال، فمن كان عمله أحسن رأى معبوده أحسن.
ومنهم من يجوِّز على الله تعالى المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا، ومنهم من يزعم أن الله تعالى ذو أعضاء وجوارح وأبعاض: لحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان من الجوارح.
وكان من الصوفية رجل يُعرف بأبي شعيب يزعم أن الله يسر ويفرح بطاعة أوليائه، ويغتم ويحزن إذا عَصَوْهُ.
وفي النسَّاك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منزلة تزول عنهم فيها العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم - من الزنا وغيره - مباحات لهم. وفيهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يروا الله، ويأكلوا من ثمار الجنة ويعانقوا الحور العين في الدنيا، ويحاربوا الشياطين.
ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين (1) .(3/445)
قلت: هذه المقالات التي حكاها الأشعري -وذكروا أعظم منها- موجودة في الناس قبل هذا الزمان. وفي هذا الزمان منهم من يقول بحلوله في الصور الجميلة، ويقول إنه بمشاهدة الأمرد يشاهد معبوده أو صفات معبوده أو مظاهر جماله، ومن هؤلاء من يسجد للأمرد. ثم من هؤلاء من يقول بالحلول والاتحاد العام، لكنه يتعبد بمظاهر الجمال، لما في ذلك من اللذة له فيتخذ إلهه هواه، وهذا موجود في كثير من المنتسبين إلى الفقر والتصوف. ومنهم من يقول إنه يرى الله مطلقاً ولا يعيِّن الصورة الجميلة، بل يقولون إنهم يرونه في صور مختلفة. ومنهم من يقول: إن المواضع المخضرَّة خطا عليها، وإنما اخضرت من وطئه عليها، وفي ذلك حكايات متعددة يطول وصفها. وأما القول بالإباحة وحل المحرمات -أو بعضها- للكاملين في العلم والعبادة فهذا أكثر من الأول، فإن هذا قول أئمة الباطنية القرامطة الإسماعيلية وغير الإسماعيلية وكثير من الفلاسفة، ولهذا يُضرب بهم المثل فيقال: فلان يستحل دمي كاستحلال الفلاسفة محظورات الشرائع، وقول كثير ممن ينتسب إلى التصوف والكلام، وكذلك من يفضل نفسه أو متبوعه على الأنبياء، موجود كثير في الباطنية والفلاسفة وغلاة المتصوفة وغيرهم، وبسط الكلام على هذا له موضع آخر.
ففي الجملة هذه مقالات منكرة باتفاق علماء السنة والجماعة، وهي - وأشنع منها- موجودة في الشيعة.
وكثير من النسَّاك يظنون أنهم يرون الله في الدنيا بأعينهم، وسبب ذلك أنه يحصل لأحدهم في قلبه بسبب ذكر الله تعالى وعبادته من الأنوار ما يغيب به عن حسه الظاهر، حتى يظن أن ذلك شيء يراه بعينه الظاهرة، وإنما هو موجود في قلبه.(3/446)
ومن هؤلاء من تخاطبه تلك الصورة التي يراها خطاب الربوبية ويخاطبها أيضاً بذلك، ويظن أن ذلك كله موجود في الخارج عنه، وإنما هو موجود في نفسه، كما يحصل للنائم إذا رأى ربه في صورة بحسب حاله. فهذه الأمور تقع كثيراً في زماننا وقبله، ويقع الغلط منهم حيث يظنون أن ذلك موجود في الخارج.
وكثير من هؤلاء يتمثل له الشيطان، ويرى نوراً أو عرشاً أو نوراً على العرش، ويقول: أنا ربك. ومنهم من يقول: أنا نبيك، وهذا قد وقع لغير واحد. ومن هؤلاء من تخاطبه الهواتف بخطاب على لسان الإلهية أو غير ذلك، ويكون المخاطب له جنيا، كما قد وقع لغير واحد. لكن بسط الكلام على ما يُرى ويُسمع وما هو في النفس والخارج، وتمييز حقه من باطله ليس هذا موضعه، وقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع. وكثير من الجهَّال أهل الحال وغيرهم يقولون: إنهم يرون الله عياناً في الدنيا، وأنه يخطو خطوات)) (1) .
((فأدخلوا في ذلك من الأمور ما نفاه الله ورسوله، حتى قالوا: إنه يُرى في الدنيا بالأبصار، ويصافح، ويعانق، وينزل إلى الأرض، وينزل عشية عرفة راكباً على جمل أورق يعانق المشاة ويصافح الركبان، وقال بعضهم: إنه يندم ويبكى ويحزن وعن بعضهم أنه لحم ودم، ونحو ذلك من المقالات التي تتضمن وصف الخالق جل جلاله بخصائص المخلوقين. والله سبحانه منزه عن أن يوصف بشيء من الصفات المختصة بالمخلوقين، وكل ما اختص بالمخلوق فهو صفة نقص، والله تعالى منزَّه عن كل نقص ومستحق لغاية الكمال، وليس له مثل في شيء من صفات الكمال، فهو منزه عن النقص مطلقاً، ومنزه في الكمال أن يكون له مثل، كما قال تعالى {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يلد ولم يكن له كفواً أحد} [الإخلاص 1-4] ، فبين أنه أحدٌ صمدٌ، واسمه الأحد يتضمن نفي المثل، واسمه الصمد يتضمن جميع صفات الكمال كما قد بيَّنا ذلك في الكتاب المصنَّف في تفسير قل هو الله أحد)) (2) .(3/447)
وهذه القول توضح بجلاء تخبط بعض المتصوفة في هذا الباب، وهذا الشر إنما دخل على أكثرهم بسبب المنهج الباطني الذي تقوم عليه المبادئ الصوفية، والتي يُهمل فيها الجانب العلمي المعتمد على النصوص الشرعية، فالتصوف في مبادئه يقوم على الجانب العملي المنحرف عن نصوص الوحي، والمعتمد على بعض الرياضات النفسية والجسمية التي أحدثها أرباب هذا المنهج، والتي يتولد عنها الكثير من الأمور الفاسدة، كزعمهم رؤية الله عياناً وسقوط الشرائع والأحكام عنهم وغير ذلك مما تقدم ذكره، وذلك في حقيقته إنما هو من استدراج الشيطان لهم فهو الذي يخيل لهم مثل تلك الأمور، ولو كان عند هؤلاء فقه في دين الله ومعرفة للنصوص لعلموا أن ذلك لا صحة له.
المبحث الثاني: من نُسب إلى التشبيه
وفيه مطلبان
المطلب الأول: الفرق بين التشبيه والتجسيم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وفي الجملة الكلام في التمثيل والتشبيه ونفيه عن الله مقام، والكلام في التجسيم ونفيه مقام آخر.
فإن الأول دل على نفيه الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة، واستفاض عنهم الإنكار على المشبهة الذين يقولون: يد كيدي، وبصر كبصري، وقدم كقدمي.
وقد قال تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى 11] ، وقال تعالى: {ولم يكن له كفواً
أحد} [الإخلاص 4] ، وقال: {هل تعلم له سميا} [مريم 65] ، وقال تعالى: {فلا تجعلوا لله أنداداً} [البقرة 22] ، وأيضا فنفي ذلك معروف بالدلائل العقلية التي لا تقبل النقيض، وأما الكلام في الجسم والجوهر، ونفيهما أو إثباتهما، فبدعة ليس لها أصل في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا تكلم أحد من السلف والأئمة بذلك نفياً ولا إثباتاً.
والنزاع بين المتنازعين في ذلك: بعضه لفظي، وبعضه معنوي. أخطأ هؤلاء من وجه وأخطأ هؤلاء من وجه.
فإن كان النزاع مع من يقول: هو جسم أو جوهر، إذا قال: لا كالأجسام ولا كالجواهر، وإنما هو في اللفظ.(3/448)
فمن قال: هو كالأجسام والجواهر، يكون الكلام معه بحسب ما يفسره من المعنى.
فإن فسر ذلك بالتشبيه الممتنع على الله تعالى، كان قوله مردوداً.
وذلك بأن يتضمن قوله إثبات شيء من خصائص المخلوقين لله، فكل قول تضمن هذا فهو باطل.
وإن فسر قوله: جسم لا كالأجسام بإثبات معنى آخر، مع تنزيه الرب عن خصائص المخلوقين، كان الكلام معه في ثبوت ذلك المعنى وانتفائه.
فلابد أن يلحظ في هذا إثبات شيء من خصائص المخلوقين للرب أو لا، وذلك مثل أن يقول: أصفه بالقدر المشترك بين سائر الأجسام والجواهر، كما أصفه بالقدر المشترك بينه وبين سائر الموجودات، وبين كل حي عليم سميع بصير، وإن كنت لا أصفه بما تختص به المخلوقات، وإلا فلو قال الرجل: هو حي لا كالأحياء، وقادر لا كالقادرين، وعليم لا كالعلماء، وسميع لا كالسمعاء، وبصير لا كالبصراء، ونحو ذلك، وأراد بذلك نفي خصائص المخلوقين، فقد أصاب.
وإن أراد نفي الحقيقة التي للحياة والعلم والقدرة ونحو ذلك، مثل أن يثبت الألفاظ وينفي المعنى الذي أثبته الله لنفسه وهو من صفات كماله، فقد أخطأ.
إذا تبين هذا فالنزاع بين مثبتة الجوهر والجسم ونفاته، يقع من جهة المعنى في شيئين: أحدهما: أنهم متنازعون في تماثل الأجسام والجواهر على قولين معروفين.
فمن قال بتماثلها، قال: كل من قال: إنه جسم لزمه التمثيل.
ومن قال إنها لا تتماثل، قال: إنه لا يلزمه التمثيل.
ولهذا كان أولئك يسمون المثبتين للجسم مشبهة، بحسب ما ظنوه لازماً لهم، كما يسمى نفاة الصفات لمثبتيها مشبهة ومجسمة، حتى سموا جميع المثبتة للصفات مشبهة ومجسمة وحشوية، وغثاء، وغثراء، ونحو ذلك، بحسب ما ظنوه لازماً لهم.
لكن إذا عرف أن صاحب القول لا يلتزم هذه اللوازم، لم يجز نسبتها إليه على أنها قول له، سواء كانت لازمة في نفس الأمر أو غير لازمة، بل إن كانت لازمة مع فسادها، دل على فساد قوله)) (1) .(3/449)
ومن كلام شيخ الإسلام هذا يفهم الفرق بين اللفظين، فلفظ التمثيل والتشبيه نفيه ثابت في الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة.
أما لفظ التجسيم فإنه من الألفاظ المحدثة المجملة التي لا بد من الاستفصال عن مراد صاحبها قبل الحكم عليها كما بيَّن شيخ الإسلام هنا.
ويترتب على ذلك أن بعض الفرق التي رميت بالتجسيم قد لا يكون مقصودها التشبيه والتمثيل المذموم ولذلك لا يصح رميها بالتمثيل والتشبيه، فهي لا تذم من هذا الوجه، وإن كان الذم قد يلحقها من وجه آخر كتوسعها في استعمال هذه الألفاظ المحدثة، وهذا ما سيأتي بيانه في المطلب التالي.
المطلب الثاني: من نسب إلى التشبيه
1- الكرامية (1) هم أتباع محمد بن كرام بن عراق بن حزبة السجستاني المتوفى سنة (255هـ) .
وهم في باب الصفات يثبتونها ولكنهم خالفوا أهل السنة في مسألتين:
المسألة الأولى:
أنهم يبالغون في الإثبات ويخوضون في شأن الكيفية، ودخل عليهم ذلك من جهة إطلاقهم لألفاظ مبتدعة كلفظ (الجسم) و (المماسة) .
ومن بدع الكرامية أنهم يقولون في المعبود إنه جسم لا كالأجسام (2) .
ومن بدعهم قولهم: إن الأزلي الخالق جسم لم يزل ساكنا (3) .
ويقولون: إن الله جسم قديم أزلي، وإنه لم يزل ساكناً ثم تحرك لما خلق العالم، ويحتجون على حدوث الأجسام المخلوقة بأنها مركبة من الجواهر المفردة، فهي تقبل الاجتماع والافتراق، ولا تخلو من اجتماع وافتراق، وهي أعراض حادثة لا تخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.
وأما الرب فهو عندهم واحد لا يقبل الاجتماع والافتراق، ولكنه لم يزل ساكناً. والسكون عندهم أمر عدمي، وهو عدم الحركة عمَّا من شأنه أن يتحرك، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة. وهؤلاء يقولون: إن الباري لم يزل خالياً من الحوادث حتى قامت به، بخلاف الأجسام المركَّبة من الجواهر المفردة، فإنها لا تخلو من الاجتماع والافتراق (4) .(3/450)
ويقولون: إن الصفات والأفعال لا تقوم إلا بجسم، ويجوزون وجود جسم ينفك من قيام الحوادث به ثم يحدث فتقوم به بعد ذلك (1) .
ويقول ابن كرام: إن الله مماس للعرش من الصفحة العليا (2) .
ويقول كذلك: له حد من الجانب الذي ينتهي إلى العرش ولا نهاية له (3) .
وقد غالى أتباع ابن كرام في شأن الكيفية فزعم بعضهم أنه تعالى على بعض أجزاء العرش (4) .
وادعى بعضهم أن العرش امتلأ به بحيث لا يزيد على عرشه من جهة المماسة، ولا يفضل منه شيء على العرش (5) .
المسألة الثانية:
إن الكرامية يثبتون الصفات بما فيها أن الله تعالى تقوم به الأمور التي تتعلق بمشيئته وقدرته، ولكن ذلك عندهم حادث بعد أن لم يكن، أنه يصير موصوفاً بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك، وقالوا: لا يجوز أن تتعاقب عليه الحوادث ففرقوا في الحوادث بين تجددها ولزومها، فقالوا بنفي لزومها دون حدوثها.
فعندهم أن الله يتكلم بأصوات تتعلق بمشيئته وقدرته، وأنه تقوم به الحوادث المتعلقة بمشيئته وقدرته، لكن ذلك حادث بعد أن لم يكن، وأن الله في الأزل لم يكن متكلماً إلا بمعنى القدرة على الكلام، وأنه يصير موصوفاً بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك (6) .
ومعلوم أن عقيدة السلف تقوم على إثبات جميع الصفات الذاتية منها والفعلية، وأثبتوا أن الله متصف بذلك أزلاً، وأن الصفات الناشئة عن الأفعال موصوف بها في القدم، وإن كانت المفعولات محدثة (7) .
2- مقاتل بن سليمان (8)
نُسب إلى مقاتل بن سليمان المفسر أنه من المشبهة وذكروا أنه هو الذي قال فيه الإمام أبو حنيفة: أتانا من المشرق رأيان خبيثان؛ جهم معطل، ومقاتل مشبه)) (9) .
وقال ابن حبان: ((كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي وافق كتبهم، وكان يشبه الرب بالمخلوقات وكان يكذب في الحديث)) (10) .(3/451)
وقال أبو الحسن الأشعري في "المقالات": ((وقال داود الجواربي ومقاتل بن سليمان: إن الله جسم وإنه جثة على صورة الإنسان لحمٌ ودمٌ وشعر وعظم، له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان وعينين وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره)) (1) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وأما مقاتل فالله أعلم بحقيقة حاله. والأشعري ينقل هذه المقالات من كتب المعتزلة وفيهم انحراف على مقاتل بن سليمان، فلعلهم زادوا في النقل عنه، أو من نقلوا عنه، أو نقلوا عن غير ثقة، وإلا فما أظنه يصل إلى هذا الحد. وقد قال الشافعي: من أراد التفسير فهو عيال على مقاتل (2) ، ومن أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة. ومقاتل بن سليمان وإن لم يكن ممن يحتج به في الحديث -بخلاف مقاتل بن حيان فإنه ثقة- لكن لا ريب في علمه في التفسير وغيره واطلاعه، كما أن أبا حنيفة وإن كان الناس خالفوه في أشياء وأنكروها عليه، فلا يستريب أحد في فقهه وفهمه وعلمه، وقد نقلوا عنه أشياء يقصدون بها الشناعة عليه، وهي كذب عليه قطعاً، مثل مسألة الخنزير البري ونحوها وما يبعد أن يكون النقل عن مقاتل من هذا الباب)) (3) .
• • •
الخاتمة:(3/452)
دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، وقد عُرف عن أهل السنة وسطيتهم في جميع أمور الدين بما في ذلك مسائل العقيدة، والتي من بين أهم مسائلها مسألة الإيمان بأسماء الله وصفاته، وقد تبين من خلال ما تقدم عرضه في ثنايا البحث وسطية أهل السنة في هذا الباب بين الغلاة من المشبهة، والجفاة من المعطلة. الأمر الذي يشهد لمنهج أهل السنة والجماعة بأنه المنهج الأسلم والأعلم والأحكم، وذلك لموافقته لنصوص الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح من هذه الأمة. وبحمد الله كان متمسك أهل السنة في هذا الباب وغيره من مسائل الدين بهذه الأصول الثابتة التي بها يفصل النزاع بين الناس، فالناس لا يفصل بينهم النزاع إلا الشرع المنزل، فلا يمكن الفصل بينهم بالرد إلى عقولهم وأهوائهم، إذ لكل واحد منهم عقله وهواه، ولو تركوا لعقولهم لزعم كل واحد منهم أن عقله أداه إلى ما ينازعه فيه الآخر.
ومن المعلوم أن العقل المجرد لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله تعالى من الأسماء والصفات على وجه التفصيل، فوجب الرجوع في علم ذلك على النصوص القرآن والسنة.
فمن فضل الله ونعمته أن تَعَرَّف لعباده عن طريق ما أخبر به من أسمائه وصفاته الواردة في القرآن والسنة، فهما مليئان بالنصوص الصريحة الدالة على أسمائه وصفاته، وتلك النصوص هي من الوضوح والكثرة بمكان بحيث يستحيل إنكارها وتأويلها والتلاعب بنصوصها. وكلما ازداد المسلم إطلاعاً ومعرفة بتلك النصوص وما دلت عليه، لم يزده إنكار أهل الباطل لها إلا احتقاراً لهم ويقيناً بفساد معتقدهم وبطلانه.
ولقد جاءت رسالة النبي (بإثبات الأسماء والصفات إثباتاً مفصلاً على وجه أزال الشبهة وكشف الغطاء، وحصل العلم اليقيني، ورفع الشك والريب فثلجت به الصدور، واطمأنت به القلوب، واستقر الإيمان في نصابه، ففصلت الأسماء والصفات والنعوت والأفعال أعظم من تفصيل الأمر والنهي، وقررت إثباتها أكمل تقرير في أبلغ لفظ.(3/453)
وهذه الأصول الكلية هي التي ميزت عقيدة أهل السنة عن عقائد خصومهم، فضمنت لهم بحمد الله صحة المعتقد وسلامة المنهج. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم)) (1) .
وما ضل من ضل في هذا الباب وغيره إلا بتركه لتلك الأصول الكلية التي يجب الرجوع إليها في جميع مسائل الدين كبيرها وصغيرها، فالسعيد من لزم السنة وتمسك بكتاب الله وسنة نبيه محمد (وفهم السلف الصالح.
قال الإمام أحمد: ((اعلم رحمك الله أن الخصومة في الدين ليست من طريق أهل السنة، وأن تأويل من تأول القرآن بلا سنة تدل على معنى ما أراد الله منه، أو أُثر عن أصحاب رسول الله (، ويعرف ذلك بما جاء عن النبي (أو عن أصحابه فهم شاهدوا النبي (، وشهدوا تنزيله، وما قصه الله له في القرآن، وما عنى به، وما أراد به أَخاص هو أم هو عام.
فأما من تأوله على ظاهره بلا دلالة من رسول الله (ولا أحد من الصحابة، فهذا تأويل أهل البدع؛ لأن الآية قد تكون خاصة ويكون حكمها حكماً عاماً، ويكون ظاهرها على العموم، وإنما قصدت لشيء بعينه، ورسول الله (هو المعبر عن كتاب الله وما أراد، وأصحابه أعلم بذلك منا، لمشاهدتهم الأمر وما أريد بذلك)) (2) .
فهذه العبارة وما حوته من قواعد رسمت منهج أهل السنة والجماعة، ذلك المنهج الذي لم يتغير باختلاف المسائل ومرور العصور وتعدد الأجيال.
فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحواشي والتعليقات
وسطية أهل السنة بين الفرق ص 92-94، وكتاب لزوم الجماعة ص 276-277.
تفسير ابن كثير 1/390.(3/454)
قال شيخ الإسلام: ((ولا ريب أنهم (أي الرافضة) أبعد طوائف المبتدعة عن الكتاب والسنة، ولهذا كانوا هم المشهورين عند العامة بالمخالفة للسنة، فجمهور العامة لا تعرف ضد السني إلا الرافضي، فإذا قال أحدهم أنا سني فإنما معناه لست رافضي)) . مجموع الفتاوى 3/356.
منهاج السنة 2/221 ط: جامعة الإمام محمد بن سعود.
بيان فضل علم السلف على الخلف لابن رجب (ص150-152) ، وأصول اعتقاد أهل السنة للالكائي 1/9-10.
معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات ص 54.
انظر الحجة في بيان المحجة 1/321.
مجموع الفتاوى 3/338-339 بتصرف.
انظر تفصيل هذه المسألة في كتاب وسطية أهل السنة والجماعة بين الفرق للدكتور/ محمد باكريم.
التحريف لغة: التغير والتبديل. والتحريف في باب الأسماء والصفات هو: تغيير ألفاظ نصوص الأسماء والصفات أو معانيها عن مراد الله بها.
التعطيل لغة: مأخوذ من العطل الذي هو الخلو والفراغ والترك، والتعطيل في باب الأسماء والصفات هو: نفي أسماء الله وصفاته أو بعضها.
التكييف لغة: جعل الشيء على هيئة معينة معلومة، والتكييف في صفات الله هو: الخوض في كنه وهيئة الصفات التي أثبتها الله لنفسه.
التمثيل لغة: من المثيل وهو الند والنظير، والتمثيل في باب الأسماء والصفات هو: الاعتقاد في صفات الخالق أنها مثل صفات المخلوق.
راجع في معاني هذه الألفاظ كتاب (معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات)) (ص70-81) .
لمعة الاعتقاد ص 9.
منهاج السنة 2/523.
منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص 25.
رسالة في العقل والروح لابن تيمية 2/46-47 (ضمن مجموعة الرسائل المنيرية) .
الاقتصاد في الاعتقاد لأبي حامد الغزالي ص 132-133، وقال في كتابه المستصفى 2/137-138:(3/455)
((كل ما دل العقل فيه على أحد الجانبين فليس للتعارض فيه مجال، إذ الأدلة العقلية يستحيل نسخها وتكذيبها، فإن ورد دليل سمعي على خلاف العقل، فإما أن لا يكون متواتراً فيعلم أنه غير صحيح، وإما أن يكون متواتراً فيكون مؤولاً ولا يكون متعارضاً)) .
انظر منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص 21-22.
انظر منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص 19-20.
انظر معارج القبول 1/326-327.
بدائع الفوائد 1/168.
شأن الدعاء 111-113.
لوامع الأنوار البهية 1/124.
المحلى 1/29.
بدائع افوائد 1/168.
معالم التنزيل 3/307.
فتح الباري 11/221.
المحلى 1/29.
مجموع الفتاوى 6/199.
أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/391، 452، وابن حبان، انظر: موارد الظمآن ح2472، والحاكم في المستدرك 1/509، والطبراني في الكبير ح10352.
شفاء العليل ص277.
المصدر السابق ص276 (بتصرف) .
أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/391، 452، وابن حبان، انظر: موارد الظمآن ح2472، والحاكم في المستدرك 1/509، والطبراني في الكبير ح10352.
شفاء العليل ص 277 (بتصرف) .
مجموع الفتاوى 6/186.
شفاء العليل ص 277.
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص274.
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص277.
شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/211.
شفاء العليل ص277.
مجموع الفتاوى 6/205.
قال ابن القيم: ((أسماء الله الحسنى هي أعلام وأوصاف، والوصف بها لا ينافي العلمية، بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم، لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة، بخلاف أوصافه تعالى)) بدائع الفوائد 1/162.
شفاء العليل ص271.
الإيمان لابن تيمية ص175.
بدائع الفوائد 1/162، جلاء الأفهام ص138، القواعد المثلى ص8.
بدائع الفوائد 1/162.
جلاء الأفهام ص 133، 134.
الرد على المريسي ص365.
مجموع الفتاوى 5/26.
مجموع الفتاوى 12/113، 114.
انظر تفاصيل هذه المسألة في كتاب ((معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى)) .
مدارج السالكين 1/417.(3/456)
تفسير ابن كثير 2/573، ط: دار المعرفة.
تفسير القرطبي 10/119، وقد ذكر القرطبي فائدة جليلة هي: ((فإن قيل كيف أضاف المثل هنا إلى نفسه وقد قال {فلا تضربوا لله الأمثال} فالجواب أن قوله {فلا تضربوا لله الأمثال} أي الأمثال التي توجب الأشباه والنقائص؛ أي فلا تضربوا له مثلاً يقتضي نقصاً وتشبيهاً بالخلق، والمثل الأعلى وصفه بما لا شبيه له ولا نظير)) .
الصواعق المنزلة 3/1031، 1032 ((بتصرف)) .
دلالة القرآن على الأمور ((نوعان)) :
أحدهما: خبر الله الصادق، فما أخبر الله ورسوله به فهو حق كما أخبر الله به.
الثاني: دلالة القرآن بضرب الأمثال وبيان الأدلة العقلية الدالة على المطلوب فهذه دلالة شرعية عقلية, فهي شرعية لأن الشرع دل عليها، وأرشد إليها. وعقلية لأنها تعلم صحتها بالعقل، ولا يقال: إنها لم تعلم إلا بمجرد الخبر.
وإذا أخبر الله بالشيء، ودل عليه بالدلالات العقلية: صار مدلولاً عليه بخبره، ومدلولاً عليه بدليله العقلي الذي يعلم به فيصير ثابتاً بالسمع والعقل، وكلاهما داخل في دلالة القرآن التي تسمى ((الدلالة الشرعية)) . مجموع الفتاوى 6/71، 72.
مجموع الفتاوى 6/71-73 ((بتصرف)) .
متفق عليه: البخاري 13/90، ومسلم 18/59.
اربعوا: أي ارفقوا (النهاية 2/187) .
أخرجه البخاري 13/372 ح 7386.
مدارج السالكين 3/347-350 ((بتصرف)) .
مدارج السالكين 3/360.
الصواعق المرسلة 2/425.
أخرجه ابن جرير في تفسيره 1/174.
وأبو نعيم في صفة الجنة 1/160 رقم 14-125.
وأورده ابن كثير في تفسيره 1/91.
والسيوطي في الدر المنثور 1/96.
الصواعق المنزلة 2/425، 430 ((بتصرف)) .
القواعد المثلى ص 26.
المصدرالسابق.
إبطال التأويلات 1/44 رقم 6.
إبطال التأويلات 1/44 رقم 6.
مدارج السالكين 3/359.
كتاب الصفدية 1/100.
منهاج السنة النبوية 2/523.
أخرجه اللآكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/398.
وابن قدامة في إثبات صفة العلو ص 28.(3/457)
أخرجه اللاكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/398.
والبيهقي في الأسماء والصفات 2/151.
والعجلي في تاريخ الثقات ص 158 رقم 431.
وابن قدامة في إثبات صفة العلو ص 164.
وأورده الذهبي في العلو ص 198.
القواعد المثلى ص 25-28.
مدارج السالكين 3/360.
مدارج السالكين 1/420.
أخرجه البخاري في صحيحه. انظر: فتح الباري 13/377، ح 7392، وأخرجه مسلم في صحيحه 8/63.
معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات ص 103-104.
إغاثة اللهفان (2/257) .
الرد على المنطقيين (ص114) .
الرد على المنطقيين ص 314.
إغاثة اللهفان (2/261-262) .
منهاج السنة (2/523، 524) .
شرح العقيدة الأصفهانية (ص76) .
النبوات (ص198) .
مجموع الفتاوى (3/7-8) .
الصفدية (1/299، 300) .
مجموع الفتاوى (3/7) ، شرح الأصفهانية (ص51،52) .
مجموع الفتاوى (3/8) .
شرح العقيدة الأصفهانية (ص76) .
مجموع الفتاوى (3/100) .
مجموع الفتاوى (3/7-8) .
شرح العقيدة الأصفهانية (ص76) .
الصفدية (1/96،98) .
الفتوحات المكية (4/141) ط: دار صادر، بيروت.
بغية المرتاد (ص349) .
فصوص الحكم (1/83) .
بغية المرتاد (ص397، 398) .
بغية المرتاد (ص408) .
بغية المرتاد (ص473) .
بغية المرتاد (ص527) .
بغية المرتاد (ص410،411) .
نقض تأسيس الجهمية (2/467) .
مجموع الفتاوى (6/39) .
مجموع الفتاوى (6/48) بتصرف.
مختصر تاريخ دمشق (6/50) ، والبداية (9/350) .
نقض تأسيس الجهمية (1/54-55) .
مجموع الفتاوى (5/555) .
درء تعارض العقل والنقل (2/1) .
مجموع الفتاوى (12/366) .
مجموع الفتاوى (12/376) .
مجموع الفتاوى (12/366) .
مجموع الفتاوى (12/206) .
منهاج السنة (2/327) .
مجموع الفتاوى (12/202،203) .
مجموع الفتاوى (12/203) .
بغية المرتاد (ص451) .
الاستقامة (1/105) .
مجموع الفتاوى (5/386) ، تذكرة الحفاظ (2/907) .
العلو (ص150) ، تذكرة الحفاظ (2/907) .
مجموع الفتاوى (12/204) .
الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص168) .(3/458)
موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/367) .
الاستقامة (1/212) .
درء تعارض العقل والنقل (7/97) .
المصدر السابق.
مجموع الفتاوى (4/147، 148) .
منهاج السنة (2/223، 224) .
منهاج السنة (2/223،224) .
مقدمة ابن خلدون (ص465) ، ط: مصطفى محمد.
مقدمة التمهيد للباقلاني (ص15) ، بتحقيق الخضيري وأبو ريدة.
نشأة الأشعرية وتطورها (ص320) .
بغية المرتاد (ص448، 451) ، بتصرف.
بغية المرتاد (ص448) ، بتصرف.
مجموع الفتاوى (6/55) .
مفتاح السعادة (2/151،152) تأليف: طاش كبرى زاده
انظر ترجمته في كتاب الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات (1/209) للدكتور شمس الدين الأفغاني.
العقيدة السلفية في كلام رب البرية (ص279) تأليف: عبد الله بن يوسف الجديع.
مجموع الفتاوى (7/433) ، كتاب الإيمان (ص414) ، منهاج السنة (2/362) .
الرد على الجهمية (ص103-105) .
انظر أحسن التقاسيم للمقدسي (ص323) .
مجموع الفتاوى (12/311) .
منهاج السنة (2/526، 527) ، الانساب للسمعاني (2/133) .
درء تعارض العقل والنقل (5/187) ، مجموع الفتاوى (8/460) .
مجموع الفتاوى (3/7) ، شرح الأصفهانية (ص51،52) .
مجموع الفتاوى (3/8) .
مجموع الفتاوى (13/131) .
مجموع الفتاوى (6/51) .
المعتزلة وأصولهم الخمسة (ص100) .
المصدر السابق (ص101) .
لم يكن في قدماء الرافضة من يقول بنفي الصفات بل كان الغلو في التجسيم مشهوراً عن شيوخهم هشام بن الحكم وأمثاله، شرح الأصفهانية (ص68) .
كان أبو عبد الله محمد بن تومرت على مذهب المعتزلة في نفي الصفات، شرح الأصفهانية (ص23) .
درء تعارض العقل والنقل (5/249،250) .
مجموع الفتاوى (6/147،148،359) .
مقالات الإسلاميين (1/341-342) ، وانظر الفرق بين الفرق (ص207) ، والملل والنحل (1/89،90) .
مقالات الإسلاميين 1 (/339) .
الفرق بين الفرق (ص215) .
مجموع الفتاوى (14/351،352) .(3/459)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وكان الحارث المحاسبي يوافقه -أي يوافق ابن كلاب- ثم قيل إنه رجع عن موافقته؛ فإن أحمد ابن حنبل أمر بهجر الحارث المحاسبي وغيره من أصحاب ابن كلاب لما أظهروا ذلك، كما أمر السري السقطي الجنيد أن يتقى بعض كلام الحارث؛ فذكروا أن الحارث رحمه الله تاب من ذلك. وكان له من العلم والفضل والزهد والكلام في الحقائق ما هو مشهور وحكى عنه أبوبكر الكلاباذي صاحب (مقالات الصوفية) : (أنه كان يقول إن الله يتكلم بصوت) ، وهذا يوافق قول من يقول: إنه رجع عن قول ابن كلاب)) . مجموع الفتاوى (6/521،522) .
مجموع الفتاوى (5/411، 6/52،53، 4/147) ، شرح الأصفهانية (ص 78) .
مجموع الفتاوى (6/520) .
مجموع الفتاوى (6/524) .
مجموع الفتاوى (6/522) .
مجموع الفتاوى (6/520،521) .
مجموع الفتاوى (6/525) .
وتتميماً للفائدة فإن الخلاف في هذه المسألة على أربعة أقوال:
قول المعتزلة ومن وافقهم: أن الله لا يقوم به صفة ولا أمر يتعلق بمشيئته واختياره وهو قولهم: (لا تحله الأعراض ولا الحوادث) .
قول الكلابية ومن وافقهم: التفريق بين الصفات والأفعال الاختيارية فأثبتوا الصفات، ومنعوا أن يقوم به أمر يتعلق بمشيئته وقدرته لا فعل ولا غير فعل.
قول الكرامية ومن وافقهم: يثبتون الصفات ويثبتون أن الله تقوم به الأمور التي تتعلق بمشيئته وقدرته، ولكن ذلك حادث بعد أن لم يكن، وأنه يصير موصوفا بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك، وقالوا لا يجوز أن تتعاقب عليه الحوادث، ففرقوا في الحوادث بين تجددها ولزومها فقالوا بنفي لزومها دون حدوثها.
قول أهل السنة والجماعة: أثبتوا الصفات والأفعال الاختيارية وأن الله متصف بذلك أزلاً، وأن الصفات الناشئة عن الأفعال موصوف بها في القدم، وإن كانت المفعولات محدثة. وهذا هو الصحيح. مجموع الفتاوى (6/520،525،149) .(3/460)
الصفات الفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، أو التي تنفك عن الذات: كالاستواء، والنزول، والضحك، والإتيان والمجيء، والغضب والفرح. مجموع الفتاوى (6/68، 5/410) .
مجموع الفتاوى (6/69) ، وانظر الرد على هذه الشبهة (6/105) .
مجموع الفتاوى (6/144،147) .
مجموع الفتاوى (5/412) .
مجموع الفتاوى (5/410) .
مجموع الفتاوى (6/149) .
مجموع الفتاوى (5/411،412) .
مجموع الفتاوى (6/149) .
مجموع الفتاوى (5/437) ، الأسماء والصفات للبيهقي (ص517) .
مجموع الفتاوى (5/386) .
مجموع الفتاوى (6/52) ، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/1034،1036) .
مجموع الفتاوى (4/147،148) .
درء تعارض العقل والنقل (7/97) .
مجموع الفتاوى (6/358، 359) .
تحفة المريد (ص76) ، وبعض الأشاعرة توقف فيها والبعض نفاها.
انظر إشارات المرام (ص107، 114) ، جامع المتون (1208) ، نظم الفرائد (ص24) ، الماتريدية دراسة وتقويم (ص239) .
أثبت الماتريدية صفة التكوين وعليه فهي صفة قديمة قائمة بذاته تعالى. وأما الأشاعرة فقد نفوها. انظر تحفة المريد (ص75) .
الماتريدية دراسة وتقويم (ص239) .
شرح الأصفهانية ص9، مجموع الفتاوى (6/359) .
تحفة المريد (ص91) .
تحفة المريد (ص91)
درء تعارض العقل والنقل (5/249) .
درء تعارض العقل والنقل (4/145) .
نقض تأسيس الجهمية (1/54) ، ومنهاج السنة (2/217) .
منهاج السنة (2/103) .
منهاج السنة (2/242-243) .
مقالات الإسلاميين (ص5) ، منهاج السنة (2/502) .
مقالات الإسلامين (ص7) ، منهاج السنة (2/503-504) .
شرح الأصفهانية (ص65) .
الفرق بين الفرق (ص228) ، مقالات الإسلاميين (1/183) ، ودرء تعارض العقل والنقل (4/145) .
الملل والنحل للشهرستاني (1/105) .
المقالات (1/209) .
منهاج السنة (2/618) .
الوفرة، الشعر المجتمع على الرأس، أو ما سال على الأذنين، أو ما جاوز شحمة الأذن. المصباح المنير ص 667 مادة: وفر.
نقض تأسيس الجهمية (1/54) .
مقالات الإسلاميين ص 288-289.
منهاج السنة (2/622-625) .(3/461)
منهاج السنة (2/528-530) .
درء تعارض العقل والنقل 4/145-148.
يبلغ عدد طوائف الكرامية اثنتي عشرة فرقة وأصولها ستة هي:
1- العابدية، 2- النونية، 3 - الزرينية، 4- الإسحاقية، 5- الواحدية، 6- الهيصمية.
(وهم في باب الإيمان مرجئة يقولون: إن الإيمان هو القول فقط فمن تكلم به فهو مؤمن كامل الإيمان، لكن إن كان مقراً بقلبه كان من أهل الجنة، وإن كان مكذباً بقلبه كان منافقاً مؤمناً من أهل النار، وبعض الناس يحكي عنهم أنه من تكلم به بلسانه دون قلبه فهو من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، بل يقولون إنه مؤمن كامل الإيمان وإنه من أهل النار) . انظر مجموع الفتاوى (13/56) .
وانظر الكلام عن الكرامية في الفصل لابن حزم (4/45،204-205) ، لسان الميزان (5/353-356) ، والفرق بين الفرق (ص130-137) ، والملل والنحل (1/180-193) .
لسان الميزان (5/354) .
درء تعارض العقل والنقل (3/6) .
درء تعارض العقل والنقل (7/227) .
المصدر السابق (5/246) .
الفرق بين الفرق (ص198) ، والملل والنحل (1/108-109) .
التبصير في الدين (ص112) .
الملل والنحل (1/109) .
الفرق بين الفرق (ص199) ، وأصول الدين للبغدادي (ص73،112) ، والملل والنحل (1/109) .
انظر مجموع الفتاوى (6/524-525) ، ودرء تعارض العقل والنقل (2/76) .
انظر مجموع الفتاوى (6/149،520-525) .
هو أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير، الأزدي بالولاء، البلخي، الخراساني، المروزي، أصله من بلخ وانتقل إلى البصرة ودخل بغداد وحدث بها. ذكره الذهبي في آخر ترجمة ابن حيان (تذكرة الحفاظ 1/174) وقال: (فأما مقاتل بن سليمان المفسر فكان في هذا الوقت، وهو متروك الحديث، وقد لطخ بالتجسيم مع أنه كان من أوعية العلم بحراً في التفسير) . وقد توفي بالبصرة سنة (150هـ) . وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (10/279-285) ، ميزان الاعتدال (3/196-197) ، تاريخ بغداد (13/160-169) ، وفيات الأعيان (4/341-343) .
لسان الميزان (10/281) .
ميزان الاعتدال (4/175) .(3/462)
المقالات (ص209) .
وجاء في "وفيات الأعيان" في ترجمة مقاتل بن سليمان: ((حكي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: الناس كلهم عيال على ثلاثة، على مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الكلام)) وفيات الأعيان (4/341) .
منهاج السنة (2/618-620) .
منهاج السنة 5/83.
كتاب الإيمان لابن تيمية ص373-374.
المصادر والمراجع
أحسن التقاسيم -محمد بن أحمد المقدسي- ط 1، 1906م، ليدن.
الأسماء والصفات -أحمد بن حسين البيهقي- تحقيق عبد الله بن محمد الحاشدي، مكتبة السوادي للتوزيع، جدة المملكة العربية السعودية، ط1، 1413هـ/1993م.
أصول الدين -البغدادي أبو منصور عبد القاهر بن طاهر- طبعة مصورة من الطبعة الأولى بإسطمبول، 1346هـ.
الأنساب -عبد الكريم بن محمد السمعاني- تحقيق الشيخ عبد الرحمن بن يحي المعلمي، مصورة مكتبة المثنى بغداد، العراق، 1970م.
الاستقامة -أحمد بن عبد الحليم بن تيمية- تحقيق محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ط1، 1403هـ.
إشارات المرام من عبارات الإمام -كمال الدين أحمد البياضي الحنفي- تحقيق يوسف عبد الرزاق، ط 1، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، مصر.
إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان -ابن قيم الجوزية- مكتبة المعارف، الرياض.
الإيمان -شيخ الإسلام ابن تيمية- ضمن مجموع الفتاوى.
الاقتصاد في الاعتقاد -أبو حامد الغزالي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
بدائع الفوائد -محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية- دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية أهل الإلحاد -شيخ الإسلام ابن تيمية- تحقيق موسى الدويش، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية.
بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (نقض تأسيس الجهمية) -شيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم- مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية، ط1، 1391هـ.(3/463)
بيان فضل علم السلف على الخلف -ابن رجب الحنبلي- تحقيق: محمد بن ناصر العجمي، الدار السلفية.
تاريخ بغداد -أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين -أبو المظفر الإسفراييني- تحقيق كمال يوسف الحوت عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط1، 1403هـ.
تحفة المريد بشرح جوهرة التوحيد -إبراهيم اللقاني- دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
تذكرة الحفاظ -محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي- تحقيق عبد الرجمن المعلمي اليماني، حيدر آباد، الهند، 1958.
تفسيرالقرآن العظيم -أبو الفداء إسماعيل بن كثير- دار المعرفة، بيروت، لبنان.
تهذيب التهذيب -أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند، ط1، 1325.
جامع المتون في حق أنواع الصفات الإلهية والعقائد الماتريدية -أحمد ضياء الدين بن مصطفى- ط 1 على الحجر دار الطباعة العامرة، الآستانة، 1273هـ.
الجامع لأحكام القرآن -القرطبي- دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
جلاء الأفهام -ابن قيم الجوزية- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
درء تعاض العقل والنقل -أحمد بن عبد الحليم بن تيمية- تحقيق د/ محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العرببة السعودية.
الرد على الجهمية والزنادقة في ما شكوا فيه من متشابه القرآن -الإمام أحمد ابن حنبل الشيباني، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، 1971.
الرد على المنطقيين -شيخ الإسلام ابن تيمية- إدارة ترجمان السنة، لاهور، باكستان.
الرد على بشر المريسي -عثمان بن سعيد الدارمي- ضمن مجموعة عقائد السلف، منشأة المعارف، الإسكندرية.
الرد على من أنكر الحرف والصوت -أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزي- تحقيق محمد باكريم با عبد الله مطبوعات المجلس العلمي، الجامعة الإسلامية، المدينة النبوية.(3/464)
رسالة العقل والروح -شيخ الإسلام ابن تيمية- مطبوعة ضمن الرسائل المنبرية
شأن الدعاء -أبو سليمان الخطابي- تحقيق: أحمد يوسف الدقاق، دار المأمون، القاهرة، مصر.
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة -أبو القاسم اللالكائي- تحقيق: أحمد سعد الغامدي، دار طيبة، الرياض.
شرح العقيدة الأصفهانية -شيخ الإسلام ابن تيمية- دار الكتب الإسلامية، مصر.
شفاء العليل -ابن القيم الجوزية- دار المعرفة، بيروت، لبنان.
صحيح مسلم بشرح النووي -مسلم بن الحجاج القشيري- دار الفكر، بيروت، لبنان، ط2، 1399هـ.
الصفدية -شيخ الإسلام ابن تيمية- تحقيق محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العرببة السعودية.
الصواعق المرسلة -ابن قيم الجوزية- تحقيق: علي محمد الدخيل الله، دار العاصمة، الرياض.
الصواعق المنزلة -ابن قيم الجوزية- تحقيق: علي ناصر فقيهي، وأحمد عطية الغامدي، طبعة الجامعة الإسلامية المدينة المنورة.
العقيدة السلفية في كلام رب البرية -عبد الله بن يوسف الجديع-.مطابع دار السياسة، الكويت.
العلو للعي الغفار -أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي- المكتبة السلفية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية.
فتح الباري شرح صحيح البخاري -ابن حجر العسقلاني- دار الفكر، بيروت، لبنان.
الفتوحات المكية -محيي الدين ابن عربي- دار صادر، بيروت لبنان.
الفرق بين الفرق -عبد القاهر بن طاهر البغدادي- تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت لبنان.
الفصل في الملل والأهواء والنحل -أبو محمد، علي بن أحمد بن حزم الظاهري، مكتبة الخانجي، مصر.
فصوص الحكم -ابن عربي- تحقيق محمود غراب، مطبعة زيد بن ثابت، 1405هـ.
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة -ابن تيمية- تحقيق: ربيع بن هادي المدخلي، دار لينة.
القاموس المحيط.-الفيروزآبادي- عيسى البابي الحلبي، مصر، ط2.
القواعد المثلى -محمد بن صالح العثيمين- مكتبة الكوثر.(3/465)
لسان الميزان -علي بن حجر العسقلاني- مصورة عن طبعة دائرة المعارف بالهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت، لبنان، ط2، 1390هـ.
لوامع الأنوار البهية -محمد بن أحمد الفارييني- مطبعة المدني.
الماتريدية دراسة وتقويم -أحمد بن عوض الله الحربي- دار العاصمة، ط 1، 1413هـ.
الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات د شمس الدين الأفغاني- مكتبة الصديق، الطائف، ط 1 1413هـ.
مجموع الفتاوى -شيخ الإسلام ابن تيمية- جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، دار العربية، بيروت لبنان.
المحلى -ابن حزم الأندلسي- مكتبة الجمهورية، القاهرة، مصر.
مدارج السالكين -ابن قيم الجوزية- تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1972م.
المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
المستصفى -أبو حامد الغزالي- دار المعرفة، بيروت لبنان.
المسند -الإمام أحمد بن حنبل- دار صادر، بيروت لبنان.
معارج القبول -حافظ بن أحمد الحكمي- المطبعة السلفية.
معالم التنزيل -الحسين بن مسعود البغوي- دار المعرفة، بيروت لبنان.
المعتزلة وأصولهم الخمسة - عواد بن عبد الله المعتق- دار العاصمة، الرياض، ط1، 1409هـ.
معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى -د/ محمد خليفة التميمي- دار إيلاف الدولية، الكويت، ط1 1417هـ.
معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات -د/ محمد خليفة التميمي- دار إيلاف الدولية، الكويت ط1، 1417هـ.
المعجم الكبير -سليمان بن أحمد الطبراني- تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الدار العربية بغداد.
مقالات الإسلاميين -أبو الحسن، علي بن إسماعيل الأشعري- تحقيق محمد محيي الدين، مكتبة النهضة، مصر 1389هـ.
مقدمة ابن خلدون -مصطفى محمد- دار الفكر، بيروت لبنان.
مقدمة التمهيد -الباقلاني- تحقيق الخضيري وأبو ريدة.(3/466)
الملل والنحل -أبو الفتح، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني- تحقيق محمد سيد الكيلاني، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهر، مصر، 1387.
منهاج السنة -شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية- تحقيق محمد رشاد سالم، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، المملكة العربية السعودية.
منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات - محمد الأمين الشنقيطي- طبعة الجامعة الإسلامية.
موارد الضمآن في زوائد ابن حبان، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
موقف ابن تيمية من الأشاعرة -عبد الرحمن المحمود- مكتبة الرشد الرياض.
ميزان الاعتدال -محمد بن أحمد عثمان الذهبي- تحقيق علي البجاوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
النبوات -شيخ الإسلام ابن تيمية- دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
نشأة الأشعرية وتطورها -جلال موسى- دار الكتاب اللبناني، بيروت لبنان، ط 1، 1395هـ.
نظم الفرائد وجمع الفوائد -عبد الرحيم بن علي شيخ زاده- المطبعة الأدبية، القاهرة، ط 1، 1317هـ.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان -أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان- تحقيق: إحسان عباس. دار صادر بيروت، لبنان.(3/467)
الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع
د. محمد بن عبد الرحمن الخميس
الأستاذ المشارك - قسم العقيدة
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض
ملخص البحث
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الهدف من هذا البحث هو بيان مدى مشروعية ما يفعله كثير من الناس، من الاجتماع في البيوت والمساجد في أوقات معينة، أو مناسبات معينة، أو بعد الصلوات المكتوبة لذكر الله تعالى بشكل جماعي، أو يردد أحدهم ويرددون خلفه هذه الأذكار.
ولأن هذا الفعل قد كثر وشاع بين الناس في كثير من بلدان المسلمين، فقد جاء هذا البحث لبيان حكم الشريعة في مثل هذا الفعل.
وقد اشتمل البحث على مقدمة، وتمهيد، وستة مباحث، وخاتمة.
أما المقدمة: فهي في بيان أسباب اختيار الموضوع، وبيان خطة البحث، وكذلك بيان اعتقاد العامة في بعض البلدان وجوب الذكر الجماعي بعد الصلاة وغيرها، وذلك كمدخل للبحث.
وأما التمهيد: فهو حول بيان منزلة الذكر كعبادة عظيمة، وتوضيح أن العبادات توقيفية لا مجال فيها للرأي ولا للاستحسان.
وأما المبحث الأول: فهو في تعريف الذكر لغة وشرعاً.
والمبحث الثاني: حول نشأة بدعة الذكر الجماعي من الناحية التاريخية، وتوثيق ذلك.
والمبحث الثالث: في بيان حجج من جاز الذكر الجماعي، وقد سقتها مفصلة.
والمبحث الرابع: في بيان حجج المانعين من الذكر الجماعي، وجوابهم على حجج المجيزين، مع بيان فتاوى للمتقدمين والمعاصرين في هذا.
والمبحث الخامس: في بيان حكم الذكر الجماعي وذلك كنتيجة لهذا البحث.
وأما المبحث السادس: فهو في بيان مفاسد الذكر الجماعي، وآثاره السلبية سواءً على فاعله، أو على غيره.
وأما الخاتمة: فهي في بيان خلاصة البحث ونتائجه.
فهذا ملخص البحث المذكور، وأسأل الله المغفرة والقبول، والحمد لله رب العالمين.
المقدمة:(3/468)
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102] .
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء: 1] .
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} [الأحزاب: 70، 71] .
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد (، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (1) .
وبعد: فقد انتشرت بين الناس بدع كثيرة في دين الله تعالى، واستبدلوها بسنن النبي (، حتى كادت معالم السنة تندثر وأصبح الباطل حقاً، والحق باطلاً. وأضحت البدعة سنة، والسنة بدعة.
ومن صور العبادات التي انتشرت بين عامة المسلمين، ظاهرة الذكر الجماعي، في المساجد والبيوت، والمنتديات وغيرها، وذلك في كثير من البلدان الإسلامية، حتى عمت بها البلوى.(3/469)
كما يوجد في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن الدعاء بعد الصلوات المفروضة بشكل جماعي من مستحبات الصلاة. وهم يعتبرونها مثل الراتبة (2) التي تصلى بعد الفريضة، أو أكثر منها، ويحرصون عليها أشد الحرص، ويواظبون عليها. فإذا لم يدع لهم الإمام بعد الصلاة ولم يجتمع معهم على الذكر بصورة جماعية، رأوا أن صلاتهم ناقصة، وأساءوا الظن به، واتهموه بأنواع من التهم، ولما كان الذكر عبادة لله تعالى، والعبادات توقيفية لا مجال للابتداع فيها، أو للاستحسان. من أجل هذا كان لابد من بيان حكم هذا العمل، والكلام عليه، وذلك كما سيأتي إن شاء الله في مباحث هذا الكتاب.
ولما كان بيان (السنة) والذب عنها، ورد البدعة من أوجب الواجبات على العلماء، وطلبة العلم، والدعاة إلى الله تعالى. ولما كانت ظاهرة الذكر الجماعي مما عمت به البلوى. وشاع بين العامة في كثير من البلدان، واختلف فيه الناس بين مانع منه، ومجوِّز له. وقد بحثت عمن ألَّف في هذا الموضوع خصوصاً، بحيث يستوعبه من جميع جوانبه، ويبين السنة فيه - لكني لم أقف على كتاب في هذا الموضوع. لذلك رأيت مستعيناً بالله تعالى أن يكون موضوع هذا البحث هو بيان مدى مشروعية الذكر الجماعي، هل يجوز أم لا؟ وقد جمعت أقوال المانعين منه وأدلتهم، والمجيزين له وأدلتهم، في محاولة لاستيعاب هذا الموضوع، والوقوف على مدى مشروعية هذا الفعل. وأسميت هذا البحث ((الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع)) .
خطة البحث:
اشتمل البحث على: خطبة الحاجة، ومقدمة، وتمهيد، وستة مباحث، وخاتمة.
فأما المقدمة: فهي في أسباب اختيار الموضوع، مع بيان خطة البحث. وكذلك التنبيه على اعتقاد بعض العامة في بعض البلدان وجوب الذكر الجماعي بعد الصلاة وغيرها، وذلك كمدخل للبحث.(3/470)
وأما التمهيد: فهو حول بيان منزلة الذكر كعبادة عظيمة، وتوضيح أن العبادات توقيفية لا مجال فيها للرأي ولا للاستحسان.
وأما المبحث الأول: فهو في تعريف الذكر الجماعي.
والمبحث الثاني: حول نشأة بدعة الذكر الجماعي.
والمبحث الثالث: حجج المجوزين للذكر الجماعي وأدلتهم.
والمبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم.
والمبحث الخامس: في حكم الذكر الجماعي.
والمبحث السادس: حول مفاسد الذكر الجماعي.
والخاتمة: في بيان خلاصة البحث ونتائجه.
والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص والتوفيق، والسداد، وأن يجنبنا الخطأ والزلل والزيغ، وأن يتقبل منا هذا العمل.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تمهيد: مشروعية الذكر ووجوب الاتباع في العبادة
من المعلوم أن الذكر من أفضل العبادات، وهو مأمور به شرعاً كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً. وسبحوه بكرةً وأصيلاً} [الأحزاب: 41، 42] .
فالمسلم مطالب بذكر الله تعالى في كل وقت، بقلبه، وبلسانه، وبجوارحه، وهذا الذكر من أعظم مظاهر وبراهين التعلق بالله تعالى، ولاسيما أذكار ما بعد الصلاة، وطرفي النهار، والأذكار عند العوارض والأسباب، فإن الذكر عبادة ترفع درجات صاحبها عند الله، وينال بها الأجر العظيم دون مشقة أو تعب وجهد.
لكن ينبغي للمسلم أن يكون في ذكره لله تعالى ملتزماً بحدود الشريعة ونصوصها، وهدي النبي (، وصحابته وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وذلك لأن الاتباع شرط لصحة العمل، وقبوله عند الله تعالى، كما قال (: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (3) أي باطل مردود على صاحبه.(3/471)
ومما هو معلوم أن العبادات - ومنها الذكر - كلها توقيفية، أي: لا مجال فيها للاجتهاد، بل لابد من لزوم سنة النبي (وشريعته فيها، لأنها شرع من عند الله تعالى، فلا يجوز التقرب إلى الله بتشريع شيء لم يشرعه الله تعالى، وإلا كان هذا اعتداءً على حق الله تعالى في التشريع، ومنازعة لله تعالى في حكمه، وقد قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21] .
قال السعدي في تفسير هذه الآية: ((.. {شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} من الشرك والبدع وتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله، ونحو ذلك، مما اقتضته أهواؤهم مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى، ليدين به العباد ويتقربوا به إليه. فالأصل: الحجر على كل أحد أن يشرع شيئاً ما جاء عن الله ولا عن رسوله ... )) أهـ (4) .
فلا ينبغي، بل ولا يجوز التقرب إلى الله تعالى إلا بما شرع، وبما بيَّن على لسان رسوله (. ومن هنا كان لازماً على المسلم أن يلزم السنة في كل عباداته، وألا يحيد عنها قيد أنملة، وإلا أحبط عمله وأبطله إذا كان مخالفاً هدي رسول الله (في العمل.
ولهذا فإن المسلم ينبغي له ألا يحدث في ذكره لله شيئاً مخالفاً لما كان عليه رسول الله (هو وأصحابه، وإلا كان مبتدعاً في الدين، محدثاً في العبادة ما ليس منها.
ومهما استحسن الإنسان بعقله شيئاً في العبادة، فإنه - أي الاستحسان - ليس دليلاً على مشروعية تلك العبادة، بل إن هذا الاستحسان قد يكون مصادماً لحكم الله تعالى، فلا ينبغي أبداً أن يتعبد الإنسان لله تعالى إلا بما شرع الله على لسان رسوله (.
المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي
الذكر الجماعي يتركب من كلمتين، وإليك بيان معنى كل منهما:
أولاً (الذِّكر) : بالكسر: الشيء الذي يجري على اللسان (5) ، وتارة يقصد به الحفظ للشيء.(3/472)
قال الراغب في المفردات: ((الذكر: تارة يقال ويراد به: هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتباراً باحترازه، والذكر يقال اعتباراً باستحضاره. وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول. ولذلك قيل منهما ضربان: ذكر عن نسيان. وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة الحفظ)) (6) .
وأما معنى الذكر في الشرع فهو كل قول سيق للثناء والدعاء. أي ما تعبدنا الشارع بلفظ منا يتعلق بتعظيم الله والثناء عليه، بأسمائه وصفاته، وتمجيده وتوحيده، وشكره وتعظيمه، أو بتلاوة كتابه، أو بمسألته ودعائه (7) .
ثانياً: معنى (الجماعي) : هو ما ينطق به المجتمعون للذكر بصوت واحد، يوافق فيه بعضهم بعضاً (8) .
والمقصود بكلامنا وقولنا: الذكر الجماعي هو ما يفعله بعض الناس من الاجتماع أدبار الصلوات المكتوبة، أو في غيرها من الأوقات والأحوال ليرددوا بصوت جماعي أذكاراً وأدعية وأوراداً وراء شخص معين، أو دون قائد، لكنهم يأتون بهذه الأذكار في صيغة جماعية وبصوت واحد، فهذا هو المقصود من وراء هذا البحث.
المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي
كان مبتدأ نشأة الذكر الجماعي وظهوره في زمن الصحابة رضي الله عنهم كما سيأتي ذلك مفصلاً في المبحث الرابع إن شاء الله وقد أنكر الصحابة هذه البدعة لما ظهرت وقد قل انتشار هذه الظاهرة، وخبت بسبب إنكار السلف لها. ثم لما كان زمن المأمون، أمر بنشر تلك الظاهرة. فقد كتب إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد يأمره أن يأمر الناس بالتكبير بعد الصلوات الخمس. فقد ذكر الطبري في تاريخه في أحداث عام 216 هـ(3/473)
ما نصه: ((وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوا، فبدؤوا بذلك في مسجد المدينة والرصافة، يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان، من هذه السنة)) (9) وجاء في تاريخ ابن كثير: ((وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد، يأمره أن يأمر الناس بالتكبير عقب الصلوات الخمس)) (10) . فكان هذا مبتدأ عودة ظاهرة الذكر الجماعي إلى الظهور وبقوة، بسبب مناصرة السلطان لها. ومن المعلوم أن السلطان إذا ناصر أمراً، أو قولاً ما، ونشره بالقوة بين الناس، فلابد أن ينتشر ويذيع، إذ إن الناس على دين ملوكهم.
واستمرت هذه الظاهرة منتشرةً بين الرافضة والصوفية ومن تأثر بهم (11) .
هذا وقد جمعوا بين أمرين، هما: الذكر الجماعي، والذكر بالاسم المفرد.
وقد اختلف في جواز الذكر بالاسم المفرد، فذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لابد من الذكر في جملة لأنها هي المفيدة ولا يصح الاسم المفرد، مظهراً أو مضمراً، لأنه ليس بكلام تام ولا جملة مفيدة. ولم ينقل ذلك عن أحد من السلف.
ومن صور هذا الذكر كذلك أن يزيدوا ياءً في (لا إله إلا الله) بعد همزة لا إله. ويزيدون ألفاً بعد الهاء في كلمة (إله) فتصبح (لا إيلاها) . ويزيدون ياءً بعد همزة إلا وبعد (إلا) يزيدون ألفاً فتصبح (إيلا الله) وكل ذلك حرام بالإجماع في جميع الأوقات (12) .
وكذلك يلحن بعضهم في (لا إله إلا الله) . فيمد الألف زيادة على قدر الحاجة، ويختلس كسرة الهمزة المقصورة بعدها ولا يحققها أصلاً، ويفتح هاء له فتحة خفيفة كالاختلاس، ولا يفصل بين الهاء وبين إلا الله (13) .
وكذلك من صوره أنهم يذكرون بالحَلْقِ، أي يحاولون إخراج الحروف من الحلق، وهذا يلزمهم بفتح أشداقهم، والتقعر في الكلام، والتكلف في النطق، ومعلوم أن مورد الذكر اللسان والحلق والشفتان لأنها هي التي تجمع مخارج الحروف (14) .(3/474)
وقد تعددت صور ذلك. فمنهم من يجتمعون في بيت من البيوت، أو مسجد من المساجد فيذكرون الله بذكر معين وبصوت واحد: كأن يقولوا: لا إله إلا الله. مائة مرة (15) . قال الشقيري: ((والاستغفار جماعة على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة بدعة. والسنة استغفار كل واحد في نفسه ثلاثاً، وقولهم بعد الاستغفار: يا أرحم الراحمين - جماعةً - بدعة، وليس هذا محل هذا الذكر)) (16) .
ومن صور الذكر الجماعي مما هو موجود عند جماعات من الناس:
1 - الاستغفار عقب الصلاة، والاتيان بالأوراد الواردة أو غيرها بصوت واحد مرتفع (17) . قال الأذرعي: ((حمل الشافعي رضي الله عنه أحاديث الجهر على من يريد التعليم)) (18) .
2 - أو أن يدعو الإمام دبر الصلاة جهراً رافعاً يديه، ويؤمن المأمومون على دعائه وبصوت واحد (19) .
3 - ومنه أن يجتمع الناس في مكان - مسجد أو غيره - ويدعون الله، وبصوت واحد إلى غروب الشمس ويجعلون الاجتماع لهذا الذكر شرطاً للطريقة (20) .
وقد قال التيجاني: ((من الأوراد اللازمة للطريقة ذكر الهيللة بعد صلاة العصر يوم الجمعة مع الجماعة، وإن كان له إخوان في البلد فلابد من جمعهم وذكرهم جماعة. وهذا شرط في الطريقة)) (21) . وقال الرباطي: ((وترك الاجتماع من غير عذر شرعي يعرض في الوقت ممنوع عندنا في الطريقة، ويعد تهاوناً، ولا يخفى وخامة مرتع التهاون)) (22) .
وقد أفتى العلماء ببطلان الذكر الجماعي، فقد جاء في بعض الأسئلة الواردة إلى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ما نصه:
قال السائل: لنا جماعة هم أصحاب الطريقة التيجانية يجتمعون كل يوم جمعة ويوم الاثنين ويذكرون الله بهذا الذكر (لا إله إلا الله) ، ويقولون في النهاية (الله الله ... ) بصوت عال. فما حكم فعلهم هذا؟
الجواب: (بعد بيان ضلال هذه الطريقة) . والاجتماع على الذكر بصوت جماعي(3/475)
لا أصل له في الشرع، وهكذا الاجتماع بقول: (الله الله ... ) أو: (هو هو ... ) والاجتماع بصوت واحد هذا لا أصل له، بل هو من البدع المحدثة (23) .
4 - ومن صور الذكر الجماعي الموجودة أن يجتمع الناس في مسجد وقد وقع البلاء في بلد فيدعون الله بصوت واحد لرفعه.
5 - ومن هذه الصور كذلك ما يحصل عند بعض الناس في أعمال الحج من الطواف والسعي وغيرها، حيث إن بعضهم يؤجرون من يدعو لهم، ويرددون وراءه أدعية معينة لكل شوط، بدون أن يكون لكل أحد الفرصة للدعاء فيما يتعلق بحاجته الخاصة التي يريدها. وقد يكون بعض هؤلاء المرددين لصوت الداعي لا يعرفون معنى ما يدعو به الداعي: إما لكونهم لا يعرفون اللغة العربية. أو للأخطاء التي تحصل من الداعي، وتحريفه للكلام. ومع هذا يحاكونه في دعائه، وهذه الأدعية إنما صارت بدعة من وجهين:
الأول: تخصيص كل شوط بدعاء خاص، مع عدم ورود ذلك. قال الشيخ
عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: ((وأما ما أحدثه بعض الناس: من تخصيص كل شوط من الطواف أو السعي بأذكار مخصوصة، أو أدعية مخصوصة فلا أصله له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كافي)) (24) .
الثاني: الهيئة الجماعية، مع رفع الصوت، وحكاية ألفاظ بدون تدبر واستحضار معنى.
6 - ومن صور الذكر الجماعي كذلك ما يقع عند الزيارة للقبر النبوي، أو قبور الشهداء، أو البقيع، أو غير ذلك من ترديد الزائرين صوت المزورين، قال الشيخ الألباني - رحمه الله - عند تعداده لبدع الزيارة في المدينة المنورة: ((تلقين من يعرفون بالمزورين جماعات الحجاج بعض الأذكار والأوراد عند الحجرة، أو بعيداً عنها بالأصوات المرتفعة، وإعادة هؤلاء ما لقنوا بأصوات أشد منها)) (25) .(3/476)
7 - ومن هذه الصور كذلك اجتماع الناس في المساجد وأماكن الصلوات - ولاسيما في العيدين - ليرددوا التكبير جماعة خلف من يتولى التكبير في مكبر الصوت، ويرددون وراءه جماعة بصوت واحدٍ، فهذا كذلك من البدع.
المبحث الثالث: حجج المجوزين للذكر الجماعي وأدلتهم
احتج المجيزون للذكر الجماعي بحجج (26) ، نوجزها فيما يلي:
... أولاً: النصوص الشرعية الواردة في الثناء على أهل الذكر بصيغة الجمع بما يدل على استحباب الاجتماع على ذكر الله منها ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (قال: ((إن لله تعالى ملائكة سيارة، فضلاً يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر، قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا، وصعدوا إلى السماء. قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض، يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك ... )) وفي نهاية الحديث يقول الله: (( ... قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا ... )) (27) .(3/477)
فيرى المجيزون للذكر الجماعي أن هذا الحديث يدل على فضل الاجتماع للذكر، والجهر به من أهل الذكر جميعاً، لأنه قال: ((يذكرونك، يسبحونك، ويكبرونك، ويمجدونك)) بصيغة الجمع، ثم استدلوا بقول الحافظ ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري حيث قال: ((المراد بمجالس الذكر هي المجالس التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرها، وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى، وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، وفي دخول الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر ... والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوها والتلاوة فحسب، وإن كانت قراءة الحديث ومدارسته، والمناظرة فيه، من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى)) (28) . ومن هذه الأحاديث كذلك ما أخرجه أحمد من طريق: إسماعيل بن عياش، عن راشد بن داود عن يعلى بن شداد، قال: حدثني أبي شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت حاضر يصدِّقه، قال: كنا عند النبي (فقال: ((هل فيكم غريب؟)) يعني أهل الكتاب، فقلنا: لا يا رسول الله، فأمر بغلق الباب، وقال: ((ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله)) فرفعنا أيدينا ساعة، ثم وضع رسول الله (يده، ثم قال: ((الحمد لله، بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنة، وإنك لا تخلف الميعاد، ثم قال: أبشروا فإن الله عز وجل قد غفر لكم)) (29) .(3/478)
قلت: الحديث ضعيف. فيه إسماعيل بن عياش. وهو مدلس. ولم يصرح بالسماع، ومدار هذا الحديث على راشد بن داود، قال ابن معين: ((ليس به بأس، ثقة)) ، وقال دحيم: ((هو ثقة عندي)) ، بينما ضعَّفه الإمام البخاري - رحمه الله - فقال: ((فيه نظر)) ، وهذا جرح شديد عنده، بمعنى أنه متهم أو غير ثقة. كما أشار إلى ذلك الحافظ الذهبي (30) ، وقال الدارقطني: ((ضعيف لا يعتبر به)) ، فاتفق مع البخاري في تضعيفه، وهو الظاهر من حاله، فإن في الحكم بالجرح زيادة علم عن الحكم بالتعديل، فإذا صدر من إمام عالم متمكن غير متشدد كان مقبولاً من غير شك، هذا من جهة.
ومن ناحية أخرى، فلو فرضنا جدلاً صحة هذا الحديث فليس فيه دلالة على جواز الذكر الجماعي، فهو صريح الدلالة على أن ذلك كان للبيعة - أو لتجديد البيعة - وليس لمجرد الذكر، لاسيما وقد أمرهم النبي (برفع الأيدي، فهذا للمبايعة، ولا يشترط - بل ولا يستحب - في الذكر.
... ثانياً: الأحاديث الكثيرة الواردة في فضل مجالس الذكر، والتي منها:
1 - ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (: ((يقول تعالى: أنا عند ظن عبدي بي. وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ... )) (31) الحديث. والشاهد في قوله: ((وإن ذكرني في ملأ)) فدل على جواز الذكر الجماعي (32) .
2 - ما جاء في صحيح مسلم عن معاوية أن رسول الله (خرج على حلقة من أصحابه فقال: ((ما أجلسكم؟)) قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنَّ به علينا. فقال: ((الله ما أجلسكم إلا هذا؟)) قالوا: الله ما أجلسنا إلا ذلك. فقال: ((أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة)) (33) .(3/479)
3 - ما رواه أبو داود في سننه أن النبي (قال: ((لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس - أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس - أحب إلي من أن أعتق أربعة)) (34) وغير ذلك من الأحاديث التي ورد فيها فضل مجالس الذكر وفضل الاجتماع عليه
واستدلوا كذلك ببعض الأحاديث التي ورد فيها ذكر الدعاء الجماعي، وهي أقرب ما يمكن أن يُستدل به في هذا الموضوع؛ لو سلمت من الطعن، وها هي بين يديك، مع ما قاله الأئمة المعتمدون في علم الجرح والتعديل في رواتها وأسانيدها.
الحديث الأول: عن أبي هريرة أن النبي (رفع يديه بعدما سلم وهو مستقبل القبلة، فقال: ((اللهم خلِّص الوليد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، من أيدي الكفار)) . أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (35) ، وابن جرير في تفسيره (36) . وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، قال ابن حجر في التقريب: ضعيف (37) ، ونقل الذهبي في السير (38) تضعيفه عن أحمد بن حنبل والبخاري والفلاس والعجلي، وغيرهم … انتهى.
ومع الضعف الذي في علي بن زيد، فليس فيه دليل على الدعاء الجماعي، وهذه الرواية مخالفة لما جاء في الصحيحين، وهو أن النبي (كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول: ((اللهم أنج عياش ... )) (39) الحديث. أي يقول هذا الدعاء في قنوت الفجر، قبل الخروج من الصلاة.(3/480)
الحديث الثاني: عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي قال: رأيت عبد الله بن الزبير ورأى رجلاً رافعاً يديه بدعوات قبل أن يفرغ من صلاته، فلما فرغ منها قال: إن رسول الله (لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته. رواه الطبراني في الكبير (40) وسنده ضعيف لضعف فضيل بن سليمان. فقد قال عنه ابن معين: ليس بثقة. وفي رواية: ليس هو بشيء ولا يكتب حديثه. وقال صالح جزرة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ليس بالقوي. وقال النسائي: ليس بالقوي. وذكر أبو داود أنه استعار كتاباً من موسى بن عقبة فلم يرده. وكان عبد الصمد بن مهدي لا يحدث عنه. وقال أبو زرعة: لين الحديث، روى عنه علي بن المديني وكان من المتشددين ومع ضعف فضيل، ففي القلب شيء من رواية محمد بن أبي يحيى عن ابن الزبير، فلا أظنه أدركه، لأن وفاة ابن الزبير كانت سنة (73 هـ) ووفاة محمد كانت سنة (144 هـ) (41) . ومعنى الحديث أنه (ما كان يرفع يديه حتى يفرغ من الصلاة وهو غير رافع يديه للدعاء، أو أنه كان يرفع بعد الفراغ من الصلاة للدعاء؛ ولكن ليس فيه أنه كان يجهر بالدعاء ويجهر المأمون بالتأمين. وعليه، فليس فيه دليل للدعاء الجماعي، وإنما هو دليل للدعاء منفرداً.(3/481)
الحديث الثالث: عن أنس رضي الله عنه عن النبي (أنه قال: ((ما من عبد يبسط كفّيه في دبر كل صلاة ثم يقول: اللهم إلهي وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وإله جبريل وميكائيل وإسرافيل، أسألك أن تستجيب دعوتي فإني مضطر وتعصمني في ديني فإني مبتلى، وتنالني برحمتك فإني مذنب، وتنفي عني الفقر فإني متمسكن. إلا كان حقاً على الله عز وجل ألا يرد يديه خائبتين)) . رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (42) ؛ والحديث فيه عبد العزيز بن عبد الرحمن وخصيف. أما عبد العزيز فقد ضعفه جمع من الأئمة، وأما خصيف فقد قال الحافظ ابن حجر فيه: صدوق سيء الحفظ خلط بأخرة، ورُمِي بالإرجاء. انتهى (43) . وإضافة إلى هذا الضعف الذي في هذا الحديث، فليس فيه دلالة على المطلوب، بل هو كالحديثين السابقين.
الحديث الرابع: عن الأسود العامري، عن أبيه قال: صلَّيت مع رسول الله الفجر، فلما سلم، انحرف ورفع يديه ودعا قال العلامة المباركفوري (44) : الحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، كذا ذكر بعض الأعلام هذا الحديث بغير سند، وعزاه إلى المصنف. ولم أقف على سنده. فالله تعالى أعلم. أهو صحيح أو ضعيف؟ . انتهى من التحفة. والحديث أخرجه ابن أبي شيبة (45) ، وابن حزم في المحلى (46) . وليس فيه: ((ورفع يديه ودعا)) ، وإنما هو هكذا: حدثنا هُشيم قال: نا يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد الأسود العامري، عن أبيه قال: صليت مع رسول الله الفجر، فلما سلم انحرف. ولفظ ابن حزم: فلما صلى انحرف. فإذن ليس في الحديث: رفع يديه ودعا. ولو سلمنا بثبوت هذه الجملة فإنها لا تكفي للوفاء بالاستدلال المقصود؛ لأنها ليس فيها الجهر بالدعاء من الإمام، ولا تأمين المأمومين جهراً.(3/482)
الحديث الخامس: عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (: ((الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن، ثم تنفع يديك - يقول: ترفعهما إلى ربك مستقبلاً ببطونهما وجهك، وتقول: يا رب يا رب - ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا)) (47) . رواه أحمد والترمذي. وفي رواية للترمذي: فهو خداج. قال الترمذي (48) : سمعت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - يقول: روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربه بن سعيد، فأخطأ في مواضع. انتهى.
والحديث ضعيف. فيه عبد الله بن نافع بن العمياء، وقال الحافظ في تقريب التهذيب: مجهول (49) . وحتى ولو فرضنا صحة الحديث، فليس فيه دليل للدعاء الجماعي، وإنما هو دليل للدعاء منفرداً كما هو واضح في سياقه وألفاظه.
ثالثاً: ومن أدلتهم أيضاً بعض الآثار التي جاءت عن بعض السلف، فمنها:
1 - ما جاء عن عمر رضي الله عنه من أنه كان يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيراً (50) .
2 - أن ميمونة بنت الحارث زوج النبي (- ورضي الله عنها - كانت تكبر يوم النحر، وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد (51) .
رابعاً: ومن أدلتهم أيضاً المصالح المترتبة على الذكر الجماعي لأن فيه - كما يرون - مصالح كثيرة، منها:
1 - أن فيه تعاوناً على البر والتقوى، وقد أمر الله بذلك في قوله: {وتعانوا على البر والتقوى} [المائدة: 2] .
2 - أن الاجتماع للذكر والدعاء أقرب إلى الإجابة.
3 - أن عامة الناس لا علم لهم باللسان العربي، وربما لحنوا في دعائهم، واللحن سبب لعدم الإجابة، والاجتماع على الذكر والدعاء بصوت واحد يجنبهم ذلك (52) .
خامساً: ومما يستدلون به أن هذا العمل عليه أكثر الناس، والغالبية هي الجماعة والنبي (أوصى بلزوم الجماعة في غير ما حديث (53) .(3/483)
سادساً: أن الذكر على هذه الهيئة وسيلة، والغاية منها عبادة الله، والقاعدة تقول: أن الوسائل لها حكم الغايات والمقاصد (54) ، وعبادة الله أمر مطلوب، وعليه فيكون الذكر الجماعي أمراً مطلوباً (55) .
وأما جوابهم على أدلة المانعين من الذكر الجماعي، فإنهم يرون أن الآثار الواردة عن الصحابة في المنع من الذكر الجماعي، والإنكار على فاعليه، يرون أنها آثار معارضة بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة، وهذه الأحاديث مقدمة على تلك الآثار عند التعارض. قال السيوطي: هذا الأثر عن ابن مسعود (56) يحتاج إلى بيان سنده. ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم؟ وعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة وهي مقدمة عليه عند التعارض (57) .
المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم
استدل المانعون من الذكر الجماعي بأدلة. منها:
أولاً: أن الذكر الجماعي لم يأمر به النبي (، ولا حث الناس عليه، ولو أمر به أو حث عليه لنُقل ذلك عنه عليه الصلاة والسلام. وكذلك لم يُنقل عنه الاجتماع للدعاء بعد الصلاة مع أصحابه.
قال الشاطبي: ((الدعاء بهيئة الاجتماع دائماً لم يكن من فعل رسول الله ()) (58) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((لم ينقل أحد أن النبي (كان إذا صلى بالناس يدعو بعد الخروج من الصلاة هو والمأمومون جميعاً، لا في الفجر، ولا في العصر، ولا في غيرهما من الصلوات، بل قد ثبت عنه أنه كان يستقبل أصحابه ويذكر الله ويعلمهم ذكر الله عقيب الخروج من الصلاة)) (59) .
ثانياً: فعل السلف من أصحاب النبي (والتابعين لهم بإحسان، فإنهم قد أنكروا على من فعل هذه البدعة، كما سيأتي ذلك في النصوص الآتية عن عمر وابن مسعود وخباب رضي الله عنهم، ولو لم يكونوا يعدون هذا العمل شيئاً مخالفاً للسنة ما أنكروا على فاعله، ولا اشتدوا في الإنكار عليه، فممَّن أنكر من الصحابة هذا العمل:(3/484)
1 - عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقد روى ابن وضاح بسنده إلى أبي عثمان النهدي قال: ((كتب عامل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إليه: أن ها هنا قوماً يجتمعون، فيدعون للمسلمين وللأمير. فكتب إليه عمر: أقبل وأقبل بهم معك فأقبل. فقال عمر، للبواب: أعِدَّ سوطاً، فلما دخلوا على عمر، أقبل على أميرهم ضرباً بالسوط. فقلت: يا أمير المؤمنين إننا لسنا أولئك الذي يعني، أولئك قوم يأتون من قبل المشرق)) (60) .
2 - وممن أنكر من الصحابة كذلك الاجتماع للذكر: عبد اله بن مسعود رضي الله عنه وذلك في الكوفة. فعن أبي البختري قال: أخبر رجل ابن مسعود رضي الله عنه أن قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب، فيهم رجل يقول: كبروا الله كذا، وسبحوا الله كذا وكذا، واحمدوه كذا وكذا، واحمدوه كذا وكذا. قال عبد الله: فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني، فأخبرني بمجلسهم. فلما جلسوا، أتاه الرجل، فأخبره. فجاء عبد الله بن مسعود، فقال: والذي لا إله إلا غيره، لقد جئتم ببدعة ظلماً، أو قد فضلتم أصحاب محمد علماً. فقال عمرو بن عتبة: نستغفر الله. فقال: ((عليكم الطريق فالزموه، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً)) (61) .
3 - وممن أنكر عليهم من الصحابة: خباب بن الأرت، فقد روى ابن وضاح بسند صحيح عن عبد الله بن أبي هذيل العنزي عن عبد الله بن الخباب قال: ((بينما نحن في المسجد، ونحن جلوس مع قوم نقرأ السجدة ونبكي. فأرسل إليَّ أبي. فوجدته قد احتجز معه هراوة له. فأقبل عليَّ. فقلت: يا أبت! مالي مالي؟! قال: ألم أرك جالساً مع العمالقة (62) ؟ ثم قال: هذا قرن خارجٌ الآن)) (63) ، كما أنكر عامة التابعين رحمهم الله تعالى كذلك هذه البدع ومن جملة ذلك: كراهية الإمام مالك الاجتماع لختم القرآن في ليلة من ليالي رمضان. وكراهيته الدعاء عقب الفراغ من قراءة القرآن بصورة جماعية (64)(3/485)
وقد نقل الشاطبي في فتاواه كراهية مالك الاجتماع لقراءة الحزب، وقوله: إنه شيء أُحدث، وإن السلف كانوا أرغب للخير، فلو كان خيراً لسبقونا إليه (65) .
فهذه النقول، التي أوردناها في هذا الباب، كلها توضح أن السلف - رضي الله عنهم - كانوا لا يرون مشروعية الاجتماع للذكر بالصورة التي أحدثها الخلف. ولله در السلف! ما كان خير إلا سبقوا إليه، ولا كانت بدعة منكرة إلا كانوا أبعد الناس عنها، محذرين منها. فما من إنسان يخالف هديهم إلا كان تاركاً لسبل الخير، معرضاً عنها، مقتحماً أبواب الضلال.
فلو كان الذكر الجماعي مشروعاً أو مستحباً لفعله السلف، ولو فعلوه لنُقل عنهم، ولَوَرَدَ إلينا. فلما لم يُنقل ذلك عنهم، بل نُقل عنهم ما يخالف من الإنكار على فاعله، كما حدث من ابن عمر، وابن مسعود، وغيرهما. دل ذلك على أن هذا العمل غير مشروع أصلاً.
ثالثاً: النصوص العامة التي فيها المنع من الابتداع في الدين، كحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (66) . ومعلوم أن الذكر الجماعي لم يأمر به النبي (ولم يدل عليه، فلو شرعه النبي (لأمر به وحث الناس عليه، ولشاع ذلك عنه (بينهم مع قيام المقتضى.
رابعاً: أن في القول باستحباب الذكر الجماعي استدراكاً على شريعة النبي (بحيث إن المبتدعين له شرعوا أحكاماً لم يشرعها النبي (، قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21] . فلما لم يشرع النبي (لأمته هذا العمل، دل ذلك على بدعيته.
خامساً: ومن أدلة المانعين من الذكر الجماعي: أن في هذا الذكر بصوت واحد تشبهاً بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية بصوت واحد. هذا مع كثرة النصوص الشرعية التي وردت في النهي عن التشبه بأهل الكتاب، والأمر بمخالفتهم.(3/486)
سادساً: ومن أدلة المانعين من الذكر الجماعي: أن فيه مفاسد عديدة تقطع بعدم جوازه، لاسيما وأنها تربو على ما له من منافع زعمها المجيزون له، فمن هذه المفاسد:
1 - التشويش على المصلين والتالين للقرآن مع ورود النهي عن هذا التشويش، ومنها على سبيل المثال قوله (: ((إلا إن كلكم مناج ربه. فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة)) (67) .
2 - الخروج عن السمت والوقار الذين يجب على المسلم المحافظة عليهما.
3 - أن اعتياد الذكر الجماعي قد يدفع بعض الجهال والعامة إلى الانقطاع عن ذكر الله إذا لم يجدوا من يجتمع معهم لترديد الذكر جماعة كما اعتادوا.
4 - أنه قد يحصل من بعض الذاكرين أحياناً تقطيع الآيات حتى يتمكن قصار النَفَس من الترديد مع طوال النَفَس. فهذه أظهر أدلة المانعين من الذكر الجماعي. وقد سقتها - على وجه التفصيل - في حدود ما وقفت عليه، مع تحري الأمانة فيما نقلت.
وأما أدلة المجيزين للذكر الجماعي فقد أجاب المانعون عنها بما يلي:
أولاً: الجواب على الدليل الأول: وهو احتجاجهم بالنصوص الواردة في مدح الذاكرين بصيغة الجمع، وادعاؤهم أن هذا يقتضي اجتماعهم على الذكر بشكل جماعي، وللجواب على هؤلاء يقال:
إن الحث على الذكر بصيغة الجمع ومدح الذاكرين بصيغة الجمع لا يقتضي الدلالة على استحباب أو جواز الذكر الجماعي ولا يلزم منه ذلك. بل غاية ما في هذه النصوص الدلالة على استحباب الذكر لجميع المسلمين، والحث عليه، وسواء كان ذلك على وجه الانفراد، أو الاجتماع، ظاهراً، أو خفياً.
ثانياً: الجواب على الدليل الثاني: وهو استدلالهم بعموم الأحاديث الدالة على فضل الاجتماع على ذكر الله ومجالس الذكر.
فالجواب على هذا الدليل من وجهين:(3/487)
الوجه الأول: أن ذكر الله ليس مقصوراً على التسبيحات والدعوات، وما يقال باللسان، بل إن ذكر الله سبحانه وتعالى يشمل كل قول وفعل يرضي الله تعالى ومنه مجالس العلم والفقه، والقرآن، ولذلك فإن ما ورد في فضل مجالس الذكر ليس المقصود منها فقط ما ذكروه، بل وغير ذلك.
ويدل على ذلك ما ورد في كتاب الحلية لأبي نعيم الأصبهاني، بسنده إلى أبي هزان قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: من جلس مجلس ذكر كفر الله عنه بذلك المجلس عشرة مجالس من مجالس الباطل. قال أبو هزان: قلت لعطاء: ما مجلس الذكر؟ قال: مجلس الحلال والحرام، وكيف تصلي، وكيف تصوم، وكيف تنكح، وكيف تطلق وتبيع وتشتري (68)
وقال الحافظ ابن حجر: والمراد بالذكر: الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها، مثل: الباقيات الصالحات وهي: ((سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)) ، ونحو ذلك. والدعاء بخيري الدنيا والآخرة. ويطلق ذكر الله أيضاً، ويراد به: المواظبة على العمل بما أوجبه، أو ندب إليه: كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة (69) .
قال العلامة المباركفوري (70) : ((المراد بالذكر - هنا -: الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات، وهي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وما يلتحق بها من الحوقلة، والبسملة، والحسبلة، والاستغفار، ونحو ذلك، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة. ويُطلق ذكر الله أيضاً ويُراد به المواظبة على العمل بما أوجبه، أو ندب إليه، كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والتنفل بالصلاة)) .
فإن قال قائل من هؤلاء: إن الذكر بالألفاظ الواردة نوع من أنواع الذكر اللساني يشمله أحاديث فضل مجالس الذكر فدل ذلك على استحباب الاجتماع لأجل هذا الذكر اللساني.(3/488)
فالرد عليه بالوجه الثاني: أن هذه الأحاديث لم تدل على الذكر الجماعي واستحبابه، وإنما هي دالة على استحباب الاجتماع على ذكر الله. وهناك فرق كبير بين هذا وذاك.
فالاجتماع على ذكر الله مستحب مندوب إليه بمقتضى الأحاديث الواردة في فضله، ولكن على الوجه المشروع الذي فهمه الصحابة وعملوا به، فقد كانوا يجتمعون للذكر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: ((كان أصحاب رسول الله (إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم يقرأ، والناس يستمعون. وكان عمر يقول لأبي موسى: ذكرنا ربنا. فيقرأ وهم يستمعون لقراءته)) (71) .
وقال الطرطوشي: ((هذه الآثار (72) تقتضي جواز الاجتماع لقراءة القرآن الكريم على معنى الدرس له والتعلم والمذاكرة وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم، أو يقرأ المعلم على المتعلم، أو يتساويا في العلم، فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة والمدارسة هكذا يكون التعليم والتعلم، دون القراءة معاً.
وجملة الأمر أن هذه الآثار عامة في قراءة الجماعة معاً على مذهب الإدارة، وفي قراءة الجماعة على المقرئ ... ومعلوم من لسان العرب أنهم لو رأوا جماعة قد اجتمعوا لقراءة القرآن على أستاذهم. ورجل واحد يقرأ القرآن، لجاز أن يقولوا: هؤلاء جماعة يدرسون العلم، ويقرؤون العلم والحديث. وإن كان القارئ واحد (73) .
ثالثاً: وأما الآثار التي استدلوا بها عن عمر رضي الله عنه، وميمونة رضي الله عنها. فيجاب عنها من ثلاثة وجوه:(3/489)
الأول: أنها غير صريحة في التكبير الجماعي بالشكل الذي يدعو إليه من يقولون بمشروعية الذكر الجماعي، بل غاية ما فيها أن الناس تأسَّوا بعمر رضي الله عنه فكبروا مثله وبأصوات مرتفعة، وبسبب تداخل واختلاط الأصوات مع كثرة الحجيج فقد ارتجت منى بالتكبير. ولا يفهم منه أن عمر رضي الله عنه كان يكبر ثم يسكت حتى يرددوا خلفه بصوت رجل واحد. وإلا فإن أئمة المذاهب المتبوعة لم ينقل عنهم الإقرار للذكر والتسبيح والتكبير بصوت واحد فلو فهموا منه ما فهمه دعاة الذكر الجماعي لقالوا به. ولكنهم فهموا هذه الآثار - والله أعلم - على ما سبق ذكره في أول هذا الوجه.
وأما أثر ميمونة فيقال فيه ما قيل في أثر عمر. وليس فيه إلا تكبير النسوة مع الرجال في المسجد.
الثاني: أن عمر رضي الله عنه قد ثبت عنه أنه عاقب من اجتمعوا للدعاء والذكر وغيره كما في الأثر الذي رواه ابن وضاح. وقد سبق إيراده في بيان حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم.
الثالث: أن مثل هذا التكبير من عمر والترديد من الناس لم ينقل في غير أيام منى، ووقت الحج. ولو جاز تعميم الحكم، والقول بجواز الذكر الجماعي في المساجد والبيوت، وبعد الصلوات وفي الأوقات المختلفة، لكان في هذا مخالفة واضحة للآثار السابقة عن عمر، وابن مسعود، وخباب، وغيرهم رضي الله عنهم جميعاً.
رابعاً: وأما الأمر الرابع الذي استدلوا به: وهو دعواهم أن للذكر الجماعي مصالح عديدة، فيجاب عنه بما يأتي (74) :(3/490)
1 - قولهم إن فيه تعاوناً على البر والتقوى باطل، يرده فعل النبي (. فإن النبي (هو الذي أنزل عليه {وتعانوا على البر والتقوى} وكذلك فعله عليه السلام، ولو كان الاجتماع للدعاء والذكر بعد الصلاة جهراً لمن شهد الصلاة، وفي غير ذلك من الأوقات. لو كان هذا كله من باب التعاون على البر والتقوى لكان أول سابق إليه هو النبي عليه السلام ولفاز بالسبق إليه أصحابه رضوان الله عليهم، ومن المعلوم أنهم لم ينقل عنهم ذلك قطعاً. وكذب من ادعى عليهم شيئاً من ذلك.
2 - وأما قولهم إن الذكر الجماعي أقرب للإجابة. فيجاب عليهم بأن هذه العلة كانت موجودة في زمانه عليه السلام بل هو (أعظم من تجاب دعوته ولا شك في ذلك، فهو عليه السلام كان أحق بأن يفعل ذلك ويدعو مع أصحابه - جماعة - خمس مرات في اليوم والليلة. ولكن رغم ذلك لم ينقل عنه أنه فعل ذلك. وبالتالي يصبح من الواجب الحكم على هذا الفعل بأنه بدعة بناء على ما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام، وبناء على الأدلة الكثيرة في بيان وجوب طاعته والاهتداء بهديه، والاقتداء بسنته.
3 - وأما قولهم إن الذكر الجماعي أبعد عن اللحن في الدعاء والذكر ولاسيما للعوام، فيجاب عليهم بما يلي:
أ - أنه ليس من شروط صحة الدعاء عدم اللحن فيه، بل يشترط الإخلاص وصدق التوجه ومتابعة النبي (في ذلك.
وقد كان الصحابة متوافرين بعد انتشار الفتوحات، وظهور العجمة في الألسنة بعد أن كثر العجم الداخلون في الإسلام وشاع بين الناس اللحن في الكلام، ومع ذلك لم ينقل عن الصحابة شيء من هذا الذكر الجماعي.
ب - أن هذا اللحن الذي زعموه، والموجود في الدعاء، يوجد أيضاً من هؤلاء العوام في قراءة القرآن، وفي الصلاة وفي غيرها من شعائر الدين، وكان الجدير بهؤلاء أن يعلموهم بعد الصلوات تلك الأحكام، لأنها أمور واجب تعلمها على المسلم، أما الدعاء فهو أمر مستحب.(3/491)
رابعاً: قولهم: إن هذا عمل الناس، وعليه الجماعة، وقد اجتمع عليه أكثر الناس.
فيجاب عليهم بأن هذا احتجاج بالناس على الشرع، وهذا باطل. بل يحتج بالشرع وبالدليل على الناس، وعلى الرجال، وأما اتباع عامة الناس وأغلبهم في أمور الدين فهذا باب ضلال، وقد ذمه الله عز وجل في كتابه فقال: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} [الأنعام: 116] . ولسنا متعبَّدين بطاعة الناس واتباعهم، بل بطاعة النبي (واتباعه.
وقد جاء عن أبي علي بن شاذان بسند يرفعه إلى أبي عبد الله بن إسحاق الجعفري قال: ((كان عبد الله بن الحسن - يعني ابن الحسن بن علي بن أبي طالب يكثر الجلوس إلى ربيعة فتذاكروا يوماً. فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل على هذا (أي أن عمل العوام يخالف ذلك) . فقال عبد الله: أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام، أفهم الحجة على السنة؟ فقال ربيعة: أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء)) (75) . فبيَّن عبد الله ابن الحسن أن كثرة الجهال والمبتدعين، وتسلطهم على الناس، ونشرهم لبدعتهم، ليس حجة على السنة وعلى الشرع، ولا ينبغي ولا يجوز أن يعارض شرع الله، وسنة الرسول (بفعل أحد من الناس، كائناً من كان.
خامساً: دعواهم أن الذكر الجماعي وسيلة لها حكم غايتها، وغاية الذكر الجماعي عبادة الله.
فيجاب عليهم بما يلي:
1 - أن هذه القاعدة ليست قاعدة مطردة على الدوام، بل إن لها موارد مقصورة عليها، فهذه القاعدة مقصورة على ما ورد في الشرع سواء كان وسيلة أم غاية. ومما يدل على ذلك أن الشيء قد يكون مباحاً، بل واجباً، ومع ذلك تكون وسيلته مكروهة أو محرمة. كمن يتوصل إلى تحصيل ماء الوضوء عن طريق الغصب أو السرقة.
2 - يدلك على هذا كذلك فعل السلف الصالح، فإنهم - رضي الله عنهم - كانوا يتحرون في أمور العبادات كلها تحرياً شديداً من غير التفات إلى الفرق بين ما يسمى(3/492)
((وسائل)) و ((غايات)) (76) .
سادساً: وأما قولهم: إن الآثار المانعة للذكر الجماعي تعارض الأحاديث الكثيرة التي تثبت مشروعية الذكر الجماعي (كذا زعموا) ، فتُقدَّم الأحاديث عليها.
فيجاب عليهم بأنه لا تعارض بين هذه الآثار وتلك الأحاديث كما سبق، بل إن تلك الأحاديث ينبغي أن تفهم وتفسر في ضوء فهم السلف الصالح لها، وهذه الآثار الواردة عن السلف تفسر جانباً من هذه الأحاديث، كما سبق وأن ذكرناه.
وأما ما رد به السيوطي أثر ابن مسعود بأنه لا يعرف له سند، فمردود بأنه أثر صحيح بمجموع طرقه رواه الدارمي في سننه، وابن وضاح في البدع (77) . والعجب أن الإمام السيوطي - رحمه الله - ذكر هذا في كتابه ((الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع)) (78) .
وأما قول الدكتور الزحيلي (79) : ((فلا يصح القول بتبديع الدعاء الجماعي بعد الصلاة ... )) إلخ.
فيقال: قوله: (لا يصح) . هذه كلمة شرعية، وإطلاق لحكم شرعي، وهذا يقتضي عدم الجواز. فمن أين أتى بهذا الحكم؟ ومَنْ سبقه بهذا من أهل العلم المعتبرين؟ ولا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة.
ثم قوله: ((وجرى العمل بين المتأخرين بالاجتماع على الدعاء)) (80) أهـ.
فيقال له: ومتى كان اجتماع الناس على عملٍ ما قاضياً على شرع الله عز وجل؟ فالحجة إنما هي في النصوص وفي عمل الرسول (، والصحابة الكرام، لا في عمل المتأخرين.
ثم قوله في إنكار ابن مسعود على المجتمعين على الذكر: ((والواقع أن هذا الإنكار ليس بسبب اجتماعهم على الذكر. وإنما لشذوذهم وادعائهم أنهم أشد اجتهاداً في الدين من غيرهم)) (81) أهـ.(3/493)
فيقال له: ما دليلك على هذا الكلام؟! وكل من روى هذه الواقعة فهم منها إنكار ابن مسعود للذكر الجماعي، ومثله إنكار خباب بن الأرت على ولده، وهل كان هناك شذوذ عند هؤلاء المذكورين غير اجتماعهم على الذكر الجماعي؟ إذ لا يمكن أن يقال إن شذوذهم كان بسبب أنهم يذكرون الله كثيراً.
ومن هنا يتبين لك ضعف استدلال المجيزين للذكر الجماعي بالأدلة التي استدلوا بها، وأنها لا تنهض لهم بما أرادوا، وأن الحجة قائمة عليهم بحمد الله تعالى. وكذلك يتبين لك قوة أدلة المانعين من الذكر الجماعي.
المبحث الخامس: حكم الذكر الجماعي
سبق ذكر موقف السلف من الذكر الجماعي، وأنهم يعدونه محدثاً في الدين لم يفعله النبي (ولا الصحابة رضي الله عنهم، ولا من بعدهم. وكذلك الدعاء جماعة، سواء بعد الفريضة أو غيرها فهم يعدونه بدعة، إلا ما ورد به الدليل، وقد تعددت النقول عنهم في ذلك، وقد تقدم ذكر بعضها، ودرج على منوالهم فقهاء الإسلام على اختلاف مذاهبهم، فمن ذلك:
1 - ذكر الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في كتابه (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) (82) ، عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن رفع الصوت بالتكبير بدعة في الأصل، لأنه ذكر. والسنة في الأذكار المخافتة؛ لقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية} [الأعراف: 55] . ولقوله (: ((خير الدعاء الخفي)) (83) . ولذا فإنه أقرب إلى التضرع والأدب، وابعد عن الرياء فلا يترك هذا الأصل إلا عند قيام الدليل المخصص. انتهى.(3/494)
وقال العلامة المباركفوري في (تحفة الأحوذي) (84) : اعلم أن الحنفية في هذا الزمان، يواظبون على رفع الأيدي في الدعاء بعد كل مكتوبة مواظبة الواجب، فكأنهم يرونه واجباً، ولذلك ينكرون على من سلم من الصلاة المكتوبة وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم قام ولم يدع ولم يرفع يديه. وصنيعهم هذا مخالف لقول إمامهم الإمام أبي حنيفة، وأيضاً مخالف لما في كتبهم المعتمدة. انتهى.
2 - ومما يتعلق بمذهب مالك رحمه الله في الذكر الجماعي ما جاء في كتاب (الدر الثمين) للشيخ محمد بن أحمد ميارة المالكي (85) : كره مالك وجماعة من العلماء لأئمة المساجد والجماعات الدعاء عقيب الصلوات المكتوبة جهراً للحاضرين. ونقل الإمام الشاطبي في كتابه العظيم (الاعتصام) (86) قصة رجل من عظماء الدولة ذوي الوجاهة فيها موصوف بالشدة والقوة، وقد نزل إلى جوار ابن مجاهد. وكان ابن مجاهد لا يدعو في أخريات الصلوات، تصميماً في ذلك على المذهب - مذهب مالك - لأن ذلك مكروه فيه. فكأن ذلك الرجل كره من ابن مجاهد ترك الدعاء، وأمره أن يدعو فأبى فلما كان في بعض الليالي قال ذلك الرجل: فإذا كان غدوة غد أضرب عنقه بهذا السيف. فخاف الناس على ابن مجاهد فقال لهم وهو يبتسم: لا تخافوا، هو الذي تُضرب عنقه في غدوة غد بحول الله. فلما كان مع الصبح وصل إلى دار الرجل جماعة من أهل المسجد فضربوا عنقه. انتهى.(3/495)
3 - وأما مذهب الشافعي رحمه الله، فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في (الأم) (87) : وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعُلِّم منه ثم يُسِرُّ، فإن الله عز وجل يقول: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] يعني - والله تعالى أعلم - الدعاء، ولا تجهر: ترفع. ولا تخافت: حتى لا تسمع نفسك. انتهى.
وقال الإمام النووي في المجموع (88) : اتفق الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى على أنه يُستحب ذكر الله تعالى بعد السلام، ويُستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ... وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الإمام بصلاتي الصبح والعصر، فلا أصل له. انتهى. قلت: ولقائل أن يقول: نفيه للتخصيص في هذين الوقتين يدل على جواز الدعاء في جميع الصلوات، ويبطل هذا الزعم قول النووي نفسه في (التحقيق) (89) : يندب الذكر والدعاء عقيب كل صلاة ويسر به، فإذا كان إماماً يريد أن يعلمهم جهر، فإذا تعلموا أسر. انتهى.
4 - وأما ما يتعلق بمذهب الحنابلة، فقد قال ابن قدامة في (المغني) (90) : ويُستحب ذكر الله تعالى والدعاء عقيب صلاته، ويُستحب من ذلك ما ورد به الأثر، وذكر جملة من الأحاديث، فيها شيء من الأذكار التي كان (يقولها في دبر كل صلاة مكتوبة. وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (91) عن الدعاء بعد الصلاة، فذكر بعض ما نقل عنه (من الأذكار بعد المكتوبة، ثم قال: وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعاً عقيب الصلاة فلم ينقل هذا أحد عن النبي (. انتهى.(3/496)
قلت: وفيما يختص بدعاء الإنسان منفرداً من غير جماعة فإنه إذا كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً فليس ثم مانع يمنعه من الدعاء إذا بدأ بالأذكار المسنونة والتسابيح المشروعة في أعقاب الصلوات، وقد دل على ذلك كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله الكريم (وهدي السلف الصالح رضي الله عنهم. أما الدليل من الكتاب العزيز، فقول الله تعالى: {فإذا فرغت فانصب. وإلى ربك فارغب} [الشرح: 7 - 8] .
وقد ورد في الكلام على هاتين الآيتين، في إحدى الروايتين: فإذا فرغت من صلاتك، فانصب إلى ربك في الدعاء وسله حاجتك. نقل هذا ابن جرير الطبري (92) في تفسيره وابن أبي حاتم (93) ، والسمعاني (94) ، والقرطبي (95) ، وابن الجوزي (96) ، وابن كثير (97) ، والشوكاني (98) ، والسعدي، وغيرهم من المفسرين.
قال السعدي رحمه الله في تفسير هاتين الآيتين: {فإذا فرغت فانصب} أي إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه فاجتهد في العبادة والدعاء. {وإلى ربك} وحده {فارغب} أي أعظم الرغبة في إجابة دعائك، وقبول دعواتك ولا تكن ممن إذا فرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، فتكون من الخاسرين. وقد قيل: إن معنى هذا: فإذا فرغت من الصلاة، وأكملتها فانصب في الدعاء. {وإلى ربك فارغب} في سؤال مطالبك. واستدل من قال هذا القول على مشروعية الدعاء والذكر عقب الصلوات المكتوبات. والله أعلم (99) . انتهى.
وأما من السنة، فعن أبي أمامة قال: قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال ((جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات)) . رواه الترمذي (100) وقال: هذا حديث حسن.
وقد جاءت بذلك فتاوى العلماء قديماً وحديثاً:
فمن القديم ما ذكره ابن مفلح قال: قال مهنا: سألت أبا عبد الله عن الرجل يجلس إلى القوم، فيدعو هذا، ويدعو هذا ويقولون له: ادع أنت. فقال: لا أدري ما هذا؟! أي: أنه استنكره.(3/497)
وقال الفضل بن مهران: سألت يحيى بن معين وأحمد بن حنبل قلت: إن عندنا قوماً يجتمعون، فيدعون، ويقرأون القرآن، ويذكرون الله تعالى، فما ترى فيهم؟
قال: فأما يحيى بن معين فقال: يقرأ في مصحف، ويدعو بعد الصلاة، ويذكر الله في نفسه، قلت: فأخ لي يفعل ذلك. قال: أنهه، قلت: لا يقبل، قال: عظه. قلت: لا يقبل. أهجره؟ قال: نعم. ثم أتيت أحمد فحكيت له نحو هذا الكلام فقال لي أحمد أيضاً: يقرأ في المصحف ويذكر الله في نفسه ويطلب حديث رسول الله. قلت: فأنهاه؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يقبل؟ قال: بلى إن شاء الله، فإن هذا محدث، الاجتماع والذي تصف (101) .
وقال الإمام الشاطبي في بيان البدع الإضافية ما نصه: ((كالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان. فإن بينه وبين الذكر المشروع بوناً بعيداً إذ هما كالمتضادين عادة)) (102) .
وقال ابن الحاج: ((ينبغي أن ينهى الذاكرون جماعة في المسجد قبل الصلاة، أو بعدها، أو في غيرهما من الأوقات. لأنه مما يشوش بها)) (103) .
وقال الزركشي: ((السنة في سائر الأذكار الإسرار. إلا التلبية)) (104) .
جاء في (الدرر السنية) : ((فأما دعاء الإمام والمأمومين، ورفع أيديهم جميعاً بعد الصلاة، فلم نر للفقهاء فيه كلاماً موثوقاً به. قال الشيخ تقي الدين: ولم ينقل أنه (كان هو والمأمومون يدعون بعد السلام. بل يذكرون الله كما جاء في الأحاديث)) (105) .(3/498)
وجاء في فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا ما يلي: ((ختام الصلاة جهاراً في المساجد بالاجتماع، ورفع الصوت، من البدع التي أحدثها الناس، فإذا التزموا فيها من الأذكار ما ورد في السنة، كانت من البدع الإضافية)) (106) . وقال في موضع آخر: ((إنه ليس من السنة أن يجلس الناس بعد الصلاة بقراءة شيء من الأذكار، والأدعية المأثورة، ولا غير المأثورة برفع الصوت وهيئة الاجتماع.. وأن الاجتماع في ذلك والاشتراك فيه ورفع الصوت بدعة)) (107) .
وجاء في الفتاوى الإسلامية للشيخ ابن عثيمين: ((الدعاء الجماعي بعد سلام الإمام بصوت واحد لا نعلم له أصلاً على مشروعيته)) (108) .
وقال الشيخ صالح الفوزان: ((البدع التي أحدثت في مجال العبادات في هذا الزمان كثيرة، لأن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع شيء منها إلا بدليل. وما لم يدل عليه دليل فهو بدعة ... ثم ذكر بعض البدع. وقال: ومنها الذكر الجماعي بعد الصلاة لأن المشروع أن كل شخص يقول الذكر الوارد منفرداً)) (109) .
فأصل الدعاء عقب الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، وإنما يباح منه ما كان لعارض، قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: ((لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الاجتماع وقع من أئمة المساجد في بعض الأوقات: للأمر يحدث عن قحط أو خوف من ملم لكان جائزاً.. وإذا لم يقع ذلك على وجه يخاف منه مشروعية الانضمام، ولا كونه سنة تقام في الجماعات، ويعلن به في المساجد كما دعا رسول الله دعاء الاستسقاء بهيئة الاجتماع وهو يخطب)) (110) .(3/499)
وإنما كان هذا الدعاء بعد الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، مع ثبوت مشروعية الدعاء مطلقاً، وورود بعض الأحاديث بمشروعية الدعاء بعد الصلوات خاصة، وذلك لما قارنه من هذه الهيئة الجماعية، ثم الالتزام بها في كل الصلوات حتى تصير شعيرة من شعائر الصلاة. فإن وقع أحياناً فيجوز إذا كان من غير تعمد مسبق، فقد روي عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه أجاز الدعاء للإخوان إذا اجتمعوا بدون تعمد مسبق، وبدون الإكثار من ذلك حتى لا يصير عادة تتكرر (111) ، وقال شيخ الإسلام: ((الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن مستحب إذا لم يتخذ ذلك عادة راتبة كالاجتماعات المشروعة ولا اقترن به بدعة منكرة)) (112) وقال: ((أما إذا كان دائماً بعد كل صلاة فهو بدعة، لأنه لم ينقل ذلك عن النبي (والصحابة والسلف الصالح)) (113) .
المبحث السادس: مفاسد الذكر الجماعي
سبق الإشارة إلى بعض مفاسد الذكر الجماعي باختصار ضمن المبحث الرابع. ونظراً لأهمية هذه المسألة فقد أفردتها بهذا المبحث المستقل. فأقول - مستعيناً بالله - إن من مفاسد الذكر الجماعي:
الأولى: مخالفة هدي النبي (وأصحابه رضي الله عنهم، فإنهم لم ينقل عنهم شيء من ذلك. ولا شك أن ما خالف هدي النبي (وهدي أصحابه الكرام رضي الله عنهم، فهو بدعة ضلالة. ولو كان خيراً لفعله (، ولتبعه في ذلك الصحابة الكرام، ولنقل ذلك عنهم ولا شك. فلما لم ينقل ذلك عنهم دل على أنهم لم يفعلوه. وما لم يكن ديناً في زمانهم فليس بدين اليوم.
الثانية: الخروج عن السمت والوقار، فإن الذكر الجماعي قد يتسبب فيب التمايل، ثم الرقص، ونحو ذلك، وهذا لا يجوز بحال، بل هو منافٍ للوقار الواجب عند ذكر الله تعالى، وحال أهل الطرق الصوفية معروف في هذا الباب.(3/500)
الثالثة: التشويش على المصلين، والتالين للقرآن، وذلك إذا كان الذكر الجماعي في المساجد. ولاشك أن المجيزين له يعدون المساجد أعظم الأماكن التي يتم الالتقاء فيها للذكر الجماعي.
الرابعة: أنه قد يحصل من الذاكرين تقطيع في الآيات، أو إخلال بها وبأحكام تلاوتها، أو بأذكار مما يجتمع عليها، كما لو أن أحدهم قد انقطع نَفَسُه ثم أراد إكمال الآية فوجد الجماعة قد سبقوه، فيضطر لترك ما فاته واللحاق بالجماعة فيما يقرأون. أو أن يكون بعض القارئين مخلاً بالأحكام فيضطر المجيد للأحكام إلى مجاراتهم حتى لا يحصل نشاز وتعارض، ونحو ذلك.
الخامسة: أن في الذكر الجماعي تشبهاً بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية جماعة وبصوت واحد. وهذا التشبه بأهل الكتاب مع ورود النهي الشديد عن موافقتهم في دينهم دليل واضح على عدم جواز الذكر الجماعي.
السادسة: أن فتح باب الذكر الجماعي قد يؤدي إلى أن تتبع كل طائفة شيخاً معيناً يجارونه فيما يذكر، وفيما يقول، ولو أدى ذلك إلى ظهور أذكار مبتدعة، ويزداد التباعد بين أرباب هذه الطرق يوماً بعد يوم؛ لأن السنة تجمع، والبدعة تفرق
السابعة: أن اعتياد الذكر الجماعي قد يؤدي ببعض الجهال والعامة إلى الانقطاع عن ذكر الله إذا لم يجد من يشاركه، وذلك لاعتياده الذكر الجماعي دون غيره.
ولاشك أن للذكر الجماعي مفاسد أخرى، وفيما ذكرت كفاية،،،، ولله الحمد.
• • •
الخاتمة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(4/1)
فمن خلال هذا البحث، وما ورد فيه، يتبين لنا أن الذكر الجماعي ليس له أصل في دين الله تعالى، إذ لم ينقل عن النبي (ولا عن الصحابة الكرام أنهم كانوا يذكرون الله جماعة، ولم يفعله السلف الصالح رضي الله عنهم، بل أنكروا على من فعل ذلك، ولم تنتشر هذه البدعة إلا بقوة السلطان، وذلك على يد المأمون بن هارون الرشيد، لما أمر به ودعا إليه ثم اعتاده الناس، وشاع بينهم حتى أصبح عندهم كالفريضة.
وقد احتج أصحاب هذه البدعة بنصوص عامة لا تسعفهم صراحة عند الاستدلال بها. وقد استدلوا كذلك بمصالح - ادعوها - للذكر الجماعي، وقد سقنا - والحمد لله - الجواب عن حججهم، بل وذكرنا بعضاً من مفاسد هذه البدعة في مبحث مستقل خلال هذا البحث، وبينا بعضاً من أضرارها على صاحبها، وعلى غيره.
وأسأل الله أن أكون قد وفقت في إخراج هذا البحث، وما كان فيه من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمني، والله ورسوله منه براء، وأسأل الله القبول، والحمد لله رب العالمين.
الحواشي والتعليقات
هذه خطبة الحاجة التي كان النبي (يستفتح بها خطبه، رواها الإمام أحمد في المسند (1 / 392 - 293) وأبو داود (2118) ، والترمذي (1105) ، وابن ماجه (1892) . وأخرج بعضها الإمام مسلم في صحيحه (867) و (868) وللشيخ الألباني رسالة مطبوعة في إثبات صحتها عن النبي (وقد صححها كذلك في صحيح أبي داود (860) وصحيح ابن ماجه (1535) ، وفي تخريج مشكاة المصابيح 3149) .
انظر: تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي (1 / 246) .
أخرجه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) من حديث عائشة.
انظر: تفسير السعدي المسمَّى (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) (6 / 609) ، ط مؤسسة السعيدية بالرياض.
القاموس المحيط (507) ، لسان العرب لابن منظور (5 / 48) .
مفردات الراغب (328) .(4/2)
انظر: الموسوعة الفقهية (21 / 220) ، والفتوحات الربانية (1 / 18) .
الموسوعة الفقهية (21 / 252) .
تاريخ الأمم والملوك (10 / 281) .
البداية والنهاية (10 / 282) .
دراسات في الأهواء (ص 282) .
انظر: الإبداع في مضار الابتداع (317) .
الإبداع في مضار الابتداع (316) .
الإبداع في مضار الابتداع (317) .
السنن والمبتدعات (60) ، وعلم أصول البدع (151) .
السنن والمبتدعات (60) .
انظر: علم أصول البدع (151) .
إصلاح المساجد (ص 111) .
مسك الختام في الذكر والدعاء بعد السلام (123) .
الحوادث والبدع (126) .
تقديس الأشخاص (3361) .
تقديس الأشخاص (1 / 336) .
البدع وما لا أصل له (ص 425) .
التحقيق والإيضاح لكثير من مناسك الحج والعمرة (35) .
مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف للألباني (63) رقم (166) .
انظر: حجج من أجاز الذكر الجماعي في كتاب (نتيجة الفكر في الجهر بالذكر) للسيوطي (2 / 23 - 29) مطبوع ضمن الحاوي للفتاوي وكتاب صفة صلاة النبي (لحسين السقاف (ص 244 - 257) .
البخاري (6408) ، ومسلم (2689) عن أبي هريرة.
فتح الباري (11 / 212) .
رواه أحمد في المسند (4 / 124) ، والطبراني في الكبير (7 / 290 ح 7163) .
انظر الموقظة للذهبي (ص 83) .
البخاري (7405) ، ومسلم (2657) عن أبي هريرة.
ما جاء في البدع (ص 48 رقم 25) .
مسلم (2701) عن معاوية.
أخرجه أبو داود (3667) وهو في صحيح أبي داود (3114) .
تفسير ابن أبي حاتم (3 / 1048) .
تفسير ابن جرير (4 / 438 ح 12081) .
تقريب التهذيب (401) .
سير أعلام النبلاء (5 / 206) .
البخاري (2 / 225، 226) ، ومسلم (ح 392) في الصلاة، وأبو داود (ح 836) ، والنسائي (2 / 233) .
المعجم الكبير (قطعة من جزء 13 رقم 324) من طريق فضيل بن سليمان عن محمد بن أبي يحيى، وسنده ضعيف.(4/3)
انظر: تهذيب الكمال وحاشيته (23 / 274، 275) .
عمل اليوم والليلة لابن السني (ص 53) .
تقريب التهذيب (193) .
تحفة الأحوذي شرح الجامع للترمذي (1 / 246) .
مصنف ابن أبي شيبة (1 / 337) .
المحلى لابن حزم (4 / 261) .
جامع الترمذي بشرح تحفة الأحوذي (1 / 299) ؛ ومسند أحمد (3 / 229 - 230) .
جامع الترمذي بشرح تحفة الأحوذي (1 / 299) .
تقريب التهذيب (1 / 317 / 3757) .
أخرجه البخاري تعليقاً مجزوماً به (الفتح 2 / 534) ، وابن المنذر في الأوسط (4 / 299 / رقم 2197) والبيهقي في السنن الكبرى (3 / 312) . قال ابن حجر في الفتح (2 / 535) : ((وصله سعيد بن منصور من رواية عبيد بن عمير، ووصله أبو عبيد من وجه آخر بلفظ التعليق، ومن طريقه البيهقي)) وذكر ابن حجر نفس الكلام في تغليق التعليق (2 / 379) .
أخرجه البخاري تعليقاً مجزوماً به (الفتح 2 / 534) . قال ابن حجر في الفتح (2 / 535) :
((وقد وصل هذا الأثر أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب العيدين)) .
وهذه المصالح التي زعموها ذكرها الشاطبي في الاعتصام (1 / 461) وما بعدها.
المرجع السابق (1 / 460) .
القواعد والأصول الجامعة (ص 25) .
هذه من الحجج التي احتج بها بعض الناس في إثبات كثير من المحدثات. انظر: علم أصول البدع ص 246.
يعني الأثر الذي رواه الدارمي، والذي فيه إنكاره الذكر الجماعي. وكذلك وردت آثار أخرى عنه ذكر فيها إنكاره الذكر الجماعي كما في البدع لابن وضاح.
الحاوي للفتاوي (2 / 132) .
الاعتصام (1 / 219) .
الفتاوى الكبرى (2 / 467) .
ما جاء في البدع لابن وضاح (54) ، وابن أبي شيبة في المصنف (8 / 558) . وسنده حسن.(4/4)
الدارمي (1 / 68 - 69) بإسناد جيد، وابن وضاح في البدع (ص 8 - 10، 11، 12، 13) من عدة طرق عن ابن مسعود. وابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص 16 - 17) ، وأورده السيوطي في الأمر بالاتباع (ص 83 - 84) قال محقق كتاب (الأمر بالاتباع) للسيوطي: ((والأثر صحيح بمجموع طرقه)) .
العمالقة: الجبابرة الذين كانوا بالشام من بقية قوم عاد. ويقال لمن خدع الناس ويخلبهم: عملاق، والعملقة: التعمق في الكلام. فشبَّه القصاص بهم لما في بعضهم من الكبر والاستطالة على الناس. أو بالذين يخدعونهم بكلامهم. وهو أشبه. قاله ابن الأثير في النهاية (3 / 301) .
ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 32 رقم 32) ، وابن أبي شيبة في المصنف (8 / 559) .
كتاب الحوادث والبدع للطرطوشي ص 62، 63 - 68.
فتاوى الشاطبي ص (206 - 208) .
أخرجه: البخاري (2697) ، ومسلم (1718) عن عائشة.
أخرجه أبو داود (1332) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1183) وفي صحيح الجامع الصغير (2639) ونسبه لأحمد والحاكم والبيهقي وابن خزيمة.
الحلية (3 / 313) .
الفتح (11 / 250) .
تحفة الأحوذي (9 / 314) .
مجمع الفتاوى (11 / 533) .
أي التي تدل على فضل مجالس الذكر والاجتماع عليه.
الحوادث والبدع ص 166.
انظر: الاعتصام للشاطبي (1 / 461) بتصرف.
الاعتصام (1 / 460) .
علم أصول البدع ص 246.
ما جاء في البدع (ص 400 وما بعدها) رقم (9، 17، 18، 19، 20، 23) .
الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص 83) .
البدع المنكرة (ص 47) .
المصدر السابق (ص 47 - 48) .
المصدر السابق (ص 48 - 49) .
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1 / 196) .(4/5)
أخرجه الإمام أحمد في المسند (3 / 44) ، وأبو يعلى في مسنده (2 / 81) (731) ، وابن حبان في صحيحه (3 / 91) (809) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10 / 81) وقال: ((رواه أحمد وأبو يعلى، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن لبيب، قد وثقه ابن حبان ... وضعفه ابن معين وبقية رجاله رجال الصحيح)) .
تحفة الأحوذي شرح الجامع للترمذي (1 / 246) .
الدر الثمين والمورد المعين، للشيخ محمد بن أحمد ميارة المالكي (ص 173، 212) .
الاعتصام، للشاطبي (2 / 275) ، بتصرف.
الأم، للشافعي (1 / 111) .
المجموع للنووي (3 / 465 - 469) .
كتاب التحقيق للنووي (219) . كمال في كتاب مسك الختام (137 - 141) .
المغني لابن قدامة (2 / 251) .
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22 / 515) .
تفسير الطبري (12 / 628 - 629) .
تفسير ابن أبي حاتم (10 / 3446) .
تفسير السمعاني (6 / 252) ، ط دار الوطن.
تفسير القرطبي (20 / 74) ، ط دار الكتب العلمية.
تفسير ابن الجوزي (9 / 166) ، ط المكتب الإسلامي.
تفسير ابن كثير (4 / 497) ، ط دار الكتب العلمية.
تفسير الشوكاني (5 / 462) ، ط دار الوفاء.
تيسير الكريم الرحمن (859) ، ط مؤسسة الرسالة.
الترمذي (5 / 526 / ح 3499) ، وأبو داود (2 / 25) .
الآداب الشرعية (2 / 75) .
الاعتصام (4 / 318) .
إصلاح المساجد للقاسمي (ص 111) .
إصلاح المساجد للقاسمي (ص 111) .
الدرر السنية (4 / 356) .
(4 / 358) .
(4 / 359) .
(4 / 318) .
الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد (ص 389) .
الاعتصام للشاطبي (2 / 23) .
الاقتضاء (304) .
الاقتضاء (304) .
الفتاوى الكبرى المصرية (1 / 188) ، مجموع الفتاوى (22 / 492) ، اقتضاء الصراط المستقيم (203)
المصادر والمراجع
إصلاح المساجد، للقاسمي. ط المكتب الإسلامي، بيروت.(4/6)
اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية. ط بيروت، ت: محمد حامد الفقي، وطبعة أخرى
تحقيق: د. ناصر العقل.
الآداب الشرعية، لابن مفلح. ط بيروت.
الإبداع في مضار الابتداع، لعلي محفوظ. ط دار الاعتصام بمصر.
الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، لصالح الفوزان. ط دار العاصمة، الرياض.
الاعتصام، للشاطبي. ط بيروت.
الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع، للسيوطي. ط دار ابن القيم، الدمام، وطبعة أخرى مصرية.
الأم، للشافعي. ط دار الشروق، بيروت.
الأوسط، لابن المنذر. ط دار طيبة، الرياض.
بدائع الصنائع، للكاساني. ط دار الكتاب العربي، بيروت.
البداية والنهاية، لابن كثير. ط مكتبة المعارف، بيروت.
البدع المنكرة، د. وهبة الزحيلي. ط دمشق.
تاريخ الأمم والملوك، للطبري. دار سويدان، بيروت.
تحفة الأحوذي، للمباركفوري. ط دار الكتاب العربي.
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير. ط دار الفكر.
تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي لمحمد أحمد نوح. ط دار الهجرة بالدمام.
تقريب التهذيب، لابن حجر. ط دار الرشيد، وط دار المعرفة.
تيسير الكريم المنان، السعدي. ط السعيدية، وط الرسالة.
التحقيق والإيضاح لكثير من مناسك الحج والعمرة، لعبد العزيز بن باز. ط الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض.
الجامع الصحيح (سنن الترمذي) . ط دار الكتب العلمية.
الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم. ط دار الكتب العلمية.
حلية الأولياء، لأبي نعيم الاصبهاني. ط دار الكتب العلمية.
الحاوي للفتاوي، للسيوطي. ط المكتب الإسلامي.
الحوادث والبدع. ط دار الراية بالرياض.
دراسات في الأهواء، د. ناصر العقل، ط دار الوطن.
الدر الثمين والمورد المعين، لمحمد بن أحمد ميارة المالكي.
الدرر السنية، جمع ابن قاسم. ط بيروت.
سير أعلام النبلاء، للذهبي. ط مؤسسة الرسالة.
السنن، لابن ماجه. ط دار الفكر العربي.(4/7)
السنن، لأبي داود. ط دار الكتاب العربي، وط دار الحديث، سوريا.
السنن، للدارمي. ط بيروت.
السنن، والمبتدعات للشقيري. ط القاهرة.
السنن الكبرى، البيهقي. ط دار المعرفة، بيروت.
صحيح البخاري، للبخاري. ط مصطفى البغا.
صحيح سنن ابن ماجة، الألباني. ط مكتب التربية العربي.
صحيح سنن أبي داود، الألباني. ط مكتب التربية العربي.
صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج. ط الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض.
علم أصول البدع، علي عبد الحميد. ط دار الراية، الرياض.
عمل اليوم والليلة، لابن السني. ت: أبي محمد السلفي، ط دار المعرفة، بيروت.
عون المعبود، لشمس الحق العظيم آبادي. ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا. ط بيروت.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني. ط السلفية، وط الريان.
الفتاوى الإسلامية، لابن عثمين. ط دار الوطن.
الفتاوى الكبرى المصرية، لابن تيمية. ط دار المعرفة.
الفتوحات الربانية، لابن علان. ط دار إحياء التراث، بيروت.
القاموس المحيط، للفيروزآبادي. ط مؤسسة الرسالة، بيروت.
القواعد والأصول الجامعة، للسعدي. ط بيروت.
كتاب التحقيق، للنووي. ط بيروت.
كتاب الضعفاء والمتروكين، للنسائي. ط مؤسسة الكتب الثقافية، وط دار القلم.
الكتاب المصنف، لابن أبي شيبة. ط الدار السلفية، الهند، وط بيروت.
لسان العرب، لابن منظور. ط المؤسسة المصرية العامة للتأليف. وط دار صادر.
لسان الميزان، لابن حجر. ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
اللؤلؤ والمرجان. ط دار الحديث، القاهرة.
ما جاء في البدع، لابن وضاح. تحقيق: البدر، ط دار الصميعي، وط دار الكتب العلمية.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام، لابن تيمية. ط مؤسسة الرسالة.
مسك الختام في الذكر والدعاء بعد السلام، لأحمد بن سعيد الأنبالي، دار ابن حزم، بيروت.(4/8)
مناسك الحج والعمرة، للألباني. ط بيروت.
ميزان الاعتدال، للذهبي. ط دار المعرفة، بيروت.
المجموع، للنووي. ط مكتبة ابن تيمية.
المحلى، لابن حزم. ط دار الآفاق الجديدة.
المسند، للإمام أحمد بن حنبل. ط المكتب الإسلامي.
المغني، لابن قدامة. ط دار هجر بمصر.
المفردات، للراغب. ط دار المعرفة، بيروت، وطبعة أخرى.
الموسوعة الفقهية. ط وزارة الأوقاف والشئون الإسلامة، الكويت.(4/9)
قواعد مهمة
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
على ضوء الكتاب والسنة
د. حمود بن أحمد الرحيلي
الأستاذ المشارك بكلية الدعوة وأصول الدين
بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ملخص البحث
يتضمن بحث “ قواعد مهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء الكتاب والسنة ” أهمية الموضوع وخطة البحث، ومنهجي في البحث، وسبع قواعد، وقد جاءت القواعد على النحو التالي:
القاعدة الأولى: الشرع هو الأصل في تقرير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
القاعدة الثانية: العلم والبصيرة بحقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
القاعدة الثالثة: معرفة شروط إنكار المنكر. وهذه الشروط هي:
1 - التحقق من كونه منكراً.
2 - أن يكون المنكر موجوداً في الحال، وله ثلاث حالات، ولكل حالة ما يناسبها.
3 - أن يكون ظاهراً من غير تجسس مالم يكن مجاهراً.
4 - أن يكون الإنكار في الأمور التي لا خلاف فيها.
القاعدة الرابعة: معرفة إنكار المنكر. وجاءت كما يلي:
المرتبة الأولى: الإنكار باليد وشروطه.
المرتبة الثانية: الإنكار باللسان وضوابطه.
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب.
القاعدة الخامسة: تقديم الأهم على المهم.
القاعدة السادس: اعتبار تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتعطيلها أو تقليلها.
القاعدة السابعة: التثبت في الأمور وعدم العجلة.
ثم خاتمة اشتملت على أهم نتائج البحث، بالإضافة إلى قائمة لأهم المصادر والمراجع العلمية، وفهرس بالموضوعات
علماً أني لم أقف على من أفرد هذا البحث بهذا الاسم على حد علمي، وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
• • •(4/10)
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
{يا أَيُها الذَّينَ آمَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأنْتُمْ مُسْلِمُون} (1) .
{ياأَيُها النَّاسُ اتَّقُوا ربَكُمُ الذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَسَاءَلُوَنَ بِهِ وَالأرَحَامَ إنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْبَاً} (2) .
{يَاأيُهَا الذَّينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيْداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوْبَكُمْ وَمَنْ يُطِعَ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فُوْزَاً عَظِيْمَاً} (3) .
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد (، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل عظيم من أصول الإسلام، ولا شك أن صلاح العباد في معاشهم ومعادهم متوقف على طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله (، وتمام الطاعة متوقف على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُوْنَ بِالله} (4) .(4/11)
وقد أولى القرآن الكريم والسنة النبوية هذا الأمر أهمية بالغة، ففيه تحقيق الولاية بين المؤمنين. قال تعالى {وَالمؤْمِنُونَ وَالمؤْمِنُاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمعْرُوفِ وَيَنْهُونَ عَنِ المنْكَرِ وَيُقِيْمُونَ الصَّلاةَ وُيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيْعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيْزٌحَكِيْم} (1) .
وهو من أسباب النصر على الأعداء،والتمكين في الأرض. قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيْزٌ. الذِيْنَ إِنْ مَّكَّنَّهُمْ في الأرَضِ أَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالمعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ المنْكَرِ ولِلهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (2) .
وفيه الأمن من الهلاك، والمحافظة على صلاح المجتمعات، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبي (: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استَهَموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)) (3) .
وفيه دفع العذاب عن العباد. قال تعالى {لُعِنَ الذِيَنَ كَفَرُواْ مِنْ بَنِي إِسْرَائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَكَانُواْ يعتدون.كَانُواْ لا يَتَنَاهونَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (4) .
وهو مطلب مهم لمن أراد النجاة لنفسه. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أُوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدَاً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (5) .(4/12)
وفيه التوفيق للدعاء والاستجابة. فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي (قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ اللهُ أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم)) (1) .
والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مكفرات الذنوب والخطايا، ففي الحديث الصحيح عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله (يقول: ((فتنة الرجل في أهله، وماله، ونفسه، وولده، وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (2) .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب الظفر بعظيم الأجور، وتكثير الحسنات، قال تعالى: {لا خَيْرَ في كَثِيْرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} (3) .
وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحيا السنن وتموت البدع، ويضعف أهل الباطل والأهواء، وهو من أبرز صفات المؤمنين وسماتهم، ومن أعظم الوسائل لقوتهم وتماسكهم، والغفلة عنه أو التهاون فيه، أو تركه، يجر من المفاسد الكثيرة، والأضرار الجسيمة. إلى غير ذلك من الفوائد والثمرات الكثيرة المترتبة على الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.(4/13)
وإنه على الرغم من كثرة الكتابات التي تناولت موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن هناك جوانب – في نظري – تحتاج إلى المزيد من الدراسة والعناية، وفي مقدمتها القواعد والضوابط التي تحكم طريقة القيام بهذا الواجب كما بينها العلماء على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة. لأن كثيراً ممن يريد القيام بهذا العمل لا يفقه أيسر الأسس التي يقوم عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتجد بعضاً من الدعاة يأمر وينهى بغير علم، ويفتي بدون دليل، وبعضاً منهم يدعو إلى الفضائل والأخلاق، وهو يرى الشرك متأصلاً في أفعال الناس وأقوالهم، فلا يحرك لذلك ساكناً، ولا يصحح عقيدتهم، مع أن البدء بإصلاح عقائد الناس هو الأولى والأهم.
وبعضاً من الدعاة يريد تغيير المنكر بيده وهو ليس أهلاً لذلك. وبعضاً لا يتثبت في الأمور، أو يكون قليل الصبر والتحمل، فيستعجل النتائج.
فهؤلاء وأمثالهم –ممن خالف نهج النبي (في دعوته وفي أمره ونهيه – يسيئون إلى الإسلام، وإلى الدعوة، وإلى الناس، وإلى أنفسهم أيضاً. وبذلك يكون فسادهم أكثر من إصلاحهم.
... لذا فقد رغبت في تناول هذا الموضوع تحت مسمى ((قَوَاعِدُ مُهِمَّةٍ فَي الأمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهِيْ عَنِ المُنْكَرِ عَلى ضَوءِ الكِتَابِ والسُّنَةِ)) ، وإن كنت قصير الباع، قليل البضاعة في هذا الشأن، وإنما قصدت المشاركة،ولفت انتباه الدعاة إلى الله إلى العناية بهذا الأمر، والاهتمام به.
خطة البحث:
وقد اشتمل البحث على مقدمة وسبع قواعد وخاتمة.
اشتملت المقدمة على أهمية الموضوع والخطة ومنهجي في البحث.
وجاءت القواعد على النحو التالي:
القاعدة الأولى: الشرع هو الأصل في تقرير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
القاعدة الثانية: العلم والبصيرة بحقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
القاعدة الثالثة: معرفة شروط إنكار المنكر.(4/14)
القاعدة الرابعة: معرفة مراتب إنكار المنكر.
القاعدة الخامسة: تقديم الأهم على المهم.
القاعدة السادسة: اعتبار المصالح ودرء المفاسد.
القاعدة السابعة: التثبت في الأمور وعدم العجلة.
وأما الخاتمة فقد أوجزت فيها أهم نتائج البحث.
منهجي في البحث:
هذا وقد عزوت الآيات الكريمة إلى السور مع ترقيمها، كما خرجت الأحاديث النبوية التي ذكرتها في البحث، وإذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما، فإني قد اكتفي بتخريجه منهما أو من أحدهما لتلقي الأمة لهما بالقبول.
وشرحت معاني الكلمات الغريبة - في نظري -. كما عزوت ما تناولته في البحث إلى المصادر والمراجع التي رجعت إليها. وقد حرصت على سهولة العبارة، ودقة التعبير، مع الاختصار، وعدم الإطالة ما أمكن.
ثم ألحقت بالبحث قائمة بأسماء المصادر والمراجع مرتبة حسب حروف الهجاء، مبيناً اسم المؤلف، والطبعة وتاريخ النشر ما أمكن، وقائمة أخرى بالموضوعات.
وأسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت فيما كتبت، وأن يتجاوز عن النقص والتقصير، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلَّى اللهُ وسلَّم على نَبِيِّنا محمَّد وعلى آلهِ وصحْبِهِ أجمَعِين.
• • •
القاعدة الأولى: الشرع هو الأصل في تقرير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
... إن الميزان في كون الشيء معروفاً أو منكراً هو كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وسنة رسوله الثابتة عنه (، وما كان عليه السلف الصالح لهذه الأمة، وليس المراد ما يتعارف عليه الناس أو يصطلحون عليه مما يخالف الشريعة الإسلامية.(4/15)
.. فما جاء الأمر به في الكتاب والسنة، أو الندب إليه والحث عليه، أو الثناء على أهله، أو الإخبار بأنه مما يحبه الله تعالى ويرضاه، ويكرم أهله بالثواب العاجل والآجل، فهو من المعروف الذي يؤمر به. وما ورد النهي عنه في الكتاب والسنة، والتحذير منه، وبيان عظيم ضرره، وكبير خطره في الدنيا والآخرة، أو جاء ذم أهله ووعيد فاعله بالسخط والعذاب والخزي والعار، ودخول النار ونحو ذلك فهو من المنكر الذي ينهى عنه (1) .
... قال ابن منظور: (وقد تكرر ذكر المعروف في الحديث، وهو اسم جامع لكل ما عُرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع) (2) .
وقال ابن الأثير: (والمنكر ضد المعروف وهو كل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه فهو منكر) . (3)
وذكر ابن حجر عن أبي جمرة (4) : (يطلق اسم المعروف على ما عرف بأدلة الشرع من أعمال البر، سواء جرت به العادة أم لا) (5) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (الأمر والنهي من لوازم وجود بني آدم، فمن لم يأمر بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله، وينه عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، ويُؤمر بالمعروف الذي أمر الله به.. ورسوله، ويُنهى عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، وإلا فلا بد أن يأمر وينهى، ويُؤمر ويُنهى، إما بما يضاد ذلك، وإما بما يشترك فيه الحق الذي أنزله الله بالباطل الذي لم ينزله الله، وإذا اتخذ ذلك ديناً: كان مبتدعاً ضالاً باطلاً) (6) .
وقال ابن حجر الهيثمي: (المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بواجب الشرع، والنهي عن محرماته) (7) .
ويصف الإمام الشوكاني - رحمه الله - أفراد الأمة الإسلامية بقوله:
(إنهم يأمرون بما هو معروف في هذه الشريعة، وينهون عما هو منكر، فالدليل على كون ذلك الشيء معروفاً أو منكراً هو الكتاب والسنة) (8) .(4/16)
ومن هذا يتبين لنا أن كون الشيء معروفاً أو منكراً ليس من شأن الآمر والناهي، وإنما يعود ذلك إلى ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله (، على فهم السلف الصالح لهذه الأمة من اعتقاد أو قول أو فعل.
القاعدة الثانية: العلم والبصيرة بحقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
من القواعد العامة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن يكون الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر عالماً بما يأمر به وبما ينهى عنه،.. يعلم ما هو المنهي عنه شرعاً حتى ينهى عنه، ويعلم ما هو المأمور به شرعاً حتى يأمر الناس به، فإنه إن أمر ونهى بغير علم فإن ضرره يكون أكثر من نفعه، لأنه قد يأمر بما ليس بمشروع، وينهى عما كان مشروعاً وقد يحلل الحرام ويحرم الحلال وهو لا يدري.. (1)
ولأهمية العلم النافع أمر الله به، وأوجبه قبل القول والعمل، فقال تعالى: {فَاْعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلمُؤْمِنِينَ وَالمؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُم} (2) .
وقد بوب الإمام البخاري – رحمه الله – لهذه الآية بقوله: (باب العلم قبل القول والعمل) (3) .
وذلك أن الله أمر نبيه بأمرين: بالعلم، ثم بالعمل، والمبدوء به العلم في قوله تعالى: {فَاْعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ} ، ثم أعقبه بالعمل في قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} ، فدل ذلك على أن مرتبة العلم مقدمة على مرتبة العمل، وأن العمل شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو مقدم عليهما، لأنه مصحح للنية المصححة للعمل (4) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عند حديثه عن شروط الأمر والنهي:(4/17)
(ولا يكون عمله صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه.. وهذا ظاهر فإن العمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً، واتباعاً للهوى وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولا بد من العلم بحال المأمور وحال المنهي) (1) .
وأضاف يقول: وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعاً ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد (لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به، فقيها فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه) (2) .
ويقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – مخاطباً الداعية إلى الله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: (أن تكون على بينة في دعوتك أي على علم، لا تكن جاهلاً بما تدعو إليه {قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ} (3) .
فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإياك أن تدعو على جهالة، وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني ويفسد ولا يصلح، وإياك أن تقول على الله بغير علم، لا تدع إلى شىء إلا بعد العلم به، والبصيرة بما قاله الله ورسوله والبصيرة هي العلم، فعلى طالب العلم وعلى الداعية أن يتبصر فيما يدعو إليه، وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليله، فإن ظهر له الحق وعرفه دعا إلى ذلك، سواء كان ذلك فعلاً أو تركاً، يدعو إلى الفعل إذا كان طاعة لله ورسوله، ويدعو إلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله على بينة وبصيرة) (4) .(4/18)
وأكد فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين – حفظه الله – على أهمية العلم والبصيرة للداعية إلى الله الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر فقال: (وإن أول زاد يتزود به الداعية إلى الله عز وجل أن يكون على علم مستمد من كتاب الله وسنة رسوله (الصحيحة المقبولة، وأما الدعوة بدون علم فإنها دعوة على جهل، والدعوة على جهل ضررها أكبر من نفعها، لأن الداعية قد نصب نفسه موجهاً ومرشداً، فإذا كان جاهلاً، فإنه يكون ضالاً مضلاً، والعياذ بالله.
ثم قال: تأمل أيها الداعية إلى لله قول الله تعالى {عَلَى بَصِيْرَةٍ} أي على بصيرة في ثلاثة أمور:
1-على بصيرة فيما يدعو إليه بأن يكون عالماً بالحكم الشرعي فيما يدعو إليه، لأنه قد يدعو إلى شىء يظنه واجباً وهو في شرع الله غير واجب، فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، وقد يدعو إلى ترك شىء يظنه محرماً وهو في دين الله غير محرم،فيحرم على عباد الله ما أحل الله لهم.
2- على بصيرة من حالة المدعو، ولهذا لما بعث النبي (معاذاً إلى اليمن قال له: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب..الحديث (1) .
3- على بصيرة في كيفية الدعوة قال تعالى: {اُدْعُ إِلَى سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةٍ وَالموعِظَةِ الحَسَنةٍ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ} (2) .
... وإذا كان تزود الداعية بالعلم الصحيح المبني على كتاب الله وسنة رسوله (هو مدلول النصوص الشرعية، فإنه كذلك مدلول العقول الصريحة التي ليس فيها شبهات ولا شهوات، لأنك كيف تدعو إلى الله عز وجل وأنت لا تعلم الطريق الموصل إليه، وإذا كنت لا تعرف شريعته فكيف يصح أن تكون داعية؟
فإذا لم يكن الإنسان ذا علم فإن الأولى به أن يتعلم أولاً ثم يدعو ثانياً، قد يقول قائل: هل قولك هذا يعارض قول الرسول (( (بلغوا عني ولو آية)) (3) ؟(4/19)
فالجواب: لا، لأن الرسول (يقول: ((بلغوا عني)) إذاً فلا بد أن يكون ما نبلغه قد صدر عن رسول الله (، هذا ما نريده ولسنا عندما نقول إن الداعية محتاج إلى العلم لسنا نقول إنه لا بد أن يبلغ شوطا بعيداً في العلم، ولكننا نقول لا يدعو إلا بما يعلم فقط، ولا يتكلم بما لا يعلم (1) أ. هـ.
القاعدة الثالثة: معرفة شروط إنكار المنكر:
إنَّ لإنكار المنكر شروطاً يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يعرفها ويراعيها عند إزالته للمنكر، حتى لا يقع أثناء تغييره للمنكر في منكر مساوٍ أو أكبر منه، وهذه الشروط هي (2) :
1) التحقق من كونه منكراً:
والمنكر كل ما نهى عنه الشارع سواء كان محرما أو مكروهاً، وكلمة المنكر في باب الحسبة (3) تطلق على كل فعل فيه مفسدة أو نهت عنه الشريعة، وإن كان لا يعتبر معصية في حق فاعله إما لصغر سنه أو لعدم عقله، ولهذا إذا زنا المجنون أو هم بفعل الزنا، وإذا شرب الصبي الخمر كان ما فعلاه منكراً يستحق الإنكار، وإن لم يعتبر معصية في حقهما لفوات شرطي التكليف وهما البلوغ والعقل (4) .
ويندرج في المنكر جميع المنكرات سواء من صغائر الذنوب أم من كبائرها، وسواء أكانت تتعلق بحق الله تعالى أم بحق خلقه. ولكن ما يجب معرفته أن الذي يملك الحكم على الشئ بأنه منكر أو غير منكر هو الشرع، فليس هناك مجال للأهواء أو العواطف، أو الأغراض الشخصية، ودور العلماء في ذلك إنما هو استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، والأصول والقواعد المستوحاة منهما، ومن ثم الحكم على هذا الأمر بأنه منكر أو غير منكر بالدليل القاطع والحجة البينة.
2) أن يكون المنكر موجوداً في الحال.
وله ثلاث حالات:(4/20)
الحالة الأولى: أن يكون المنكر متوقعاً كالذي يتردد مراراً على أسواق النساء، ويصوب النظر إلى واحدة بعينها، أو كشابِ يقف كل يوم عند باب مدرسة بنات ويصوب النظر إليهن، أو كالذي يتحدث بهاتف الشارع بصوت مرتفع مع امرأة ويحاول أن يرتبط معها بموعد،أو يسأل بكثرة عن كيفية تصنيع الخمر وطريقة تركيبه. فعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في هذه الحالات الوعظ، والنصح، والإرشاد، والتخويف بالله سبحانه وتعالى من عذابه وبطشه.
الحالة الثانية: أن يكون متلبساً بالمنكر كمن هو جالس وأمامه كأس الخمر يشرب منه، أو كمن أدخل امرأة أجنبية إلى داره وأغلق الباب عليهما ونحو ذلك، ففي هذه الحال يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الإنكار عليه ونهيه من ذلك طالما أنه قادر على إزالة المنكر ولم يخف على نفسه ضرراً أو أذى.
الحالة الثالثة: أن يكون فاعل المنكر قد فعله وانتهى منه ولم يبق إلا آثاره، كمن شرب الخمر وبقيت آثاره عليه أو من عرف أنه ساكن أعزب وخرجت من عنده امرأة أجنبية عنه، ونحو ذلك. ففي هذه الحال فليس هناك وقت للنهي أو التغيير، وإنما هناك محل للعقاب والجزاء على فعل المعصية. وهذا الأمر ليس من شأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر – المتطوع – وإنما هو من شأن ولي الأمر أو نائبه، فيرفع أمره للحاكم ليصدر فيه الحكم الموافق للشرع (1) .(4/21)
وقد أشار الغزالى إلى هذه الحالات بقوله: (المعصية لها ثلاثة أحوال: أحدها: أن تكون متصرمة، فالعقوبة على ما تصرم منها حد أو تعزير، وهو إلى الولاة لا إلى الآحاد، الثانية: أن تكون المعصية راهنة، وصاحبها مباشر لها، كلبسه الحرير، وإمساك العود والخمر، فإبطال هذه المعصية واجب بكل ما يمكن ما لم تؤد إلى معصية أفحش منها أو مثلها، وذلك للآحاد والرعية، والثالثة: أن يكون المنكر متوقعاً، كالذي يستعد بكنس المجلس وتزيينه وجمع الرياحين لشرب الخمر وبعد لم يحضر الخمر، فهذا مشكوك فيه، إذ ربما يعوق عنه عائق فلا يثبت للآحاد سلطة على العازم على الشرب إلا بطريق الوعظ والنصح، فأما التعنيف والضرب فلا يجوز.. إلا إذا كانت المعصية علمت منه بالعادة المستمرة، وقد أقدم على السبب المؤدي إليها، ولم يبق لحصول المعصية إلا ما ليس له فيه إلا الانتظار) (1) .
ويقول العلامة ابن نجيم في بحث التعزير: (قالوا لكل مسلم إقامته حال مباشرة المعصية، وأما بعد الفراغ منها – أي المعصبة – فليس ذلك لغير الحاكم) (2) .
3) أن يكون ظاهراً من غير تجسس ما لم يكن مجاهراً.(4/22)
وذلك أن الإسلام ضمن للإنسان أن يعيش في المجتمع آمنا مطمئنا محترما موقرا طالما أنه سلك الطريق الصحيح المستقيم، أما إذا حاد عن الطريق فإن الإسلام جعل لكل أمر معوج ما يناسبه من الاصلاح والتقويم، ومن الأمور التي شرعها الإسلام لاحترام الإنسان وأمنه النهي عن التجسس عليه، فلا يجوز للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتسور الجدران أو يكسر الأبواب ليطلع على بيوت الناس ويتجسس عليهم ما لم يظهر شىء من ذلك، إذ أن الله تعالى نهانا أن ندخل البيوت إلا بأذن من أصحابها، والأصل في هذا قول الله تعالى: {يَاأَيُهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَّكَرُونَ} (1) .
بل إن الإسلام حرم النظر إلى داخل البيوت من أحد الثقوب أو الفتحات، وأسقط الشارع الحكيم حد القصاص والدية عمن فعل ذلك، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال أبو القاسم – (-: ((لو أنَّ امرأً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح)) (2) .
وإذا كان الإسلام حرم الدخول إلى بيوت الناس والنظر إلى داخلها بغير إذن، فإنه - أيضاً – حرم التجسس يقول سبحانه: {يَاأَيُهَا الْذِّينَ آَمَنُواْ اْجْتَنِبُواْ كَثِيْرَاً مِنَ الْظَّنِ إِنَّ بَعْضَ الْظَّنِ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُواْ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً} (3) .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله (قال ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً)) (4) .
وعن معاوية –رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله (يقول: ((إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)) (5) .(4/23)
أما إذا جاهر الشخص بمعصيته سواء كانت مرئية كأن يخرج عند بابه ويضع الفيديو إلى جواره وفيه أفلام خليعة.. أو كانت مسموعة كأن يضع بآلة التسجيل شريطا به غناء ماجن أو موسيقى وغير ذلك، أو كانت مشمومة كأن تظهر رائحة الخمر والمسكر بحيث يشمها من هو خارج المنزل أو قريباً منه، ويتكلم معه، فإنه إذا فعل ذلك يكون قد أضاع الحق الذي أعطاه الإسلام له، ويكون بذلك قد عرض نفسه للإهانة والردع (1) .
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله (حيث يقول: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين (2) وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه)) (3) .
قال ابن بطال: (في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله – (–وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم..) (4) .
ومن خلال ما تقدم من أدلة يبدو لي – والله أعلم- أن الأدلة الواردة في النهي عن التجسس إنما هي خاصة بمن لم يجاهر بالمعصية، أما من يعلن معصيته ويجاهر بها، فإنه يشرع للمحتسب الاحتساب عليه، وذلك لردعه وكف شره.
يؤيد ذلك ما رواه الإمام مالك بن أنس عن زيد بن أسلم –رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – (– ((من أصاب من هذه القاذورات شيئاً، فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله)) (5) .
4) أن يكون الإنكار في الأمور التي لا خلاف فيها.(4/24)
من الأمور اللازمة لنجاح الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتسع صدره لقبول الخلاف فيما يسوغ فيه الخلاف. وهناك مسائل فرعية ليست من الأصول يختلف فيها الناس كثيراً، وتتباين أقوالهم فيها، وهي في الحقيقة مما يجوز فيه الخلاف، فمثل هذه المسائل لا يكفر من خالف فيها، ولا يُنكر عليه،لأنها مما وسع الله فيها على عباده،قال تعالى {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِيَن. إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (1)
يذكر الإمام الغزالى – رحمه الله- من شروط الحسبة (أن يكون كونه منكراً معلوماً بغير اجتهاد، فكل ما هو محل الاجتهاد فلا حسبة فيه) (2) .
وروى أبو نعيم بسنده عن الإمام سفيان الثوري –رحمه الله- قوله: (إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه) (3) .
ويستثني القاضي أبو يعلى من ذلك إذا كان الخلاف ضعيفاً في مسألة من المسائل، وقد يؤدي عدم الإنكار إلى محظور متفق عليه، إذ يقول: (ما ضُعف الخلاف فيه، وكان ذريعة إلى محظور متفق عليه كربا النقد.. فيدخل في إنكار المحتسب بحكم ولايته) (4) .
وقال النووي في الروضة: (ثم إن العلماء إنما ينكرون ما أجمع على إنكاره، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد ولا نعلمه، ولم يزل الخلاف بين الصحابة والتابعين في الفروع ولا ينكر أحد على غيره وإنما ينكرون ما خالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً) (5) .
وبهذا يتبين لنا أن الخلاف على نوعين: إما أن يكون سائغاً، وإما أن يكون غير سائغ، فالخلاف السائغ يمنع من الاحتساب على رأي بعض العلماء، وأما الخلاف غير السائغ، أو الشاذ، كمن يخالف ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله (، أو ما أجمعت عليه الأمة، أو ما عُلم من الدين بالضرورة، فهذا خلاف لا يُعتد به ولا يلتفت إليه لعدم قيامه على الدليل، ويُنكر على من أتى به.(4/25)
فالإنكار إنما يكون فيما يكون فيه الحق واضحاً، والأدلة بينة من الكتاب والسنة والإجماع، أما إذا خلت المسألة من ذلك، فإنه ليس للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الإنكار في المسائل المختلف فيها، كما أنه لا التفات إلى الخلاف الشاذ
وأن الواجب في الأمور الاجتهادية لزوم البيان والمناصحة، من قبل من تبين له وجه الحق في شىء من تلك المسائل.
القاعدة الرابعة: معرفة مراتب إنكار المنكر:
من القواعد العامة التي تحكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معرفة مراتب إنكار المنكر وضوابطها:
وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون بقدر الاستطاعة، فإن استطاع المسلم تغيير المنكر باليد كان ذلك هو الواجب في حقه، فإن كان عاجزاً عن التغيير باليد، وكان بمقدوره النهي باللسان كان ذلك هو الواجب عليه، وإن كان عاجزاً عن التغيير باللسان وجب عليه الإنكار بالقلب وكراهية المنكر، وهذا في مقدور كل إنسان.
والأصل في ذلك حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- مرفوعاً ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) (1) .
وعن عبد الله ابن مسعود –رضي الله عنه- أن رسول الله (قال: ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خُلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل..)) الحديث (2) .
وفيما يلي مراتب إنكار المنكر:
المرتبة الأولى: الإنكار باليد وشروطه:(4/26)
وهي أقوى مراتب الإنكار وأعلاها، وذلك كإراقة الخمر، وكسر الأصنام المعبودة من دون الله، ومنع من أراد الشر بالناس وظلمهم من تنفيذ مراده، وكإلزام الناس بالصلاة، وبحكم الله الواجب اتباعه ونحو ذلك.
وذلك لمن كان له ولاية على مرتكب المنكر كالسلطان أو من ينيبه عنه كوالي الحسبة وموظفيه كل بحسب اختصاصه وكذا المسلم مع أهله وولده، يلزمهم بأمر الله، ويمنعهم مما حرم الله، باليد إذا لم ينفع فيهم الكلام يقوم بهذا حسب الوسع والطاقة (1) .
وقد جاء في القرآن الكريم عن إبراهيم –عليه السلام -: {وَتَاللهِ لأكِيْدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ. فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلا كَبِيْرَاً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} (2) فإبراهيم – عليه السلام- كسر الأصنام بيده.
وقال تعالى: {وَاْنظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الْذِّي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفَاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فَي الْيَمِّ نَسْفَاً} (3) ، فأخبر-سبحانه – عن كليمه موسى-عليه السلام – أنه أحرق العجل الذي عبد من دون الله ونسفه في اليم.
وقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((دخل النبي صلى لله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوْقَاً} (4) (5) .
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – (– ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد)) (6) .
وعن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: ((كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي ابن كعب من فضيخ زهو وتمر (7) فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها فهرقتها)) (8) .(4/27)
وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- عن النبي-صلى اله عليه وسلم- ((أنه نزع خاتم ذهب من يد رجل آخر)) (1) .
وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري –رضي الله عنه- أنه كان مع النبي – (– في بعض أسفاره، ((فأرسل رسولاً أن لا يبقينَّ في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قُطعت)) (2) .
وعن عائشة –رضي الله عنها – ((أن النبي- (– لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه)) (3) .
وعنها –رضي الله عنها – أنها كانت قد اتخذت على سهوة (4) لها ستراً فيه تماثيل فهتكه (5) النبي- (– فاتخذت منه نمرقتين، فكانتا في البيت يجلس عليهما)) (6) .
فهذه بعض الأدلة ونظيرها كثير تدل على تغيير المنكر باليد، بالقول والفعل من الرسول (وصحابته الكرام – رضوان الله عليهم- ومن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ولكن التغيير للمنكر باليد لا يصلح لكل أحد وفي كل منكر، لأن ذلك يجر من المفاسد والاضرار الشىء الكثير، وإنما يكون ذلك لولي الأمر أو من ينيبه، مثل رجال الهيئات والحسبة، الذين نصبهم ولي الأمر للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكالرجل في بيته يغير على أولاده، وعلى زوجته وعلى خدمه، فهؤلاء يغيرون بأيديهم بالطريقة الحكيمة المشروعة (7) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- (وليس لأحد أن يزيل المنكر بما هو أنكر منه، مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق ويجلد الشارب، ويقيم الحدود، لأنه لو فعل ذلك لأفضى إلى الهرج والفساد، لأن كل واحد يضرب غيره ويدعي أنه استحق ذلك، فهذا ينبغي أن يقتصر فيه على ولي الأمر) (8) .
المرتبة الثانية: الإنكار باللسان وضوابطه:(4/28)
وذلك حينما لا يستطيع من رأى المنكر تغييره بيده لعدم سلطته على مرتكبه، أو لما يترتب عليه من المفسدة المساوية أو الراجحة، فإنه ينتقل إلى التغيير باللسان، وذلك بتعريف الناس بالحكم الشرعي بأن هذا محرم ومنهي عنه، فقد يرتكب المنكر لجهله به، فيمكن تغيير المنكر عن طريق الوعظ، والنصح، والارشاد، والترغيب، والترهيب، والتقريع،والتعنيف ونحو ذلك من البيان.
وهذه المرتبة يلتقي فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدعوة إلى الله، فكلاهما بيان للحق وترغيب فيه، وتنبيه على الباطل، وتحذير منه، وتخويف وترهيب عنه، بما يناسب حال المخاطب ويقتضيه المقام (1) .
خطوات تغيير المنكر باللسان:
ولتغيير المنكر باللسان أربع خطوات:
الخطوة الأولى: التعريف باللين واللطف:
وذلك بأن يعرف مرتكب المنكر – إما بالإشارة أو التعريض حسب الموقف – بأن هذا العمل لا ينبغي أو حرام، وأنت لستَ ممن يفعل ذلك بالقصد، فأنت أرفع من ذلك، فإن الجاهل يقدم على الشىء لا يظنه منكراً، فإذا عرف أنه منكر تركه وأقلع عنه، فيجب تعريفه باللطف والحكمة والرفق واللين، حتى يقبل ولا ينفر. ويقال له مثلاً: إن الإنسان لا يولد عالماً ولقد كنا جاهلين بأمور الشرع حتى علمنا العلماء.. وهكذا يتلطف به ليحصل التعريف من غير إيذاء (2) .
فعن عائشة –رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – (-: ((إن الله يحب الرفق في الأمر كله)) (3) .
وعنها –رضي الله عنها- قالت: قال: رسول الله – (-: ((إنَّ الرفق لا يكون في شىء إلا زانه، ولا ينزع من شىء إلا شانه)) (4) .
وعنها –رضي الله عنها- قالت: ((كان النبي- (–إذا بلغه عن الرجل الشىء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا)) (5) .
قال أحمد بن حنبل: كان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون، يقولون: مهلاً رحمكم الله (6) .(4/29)
وجاء جماعة من اليهود فدخلوا على النبي- (- فقالوا: السام عليك يا محمد -يعنون الموت-، وليس مرادهم السلام – فسمعتهم عائشة –رضي الله عنها – قالت: عليكم السام واللعنة. وفي لفظ آخر: ولعنكم الله، وغضب عليكم. فقال رسول الله - (-: ((يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله)) قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: ((ألم تسمعي ما قلت لهم: وعليكم، وإنا نجاب عليهم، ولا يجابون علينا)) (1) .
فالنبي (رفق بهم وهم يهود،رغبة في هدايتهم، لعلهم ينقادون للحق، ويستجيبون لداعي الإيمان.
فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الموفق هو الذي يتحرى الرفق والعبارات المناسبة، والألفاظ الطيبة عندما يعظ وينصح الناس، في المجلس، أو في الطريق، أو في أي مكان، يدعوهم بالرفق والكلام الطيب، حتى ولو جادلوه في شيء خفي عليهم، أو كابروا فيه، فيجادلهم بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: {اُدْعُ إِلَى سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةٍ وَالموعِظَةِ الحَسَنةٍ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ} (2) .
وقال سبحانه: {وَلا تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالْتَّي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الْذَّيْنَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} (3) .
فهذا الأسلوب مع أهل الكتاب – وهم اليهود والنصارى وهم كفار – فما بالك مع المؤمنين؟ فإذا كان المقام مقام تعليم ودعوة وإيضاح للحق، فإنه يكون بالتي هي أحسن، لأن هذا هو أقرب إلى الخير، وأدعى لتقبل النصيحة كما كان يفعل النبي (في دعوته.
فهذه طريقة السلف رحمهم الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحري الرفق مع العلم والحلم والبصيرة والعمل بما يدعون إليه، وترك ما ينهون عنه، وهذه هي القدوة الصالحة.
الخطوة الثانية: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى:
وهذه الخطوة تتعلق غالباً في مرتكب المنكر العارف بحكمه في الشرع بخلاف الخطوة الأولى، فهي في الغالب تستعمل للجاهل في الحكم.(4/30)
وأما العارف بالحكم فيستعمل معه أسلوب الوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى، ويذكر له بعض النصوص من القرآن والسنة المشتملة على الترهيب والوعيد، كما يذكر له بعض أقوال السلف في ذلك، ويكون بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة.. وحتى لو كان عارفاً لهذه النصوص فلها تأثيرها، لأن ذلك من قبل الذكرى، والله تعالى يقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الْذِّكَرى تَنْفَعُ المؤمِنَيْنَ} (1) .
ويبين له ما أعده الله للطائعين من عباده، ويذكره بالموت، وأنه ليس لمجيئه وقت محدد، بل يأتي بغتة، وربما يأتي إلى الإنسان وهو واقع في المعصية، فتكون خاتمته سيئة والعياذ بالله.
يا مَنْ بدنياهُ اشتغلْ
وغرَّه طولُ الأمل
الموتُ يأتي بغتةً
والقبرُ صندوقُ العملْ
ويبين له أن هدفه من نصحه وإرشاده إنما هو من أجل حبه له، وخوفه عليه من العقاب، وأنه ما فعل ذلك إلا شفقة عليه ورحمة به، وليحرص كل الحرص، أن تكون الموعظة سراً بينه وبين المنصوح، حتى لا تأخذه العزة بالإثم فيرفض قبولها، وحتى يطمئن له وتتقبل نفسه لسماع النصيحة، وحتى يعلم بحق أنه ليس للناهي هدف سوى النصيحة وإرادة الخير له.
قال سليمان الخواص: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما فضحه (2) .
وعن عبد الله ابن المبارك قال: (كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره أمره في ستر، ونهاه في ستر، فيُؤجر في ستره ويُؤجر في نهيه، فأما اليوم فإذا رأى أحد من أحد ما يكره استغضب أخاه، وهتك ستره) (3) .
ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول:
تَعمدني بنصحكَ في انفرادٍ
وجنبني النصيحةَ في الجماعةْ
فإنَّ النصحَ بينَ الناسِ نوعٌ
من التوبيخِ لا أرضى استَماعهْ
فإنْ خَالفتني وعصيتَ أمْري
فلا تجزعْ إذا لم ُتعطَ طاعةْ (4)
الخطوة الثالثة: الغلظة بالقول:(4/31)
وهذه الخطوة يلجأ إليها المُنكر بعد عدم جدوى أسلوب اللطف واللين، فحينئذ يغلظ له القول، ويزجره مع مراعاة قواعد الشرع في ذلك. وعليه ألا ينطق إلا بالصدق، ولا يطيل لسانه بما لا يحتاج إليه بل على قدر الحاجة.
وقد استعمل أبو الأنبياء إبراهيم – عليه السلام – هذا الأسلوب، قال تعالى حكاية عنه: {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (1) .
الخطوة الرابعة: التهديد والتخويف:
وهذه الخطوة هي آخر المحاولات في النهي باللسان، ويعقبها بعد ذلك إيقاع الفعل كأن يقال لمرتكب المنكر: إن لم تنته عن هذا الفعل لأفعلنَّ بك كذا وكذا. أو لأخبرن بك السُلطات لتسجنك وتعاقبك على فعلك.
ولكن ينبغي أن يكون هذا التهديد والتخويف في حدود المعقول عقلاً وشرعاً حتى يعرف أن المنكر صادق في تهديده، لأنه لو هدده بأمور غير جائزة شرعاً وغير معقولة عرف أنه غير جاد في كلامه (2) .
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب:
إذا عجز المؤمن عن الإنكار باليد واللسان، انتهى إلى الإنكار بالقلب فيكره المنأكر بقلبه، ويبغضه، ويبغض أهله – يعلم الله ذلك منه - إذا عجز عن تغييره بيده ولسانه – وهذا الواجب لا يسقط عن المؤمن بوجه من الوجوه، إذ لا عذر يمنعه ولا شيء يحول بينه وبينه، وليس هناك شيء من التغيير ما هو أقل منه، كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم ((وذلك أضعف الإيمان)) (3) يعني أقل ما يمكن به تغيير المنكر.
وكذلك الحديث الآخر عن ابن مسعود رضي الله عنه ((وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)) (4) ، أي لم يبق بعد هذا من الإنكار ما يدخل في الإيمان حتى يفعله المؤمن ويثاب عليه، بل الإنكار بالقلب آخر حدود الإيمان.
قيل لابن مسعود – رضي الله عنه – من ميت الأحياء؟ فقال: الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً (5) .
وهذا هو المفتون الموصوف في حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – بأنه لا(4/32)
يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب من هواه) (1) .
وهنا أود أن أشير إلى أن المرأة لها أن تنكر على من تستطيع الإنكار عليه من النساء، ومن أقاربها من الرجال.
فقد وردعن عائشة – رضي الله عنها – أنها رأت امرأة بين الصفا والمروة عليها خميصة من صُلُب – أي ثوب عليه خطوط متصالبة – فقالت عائشة -: ((انزعي هذا من ثوبك فإن رسول الله – (– إذا رآه في ثوب قضبه)) (2) .
وأوصت النساء بقولها: ((مُرْن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني استحييهم فإن رسول الله (كان يفعله)) (3) .
كما ورد عنها – رضي الله عنها – أنها رأت أخاها عبد الرحمن يسرع في الوضوء ليدرك صلاة الجنازة على سعد بن أبي وقاص، فقالت: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله (يقول: ((ويل للأعقاب من النار)) (4) .
قال ابن رجب – رحمه الله – عند شرحه لحديث أبي سعيد ((من رأى منكم منكراً)) بعد أن ساق عدة أحاديث (فدلت هذه الأحاديث كلها على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة عليه، وأما إنكاره بالقلب لا بد منه، فمن لم ينكر قلبه المنكر دل على ذهاب الإيمان من قلبه) (5) .
وإذا لم يستطع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، تغيير المنكر بيده، ولا بلسانه، فإنه يجب عليه حينئذ إنكاره بقلبه – كما سبق بيانه – وعليه أن يهجر المنكر وأهله، فإن عجزه عن الإنكار ليس عذراً يبيح له مشاهدة ذلك المنكر أو مجالسة أهله.
قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الْذِينَ يَخُوضُوْنَ فَي آيَاتِنا فَأْعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فَي حَدِيْثٍ غَيْرِهِ} (6) .
وقال سبحانه: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فَي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوْضُواْ فَي حَدِيْثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذَاً مثْلُهُمْ} (7) .(4/33)
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله – عند هذه الآية (وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يُستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده..) (1) .
وبهذا يتبين لنا أن الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الداعي إلى الله على علم وبصيرة، لا بد له من معرفة مراتب إنكار المنكر وضوابطها وخطواتها، والالتزام بالعمل بها، حتى ينجح في دعوته، وتؤتي ثمارها الطيبة.
القاعدة الخامسة: تقديم الأهم على المهم:
إن البدء بالأهم فالأهم من القواعد التي تحكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بأن يبدأ الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بإصلاح أصول العقيدة، فيأمر بالتوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، وينهى عن الشرك والبدع والشعوذة، ثم يأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ثم بقية الفرائض وترك المحرمات، ثم أداء السنن وترك المكروهات.
والبدء بالدعوة إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل هو منهج الرسل جميعاً، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فَي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُوْلاً أَنِ اْعْبُدُواْ اللهَ وَاْجْتَنِبُواْ الْطَّاغُوت} َ (2) .
وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَّا فَاعْبُدُون} َ (3) .
وقال عز وجل: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونَ الرَّحَمنِ آلهةً يُعْبَدُونَ} (4) .
وقد تكررت مقولة الأنبياء عليهم السلام {.. يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (5) .(4/34)
وقد سار خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد- (– على نهج إخوانه المرسلين – عليهم السلام – فقد بدأ بما بدأبه أنبياء الله، وانطلق من حيث انطلقوا، إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له وحده، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المسلِمِينَ} (1) .
واستمر – (- ثلاث عشرة سنة في مكة، وهو يدعو الناس إلى التوحيد، وينهاهم عن الشرك، قبل أن يأمرهم بالصلاةوالزكاة والصوم والحج، وقبل أن ينهاهم عن الربا والزنا والسرقة وقتل النفوس بغير حق.
اللهم ما كان يأمر به قومه من معالي الأخلاق، كصلة الرحم، والصدق، والعفاف، وأداء الأمانة، وحسن الجوار ونحو ذلك، ولكن الأمر الأساسي، والمحور الأهم، إنما هو الدعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشرك (2) .
ولما بعث النبي – (– معاذاً إلى اليمن قال له: ((إنك تأتي قوماً أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تُؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)) (3)
قال الإمام ابن حجر –رحمه الله-: (وأما قول الخطابي إن ذكر الصدقة أُخر عن ذكر الصلاة لأنها إنما تجب على قوم دون قوم. وأنها لا تكرر تكرر الصلاة فهو حسن، وتمامه أن يقال بدأ بالأهم فالأهم، وذلك من التلطف في الخطاب، لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مرة لم يأمن النفرة) (4) .(4/35)
لذا فإن المطلوب من الداعين إلى الله تعالى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، أن يوجهوا جهودهم ويولوا اهتمامهم بمنهج الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام –في الدعوة إلى الله تعالى، فيدعوا الناس إلى التوحيد أولاً وقبل أي شيء وليكن شغلهم الشاغل هو تصحيح العقيدة، وتصفيتها من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، ولا يعني من هذا الكلام إهمال الجوانب الأخرى بحال من الأحوال، ولكن ما أريد تقريره هو أن الاهتمام بأمور العقيدة يجب أن ينال الأولية في الدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم الأهم فالأهم.
القاعدة السادسة: اعتبار المصالح والمفاسد:
... إن الشريعة الإسلامية مبنية على تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتعطيلها أو تقليلها، ولذا فإن من القواعد المهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتبار المصالح، فيشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن لا يؤدي إل مفسدة، أعظم من المنكر أو مثله، فإن كان إنكار المنكر يستلزم حصول منكر أعظم منه، فإنه يسقط وجوب الإنكار، بل لا يسوغ الإنكار في هذه الحالة 0
ومن الأدلة على ذلك من القرآن الكريم:
1-قول الله تعالى: {وَاْقْتُلُوْهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوْهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ القَتْلِ إلى قوله: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّيْنُ لِلهِ} (1) .
فالقتال في سبيل الله تعالى يحقق مصلحة عظيمة وهي إعلاء كلمة الله تعالى، وإذلال الشرك وأهله، وفيه مفسدة إزهاق الأرواح، إلا إن المصلحة في بقاء الدين وإعلاء التوحيد وإذلال الشرك ورفع الفتنة لا تقاومها المضرة في إزهاق الأرواح، كما أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفوس 0(4/36)
2-قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالميْسِرِ قُلْ فِيْهِمَا إِثْمٌ كَبِيْرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا 00} (1) .
فشارب الخمر يترك العبادة،ويتعدى على الآخرين بالضرب والشتم والقتل وغير ذلك، وهذه المفاسد العظيمة لا تقاومها أي مصلحة أو منفعة مزعومة.
3-قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّواْ الذِّيْنَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم} (2) .
في هذه الآية نهانا الله تعالى عن سب آلهة المشركين، وذلك للمفسدة الكبيرة المترتبة على ذلك، وهي سبهم لله تعالى مع أن سب آلهتهم وتحقيرها فيه مصلحة، إلا أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع 0
ومن الأدلة من السنة النبوية:
1-ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (قال لها: ((يا عائشة لولا قومكِ حديثٌ عهدهم –قال ابن الزبير: بكفر – لنقضتُ الكعبة فجعلت لها بابين: بابٌ يدخل الناس، وبابٌ يخرجون)) ففعله ابن الزبير (3) .
وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: (باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يَقْصُرَ فهمُ بعض الناس عنه فيقعوا في أشدَّ منه) .
قال ابن حجر – رحمه الله – (وفي الحديث معنى ما ترجم له لأن قريشاً كانت تعظم أمر الكعبة جداً، فخشيَ (أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غيّر بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك، ويُستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه) (4) .
2- ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((كان النبي (يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا)) (5)
فترك (كثرة الوعظ والتعليم لدفع مفسدة النفور والفتور والانقطاع، ((وكان أحبَّ الدين إليه ما دام عليه صاحبه)) (6)(4/37)
3- ما رواه البخاري في صحيحه أن النبي (قال: لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه- ((يا معاذ بن جبل، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، (ثلاثاً) ، قال: ما من أحدٍ يشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرَّمه الله على النار)) قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: ((إذاً يتكلوا)) ، وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً. (1) .
وفي صحيح مسلم أن النبي (قال لأبي هريرة رضي الله عنه – ((فمن لقيتَ 00 يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، فبشره بالجنة)) ، فلقيه عمر – رضي الله عنه – فدفعه، وقال: ارجع يا أبا هريرة، ودخل على أثره فقال: يا رسول الله لا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس، فخلهم يعملون، فقال عليه الصلاة والسلام: ((فخلهم)) (2) .
قال ابن حجر – رحمه الله -: (فكأن قوله (لمعاذ ((أخاف أن يتكلوا)) كان بعد قصة أبي هريرة، فكان النهي للمصلحة لا للتحريم 0 فلذلك أخبر به معاذ لعموم الآية بالتبليغ (3) أ. هـ.
ولاطلاعه – رضي الله عنه – على أنه لم يكن المقصود من المنع التحريم كما هو ظاهر من قصة أبي هريرة رضي الله عنه 0
فتبليغ الناس بهذه البشارة وإدخال السرور عليهم بذلك مصلحة، واتكالهم على ذلك وعدم فهمهم وتركهم العمل مفسدة عظيمة، لذا اعتمد رسول الله ش ما رآه عمر – رضي الله عنه – في ذلك (4) .
وروى البخاري – رحمه الله – عن علي – رضي الله عنه- أنه قال: ((حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّبَ اللهُ ورسولهُ)) (5) .
قال ابن حجر – رحمه الله -: (وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يُذكر عند العامة) (6) .(4/38)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –: (.. إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات، أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها، فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلَّ أن تعوز النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام، وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعاً، أو يتركوهما جميعاً، لم يجز أن يؤمروا بمعروف، ولا أن ينهوا عن منكر، بل ينظر، فإن كان المعروف أكثر أمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله، وزوال فعل الحسنات، وإن كان المنكر أغلب نهى عنه، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمراً بمنكر، وسعياً في معصية الله ورسوله، وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر، وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين، وذلك في الأمور المعينة الواقعة (1) .(4/39)
وقال ابن القيم – رحمه الله -: (إن النبي (شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله 00 ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله (يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عَزَمَ على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم، ومنَعه من ذلك – مع قدرته عليه – خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر) (1) أ. هـ.
وقال الشيخ حمد بن ناصر: (لكن إن خاف حصول منكر أعظم سقط الإنكار، وأنكر بقلبه، وقد نص العلماء على أن المنكر إذا لم يحصل إنكاره إلا بحصول منكر أعظم منه أنه لا ينبغي، وذلك لأن مبنى الشريعة على تحصيل المصالح وتقليل المفاسد) (2) .
وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز بن محمد إبراهيم آل الشيخ: (مما ينبغي أن يُعلم أنه متى كانت مفسدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به ورسوله وإن كان ذلك في ترك واجب أو فعل محرم، فالمؤمن عليه أن يتقي الله في عباده وليس عليه هداهم، وليعلم أن الاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضال..) (3)(4/40)
ومن خلال ما تقدم من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وأقوال العلماء الأجلاء يتبين لنا أن الشريعة الإسلامية جاءت باعتبار المصالح ودرء المفاسد، فلا يجوز تغيير المنكر بمنكر أشد منه، أو مثله، فعلى الدعاة إلى الله أن يتنبهوا إلى هذه القاعدة عند أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ولا يخفى أن هذا الباب مزلة أقدام، وكثيراً ما يقع فيه الاختلاف والاشتباه، وتختلط فيه النزعات الشخصية بالاجتهادات الفقهية، والمعصوم من عصمه الله عز وجل، ولا مخرج من هذه الفتن إلا بالتمسك بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والأخذ بما يقرره أهل العلم الربانيون الموثوق بهم والاجتماع خير من الفرقة 0
القاعدة السابعة: التثبت في الأمور وعدم العجلة:
على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، الداعي إلى الله تعالى التأكد من كل أمر والتثبت بشأنه، وعدم التسرع والعجلة، والحرص على الرفق والأناة بالناس وملاطفتهم حال أمرهم أو نهيهم، فإن في ذلك من الخير ما لا يحصى، وهو مما لا بد منه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي دعوة الناس إلى الخير 0 قال تعالى: {لا تُحْرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (1) ، والتبين والتثبت صفة من صفات أهل اليقين من المؤمنين، يقول الإمام الطبري – رحمه الله -: عند قوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الأيَاتِ لِقَوْمٍ يُوْقِنُونَ} (2) وخص الله بذلك القوم الذين يوقنون، لأنهم أهل التثبت في الأمور، والطالبون معرفة حقائق الأشياء على يقين وصحة، فأخبر الله جل ثناؤه أنه بين لمن كانت هذه الصفة صفته ما بين من ذلك، ليزول شكه، ويعلم حقيقة الأمر) (3) .
وقد ذم الإسلام الاستعجال ونهى عنه، كما ذم الكسل والتباطؤ،ونهى عنه، ومدح الأناة والتثبت فيها.(4/41)
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَنْ تُصِيْبُواْ قَوْمَاً بِجَهَالِةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِيْنَ} (1) .
قرأ الجمهور {فَتَبَيَّنُواْ} من التبين، وهو التأمل، وقرأ حمزة والكسائي: {فَتَثَبَّتُوا} ، والمراد من التبين والتعرف والتفحص، ومن التثبت: الأناة وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر (2) .
والدعاة إلى الله تعالى أولى بامتثال أمر الله عز وجل بالتأني والتثبت من الأقوال والأفعال، والاستيثاق الجيد من مصدرها قبل الحكم عليها.
والداعية الحصيف إذا أبصر العاقبة أمن الندامة، ولا يكون ذلك إلا إذا تدبر جميع الأمور التي تعرض له ويواجهها، فإذا كانت حقاً وصواباً مضى، وإذا كانت غياً، وضلالاً وظناً خاطئأ وقف حتى يتضح له الحق والصواب.
والواقع المشاهد أن عدم التثبت وعدم التأني يؤديان إلى كثير من الأضرار والمفاسد في المجتمع، قال تعالى {وَيَدْعُ الإنِسَانُ بِالشِّرِ دُعَاؤَهُ بِالخَيْرِ وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُوْلاً} (3) .
ولعظم أمر التثبت أمر الله به حتى في جهاد الكفار في سبيل الله. قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَاْ ضَرَبْتُمْ فَي سَبِيْلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنَاً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانُمُ كَثِيْرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَ اللهَ كَانَ ِبما تَعْمَلُونَ خَبِيْراً} (4) .(4/42)
ومما يزيد الآية السابقة وضوحاً ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس – رضي الله عنهما – {وَلا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤمِنَاً} قال: ((كان رجل في غُنيمة له، فلحقه المسلمون، فقال السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غُنيمته، فأنزل الله في ذلك إلى قوله {عَرَضَ الحيَاةِ الْدُّنْيَا} تلك الغُنيمة)) (1) .
وعن أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – قال: بعثنا رسول الله (إلى الحرقة من جهينة، قال: فصبحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، قال فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله، قال: فكف عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي (، قال: فقال لي: ((يا أبا أسامة، أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟ قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذاً، قال: فقال: أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قال فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم)) (2) .
وفي رواية قال: قلت يا رسول الله: إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: ((أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا)) ،فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ (3)
وفي رواية: ((كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟)) قال: يا رسول الله: استغفر لي، قال: ((وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟)) قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: ((كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة)) (4) .
ولهذا كان النبي (أعظم الناس تثبتاً وأناة في الأمور، فكان (لا يقاتل أحداً من الكفار إلا بعد التأكد بأنهم لا يقيمون شعائر الإسلام، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – ((أن النبي (إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذاناً كف عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم..)) (5)(4/43)
ومن تعليمه وتربيته لأصحابه – (– على الأناة وعدم العجلة أن أبا هريرة – رضي الله عنه – قال سمعت رسول الله (يقول: ((إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) (1)
ومن فقه قصة الخضر مع موسى عليه السلام، وقصة الهدهد مع سليمان عليه السلام وغيرهما من التوجيهات القرآنية والنبوية، استنبط العلماء أحكاماً في الإنكار، من التثبت والتروي والاستخبار قبل الإنكار، فهاهو القاضي أبو يعلى يذكر في الأحكام السلطانية، ما يتعلق بالمحتسب فيقول: (.. وإذا رأى وقوف رجل مع امرأة في طريق سالك لم تظهر منهما أمارات الريب لم يتعرض عليهما بزجر ولا إنكار، وإن كان الوقوف في مكان خال فخلوُّ المكان ريبة، فينكرها ولا يعجل في التأديب عليهما حذراً من أن تكون ذات محرم، وليقل (إذا كانت محرم فصنها عن موقف الريب، وإن كانت أجنبية فاحذر من خلوة تؤديك إلى معصية الله عز وجل) وليكن زجره بحسب الأمارات، وإذا رأى المحتسب من هذه الأمارات ما ينكرها تأنى وفحص وراعى شواهد الحال، ولم يعجل بالإنكار قبل الاستخبار) (2) .
وبهذا يتبين لنا أنه ينبغي للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الداعي إلى الله تعالى على بصيرة وحكمة أن يتثبت ويتأنى في الأمور، وأن ينظر إلى المصالح العامة، وما يترتب على الكلمة التي يقولها من عواقب، وأن يحترم علماءه، ويسمع لكلامهم ويأخذ بتوجيهاتهم، ويطيع ولاة أمره في غير معصية.
وليعلم الداعي إلى الله أن التسرع والعجلة وعدم النظر قي العواقب يسبب الفشل والندامة له ولدعوته.(4/44)
وأحب أن أنبه إلى أن العجلة المذمومة هي ما كان في غير طاعة الله تعالى، أما المسارعة في عمل الآخرة بالضوابط الشرعية التي شرعها الله تعالى فإنها غير داخلة في ذلك، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فَي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبَاً وَرَهَبَاً وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعْيْنَ} (1) ، وقال موسى عليه السلام: {وَعَجِلِتُ إِلْيَكَ رَّبِي لِتَرْضَى} (2) .
• • •
الخاتمة:
وفي ختام هذا البحث أود أن أسجل النتائج التالية:
1-إن كون الشىء معروفاً أو منكراً ليس من شأن الآمر والناهي، وإنما الميزان في ذلك هو ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله (، على فهم السلف الصالح لهذه الأمة من اعتقاد أو قول أو فعل.
2- من القواعد العامة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر عالماً بما يأمر به وبما ينهى عنه..، يعلم ما هو المنهي عنه شرعاً حتى ينهى عنه، ويعلم ما هو المأمور به شرعاً حتى يأمر الناس به..
3- بيان أن للمنكر شروطاً يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يراعيها عند إزالته للمنكر وهي:
أ -التحقق من كونه منكراً.
ب- أن يكون المنكر موجوداً في الحال. وله ثلاث حالات تقدم شرحها في البحث.
4- من القواعد العامة التي تحكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معرفة مراتب إنكار المنكر وضوابطها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون بقدر الاستطاعة، فإن استطاع المسلم تغيير المنكر باليد كان ذلك هو الواجب في حقه، فإن عجز عن التغيير باليد وكان باستطاعته النهي باللسان كان ذلك هو الواجب عليه، وتغيير المنكر باللسان له أربع خطوات:
الأولى: التعريف باللين واللطف.
الثانية: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى.
الثالثة: الغلظة بالقول بعد عدم جدوى أسلوب اللطف واللين(4/45)
الرابعة: التهديد والتخويف.. ولكن ينبغي أن يكون هذا التهديد والتخويف في حدود المعقول عقلاً وشرعاً.
... فإن عجز الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر عن الإنكار باليد واللسان، انتهى إلى الإنكار بالقلب، وهذا الواجب لا يسقط عن المؤمن بوجه من الوجوه، وليس هناك من التغيير ما هو أقل منه، وهو آخر حدود الإيمان، وإن الإنكار بالقلب يقتضي مفارقة المنكر وأهله، ولا بد للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الداعي إلى الله تعالى على علم وبصيرة من معرفة مراتب إنكار المنكر وضوابطها وخطواتها، والالتزام بالعمل بها، حتى ينجح في عمله..
5- ومن القواعد التي تحكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يبدأ الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالأهم قبل المهم: وذلك بأن يبدأ بإصلاح أصول العقيدة، فيأمر بالتوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، وينهى عن الشرك والبدع والشعوذة، ثم يأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ثم بقية الفرائض، وترك المحرمات، ثم أداء السنن، وترك المكروهات.
6- ومن القواعد المهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتبار تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتعطيلها أو تقليلها، فيشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن لا يؤدي إلى مفسدة أعظم من المنكر الذي يُراد تغييره، أو مثله، فإن كان إنكار المنكر يستلزم حصول منكر أعظم منه، فإنه عندئذ يسقط وجوب الإنكار، بل لا يصح ولا يسوغ الإنكار في هذه الحالة.
7- ومن القواعد المهمة أنه على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر التأكد من كل أمر، والتثبت بشأنه، وعدم التسرع والعجلة، والحرص على الرفق والأناة بالناس وملاطفتهم حال أمرهم أو نهيهم، وأن ينظر إلى المصالح العامة وما يترتب على الكلمة التي يقولها من عواقب، وأن يحترم علماءه ويسمع لكلامهم، ويأخذ بتوجيهاتهم ويطيع ولاة أمره في غير معصية.(4/46)
وليعلم الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الداعي إلى الله تعالى أن التسرع والعجلة وعدم النظر في العواقب إن ذلك يسبب الفشل والندامة له ولدعوته.
وكان المستند لهذا العمل هو ما جاء في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله (على فهم سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم، ولعل في ذلك بيان وجه الصواب لمن يرغب أن يكون من الأمة المفلحة، وأن يكون من أتباع الرسول (، لأن أتباع الرسول (هم الدعاة إلى الله تعالى على بصيرة.
وفي الختام أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقني وجميع المسلمين إلى هداه، وإلى العمل بما يرضيه، كما أسأله تعالى أن يغفر لي كل ذنب زلت به القدم، أو زلل طغى به القلم.
كما أسأله جلت قدرته أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به من يطلع عليه من المسلمين، إنه جواد كريم.وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحواشي والتعليقات
سورة آل عمران، الآية 102.
سورة النساء، الآية 1.
سورة الأحزاب، الآيتان 70 – 71.
سورة آل عمران، الآية 110.
سورة التوبة، الآية 71.
سورة الحج، الآيتان 40-41.
صحيح البخاري مع الفتح، 5 / 132، كتاب الشركة، باب هل يُقرع في القسمة؟ والاستهام فيه، رقم 2493، و5 /292، كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات، رقم 2686.
سورة المائدة، الآيتان 78-79.
سورة الأعراف، الآية 164.
سنن الترمذي، 4 / 468، كتاب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رقم 2169، وقال: حديث حسن.
صحيح البخاري مع الفتح، 2 / 8، كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلاة كفارة، رقم 252، ومسلم 1 / 128، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، رقم 144.
سورة النساء، الآية 114.
تذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 12-13 بتصرف.(4/47)
لسان العرب، 9 /240، وانظر النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 3 /216
النهاية في غريب الحديث، 5 /115.
هو عبد الله بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي، من علماء الحديث، من كتبه جمع النهاية اختصر به صحيح البخاري توفي بمصر، سنة 695 هـ، انظر الأعلام للزركلي، 4/221.
فتح الباري، لابن حجر، 10 /448.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 42-43.
الزواجر عن اقتراف الكبائر، 2/ 146.
إرشاد الفحول، ص 77.
انظر محاضرات في العقيدة والدعوة، للدكتور صالح الفوزان، 2 / 328.
سورة محمد، الآية 19.
صحيح البخاري مع الفتح، 1 / 159، كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل.
انظر فتح الباري، 1 / 160، وحاشية الأصول الثلاثة، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص15.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 17.
المرجع السابق، ص18، وانظر مختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة، ص 131.
سورة يوسف، الآية 108.
الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وأخلاق الدعاة، ص 35، بتصرف.
صحح البخاري مع الفتح، 3 / 357، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا رقم 1496، ومسلم 1 /50، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم 19، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
سورة النحل، الآية 125.
صحيح البخاري مع الفتح، 6 / 496، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني اسرائيل، رقم 3461، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه
انظر زاد الداعية، ص 6-10، باختصار وتصرف.
انظر الكنز الأكبر، ص 217-220.
الحسبة: هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله. انظر الأحكام السلطانية للماوردي ص 299 والأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء، ص 284.
انظر أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان، 179، بتصرف.(4/48)
انظر إحياء علوم الدين، 2/ 414، والكنز الأكبر ص 219، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، د/عبد العزيز المسعود 1/ 213 –215.
إحياء علوم الدين، 2 / 413، 414.
انظر البحر الرائق، شرح كنز الدقائق، 5 /45.
سورة النور، الآية 27.
صحيح البخاري مع الفتح، 12 /243، كتاب الديات، باب من اطلع في بيت قوم ففقأوا عينه فلا دية له رقم 6902.
سورة الحجرات، الآية 12.
صحيح البخاري مع الفتح، 10 / 484، كتاب الأدب، باب {ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن..} رقم 6066.
سنن أبي داود، 5 / 199، كتاب الأدب، باب في النهي عن التجسس، رقم 4888، وصححه النووي، انظر رياض الصالحين، ص 596، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة.
انظر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، د/ عبد العزيز المسعود، 1 / 221 بتصرف.
ومعنى ((إلا المجاهرين)) أي الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها وكشفوا ما ستر الله عليهم، فيتحدثون بها لغير ضرورة ولا حاجة انظر شرح النووي على صحيح مسلم، 18 / 119.
صحيح البخاري مع الفتح، 10 / 486، كتاب الأدب، باب ستر المؤمن على نفسه، رقم 6069 ومسلم 4 / 2291، كتاب الزهد، باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه، رقم 2990.
فتح الباري، لابن حجر، 10 /487.
الموطأ، 2 / 825، كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا، وأخرجه البيهقي والحاكم على شرطهما، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه ابن السكن وغيره، انظر جامع الأصول، 3 / 598.
سورة هود، الآيتان 118-119.
إحياء علوم الدين، 2 / 286، وانظر مختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة، ص 128.
الأحكام السلطانية، لأبي يعلى الحنبلي، ص 297.
الآداب الشرعية، 1 / 190.
روضة الطالبين، 10 / 219-220، ط 3، 1412 هـ - 1991 م، المكتب الإسلامي.(4/49)
صحيح مسلم، 1 / 69، كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، رقم 49، وسنن أبي داود،1 / 677 كتاب الصلاة باب الخطبة يوم العيد، رقم 1140، والترمذي، 4 / 469، كتاب الفتن، باب ما جاء في تغيير المنكر باليد، رقم 2172، وابن ماجه 2 / 1330،كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رقم 4013، وأحمد في المسند، 3 / 10، 20، 49، 52.
صحيح مسلم، 1 / 70، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان..، رقم 50.
انظر مجموع الفتاوى، 15 / 329، والكنز الأكبر، ص 245، وطبقات الحنابلة، 2 / 280، والآداب الشرعية، 1 / 185 ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله-،ص 16-17 وتذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعبد الله القصير، ص45.
سورة الأنبياء، الآيتان 57 –58.
سورة طه، الآية 97.
سورة الإسراء، الآية 81.ولفظ الآية {وقل جاء الحق..} الآية.
صحيح البخاري مع الفتح، 8 / 400، كتاب التفسير، باب وقل جاء الحق وزهق الباطل، رقم 4720
صحيح البخاري مع الفتح، 4 / 414، كتاب الأدب، باب قتل الخنزير، رقم 2222.
الفضيخ اسم للبسر إذا شدخ ونبذ، وأما الزهو فهو البسر الذي يحمر أو يصفر قبل أن يترطب، وقد يطلق الفضيخ على خليط البسر والرطب، وكما يطلق على البسر وحده، انظر فتح الباري، 10 / 38.
صحيح البخاري مع الفتح، 10 / 36-37، كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر وهي من البسر والتمر، رقم 5582.
صحيح مسلم، 3 / 1655، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم خاتم الذهب على الرجال..، رقم 2090.
صحيح البخاري مع الفتح، 6 / 141، كتاب الجهاد، باب ما قيل في الجرس ونحوه..، رقم 3005، ومسلم 3 / 1672، كتاب اللباس، باب كراهة قلادة الوتر في رقبة البعير، رقم 2115.(4/50)
صحيح البخاري مع الفتح، 10 / 385، كتاب اللباس، باب نقض الصور، رقم 5952.
السهوة: صفة، وقيل خزانة، وقيل رف، وقيل طاق يوضع فيه الشىء. انظر فتح الباري، لابن حجر، 5
هتكه: أي شقه، والذي يظهر أنه نزعه ثم هي بعد ذلك قطعته،. انظر المرجع السابق، ونفس الصفحة.
صحيح البخاري مع الفتح، 5 / 122، كتاب المظالم، باب هل تكسر الدنانات التي فيها خمر …، رقم 2479 وأحمد في المسند 6 / 36، 85، 86، 103، 199، 208.
انظر مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة، ص 29، 53.
مختصر الفتاوى المصرية، ص580.
انظر إحياء علوم الدين، للإمام الغزالي، 2 / 402، وتذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص 46.
انظر مجموع الفتاوى، 15 / 339، و28 / 127، ومختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة، ص،28. والكنز الأكبر ص236.
صحيح البخاري مع الفتح، 10، 449، كتاب الأدب، رقم 6024، ومسلم، 4 / 1706، كتاب السلام، رقم 2165.
صحيح مسلم، 4 / 2004، كتاب البر والصلة، رقم 2594.
أصله في صحيح مسلم، 2 / 1020، كتاب النكاح، باب (1) ، رقم 1401، وأخرجه أبو داود في سننه 5 / 143، كتاب الأدب، باب في حسن العشرة، رقم 4788، وهذا لفظه، والنسائي 6 / 60، كتاب النكاح باب النهي عن التبتل.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للخلال، ص 47.
صحيح مسلم، 4 / 1706، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، وكيف يرد عليهم، رقم 2165 عن عائشة رضي الله عنها،.
سورة النحل، الآية 125.
سورة العنكبوت، الآية 46.
سورة الذاريات، الآية 55.
أخرجه ابن أبي الدنيا بإسناد حسن، انظر كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 99، تحقيق صلاح الشلاحي مكتبة الغرباء الأثرية، بالمدينة النبوية، ط 1، 1418 هـ.
روضة العقلاء، لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، 158.(4/51)
ديوان الإمام الشافعي، ص 96.
سورة الأنبياء، الآية 67.
انظر إحياء علوم الدين، 2 / 420 –422، والكنز الأكبر، ص 234-143، وفقه الدعوة في إنكار المنكر ص 69-71، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعبد العزيز المسعود، 1 / 521 –525.
تقدم تخريجه، ص379.
تقدم تخريجه،ص 380.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابن تيمية ص 9.
صحيح مسلم، 1 / 128-129، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، رقم 144.
أصله في صحيح البخاري، انظر صحيح البخاري، مع الفتح، 10 / 385، كتاب اللباس، باب نقض الصور، رقم 5952، ومسند الإمام أحمد، 6 / 225، وهذا لفظه.
الترمذي، 1/ 30، كتاب الطهارة، باب ما جاء في الاستنجاء بالماء، رقم 19، والنسائي 1/ 43، كتاب الطهارة باب الاستنجاء بالماء وإسناده صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن جرير بن عبد الله البجلي وأنس، وأبي هريرة. انظر جامع الأصول في أحاديث الرسول، 7 / 140.
صحيح مسلم، 1 / 213، كتاب الطهارة، باب غسل الرجلين بكمالهما، رقم 240.
انظر جامع العلوم والحكم، 1 / 245.
سورة الأنعام، الآية 68.
سورة النساء، الآية 140.
تيسير الكريم الرحمن، 2 / 93 – 94.
سورة النحل، الآية 36.
سورة الأنبياء، الآية 25.
سورة الزخرف، الآية 45.
سورة الأعراف، الآيات 59، 65، 73، 85، وسورة هود، الآيات 50، 61، 84.
سورة الأنعام، الآيتان 161 – 162.
انظر مقدمة فضيلة الدكتور / صالح الفوزان، على كتاب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل للدكتور / ربيع المدخلي ص 5. بتصرف.
صحيح البخاري مع الفتح، 3 / 357، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا رقم 1496، ومسلم 1 / 50، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم 19، عن ابن عباس رضي الله عنهما.(4/52)
فتح الباري، لابن حجر، 3 / 359.
سورة البقرة، الآيات 191-193.
سورة البقرة، الآية 219.
سورة الأنعام، الآية 108.
صحيح البخاري، مع الفتح، 1 /224، كتاب العلم، باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه، رقم 126.
فتح الباري، 1 / 225.
صحيح البخاري مع الفتح، 1 / 162، كتاب العلم، باب ما كان النبي (يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا رقم 68.
صحيح البخاري مع الفتح، 1 / 101، كتاب الإيمان، باب أحب الدين إلى الله أدومه، رقم 43.
صحيح البخاري مع الفتح، 1 / 226، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوماً دون قوم، رقم 128.
صحيح مسلم 1 / 60-61، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً، رقم 52.
فتح الباري، 1 / 228.
الأدلة على اعتبار المصالح والمفاسد في الفتاوى والأحكام، جمع وترتيب أبو عاصم هشام عبد القادر، ص 18.
صحيح البخاري مع الفتح، 1 / 225، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية ألا يفهموا، رقم 127.
فتح الباري، 1 / 225.
انظر مجموع الفتاوى، 28 / 129-130.
إعلام الموقعين، 3 / 4.
انظر الدرر السنية في الأجوبة النجدية، 8 / 61.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الماضي والحاضر، ص 33.
سورة القيامة، الآية 16.
سورة البقرة، الآية 118.
تفسير الطبري، 1 /515.
سورة الحجرات، الآية 6.
فتح القدير، للإمام الشوكاني 5 /60.
سورة الإسراء، الآية 11.
سورة النساء، الآية 94.
صحيح البخاري مع الفتح، 8 / 258، كتاب التفسير، سورة النساء، باب: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا. رقم 4591
صحيح البخاري مع الفتح، 7 / 517، كتاب المغازي، باب بعث النبي (أسامة إلى الحرقات. رقم 4269، وصحيح مسلم، 1 /97 كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلاالله، رقم 159.(4/53)
صحيح مسلم، 1 / 96، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، رقم 158.
صحيح مسلم 1 / 97-98، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله. رقم 160.
صحيح البخاري مع الفتح، 2 / 89، كتاب الأذان، باب ما يحقن بالآذان من الدماء، رقم 610، وصحيح مسلم 1/ 288، كتاب الصلاة باب الإمساك عن الإغارة إلى قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان، رقم 382.
صحيح البخاري مع الفتح، 2 /390، كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة، رقم 908، ومسلم 1/420، كتاب المساجد، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، رقم 602.
الأحكام السلطانية، لأبي يعلى الحنبلي، ص293، وانظر الآداب الشرعية، لابن مفلح، 1/ 302.
سورة الأنبياء، الآية 90.
سورة طه، الآية 84.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
الأحكام السلطانية، لمحمد بن الحسين بن محمد الفراء أبو يعلى (ت 458 هـ) ، ط 2، سنة 1386 هـ، 1966 م صححه محمد حامد الفقي، مطبعة البابي الحلبي.
أحكام القرآن، للإمام أبي بكر أحمد بن علي الجصاص، المطبعة البهية، القاهرة.
إحياء علوم الدين، للإمام أبي حامد الغزالي، (ت505 هـ) ، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، القاهرة 1387 هـ.
الآداب الشرعية،للإمام الفقيه المحدث أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، (ت 763 هـ) ، ط 1، 1416هـ –1996 م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
الأدلة على اعتبار المصالح والمفاسد في الفتاوى والأحكام،جمع وترتيب أبو عاصم هشام بن عبد القادر، بدون ذكر الطبعة وتاريخها.
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي الشوكاني، (1255) ، ط 1، مصطفى البابي الحلبي وأولاده، بمصر، سنة 1356 هـ.
أصول الدعوة، لعبد الكريم زيدان، جمعية الأماني، بغداد، ط 3، 1396 هـ، 1976 م.(4/54)
إعلام الموقعين عن رب العالمين، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية (ت 751 هـ) ، دار الجيل، 1973 م، بيروت.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال، (311هـ) ، تحقيق ودراسة عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1406 هـ، 1986 م.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (ت726 هـ) ، المكتبة القيمة، مصر.
الأمر بالمعروف بين الماضي والحاضر، لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، بدون ذكر المطبعة وتاريخ الطبع.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،للسيد جلال الدين العَمْرى، نقله إلى العربية محمد أجمل أيوب الاصلاحي، شركة الشعاع، الكويت.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء كتاب الله وسنة رسوله (، د سليمان الحقيل، ط 3، 1413 هـ 1993 م، دار الشبل للنشر، الرياض.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وواقع المسلمين اليوم، لصالح بن عبد الله الدرويش، ط 1، 1412 هـ، دار الوطن للنشر، الرياض.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في حفظ الأمة،د / عبد العزيز المسعود، ط 2، 1414 هـ، دار الوطن الرياض.
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، للعلامة زين الدين ابن نجيم، ط 2، دار المعرفة، بيروت.
بهجة المجالس، للإمام أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي، (ت 463 هـ) ، ط 2، تحقيق محمد مرسي الخولي، دار الكتب العلمية، بيروت.
تذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،للشيخ عبد الله ابن صالح القصير، ط 1، 1411 هـ دار العاصمة، الرياض.
تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير، (ت 774 هـ) ، مطبعة الفجالة، القاهرة، ط 1، 1384 هـ، نشر مكتبة النهضة الحديثة.(4/55)
تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين، وتحذير السالكين من أفعال الهالكين، للإمام محيي الدين أبي زكريا أحمد إبراهيم النحاس، (ت 814 هـ) ، تحقيق وتعليق عماد الدين عباس سعيد، دار الكتب العلمية، بيروت.
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، (ت 1376 هـ) ، مطبعة المدني، 1408 هـ، القاهرة.
جامع الأصول في أحاديث الرسول (، للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري (ت 606 هـ) ، نشر مكتبة الحلواني، دار البيان، توزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، بالسعودية
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، المعروف بتفسير الطبري،لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، (ت 310 هـ) شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، بمصر، ط 3، 1388 هـ.
الجامع الصحيح للترمذي،للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى ابن سورة الترمذي، (ت 279 هـ) ، دار إحياء التراث العربي.
جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم،للإمام الحافظ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي الدمشقي الشهير بابن رجب، (ت 795 هـ) ، ط 5، 1414 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، (ت 430هـ) ، مطبعة السعادة 1399 – 1979 م، بمصر.
الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط 5، 1413هـ – 1992 م.
الدعوة إلى الله سبحانه وأخلاق الدعاة، لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مكتبة المعارف، الرياض 1406 هـ – 1986 م.
ديوان الإمام الشافعي، جمعه وحققه وشرحه د/ إميل بديع يعقوب، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1 1414هـ.(4/56)
رياض الصالحين، للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي، (ت 676هـ) ، تحقيق وتعليق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 5، 1405 – 1984 م.
زاد الداعية إلى الله،للشيخ محمد بن صالح العثيمين، ط 3، 1413 هـ، دار الوطن للنشر.
الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيثمي، دار الكتب العربية الكبرى، القاهرة.
سنن ابن ماجة،للحافظ أبي عبد الله القزويني، (ت275 هـ) ، دار الفكر، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
سنن أبي داود، للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، (275 هـ) ، دار الكتب للطباعة بيروت، ط 1، 1388 هـ.
سنن النسائي، للحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي، (ت 303 هـ) ، المكتبة العلمية، بيروت
الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات، لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ط1،
1414 هـ– 1993 م، دار المجد للنشر والتوزيع، الرياض.
صحيح البخاري، مع الفتح، للإمام محمد بن إسماعيل إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري، (ت 256 هـ) ، طبع المكتبة السلفية.
صحيح مسلم، للإمام الحافظ أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، (ت 261 هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي،دار إحياء التراث العربي، بيروت.
فتح الباري شرح صحيح البخاري، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، (ت 852 هـ) ، طبع المكتبة السلفية.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، لمحمد بن علي الشوكاني، (ت 1250 هـ) ، الناشر محفوظ العلي، بيروت.
فقه الدعوة في إنكار الدعوة، لعبد الحميد البلالي، ط 2، 1409 هـ، 1989 م، دار الدعوة، الكويت.
الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للإمام الشيخ عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود الحنبلي الدمشقي الصالحي، (856 هـ) ، ط 1، 1417هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.(4/57)
لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، (ت 711) ، دار صادر، بيروت.
مجموع الفتاوى،لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، وابنه محمد، الطبعة السعودية 1398 هـ.
محاضرات في العقيدة والدعوة،للشيخ صالح بن فوزان الفوزان، دار العاصمة، النشرة الأولى، 1415 هـ.
مختصر الفتاوى المصرية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، لبدر الدين أبي عبد الله محمد ابن علي الحنبلي البعلي (ت 777 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت.
مختصر منهاج القاصدين، للإمام أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي، (ت 742 هـ) ، تقديم د / وهبة الزحيلي، ط 1، 1414 هـ، دار الخير، بيروت، توزيع مكتبة الوراق، الرياض.
مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة، مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ صالح السدلان،ط 1، 1414 هـ - 1994 م، دار المعراج، الرياض.
المسند للإمام أحمد بن حنبل الشيباني، (ت 241 هـ) ، دار صادر، بيروت.
المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، ترتيب وتنظيم أ. ى. ونْسنْل، مطبعة بريل، ليدن.
المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة.
منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل، د / ربيع بن هادي المدخلي، الدار السعودية السلفية، ط 1 1406 هـ، الكويت.
الموطأ، للإمام مالك بن أنس، (ت 179 هـ) ، دار إحياء الكتب العربية.
النهاية في غريب الحديث والأثر، للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير (ت 606 هـ) ، المكتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي.
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، ط 1، 1412 هـ، دار العاصمة الرياض.(4/58)
حكم الأواني الذهبية والفضية وما مُوِّه بهما
استعمالاً وبيعاً وشراء
د. صالح بن زابن المرزوقي البقمي
أستاذ الفقه المشارك بقسم الاقتصاد الإسلامي
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى
ملخص البحث
يثير هذا البحث قضية يتعرض لها غالب المسلمين؛ وهي استعمال، أو شراء وبيع، أواني الذهب والفضة، أو ما موه بهما.
وقد تناول البحث هذه القضية نظريا، وعمليا؛ فبين الحكم الشرعي لاستعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب وهو حرمة ذلك بالإجماع، ورد على منكريه. وتوصل الباحث إلى حرمة شراء وبيع هذه الأواني لهذا الغرض. وبين البحث أن ما يقال له الذهب الأبيض البلاتين يختلف عن الذهب مادة، وحكما؛ وهو جواز استعماله. وتعرض البحث لاستعمال أواني الذهب والفضة في سائر الاستعمالات الأخرى؛ غير الأكل والشرب ورجح الباحث حرمة ذلك. كما تعرض لحكم التضبيب بالذهب أو بالفضة. وقد تم إيراد العلل التي ذكرها الفقهاء، وتمت مناقشتها، ورجح الباحث أن علة التحريم هي تضييق النقدين والإسراف. كما اشتمل البحث على ذكر أهم المستثنيات من حكم الأصل. وتعرض البحث أيضاً لأحكام الإجارة على صياغة أواني الذهب والفضة، وأحكام الضمان إذا أُتلف أي منهما. وبيان حكم اتخاذ آنية الذهب والفضة؛ ورجح الباحث جوازه. وبعد ذلك اشتمل البحث على حكم المموه بهما أو بأحدهما، والحالات المشابهة للتمويه. وقد تم إجراء تحليل لطلاء هذه الأواني في المفاعل النووي في مركز التقنية البيئية التابع لكلية الأمبريل بجامعة لندن، تم التوصل من خلاله على معرفة مقدار هذا الطلاء، ونسبته بالنسبة للإناء، وقد أعان هذا التحليل على الوصول إلى الحكم الشرعي الذي رجحه الباحث لاستعمال وبيع وشراء هذا النوع من الآنية المموهة بالذهب أو الفضة؛ وهو الجواز. وانتهى البحث بخاتمة اشتملت على أهم النتائج.
• • •
المقدمة:(4/59)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد: فإن تطور الصناعات، وسهولة المواصلات، وتقدم الاتصالات، وانفتاح معظم أسواق دول العالم، أعان على انتشار البضائع بجميع أشكالها، إضافة إلى جري الإنسان إلى تحقيق رغباته، وافتتان كثير منهم بكل جديد، وملفت للنظر، كل هذا أغرى المصانع العالمية، على التنافس والإبداع؛ فأغرقت الأسواق بأنواع مختلفة من الأواني المنزلية، ذات الألوان الجذابة كالذهبي والفضي. وكنت في حيرة وتردد في استعمال هذه الأواني، وربما قدمت القهوة أو الشاي إليّ في فنجان لونه ذهبي أو فضي فاحترت في أمره أهذا ذهب أم فضة أم هو مطليّ بهما، أو بأحدهما؟ ثم أجيب نفسي بأنه لا يعقل أن يكون كذلك مادام قيمة الفنجان ريالاً أو ريالين، أو نحوهما. فآخذه وأتناول ما فيه على مضض. ويزداد هذا الشعور حيناً، ويقل حيناً آخر. ولاشك أن هذا الشعور ينتاب غيري من المسلمين؛ فأيقنت أن الحاجة ماسة لمعرفة الحكم الشرعي في هذه النازلة ولا يتسنى الوصول إليه إلا ببحث يتناول أساس الموضوع، وجوانبه، ويتتبع الباحث أقوال العلماء السابقين فيه، ليطبقها أو يقيس عليها، ويستأنس بها، مع الاستفادة من التحاليل المخبر يه في المجال الصناعي، للوصول إلى حقيقة هذه المواد. أفيها ذهب أو فضة؟ أم لا؟ وإذا كان فيها شيء منهما ما مقداره؟ وما قيمته؟(4/60)
ورغم ضيق الوقت، وكثرة المشاغل، وقلة البضاعة، استعنت بالله على الكتابة في هذا الموضوع، مع يقيني بأن الطريق محفوف بالمخاطر. وقد حصل لي ما توقعته؛ فقد كنت أطمع أن أجد الجواب عن نسبة الذهب والفضة في بعض الأواني لدى الصاغة في مكة المكرمة، لكن طلبي لم يتحقق، ثم زرت بعض الشركات المستوردة، فيممت وجهتي إلى جدة، أزور معاملها الحرية بذلك، والشركات المستوردة لهذه الأواني، ومع أنني زرت خمسة معامل مرموقة، واتصلت بأخرى إلا أنني لم أظفر بطائل. فكاتبت مصانع هذه الأواني في كل من اليابان، وهنج كنج، وكوريا، وقد عدت بخفي حنين. ثم كاتبت هيئة المواصفات والمقاييس السعودية، فلم أجد لديهم شيئا من بغيتي، وبعد هذا التجوال يسر الله لي اخوة أفاضل لا يسعني إلا أن أقدم لهم خالص الشكر وعظيم التقدير وهم سعادة الدكتور عيسى رواس عميد كلية العلوم التطبيقية بجامعة أم القرى، في مكة المكرمة، لما أبداه من استعداد وتشاور لتحقيق مطلبي، وأخص بالشكر سعادة الدكتور وليد جميل ألطف رئيس قسم الفيزياء بالكلية؛ الذي تولى مراسلة الجهات المعنية في بريطانيا، وسهل عليَّ كثيراً من الصعاب. وقد تم هذا ولله الحمد عن طريق المفاعل النووي، في مركز التقنية البيئية التابع لكلية الأمبريل بجامعة لندن، ببريطانيا. كما أشكر سعادة الدكتور بخيت المطرفي عميد كلية العلوم بالطائف على مراجعته للمسائل الرياضية في البحث.
وحيث إن الذهب والفضة لهما في الشريعة الإسلامية أحكام كثيرة؛ منها ما يتعلق ببيعهما، وقد كتبت فيه بحثا مستقلا؛ ومنها ما يتعلق بلبسه، ومنها ما يتعلق باستعمال أوانيه؛ فقد استعنت بالله على الكتابة في الموضوع الأخير من جوانبه، وهو بحثنا هذا. وسميته: (حكم الأواني الذهبية والفضية وما مُوِّه بهما استعمالاً وبيعاً وشراء) وقد جعلته بعد المقدمة في خمسة فصول وخاتمة.(4/61)
الفصل الأول في: استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب، وبيعها وشرائها.
الفصل الثاني في: استعمال أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب.
الفصل الثاني في: علة تحريم أواني الذهب والفضة.
الفصل الثالث في:اتخاذ أواني الذهب والفضة.
الفصل الرابع في: استعمال المموه بالذهب أو الفضة. وبيعه وشرائه.
الخاتمة:أجمل فيها أهم النتائج.
والحمد لله أولا وأخرا، وظاهرا وباطنا.
الفصل الأول: استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب وبيعها وشراؤها
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: استعمال أواني الذهب أو الفضة في الأكل أو الشرب
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: في معنى الاستعمال والفرق بينه وبين التحلي
الاستعمال في اللغة: يأتي بمعان، منها: طلب العمل، أو توليته. ومنها الجعل والتصيير. فاستعمله أي: عمل به فهو مستعمل (1) . أي جعله محلاً للعمل.
والاستعمال في اصطلاح الفقهاء لا يخرج عن معناه اللغوي. وهو: التلبس بالانتفاع؛ أي أن يستعمله الإنسان فيما أُعد له (2) ، أو فيما لا يعد له.
وكما أن الشرب بآنية الذهب أو الفضة استعمال لها، فكذلك لبس الذهب استعمال بالتحلي، لكن العرف الفقهي خصص الاستعمال بغير ما كان من التحلي تفريقا بينهما، ولافتراقهما في الأحكام.
والتفرقة بين التحلي والاستعمال هو أن كل ما ليس له فائدة سوى اللبس والزينة كالسوار والوسام فهو حلي واستعماله تحلٍّ، على سبيل التخصيص من عموم الاستعمال. وكل ما له فائدة جوهرية بالاستعمال، وفائدة عرضية بالزينة؛ كالقلم؛ فهو من متعلقات الاستعمال، بشرط انفصاله عن ملابسة الجسم على سبيل المصاحبة (3) .(4/62)
وما اشتمل على فائدتي الاستعمال والزينة فإن كان إلى متعلقات التحلي أقرب منه إلى الاستعمال؛ لملابسته الجسد سواء أكان بتمام الاتصال؛ كتركيب أو تلبيس أسنان ذهبية أو فضية، أو دون الملابسة؛ كساعة الجيب وسلسلتها، وساعة اليد، والنظارة. فهو ملحق باللباس، والتحلي، فينبغي أن يلحق كل صنف بما غلب عليه؛ فإن غلبت عليه صفة الاستعمال ألحق بالآنية، وإن غلبت عليه صفة اللباس ألحق باللباس.
المطلب الثاني: تعريف الآنية
الإناء: مفرد. وجمعه آنية. كسقاء وأسقيه، ووعاء وأوعية. وجمع الآنية أوانٍ. والأصل أأني أبدلت الهمزة الثانية واوا، كراهية اجتماع همزتين كآدم وأو آدم.
والإناء الذي يرتفق به. وهو مشتق من ذلك؛ لأنه قد بلغ أن يعتمل بما يعانى به، من طبخ أو خرز أو نجارة (1) .
ومن الجدير بالذكر أن ما يقال له الذهب الأبيض ليس ذهباً، وليس له أي صلة بإذهب، لا من حيث معدنه، ولا لونه فلا تنطبق عليه أحكامه. واسمه الحقيقي بلاتين. وقد عرف الذهب بأنه (عنصر فِلِزِّيِّ، أصفر اللون، وزنه الذري197,2 وعدده الذري79، وكثافته19,4) (2) .
المطلب الثالث: حكم استعمال أواني الذهب أو الفضة في الأكل أو الشرب(4/63)
يحرم استعمال أواني الذهب، أو الفضة؛ كالملاعق، والسكاكين، والشوكات، والصحون، والكاسات، ونحوها. في الأكل، أو الشرب منها، أو بها، على الرجال والنساء، بالإجماع في الشرب، إلا ما نقل عن معاوية بن قرة من إجازته ذلك (1) . وأما الأكل فأجازه داود والحديث الآتي في الأدلة يرد عليه، ولعله لم يبلغه، وقول قديم للشافعي بالكراهية لا بالتحريم (2) . قال النووي: (استعمال الإناء من ذهب أو فضة حرام على المذهب الصحيح المشهور، وبه قطع الجمهور. وحكي المصنف [الشيرازي] وآخرون من العراقيين والقاضي حسين وصاحباه المتولي والبغوي قولا قديما يعني للشافعي أنه يكره كراهية تنزيه ولا يحرم، وأنكر أكثر الخرسانيين هذا القول، وتأوله بعضهم على أن المشروب في نفسه ليس حراما… ومن أثبت القديم فهو معترف بضعفه في النقل والدليل) (3) . وقال: (واعلم أن هذا القديم لا تفريع عليه وما ذكره الأصحاب ونذكره تفريع على الجديد) (4) .
وخلاصة القول أنه يحرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة على مذاهب الأئمة الأربعة؛ بل هو إجماع عموم المسلمين. وقد عبر الحنفية عن الحرمة بالكراهية (5) . قال المرغيناني: (قال في الجامع الصغير: يكره ومراده التحريم) (6) . ومما يؤكد قول الإمام الشافعي رحمه الله ماجاء في الأم (فإن توضأ أحد فيها أو شرب، كرهت ذلك له، ولم آمره يعيد الوضوء، ولم أزعم أن الماء الذي شُرِبَ، ولا الطعام الذي أُكِلَ فيها محرم عليه، وكان الفعل من الشرب فيها معصية) (7) . فقد سمى الشرب في الأواني المذكورة معصية؛ وهي من أسماء الحرام. والأم من الجديد، وما فيها هو جار على الجديد (8) .
المطلب الرابع: الأدلة(4/64)
استدل العلماء على حرمة استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب بما روى عبد الله بن عكيم قال: كنا مع حذيفة بالمدائن فاستسقى حذيفة فجاءه دِهْقَانٌ (1) بشراب في إناء من فضة فرماه به وقال:إني أخبركم أني قد أمرته ألا يسقيني فيه فإن رسول الله (قال:لا تشربوا في إناء الذهب والفضة ولا تلبسوا الديباج والحرير فإنه لهم في الدنيا وهو لكم في الآخرة يوم القيامة (2) . وفي بعض طرقه كما رواه البخاري (حدثني
عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنهم كانوا عند حذيفة، فاستسقى؛ فسقاه مجوسي، فلما وضع القدح في يده رماه به وقال: لولا أني نهيته غير مرة ولا مرتين، كأنه يقول لم أفعل هذا، ولكني سمعت النبي (يقول: لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ,لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها (3) فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة) (4) . ليس المراد بقوله في الدنيا إباحة استعمالهم لها، وإنما يعني أن الكفار هم الذين يستعملون هذه الأواني مخالفة لزي المسلمين، وقوله: ولنا في الآخرة أي تستعملونه مكافأة لكم على تركه في الدنيا، ويمنعه أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعمالها في الدنيا. ولنهيه (عن الشرب في آنية الفضة؛ وقال:من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة) (5) .
وعن أم سلمة أن رسول الله (قال: (الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) (6) . متفق عليه.
وسمي المشروب نارا لأنه يؤول إليها (7) ، كما قال تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) (8) .(4/65)
وجاء تحريم الشرب في آنية الذهب مصرحا به في حديث حذيفة، ومفهوما من الأحاديث التي نصت على الفضة؛ لأن الذهب أشد حرمة من الفضة؛ بدليل أن الرسول (رخص في التختم بالفضة للرجال، ولم يرخص في الذهب؛ فكان النص الوارد في الفضة واردا في الذهب دلالة من طريق الأولى؛ كتحريم الضرب والشتم بدلالة النص على التأفيف.
واستدلوا بالإجماع (1) .
وقد قصرالبعض الإجماع على الشرب إلا عن معاوية بن قرة منهم ابن المنذر، والشوكاني (2) . أما محمد سعيد الباني (3) ؛ فقد نازع في الإجماع؛ حيث يرى أن أدلة التحريم إنما هي على الرجال، وأنها لا تشمل النساء. ويقول: (وأما الإجماع فإن كان حقيقيا بأن كان باتفاق كلمة علماء المسلمين فعلى الرأس والعين. وإن كان نسبيا بأن كان إجماع فقهاء مذهب أو أكثر فلا يصلح حجة على المخالفين. . ولكن يظهر أن الإجماع على اشتراك النساء مع الرجال بحظر الشرب بالآنية والأكل بالصحاف يكاد يكون إجماعا حقيقيا) (4) .
والجواب على هذا أن الإجماع على تحريم الشرب والأكل في آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء إجماع حقيقي وليس إجماع علماء مذهب، أو بلد، وقد نقله كثيرمن علماء المسلمين الثقات المعتبر نقلهم، منهم النووي، وابن عبد البر، وموفق الدين ابن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن هبيرة، وابن مفلح، والشربيني، والرملي. والدسوقي، وغيرهم (5) .
فهو حرام على الذكر والأنثى والخنثى؛ مكلفا كان أو غيره؛ بمعنى أن وليه يأثم بفعل ذلك له؛ لعموم الأخبار وعدم المخصص، وجواز تحلي النساء لا يقاس عليه استعمالهن للآنية؛ لأن التحلي جاز للنساء لحاجتهن للتزين للأزواج (6) .(4/66)
وما روي عن معاوية بن قرة من جواز الشرب في آنية الفضة إن صح، وما روي عن داود الظاهري من جواز الأكل فيهما، والقول القديم للشافعي بالكراهة. فالجواب عليه من وجوه. أولها: بالنسبة للإمام الشافعي رحمه الله فقد عبر عن الحرام بالكراهة، ويقصد الكراهة التحريمية، كعادة العلماء في التورع عن التعبير بالحرام، يؤيده قوله في الأم (1) كما سبق أن نقلناه (وكان الشرب فيها معصية) . قال الشيرازي (وقال في الجديد يكره كراهة تحريم وهو الصحيح) (2) . وقال النووي: (والشافعي قد رجع عن هذا القديم، والصحيح عند أصحابنا وغيرهم من الأصوليين أن المجتهد إذا قال قولا ثم رجع عنه لا يبقى قولا له، ولا ينسب إليه. قالوا: وإنما يذكر القديم وينسب إلى الشافعي مجازا وباسم ما كان عليه، لا أنه قول له الآن) (3) .
ثانيها: إن قولهم هذا مردود؛ لمخالفته الإجماع قبلهم (4) ؛ فمعاوية بن قرة تابعي، والشافعي، وداود الظاهري بعده ولم يذكر خلاف في هذا بين أحد من الصحابة؛ فكان الإجماع منعقدا قبل ما نسب إليهم من خلاف؛ فلا يؤثر قولهم هذا في صحة الإجماع.
ثالثها: يعتذر لداود بأن النهي عن الأكل في آنية الذهب والفضة لم يبلغه، وكذلك معاوية بن قرة لعله لم تبلغه أحاديث النهي عن الأكل والشرب فيهما (5) .
رابعها: لا يشترط في انعقاد الإجماع اتفاق الجميع بل ينعقد بالأكثر مع مخالفة الأقل. وهو قول محمد بن جرير الطبري والإمام أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، وأبي الحسن الخياط من المعتزلة (6) .
المطلب الخامس:تضبيب آنية الأكل والشرب بالذهب أو الفضة (7)
الضبة: قطعة من حديد، أو صفر أو نحوه، يشعب بها الإناء، وجمعها ضبات؛ مثل جنة وجنات. وضببته بالتثقيل جعلت له ضبة (8) . وقال الجوهري: (الضبة حديدة عريضة، يضبب بها الباب، ثم تستعمل من غير الحديد، وفي غير الباب) (9) .(4/67)
المضبب: هو ما أصابه شق أو كسر ونحوه فيذاب في شقه شيء من الذهب أو الفضة أو نحوهما أو يربط كسره بسلك منهما، أو يوضع عليه صفيحة تضمه وتحفظه (1) .
وسمي بالمضبب؛ لأن الضبة تضب كسره، أو شقه، فينضب.
حكم التضبيب بالفضة: للفقهاء في تضبيب الآنية بالفضة قولان:
القول الأول: يجوز التضبيب بالفضة؛ وهو قول الإمام أبي حنيفة، وهو المذهب عند الشافعية، والحنابلة، وعليه أكثر أصحاب المذهبين، وقول مرجوح في مذهب المالكية (2) .
فأجاز الشافعية والحنابلة الضبة اليسيرة في الإناء إذا كانت من فضة، وكانت قليلة، لحاجة، والمراد بالحاجة أن يتعلق بها غرض غير الزينة، وإن كان غيرها يقوم مقامها (3) . فإذا ضبب الإناء تضبيبا جائزا فله استعماله مع وجود غيره من الآنية التي لا فضة فيها (4) . قال النووي: وهذا لا خلاف فيه، صرح به إمام الحرمين وغيره (5) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (معنى الحاجة أن يحتاج إلى تضبيب الإناء سواء كانت الضبة من فضة أو حديد أو نحاس فأما إن احتيج إلى نفس الفضة بأن لا يقوم غيرها مقامها فتباح وإن كان كثيرا ولو كان من الذهب) (6) . قال البهوتي: (فإن هذه ضرورة تبيح المنفرد) (7) .
القول الثاني: يحرم التضبيب بالفضة؛ على الصحيح من مذهب المالكية (8) . (قال الإمام مالك في العتبية لا يعجبني أن يشرب فيه إذا كانت فيه حلقة فضة أو تضبب شعبه بها وكذلك المرآة تكون فيها الحلقة من الفضة لا يعجبني أن ينظر فيها الوجه) (9) . وحمل الباجي قول مالك لا يعجبني على المنع، وقال عياض كله مكروه. وقال ابن رشد التضبيب والحلقة كالعلم من الحرير، مالك يكرهه، وأجازه جماعة من السلف، وعن عمر أنه أجازه على قدر الأربع أصابع (10) .
حكم التضبيب بالذهب: للفقهاء في التضبيب بالذهب قولان:(4/68)
القول الأول: يحرم التضبيب بالذهب في الأصح من القولين عند المالكية (1) . والصحيح من مذهب الشافعية والحنابلة سواء كثرت الضبة أو قلت، لحاجة أو لزينة. وعليه أكثر أصحاب المذهبين (2) . وقال أبو يوسف بكراهته [والمراد بها التحريم] (3) .
القول الثاني: أجاز أبو حنيفة تضبيب الإناء بالذهب، وهو قول مرجوح في مذهب المالكية، وأحد الطريقين في مذهب الشافعية. وقول مرجوح في مذهب الحنابلة، أنه لا يحرم إذا كان قليلاً، وقيل لا يحرم لحاجة (4) .
فقد استثنى أبو حنيفة من المنع الإناء المضبب بذهب أو فضة، والكرسي المضبب بهما، كما لو جعله في نصل سيف وسكين، ولم يضع يده موضع الذهب أو الفضة. وهو قول محمد ذكره في الموطأ. وقال أبو يوسف بالكراهة في الكل وقال المرغيناني وابن عابدين قول محمد يروى مع أبي حنيفة، ويروى مع أبي يوسف (5) . (وجه قول أبي يوسف إن استعمال الذهب حرام بالنص وقد حصل باستعمال الإناء فيكره. وجه قول [أبي حنيفة ومحمد] إن هذا القدر من الذهب الذي عليه هو تابع له، والعبرة للمتبوع دون التابع كالثوب المعلم والجبة المكفوفة بالحرير. وعلى هذا الخلاف الجلوس على السرير المضبب والكرسي والسرج واللجام والركاب والثفر (6) المضببة. وأما السيف المضبب والسكين فلا بأس به بالإجماع وكذا المنطقة المضببة) (7) . والمراد إجماع الحنفية.
وقال بجواز استعمال الإناء المضبب بالذهب من الشافعية؛ الخراسانيون،
وأكثر الشافعية، وقالوا: إنه كالمضبب بالفضة على الخلاف والتفصيل المذكور فيه لأنه لما استويا في الإناء فكذا في الضبة (8) . قال الرافعي: لكن معظم العراقيين قالوا: سواء كانت الضبة على شفة الإناء بحيث تلقى فم الشارب أو في موضع آخر. قال: (وهو أوفق للمعنى) (9) .(4/69)
وحد الكثرة قيل ما استوعب أحد جوانب الإناء، وقيل ما لمع من بعد، وقيل ما عد كثيرا عرفا. وهو الراجح عند الحنابلة، وكثير من الشافعية (1) .
أما الصورة التي ذكرنا جوازها وهي الضبة اليسيرة للحاجة فهي محل إجماع. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية والنووي والمرداوي (2) . قال المرداوي بعد أن حكاها: (ولا خلاف في جواز ذلك بل هو إجماع) (3) .
لكن يعكر على هذا الإجماع ماروي عن الإمام مالك رحمه الله أنه لا يعجبه الشرب في الإناء المضبب بالفضة. ولعله لا يرى في حديث أنس حجة؛ لاحتمال أن الذي سلسل القدح هو أنس، بعد زمن رسول الله (وبعد وفاة أبي طلحة ((4) .
ويمكن الإجابة على هذا بحديث أنس بن مالك (الثابت في الصحيحين وغيرهما (أن قدح النبي (انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة قال عاصم رأيت القدح وشربت فيه) (5) .
فظاهره أن الذي سلسله رسول الله (. وإذا كان الذي سلسه أنس ففعل الصحابي الذي من هذا النوع ملحق بقوله وقول الصحابي حجة عند الإمام مالك (6) ؛ فيكون تضبيب القدح من أنس (على فرض أنه هو الذي ضببه حجة عند الإمام مالك؛ لأن تضبيب القدح مقصود؛ فلا يتطرق إليه الخطأ والنسيان من الصحابي.
وما نقله العلماء من إجماع لعله بناء على ما تقرر من قول الإمام مالك إذا صح الحديث فهو مذهبي. وحيث إن أحاديث تضبيب قدح رسول الله (صحيحة؛ فإنها تكون حينئذ مذهبا للإمام مالك. أو لعل الإجماع بعد عصر الإمام مالك.
ويقيد أبو حنيفة الجواز إذا كان يتقي موضع الفم؛ فلا يضع فمه على الفضة، وقيل وموضع اليد في الأخذ أيضا، وفي السرير والسرج موضع الجلوس؛ فالمراد الاتقاء بالعضو الذي يقصد الاستعمال به؛ ففي الشرب لما كان المقصود الاستعمال بالفم اعتبر الاتقاء به دون اليد (7) .
ومن الشافعية من قال يحرم مباشرة الضبة عند الشرب، وقال الحنابلة تكره مباشرتها لغير حاجة (8) .(4/70)
ومعنى مباشرتها أنه إذا أراد أن يشرب في هذا الإناء المضبب شرب من الجهة التي عليها الفضة، فيضع شفتيه على الفضة.
والذي يرجحه الباحث عدم جواز تضبيب الإناء بالذهب وكذلك جميع ما أورده بعض الفقهاء مثل الكرسي والسرج واللجام والثفر وسكين المقلمة؛ لأن التضبيب بالذهب باقٍ على أصل المنع. إلا السيف وجميع أنواع السلاح التي يناسب تضبيبها؛ لحديث مزيدة قال: دخل رسول الله (يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة. قال الترمذي: حديث حسن غريب (1) . وبقية السلاح مقيس على السيف؛ للاشتراك في العلة؛ وهي إرهاب العدو وإغاظته.
أما التضبيب بالفضة فيرجح جوازه؛ لأنه استثني من المنع بحديث تضبيب قدح رسول الله (بالفضة. ونرى جوازه بها للحاجة؛ لأن قدح رسول الله (لم يضبب بالفضة إلا عندما احتاج لذلك؛ وهو انصداعه. والمراد بالحاجة أن يكون هناك داع لتضبيب القدح. فييجوز تضبيبه بالفضة ولو سد غيرها مسدها. وأرجحها سواء كانت صغيرة أوكبيرة. وأن مباشرة الضبة ليست مكروهة، ولا محرمة. سواء مباشرتها بالفم، أو باليد فيما يقبض، أو الجلوس فيما يجلس عليه، ونحوه من الاستعمالات؛ لأن الحرام، والمكروه، حكمان شرعيان لا يثبتان إلا بدليل شرعي؛ ولأن حديث تضبيب قدح رسول الله صلى الله (لم يرد فيه ولا في غيره أن رسول الله (كان يتجنب مباشرة الضبة عند شربه من القدح.
إذا شرب بكفه وفيها خاتم فضة.
قال الشافعية لو شرب بكفيه وفي أصبعه خاتم فضة لم يكره، وكذا لو صب الدراهم في إناء وشرب منه أو كان في فمه ذهب أو فضة سواء كانت أسنانه ملبسة أو مشدودة بأيٍّ منهما، أو كان في فمه من غير حاجة فشرب لم يكره (2) . وقال الحنفية: ولا بأس بأن يشرب من كف في خنصرها خاتم ذهب (3) .(4/71)
والذي يظهر للباحث أن مقتضى أقوال الفقهاء الآخرين لا تمنع جواز ذلك؛ لأن الممنوع الشرب والأكل في إناء الذهب والفضة والخاتم ليس إناءً؛ ولأنه ثبت في صحيح مسلم أن الرسول (لبس خاتم فضة في يمينه فيه فص حبشي كان يجعل فصه مما يلي كفه (1) . وحيث إنه يأكل بيمينه والخاتم فيها، فدل هذا على جواز الأكل والشرب بالأيدي وفيها خاتم الفضة وكذلك جواز شرب المرأه باليد وفيها خاتم الذهب. ولأن بعض الصحابة وكثير من التابعين شدوا أسنانهم بالذهب فدل على جواز الشرب والأكل وفي فم الشارب والآكل شيْ من الذهب.
المبحث الثاني: حكم شراء أواني الذهب والفضة للاستعمال
بناء على حرمة استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب فإنه يحرم بيعها، وشراؤها عند الحنفية والمالكية والحنابلة (2) . إذا كان الشراء لغرض الاستعمال؛ لأن ما حرم استعماله حرم شراؤه. جاء في المدونة: (كان مالك يكره هذه الأشياء التي تصاغ من الفضة والذهب مثل الأباريق، وكان مالك يكره مداهن الفضة والذهب ومجامر الذهب والفضة سمعت ذلك منه والأقداح واللجم والسكاكين المفضضة وإن كانت تبعا لا أرى أن تشترى) (3) . والإمام مالك رحمه الله يعبر عن الحرام بالكراهة (4) . وقد نص الحنابلة على أنه لا يجوز بيع ما فيه منفعة محرمة (5) .
أما الشافعية فيصح عندهم شراء أواني الذهب والفضة ما لم ينص في العقد على الاستعمال؛ وذلك بناء على عدم اشتراط مشروعية السبب عندهم (6) . وقد نص النووي، والقاضي أبو الطيب من الشافعية على صحة بيع أواني الذهب والفضة (7) .(4/72)
والراجح عندي مذهب الجمهور وهو حرمة بيع وشراء أواني الذهب أو الفضة؛ إذا كان الشراء لغرض الاستعمال لقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (1) ؛ وبيع وشراء الأواني الذهبية والفضية، أو صناعتها، أو الإجارة على إصلاحها، ونحوه، لغرض استعمالها في الأكل، أو الشرب، كل ذلك من التعاون على الإثم ولأن الله سبحانه وتعالى إذا حرم شيئا حرم الوسائل والذرائع المؤدية إليه، والمعينة عليه. قال ابن القيم رحمه الله: (لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطها بها …فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه، فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقا لتحريمه، وتثبيتا له، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء) (2) .
أما إذا كان شراء الأواني الذهبية والفضية لا لاستعمالها فيترجح عندي جوازه، والدليل على ذلك ما ذكره أبو الأشعث من حديث عبادة بن الصامت، قال غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس فبلغ عبادة فقام فقال:إني سمعت رسول الله (ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى (3) .
قال ابن رجب: (وحمل إنكار عبادة على ما كانت صياغته محرمة لأنه إنما أنكر بيع الأواني لا الحلي المباح) (4) .(4/73)
وقول ابن رجب لأن عبادة إنما أنكر بيع الأواني. غير مسلم؛ فعبادة (لم ينكر بيع الأواني، وإنما أنكر التفاضل وعدم التقابض؛ بدليل قوله إلا سواء بسواء، عينا بعين. فالأثر دال على جواز بيع أواني الذهب والفضة. ولما كان استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب محرما بالأحاديث الصحيحة التي سبق إيرادها؛ فإنه حينئذ لابد من حمل جواز شراء آنية الفضة المذكورة في الحديث على اقتنائها، أو استعمالها في مباح؛ كتحويلها إلى غير آنية. وأما المنع من بيعها إذا كانت تستعمل فيما لا يجوز استعمالها فيه فإنه مأخوذ من عموم الأدلة الأخرى التي سبق بيانها، لا من أثر عبادة ولأن ما يحرم استعماله يحرم بيعه وشراؤه للغرض المحرم.
وكذلك يحرم الاستئجار على صياغة أواني الذهب والفضة إذا كانت بقصد الاستعمال. وكذلك إذا كانت بقصد الاتخاذ عند من يحرمه. ويجوز ذلك عند من يرى جواز اتخاذها.
فعند من يجوّز استعمال أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب، أو اتخاذهما، أو استعمال المموه بهما ونحوه يجوّز بيعها، وشراءها، والاستئجار على صياغتها. ويقع الضمان على من كسرها، أو أتلف صنعتها.
وعند من يحرّم استعمالها يحرّم ذلك كله. ولا يجب الضمان على من أتلف الصنعة، ويجب على من أتلف العين عند الجميع في كلتا الحالتين. وفي رواية عن الإمام أحمد يضمن الصنعة أيضا (1) .
الفصل الثاني: استعمال أواني الذهب أو الفضة في غير الأكل والشرب
وفيه مبحثان
المبحث الأول: أقوال العلماء وأدلتهم
للفقهاء في حكم استعمال أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب قولان:(4/74)
القول الأول: قال جماهير الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وابن حزم كما أنه يحرم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب فكذلك يحرم على الرجال والنساء استعمالها في سائر الاستعمالات الأخرى؛ مثل الاكتحال والاستصباح؛ فيحرم استعمال مُكحلة أو مُدْهنة أو مُسعط (1) ، أو مبخرة؛ إذا احتوى عليها. وإذا لم يحتو عليها وجاءته الرائحة من بعيد فلا بأس، وينبغي أن يكون بعدها بحيث لا ينسب إليه أنه متطيب بها. أو محبرة (2) أو مرود (3) *أو مبولة أو إبرة أو خلال (4) ، أو كرسي أو سرير، ونحو ذلك من ذهب أو فضة، في سائر الاستعمالات (5) . ومحل حرمة استعمال الذهب ما لم يصدأ، فإن صدأ بحيث يستر الصدأ جميع ظاهره وباطنه جاز (6) . قال إمام الحرمين في المغشى ظاهره وداخله (الذي أراه القطع بجواز استعماله لأنه إناء نحاس أدرج فيه ذهب مستتر) (7) .
ويستثني بعض الفقهاء من الحرمة ما دعت الضرورة إلى استعماله كمرود من فضة أو ذهب لجلاء العين (8) .
أدلة الجمهور:
استدل الجمهور بعموم الأحاديث السابقة؛ وعدم وجود ما يخصصها.
وقالوا:نهى النبي (عن الأكل والشرب لأنهما أغلب الأفعال، فخرجا مخرج الغالب؛ فقيس غيرهما عليهما؛ ولأن غيرهما في معناهما؛ أي لأن الادهان مثلا من آنية الذهب أو الفضة في معنى الشرب منها؛ لأن كلا منهما استعمال لهما والمحرم هو الاستعمال؛ فالعلة الموجودة فيهما (9) ؛ وهي عين الذهب والفضة (10) ، أوهي مظنة السرف، أو تضييق النقدين في غير ما خلقا له، ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما ومظنة الفخر وكسر قلوب الفقراء موجودة في الاستعمالات الأخرى (11) .
أدلة ابن حزم:
1 واستدل ابن حزم (12) بما رواه الإمام أحمد بسنده عن حذيفة قال نهى رسول الله (عن لبس الحرير والديباج وآنية الذهب والفضة، وقال هو لهم في الدنيا ولنا في الآخرة (13) .(4/75)
2 وبما رواه الإمام أحمد والبخاري والبيهقي عن البراء بن عازب قال أمرنا رسول الله بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، ونصر المظلوم. ونهانا عن خواتيم الذهب، وآنية الفضة، والحرير، والديباج، والإستبرق، والمياثر الحمر والقسي (1) .
قال ابن حزم: (هذان الخبران نهي عام عنهما جملة، فهما زائدان حكما وشرعا على الأخبار التي فيها النهي عن الشرب فقط أو الأكل فقط، والزيادة في الأصل لا يحل خلافها) (2) .
ومع القول بحرمة استعمال آنية الذهب أو الفضة في جميع الاستعمالات، ومنها الطهارة؛ فإن جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والمذهب عند الحنابلة يرون صحة الطهارة من آنية الذهب أو الفضة؛ وضوءا كانت أو غسلا أو غيرهما؛ مع الحرمة؛ لأن التحريم لا يرجع
إلى نفس العبادة، ولا إلى شرط من شرائط وجوبها وأدائها، فالإناء ليس شرطا للطهارة، فيعود النهي إلى خارج أشبه ما لو توضأ في أرض مغصوبة، أو صلى وفي يده خاتم ذهب (3) . ومن أصول الحنفية أن النهي إذا كان لوصف مجاور للمنهي عنه أن النهي يكون لغيره؛ فيكون الوصف المجاور صحيحا (4) .
قال الدسوقي) فلا يجوز فيه أكل، ولا شرب، ولا طبخ، ولا طهارة، وإن صحت الصلاة) (5) .
وقال الحنابلة:وتصح الطهارة بها؛ بأن يغترف الماء بالآنية المذكورة. وتصح الطهارة فيها؛ بأن يتخذ إناء كمغطس أو مسبح من ذهب أو فضة، يسع قلتين ويغتسل أو يتوضأ فيه. وتصح الطهارة إليها؛ بأن يجعلها مصبا لفضل طهارته، فيقع فيها المنفصل عن العضو بعد غسله (6) .(4/76)
القول الثاني: وجه عند الحنابلة أنه لا تصح الطهارة من آنية الذهب والفضة؛ لأنه استعمل المحرم في العبادة، فلم يصح، كالصلاة في الدار المغصوبة. اختاره أبوبكر، والقاضي أبو الحسين، وشيخ الإسلام ابن تيمية. وصححه ابن عقيل. وهو قولٌ لابن حزم (1) .
والراجح عندي قول الجمهور؛ وهو صحة الطهارة منها، وفيها، وبها، وإليها. (ويفارق هذا الصلاة في الدار المغصوبة؛ لأن أفعال الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود في الدار المغصوبة، محرم؛ لكونه تصرفا في ملك غيره بغير إذنه، وشغلا له، وأفعال الوضوء؛ من الغسل، والمسح، ليس بمحرم، إذ ليس هو استعمالا للإناء، ولا تصرفا فيه، وإنما يقع ذلك بعد رفع الماء من الإناء، وفصله عنه، فأشبه ما لو غرف بآنية الفضة في إناء غيره، ثم توضأ به ولأن المكان شرط للصلاة، إذ لا يمكن وجودها في غير مكان والإناء ليس بشرط) (2) .
بعض المستثنيات:
استثنى الفقهاء بعض الأشياء من المنع فأجازوا استعمالها. وسأعرض في هذا المطلب لجملة مما استثنوه من الأواني. فقد استثنى الحنفية حلقة المرآة من الفضة. قال أبو حنيفة لا بأس بحلقة المرآة من الفضة إذا كانت المرآة حديدا وقال أبو يوسف: لا خير فيه (3) . وعند الشافعية والحنابلة يحرم تحليتها (4) .
ونقل الحصكفي وابن عابدين وقاضي زاده أن صاحب الدرر، من الحنفية يقول: إن المنع من استعمال أواني الذهب والفضة إذا استعملت ابتداء فيما صنعت له بحسب متعارف الناس، وإلا فلا كراهة؛ ففي الادهان أن يأخذ آنية الذهب والفضة ويصب الدهن على الرأس أما إذا أدخل يده فيها وأخذ الدهن ثم صبه على الرأس من اليد فلا يكره لانتفاء الابتداء (5) .(4/77)
وقد أجاب ابن عابدين رحمه الله عن هذا القول. فقال (إن ما ذكره في الدرر من إناطة الحرمة بالاستعمال فيما صنعت له عرفا فيه نظر فإنه يقتضي أنه لو شرب أو اغتسل بآنية الدهن أو الطعام انه لا يحرم، مع أن ذلك استعمال بلا شبهة داخل تحت إطلاق المتون والأدلة الواردة في ذلك والذي يظهر لي على وجه لا يرد عليه شيء مما مر أن يقال إن وضع الدهن أو الطعام مثلا في ذلك الإناء المحرم لا يجوز لأنه استعمال له قطعا ثم بعد وضعه إذا ترك فيه بلا انتفاع لزم إضاعة المال فلابد من تناوله منه ضرورة فإذا قصد المتناول نقله من ذلك الإناء إلى محل آخر لا على وجه الاستعمال بل ليستعمله من ذلك المحل الأخر كما إذا نقل الدهن إلى كفه ثم دهن به رأسه أو نقل الطعام إلى الخبز أو إلى إناء آخر واستعمله منه لا يسمى مستعملا آنية الفضة أو الذهب لا شرعا ولا عرفا بخلاف ما إذا تناول منه ابتداء على قصد الادهان أو الأكل فإنه استعمال سواء تناوله بيده أو بملعقة ونحوها فإنه كأخذ الكحل بالميل وسواء استعمله فيما صنع له عرفا أولا) (1) .
وبالنسبة للشافعية حكى إمام الحرمين عن والده أبي محمد في المكحلة الصغيرة وظرف الغالية ترددا في جواز ذلك إذا كان من فضة. وأطلق الغزالي خلافا في استعمال الإناء الصغير كالمكحلة ولم يخصه بالفضة. وكلامه محمول على ما ذكره شيخه وهو التخصيص بالفضة. وحكى إمام الحرمين أن شيخه حكى فيه وجهين. وقال الإمام:والوجه القطع بالتحريم (2) . وطريقة الخلاص من المعصية أن يصب الطعام أو الماء أو غيرهما في إناء آخر، ويستعمل المصبوب فيه (3) . حكي أن فرقد السبخي، والحسن البصري، حضرا وليمة بالبصرة، فقدم إليهما طعام في إناء من فضة، فقبض فرقد يده عن الأكل منه، فأخذ الحسن الإناء وأكبه على الخوان وقال: كل الآن إن شئت (4) .(4/78)
القول الثاني: يحرم استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب. ويحل استعمالها في الاستعمالات الأخرى. مع الكرهة وهو قول الشافعي في القديم (1) . وقال الشوكاني؛ والشيخ محمد بن صالح العثيمين: يجوز استعمال أواني الذهب والفضة في سائر الاستعمالات بدون كراهة؛ ماعدا الشرب أو الأكل. وأجاز داود بن علي الظاهري الأكل فيها، وقصر الحرمة على الشرب فقط (2) . وفي الإنصاف (وقيل لا يحرم استعمالها بل يكره) (3) . قال المرداوي: وهو ضعيف جدا (4) .
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني بالأدلة التالية:
(النبي (نهى عن شيء مخصوص وهو الأكل والشرب، ولو كان المحرم غيرهما لكان النبي (وهو أبلغ الناس، وأبينهم في الكلام، لا يخص شيئا دون شيء. بل إن تخصيصه الأكل والشرب دليل على أن ما عداهما جائز، لأن الناس ينتفعون بهما في غير ذلك. ولو كانت حراما مطلقا لأمر النبي (بتكسيرها، كما كان لا يدع شيئا فيه تصاوير إلا كسره، لأنها إذا كانت محرمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة) (5) .
2 روى البخاري من حديث عثمان بن عبد الله بن وهب قال: (أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء، وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قٌصةٍ فيها شعر من شعر النبي (وكان إذا أصاب الإنسان عينٌ أو شيءٌ بعث إليها مخضَبهُ فاطلعت في الجلجل فرأيت شعراتٍ حمرا) (6) .
وفي الطبعة اليونينيت من صحيح البخاري (من قصة) . وفيها: وفي رواية أبي زيد (من فضة) (7) . وفي صحيح البخاري مع شرحه عمدة القاري، وفي الطبعة المنيرية من فضة) (8) .
الجلجل:الجرس الصغير، وصوته الجلجلة (9) . وقد تنزع منه الحصاة التي تتحرك فيوضع فيه ما يحتاج إلى صيانته (10) .
عثمان بن عبد الله بن موهب هو التميمي مولى آل طلحة. تابعي. (11) .
إسرائيل:هو ابن يونس بن أبي إسحاق (12) .
ثلاث أصابع:إشارة إلى صغر القدح (13)(4/79)
وقد اختلف في ضبط (قصة) هو بقاف مضمومة ثم صاد مهملة أو بفاء مكسورة ثم ضاد معجمة؟ (1) .
قال ابن حجر) إن كان بالفاء والمعجمة فهو بيان لجنس القدح) [يعني فضة] . وإن كان بالقاف والصاد المهملة فهو من صفة الشعر، على ما في التركيب من قلق العبارة) (2) .
قال ابن دحية: وقع لأكثر الرواة بالقاف والمهملة، والصحيح عند المحققين بالفاء والمعجمة، وقد بينه وكيع في مصنفه بعد ما رواه عن اسرائيل فقال (كان جلجلا من فضة صيغ صوانا لشعرات كانت عند أم سلمة من شعر النبي () (3) . (وقد ذكرالحميدي في الجمع بين الصحيحين بلفظ دال على أنه بالفاء والمعجمة، ولفظه {أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء، فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر الخ} ولم يذكر قول اسرائيل، فكأنه سقط على رواة البخاري قوله {فجاءت بجلجل} وبه ينتظم الكلام ويعرف منه أن قوله {من فضة} أنه صفة الجلجل، لا صفة القدح الذي أحضره عثمان بن موهب) (4) . قال القاضي عياض: (والأشبه عندي رواية من قال من فضة…لقوله بعد فاطلعت في الجلجل، ولمفهوم الحديث) (5) . ورجح القسطلاني، والموصلي، والعيني، أنها من فضة (6) .
وجه الدلالة:استعمال أم سلمة رضي الله عنها لجلجل من فضة -على رأي من يرجح من العلماء أن اللفظة الواردة في الحديث هي من فضة وليست من قصة- لحفظ شعرات من شعر الرسول (دليل على جواز استعمال أواني الفضة في غير الأكل والشرب، والذهب مثلها.
3 ويمكن أن يستدل لهم بما جاء عن ابن عباس أن رسول الله (قد كان أهدى جمل أبي جهل الذي استلب يوم بدر في رأسه بُرَةٌ (7) من فضة عام الحديبية في هديه. وقال في موضع آخر: ليغيظ بذلك المشركين (8) . صححه الحاكم ووافقه الذهبي (9) .(4/80)
4 الأصل الحل فلا تثبت الحرمة إلا بدليل. ولا دليل في المقام بهذه الصفة؛ فالوقوف على ذلك الأصل المعتضد بالبراءة الأصلية هو وظيفة المنصف لاسيما وقد أيد هذا الأصل (1) . حديث {ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا} روه أحمد وأبو داود (2) من حديث أبي هريرة.
المبحث الثاني: مناقشة الأدلة
وفيه مطلبان
المطلب الأول: مناقشة أدلة أصحاب القول الأول
ناقش أصحاب القول الثاني أدلة أصحاب القول الأول القائلين بحرمة استعمال أواني الذهب والفضة في سائر الاستعمالات بما يأتي:
1 الأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الأول تدل على تحريم الأكل والشرب وأما سائر الاستعمالات فلا. والقياس على الأكل والشرب قياس مع الفارق؛ فإن علة النهي عن الأكل والشرب هي التشبه بأهل الجنة، حيث يطاف عليهم بآنية من فضة، وذلك مناط معتبر للشارع، كما ثبت عنه (لما رأى رجلا متختماً بخاتم من ذهب فقال مالي أرى عليك حلية أهل الجنة، وكذلك في الحرير وغيره، وإلا لزم تحريم التحلي بالحلي، والافتراش للحرير؛ لأن ذلك استعمال وقد جوزه البعض من القائلين بتحريم الاستعمال (3) .
(وقولهم إن النبي (حرمها في الأكل والشرب لأنه أغلب الاستعمال وما غلب به الحكم لكونه أغلب لا يقتضي تخصيصه به كقوله تعالى: {وربائبك اللاتي في حجوركم من نسائكم} (4) فتقييد تحريم الربيبة بكونها في الحجر لا يمنع التحريم، بل تحرم، وإن لم تكن في حجره على قول أكثر أهل العلم. صحيح لكن كون الرسول (يعلق الحكم بالأكل والشرب، لأن مظهر الأمة بالترف في الأكل والشرب أبلغ منه في مظهرها في غير ذلك، وهذه علة تقتضي تخصيص الحكم بالأكل والشرب، لأنه لاشك أن الذي أوانيه في الأكل والشرب ذهب وفضة، ليس كمثل من يستعملها في حاجات تخفى على كثير من الناس) (5) .
3 حكاية النووي للإجماع على تحريم الاستعمال لا تتم مع مخالفة داود والشافعي وبعض أصحابه (6) .(4/81)
4 وبالنسبة لما استدل به ابن حزم يمكن أن يناقش بأن هاتين الروايتين رويتا بالمعنى، على تقدير حذف مضاف أي لا تشربوا ولا تأكلوا فيها، لأن بقية الروايات بينت المراد.
المطلب الثاني: مناقشة أدلة أصحاب القول الثاني
1 القول إنما يحرم الشرب دون الأكل والطهارة وغيرهما غلط فاحش؛ ففي حديث حذيفة وأم سلمة من رواية مسلم التصريح بالنهي عن الأكل والشرب، وهذان نصان في تحريم الأكل وإجماع من قبل داود حجة عليه. ولأنه إذا حرم الشرب فالأكل أولى لأنه أطول مدة وأبلغ في السرف (1) .
(أن النهي عن الشرب تنبيه على الاستعمال في كل شيء كما قال تعالى {لا تأكلوا الربا} (2) . وجميع أنواع الاستعمال في معنى الأكل بالإجماع، وإنما نبه به لكونه الغالب) (3) .
3 قولهم حكاية الإجماع لا تتم مع مخالفة داود والشافعي وبعض أصحابه يجاب عليها أن الإمام الشافعي رجع عن قوله القديم كما بيناه، وأن قوله الجديد موافق لما قاله جماهير العلماء. وأما داود فإجماع من قبله حجة عليه (4) . وهذا إنما يحتاج إليه على قول من يعتد بقول داود في الإجماع والخلاف، وإلا فالمحققون يقولون لا يعتد به لإخلاله بالقياس وهو أحد شروط المجتهد الذي يعتدبه (5) . وأما قوله بجواز الأكل في آنية الذهب والفضة فهو مردود بحديث أم سلمة عند مسلم حيث نص على الأكل والشرب ولعله لم يبلغه.
ولما لم أجد مناقشة لبعض أدلة أصحاب القول الثاني؛ لأن الجمهور أصحاب القول الأول متقدمون، فلم يطلعوا على الرأي الأخير وأدلته؛ لذا فإني سوف أفترض لهم مناقشة.(4/82)
4 قولهم لو كان المحرم غيرهما لكان النبي (وهو أبلغ الناس لا يخص شيئا دون شيء، يجاب عليه بأن هذا من بلاغة الرسول (، فقد اكتفى بالتنبيه على أهم أنواع الاستعمال؛ لأن غيرها مقيس عليها، ولو ذكر أنواعا من الاستعمال غيرها مثل لا تتوضأوا، ولا تتطيبوا، ولا تكتحلوا، لكان هذا غير ممكن، وغير محقق للمراد؛ لأن صور الاستعمال لا تنحصر، ولو انحصرت في عصره (فإنها لن تنحصر في العصور الأخرى؛ لأن أساليب الاستعمال تتعدد، وتتنوع من عصر إلى آخر، وبالتالي لا يتحقق المراد من قصد النهي عن عموم الاستعمال، ولأن تعداد أنواع الاستعمال الأخرى كما مثلنا سيتيح للمعارض الحجة بأن النص على النهي عن الوضوء يدل على جواز الاغتسال، والنهي عن التطيب يدل على جواز الادهان من آنية الذهب والفضة، فكان من مقتضى بلاغته (أن ينص على الأكل والشرب، وهذا فيه تنبيه كاف على النهي عن سائر الاستعمالات؛ لأنه ليس الشأن في ألفاظ الشارع أن تستقصي الجزئيات، وإنما آحاد الصور تطبق عليها الأحكام والألفاظ العامة. ولو أُخذ بهذا المبدأ وهو قصر الحكم على ما نص عليه الحديث، وعدم تعديته إلى ما يماثله لعُطلت كثير من الأحكام، فأحاديث الربا نصت على الأصناف الستة. لكن جماهير الفقهاء عللوا الربا، وعدوا الحكم إلى غيرها مما وجدت فيه العلة. وأنتم تقولون بالربا في غير الأصناف الستة. فكيف تعدون ما نص علية في الربا، ولا تعدون ما نص عليه في استعمال آنية الذهب والفضة؟(4/83)
وقولهم: لو كانت حراما مطلقا لأمر النبي (بتكسيرها؛ لأنها إذا كانت محرمة في كل الاستعمالات ما كان لبقائها فائدة. يجاب عليه بأنها ليست محرمة في ذاتها، وإنما المحرم هو استعمالها آنية، ولذا فإن لبقائها فائدة، ويمكن الانتفاع بها؛ مثل تحويلها إلى نقود، أو حلي للنساء، أو خاتم فضة للرجال، أو قبيعة سيف، أو استعمالها فيما تدعو له الضرورة؛ كشد الأسنان بالذهب، أو اتخاذ أنف من ذهب، كما أمر به رسول الله (عرفجة بن أسعد. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي. وقال الترمذي:هذا حديث حسن غريب (1) . وقال النووي: حديث حسن (2) .
وقولهم: كون الرسول (يعلق الحكم بالأكل والشرب لأن مظهر الأمة فيهما أبلغ منه في غيرهما، وأن هذه علة تقتضي تخصيص الحكم بهما؛ لأنه لاشك أن الذي أوانيه في الأكل والشرب ذهب وفضة ليس كمثل من يستعملها في حاجات تخفى على كثير من الناس. هذا القول غير مسلم؛ فمظهر الإنسان بالترف في استعمال حمام، أو مغطس، أو صنبور من الذهب، أو الفضة أبلغ من استعمال ملعقة أكل من ذهب أو فضة.
وقولهم: لاشك أن الذي أوانيه في الأكل والشرب ذهب وفضة ليس كمثل من يستعملها في حاجات تخفى على كثير من الناس مردود؛ لأن الحكم غير منوط بعلم استعمالها أو خفائه، وإنما هو منوط باستعمالها. سواء علم أم خفي. فإن من يشرب في كأس من الفضة في مكان لا يراه الناس لا يمكن أن يقول أحد إنه جائز.(4/84)
5 والاحتجاج بالبراءة الأصلية غير مسلم، فأحاديث الباب شاملة بمفهومها سائر الاستعمالات، والحديثان اللذان رواهما الإمام أحمد وأبو داود وفيهما النهي عن آنية الذهب والفضة، دون ذكر للأكل أو الشرب، فيهما نهي عام فشمل سائر الاستعمالات، فانتفت البراءة الأصلية التي يحتج بها المجيزون. وتأييد الشوكاني لاحتجاجه بحديث {عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا} (1) . لم يظهر لي وجه الدلالة منه. ثم ما هو وجه التفريق بين الذهب والفضة في باب الآنية؟ وقد جاء في حديث حذيفة وأم سلمة النهي عن الشرب في الفضة، ثم إن هذا الحديث جاء في لباس الحلي، وموضوع الاستدلال على الأواني. والذي يظهر لي أن في هذا التأييد تعسفا.
6 بالنسبة لحديث الجلجل جاء نص الحديث ب {قُصةٍ} وهي رواية الأكثر، وهو من صفة الشعر (2) . وقد اختلف في ضبطها فقيل {فضة} . وهي صفة للقدح. وما دام وجد الاختلاف لاسيما في موطن الاستدلال فإنه لا يصلح للاحتجاج للقاعدة الأصولية الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال. وعلى فرض أن ضبطه فضة فيمكن أن يجاب عليه بأن هذا من باب الاحترام الزائد لشعر النبي (، والحرص الشديد عليه، لأنه شيء ثمين جدا، ولاسيما مع قلة الأواني الزجاجية، والفخارية في ذلك العصر، ولاسيما والجلجل صغير جدا لا يتسع لأكثر من ثلاثة أصابع.
الترجيح(4/85)
بعد عرض أدلة الفريقن، ومناقشتها فالراجح عندي رأي جماهير الفقهاء وهو حرمة استعمال آنية الذهب والفضة في سائر الاستعمالات. وقولي هنا قاصر على آنية الذهب والفضة، واستعمال الآلات المصنوعة منهما. كالقلم، ومقابض الأبواب، وصنابير الماء، ونحو ذلك. أما المطلي بهما فسيأتي بيان حكمه في مبحث قريب إن شاء الله. وأما اللباس من حلي وغيره فلا يشمله هذا الرأي، لأن فيه تفصيلا؛ فمنه ما يحل وما يحرم. وترجيحي لهذا القول بناء على قوة دليله فالنهي عن الأكل والشرب تنبيه على النهي عن استعمال آنية الذهب والفضة في كل شيء، وهذا من بلاغة الرسول (فقد اكتفى بالتنبيه على أهم أنواع الاستعمال؛ لأن غيرها مقيس عليها، ولو ذكر أنواعا من الاستعمال غيرها لكان هذا غير محقق لإحصاء أنواع الاستعمال؛ لأن صور الاستعمال لا تنحصر، ولو انحصرت في عصره (فإنها لن تنحصر في العصور الأخرى؛ لأن أساليب الاستعمال تتعدد، وتتنوع من عصر إلى آخر. ومثله نص الرسول (في أحاديث الربا على الأصناف الستة، وقد عدْا جماهير الفقهاء ومنهم أصحاب القول الثاني حكمه إلى غيرها. فكما لم يقصروا الربا على الأصناف الستة كان عليهم ألا يقصروا حرمة استعمال أواني الذهب والفضة على الأكل والشرب. وأما أن النبي (لم يأمر بتكسيرها فلأنها ليست محرمة في ذاتها، وإنما المحرم هو استعمالها آنية، ولذا فإن في بقائها فائدة، ويمكن الانتفاع بها مثل تحويلها إلى نقود، أو حلي للنساء، وغيره من الاستعمالات المباحة.
الفصل الثالث: علة تحريم استعمال أواني الذهب والفضة
تعريف العلة:
العلة في اللغة مأخوذة من عل. وتأتي لمعانٍ، أشهرها ثلاثة:
الأول: تكرار الشيء، أو تكريره، ومنه العلل، وهي الشربة الثانية (1) ، وسميت العلة بذلك؛ (لأن المجتهد يعاود النظر في استخراجها مرة بعد مرة) (2) .(4/86)
الثاني: الضعف في الشيء، ومنه العلة للمريض، وسميت العلة بذلك؛ لأنها غيرت حال المحل أخذا من علة المريض؛ لأنها اقتضت تغيير حاله (1) .
الثالث: السبب، تقول:هذا الشيء علة لهذا الشيء، أي سبب له، وسميت العلة بذلك، لأنها السبب في الحكم (2) .
وفي الاصطلاح: ما يحصل من ترتيب الحكم على وفقه ما يصلح أن يكون مقصودا للشارع من جلب مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها (3) .
اختلف الفقهاء في علة تحريم الشرب، والأكل، في آنية الذهب والفضة على أقوال هي:
1 العلة في ذلك الخيلاء وكسر قلوب الفقراء؛ قال بهذا جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة (4) .
2 وقال القرافي من المالكية: (وعلته السرف أو الخيلاء على الفقراء، أو الأمران معا) (5) .
3 أضاف الحنابلة تضييق النقدين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لأن ذلك مظنة السرف باستعمال النقدين في غير ما خلقا له، والله لا يحب المسرفين، ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما، ومظنة الفخر، وكسر قلوب الفقراء والله لا يحب كل مختال فخور) (6) . وقال البهوتي: (لأن في ذلك سرفا وخيلاء، وكسر قلوب الفقراء وتضييق النقدين) (7) .
4 قال الشوكاني: (العلة هي التشبه بأهل الجنة؛ حيث يطاف عليهم بآنية من فضة. وذلك مناط معتبر للشارع، كما ثبت عنه لمارأى رجلا متختما بخاتم من ذهب فقال مالي أرى عليك حلية أهل الجنة، أخرجه الثلاثة من حديث بريدة وكذلك في الحرير وغيره، وإلا لزم تحريم التحلي بالحلي، والافتراش للحرير؛ لأن ذلك استعمال، وقد جوزه البعض من القائلين بتحريم الاستعمال) (8) .
5 قال ابن رشد العلة هي: التشبه بالأعاجم (9) .
6 وقال الشافعي: (إنما نهي عنه للسرف، والخيلاء، والتشبه بالأعاجم) (10) . والتشبه بالأعاجم يعني بهم الفرس من المجوس وغيرهم (11) .
7 قيل العلة عين الذهب والفضة (12) .
مناقشة هذه الآراء(4/87)
مناقشة التعليل الأول: يمكن مناقشة القول بأن علة التحريم الخيلاء وكسر قلوب الفقراء بأن الخيلاء حرام في ذاتها وفي جميع الأحوال، سواء اقترنت باستعمال آنية ذهب أو فضة، أولم تقترن بها، حتى الفقير المتكبر لا ينظر الله إليه، ولا يزكيه وله عذاب أليم، وإن لم يستعمل آنية الذهب أو الفضة قال (:ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة أشيمط زان وعائل مستكبر ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلابيمينه رواه الطبراني في الثلاثة إلا أنه قال في الصغير والأوسط ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. (1) فذكره. قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح (2) . (وعلة الحظر التي يبنى عليها القياس يجب أن تكون مشتملة على المحظور على سبيل المساواة طردا وعكسا. والخيلاء لا تصلح أن تكون علة حظر استعمال الذهب لاطردا ولاعكسا؛ لأن الشرب بآنية الذهب والفضة محظورة بإجماع الفقهاء وإن لم يقصد بها الخيلاء. والزينة بالأحجار الكريمة مباحة باتفاق الجمهور ما لم يقصد بها الخيلاء) (3) . أما كسر قلوب الفقراء فيرد عليه جواز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة وغالبها أنفس وأكثر قيمة من الذهب والفضة ولم يمنعها إلا من شذ (4) كما أن الفقراء يصدع قلوبهم ما هو أعظم من استعمال أواني الذهب والفضة وذلك عندما يشم الفقير رائحة الطعام الزكية من مطابخ الأغنياء وهو يتضور جوعا لفقدانه كسيرة خبز تسد رمقه، وكذلك عندما ينظر ملابس الموسرين الفاخرة وهو يلبس الأسمال البالية التي لا تقيه حر القيظ، ولا زمهرير الشتاء (5) ، وحينما ينظر إلى من يركبون السيارات الفخمة الأنيقة المكيفة، وهو لا يجد ما يمكنه من ركوب سيارات الأجرة العامة، فهذا البائس وأمثاله من البؤساء المساكين لا يلتفتون إلى استعمال غيرهم لأواني الذهب أو الفضة، ولا يحسون في ذلك الاستعمال متعة فقدوها، بل لا يخطر لهم على بال، بل هم في شغل شاغل(4/88)
عن ذلك لانصراف قلوبهم إلى ما هو أهم وأعظم من الحاجات الضرورية، وإذا كان لذيذ الأطعمة، وجميل الألبسة، والتمتع بالسيارات الفارهة، والمساكن الجميلة، والبساتين الغناء، التي يمتلكها ويتنعم بها الأغنياء، غير محظور شرعا، ولا يقول بحرمته أحد من العلماء، قال تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) (1) ، وإذا كان هذا أشد انكسارا لقلوب الفقراء من استعمال أواني الذهب أو الفضة فلا يعقل أن تكون علة التحريم كسر قلوب الفقراء، على أن هذا التعليل يقتضي مساواة بني البشر في موارد الرزق، وهذا لم ترد به شريعة من الشرائع السماوية؛ لمصادمته نواميس الاجتماع البشري.
نعم إن هذا الخاطر قد يجول في نفوس الطبقة الوسطى، الذين هم ما بين المترفين والمتوسطين، وهؤلاء في نظر الشرع ليسوا فقراء؛ لأنهم غير معوزين (2) .
ويجاب على المعللين بالسرف بإباحة التحلي بالذهب والفضة للنساء؛ فلو كانت العلة السرف لحرم لبسهما عليهن لأن مقدار ما يلبسنه منهما أضعاف ما يمكن أن تصنع منه ملعقة أكل أو كأس شراب؛ ويرد عليهم أيضا بجواز استعمال الأواني المصنوعة من الجواهر النفيسة؛ لأنها أغلى ثمنا، فهي أقرب إلى الإسراف من أواني الذهب أو الفضة.(4/89)
مناقشة التعليل بالتشبه بأهل الجنة: وما ذهب إليه الشوكاني من أن العلة هي التشبه بأهل الجنة حيث يطاف عليهم بآنية من فضة بعيد؛ لأنه قد ثبت أن لأهل الجنة كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وليس كل ما تشتهيه الأنفس محرما على المؤمنين في الدنيا، لأنه مباح لهم في الآخرة. إلا ما حرمه الشرع كالخمر، وهل يتبادر إلى عقل مسلم أن علة تحريمها لأنها مباحة في الجنة؟ كلا. فإن علة تحريمها هو الإسكار، ولو كانت علة تحريم الخمر التشبه بأهل الجنة لحرم علينا في الدنيا العسل؛ لأنه مما أعده الله لأهل الجنة. وقد استدل الشوكاني رحمه الله على إباحة استعمال آنية الفضة عنده فيما عدا الأكل والشرب بحديث (ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا) (1) . حديث حسن. إذ كيف يسوغ اللعب أو التحلي بالفضة فيما لو كانت العلة التشبه بأهل الجنة؛ لأنهم كما يطاف عليهم بآنية من فضة يحلون أيضا أساور من فضة (2) . ويرد عليه في احتجاجه بالحديث على فرض صحة الاحتجاج به من وجهين.
أولها: ما وجه التفريق بين الذهب والفضة؟ مع أن حديث أم سلمة الذي جاء الوعيد بالنار هو في الشرب في آنية الفضة.
ثانيها: أن هذا الكلام في الأواني، والحديث في لباس الحلي.
والقائلون بأن العلة هي التشبه بالأعاجم. يرد عليهم بثبوت الوعيد لفاعله، ومجرد التشبه لا يصل إلى ذلك (3) .
الترجيح(4/90)
بعد عرض العلل التي علل بها الفقهاء حرمة استعمال أواني الذهب والفضة، ومناقشتها، والوصول إلى نقض التعليل بالخيلاء، والتشبه بأهل الجنة، والتشبه بالأعاجم، يترجح لي والله أعلم أن علة تحريم استعمال أواني الذهب والفضة وكذلك تحريم تحلي الرجال بالذهب والفضة ماعدا خاتم الفضة هو تضييق النقدين،والإسراف؛ مما يؤدي إلى التوسع والإغراق في التنعم، وهو تنعم لا ينتج عنه قصد صحيح؛ فلو أبيح للناس أن يشربوا في أكوابه، وفناجينه، ويأكلوا في صحافه وجفانه، وطشوته، وغير ذلك من أواني الشرب، والأكل، أو يستعملوا هذين المعدنين النفيسين في الأكل والشرب وغيرهمامن الاستعمالات؛ لكثرت صياغته، فكان هذا إسرافا؛ يؤدي بالضرورة إلى قلة الأثمان. وقلة الأثمان له أضرار اقتصادية كبيرة؛ إذ يترتب عليه حدوث الانكماش الاقتصادي؛ مما يؤثر على دورة الحركة الاقتصادية العامة، وتعطل تبادل المنافع، ووقوع ارتباك في الأسواق التجارية.
ومن جهة أخرى فإن النقود الذهبية والفضية نقود سلعية؛ لها قيمة مادية في ذاتها، فإذا قلت، أو ندرت، بسبب استعمال معدنهما في الأواني أو لتحلي الرجال بها فإنها ترتفع قيمتها، مما يترتب عليه ارتفاع قيم الأسعار، ومنها أسعار المواد الغذائية، والملابس. وهذا فيه من الضرر الشديد على الأمة ما لا يخفى؛ مما يظهر أن من لطف الله بعباده شرع تحريم استعمال هذين المعدنين في الأواني ونحوها؛ لئلا يترتب عليه ما بينا من الأضرار. يؤيده نهي الشريعة عن كسر الدراهم الصحيحة؛ لأن الكسر يذهب شيئا من قيمة الدرهم بالنسبة إلى بقائه.
يعضد ما ذهبنا إليه النهي عن التفاضل عند تبادل الجنس الواحد منهما؛ لأنه ربا.(4/91)
قال الغزالي: (وكل من اتخذ من الدراهم والدنانير آنية من ذهب أو فضة فقد كفر النعمة وكان أسوأ حالا ممن كنز؛ لأن مثال هذا مثال من استسخر حاكم البلد في الحياكة والمكس والأعمال التي يقوم بها أخساء الناس، والحبس أهون منه. وذلك أن الخزف والحديد والرصاص والنحاس تنوب مناب الذهب والفضة في حفظ المائعات عن أن تبدد، وإنما الأواني لحفظ المائعات. ولا يكفي الخزف والحديد في المقصود الذي أريد به النقود) (1) .
فإن قيل إن ما تستغرقه أواني الذهب والفضة في هذا العصر، وكذلك التحلي بهما من المقادير الذهبية والفضية لم يعد اليوم مؤثراً على النقود؛ لكثرة الذهب والفضة؛ فلم تعد العلة مؤثرة.
وإن قيل إن الذهب والفضة قد اختفى التعامل بهما في عصرنا الحاضر كنقد بل إن بعض الدول في العصر الحاضر تمنع التعامل بهما كنقد، وقد حلت محلهما الأوراق النقدية، فأصبحت هي النقد الوحيد الذي يتعامل به الناس اليوم؛ وبناء عليه فهي النقود وحدها، أما الذهب والفضة فليسا وسيطا للتبادل، فتخلفت عنهما صفة النقدية، وإذا تخلفت العلة زال تأثيرها وإذا زال تأثيرها، زال حكم المعلول وهو حرمة استعمال أواني الذهب والفضة.(4/92)
فالجواب على هذا هو أن دعوى اختفاء التعامل بهما غير مسلم؛ لأنه وإن لم يكن التداول بعينهما، لكنهما الداعمان للعملة الورقية، ومن أهم أسباب اعتبار قوة اقتصاد أي دولة من الدول حجم احتياطها من هذين المعدنين النفيسين. ومن جهة ثانية فإن حكم استعمال أواني الذهب والفضة منصوص علي حرمته من الرسول (، والعلة ليست منصوصة، وإنما هي مستنبطة، وهي علة احتمالية، وليست يقينية، ولذا لا يمكن أن يتغير حكم الأصل المنصوص عليه، لتخلف علة مستنبطة؛ ولا يمكن إلغاء العلة المذكورة؛ لأن من شروط العلة ألا تعود على حكم الأصل بالإبطال، والواقع كذلك. ولذا فإن التعامل بالنقود الورقية، أو ظهور عملات أخرى في الوقت الحاضر، أو في العصور القادمة لا يلغي صفة النقدية عن الذهب والفضة، ولا يصرف عنهما علة الربا وهي الثمنية. وعلى فرض تخلف علة تضييق النقدين، فإن علة السرف باقية. فيبقى الحكم بالعلة الأخرى (1) .
الفصل الرابع: اتخاذ أواني الذهب والفضة
الاتِّخاذ ُ: افتعالٌ من الأخذ، يقال:ائتخذوا في الحرب إذا أخذ بعضهم بعضا، ثم لينوا الهمزة وأدغموها فقالوا اتخذوا، ثم لما كثر استعماله على لفظ الافتعال توهموا أن التاء أصلية فبنوا منه فَعِلَ يَفْعَلُ، قالوا تخذ يتخذ (2) . وهو في القرآن الكريم على ثلاثة عشر وجها (3) .
والاتخاذ يشمل الاقتناء وهو:مصدر اقتنى الشيء يقتنيه، إذا اتخذه لنفسه، لا للبيع أو للتجارة. أي المال المدخر. جاء في المصباح وغيره (قنوت الشيء أقنوه قنوا من باب قتل، وقنوة:بالكسر:جمعته، واقتنيته:اتخذته لنفسي قنية. لا للتجارة) (4) . قال تعالى: (وأنه هو أغنى وأقنى) (5) . أي أعطى ما فيه الغنى وما فيه القنية، أي المال المدخر. وجمع القِنْيَةِ قِنْياتٌ، وقنيت، واقتنيته. ومنه. قنيت حيائي عفة وتكرما (6) .(4/93)
والمال المقتنى يستغل إذا كان من شأنه ذلك؛ مثل أن يستغل في الدر، أو النسل، أو الركوب. قنا العنز قَنْوا (1) . وأما اقتناء أواني الذهب والفضة فالمراد به من غيراستعمال (2) .
لا خلاف بين العلماء على جواز اقتناء الذهب والفضة إذا كانت على غير صورة الأواني. أما الأواني فقد اختلف الفقهاء في حكم اتخاذها من الذهب والفضة، من غير استعمالها، على قولين.
القول الأول:يجوز اتخاذ آنية الذهب والفضة، وهو مذهب الحنفية، وقول عند المالكية والشافعية، ورواية عند الحنابلة (3) . واحتجوا لما ذهبوا إليه بأن الشرع ورد بتحريم الاستعمال دون الاتخاذ، فيبقى الاتخاذ على مقتضى الأصل في الإباحة؛ ولأن التحريم لم يكن لذات الآنية، بل للاستعمال (4) . وقال القاضي أبو الوليد الباجي من المالكية لو لم يجز اتخاذها لوجب فسخ بيعها، وقد أجازها -أي الإمام مالك- في غير مسألة من المدونة. قال أبو بكر بن سابق هذا غير صحيح؛ لأن ملكها يجوز إجماعا، بخلاف اتخاذها. قال:وإنما يتصور فائدة الخلاف بأنا لا نجيز الاستئجار علي عملها، ولا نوجب الضمان على من أفسدها إذا لم يتلف من عينها شيئا، والمخالف يجيز الاستئجار ويوجب الضمان (5) .
القول الثاني:يحرم اتخاذ آنية الذهب والفضة؛ لأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال، في المعتمد من مذهب المالكية، وإن لامرأة، والأصح من مذهب الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة (6) ؛ لأن سد الذرائع واجب عند المالكية والحنابلة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (يحرم اتخاذها في أشهر الروايتين، فلا يجوز صنعتها، ولا استصياغها ولا اقتناؤها، ولا التجارة فيها، لأنه متخذ على هيئة محرمة الاستعمال، فكان كالطنبور (7) وآلات اللهو، ولأن اتخاذها يدعو إلى استعمالها غالبا فحرم كاقتناء الخمر والخلوة بالأجنبية) (8) .(4/94)
قال الصاوي من المالكية: (والحاصل أن اقتناءه إن كان بقصد الاستعمال فهو حرام باتفاق، وإن كان لقصد العاقبة، أو التجمل به، أو لا لقصد شيء، ففي كل قولان [عند المالكية] ، والمعتمد المنع (1) .
الترجيح
الراجح عندي هو جواز اقتناء أواني الذهب والفضة؛ إذا كان الاقتناء لغرض ادخارها لعاقبة الدهر، أو لتحويلها لما يجوز استعماله؛ كحلي للنساء؛ أو لا لشيء؛ يدل على ذلك ما ذكره أبو الأشعث من حديث عبادة بن الصامت، قال غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول الله (ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى (2) . فالأثر دال على جواز بيع أواني الذهب والفضة؛ لأن عبادة لم ينكر البيع، وإنما أنكر التفاضل، وعدم التقابض. ولما كان استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب محرما بالأحاديث الصحيحة التي سبق إيرادها؛ فإنه حينئذ لابد من حمل جواز شراء آنية الفضة المذكورة في الحديث على اقتنائها، أو استعمالها في مباح؛ وبهذا نكون قد وفقنا بين أحاديث النهي عن الأكل والشرب فيها، وبين الحديث الدال على جواز بيعها.
ولأن النهي عن استعمالها، فيبقى اقتناؤها على البراءة الأصلية. ولأن تحريمها لا لذاتها، وإنما لاستعمالها. وقياسها على آلات اللهو والطنبور لا يصح في نظري؛ لأن هذه لا فائدة فيها، أما أواني الذهب والفضة فإن لها قيمة مادية في ذاتها بصرف النظر عن كونهما آنية، ولأنه يمكن تحويلهما والاستفادة منهما في غير الاستعمال المحرم.
الفصل الخامس: استعمال وشراء المموه بالذهب أو الفضة
المبحث الأول: استعمال وشراء الآنية المموهة بالذهب أو الفضة(4/95)
المموه: اسم مفعول، من موه الشىء. (ومنه التمويه:وهو التلبيس، ومنه قيل للمخادع مموه، وقد موه فلان باطله إذا زينه وأراه في زينة الحق) (1) .
والتمويه:هو طلاء الإناء المصنوع من نحاس أو حديد أو نحوهما بماء الذهب أو الفضة (2) . مثل أن تطلى الأباريق، أو فناجيل الشاي، أو نحو ذلك من الأواني.
والتمويه، والطلاء بمعنى واحد عند الحنفية والمالكية والشافعية (3) .
وفرق الحنابلة بينهما؛ فالتمويه أن يذاب الذهب أو الفضة ويلقى فيه الإناء، من نحاس وغيره، فيكتسب منه لونه.
والطلاء:أن يجعل الذهب أو الفضة كالورق، ويطلى به الحديد ونحوه (4) .
ويعبر كثير من السلف عن المطلي، والمموه، بالمفضض. فجميعها بمعنى واحد.
اختلف الفقهاء في حكم استعمال الآنية المموهة على قولين:
القول الأول: قال الحنفية، والراجح من مذهب المالكية، والأصح عند الشافعية، وقول عند الحنابلة؛ إنه يجوز استعمال الآنية المموهة بذهب أو فضة؛ سواء في الأكل أو الشرب أو غير ذلك (5) . فالراجح من مذهب المالكية جواز المموه، والمكفت (6) . والمنع في المغشى، والمضبب، وذي الحلقة (7) . ورجح الدردير الجواز في المغشى (8) . قال الحطاب: (كلام ابن عبد السلام ميل إلى ترجيح المنع في المغشى، وأما المموه فالأظهر فيه الإباحة والمنع بعيد) (9) . وأجاز الشرب من الإناء المفضض من الصحابة أنس ابن مالك وعمران بن حصين ومن غيرهم سعيد بن جبير وطاوس والقاسم ابن محمد وأبو جعفر وعمر بن عبد العزيز ومحمد بن علي بن الحسين، والحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وحماد ابن أبي سليمان والحسن البصري وأبي العالية (10) .(4/96)
لكن قيده الحنفية وبعض الشافعية بما إذا لم يتجمع منه شيء إذا عرض على النار؛ لقلة المموه فكأنه معدوم (1) . وأما ما يمكن تخليصه واجتماع شيء منه فعند أبي حنيفة ورواية عند محمد جواز استعماله. ويكره عند أبي يوسف ومحمد في الأشهر عنه (2) . فالاختلاف بين علماء الحنفية فيما يخلص منه شيء بالعرض على النار، أما المموه الذي لا يخلص منه شيء فلا بأس به عندهم بالإجماع. جاء في بدائع الصنائع (وأما الأواني المموهة بماء الذهب والفضة الذي لا يخلص منه شيء فلا بأس بالانتفاع بها في الأكل والشرب وغير ذلك بالإجماع…لأن التمويه ليس بشيء ألا يرى أنه لا يخلص) (3) . يعني أنه إذا صهر بعرضه على النار لا يتجمع منه شيء.
وعند الشافعية وجهان:الأصح لا يحرم (4) . قال النووي: (لو اتخذ إناء من نحاس وموهه بذهب أو فضة قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط والرافعي وغيرهم إن كان يتجمع منه شيء بالنار حرم استعماله وإلا فوجهان بناء على المعنيين، والأصح لا يحرم قاله في الوسيط والوجيز) (5) .
وذكر المرداوي القول الثاني عند الحنابلة وهو الذي عرضناه في القول الأول من هذا البحث بعد أن ذكر حكم المصمت. فقال: وقيل:لا (6) . أي ليس حكمها كالمصمت.
وقيل: إن بقي لون الذهب أو الفضة (7) . يعني إن بقي لونهما إذا عرض أي منهما على النار فهو حرام، وإن لم يبق فهو حلال.
وقيل واجتمع منه شيء إذا حُكَّ حرم. وإلا فلا (8) . يعني إذا عرض على النار وحك فإن اجتمع منه جسم له قيمة حرم، وإن كان يتفتت ولا يجتمع، أو أنه إذا اجتمع ليس له قيمة ذات بال فلا يحرم.
القول الثاني: المذهب عند الحنابلة. والقول الثاني عند المالكية أنه يحرم استعمال الأواني المموهة بالذهب أو الفضة (9) . وقد كره الشرب في الإناء المفضض من الصحابة ابن عمر وعائشة (10) .(4/97)
فعلى المذهب عند الحنابلة يحرم المطلي، والمطعم (1) ، والمكفت، والمنقوش، بذهب أو فضة كالمموه. إلا أن يستحيل لونه، ولم يحصل منه شيء بعرضه على النار (2) .
قال المرداوي حكم المموه والمطعم ونحوه بأحدهما:كالمُصْمَتُ على الصحيح من المذهب (3) .
الأدلة
أدلة الفريق الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1 أن المموه ليس إناء ذهب ولا فضة، وقال بعضهم نظرا لباطنه والطلي تبع (4) ، وقالوا: لأنه لا يتجمع منه شيء إذا صهر على النار (5) . وقالوا ورد النهي عن الشرب في إناء الذهب والفضة، وصدقه على المفضض والمضبب ممنوع (6) .
ويمكن أن يستدل لهم بما جاء في مصنف ابن أبي شيبة وهو:
2 حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عمران أبي العوام القطان عن قتادة أن عمران بن حصين وأنس بن مالك كانا يشربان في الإناء المفضض (7) (8) . وهو عندي حديث حسن؛ لأن رواته كلهم ثقات (9) ، إلا عمران أبي العوام فإنه صدوق يهم (10) . وقد تعضد بحديث أنس الوارد في البخاري وغيره، وسيأتي قريبا في مناقشة الأدلة.
3 على فرض أن المجيزين أو بعضهم استدل بما أخرجه الطبراني من حديث أم عطية: (أن النبي صلى الله (نهى عن لبس الذهب وتفضيض الأقداح، ثم رخص في تفضيض الأقداح) (11) . هذا الحديث في سنده من لم يعرف (12) .
4 أن هذا القدر من الذهب أو الفضة الذي على الإناء تابع له والعبرة للمتبوع دون التابع كالثوب المعلم والجبة المكفوفة والجبة بالحرير (13) .
5 وُاستدل بزوال علة التحريم؛ وهي الفخر والخيلاء (14) .
أدلة الفريق الثاني:
1 استدل الحنابلة على حرمة استعمال واتخاذ المموه ونحوه بما روى ابن عمر أن رسول الله (قال (من شرب من إناء ذهب أو فضة، أو إناء فيه شيء من ذلك، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم) (15) . الشاهد، أو فيه شيء من ذلك.(4/98)
2 ويمكن أن يستدل لهم بماروى ابن أبي شيبة والبيهقي بسنديهما عن ابن عمر أنه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة ولا ضبة فضة (1) . صححه النووي (2) . وقال ابن حجر أخرجه البيهقي بسند على شرط الصحيح (3) .
3 روى ابن أبي شيبة بسنده عن أم عمرو بنت عمر قالت: كانت عائشة تنهانا أن نتحلى الذهب أو نضبب الآنية أو نحلقها بالفضة، فما برحنا حتى رخصت لنا وأذنت لنا أن نتحلى الذهب، وما أذنت لنا ولا رخصت لنا أن نحلق الآنية أو نضببها بالفضة (4) .
قال النووي:أثر عائشة حسن، رواه الطبراني والبيهقي بمعناه (5) .
4 لأن العلة التي لأجلها حرم وهي الخيلاء وكسر قلوب الفقراء، وتضييق النقدين موجودة في المموه، ونحوه (6) .
حكم شراء وبيع الأواني المموهة بالذهب أو الفضة:
بناء على قول الشافعية بجواز بيع آنية الذهب والفضلة، فإنه من باب أولى القول بجواز بيع وشراء المموه عندهم. وبناء على جواز استعمال الآنية المموهة عند الحنفية والمالكية، وعلى قول في مذهب الحنابلة فإنه يجوز بيع وشراء الآنية المموهة عندهم أيضاً (7) .
ولا يجوز شراء الآنية المموهة بالذهب والفضة على مذهب الحنابلة وعلى القول الثاني عند المالكية (8) .
المبحث الثاني: المناقشة والترجيح(4/99)
بعض الأشياء التي تصنع من الحديد، أو النحاس؛ أو الزجاج، كمقابض الأبواب، والأجزاء الثابتة من الثريات الكهربائية، والكاسات، تدهن بنسبة قليلة جدا من الذهب أو الفضة، لتعطيها منظرا جميلا، ولتحميها من الصدأ، ونحوه. ولقلة الذهب أو الفضة فيها، فإن الطلاء لا يثبت بنفسه، ولا يتحمل الاستعمال، كما لا يتحمل عوامل التعرية، فيضاف إليه نسبة من المعادن الأخرى لتقويته، كما تدهنه المصانع التي تصنع هذه الأواني بدهان يعمل على تثبيت الذهب أو الفضة على الإناء المطلي. وما يُرى من لون ذهبي أو فضي في البلاط، أو الرخام، أو القيشاني فليس فيه شيء من الذهب أو الفضة لأن التمويه بهما في الأشياء المذكورة لا يمكن بقاؤه، لأنه لا يتحمل الاستعمال الذي ينتفع به من هذه الأشياء.
وبعد عرض أقوال العلماء وأدلتهم وتعليلاتهم في المموه، ونحوه فالراجح عندي جواز استعمال الأواني المموهة بالذهب أو الفضة وبيعها وشرائها؛ وهو رأي جمهور العلماء كما سبق بيانه ومع أنه مباح فيما أرى إلا أن التنزه عن استعماله في الأكل والشرب أولى، لاسيما إذا كان التمويه قد غطى جميعه، أو معظمه. وكذلك يترجح عندي جواز المطلي منهما والمكفت، والمطعم، والمنقوش، والمغشى؛ لأن المموه ونحوه ليس إناء ذهب ولا فضة؛ ولأن نصوص النهي جاءت بالمنع من استعمال أواني الذهب والفضة، وهذه ليست آنية ذهب ولا فضة، ولزوال علة التحريم على ما رجحناه، وهي تضييق النقدين، والإسراف؛ بناء على ما سنبينه قريبا إن شاء الله أما الأثر الذي رواه الطبراني عن أم عطية فقد قال عنه ابن حجر: في سنده من لا يعرف (1) . وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن معاوية إلا عمر بن يحي ولا سمعناه إلا عن هذا الشيخ (2) . ولذا لا يصلح حجة للمجيزين.(4/100)
وأما أدلة المانعين: فالحديث الذي رواه الدارقطني وغيره، وضمنه (أوفيه شيء من ذلك) واستدل به بعض الحنابلة حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج، وممن صرح بضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية، بل قال عنه الذهبي: إنه حديث منكر. كما سبق بيانه (1) . وقال ابن القطان هذا لحديث لا يصح، وقال ابن حجر هذا حديث معلول بجهالة إبراهيم ابن مطيع وولده. وقال الشوكاني: (يحي بن محمد الجاري راوي تلك الزيادة قال البخاري يتكلمون فيه وقال ابن عدي هذا حديث منكر كذا في الميزان وفي الكاشف ليس بالقوي) (2) .
يؤيد ما رجحناه من قول العلماء بضعفه معارضته للحديث الصحيح الثابت في الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك ((أن قدح النبي (انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة قال عاصم رأيت القدح وشربت فيه) (3) . لأن حديث ابن عمر جاء فيه (أو فيه شيء من ذلك) وقدح رسول الله (فيه شيء من ذلك؛ وهو ضبة الفضة. ولايعقل أن ينهى الرسول (عن شيء ويفعله.(4/101)
ويجاب على هذه الآثار بأنها أقوال للصحابة، وقول الصحابي يكون حجة عند الجمهور إذا لم يعارضه قول صحابي آخر (1) ؛ فعدم إذن عائشة رضي الله عنها في تحليق الآنية وتضبيبها، وكراهة ابن عمر (الشرب من الإناء المفضض، عارضهما شرب عمران ابن حصين، وأنس ابن مالك (ما من الإناء المفضض، علما أن امتناع ابن عمر محمول على زيادة تورعه كما هو معروف عنه. وعدم إذن عائشة محمول على الحلقة ونحوها. كما جاء في الأثر، وكما قاله سعيد ابن أبي عروبة (2) . فأطلقه أنس وعمران ابن حصين، وحظره ابن عمر وعائشة. وليس قول واحد منهم في ذلك أولى من قول الآخر إلا بدليل يدل عليه، وسنذكر في قدح رسول الله في هذا الباب ما يدل على أن الأولى من ذينك القولين ما قاله أنس ابن مالك وعمران ابن حصين. وقد وجدنا رسول الله (قد نهى عن لباس الحرير، وأخرج من ذلك أعلام الحرير التي في الثياب من عين الحرير من الكتان ومن القطن. فكان مثل ذلك نهيه عن الشرب في آنية الفضة يخرج منه الشرب في آنية الزجاج، أو الخشب ونحوهما المموهة بقليل من الذهب أو الفضة فقد روى ابن أبي ليلى عن حذيفة قال: (رسول الله (نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة وعن لبس الحرير والديباج وقال دعوه لهم في الدنيا وهو لكم في الآخرة) (3) .(4/102)
قال الطحاوي (ففي هذا نهى رسول الله (عن الشرب في آنية الذهب والفضة وليس الشرب في الآنية من الخشب التي قد خالطها الذهب والفضة من هذا في شيء. وقد كان مذهب عبد الله ابن عمر في القليل من الحرير يخالطه الثوب من غير الحرير كراهة لبس ذلك الثوب كما يكره لبسه لو كان حريرا كله، وقد خالفه في ذلك غيره من أصحاب رسول الله (وأباحوا من ذلك ما حظره، فمما قد روي عنه (ما جاء بسنده عن أبي عمر مولى أسماء قال:رأيت ابن عمر اشترى جبة فيها خيط أحمر فردها، فأتيت أسماء فذكرت ذلك لها، فقالت: بؤسا لابن عمر يا جارية ناوليني جبة رسول الله (فأخرجت إلينا جبة مكفوفة الجيب والكمين والفرج بالديباج) (1) .
وفي صحيح مسلم من رواية أبي عمر قال: (فرجعت إلى أسماء فقالت: هذه جبة رسول الله (فأخرجت إليّ جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج فقالت كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها وكان النبي (يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها) (2) .
قال أبو جعفر: (أفلا ترى أن ابن عمر قد كره الجبة التي ليست من الحرير للخيط الذي كان فيها من الحرير، فكذلك كان مذهبه في الإناء من غير الفضة إذا كان فيه شيء من فضة يكرهه كما يكرهه لو كان كله فضة، وقد خالفته أسماء في ذلك، وحاجته فيه بجبة رسول الله (التي ليست من ديباج [ولكنها] مكفوفة الجيب والكمين والفرج بالديباج. ولم تكن رضوان الله عليها تحاجه بذلك إلا وقد وقفت على استعمال رسول الله (إياها بعد نهيه عن استعمال مثلها لو كانت كلها حريرا وقد خالفه في ذلك أيضا عبد الله ابن عباس) (3) .
وما جاء في أثر عائشة رضي الله عنها أنها لم ترخص في تضبيب الإناء معارض للحديث الثابت في صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن قدح النبي (انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة قال عاصم رأيت القدح وشربت فيه) (4) .(4/103)
وفي رواية للبخاري عن عاصم الأحول قال (رأيت قدح النبي (عند أنس بن مالك وكان قد انصدع (1) فسلسله (2) بفضة. قال: هو قدح جيد عريض من نضار (3) . قال قال أنس: لقد سقيت رسول الله (في هذا القدح أكثر من كذا وكذا) (4) .
قال وقال: ابن سيرين (إنه كان فيه حلقة من حديد فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة فقال له أبو طلحة:لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله (. فتركه) (5) .
ظاهر الحديث أن الذي وصله هو أنس، ويحتمل أن يكون النبي (، وهو ظاهر رواية أبي حمزة المذكورة بلفظ (أن قدح النبي (انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة) (6) .
وما رواه البيهقي عن قتادة أن أنسا كره الشرب في المفضض (7) . فلعله من أوهام أبي العوام، التي وصف بها فيما قيل عنه:إنه صدوق يهم (8) . فرواه في الحديث الأول على الوجه الصحيح، وحكمنا عليه بالحسن لموافقته لقول وفعل أنس في قدح رسول الله (الثابت في الصحيحين وغيرهما؛ لأنه لا يمكن أن يروي حديثين بإسناد واحد يخالف أحدهما الآخر وحكمنا على الرواية التي أوردها البيهقي بالضعف لمخالفتها لقول أنس، وفعله، وإرادته؛ فقد قال: لقد سقيت رسول الله (في هذا لقدح أكثر من كذا وكذا.
وأما فعله فهو:أن قدح رسول الله (انصدع فسلسله بفضة. والظاهر أن الذي سلسله أنس كما رجحه ابن حجر. وأما إرادته:فهو أنه كان للقدح المذكور حلقة من حديد فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة. فقال له أبو طلحة لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله ((9) . فهمه بتغيير الحلقة إلى الذهب أو الفضة دليل على أنه يجيز الشرب في المفضض. وأن عدوله عما هم به لا لأنه يراه غير جائز؛ ولكن تفضيلاً لبقاء القدح على الهيئة التي كان عليها شرب الرسول (منه. كما أن أبا طلحة رضي الله عنه لم يقل له إنه يكره، أو لا يجوز ذلك؛ ولكنه تفضيل منه لبقاء ما كان على ما كان.(4/104)
ومما يؤيد ترجيحنا لرواية تجويز أنس على رواية منعه (أن رواية الجواز جاءت صريحة بشربه في الإناء المفضض ومقرونة بشرب صحابي آخر وهو عمران بن حصين، ورواية المنع ليس فيها قول ولا فعل من أنس وإنما جاءت بصفة من الراوي أن أنس يكره الشرب في الإناء المفضض، ومختصة به دون أن تقرر معه غيره.
وأولى من ذلك كله في ترجيح الرواية الأولى على الثانية أن الأولى موافقة لفعل رسول الله (ولا يمكن أن يكره أنس الشرب في المفضض، ورسول الله قد شرب في القدح المضبب بالفضة.
فإن قيل إن تضبيب القدح غير تفضيضه. قلنا: قد جاء في تعريف المفضض ما يشمل المضبب (1) .
وقولهم تضييق النقدين. وهي العلة التي رجحها الباحث، يجاب عنها بأنها غير متحققة في المموه، لأن المموه ليس إناء ذهب ولا فضة، كما قاله كثير من العلماء منهم أبي عبيد وابن المنذر (2) . ولأن التمويه بالذهب أو الفضة مقداره قليل جدا، بالنسبة فيما لو كان الإناء مصنوعا منهما؛ فيتحقق فيه قول جمهور العلماء بجوازه إذا لم يتجمع منه شيء وقد ثبتت(4/105)
بالتحليل العلمي المخبري الذي سأعرضه قريبا. فإذا ثبت قلة الذهب والفضة المموه بهما لم يتحقق اتحاد العلة مع إناء الذهب والفضة وهي تضييق النقدين، والإسراف كما رجحناه. ولأني قمت بتحليل نسب عنصري الذهب والفضة في عينات من بعض الأواني المستخدمة للطعام، والشراب؛ ذات اللون الذهبي، والفضي، المستعملة في معظم المنازل، إن لم يكن في جميعها، في هذا العصر، والتي يظن الناس حتى بعض من يبيعها أنه ليس فيها شيء من الذهب أو الفضة؛ وذلك بسبب رخصها. ويقولون ليس من المعقول أن يكون فيها ذهب أو فضة وهي بهذا السعر، فوجدتها تشتمل على نسبة ضئيلة من المعدنين أو أحدهما، حيث ثبت من تحليل جدار فنجان شاي زجاجي مذهب وجود نسبة من الذهب، ونسبة من الفضة أقل منه، مع أنها غير مرئية. وقد تم إجراء التحليل المذكور لثلاث عينات، في مركز التقنية البيئية التابع للكلية الامبريل بجامعة لندن، ببريطانيا. وقد تم في هذا البحث دراسة كمية لتركيز عنصري الذهب والفضة في بعض الآنية المستخدمة للطعام والشراب. وكانت الطريقة المستخدمة لإيجاد تراكيز العناصر هي طريقة التحليل باستخدام التشعيع بالنيوترونات (1) آليا. أما العينات المستخدمة في الدراسة فقد تم تحضيرها على شكل قطع صغيرة مساحتها حوالي سنتيمترا مربعا، ثم يتم تحضير عينات من مادة عيارية مرجعية (2) ، لها نفس الخواص الفيزيائية للعينة المراد دراستها. وتعتمد طريقة التحليل على قصف (3) جميع العينات بالنيوترونات الحرارية في قلب مفاعل نووي حراري، ويؤدي ذلك إلى تنشيط العينة إشعاعيا (4) ، مما يؤدي إلى انبعاث أشعة جاما (5) من العينة. ويدرس طيف (6) أشعة جاما للعينة، ويقارن بالطيف الصادر من المادة العيارية المرجعية، ومن ثم يتم تحديد تركيز كل من عنصري الذهب والفضة في العينات التي تمت دراستها. بوحدة الميليجرام. علماً أن الكيلو جرام ألف جرام (1000) ،(4/106)
والجرام ألف ميليجرام (1000) ملجم.
والعينات التي تم تحليلها هي:
1 فنجان شاي صغير من الزجاج مذهب، والتذهيب في بعضه، دون البعض الآخر.
2 إبريق الشاي وارد شركة السيف بجدة، وتذهيبه عادي؛ أي أنه ليس لميعا.
3 ملعقة شاي مفضضة (1) .
وكانت نتائج التحليل كالتالي:
رقم العينة تركيزالفضة نسبة الخطأ تركيز الذهب نسبة الخطأ
ملجم/كجم ملجم/كجم ملجم/كجم ملجم/كجم
1 52 7 286 8
2 136 5
3 25400 1400
وطريقة حساب كمية الذهب أو الفضة في الإناء تتم كالتالي:
حيث إن الوحدة المستخدمة في وزن العينات هي الجرام، والتركيز الذي تم في المعمل بالمليجرام في الكيلو جرام لذا سنقوم بتحويل الجرامات (وزن العينات) إلى كيلو جرامات وذلك بالقسمة على 1000 ثم نطبق القاعدة التالية في حساب مقدار الذهب أو الفضة بالجرام.
مقدار الذهب أو الفضة = وزن العينة (بالكيلوجرام) ×التركيز (تركيز الذهب أو الفضة بناء على نتيجة التحليل بوحدة الميللي جرام لكل كيلو جرام من العينة) .
مثال:
وزن فنجان الشاي بالجرام = 96جراماً
وزن فنجان الشاي بالكيلو جرام=96÷1000= 96 0,0 كجم
إذا مقدار الذهب الموجود في هذه العينة بالمليجرام= 96 0,0×286= 5 , 27 ملجم (2) .
والجدول التالي يوضح مقدار الذهب والفضة في العينات بالمليجرام.
رقم العينة واسمها وزنها بالجرام مقدار الذهب بالميليجرام مقدار الفضة بالميليجرام
1 فنجان شاي 96 5, 27 5
2 إبريق شاي 5و571 7و77
3 ملعقة شاي مفضضة 7و31 18و805
وبهذا يتضح أن مقدار الذهب في فنجان الشاي (العينة رقم1) 5, 27 مليجرام، وأن نسبة الذهب في الفنجان المذكور بالنسبة لوزنه هي 0286,% أي أقل من 0,03% أي ثلاثة من مائة في المائة. وهو ما يعادل ثلاثة أجزاء من عشرة آلاف جزء.
وطريقة حساب النسبة في العينة المذكورة كالتالي:(4/107)
تم تحويل وزن العينة بالجرامات إلى ملي جرام؛ وذلك بضربها في 1000 ثم قسمة مقدار الذهب بالملي جرام في العينة على وزن العينة بالمليجرام ثم الضرب في 100 لتحويلها إلى نسبة مئوية.
فإذا كان ثمن جرام الذهب 40 ريالا فإن ثمن الذهب الذي في العينة المذكورة= 10و1 ريالا واحدا وعشر هللات تقريبا.
ولمعرفة نسبة الفضة في العينة رقم 1نتبع الخطوات السابقة في إيجاد نسبة الذهب
5÷ 96000= 0,00005= 0005 0,0 = 00005,×100=005, % وهذا المقدار يعني أن نسبة الفضة هي خمسة أجزاء من مائة ألف جزء.
ويلاحظ أن هذه النسبة ضئيلة جدا بحيث يمكن إهمالها.
ومقدار الذهب في إبريق الشاي (العينةرقم2) 7و77 أي أقل من جرام واحد. ويزيد قليلاً عن جرام إلا ربع.
وثمن الذهب في العينة المذكورة = 11و3 ثلاثة ريالات وأحد عشرة هللة تقريبا.
ونسبة الفضة في الملعقة المفضضة (العينة رقم 3) المذكور حوالي 54 , 2 %من الجرام، ومع أنها أعلى نسبة والفارق بينها وبين غيرها من العينات كبير إلا أن مقدار الفضة في هذه العينة لا يبلغ جراما واحدا بل هو81 ,0 جم، مع أن وزن العينة المذكورة 7و31 جراما.
• • •
الخاتمة:
وفيها أهم نتائج البحث:
1 توصل الباحث إلى أنه يحرم استعمال أواني الذهب أو الفضة في الأكل والشرب بالإجماع. ورد على منكري هذا الإجماع. كما رجح قول جمهور الفقهاء وهو حرمة استعمال أواني الذهب والفضة على الرجال والنساء في سائر الاستعمالات الأخرى.
2 رجح الباحث عدم جواز تضبيب الآنية المعدة للأكل أو الشرب بالذهب. ورجح جواز تضبيب السيف، وجميع أنواع السلاح التي يناسب تضبيبها. أما التضبيب بالفضة فيترجح جوازه للحاجة؛ والمراد بالحاجة أن يكون هناك داع لتضبيبه. وأن مباشرة الفضة ليست مكروهة ولا محرمة.
3 إذا شرب بكفه وفي أصبعه خاتم فضة لم يكره. وكذا إذا كان في فمه ذهب أو فضة.(4/108)
4 رجح الباحث رأي الجمهور وهو حرمة بيع وشراء أواني الذهب أو الفضة إذا كان الشراء لغرض استعمالها في الأكل أو الشرب. وكذلك يحرم الاستئجار على صياغة أواني الذهب أو الفضة؛ إذا كان بقصد الاستعمال.
5 لا خلاف بين العلماء في جواز اقتناء الذهب والفضة إذا كان على غير صورة الأواني.
6 رجح الباحث جواز اتخاذ أواني الذهب والفضة؛ إذا كان الاتخاذ لا لقصد الاستعمال؛ سواء كان لغرض ادخارها لعاقبة الدهر، أو لتحويلها إلى ما يجوز لبسه أو استعماله، أولا لشيء.
7 يجوز الاستئجار على صياغتها، ويقع الضمان على من كسرها، أو أتلف صنعتها عند من يجيز استعمالها في غير الأكل والشرب، أو يجيز اتخاذها.
8 يحرم كل ذلك على من يحرم استعمالها، أو اتخاذها، ولا يجب الضمان على من أتلف الصنعة، وفي رواية عن الإمام أحمد يضمن الصنعة أيضا. ويجب ضمان من أتلف العين عند الجميع. سواء من قال بالجواز أو الحرمة.
9 اشتمل البحث على ذكر العلل التي علل بها العلماء حكم استعمال أواني الذهب والفضة، ورجح الباحث التعليل بتضييق النقدين، والإسراف. وناقش العلل الأخرى، وبين وجه ردها.
10 اشتمل البحث على ذكر جملة من الأواني التي استثناها الفقهاء من حكم التحريم.
11 قال الحنفية، والراجح من مذهب المالكية، والأصح عند الشافعية، وقول عند الحنابلة يجوز استعمال الآنية المموهة بذهب أو فضة في الأكل أو الشرب أو غيرهما. وقيده الحنفية والشافعية بما إذا لم يتجمع منه شيء إذا عرض على النار.
والمذهب عند الحنابلة والقول الثاني عند المالكية أنه يحرم استعمال الأواني المموهة.
12 رجح الباحث جواز بيع وشراء المموه بالذهب والفضة. وهو مذهب الحنفية والشافعية والمالكية وقول عند الحنابلة.(4/109)
13- اشتمل البحث على أدلة الفريقين، وتمت مناقشتها، وقد خلص الباحث إلى أن الراجح جواز استعمال الأواني المموهة بالذهب أو الفضة، وقد أجاب على أدلة المانعين، وبين أن التعليل بتضييق النقدين، والإسراف لا يتحققان في المموه؛ لقلته. ومع أنه مباح فيما أرى إلا أن التنزه عن استعماله في الأكل والشرب أولى، لاسيما إذا كان التمويه قد غطى جميعه، أو معظمه.
14 أيد الباحث ما توصل إليه بإجراء تحليل لعينات من الأواني عن طريق المفاعل النووي، في مركز التقنية البيئية التابع لكلية الأمبريل بجامعة لندن، ببريطانيا.
15 أظهر التحليل أن مقدار الذهب والفضة ضئيل جدا. فوزن إحدى العينات 5و571 جراما. ومقدار الذهب فيها 7و77 مليجرام. أي أنه لم يبلغ جراماً واحدا.
16 المقادير التي أظهرها التحليل، وما يقاربها زيادة أونقصا هي الغالب في الأواني المموهة في هذا العصر.
تم الانتهاء منه بحمد الله وتوفيقه بيد كاتبه صالح بن زابن المرزوقي البقمي في العوالي بمكة المكرمة يوم الجمعة المبارك 16/محرم /1421هـ الموافق 21/ابريل/2000 م. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وأزكى الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الحواشي والتعليقات
لسان العرب؛ تاج العروس، المصباح المنير. مادة: عمل.
الشرح الممتع 1/60، المصباح المنير، معجم لغة الفقهاء. مادة:عمل.
الكوكب الدري المنير في أحكام الذهب والفضة والحرير ص 40؛ لمحمد سعيد الباني.
لسان العرب؛ جواهر اللغة؛ تاج العروس؛ مادة:أنى.
المعجم الوسيط 1/70.
الفلز: عنصر كيماوي يتميز بالبريق المعدني، والقابلية لتوصيل الحرارة، والكهرباء. المعجم الوسيط.
العدد الذري: عبارة عن عدد البروتونات داخل النواة. وهذه البروتونات جسيمات موجبة الشحنة.
الوزن الذري: عبارة عن مجموع عدد البروتونات زائد عدد النيوترونات.(4/110)
الكثافة: عبارة عن كتلة واحدة الحجوم من العنصر. والمراد بوحدة الحجوم هي مثل: السنتيمتر المكعب.
معاوية بن قرة بن إياس بن هلال المزني، أبو إياس البصري ثقة عالم، ولد يوم الجمل، وتوفي سنة 113تهذيب التهذيب 10/216.
رد المحتار5/217و224؛ الدرالمختار مع رد المحتار5/217؛ تبيين الحقائق 6/11؛ قال الزيلعي: (كره، المراد به: التحريم) . الفتاوى الهندية 5/334؛ الشرح الصغير1/60؛ عقد الجواهر الثمينة
1 / 32؛ المجموع1/310؛ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية21/83؛ شرح العمدة1/114؛ كشاف القناع1/51 شرح منتهى الإرادات1/25. نيل الأوطار1/67. مصنف ابن أبي شيبة 5/519؛ فتح الباري 1/94. سيأتي في الأدلة ومناقشتها مزيد بسط لهذه الآراء.
المجموع1/310. وانظر: المهذب 1/11؛ الحاوي1/83.
المجموع1/311.
بدائع الصنائع 5/132؛ اللباب؛ للميداني4/158؛ العناية والهداية مع تكملة شرح فتح القدير10/5و6.
الهداية 10/6.
الأم 1/65 مسألة 231 تحقيق الدكتور أحمد حسّون.
المصدر السابق 1/82.
الدهقان:بكسر الدال وضمها، رئيس القرية، وزعيم فلاحي القرية. وهو معرب. النهاية في غريب الحديث. مادة: دهق.
صحيح مسلم بشرح النووي 4/770؛ واللفظ له، صحيح البخاري بشرح فتح الباري9/554. المصنف5/517لابن أبي شيبة.
* ... الصحاف: جمع صحفة، كقصعة وقصاع، والصحفة دون القصعة؛ قال الكسائي: القصعة ما تسع ما يشبع عشرة والصحفة ما يشبع خمسة. جواهر اللغة مادة قصع. وانظر: المجموع 1/308.
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 9/554؛ صحيح مسلم بشرح النووي4/772.
صحيح مسلم بشرح النووي 4/769؛ المصنف 5/517؛ لابن أبي شيبة.(4/111)
صحيح البخاري بشرحه10/96؛ صحيح مسلم بشرحه4/763 و764. واللفظ له؛ الموطأ2/705؛ سنن ابن ماجه2/1130؛ يجرجر: يردد من جرجر الفحل إذا ردد صوته في حنجرته. والجرجرة: هي صوت وقوع الماء بانحداره في الجوف. قال النووي: (يجرجر بكسر الجيم الثانية بلا خلاف، ونارا بالنصب على المشهور الذي جزم به المحققون وروي بالرفع على أن النار فاعلة، والصحيح الأول وهو الذي اختاره الزجاج والخطابي والأكثرون، ولم يذكر الأزهري وآخرون غيره) المجموع 1/307.
شرح النووي على صحيح مسلم 4/763.
النساء الآية 10.
شرح النووي على صحيح مسلم 4/764؛ المجموع1/311؛ التمهيد16/104و105و108.
فتح الباري10/94؛ نيل الأوطار1/67.
محمد سعيد بن عبد الرحمن بن محمد الباني الدمشقي تولى منصب الإفتاء في بعض أقضية دمشق ثم مفتشا للجيش العربي ثم أنشئت هيئة دينية اختير أمينا عاما لها، توفي سنة1351 هـ. الأعلام؛ للزركلي6/143.
الكوكب الدري ص111. بتصرف.
شرح النووي على صحيح مسلم4/764؛ المجموع 1/311؛ التمهيد16/104و105و108؛ المغني1/101و102؛ مجموع فتاوى شيخ الإسلام21/84؛ الإفصاح1/63؛ المبدع1/66؛ مغني المحتاج1/29؛ نهاية المحتاج 2/89 حاشية الدسوقي 1/64،
المغني 1/104؛ مجموع فتاوى شيخ الإسلام21/82؛ كشاف القناع1/ 52؛ شرح منتهى الإرادات1/25.
1/65.
المهذب1/11، وانظر: المجموع1/311.
شرح النووي على صحيح مسلم 4/765
المصدر السابق؛ نيل الأوطار1/67.
فتح الباري10/94؛ نيل الأوطار؛
كشف الأسرار 3/245؛ العدة4/1118و1119؛ التمهيد3/261؛ البرهان1/721؛ الإحكام للآمدي المعتمد2/487
* ... أوردنا الكلام على حكم استثنا إناء الذهب والفضة هنا؛ لأنه يستعمل في الأكل والشرب؛ والمستثنتيات الأخري أتبعناها الكلام على استعمال أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب؛ لأنها كذلك.
المصباح المنير، تاج العروس، مادة: ضب.(4/112)
الصحاح، مادة:ضبب. المطلع ص9.
المجموع 1/317؛ مغني المحتاج1/30.
رد المحتار 5/219؛ وانظر:الدر المختار معه؛ الهداية 10/7؛ بدائع الصنائع 5/132، المجموع 1/319و320؛ مغني المحتاج 1/30؛ الحاوي1/87؛ شرح العمدة 1/116؛ الإنصاف 1/81؛ شرح المنتهى1/25؛ الشرح الممتع1/64، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 59؛ الشرح الصغير 1/62.
المجموع 1/319و320؛ مغني المحتاج 1/30؛ الحاوي1/87؛ شرح العمدة 1/116؛ الإنصاف 1/81؛ شرح المنتهى1/25؛ الشرح الممتع1/64.
المجموع1/321.
المصدر السابق.
مجموع الفتاوى 21/81، شرح العمدة 1/116و117؛ وانظر: المغني1/105، كشاف القناع1/52و53؛ شرح المنتهى1/27؛ المجموع1/320؛ نهاية المحتاج106.
شرح المنتهى1/27؛ الكشاف1/52و53.
عقد الجواهر الثمينة1/33، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 59؛ الشرح الصغير 1/62.
عقد الجواهر الثمينة 1/33. وانظر: مواهب الجليل 1/129؛ التاج والأكليل 1/129.
التاج والأكليل 1/129، عقد الجواهر الثمينة1/33.
الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 59؛ الشرح الصغير 1/62.
المهذب1/12؛ المجموع1/317؛ الحاوي 1/87؛ فتح العزيز1/304؛ المغني1/105؛ الإنصاف1/83 الفروع 1/98؛ شرح العمدة1/117.
رد المحتار 5/219؛ وانظر:الدر المختار معه؛ الهداية 10/7؛ بدائع الصنائع 5/132.
المصادر السابقة، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 59؛ الشرح الصغير 1/62، المجموع 1/317 فتح العزيز 1/304، تصحيح الفروع1/97؛ الإنصاف 1/83 وانظر: المغني 1/104.
رد المحتار 5/219؛ وانظر:الدر المختار معه؛ الهداية 10/7؛ بدائع الصنائع 5/132.(4/113)
الثًّفَرُ: للسباع ولذوات المخالب، كالحياء للناقة. وقال ابن فارس:الثفر الحياء من السّبعةِ وغيرها. والثفر:بالتحريك السير الذي في مؤخر السرج. (وهو المراد هنا) وأثفر الدابة:عمل لها ثفرا أو شدها به. وفي الحديث الشريف أمر (المستحاضة أن تستثفر. لسان العرب؛ المحكم؛ تاج العروس؛ معجم مقاييس اللغة. مادة: ثفر.
بدائع الصنائع 5/132؛ اللباب4/158.
المجموع 1/317؛ فتح العزيز 1/304.
فتح العزيز 1/304.
المجموع1/320؛ نهاية المحتاج1/106، الإنصاف1/83.
المجموع 1/321، شرح العمدة1/116، الإنصاف1/81.
الإنصاف1/8.
المنتقى 7/336.
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 6/212 رقم الحديث 3109. سيأتي مزيد بسط لحديث أنس في المبحث الثاني من الفصل الخامس.
وهو رأي المالكية، انظر: شرح تنقيح الفصول ص 445.
الهداية10/7؛ تكملة فتح القدير10/8؛ رد المحتار5/218؛ الفتاوى الهندية5/234.
المجموع 1/318؛ مغني المحتاج 1/30، شرح منتهى الإرادات1/26، كشاف 1/53.
سنن الترمذي بشرح ابن العربي7/184؛ التلخيص الحبير1/52.
المجموع 1/321.
الفتاوى الهندية 5/335.
صحيح مسلم بشرح النووي 4/804.
رد المحتار5/230؛ المدونة 3/416؛ وانظر:المنتقى؛ للباجي 4/268 و269؛ و1/128؛ مواهب الجليل 4/330؛ العمدة 1/115؛ كشاف القناع3/152و154؛ شرح منتهى الإرادات 2/140و142.
المدونة 3/416.(4/114)
ترتيب المدارك 1/145، حاشية الصاوي مع الشرح الصغير1/430. جاء فيها عند قول الدردير: [وحرم على المتخلف ابتداء صلاة] (أي وحملت الكراهة في المدونة وابن الحاجب على التحريم) . وانظر: الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي ص 160و161 لعبد العزيز بن صالح الخليفي، الموسوعة الفقهية34/222. ومما نقل عن الإمام مالك في هذا الشأن ما جاء في ترتيب المدارك: (لم يكن من أمر الناس ولا من مضى ولا من سلفنا الذين يقتدى بهم ويعول الإسلام عليهم أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقول أنا أكره كذا وأحب كذا. وأما حلال وحرام فهذا الافتراء على الله، أما سمعت قول الله تعالى (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالا، قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون) يونس، آية:59. لأن الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرماه) .
كشاف القناع 3/152و154؛ شرح المنتهى 2/140و142، الخواتيم لابن رجب ص123.
الأم 3/74؛ المجموع 1/307؛ 311؛ روضة الطالبين 1/46.
المجموع 1/215؛ روضة الطالبين 1/46.
المائدة من الآية 2.
إعلام الموقعين عن رب العالمين3/175.
صحيح مسلم 4/97.
الخواتيم ص 123.
رد المحتار5/230، الدر المختار5/230؛ الفتاوى الهندية5/335؛ عقد الجواهر الثمينة1/32، مواهب الجليل1/128؛ حاشية الدسوقي1/59؛ حاشية الصاوي مع الشرح الصغير1/61؛ روضة الطالبين5/23و24؛ المجموع1/313؛ مغني المحتاج1/29؛ المغي5/428؛ الكشاف5/107و108؛ أحكام الخواتيم؛ لابن رجب ص 138الموسوعة الفقهية 1/124.
المكحلة: بضم الميم، إناء الكحل، وهي من النوادر التي جاءت بالضم، وقياسها الكسر لأنها آلة. المصباح المنير، مادة كحل.
المدهنة: بضم الميم، ما يجعل فيه الدهن. اللسان: مادة: دهن.(4/115)
المسعط:بضم الميم، الوعاء يجعل فيه السعوط، وهو من النوادر التي جاءت بالضم، وقياسها الكسر لأنه اسم آلة. المصدر السابق، مادة سعط.
المحبرة: معروفة، وفيها لغات:أجودها فتح الميم والباء، والثانية بضم الباء، والثالثة كسر الميم لأنها آلة مع فتح الباء. المصباح، مادة: حبر.
* ... المرود:بكسر الميم الميل الذي يكتحل به النهاية4/321.
المبولة: بالكسر، كوزٌ يبال فيه. اللسان، تاج العروس، مادة:بول. أقول: يصدق على كل إناء يعد للبول فيه.
خلال: مثل كتاب. العود يخل به الثوب والأسنان. المصباح، مادة: خلا.
بدائع الصنائع 5/132؛ تكملة فتح القدير 10/6و7؛ الهداية 10/5 و6؛ اللباب للميداني 4/158 الشرح الكبير 1/58؛ حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 1/58؛ مواهب الجليل1/128؛ الخرشي على مختصر خليل 1/100؛ ومعه حاشية العدوي؛ عقد الجواهر الثمينة1/32؛ المجموع 1/311 و315و6/37، روضة الطالبين 1/44؛ فتح العزيز1/301و302؛ نهاية المحتاج1 /103و 104؛ كشاف القناع2/234؛ شرح منتهى الإرادات1/25؛ الروض المربع2/252؛ المستوعب3/292؛ الإنصاف5/80؛ شرح العمدة في الفقه 1/114؛ المحلى 1/293.
عقد الجواهر الثمينة1/33، مغني المحتاج1/29، نهاية المحتاج 1/104. سيأتي في المبحث الخامس عند الكلام على المغشى ما يؤيد هذا القول.
المجموع1/321.
نهاية المحتاج1/104.
المراد بالعلة هنا الحكمة، لا العلة عند الأصوليين.
الموسوعة الفقهية 21/280.
تكملة شرح فتح القدير10/6و7؛ شرح العناية على الهداية 10/6 شرح العمدة 1/115؛ المبدع 1/66. الكشاف1/52.
المحلى 1/ 293 و294.
المسند مع الفتح الرباني 17/252.
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 3/112، باب الأمر باتباع الجنائز، رقم الحديث 1239، مسند الإمام أحمد واللفظ له 3/4/138، تكملة تحقيق أحمد شاكر؛ السنن الكبرى 1/27.(4/116)
الديباج:ثوب سداه ولحمته إبريسم، وهو فارسي معرب. النهاية في غريب الحديث، المصباح المنير: الدال مع الباء.
الإستبرق: هو ما غلظ من الحرير والإبريسم. وهي لفظة أعجمية معربة أصلها استبره. وقال الأزهري: إنها وأمثالها من الأبفاظ حروف عربية وقع فيها وفاق بين العجمية والعربية. النهاية في غريب الحديث.
القسي: هو ضرب من ثياب كتان مخلوط بحرير يؤتى من مصر، نسب لقرية على ساحل البحر يقال لها القس. الفائق.
المحلى 1/293و 294.
حاشية الدسوقي1/58، الأم 1/65، المجموع 1/308؛ روضة الطالبين 1/46؛ المغني 1/103؛ كشاف القناع 1/52؛ شرح منتهى الإرادات1/25؛ الإنصاف 1/80؛ الروض المربع 1/104؛ شرح العمدة 1/115، شرح الزركشي 1/159؛ شرح النووي على صحيح مسلم 4/765
تيسير التحرير 1/377.
قال ابن عابدين:في شرحه لعبارة الحصكفي [ويجوز رفع الحدث بما ذكر] قال: (أي يصح وإن لم يحلّ في نحو الماء المغصوب) .
حاشية الدسوقي 1/58.
الكشاف1/52؛ الروض المربع1/104؛ شرح منتهى الإرادات 1/25
المغني 5/103؛ شرح العمدة1/ 114، شرح الزركشي1/161، الإنصاف 1/81، الكشاف1/52. المحلى 1/293.
المغني 5/103.
رد المحتار 5/217.
المجموع 6/38؛ كشاف القناع 2/234.
رد المحتار؛ تكملة فتح القدير 10/7 و8.
رد المحتار5/217.
المجموع1/311و312.
روضة الطالبين 1/114.
الحاوي 1/84.
الخُوانُ:ما يؤكل عليه الطعام، الُمعَّرب كما في الصحاح والعين. تاج العروس؛ اللسان. مادة خون.
المجموع 1/310.
نيل الأوطار 1/67، الشرح الممتع 1/62.
1 /80؛ وانظر: الفروع 2/474.
الإنصاف 1/80.
الشرح الممتع1/62.
صحيح البخاري بشرحه 10/352. الطبعة السلفية، رقم الحديث 5896.
7/207. ومن الجدير بالذكر أنها أصح طبعات صحيح البخاري.
صحيح البخاري بشرحه عمدة القاري 22/48، صحيح البخاري 7/294.
لسان العرب، مادة جلل.(4/117)
فتح الباري 10/353، تهذيب التهذيب7/132
فتح الباري 10/352، تهذيب التهذيب7/132.
المصدر السابق.
إرشاد الساري 8/464.
فتح الباري 10/353.
المصدر السابق.
المصدر السابق.
المصدر السابق.
مشارق الأنوار على صحيح الآثار2/161.
الجمع بين الصحيحين؛ لضياء الدين عمر بن بدر الموصلي 1/322 رقم 842؛ تحقيق الدكتور علي حسين البواب؛ مكتبة المعارف؛ الرياض؛ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 8/465، عمدة القاري.
البُرة:حلقة تجعل في أنف البعير. وتجمع على الُبرين. معالم السنن للخطابي مع سنن أبي داود2/361.
مسند الإمام أحمد؛ تحقيق أحمد شاكر 4/108، رقم الحديث 2362. وانظر سنن أبي داود 2/360 رقم الحديث 1749؛ السنن الكبرى 5/229، كتاب الحج؛ شرح مشكل الآثار 4/26؛ المستدرك 1/639.
المستدرك1/639. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. المسند4/108. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن شرح مشكل الآثار 4/26.
نيل الأوطار 1/67.
سنن أبي داود 4/436 باب الخاتم؛ مسند الإمام أحمد 14/140و141؛ تحقيق الأرنؤوط وآخرون.
هذا الحديث وقع في صلاحيته للاحتجاج خلاف. قال الألباني بعد أن أورد سنده:وهذا سند جيد، رجاله ثقات رجال مسلم، غير أسيد بن أبي أسيد البراد، فوثقه ابن حبان، وروى عنه جماعة من الثقات، وحسن له الترمذي في الجنائز (1003) ، وصحح له جماعة، ولذا قال الذهبي، والحافظ: (صدوق) . وقال الأرنؤوط وعادل مرشد:رجاله ثقات رجال الشيخين غير أسيد بن أبي أسيد البراد، خرج له أصحاب السنن، والبخاري في الأدب المفرد، وذكر البرقاني في سؤلاته للدار قطني (37) أنه قال:يعتبر به. انظر: آداب الزفاف ص224؛ للألباني؛ ومسند الإمام أحمد 14/140و141 تحقيق الأرنؤوط وعادل مرشد.(4/118)
وقال الدكتور نور الدين عتر أستاذ الحديث في جامعة دمشق:هذا الحديث من رواية أسيد بن أبي أسيد البراد قال فيه الحافظ: (صدوق) وكل من قيل فيه هذا لا يكون حديثه صحيحا لأنه لم يوصف بالضبط. ماذا عن المرأة ص 90للعتر.
وقد توصلت إلى القول بأنه حسن بناء على ما ذكره الحافظ ابن حجر عن أسيد بأنه صدوق، وإن كنت لا أقول بصلاحيته للاحتجاج فيما ذهب إليه الألباني من تحريم لبس الذهب المحلق على النساء.
نيل الأوطار 1/67.
سورة النساء الآية 23.
الشرح الممتع 1/62
نيل الأوطار 1/67.
المجموع 1/311؛ شرح العمدة1/114و115.
البقرة من آية:275.
المجموع 1/311.
المجموع1/311.
شرح النووي على صحيح مسلم بهامش إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 8/339؛ للقسطلاني، الطبعة السادسة؛ المطبعة الأميرية، مصر؛ سنة 1305 هـ.
سنن أبي داود4/ 434، سنن الترمذي7/269و270، سنن النسائي8/172. وانظر: شرح مشكل الآثار4/30 وما بعدها. قال شعيب الأرنؤوط:حديث حسن.
المجموع1/316.
سبق تخريجه.
فتح الباري10/353.
لسان العرب؛ معجم مقاييس اللغة؛ مادة:عل.
نزهة الخاطر العاطر 2/176؛ لابن بدران؛ إرشاد الفحول ص206.
روضة الناظر 2/176؛ نشر مكتبة الكليات الأزهرية؛ القاهرة؛ الطبعة الثالثة؛ سنة 1411هـ 1991 م القاهرة الحديثة للطباعة؛ العدة 5/1423؛ البحر المحيط 5/111؛ إرشاد الفحول ص206؛ الصحاح، القاموس المحيط مادة: علل.
اللسان. مادة:علل.
هذا ما يفيده تعريف الآمدي بعد حذف كلمة الباعث؛ تجنبا لما يلاحظه كثير من الأصوليين عليها. والاستعاضة عنها بكلمة ما يصلح أن يكون مقصودا للشارع. كما نبه عليه الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله- في تعليقه على إحكام الأحكام 3/202؛ الطبعة الأولى؛ مؤسسة النور. وانظر:تيسير التحرير 3/302.(4/119)
فتح القدير 1/7؛ الذخيرة1/166؛ المجموع1/310؛ الحاوي1/83و84؛ المغني 1/102؛ كشاف القناع1/50؛ شرح الزركشي1/159؛ الفقه الإسلامي وأدلته3/546.
الذخيرة 1/166.
شرح العمدة1/114و115.
شرح منتهى الإرادات 1/24. وانظر:الكشاف1/282
نيل الأوطار 1/67
البيان والتحصيل 18/540؛ وانظر: المجموع 1/310؛ نيل الأوطار1/67.
المهذب 1/10؛ المجموع 1/310
المجموع1/310
نهاية المحتاج1/104؛ الموسوعة الفقهية 21/280.
المعجم الكبير 6/246، المعجم الأوسط5/367، المعجم الصغير2/82.
مجمع الزوائد 4/78.
الكوكب الدري المنير 103.
نيل الأوطار 1/67.
الكوكب الدري المنير 239.
الأعراف من الآية 32.
الكوكب الدري المنير ص239.
سبق تخريجه، وبيان أسباب الحكم عليه.
الكوكب الدري ص 237.
نيل الأوطار 1/67.
إحياء علوم الدين 4/143.
العدة 4/1396؛ الروض المربع مع حاشية العنقري1/108، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض سنة 1403هـ1983م.
الصحاح، المصباح، تاج العروس، مادة:أخذ.
تاج العروس مادة:أخذ.
المصباح المنير، وانظر: لسان العرب، تاج العروس، الصحاح، القاموس المحيط، المغرب، مادة:قنا. التوقيف على مهمات التعاريف، فصل التاء. معجم المصطلات والألفاظ الفقهية 1/52،للدكتور محمود عبد الرحمن عبد المنعم.
النجم آية: 48.
المفردات في غريب القرآن ص414.
تاج العروس، مادة:قنا.
مواهب الجليل 1/128؛ نهاية المحتاج1/104.
رد المحتار 5/218، الفتاوى الهندية 5/335؛ عقد الجواهر الثمينة1/32؛ الذخيرة1/167؛ التمهيد16/104، مواهب الجليل؛ والتاج والأكليل 1/128؛ المجموع 1/308و313 و6/37؛ مغني المحتاج 1/29؛ روضة الطالبين1/44. فتح العزيز1/302؛ نهاية المحتاج 1/104؛ 1الفروع1/97، الإنصاف 1/80، المبدع1/66.
المجموع1/308.
عقد الجواهر الثمينة1/32؛ مواهب الجليل1/128(4/120)
عقد الجواهر الثمينة 1/32؛ الذخيرة1/167؛ الشرح الصغير1/61؛ وحشية الصاوي معه؛ الشرح الكبير وحاشية الدسوقي معه 1/58و59؛ مواهب الجليل 1/128؛ الأم4/ 151؛ المجموع1/308؛ روضة الطالبين1/44 فتح العزيز 1/302؛ مغني المحتاج1/29؛ نهاية المحتاج1/104؛ المغني 1/103؛ الإنصاف 1/80، كشاف القناع 1/51، الروض المربع1/104.
الطنبور: فارسي معرب، وهي من آلات اللهو ذات عنق طويل. المخصص 4/13/13؛ وانظر المغني 1/103 قاموس الموسيقى العربيةص66؛ المعجم الوسيط2/588.
شرح العمدة 1/115. وانظر:الشرح الكبير للدردير؛ وحاشية الدسوقي 1/58و59.
حاشية الصاوي 1/61.
صحيح مسلم بشرح النووي 4/97.
المحكم؛ لسان العرب، مادة موه؛ المخصص لابن سيده 3/12/31.
ماء الذهب:هو سائل ناتج عن إذابة قطعة من الذهب بوضعها في سوائل كيماوية مثل: نتريك أسد مع كلودريك أسد. فينتج عن هذا ماء الذهب، ويسمى الماء الملكي، فيطلى به، أو يكتب به، وعندما يتعرض للشمس يجف.
رد المحتار، وانظر معه الدر المختار 5/219؛ شرح الخرشي 1/100؛ شرح روض الطالب 1/379؛ نهاية المحتاج 1/104،
شرح منتهى الإرادات 1/25. كشاف القناع 1/51 و52.
الهداية 10/7، رد المحتار والدر المختار5/219؛ بدائع الصنائع 5/133؛ الفتاوى الهندية 5/335؛ الفتاوى البزازية 6/369؛ الشرح الكبير1/59؛ حاشية الدسوقي 1/59؛ مواهب الجليل 1/128و129؛ حاشية الصاوي 1/62 المجموع 1/ 321 و322؛ روضة الطالبين1/44، مغني المحتاج1/29، فتح العزيز1/303؛ نهاية المحتاج 1/104 الفروع1/100، الكشاف1/52؛ الإنصاف1/81.
التكفيت: (أن يبرد الإناء من حديد أو نحوه حتى يصير فيه شبه المجاري في غاية الدقة ثم يوضع فيها شريط دقيق من ذهب أو فضة يدق عليه حتى يلصق) . الكشاف 1/81، وانظر:مواهب الجليل1/128.(4/121)
الشرح الكبير 1/58و59؛ حاشية الدسوقي 1/59؛ الشرح الصغير1/62؛ حاشية الصاوي 1/62؛ مواهب الجليل 1/128 و129؛ الخرشي على خليل1/100.
المضبب:سبق بيانه في ص11. ذو الحلقة:الحلقة كل شيء مستدير. اللسان. والمراد هنا حلقة الحديد ونحوها، المطلية بالذهب، أو الفضة. أو الإناء من غير الذهب والفضة تكون به حلقة منهما، أو من أحدهما.
الشرح الكبير 1/58و59.
المغشى: إناء من ذهب أو فضة غطي برصاص أونحاس أو غيره. مواهب الجليل 1/128.
مواهب الجليل 1/128؛ وانظر:الشرح الكبير1/58و59؛ وحاشية الصاوي مع الشرح الصغير1/62.
مصنف ابن أبي شيبة 5/518 و119؛ التمهيد 16/109.
رد المحتار4/219؛ البدائع 5/133؛ اللباب 4/160. نهاية المحتاج 1/104؛ شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين 1/28؛ حاشية قليوبي1/28. وانظر:الهداية10/7.
البدائع 5/133؛ اللباب 1/160؛ الوجيز1/11، المجموع1/321؛ 322؛ نهاية المحتاج1/104.
1/133.
المجموع1/321 و322؛ نهاية المحتاج 1/104؛ شرح المحلى على منهاج الطالبين1/28؛ حاشية قليوبي 1/28.
المجموع 1/321 و322. وانظر الوجيز:1/11.
الإنصاف1/81.
المصمت: قال المرداوي: (كالذهب أو الفضة الخالصين) . الإنصاف1/81. يقال ثوب مصمت: لونه لون واحد، لا يخالطه لون آخر. وفي حديث العباس:إنما نهي رسول الله (، عن الثوب المصمت من خز؛ وهو الذي جميعه إبريسم، لا يخالطه قطن ولا غيره. لسان العرب؛ مادة: صمت. وفي شرح منتهى الإرادات 1/25 المصمت أي (منفرد مما موه أو طلي أو طعم أو كفت به) .
المصدر السابق.
الإنصاف1/81.
الفروع1/100، الإنصاف 1/81. كشاف القناع 1/51. الشرح الكبير 1/59؛ الشرح الصغير1/62؛ مواهب الجليل 1/128؛ الخرشي على خليل 1/100.
مصنف عبد الرزاق 11/69. مصنف ابن أبي شيبة 5/519؛ السنن الكبرى 5/29؛(4/122)
والمطعم: بذهب أو فضة بأن يحفر في إناء من خشب أوغيره حفراً ويوضع فيها قطع ذهب أو فضة على قدرها) . الإنصاف 1/81؛ الكشاف 1/52 وص282.
انظر: المصدرين السابقين.
الإنصاف 1/81؛ وانظر الكشاف 1/52.
مواهب الجليل 1/128.
الشرح الصغير 1/62؛ المجموع 1/321 و322؛ بدائع الصنائع 1/133.
تكملة فتح القدير10/8.
* ... المفضض: المموه بفضة أو مرصع بالفضة. اللسان، تاج العروس؛ مادة:فضض. وفي فتح الباري9/554 المفضض: (هو الذي جعلت فيه الفضة) وقال:واختلف في الإناء الذي جعل فيه شيء من ذلك إما بالتضبيب، وإما بالخلط وإما بالطلاء.
مصنف ابن أبي شيبة5/518، التمهيد 16/109.
انظر: تهذيب التهذيب 6/280 و8/351؛ تقريب التهذيب 1/592 و2/26.
تقريب التهذيب 1/592.
المعجم الأوسط؛ حرف الباء؛ 3/329، رقم الحديث 3311، نيل الأوطار 1/69.
فتح الباري 10/101.
بدائع الصنائع 5/132. العلم:رسم الثوب، وعلمه رقمه في أطرافه. وأعلمه:جعل فيه علامة. اللسان. وهو القطعة في الثوب من غير جنسه. والمراد هنا. طراز الحرير في الثوب من غير الحرير.
الجبة: بالضم ضرب من مقطعات الثياب يلبس. اللسان. وهو كساء يلبس فوق الثياب ونحوها مفتوح من الإمام من أعلاه إلى أسفله يشبه العباءة إلا أنه ملاصق للبدن. المكفوفة:أي جعل لها كفة، بضم الكاف، وهو ما يكف به جوانبها ويعطف عليها، ويكون ذلك في الذيل، وفي الفرجين وفي الكمين. شرح صحيح مسلم، للنووي 4/778.
عقد الجواهر الثمينة 1/33.(4/123)
سنن الدارقطني 1/27؛ السنن الكبرى 1/29. وقد رواه الدارقطني من طريق يحي بن محمد الجاري عن زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا. قال الدارقطني:إسناده حسن. وقال ابن تيمية:إسناده ضعيف. انظر: مجموع الفتاوى 21/85، الفتاوى الكبرى 2/422. قال الذهبي:في الميزان في ترجمة يحي الجاري 4/406 هذا حديث منكر، أخرجه الدارقطني وزكريا ليس بالمشهور. وقال الذهبي قال البخاري يتكلمون فيه يعني؛ الجاري. ووثقه العجلي، وقال ابن عدي:ليس به بأس. لسان الميزان7/436، تهذيب التهذيب11/274. وقال ابن حجر في فتح الباري10/101 حديث معلول بجهالة حال إبراهيم بن مطيع وولده. وقال ابن القطان:هذا الحديث لا يصح زكريا وأبوه لا يعرف لهما حال. انظر: الجوهر النقي لابن التركماني مع السنن الكبرى 1/29. وانظر التعليق المغني على الدارقطني 1/41، إرواء الغليل1/70.
وبناء على ما ذكرناه من أقوال أهل العلم: فإن هذا الحديث لا يصلح الاحتجاج به؛ فهو حديث ضعيف، لسببين أولهما: أن يحي الجاري يتكلمون فيه. والثاني: جهالة زكريا وأبيه.
مصنف ابن أبي شيبة 5/519؛ السنن الكبرى 1/29. وأثر ابن عمر عند عبد الرزاق (وكان ابن عمر إذا سقي فيه كسره) 11/70.
المجموع 1/319.
التلخيص الحبير1/54. ورد في السنن الكبرى أثرين عن ابن عمر أحدهما هو الذي ذكرنا حكم النووي وابن حجر عليه. والثاني لم نورده وقال ابن التركماني فيه:خصيف الجزري قال عنه ابن القطان غير محتج به. الجوهر النقي مع السنن الكبرى1/29. وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف. انظر:شرح مشكل الآثار 4/43.
المصنف 5/519. وانظر: التمهيد 16/107.
المجموع 1/319.
شرح منتهى الإرادات 1/25، الكشاف 1/52.
انظر ص 16 و 40 من هذا البحث.
انظر ص 42.
فتح الباري 1/101.
المعجم الأوسط3/ 329و 330. وانظر:نيل الأوطار 1/69.
انظر: ص 43.(4/124)
نيل الأوطار 1/69. وانظر: ميزان الاعتدال4/406، التعليق المغني على الدارقطني ص41، للعظيم آبادي إرواء الغليل1/70. وقد بسطنا القول فيه في ص43. فإن قال قائل نقلتم في ص45 أن ابن عدي قال في يحي الجاري ليس به بأس، وذكرتم هنا أنه يقول: حديث منكر، فالجواب توثيقه للراوي. أما حكمه على الحديث فلأسباب أخرى. بيناها هناك.
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 6/212 رقم الحديث 3109؛
روضة الناظر 1/315؛ نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
السنن الكبرى 1/29.
سبق تخريجه.
شرح مشكل الآثار 4/48. قال شعيب الأرنؤط حديث صحيح، رجاله رجال الشيخين غير المغيرة بن زياد فقد روى له أصحاب السنن، وهو صدوق، وقد توبع. انظر شرح مشكل الآثار 4/48. وقد رواه أبو داود 4/328 برقم (4054) عن مسدد عن عيسى بن يونس. ورواه الإمام أحمد، ومسلم من طرق عن أبي عمر مولى أسماء انظر المسند 6 /387 و388 ط الميمنية، صحيح مسلم 4/777.
الديباج:ثوب سداه ولحمته إبريسم، وهو فارسي معرب , النهاية في غريب الحديث؛ المصباح المنير؛ الدال مع الباء.
الجبة:سبق بيانها.
صحيح مسلم بشرح النووي 4/777. طيالسة:إضافة جبة إلى طيالسة، والطيالسه جمع طيلسان.
كسروانية: بكسر الكاف وفتحها وهو نسبة إلى كسرى. لبنة:بكسر اللام وإسكان الباء؛ وهي رقعة في جيب القميص. شرح النووي على صحيح مسلم4/778.
شرح مشكل الآثار4/48.
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 6/212 رقم الحديث 3109.
انصدع: انشق.
فسلسله:أي وصل بعضه ببعض.
العريض الذي ليس بمتطاول بل يكون طوله أقصر من عمقه. والنضار: بضم النون وتخفيف الضاد الخالص من العود ومن كل شيء، ويقال أصله شجر النبع. فتح الباري 10/100. وفي اللسان مادة نضر: النُّضار النبع، والنُّضار شجر الأثل، والنُّضار الخالص من كل شيْ. قلت النضار: شجر يشبه الأثل إلا أنه ليس له ثمر.
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 10/99.(4/125)
المرجع السابق.
فتح الباري 10/100.
السنن الكبرى 5/29.
تقريب التهذيب 2/751 هو الإمام المحدث أبو العوام عمران بن دوار العمي البصري القطان كان حرورياً (أي من الخوارج) يرى السيف، مات في حدود الستين ومائة. وقال ابن حجر في قوله حروريا نظر ولعله شبه بهم. سير أعلام النبلاء 7/280. وانظر: تهذيب التهذيب.
هذه الأحاديث سبق بيان مراجعها قريبا.
انظر حاشية ص44. لأن من تعريف المفضض انه الذي جعلت فيه فضة، والمضبب يجعل فيه فضة تضب شقه.
فتح الباري 10/101؛ وانظر: التعليق على شرح مشكل الآثار4/42.
النيترونات جمع، مفردها نيترون؛ وهو أحد الجسيمات المكونة لنواة الذرة، وهو متعادل الشحنة، ويخترق أنوية (جمع نواة) الذرات حسب طاقته، ويؤدي إلى إثارة هذه الأنوية.
عينة معلومة التركيب، مشابهة للعينة التي يجري عليها الاختبار، وهذا لغرض المقارنة؛ فإذا كانت العينة زجاجية فكذلك العينة المرجعية تكون زجاجية؛ لأنها تتفاعل بنفس الطريقة، كالعينة المراد اختبارها.
قصف العينة بالنيوتروات: عملية تهدف إلى وضع العينة في طريق النيوترونات وذلك في قلب المفاعل النووي فتصبح العينة عرضة للارتطام بالنيوترونات مما يؤدي إلى إثارة أنوية ذرات العينة، وينتج عن ذلك انبعاث الأشعة من العينة، وتصبح العينة مستَحثة إشعاعيا.
تنشيط العينة إشعاعيا، ويقال له:الحث الإشعاعي: يتم الحث الإشعاعي بتسليط طاقة على نواة الذرة بمقدار معين يحملها جسيم معين تؤدي إلى إثارة أنوية ذرات العينة، فتتخلص هذه العينة من الإثارة عن طريق بعث الإشعاعاعات المختلفة بحسب نوع التفاعل الحادث داخل العينة. انظر:
De Soete D. ,Gijbels R. , and Hoste J. , “ Neutron Activation Analysis “ Wiley – Interscience, 1972.(4/126)
أشعة جاما: هي أشعة كهرو مغنيطيسية (مجال كهربائي ومجال مغناطيسي متعامدين) لا ترى بالعين المجردة. وهي ناتجة عن إثارة نواة الذرة وذلك نتيجة لاختراق النيوترون للنواة مؤديا إلى اضطراب الجسيمات داخل النواة؛ وهذه الجسيمات هي كل من البروتونات والفيوترونات.
الطيف: إن الطاقات التي تنبعث من المصدر المشع الذي يشع أشعة جاما ينتج عنها طيف؛ يتمثل على هيئة شكل معين، وهذا الطيف يوضح توزيع الطاقات الصادرة من المصدر المشع. وهذا الطيف يعتبر خاصا للمصدر المشع، فالطيف لمصدر مشع يختلف عن الطيف الصادر من مصدر مشع آخر؛ فالطيف الصادر من نواة مشعة يميز تلك النواة وباتالي نستطيع أن نعرف الذرة التي لها هذه النواة. فما ينبعث من أشعة جاما مثلا من نويات الذهب يختلف عما ينبعث منه من نويات الفضة. وهكذا بقية العناصر.
Kaplan I. , “ Nuclear Physics “ ,2 nd ” ed, Addison – Wesley, 1977
ملعقة الشاي، أي أنها ليست مخصصة للأكل، وهي ليست كالملاعق المستعملة في غالب البيوت اليوم، ويحس الناظر إليها أنها فضية،
وهي جميلة في منظرها، رزينة في وزنها، غالية في ثمنها، قيمتها 120 ريالا سعوديا، وهذا ثمن خمسة درازن من الملاعق العادية الجيدة، وهي فرنسية الصنع، تستوردها وتبيعها شركة أركان القافلة بجدة.
من الجدير بالذكر أن النتيجة هي 27,456 أي أقل من 5, 27 لكنا جعلناها كذلك تقريبا للقارىء؛ وحسب المتبع عند أهل الحساب.
المصادر والمراجع
أحكام الخواتيم وما يتعلق بها؛ لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي؛ تصحيح عبد الله القاضي الناشر دار الكتب العلمية؛ بيروت؛ الطبعة الثانية؛ سنة 1407هـ
الإحكام في أصول الأحكام؛ لسيف الدين أبي الحسين علي بن أبي علي الآمدي؛ نشر مؤسسة الحلبي؛ القاهرة دار الاتحاد العربي للطباعة، مصر، 1387هـ(4/127)
إحياء علوم الدين، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي؛ نشر دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1412هـ – 1992م.
الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي، لعبد العزيز بن صالح الخليفي، الطبعة الأولى، المطبعة الأهلية، سنة 1414هـ.
آداب الزفاف في السنة المطهرة، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، دار ابن حزم للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثالثة، سنة 1417هـ 1996م.
الاستذكار، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، دار قتيبة للطباعة والنشر، بيروت، دمشق، دار الوعي حلب، القاهرة، الطبعة الأولى، القاهرة، سنة 1414هـ1993م.
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني، نشر دار صادر دار بيروت، الطبعة السادسة، المطبعة الأميرية، مصر، سنة1305
إرشاد الفحول، لمحمد بن علي الشوكاني، الطبعة الأولى، مطبعة الحلبي، القاهرة، سنة 1356هـ
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق الطبعة الأولى، سنة 1399هـ 1979م.
إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، تحقيق عبد الرحمن الوكيل، دار الكتب الحديثة، مطبعة المدني القاهرة، سنة 1389هـ 1969م.
الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، سنة1980م.
الإفصاح عن معاني الصحاح، للوزير عون الدين أبي المظفر يحي بن هبيرة، طبع ونشر المؤسسة السعودية الرياض، سنة، 1398هـ.
الأم، للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق الدكتور أحمد حسون، دار قتيبة للطباعة والنشر بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1316هـ1996م.
الانتصار في المسائل الكبار، لأبي الخطاب الكلوذاني، نشر مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى سنة 1413هـ، 1993م.(4/128)
الإنصاف، لأبي سليمان المرداوي، تحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى، مطبعة السنة المحمدية، مصر سنة 1374هـ.
البحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1406هـ1986م.
البرهان في أصول الفقه، لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب، مطابع الدوحة، قطر، سنة 1399هـ.
بلغة السالك لأقرب المسالك، لأحمد الصاوي، وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف دولة الإمارات العربية المتحدة، المطبعة العصرية ومكتباتها، سنة 1410هـ1989 م.
بلوغ المرام بشرحه توضيح الأحكام، لابن حجر، وتوضيح الأحكام للشيخ عبد الله البسام، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، الطبعة الأولى، سنة 1413هـ1986م.
البيان والتحصيل، لأبي الوليد محمد بن رشد القرطبي، تحقيق الأستاذ أحمد الحبابي، نشر دار إحياء التراث الإسلامي، قطر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، سنة 1406هـ1986م.
تاج العروس، للزبيدي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، سنة 1414هـ 1994م.
التاج والأكليل لمختصر خليل، (بحاشية مواهب الجليل) دار الفكر، الطبعة الثالثة، سنة 1412هـ 1992م.
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، لعثمان بن علي الزيلعي، الطبعة الأولى، المطبعة الأميرية، مصر، سنة 1313هـ.
ترتيب المدارك وتقريب المسالك إلى معرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض، تحقيق الدكتور أحمد بكير محمود، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، دار مكتبة الفكر طرابلس، ليبيا، مطبعة فؤاد بيبان وشركاه، الشي، لبنان. سنة 1387 هـ 1967م
تصحيح الفروع، لأبي سليمان المرداوي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الرابعة، سنة 1379هـ.(4/129)
التعليق المغني على سنن الدارقطني، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، دار المحاسن للطباعة القاهرة، نشر السيد عبد الله هاشم يماني، المدينة.
تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني،
التلخيص الحبير، لابن حجر العسقلاني، الناشر عبد الله اليماني، المدينة المنورة، شركة الطباعة الفنية القاهرة، سنة 1384هـ1964م.
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البر، تحقيق مجموعة من الأساتذة،، الطبعة الثانية سنة 1402هـ1992م.
تنقيح الفصول، للقرافي، تحقيق طه عبد الرءوف، نشر وطبع مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة.
تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.
تيسير التحرير، لمحمد أمين المعروف بأمير باد شاه، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1403هـ1983م.
الجمع بين الصحيحين، لضياء الدين عمر بن بدر الموصلي، تحقيق الدكتور علي حسين البواب، مكتبة المعارف، الرياض.
جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي، نشر مكتبة الرياض الحديثة، الرياض.
الجوهر النقي، لعلاء الدين بن علي التركماني، (مع السنن الكبرى) دار المعرفة، بيروت، سنة1413 هـ 1992م.
حاشية العدوي،
حاشية عميره، لشهاب الدين أحمد البرلسي الملقب بعميره، دار الفكر.
حاشية القليوبي، لشهاب الدين أحمد بن سلامة القليوبي، دار الفكر.
الحاوي الكبير، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، الناشر المكتبة التجارية، مكة المكرمة مطبعة دار الفكر، بيروت، سنة 1414هـ1994م.
الخرشي على مختصر خليل، لمحمد الخرشي المالكي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.
الدر المختار شرح تنوير الأبصار، لمحمد بن علي الحصكفي (مع رد المحتار) .
الذخيرة، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، حققها مجموعة من الأساتذة، نشر دار الغرب الإسلامي بيروت، الطبعة الأولى، مطبعة دار صادر، بيروت.(4/130)
رد المحتار على الدر المختار،، لمحمد بن عابدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
روضة الطالبين، للنووي، طبع ونشر المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت.
الروض المربع (ومعه حاشية العاصمي) للشيخ منصور البهوتي، الطبعة الثالثة، سنة1405هـ
روضة الناظر، لموفق الدين بن قدامة، نشر مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، الطبعة الثالثة، سنة 1311هـ 1991م.
سنن ابن ماجه، لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، مطبعة دار الكتب العربية.
سنن أبي داود، لأبي سليمان بن الأشعث السجستاني، تعليق عزت الدعاس وعادل السيد، الطبعة الأولى، طبع ونشر دار الحديث، بيروت، سنة1391هـ1971م.
سنن الترمذي بشرح ابن العربي، دار الكتاب العربي، بيروت.
سنن الدارقطني، لعلي بن عمر الدارقطني، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت سنة1414.
السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دار الفكر، بيروت.
سير أعلام النبلاء، للذهبي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، سنة 1402.
شرح الزركشي على مختصر الخرقي، لمحمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق عبد الله الجبرين، الناشر مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، الرياض، سنة 1413هـ1993م.
الشرح الصغير، لأحمد الدردير، نشر وزارة العدل بالإمارات العربية المتحدة 1410هـ.
شرح العمدة، لشيخ الإسلام بن تيمية، تحقيق الدكتور سعود العطيشان، الناشرمكتبة العبيكان، الرياض الطبعة الأولى، 1413هـ 1993م.
الشرح الكبير، لأبي البركات أحمد الدردير، توزيع دار الفكر، بيروت. شرح مشكل الآثار، للطحاوي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، 1415هـ1994م.
الشرح الممتع على زاد المسقنع، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، مؤسسة آسام، الرياض، الطبعة الثانية سنة 1414هـ.(4/131)
شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، نشر المكتبة السلفية، المدينة المنورة.
شرح منهاج الطالبين، لجلال الدين المحلي، دار الفكر، بيروت.
الصحاح، للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية سنة02 14 هـ1982م
صحيح البخاري بشرحه فتح الباري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وشرحه لابن حجر العسقلاني طبع ونشر المطبعة السلفية ومكتباتها، مصر.
صحيح البخاري بشرحه عمدة القاري، لبدر الدين العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، إدارة الطباعة المنيرية.
صحيح البخاري، الطبعة اليونينيت. وهي النسخة التي صححها الشيخ علي بن محمد الهاشمي اليونيني، والتي قرأها ابن مالك الجياني، دار الجيل، بيروت.
صحيح البخاري، نشر وطبع دار الطباعة المنيرية، دمشق.
صحيح مسلم بشرح النووي، لمسلم بن الحجاج، مطبعة الشعب، القاهرة.
العدة، للقاضي أبي يعلى، تحقيق الدكتور أحمد سير مباركي، الطبعة الثانية، سنة 1410هـ
عقد الجواهر الثمينة، تأليف جلال الدين عبد الله بن شاس، تحقيق مجموع من المشايخ، نشر المجمع الإسلامي بجدة، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي، بيروت، سنة1415هـ1995م.
العناية (مع فتح القدير) للبابرتي، الطبعة الأولى، مصر، سنة 1389هـ.
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، إشراف الرئاسة العمة لشئون الحرمين مكة المكرمة، طبع إدارة المساحة العسكرية، سنة 1385هـ1965م.
الفتاوى البزازية، لمحمد بن محمد بن شهاب المعروف بابن البزاز الكردي الحنفي، بهامش الفتاوى الهندية.
الفتاوى الهندية، للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، المطبعة الأميرية، مصر، سنة1399هـ.
فتح العزيز شرح الوجيز، للرافعي، الناشر المكتبة السلفية، المدينة المنورة.
فتح القدير، للكمال ابن الهمام، الطبعة الأولى، مطبعة الحلبي، مصر، سنة، 1389هـ1970م.(4/132)
الفروع، لأبي عبد الله محمد بن مفلح، الطبعة الثالثة، عالم الكتب، بيروت، سنة 1388هـ 1967م.
الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبة الزحيلي، الطبعة الثانية، طبع ونشر دار الفكر، دمشق، سنة 1405هـ 1967م.
القاموس المحيط، للفيروز أبادي، دار الفكر، بيروت.
قاموس الموسيقى العربية، للدكتور حسين محفوظ.
كشاف القناع، للبهوتي، مكتبة النصر الحديثة، الرياض.
كشف الأسرار، لعبد العزيز البخاري، نشردار الكتاب الإسلامي، القاهرة، طبعة بالأوفست.
الكوكب الدري المنير في أحكام الذهب والفضة والحرير، لمحمد سعيد الباني، مطبعة المفيد، دمشق، سنة 1349هـ 1931م.
اللباب في معرفة الكتاب، للميداني، دار الباز للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، المكتبة العلمية بيروت، سنة 1400هـ1980م.
لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت.
لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، الطبعة الأولى، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة.
ماذا عن المرأة، للدكتور نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، الطبعة الرابعة، 1402هـ1981
المبدع، لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن مفلح، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، سنة 1980م.
مجمع الزوائد، للهيثمي، طبعة القاهرة، سنة 1352هـ.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع ابن قاسم العاصمي، نشر مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة مطبعة المساحة العسكرية، القاهرة، سنة 1404هـ.
المجموع، للنووي، مع تكملته للسبكي، والمطيعي، الناشر زكريا يوسف، مطبعة الإمام.
المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، لابن سيدة، نشر معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، الطبعة الأولى سنة1377 هـ 1958م.
المحلى، لابن حزم، الناشر مكتبة الجمهورية العربية، مصر، مطبعة الاتحاد العربي للطباعة.(4/133)
مختصر اختلاف العلماء، للطحاوي، اختصار أبي بكر الجصاص، طبع ونشر دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية، بيروت، سنة 1416هـ1996م.
المخصص، لابن سيده، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
المدونة، للإمام مالك، رواية سحنون، طبعة بالأوفست.
المستدرك على الصحيحين، للحاكم، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند.
المستوعب، لنصير الدين محمد بن عبد الله السامري، تحقيق مساعد بن قاسم الفالح، مكتبة
المطلع على أبواب المقنع، للبعلي، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، دمشق سنة 1385هـ1965م. المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، سنة 1413هـ 1993م.
معجم المصطلحات في الألفاظ الفقهية، للدكتور محمود عبد الرحمن عبد المنعم، دار الفضيلة للنشر، القاهرة. طبع دار النصر، القاهرة.
مسند الإمام أحمد، تحقيق أحمد شاكر، نشر دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مطبعة دار المعارف، مصر سنة 1369هـ1950م.
مسند الإمام أحمد مع الفتح الرباني، ترتيب أحمد الساعاتي، طبعة دار العلم، جدة. مسند الإمام أحمد تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1413هـ 1993م.
مسند الإمام أحمد، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت، سنة 1413هـ1993م.
مشارق الأنوار على صحيح الآثار، للقاضي عياض، طبع ونشر المكتبة العتيقة، تونس، دار التراث القاهرة.
المصباح المنير، لأحمد بن علي المقري، مطبعة الحلبي، مصر.
مصنف ابن أبي شيبة، لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق سعيد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1409هـ 1989م.
المصنف، لعبد الرزاق الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي.
المعتمد، لأبي الحسين البصري المعتزلي، المعهد العلمي الفرنسي، دمشق، سنة 1384هـ.(4/134)
المعجم الأوسط، للطبراني، نشر دار الحرمين، القاهرة، سنة، طبع سنة 1415هـ.
المعجم الصغير، للطبراني، المكتب الإسلامي، تحقيق محمد شكور، دار عمار، بيروت، عمان، الطبعة الأولى، سنة 1405هـ.
معجم مقاييس اللغة، لأحمد بن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت.
المعجم الكبير، للطبراني، تحقيق حمدي السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، الطبعة الثانية سنة 1404هـ.
المغرب، لأبي الفتح ناصر بن عبد السيد المطرزي، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت.
المغني، لموفق الدين ابن قدامة، تحقيق الدكتور عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، الطبعة الأولى، مطبعة هجر، القاهرة، سنة 1409هـ1989م.
مغني المحتاج، لمحمد الشربيني، طبع ونشر شركة الحلبي
المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، دار المعرفة، بيروت.
ميزان الاعتدال، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الذهبي، تحقيق علي البجاوي، مطبعة الحلبي.
المنتقى من الأخبار بشرح نيل الأوطار، المنتقى لمجد الدين عبد السلام بن تيمية،
ونيل الأوطار للشوكلني، دار الجيل، بيروت، دار الحديث، القاهرة.
المنتقى، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، الطبعة الثانية، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.
مواهب الجليل، للحطاب، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة، مصر، سنة 1329هـ.
الموطأ، للإمام مالك، نشر دار الحديث،، القاهرة، طبع دار الحرمين، القاهرة.
الموسوعة الفقهية، إصدار وزارة الأوقاف الكويتية، نشر مكتبة آلاء، الكويت، مطبعة ذات السلاسلا الكويت سنة 1412هـ1992م.
المهذب، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، دار الفكر.
ميزان الاعتدال، للذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، مطبعة البابي الحلبي.
نزهة الخاطر العاطر، لعبد القادر بن أحمد بن بدران. (بحاشية روضة الناظر) .(4/135)
نهاية المحتاج، للرملي، الطبعة الأخيرة، شركة الحلبي، مصر، 1399هـ1967م.
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، تحقيق محمود الطناحي، وطاهر الزواوي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 1399هـ1979م.
الهداية شرح بداية المبتدي، لبرهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني، (مع فتح القدير) .
الوجيز، لأبي حامد الغزالي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، سنة1399هـ1979م.
المرجع الأجنبي:
129 - De Soete D. ,Gijbels R. , and Hoste J. , “Neutron Activation Analysis ”
Wiley – Interscience, 1972.
130 - Kaplan I., “Nuclear Physics “ ,2 nd “ ed, Addison Wesley, 1977.(4/136)
نظرة فقهية
للإرشاد الجيني
د. ناصر بن عبد الله الميمان
الأستاذ المساعد بقسم الشريعة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة أم القرى
ملخص البحث
أدت الاكتشافات الحديثة إلى أن أنسجة جسم الإنسان مكونة من خلايا، وكل خلية تحوي المادة الإرثية التي لا يشاركه فيها إنسان آخر.
وقد أدى تفسير تركيب المادة الوراثية إلى إحراز تقدم علمي في التشخيص المخبري للأمراض الوراثية، وأمكن توفير طرق عدة لإجراء الفحوص الوقائية من الأمراض، ومنها:
1– المسح الوراثي الوقائي.
2– التشخيص قبل الزواج.
3– التشخيص قبل زرع النطفة بعد الإخصاب خارج الرحم.
4– التشخيص في أثناء الحمل.
ولهذه الطرق فوائد ومحاذير:
أولاً فوائدها:
1 – الحد من اقتران حاملي المورثات المعتلة.
2– إثراء المعرفة.
3– الاكتشاف المبكر للمرض.
4– تقليل مساحة المرض داخل المجتمع.
ثانياً محاذيرها:
1 – أن مفاهيم الجينيوم البشري وحقائقه غير واضحة المعالم.
2– عدم قطعية نتائج الفحوصات في كثير من الحالات.
3– الفحوصات المخبرية لا يمكن أن تحدد مدى الإصابة.
وبحثنا هذا يحاول تسليط الضوء على هذه الطرق، وبيان الحكم الشرعي لها.
التكييف الفقهي
إن التكييف الفقهي لهذه النازلة يستند إلى أربعة مداخل رئيسة:
الأول: القواعد الفقهية: وذلك من خلال القواعد التالية:
1– المشقَّة تجلب التيسير.
2– درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
3– الأصل براءة الذمة.
4- الدفع أولى من الرفع.
5– يختار أهون الشرين وأضعف الضررين.
6– يحتمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام.
الثاني: الاعتبار الشرعي للمصلحة المرسلة.
الثالث: اعتبار المقاصد الشرعية في الأحكام.
الرابع: اعتبار مآلات الأحكام.
الحكم الفقهي
أ – حكم المسح الوراثي الوقائي:(4/137)
بناء على المصلحة المرسلة، ومقاصد الشريعة، وقواعد الشرع، يمكن القول بجواز هذا النوع، بشرط أن تكون الوسائل المستعملة مباحة وآمنة، ويجوز الإجبار عليه إذا انتشر الوباء في بلد بشروطه.
ب – حكم الإرشاد الجيني قبل الزواج:
استناداً على الفوائد المترتبة على هذه الوسيلة فإن عمل هذا الفحص جائز بشروطه، ويجب في حالات معينة، ولا يجوز القول بوجوبه مطلقاً؛ لما فيه من إيجاب حق لم يأت به الشرع.
ج – حكم التشخيص قبل زرع النطفة:
سبق أن أجاب الفقهاء بجواز هذه الطريقة للضرورة القصوى، وذلك في حكم طفل الأنابيب، لكن لا يمكننا القول بجوازها في الفحوص الوراثية لأنها ليست ضرورة في الوقت الحاضر.
د – حكم الفحص أثناء الحمل:
نرى جوازها بناء على ما تحققه من محافظة على مقاصد الشريعة، أما الإجبار عليها فيجوز إذا وجدت قرائن ظنيَّة باحتمال وجود المرض الوراثي.
• • •
مقدمة:
الحمد لله الذي هدانا إلى الحمد إبقاء على نعمائه، وجعل لنا الشكر سياجا لمسارح آلائه. نحمده حق حمد نستديم به نعمته ونستزيد به فضله وعزته.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد:
فنحن على أعتاب الألفية الثالثة، وفي مطلع قرن ميلادي جديد يشهد العالم اليوم العديد من المتغيرات والمستجدات في جميع مجالات الحياة، اقتصادا وثقافة وسياسة، تعود في مجملها إلى ثورة علمية كبرى.
وإذا كانت بدايات هذا القرن مشوبة بالثورات والحروب السياسية، فإن القرن القادم هو قرن الحروب العلمية.(4/138)
ومن بين أهم المتغيرات التي يشهدها هذا العصر التطور العلمي الحديث الحاصل في حقل العلوم الوراثية، وفي مجال الجينيوم البشري والهندسة الوراثية على الخصوص، والتي اتسع مجال تطبيقاتها بشكل كبير، فأصبحت تشمل الإنسان والنبات والحيوان، بل أصبح في الإمكان أن تتدخل في تكييف نوعية الإنسان وعلاجه وغذائه.
ومن هنا كان لابد للأخلاق والدين أن يتدخلا بالعمل على تقنين هذه الثورة ووضع حدود لها، لتكوِّن قنوات تصفية تُمِرُّ من خلالها ما يعود بالنفع للبشرية وتحجز ما يخلُّ بأمن البشر وحياتهم واستقرارهم.
وفي حال انعدام هذه الرقابة، فلاشك أن الحياة على هذه الأرض ستكون مهددة بأنواع من الويلات والشرور مصدرها الإنسان نفسه.
وتتمثل الرقابة الدينية والأخلاقية لهذا الموضوع في استحداث الأحكام الفقهية التي تحدد حكم هذه المستجدات في الحياة البشرية.
وإن هذا الاستحداث يجب أن ينبني على أسس الدين ومقاصده العامة، كما يجب أن يكون محكوما بخصائص الوقائع المستجدة وعناصرها العينية فيما ينبني عليه من صورة، وفيما تؤدي إليه من أثر فيه صلاح أو فساد.
ولا يجدي في هذا السبيل إسقاط الفتاوى المستحدثة لوقائع وأوضاع سابقة بل ولا الفتاوى المستحدثة لوقائع وأوضاع راهنة، بل تستحدث كل ظاهرة متميزة أحكامها الخاصة بها، بناء على تميزها، وذلك لأن "الواقع كل صورة من صوره النازلة نازلة مستأنفة في نفسها لم يتقدم لها نظير، وإن تقدم لها في الأمر نفسه فلم يتقدم لنا، فلابد من النظر فيها بالاجتهاد لاستحداث الحكم الشرعي الذي يناسبها" (1) .(4/139)
وكلما تعقد واقع الحياة، وتشعبت علاقات الناس ببعضهم وعلاقاتهم ببيئاتهم، كلما تكاثرت النوازل المستأنفة، والصور الجديدة، إما تولداً من ذات المجتمع المعين، أو انفعالاً بمجتمعات أخرى، وهو ما يكون مدعاة لتكثيف النظر الاجتهادي بقصد تغطية كل صورة مستجدة بحكم شرعي يناسبها، في سبيل أن تنمو الحياة الإسلامية على هدي من الدين، دون أن يؤدي زخم التنامي المتسارع في شعب الحياة إلى الانفلات عن أحكام الشرع، وحتى تجد الأمة الإسلامية لمستأنفات نوازلها التي تجد عليها من اتصالها بحضارة الغرب ما يرشدها من أحكام شرعية، تكون مستهدية بأصول الدين ومقاصده، مبنية على ما تضمره تلك المستأنفات من مصالح ومن مفاسد.
مدخل:
في كثير من الأحيان عندما يراد تطبيق الأحكام الشرعية على الأوضاع الواقعية العينية، تواجه المسلم مشكلة التوفيق بين منطقية الفقه المجرد ومنطقية الواقع الجاري؛ إذ هذا الواقع قد تطرأ على عناصره من الملابسات، ما تصير به بعض أفعال الإنسان مؤدية لو أجريت بحسب الحكم الفقهي المجرد إلى إلحاق ضرر به في ناحية أخرى من نواحي حياته، قد يكون أبلغ من النفع الذي يحصل بذلك الإجراء، بسبب من ملابسات يقتضيها المنطق الذاتي لمجريات الأحداث الواقعية.(4/140)
"وفي سبيل التوفيق بين الأحكام المجردة، والوقائع الجارية، بما يدفع حياة المسلم إلى ما يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة، ينبغي صياغة الأحكام، بالنسبة لكل وضع واقعي مخصوص صياغة يؤخذ فيها بعين الاعتبار انعكاساته على مختلف جوانب ذلك الوضع، فإن واقع الحياة من طبيعته التفاعل المستمر بين عناصره المختلفة، فما هو اقتصادي يؤثر فيما هو اجتماعي، ويتأثر به، وكذلك الأمر بالنسبة لكل المجالات الأخرى. وقد تحصل للإنسان مصلحة في جانب من جوانب حياته، إلا أنها تكون مجحفة بجانب آخر، فتؤدي فيه إلى ضرر، ولذلك فإن المعيار النهائي للمصلحة هو غلبة النفع على الضرر، بعد التقويم العام لما يؤول إليه فعل ما، بحيث تتكامل المصلحة فيه، فيما يشبه تحوط الصيدلاني في صناعة الدواء من أن تكون لدوائه مضاعفات تلحق ببعض أجهزة الجسم ضرراً قد يفوق ما يحققه من شفاء من الداء المراد علاجه بحيث يجعله ذلك التحوط يعمل على تحقيق التكامل الإيجابي لآثار ذلك الدواء في جسم المريض" (1) .
... وإن زحمة الطوارئ في واقع الحياة لطبيعتها المتقلبة كثيرٌ ما تغري في سبيل استعجال الحلول الشرعية المناسبة لها بتناسي الأطر والأصول التي يجب أن تتنزل فيها تلك الحلول، فيأتي بعضها مناقضاً للمصلحة من جوانب أخرى.
... لذا فلابد من التصور العلمي الصحيح للحادثة والقراءة المتأنية لجميع أبعادها ودراسة تفاعل هذه العناصر بعضها مع بعض، وأثر ذلك على واقع الحياة البشرية، ثم بعد هذا كله إعطاء الحكم للنازلة، حتى تخرج الفتوى في صورة متكاملة في النظرة، منسجمة مع أدلة الشرع ومقاصده، محققة للمصلحة.
التصور الطبي لمفهوم الوراثة (2)(4/141)
.. أدَّت الاكتشافات الحديثة، واختراع المجهر إلى تبين أن أنسجة الجسم مكونة من خلايا، وكل خلية تحتضن نواة هي المسئولة عن حياة الخلية ووظيفتها، كما بينت هذه الاكتشافات الحديثة أن النواة في كل خلية تحوي المادة الإرثية بداية من الخواص التي تجمع بين الجنس البشري، وانتهاء بالتفصيلات التي تختص بالفرد فلا يشاركه فيها آخر، منذ خلق الإنسانية إلى انتهائها.
... وتسكن المادة الوراثية كشبكية ملتفة في نواة الخلية، وتتكون من أجسام صغيرة جداً يسميها العلماء: الصبغيات CHROMOSOMES أو (الكروموزمات) وهي تراكيب تشبه الخيوط في نواة الخلية حينما تكون على وشك الانقسام ويوجد في كل خلية من خلايا الجسم الإنساني 46 صبغاً (كروموزوما) وهي على صورة ثلاثة وعشرين زوجاً: فرد من الأب وفرد من الأم، وقد تمكن العلماء من التعرف على هذه الأجسام الصغيرة، وترتيبها حسب تسلسلها، ابتداء من الزوج الأول وانتهاء بالزوج الثالث والعشرين.
وتنقسم الكروموزمات إلى مجموعتين:
إحداهما: الكروموزمات الذاتية، وهي (22) زوجاً تتشابه تشابهاً تاماً في كل من الذكر والأنثى وهي التي تؤثر في الصفات الجسدية، كطول القامة ولون الشعر ولون العين ولون البشرة، والقابلية للأمراض.
والمجموعة الثانية: هي الكروموزمات الجنسية، وعددها زوج واحد، وهو متماثل في الأنثى يسمى: كروموزوم س X، بينما يختلف هذا الزوج في الذكر، ففرد من هذا الزوج يسمى: كروموزوم X وهو مماثل لكروموزوم X الموجود عند الأنثى، والفرد الآخر الأقصر يسمى: كروموزوم صY (1) . والكروموزومات الجنسية هي المسئولة عن الصفات الجنسية
وبينت البحوث العلمية أن العوامل الوراثية تنتقل من خلية إلى خلية أخرى أثناء الانقسام الخلوي. والانقسام الخلوي يتنوع إلى نوعين:(4/142)
أحدهما: ... الانقسام الخيطي، أي الفتيلي، أو غير المباشر، وهو يؤدي إلى إيجاد خلية تماثل الخلية السابقة، الخلية الأم، وتحتوي نفس عدد الكروموزمات، أي: (46) كروموزماً.
وهذا النوع من الانقسام الخلوي يحدث في كل خلايا الجسم الإنساني عدا الخلايا الجنسية أثناء النمو، والتئام الجروح، وتعويض الفاقد.
والثاني: الانقسام الاختزالي، وهو يؤدي إلى إنتاج خلايا مختلفة عن الخلايا الأم، وبه يتم اختزال الكروموزمات ال (46) إلى نصفها، وهو: (23) كروموزوما.
وهذا النوع من الانقسام يحدث أثناء تكوين الأمشاج في كل من خصية الرجل ومبيض الأنثى، ولهذا فإن النواة في كل من البيضة والحيوان المنوي تحتوي العدد النصفي من الكروموزمات، فإذا تم تلقيح البيضة بالحيوان المنوي فإن الخلية الناتجة، أي الملقحة أو المخصبة تكون النواة فيها محتوية للعدد الكامل للكروموزمات وهو: (23) زوجاً، أي: (46) كروموزماً (1) .
ما هو الجين؟
يتكون الكروموزوم (الصبغ) من سلسلتين من الحامض النووي يرمز له باسم: (DNA) أو الدَّنا تلتفان على بعضهما البعض بشكل حلزوني وتكوِّنان لولباً مزدوجاً.
ويقدر مجموع (DNA) في كل خلية بشرية على شكل شريط كاسيت طوله (2800) كم.
والجين (المورِّث) هو جزء من هذا الحامض النووي الموجود في الكروموزوم تقدَّر نسبته بما يعادل (70%) من طول الدنا (DNA) فقط، ويختص بحمل المعلومات الوراثية. أما البقية الباقية من الدنا فلا يزال علماء الوراثة يجهلون وظيفتها.
ويتكون الجين (المورِّث) من مجموعة كبيرة من النيكلوتيدات مرتبة ترتيباً خاصاً ضمن سلسلة الدنا، ومنها ما يصل عددها في الجين الواحد إلى (2000) نيكلوتيده تقريباً.(4/143)
ويتحكم الجين كما أسلفت في الصفات الوراثية من طول الجسم وقصره وشكله ولونه، بل ونبرة الصوت ولون العين، وحدَّة شمِّ الأنف، وغير ذلك. وكذا الإصابة بالمرض الوراثي، ويشترك في إبراز كل صفة من الصفات جينات متعددة.
ويعتقد الباحثون أن عدد الجينات (المورِّثات) في كل خلية من خلايا الجسم يتراوح ما بين (60.000-70.000) لكن ما يعمل منها عدد محدود في كل خلية حسب حاجة الخلية وتركيبها.
كما وجد الباحثون أن (20%) من الجينات (المورِّثات) تقريباً تعمل في كل الخلايا لأنها تقوم بالوظائف الحيوية المهمة للخلية، فيما تختلف ال (80%) الباقية حسب الوظيفة والموقع والزمن.
يقول البروفيسور دانيال كوهن: "ما نعرفه تماماً أن ما يمكننا قراءته واستيعابه علمياً حتى الآن تقدر نسبته ب1% من الدنا (DNA) ما هو فعال في جسم الإنسان فيقدر ب (5-10%) منه في الوقت الذي تبقى فيه النسب المتبقية (90-95%) قيد الفرضيات" (1) .
مشروع الجينوم البشري:
اجتاز علماء الوراثة مراحل كبيرة في معرفة الجينوم البشري، والكشف عن أسراره، وفي كل يوم تطالعنا المجلات العلمية وشبكات المعلومات والصحف بالمستجدات في هذا المجال فلا نزال نسمع الجديد عن عدد هذه الجينات، وموقع كل واحد منها على الخريطة الجينومية، ومهمته التي يقوم بها، والخطر المحدق بالإنسان عند نقصه أو فقده.
ولأهمية هذا الموضوع ظهر على السطح مشروع الجينوم البشري، وهو مشروع ضخم تتعاون فيه الدول الكبرى الغنية وتتبادل فيه المعلومات لتحديد موقع كل جين، وفك الشفرة الخاصة به.
وتبلغ تكلفة هذا المشروع ثلاثة آلاف مليون دولار، وابتدئ في تنفيذه عام 1990م، وسيتم الانتهاء منه بإذن الله في حدود عام 2005م، ومن فوائد هذا المشروع المتوقعة:
1 معرفة أسباب الأمراض الوراثية.(4/144)
2 معرفة التركيب الوراثي لأي إنسان بما في ذلك القابلية لحدوث أمراض معينة كضغط الدم والنوبات القلبية والسكر والسرطانات وغيرها.
3 العلاج الجيني للأمراض الوراثية.
4 إنتاج مواد بيولوجية وهرمونات يحتاجها جسم الإنسان للنمو والعلاج (1) .
طرق الإرشاد الجيني
مدخل:
من خلال التقدم العلمي الحاصل في علوم الوراثة وفي مجال التقنية البيولوجية فقد تم الكشف عن الأسس المرضية لأمراض الوراثة.
وتنقسم الأمراض الوراثية استناداً إلى مسبباتها على النحو التالي:
(1) اعتلالات تركيبية أو عددية تحدث للصبغيات نتيجة لحيودها عن عددها المعروف بست وأربعين صبغة في الخلية لدى الإنسان.
(2) اعتلالات المورِّثة المفردة وهي مجموعة من الأمراض الوراثية التي تنتشر وتتكاثر في مناطق معينة في مجموعة عرقية معينة، ويتم توارث هذه الأمراض الوراثية من خلال اقتران حامليها كنمط وراثي محدد.
(3) الأمراض عديدة المسببات وهذه الأمراض تحدث نتيجة تفاعل عوامل عدة وراثية وبيئية.
... كما أمكن تحديد بعض الأسباب الرئيسية للأمراض الوراثية وهي كما يلي:
(1) مورِّثات معتلة يتوارثها الأبناء عن الآباء.
(2) طفرات ناتجة عن:
... أالتعرض لأشعة: إكس. ... ... ب التعرض للأشعة فوق البنفسجية.
... ج التعرض للكيماويات. ... ... د بعض العقاقير.
... هـ عوامل بيئية. ... ... ... وتأخير سن الإنجاب.
... ز الإصابة بالفيروسات. ... ... ح طفرات ذاتية (2) .
وبحلول عام 1994م استطاع العلماء حصر الأمراض الوراثية المنتقلة عبر جين واحد ب (6678) مرضاً، ولازالت قائمة هذه الأمراض تزداد يومياً باكتشاف المزيد منها بسبب تسارع البحث العلمي في مجال الجينات.
بيان الطرق (3) :(4/145)
لقد أدى تفسير تركيب المادة الوراثية إلى إحراز تقدم علمي ملحوظ في مجال التشخيص المخبري للأمراض الوراثية، وأمكن توفير وسائل وطرق عدَّة ترقى إلى نسبة عالية من الدقة وتشمل خيارات متعددة لا جراء الفحوص والوقاية منها في مراحل مختلفة من العمر، وفيما يلي نذكر بعضاً من هذه الطرق مع بيان فوائد ومساوئ كل طريقة منها:
أولا: المسح الوراثي الوقائي (1) :
ويتمثل هذا في تشخيص الأمراض الوراثية على نطاق واسع من المجتمع في مراحل مختلفة من العمر باستخلاص عينة دم للتشخيص الوراثي.
فوائده: يهدف هذا المسح إلى الحدِّ من اقتران حاملي المورِّثات المعتلة، وبالتالي الحدِّ من الولادات المصابة بالمرض.
ثانيا: التشخيص قبل الزواج:
والمقصود به معرفة الحاملين لأمراض وراثية في مجموعة عرقية معينة أو في بلد معين حتى يتجنب ظهور الأمراض الوراثية.
ويكتشف المرض بواسطة تحليل الدم والرَّحَلاَن الكهربائي، وكلفتها محدودة وإجراؤه قبل الزواج ممكن (2) .
فوائده:
تظهر فوائد إجراء الفحص الطبي قبل الزواج إلى تقليل عدد المصابين بكثير من الأمراض الشائعة في المجتمع كالتلاسيميا أو المنجلية إما بعدم تزاوج حاملي الجين أو إجراء الفحوصات عند الرغبة في الإنجاب، وكلفتها محدودة مقدور عليها.
عيوبه:
(1) إيهام الناس أن إجراء الفحص الطبي سيقيهم من الأمراض الوراثية، وهذا غير صحيح لأن الفحص الطبي الوراثي لا يبحث سوى انتشار مرض واحد أو اثنين في مجتمع معين، لذا فمن المستحيل أن يستطيع أحد القول بأن الفحص الطبي قبل الزواج سيؤدي إلى ذرية سليمة مائة بالمائة.
(2) عدم التحكم في سرية نتائج الفحوصات وبالتالي يحدث أضراراً بأصحابها بعدم قيام شركات التأمين بالتأمين على المصابين في الجينات أو بمضاعفة المبالغ المطلوبة منهم، وفي ذلك ظلم لهؤلاء الأشخاص الذين لم يكن لهم يد في تكوينهم وحملهم لهذه الصفات الوراثية.(4/146)
(3) تأثيرات ذلك الفحص على إحجام الشباب وعزوفهم عن الزواج وخاصة عند ظهور صفة وراثية غير مرغوب فيها في أحد الخاطبين وانتشار ذلك بين الناس مما يحدث مشاكل اجتماعية ونفسية لا تحمد عقباها.
والخلاصة أن الفحص الطبي قبل الزواج المتعلق بالأمراض الوراثية سيؤدي إلى مساوئ كثيرة منها التعدِّي على الحرية الشخصية، كما يسبب مشاكل مالية ونفسية، منها التمييز العنصري في مجال التوظيف والزواج وتكليف الإنسان مبالغ كبيرة في شئ ليس مسؤولاً عنه، ولا يد له فيه (1) .
ثالثا: التشخيص قبل زرع النطفة بعد الإخصاب خارج الرحم (الفحص قبل الانغراز) :
وتتميز هذه الطريقة بأنها تتجنب الإجهاض وهو أمر مرفوض شرعاً.
وأما عيوبها:
(1) أنها باهظة التكاليف.
(2) أنها تعرض الزوجين للكشف عن العورة المغلظة.
(3) أنها ترهق الأسرة وتعطل أعمالها.
(4) أن هذا الفحص غير متوفر إلا في مراكز محدودة في العالم (2) .
رابعا: التشخيص في أثناء الحمل:
(أ) بواسطة الزغبات المشيمية:
ويتم إجراؤه في الأسبوع السابع والثامن إما عن طريق المِهْبَل أو عن طريق البطن بالاستعانة بالموجات فوق الصوتية، بفحص خلايا الزغبات المشيمية لأي خلل كروموزومي أو لمعرفة المرض الوراثي المحتمل حدوثه.
وميزة هذا الفحص أنه يتم في فترة مبكرة من الحمل وبالتالي يمكن أن يتم الإجهاض لمن يسمح بالإجهاض قبل نفخ الروح في حالة وجود مرض خطير.
(ب) إزالة السائل الأمينوسي وفحصه:
عند وجود مرض وراثي في الأسرة أو عند وجود خلل كروموزومي في ولادة سابقة أو عندما تكون المرأة الحامل قد تجاوزت الخامسة والثلاثين. ويتم ذلك بسحب السائل بالجنين في الأسبوع الخامس عشر من الحمل.
وميزة هذا الفحص: سهولته ويسره وتوفره في معظم دول العالم.
وعيوبه: أنه يتم في مرحلة متأخرة من الحمل نسبياً بحيث لا يسمح بالإجهاض بأي حال من الأحوال.
(ج) فحص دم الجنين:(4/147)
ويتم إجراؤه بأخذ عينة من دم الجنين من الحبل السري وبذلك يتمكن من معرفة العديد من الأمراض الوراثية والاستقلالية.
وميزته: أنه يتم بسهولة ويسر ونسبة حدوث المضاعفات فيه قليلة.
وعيبه: أنه يتم إجراؤه في الأشهر الأخيرة وبالتالي فلا فائدة منه في إتاحة فرصة الإجهاض لمن كانت تحمل جنيناً مشوهاً.
فوائد الإرشاد الجيني:
خلاصة لجميع ما تقدم من بيان طرق الإرشاد الجيني، وإيجابيات كل طريقة وسلبياتها، يظهر لنا أن من أهم فوائد الإرشاد الجيني ما يلي:
1 الحد من اقتران حاملي المورِّثات المعتلة، وبالتالي الحد من الولادات المصابة بالمرض الوراثي، وفي ذلك تحقيق لمبدأ الوقاية الصحية المطلوب شرعاً، كما دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة.
2 إثراء المعرفة العلمية عن طريق التعرف على المكونات الوراثية وتفسيرات وظائفها في حالات الصحة والمرض، ومعرفة أساسيات الاعتلالات المرضية ونمط
حيودها.
3 الاكتشاف المبكر للمرض، ومن ثم التمكن من منع وقوعه أصلاً، أو المبادرة لعلاجه أو التخفيف منه قبل تفاقمه وانتشاره وذلك بفضل الإرشاد الجيني.
4 تقليل مساحة المرض داخل المجتمع بنشر الوعي الصحي عن طريق الاستشارة الوراثية والإرشاد الجيني (1) .
محاذير الإرشاد الجيني:
يمكن تلخيص أهم محاذير الإرشاد الجيني في النقاط التالية:
1 أن كثيراً من مفاهيم الجينوم البشري وحقائقه غير واضحة المعالم، ومازال الغموض يكتنف كثيراً من ماهيتها.
2 أن نتائج الفحوصات الجينية ليست قطعية في كثير من الحالات، ومعظم الأمراض ناتجة عن تفاعل أمراض تتفاعل فيها البيئة ونمط الحياة مع النمط الوراثي الجيني.
3 أن الفحوصات المخبرية الجينية لا يمكن أن تحدد وتثبت مدى الإصابة بهذه الأمراض على الرغم من التقدم الحاصل فيها، وإذا حدث المرض لا تدل على قوته من ضعفه.(4/148)
4 أن الكثير من الأمراض الوراثية المعروفة لا تنتج بسبب الوراثة من الوالدين وإنما بسبب عوامل أخرى مثل الطفرات الجينية التي تحدث في البييضة، أو الحيوان المنوي، أو البيضة الملحقة.
5 أن الفحوصات الجينية يكتنفها بعض المشاكل الأخلاقية والاجتماعية والنفسية والمالية التي يمكن اغتفارها لو كانت المصلحة المتحققة منها أعظم من هذه المشاكل (1) .
6 – أن الأمراض الوراثية نسبة وجودها لبقية الأمراض تعتبر نسبة نادرة.
وفي ضوء هذه السلبيات والإيجابيات الحاصلة في الإرشاد الجيني وما يترتب عليها من المصالح والمفاسد التي تنعكس على حياة الناس في جميع مناحيها الاقتصادية والشخصية والاجتماعية والنفسية من جراء خضوعهم لهذا الإرشاد، فإنه يمكن أن نضع التكييف الفقهي للمسألة بعد دراسة ومراجعة الأصول والقواعد الشرعية المتعلقة بهذه النازلة.
التكييف الفقهي
... إن التكييف الفقهي لهذه النازلة العصرية يمكن إنتاجه بعد التأمل في أربعة مداخل رئيسة، وذلك بإدارتها على جانبي السلب والإيجاب:
الأول: القواعد الفقهية: وذلك من خلال القواعد التالية:
(1) المشقَّة تجلبُ التيسير.
... وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة ومعناها: أن أحكام الشريعة كلها مبنية على التيسير ومصالح العباد، فلا يكلف الشارع ابتداء العباد بما يشق عليهم ويوقعهم في الحرج، ثم إن أي حكم شرعي ينشأ من تطبيقه مشقة وحرج على المكلف في نفسه أو ماله فإن الشريعة تخففه بما يقع تحت قدرته من دون عسر أو إحراج (2) .
(2) درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
... ومعنى القاعدة أنه: إذا اجتمع في أمر من الأمور مفسدة ومصلحة، فإن دفع المفسدة أولى من تحصيل المصلحة لأن المفسدة منهي عنها والمصلحة مأمور بها، وعناية الشريعة بترك المنهيات أشد من عنايتها بفعل المأمورات (3) .
(3) الأصل براءة الذمة.(4/149)
.. ومعناها: أن الأمر المتيقن هو أن الإنسان خلق خالياً من المسؤوليات والالتزامات، أو حقوق الآخرين فلا تشغل ذمته بأي حق أو التزام إلا بدليل أو بينة.
... قال العز ابن عبد السلام (ت 660هـ) : "الأصل براءة ذمته من الحقوق وبراءة جسده من القصاص والحدود والتعزيرات وبراءته من الانتساب إلى شخص معين، ومن الأقوال كلها والأفعال بأسرها" (1) .
... وعلى هذا يحكم بيقين انتفاء الأحكام وبراءة الذمة من التكاليف الشرعية، قبل مجيء الشرع وبعد مجيئه أيضاً عند عدم الدليل الشرعي، إذ يلجأ إليه المجتهد عند عدم وجود الأدلة.
(4) الدفع أولى من الرفع.
... ومعناها: أنه إذا أمكن رفع الضرر قبل وقوعه، فهذا أولى وأسهل من رفعه بعد الوقوع (2) .
(5) يختار أهون الشرين وأضعف الضررين
... الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف
... إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما (3) .
... هذه القواعد الثلاث ذات معنى واحد تقريباً مفاده: أن الأمر إذا دار بين ضررين أحدهما أشد من الآخر فيتحمل الضرر الأخف ولا يرتكب الأشد.
... ويمكن أن يعبر عنه بأسلوب آخر وهو: أن من ابتلي ببليتين وهما متساويتان يأخذ بأيتهما شاء، وإن اختلفتا يختار أهونهما، لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة.
(6) يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام. ...
... إذا اجتمع في أمر من الأمور ضرران أحدهما عام والآخر خاص، فإنه يجوز ارتكاب الضرر الخاص، بل يحمل عليه الإنسان في بعض الصور وذلك لدفع الضرر العام على الناس لأن الضرر الخاص أهون من الضرر العام (4) .
الثاني: الاعتبار الشرعي للمصلحة المرسلة:
... إن المصالح والمفاسد التي تعتبر مقياساً للأمر والنهي في الشرع الإسلامي هي التي تتفق أو تتنافى مع مقاصد الشريعة.
... أول مقاصد الشريعة صيانة الأركان الخمسة الضرورية للحياة البشرية وهي:(4/150)
1 الدين ... 2 والنفس ... 3 والعقل ... 4 والنسل ... 5 والمال
... وقد قسم الفقهاء رحمهم الله الأمور التي تعد من المصالح بالنظر الشرعي، بحسب دلائل نصوص الشريعة وأحكامها إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الضروريات: وهي الأمور التي تتوقف عليها صيانة الأركان الخمسة من أعمال وتصرفات وتدابير وأشياء وما إليها.
الثاني: الحاجيات: وهي الأعمال والتصرفات التي لا تتوقف عليها صيانة تلك الأركان الخمسة، ولكنها تتطلبها الحاجة لأجل التوسعة ورفع الحرج.
الثالث: التكميليات أو الكماليات أو التحسينات: وهي التي لا تتحرج الحياة بتركها ولكن مراعاتها من مكارم الأخلاق، أو من محاسن العادات، فهي من قبيل استكمال ما يليق والتنزه عما لا يليق.
... وعلى هذا فالأحكام التي شرعت لصيانة الأركان الضرورية هي أهم الأحكام وأحقها بالمراعاة، وتليها الأحكام المشروعة لضمان الحاجيات، ثم الأحكام المشروعة للتحسين والتكميل.
... ولا يراعى حكم تحسيني إذا كان في مراعاته إخلال بما هو ضروري أو حاجي ولا يراعى حكم حاجي إذا كانت مراعاته تخل بالضروري، لأن الفرع لا يراعى إذا كان في مراعاته والمحافظة عليه تفريط في الأصل.
... هذه هي الأسس التي يعتبرها الشرع الإسلامي في وزن المصالح المرسلة أنواعاً ودرجات، وهي ترسم مقاصد الشريعة كما تدل عليه دلائل نصوصها في شتى الموضوعات والقضايا والأحكام.
فكل ما يؤيد هذه المقاصد الشرعية ويساعد على تحقيقها فهو مصلحة مطلوبة طلباً قوياً أو ضعيفاً بحسب موقعها من تلك الأقسام الكلية الثلاثة، وكل ما ينافيها فهو مفسدة ممنوعة منعاً شديداً أو ضعيفاً بحسب نوع المقصد الشرعي الذي تخل به.(4/151)
.. ومن المسلم أن كل أمر من الأمور فيه جهة نفع وجهة ضرر متعادلتان أو متفاوتتان. فإذا كانت جهة النفع في الشيء هي الغالبة فهو مصلحة، وإن اشتمل على ضرر مغلوب، وإن كانت جهة الضرر هي الغالبة فهو مفسدة، وإن اشتمل على نفع مغلوب، ولذا كان الفعل ذو الوجهين منسوباً إلى الجهة الراجحة فيه من مصلحة أو مفسدة.
... وعلى هذا فكل شئ أو فعل إنما يكون مشروعاً أو ممنوعاً بحسب رجحان نفعه أو رجحان ضرره، وتقدير ذلك إلى نظر المجتهد.
... ومن المقرر في هذه الحال أن الجهة المرجوحة المغلوبة من نفع أو ضرر غير مقصودة للشارع في أوامره ونواهيه، بل هي متغاضى عنها في سبيل الجهة الراجحة.
... ومن المقرر أيضاً أن المصالح التي يعتبرها الشرع ويرعاها لا عبرة بكونها موافقة لأهواء المكلفين وشهواتهم أو مخالفة، وإنما هي ما يقيم شأن الدنيا على أن تكون جسراً للآخرة فتبني حياة صالحة فاضلة متعاونة على الخير والبر (1) .
... وقد أوضح الإمام الشاطبي هذا المعنى وقال: "وهذا النظر كله أساسه كون المصالح مشروعة لإقامة هذه الدنيا لا لنيل الشهوات ولا لإجابة داعي الهوى" (2) .
الثالث: اعتبار المقاصد الشرعية في الأحكام:
... لكل حكم من الأحكام الدينية مقصد يهدف إلى تحقيقه في حياة الناس، وبتحققه في الواقع تتحقق للإنسان منفعة، أو تدرأ عنه مفسدة، راجعة إلى الأصول الخمسة التي تقدم ذكرها قبل قليل.
... والرابطة بين الحكم وبين مقصده هي: رابطة تلازم على مستوى التجريد.(4/152)
.. إلا أن مقاصد الأحكام وإن كانت لازمة لها في ذاتها لزوماً منطقياً مجرداً، فإن وقوع الأحكام على عين الأفعال في الواقع لا يلازمه بالضرورة المطردة حصول المقاصد منها، لأن أفعال الإنسان العينية في واقعها الزمني قد تحف بها ملابسات وأعراض تحول دون تحقيقها للمقاصد من الأحكام التي أجريت عليها فتطبق حينئذ الأحكام على مجريات الأحداث وتتخلف المقاصد التي من أجلها وضعت.
... ولذلك فإن اعتبار المقاصد في الأحكام لا يكفي فيه الاجتهاد النظري، الذي يهدف إلى الكشف عن مقاصد الأحكام في منطقيتها التجريدية، بل لابد من مرحلة اجتهادية ثانية عند صياغة الأحكام، وهي المرحلة التي يتم فيها اعتبار المقاصد في الأحكام، من حيث حصولها في الواقع، عندما تطبق تلك الأحكام على مشخصات الأحداث، فيكون رجحان الظن بحصولها أو تخلفها، ميزاناً في صياغة الأحكام، اعتماداً لما يرجح الظن بتحقيقه مقصده في الواقع من الأحكام، وعدولاً عما يرجح الظن أنه لا يحقق مقصده لأعراض تلم بالواقعة المراد إجراء الأحكام عليها (1) .
الرابع: اعتبار مآلات الأحكام:
... إن من أهم الأسس التي يجب اعتبارها عند التصدي لاستحداث حكم في نازلة عصرية اعتبار مآلات هذا الحكم في الواقع، فإن بعض الأحكام قد لا تكون مؤدية إلى الغايات التي وضعت لها.
... فلا يكفي اعتبار المطابقة بين الحكم وبين الفعل من حيث جنسه، بل لابد من النظر في الواقع وتقويم الفعل بناء على الخصائص الظرفية له، فقد يفضي ذلك الاعتبار إلى العدول عن الحكم الأصلي إلى حكم غيره تقتضيه خصوصيات الواقع وهذا ينبني على علم دقيق بأسباب التفاعل بين مجريات الأحداث في الواقع الذي يراد علاجه، بحيث يعرف بتلك الأسباب ما ينتج عن تطبيق حكم من آثار صالحة أو ضارة، وعلى هذا الأساس يقع إقرار ذلك الحكم أو العدول عنه إلى غيره بحيث ما يغلب على الظن أن تتحقق به المصلحة تدرأ به المفسدة.(4/153)
.. ويمكن التمثيل لهذا المدخل من باب الإيضاح بمسألة الملكية الفردية، فمثلاً: الحكم بإطلاق الإباحة في الملكية الفردية من شأنه أن يكون دافعاً إلى غزارة الإنتاج الذي يزدهر به الجانب الاقتصادي في حياة الأمة، ولكن في الظرف الذي تصير فيه الحاجات الضرورية للكافة غير مكفولة، بسبب قحط أو حرب أو غيرها، فإن هذا الحكم بإطلاق الإباحة في الملكية الفردية قد يفضي إلى ضرر اجتماعي كبير بتفاقم الحاجات الضرورية، وما يؤدي إليه ذلك من اضطراب اجتماعي، قد يكون مدمراً لوحدة الأمة، ففي هذا الظرف يعدل عن الحكم بإطلاق الإباحة في الملكية الفردية إلى الحكم بتقييدها بما يدرأ المفسدة الاجتماعية.
... يقول الشاطبي في شرح مراعاة مآلات الأفعال: "إن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظرة إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعاً لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه، أو لمصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك. فإن أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة، أو تزيد عليها فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية، ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للاجتهاد صعب المورد" (1) .
صياغة الحكم الفقهي:
... بناء على ما تقدم من تصور طبي لهذه النازلة، وبعد استجلاء لطرق الإرشاد الجيني ووسائله الطبية، وتأسيساً على ما ذكرناه من المداخل الشرعية اللازمة لمعالجة هذه النازلة من خلال القواعد الفقهية والاعتبار الشرعي للمصلحة المرسلة، وباعتبار المقاصد الشرعية في الأحكام، واعتبار مآلات الأحكام أيضاً.(4/154)
.. فإنه يمكننا الخروج بالأحكام الفقهية التالية:
... لايمكن القول بإعطاء حكم مطلق للإرشاد الجيني، لأن طرقه متعددة ووسائل هذه الطرق مختلفة، وتستجد كلما تقدم الطب، فلابد أن تعطى كل طريقة من طرق الإرشاد الجيني حكماً مستقلاً بها وبوسائلها.
أحكم المسح الوراثي الوقائي:
... بما أن هذه الطريقة تهدف إلى تقليل الأمراض الوراثية وتساعد الأطباء على وضع البرامج الوقائية لحماية الإنسان وابتكار الأدوية، كما تساعد في دفع الضرر قبل وقوعه.
... فإن المصلحة المرسلة ومقاصد الشريعة وقواعد الشرع المطهر تجيز هذا النوع بشرط أن تكون الوسائل المستعملة مباحة آمنة لا تضر بالإنسان، ويجب الإجبار على هذه الطريقة إذا انتشر الوباء في بلد معين، أو إذا أمر به الإمام بدافع المصلحة وبصرف النظر عن الضرر الخاص الواقع على الأفراد تحقيقاً لمصلحة دفع الضرر العام، مع وجوب المحافظة على نتائج هذا المسح حماية لأسرار الإنسان الخاصة، وحفاظاً على سمعته التي أمر الشرع بالمحافظة عليها والذب عنها.
... ولا تسعف الأدلة الشرعية بالقول بوجوب هذا المسح على الجميع، فإن المفاسد المترتبة على القول بوجوبه أعظم من المصالح المرجوة منه.
ب حكم الإرشاد الجيني قبل الزواج:
... استناداً للفوائد المترتبة على هذه الوسيلة، وبناء على ما فيها من دفع للضرر قبل وقوعه، ولتحقيقها للمقاصد الشرعية في الأحكام من صيانة النفس والنسل، فإن عمل هذا الفحص جائز، مع اشتراط الوسيلة المباحة الآمنة، ويجب في الحالات التالية:
... 1 إذا انتشر الوباء في مجتمع معين أو مجموعة عرقية معينة.
... 2 إذا ألزم به ولي الأمر فإن طاعته واجبة في هذا المعروف لأنه تصرف منوط بالمصلحة، ويتحمل الضرر الحاصل فيه لأنه من قبيل تحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام.(4/155)
.. والقول بوجوبه مطلقاً بعيد لأن فيه إيجاب حق لم يأت الشرع به ولم يدل عليه، وفيه حرج على المكلفين نفسياً ومالياً ويترتب على القول بوجوبه مطلقاً مفاسد ربما أدت إلى إحجام الشباب عن الزواج، وحيث أن هذا الفحص لا يبحث سوى مرض واحد أو اثنين ونتائجه ليست متحققة في الواقع بشكل كامل، وربما تخطئ وتصيب، وقد يحدث المرض الوراثي بعوامل أخرى تقدمت الإشارة إليها في التصور الطبي.
... وإذا قلنا بالوجوب المطلق فإن هذا الحكم ستكون مآلاته على خلاف ما قصد منه، فإنه بالنظر في الواقع إذا وزن القول بالوجوب المطلق بميزان المصالح والمفاسد يظهر لنا كثيراً من المفاسد التي ستنشأ عن تطبيق هذا الحكم، الأمر الذي يخالف مقصود الأصل الذي يسعى إليه المجتهد.
ج حكم التشخيص قبل زرع النطفة:
... هي إحدى طرق التلقيح الاصطناعي الخارجي (الإخصاب المعملي) حيث يتم الإخصاب في وسط معملي يؤخذ فيه الماءان من زوج وزوجته فتوضع في أنبوب اختبار طبي حتى تلقح نطفة الزوج بويضة زوجته إلى أن تنمو مرحلة (النوتة) ثم تفحص وراثياً، فإن كانت معيبة تركت وإن كانت سليمة أعيدت إلى الرحم.
... وهذه الطريقة هي في الواقع أسلوب من أساليب طفل الأنابيب، وقد سبق أن أجاب الفقهاء رحمهم الله بجوازه للضرورة، حيث أن هذه الطريقة محفوفة بالمخاطر منها: الاحتمال الكبير بحدوث الخطأ في اختلاط النطف. ومنها: خطر طلب الانتقاء في المواليد.
... وعليه نرى عدم جواز هذه الطريقة من الإرشاد الجيني في الأحوال العادية حفاظاً على مقاصد الشريعة في صيانة النسل والنسب، ولأنها لا تجوز إلا للضرورة، ولا نرى الفحوص الوراثية من الضرورات على الأقل في هذا الوقت بناء على ما تقدم من تصور طبي لفوائدها ومحاذيرها ومصداقية نتائجها، ثم إنه قد يسلم الإنسان من المرض الوراثي بسبب الوراثة ولا يسلم منه لعوامل أخرى تقدم ذكرها، لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.(4/156)
د حكم الفحص في أثناء الحمل:
... لهذه الطريقة وسائل طبية متنوعة، ويمكن إجراؤها في مراحل مختلفة من الحمل، في أوله، ووسطه، وآخره، والذي وقفت عليه من الوسائل ثلاث وهي:
... 1 بواسطة الزغبات المشيمية.
... 2 بواسطة إزالة السائل الأمينوسي وفحصه.
... 3 بواسطة فحص دم الجنين.
... ولا يختلف الحكم في هذه الوسائل بحكم أن مؤداها واحد في نظري، فأرى جوازها بناء على ما تحققه من محافظة على مقاصد الشريعة بصيانة النسل، ولما فيها من دفع الضرر قبل وقوعه، وللمصلحة المترتبة.
... أما إجبار المرأة الحامل على هذا الفحص فيمكن القول بجواز الإجبار في جميع الحالات إذا وجدت قرائن ظنية، أو أمارات تفيد احتمال وجود المرض الوراثي (مثل حمل المرأة إذا تعدت سن 35 للفحص عن متلازمة داون) ، وكان ذلك بقول أهل الطب والخبرة الثقات، فإذا ظهر صحة ذلك وتحقق وجود المرض قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات، وبناء على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية أن الجنين مريضاً مرضاً خطيراً غير قابل للعلاج وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلاماً عليه وعلى أهله فعندئذ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين.
... وإذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوماً لا يجوز إسقاطه إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه دفعا لأعظم الضررين (1) .
• • •
خاتمة البحث:(4/157)
.. وهكذا فبالموازنة الشرعية السابقة بين المصالح والمفاسد الناتجة من إجراء الفحوصات الجينية ظهر لي عدم جواز إلزام المكلفين مالياً ونفسياً واجتماعياً بهذه الفحوصات التي لازالت في حيز التجربة الظنية، ويترتب عليها من المشاكل الاجتماعية والمالية والنفسية أعظم مما يمكن توقع حصوله من الفائدة، ولو أردنا السعي وراء المكتشفات والتوقعات الطبية من غير تَرَوٍّ وتبصرٍ لأدخلنا الناس في حرج عظيم، وفتحنا عليهم مجالاً كبيراً لإهدار الوقت والمال والعقل، فأرى الاكتفاء بجواز الاستفادة من هذه الفحوصات ضمن الحدود المتقدمة في هذا البحث إلى أن يظهر أمر جديد في هذه النازلة فيحدث له حكم بحدوثها.
... هذا وإن هذه النازلة الفقهية لا تزال بحاجة إلى المزيد من الدراسات والبحوث ومتابعة المعطيات الطبية المستجدة في مجال طرق الإرشاد ووسائله حتى نصل للحكم الشرعي الصحيح المتفق مع الأدلة الشرعية، وأرجو أن أكون وفقت في تقديم ما يخدم هذا الاتجاه في الندوة.
... على أن ما قدمته من رأي لا يعد نتيجة نهائية أو حكماً فصلاً، بل هو قول قابل للنقاش والأخذ والرد والرجوع عنه إن وجد الأقوى منه، والمبني على الدليل الشرعي.
... وختاماً.. ما أصبت فيه فمن الله هو المان وحده، وما أخطأت فيه فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
... والله أعلم وأحكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحواشي والتعليقات
(1) ... المدخل الفقهي العام، مصطفى أحمد الزرقا، الطبعة العاشرة، (دمشق: مطبعة طربين، عام 1387) . 2/924.
(2) ... انظر: فقه التدين فهماً وتنزيلاً، د. عبد المجيد النجار، الطبعة الأولى، كتاب الأمة، (قطر: مطابع مؤسسة الخليج للنشر والطباعة، محرم 1410) ، 2/83-89 بتصرف.(4/158)
(3) ... قد استقيت معظم التصور الطبي من بحث نظرة فاحصة للفحوصات الطبية الجينية (الفحص قبل الزواج والاستشارات الوراثية) للدكتور محمد علي البار، وبحث (الكائنات وهندسة المورثات) للدكتور صالح عبد العزيز كريم. فأغنت الإشارة هنا عن تكرار الإحالة.
(4) ... انظر: بحث (الوراثة والهندسة الوراثية والجينيوم البشري والعلاج الجيني رؤية إسلامية) ، أ. د/ محمد رأفت عثمان ص 2-3.
(5) ... انظر: بحث (الاستنساخ والإنجاب بين تجريب العلماء وتشريع السماء) د. كارم السيد غنيم، ص 21.
(6) ... انظر: بحث (الكائنات وهندسة المورثات) ، د. صالح عبد العزيز كريم ص 4.
(7) ... انظر: بحث (الجينيوم البشري) د. عمر الألفي، ص 2-3.
(8) ... انظر: بحث (الاسترشاد الوراثي وأهمية التوعية الوقائية ومحاذيره الطبية والأخلاقية) أ. د. محسن بن علي فارس الحازمي، ص 1.
(9) ... جملة هذه الطرق استفدتها من بحث (نظرة فاحصة للفحوصات الطبية الجينية) د. محمد البار، ص 9 – 17 وبحث (الاسترشاد الوراثي) أ. د. محسن علي فارس الحازمي ص 7 – 13.
(10) ... انظر: الطب الإسلامي (3) الوقاية في الإسلام، (المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، السلسلة الثقافية، دولة الكويت) ، 1/116-126 بتصرف.
(11) ... انظر: بحث (نظرة فاحصة للفحوصات الطبية الجينية) ، د. محمد البار ص 10-11 بتصرف.
(12) ... انظر: المصدر السابق ص 19-20.
(13) ... انظر: المصدر السابق.
(14) ... انظر: بحث (الاسترشاد الوراثي: أهمية التوعية الوقائية ومحاذيره الطبية والأخلاقية) ، د. الحازمي ص 18.
(15) ... انظر: بحث (نظرة فاحصة للفحوصات الطبية الجينية) ، د. محمد علي البار ص 19-20 بتصرف.
(16) انظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ضوابطه وتطبيقاته، د. صالح بن عبد الله بن حميد، (الطبعة الأولى، جامعة أم القرى، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي عام 1403هـ) ص4849.(4/159)
(17) انظر: الأشباه والنظائر في الفروع، جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) وبهامشه كتاب المواهب السنية للعلامة الفاضل المحقق عبد الله بن سليمان الجوهري الشافعي. شرح الفوائد البهية نظم القواعد الفقهية للعلامة المحقق السيد أبي بكر الأهدل اليمني الشافعي، الطبعة (بدون) ، (مصر: المكتبة التجارية، مطبعة مصطفى محمد، التاريخ (بدون)) ص79. وشرح المجلة، سليم رستم باز اللبناني، الطبعة الثالثة (بيروت: دار الكتب العلمية) ، مجلد 1 مادة 30. والمدخل الفقهي العام، فقرة 594. شرح الكوكب المنير المسمَّى بمختصر التحرير، الشيخ ابن النجار (ت 972هـ) تحقيق د. محمَّد الزحيلي، ود. نزيه حمَّاد، الطبعة الأولى، (المملكة العربية السعودية، جامعة أم القرى، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، عام 1408هـ/1987م) ج4، ص: 447/448. الموافقات في أصول الشريعة، إبراهيم موسى بن محمد الشاطبي (ت 790 هـ) ، تعليق الشيخ: عبد الله دراز، (بيروت: دار المعرفة، عام (بدون) ، ج2، ص: 220.
(18) ... قواعد الأحكام في مصالح الأنام، عبد العزيز بن عبد السلام السلمي (ت 660 هـ) ، الطبعة الثانية راجعه: طه عبد الرؤوف سعد، (بيروت: دار الجيل، عام 1400) .
(19) ... انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 123.(4/160)
(20) ... انظر: المحصول في علم الأصول، لفخر الدين الرَّازي (ت606هـ) دراسة وتحقيق د. طه جابر فيَّاض العلواني، الطبعة الأولى، (الرياض: جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية، عام 1399هـ/1979م) ، ج2 ف3 ص146،242. جمع الجوامع، لتاج الدين السبكي (ت 771هـ) مطبوع مع حاشية البناني على شرح شمس الدين المحلي الطبعة الثانية، (مصر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، عام 1356هـ/1937م) ج2 ص356. الأشباه والنظائر، ابن نجيم الحنفي (ت970هـ) وبهامشه نزهة النواظر على الأشباه والنظائر، ابن عابدين (ت1252هـ) ، تحقيق وتقديم: محمد مطيع الحافظ، الطبعة الأولى، (دمشق: دار الفكر، عام 1403هـ = 1983م) ص 98، والأشباه والنظائر للسيوطي ص78.
(21) ... انظر: المحصول 2/3/146. جمع الجوامع 2/356. الأشباه والنظائر لابن نجيم 95. الأشباه والنظائر للسيوطي ص84. شرح المجلة: ج 1 مادة 26، المدخل الفقهي العام فقرة 593.
(22) ... انظر: المحصول 2/3/220،224. المستصفى في علم أصول الفقه، لأبي حامد الغزالي (505هـ) ، الطبعة الأولى (مصر: المطبعة الأميرية ببولاق عام 1322هـ) 1/184. مختصر ابن الحاجب
(ت 646هـ) ومعه شرح العضد عليه وحاشيتا التفتازاني والشريف الجرجاني على الشرح المذكور، الطبعة (بدون) (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1393هـ/1973م) ج2 ص289. شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول لشهاب الدين القرافي (ت 684هـ) تحقيق عبد الرؤوف سعد، الطبعة الأولى (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1393هـ/1973م) ص446. وقواعد الأحكام، للعز بن عبد السلام 1/5. نهاية السول شرح منهاج الأصول، لجمال الدين الأسنوي (ت772هـ) الطبعة الأولى (القاهرة: مطبعة محمد علي صبيح، التاريخ بدون) 3/164. تيسير التحرير شرح كتاب التحرير، لابن بادشاه (ت987) الطبعة الأولى (القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي سنة 1350) 4/171.(4/161)
(23) ... الموافقات في أصول الشريعة، 4/127-128.
(24) ... انظر: فقه التدين فهماً وتنزيلاً 2/95-96. والبحث في تحقيق مقاصد الشريعة ينظر: المحصول 2/3/133. الموافقات للشاطبي 2/3. نهاية السول 3/152.
(25) الموافقات 4/127-128.
(26) ... انظر: قرارات المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، الدورة الثانية عشرة، عام 1410، ص 328.
المصادر والمراجع
الاسترشاد الوراثي: أهمية التوعية الوقائية ومحاذيره الطبية والأخلاقية، أ. د. محسن بن علي فارس الحازمي. بحث مقدم لندوة “ الوراثة والهندسة الوراثية والجينيوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية ” 13-15 أكتوبر 1998 م.
الاستصلاح والمصالح المرسلة في الشريعة، مصطفى الزرقاء، الطبعة الأولى، دمشق: دار القلم، عام 1408هـ.
الأشباه والنظائر، زين الدين بن إبراهيم بن نجيم الحنفي (ت970هـ) ، وبحاشيته: نزهة النواظر على الأشباه والنظائر، للعلامة خاتمة المحققين محمد أمين بن عمر المعروف بابن عابدين (ت 1252 هـ) تحقيق وتقديم: محمد مطيع الحافظ، الطبعة الأولى، دمشق: دار الفكر، عام 1403هـ = 1983 م.
الأشباه والنظائر في الفروع، جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) وبهامشه كتاب المواهب السنية للعلامة الفاضل المحقق عبد الله بن سليمان الجوهري الشافعي، شرح الفوائد البهية نظم القواعد الفقهية للعلامة المحقق السيد أبي بكر الأهدل اليمني الشافعي، الطبعة (بدون) ، مصر: المكتبة التجارية، مطبعة مصطفى محمد، التاريخ (بدون) .
بحث الاستنساخ والإنجاب بين تجريب العلماء وتشريع السماء، د. كارم السيد غنيم.
تيسير التحرير، شرح كتاب التحرير، محمد أمين المعروف بأمير بادشاه الحنفي (ت987هـ) 4ج، الطبعة الأولى، القاهرة: مصطفى البابي الحلبي سنة 1350هـ.(4/162)
جمع الجوامع، تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771هـ) ، مطبوع مع حاشية البناني على شرح المحلى عليه، 2ج، الطبعة الثانية، مصر: مصطفى البابي الحلبي سنة 1356هـ/1937م.
الجينوم البشري، د. عمر الألفي. بحث مقدم لندوة “ الوراثة والهندسة الوراثية والجينيوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية ” 13-15 أكتوبر 1998 م.
رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ضوابطه وتطبيقاته، د. صالح بن عبد الله بن حميد، الطبعة ألأولى، جامعة أم القرى: مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي عام 1403هـ.
شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (ت684هـ) تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، الطبعة الأولى (القاهرة: طبعة مكتبة الكليات الأزهرية ودار الفكر سنة 1393هـ/1973م.
شرح الكوكب المنير، المسمى بمختصر التحرير في أصول الفقه، محمد بن أحمد بن عبد العزيز علي الفتوحي الحنبلي، المعروف بابن النجار (ت972هـ) تحقيق: د. محمد الزحيلي، ود. نزيه حمَّاد، 4ج، الطبعة الأولى، مكة: جامعة أم القرى 1408هـ/1987م.
شرح المجلة، سليم رستم باز (ت1338هـ) 2 ج، الطبعة الثالثة، بيروت: دار الكتب لعلمية، عام 1305 هـ.
الطب الإسلامي (3) ، الوقاية في الإسلام، الجزء الأول، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، السلسلة الثقافية، دولة الكويت.
فقه التدين فهماً وتنزيلاً، 2 ج، د. عبد المجيد النجار، الطبعة الأولى، قطر: مطابع مؤسسة الخليج للنشر والطباعة، محرم 1410 هـ، كتاب الأمة.
قرارات المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، الدورة الثانية عشرة، عام 1410هـ.
قواعد الأحكام في مصالح الأنام، عبد العزيز بن عبد السلام السلمي (ت660هـ) ، الطبعة الثانية، راجعه: طه عبد الرؤوف سعد، بيروت: دار الجيل، عام 1400هـ.(4/163)
الكائنات وهندسة المورِّثات، د. صالح عبد العزيز كريم. بحث مقدم لندوة “ الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية ” 13-15 أكتوبر 1998م.
المدخل الفقهي العام، مصطفى أحمد الزرقاء، الطبعة العاشرة، دمشق: مطبعة طربين، عام 1387هـ.
المحصول في علم الأصول، فخر الدين الرَّازي (ت606هـ) تحقيق د. طه جابر فيَّاض العلواني، 6ج، الطبعة الأولى، الرياض: جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية، عام 1399هـ/1979م.
مختصر ابن الحاجب، مختصر المنتهى، جمال الدين عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب (ت646هـ) ، ومعه شرح العضد عليه وحاشيتا التفتازاني والشريف الجرجاني على الشرح المذكور، 2ج، الطبعة (بدون) القاهرة: طبعة مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1393هـ/1973م.
المستصفى في علم أصول الفقه، 2ج، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (505هـ) ، الطبعة الأولى، بولاق: المطبعة الأميرية عام 1322هـ.
الموافقات في أصول الشريعة، إبراهيم موسى بن محمد الشاطبي (ت 790 هـ) ، تعليق: الشيخ عبد الله دراز، 4 ج، بيروت: دار المعرفة، عام (بدون) .
نظرة فاحصة للفحوصات الطبية الجينية (الفحص قبل الزواج والاستشارة الوراثية) ، د. محمد علي البار، بحث مقدم لندوة “ الوراثة والهندسة الوراثية والجينيوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية ” 13-15 أكتوبر 1998 م.
نظرة فقهية في الأمراض التي يجب أن يكون الاختبار الوراثي فيها إجباريا كما ترى بعض الهيئات الطبية، أ. د. محمد رأفت عثمان، بحث مقدم لندوة “ الوراثة والهندسة الوراثية والجينيوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية ” 13-15 أكتوبر 1998م.(4/164)
العَقْلُ عند الأصوليين
عَرْضُُ ودراسة
د. علي بن سعد الضويحي
أستاذ أصول الفقه المشارك - بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء
فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ملخص البحث
- يتكون البحث من: مقدمة، وأحد عشر مبحثاً، وخاتمة.
- أهم مستخلصات البحث ما يلي:
1 - العقل في اللغة يطلق على معان متعددة من أهمها:
الحِجْر، الجَمْع، الْحَبْس، التَثبت في الأمور، التميُّز، الفَهْم، المَسْك، الملْجَأ.
2 - أرجح تعريفات العقل في الاصطلاح أنه: نور في الصدر به يبصر القلب عند النظر في الحجج.
3 - أرجح الأقوال في محل العقل أنه القلب لدلالة ظواهر الآيات القرآنية الكريمة على ذلك، ومع كونه في القلب فإن نوره يفيض إلى الدماغ.
4 - للخلاف في محل العقل ثمرة عملية تظهر في بعض المسائل الفقهية.
5 - الراجح من قولي الأصوليين تفاوت العقول لدى الناس لدلالة الشرع على ذلك، ولما يُشاهَد من اختلافهم في المدارك.
6 - المعتزلة يُقرِّون بإدراك العقل لحُسْن الأشياء وقبحها، ويرتبون على ذلك الثواب والعقاب.
7 - الأشاعرة ينكرون استقلال العقل بإدراك حُسْن الأشياء وقبحها.
8 - الظاهرية يثبتون حجج العقول رغم إنكارهم القياس.
9 - الشيعة قد وافقوا المعتزلة في ترتيب الثواب والعقاب على مدركات العقل.
10 - العقل عند علماء السلف يحسِّن ويقبِّح، والثواب والعقاب عندهم شرعيان لا عقليان.
المقدمة:
الحمد لله الذي كرَّم الإنسان بالعقل، والصلاة والسلام على نبي الرحمة والعدل، وعلى آله وأصحابه أهل العلم والفضل، أما بعد:
... فإنّ للعقل في الإسلام رتبةً سنيَّة ومكانة عليَّة، مَن تتبَّع نصوص الكتاب والسنّة وجد – ولله الحمد والمنَّة – برهان ذلك لائحاً ودليله واضحاً، فقد تجلَّى تكريم الإسلام لعقل الإنسان في صور عديدة، منها على سبيل التمثيل والبيان ما يلي:(4/165)
أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العقل مناط التكليف، كما أشار إلى ذلك بقوله: (رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ الحنث (1) وعن المجنون حتى يفيق) (2) .
أن الحق تبارك وتعالى جعله وسيلة التدبر والتفكر لما في هذا الكون من بديع الخلق وإتقان الصُّنْع، وليس أدلَّ على ذلك من قوله سبحانه: (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) . (3) وقوله سبحانه: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) (4) .
كما جعل الحق تبارك وتعالى العقل وسيلة التدبر لكتابه الكريم، فقال سبحانه: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) (5) .
وقال سبحانه: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (6) .
وكثيراً ما يختم الحق تبارك وتعالى آيات ذِكْره الحكيم بقوله: (أفلا تعقلون) (7) . ليبين سبحانه لعباده أنهم لو وظفوا عقولهم التوظيف الصحيح بالتفكر في حالهم ومآلهم لأرشدتهم عقولهم بتوفيق الله تبارك وتعالى إلى معرفة الحق وسلوك الطريق المستقيم.
5- ولحماية العقل من الانحسار والجمود فقد نعى القرآن الكريم على أولئك المقَلّدين بلا هُدى تعطيل عقولهم تقديساً لما جرت عليه عادات الآباء والعشائر والأقوام، ومن ذلك قوله سبحانه: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) (8) .
وقوله سبحانه: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون) (9) .(4/166)
ولعظم مكانة العقل في الإسلام فقد رأيت أن أكتب بحثاً في " العقل عند الأصوليين " أستعرض فيه مواقفهم من بيان حقيقته حسب الاصطلاح المتعارف عليه عندهم، ثم موقفهم من تحديد مكانه، وهل هو على وتيرة واحدة أو أنه يختلف من إنسان لآخر نظراً لقوة إدراكه وضعفه؟ ثم موقفهم من كونه محلاً للاعتبار، وسِمَات ذلك عندهم، ثم هل القياس وحجة العقل متفقان أو مختلفان؟ وختام ذلك كله ببيان خلاصةٍ لدراسة مواقف الأصوليين من العقل.
أسباب اختيار الموضوع:
أهمية العقل، وعظم مكانته في الشريعة الإسلامية.
كون العقل مناط التكليف، وإذا كان التكليف المتوقّف على العقل محل اهتمام الأصوليين، فكذلك العقل الذي هو مُتَعَلَّق التكليف يجب أن يكون محل الاهتمام.
الوقوف على أهم سمات العقل عند كل فريق من الأصوليين لدراستها والحكم عليها في ضوء البحث العلمي المتجرد.
الدراسات السابقة في الموضوع:
... لم أجد في كتب أصول الفقه القديمة ما يشفي العليل، أو يروي الغليل من دراسات حول هذا الموضوع الذي هو في غاية من الأهمية، وكل ما رأيته في هذه الكتب إنما هو محصور في تعريف " العقل "، والخلاف في محله، وفي تفاوت الناس فيه، وكذلك ذكرهم له على أنه شَرْط من شروط التكليف، وشَرْط لقبول رواية الراوي.
وأما الدراسات الحديثة للعقل فقد اطلعتُ منها على الكتب الآتية:
كتاب (بنية العقل العربي) لسعادة الدكتور محمد عابد الجابري، وهو كتاب يقع في (599) صفحة من القطع الكبير، نشره مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، وقد طُبع أربع طبعات آخرها عام 1992م.(4/167)
وتحدث مؤلفه – وفقه الله تعالى – في القسم الأول منه عن البيان، ومما ذكره تحت هذا القسم: نظام الخطاب ونظام العقل، والعقل والوجود ومشكلة الكليات. ثم تحدث في القسم الثاني عن العرفان، وعن الحقيقة بين التأويل والشطح، وعن المماثلة، وعن النبوة والولاية. ثم تحدث في القسم الثالث عن البرهان وتطرق فيه إلى المعقولات والألفاظ، والواجب والممكن، والنفس والمعاد. ثم تحدث في القسم الرابع عن تفكك النظم ومشروع إعادة التأسيس، وختمه بخاتمة عامة تحت عنوان: " من أجل عصر تدوين جديد ".
وأصل هذا الكتاب أنه امتداد لدراسة سابقة أعدها المؤلف نفسه في كتاب أسماه:
" تكوين العقل العربي "، وقد نشرته دار الطليعة ببيروت عام 1984م، والحديث في هذا الكتاب يدور حول مكَوّنات العقل العربي وهي النظم المعرفية الثلاثة المسماة بالبيان والعرفان والبرهان.
وقد جعل المؤلف هذه الدراسة اللاحقة بمثابة التحليل لتلك النظم المعرفية الثلاثة وفَحْص آلياتها ومفاهيمها ورؤاها وعلاقة بعضها ببعض مما يشكل البنية الداخلية للعقل العربي كما جاء ذلك في مقدمة كتابه.
كتاب (العقل عند الأصوليين) لسعادة الدكتور عبد العظيم محمود الديب، وهو كتاب من القطع الصغير يقع في (78) صفحة، من منشورات دار الوفاء بالمنصورة الطبعة الأولى عام 1415هـ، وقد تحدث فيه مؤلفه – وفقه الله تعالى – عن الأصوليين والأدلة، وذكر أن الذين عّدوا العقل دليلاً مستقلاً بين الأدلة هم الغزالي، وابن قدامة، والشريف التلمساني رحمهم الله تعالى، ثم تحدث عن العقل عند المعتزلة وبيَّن حقيقة رأيهم في ذلك، كما تحدث عن الشيعة وقضية العقل، ثم ختم كتابه بذكر مجال العقل وأنه آلة النظر ووسيلة التدبر في الأدلة لاستنباط الأحكام منها.مع ملاحظة أنه لم يتطرق في بداية حديثه إلى تعريف العقل في اللغة والاصطلاح.(4/168)
كتاب (العقل عند الشيعة الإمامية) لسعادة الدكتور رشدي محمد عليان، وهو كتاب مطبوع بمطبعة دار السلام في بغداد عام 1393هـ الطبعة الأولى، والكتاب من القطع الكبير ويقع في (486) صفحة، وأصله رسالة دكتوراه نوقشت بتاريخ 29/8/1971م في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر. وقد تطرق المؤلف في هذا الكتاب إلى تعريف العقل في اللغة وعند العلماء والحكماء، وإلى تقسيمات العقل ومدركاته، كما تطرق إلى مكانة العقل في الكتاب والسنة، وبيان مقامه عند المعتزلة والأشاعرة والشيعة، كما تطرق إلى مسألة الحُسن والقُبح، ومسألة الإجزاء بفعل المأمور به، ومسألة ما لا يتم الواجب إلا به، ومسألة الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده؟ ومسألة اجتماع الأمر والنهي ومسألة اقتضاء النهي الفساد.
ومن خلال هذا العرض لتلك الدراسات يتبّين بجلاء أن الدراسة الأولى بعيدة الصلة عن موضوع البحث، إذ أن تلك الدراسة قد عُنيت بنقد العقل العربي عن طريق النظرة التحليلية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، فهي دراسة نقدية من منظور ثقافي وليست دراسة تقعيدية من منظور أصولي.
وأما الدراستان الثانية والثالثة فلهما صلة بموضوع البحث من جهة بيان موقف المعتزلة والأشاعرة والشيعة من العقل
إلا أنه يلاحظ على تلك الدراستين خلوهما من الأمور الآتية:
الاعتناء بتفصيل أهم سمات العقل عند كل فرقة من الفرق الأصولية، مع دراسة تلك السمات لبيان ما لها وما عليها.
بيان اختلاف الأصوليين في محل العقل.
بيان اختلاف الأصوليين في تفاوت العقول.
بيان موقف أهل الظاهر من العقل.
بيان موقف علماء السلف من العقل.
بيان الفارق بين القياس وحجة العقل.
وبناء على ما تقدم فإن هذا البحث قد جاء مكملاً لسلسلة تلك الدراستين بإضافة هذه الأمور، لتكون هذه الدراسات بمجموعها محققة للفائدة الكبرى التي يتطلع القارىء إليها وتشتد رغبته فيها.
خطة البحث:(4/169)
بَحْثُ هذا الموضوع مكون من: مقدمة، وأحد عشر مبحثاً، وخاتمة.
المقدمة، وتشتمل على:
سبب اختيار الموضوع.
الدراسات السابقة في الموضوع.
خطة البحث.
منهج البحث.
المباحث، وهي ما يلي:
المبحث الأول: (حقيقة العقل في اللغة والاصطلاح) ، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: (حقيقة العقل في اللغة) .
المطلب الثاني: (حقيقة العقل في الاصطلاح) .
المطلب الثالث: (المناسبة بين الحقيقتين اللغوية والاصطلاحية للعقل) .
المبحث الثاني: (محل العقل) وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: (أقوال الأصوليين في ذلك) .
المطلب الثاني: (الأدلة والمناقشات) .
المطلب الثالث: (الترجيح وبيان سببه) .
المطلب الرابع: (ثمرة الخلاف في المسألة) .
المبحث الثالث: (تفاوت العقل) ، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: (أقوال الأصوليين في ذلك) .
المطلب الثاني: (الأدلة والمناقشات) .
المطلب الثالث: (الترجيح وبيان سببه) .
المطلب الرابع: (ثمرة الخلاف في المسألة) .
المبحث الرابع: (سبب الخلاف في تحكيم العقل) .
المبحث الخامس: (العقل عند المعتزلة) ، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: (استعراض موقفهم من العقل) .
المطلب الثاني: (دراسة ذلك الموقف) .
المبحث السادس: (العقل عند الأشاعرة) ، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: (استعراض موقفهم من العقل) .
المطلب الثاني: (دراسة ذلك الموقف) .
المبحث السابع: (العقل عند الظاهرية) ، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: (استعراض موقفهم من العقل) .
المطلب الثاني: (دراسة ذلك الموقف) .
المبحث الثامن: (العقل عند الشيعة) ، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: (استعراض موقفهم من العقل) .
المطلب الثاني: (دراسة ذلك الموقف) .
المبحث التاسع: (العقل عند السلف الصالح) ، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: (استعراض موقفهم من العقل) .
المطلب الثاني: (دراسة ذلك الموقف) .(4/170)
المبحث العاشر: (الفارق بين القياس وحجة العقل) .
المبحث الحادي العاشر: (خلاصة الدراسة لمواقف الأصوليين من العقل) .
الخاتمة: وستشتمل على أهم نتائج البحث.
منهج البحث:
سيتم معالجة الخطة – بمشيئة الله تعالى – حسب المنهج العلمي الآتي:
إيجاد المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي لما يراد تحديده من ألفاظ.
نقل آراء الأصوليين من واقع كتبهم مباشرة من غير وساطة.
التنبيه إلى ما ينبغي التنبيه عليه من عدم الدقة في نسبة الأقوال إلى أصحابها.
استعراض الأقوال في مسائل الخلاف، مع ذكر الأدلة والمناقشات الواردة عليها.
إيضاح وجه الاستدلال من الأدلة النقلية.
بيان القول الراجح، وذكر سبب ترجيحه.
الاعتناء بذكر ثمرة الخلاف في المسائل الخلافية.
ترجمة الأعلام غير المشهورين.
شَرْحُ الألفاظ الغامضة إن وجدت.
عَزْو الآيات القرآنية إلى مواضعها من السور في كتاب الله تعالى.
تخريج الأحاديث النبوية من كتب الحديث المعتمدة، مع بيان درجتها إن لم تكن من رواية البخاري ومسلم.
وضع فهرس لمراجع البحث مرتباً حسب الحروف الهجائية.
والله تعالى أسأل أن يمدني بعونه وتوفيقه لإنهاء هذا البحث على الوجه الذي يرضيه، وأن يجعله علماً نافعاً وعملاً صالحاً، وهو حسبي ونعم الوكيل.
المبحث الأول: حقيقة العقل في اللغة والاصطلاح والكلام في هذا المبحث ينحصر في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حقيقة العقل في اللغة
العقل في اللغة يطلق على معانٍ متعددة، سأكتفي منها بما يناسب هذا المقام:
1- الِحْجرُ والنُّهَى: ضِدُّ الحُمْق (1) .
2- الجَمْعُ، يقال: (رَجُلُُ عاَِقلُُ) ، أي: جامع لأمره ورأيه، مأخوذ من:
(عَقَلْتَ الْبَعِيْرَ) إذا: جَمَعْتَ قوائمه (2) .
3-الْحَبْسُ، مأخوذ من قولهم: (قد اعْتُقلَ لسانُهُ) إذا حُبِسَ ومُنِعَ الكلامَ (3) .(4/171)
4- التَّثَبُّتُ في الأمور، يقال: (إنسان عاقل) أي: مُتَثَبِّتُُ في أموره (1) .
5- التَّمَيُّزُ: وهو الذي يتميز به الإنسان من سائر الحيوان (2) .
6- الفَهْمُ، يقال: (عَقَلَ الّشْيء يَعْقِلهُ عَقْلاً) إذا فهمه (3) .
7- المَسْكُ، يقال: (عَقَلَ الدَّواءُ بطْنَهُ يَعْقُلهُ عَقْلاً) : أمسكه، وقيل: أمسكه بعد استطلاقه (4) .
8- الْمَلْجَأُ، يقال: (فُلان مَعْقِلُُ لقومه) أي: هو مَلْجَأ لهم (5) .
وهذه المعاني كلها مجتمعةً تدل على أن (العَقْل) في مفهوم العرب هو العاصم الذي يعصم الإنسان – بعد توفيق الله تبارك وتعالى وهدايته – من الطيش والحمق والتسرُّع في الأمور دون روِيَّةٍ وأناة، وذلك بما يضفيه عليه ذلك العقل من الوعي والإدراك الأمر الذي يقيه مخاطر الزلل والخطل.
المطلب الثاني: حقيقة العقل في الاصطلاح
... صرَّح بعض الأصوليين بأنه من الصعوبة بمكان بيان حقيقة (العقل) من الناحية الاصطلاحية، كما ذكر ذلك إمام الحرمين الجويني رحمه الله تعالى حين قال: (فإن قيل: فما العقل عندكم؟ قلنا: ليس الكلام فيه بالهيَن) (6) .(4/172)
ولعلَّ مَرْجع هذه الصعوبة اختلاف اصطلاحات العلماء في تحديد معناه، نظراً لكونه اسماً مشتركاً يُطلق على عدد من المعاني، وهذا ما ترجمه الغزالي رحمه الله تعالى بقوله: (وكذلك إذا قيل: "ماحَدُّ العقل؟ " فلا تطمع في أن تحدَّهُ بحدٍ واحد، فإنه هَوَس، لأن اسم العقل مشترك يطلق على عدة معانٍ، إذ يطلق على بعض العلوم الضرورية، ويطلق على الغريزة التي يتهيّأ بها الإنسان لدَرْك العلوم النظرية، ويطلق على العلوم المستفادة من التجربة حتى إنَّ مَنْ لم تحنّكه التجارب بهذا الاعتبار لا يُسمَّى عاقلاً، ويطلق على مَنْ له وقار وهيبة وسكينة في جلوسه وكلامه، وهو عبارة عن الهدوء فيقال: " فلان عاقل " أي فيه هدوء، وقد يطلق على مَنْ جَمَعَ العمل إلى العلم حتى إنَّ المفسد وإن كان في غايةٍ من الكياسة يمنع عن تسميته عاقلاً…، فإذا اختلفت الاصطلاحات فيجب بالضرورة أن تختلف الحدود (1) .
ورغم هذه الصعوبة البالغة فقد اقتحم الأصوليون عُبابها وولجوا أبوابها فذكروا حدوداّ تبيَن حقيقة (العقل) من الناحية الاصطلاحية، ومن هذه الحدود ما يلي:
عرَّفه السرخسي الحنفي رحمه الله تعالى بقوله: (العقل نورّ في الصدر به يُبصر القلب عند النظر في الحجج) .
ثم أوضح ذلك بقوله: (بمنزلة السراج فإنه نور تبصر العين به عند النظر فترى ما يدُرك بالحواس، لا أنَّ السراج يوجب رؤية ذلك، ولكنه يدل على معرفة ما هو غائب عن الحواس من غير أن يكون موجباً لذلك، بل القلب يدرك بالعقل ذلك بتوفيق الله تعالى، وهو في الحاصل عبارة عن الاختيار الذي يبتني عليه المرء ما يأتي به وما يذر مما لا ينتهي إلى إدراكه سائر الحواس) (2) .(4/173)
وعرفه القاضي أبو بكر الباقلاني المالكي رحمه الله تعالى بقوله: (العقل من العلوم، إذ لا يتّصف بالعقل خالٍ عن العلوم كلها، وليس من العلوم النظرية، فإنَّ النظر لا يقع ابتداؤه إلا مسبوقاً بالعقل، فانحصر في العلوم الضرورية وليس كلها، فإنه قد يخلو عن العلوم بالمحسوسات مَن اختلَّت عليه حواسُّه، وإن كان على كمالٍ من عقله) (1) .
وعلى هذا فالعقل عند القاضي الباقلاني رحمه الله تعالى هو: (بعض العلوم الضرورية كجواز الجائزات واستحالة المستحيلات) (2) . أو هو: (عِلْمُُ بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات) (3) .
3- وعرفه الغزالي الشافعي رحمه الله تعالى بقوله: (والوجه أن يقال: هو صِفَةُُ يتهيأ للمتصف بها دَرْكُ العلوم والنظر في المعقولات) (4) .
4- وعرفه القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله تعالى بقوله: (والعقل ضَرْبُُ من العلوم الضرورية) (5) .
وإذا أنعمنا النظر في هذه التعريفات رأينا أن القاضي أبا بكر الباقلاني حصر العقل في بعض العلوم الضرورية في حين أن الغزالي سلك مسلك التعميم، حيث جعل المتصف بالعقل مُهَيّأ لدرْك العلوم لا بعضها، ولعلَّ ذلك هو ما دفع الغزالي إلى أن يًزيَفّ تعريف الباقلاني، حيث قال بعد إيراده له: (وهو مُزيَّف، فإنّ الذاهل عن الجواز والاستحالة عاقل) (6) .
وقد سبقه إلى هذا التزييف إمام الحرمين الجويني الذي لم يرتض تعريف الباقلاني وإنما أومأ إلى بطلانه، فقد قال بعد حكايته له في برهانه: (والذي ذكره رحمه الله فيه نظر، فإنه بنى كلامه على أنّ العقل من العلوم الضرورية، لأنه لا يتصف بالعقل عارٍ من العلوم كلها، وهذا يَردُ عليه أنه لا يمتنع كون العقل مشروطاً بعلوم وإن لم يكن منها، وهذا سبيل كل شَرطْ ومشروط. فإن قيل: ما الذي يبطل ما ذكره القاضي رحمه الله في معنى العقل؟ قلنا: نرى العاقل يذهل عن الفكر في الجواز والاستحالة وهو عاقل) (7) .(4/174)
وأما القاضي أبو يعلى فقد وافق القاضي أبا بكر الباقلاني على حَصْر العقل في بعض العلوم الضرورية، ومَنَعَ جواز أن يكون المراد بالعقل جميع تلك العلوم فقال: (ولا يجوز أن يكون هو جميع العلوم الضرورية، ولا العلوم التي تقع عقيب الإدراكات الخمسة، لأن هذا يؤدي إلى أنّ الأخرس والأطرش والأكمه ليسوا بعقلاء، لأنهم لا يعلمون المشاهدات والمسموعات والمدركات التي تُعلم باضطرار ولا باستدلال، ولا يجوز أيضاً أن يكون العلم بُحسن حسن وقُبح قبيح، ووجوب واجب وتحريم محرَّم من جُمْلة العلوم التي هي عَقْل، لأنّ هذه الأحكام كلها معلومة من جهة السمع دون قضية العقل فوجب أنْ يكون بعض العلوم الضرورية) (1) .
وحيث إن قضية الحَصْر والشمول محل نزاع فإن تعريف (العقل) بواحد منهما تعريف لا يَسْلَمُ مِنْ نقدٍ واعتراض ولذلك فإني أرى أنَّ تعريف السرخسي رحمه الله تعالى هو التعريف الراجح للعقل، فالعقل نور إلهي يقذفه الحق تبارك وتعالى في القلب ليتمكن به من المعرفة والإدراك.
وهذا يعني أنَّ العقل ليس مكتسباً من العبد، بل هو هِبة إلهية ومنحة ربانية أنعم الله تبارك وتعالى بها على هذا الإنسان تمييزاً له عن سائر الحيوان.
المطلب الثالث: المناسبة بين الحقيقتين اللغوية والاصطلاحية للعقل بين الحقيقتين اللغوية والاصطلاحية للعقل مناسبة كبيرة وارتباط وثيق، فإنَّ (العقل) الذي هو عبارة عن نور إلهي قذفه الله تبارك وتعالى في قلب الإنسان تكريماً له على سائر أنواع الحيوان، هذا العقل الذي هو بهذه الصفة يتناسب غاية التناسب مع كل معنى لغوي فسَّره به أهل اللسان العربي فهو متناسب مع المعنى الأول (الحِجْرُ والنُّهى) الذي يضاد (الحُمْق) فإنَّ لذلك النور أثره العميق في النفس البشرية يهذَب سلوكها، ويقوَّم أخلاقها، ويلهمها رُشْدها، فلا تتصرَّف بحمق ورعونة، بل تتعامل مع الأشياء حولها بإدراكٍ واعٍ وحكمة مُتَّزنة.(4/175)
ومتناسب مع المعنى الثاني وهو (الجَمْعُ) إذ القادر على استجماع كل التصورات المطلوبة للحكم على الأشياء واتخاذ القرار المناسب لها إنما هو العاقل الأريب الذي وَعى فأدرك ونظر فقدَّر.
ومتناسب مع المعنى الثالث وهو (الحَبْسُ) فإنَّ العقل يحبس صاحبه على محاسن الأعمال ومكارم الصفات ويحبسه عن الانسياق خَلْف الشهوات التي لو أطلق الإنسان فيها لنفسه العنان لأصبح سابحاً في بحور الرذيلة لانفلاته من قيود الفضيلة.
ومتناسب مع المعنى الرابع وهو (التثبُّت في الأمور) فهذا هو شأن العقلاء الذين وهبهم الله تبارك وتعالى العقل الراجح والفكر الثاقب الذي يَزِنون به الأمور وزناً دقيقاً دون اضطراب في الموقف، أو رعونة في التصرف.
ومتناسب مع المعنى الخامس وهو (التميُّز) إذ مَصْدرُهُ العقل المستنير بالنور الإلهي، وغير العاقل لا يملك مقوَّمات التمييز الصحيح، بل يخبط خَبْط عشواء، ولربما ضرَّ نفسه وأفسدها مِنْ حيثُ يريد نَفْعَها وإصلاحها.
ومتناسب مع المعنى السادس وهو (الَفهْمُ) إذ أنَّ ذلك النور كاشف لحقائق الأمور، فتبدو ناصعةً جليَّةً لا غبش يكدَّرها ولا غموض يعتورها، وهذا هو رُكْنُ الفهم وعماده.
ومتناسب مع المعنى السابع وهو (المَسْكُ) فإنَّ العقل يمسك بصاحبه حتى لا يندفع إلى مالا ينبغي له، ولا يسترسل فيما لا يليق به، وهذا هو الفارق بين العاقل وغيره.
ومتناسب مع المعنى الثامن وهو (الْمَلْجَأ) فإنَّ العقل ملجأ حصين لصاحبه يصونه من كل ما يشينه من أعمال ويحميه من كل ما يسوؤه من تصرُّفات إذا تغلَّب الإنسان على هوى نفسه بالاحتكام إليه والاستجابة لداعيه.(4/176)
ومن خلال هذا التناسب تتضح لنا أهمية العقل الكبرى في حياة الإنسان، وأنه نعمة عظيمة من نعم الله تبارك وتعالى على عباده جديرة بالحفظ والرعاية حتى يسير ذلك العقل في مساره الصحيح الذي رسمه له المولى الكريم دون حَيْدَةٍ عن الجادَّة أو انحراف عن الصراط المستقيم.
المبحث الثاني: محل العقل
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: أقوال الأصوليين في ذلك
اختلف الأصوليون في المحل الذي يستقر فيه العقل على ثلاثة أقوال:
القول الأول: محل العقل هو القلب.
... ... وإلى هذا القول ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة (1) .
القول الثاني: محل العقل هو الرأس.
وهذا القول منسوب إلى الحنفية، ونسبه الباجي إلى الإمام أبي حنيفة، وهو المشهور عن الإمام أحمد (2)) .
وفي تعميم نِسْبَة هذا القول إلى الحنفية رحمهم الله تعالى نَظَر، وذلك أنَّ مِن الحنفية مَنْ صَرَّح بأن العقل نور في القلب ومنهم فخر الإسلام البزدوي رحمه الله تعالى حيث قال:
(أما العقل فنور يضيء به طريق يُبْتَدَأ به من حيثُ يَنْتَهي إليه دَرْكُ الحواس، فيبتدىء المطلوب للقلب فُيدْركه القلب يتأمّله بتوفيق الله تعالى) (3) .
وكذلك السرخسي رحمه الله تعالى حيث عرف العقل بأنه " نور في الصدر" (4) .
والصدر يحوي القلب لا الرأس.
وعليه فالقائل بذلك بعضهم وليس جميعهم.
القول الثالث: محل العقل هو القلب، وله اتصال بالدماغ.
وهذا القول منسوب إلى أبي الحسن التميمي (5) وغيره من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله تعالى (6) .
المطلب الثاني: الأدلة، والمناقشات
أولاً: أدلة القول الأول:
استدل القائلون بأن العقل في القلب بالأدلة الآتية:
الدليل الأول:
قول الحق تبارك وتعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) (7) .(4/177)
وجه الاستدلال: أطلق الحق تبارك وتعالى القلب هنا وأراد به العقل، فدل على أن القلب محله، لأن العرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان مجاوراً له، أو كان بسبب منه.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) (1) .
وجه الاستدلال: أنه تعالى جعل العقل في القلب، ولو لم يكن القلب محلاً له لما جعله كذلك.
الدليل الثالث:
قوله سبحانه: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (2) .
وجه الاستدلال: أن الله تعالى بيَّن أن العقول في الصدور، والمعنى: يتغطى على العقول التي في الصدور.
الدليل الرابع:
قوله عز وجل: (لهم قلوب لا يفقهون بها) (3) .
وجه الاستدلال: أن الفقه هو العلم والفهم والمعرفة، وآلة إدراك هذه الأشياء هي العقل.
الدليل الخامس:
ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرحمة في الكبد، والقلب ملك ومسكن العقل القلب) ((4)) .
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن العقل في القلب، وهو نص في الموضوع.
الدليل السادس:
ما روي عن عدد من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم أنهم صرحوا بأن العقل في القلب، ومنهم: عمر بن الخطاب، وعلي ابن أبي طالب، وأبي هريرة، وكعب بن مالك، وغيرهم.
وأقوالهم شاهدة على ذلك، كما روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال يوم صفين: (إن العقل في القلب) ((5)) .
الدليل السابع:
قالوا: إن العقل ضَرْب من العلوم الضرورية، والعلوم محلها القلب.
أما الدليل على كون العقل ضرباً من العلوم الضرورية فهو أن العلم يشتمل على ضروري ومكتسب، ومعلوم أن الإنسان لو لم يكتسب العلم ولم يفكر في الدلائل فإنه يسمى عاقلاً، فإذا خرج منه العلم المكتسب لم يبق إلا أنه علم ضروري.(4/178)
وأما الدليل على أن العلوم محلها القلب فهو قول الحق تبارك وتعالى: (لهم قلوب لا يفقهون بها) ((1)) .
والفقه هو العلم والفهم والمعرفة، ولو لم تكن القلوب محلاً للعلوم لما أضاف الحق تبارك وتعالى الفقه إليها.
وإذا ثبت أن القلب محل للعلوم كان محلاً للعقل الذي هو بعض تلك العلوم (2) .
ثانياً: أدلة القول الثاني:
... واستدل القائلون بأن العقل في الرأس بدليلين:
الدليل الأول:
... أن العقلاء يضيفون العقل إلى الرأس، فيقولون: هذا ثقيل الرأس، وهذا في دماغه عقل.
وعكس ذلك يقولون: هذا فارغ الدماغ، وهذا ليس في رأسه عقل.
ولو لم يكن العقل في الرأس لما صح منهم ذلك.
الدليل الثاني:
... أن الإنسان إذا ضُرب على رأسه زال عقله، ولو ضُرب على جميع بدنه لم يَزُلْ عقله.
فدل هذا على أن العقل في الرأس ((3)) .
ثالثاً: أدلة القول الثالث:
استدلوا على أن محل العقل هو القلب بالأدلة نفسها التي استدل بها أصحاب القول الأول.
واستدلوا على اتصال العقل بالدماغ فقالوا: إن العقل وإن كان محله في القلب إلا أن نوره يعلو إلى الدماغ فيفيض منه إلى الحواس ما جرى في العقل ((4)) .
رابعاً: (المناقشات) :
ناقش الفريقان الأول والثالث وهم القائلون بأن العقل في القلب الفريق الثاني القائلين بأن العقل في الرأس في دليليهما بما يلي:
أولاً: ناقشوهم في دليلهم الأول من وجهين:
الوجه الأول:
أن قول العقلاء: " هذا ثقيل الرأس " و " هذا في دماغه عقل " لا يلزم منه أن العقل في الرأس، وإنما قولهم هذا يعني أن العقل نور في القلب يفيض إلى الرأس وإلى سائر
الحواس.
فإضافتهم العقل إلى الرأس إنما هي من هذه الحيثية.
الوجه الثاني:
أن منْ قال من العقلاء: " هذا فارغ الرأس "، و " هذا ليس في رأسه عقل " فمرادهم من ذلك أن جفاف الدماغ يؤثر في العقل وإن كان في غير محله، كما يؤثر في البصر وإن لم يكن في محله.(4/179)
ثانيا: وناقشوهم في دليلهم الثاني:
بأن إزالة العقل بالضرب على الرأس لا يدل على أن العقل في الرأس، بدليل أن الإنسان إذا عصرت أنثياه زال عقله، ولا قائل بأن العقل مستقر هنالك ((1)) .
وقد يُناقَشُ الفريقان الأول والثالث فيما استدلوا به على أن العقل في القلب، بما يلي:
أولاً: أن الآيات القرآنية الكريمة لا دلالة فيها على أن العقل في القلب، وإنما مقتضى الآية الأولى أن صاحب القلب السليم من الشبهة والشهوة هو الذي ينتفع بالمواعظ والزواجر.
وكذلك هو مقتضى الآيتين الثانية والرابعة. وأما الآية الثالثة فهي صريحة الدلالة على أن القلب في الصدر، وهذا مما لا خلاف فيه وإنما الخلاف في محل العقل.
ثانياً: أن الحديث والأثر المستدل بهما على أن العقل في القلب لا تنهض بهما حجة، لكون بعض أئمة الحديث ذكرهما في جملة الموضوعات.
ثالثاً: أن القول بأن العلوم محلها القلب غير مسلَّم، ولو سُلَم فلا يدل على أن محل العقل هو القلب.
المطلب الثالث: الترجيح، وبيان سببه
من خلال استعراض الأقوال الثلاثة السابقة، والموازنة بين أدلة كل قول يترجح لدي أن العقل في القلب ويفيض نوره إلى الدماغ، وذلك لسببين:
السبب الأول:
... أن استقرار العقل في القلب أو في الرأس أمْر خفي لا يمكن الاطلاع عليه، وما كان كذلك فالحكم فيه موقوف على الشارع، والذي دلت عليه النصوص القرآنية الكريمة في ظاهرها أن العقل في القلب، فيكون القول بمقتضى ذلك الظاهر أولى وأسلم.
السبب الثاني:
... أن الذين نسبوا العقل إلى الرأس إنما نسبوه من قبيل أن العقل نور في القلب يفيض إلى الرأس، وكونه كذلك لا يدل على أن الرأس محل له، بل إن الرأس يتأثر بنور العقل وإن لم يكن مستقراً فيه.(4/180)
.. وعلى هذا فالخُطْب في هذه المسالة هين، فإن من نسب العقل إلى القلب نظر إلى المقر، ومن نسبه إلى الرأس نظر إلى الأثر، إذ أن اتقاد الذهن أثر لذلك النور المستقر في القلب، وهذا المعنى هو ما ترجمه الشوكاني رحمه الله تعالى بقوله: (ومعنى: " فتكون لهم قلوب يعقلون بها " أنهم بسبب ما شاهدوا من العبر تكون لهم قلوب يعقلون بها ما يجب أن يتعقلوه، وأسند التعقل إلى القلوب لأنها محل العقل، كما أن الآذان محل السمع، وقيل: إن العقل محله الدماغ، ولا مانع من ذلك، فإن القلب هو الذي يبعث على إدراك العقل وإن كان محله خارجاً عنه) ((1)) .
المطلب الرابع: ثمرة الخلاف في المسألة
أفصح الزركشي رحمه تعالى عن ثمرة الخلاف في هذه المسألة فقال: (ومما يتفرع على الخلاف في أن محله ماذا؟ مالو أُوضح (2) رجل فذهب عقله.فعند الشافعي ومالك يلزمه دية وأرش الموضحة، لأنه أتلف عليه منفعةً ليست في عضو الشجة تبعاً لها، وقال أبو حنيفة: إنما عليه دية العقل فقط، لأنه إنما شجَّ رأسه، وأتلف عليه العقل الذي هو منفعة في العضو المشجوج، ودخل أرش الشجة في الدية) (3) .
... قال النووي الشافعي رحمه الله تعالى: (يُنْظَرُفي الجناية التي ذهب بها العقل، فإنْ لم يكن لها أرش بأنْ ضرب رأسه أو لطمه فذهب عقله وجبت دية العقل، وإن كان لها أرش مُقدَّر كالموضحة واليد والرجل، أو غير مقدر كالجراحة الموجبة للحكومة فقولان: القديم أنه يدخل الأقل في الأكثر، فإن كانت دية العقل أكثر بأن أوضحه فزال عقله دخل أرش الموضحة وإن كان أرش الجناية أكثر بأن قطع يديه ورجليه أو يديه مع بعض الذراع فزال عقله دخل فيه دية العقل، والجديد: الأظهر لا تداخل، بل يجب دية العقل وأرش الجناية) (4) .(4/181)
وقال المرغيناني (1) الحنفي رحمه الله تعالى: (ومَنْ شجَّ رجلاً فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة في الدية، لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء) (2) .
المبحث الثالث: تفاوت العقل
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: أقوال الأصوليين في ذلك
اختلف الأصوليون في تفاوت العقول من شخص لآخر على قولين:
القول الأول: ... العقل يتفاوت من شخص لآخر.
وممن ذهب إلى هذا القول من الأصوليين: القاضي أبو يعلى (3) ، وأبو الخطاب (4) ، والفتوحي (5) ، والبزدوي (6) ، ومحمد بن نظام الدين الأنصاري (7) (8) .
القول الثاني:
العقل لا يتفاوت، بل هو شيء واحد في جميع الناس لا يزيد ولا ينقص. وإلى هذا القول ذهب الأشاعرة والمعتزلة وابن عقيل الحنبلي (9) .
المطلب الثاني: الأدلة والمناقشات
أولاً: أدلة القول الأول:
استدل القائلون بأن العقل متفاوت بالأدلة الآتية:
الدليل الأول:
... ما رواه أبو سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أَضْحىَ أو فِطْرٍ إلى المُصّلَى فمرَّ على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدَّقْن فإني أُريتكنَّ أكثر أهل النار) ، فقلن: وبِمَ يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عَقل ودين أَذْهَبَ للب الرجل الحازم من إحداكن) ، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة
الرجل؟) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عَقْلها، أليس إذا حاضت لم تُصَلَّ ولم تَصُم؟) قلن: بلى قال: (فذلك من نقصان دينها) (10) .
... وجه الاستدلال: أن هذا الحديث يدل على نقصان عقل النساء عن عقول الرجال مع وصفْهِنَّ بالعقل، ولو كان العقل شيئاً واحداً لا يتفاوت لما استقام ذلك.
الدليل الثاني:(4/182)
.. قالوا: إن الإجماع منعقد على أن العقل متفاوت، وذلك لأن كل الناس يقولون: عَقْلُ فلان قليل، وعقل فلان أكثر من عقل فلان، وفلان غير عاقل.
الدليل الثالث:
... قالوا: إن العقل منحة إلهية تفضلَّ الله تبارك وتعالى بها على عباده، وفَضْلُ الله تعالى يتفاوت بحسب قابلية المحل واستعداده، فيزيد عند بعض الناس، وينقص عند البعض الآخر.
... ولو كان العقل على حالة واحدة لما كان كذلك (1) .
ثانياً: أدلة القول الثاني:
... استدل القائلون بأن العقل لا يتفاوت بدليلين:
الدليل الأول:
... أن العقل من العلوم الضرورية، وتلك لا تختلف في حق عاقل، بل العقلاء في ذلك متساوون.
الدليل الثاني:
... أنه لو كان أحد الناس أكمل عقلاً من الآخر لم يحصل لغير الكامل الغرض، وهو تأملَّ الأشياء ومعرفتها لأجل النقصان الذي حصل فيه (2) .
ثالثاً: المناقشات:
أ - نوقش القائلون بعدم تفاوت العقول فيما استدلوا به على ذلك بما يلي:
أولاً: نوقشوا في دليلهم الأول: بأن تلك العلوم الضرورية لم يختلف ما يُدرك بها من النظر والشم والذوق، فلهذا لم تختلف هي في أنفسها، وليس كذلك العقل لأنه يختلف ما يُدرك به وهو التمييز والفكر، فيقلُّ في حق بعضهم ويكثر في حق البعض الآخر، ولذلك اختلف وتفاوت.
ثانياً: ونوقشوا في دليلهم الثاني: بأنه إنما لم يحصل له الغرض الكامل لأنا نجد أنّ مَنْ لم يكمل عقله لا تكمل أحواله ولا يبلغ جميع أغراضه، ومَنْ كمل عقله بلغ أكثر أغراضه وأكمل أكثر أحواله (3) .
ب- ونوقش القائلون بتفاوت العقول فيما استدلوا به على ذلك بما يلي:
أولاً: نوقشوا في دليلهم الأول من وجهين:
الوجه الأول: أن العقول لا يجوز أن تتفاوت بأصل الفطرة، وإنما تتفاوت بالعوارض وهذا لا يُعْتَدُّ به، وإذا كان غير معتد به فالرجال والنساء في العقل سواء.(4/183)
الوجه الثاني: أن الرجال والنساء سواء في التكليف، فلا بُدَّ من الاستواء فيما هو مناط له وهو العقل (1) .
ثانياً: ونوقشوا في دليلهم الثاني والثالث من وجهين أيضاً:
الوجه الأول: أن العقل بَعْضُُ من العلوم فلا يقبل الزيادة والنقصان، لأن العلم الكسبي لا يقبل الزيادة، فيكون الضروري أولى بعدم قبولها.
الوجه الثاني: ما ورد من نحو قولهم: " عقل فلان أكثر من عقل فلان " إنما هو من باب قولهم: " فلان أعلم من فلان " بمعنى أن معلوماته أكثر، فيكون المراد بزيادة العقل كثرة التجارب، والتجارب قد تجوَّز فيها قوم فقالوا: هي عقل ثانٍ، وقالوا في المشورة: عقل غيرك مُنْضَمُُّ إلى عقلك، وهذا كله مجاز، والحقيقة لا تقبل التزايد (2) .
المطلب الثالث: الترجيح، وبيان سببه
يترجح لديّ مما سبق عرضه ومناقشته أن العقل متفاوت، فهو يختلف قلةً وكثرةً من إنسان لآخر، وذلك لسببين:
السبب الأول:
... أن الله تبارك وتعالى أمرنا برد كل شيء متُنَاَزعٍ فيه إليه سبحانه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) (3) .
وقال: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) (4) .
... وقد رددنا هذه المسألة المتنازع فيها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فوجدنا أنه عليه الصلاة والسلام أخبرنا في الحديث المتفق عليه السابق ذِكْرُه (5) بأن النساء ناقصات عقل، وفي هذا الإخبار دلالة صريحة على نقصان عقول النساء عن عقول الرجال، ولو كانت العقول متساوية لما أخبرنا بذلك عليه الصلاة والسلام.
السبب الثاني:
... أننا نجد في الواقع المحسوس الملموس اختلاف الناس في الإدراك العقلي، فبعضهم أكثر إدراكاً من بعض، وهذا يدل دلالة واضحة على تفاوت العقول بين الناس، إذ لو كانت متساوية لما وُجد ذلك الاختلاف.(4/184)
المطلب الرابع: ثمرة الخلاف في المسألة
حقَّق الغزالي رحمه الله تعالى في هذا المقام الأمر الذي لا تتفاوت فيه العقول بين الناس بعد أن بيَّن أن العقل يطلق بالاشتراك على أربعة معانٍ أولها: الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم، وهو الذي استعدَّ به لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية، وثانيها: العلوم الضرورية كالعلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، وثالثها: العلوم المستفادة من التجارب بمجاري الأحوال، ورابعها: معرفة عواقب الأمور التي تفضي إلى قَمْع الشهوة وقَهْرها (1) .
فقال: (قد اختلف الناس في تفاوت العقل، ولا معنى للاشتغال بنقل كلام مَنْ قَلَّ تحصيله، بل الأولى والأهم المبادرة إلى التصريح بالحق، والحق الصريح فيه أن يقال: إن التفاوت يتطرق إلى الأقسام الأربعة سوى القسم الثاني وهو العلم الضروري بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، فإنَّ مَنْ عَرَفَ أنّ الاثنين أكثر من الواحد عرف أيضاً استحالة كون الجسم في مكانين، وكون الشيء الواحد قديماً حادثاً، وكذا سائر النظائر، وكل ما يدركه إدراكاً محقَّقاً من غير شك، وأما الأقسام الثلاثة فالتفاوت يتطرق إليها) (2) .
وهذا التحقيق الذي ذهب إليه الغزالي رحمه الله تعالى يجعل عدم التفاوت محصوراً فيما يتعلق بالعلوم الضرورية فقط، ومعنى ذلك أن (العقل الغريزي) وهو الذي ميَّز الله تبارك وتعالى به الإنسان عن البهائم قابل للتفاوت فيختلف فيه الناس بعضهم عن بعض بحسب اختلاف مداركهم ومعارفهم.
إلا أن الزركشي رحمه الله تعالى قد خالف في تحقيقه تحقيق الغزالي، فذهب إلى أن (العقل الغريزي) ليس قابلاً للتفاوت حين قال: (والتحقيق: أنه إن أُريد الغريزي فلا يتفاوت، أو التجريبي فلا شك في تفاوته) (3) .(4/185)
ومعنى ذلك أن العقل الغريزي يستوي فيه كل الناس دون تفاوت، بل التفاوت بينهم إنما هو في العقل التجريبي، إذ الناس مختلفون في تجاربهم قلةً وكثرة، وكلما كان الإنسان أكثر تجربة ازداد تعقُّلاً بشؤون هذه الحياة.
... وفي تصوري أنه بالموازنة بين هذين التحقيقين لا يستقيم خلاف معنوي بين ما قرره الغزالي والزركشي رحمهما الله تعالى، وذلك لوجهين:
الوجه الأول: أنهما متفقان على أن العلوم التجريبية محلُُ لتفاوت العقول فيها، إذ أن تلك العلوم خاضعة في قلتها وكثرتها للتجارب التي يخوض الناس غمارها قلةً وكثرةً، أو أنها خاضعة للبحث والنظر، والبحث والنظر مما يختلف باختلاف المدارك والقدرات.
الوجه الثاني: أن ما اختلفا فيه من كون العقل الغريزي قابلاً للتفاوت وعدمه لا تعارض فيه، إذ يمكن تخريجه عن طريق الجمع بحمل القول بعدم التفاوت على العلوم الضرورية لاستواء جميع العقلاء في إدراكها، وحمل القول بالتفاوت على العلوم النظرية التي يختلف فيها الناس بحسب قلة وكثرة تجاربهم، وبحسب اختلافهم في الاستعداد الذهني. وبهذا يؤول خلاف الفريقين في هذه المسألة إلى خلاف لفظي لا تنهض به ثمرة عملية.
المبحث الرابع: سبب الخلاف في تحكيم العقل
تصدَّى لبيان هذا السبب الشيخ محمد الخضري في أصوله حيث قرَّر أن هذا الخلاف يعود إلى المعَّرف لأحكام الله تبارك وتعالى، فمن رأى أن المعرف لها إنماهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خاصة ذهب إلى أنه لا سبيل إلى درك حكم الله تعالى بالعقل قبل البعثة، ومن رأى أن العقل يصلح أن يكون معَّرفاً ذهب إلى أن العقل يمكنه أن يستقل بدرك حكم الله تعالى في الفعل قبل البعثة بناء على ما يدركه من حُسن فيه أو قُبح.(4/186)
ثم قال رحمه الله تعالى: (والرأي الأول إما أنه مبني على أنه ليس في الأفعال صفات حُسن وقُبح ذاتية بسببها يطلب الله فعلها أو تركها وإنما هو يطلب فعل ما يشاء فيكون حَسَناً، ويطلب الكف عما شاء فيكون قَبيحاً، فلا سبيل للعقل للعلم بحُسن فعلٍ أو قُبحه إلا متى علم بطلب الله لفعله على لسان رسله أو الكف عنه. وإما مبني على أن الأفعال فيها صفة حُسن أو قُبح ذاتية ولكن لا يلزم من اتصافها بذلك أن يكون حكم الله وفق ما أدركه العقل من ذلك، فلا تكليف قبل ورود الشرع فالنتيجة واحدة وهي نَفْيُ التكليف قبل ورود الشرع وإن اختلفت العلة.
والرأي الثاني مبني على اتصاف الأفعال بالحُسن والقُبح اتصافاً ذاتياً، وأن العقل يمكنه الاستقلال بفهم ذلك قبل ورود الشرائع، وأنه يلزم أن تكون أحكام الله على وفق ما اتصفت به الأفعال من ذلك) (1) .
وهذا ما نحى إليه المعتزلة حين قَرَّروا أن النقل إذا جاء مخالفاً للعقل فإما أن يُرَدَّ أو يُؤَوَّل، كما سيتضح في مبحث بيان موقفهم من العقل.
المبحث الخامس: العقل عند المعتزلة
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل
... يُعَدُّ أصوليو المعتزلة من أكثر علماء أصول الفقه انحيازاً للعقل، حيث أحاطوه بهالة كبيرة من القداسة والتبجيل، لدرجة أنه ما ذُكر العقل إلا واتجهت الأنظار إليهم وكأنه أصبح عَلَماً لهم أو حِكْراً عليهم.
... ومن أبرز السمات التي تدل على انحياز المعتزلة للعقل ما يلي:
السمة الأولى:
... (قَصْرُ العلم بأصول المقبَحات والمحسنَات على العقل فقط) :(4/187)
.. فعندهم أن العقل هو الكاشف الوحيد عن كون الشيء حَسَناً أو قَبيحاً، حتى لو تعطَّل العقل عن إدراك ذلك لسُدَّ الطريق أمام التمييز بين الحَسَن والقبيح، وهذا ما ترجمه القاضي عبد الجبار بقوله: (اعلم أن الطريق إلى معرفة أحكام هذه الأفعال من وجوب وقُبْح وغيرهما هو كالطريق إلى معرفة غير ذلك، ولا يخلو: إما أن يكون ضرورياً، أو مكتسباً. والأصل فيه أن أحكام هذه الأفعال لابد من أن تكون معلومة على طريق الجملة ضرورة، وهو الموضع الذي يقول: إن العلم بأصول المقبحات والواجبات والمحسنات ضروري، وهو من جملة كمال العقل، ولو لم يكن ذلك معلوماً بالعقل لصار غير معلوم أبداً، لأن النظر والاستدلال لا يتأتَّى إلا ممن هو كامل العقل) (1) .
السمة الثانية:
... (تأهيل العقل لتشريع الثواب والعقاب) :
... فقد قررَّ المعتزلة وجوب الاستجابة لداعي العقل فيما يمليه على صاحبه دون مخالفة أو عصيان، فإذا كَشَفَْ عن حُسْن الحَسَن وجب فعْلُه، فمن فَعَلَهُ استحق الثواب، ومن لم يفعله وهو قادر على فعله استحق العقاب، وإذا كشف عن قُبْح القبيح وجب تَركْه، فمن تركه أُثيب، ومن أقدم على فعله عوقب.
... وقد ترجم ذلك القاضي عبد الجبار بقوله: (القبيح هو ما يقع على وجه يقتضي في فاعله قبل أن يفعله أنه ليس له فِعْلُه إذا علم حاله، وعند فعله يستحق الذم إذا لم يكن يمنع، والحسن ما يوجد مختصاً لغرض وتنتفي وجوه القبح عنه ومن حقه إذا علمه القادر عليه أن يقع كذلك أن يكون له فعله، ولا يستحق الذم إذا فعله) (2) .
... وسار على هذا المنوال أبو الحسين البصري حين قال: (أما الحَسَنُ فهو فِعْلُُ إذا فعله القادر عليه لم يستحق الذم على وجه، … وأما القبيح فهو فِعلُُله تأثير في استحقاق الذم) (3) .
السمة الثالثة:
... (تقديم معرفة العقل على دلالة النقل)(4/188)
.. فالنقل عندهم محل الاعتبار إذا جاء موافقاً لحجج العقول، فإنْ جاء مخالفاً لها وجب تكييفه بما يتفق مع دلالة العقل إن أمكن ذلك، وإلا وجب ردّه أو تأويله.
... وبرُهان ذلك كله ما دلت عليه أقوالهم الصريحة بهذا الخصوص، فقد قال منظَر مذهبهم القاضي عبد الجبار في نصوص السنة المخالفة لقضايا العقول عندهم: (وإن كان مما طريقة الاعتقادات يُنْظَر: فإنْ كان موافقاً لحجج العقول قُبِل واعتُقِد موجبه، لا لمكانه بل للحجة العقلية، وإن لم يكن موافقاً لها فإنَّ الواجب أن يُرَدَّ ويحكم بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يقله، وإنْ قاله فإنما قاله على طريق الحكاية عن غيره، هذا إذا لم يحتمل التأويل إلا بتعسُّف، فأما إذا احتمله فالواجب أن يُتَأوَّل) (1) .
المطلب الثاني: دراسة موقف المعتزلة من العقل
من خلال استعراض أهم السمات التي دلت على تقديس العقل عند المعتزلة فإنَّ طبيعة الدراسة لتلك السمات التي حدَّدت بوضوح موقف أهل الاعتزال من العقل بوصفه حجة لها الأولوية الكبرى في مقام الاستدلال تقودنا إلى نَظْرةٍ تقويمية لكل سِمَةٍ على حدة لبيان ما لها وما عليها حسب ميزان الحق والإنصاف ودون حَيْفٍ أو إجحاف، وذلك وفق ما يلي:
أولاً: أن السمة الأولى التي مقتضاها: " قَصْرُ العلم بأصول التقبيح والتحسين على العقل فقط " اشتملت في تصوري على ما يمكن قبوله والتسليم به، وعلى مالا يمكن قبوله والتسليم به.(4/189)
أ) فأما ما يمكن قبوله والتسليم به فهو دعواهم أن " العقل كاشف عن الحُسْن والقُبْح في الأشياء " فهذه دعوى صحيحة لا ينكرها إلا مكابر، لأن الله تبارك وتعالى أودع في غرائز النفوس استحسان الحَسَن واستقباح القبيح، فالناس مفطورون على ذلك جميعهم، وهذا ما ترجمه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله: (فإن الله سبحانه فطر عباده على استحسان الصدق والعدل والعفّة والإحسان ومقابلة النعم بالشكر، وفطرهم على استقباح أضدادها، ونِسْبَةُ هذا إلى فطرهم وعقولهم كنسبة الحلو والحامض إلى أذواقهم، وكنسبة رائحة المِسك ورائحة النَّتن إلى مشامَّهم، وكنسبة الصوت اللذيذ وضده إلى أسماعهم، وكذلك كل ما يدركونه بمشاعرهم الظاهرة والباطنة، فيفرَقون بين طيبَه وخبيثه، ونافعه وضاره) (1) .
ب) وأما مالا يمكن قبوله وتسليمه فهو دعواهم " أنَّ ذلك الإدراك للحُسْن والقُبْح لا يُعْلَمُ إلا من جهة العقل فقط "، وذلك لأن العقل مهما بلغ من الكمال والدقة والإتقان في الكشف عن حقائق الأمور وإدراك طبائعها فإنه قاصر عن الإحاطة بما يحقق مصلحة النفس البشرية في العاجلة والآجلة، والإحاطة بذلك كله إنما هو شأن العليم الخبير الذي وسع علمه كل شيء كما قال سبحانه: (وسع كل شيء علماً) (2) .(4/190)
ومما يدل على قصور إدراك العقل للحُسْن والقُبْح أنَّ الشارع قد ورد باستقباح ما كانت عقول العرب تستحسنه في الجاهلية وطرفاً من الإسلام وهو (شُرْب الخمر) ، إذ كانت الخمرة عندهم معدودةً من الطيبات، بل إنها في عرفهم من ألذ الطيبات على الإطلاق فكانوا يتغنون بها في أشعارهم ويتسامرون بها في مجالسهم، فنبَّه الشارع الحكيم العقلاء إلى أنها قبيحة نظراً لما تفضي إليه مِنْ أضرار بالغة تتصادم في حقيقتها مع مصالح الدين والدنيا، وهذا ما أكَّده الحق تبارك وتعالى بقوله: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) (1) .
وإذا كان الشارع الحكيم قد نبَّه العقلاء إلى خطأ ما استحسنته عقولهم فإن ذلك دليل على أن العقل ليس مستقلاً وحده بإدراك الحُسن والقبح.
وثمَّة أمْر آخر وهو أنَّ حَصْر إدراك الحُسْن والقُبْح في العقل وحده يفضي إلى محذور شرعي كبير، وهو أنه ليس للشرع أنْ يعترض على حُكْم العقل بتقبيح ما استحسنه أو تحسين ما استقبحه، إذ ليس ذلك إليه بل هو من اختصاص العقل وحده دون منازع، وهذا وإنْ تنصَّل منه المعتزلة وزعموا أنهم لم يقصدوه إلا أنه لازم قولهم ومقتضى كلامهم.
ثانياً: أن السمة الثانية التي مقتضاها: " تأهيل العقل لتشريع الثواب والعقاب " هي في حد ذاتها استئصال لقاعدة شرعية قرَّ رها الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم، وهي:
" أنه لا عذاب إلا بعد إرسال الرسل " أَخْذاً من قوله سبحانه: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) (2) .
وإذا انتفى العذاب قبل البعثة انتفى الثواب كذلك، ولو كان العقل مُؤَهَّلاً لتشريع الثواب والعقاب ومستقلاً بذلك لما جعل الحق تبارك وتعالى ثبوت العقاب والثواب خاصاً بورود الشرع دونه.(4/191)
بل إنَّ الحق تبارك وتعالى بيَّن لنا في كتابه الكريم أنه لو عذَّب الناس على فعل ما تقَّرر في قضايا العقول قُبْحُه لاحتجوا عليه بمؤاخذته إياهم على شيء لم يثبت قُبْحهُ شرعاً لا بإرسال رسول ولا بإنزال كتاب وإنما بمجرد دلالة العقل، ولو كان العقل حقاً مستقلاً بذلك لما صح منهم هذا الاحتجاج، وفي ذلك يقول سبحانه: (ولو أنَّا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) (1) .
ويقول سبحانه: (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين) (2) .
وفي هذا دلالة قاطعة على أن الثواب والعقاب قضية شرعية طريق ثبوتها الرسول المرسل والكتاب المنزل، وليس قضية عقلية يستأثر العقل بها، فللعقل أن يدرك الحسن والقبح من غير أن يرتب على ذلك ثواباً أو عقاباً، فليس هو رسولاً ولا كتاباً.
ثالثاً: أن السمة الثالثة وهي: " تقديم معرفة العقل على دلالة النقل " تعني جعل العقل أصلاً للشرع، وهذا يفضي إلى نسف الشرائع من أصلها، فيكون إرسال الرسل وإنزال الكتب عبثاً محضاً، إذ يمكن الاستغناء بذلك عن الرسل والكتب، وإذا كان للشرع من فائدة تُذكر والحالة هذه فإنما هي تأكيد ما استقر في قضايا العقول، فهو بذلك رديف مساند إن جاء موافقاً للعقل قُبل، وإلا فالهيمنة للعقل الذي هو أصل التشريع ولب التفريع.
وهذا بلا شك مزلة قدم خطيرة، إذ كيف يُقدَّم العقل الذي هو فكر بشري محدود بنطاق الزمان والمكان محفوف بنوازع الهوى على شرع إلهي صادر ممن أحاط علمه بالزمان والمكان من غير قصور في الإدراك أو خلل في الاستيعاب؟
ولقد أنكر الحق تبارك وتعالى ذلك أشد الإنكار حين قال: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ((3)) .(4/192)
فمن جعل المعرفة العقلية مقدمة على الدلالة النقلية يكون بذلك متخذاً العقل مشرعاً في دين الله تعالى بما لم يأذن به سبحانه، وهذا والعياذ بالله غاية الإسفاف ونهاية الانحراف.
ومن هذا كله نخلص إلى أن المعتزلة في بداية مسيرهم مع العقل لم يريدوا به أن يكون حاكماً على الشرع، بل أرادوا أن العقل طريق إلى العلم بالحكم الشرعي، ولكنهم بعد أن توغلوا في العقل بالغوا في تقديسه حتى جعلوه مقدماً على الشرع وحاكماً عليه، ومن هنا حذر الإسلام الحنيف من الغلو لأنه لا يأتي في نهاية مطافه إلا بعواقب وخيمة وأضرار جسيمة.
المبحث السادس: العقل عند الأشاعرة
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل
كان موقف الأشاعرة من العقل ناشئاً عن ردة فعل عنيفة من موقف المعتزلة منه، فحيث بالغ المعتزلة في تقديس العقل وتهويل شأنه فقد بالغ الأشاعرة في تجميد العقل وسلبه القدرة على إدراك الحسن والقبح في الأشياء التي تُلامَسُ وتُشَاهَد.
... وليس ذلك افتراءً عليهم، بل إن أقوالهم التي تفوهوا بها شاهد صدق على هذا المُدَّعَى، وإذا اكتفيتَ بمثالين على ذلك فخذهما من قول الغزالي رحمه الله تعالى (لا يستدرك حسن الأفعال وقبحها بمسالك العقول، بل يتوقف دركها على الشرع المنقول، فالحسن عندنا ما حسنه الشرع بالحث عليه، والقبيح ما قبحه بالزجر عنه والذم عليه) ((1) .
... ومن قول ابن برهان رحمه الله تعالى: (أطلق أهل الحق أقوالهم بأن حسن الأشياء وقبحها لا يدرك بقضيات العقول، إنما يدرك بالسمع المنقول) (2) .
وهذا يعني إقصاء العقل عن أهلية الصدارة لإثبات حسن أو قبح في شيء من الأشياء، إذ ليس شأن ذلك إليه، بل هو شأن الشرع وحده.
المطلب الثاني: دراسة موقف الأشاعرة من العقل(4/193)
موقف الأشاعرة من العقل ناشئ من تصورهم أن العقل لاحَظَّ له في إثبات الحسن أو القبح في الأشياء، وإنما مرجع ذلك إلى الشرع فيما ورد به الأمر والنهي، وهذا ما أكده إمام الحرمين الجويني رحمه الله تعالى بقوله: (من أحكام الشرع التقبيح والتحسين، وهما راجعان إلى الأمر والنهي، فلا يقبح شيء في حكم الله تعالى لعينه، كما لا يحسن شيء لعينه) ((1)) .
فهما – أعني الحسن والقبح – ثابتان عندهم بنفس الأمر والنهي، وليس لكون الأمر أو النهي دليلاً معرفاً لحسن أو قبح قد سبق ثبوته بالعقل.
ومن أجل وضع النقاط على الحروف في بيان حقيقة هذا الموقف فإن ما أطلقوه من القول بنفي إدراك العقل للحسن والقبح لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى:
... أن يريدوا بذلك أن الفعل ليس له حسن أو قبح ذاتي ثابت له في نفسه، حتى يتفرع على ذلك القول بإدراكهما فيه من جهة العقل.
ولعل هذا ما يشير إليه ابن الحاجب رحمه الله تعالى بقوله: (لا حكم إلا بما حكم به الله، فالعقل لا يحسن ولا يقبح أي: لا يحكم بأن الفعل حسن وقبيح لذاته، أو بوجوه واعتبارات في حكم الله تعالى) ((2)) .
الحالة الثانية:
أن يريدوا به أن العقل لا دخل له البتة بإثبات العقاب على ترك الحسن وفعل القبيح، أو الثواب على ترك القبيح وفعل الحسن، بل إن ذلك من اختصاص الشارع وحده.
... فإن كان الأول هو مغزى إطلاقهم فإنه غير مُسلَّم لهم، إذ القبح والحسن ثابتان للفعل في نفسه، وهو ما حققه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله (وتحقيق القول في هذا الأصل العظيم أن القبح ثابت للفعل في نفسه) ((3)) .
... وإن كان الثاني هو ما رموا إليه وعوَّلوا عليه فذلك محض الحق الذي لا مرية فيه، إذ الثواب والعقاب حكمان شرعيان طريق ثبوتهما الشرع لا العقل.
والذي أراه راجحاً أن هذا هو مرادهم دون الأول.(4/194)
وبناءً على هذا الترجيح فإن مبالغتهم في نفي إدراك العقل لحسن الأشياء وقبحها إنما هو منصب على الثواب والعقاب لا على مطلق الإدراك.
المبحث السابع: العقل عند الظاهرية
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل
اشتهر عن أهل الظاهر عموماً إنكارهم حجية القياس في أحكام الشريعة حسب ما صرحوا به في كتبهم، حيث قال ابن حزم رحمه الله تعالى: (وذهب أصحاب الظاهر إلى إبطال القول بالقياس في الدين جملة، وقالوا: لا يجوز الحكم البتة في شيء من الأشياء كلها إلا بنص كلام الله تعالى، أو نص كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من فعل أو إقرار، أو إجماع من جميع علماء الأمة كلها مُتَيَقَّن أنه قاله كل واحد منهم دون مخالف من أحد منهم، أو بدليل من النص أو من الإجماع المذكور الذي لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، والإجماع عند هولاء راجع إلى توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولابد، لا يجوز غير ذلك أصلاً، وهذا هو قولنا الذي ندين الله به) ((1)) .
والناظر لأول وهلة في هذا القول يظن أو يكاد يجزم أنهم أعداء لقضايا العقول وأبعد الناس عن أن يقيموا لذلك ميزاناً ومعياراً، ولكن هذا الظن أو ذاك الجزم وَهْم من الخيال إذ الحقيقة على خلاف ذلك تماماً، فالعقل عندهم محل للاعتبار وسمات هذا الاعتبار تتجلى فيما يلي:
السمة الأولى:
... أن ابن حزم رحمه الله تعالى عقد باباً في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام) أثبت فيه حجج العقول، وتصدى بالرد على الذين أبطلوا حجة العقل، ووصف ذلك بأنه تمويه فاسد ((2)) .
السمة الثانية:(4/195)
.. أنه رحمه الله تعالى حكم بالصحة لما أوجبه العقل من أحكام كاستحالة اجتماع الضدين، وأن الكل أكثر من الجزء ونحو ذلك، فقال: (وقد سألوا أيضاً – يعني بهم مبطلي حجة العقل – فقالوا: بأي شيء عرفتم صحة العقل؟ أبحجة عقل أم بغير ذلك؟ فإن قلتم: " عرفناها بحجة العقل " ففي ذلك نازعناكم، وإن قلتم: بغير ذلك فهاتوه، … والجواب على ذلك وبالله التوفيق: أن صحة ما أوجبه العقل عرفناه بلا واسطة وبلا زمان، ولم يكن بين أول أوقات فهمنا وبين معرفتنا بذلك مهلة البتة، ففي أول أوقات فهمنا علمنا أن الكل أكثر من الجزء، وأن كل شخص فهو غير الشخص الآخر، وأن الشيء لا يكون قائماً قاعداً في حال واحدة، وأن الطويل أمدُّ من القصير، وبهذه القوة عرفنا صحة ما توجبه الحواس، وكلما لم يكن بين أول أوقات معرفة المرء وبين معرفته به مهلة ولازمان فلا وقت للاستدلال فيه، ولايدري أحد كيف وقع له ذلك، إلا أنه فِعْل الله عز وجل في النفوس فقط، ثم من هذه المعرفة أنتجنا جميع الدلائل) (1) .
السمة الثالثة:
... بيَّن ابن حزم رحمه الله تعالى أن الخبر لا تعلم صحته، ولا يعرف كونه صدقاً أو كذباً إلا بحجة العقل، فقال: (فإذاً قد بطلت كل طريق ادعاها خصومنا في الوصول إلى الحقائق من الإلهام والتقليد، وثبت أن الخبر لا يعلم صحته بنفسه، ولا يتميز حقه من كذبه، وواجبه من غير واجبه إلا بدليل من غيره، فقد صح أن المرجوع إليه حجج العقول وموجباتها، وصح أن العقل إنما هو مميز بين صفات الأشياء الموجودات، وموقف للمستدل به على حقائق كيفيات الأمور الكائنات، وتمييز المحال منها) ((2)) .
السمة الرابعة:(4/196)
.. أن وظيفة العقل عندهم إنما هي الفهم عن الله تبارك وتعالى لأوامره، وترك تعدي حدوده، والإقرار بأنه سبحانه فعال لما يشاء، وليست كونه يحلَلّ أو يحرَّم فذاك ليس إليه، وليست وظيفته كذلك بأن يقضي أن تكون صلاة الظهر أربعاً وصلاة المغرب ثلاثاً وصلاة الصبح ركعتين، فهذا مما لا مجال للعقل فيه.
... قال ابن حزم رحمه الله تعالى: (وقد بينا أن حقيقة العقل إنما هي تمييز الأشياء المدركة بالحواس وبالفهم، ومعرفة صفاتها التي هي عليها جارية على ما هي عليه فقط …، فأما أن يكون العقل يوجب أن يكون الخنزير حراماً أو حلالاً، أو أن يكون التيس حراماً أو حلالاً، أو أن تكون صلاة الظهر أربعاً وصلاة المغرب ثلاثاً … فهذا لا مجال للعقل فيه لا في إيجابه ولا في المنع منه، وإنما في العقل الفهم عن الله تعالى لأوامره، ووجوب ترك التعدي إلى ما يخاف العذاب على تعديه والإقرار بأن الله تعالى يفعل ما يشاء، ولو شاء أن يحرم ما أحل، أو يحل ما حرم لكان ذلك له تعالى، ولو فعله لكان فرضاً علينا الانقياد لكل ذلك ولا مزيد) ((1)) .
المطلب الثاني: دراسة موقف الظاهرية من العقل
موقف الظاهرية من العقل بتلك السمات الأربع المذكورة يعد تأصيلاً شرعياً لمكانة العقل في الإسلام، تلك المكانة التي وضعت العقل في حجمه المناسب دون إفراط في المعيار أو تفريط في الاعتبار، وهذه وسطية محمودة تحقق توازناً في الحكم واعتدالاً في الموقف.
فليس العقل عند أهل الظاهر كمّاً مهملاً لا قيمة له ولا حرمة، وليس إلهاً يملك سلطة التشريع بالتحليل والتحريم، بل هو آلة فهم ووسيلة معرفة، يجعل صاحبه على بصيرة من أمره فلا يصدر أحكاماً متناقضة، كما لا يرفض البديهيات المسلمة، ولا يتدخل بكبرياء وتيه فيما لا مجال له فيه، بل يدور في فلك الشرع مؤيداً ومسانداً لا نداً معانداً.(4/197)
.. وبذلك يتضح امتياز الظاهرية على المعتزلة بنظرتهم التوازنية للعقل ووضعه في مكانه اللائق به شرعاً.
المبحث الثامن: العقل عند الشيعة
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل
العقل عند الشيعة هو الحجة الباطنة، وهو السبيل إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار ((1)) .
وهناك سمتان بارزتان تدلان على موقف الشيعة من العقل وهما:
السمة الأولى:
(أنه لا سبيل لثبوت الشريعة والتوحيد والنبوة إلا بالعقل) :
قال محمد رضا المظفر الشيعي: (وهل تثبت الشريعة إلا بالعقل؟ وهل يثبت التوحيد والنبوة إلا بالعقل؟ وإذا سلخنا أنفسنا عن حكم العقل فكيف نصدق برسالة؟ وكيف نؤمن بشريعة؟ بل كيف نؤمن بأنفسنا واعتقاداتها؟ وهل العقل إلا ما عُبد به الرحمن؟ وهل يعبد الديان إلا به؟ ((2)) .
السمة الثانية:
(أن استحقاق المدح والذم بمعنى الثواب والعقاب مَدْرَكُُ عقلي) :
وفي ذلك يقول المظفر الشيعي: (ومعنى استحقاق المدح ليس إلا استحقاق الثواب، ومعنى استحقاق الذم ليس إلا استحقاق العقاب، لأنهما شيئان أحدهما يستلزم الآخر، لأن حقيقة المدح والمقصود منه هو المجازاة بالخير لا المدح باللسان، وحقيقة الذم والمقصود منه هو المجازاة بالشر لا الذم باللسان. وهذا المعنى هو الذي يحكم به العقل) ((3)) .
المطلب الثاني: دراسة موقف الشيعة من العقل
إن ما قرره الشيعة في السمة الأولى التي تقصر ثبوت الشريعة والتوحيد والنبوة على العقل فقط تقرير مجمل يحتاج إلى تفصيل حتى يحسن الحكم عليه.
فإن قصدوا بذلك أن العقل قد استقل وحده بالإثبات بمعزل عن دلالة الشرع وهدايته فهذا باطل بلا شك.(4/198)
وإن قصدوا به أن العقل طريق لإثبات ذلك بدلالة الشرع وهدايته فذاك حق لا جدال فيه، وهذا ما ترجمه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله: (واعلم أن عامة مسائل أصول الدين الكبار مثل الإقرار بوجود الخالق وبوحدانيته وعلمه وقدرته ومشيئته وعظمته، والإقرار بالثواب، وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك مما يعلم بالعقل وقد دل الشارع على أدلته العقلية، وهذه الأصول التي يسميها أهل الكلام العقليات وهي ما تعلم بالشرع، لا أعني بمجرد إخباره فإن ذلك لا يفيد العلم إلا بعد العلم بصدق المخبر، فالعلم بها من هذا الوجه موقوف على ما يعلم بالعقل من الإقرار بالربوبية وبالرسالة، وإنما أعني بدلالته وهدايته، كما أن ما يتعلمه المتعلمون ببيان المعلمين وتصنيف المصنفين إنما هو لما بينوه للعقول من الأدلة، فهذا موضع يجب التفطن له، فإن كثيراً من الغالطين من متكلم ومحدث ومتفقه وعامي وغيرهم يظن أن العلم المستفاد من الشرع إنما هو لمجرد إخباره تصديقاً له فقط، وليس كذلك، بل يستفاد منه بالدلالة والتنبيه والإرشاد جميع ما يمكن ذلك فيه من علم الدين) ((1)) .
أما ما قرروه في السمة الثانية التي تجعل استحقاق الثواب والعقاب مدركاً عقلياً فهو بعينه إحدى السمات التي ظهر بها تقديس المعتزلة للعقل، وقد سبق جواب ذلك، والإحالة إليه هناك أولى من ذكره هنا خشية الإطالة والتكرار ((2)) .
المبحث التاسع: العقل عند السلف الصالح
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل
بَّين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى موقف السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم من العقل وأهم ملامح هذا البيان يتجلى في أربع سمات:
السمة الأولى:
... (أن العقل عندهم يحسَّن ويقبَّح) :(4/199)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (القائلون بالتحسين والتقبيح من أهل السنة والجماعة من السلف والخلف يثبتون القدر والصفات ونحوهما مما يخالف فيه المعتزلة أهل السنة، ويقولون مع هذا بإثبات الحسن والقبح العقليين، … ونَفْيُ الحسن والقبح العقليين مطلقاً لم يقله أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، بل ما يؤخذ من كلام الأئمة والسلف في تعليل الأحكام وبيان حكمة الله في خلقه وأمره، وبيان ما في ما أمر الله به من الحسن الذي يعلم بالعقل، وما في مناهيه من القبح المعلوم بالعقل ينافي قول النفاة) ((1)) .
السمة الثانية:
... (أن الثواب والعقاب على حسن الفعل وقبحه ثابتان عندهم بالشرع لا بالعقل) :
... قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة … ولكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بالأمر والنهي، وقبل ورود الأمر والنهي لا يكون قبيحاً موجباً للعقاب مع قبحه في نفسه، بل هو في غاية القبح، والله لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال الرسل) ((2)) .
السمة الثالثة:
... (أن العقل عندهم لا يهتدي إلى تفاصيل النافع والضار إلا بالشرع) :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ولولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد، فمن أعظم نعم الله على عباده وأشرف مِنَّة عليهم أن أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبين لهم الصراط المستقيم، ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام والبهائم، بل أشر حالاً منها، فمن قَبِلَ رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية، ومن ردها وخرج عنها فهو من شر البرية) ((3)) .
السمة الرابعة:
(أن العقل الصريح عندهم لا يعارض النقل الصحيح) :
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ولا يوجد نص يخالف قياسياً صحيحاً، كما لا يوجد معقول صريح يخالف المنقول الصحيح) ((4)) .(4/200)
ولذلك فقد ألف رحمه الله تعالى كتاباً أسماه: " درء تعارض العقل والنقل " ((1)) .
المطلب الثاني: دراسة موقف السلف الصالح من العقل
إن العقل عند السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم موظَّف للعمل بالنصوص الشرعية، ومُسْتَثْمَر في فهم مقاصدها ومعرفة دلالاتها، وهذا من شأنه أن يحرر العقل من أسر التقليد وغل العادات حتى يكون في مستوى المكانة التي وضعه فيها الإسلام الحنيف.
ومنهج السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم في تعاملهم مع العقل منهج يقوم على الوسطية والاعتدال، فقد عرفوا ما أعطاه الله تبارك وتعالى للعقل من مساحة يتحرك خلالها ليؤدي وظيفته التي أرادها الله عز وجل منه وهي فَهْمُ مراده سبحانه من النصوص الشرعية حتى يوجه صاحبه للعمل بها دونما زيغ أو شطط.
وجعلوا ذلك العقل في الوقت نفسه تابعاً للنقل لا يعارضه في حكم، ولا يستقل عنه بتصور، بل يستنير بنوره ويهتدي بهداه.
ولو أن من شط بعقله سلك هذا المنهج الوسطي المعتدل لسعد بهذا العقل ولما شقي به أبداً، فإن كل من قاده عقله إلى طريق الشقاء إنما كان ذلك نتيجة الغلو في تعظيم العقل ووضعه في المقام الذي لا يناسب حجمه، أو نتيجة تعطيل ذلك العقل دون استثمار لطاقاته واعتبار لقدراته اتكالاً على تقليد أعمى، أو وقوفاً عند عادة من العادات حُتّم عليه اتباعها وحُرَّم عليه اجتنابها.
المبحث العاشر: الفارق بين القياس وحجة العقل
يلاحظ أن المنكرين لحجية القياس كالظاهرية ((2)) والشيعة ((3)) هم من القائلين بإثبات حجة العقل، فهل هذا يعني أنَّ هناك فارقاً بين القياس والعقل؟ ...
... وإذا لم يكن هناك فارق بينهما فهل يعني هذا أنَّ هناك تناقضاً لديهم في الموقف واضطراباً في الرؤية؟(4/201)
.. الواقع أن الشيعة قد أحسوا بتناقض موقفهم واضطراب رؤيتهم فيما قرروا إنكاره وإثباته، فحاولوا جاهدين التوفيق بين إنكارهم حجية القياس حين صرَّحوا بأنَّ (دين الله لا يُصاب بالعقول) ، وإقرارهم بحجة العقل فقالوا: إنَّ المراد من عدم إصابة دين الله تعالى بالعقول هو أنّ الأحكام ومداركها لا تُصاب بالعقول على وجه الاستقلال، بل إنها تصاب من طريق الشارع، وفي ذلك يقول المظفَّر الشيعي: (وأما ما ورد عن آل البيت عليهم السلام من نحو قولهم: " إن دين الله لا يصاب بالعقول " فقد ورد في قباله مثل قولهم: " إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأما الباطنة فالعقول "، والحل لهذا التعارض الظاهري بين الطائفتين هو: " أن المقصود من الطائفة الأولى بيان عدم استقلال العقل في إدراك الأحكام ومداركها في قبال الاعتماد على القياس والاستحسان لأنها واردة في هذا المقام، أي: أنَّ الأحكام ومدارك الأحكام لا تصاب بالعقول بالاستقلال، وهو حق كما شرحناه سابقاً ومن المعلوم أنَّ مقصود من يعتمد على الاستحسان في بعض صوره هو دعوى أنّ للعقل أنّ يدرك الأحكام مستقلاً ويدرك ملاكاتها، ومقصود مَنْ يعتمد على القياس هو دعوى أنَّ للعقل أن يدرك ملاكات الأحكام في المقيس عليه لاستنتاج الحكم في المقيس، وهذا معنى الاجتهاد بالرأي، وقد سبق أنَّ هذه الإدراكات ليست من وظيفة العقل النظري ولا العقل العملي لأن هذه أمور لا تصاب إلا من طريق السماع من مبلَغ لأحكام) (1) .(4/202)
.. وأما وجه إنكار الظاهرية للقياس وإقرارهم حجة العقل فهو: أنَّ القياس عندهم تَشرْيع في الدين بما لم يأذن به الله تبارك وتعالى، وهذا باطل لا يصح، وفي ذلك يقول ابن حزم رحمه الله تعالى: (فقد كان الدين والإسلام لا تحريم فيه ولا إيجاب، ثم أنزل الله تعالى الشرائع، فما أَمَر به فهو واجب، وما نهى عنه فهو حرام، وما لم يأمر به ولا نهى عنه فهو مباح مطلق حلال كما كان، هذا أَمْر معروف ضرورة بفطرة العقول مِنْ كل أحد، ففي ماذا يُحتاج إلى القياس أو إلى الرأي؟ أليس مَنْ أقرَّ بما ذكرنا ثم أوجب مالا نَصَّ بإيجابه، أو حرمَّ مالا نَصَّ بالنهي عنه قد شرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى؟ وقال مالا يحل القول به؟ وهذا بُرهان لائح واضح وكافٍ لا مُعْتَرَض فيه) (1) .
... وأما حجة العقل عندهم فليست تشريعاً بما لم يأذن به الله تبارك وتعالى، بل هي طريق لإثبات صِدْق المخبر في خبره حتى يحصل اليقين في القلب باتباعه والانصياع إليه فيما أخبر به، وهذا ما دل عليه قول ابن حزم رحمه الله تعالى: (الخبر لا يُعلم صحته بنفسه، ولا يتميز حقه من كذبه، وواجبه من غير واجبه إلا بدليل من غيره، فقد صح أنَّ المرجوع إليه حجج العقول وموجباتها) (2) .
ومِنْ هذا يُعلم أنَّ الفارق عند هؤلاء بين القياس وحجة العقل: أنَّ القياس تَشْريع من غير إذْنٍ إلهي، فهو بذلك محادَّة لله تبارك وتعالى ومضادَّة لرسوله صلى الله عليه وسلم.(4/203)
وأما حجة العقل فليست كذلك، بل هي مساندة للشرع ومؤَّيدة له. ونحن وإن سلَّمنا لهم إقرارهم بالحجة العقلية – فلا نسلَم لهم بحال إنكارهم لحجية القياس، إذ القياس مما أذن الله تبارك وتعالى فيه وأذن فيه رسوله صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن كذلك لما أجمع الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم والتابعون لهم بإحسان رحمهم الله تعالى على العمل به دون منازع. قال الباجي رحمه الله تعالى (أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الفقهاء والمتكلمين وأهل القدوة على جواز التعبد بالقياس، وأنه قد ورد التعبد بالصحيح منه) (1) .
... وقال الرازي رحمه الله تعالى: (والذي نذهب إليه وهو قول الجمهور من علماء الصحابة والتابعين أن القياس حجة في الشرع) (2) .
... وكما أن القياس محل العمل والاعتبار عند الصحابة والتابعين فكذلك هو عند جمهور الأصوليين (3) .
المبحث الحادي عشر: خلاصة الدراسة لموقف الأصوليين من العقل
مما سبق دراسته من موقف الأصوليين من العقل حسب الطوائف التي ينتمون إليها برزت لنا حقيقتان:
الحقيقة الأولى:
... أن المعتزلة، والأشاعرة، والظاهرية، والشيعة، والسلف الصالح، متفقون جميعاً على أن العقل حجة في إدراك المدركات العقلية كحُسْن الحَسَن، وقُبْح القبيح، واستحالة الجمع بين الضدين ونحو ذلك.(4/204)
.. ولا يعكّر هذا الاتفاق إنكار الأشاعرة إدراك العقل للحُسْن والقُبح، فإنهم – على فرض التسليم بصحة هذا التوجيه – أرادوا بهذا الإدراك (الثواب والعقاب) فقط وليس مطلق الإدراك، وهذا ما أفصح عنه الفخر الرازي رحمه الله تعالى بقوله: (الحًسْن والقُبح قد يُعْنىَ بهما كون الشيء ملائماً للطبع أو منافراً، وبهذا التفسير لا نزاع في كونهما عقليين، وقد يُراد بهما كون الشيء صفة كمال أو صفة نقص، كقولنا: العلم حَسنَ والجهل قبيح، ولا نزاع أيضاً في كونهما عقليين بهذا التفسير، وإنما النزاع في كون الفعل مُتَعَلَّق الذم عاجلاً وعقابه آجلاً) (1) .
الحقيقة الثانية:
... انفرد المعتزلة والشيعة عن الأشاعرة والظاهرية وسلف الأمة الصالح بقولهم: " إن العقل يرتَّب الثواب والعقاب على الحَسَن والقبيح".
... وهذا الانفراد جعلهم ينحرفون بالعقل عن مساره الصحيح الذي يجب أن يوضع فيه، ونشأ عن ذلك شطحات فكرية كبيرة صادمت العقيدة وخالفت الشريعة، حتى أوجد ذلك نَفْرةً في القلوب من منهج المعتزلة من جهة، ومن منهج الشيعة من جهة أخرى.
• • •
الخاتمة
بعد حَمْد الله تبارك وتعالى في البدء والختام فإنَّ أهم نتائج هذا البحث ما يلي:
العقل في اللغة يُطلق على معانٍ متعددة من أهمها: الحِجْر، الجَمْع، الحَبْس، التثبت في الأمور، التميز، الفَهْم المَسْك، الملجأ.
العقل في الاصطلاح تباينت فيه عبارات الأصوليين، ولعلَّ أرجح تعريفات العقل عندهم هو تعريف السرخسي رحمه الله تعالى حيث قال: (العقل نور في الصدر به يبصر القلب عند النظر في الحجج) .
المناسبة قوية جداً بين الحقيقة اللغوية والحقيقة الاصطلاحية للعقل.
اختلف الأصوليون في محل العقل على ثلاثة أقوال أرجحها أن محله القلب ويفيض نوره إلى الدماغ لدلالة ظواهر الآيات القرآنية الكريمة على ذلك.
للخلاف في محل العقل ثمرة عملية تظهر في بعض مسائل الفقه.(4/205)
اختلف الأصوليون في تفاوت العقل على قولين، والراجح منهما القول بتفاوت العقول لدلالة الشرع على ذلك واختلاف الناس في الإدراكات العقلية، إذ بعضهم أكثر إدراكاً من بعض كما هو ملموس ومشاهد.
الخلاف في سبب تحكيم العقل يعود إلى الاختلاف في المعرَّف لأحكام الله تبارك وتعالى.
المعتزلة يقرون بإدراك العقل لحُسْن الأشياء وقُبْحها، ويرتبَون على ذلك الثواب والعقاب، كما يقدَمون العقل على الشرع تقديم الأصل على الفرع.
الأشاعرة ينكرون إدراك العقل لحُسْن الأشياء وقبُحها، ومرادهم من ذلك نَفْيُ أن يكون الثواب والعقاب ثابتين بالعقل.
الظاهرية يثبتون حجج العقول رغم إنكارهم القياس، ووظيفة العقل عندهم فهْمُ مراد الله تعالى من الأوامر والنواهي، دون أن يملك تحريماً أو تحليلاً أو تدخلاً فيما لا مجال له فيه.
الشيعة يجعلون العقل حجة باطنة، وسبيلاً إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار، ووافقوا المعتزلة على ترتيب الثواب والعقاب بالعقل.
العقل عند علماء السلف الصالح يحسَن ويقبَح، والثواب والعقاب عندهم ثابتان بالشرع لا بالعقل، والعقل لا يهتدي عندهم إلى تفاصيل النافع والضار إلا بالشرع، ولا يوجد في الواقع تعارض عندهم بين صريح العقل وصحيح النقل.
الفارق بين القياس وحجة العقل عند منكري القياس من الظاهرية والشيعة: أن القياس تشريع من غير إذن إلهي والحجة العقلية طريق لإثبات صِدْق المخبر في خبره حتى يحصل برد اليقين باتباعه.
لا خلاف بين المعتزلة والأشاعرة والظاهرية والشيعة والسلف الصالح في كون العقل حجة في إدراك المدركات العقلية، بل الجميع متفق على ذلك.
انفراد المعتزلة والشيعة عن الأشاعرة والظاهرية وسلف الأمة الصالح حين رتَّبوا الثواب والعقاب على مجرد إدراك العقل لحُسْن الأشياء وقُبحْها.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
الحواشي والتعليقات
... ...(4/206)
الحِنْثُ يُطلق في اللغة على عدد من المعاني منها: الإثم، والخُلْفُ في اليمين، والميل من باطل إلى حق والعكس والتعبد، والإدراك، والبلوغ. (انظر القاموس المحيط، مادة " الحنث "1/165، تاج العروس، مادة " حنث " 1/616) .
والمراد به هنا: البلوغ وإدراك سن التكليف.
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، في كتاب " الحج "، باب "إثبات فرض الحج". (السنن الكبرى 4/325) .
وهذا الحديث صححه الحاكم رحمه الله تعالى فقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ، ووافقه الذهبي رحمه الله تعالى على ذلك.
(انظر المستدرك، وتلخيص الذهبي عليه 1/258- 259) .
يونس: (101) .
الغاشية: (17-20) .
النساء: (82) .
محمد: (24) .
كما في الآية (44) من سورة البقرة، والآية (65) من سورة آل عمران.
البقرة: (170) .
المائدة: (104) .
انظر لسان العرب 11/458 مادة " عقل "
انظر المرجع السابق.
انظر المرجع السابق
انظر المرجع السابق
انظر لسان العرب 11/459 مادة (عقل) .
انظر لسان العرب 11/459 مادة (عقل) ، القاموس المحيط 4/18 مادة "العقل ".
انظر لسان العرب 11 /459 مادة (عقل) ، القاموس المحيط 4/18 مادة "العقل".
انظر لسان العرب 11 /465 مادة "عقل"، القاموس المحيط 4/19 مادة "العقل".
البرهان 1/112.
المستصفى 1/23
أصول السرخسي 1/346 – 347، ونحوه عند البزدوي في أصوله 2/731.
نقله عنه إمام الحرمين في البرهان 1/111.
انظر المستصفى 1/23.
انظر المنخول ص 44.
انظر المنخول ص45.
العدة 1/83.
المنخول ص 44.
البرهان 1/112.
العدة 1/87-88.
انظر إحكام الفصول ص171، البحر المحيط 1/89، العدة 1/89، التمهيد 1/48، المسودة ص559، شرح الكوكب المنير 1/83.
انظر إحكام الفصول ص171، البحر المحيط 1/89، العدة 1/89، التمهيد 1/48، المسودة ص559، شرح الكوكب المنير 1/84.
أصول البزدوي مع شرحه كشف الأسرار للبخاري 2/731.(4/207)
انظر أصول السرخسي 1/346.
هو أبو الحسن عبد العزيز بن الحارث بن أسد التميمي الحنبلي، له مصنفات في الكلام وفي الفقه وأصوله وفي الخلاف والفرائض، وقد اتُّهم بوضع الحديث. ولد سنة (317هـ) ، وتوفي رحمه الله تعالى سنة (371هـ) (انظر النجوم الزاهرة 4/140، المنهج الأحمد 2/66) .
انظر العدة 1/89، شرح الكوكب المنير 1/84، المسودة ص559.
ق: (37) .
الحج: (46) .
الحج: (46) .
الأعراف: (179) .
أخرجه السيوطي في اللآلئ المصنوعة، والشوكاني في الفوائد المجموعة، وحكما عليه بأنه حديث موضوع. (انظر اللآلئ المصنوعة 1/95، الفوائد المجموعة ص 467) .
أخرجه البخاري في الأدب المفرد، في باب " العقل في القلب " ص 80. وهذا الحديث ذكره السيوطي في كتابه " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " 1/97.
الأعراف: (179) .
انظر هذه الأدلة في: أحكام الفصول ص 171، العدة 1/90-93، التمهيد 1/47-51، شرح الكوكب المنير 1/83-84.
انظر العدة 1/90، المسودة ص 560، التمهيد 1/51-52.
انظر العدة 1/89، المسودة ص 559، التمهيد 1/52.
انظر العدة 1/93 – 94، التمهيد 1/52.
فتح القدير للشوكاني 3/459.
الموضحة من الشجاج: هي التي بلغت العظم فأوضحت عنه حتى بدى بياضه. (لسان العرب 2/635 مادة "وضح ") .
البحر المحيط 1/90.
روضة الطالبين 9/290.
هو أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني العلامة المحقق. ولد سنة (511هـ) ، وتوفي رحمه الله تعالى سنة (593هـ) . ومن مصنفاته: كتاب " كفاية المنتهي " وكتاب " الهداية ".
(انظر الجواهر المضية في طبقات الحنفية 2/627- 628) .
الهداية 4/530.
انظر العدة 1/94.
انظر التمهيد 1/52.
انظر شرح الكوكب المنير 1/85.
انظر أصول البز دوي بشرحه كشف الأسرار للبخاري 2/733.
انظر فواتح الرحموت 1/154.(4/208)
هو عبد العلي محمد بن نظام الدين محمد الأنصاري الهندي الحنفي، من نوابغ القرن الثاني عشر. من أشهر مصنفاته: " فواتح الرحموت " و" تنوير المنار "، و" رسائل الأركان " و" شرح سلم العلوم ". توفي رحمه الله تعالى سنة (1198هـ) (انظر كشف الظنون 4/481، الفتح المبين 3/132) .
انظر المغني للقاضي عبد الجبار 14/1128، تمهيد الأوائل 1/120، البحر المحيط 1/88، العدة 1/94 التمهيد 1/53، الواضح في للباقلاني أصول الفقه 1/25، شرح الكوكب المنير 1/86.
أخرجه البخاري واللفظ له في كتاب " الحيض "، باب " ترك الحائض الصوم " (صحيح البخاري 1/78) .
ومسلم في كتاب " الإيمان "، باب " نقصان الإيمان بنقص الطاعات ". (مسلم بشرح النووي 2/65) .
والحاكم في كتاب " الأهوال ". (المستدرك 4/603) .
انظر شرح عمدة الأصول ورقة 7-8، العدة 1/98، 99-100، التمهيد 1/55، شرح الكوكب المنير 1/85-86.
انظر شرح عمدة الأصول ورقة 7، العدة 1/100، التمهيد 1/56.
العدة 1/100، التمهيد 1/57
انظر شرح عمدة الأصول ورقة 7.
انظر الواضح 1/25، التمهيد 1/56.
النساء: (59) .
الشورى: (10) .
انظر ص535.
انظر إحياء علوم الدين 1/85.
انظر إحياء علوم الدين 1/87.
البحر المحيط 1/88.
أصول الخضري ص21-22.
المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار ص234.
المغني للقاضي عبد الجبار 17/247.
المعتمد 4/1.
انظر شرح الأصول الخمسة ص770.
وقد نقل ابن القيم رحمه الله تعالى في الصواعق المرسلة (3/1038) عن بشر المريسي قوله: (إذا احتجوا عليكم بالقرآن فغالطوهم بالتأويل، وإذا احتجوا بالأخبار فادفعوهم بالتكذيب) .
كما نقل ابن قتيبة رحمه الله تعالى في تأويل مختلف الحديث (ص32) عن النظام قوله: (إن جهة العقل قد تنسخ الأخبار) .
مدارج السالكين 1/253.
طه: (98) .
المائدة: (90-91) .
الإسراء: (15) .
طه (134) .
القصص: (47) .
الشورى: (21) .
المنخول ص 8.(4/209)
الوصول إلى الأصول 1/56.
البرهان 1/87.
منتهى الوصول والأمل ص 29.
مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/7.
الإحكام لابن حزم 7/386.
الإحكام 1/15.
الإحكام 1/17.
الإحكام 1/28.
الإحكام 1/29.
انظر أصول الفقه لمحمد رضا المظفر الشيعي 2/122، 131.
المرجع السابق 2/192.
أصول الفقه للمظفر الشيعي 2/132.
مجموع الفتاوى 19/230.
انظر ص 543.
الرد على المنطقيين ص 420-421.
مدارج السالكين 1/254.
مجموع الفتاوى 19/100.
المرجع السابق 19/288.
وهو كتاب مطبوع على نفقة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1401هـ بتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم في تسع مجلدات.
انظر الإحكام لابن حزم 7/386.
انظر فرائد الأصول لمرتضى الأنصاري الشيعي 1/293، معالم الدين وملاذ المجتهدين للعاملي الشيعي ص 373، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد لمحمد مغنية الشيعي ص 246.
أصول الفقه للمظفر الشيعي 12/131.
الإحكام 8/515.
المرجع السابق 1/28.
إحكام الفصول ص531
المحصول 2/2/36.
انظر التمهيد 3/365، روضة الناظر 3/806،المغني للقاضي عبد الجبار 17/296، المعتمد 2/215 التبصرة ص419، المستصفى 2/234، الوصول إلى الأصول 2/243، الإحكام للآمدي 4/5، شرح تنقيح الفصول ص385، البلبل ص146، كشف الأسرار 3/270، الإبهاج 3/9، فواتح الرحموت 2/311.
المحصول 1/1/159-160.
المصادر والمراجع
الإبهاج في شرح المنهاج:
علي بن عبد الكافي السبكي (ت: 756هـ) ، وولده عبد الوهاب بن علي السبكي (ت: 771هـ) ، مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة، الطبعة الأولى 1401- 1981م.
إحكام الفصول في أحكام الأصول:
سليمان بن خلف الباجي (ت: 474هـ) ، دار الغرب الإسلامي. الطبعة الأولى 1407هـ – 1986م، تحقيق عبد المجيد تركي.
الإحكام في أصول الأحكام:
علي بن أحمد بن حزم الظاهري (ت: 456هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1405- 1985م.(4/210)
الإحكام في أصول الأحكام:
علي بن محمد الآمدي (ت: 631هـ) ، المكتب الإسلامي. الطبعة الأولى 1387هـ – الرياض، الطبعة الثانية 1402هـ – بيروت.
إحياء علوم الدين:
محمد بن محمد الغزالي (ت: 505هـ) ، دار المعرفة، بيروت – لبنان.
الأدب المفرد:
محمد بن إسماعيل البخاري (ت:256هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.
أصول البزدوي:
فخر الإسلام البزدوي (ت: 482هـ) ، ومعه شرح كشف الأسرار للبخاري (ت:730هـ) ، دار الكتاب العربي بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1414هـ – 1994م، ضبط وتعليق وتخريج محمد المعتصم بالله البغدادي.
أصول السرخسي:
محمد بن أحمد السرخسي (ت: 490هـ) ، لجنة إحياء المعارف النعمانية بحيدر أباد الدكن – الهند، تحقيق أبي الوفاء الأفغاني.
أصول الفقه:
الشيخ محمد الخضري بك، دار إحياء التراث العربي، بيروت. الطبعة السادسة 1389هـ.
أصول الفقه:
محمد رضا المظفر، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت، لبنان.
البحر المحيط في أصول الفقه:
محمد بن بهادر الزركشي (ت: 794هـ) ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الطبعة الأولى 1409هـ – 1988م.
البرهان في أصول الفقه:
عبد الملك بن عبد الله الجويني (ت: 478هـ) ، دار الأنصار بالقاهرة، الطبعة الثانية 1400هـ، تحقيق د. عبد العظيم الديب.
البلبل في أصول الفقه:
سليمان بن عبد القوي الطوفي (ت: 716هـ) ، مؤسسة النور بالرياض، الطبعة الأولى 1383هـ.
تأويل مختلف الحديث:
ابن قتيبة الدينوري (ات: 276هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان.
تاج العروس:
محمد مرتضي الزبيدي (ت: 1205هـ) ، الطبعة الأولى بالمطبعة الخيرية بمصر 1306هـ.
التبصرة في أصول الفقه:
إبراهيم بن علي الشيرازي (ت: 476هـ) ، دار الفكر – 1400هـ – 1980م، تحقيق د. محمد حسن هيتو.
تلخيص المستدرك:(4/211)
محمد بن أحمد الذهبي (ت:848هـ) ، مطبوع بذيل المستدرك للحاكم النيسابوري (ت: 405هـ) ، دار الفكر. بيروت – لبنان 1398هـ – 1978م.
تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل:
محمد بن الطيب الباقلاني (ت: 403هـ) ، المكتبة الشرقية، بيروت 1957م.
التمهيد في أصول الفقه.
محفوظ بن أحمد الكلوذاني (ت: 510هـ) ، مطبوعات جامعة أم القرى بمكة المكرمة، الطبعة الأولى 1406هـ – 1985م، تحقيق د. مفيد أبو عمشة، د. محمد بن علي بن إبراهيم.
الجواهر المضية في طبقات الحنيفة:
عبد القادر بن محمد القرشي (ت:775هـ) ، مطبعة عيسى البابي الحلبي 1398هـ، تحقيق د. عبد الفتاح محمد الحلو
الرد على المنطقيين:
شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ) ، إدارة ترجمان السنة – لاهور، باكستان، الطبعة الثالثة 1398هـ.
روضة الطالبين وعمدة المفتين:
يحيى بن شرف النووي (ت:676هـ) ، المكتب الإسلامي. الطبعة الثالثة 1412هـ – 1991م.
روضة الناظر وجنة المناظر:
عبد الله بن أحمد بن قدامة (ت:620هـ) ، مكتبة الرشد بالرياض. الطبعة الثانية 1414هـ –1993م، تحقيق د. عبد الكريم بن علي النملة.
السنن الكبرى.
أحمد بن الحسين البيهقي (ت: 458هـ) . وبذيله الجوهر النقي لابن التركماني (ت: 745هـ) ، دار الفكر.
شرح الأصول الخمسة:
القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني (ت: 415هـ) ، مكتبة وهبة بالقاهرة. الطبعة الأولى 1384هـ-1965م تحقيق د. عبد الكريم عثمان.
شرح تنفيح الفصول:
أحمد بن إدريس القرافي (ت: 684 هـ) ، دار الفكر. الطبعة الأولى 1393هـ – 1973م، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد.
شرح عمدة الأصول:
حافظ الدين النسفي (ت: 701هـ) ، مخطوط برقم (367) بالمكتبة السليمانية باستانبول، مكتبة بغدادلي وهبي.
شرح الكوكب المنير:(4/212)
محمد بن أحمد الفتوحي (ت: 972 هـ) ، مطبوعات جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة 1400هـ – 1980م تحقيق د. محمد الزحيلي، د. نزيه حماد.
صحيح البخاري:
محمد بن إسماعيل البخاري (ت: 256هـ) ، المكتبة الإسلامية – استانبول، تركيا.
صحيح مسلم:
مسلم بن الحجاج القشيري (ت: 261هـ) ، ومعه شرح النووي، دار الفكر، بيروت – لبنان. الطبعة الثالثة 1398هـ-1978م.
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة:
محمد بن أبي بكر = ابن القيم (ت: 751هـ) ، دار العاصمة بالرياض. الطبعة الأولى 1408هـ.
تحقيق د. علي بن محمد الدخيل الله.
العدة في أصول الفقه.:
محمد بن الحسين الفراء (ت: 458هـ) ، تحقيق د. أحمد بن علي المباركي، الطبعة الثانية 1410هـ – 1990م.
علم أصول الفقه في ثوبه الجديد:
محمد جواد مغنية الشيعي، دار الكتاب الإسلامي.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير:
محمد بن علي الشوكاني (ت: 1250هـ) ، دار الفكر. بيروت. الطبعة الثالثة 1393هـ – 1993م.
الفتح المبين في طبقات الأصوليين:
عبد الله مصطفى المراغي الناشر: محمد أمين دمج وشركاه، بيروت، الطبعة الثانية 1394هـ.
فرائد الأصول:
مرتضى الأنصاري الشيعي (ت: 1281هـ) ، مؤسسة النعمان – بيروت 1411هـ.تحقيق عبد الله النوراني.
الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة:
محمد بن علي الشوكاتي (ت: 1250هـ) ، مطبعة السنة النبوية. الطبعة الأولى 1380هـ – 1960م، تحقيق عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني.
فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت:
محمد بن نظام الدين الأنصاري (ت: 1180هـ) ، مطبوع مع المستصفى للغزالي (ت: 505هـ) ، دار إحياء التراث العربي – بيروت.
القاموس المحيط:
محمد بن يعقوب الفيروزابادي (ت: 817هـ) ، دار الفكر، بيروت – لبنان، 1398هـ – 1978م.
كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي:(4/213)
عبد العزيز بن أحمد البخاري (ت: 730هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان. الطبعة الثانية 1414هـ – 1994م، ضبط وتعليق وتخريج محمد المعتصم بالله البغدادي.
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون:
مصطفى بن عبد الله القسطنطني المعروف بحاجي خليفة (ت: 1067هـ) ، دار الفكر 1402هـ.
اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة:
عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر = جلال الدين السيوطي (ت: 911هـ) ، المكتبة التجارية الكبرى بمصر.
لسان العرب:
محمد بن مكرم بن منظور المصري (ت: 711هـ) ، دار صادر – بيروت الطبعة الأولى 1410هـ – 1990م.
مجموع الفتاوي:
شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ) ، جمع عبد الرحمن بن محمد العاصمي. الطبعة الأولى 1398هـ.
المحصول في أصول الفقه:
محمد بن عمر الرازي (ت: 606هـ) ، مطبوعات جامعة الإمام. الطبعة الأولى 1401هـ – 1981م، تحقيق د. طه جابر العلواني.
المحيط بالتكليف:
القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني: (ت: 415هـ) ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، الدار المصرية للتأليف والترجمة، تحقيق عمر السيد عزمي.
مدارج السالكين:
محمد بن أبي بكر = ابن القيم (ت: 751هـ) ، دار الكتب العلمية. بيروت – لبنان. الطبعغة الأولى 1403هـ – 1983م.
المستدرك على الصحيحين:
محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت: 405هـ) ، دار الفكر. بيروت – لبنان. طباعة عام 1338هـ – 1978م، وبذيله تلخيص الذهبي.
المستصفى من علم الأصول:
محمد بن محمد الغزالي (ت: 505 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.
مسلم الثبوت:
محب الله بن عبد الشكور، مطبوع مع المستصفى للغزالي، دار إحياء التراث العربي،
بيروت – لبنان.
المسودة في أصول الفقه:
لآل تيمية، جمعها شهاب الدين أبو العباس الحنبلي، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.(4/214)
معالم الدين وملاذ المجتهدين:
الحسن بن زين الدين العاملي الشيعي (ت: 1011هـ) ، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.
المعتمد في أصول الفقه:
محمد بن علي البصري (ت: 436هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1403هـ – 1983م)
المغني:
عبد الجبار بن أحمد الهمداني (ت: 415هـ) ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر.
الدار المصرية للتأليف والترجمة - القاهرة، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه – 1385هـ – 1965م.
مفتاح دار السعادة:
محمد بن أبي بكر = ابن القيم (ت: 458هـ) ، دار المشرق، بيروت – لبنان، تحقيق د. وديع زيدان حداد.
منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل:
عثمان بن أبي بكر المقري = ابن الحاجب (ت: 646هـ) ، دار الباز بمكة المكرمة. الطبعة الأولى 1405هـ – 1985م.
المنخول من تعليقات الأصول:
محمد بن محمد الغزالي (ت: 505 هـ) ، دار الفكر – دمشق. الطبعة الثانية 1400هـ –1980م) ، تحقيق د. محمد حسن هيتو.
المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد:
عبد الرحمن بن محمد العليمي (ت: 928هـ) ، مطبعة المدني بالقاهرة 1383هـ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة:
ابن تغري بردي. دار الكتب المصرية.
الهداية شرح بداية المبتدي:
علي بن أبي بكر المرغيناني (ت: 593هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1410هـ – 1990م.
الواضح في أصول الفقه:
على بن عقيل البغدادي الحنبلي (ت: 513هـ) ، مؤسسة الرسالة. الطبعة الأولى 1420هـ، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي.
الوصول إلى الأصول:
أحمد بن علي بن برهان البغدادي (ت: 518هـ) ، مكتبة المعارف بالرياض 1403هـ – 1983م
تحقيق د. عبد الحميد أبو زنيد.(4/215)
المجاز عند الأصوليين
بين
المجيزين والمانعين
د. عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله السديس
الأستاذ المساعد بقسم القضاء
بجامعة أم القرى
ملخص البحث
... اشتمل البحث على مقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة.
... أما المقدمة فتشمل:
(1) أهمية الموضوع وأسباب اختياره.
(2) خطة البحث.
(3) منهجي فيه.
... ثم التمهيد واشتمل على ثمانية مطالب أولها: تقسيم اللفظ باعتبارات عدة ومنها تقسيمه إلى حقيقة ومجاز على مذهب الجمهور، ثم تعريف الحقيقة في اللغة، ثم تعريف المجاز لغة وبعد ذلك تعريفهما في الاصطلاح، وأن الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له والمجاز اللفظ المستعمل في غير ما وضع له على وجه يصح، وفي المطلب السادس قسمت الحقيقة إلى ثلاثة أقسام لغوية وعرفية وشرعية ومثلت لكل قسم، وفي السابع قسمت المجاز إلى أقسام أربعة: مجاز الإفراد والتركيب، والمجاز العقلي، ومجاز النقص والزيادة ومثلت لكل قسم، وفي المطلب الثامن ذكرت تاريخ نشوء القول بالمجاز وأنه حدث بعد القرون الثلاثة المفضلة، وفي المبحث الأول من البحث ذكرت خلاف الأصوليين في القول بالمجاز وأن حاصل المذاهب فيه خمسة: الجواز وهو قول الجمهور، والمنع وهو قول عدد من المحققين منهم شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه العلامة ابن القيم والتفصيل على خلاف فيه، وفي المبحث الثاني ذكرت أدلة الأقوال والمناقشات الواردة عليها والترجيح حيث تبين لي صعوبة الترجيح لقوة أدلة كل فريق وبالتالي رجحت التفصيل على حسب الضوابط الشرعية وذلك جمعا بين الأقوال وتضييقا للخلاف في المسألة فلا يجوز القول بالمجاز في كلام الله وصفاته، أما ماعدا ذلك فالأمر فيه واسع بحمد الله وفي المبحث الثالث تساءلت هل للخلاف من ثمرة؟ وذكرت التفصيل في ذلك فمن الخلاف ماله ثمرة عملية ومنه ما هو اصطلاح لا مشاحنة فيه، وفي المبحث الرابع ذكرت أثر القول بالمجاز على النصوص الشرعية وبينت أنه كان من(4/216)
الأسباب لدى بعض المخالفين لمنهج السلف في تأويل النصوص وعقبت ببعض الأمثلة التي أوردها بعض الأصوليين للمجاز وبينت المنهج الصحيح والموقف السليم حيالها، ثم ختمت البحث بخاتمة أوردت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها وذيلت البحث بفهارس متنوعة شملت خمسة فهارس للآيات والأحاديث والأعلام والمراجع والموضوعات، وبذلك يتم البحث بحمد الله.
... سائلا الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح والإخلاص لوجهه الكريم والتسديد في الأقوال والأفعال إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
• • •
المقدمة
... إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (1) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
... أما بعد:
... فإن للعلم الشرعي مكانة كبرى ومنزلة عظمى في هذا الدين، وإن من أجل العلوم الشرعية قدرا، وأعظمها أثرا وأكبرها فائدة علم أصول الفقه، لاسيما مسائله المتعلقة بالأدلة الشرعية ودلالاتها اللفظية، وإن من المسائل الأصولية المتعلقة بهذا القسم مسألة مهمة لها مكانتها الكبيرة ودلالاتها الكثيرة، بل وآثارها الخطيرة في هذا الفن وما يرتبط به من علوم العقيدة واللغة والقرآن والأحكام ونحوها، تلك هي مسألة "المجاز".(4/217)
.. ونظرا لأهمية هذه المسألة وتعلقها بمسائل شتى وفنون متعددة، وحاجة المكتبة الأصولية فيما أرى إلى من يجلي القول فيها تجلية مبنية على دراسة علمية تأصيلية مقارنة بعيدة عن التعصب والتعسف، فإن من المهم وجود بحث مستقل فيها، ولقد كنت ولازلت مهتما بهذه القضية في قراءاتي وأثناء تدريسي لمادة الأصول، وكانت هذه المسألة بحق تشكل على كثير من طلبة العلم فيطول النقاش فيها بين إثبات المجاز ونفيه، فرأيت أن أكتب في هذه المسألة كلاما يجمع أطرافها ويلم شتاتها، ويحرر القول والخلاف فيها بدليله، فاستعنت بالله في البحث فيها إسهاما في البحث العلمي، ومشاركة في التحصيل الموضوعي.
... ورأيت أن يشتمل البحث في هذه المسألة على مقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة.
... أولا: المقدمة: وتشمل ثلاثة مطالب:
... الأول: أهمية الموضوع وأسباب اختياره.
... الثاني: خطة البحث.
... الثالث: منهجي فيه.
المطلب الأول: أهمية الموضوع وأسباب اختياره تأتي أهمية هذا الموضوع وترجع أسباب اختياره لاعتبارات عدة أهمها:
... 1 أنه يبحث في موضوع مهم في علم الأصول يمثل جوهرة في عقد وضاء، وحلقة في سلسلة مترابطة، ولبنة في بناء أصولي شامخ.
... 2 أن هذه القضية تعتبر مسألة جوهرية من مسائل اللغة والألفاظ لها علاقتها الوطيدة بعدد من العلوم في العقيدة لاسيما في صفات الباري جل وعلا، كما أن لها ارتباطا وثيقا بالأدلة خاصة المصدر الأول من مصادر التشريع "كتاب الله سبحانه".
... وقضية هذا شأنها، وتلك محاورها، جديرة بالبحث والدراسة.
... 3 أن هذه المسألة ليست نظرية صرفة ولفظية بحتة، بل لها آثار عملية كثيرة ويلزم منها لوازم خطيرة، ويترتب عليها أمور شنيعة، بل لقد كانت تكأة لكثير من المخالفين لمذهب السلف في الاعتقاد، بنوا عليها مذاهبهم، وعولوا عليها في استدلالاتهم، فكان لابد من تجليتها وإبانة الحق فيها.(4/218)
.. 4 أن هذه القضية كانت ولازالت محل نقاش وإشكال وجدل بين طلاب العلم والباحثين ما بين مثبت وناف ومفصل ومتردد ومتوقف، فكان لابد من وجود بحث حر متجرد يتسم بالعرض والاستدلال والمناقشة الهادفة ومن ثم بيان الراجح على حسب قوة الدليل وصحة التعليل.
... 5 أن هذه المسألة مع كثرة عرضها والبحث فيها بين ثنايا كتب اللغة والأصول وغيرها لازالت بكرا في عرضها من الناحية الأصولية على أصول البحث العلمي الدقيق، وإن كنت لا أدعي السبق في ذلك لكني لم أطلع حسب علمي على رسالة متخصصة في علم الأصول على المنهج الذي أوردته وكل ما فيه عرض للمسألة من طرف وانتصار لها من زاوية معينة، أو رد على مخالف فيها فحسب، ولا ينافي هذا وجود دراسات مستقلة سابقة وأبحاث ورسائل علمية متخصصة حول هذه القضية من الناحية اللغوية لا من الناحية الأصولية التي لازالت بحاجة إلى دراسة مستقلة (2) .
... راجيا أن يسد هذا البحث هذه الثغرة الأصولية المهمة ويتحقق للقارئ فيه ما ينشده في المسألة، لما لشتاتها، وجمعا لأطرافها، وتصحيحا لما يقوى دليله فيها، والله المستعان.
المطلب الثاني: خطة البحث تلخص لي من خلال النظر في مظان هذا البحث خطة تتضمن مقدمة وتمهيدا وأربعة مباحث وخاتمة.
... أما المقدمة فقد سبق الحديث في مضمناتها.
... وأما التمهيد فيشتمل على ثمانية مطالب مختصرة هي:
... المطلب الأول: توطئة في تقسيم اللفظ.
... المطلب الثاني: تعريف الحقيقة في اللغة.
... المطلب الثالث: تعريف المجاز في اللغة.
... المطلب الرابع: تعريف الحقيقة في الاصطلاح.
... المطلب الخامس: تعريف المجاز في الاصطلاح.
... المطلب السادس: أقسام الحقيقة وأمثلتها.
... المطلب السابع: أقسام المجاز وأمثلته.
... المطلب الثامن: تاريخ نشوء القول بالمجاز.
... المبحث الأول: أقوال العلماء في المجاز.(4/219)
.. المبحث الثاني: الأدلة والمناقشات والراجح ووجه ترجيحه.
... المبحث الثالث: هل للخلاف ثمرة؟
... المبحث الرابع: أثر القول بالمجاز على النصوص الشرعية، وتعقيب على ما ذكره بعض الأصوليين من أمثلة على المجاز.
... الخاتمة: وفيها أبرز النتائج التي توصلت إليها.
المطلب الثالث: منهجي في البحث يتسم منهجي في البحث بما يلي:
... 1 عرض المسألة عرضا علميا أصوليا مقارنا بذكر الأقوال والأدلة والمناقشات والراجح ووجه ترجيحه وثمرة الخلاف على طريقة البحث العلمي المقارن.
... 2 عزو الأقوال إلى أصحابها والنقول إلى مذاهبها المعتبرة.
... 3 التجرد عند سرد الأدلة والترجيح دون تعصب لرأي أو تقليد لمذهب، بل حسب قوة الدليل وصحة التعليل.
... 4 التوثيق العلمي من الكتب المعتبرة الأصيلة في كل مذهب، مع الاستفادة من المصادر المستقلة والمعاصرة في هذا الموضوع.
... 5 قمت بترتيب المذاهب على حسب الترتيب الزمني.
... 6 عزو الآيات إلى سورها بذكر رقم الآية واسم السورة.
... 7 تخريج الأحاديث من مظانها المعتبرة.
... 8 ترجمة الأعلام باختصار سوى المشهورين.
... 9 ذيلت البحث بفهارس متنوعة شملت خمسة فهارس للآيات والأحاديث والآثار والأعلام والمراجع والموضوعات.
... سائلا الله التوفيق والسداد والإخلاص لوجهه الكريم والإصابة في الأقوال والأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو المستعان، وعليه التكلان.
التمهيد:
... قبل الدخول في حكم المجاز عند الأصوليين بين المنع والجواز أرى أنه يحسن وضع مدخل تمهيدي للبحث يتم فيه التعريف والتقسيم والتمثيل ونحو ذلك مما له علاقة وطيدة بالموضوع تهيئ القارئ للوقوف على حكم المسألة بالتفصيل.
... فكان هذا التمهيد المشتمل على المطالب الآتية:
المطلب الأول: توطئة في تقسيم الألفاظ:(4/220)
.. من المعلوم لدى المتخصصين أن الألفاظ لها أقسام كثيرة باعتبارات متعددة، فمنها تقسيم اللفظ باعتبار وضعه للمعنى كالعام والخاص والمطلق والمقيد والأمر والنهي ونحوها.
... ومنها تقسيم اللفظ باعتبار ظهور المعنى وخفائه كالنص والظاهر والمجمل والمؤول.
... ومنها تقسيم اللفظ باعتبار كيفية دلالته كالمنطوق والمفهوم بأقسامه المختلفة.
... ومنها تقسيم اللفظ باعتبار الاستعمال وهو المقسم إلى الاستعمال الحقيقي والمجازي.
... وهذه التقسيمات ليست محل اتفاق بين العلماء لكنها اصطلاحات ارتضاها بعضهم، وآخرون نظروا إلى الألفاظ باعتبارات أخرى لا تخرج في حقيقتها عما أوردته.
... والذي يهمنا في هذه الأقسام آخرها وهو تقسيم الألفاظ باعتبار استعمالها.
... وأنواع هذا القسم ليست محل اتفاق بين العلماء، لكنها المسلك الذي سار عليه جمهورهم.
... ولذلك فإني في هذا التمهيد سأسير على ماسار عليه الجمهور، ثم يأتي بيان الحكم في المباحث القادمة.
... ولأبدأ في هذا التمهيد بعد هذه التوطئة في التعريف لكل من الحقيقة والمجاز (3) .
المطلب الثاني: تعريف الحقيقة في اللغة:
... الحقيقة في اللغة مأخوذة من حق يحق حقا وحقيقة، يقال: حق الشئ إذا وجب وثبت، ومنه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} (4) ، وقوله سبحانه: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} (5) .
... وحققت الأمر وأحققته أحقه إذا تيقنته أو جعلته ثابتا لازما، وحقيقة الشئ: منتهاه وأصله المشتمل عليه.
... قال ابن فارس (6) : " (حق) الحاء والقاف أصل واحد، وهو يدل على إحكام الشئ وصحته، فالحق نقيض الباطل، ثم يرجع كل فرع إليه بجودة الاستخراج وحسن التلفيق، ويقال: حق الشئ: وجب ... " (7) .
... ومن مجموع هذه المعاني اللغوية لكلمة "الحقيقة" يتبين أنها تطلق ويراد بها أحد المعاني الآتية:
(أ) الوجوب، والثبوت، واللزوم، والوقوع.(4/221)
(ب) الإحكام، والصحة، والإتقان، والجودة، والحسن.
(ج) غاية الشئ، ومنتهاه، وأصله، وماهيته.
(د) التيقن، والجزم، والقطع (8) .
المطلب الثالث: تعريف المجاز في اللغة:
... المجاز لغة: مأخوذ من جاز، يجوز، جوزا، وجوازا، يقال جاز المكان، إذا سار فيه، وأجازه: قطعه، يقال جاز البحر: إذا سلكه وسار فيه، حتى قطعه، وتعداه. ويقال: أجاز الشئ: أي أنفذه، ومنه إجازة العقد: إذا جعل جائزا، نافذا ماضيا على الصحة.
... وجاوزت الشئ وتجاوزته: تعديته، وتجاوزت عن المسئ: عفوت عنه وصفحت (9) .
... قال ابن فارس: " (جوز) الجيم والواو والزاء أصلان، أحدهما: قطع الشئ، والآخر: وسط الشئ، فأما الوسط: فجوز كل شئ وسطه ... والأصل الآخر: جزت الموضع: سرت فيه، وأجزته: خلفته، وقطعته، وأجزته: نفذته.." (10) .
المطلب الرابع: تعريف الحقيقة في الاصطلاح:
... للعلماء في تعريف الحقيقة اصطلاحا أقوال متعددة، أهمها:
... "أنها اللفظ المستعمل فيما وضع له"، ومن الأصوليين من زاد في هذا الحد قيدا وهو قولهم "في اصطلاح التخاطب" (11) لأنه إذا كان التخاطب باصطلاح، واستعمل فيه ما وضع له في اصطلاح آخر، لمناسبة بينه، وبين ما وضع له في اصطلاح التخاطب، كان خارجا عن حد الحقيقة، مع أنه لفظ مستعمل فيما وضع له، ومن تعريفاتها أنها: "اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا" (12) ، ليخرج مثل ما سبق إيراده في التعريف قبله.
... ومنها: "أنها ما أفيد بها ما وضعت له، في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به" (13) .
... ومنها: "أنها كل لفظ بقي على موضوعه" (14) .
... ومنها: "أنها كل اسم أفاد معنى على ما وضع له" (15) .
... هذه أهم التعريفات التي ذكرها الأصوليون لتعريف الحقيقة، وكما ترى أنها متقاربة، متحدة في أصل المعنى والمراد وإن اختلفت في الألفاظ (16) .
المطلب الخامس: تعريف المجاز في الاصطلاح:(4/222)
.. كما تعددت عبارات الأصوليين في المراد بالحقيقة، فقد تعددت كذلك عباراتهم في تعريف المجاز، وإليك أهمها:
... أن المجاز: "ما كان بضد معنى الحقيقة".
... ومنها: "أنه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له" (17) .
... ومن الأصوليين من زاد على هذا الحد قيدا، وهو قولهم "في غير ما وضع له أولا"، ومنهم من زاد "على وجه يصح" وهو تعريف صاحب الروضة (18) ، وبعضهم زاد "في غير ما وضع له، لعلاقة مع قرينة" (19) .
... ومنهم من عبر بقوله: "قول مستعمل بوضع ثان لعلاقة".
... وعرفه بعضهم بأنه: "كل اسم أفاد معنى على غير ما وضع له" (20) .
... وذكروا في تعريفه "أنه كل اسم غير ما وقع عليه الاصطلاح على ما وضع له حين التخاطب" (21) .
... ومن خلال عرض هذه التعريفات يترجح لدي أن تعريف صاحب الروضة أرجحها لأنه جامع مانع وهذا واضح لمن تأمله بخلاف غيره فلم يسلم من المناقشات (22) .
... وهذا الترجيح مبني على القول بصحة التقسيم. والله أعلم.
المطلب السادس: أقسام الحقيقة وأمثلتها:
... قسم العلماء الحقيقة إلى ثلاثة أقسام هي:
(1) الحقيقة اللغوية (الوضعية) .
(2) الحقيقة العرفية.
(3) الحقيقة الشرعية.
... فاللغوية (الوضعية) : هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا في اللغة، كالأسد المستعمل في الحيوان الشجاع المعروف.
... والعرفية: هي اللفظ المستعمل فيما وضع له بعرف الاستعمال اللغوي وهي ضربان: عرفية عامة وعرفية خاصة.
... فمن الأول: أن يكون الاسم قد وضع لمعنى عام، ثم يخصص بعرف استعمال أهل اللغة ببعض مسمياتة، كاختصاص لفظ الدابة بذوات الأربع عرفا، وإن كان في أصل اللغة لكل مآدب.(4/223)
.. ومنه: أن يكون الاسم في أصل اللغة بمعنى، ثم يشتهر في عرف استعمالهم بالمجاز الخارج عن الموضوع اللغوي بحيث إنه لا يفهم من اللفظ عند إطلاقه غيره، كاسم الغائط فإنه وإن كان في أصل اللغة للموضع المطمئن من الأرض، غير أنه اشتهر في عرفهم بالخارج المستقذر من الإنسان. حتى إنه لا يفهم من ذلك اللفظ عن إطلاقه غيره.
... ومن العرفية الخاصة ما تعارف عليه أهل كل فن كالحد والرسم عند المناطقة، والرفع والنصب عند النحاة، والكسر والقلب عند الأصوليين ونحو ذلك.
... والحقيقة الشرعية: هي اللفظ المستعمل فيما وضع له في أصل الشرع، كاسم الصلاة، والزكاة، والحج ونحوها (23) .
المطلب السابع: أقسام المجاز، وأمثلته:
... قسم العلماء المجاز إلى أقسام متعددة، أهمها أربعة هي:
(1) مجاز الإفراد.
(2) مجاز التركيب.
(3) المجاز العقلي.
(4) مجاز النقص والزيادة.
... فمجاز الإفراد: هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له، لعلاقة مع قرينة صارفة عن قصد المعنى الأصلي كإطلاق لفظ الأسد على الرجل الشجاع.
... والتركيب: أن يستعمل كلام مفيد في معنى كلام آخر، لعلاقة بينهما دون نظر إلى المفردات، ومن ذلك جميع الأمثال السائرة، المعروفة عند العرب.
... والمجاز العقلي: هو ما كان التجوز فيه في الإسناد خاصة، لا في لفظ المسند إليه ولا المسند، كقولك "أنبت الربيع البقل"، فالربيع وإنبات البقل كلاهما مستعمل في حقيقته، والتجوز: إنما هو في إسناد الإنبات إلى الربيع، وهو لله جل وعلا.
... وأما مجاز النقص والزيادة: فمداره على وجود زيادة، أو نقص يغيران الإعراب، ويمثلون للنقص بقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (24) ، والمراد أهل القرية.
... ويمثلون للزيادة بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (25) ويقولون إن الكاف زائدة والمراد ليس مثله شئ (26) .(4/224)
.. وهناك أقسام أخرى كمجاز التقديم والتأخير، وغيره، وليس هذا محل بسطه (27) .
... وينبغي أن يعلم أن أقسام المجاز هذه إنما هي عند الذين يرون المجاز في العربية، وفي القرآن، أما الذين لا يرونه فلا يعتبرون ذلك كله، وسيأتي لهذا الأمر تفصيل في صلب البحث عند ذكر الخلاف في المسألة.
... وقد أتيت بهذه التقسيمات لعلاقتها الوطيدة بالبحث. والله أعلم.
المطلب الثامن: تاريخ نشوء القول بالمجاز:
... المستقرئ للجانب التاريخي لظهور المجاز يجد أن العرب لم يعرف عنهم تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز ولم يذكر عنهم التعبير بلفظ المجاز الذي هو قسيم الحقيقة عند أهل الأصول، وإنما هذا اصطلاح حدث بعد القرون المفضلة.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "فهذا التقسيم اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم ... بل ولا تكلم به أئمة اللغة ... ولا من سلف الأمة وعلمائها وإنما هو اصطلاح حادث ... فإن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز إنما اشتهر في المائة الرابعة وظهرت أوائله في المائة الثالثة وما علمته موجودا في المائة الثانية" (28) .
... وقال العلامة ابن القيم رحمه الله بعد رده تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز: "وهو اصطلاح حدث بعد القرون الثلاثة المفضلة بالنص" (29) .
المبحث الأول: أقوال العلماء في المجاز
... اختلف العلماء في المجاز بين مجيز ومانع ومفصل، ولقد تتبعت أقوالهم فيه فتحصل لي خمسة مذاهب (30) هي:
... الأول: الجواز والوقوع مطلقا، وإليه ذهب الجمهور (31) .
... الثاني: المنع مطلقا، وإليه ذهب بعض العلماء والمحققين منهم أبو إسحاق الاسفراييني (32) من الشافعية، وأبو علي الفارسي (33) من أهل اللغة.
... وهو قول المحققين من العلماء (34) .(4/225)
.. القول الثالث: المنع في القرآن وحده، وهو قول بعض العلماء منهم داود بن علي (35) ، ومن الشافعية ابن القاص (36) ، ومن المالكية ابن خويز منداد (37) .
... ومن الحنابلة جمع منهم: أبو الفضل التميمي بن أبي الحسن التميمي (38) ، وأبو عبد الله بن حامد (39) وغيرهم (40) .
... القول الرابع: المنع في القرآن والسنة دون غيرهما (41) .
... وهو قول ابن داود الظاهري (42) .
... القول الخامس: التفصيل بين ما فيه حكم شرعي وغيره، فما فيه حكم شرعي لا مجاز فيه ومالا فلا (43) .
... وإلى هذا التفصيل ذهب ابن حزم الظاهري (44) .
المبحث الثاني: الأدلة والمناقشات والراجح ووجه ترجيحه
أولا: أدلة الجمهور القائلين بجواز المجاز ووقوعه:
... استدلوا بأدلة كثيرة على ذلك، أهمها:
... 1 أن الاسم في لغة العرب منقسم إلى الحقيقة والمجاز، وهذا التقسيم معتبر عند علماء العربية، ومشتهر في استعمالات العرب، والقرآن هو أصل اللغة، ومعينها، فمحال أن يأتي بخلاف ما عليه أهل اللسان العربي، من تقسيم الاسم إلى حقيقة ومجاز.
... 2 أن الأمثلة على وقوع المجاز في القرآن وغيره كثيرة جدا، وهي أشهر من أن تنكر كقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ} (45) ، {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} (46) ، {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} (47) ، وغيرها.
... ووجه الاستدلال من هذه الآيات أنها استعملت في غير ما وضعت له أولا في أصل الوضع. فقوله "جناح الذل" الجناح حقيقة للطائر من الأجسام، والمعاني والجمادات لا توصف به، فإثباته للذل مجاز قطعا.
... والسؤال لأهل القرية، وليس لها، فهو مجاز بالحذف.
... والجدار لا إرادة له، إذ الإرادة حقيقة، من خصائص الإنسان أو الحيوان، وإنما هو كناية عن مقاربته الانقضاض لأن من أراد شيئا قاربه فكانت المقاربة من لوازم الإرادة، فتجوز بها عنها (48) .(4/226)
ثانيا: أدلة المانعين من وجود المجاز، ومناقشتهم للمجيزين:
... سأورد هنا أدلة المانعين للمجاز سواء في اللغة أم في القرآن وحده أم في القرآن والسنة لتقاربها، وتلافيا للتكرار وفي ثناياها مناقشة المخالف ومنها:
... (أ) أن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز لم يقع إلا في كلام المتأخرين، فهو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة المفضلة، ولم يتكلم في ذلك أحد من الصحابة والتابعين، ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم من أئمة المذاهب، وغيرهم، بل ولا تكلم فيه أئمة اللغة والنحو المعتبرون.
... (ب) أن علماء السلف الذين ألفوا في ضروب العلم المختلفة، كالفقه، والأصول، والتفسير، والحديث، لم يوجد فيما كتبوه هذا التقسيم.
... وهذا الإمام الشافعي أول من ألف في أصول الفقه لم يتكلم بتقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز.
... (ج) أن الذين أطلقوا كلمة المجاز من علماء السلف لم يعنوا بها ما هو قسيم الحقيقة، فأول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر ابن المثنى (49) في كتابه "مجاز القرآن"، ولكنه لم يعن بالمجاز ما يقابل الحقيقة وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية.
... وقال الإمام أحمد في كتابه "الرد على الجهمية" في قوله تعالى "إنا" و"نحن" ونحو ذلك في القرآن، هذا من مجاز اللغة ومراده رحمه الله بذلك أن هذا مما يجوز استعماله في اللغة، ولم يرد أنه مستعمل في غير ما وضع له (50) .(4/227)
.. (د) أن الذين قالوا بالتقسيم مطالبون بالدليل لكون الألفاظ العربية وضعت أولا لمعان، ثم بعد ذلك استعملت فيها، ثم تجوز بها عن ما وضعت له ولن يستطيعوا ذلك، لأنه ليس بإمكان أحد أن ينقل عن العرب أنه اجتمع جماعة، فوضعوا جميع الأسماء الموجودة في اللغة، ثم استعملوها بعد الوضع، وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال العرب هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعاني، وأي دعوى خلاف ذلك فليست صحيحة لعدم نقلها إلينا (51) .
... (هـ) ... أن التقسيم ذاته غير صحيح من وجوه:
(1) أن دعوى المجاز تستلزم وضعا قبل الاستعمال، وهذا غير معلوم.
(2) أنه يستلزم تعطيل الألفاظ عن دلالتها على المعاني، وذلك ممتنع لأن الدليل يستلزم مدلوله من غير عكس.
(3) أن التقسيم لا يدل على وجود المجاز، بل ولا على إمكانه، ولا يدل على ثبوت كل واحد من الأقسام في الخارج ولا على إمكانها، فإن التقسيم يتضمن حصر المقسوم في تلك الأقسام وهي أعم من أن تكون موجودة أو معدومة ممكنة أو ممتنعة.
(4) أن هذا التقسيم يتضمن التفريق بين المتماثلين، فإن اللفظ إذا أفهم هذا المعنى تارة، وهذا تارة، فدعوى المدعي أنه موضوع لأحدهما دون الآخر تحكم محض.
(5) أنه يلزم منه الدور، فإن معرفة كون اللفظ مجازا متوقف على معرفة الوضع الثاني، ومستفاد منه، فلو استفيد معرفة الوضع من كونه مجازا لزم الدور الممتنع، فمن أين علم أن هذا وضع ثان للفظ؟ ومن أين علم أن وضع اللفظ لأحد معنيين سابق على وضعه للآخر؟
(6) أن هذا التقسيم يتضمن إثبات الشئ ونفيه، فإن وضع اللفظ للمعنى هو تخصيص به، بحيث إذا استعمل فهم منه ذلك المعنى فقط، ففهم المعنى المجازي مع نفي الوضع، جمع بين النقيضين، وهو يتضمن أن يكون اللفظ موضوعا غير موضوع.(4/228)
(7) أن المجاز هو ما يصح أن يقال لقائله إنه فيه كاذب لأنه يخبر بالشئ على خلاف حقيقته فيصح أن يقال لمن قال رأيت أسدا يرمي إنك كاذب حيث لم ير أسدا وإنما رأى رجلا شجاعا. وهذا ظاهر في ضعف تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز.
(8) أن هذا التقسيم لا ينضبط بضابط صحيح، ولهذا فإن عامة ما يسميه بعضهم مجازا، يسميه غيرهم حقيقة، وكل يدعي أن اللفظ مستعمل في موضوعه وهذا يدل على بطلان هذا التقسيم، وتجرده من الحقيقة.
... وإذا بطل التقسيم بطل تقسيم التقسيم حيث قسموا كل قسم إلى أقسام وهذا ينقصه الدليل الصحيح، والنقل السليم (52) .
... (و) أن التعريفات التي عرفوا بها كلا من الحقيقة والمجاز لم تخل من مناقشة، وذلك أنهم عرفوا الحقيقة "باللفظ المستعمل في موضوعه"، والمجاز "ما استعمل في غير موضوعه"، وهذا يحتاج إلى إثبات الوضع السابق على الاستعمال وهو متعذر.
... ومنهم من زاد "في الاصطلاح الذي به التخاطب"، فيقال من أين يعلم أن هذه الألفاظ التي كانت تتخاطب بها العرب عند نزول القرآن وقبله لم تستعمل قبل ذلك في معنى شئ آخر؟ وإذا لم يعلم هذا النفي لا يعلم أنها حقيقة، ويلزم منه أنه لا يقطع بشيء من الألفاظ أنه حقيقة، ولا قائل بهذا (53) .
... (ز) أن الفروق التي يفرق بها بين الحقيقة والمجاز ليست صحيحة، كقولهم: إن المجاز يصح نفيه، والحقيقة ليست كذلك، وإن المجاز ما يتبادر غيره إلى الذهن، والحقيقة ما تتبادر إلى الذهن، وإن الحقيقة ما يفيد المعنى مجردا عن القرائن، والمجاز مالا يفيد ذلك المعنى إلا مع القرينة (54) .
... فهذه الفروق لم تخل من مناقشات طويلة، ومستلزمات غير سديدة، ثم ما ضابط القرائن، والعلائق التي تذكر؟ كل ذلك وغيره مما ليس له برهان ساطع، وضابط واضح يدل على عدم صحة هذه الفروق وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم (55) .(4/229)
.. (ح) أن هذا التقسيم كثيرا ما استعملته الفرق الضالة، المخالفة لأهل السنة وجعلته تكأة لها في تأويل النصوص ورد الأحاديث الصحيحة، ولم ينقل عن السلف استعماله (56) .
... (ط) أن هذا الأمر يستلزم لوازم غير صحيحة، ويترتب عليه أمور غير سديدة، وما استلزم ذلك فهو مثله، فما أولت الآيات وردت الأحاديث، إلا بدعوى المجاز، وما عطلت الصفات العلي لله جل وعلا وحرفت إلا بدعوى المجاز، فقطع هذا الباب، وسده أسلم للشريعة، وأقوم للملة.
... ومن أشنع اللوازم على قول من فرق بين الحقيقة والمجاز، بأن الحقيقة مالا يصح نفيها، والمجاز ما يصح نفيه، وهذا باطل قطعا. وبهذا الباطل توصل القائلون بالتعطيل إلى نفي صفات الكمال والجلال الثابتة لله تعالى في الكتاب والسنة بدعوى أنها مجاز، كقولهم في استوى استولى وبتأويلهم اليد بالقدرة والنعمة، والمجيء بمجيء الأمر، وقس على هذا (57) .
ثالثا: أدلة المانعين منه في القرآن ومناقشتهم للمخالفين:
... من ذلك إضافة إلى ما سبق: أننا لو أثبتنا المجاز في القرآن لصح أن نطلق على الله سبحانه اسم متجوز ومستعير وهذا لا يصح لأن أسماء الله توقيفية.
... كما أن دعواهم في القرآن بضرب الأمثلة المعروفة غير صحيحة، فالآيات والأمثلة التي ذكروها لا مجاز فيها، وإنما هي أساليب استعملتها العرب، ومعان حقيقية جاءت بها اللغة، فمثلا قوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (58) فيه حذف مضاف، وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أسلوب من أساليب العربية معروف (59) . لأنه مما يعلم وحذف ما علم جائز كما قرره علماء العربية.
... وأيضا: فإن العرب استعملت لفظ القرية ونحوه من الألفاظ التي فيها الحال والمحل، وهما داخلان في الاسم، كالمدينة والنهر، والميزاب وغيرها، وأطلقت هذه الألفاظ تارة على المحل، وهو المكان، وتارة على الحال وهو السكان، وهذا أسلوب مشهور من أساليب العربية.(4/230)
.. فيقولون: حفر النهر، يريدون المحل، وجرى النهر، وهو الماء ووضعت والميزاب وهو المحل، وجرى والميزاب وهو الماء، ونحو ذلك (60) .
... ونظيره هذا المثال، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} فقد جاء استعمال العرب لها تارة للمكان، وتارة للسكان، وقد جاء القرآن بذلك كله. قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} (61) .
... وقال في آية أخرى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} (62) ، فالمراد بالقرية هنا السكان، وكذلك قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} (63) ، والمراد السكان.
... وقد أطلق لفظ القرية، وأريد به المكان، قال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} (64) الآية.
... فالحاصل أن العرب تطلق هذا اللفظ، وتريد به تارة المكان، وتارة السكان، والسياق هو الذي يحدد ذلك، وليس هذا اللفظ مجازا، وإنما أسلوب من أساليب العربية المعروفة (65) .
... وقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ} (66) ليس المراد به أن للذل جناحا، بل المراد بالآية الكريمة كما يدل عليه كلام جمع من المفسرين أنها من إضافة الموصوف إلى صفته، فيكون المعنى "واخفض لهما جناحك الذليل لهما من الرحمة"، وقد ورد ما يدل على ذلك في كلام العرب كقولهم "حاتم الجود" أي الموصوف بالجود.
... ووصف الجناح بالذل، مع أنه صفة الإنسان، لأن البطش يظهر برفع الجناح، والتواضع واللين يظهر بخفضه فخفضه كناية عن لين الجانب، وإضافة صفة الإنسان لبعض أجزائه أسلوب من أساليب العربية كما في هذا المثال.(4/231)
.. وكما في قوله تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} (67) ، والمراد: صاحب الناصية (68) ، والله أعلم.
... وأما قوله تعالى: {جدارا يريد أن ينقض} فلا مجاز فيه من وجهين:
... أحدهما: أن المراد بالإرادة هنا إرادة حقيقية، لأن للجمادات إرادة حقيقية، لا نعلمها، وإنما يعلمها الله عز وجل ومما يؤيد ذلك سلام الحجر على الرسول ((69) ، وحنين الجذع الذي كان يخطب عليه لما تحول عنه إلى المنبر (70) ، وهذا كله ناشئ عن إرادة يعلمها الله تعالى وإن لم نعلمها، كما في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (71) . وأمثال ذلك كثير في الكتاب والسنة.
... الثاني: أن الإرادة تطلق على معان عدة، منها: المعنى اللغوي المعروف، ومنها: مقاربة الشئ، والميل إليه فيكون معنى إرادة الجدار ميله إلى السقوط، وقربه منه، وهذا أسلوب عربي معروف، وبه ينتفي ادعاء المجاز في الآية (72) .
وأما قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} (73) فلا مجاز فيه كذلك، بل هو من إطلاق اسم المحل على الحال فيه وعكسه، وهذا أسلوب من أساليب العربية المشهورة، وكلاهما حقيقة في محله (74) . كما سبق نظيره في القرية، والنهر ونحوها.
... فحاصل الجواب على هذه الأمثلة التي ادعي فيها المجاز أن يقال: إن ذلك أسلوب من أساليب العرب على حقيقته.
... وقد استدل المانعون لوجود المجاز في اللغة والقرآن، بأدلة كثيرة، وناقشوا أدلة المجيزين بمناقشات طويلة وبينوا ما يلزم على القول بالمجاز من لوازم كثيرة.
... وقد كان من رواد هذا القول، والمتصدين لمخالفيه شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله، فقد تكلم عنه في مواضع متعددة، وشنع على القائلين به، ودحض حججهم (75) .(4/232)
.. وتبعه في ذلك تلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله، فقد تصدى لرد هذا القول، ووصفه بالطاغوت، وناقشه من خمسين وجها، بل أكثر (76) .
... وسار على ذلك عدد من المتقدمين (77) ، وجمع من المتأخرين (78) .
... ومما ينبغي ذكره في هذا المقام، أن السلف كما قدمت (79) ، لم يعرفوا هذا المجاز بهذا المعنى الاصطلاحي المتأخر ولذا فلا يرد عليه عدم نقل إنكار المجاز عنهم.
... وبعد القرون المفضلة، ظهر هذا التقسيم، وأنكره عدد من العلماء ومنعوا وقوعه، إما مطلقا أمثال الأستاذ أبي أسحق الاسفرائيني، وهو من كبار الشافعية، وأبي علي الفارسي، وهو من كبار أهل اللغة.
... وإما منعوا وقوعه في القرآن خاصة كالظاهرية، وعلى رأسهم داود بن علي، ومن الحنابلة أبو عبد الله بن حامد وغيرهم كما سبق ذكرهم (80) .
... ويؤدي الاستدلال بالمنع في القرآن خاصة إلى المنع في اللغة، والله أعلم (81) .
... رابعا: ومما سبق من الأدلة والمناقشات على منع المجاز في القرآن يدخل فيها المنع في السنة لعموم كونها وحيا من الله تبارك وتعالى.
... خامسا: مناقشة الجمهور لأدلة نفاه المجاز.
... وقد ناقش الجمهور حجج المنكرين وأجابوا عن أدلتهم فمن ذلك:
... أن القول بأن العرب لم تقسم الكلام إلى حقيقة ومجاز فإن أردتم أنهم لم يضعوا هذا الاصطلاح فمسلم وإن أردتم أنه لا يوجد في كلامهم مجاز فغير مسلم بدليل ما ذكرناه من الأمثلة.
... وأما قولكم إن هذا الاصطلاح حادث لم يعرف إلا بعد القرون المفضلة فغير صحيح بل قد تكلم به عدد من الأئمة منهم معمر بن المثنى مما يدل على أنه استعمال قديم وقد يطلقون عليه لفظ الاتساع.
... وأما القول بأن المجاز يخل بالفهم فنحن اشترطنا لصحة القول بالمجاز وجود القرينة التي تمنع الإخلال بالفهم وتبين مراد المتكلم من لفظه.(4/233)
.. وأما قولكم إن المجاز كذب وأنه يصح نفيه فغير مسلم لأنه وإن جاز نفيه فليس كذبا لأن المنفي هو إرادة المعنى الحقيقي وليس المجازي بدليل القرينة الموضحة للمراد.
... وأما دعوى أن المجاز يلزم عليه وصف الله سبحانه بأنه متجوز ومستعير فغير مسلم لأن الصفات توقيفية.
... تلك أهم المناقشات التي أوردها الجمهور على القائلين بنفي المجاز وإنكاره (82) .
... سادسا: أما التفصيل بين ما فيه حكم شرعي وما ليس فيه فيمنع في الأحكام الشرعية لما يترتب عليه من لوازم غير صحيحة، فالأحكام الشرعية مبنية على القرآن والسنة بلفظ العرب ولغتهم، فالأيمان والنذور والمعاملات والنكاح والطلاق ونحوها لا مجاز فيها، أما ما ليس فيه حكم شرعي فالأمر فيه واسع بحمد الله. والله أعلم (83) .
سابعا: الراجح ووجه ترجيحه مما سبق من عرض المذاهب، والأدلة والمناقشات، أرى صعوبة الترجيح في هذه المسألة وإن كنت أميل إلى التفصيل على حسب الضوابط الشرعية وأهمها:
(1) ألا يكون في القرآن والسنة.
(2) ألا يكون في الاعتقاد لاسيما صفات الله سبحانه.
(3) ألا يكون طريقا إلى تأويل النصوص وردها والتنصل من الأحكام الشرعية.
... والذي يظهر لي إذا دون تعصب ولا تقليد رجحان القول بعدم المجاز، لاسيما في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله (، لقوة أدلة المانعين، وضعف أدلة المجيزين مما ورد عليها من المناقشات القوية، التي أوهنتها.
... ولما يلزم على القول بالجواز المطلق من لوازم غير سديدة، كتعطيل صفات الكمال لله جل وعلا بحجة المجاز وتأويل النصوص على حسب الأهواء بهذه الحجة، ولعدم الضوابط السليمة التي يعرف بها ما قسموه، مما يوهن القول به ولما يترتب على التفريق بين ما قسموه، من جواز نفي بعض كلمات القرآن والسنة، لأن المجاز يجوز نفيه وهذا باطل قطعا.(4/234)
.. ونحو ذلك مما تقدم عند أدلة المانعين، ومناقشتهم للمجيزين فيصار إلى القول بأن ما سموه بالمجاز يسمى أسلوبا من أساليب العرب المشهورة، التي درجت عليها وعرفت عنها، فالحاصل أن الراجح هو التفصيل والقول بجواز المجاز بالضوابط الشرعية، فما يتعلق بالاعتقاد والصفات وكلام الله فلا مجاز فيه بل كله حقيقة، أما المجاز فيما دون ذلك فأمره يسير بحمد الله.
المبحث الثالث: هل للخلاف في المجاز ثمرة؟
بعد عرض الخلاف في المسألة ظهر لي أن الخلاف بين المانعين والمجيزين خلاف حقيقي ليس لفظيا وإن لم يترتب عليه كبير فائدة في الفروع بشرط ألا يتخذ القول بالمجاز ذريعة لتعطيل شئ مما جاء به الشرع.
فالأمثلة السابقة المضروبة لهذه المسألة، يطلق عليها المجيزون مجازا ويطلق عليها المانعون أساليب عربية، تكلمت بها العرب، وهي حقيقة في معناها، لا تجوز فيها.
ولهذا فقد أنكر المانعون كون الخلاف لفظيا (84) ، لأنهم لم يسلموا أصلا بصحة التقسيم.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "وتقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز تقسيم مبتدع، محدث لم ينطق به السلف، والخلف فيه على قولين وليس النزاع فيه لفظيا، بل يقال: نفس هذا التقسيم باطل، لا يتميز هذا عن هذا ... " (85) .
... ومن أثبت صحة التقسيم نفى أن يكون هناك ثمرة عملية لهذا الخلاف وإنما ينحصر الخلاف في العبارة، والتسمية.
... قال ابن قدامه (86) رحمه الله بعد إثباته المجاز وتمثيله له: "ومن منع فقد كابر، ومن سلم وقال لا أسميه مجازا، فهو نزاع في عبارة، لا فائدة في المشاحنة فيه، والله أعلم" (87) .
... قال الشارح (88) معلقا على كلام ابن قدامه هذا بعد أن ذكر المانعين:(4/235)
.. "ولما كان هؤلاء من العلم بمكان معروف، تردد المصنف في الأمر فجعل ذلك إما مكابرة، وإما نزاعا في عبارة وأقول: لا مكابرة، وإنما الصواب الثاني وشرح القول في ذلك ثم قال: "وحاصل الأمر تعذر معرفة تقدم وضع على وضع، فلا مجاز بالمعنى الذي قالوه، بل الكل موضوع، فرجع إلى أنه نزاع في العبارة" (89) .
المبحث الرابع:
أثر القول بالمجاز على النصوص الشرعية وتعقيب على أشهر الأمثلة التي ذكرها بعض الأصوليين للمجاز
... لقد كان للقول بالمجاز على إطلاقه أثر عظيم وخطير على الموقف الصحيح الذي يجب اتخاذه حيال النصوص الشرعية حيث يجب إثباتها على حقيقتها دون تحريف لها عن معانيها الحقيقية لاسيما فيما يتعلق بالأسماء والصفات.
... وقد سبق أن أوردت في حجج منكري المجاز ومناقشتهم للمثبتين له شيئا من ذلك بما يغني عن الإعادة (90) .
... وقد ذكر الأصوليون عددا من الأمثلة من القرآن على إثبات المجاز وحيث إن كثيرا منها يتعلق بصفات الباري جل وعلا، فإن ادعاء المجاز فيها يقتضي نفي حقيقتها، وتعطيل دلالتها على إثبات صفات الكمال لله عز وجل، التي أثبتها لنفسه في كتابه، وأثبتها له رسوله (، وسار عليها سلف هذه الأمة، وقد عرف عن بعضهم سلوكه مذهب الأشاعرة في العقيدة، لذا فقد وقعوا في تأويل بعض النصوص عن حقيقتها، بدعوى المجاز، ولاسيما في آيات الصفات وتلك عقيدة المخالفين لمنهج أهل السنة والجماعة في إثباتهم الصفات لله، كما جاءت، وإقرارها كما وردت، بدون تأويل، ولا تعطيل ولا نفي لحقيقتها، ولا ادعاء كونها مجازا.
... وإليك بعض الأمثلة التي ذكروها عفا الله عنهم تعد شواهد من كلامهم تبين خطورة القول بالمجاز في هذا المجال.
... المثال الأول: قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (91) .(4/236)
.. وهذا المثال ذكره بعض الأصوليين لإثبات المجاز في القرآن (92) ، فعلى هذا المذهب أن في الآية مجازا يكون المعنى: أن الله منور السموات والأرض بالنور المخلوق أو هادي أهلها.
... والحق عند أهل السنة أن الآية على حقيقتها، لا مجاز فيها، وأن من أسمائه تعالى النور، وهو اسم تلقته الأمة بالقبول، وأثبت في الأسماء الحسنى ولم ينكره أحد من السلف، ومحال أن يسمي الله نفسه نورا، وليس له نور ولا صفة النور ثابتة له، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثباتها على حقيقتها (93) .
... المثال الثاني: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ... } (94) الآية.
... هذا المثال ذكره بعضهم لإثبات المجاز في القرآن، مع اختلافهم في معنى ايذاء الله تعالى.
... فيرى بعضهم أن معنى إيذاء الله: إيذاء رسوله (95) .
... ويرى آخرون أن معنى إيذاء الله: إيذاء أوليائه (96) .
... والذي اضطرهم إلى هذا التأويل الواضح ادعاؤهم المجاز فيها.
... والحق: أن كلا التفسيرين ليس صحيحا، بل تحمل الآية على حقيقتها وتجرى على ظاهرها، ويكون المعنى الصحيح لإيذاء الله: الكفر به، ومخالفة أوامره، وارتكاب زواجره، واتخاذ الأنداد والشركاء له، وتكذيب رسله عليهم الصلاة والسلام (97) ، ويدل على ذلك المعنى حديث "ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، ويجعلون له أندادا، وهو مع ذلك يعافيهم ويرزقهم" (98) .
... وأما تفسير من أوله بأنه إيذاء رسوله فهو مردود، بما ذكر، ثم إن الله نص في الآية نفسها على إيذاء الرسول بعد ذكره إيذاءه، فقال: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} فيكون الكلام على هذا القول مكررا وهذا محال لمنافاته الأسلوب الصحيح، والتعبير السليم، الذي جرى عليه كتاب الله.
... وأما تفسير من قال بأنهم يؤذون أولياءه فهو غير صحيح من جهتين:
... الأولى: ما ذكر سابقا من المعنى الصحيح في الآية.(4/237)
.. الثانية: أن الآية نفسها فيها ذكر للرسول، وللمؤمنين والمؤمنات وهم أولياء الله، فيكون في الكلام تكرار لا يليق بكتاب الله، ولو قيل به لحصل المحظور، وهو صرف الآية عن ظاهرها، وتأويلها على غير حقيقتها، والوقوع في التكرار الممنوع الذي يجعل المعطوف عليه بمعنى المعطوف فيكون معنى لفظ الجلالة "الله" بمعنى لفظ "الرسول" وبمعنى لفظ "المؤمنين"، وهذا غير مراد قطعا.
... المثال الثالث والرابع: قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (99) ، و {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} (100) .
... فهذان مثالان ذكرهما بعض الأصوليين لإثبات المجاز في القرآن (101) وليس الأمر كذلك، فلا مجاز في هذه الآيات وأمثالها، بل هي على حقيقتها، عند أهل السنة والجماعة، لأن مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلما له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه، عقوبة له بمثل فعله، كانت عدلا، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} (102) فكاد له كما كاد له إخوته لما قال له أبوه {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} (103) .
... ومعنى استهزاء الله ومكره: إيقاع استهزائهم، ورد خداعهم ومكرهم عليهم، وقيل: استدراجه لهم، وقيل: إنه يظهر لهم في الدنيا خلاف ما أبطن في الآخرة، وقيل: هو تجهيلهم، وتخطئتهم فيما فعلوه (104) .
... قال شيخ الإسلام ابن تيميه بعد ذكره لهذه الأمثلة والمعاني: "وهذا كله حق، وهو استهزاء بهم حقيقة" (105) .
... ومن الأمثلة التي ذكرها بعضهم: قوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} (106) ، وقوله: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} (107) ، وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (108) .(4/238)
.. وادعى أن هذه الآيات ليست على حقيقتها، وإنما هي مجاز، والراجح خلاف قوله، فإنها معان حقيقية لا مجاز فيها البتة، ومعانيها مبسوطة في مظانها المعروفة (109) .
... والأمثلة التي ذكرها القائلون بالمجاز ليس فيها مجاز على القول الراجح وإنما هي أساليب بلاغية، تكلم بها العرب وأرادوا بها الحقيقة.
... وأما آيات الصفات فهي حق، تمر على ظاهرها، وتجرى على حقيقتها، نوردها كما جاءت، ونثبتها كما وردت ولا نقع فيه تأويلا أو تعطيلا بدعوى المجاز، فهذا خلاف منهج السلف أهل السنة والجماعة والله تعالى أعلم.
• • •
الخاتمة
... وبعد هذه الرحلة العلمية مع المجاز إثباتا ونفيا وتفصيلا، وذكر الأدلة والمناقشات يحسن أن أورد بعض النتائج التي توصلت إليها باختصار وهي على النحو الآتي:
(1) أهمية هذه المسألة ومكانتها العلمية والعملية.
(2) أن للألفاظ تقسيمات شتى، منها على قول المتأخرين تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز.
(3) أن هذا التقسيم محل خلاف بين العلماء، لأن السلف المتقدمين لم يقولوا به.
(4) أن هذا التقسيم متأخر ولذا وقع فيه الخلاف.
(5) أن حاصل المذاهب في المسألة خمسة: الجواز مطلقا، والمنع مطلقا والتفصيل على خلاف فيه.
(6) أن لكل أدلة وعليه مناقشات.
(7) أن الراجح هو القول بالتفصيل على حسب الضوابط الشرعية.
(8) أنه فيما يتعلق بالاعتقاد وصفات الباري جل وعلا وكلامه سبحانه وكلام رسوله (وماله ارتباط بالأحكام الشرعية فالقول بمنع المجاز فيها هو المتعين لما يلزم على القول به من لوازم فاسدة.
(9) أن ما ليس له علاقة بما سبق بل مجرد ألفاظ وأساليب واصطلاحات فحسب فالأمر فيه واسع بحمد الله فمجال اللغة رحب وميدانها فسيح ولا مشاحة في الاصطلاح.
(10) أن الخلاف له ثمرة حقيقية فيما يتعلق بالعقيدة والقرآن والأحكام أما غيرها فاصطلاح لا مشاحة فيه.(4/239)
(11) التنبيه على عدد مما ذكره بعض الأصوليين في هذا الموضوع مما فيه تأويل لصفات الله سبحانه والقول فيها بغير قول السلف رحمهم الله.
(12) أرى أن هذا الموضوع له ارتباط بقضايا وأحوال زماننا المعاصر، فلا يزال كثير من المخالفين لمنهج السلف في عدد من القضايا والمسائل يركزون فيها على هذه القضية وصارت عندهم سلما لرد النصوص وتأويلها والتنصل عن كثير من الأحكام الشرعية أو لي أعناقها وصرفها عن مرادها الحقيقي، مما يؤكد على حملة الشريعة التصدي لهذه الحملات ضد عقيدتنا وأحكام شريعتنا وسد الذرائع الموصلة إلى كل ما يخالفها، والله المستعان.
... وهو المسؤول أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه إنه خير مسئول وأكرم مأمول، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو حسبنا ونعم الوكيل. ... والحمد لله رب العالمين.
... وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الحواشي والتعليقات
(1) ... هذا صدر خطبة الحاجة التي كان النبي (يستفتح بها خطبه، وقد خرجها أهل السنن والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
... انظر: 2/238 من سنن أبي داود، كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح، 3/413 من سنن الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في خطبة النكاح، 3/105 من سنن النسائي، كتاب الجمعة، باب كيف الخطبة؟ ، 1/609 من سنن ابن ماجة، كتاب النكاح، باب خطبة النكاح، 2/182 من المستدرك للحاكم، باب النكاح، وللشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رسالة خاصة بها من طبع ونشر المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت.
(2) ... ومن أشهرها كتاب الدكتور عبد العظيم المطعني المسمى "المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع" وكتاب د. لطفي عبد البديع المسمى "فلسفة المجاز بين البلاغة العربية والفكر الحديث" وغيرها.(4/240)
(3) ... انظر في الألفاظ وشئ من أقسامها:
... ص20 وما بعدها من شرح تنقيح الفصول للقرافي، 1/14 من الأحكام للآمدي، 1/264 من المحلى على جمع الجوامع مع حاشية البناني، 1/296 وما بعدها من نهاية السول، 1/107 من شرح الكوكب المنير، ص273 من التعريفات للجرجاني ص368،369 من أصول الفقه للأستاذ محمد مصطفى شلبي.
(4) ... آية رقم 6 من سورة غافر.
(5) ... آية رقم 33 من سورة يونس.
(6) ... هو اللغوي المشهور أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب الرازي كان إماما في اللغة وفي علوم شتى، وأعطى اللغة جل همه إلى أن أتقنها وصار فيها إماما وألف فيها المؤلفات المتعددة، كما له اهتمام بالشعر وله أشعار كثيرة حسنة.
... من أهم مؤلفاته "معجم مقاييس اللغة"، و"المجمل"، و"حلية الفقهاء"، توفي سنة 390هـ بالري.
... انظر ترجمته في: 1/118 من وفيات الأعيان لابن خلكان، 3/132 من شذرات الذهب لابن العماد.
(7) ... 2/15 من معجم مقاييس اللغة.
(8) ... انظر في مجموع هذه المعاني: 2/15 من معجم مقاييس اللغة، 1/143 من المصباح المنير، 4/1460 من الصحاح، 3/221 من القاموس المحيط.
(9) ... انظر: 1/114 من المصباح، 3/870 من الصحاح، 2/170 من القاموس.
(10) ... 1/494 من معجم مقاييس اللغة.
... وانظر في مجموع المعاني اللغوية لكلمة "المجاز" المراجع السابقة مجتمعة.
(11) ... انظر: 1/203 من فواتح الرحموت، وانظر أيضا 1/127 من الإبهاج للسبكي، دار الكتب العلمية، بيروت توزيع دار الباز، مكة.
(12) ... انظر 1/26 من الإحكام للآمدي.
(13) ... انظر: 1/17 من المعتمد لأبي الحسين البصري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، سنة 1403هـ.
(14) ... انظر: ص94-95 من التعريفات للجرجاني.
(15) ... انظر: 1/77 من التمهيد لأبي الخطاب.(4/241)
(16) ... وانظر أيضا: 1/203 من فواتح الرحموت، ص42 من شرح تنقيح الفصول للقرافي دار الفكر، بيروت القاهرة، 1/105،341 من المستصفى، 1/300 من حاشية البناني على جمع الجوامع، 1/172 من العدة لأبي يعلى، ص64 من الروضة، 1/149 من شرح الكوكب المنير، ص21 من إرشاد الفحول.
(17) ... وعبر صاحب المعتمد ب: "ما أفيد به غير ما وضع له" 1/11 من المعتمد للبصري.
(18) ... انظر: ص64 منها.
(19) ... وهو حد صاحب جمع الجوامع. انظر: 1/300 من حاشية البناني على الجمع وقريب منه حد شارح الكوكب المنير كما في 1/154 منه.
(20) ... وهو تعريف أبي الخطاب صاحب التمهيد كما في 1/77 منه.
(21) ... انظر في تعريف المجاز:
... 1/203 من فواتح الرحموت، 1/11 من المعتمد للبصري، ص44 من شرح تنقيح الفصول، ص20 من منتهى الوصول والأمل لابن الحاجب، 1/105،341 من المستصفى، 1/304-305 من حاشية البناني على جمع الجوامع، ص179 من التمهيد للاسنوي، 1/28 من الإحكام للآمدي، 1/172-174 من العدة لأبي يعلى، 1/77 من التمهيد لأبي الخطاب، ص64 من الروضة 1/154-155 من شرح الكوكب المنير، ص214 من التعريفات، ص21 من إرشاد الفحول للشوكاني، ص443 من أصول الفقه لشلبي.
(22) ... انظر شيئا منها في: 1/11-14 من المعتمد، 1/29 من الإحكام للآمدي.
(23) ... انظر في أقسام الحقيقة وأمثلتها: 1/203 من فواتح الرحموت، ص42 من شرح تنقيح الفصول، 1/14 من المعتمد لأبي الحسين البصري، 1/27-28 من الإحكام للآمدي، 1/301 من حاشية البناني على جمع الجوامع، 1/149-150 من شرح الكوكب المنير، ص21 من إرشاد الفحول، ص443 من أصول الفقه لشلبي.
(24) ... آية رقم 82 من سورة يوسف.
(25) ... آية رقم 11 من سورة الشورى.
(26) ... وسيأتي مزيد إيضاح في ذلك في صلب البحث إن شاء الله.(4/242)
.. وانظر: 2/274-278 من البرهان في علوم القرآن للزركشي (ت794هـ) ، ط/دار المعرفة للطباعة، لبنان، 1/415 من جمع الجوامع، لعبد الوهاب السبكي (ت771هـ) مع حاشيته للشيخ حسن العطار، ط/مصطفى محمد الحلبي، مصر، 1/169-175 من شرح الكوكب المنير، ص62 من مذكرة الشنقيطي على الروضة.
(27) ... انظر في أقسام المجاز والأمثلة: 1/203 من فواتح الرحموت، ص44 من شرح تنقيح الفصول، 1/14 من المعتمد، 1/341 من المستصفى، 1/309-317 من حاشية البناني على جمع
الجوامع، 1/172 من العدة، 1/156-180 من شرح الكوكب المنير، ص214-215 من التعريفات، ص23-24 من إرشاد الفحول.
(28) ... مجموع الفتاوى 7/88،89، 12/277.
(29) ... مختصر الصواعق المرسلة 2/5.
(30) ... أوردها كلها الزركشي في البحر المحيط 2/185.
(31) ... انظر: 1/24 من المعتمد، 1/47 من الإحكام للآمدي، 1/80 من التمهيد لأبي الخطاب، ص564 من المسودة، 1/191 من شرح الكوكب، ص22 من إرشاد الفحول.
(32) ... هو الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، الفقيه المتكلم الأصولي، أقر له أهل نيسابور، وكان يلقب بركن الدين، له تصانيف نافعة، منها الجامع، والتعليقة في أصول الفقه، توفي سنة 418هـ.
... انظر ترجمته في: 4/256 من طبقات الشافعية، 2/24 من البداية والنهاية، 3/209 من شذرات الذهب.
... وقد طعن في النقل عن أبي إسحاق الاسفراييني إمام الحرمين ظنا منه ولكن الأظهر ثبوته عنه، وقد دأبت كتب الأصول على إثباته عنه، وعن الفارسي في أكثرها.(4/243)
وانظر: 2/21 من تيسير التحرير لأمير باد شاه، توزيع الباز، مكة، 1/230 من بيان المختصر للأصفهاني محمد بن عبد الرحمن (ت749هـ) ، ط/مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، 1/226 من البدخشي محمد بن الحسن على منهاج الوصول للبيضاوي، ط/صبيح بمصر، 1/296 من الإبهاج شرح المنهاج للتاج السبكي، ط/1 بيروت، سنة 1404هـ، 1/402-403 من جمع الجوامع حاشية العطار، 1/296 من نهاية السول، ط/دار الكتب العلمية، 7/89 من الفتاوى، وغيرها.
(33) ... هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الأصل، أحد أئمة اللغة، ولد في فسا، وهي بلدة في فارس سنة 288هـ، ودخل بغداد سنة 307هـ صنف كتاب الإيضاح في قواعد اللغة، والتذكرة في عشرين مجلدا، توفي سنة 373هـ.
... انظر ترجمته في: 5/21 من سير أعلام النبلاء، ط/مؤسسة الرسالة، وانظر: 1/131 من وفيات الأعيان، 3/88 من شذرات الذهب.
(34) ... كشيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه العلامة ابن القيم، وقد ذكرا من ذهب إليه، انظر 7/89 من الفتاوى، ص85 من كتاب الإيمان، ط/2، المكتب الإسلامي، بيروت 2/242-243 من مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم، اختصار محمد بن الموصلي دار الندوة الجديدة، بيروت، وانظر في ذلك أيضا: 1/80 من التمهيد لأبي الخطاب، ص165 من المسودة، 1/192 من شرح الكوكب المنير، 1/183 من شرح ابن بدران على الروضة، ص58 من مذكرة الشنقيطي.
(35) ... هو داود بن علي بن خلف أبو سليمان الأصبهاني البغدادي، إمام أهل الظاهر، الإمام الزاهد الورع، كان من المتعصبين لمذهب الشافعي، ثم صار صاحب مذهب مستقل، له مؤلفات كثيرة منها إبطال القياس، والمعرفة والحيض والطهارة، وغيرها توفي سنة 270هـ.
... انظر: 2/284 من طبقات الشافعية للسبكي، 2/26 من وفيات الأعيان، 2/158 من شذرات الذهب، ص253 من طبقات الحفاظ والنقل عنه في أكثر المراجع الأصولية، وانظر 7/89 من الفتاوى.(4/244)
(36) ... هو أبو العباس أحمد بن أبي أحمد، ابن القاص الطبري، أخذ عن ابن سريج، وسمي بابن القاص أو بالقاص لأنه دخل ديار الديلم، فوعظ بها وذكر، وكان من أخشع الناس، له تصانيف في الفقه كثيرة منها التلخيص والمفتاح، مات بطر سوس سنة 335هـ.
... انظر: 2/103 من طبقات الشافعية للسبكي، 1/51 من وفيات الأعيان، وانظر في النقل عنه بإنكار المجاز في القرآن وعن ابن خويز منداد أيضا: 1/120 من الإتقان للسيوطي، ط/الهيئة المصرية للكتاب، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
(37) ... هو محمد بن أحمد بن عبد الله، وقيل محمد بن أحمد بن علي، ابن خويز منداد، أبو عبد الله البصري المالكي كان يجانب علم الكلام وينافر أهله، ويحكم على الكل أنهم من أهل الأهواء، تتلمذ على الأبهري، وله كتب كثيرة في الأصول والفقه، وتكلم فيه أبو الوليد الباجي، توفي سنة 390هـ. ...
... انظر: 5/291 من لسان الميزان، وأيضا 2/229 من الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب للقاضي برهان الدين إبراهيم بن علي ابن فرحون، تحقيق الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، ط/دار التراث للطبع والنشر بالقاهرة سنة 1974م ص103 من شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف، ط/بالاوفست عن الطبعة الأولى سنة 1349هـ.
(38) ... هو عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد الفقيه، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، توفي سنة 410هـ.
... انظر: 2/179 من طبقات الحنابلة للقاضي أبي يعلى الفراء (ت526هـ) ، مطبعة السنة المحمدية، مصر 1952م 7/295 من المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي (ت597هـ) ، حيدر آباد، الدكن، الهند 1359هـ.
(39) ... هو الحسن بن حامد بن علي بن مروان أبو عبد الله البغدادي إمام الحنابلة في زمانه وفقيههم، له مصنفات في علوم شتى، توفي سنة 403هـ، وله شرح على مختصر الخرقي.(4/245)
.. انظر: 2/171 من طبقات الحنابلة، 3/166 من شذرات الذهب، وقد عزا القول له وللتميمي شيخ الإسلام ابن تيميه انظر 7/89 من الفتاوى.
(40) ... كأبي الحسن الخرزي من الحنابلة، ومنذر بن سعيد البلوطي، وقد ذكر شيخ الإسلام أن له مصنفا في منع المجاز في القرآن 7/89 من الفتاوى.
(41) ... نسبه إليه الزركشي في البحر وقال تفرد به، انظر 3/185، وأورده ابن حزم في الإحكام 4/531.
(42) ... هو أبو بكر محمد بن داود بن علي بن خلف الظاهري إمام ابن إمام، خلف أباه في التدريس وكان فقيها مناظرا أديبا شاعرا، له مصنفات عديدة منها اختلاف مسائل الصحابة والوصول إلى معرفة الأصول، والزهرة في الأدب وغيرها، مات سنة 297هـ.
... انظر: ص172 من طبقات الفقهاء للشيرازي، 4/259 من وفيات الأعيان.
(43) ... أورده الزركشي في البحر 3/185، وانظر: 4/531-532 من الإحكام لابن حزم الظاهري.
(44) ... هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، تفقه على مذهب الشافعي حتى صار حافظا فقيها مستنبطا حتى عد من أساطين مذهب الظاهرية، له مصنفات كثيرة منها المحلى، والإحكام في أصول الأحكام، والفصل في الملل والنحل، وغيرها مات سنة 456هـ.
... انظر: 3/13 من وفيات الأعيان، 3/299 من شذرات الذهب.
(45) ... آية رقم 24 من سورة الإسراء.
(46) ... آية رقم 77 من سورة الكهف.
(47) ... آية رقم 43 من سورة النساء، وآية رقم 6 من سورة المائدة.
(48) ... انظر: 1/182 من شرح ابن بدران للروضة.
... وانظر في أدلة المجيزين: 1/47 من الإحكام للآمدي، 1/80 من التمهيد لأبي الخطاب، 1/182 من شرح الروضة لابن بدران، ص23 من إرشاد الفحول.(4/246)
(49) ... أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري النحوي، ولد سنة 110هـ، كان من أوعية العلم، روى عن هشام بن عروة وأبي عمرو بن العلاء، وكان حافظا للعلوم، إماما في التصنيف حتى بلغت تصانيفه نحو مائتي مصنف وله مع العلماء مناظرات مشهورة، وقد أخذ عنه أبو عبيد القاسم بن سلام، توفي سنة 210هـ وقيل غير ذلك، عفا الله عنه.
... انظر: 5/235 من وفيات الأعيان، 2/24 من شذرات الذهب.
(50) ... وقد صرح بمراده هذا، انظر ص26 من الكتاب، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية، الرياض، وانظر: 7/78 من الفتاوى، ص83 من الإيمان لابن تيميه، 20/403-404 من الفتاوى، 2/241-243 من مختصر الصواعق المرسلة 1/183-184 من شرح ابن بدران على الروضة، ص58-62 من مذكرة الشنقيطي.
(51) ... انظر: 7/90-91 من الفتاوى، ص86-87 من الإيمان، 2/243-244 من مختصر
الصواعق، ص62 من مذكرة الشنقيطي.
(52) ... انظر في بطلان التقسيم وما يترتب عليه: 7/96-106 من الفتاوى، ص92-104 من الإيمان، 1/243-287 من مختصر الصواعق، فقد ذكر فيه خمسين وجها على بطلانه، لما يترتب عليه من لوازم فاسدة.
(53) ... انظر: 7/96-97 من الفتاوى، ص92-93 من الإيمان، 2/243-249 من مختصر الصواعق.
(54) ... انظر في الفروق بينهما: 7/96-115 من الفتاوى، ص92-101 من الإيمان، 2/247-261 من مختصر الصواعق، 1/25-27 من المعتمد، 1/86 من التمهيد لأبي الخطاب، ص25 من إرشاد الفحول.
(55) ... وانظر في ذلك: 7/96-115 من الفتاوى، ص92-101 من الإيمان، 1/247-261 من مختصر الصواعق.
(56) ... انظر: 7/88،118-119 من الفتاوى، ص84،114 من الإيمان، 1/241 من مختصر الصواعق، ص58 من مذكرة الشنقيطي.
(57) ... انظر في اللوازم: 7/90 وما بعدها من الفتاوى، ص86 وما بعدها من الإيمان، 2/243-287 من مختصر الصواعق، ص58 من مذكرة الشنقيطي.
(58) ... آية رقم 82 من سورة يوسف.(4/247)
(59) ... انظر: ص59 من مذكرة الشنقيطي.
(60) ... انظر: 7/112-113 من الفتاوى، ص108 من الإيمان، 20/263 من الفتاوى.
(61) ... آية رقم 4-5 من سورة الأعراف.
(62) ... آية رقم 13 من سورة محمد.
(63) ... آية رقم 59 من سورة الكهف.
(64) ... آية رقم 259 من سورة البقرة.
(65) ... انظر: 7/112-113، 20/463 من الفتاوى، ص108 من الإيمان، 2/302-303 من مختصر الصواعق المرسلة.
(66) ... آية رقم 24 من سورة الإسراء.
(67) ... آية رقم 16 من سورة العلق.
(68) ... انظر في ذلك كله: 20/465 من الفتاوى، 2/252 من مختصر الصواعق، ص58-59 من مذكرة الشنقيطي.
(69) ... فقد قال ("إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث". حديث صحيح رواه مسلم وأحمد والترمذي عن جابر بن سمرة. انظر: 3/19 من فيض القدير للمناوي شرح الجامع الصغير للسيوطي، ط/2، دار المعرفة، بيروت 1391هـ، توزيع دار الباز، مكة.
(70) ... كما في صحيح البخاري عن جابر: "كان جذع يقوم إليه النبي (فلما وضع له المنبر حن
الجذع". انظر: 1/220 من صحيح البخاري، كتاب الجمعة، وانظر 2/62 من التلخيص الحبير لابن حجر.
(71) ... آية رقم 44 من سورة الإسراء.
(72) ... انظر: 7/108 من الفتاوى، ص103 من الإيمان، ص59 من مذكرة الشنقيطي.
(73) ... آية رقم 43 من سورة النساء، وآية رقم 6 من سورة المائدة.
(74) ... انظر: 7/97، 20/467 من الفتاوى، ص93 من الإيمان، ص60 من مذكرة الشنقيطي.
(75) ... وقد طرق هذه المسألة في: 7/87-119، 20/400-499 من الفتاوى.
(76) ... في مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة 2/241-423.
(77) ... مضى ذكر بعضهم مع الإحالة إلى من ذكرهم ص30 من البحث.(4/248)
(78) ... ومن أشهرهم العلامة محمد الأمين الشنقيطي في المذكرة ص58-62، وله رسالة مستقلة في ذلك اسمها "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز"، ومن أولئك أئمة الدعوة والمحققون من المعاصرين كالشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله وغيره. انظر 1/26 من الإحكام للآمدي، تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
(79) ... انظر ص 29،30 من البحث.
(80) ... انظر ص583.
(81) ... انظر: 1/226 من شرح البدخشي محمد بن الحسن على منهاج الوصول للبيضاوي.
(82) ... انظر في ذلك: 1/31 من المعتمد لأبي الحسين البصري، 1/212 من فواتح الرحموت، 2/22 من تيسير التحرير، ص179 من التبصرة للشيرازي، 1/1/464 من المحصول للرازي، 1/50 من الإحكام للآمدي، 2/700 من العدة، 2/648،913،1094 من كتاب المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع د. عبد العظيم المطعني، ط/مكتبة وهبة بالقاهرة
(83) ... انظر 4/531 وما بعدها من الإحكام لابن حزم.
(84) ... انظر: 1/46 من الإحكام للآمدي حيث جعله كذلك.
(85) ... 7/113 من الفتاوى، وانظر 2/243 من مختصر الصواعق لابن القيم.
(86) ... هو أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه المقدسي، أحد العلماء الأعلام صاحب التصنيفات المهمة في الفقه والأصول، أشهرها المغني والكافي والمقنع والعمدة والروضة، ولد سنة 541هـ، وتوفي سنة 620هـ.
... انظر: 2/133 من ذيل طبقات النابلة لابن رجب، 5/88 من شذرات الذهب.
(87) ... ص64 من الروضة.
(88) ... هو الشيخ عبد القادر بن مصطفى بدران الدومي الدمشقي.
(89) ... 1/183-184 من نزهة الخاطر العاطر شرح كتاب روضة الناظر.
(90) ... ص586 مع المراجع في حاشية (52) .
(91) ... آية رقم 35 من سورة النور.
(92) ... كالغزالي، انظر 1/105 من المستصفى.
(93) ... انظر: 20/468 من الفتاوى، 2/359 من مختصر الصواعق المرسلة.
(94) ... آية رقم 57 من سورة الأحزاب.(4/249)
(95) ... 1/105 من المستصفى، ص64 من الروضة.
(96) ... 1/105 من المستصفى، 2/696 من العدة.
(97) ... انظر: 3/517 من تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ط/دار الفكر، 7/237 من تفسير القرطبي، ص60 من مذكرة الشنقيطي.
(98) ... أخرجه البخاري في باب الصبر على الأذى من كتاب الأدب، انظر 7/71 من صحيحه، وأخرجه أحمد، انظر 4/401-405 من المسند، وانظر 5/363 من فيض القدير للمناوي، فقد عزاه إلى البيهقي والنسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(99) ... آية رقم 15 من سورة البقرة.
(100) آية رقم 30 من سورة الأنفال.
(101) 1/105 من المستصفى.
(102) آية رقم 76 من سورة يوسف.
(103) آية رقم 5 من سورة يوسف.
(104) انظر: 7/111، 20/471 من الفتاوى، ص106-107 من الإيمان، 2/258 من الصواعق المرسلة.
(105) انظر: 7/112 من الفتاوى، ص107 من الإيمان.
(106) آية رقم 64 من سورة المائدة.
(107) آية رقم 29 من سورة الكهف.
(108) آية رقم 11 من سورة الشورى، وانظر هذه الأمثلة في 1/105 من المستصفى.
(109) سواء من كتب التفسير أم العقائد أم الأصول أم غيرها مما سطره علماء السلف رحمهم الله وأهم من تصدى لأمثلة مدعي المجاز في القرآن شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى وتلميذه ابن القيم في مختصر الصواعق، وقد مرت الإحالة على الصفحات في ثنايا البحث.
... وانظر في الأمثلة خاصة والقول الحق فيها 1/463-497 من الفتاوى، 2/307-419 من مختصر الصواعق المرسلة.
المصادر والمراجع
القرآن وعلومه:
* الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، ط/الهيئة المصرية للكتاب، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
* البرهان في علوم القرآن للزركشي، ط/دار المعرفة، لبنان.
* تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ط/دار الفكر.
* تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) ، ط/دار الكتب المصرية ط/2، 1387هـ.
الحديث وعلومه:(4/250)
* التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر العسقلاني، ط/المكتبة الأثرية، باكستان.
* سنن أبي داود، ط/دار الفكر.
* سنن الترمذي (جامع الترمذي) ، تحقيق أحمد محمد عثمان، ط/دار الفكر.
* سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط/دار إحياء التراث العربي، بيروت.
* سنن النسائي، ط/مصطفى البابي الحلبي، مصر.
* صحيح البخاري، المكتبة الإسلامية، استانبول، تركيا.
* فيض القدير للمناوي شرح الجامع الصغير للسيوطي، ط/2، دار المعرفة، بيروت، 1391هـ، توزيع دار الباز بمكة.
* المستدرك للحاكم النيسابوري، ط/دار الكتاب العربي، بيروت.
* المسند للإمام أحمد بن حنبل، ط/دار الفكر
كتب اللغة:
* الصحاح للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، ط/3، 1404هـ.
* المصباح المنير للفيومي، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان.
* معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، إيران.
* القاموس المحيط للفيروزآبادي، ط/الحلبي، القاهرة.
كتب الأصول:
* الإبهاج للسبكي، ط/1، 1404هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، توزيع دار الباز بمكة.
* الإحكام للآمدي، تحقيق وتعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي، ط/المكتب الإسلامي، بيروت.
* الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الظاهري، تحقيق محمد أحمد عبد العزيز، ط/1، 1398هـ، الناشر مكتبة عاطف بمصر.
* إرشاد الفحول للشوكاني، ط/دار المعرفة، بيروت.
* أصول الفقه، محمد مصطفى شلبي، ط/دار النهضة العربية، بيروت، ط/3، 1402هـ.
* البحر المحيط للزركشي، تحقيق د. عمر الأشقر، ط/وزارة الشئون الإسلامية، الكويت.
* بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب للأصفهاني محمد بن عبد الرحمن، تحقيق د. محمد مظهر بقا، ط/مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى.(4/251)
* التبصرة في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي، تحقيق د. محمد حسن هيتو، دار الفكر، دمشق، 1400هـ.
* التمهيد لأبي الخطاب، تحقيق د. مفيد أبو عمشة، ط/مركز البحث العلمي جامعة أم القرى، ط/1، 1406هـ.
* التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للاسنوي، تحقيق د. محمد حسن هيتو، ط/مؤسسة الرسالة، بيروت، ط/1، 1400هـ.
* تيسير التحرير لأمير بادشاه، توزيع دار الباز، مكة، ط/دار الكتب العلمية، بيروت.
* جمع الجوامع بشرح المحلى، ط/دار الفكر، 1402هـ.
* حاشية الشيخ حسن العطار على جمع الجوامع لعبد الوهاب السبكي، ط/مصطفى الحلبي، مصر.
* حاشية البناني على جمع الجوامع، ط/دار الفكر، 1402هـ.
* شرح ابن بدران على الروضة (نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر) ط/المكتب الإسلامي، ودار الكتب العلمية، بيروت
* شرح البدخشي (مناهج العقول) ، محمد بن الحسن على منهاج الوصول للبيضاوي، ط/صبيح مصر.
* شرح تنقيح الفصول للقرافي، ط/دار الفكر، بيروت، القاهرة.
* شرح المحلى على جمع الجوامع مع حاشية البناني، ط/دار الفكر، 1402هـ.
* شرح الكوكب المنير لابن النجار، تحقيق د. محمد الزحيلي، ود. نزيه حماد، ط/مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى 1402هـ.
* العدة لأبي يعلى، تحقيق د. أحمد سير المباركي، مؤسسة الرسالة بيروت.
* فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، مطبوع بهامش المستصفى، ط/دار إحياء التراث العربي، بيروت.
* المحصول في أصول الفقه لفخر الدين الرازي، تحقيق د. طه جابر العلواني، ط1، 1400هـ، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
* مذكرة في أصول الفقه للشنقيطي محمد الأمين، ط/المكتبة السلفية المدينة المنورة.
* المسودة لآل تيميه، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت.(4/252)
* المستصفى للغزالي، ط/مع فواتح الرحموت، مصورة عن المطبعة الأميرية، بولاق بمصر، نشر دار إحياء التراث العربي ومكتبة المثنى، بيروت، لبنان.
* المعتمد لأبي الحسين البصري المعتزلي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، 1403هـ.
* منتهى الوصول والأمل لابن الحاجب، ط/دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، سنة 1405هـ.
* نهاية السول للاسنوي على منهاج الوصول للبيضاوي، ط/دار الكتب العلمية، عالم الكتب، بيروت.
كتب التراجم:
* البداية والنهاية لابن كثير، مكتبة المعارف، بيروت.
* الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب للقاضي برهان الدين ابن فرحون، تحقيق د. محمد الأحمدي أبو النور، ط/دار التراث، القاهرة، 1974م.
* ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب، صححه محمد حامد الفقي، ط/السنة المحمدية، سنة 1372هـ.
* سير أعلام النبلاء للذهبي، ط/مؤسسة الرسالة.
* شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف، ط/بالأوفست عن الطبعة الأولى سنة 1349هـ.
* شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي، ط/دار الآفاق الجديدة، بيروت.
* طبقات الحفاظ للسيوطي، ت/علي محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط/1973م.
* طبقات الشافعية للسبكي، دار المعرفة، بيروت، ط/2.
* طبقات الفقهاء للشيرازي، تحقيق د. إحسان عباس، نشر دار الرائد العربي، بيروت، 1970م.
* لسان الميزان لابن حجر العسقلاني، نشر مؤسسة الأعلمي، بيروت.
* المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي، ط/حيدر أباد الدكن، 1359هـ.
* وفيات الأعيان لابن خلكان، تحقيق د. إحسان عباس، ط/دار صادر، بيروت.
مصادر خاصة:
* المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة بالقاهرة.
* منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، مطبوع في آخر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للمؤلف، 1403هـ.(4/253)
* فلسفة المجاز بين البلاغة العربية والفكر الحديث، د. لطفي عبد البديع، نشر النادبي، جدة، ط2، 1406هـ.
كتب أخرى:
* الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيميه، ط/2، المكتب الإسلامي، بيروت.
* التعريفات للجرجاني، مكتبة لبنان، بيروت، 1978م.
* الرد على الجهمية والزنادقة، للإمام أحمد بن حنبل، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية، الرياض.
* مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه، جمع عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد، نشر الرئاسة العامة للبحوث العلمية الرياض.
* مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم، اختصار محمد الموصلي، دار الندوة الجديدة، بيروت.
* موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة عرضا ونقدا، د. سليمان بن صالح الغصن، دار العاصمة الرياض، ط1، 1416هـ.(4/254)
العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية
في عهد الخليفة هارون الرشيد
170 - 193 هـ / 786 - 808 م
د. محمد بن ناصر بن أحمد الملحم
أستاذ التاريخ الإسلامي المشارك - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الأحساء
ملخص البحث
يشتمل هذا البحث على:
- العلاقة بين المسلمين والبيزنطيين قبل خلافة الرشيد، وتناولت العلاقة في عهد أبي جعفر المنصور، الذي اهتم بتحصين الحدود الإسلامية وحدد أسلوب القتال بالصوائف والشواتي، كما وضحت دور الرشيد في خلافة والده المهدي، حيث قاد الرشيد جيشاً كبيراً انتصر على الروم.
- العلاقة بين المسلمين والبيزنطيين في خلافة الرشيد (170 - 193 هـ / 786 - 808 م) . وفيها عني الرشيد بإنشاء منطقة العواصم قرب إنطاكية، وبنى مدينة طرسوس، لتكون مركزاً استراتيجياً يغزون المسلمين منه، وحرّك جيوش الصوائف والشواتي ناحية الروم، كما بينت العلاقة بين الرشيد وإيريني - سنة 183 - 186 هـ / 799 - 802 م - والتي توقفت فيها الشواتي والصوائف على بلاد الروم، لإعلان إيريني الطاعة للمسلمين ودفع الجزية السنوية لهم ووضّحت - أيضاً - العلاقة العدائية بين الرشيد ونقفور - سنة 187 - 193 هـ / 802 - 808 م حيث تقدم الجيش الإسلامي صوب هر قلة وفتحها سنة 187 هـ / 802 م.
وفي نهاية هذا البحث خاتمة بأهم نتائجه ومنها: أنه تحقق الهدف المنشود من الشواتي والصوائف، وأخذ صوت الإسلام يعلو في بعض المدن الرومية، وبدأ الروم يحسبون للمسلمين ألف حساب، باعتبارهم القوة الغالبة، ودخل الآلاف من الروم في دين الإسلام.
• • •
مقدمة:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، سيّدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:(4/255)
فإن العلاقات بين المسلمين والبيزنطيين - الروم الشرقية - قديمة، ترجع إلى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كما في سرية مؤتة وغزوة تبوك، وفي عصر الراشدين تمكن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب - (- أن يفتح بلاد الروم ويسترد بيت المقدس من أيديهم، ومن وقتها زادت حدة التوتّر بين المسلمين والروم، وغلب عليها الطابع العدائي؛ نظراً لاختلاف الديانة، ولأهمية مدينة بيت المقدس وكنيسة القيامة التي يحجّون إليها، إضافة إلى الحدود المتشابكة بين الطرفين والغارات المتواصلة، وعليه فقد أصبحت الحرب بين المسلمين والبيزنطيين في العصر العباسي لا تعدو تبادل الغارات وما يصحب ذلك من تدمير وتخريب وقتل وسبي، ولم تنقطع غزوات المسلمين عن بلاد البيزنطيين في عهد هارون الرشيد – 170 – 193هـ/786 - 808م - لكن كم عدد الحملات؟ وما نظامها؟ وما الهدف منها؟ وما سرّ انتصارات الجيوش الإسلامية فيها؟ وما موقف الإمبراطورة إيريني والإمبراطور نقفور منها؟ وما أهم النتائج التي حققتها؟ ولماذا توقفت هذه الحملات بعد وفاة الرشيد؟ . كل ذلك تناوله البحث وناقشه بالتفصيل من خلال المباحث التالية:
أولاً: العلاقة بين المسلمين والبيزنطيين قبل خلافة الرشيد.
أ. تمهيد عن العلاقة في عهد أبي جعفر المنصور وابنه المهدي.
ب. دور الرشيد في هذه العلاقة في خلافة والده المهدي.
ثانياً:
أ. طبيعة العلاقات بين المسلمين والبيزنطيين في خلافة هارون الرشيد170 - 193هـ/ 786 – 808 م.
ب. سياسة الصوائف والشواتي سنة170– 182هـ / 786 - 798م.
ج. بين الرشيد وإيريني في الفترة 183 - 186هـ / 799 - 802م.
د. بين الرشيد ونقفور في الفترة 187 - 193هـ / 802 - 808م.
الخاتمة.
أولاً: العلاقات بين المسلمين والبيزنطيين قبل خلافة الرشيد في الدولة العباسية:
أ - تمهيد عن العلاقة في عهد أبي جعفر المنصور وابنه المهدي:(4/256)
بعد أن أقام العباسيون دولتهم في العراق سنة 131هـ / 748م كان النفوذ البيزنطي قابعاً في شمال الشام حيث تحصن الروم في مواقع حصينة في جبال طوروس وآسيا الصغرى وبحر مرمرة (1) ، وأخذوا يطلّون منها على المسلمين ساعات الضعف أو الانشغال ويتراجعون إليها في ساعة القوة، وبدايةً انتهز الإمبراطور قسطنطين الخامس كوروليموس (2) (124 – 159هـ / 741 - 775م) فرصة انشغال العباسيين بأحداث إقامة دولتهم والتمكن لأنفسهم ومواجهة مشاكل المركزية والإقليمية وأغار في سنة (133هـ/ 750م) على منطقة الحدود (الحدود بين المسلمين والروم) - أي منطقة الثغور (3) - وأتى على جهود المسلمين في التحصين، ودمَّر خطّ حصون الفرات، ثم الخطّ الممتد من نهر الفرات إلى البحر الأبيض المتوسط، وهدّد النظام الثغري كله تهديداً خطيراً فحاصر ملطية (4) واستسلم أهلها له، ولذلك اهتم أبو جعفر المنصور (5) (137 - 158هـ/754 - 774م) بتحصين الحدود، فأمر عمّه - صالح بن علي - بإعادة تحصين ملطية (6) .
ويبدو أنه أول من جعل لمنطقة الجزيرة كياناً إدارياً مستقلاً (7) ؛ فقد ولى عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام على الجزيرة والثغور، وسخّر في ذلك العمل الجليل جنود الدولة الجدد، فقد خرج الحسن بن قحطبة في سبعين ألفاً، وجمع العمال من كافة البلاد الإسلامية، ويذكر البعض أن الحسن كان يحمل الحجارة بنفسه احتساباً، وقد استطاع الجند الخراسانية أن يعيدوا بناء ملطية في نحو ستة شهور (8) ، ومن ذلك تبين أن المنصور هو الذي وضع أساس النظام الثغري الذي وصل إلى حدّ الكمال زمن المعتصم (9) (218 – 227هـ / 833 - 841) (10) .(4/257)
كما حرص المنصور على وضع أسلوب للقتال وتقاليده، والذي حافظ عليه الخلفاء الذين تعاقبوا بعده، ففي عهده نظمت الصوائف والشواتي، فقد كانت هناك أوقات معيّنة يغير فيها المرابطون في الثغور تحدث في فصل الربيع والصيف وتسمى بالصوائف ويشير قدامة بن جعفر (1) إلى أن غزو الربيع كان يبدأ في منتصف مايو بعد أن تكون الخيل قد سمنت وقويت من رعيها، ويستمر الغزو ثلاثين يوماً (أي حتى منتصف شهر يونيو) وتجد الخيول أثناء هذه الغارات الغذاء الوفير والمرعى الخصيب في أراضي البيزنطيين التي تعيث فيها، ثم يركن المسلمون إلى الراحة حتى منتصف يوليو، فتبدأ غارات الصيف وتستغرق قرابة الشهرين. ويبدو أن ممن اشتهر بالبطولة في ميدان الصوائف في عهد المنصور رجل يدعى مالك بن عبد الله الخثعمي الذي بلغ من شدة بلائه في الحرب وظفره فيها وغنائمه الكثيرة منها أن سمي مالك الصوائف (2) .
أما الشواتي فكانت تبدأ في مستهل فبراير والنصف الأول من مارس (3) وكانت غزوات المسلمين تتركز في الصيف وقلّما تحدث في الشتاء؛ نظراً للبرودة الشديدة في بلاد الروم، وخاصة أن الثغور يقع معظمها في أعالي جبال طوروس حيث تغطى بالثلج أغلب فصل الشتاء والربيع (4) ، وربما أيضاً لأن طبيعة العنصر العربي الشرقي لا يحتمل هذه البرودة وهذه الثلوج.
وكذلك لأن تحركات الجند تكون بطيئة بسبب الأمطار والوحول وغيرها.
وتابع محمد المهدي (5) (158 - 169هـ/ 774 – 785م) السير على درب أبيه في بناء الحصون، وحشد الجند ومحاولة تأمين حدود الشام من غارات البيزنطيين، فتصدى للإمبراطور البيزنطي ليو الرابع (159-164هـ775-780م) وأرسل عدة حملات، منها حملة بقيادة الحسن ابن قحطبة سنة (161هـ / 777م) الذي دخل بلاد الروم وثقلت وطأته على أهلها حتى صوّروه في كنائسهم (6) .(4/258)
ولقد أثمرت استراتيجية المنصور وابنه المهدي في شمال الشام، وأصبحت مدنه - وفي مقدمتها ملطية - حصناً منيعاً للقوات الإسلامية يهاجمون منه القوات البيزنطية التي لا تفتأ في الإغارة على المسلمين من حين لآخر، وكانت سنّة حميدة طبّقها من جاء بعدهم من خلفاء بني العباس حتى إذا اكتملت أصبحت درعاً يقي المسلمين من أخطار أعدائهم.
وكان للصوائف والشواتي أثرها الكبير في نفوس البيزنطيين، فبعد أن كانت الإدارة البيزنطية لا تعير المسلمين كثيراً من الاهتمام؛ لأنهم في نظرهم قبائل بدائية يفتقرون إلى النظام والوحدة (1) ، - وربما كان هذا قبل خلافة معاوية بن أبي سفيان - أصبحوا بعد ذلك يحسبون لهم ألف حساب، فقد أرغمتهم سياسة المسلمين في الشواتي والصوائف إلى إخلاء منطقة الحدود في أطراف دولتهم من السكان؛ حتى لا تتعرض لهجمات المسلمين في الصيف والشتاء، في حين أبقوا بعض الحاميات للدفاع عنها فقط، مما شجع خلفاء بني العباس بعد المهدي على انتهاج نفس السياسة.
ب - دور الرشيد (2) في هذه العلاقة في خلافة والده المهدي:
لم يكتف المهدي بما أحرزه الحسن بن قحطبة من نصر في أرض الروم؛ بل قرر أن يغزوهم بنفسه ويصحب معه ابنه هارون الرشيد، فتحرك الجيش الإسلامي من بغداد في جمادى الآخرة سنه 163هـ / 779م وجعل عليها ابنه موسى الهادي (3) (169 - 170هـ / 785 - 786م) وبعد أن وصل المسلمون حلب سلّم قيادة الجيش لابنه الرشيد لانشغاله بإدارة الدولة العباسية - فواصل الطريق مخترقاً آسيا الصغرى حتى بلغ مدينة صمالو (4) ، وحاصر قلعتها صمالو، ونصب المجانيق عليها ثمان وثلاثين ليلة حتى فتحها الله عليهم (5) .(4/259)
ويعزى انتصار الرشيد إلى نشاطه وقوته، وكان لوجود المهدي معه دافعاً قوياً شجعه على التقدم إلى بلاد العدو، كما كان لوجود عناصر متعددة في جيشه من خراسان والعراق والشام دافعاً لهم على التنافس الشريف في إظهار القوة أمام الروم، فضلاً عن أنهم كانوا هيئوا أنفسهم للقاء الخصم مدة شهرين، حيث أقاموا بالبردان (1) وأنفق فيهم نفقة كبيرة، كما كان لآل برمك دور في التعجيل بالنصر فقد أظهروا بسالة في حربهم للروم. يقول ابن كثير: " وكان لخالد بن برمك في ذلك أثر جميل لم يكن لغيره وكذلك أبناؤه "، ثم صالحهم الرشيد على ألاّ يقتلوا ولا يرحّلوا ولا يفرّق بينهم (2) .
وفي سنة 164هـ / 780م عاد عبد الكبير بن عبد الحميد (3) أدراجه مع الجيش الإسلامي – وكان قد بعث به المهدي على رأس الصوائف ذلك العام – حقناً لدماء المسلمين؛ لعلمه أن الروم استعدوا لهم في درب الحدث (4) في تسعين ألفاً يتقدمهم بطارقتهم (ميخائيل وطازاذا) (5) ، ولابد أنهم جاءوا لرد الاعتبار بعد هزيمتهم في قلعة صمالو، إلاّ أن المهدي أغاضه ذلك وعدّه انهزاماً (6) ، ولهذا بعث بابنه الرشيد في العام الذي يليه سنة 165هـ / 781م على رأس الصائفة لغزو الروم؛ لثقته في حسن قيادته، ولقد ألقت الدولة العباسية بثقلها كله في هذه الحرب، وهذا واضح في قول بعض المؤرخين (7) ((أن الجيش الذي قاده هارون الرشيد بلغ خمسة وتسعين ألفاً وسبعمائة وثلاثة وتسعين رجلاً، وكان معه من النفقة مائة ألف دينار وأربعة وتسعون ألف دينار وأربعمائة وخمسون ديناراً، ومن الفضة إحدى وعشرون ألف وأربعمائة ألف وأربعة عشر ألفاً وثمانمائة درهم)) .(4/260)
وتقدم هارون الرشيد بهذا الجيش حتى توغل في بلاد الروم فافتتح حصن ماجدة (1) ، وتصدى له البيزنطيون بقيادة نقيطا Niceta قومس (2) القوامسة، ولكنهم هزموا، وواصل الرشيد توسعه في قلب آسيا الصغرى متجهاً إلى نقمودية (3) (نيقوميديا) ؛ ليحارب الدمسق – صاحب المسالح – وظل الرشيد ينتقل من نصر إلى آخر حتى أشرف على خليج البحر الذي على القسطنطينية عند مدينة كريزوبوليس Chrysopolis (4) (5) .
وساعد الرشيد على إحراز هذا النصر الحاسم تردي الأوضاع للدولة البيزنطية فقد كان يحكمها (قسطنطين السادس بن ليو الرابع - 164 - 181هـ / 780 – 797م – وهو طفل لم يتجاوز حينئذ العاشرة من عمره بوصاية أمه إيريني (6) والتي لم يكن لها دراية كافية بسياسة المسلمين (7) ، كما أن الدولة البيزنطية لم تهيئ نفسها لمواجهة الجيوش الإسلامية التي بلغت استعداداتها ما بلغت، فضلاً عن رغبة المسلمين الأكيدة في رد الاعتبار للمسلمين الذين انسحبوا أمام البيزنطيين سنة 164هـ / 780م وقد أحدث هذا النصر أثره الواضح والعاجل إذ بادرت إيريني إلى طلب المصالحة مع المسلمين؛ خوفاً من اجتياح الرشيد بلادها.
وكانت الهدنة تنص على توقف الحرب بين المسلمين والبيزنطيين مدة ثلاث سنوات، وتتعهد إيريني أن تدفع للمسلمين جزية سنوية وقدرها تسعون ألف قطعة دينار تؤديها في نيسان الأول من كل سنة وفي حزيران، وأن تمدّ الجيش العباسي بالأدلاء، وتيّسر لهم المؤن في الطريق عند كل منزلة (8) .
ولقد بالغ المؤرخون المسلمون (9) حين ذكروا أن من قتل من الروم في هذه الصائفة أربعة وخمسون ألفاً، وما ذلك إلاّ لإظهار قوة الخلافة العباسية والحطّ من شأن البيزنطيين وفي هذه الغزوة يقول الشاعر مروان بن أبي حفصة:
أطفت بقسطنطينية الروم مسنداً
إليها القنا حتى اكتسى الذلّ سورها
وما رمتها حتى أتتك ملوكها
بجزيتها والحرب تغلي قدورها (10)(4/261)
وقبل انتهاء مدة الهدنة بأربعة أشهر تجدد القتال بين الطرفين (1) ؛ لامتناع البيزنطيين عن دفع الجزية للمسلمين ويظهر أن سوء الأحوال الاقتصادية كان سبباً مباشراً في ذلك، فقد رأت إيريني بنظرتها الخاطئة أن معالجة هذه الأوضاع لا يكون من الداخل؛ حتى لا تفقد محبة الناس لها وتستبعد عن الحكم، وبناء على ذلك تجاوزت عن كثير من الضرائب المقررة على السكان، وأمعنت في منح امتيازات للأديرة لما للرهبان من أهمية في تأييدها ومساعدتها (2) فرأت في الامتناع عن دفع الجزية تعويضاً لهذا؛ ظناً منها أن المسلمين بعيدون عن أراضيها وليس لهم في تلك الأموال أي حق يذكر، وأنهم لن يتمكنوا من عمل أي شيء في هذا الصدد.
وعليه فقد سيّر المهدي سرية على رأسها علي بن سليمان (والي الجزيرة وقنسرين) ويزيد بن بدر بن البطال (3) - سنة 168هـ/ 784م – وصلت إلى بلاد الروم وقاتلت البيزنطيين وهدمت بعض القلاع التي على الحدود وغنموا وعادوا سالمين (4) .
كما اصطدم معيوف بن يحيى الذي انطلق على رأس الصائفة سنة 169هـ/ 785م بالجيش البيزنطي الذي تحرك بأمر من إيريني؛ لرد اعتبار الروم بعد هزيمتهم الأخيرة، وتقابل الجيشان في منطقة الحدث وهُزم البيزنطيون وتوغل المسلمون في بلاد الروم حتى بلغوا مدينة أُشْنُة وأصابوا غنائم وفيرة وأسروا (5) خمسمائة رجل - تقريباً -.(4/262)
وهكذا ساءت العلاقات بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية في عهد المهدي، والذي رأى ضرورة استمرار غزوات الصوائف والشواتي، مثلما كان عليه الحال في عهد أبيه المنصور؛ لأن إيقافها سيدفع البيزنطيين إلى التحرك لمهاجمة المسلمين كلما سنحت لهم الفرصة ويلاحظ اعتماده في قيادتها على ابنه هارون الرشيد، حيث كان محل ثقته من بين أبنائه ولذلك حققّ انتصارات كبيرة في معظم حملاته، حتى أشرف في أحدها – سنة 165هـ / 781م - على خليج البحر الأسود فكانت حملته تلك خاتمة الحملات العربية على البسفور كما أفاد بعض المؤرخين (1) المحدثين، حيث أظهر فيها من الحنكة والبطولة ما أهلّه لحمل لقب الرشيد قبل أن يتولى الخلافة (2) .
وكان لانتصارات الرشيد على الإمبراطورية البيزنطية أثره في تشجيع البلغار (3) على توجيه حملاتهم ضدها، وتمكنوا من إحراز عدة انتصارات عليها دون أن تستطيع القيام بعمل إيجابي ضدّهم (4) ، فلقد كانت إيريني - إلى جانب مواجهة المسلمين لها - تعاني من الاضطرابات الداخلية، فقد بدأ ابنها - قسطنطين السادس - بعد أن بلغ سنّ الرشد يطالب بالعرش ودخل معها في صراع مرير، وساندته بعض العناصر الكارهة لأمه، كما كان عليها أيضاً أن تواجه أطماع شارلمان (5) في الغرب (6) .
كما أن هذا النصر مكّن المهدي من أن يفرض الطاعة في آسيا الوسطى، فيشير اليعقوبي (7) إلى أن ملك كابل شاه (حنحل) وملك طبرستان (الاصبهبذ) وملك السغد (الإخشيد) وملك طخارستان (شروين) وغيرهم (8) دانوا له بالطاعة والولاء، ولعل هذه التطورات جعلت المهدي -قبل وفاته بعدة أشهر- يعزم على تقديم ابنه هارون على ابنه موسى الهادي، حيث بعث إليه وهو بجرجان بعض أهل بيته ليقطع أمر البيعة ويقدم أخيه الرشيد (9) .
ثانياً:
(أ) طبيعة العلاقات بين المسلمين والبيزنطيين في خلافة هارون الرشيد 70 - 193هـ / 786 – 808م.(4/263)
كان للفترة التي عاشها الرشيد مع أبيه المهدي 158 – 169هـ / 774 - 785م أثرها الواضح في علاقته مع الروم بعد توليه الخلافة سنة 170هـ / 786م، فقد اطلع بنفسه على خطر البيزنطيين على المسلمين، ورأى أن خطرهم سيبقى قائماً طالما بقيت الحدود مفتوحة بين الجانبين لذا عوّل على إتمام ما بدأه أسلافه، فأنشأ التحصينات على المناطق المخوّفة لتكون جميعاً بمثابة الحصن الحصين الذي يحمي دار الإسلام من ناحية، وليتخذوها قواعد لهم يشنون منها حملاتهم على أراضي الدولة البيزنطية من جهة أخرى (1) .
كما أقام منطقة جديدة قريبة من إنطاكية أطلق عليها العواصم (2) ؛ لأن المسلمين كانوا يعتصمون بها، فتعصمهم وتمنعهم من العدو البيزنطي – بإذن الله – إذا انصرفوا من غزوهم وخرجوا من الثغر الشامي (3) ، وأسكنها جنداً عرفوا بجند العواصم، واختار الرشيد هذه الجهة دون غيرها؛ لأن الروم اعتادوا مهاجمة المسلمين منها، فأخذوا يغيرون عليهم بين فترة وأخرى (4) .
واهتم بطرسوس (5) - وكانت على حدود بلاد الروم –؛ للأخبار التي وصلت إليه من عزم الروم على الاتجاه إليها وتحصينها (6) ، لتكون مركزاً استراتيجياً يغزون المسلمين منه، ولهذا أرسل الرشيد سنة 171هـ / 787م جيشاُ بقيادة هرثمة بن أعين (7) ، وأمره - بعد أن ينتهي من غزو الروم - أن يهتم بأمر طرسوس، وينقل البنائين المهرة ليبنوا المساكن والحصون فيها، وينقل إليها الناس ليسكنوها، وتمصّر كبقية الأمصار الإسلامية الأخرى (8) .(4/264)
ولما أحرز هرثمة بن أعين النصر على الروم بادر في تنفيذ ما أوصاه به الرشيد، وأوكل هذه المهمة إلى فرج الخادم (1) ؛ لما له من خبرة واستعداد جيد للقيام بمثل هذه الأمور، يدل على ذلك مباشرته للعمل بنفسه، ولا بد أنه دعا كل من لديه معرفة ببناء المساكن والحصون وتخطيط المدن، وزودهم بما يحتاجونه من أدوات البناء، وجلب إليهم الطين والأحجار القوية لبناء الحصون، كما أغدق الأموال على البنائين، لمضاعفة العمل وإنجازه في وقت مبكر، وأحكم بناءها – بعد سنة تقريباً – وجعل لها خمسة أبواب، وحولها سبعة وثمانين برجاً، ولها نهر عظيم يشق في وسطها، عليه القناطر المعقودة (2) واتجه فرج الخادم إلى بغداد، ونقل المجموعة الأولى من السكان – وكانوا في الأصل من أهل خراسان ممن دخلوا بغداد بعد حركة الفتح الإسلامي وأقاموا فيها – وعددهم ثلاثة آلاف رجل، وكانت المجموعة الثانية من ألفي رجل ألف من المصيصة وألف من إنطاكية، وطلب من الجميع أن يعسكروا في المدائن (3) ريثما يستكمل بناء مساكن طرسوس وحصونها ومساجدها، وحين انتهى البناء منها سنة 172هـ / 788م (4) نقل إليها الجميع ومصّرها، وأقطع أهل طرسوس الخطط (5) ، وزاد كل رجل عشرة دنانير في أصل عطائه (6) .
والحقيقة أنه ترتب على سياسة الرشيد على الحدود مع الروم أنهم لم يستطيعوا اختراق منطقة الثغور؛ لقوة تحصيناتها ومرابطة الجيوش الإسلامية الدائمة فيها، والذي مكنّهم من تسيير جيوشهم مرتين أو أكثر في السنة من غير تعب أو ملل وهذا ما سنبيّنه لاحقاً – إن شاء الله تعالى.
ب – سياسة الصوائف والشواتي سنة 170 – 182هـ / 786 – 798م:(4/265)
بعد أن أكمل الرشيد تحصينات الثغور والعواصم، وضم طرسوس إلى حوزة المسلمين، ودفع بالجيش الإسلامي للمرابطة فيها لجأ إلى مجادلة البيزنطيين بالتي هي أحسن؛ إذ أرسل إليهم شارحاً حقائق الإسلام مؤكداً على ضرورة سيادة السلم بينهما وفق ما جاءت به الشريعة الإسلامية، وكان موقف البيزنطيين سلبياً (1) مما دفع بهارون الرشيد إلى مضاعفة جهده في تسيير الحملات إلى بلاد الروم، لا رغبة في زحزحتهم عن مراكزهم وفتح بلادهم، بل لتثبيت العواصم والثغور في حدود الروم (2) ، وإشعار البيزنطيين بقوة المسلمين، ليظلوا يهابوهم ولا يفكرون في مهاجمتهم تحت أية ظروف يمروا بها، فيأمن المسلمون جانبهم في حالة انشغالهم بتسكين الفتن والثورات التي تطلّ عليهم - من خراسان وبلاد ما وراء النهر وشمال أفريقية – من حين لآخر.
وتحركت صائفة مع بدء خلافة الرشيد – سنة 170هـ / 786م -، وكان يقودها: سليمان بن عبد الله البكائي (3) فغزا بلاداً كثيرة – لم تبينها المصادر – في أرض الروم، ونصره الله عليهم، ورجع سالماً مع جنده، وهذا يفيد أمرين:
الأول: أن الرشيد لم يشغله أمر تحصين الثغور سنة 170هـ / 786م عن إرسال حملة إلى العدو البيزنطي؛ حتى لا يستغل الفرصة ويشن هجومه على المسلمين.
الثاني: كان نصر المسلمين في هذه الصائفة دافعاً قوياً لهم على إكمال بناء تحصينات الثغور، والسيطرة على طرسوس، ثم ضمها إلى حوزتهم سنة 171هـ / 787م (4) .
وفي سنة 170هـ / 786م أيضاً قدم جماعة من الروم - لم تحدد المصادر عددهم - ليفدوا أسراهم (5) ، ويظهر أن هؤلاء هم الذين وقعوا في أسر المسلمين بعد دخول معيوف ابن يحيى بلادهم سنة 169هـ / 785م وسيطرته على مدينة أُشنة – كما أوردنا سلفاً – ودفع الروم مبالغ طائلة لفداء أسراهم، وعادوا معهم بعد أن أقاموا بين المسلمين سنة - تقريباً - تعلموا فيها دين الإسلام وكانوا نواة خير في بلادهم بعد رجوعهم.(4/266)
وتقدمت صائفة سنة 171هـ / 787م وعلى رأسها سليمان بن عبد الله الأصم، وتوغلت في أرض الروم واصطدمت بهم وأحرزت النصر عليهم، وغنمت الكثير ثم عادت سالمة (1) .
وفي سنة 172هـ / 788م نزل الرشيد بالجيش في مرج القلعة (2) ، وبعث على الصائفة إسحاق بن سليمان بن علي (3) (4) ، كما غزا فيها – سنة 172هـ / 788م – زفر بن عاصم الهلالي (5) ، حيث أرسل ابنه عبد العزيز على قيادة الجيش، فمضى حتى أتى جيحان (6) ، وعاد بسبب البرد الشديد (7) .
ويبدو أن جيش صائفة 172هـ / 788م غزا أرض الروم، ودار بينه وبين البيزنطيين معركة هزم فيها البيزنطيون وقتل قائدهم ديجنيس أكريتاس Digenis Akritas (بطل حرب الثغور البيزنطيين) (8) ، في حين انطلقت الأخرى في فصل الشتاء، إلاّ أنها لم تتوغل في أرض الروم لشدة البرودة، وفضلوا العودة، حتى لا يهلك الجيش.
وقاد صائفة سنة 173هـ / 789م عبد الملك بن صالح بن علي (9) ، ولابد أنها وصلت إلى أرض الروم ولم تتوغل فيها (10) ، وعادت بعد النصر والغنيمة.
وربما استقرت هذه الصائفة – بعد رجوعها من الغزو – في منطقة العواصم؛ ولهذا عاد عبد الملك بن صالح – بأمر من الرشيد – ليقود الصائفة – سنة 174هـ / 790م – وقدم ابنه عبد الرحمن على رأس الجيش حتى بلغ عقبة السيَّر (11) واصطدم بالروم، ونصره الله عليهم، فأسر وغنم (12) .
كما قاد عبد الرحمن بن عبد الملك – أيضاً – الشاتية – سنة 175هـ / 791م – واستعان هذه المرة بأهل الثغور الشامية، وشكل الجميع جبهة واحدة، لم يستطع الروم مقاومتها ووصلوا إلى اقريطية (13) وفتحوها (14) ، ثم عاد أهل الثغور إلى أماكنهم؛ لحمايتها من البيزنطين.(4/267)
وقاد عبد الرحمن بن عبد الملك – كذلك – الصائفة – سنة 176هـ / 792م – وفتح المسلمون أحد حصون الروم (1) كما فتحوا مدينة دبسة (2) ، ثم عادوا سالمين، وإن قيادة عبد الرحمن بن عبد الملك المتكررة يدل على أنه كان على اطلاع تام بسياسة البيزنطيين، ومعرفة واضحة بنقاط الضعف والقوة فيهم، وخبرة بأرض الروم، مما دفع الرشيد إلى أن يبعث به على قيادة الصوائف أكثر من مرة.
وفي سنة 177هـ / 793م سيّر الرشيد ثلاث صوائف وشاتية، قاد الصائفة الأولى عبد الرزاق بن عبد الحميد التغلبي (3) ، وحين وصل المسلمون حدود أرض الروم (مساء السبت، السادس والعشرين من محرم) هبت ريح قوية، وتلوّنت السماء بالحمرة وأعقب ذلك ظلام دامس، فعاد المسلمون إلى معسكرهم في العواصم، وبعد ليلتين (مساء الثلاثاء الثامن والعشرين من محرم) حاولوا إعادة الكرة على الروم، وحال دون ذلك شدة الظلام، ثم حاولوا للمرة الثالثة بعد ثلاث ليالٍ (مساء الجمعة أول يوم من صفر) فعادت الريح قوية واشتد ظلام الليل، وعاد المسلمون إلى الشام (4) ، دون أن يلتقوا بالروم بسبب الظروف المناخية التي أرسلها الله إليهم؛ لتمنع وصولهم إلى أرض الروم حتى لا تصيبهم سيوف العدو الذي يفوقهم عدداً وعدة، أو يأخذهم الروم بغتة من حيث لا يشعرون في خضم هذه الأجواء المتقلبة.
ويذكر ابن خياط (5) أن الصائفة الثانية – وكانت في ربيع أول سنة 177هـ/ 793م – كانت على يد عبد الله بن صالح بن علي (6) ، وأن الله تعالى أراد بهم خيراً، وكان الجو صافياً، ودخل المسلمون أرض الروم وغزوهم ورجعوا سالمين بعد أن أسروا وغنموا.
وكانت الصائفة الثالثة – وكانت في جمادى أول سنة 177هـ / 793م – على يد يسار بن صقلاب (7) . وتقدم بأهل المصيّصة (8) عن طريق الصفصاف (9) ، ثم طوانة (10) ، حتى دخل أرض الروم، وهزمهم وعاد أدراجه بعد أن غنم الكثير وسلم من خطر الروم (11) .(4/268)
كما أمر الرشيد سليمان بن راشد الثقفي أن يقود الشاتية سنة 177هـ/ 793م. فتقدم بالجيش حتى وصل ملطية (1) بعد معاناة كبيرة من شدة البرد، وتمكن المسلمون من هزيمة البيزنطيين ثم عادوا بعد أن مات بعضهم من شدة البرد (2) .
وأدى نجاح يسار بن صقلاب وسليمان الثقفي إلى أن يسيّر الرشيد في سنة 178هـ/ 794م صائفة بقيادة معاوية بن زفر بن عاصم، وشاتية يقودها سليمان الثقفي (3) ، ولقد بلغ كلاهما أرض العدو واصطدما بالروم وحققا نصراً مؤزراً.
أما في سنة 180هـ / 796م فقد قاد الرشيد الصائفة بنفسه؛ - لنقض الروم لعهدهم – وشاركه فيها معاوية بن زفر بن عاصم (4) ، وأقام الجيش في الرقة (5) شهراً يعدّ نفسه للغزو، ثم اتجه إلى بلاد الشام ووصل أرض الروم وفتح مدينة مَعْصوف (6) ، وأسر وغنم ثم عاد مرة أخرى إلى الرقّة، وأقام بها بقية عامه ذلك (7) .
وقاد الرشيد – أيضاً – الصائفة سنة 181هـ / 797م، وشاركه فيها عبد الملك ابن صالح، ودخل أرض الروم وفتح الله عليهم حصن الصفصاف، وربما كان الرشيد يعلم خطورة هذا الحصن على المسلمين، إذ كان الروم يلجأون إليه ليعتصموا فيه بعد مهاجمتهم للمسلمين، ولهذا هدمه الرشيد وسوى به الأرض وحرم الروم منه.
يقول الشاعر: مروان بن أبي حفصة:
إن أمير المؤمنين المصطفى قد ترك الصفصاف قاعاً صفصفا (8)(4/269)
ودفع هذا النصر المؤزر الرشيد أن يرسل عبد الملك بن صالح في نفس السنة 181هـ / 797م على رأس صائفة إلى شمال أرض الروم (1) ، وفتح الله على أيديهم أنقرة (2) ومطمورة (3) كما غزا منطقة مالاجينا - قرب مطمورة - وغنم منها خيولاً ومعدات حربية، وعزز المسلمون هذا النصر بنصر آخر حين أرسل الرشيد عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح سنة 182هـ / 798م على رأس صائفة توغلت في أرض الروم ودار بينها وبين البيزنطيين - وقائدهم بول Paul - معركة قوية انتصر المسلمون فيها وغنموا وزحفوا إلى أفسوس (4) ، وانتصروا - أيضاً - وغنموا ثم عادوا (5) بعد أن أسروا سبعة آلاف بيزنطي (6) .
ويظهر أن هذه الصائفة أفزعت الإمبراطورة إيريني، وجعلتها تدفع جزية مقدارها تسعين ألف دينار؛ لخوفها على عرشها من السقوط (7) ، وعاد الجيش الإسلامي إلى الشام بعد أن أبلى بلاءً حسناً في قتاله للروم.
والحقيقة أن مقاومة البيزنطيين للصوائف والشواتي كانت ضعيفة جدّاً؛ لأن الإمبراطورية البيزنطية تعاني من اضطرابات داخلية، وأهمها الخلاف الذي دار بين إيريني وبين ابنها قسطنطين حول مطالبتها ببقاء الوضع على ما كان عليه – الوصاية على ابنها – ليصبح تحت سلطانها.(4/270)
ووقف الجيش إلى جانب إيريني، وساندت العناصر من رجال الدين البارزين قسطنطين السادس، حتى تولى الحكم ولم يعد لأمّه من صفة غير والدة الإمبراطور، ولكن أعاد إليها ابنها لقب إمبراطورة لرغبة أمه وتوسلاتها الكثيرة، فبدأت الأم من هذا المنطلق في الإطاحة بابنها حتى تظل إمبراطورة من الناحية الرسمية والعملية، فأثارت رجال الدين ضدّه بعدّة طرق (1) ، فاضطر قسطنطين السادس إلى القبض عليهم وإنزال العذاب بهم ونفيهم، وأثارت جيش أرمينية عليه حينما أقدم على سمل عيني قائدهم الأرمني – الكسيوس – لمعارضته له وأغضبت أعمامه عليه – وهم الذين ساعدوه في الوصول إلى العرش – عندما سمل عيني أكبرهم – نقفور (2) – ونتيجة لذلك انفض الجميع من حوله وكرهوه وتمنوا الخلاص منه، فأمرت إيريني بإلقاء القبض عليه ثم سمل عينيه – سنة 182هـ / 797م (3) – ليبقى بقية عمره على هامش الحياة (4) ، وهذا يشير بوضوح إلى أنه ليس ابنها وإنما ابن زوجها.(4/271)
جدير بالذكر أن هذه الخلافات استمرت حوالي عشر سنوات 170 – 181هـ / 786 – 797م (أي منذ بلوغ قسطنطين السادس سن الرشد حتى قرب دخول الجيش الإسلامي أفسوس) . وهذا يفيد انشغال إيريني بالأوضاع الداخلية فلم تلق بالاً للدولة البيزنطية، وكان همّها الأكبر أن تظل إمبراطورة من الناحية الرسمية والفعلية، وربما أثّر عدم اهتمامها بأمن بلادها على الشعب والجيش فلم يحرصا كذلك على الأمن، ولهذا كان دفاع الجيش عنها ضعيفاً، وهذا لا يعني ضعف استعدادات الروم وتساهلهم في قتال المسلمين، بدليل القتال المستمر بين الطرفين والانتصارات والهزائم والغنائم والأسرى، ولكن يبدو أنه لم يكن هناك جدّية في القتال من جانب الروم لا براً ولا بحراً. يذكر أحد المؤرخين (1) أنه في سنة 182هـ / 798م حدث لقاء بين الأسطولين الإسلامي والبيزنطي في الخليج المقابل لمدينة أضاليا، هُزم فيه الأسطول البيزنطي هزيمة ساحقة، وأسر قائدهم البيزنطي ثيوفيلوس Theopilus.
ج – بين الرشيد وإيريني في الفترة - 183 – 186هـ / 799 – 802م:
أصبحت إيريني الحاكم الفعلي على الإمبراطورية البيزنطية بعد سمل عيني ابنها قسطنطين، ونعتت نفسها بأنها إمبراطور Basilieus لا إمبراطورة Basilissa (2) ، والتمست الوسائل العديدة لتوطيد سلطانها، فتقربت إلى المسلمين بجزية سنوية مقدارها تسعين ألف دينار تدفعها كل سنة؛ لتوقف حملاتهم على بلادها، خشية تساقط المدن الرومية، مما يؤدي إلى ثورة الشعب عليها، وبالتالي زوال سلطانها، وبذلت الهبات والمنح لسكان العاصمة (بيزنطة) الذي يتوقف على رضاهم – إلى حدّ كبير – مصير حكومة قلقة غير مستقرة، وألغت ضريبة البلدية التي يدفعها سكان بيزنطة؛ لأنها تعتبر عبئاً ثقيلاً عليهم (3) .(4/272)
واستفادت الخلافة العباسية من هذا الصلح الذي عقد بين الرشيد وإيريني - والذي توقفت فيه الشواتي والصوائف على أرض الروم في الفترة بين 183 – 186هـ / 799 – 802 م – ففضلاً عن هذه الجزية التي تسلّم للخلافة العباسية – تسعون ألف دينار – مع بداية كل سنة، أتيح للرشيد – خلال فترة الصلح – أن يوجّه اهتمامه للخزر (1) ، الذين دخلوا سنة 183هـ/ 799م على المسلمين من ثلمة (2) أرمينية بأكثر من مائة ألف، وهدموا بعض المدن، وقتلوا عدداً من سكانها وأسروا آخرين، فاضطر الرشيد أن يوجّه قوات الخلافة العباسية عليهم، يقودها: خازم بن خزيمة (3) ويزيد ابن مزيد الشيباني (4) ، فطردوا الخزر من أرض المسلمين، وسدّت الثلمة، وأصلحوا ما خرّبوه (5) . كما تفرغ الرشيد لتنفيذ بعض الأمور التي كانت تشغل باله ويتحين الفرصة المناسبة ليتخذ قراره بشأنها، ففي الداخل بدأ يتخذ خطوات فعالة للتخلص من نفوذ البرامكة (6) وفي الخارج اتخذ هارون واحداً من أقوى المواقف التي تحسب له؛ إذ اعترف بالأغالبة (7) أمراء مستقلون لشؤون تونس (أفريقية) ولكن في إطار التبعية الإسمية للخلافة العباسية (8) .(4/273)
ولم يدم الصلح – أعني الصلح الأخير (سنة 182هـ / 798م) الذي تعهدت فيه إيريني بدفع جزية سنوية للمسلمين مقدارها تسعون ألف دينار؛ مقابل عدم غزو المسلمين لأرضها – أكثر من أربع سنوات، فاتهمت - من القادة العسكريين وكبار الموظفين - إيريني بتدمير الموارد المالية للدولة البيزنطية (1) ، وخيّم على بلاطها جوّ التآمر والاستبداد، واشتدت المنافسة بين الطواشي (2) ستورياكوس Stauriacus والطواشي أيتوس Aetius على السلطة والنفوذ (3) مما أدى إلى نشوب ثورة بالقصر – 186هـ / 802م – دبرّها كبار الموظفين والقادة العسكريين، انتهت باختيار نقفور الأول 186هـ - 196هـ 802م - 811م (4) متولي الخزانة (بيت المال) إمبراطوراً، وتقرر نفي إيريني إلى جزائر الأمراء ثم إلى جزيرة لسبوس (5) سنة 192هـ / 807م ولم تلق الإمبراطورة من يدافع عنها، ويعيدها إلى عرشها الذي اغتصب منها، فكان الجزاء من جنس العمل (6) .
د – بين الرشيد ونقفور في الفترة 187 – 193هـ / 802 - 808م:
تولى نقفور حكم الإمبراطورية البيزنطية بعد أن كان مسؤولا عن الخزانة المالية فيها، فاهتم بتدعيم اقتصاد البلاد وإنقاذ الخزانة من الإفلاس، الذي نشأ عن إهمال حكومة إيريني، فألغى الأوامر التي أصدرتها إيريني، وامتنع عن دفع الجزية للمسلمين والبلغار، وأعاد الضرائب على سكان بيزنطة، واستولى على بعض أملاك الكنيسة، وأضافها إلى الضياع الإمبراطورية، غير أنه لم يخفض ما عليها من الضرائب، ليستعيد ما بذلته إيريني من الامتيازات والمنح للكنيسة والأديرة كما قام بإصلاح نظام الدفاع عن الإمبراطورية البيزنطية فجعل لكل جندي قطعة أرض مقابل أن يأتي على الفور عند الحاجة إليه بفرس وأداة حربية كاملة، وفرض الخدمة العسكرية على الفلاحين، على أن يلتزم أهل المدن والقرى بتجهيزهم بالعدة الحربية عن طريق ضريبة سنوية تدفع للحكومة (7) .(4/274)
ونجح نقفور في إصلاح أوضاع الخزانة، وسدّت الحكومة البيزنطية العجز في قوتها الحربية عن طريق الجيوش الناشئة والتي درّبت أفضل تدريب على أحدث الأسلحة التي وصلت إليها الإمبراطورية البيزنطية آنذاك. حتى أنه استطاع القائد بارادنيس توركوس Bardans turcus أن يتصدى لحملة القاسم بن الرشيد وعبد الملك بن صالح التي انطلقت جمادى الثاني سنة 187هـ / 802م (1) ، لكن اهتمام المقاتلين البيزنطيين بالدفاع عن أرض الروم والذود عنها لم يكن في المستوى الذي هيأهم نقفور من أجله، ففي شعبان سنة 187هـ / 802م أرسل الرشيد ابنه القاسم على رأس الصائفة لنقض نقفور الصلح الذي عقده الرشيد مع إيريني سنة 182هـ / 798م وامتناعه عن دفع الجزية المفروضة عليهم وفرض الحصار على حصن قرّة (2) ، بينما حاصر العباس ابن جعفر (3) – وكان معه في الصائفة – حصن سنان (4) ويظهر أن المسلمين فاجأوا العدو البيزنطي وأحكموا الحصار حول الحصنين، لذلك رأى نقفور عدم الاصطدام بالمسلمين الذين هيأوا أنفسهم للقتال، لأن دخولهم الحرب يعني هزيمتهم وانهيار روحهم المعنوية، واستسلام المدن البيزنطية وضياعها من الإمبراطورية، وسارع نقفور إلى إخراج أسرى المسلمين من السجون البيزنطية – وكانوا ثلاثمائة وعشرين رجلاً – وسلّمهم القاسم ابن الرشيد مقابل أن يرحلوا عنهم (5) ، وهذا يفيد أموراً كثيرة:(4/275)
أولاً: حرص القاسم بن الرشيد على استعادة أسرى المسلمين الذين وقعوا في قبضة العدو البيزنطي أثناء غزوة عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح سنة 182هـ / 798م؛ لأنها توغلت في أرض الروم حتى بلغت أفسوس، وكان لاستراتيجية بيزنطة الدفاعية في مواجهة المسلمين دور في ذلك، فكانت تضع عصابات الروم في الممرات الجبلية لتعترض المسلمين أثناء عودتهم محملين بالغنائم وتهاجمهم (1) ، وقد فهم نقفور رغبة القاسم منذ قدومه بلاده، ولذلك بادر إلى إطلاق سراح الأسرى مقابل أن يرحلوا عن بلادهم.
ثانياً: شدة حصار المسلمين للروم، مما دفعهم إلى طلب النجدة من نقفور وهذا يفهم من قول ابن الأثير ((فحصر العباس بن جعفر حصن سنان حتى جهد أهلها (تعبوا) فبعث إليه الروم ثلاثمائة وعشرين أسيراً من المسلمين على أن يرحل عنهم، فأجابهم ورحل عنهم صلحاً)) (2) .
وفي نفس السنة أيضاً (سنة 187هـ / 802م – نهاية شعبان) كتب نقفور إلى الرشيد: ((من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب؛ أما بعد؛ فإن الملكة التي كانت قبلي. . . حملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثالها إليها لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن؛ فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك وإلاّ فالسيف بيننا وبينك)) (3) .
اعتمد كتاب نقفور على محاور ثلاثة:
الأول: الترضية للرشيد والاعتراف بمكانته الحقيقية على العرب وأنه ملك العرب، ليجعل نفسه في مصافّه بأنه ملك الروم؛ ليرتفع قدره أمام شعبه حين يخاطب بهذا اللقب في المكاتبات. ودفعه إلى ذلك عدم احترام السكان له، لما فرض عليهم من الضرائب التي كانت أعفتهم منها الإمبراطورة إيريني.(4/276)
الثاني: النقد اللاذع لسياسة النساء وأولهن إيريني، واتهامهن بالحمق والضعف، بسبب الجزية التي كانت تدفعها للرشيد كل سنة؛ للمحافظة على عرشها ومكانتها بين السكان، ولو أنها رفضت دفع الجزية للرشيد وحدثت حرب بين الطرفين، لاتهمت أيضاً بالحمق والضعف لكونها لم تجنب شعبها خطر المسلمين.
ثالثاً: إرهاب الرشيد وتخويفه بالحرب إن لم ينفّذ ما يطلبه نقفور منه، ويرد جميع الأموال التي بعثت بها إليه إيريني في الفترة بين سنة 164 – 186هـ / 780 – 802م، أي عليه أن يدفع لنقفور مليون وتسعمائة وثمانون ألف دينار (جزية اثنتين وعشرين سنة) ولعل دافعه إلى هذا حاجة الدولة البيزنطية إلى هذه الأموال؛ لإصلاح خزانتها المالية؛ بسبب عدم انضباط السكان في دفع الضرائب المفروضة عليهم، وتهاون نقفور في ذلك؛ خشية قيام ثورة داخلية تضعف الحكومة البيزنطية، وتصبح لقمة سائقة لجيرانها، وربما لإظهار نفسه بالمطالب بحقوق البيزنطيين من المسلمين – في الأموال – مما يرفع شأنه أمام شعبه، ولعل نقفور أراد أن يجرّب أسلوب الحرب النفسية مع الرشيد، ظناً منه أن هذا سيؤثر عليه ويدفعه إلى إرسال الأموال التي طلبها منه أو على الأقل يفاوض على بعضها(4/277)
ولم يقصد نقفور تحدي الرشيد على الحقيقة وإن كان في ظاهر الكتاب ما يشير إلى التحدي (وإلاّ فالسيف بيننا وبينك) لأنه يعلم أنه ليس في مستوى هذا التحدي، – لما يعرفه من التجارب السابقة مع الرشيد (1) – وأن الروم تنقصهم الشجاعة في مجابهة القوات الإسلامية في ميادين القتال. ولو علم نقفور أن هذا الكتاب سيجلب عليه نقمة الحرب لما أرسله ومن الواضح أن وظيفة نقفور السابقة كمسؤول عن المالية قد غلبت على سياسة الإمبراطورية التي تركزت على إصلاح انهيار الاقتصاد المالي للبلاد، ولكن لسوء حظه أنه افتقر إلى الحكنة السياسية وبعد النظر، وسوء تقدير قوة الخصم وبعبارة أخرى أساء نقفور تقدير وفهم خصمه الخليفة العباسي هارون الرشيد (2) .
وكان موقف الرشيد من كتاب نقفور: أنه حين قرأه اشتد غضبه، ولم يمكّن أحداً أن ينظر إليه دون أن يخاطبه، فتفرق جلساؤه عنه؛ خوفاً من زيادة قول أو فعل يكون منهم، ورفض أن يستشير أحداً في أمر نقفور (3) .
ودعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب:
((بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم؛ قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه. والسلام)) (4) .
والحقيقة أن كتاب نقفور هو الذي حتّم على الرشيد هذا الموقف فما كان لخليفة مثل الرشيد قضى أربعة وعشرين سنة – 163 – 187هـ / 779 – 802م – يجاهد الروم أن يقبل هذا التهديد المشين، ولهذا كانت إجابته عليه واضحة جليّة وهي تجريد الجيش إليه، فوق إهانته وتحقيره.(4/278)
وفي أول رمضان سنة 187هـ / 802م (1) سار الرشيد على رأس حملة من مائة وعشرين ألف (2) ؛ لتأديب نقفور، واتجه إلى هرقلة (3) ، وحين بلغ نقفور خبر تقدم هارون أمر قادته بسرعة اقتلاع الأشجار وإلقاءها أمام طريق هارون وإشعال النيران فيها؛ ليمنعه من الوصول إلى هرقلة، لكن هارون وصل النار ولبس ثياب النفاطين فخاضها ثم تبعه الناس حتى وصل هرقلة (4) ، وحاصرها عدة أيام حتى فتحها (5) عنوة، وغنم أموالاً كثيرة، وأسر عدداً من أهلها وفيهم ابنه ملكها، ولم يجد نقفور بداً – حين علم بذلك – من مصالحة الرشيد على جزية – تسعين ألف دينار (6) – كل سنة؛ ليبعد المسلمين عن بلاده؛ لانشغال عدد كبير من جيشه بالقضاء على ثورة بارادانس توركس Bardanus Torcus الذي دان لزعامته جميع ثغور آسيا الصغرى سنة 188هـ / 803م (7)(4/279)
أثبتت هذه الأحداث أن بيزنطة كانت تعاني من ضعف الحكام وافتقارهم إلى المقدرة السياسية، خصوصاً فيما يتعلق بمواجهة خصمها التقليدي وهو الخلافة العباسية، فنقفور الذي رفض مواصلة دفع جزية إيريني أصبح عليه الآن الالتزام بالدفع مرة أخرى، بمقتضى اتفاقه مع هارون على النحو الذي عرضنا له، بل إن نقفور يسيء تقدير المواقف مرة أخرى معرضاً بيزنطة للخطر من جانب هارون الرشيد، وذلك حينما خرق اتفاقيته السابقة مع الخليفة العباسي فبعدما تأكد نقفور أن هارون قد وصل إلى الرقة نقض الصلح الذي عقده مع الرشيد (1) ، ولعله ندم على مصالحته للرشيد، خاصة وأنه كرهه قبل ذلك، واتهم إيريني بالضعف والحمق بسببه، ولابد أنه وجد من سوّل له نقض الصلح وطمأنه بأن المسلمين عادوا إلى ديارهم، وأصبحوا بعيدين عنهم، وأنهم لن يتمكنوا من غزوهم في الشتاء القارس وأنهم سيتهيأون لقتالهم في الصيف القادم إن عادوا إليهم. ولعل نقفور قام بهذا العمل من قبيل محاولة الإعلان عن قوة بيزنطة منتهزاً فرصة انشغال هارون الرشيد ببعض الفتن داخل الخلافة العباسية (2) .
ولما وصلت أخبار نقض الصلح إلى المسلمين ترددوا في إبلاغ الرشيد؛ إشفاقاً عليه وعلى أنفسهم من الكرّة عليهم في مثل تلك الأيام التي كان البرد فيها شديداً (3) ، لكن احتيل له بشاعر من جنده يقال له: الحجاج بن يوسف التميمي فقال للرشيد:
نقض الذي أعطيته نقفور
فعليه دائرة البوار تدور
أبشر أمير المؤمنين فإنه
غنمٌ أتاك به الإله كبير
فلقد تباشرت الرعية أن أتى
بالنقض عنه وافدٌ وبشير
ورجت يمينك أن تعجل غزوة
تشفي النفوس مكانها مذكور
أعطاك جزيته وطأطأ خدّه
حذر الصوارم والردى محذور
فأجرته من وقعها وكأنها
بأكفّنا شعل الضرام تطير
وصرفت بالطول العساكر قافلاً
عنه وجارك آمن مسرور
نقفور إنك حين تغدر إن نأى
عنك الإمام لجاهل مغرور
أظننت حين غدرت أنك مفلت
هبلتك أمك ما ظننت غرور(4/280)
ألقاك حينك في زواجر بحره
فطمت عليك من الإمام بحور
إن الإمام على اقتسارك قادر
قربت ديارك أم نأت بك دور
ليس الإمام وإن غفلنا غافلاً
عمّا يسوس بحزمه ويديرُ
ملك تجرّد للجهاد بنفسه
فعدوّه أبداً به مقهور (1)
ولما تأكد الرشيد من نقض نقفور الصلح الذي عقده معه تجهز إليهم وتحرك للمرة الثانية في شهر شوال سنة 187هـ / 802م - على رأس حملة من ثمانين ألفاً؛ لتأديب نقفور، واتجه صوب هرقلة، وكان البرد قارساً وعانى بسببه معاناة شديدة، وهذا واضح من قول ابن الأثير (2) ((فرجع إلى بلاد الروم في أشد زمان وأعظم كلفة)) وحاصر هرقلة (3) ورماها بالنفط والنار حتى سلّم أهلها (4) . يقول أبو العتاهية:
ألا نادت هرقلة بالخراب
من الملك الموفق للصواب
غدا هارون يرعد بالمنايا
ويبرق بالمذكرة القضاب
ورايات يحلّ النصر فيها
تمرّ كأنها قطع السحاب (5)(4/281)
هكذا كانت العلاقة بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية سنة 187هـ / 802م - وخاصة شهر شعبان ورمضان وشوال – عدائية فنقض نقفور الصلح مع الرشيد وامتنع عن دفع الجزية التي اعتادت إيريني دفعها كل سنة، فتمخض عن ذلك فتح المسلمين لبعض حصون الروم، كحصن قرة وحصن سنان، وطلب نقفور من الرشيد ردّ الأموال التي دفعتها إيريني خلال حكمها، فترتب على ذلك فتح هرقلة وتأديب نقفور، ودفعه للجزية المقررة عليه، وبعد عودة المسلمين إلى بلادهم نقض نقفور الصلح واسترد هرقلة، فعاد المسلمون واستردوها، وهذا يدل على أهمية هرقلة لدى الطرفين؛ لأنها تمثل مركزاً استراتيجياً باعتبار أنها مدخل أرض الروم بعد الثغور الشامية، ونهاية حدود الدولة الإسلامية من أرض الشام، كما يدل أيضاً على تحمل الرشيد والمسلمين للغزو وصبرهم عليه، فقد دخلوا أرض الروم ثلاث مرات خلال ثلاثة أشهر؛ بينما يدل على ضعف المقاتلين البيزنطيين؛ لأنهم يقاتلون من وراء الحصون والقلاع مهابة الموت تحت سيوف المسلمين ويتضح كذلك حب نقفور الشديد لنقض العهد والغدر بالآخرين، فقد حدث منه ذلك مع المسلمين ثلاث مرات، فكان من شرّ ما دبّ على وجه الأرض؛ لأنه كفر بالله تعالى، ونقض العهود والمواثيق أكثر من مرة فلا عهد له بعد ذلك ولا ذمة (1) . يقول الله تعالى: {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون} (2) .(4/282)
وكعادته نقض نقفور الصلح سنة 188هـ / 803م، وامتنع عن دفع الجزية المقررة عليه – تسعون ألف دينار - فسيّر إليه الرشيد في جمادى الأولى سنة 188هـ / 803م جيش الصائفة بقيادة إبراهيم بن جبريل (1) ، ودخل أرض الروم من ناحية الصفصاف، وتقابل الفريقان في حرب شديدة، ترتب عليها هزيمة الروم وفرار نقفور من الميدان بعدما جرح ثلاث جراحات، وحصول المسلمين على أربعة آلاف دابة من الروم، وقتل أربعين ألفاً وسبعمائة من الجيش البيزنطي (2) ، وإن كان العدد مبالغاً فيه؛ لإظهار قوة الخلافة العباسية، إلاّ أنه يدل على أمرين: أحدهما: كثرة قتلى الروم والآخر: المعاناة التي بذلها المسلمون في هذه الغزوة، والآخر: اعتراف نقفور بقوة المسلمين، وإرساله الجزية للمسلمين، وأحدث كل هذا استياءً عاماً لدى الروم، وخاصة بعد قتل الأعداد الكبيرة منهم وأسر الآخرين، مما دفعهم إلى المطالبة باستعادة أسراهم، وتم لنقفور هذا في فداء سنة 189هـ / 804م، وكان عدد الأسرى المسلمين حوالي ثلاثة آلاف وسبعمائة أسير، أما الأسرى البيزنطيين فلم تمدنا المصادر ببيانات عددية عنهم – لكثرتهم - (3) ، وقد تولى القاسم بن الرشيد عملية فداء الأسرى التي تمت على نهر اللامس، وحضره العلماء والأعيان وخلق من أهل الثغور وثلاثون ألفاً من الجنود (4) فلم يبق بأرض الروم مسلم إلاّ فودي به (5) ، فقال مروان بن أبي حفصة في ذلك:
وفكّت بك الأسرى التي شيّدت لها
محابس ما فيها حميم يزورها
على حين أعيا المسلمين فكاكها
وقالوا سجون المشركين قبورها (6)
واستفاد كلا الطرفين من هذه المناداة، فقد أظهر الروم الرضا عن نقفور، وخاصة بعد إعلانه الانتقام من المسلمين في وقت قريب واسترداد ما أخذ من غنائم وخيرات، وهذا ساعد على امتصاص غضب الروم وهدوء الأحوال في الدولة البيزنطية سنة 189هـ / 804م.(4/283)
وفي محاولة من نقفور قطع على نفسه عهداً – بتأثير من الروم سنة 189هـ/ 804م – بردّ اعتبار الروم في أقرب وقت ممكن؛ كسباً لرضاهم ورفعاً لمكانته فيهم، وفوق هذا امتنع عن دفع الجزية للرشيد، وعليه تقدم في 20 رجب سنة 190هـ / 805م (1) بقوة من الروم ناحية المدن التي تحمي الجزيرة (الشمالية الشرقية) وأغار على عين زربي (2) وعلى الكنيسة السوداء (3) (بلد بالثغر من نواحي المصيصة) (4) ، وقاتل المسلمين المرابطين فيها وأسر عدداً منهم، إلاّ أنه لم يتمكن من المحافظة على هذا النصر، واستطاع أهل المصيصة أن يلحقوا بالروم – أثناء عودتهم إلى بلادهم – ويستنقذوا ما في أيديهم من الأسرى المسلمين (5) .
وغضب الرشيد لهذه التطورات وسار في بداية شعبان سنة 190هـ / 805م وسار معه مائة ألف وخمسة وثلاثين ألف فيهم من المرتزقة سوى الأتباع وسوى المطّوعة وسوى من لا ديوان لهم (6) وساروا بعد أن أكملوا استعداداتهم وهيأوا أنفسهم للقاء الروم.
ويذكر الجهشياري (7) أن الرشيد اتخذ دراعة (8) مكتوباً عليها (غاز حاج) فكان يلبسها فقال أبو المعالي الكلابي:
فمن يطلب لقاءك أو يُرده
فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمِرّ
وفي أرض الترفّه فوق كور
وما حاز الثغور سواك خلق
من المتخلفين على الأمور (9)(4/284)
ولما وصل الرشيد أطراف بلاد الروم وزع قواده فيها (1) ؛ لئلا يؤخذ المسلمون على غرّة، ولا يتاح للروم الإعداد للقاء المسلمين في جهات متعددة، فأرسل: عبد الله بن مالك ناحية ذي الكلاع (2) ، فحاصرها وفتح حصنها عنوة بعد أيام، وغنم وعاد سالماً، ووجه داود بن عيسى بن موسى في سبعين ألفاً إلى أرض الروم، ففتح بلاداً كثيرة – لم تذكرها المصادر – وهدم بعض الحصون والقلاع وغنم وعاد مع المسلمين، وبعث شراحيل ابن معن بن زائدة ناحية حصن الصقالبة ودبسة فافتتحهما وأدبّ من فيها من الروم، ثم أسر منهم عدداً (لا يقل عن خمسين رجلاً) وعاد سالماً وأرسل يزيد بن مخلد إلى الصفّصاف وملقونية (3) ففتحهما عنوة وغنم وسبى، ووجه حميد بن معيوف الهمداني إلى ساحل البحر المتوسط فبلغ قبرص (4) ، فافتتحها (5) عنوة، وهدم بعض قلاعها وسبى من أهلها ستة عشر ألفاً (6) .
والواضح أن الرشيد تحرك مع المسلمين صوب هرقلة؛ لتأديب نقفور وإخضاعه لدفع الجزية، إلاّ أنه لما وصل أطراف بلاد الروم غيّر استراتيجيته؛ لأنه علم أن نقفور أثار سكان المدن الرومية على المسلمين، وأمرهم أن يُعدّوا العدة للقائهم فأراد الرشيد أن يباغتهم قبل أن يكملوا استعداداتهم، ففرق القادة في أماكن متعددة من بلادهم – وكان نصيب الرشيد هرقلة والتي سنتحدث عنها لاحقاً – إن شاء الله – ففتحوا مدناً في البر والبحر.(4/285)
وإن غزو حميد بن معيوف قبرص سنة 190هـ / 805م يدل على أن العباسيين أخذوا يسعون منذ خلافة الرشيد (170 – 193هـ / 786 – 808م) إلى استعادة السيادة البحرية الإسلامية في البحر المتوسط (1) ، ومما يثبت هذا السعي والاهتمام أن الرشيد أحبّ أن يوصل ما بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر مما يلي بلاد الفرما (2) فنصحه يحيى بن خالد البرمكي بالانصراف عن تنفيذ ذلك، وخوّفه من دخول مراكب الروم في البحر الأحمر وتهديد الحجاز، فعدل الرشيد عن المضي في تنفيذه (3) .
أما أسرى قبرص فقد أقاموا مع المسلمين في الرافقة تسعة شهور، أظهروا فيها الاستقامة، فأمر الرشيد بردّهم إلى بلادهم (4) ، ولابد أنه أخذ عليهم عهداً بالنصيحة للمسلمين وإنذارهم الروم، وألاّ يقفوا إلى صفّهم في حالة هجومهم على المسلمين.
وبعد فتح المسلمين للمدن والقلاع السابقة اتجهوا صوب هرقلة، وكان سكانها قد تحصنوا في قلعتها الحصينة التي أحيطت بخندق كبير لا يمكن الوصول إليه إلاّ بمشقة، فأقام المسلمون على حصارها شهراً، استخدموا فيه السهام والمجانيق والعرادات (5) .
وحاول أهل هرقلة تخويف المسلمين، فأرسلوا لهم في اليوم الأول (3 شوال سنة 190هـ / 805م) رجلاً من أعلاج الروم (6) ، وأعلن تحديه لقتال المسلمين رجلاً رجلاً ثم رجلين رجلين وهكذا حتى وصل العشرين، ولم يردّ عليه أحد من المسلمين؛ سياسة منهم.(4/286)
وفي اليوم التالي (4 شوال سنة 190هـ / 805م) خرج العلج الرومي وتحدى المسلمين كاليوم الأول فخرج إليه رجل (يدعى ابن الجزري) عرف بالبأس والنجدة، وتقابل الرجلان وأخذ كلاهما يضرب ترس الآخر، حتى انهزم ابن الجزري أمام الرومي بعيداً عن الحصن، سياسة منه ليلحق بهم الرومي ثم يلتف عليه ابن الجزري ويقتله، ولما رأى الروم – وكانوا عشرين رجلاً – ذلك المشهد لجأوا إلى الحصن وأغلقوه عليهم، فأوصى الرشيد قادته بتحطيم أسوار القلعة بضربها بالمجانيق وكُتَل النار المشتعلة، ولما رأى الروم تهافت جنبات السور لجأوا إلى فتح أبواب القلعة وأعلنوا الولاء والطاعة للمسلمين ووافقوا على دفع الجزية، مقابل أن يعطوا الأمان على أنفسهم ولا يفرّق بينهم (1) . فقال الشاعر المكي الذي كان ينزل جدة:
هوت هرقلة لما أن رأت عجباً ... حوائماً ترتمي بالنفط والنار
كأن نيراننا في جنب قلعتهم مصبغات على أرسان قصَّار (2)
وكان لفتح هرقلة أثره على نقفور الذي بادر إلى دفع الخراج عن أرضه والجزية عن رأسه وولي عهده وبطارقته وسائر أهل بلده خمسين ألف دينار منها عن رأسه أربعة دنانير وعن رأس ولده (إستبراق) ديناران (3) ، وهذا يدل على قوة المسلمين وضعف نقفور أمام المسلمين، الذين فتحوا كثيراً من مدنهم وحصونهم حتى أن هرقلة في هذا الفتح الأخير هُدِمَت أسوارها وحصونها وسُوّيت بالأرض؛ لئلا يتحصن بها الروم مرة أخرى.
وزيادة في تأكيد هذا الغَرَض اشترط الرشيد على نقفور ألاّ يعمّرها، وأن يحمل إليه ثلاثمائة ألف دينار (4) ، وأبقى على حصن ذي الكلاع وصملة وسنان من غير تخريب (5) ؛ لأنها لا تشكل خطراً على المسلمين كهرقلة وقال أبو العتاهية في ذلك:
إمام الهدى أصبحت بالدين معنّياً
وأصبحت تسقي كل مستمطر ريّا
لك اسمان شقا من رشاد ومن هدى
فأنت الذي تدعى رشيداً ومهديا
إذا ما سخطت الشيء كان مسخطاً
وإن ترض شيئاً كان في الناس مرضيا(4/287)
بسطت لنا شرقاً وغرباً يَدُ العلا
فأوسعت شرقياً وأوسعت غربيا
ووشيت وجه الأرض بالجود والندى
فأصبح وجه الأرض بالجود موشيا
وأنت أمير المؤمنين فتى التقى
نشرت من الإحسان ما كان مطويّا
تجليّت للدنيا وللدين بالرضا
فأصبح نقفور لهارون ذميا (1)
وكان لفتح هرقلة أثره في الروم،فقد أعلن أهل الطوانة نقضهم للطاعة، وأرادوا الكيد للمسلمين، فتحرك الرشيد ناحيتهم لتأديبهم (15 شوال سنة 190هـ / 805م) وأقام عليها فأظهر أهلها الطاعة، وأقام مسجداً هناك، كما أقام معسكرات لا حصر لها (2) وخلف عليها عقبة بن جعفر وأمره ببناء منزل هنالك (3) . ليوافيه بأخبار أهلها.
كما نقض أهل جزيرة قبرص الصلح الذي عقدوه مع حميد بن معيوف وأعلنوا عداءهم للمسلمين، فبعث الرشيد إليهم (22 شوال سنة 190هـ / 805م) معيوف ابن يحيى، فقاتلهم وسبى وقتل عدداً كبيراً من أهلها (4) .
والحقيقة أن انتصارات المسلمين على الروم سنة 190هـ / 805م أكّدت لنقفور عدم مقدرته على التصدي عسكرياً للمسلمين في خلافة هارون الرشيد، مما جعله يلجأ إلى انتهاج سياسة اللين والموادعة، يدل على ذلك كتابه إلى الرشيد – أواخر سنة 190هـ / 805م -: ((لعبد الله هارون أمير المؤمنين من نقفور ملك الروم، سلام عليكم، أما بعد أيها الملك فإن لي إليك حاجة لا تضرّك في دينك ولا دنياك، هيّنة يسيرة أن تَهَبَ لابني جارية من بنات أهل هرقلة كُنْتُ قد خطبتها على ابني فإن رأيت أن تسعفني بحاجتي فعلت. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)) (5) .(4/288)
ويظهر من هذا الكتاب مدى تذلل نقفور وتوسله إلى هارون الرشيد في طلب هذه الجارية بغرض تزويجها لابنه استبراق، كما يتضح تغير لهجته في الاعتراف لهارون أميراً للمؤمنين، كما صدّر كتابه بالسلام وختمه به، وأرسل مع هذا الكتاب هدية من الطيب وسرادقاً (1) ، ولهذا كله أجاب الرشيد إلى طلبه، وأمر بحمل الجارية على سرير ومعها هدايا من عطور وتمور ومتاع وأخبصة (2) وزبيب، فكافأه نقفور بأن بعث إليه هدية تتكون من وِقْر (حمل) برذون (3) دراهم مبلغه خمسين ألف درهم ومائة ثوب ديباج واثنتي عشر صقراً وأربعة أكلب من كلاب الصيد وثلاثة براذين (4) .
ولم تثمر هذه العلاقة الجديدة وما تخللها من تبادل الهدايا في تحسين العلاقة بين الطرفين وتبيّن للرشيد أن الهدايا التي يبعث بها نقفور إليه ما هي إلاّ مكافأة له حين ردّ الجارية إليه، وأنها لا تعني اقتناعه بالرشيد، ولا تعني أيضاً وجود رغبة في إقامة علاقات ودية بينه وبين الرشيد.
ففي جمادى الثاني سنة 191هـ / 806م وكعادة نقفور نقض عهده وامتنع عن دفع الجزية، فأرسل الرشيد إليه يزيد بن مخلد الهبيري (5) على رأس عشرة آلاف، فاعترضه الروم في أحد المضايق فقتلوه على مقربة من طرسوس مع خمسين رجلاً (6) ، ولما رأى المسلمون مهاجمة الروم لهم بأعداد كبيرة فضّلوا العودة إلى الشام حقناً للدماء وطلباً للنجدة من الرشيد.(4/289)
وفي شعبان سنة 191هـ / 806م بعث الرشيد هرثمة بن أعين – ومعه مسرور الخادم – على رأس الصائفة، وضم إليه ثلاثين ألفاً من جند خراسان؛ لقوتهم وشدة مراسهم، وتقدمّهم الرشيد إلى درب الحدث، وأقام بها ثلاثة أيام من رمضان ومنها وجّه سعيد بن سلم بن قتيبة، فأقام مع المسلمين في مرعش (1) ، فأغارت الروم عليها وأصابوا من المسلمين، وانصرفوا وسعيد ابن سلم مقيم بها، فأرسل الرشيد إلى الروم محمد بن يزيد ابن مزيد يتتبعهم، فلحق بهم في طرسوس وأوقع بهم ثم عاد أدراجه مع المسلمين، وحين اطمأن الرشيد على الأوضاع في الثغور عاد إلى الرقة ليقيم فيها (2) .
وولى الرشيد ثابت بن نصر بن مالك الخزاعي إمارة الثغور الشامية سنة 192هـ / 807م، فغزا الروم في الصائفة وفتح مطمورة (3) وكان لكثرة غزوات المسلمين في الفترة الأخيرة سنة 191 – 192هـ / 806 – 807م أثرها في إلقاء الرعب في قلوبهم، فقد ذهبت بسببها الآلاف منهم، مما دفعهم إلى التفكير في مصالحة المسلمين (4) . يقول ثيوفان (المؤرخ البيزنطي) أن هناك سفارة تكونت من ثلاثة من كبار رجال الدين لهذا الغرض وهم: المطران سينادا Synnada ورئيس دير جولياس Gulaias وأسقف أماستريس Amastris (5) ، إلا أنه لم يذكر ما حدث مع هذه السفارة، في حين أشارت المصادر الإسلامية إلى أن الصلح والفداء كان على يد ثابت بن نصر في قرية البذندون (6) ، حيث فودي في هذا العام من المسلمين في سبعة أيام نحو ألفين وخمسمائة رجل وامرأة (7) .
وفي 5 جمادى الآخرة سنة 193هـ / 808م (8) توفي الخليفة هارون الرشيد، وتوقفت حملات الصوائف والشواتي على الإمبراطورية البيزنطية؛ لانشغال المسلمين بفتنة الأمين والمأمون في الفترة 193 – 198هـ / 808 – 813م (9) ، إلاّ أنه استطاع بعدها المأمون أن يُعيد وحدة الدولة العباسية، وأخذ يتفرغ لمواجهة البيزنطيين (10) .(4/290)
ولم يظهر من جانب البيزنطيين عداء للمسلمين؛ لانشغالهم بحرب البلغار ومصرع نقفور الأول في 194هـ / 809م وتولية ستوراكيوس ثم ميشيل رانجابي صهره في نفس السنة، ثم عزل الأخير سنة 197هـ / 812م على يد ليو الأرمني الذي اعتلى العرش الإمبراطوري في الفترة 198 – 205هـ / 813 – 820م (1) ، ثم إن حملات الرشيد تركت أثراً كبيراً في الدولة البيزنطية، لم تفق منه بسهولة ويسر، يدل على هذا أنها لم تحاول أن تستغل التصدع في داخل الدولة العباسية إبان الفتنة بين الأمين والمأمون، وكانت الفتنة فرصة مواتية لأي هجوم مضاد يستعيد ما فقد في عهد الرشيد (2) .
ومن أهم الأسباب التي حالت بين البيزنطيين وبين مواصلة العدوان التفاهم الذي توطّد بين العباسيين والفرنجة (3) - بخوفهم من تعاون الطرفين عليهم -، والذي لم يختف بوفاة الرشيد بل ظلت أواصره معقودة حتى أوائل عصر المأمون وحين نقرأ أن آخر السفارات التي وصلت إلى البلاط العباسي كانت سنة 216هـ / 831م (4) نعرف أن التفاهم بين الجانبين العباسي والفرنجي استمر بعد الرشيد مدة طويلة.
وهكذا كانت العلاقة بين الدولة العباسية والإمبراطورية البيزنطية – خلال أيام الرشيد – عدائية متوترة، إلاّ ما تخلّلها من بعض المهادنات، فبعد أن استكمل الرشيد تحصينات الثغور المتاخمة للبيزنطيين، وأقام منطقة العواصم – وقاعدتها منبج – واصل سياسة آبائه وأجداده، وشنّ الحملات على أرض الروم، وأظهر القادة المسلمون وفي مقدمتهم الخليفة هارون الرشيد صوراً من البطولة والشجاعة جعلت الروم ينهزمون أمامهم مرات عديدة، فأمّن المسلمون ثغورهم وباغتوا عدوهم في داخل أرضه.(4/291)
وأحسن المسلمون – بعد النصر – معاملة أسراهم، كما حدث مع زوجة استبراق ابن نقفور وإكرامها بالهدايا، وردّ أسرى قبرص إلى بلادهم، في حين أساء الروم إلى أسرى المسلمين فقد ذكر أنهم كانوا يغلون قدور الزيت ويلقون المسلمين فيها إرغاماً على النصرانية (1) .
• • •
الخاتمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فنحمد الله على تيسيره إنجاز هذا البحث الذي تمخض عن الآتي:
أولاً: كانت استراتيجية الخلافة العباسية – في عهد الرشيد – مع الروم استكمال تحصينات الثغور، وتحديد أسلوب القتال بالصوائف والشواتي، بينما قامت استراتيجية الإمبراطورية البيزنطية – في نفس الفترة – على إخلاء منطقة الحدود في أطراف دولتهم من السكان؛ لئلا تتعرض لهجمات المسلمين، وإبقاء بعض الحاميات للدفاع عنها.
ثانياً: ترتب على سياسة الرشيد على الحدود الإسلامية أنه لم يستطع الروم اختراق منطقة الثغور لحصانتها القوية مما حقق الأمن في منطقة الثغور الشامية خاصة إنطاكية والمصّيصة والعواصم.
ثالثاً: أثرت العلاقة بين الطرفين على اقتصاد الدولة البيزنطية، فقد ظلت إيريني تدفع الجزية للمسلمين في الفترة 164 – 186هـ / 780 – 802م، ثم دفع نقفور كذلك الجزية سنة 178هـ / 803م.
رابعاً: كما تركت العلاقة أثرها على أمن الدولة البيزنطية، فحين وجد الجيش البيزنطي حرص إيريني على مركزها عند المسلمين وعند غيرهم ضعف دفاعه عن بلاده.
خامساً: لم تكن سياسة نقفور في نقض الصلح مع المسلمين تحدياً منه لهم، بقدر ما كانت تهدئة لنفوس الروم من الشعب والجند حين اتهموه بالخوف والضعف وعدم القدرة على مجابهة المسلمين، والدليل على ذلك مبادرة نقفور إلى مصالحة المسلمين ودفع الجزية لهم حال علمه بوصولهم إلى بلاده.(4/292)
سادساً: أكّد هذا البحث الجهود الكبيرة التي قدمّها الرشيد والقادة المسلمين في قتال الروم، فقد غزوهم ثنتين وعشرين صائفة وثلاث شواتي، وفتحوا مدناً أكثر من مرة كهرقلة وقبرص. . .، كما مصّروا بعض المدن كطرسوس. وأثبتت هذه الجهود تفوق المسلمون العسكري على البيزنطيين ولو استغل المسلمون الظروف الحرجة للبيزنطيين واستغلوا انتصاراتهم لتغير الحال (1) .
سابعاً: إن تحمّل المسلمين لنقض العهد المتكرر من الروم لم يكن تخوفاً أو تهيباً بهم، وإنما لإتاحة الفرصة لهم كي يراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى رشدهم.
ثامناً: تبيّن للروم أن المسلمين لم يكونوا كالبلغار والفرنجة جاءوا للسيطرة على أراضيهم، إنما جاءوا لنشر الإسلام بينهم وإنقاذهم من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام، وذلك من خلال مكاتبة هارون الرشيد لهم بغرض شرح حقائق الإسلام لهم، والمعاملة الحسنة لأسراهم ومحاولة إدخالهم في الإسلام، ومن بينهم أسرى مدينة أشنه وانسحابهم من أراضيهم بعد انتصارهم عليهم.
تاسعاً: كان الرشيد على قدر كبير من الحسّ السياسي والعسكري في علاقته مع الروم، خاصة حين أصدر قراره بهدم هرقلة سنة 189هـ / 804م، ليمنع الروم من التحصن بها ومهاجمة المسلمين.
عاشراً: أكدّ البحث أن الروم لا ينزجرون إلاّ حين يرون قوة المسلمين، مثل إيريني ونقفور وإرغامهما على توقيع الصلح مع المسلمين من منطلق القوة، وفي هذا درس لعالمنا الإسلامي أن يأخذ بأسباب القوة التي أشار القرآن الكريم إليها في قوله تعالى:
{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} (2) ليتفادوا الوهن والضعف الذي يعيشونه الآن؛ وإنقاذاً للمسلمين المستضعفين.(4/293)
حادي عشر: أكّد البحث عدم صدق ووفاء الروم في عهدهم مع المسلمين، والدليل على ذلك نقض نقفور للعهد في سنوات 187هـ / 802م، 188هـ / 803م، 190هـ / 805م. وهذا يؤكد للمسلمين أن يكونوا على حذر من أعدائهم دائماً، تطبيقاً لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم. . .} (1) .
ثاني عشر: أوضح البحث نبوغ وعبقرية الرشيد السياسية والعسكرية قبل توليه الخلافة، فقد قاتل إيريني حتى أرغمها على توقيع الصلح.
ثالث عشر: ومن نتائج هذا البحث أيضاً بيان محاولة الروم استرداد أملاكهم في بلاد الشام بالإغارة عليها وقت الخلافات في الدولة الإسلامية أو انصراف المسلمين عنها وقتياً، وفي هذا توجيه للمسلمين بأن ينبذوا الخلافات فيما بينهم ويعملوا بقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. . .} (2) .
رابع عشر: تحقق الهدف المنشود من الشواتي والصوائف وأخذ صوت الإسلام يعلوا في بعض المدن الرومية، وبدأ الروم يحسبون للمسلمين ألف حساب؛ باعتبارهم القوة الغالبة.
خامس عشر: وتعرف المسلمون على المنافذ الرئيسة لبلاد الروم وأصبح لديهم تصوّر واضح عن أيسر الطرق للوصول إلى قلب الدولة البيزنطية، ولذلك حاول بعض الخلفاء كالمأمون والمعتصم بعد ذلك إزالة الدولة البيزنطية وضمها لأملاك الدولة الإسلامية، ومن ذلك محاولة المأمون مهاجمة القسطنطينية، فعمل على استقدام قوات من العراق والشام وشرع في تقوية الثغور، وكانت خطته تتلخص في حصار عمورية ثم فتحها، ومن ثم ضرب القسطنطينية إلا أن المنية عاجلته قبل تنفيذ خطته (3) .
سادس عشر: وأخذ الروم في الانحدار والضعف، فقد لجأوا إلى طلب الصلح مع المسلمين بعدما كانوا أشدّ الناس معارضة له، كما قبلوا تسليم الجزية للمسلمين بعد أن رفضوها بشدة.(4/294)
وفي نهاية هذا البحث أسأل الله تعالى أن يوفقني إلى خير الأعمال، ويجعل عملنا خالياً من الرياء ويرزقنا الأجر والمثوبة وأن يكون عملنا خالصاً لوجهه الكريم إنه ولي ذلك وبالإجابة جدير، وصلى الله على نبيّنا وسيّدنا مُحمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين.
الحواشي والتعليقات
حسن أحمد محمود وآخر، العالم الإسلامي في العصر العباسي (القاهرة، دار الفكر، ط4، 1980م) ص155.
تولى حكم الدولة البيزنطية بعد موت والده ليو الثالث (99 - 124هـ / 717 – 741م) . تقدم على رأس حملة لقتال المسلمين سنة (125هـ / 742م) وتعرض جيشه أثناء اجتياز ثغر الأبسيق لمهاجمة ارتاباسدوس (زوج أخته) فحلت بقسطنطين الهزيمة ولجأ إلى عمورية، واشتبك جيشه البيزنطي مع البلغار (146هـ / 763م) فهزمهم واستمر في انتصاراته حتى مات سنة (159هـ - 775م) . (السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية (بيروت، دار النهضة، 1982م) ص186-220) .
منطقة الثغور إذ ذاك إمّا ثغوراً جزرية خصصت للدفاع عن شمال العراق وأهم حصونها:
ملطية، زبطرة، مرعش، الحدث، والمصيصة، أو الثغور الشامية وتقع في جنوب غرب الثغور الجزرية وقد خصصت للدفاع عن بلاد الشام ومن أشهر حصونها: طرسوس، أذنه، عين زربة، والهارونية (قدامة بن جعفر، الخراج (ليدن، 1889م) ص253، حسن محمود، العالم الإسلامي، ص158، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص160، 161) .
مَلَطْية مدينة من بناء الاسكندر فيه جامعها من بناء الصحابة، وهي من بلاد الروم تتاخم بلاد الشام، وهي من أجلّ الثغور الإسلامية أمام الروم - (ياقوت الحموي، معجم البلدان (بيروت، دار صادر، 1404هـ) ج5 ص192، ابن عبد الحق (عبد المؤمن) ، مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع (بيروت، دار المعرفة، ط1، 1373هـ) ج3 ص1308، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية (بيروت، ط2، 1405هـ) ص152.(4/295)
هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ثاني خلفاء بني العباس، أول من عني بالعلوم من ملوك العرب كان عارفاً بالفقه والأدب محباً للعلماء، ولد بالحميمة في الأردن سنة 95هـ / 713م وبنى مدينة بغداد ومن آثاره مدينة المصيصة والرافقة بالرقه، وزيادة في المسجد الحرام، توفي ببئر ميمون من أرض مكة وهو محرم بالحج سنة 158هـ 775م. ابن كثير (عماد الدين اسماعيل) ، البداية والنهاية (بيروت ط5 - 1409هـ) ج10 ص124، (ابن العماد الحنبلي شذرات الذهب في أخبار من ذهب (دار الكتب، بيروت) ج1 ص244، محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (الدولة العباسية) (بيروت، المكتب الإسلامي، ط3، 1407هـ) ج5 ص101 وما بعدها، خير الدين الزركلي، الأعلام (بيروت، دار العلم للملايين، ط7، 1986م) ج4 ص117.
البلاذري (أبو الحسن) ، فتوح البلدان (بيروت، دار الكتب العلمية، 1403هـ) ص191.
حسن محمود وآخر، العالم الإسلامي ص156.
البلاذري، فتوح البلدان ص 191.
محمد بن هارون الرشيد، أبو إسحاق المعتصم بالله العباسي، بويع بالخلافة سنة 218هـ / 833م وهو فاتح عمورية من بلاد الروم الشرقية، وباني مدينة سامراء سنة 222هـ / 836م، وهو أول من أضاف إلى اسمه اسم الله تعالى من الخلفاء فقيل المعتصم بالله، توفي بسامراء سنة 227هـ / 841م. (اليعقوبي (أحمد بن أبي يعقوب) ، تاريخ اليعقوبي، (دار بيروت) ج2 ص471 وما بعدها، ابن شاكر الكتبي (محمد بن شاكر) ، فوات الوفيات (دار بيروت) ج4 ص48، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص308، الزركلي، الأعلام ج7 ص127، 128.
حسن أحمد محمود وآخر، المرجع السابق ص 156.
الخراج ص 259.
البلاذري، فتوح، ص195.
قدامة بن جعفر، الخراج ص259.(4/296)
محمود شاكر، التاريخ الإسلامي ج5 ص170، وعن الصوائف والشواتي، انظر: إبراهيم أحمد العدوي، الإمبراطورية البيزنطية والدولة الإسلامية (القاهرة، سنة 1951م) ص 77 - 78.
محمد بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن العباسي، أبو عبد الله المهدي، من خلفاء الدولة العباسية، تولى الخلافة سنة 158هـ / 774م، بنى جامع الرصافة، ووجّه رسلاً إلى الملوك يدعوهم إلى الطاعة، فدخل في طاعته ملك كابل شاه وملك طبرستان، وملك السغد وغيرهم توفي سنة 169هـ/ 785م (اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2 ص392، 397، ابن شاكر، فوات الوفيات، ج3 ص400-401، ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، ج1ص266، الزركلي، الأعلام ج6 ص221
البلاذري، فتوح ص194.
وسام عبد العزيز فرج، دراسات في تاريخ وحضارة الإمبراطورية البيزنطية (الإسكندرية، 1982م) ص157.
هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو جعفر، خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، ولد بالري سنة 149هـ / 766م، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي سنة 170هـ / 786 م فقام بأعبائها، وازدهرت الدولة العباسية في أيامه، وكانت بينه وبين شارلمان ملك فرنسا مودة وكانا يتبادلان الهدايا، وله وقائع كثيرة مع الروم وملوكهم إيريني ونقفور (الصوائف والشواتي) وتوفي سنة 193هـ 809م في مدينة طوس بقرية سنباذ (المسعودي) (أبو الحسن علي بن الحسين) مروج الذهب ومعادن الجواهر (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1406هـ) ج3 ص412، ابن شاكر، فوات الوفيات ج4 ص225، ابن كثير البداية والنهاية ج10 ص222، الزركلي، الأعلام ج8 ص62.(4/297)
.. بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، أبو محمد، من خلفاء الدولة العباسية ببغداد، ولد بالري سنة 144هـ 761م وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة 169هـ / 785م، واستبدت أمه الخيزران بالأمر، وكان شجاعاً جواداً، له معرفة بالأدب والشعر، تتبع الزنادقة وأعمل فيهم السيف مثل والده، ومات سنة 170هـ / 786م. (ابن شاكر الكتبي، فوت الوفيات ج4 ص173، 174، ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب ج1 ص271، الزركلي، الأعلام ج7 ص327.
مدينة صمالو في الثغر الشامي قرب المصيصة وطرسوس (ياقوت الحموي، معجم البلدان ج3 ص423، ابن عبد الحق، مراصد الاطلاع ج2 ص851.
أحمد اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج2 ص402، محمد الطبري، تاريخ الأمم والملوك (بيروت، دار سويدان) ج8ص148.
إحدى قرى بغداد، على سبعة فراسخ منها قرب صريفين وهي من نواحي دجيل (ياقوت، معجم البلدان ج1 ص375.
الطبري، تاريخ ج8 ص144، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص150.
عبد الكبير بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، ذكر التاريخ له أنه غزا الروم سنة (164هـ / 780م) فلم يحالفه الحظ، وعاد مع المسلمين (الطبري، تاريخ ج 8 ص= =150، ابن الأثير (أبو الحسن عز الدين علي) الكامل في التاريخ، (بيروت، 1407هـ، ط 1) ج 5 ص 246) .
الدرب المكان الذي بين طرسوس وبلاد الروم؛ لأنه مضيق كالدرب، والحدث: قلعة حصينة بين ملطية وسميساط ومرعش من الثغور (ياقوت الحموي، معجم البلدان ج2 ص227، 447، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج1 ص385 ج2 ص520.
ابن الأثير، الكامل في التاريخ (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1407هـ) ج5 ص246.
عبد الرحمن ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1 – 1412هـ) ج8 ص270.
الطبري، تاريخ ج8 ص152، ابن الجوزي، المنتظم ج8 ص277، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص150.(4/298)
لم أعثر على ذكر لها في المعاجم، ويظهر أنه أحد الحصون الرومية التي انهارت بسبب ضرب المسلمين لها بالمجانيق
القومس: الملك الشريف وقيل السيّد (ابن منظور، لسان العرب (بيروت، دار صادر) ج6 ص183.
سماها الترك: أزنكميد، وهو ما تعرف به اليوم (كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص190) .
(33) وتقع هذه المدينة غرب أسيا الصغرى، وتواجه القسطنطينية. انظر (ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص248، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر (بيروت، دار جمال، 1399هـ) ج3ص213، محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية (بيروت، دار النهضة، 1981م) ص114.
حكمت الإمبراطورية البيزنطية كوصية على ابنها قسطنطين السادس سنة 164هـ / 780م حتى 181هـ - 797م واختلف معها هذا الابن حين بلغ سنّ الرشد، وواجهتها بعض = = المشاكل الداخلية مثل عبادة الأيقونات وبعض عناصر الجيش وكبار الموظفين في الدولة البيزنطية، كما كان عليها أن تواجه الخطر الإسلامي والخطر البلغاري وآمال شارلمان بشيء من الحكمة والتعقل، وجاءت نهايتها على يد نقفور الأول وزير خزانتها. انظر محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، ص12-17.
المرجع نفسه، ص113، د. جوزيف نسيم يوسف، تاريخ الدولة البيزنطية، (الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، سنة 1988م) ص 134، 135، د. حسنين محمد ربيع، دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية (القاهرة، دار النهضة العربية، سنة 1414هـ) ص 122، د. محمود السيد، تاريخ الدولة البيزنطية (الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، بدون) ص 108، محمد محمد الشيخ، تاريخ الإمبراطورية البيزنطية (الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، سنة 1995م) ص 141.
الطبري، تاريخ ج 8 ص 152، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص248.
الطبري، تاريخ الأمم، ج8 ص153، ابن خلدون، العبر وديوان ج3 ص213.(4/299)
ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص151.
ابن الجوزي، المنتظم ج8 ص293، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص154.
العريني، الدولة البيزنطية ص228.
يزيد بن بدر، وقيل: البدر بن البطال، أحد الجنود الأكفاء الذين بعثهم المهدي إلى بلاد الروم في سرية سنة 168هـ 784م، فقاتل البيزنطيين وهزمهم ثم عاد سالماً. (الطبري، تاريخ، ج 8 ص 167، ابن الأثير ج 5 ص 257) .
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص167، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص257.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص203،204، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص269.
حسن أحمد محمود وآخر، العالم الإسلامي في العصر العباسي ص159.
المرجع السابق.
اسم شعب لا يعرف أصله على وجه التحقيق، تكونت منه دولتان في أوائل القرون الوسطى، أحدهما على نهر الدانوب والأخرى على نهر أتيل (القلجا) . دائرة المعارف الإسلامية (مادة بلغار) لبارتولد (بيروت، دار المعرفة) ج4 ص88.
محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص 114،115.
إمبراطور القسم الغربي للإمبراطورية البيزنطية والتي تشمل: فرنسا وبلاد السكسون في ألمانيا والأراضي المنخفضة شمالاً وبلاد اللمبارديين جنوباً وبلاد الآفار شرقاً، والمارك الأسباني غرباً، وهو حامي الديانة النصرانية، خاض حروباً أعظمها: حروبه ضد السكسون في إقليم سكسونيا (ألمانيا الحالية) واستمرت ثلاثاً وثلاثين سنة –155 – 189هـ / 771 – 804م – وتمكن أخيراً من هزيمتهم. (سليمان ضفيدع الرحيلي) العلاقات السياسية بين الدولة العباسية ودولة= =الفرنجة (الرياض، دار الهدى) ص7،21.
محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص115.
اليعقوبي (تاريخ اليعقوبي) ج2 ص397.
... وملك باميان (الشير) وملك فرغانة (فرنران) وملك أسروشنة (أفشين) وملك الخرلخية (جيغويه) .. انظر المرجع نفسه.
ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ، ج3 ص214.(4/300)
وسام فرج، دراسات في تاريخ وحضارة الإمبراطورية البيزنطية ص164.
وتتكون من: منبج ودلوك ورعبان وقورس وأنطاكية وتيزين وما بين ذلك من الحصون، وهي جزء من أرض قنسرين والجزيرة، ففصلها الرشيد وجعل عاصمتها منبج (ياقوت، معجم البلدان ج4 ص165، البكري (عبد الله بن عبد العزيز) معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (بيروت، عالم الكتب، ط3 – 1403هـ) ج3 ص979.
ياقوت، معجم البلدان ج4 ص165.
حسن أحمد محمود، العالم الإسلامي في العصر العباسي ص160.
مدينة بثغور الشام بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم، بينها وبين أذنة ستة فراسخ يشقها نهر البردان، وهي من أجلّ الثغور (ابن خرداذبه، المسالك والممالك (مطبعة بريل1889م) ص253، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج2 ص883، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص164.
البلاذري، فتوح البلدان ص173،174.
أمير من القادة الشجعان، له عناية بالعمران، بنى في أفريقية وأرمينية وغيرهما، ولاّه الرشيد مصر سنة 178هـ 794م، ثم وجهه إلى أفريقية؛ لإخضاع عصاتها، فدخل القيروان سنة 179هـ / 795م فأحسن معاملتهم … قتل بمرو سنة 200هـ / 816م (الكندي (أبو عمر محمد ابن يوسف) الولاة وكتاب القضاة (القاهرة – مؤسسة قرطبة) ص136، الزركلي الأعلام، ج8 ص81) .
البلاذري، فتوح البلدان ص174.
هو أبو سليم فرج الخادم التركي، كان من أهم أعماله إعمار مدينة طرسوس وإنزال الناس بها.
(الطبري، تاريخ، ج 8 ص 234، ابن الأثير، الكامل، ج 5 ص 279) .
اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج2 ص410.
قرية صغيرة في الجانب الغربي من دجلة، بينها وبين بغداد ستة فراسخ (ياقوت، معجم البلدان ج5 ص75، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1243.
البلاذري، فتوح البلدان ص174.(4/301)
الخطّة: الأرض تنزل من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك، وخطّها لنفسه أن يعلّم عليها علامة بالخطّ؛ ليعلم أنه قد اختارها ليبنيها داراً (ابن منظور، لسان العرب ج7 ص288) .
البلاذري، فتوح البلدان ص174.
د. وديع فتحي عبد الله، العلاقات السياسية بين بيزنطة والشرق الأدنى الإسلامي (الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، سنة 1990م) ص 272.
يوسف العش، تاريخ عصر الخلافة العباسية (دمشق، دار الفكر، ط1، 1402هـ) ص 80، 81.
نسبة إلى البكاء وهو بطن من بني عامر بن صعصعة، ولم تذكر كتب التراجم ولا غيرها شيئاً عنه سوى قيادته لهذه الصائفة (السيوطي (جلال الدين عبد الرحمن) ، لبّ اللباب في تحرير الأنساب، تحقيق محمد أحمد عبد العزيز وآخر (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1 – 1411هـ) ج1 ص139) .
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص234، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص279.
خليفة بن خياط، تاريخ ابن خياط (تحقيق أكرم العمري، الرياض، دار طيبة، ط2 – 1405هـ) ص448.
ابن خياط، تاريخ ابن خياط، ص448.
مكان بينه وبين حلوان منزل، وهو من حلوان إلى جهة همدان، وهو كثير الخيرات والمزارع، ولذلك سمي بمرج القلعة (ياقوت، معجم البلدان ج5 ص101، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1255) .
.. بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي، من أمراء الدولة العباسية، ولي إمرة المدينة سنة 170هـ/ 786م للرشيد، ثم ولي السند ومكران سنة 174هـ / 790م، وولي الإمارة بمصر سنة 177هـ/ 793م وتوفي بعد سنة 178هـ 794م (ابن تغري بردي (أبو المحاسن يوسف) ، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 – 1413هـ) ج2 ص113، الزركلي، الأعلام / ج1 ص295) .
ابن الجوزي، المنتظم، ج8 ص343، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص285.(4/302)
أحد القادة الشجعان، تولى حلب سنة 137هـ / 754م، وكان على رأس الصائفة سنة 156هـ/ 772م وسنة 157هـ / 773م ولّي المدينة سنة 160هـ / 776م وعلى الجزيرة سنة 163هـ / 779م. (الطبري، تاريخ الأمم ج7 ص475 ج8 ص 51، 53، 132، 147.
نهر بالمصّيصة بالثغر الشامي، مخرجه من بلاد الروم، ويمرّ إلى مدينة قرب المصّيصة (كفر بيّا) ، ويصبّ في بحر الشام ويقارب نهر الفرات في الكبر. (ياقوت، معجم البلدان، ج2 ص196، ابن عبد الحق، مرصد الإطلاع ج1 ص364 كي لسترنج، بلدان الخلافة ص164) .
ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص448.
Charles Diehl, Byzantium p. 50.
العدوي، الإمبراطورية البيزنطية ص 148 – 149، فتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية بين الاحتكاك الحربي والاتصال الحضاري (القاهرة، 1966م) ج 3 ص 275 - 276.
.. بن عبد الله بن عباس، أمير من بني العباس، ولاه الهادي إمرة الموصل سنة 169م / 785م، وعزله الرشيد سنة 171هـ 787م، ثم ولاّه المدينة والصوائف، وولاّه مصر مدة قصيرة.. تولى إمارة الرقة حتى توفي فيها سنة 196هـ 811م. (ابن شاكر، فوات الوفيات، ج2 ص398، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة ج2 ص118) .
ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص449.
توجد بالثغور فرب الحدث، وهي عقبة ضيّقة طويلة (ياقوت، معجم البلدان ج4 ص 134) .
وردت عقبة الركاب خطئاً (في ابن خياط، تاريخ، ص 449) ؛ لأنها قرب نهاوند، والصحيح عقبة السير؛ لأنها بالثغور قرب الحدث، (ياقوت، معجم البلدان، ج 4 ص 134) .
لم أجد لها ذكراً في المعاجم، ولابد أنها مدينة على طريق الثغور الشامية.
ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص449، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص288.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص254، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص20، ولم توضح المصادر اسم هذا الحصن؛ مما يدل على أنه ليس من الحصون العظيمة.(4/303)
السيوطي (جلال الدين) تاريخ الخلفاء (بيروت، دار الفكر) ص267، ولم أعثر فيما قرأت من المعاجم على اسم هذه المدينة، مما يفيد أنها كانت صغيرة جداً.
لم أعثر له على ترجمة.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص255، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص29، ابن الأثير، الكامل ج5 ص301.
تاريخ ابن خياط ص 450.
أحد الأمراء القادة، تولى إمارة الجزيرة بعد زفر بن عاصم سنة 163هـ / 779م، وولاه الرشيد قيادة الصائفة سنة 177هـ / 793م.. (الطبري، تاريخ الأمم ابن الجوزي، المنتظم ابن الجوزي، المنتظم ج ص ص 8 ص149) .
يسار بن صقلاب - ويذكر سقلاب - أحد الجنود الأكفاء الذين بعثهم الرشيد إلى البيزنطيين وفتح الله على يديه عدة مدن كالمصيصة والصفصاف وطوانة سنة 177هـ / 793م (ابن خياط، تاريخ، ص 450) .
مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام، بين أنطاكية وبلاد الروم (ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1280) .
في طريق القسطنطينية قرب لؤلؤة، وهو موضع فوستينوبوليس (كي لسترنج، بلدان الخلافة ص171) .
بلد بثغور المصيّصة، على فم الدرب مما يلي طرسوس، غزاها المسلمون بقيادة سفيان بن عوف – في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان – فأصيب من المسلمين خلق كثير (ابن= =عبد الحق، مراصد الإطلاع ج2 ص895، (الحميري) محمد عبد المنعم، الروض المعطار في خبر الأقطار، (تحقيق إحسان عباس، بيروت، مكتبة لبنان، ط2 -1984م) ص400) .
ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص450.
بلدة من بلاد الروم مشهورة، تتاخم الشام، بناها عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام بن محمد ابن علي بأمر من أبي جعفر المنصور، ثم أسكنها الناس (ياقوت، معجم البلدان ج5 ص192-193، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1308) .
ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص450.
ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص36، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص179.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص266، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص48.(4/304)
مدينة بالعراق مما يلي الجزيرة، فتحت على يد القائد عياض بن غنم سنة 18هـ / 639م وعرفت بالرقّة السوداء تمييزاً لها عن غيرها (الحميري، الروض المعطار ص270، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص132) .
لم أجد لها ذكراً في المعاجم، ويبدو أنها في وسط بلاد الروم.
الدينوري (أحمد بن داود) الأخبار الطوال (تحقيق عبد المنعم عامر، القاهرة، 1379هـ) ص390.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص268، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص57، حسنين ربيع، دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ص 127.
ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص183.
اسم لمدينة انكورية من بلاد الروم، نزلتها إياد لما نفاهم كسرى من بلاده (ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج1ص126) . وهي الآن عاصمة تركيا وأهم المدن الرئيسة فيها.
بلد في ثغور بلاد الروم، بناحية طرسوس (ياقوت، معجم البلدان ج5 ص151) .
بلد بثغر طرسوس، يقال هو بلد أصحاب الكهف (ياقوت، معجم البلدان ج1 ص231، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج1 ص101) .
ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص67، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص317، ابن خلدون، العبر وديوان ج3 ص225) .
Theophanes, Chronographia, Col 953.
وديع عبد الله، العلاقات السياسية بين بيزنطة والشرق الأدنى الإسلامي، ص 273.
محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص114.
أحدها: عملت على الحطّ من قيمة ابنها من الناحية الخُلُقية؛ حتى تقللّ من شأنه إلى أقصى درجة ممكنة، فيخلوا لها كرسي العرش، فشجعت قسطنطين السادس على ترك زوجته الشرعية والزواج من إحدى وصيفات القصر (ثيودوت) بعد أن دفعته أمه إلى علاقة غرامية معها، فأثار ذلك رجال الدين ضدّه، واعتبروا أن الزواج الآخر علاقة غير شرعية (محمود عمران معالم تاريخ الامبراطورية البيزنطية ص116، محمد الشيخ، تاريخ الإمبراطورية البيزنظية ص 144.(4/305)
د. عبد القادر أحمد اليوسف، الإمبراطورية البيزنطية (دار المكتبة العصرية، بيروت، سنة 1984م) ص 109 - 110.
السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية ص226، محمد الشيخ، تاريخ الدولة البيزنطية، ص 144.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص269، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص186، Deanesly , op.cit , 413.
(محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص115-117) ، السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية ص225-227، د. أسمت غنيم، تاريخ الإمبراطورية البيزنطية (جامعة الإسكندرية، سنة 1987م) ص 59، محمد السيد تاريخ الدولة البيزنطية، ص 109.
محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص114.
Bury: Constitution of Later Roman Empire , p23.
السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية ص228.
جيل عظيم من الترك، بلادهم خلف باب الأبواب (الدربند) ، وهم صنفان: بيض وسمر، ولهم ملك عظيم يسمى بلك وفيهم مسلمون ونصارى ويهود وعبدة الأوثان.. (القزويني (زكريا ابن محمد) ، آثار البلاد وأخبار العباد (بيروت دار صادر) ص584،585.
الثلمة: الخلل في الحائط (ابن منظور، لسان العرب ج12 ص79) .
أبو العباس خازم بن خزيمة التميمي، أحد الجنود الذين غلبوا على مرو الروذ سنة 129هـ / 746م وقتل عامل نصر بن سيار عليها وبعثه أبو العباس السفاح سنة 134هـ / 751م إلى بسام بن إبراهيم الذي خالف وخلع الطاعة، فانهزم بسام وأصحابه وقتل أكثرهم، كما هزم الراوندية سنة 141هـ/758م (الطبري، تاريخ، ج 7 ص 360، 461، 506، ابن الجوزي، المنتظم، ج 7 ص 324، ابن الأثير، الكامل، ج 5 ص 130.(4/306)
يزيد الشيباني أحد القادة الأفذاذ، قاتل يوسف البَرْم بخراسان سنة 160هـ 776م وأسره وبعث به إلى المهدي، كما غلب على عسكر الروم بعد أن قتل نقيطا (قومس القوامسة) سنة 165هـ / 781م. (الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص124،152 ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص233،248)
ابن الجوزي، المنتظم ج 9 ص83، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص189.
استمر وجود البرامكة سبع عشرة سنة من 170هـ – 187هـ / 786 - 802م انتقلت فيها سلطة الحكم من العرب إلى الفرس، وكان ممن قتل من البرامكة جعفر بن خالد بن برمك (الطبري، تاريخ، ج 8 ص 287، ابن الأثير، الكامل، ج 5 ص 327، محمد بديع شريف، الصراع بين الموالي والعرب (القاهرة، سنة 1954م) ص 40 ص 51 - 52.
حكمت دولة الأغالبة تونس طوال القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي، وأسسها إبراهيم بن الأغلب بن سالم التميمي، واعترف الرشيد بإمارته في سنة 184هـ / 800م (لسان الدين بن الخطيب، أعمال الأعلام، القسم الثالث، (الدار البيضاء، سنة 1964م) ص 14 - 19
ص 109 - 121، شارل جوليان، تاريخ أفريقية الشمالية (تونس، 1978م) ج 2 ص 60 - 61، جمال الدين الشيال تاريخ الدولة العباسية، (الإسكندرية، سنة 1967م) ص 65.
د. وديع عبد الله، العلاقات السياسية، ص 279 - 280.
السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية ص 228.
الطواشي لقب عام للخصيان من الغلمان أما في عصر المماليك فكان لقب الطواشي يطلق على جند الأمراء في المكاتبات إليهم بتوقيع أو نحوه (حسن الباشا، الألقاب في التاريخ والوثائق والآثار
(القاهرة - دار النهضة العربية - 1978م) ص382.
- ostrogorowski G.: History Of The Byzantine State P.161.
د. حسنين ربيع، دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ص 125.(4/307)
ينتمي نقفور Nicaphorus. 1 إلى أصل عربي، ولد في بسيديا بآسيا الصغرى، وشغل وظيفة وزير الخزانة لدى الامبراطورة إيريني، واشتهر بالتعمق في العلوم الدينية والدنيوية فكان مثل أسلافه الأيسوريين، محطماً للتماثيل، رافضاً بشدة إعادة عبادتها، ولم يشجع عبّادها ومؤيديها، امتنع عن دفع الجزية للمسلمين أيام الخليفة هارون الرشيد، فسيّر إليه جيشاً قوياً استولى على هرقلة وطوانة.. وقتل نقفور في لقاءه مع البلغار سنة 196هـ / 811 (السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية ص235-245، د. جوزيف، تاريخ الدولة البيزنطية، ص 135، 136، د. حسنين ربيع، دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ص 132 - 133.
محمود عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص117، أسمت غنيم، تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، ص 59
د. محمود السيد، تاريخ الدولة البيزنطية، ص 109.
السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية ص236-239، حسنين ربيع، دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية، ص 77 وديع عبد الله، العلاقات السياسية، ص 282 هامش (2) .
Theoph anes , Chronographia Col. 953.
شرقي قونية، وتعرف بمدينة قرة حصار، وتسمى اليوم بأفيون (كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص181185)
.. بن محمد بن الأشعث الكندي، أحد القادة الأفذاذ، ولاّه الرشيد خراسان سنة 173هـ / 789م وعزله عنها سنة 175هـ / 791م.. (الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص238،241،307، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص286،288،333)
ذكر أنه في بلاد الروم، وفتحه عبد الله بن عبد الملك بن مروان في خلافة والده ولابد أنه قريب من حصن قرة الموجود في شرقي قونية (ياقوت، معجم البلدان ج2 ص264، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج2 ص742) .(4/308)
ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص458، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج2 ص423، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص137، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص333، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ص225.
وسام فرج، دراسات في تاريخ وحضارة الإمبراطورية البيزنطية، ص166.
الكامل في التاريخ ج5 ص333.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص307،308، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5
ص333، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص138، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص201، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص268
وأهمها: لقاء شعبان سنة 187هـ / 803 والذي تحاشى فيه الاصطدام بالمسلمين
(ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص458، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج2 ص423) .
د. وديع عبد الله، العلاقات السياسية، ص 289.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص308، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص138، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص333.
ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص201، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص268.
ياقوت، معجم البلدان ج5 ص398.
جاء هذا التحديد بناءً على عدد الجيش الذي قاده الرشيد – أيضاً – سنة 165هـ / 781م والذي بلغ أكثر من خمسة وتسعين ألفاً، وبناءً على أن الرشيد تحرك لتأديب نقفور، ويخشى أن يكون قد استعد للقائه مع المسلمين بأعداد كبيرة.
مدينة ببلاد الروم، سميت بهرقلة بنت الروم بن اليفز بن سام بن نوح عليه السلام، وهي أراكلية الحديثة (ياقوت معجم البلدان ج5 ص398، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1456، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص166) .
الأصفهاني، أبو الفرج، الأغاني (دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، سنة 1412هـ) ج 18 ص 248.
كانت قد فتحت للمرة الأولى سنة 77هـ / 696م على يد عبد الملك بن مروان (الذهبي، العبر في خبر من غبر ج1 ص65) .
مقدار الجزية التي تدفعها إيريني للرشيد كل سنة؛ لأن الرشيد لن يقبل بأقل منها بعد هذا التحدي المباشر.(4/309)
د. أسمت غنيم، تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، ص 61 - 62.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص308، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص334، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص138، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص201، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص268.
ومنها خروج رافع بن ليث بن نصر بن سيار بسمرقند ومخالفته لهارون وخلعه إياه، ابن خياط، تاريخ، ص 459 الطبري، تاريخ ج 8 ص 319.
ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص201، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص138.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص308،309، الجهشياري، الوزراء والكتاب ص207.
الكامل في التاريخ ج5 ص334.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص310.
الجهشياري، الوزراء والكتاب ص207، ياقوت، معجم البلدان ج5 ص398.
السيوطي، تاريخ الخلفاء ص268.
ابن كثير (أبو الفداء إسماعيل) ، مختصر تفسير ابن كثير (تحقيق محمد الصابوني، بيروت ط3، 1399هـ) ج2 ص114.
سورة الأنفال: آية 55-56.
من القادة الأفذاذ، خرج مع الفضل بن يحيى البرمكي إلى خراسان سنة 178هـ / 794م وهو كاره للخروج، ولي أمر سجستان سنة 178هـ / 794م، وفتح كابل وغنم غنائم كثيرة في نفس السنة، ولاّه الرشيد أمر الصائفة سنة188هـ-803م ونصره الله على الروم (الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص258،259،313، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص154) .
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص313، (وقيل أن عدد القتلى من الروم أربعين ألفاً) .
ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص207، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ص226.
وديع عبد الله، العلاقات السياسية ص 274 - 275.
ابن خلدون، العبر، ج 3 ص 225.
ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص339، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص268، ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب ج1 ص321، الذهبي، العبر، ج 1 ص 233.
ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص163، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص209.(4/310)
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص320، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص211.
بلد بالثغر من نواحي المصيصة (ياقوت، معجم البلدان ج4 ص177، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص160،161) .
سميت بذلك لأن فيها حصناً منيعاً مبني بالحجارة السوداء (كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص162) .
ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1183.
ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص458، الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص320، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص180
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص320، ابن خلدون، العبر وديوان ج3 ص226.
الوزراء والكتاب ص206.
وهي ضرب من الثياب التي تلبس، وهي جبة مشقوقة المقدّم (ابن منظور، لسان العرب ج8 ص82) .
ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص211.
ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص459.
وهو حصن ذي القلاع؛ لأنه على ثلاثة قلاع فحرّف اسمه، من نواحي الثغور الرومية قرب المصيصة البلاذري فتوح البلدان ص174، ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج1 ص407.
بلد من بلاد الروم قرب قونية، على نحو خمسين ميلاً شرق آقسرا (ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1309 كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص182.
جزيرة على البحر الأبيض المتوسط، قريبة من طرسوس، قطرها ستة عشر يوماً، وبها مدن ومزارع وقلاع وحصون (القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد ص240، الحميري، الروض المعطار ص453) .
كان الفتح الأول سنة 28هـ / 648م (في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه) والثاني سنة 33هـ / 653م (في خلافة معاوية بن أبي سفيان) بقيادة جنادة بن أبي أمية (ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص160،167، البلاذري، فتوح البلدان ص158، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج2 ص431، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة ج1 ص109) .
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص320، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص341،342.(4/311)
(وذكر أن عدد السبي سبعة عشرة ألفاً) ، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ص226، ابن العماد، شذرات الذهب ج1 ص325،326، ابن العماد، شذرات الذهب، ج 1ص 325 – 326.
عبد العزيز سالم وأحمد العبادي، تاريخ البحرية الإسلامية (بيروت، 1993م) ج1 ص38.
مدينة على ساحل البحر الأحمر (ابن خرداذبه، المسالك والممالك ص154) وتعرف الآن ببورسعيد.
السيوطي، تاريخ الخلفاء ص266.
البلاذري، فتوح البلدان ص159.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص320، ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص180،181.
جمع علج، وهو الشديد الغليظ من الروم (ابن منظور، لسان العرب ج2 ص326) .
ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص181،182، الحميري، الروض المعطار، ص 593، 594.
الأصفهاني، الأغاني، ج 18 ص 253.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص321، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ص226.
أغلب الظن أن هذا المبلغ هو جملة المتأخر عليه منذ إعتلائه عرش الدولة البيزنطية 187-190هـ / 802-805م.
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص321،322.
ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص184.
Cedrenus , Historiarum , Cols 918 - 919.
الطبري، تاريخ الأمم، ج8 ص321.
ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص211.
الطبري، تاريخ الأمم، ج8 ص321.
السرادق ما يمدّ فوق صحن الدار (الزبيدي، تاج العروس ج6 ص379) .
جمع خبيصة وهي المعمول من التمر والسمن، وتطلق على الحلواء المخبوص (الزبيدي، تاج العروس ج4 ص385) .
هي الخيل من غير نتاج العراب (ابن منظور، لسان العرب ج13 ص51) .
ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص183.
من القادة الأفذاذ، فتح سنة 190هـ / 805م الصفصاف وملقونية، وقتله الروم مع خمسين من المسلمين عند طرسوس سنة 191هـ / 806م (ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص342، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة ج2 ص172 الزركلي، الأعلام ج8 ص188) .(4/312)
الطبري، تاريخ الأمم ج8 ص323، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ض226.
مدينة بالثغور بين الشام وبلاد الروم، يسميها الروم مراسيون (Marasion) ، أحدث الرشيد لها سورين، وفي وسطها حصن يسمى المرواني … (ابن عبد الحق، مراصد الإطلاع ج3 ص1259، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص161) .
ابن الجوزي، المنتظم ج9 ص193،194، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ص226.
كان الفتح الأول لمطمورة سنة 181هـ / 797م على يد عبد الملك بن صالح (ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص315) .
ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص214.
Theophanes , Chronographia. Col 969.
قرية بينها وبين طرسوس يوم من بلاد الثغر، يسميها الروم بدندس (Podandos)) وهي في الجهة اليسرى من جامع طرسوس، ودفن فيها الخليفة المأمون (ياقوت، معجم البلدان ج1 ص361،362، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص351، كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية ص165) .
المسعودي، التنبيه والإشراف، ص161، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج5 ص351، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ ج3 ص226.
وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وشهراً ونصف (ابن خياط، تاريخ ابن خياط ص460، وانظر: الدينوري، الأخبار الطوال ص392) .
انظر في اختلاف الأمين والمأمون (ابن الجوزي، المنتظم ج10 ص3 وما بعدها، ابن كثير، البداية والنهاية ج10 ص232 وما بعدها.
عبد العزيز سالم، دراسات في تاريخ العرب العصر العباسي الأول ص227، الشريف، العالم الإسلامي في العصر العباسي ص166.
عبد العزيز سالم، دراسات في تاريخ العرب ص227.
الشريف، العالم الإسلامي في العصر العباسي ص165، أحمد العبادي، التاريخ العباسي والفاطمي (بيروت - دار النهضة - 1971م) ص92.(4/313)
لمعرفة هذه العلاقة اقرأ كتاب: العلاقات السياسية بين الدولة العباسية ودولة الفرنجة في عهدي الخليفة هارون الرشيد والإمبراطور شارلمان للدكتور: سليمان ضفيدع الرحيلي.
أرشيبلد لويس، القوى البحرية والتجارية في حوض البحر المتوسط (القاهرة،1960م) ص198.
ابن الجوزي، المنتظم ج8 ص329.
عبد الجليل عبد الرضا الراشد، العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والأندلس (مكتبة النهضة، الرياض،1389هـ) ص 138.
سورة الأنفال: آية 60.
سورة النساء: آية 71.
سورة آل عمران: آية 103.
اليعقوبي، تاريخ، ج 2 ص 469.
المصادر والمراجع
1- ... القرآن الكريم.
إبراهيم بن أحمد العدوي.
2- ... الإمبراطورية البيزنطية والدولة الإسلامية - طبعة القاهرة - سنة 1951م.
ابن الأثير (أبو الحسن عز الدين علي. ت 630هـ) .
3- ... الكامل في التاريخ – الطبعة الأولى – بيروت – 1407هـ.
أحمد مختار العبادي.
4- ... التاريخ العباسي والفاطمي – بيروت – دار النهضة – 1971م.
أرشيبلد لويس.
5- ... القوى البحرية والتجارية في حوض البحر المتوسط – القاهرة – 1960م.
د. أسمت غنيم.
6- ... تاريخ الإمبراطورية البيزنطية (324هـ / 1453م) - مصر - دار المعرفة الجامعية - سنة 1987م.
الأصفهاني (أبو الفرج. ت 356هـ) .
7- ... الأغاني - بيروت - دار الكتب العلمية - الطبعة الثانية - سنة 1412هـ.
البكري (عبد الله بن عبد العزيز. ت 487هـ)
8- ... معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع – تحقيق مصطفى السقا – الطبعة الثالثة –
بيروت – عالم الكتب – سنة 1403هـ.
البلاذري (أبو العباس أحمد بن يحيى. ت 279هـ) .
9- ... فتوح البلدان – بيروت – 1403هـ.
ابن تغري بردي (جال الدين أبو المحاسن يوسف. ت 874هـ) .
10- ... النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة – بيروت – دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى – 1413هـ.
جمال الدين الشيال.(4/314)
11- ... تاريخ الدولة العباسية - طبعة الإسكندرية - سنة 1967م.
الجهشياري (أبو عبد الله محمد بن عبدوس) .
12- ... الوزراء والكتاب – تحقيق مصطفى السقا وآخرون – الطبعة الثانية – مصر – 1401هـ
ابن الجوزي (أبو الفرج عبد الرحمن بن علي. ت 597هـ)
13- ... المنتظم في تاريخ الأمم والملوك – تحقيق محمد عبد القادر عطا وأخيه – بيروت – دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى – 1412هـ.
د. جوزيف نسيم يوسف.
14- ... تاريخ الدولة البيزنطية (284هـ/ 1453م) - مصر- دار المعرفة الجامعية - سنة 1988م.
حسن أحمد محمود وأحمد إبراهيم الشريف.
15- ... العالم الإسلامي في العصر العباسي – القاهرة – دار الفكر العربي – الطبعة الرابعة – 1980م.
حسن الباشا
16- ... الألقاب في التاريخ والوثائق والآثار - القاهرة - دار النهضة العربية - 1978م.
حسنين محمد ربيع
17- ... دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية - القاهرة - دار النهضة العربية - سنة 1414هـ.
ابن الخطيب (لسان الدين)
18- ... أعمال الأعلام - القسم الثالث - الدار البيضاء - 1964م.
ابن خلدون (عبد الرحمن بن محمد ت 808هـ) .
19- ... العبر وديوان المبتدأ والخبر – بيروت – 1399هـ.
ابن خياط (خليفة بن خياط. ت 240هـ) .
20- ... تاريخ خليفة بن خياط – تحقيق الدكتور أكرم العمري – الطبعة الثانية – الرياض – دار طيبة – 1405هـ.
الذهبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد. ت 748هـ) .
21- ... العبر في خبر من غبر – تحقيق محمد السعيد – بيروت – دار الكتب العلمية.
الزبيدي (محمد مرتضى) .
22- ... تاريخ العروس من جواهر القاموس – طبعة بيروت – بدون.
الزركلي (خير الدين) .
23- ... الأعلام – الطبعة السابعة – بيروت – 1986م.
سليمان ضفيدع الرحيلي.
24- ... العلاقات السياسية بين الدولة العباسية ودولة الفرنجة في عهدي الخليفة هارون الرشيد والامبراطور شارلمان – الرياض– دار الهدى – بدون.(4/315)
السيد الباز العريني.
25- ... الدولة البيزنطية 323هـ – 1081م – بيروت – دار النهضة العربية – 1982م.
عبد الجليل عبد الرضا الراشد
26- ... العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والأندلس - طبعة الرياض - مكتبة النهضة - 1389هـ.
السيد عبد العزيز سالم.
27- ... تاريخ البحرية الإسلامية في مصر والشام – الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة – 1993م.
28- ... دراسات في تاريخ العرب (العصر العباسي الأول) . الإسكندرية – مؤسسة شباب الجامعة – 1398هـ.
السيوطي (جلال الدين عبد الرحمن. ت 911هـ)
29- ... لبّ الألباب في تحرير الأنساب – تحقيق محمد أحمد عبد العزيز وأخوه أشرف – الطبعة
الأولى – بيروت – دار الكتب العلمية – 1411هـ.
شارل جوليان
30- ... تاريخ أفريقية الشمالية - طبعة تونس - 1978م.
ابن شاكر (محمد بن شاكر الكتبي. ت 764هـ) .
31- ... فوات الوفيات – تحقيق إحسان عباس – دار صادر – بيروت.
الطبري (أبو جعفر محمد بن جرير. ت 310هـ) .
32- ... تاريخ الأمم والملوك – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم – بيروت – دار سويدان – 1386هـ.
ابن عبد الحق (صفي الدين عبد المؤمن. ت 739هـ) .
33- ... مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع – الطبعة الأولى – بيروت – 1373هـ.
عبد القادر أحمد اليوسف
34- ... الإمبراطورية البيزنطية - بيروت - دار المكتبة العصرية - 1984م.
ابن العماد الحنبلي (أبو الفلاح عبد الحي. ت 1089م) .
35- ... شذرات الذهب في أخبار من ذهب – طبعة بيروت.
فتحي عثمان
36- ... الحدود الإسلامية البيزنطية بين الاحتكاك الحربي والاتصال الحضاري - القاهرة - 1966م.
قدامة بن جعفر
37- ... الخراج – طبعة ليدن – 1889م.
القزويني (زكريا بن محمد) .
38- ... آثار البلاد وأخبار العباد – بيروت – دار صادر – بدون.
ابن كثير (عماد الدين اسماعيل بن عمر. ت 774هـ) .(4/316)
39- ... البداية والنهاية – الطبعة الخامسة – بيروت – 1409هـ.
الكندي (أبو عمر محمد بن يوسف. ت 350هـ) .
40- ... الولاة وكتاب القضاة – القاهرة – مؤسسة قرطبة – بدون.
كي لسترنج.
41- ... بلدان الخلافة الشرقية – ترجمة بشير فرنسيس – الطبعة الثانية – بيروت – مؤسسة الرسالة – 1405هـ.
محمد بديع شريف
42- ... الصراع بين الموالي والعرب - القاهرة - 1954م.
محمد الحميري
43- ... الروض المعطار في خير الأقطار – تحقيق إحسان عباس – الطبعة الثانية – بيروت – مكتبة لبنان – 1984م.
محمد محمد مرسي الشيخ
44- ... تاريخ الإمبراطورية البيزنطية - الإسكندرية - دار المعرفة الجامعية - 1995م.
محمود سعيد عمران.
45- ... معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية – بيروت – دار النهضة العربية – 1981م.
محمود السيد
46- ... تاريخ الدولة البيزنطية - الإسكندرية - مؤسسة شباب الجامعة - بدون.
محمود شاكر.
47- ... التاريخ الإسلامي (الدولة العباسية) . الطبعة الثالثة – بيروت – المكتب الإسلامي – 1407هـ.
المسعودي (أبو الحسن علي بن الحسين. ت 346هـ) .
48- ... التنبيه والإشراف – القاهرة – 1386هـ.
ابن منظور (أبو الفضل محمد بن مكرم. ت 711هـ) .
49- ... لسان العرب – بيروت – دار صادر – 1374هـ.
وديع فتحي عبد الله
50- ... العلاقات السياسية بين بيزنطة والشرق الأدنى الإسلامي (124هـ - 205هـ / 741م - 820م) - الإسكندرية - مؤسسة شباب الجامعة - 1990م.
وسام عبد العزيز فرج.
51- ... دراسات في تاريخ وحضارة الإمبراطورية البيزنطية – الإسكندرية – 1982م.
ياقوت (شهاب الدين أبو عبد الله الحموي. ت 626هـ) .
52- ... معجم البلدان – طبعة بيروت – 1404هـ.
اليعقوبي (أحمد بن إسحاق. ت 292هـ) .
53- ... تاريخ اليعقوبي – بيروت – دار بيروت – بدون.
يوسف العش
54- ... تاريخ عصر الخلافة العباسية – الطبعة الأولى – دمشق – دار الفكر – 1402هـ.(4/317)
الدوريات والمراجع الأجنبية:
55- ... دائرة المعارف الإسلامية – مقال (بلغار) لبارتولد – بيروت – دار المعرفة.
56- ... . - Bury. J. B.: Ahistory of the Later Roman Empire 2 vols
57- ... Cedrenus , G , Historiarum , Compendium , P. G. M. Tome Cxxi - Cxxll. Paris , 1864et 1894 , Cols. 23 - 1166 , Cols 9 - 368
58- ... Deanesly. M. Ahistory Of Early Medieval Europe , 476 - 911 (London, 1960) .
59- ... Diehl , Charles ,
60- ... Byzantium Greatness and Decline , New Brunswick , New Jersey, 1957. London 1923.
61- ... ostrogorowski G.: History of the Byzantine state.
62- ... Trans. Joan Hussey. oxford 1956.
Theophanes Abbas Et Confessor Chronographia. P. G. m, Tome Cvlll, Paris. 1863. Cols - 9 - 1010.(4/318)
الوجود الإسلامي في صقلية في عهد
النورمان بين التسامح والاضطهاد
444 – 591هـ / 1052 – 1194م
د. علي محمد الزهراني
الأستاذ المساعد بقسم الحضارة والنظم الإسلامية
كلية الشريعة - بجامعة أم القرى
ملخص البحث
بذل المسلمون محاولات عدة لفتح جزيرة صقلية الواقعة في البحر المتوسط، واستمرت تلك المحاولات حتى تحقق لها النجاح في بداية القرن الثالث الهجري. ولأهمية موقع الجزيرة الاستراتيجي فقد بُذلت محاولات عدة لاستعادتها حتى سقطت في أيدي النورمان سنة 444هـ / 1052م، وخرج منها عدد كبير من المسلمين، واستقروا في البلدان الإسلامية الأخرى، وبقي فيها عدد آخر لا بأس به. وكان بين من بقي فيها علماء وأدباء وشعراء فضلاً عن بعض العامة. والحالة تلك نجد أن النورمان انتهجوا طريقتين متناقضتين في التعامل مع المسلمين فهم يتسامحون معهم في الوقت الذي يرون فيه أن المسامحة تحقق لهم مصالحهم. وهذه الطريقة أخذت مظاهر شتى تمثلت في رعاية العلماء والأدباء والشعراء، واتخاذ الأعوان من المسلمين كما حدث في قصور الحكام النورمان. وفي المقابل انتهج النورمان طريقة أخرى في التعامل مع المسلمين، من أهم مظاهرها محاولات التنصير، وتضييق الخناق عليهم في أداء بعض شعائرهم الدينية كمنعهم من صلاة الجمعة مثلاً، وفرض الجزية عليهم، واتخاذهم عبيداً يعملون في الأرض.
كما أنه ومن خلال هذا الوجود الإسلامي في جزيرة صقلية حاول النورمان الاستفادة من حضارة وعلوم ومعارف المسلمين، وقد اتخذ ذلك مظاهر شتى.
وهذه الطريقة وتلك وذلك الوجود والاستفادة منه هو ما بحثته هذه الدراسة وذلك على ضوء المصادر المتخصصة واستقراء معلوماتها.
• • •
مقدمة:(4/319)
لا يعرف الجيل الصاعد عن صقلية اليوم إلا أنها مركزٌ من مراكز نشاط المجرمين والخارجين عن القانون لكثرة ما يتردد اسمها من خلال وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة باعتبارها مقراً لما يعرف اليوم في عالم الجريمة باسم " المافيا "
ولا يعرف عنها أولئك شيئاً مما كان للمسلمين فيها من نشاط فكري وعلمي جعلها مركزاً مهما من مراكز الحضارة الإسلامية لمدة تقرب من خمسمائة سنة، أكثر من نصفها كانت تحت السيادة الإسلامية، إذ أصبحت بذلك من أهم معابر الحضارة الإسلامية إلى أوربا في عصورها الوسطى المظلمة.
وقد كنت كتبت قبل هذا البحث بحثاً يؤرخ للحياة العلمية في صقلية الإسلامية مدة سيطرة المسلمين عليها والتي استمرت من الفتح في سنة 212هـ / 826م، إلى بداية استيلاء النورمان عليها سنة 444هـ / 1052م وبالتالي سقوط آخر معاقلها سنة 484هـ / 1091 (1) ، وقد رأيت هنا ومن خلال هذا البحث أن أبين ما كان عليه حال المسلمين بعد سقوط صقلية، في عهد النورمان الذي استمر من سنة 444 هـ / 1052م إلى سنة 591هـ / 1194م، لأن دينا كالدين الإسلامي، وحضارة كحضارة المسلمين لا يمكن أن تزول من أي بلد وصلت إليه بمجرد استيلاء غير المسلمين عليه، وذلك لأن هذا الدين بجميع مبادئه وأهدافه وسلوكياته، وتلك الحضارة الرائعة بجميع خصائصها ومميزاتها، ولّد قناعةً لدى أولئك المستعمرين بالاستفادة من كل ذلك، مع ملاحظة أن ذلك البقاء لأولئك المسلمين لابد وأن يمر بحالتي التسامح والاضطهاد، وهذا ما أثبتته هذه الدراسة إلى جانب ما أثبتته من استفادة ذلك الغير من حضارة وعلوم ومعارف المسلمين.(4/320)
وقبل الشروع في الحديث عن الوجود الإسلامي في صقلية خلال العصر النورماني كان لا بد من الحديث بإيجاز عن الفتح الإسلامي لصقلية وسقوطها من خلال هذه المقدمة المختصرة حتى يمكن لنا أن ندرك مدى المعاناة التي لقيها المسلمون أثناء عملية الفتح التي استمرت مدة طويلة من الزمن، فاقت المدة التي أمضاها المسلمون في عملية فتح الأندلس.
ثم الحديث بعد ذلك عن هوانها على القادة المسلمين في فترة الفوضى والاضطراب وبالتالي سقوطها في أيدي النورمان، واستغلال أولئك للفرصة المتاحة أمامهم التي كانوا ينتظرونها والقضاء على السيطرة الإسلامية عليها.
وإذا اتضحت تلك الصورة في الأذهان كان الدخول في الحديث عن مظاهر الوجود الإسلامي في صقلية بعد سقوطها أمراً يبدو مهماً يتضح من خلاله تفوق الحضارة الإسلامية إذ أثبتت وجودها رغم عدم استمرارية سيطرة المسلمين على تلك البقاع، وعلى الرغم من عدم تيسر الأوضاع التي يمكن أن يبدع فيها المسلمون، اللهم إلا في بعض حالات سنذكرها من خلال هذه الدراسة.
وصقلية الإسلامية ليست إلا نموذجاً من كثير من النماذج الإسلامية التي لم يبق فيها للمسلمين إلا إشارات تدل على أنهم كانوا هنالك.
وتعد صقلية أكبر جزر البحر الأبيض المتوسط الذي يعرف في المصادر القديمة ببحر الروم (2) ، إلى الجنوب من إيطاليا، ولا يفصلها عنها إلا مضيق صغير. وتبعد عن شمال أفريقية بحوالي 165 كيلا، وهي مثلثة الأضلاع، وتبلغ مساحتها حوالي (25815) كم2 (3) .
ومن أهم مدنها: (بلرم) والتي كانت تعرف بالمدينة الكبرى، ومدينة (الخالصة) التي بناها المسلمون بعد الفتح لتكون مقراً للحكم، ومدينة (مسيني) ، ومدينة (طبرمين) ومدينة (سرقوسه) ومدينة (مازر) (4) .(4/321)
وجزيرة صقلية تتميز بموقع استراتيجي مهم، جعل الدول تتسابق على امتلاكها حيث حكمها الرومان والبيزنطيون والمسلمون، فالنورمان، ثم أصبحت بعد ذلك ضمن أملاك الإمبراطورية الرومانية المقدسة.
فقد كانت صقلية خاضعة للحكم الروماني مدة طويلة من الزمن، إلى أن تمكن القوط الشرقيون من الاستيلاء علهيا في سنة 493م، ثم أعيدت إلى حوزة الدولة الرومانية في عهد جستنيان (527 – 565م) (5) .
وقد حاول المسلمون فتحها، وارتبطت تلك المحاولات بنمو البحرية الإسلامية الذي بدأ في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتحديداً في موقعة ذات الصواري سنة (31هـ / 651م) (6) .
وقد استمرت المحاولات الإسلامية لفتحها ما يقرب من قرنين من الزمان، حيث ورد أول ذكر لغزو صقلية في المصادر الإسلامية في حوادث سنة (32هـ / 652م) (7)
ولم ييأس المسلمون من محاولات الفتح، فقد ذكرت المصادر ما يقرب من عشرين محاولة لفتح جزيرة صقلية وقعت بين عامي (32 – 212هـ / 652 – 827م) (8) .
وأخيراً تمكن الأغالبة في عهد أميرهم زيادة الله الأول (9) الذي حكم بين سنتي (201–223هـ/816–837 م) من فتح جزيرة صقلية فعلياً بواسطة القائد أسد ابن الفرات (10) وذلك في سنة (212هـ / 827م) (11) .(4/322)
واستمر جهاد الأغالبة وحكمهم في صقلية إلى سنة (296هـ / 908م) ، حيث تمكن الفاطميون بواسطة داعيتهم أبي عبد الله الشيعي (12) من هزيمة آخر أمراء الدولة الأغلبية زيادة الله الثالث (13) ، ودخول عاصمتهم مدينة " رقاده " (14) ، حيث أصبحت صقلية تحت السيطرة الفاطمية، إلا أنهم منحوا الولاة الكلبين (15) حكم صقلية بداية من سنة (336هـ / 947م) ، حيث توارث الكلبيون الحكم بها خلفاً عن سلف (16) ، إلى أن بدأت فترة الفوضى واستقلال كل والٍ بما لديه، وبالتالي التمهيد لسقوطها في أيدي النورمان، سنة 444هـ وذلك عندما احتدم الخلاف بين حكام صقلية من الأسرة الكلبية، واستغلالهم للصراع العنصري الموجود بين سكان الجزيرة، فهذا جعفر بن يوسف حاكم صقلية (388-410هـ / 988-1109م) يختلف مع أخيه علي بن يوسف. فيستغل الأخير الصراع العنصري الموجود في الجزيرة لمصلحته، ويستميل العبيد، والبربر (17) إلى جانبه، مما اضطر معه الأمير تاج الدولة جعفر إلى مقاتلتهم، فقتل منهم خلقاً كثيراً، وأسر أخاه علي ثم قتله، بل تعدى الأمر ذلك فأمر بنفي البربر من الجزيرة وقتل العبيد (18) .
أما حاكم صقلية أحمد بن يوسف المعروف " بتأييد الدولة " (410-427هـ / 1109 – 1035م) فقد اتبع سياسة التفرقة بين أهل صقلية، وأهل أفريقية، حيث درج على تأليب أحد الفريقين على الآخر والعكس (19) ، ظناً منه أن ذلك يمكنه من السيطرة عليهم، فكان العكس هو النتيجة.
ذلك أن تلك السياسة جعلت أهل الجزيرة يستنجدون بالمعز بن باديس الزيري (20) (406-453هـ / 1015-1061م) مما آل إليه حالهم مع حكامهم من الأسرة الكلبية، قائلين له: (نحب أن نكون في طاعتك وإلا سلمنا الجزيرة للروم) (21) .(4/323)
واستجاب الزيريون لطلب أهل صقلية، فدخلها عبد الله بن المعز بن باديس الزبري على رأس جيش كبير،، والنتيجة، قتل أمير صقلية، ثم بعد ذلك يثور الصقليون على الأمير الزيري ويخرجونه من صقلية، حيث تقاسمها الولاة بعد ذلك (22) .
فهذا القائد عبد الله بن منكود يستقل بمدينتي (مازر وطرابنش) ؛ وعلي بن نعمة المعروف بابن الحواس ينفرد (بقصريانة وجرجنت) وغيرهما، أما ابن الثمنه والذي لقب نفسه (بالقادر بالله) فقد سيطر على مدينتي (سرقوسة وقطانية) (23) إلا أن الأخير كانت له السيادة والريادة بصفة عامة على جزيرة صقلية (24) .
وتأتي الفرصة المناسبة لبداية سيطرة النورمان على صقلية أثر الخلاف الذي حدث بين ابن الثمنة، وابن الحواس (25) ، حيث هانت البلاد على ابن الثمنة ليستنجد بالنورمان على ابن الحواس سنة (444هـ / 1052م) قائلاً لهم: (أنا أملككم الجزيرة) (26) .
ويستغل النورمان تلك الفرصة، ويتحرك روجر النورماني من مدينة (مليطو) في إيطاليا الجنوبية، ومعه ابن الثمنه، ليسيطر النورمان على ما مروا عليه في طريقهم دون مقاومة تذكر (27) .
ويحاول الزيريون مجدداً إنقاذ صقلية، فيرسلون إليها أسطولاً ضخماً، مشحوناً بالرجال والعتاد، فتستقبله الريح في البحر وتغرقه (28) ، لتستمر بذلك الفرصة متاحة للنورمان في الاستيلاء على مدن ومعاقل صقلية، واحدة تلو الأخرى.
وتسقط جميع مدن صقلية بآخر معاقلها سنة 484هـ / 1091م، ويملكها روجر النورماني، ويسكنها الروم والفرنج مع من بقي من المسلمين (29) .
وبذلك سيطر المسيحيون على البحر المتوسط كأكبر نتيجة ترتبت على سقوط جزيرة صقلية، ولم نعد نرى الوقت الذي وصف فيه ابن خلدون النصارى بأنهم لا يستطيعون أن يطفوا لوحاً من الخشب في هذا البحر (30) .(4/324)
ويستمر حكم النورمان لصقلية – على خلاف بين المؤرخين – من سنة (444هـ / 1052م) إلى تولي هنري السادس وزوجته كونستانس عرش صقلية سنة (591هـ / 1194م) ، حيث أصبحت ضمن أملاك الإمبراطورية الرومانية.
مظاهر الوجود الإسلامي في صقلية
في عهد النورمان
يجدر بنا أن نشير هنا قبل الدخول في الحديث عن تلك المظاهر إلى الحديث عن مجتمع صقلية، فقد كان يتكون من المسلمين بعناصرهم المختلفة من العرب، والبربر، والفرس، ومن النصارى، واليهود (31) .
وهذا التعدد في الطوائف السكانية، وما يتبعه من اختلاف في العقائد والمذاهب، والتوجهات، والطموحات، كان لابد معه من تفكير ملي من جانب حكام صقلية الجدد لمحاولة السيطرة على الجزيرة والخروج بها بعيداً عن الصراعات الدينية والعرقية، والعنصرية.
وما يهمنا هنا بداية هو حال المسلمين مع أولئك الحكام النورمان، فقد خرج روجر الأول وهو أول حكام صقلية بعد سيطرة النورمان عليها، بفكرة وسياسة بقاء المسلمين في صقلية.
وأسباب تلك السياسة لا تغيب عن أذهان المنصفين، ذلك أن الإسلام بعقيدته ومبادئه وأهدافه وسلوكه … هو دين الحياة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فهو الدين الذي يدعو إلى التسامح، وإلى العلم، والعمل، والإخلاص والدقة فيهما.
والمسلمون هم الفئة المنتجة البناءة المخلصة في أي مجتمع يعيشون فيه؛ كما أنهم الأكثرية في المجتمع الصقلي هذا من جانب وفي الجانب الآخر فإن المسيطر الجديد (المستعمر) هم أقليه، وليست لهم حضارة كحضارة المسلمين في ذلك العصر والتي شملت كل مجالات الحياة.
إذاً التسامح مع المسلمين هو الأفضل، على الأقل في تلك الفترة الأولى بعد خروجها من أيدي المسلمين، ولكنه ليس تسامحاً مطلقاً بل اعتراه بعض صنوف الاضطهاد.(4/325)
وقد اتخذ ذلك التسامح والاضطهاد، مظاهر شتى من قبل روجر الاول (463- 495هـ / 1071 – 1101م) الذي وضع ما يمكن أن نسميه بالخطوط العريضة لسياسة النورمان تجاه المسلمين في صقلية.
وتبدو لنا المعلومات بداية فيها نوع من التناقض، ففي الوقت الذي تشير فيه إلى أنه ترك للمسلمين حريتهم الدينية، ولم يعترض على إقامة تلك الشعائر، ولم يعمد إلى القتل والتعذيب (32) ، تذكر أيضاً أن من ضمن الإجراءات التي عملها هي تلك التي عمد فيها إلى تحويل المساجد إلى كنائس، وتعيين رئيس أساقفة عليها، وكان يونانياً (33)
إما الإدريسي (34) وهو ممن عاش في البلاط النورماني – مما سنتحدث عنه لاحقاً – فيقول عن روجر الأول ممتدحاً: (ولما صار أمرها – أي صقلية – إليه واستقر بها سرير ملكه، نشر العدل في أهلها، وأقرهم على أديانهم وشرائعهم، وأمنهم في أنفسهم وأموالهم وأهليهم وذراريهم، ثم أقام على ذلك مدة حياته إلى أن وافاه الأجل المحتوم) (35) .
ومن أهم ما أقدم على عمله روجر الأول لإثبات حسن نواياه تجاه المسلمين، أنه سك عملة نقدية، كتب على أحد وجهي تلك العملة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) (36) . وقد يبدو الهدف من ذلك هو ملاطفة عواطف المسلمين المغلوبين بعبارة هي رمز عزتهم، وعماد دينهم، فالإبقاء عليها من خلال العملة يوحي لهم بأن لهم مكانة بين شعوب الجزيرة من الأديان الأخرى، وبالتالي يجب على الفئات الأخرى أن تحترمهم، أو على الأقل تكف عن إيذائهم.(4/326)
وإذا عدنا إلى قول الإدريسي، وهو ممن عاش في البلاط النورماني، ففي رأيي أن كثيراً مما قاله لا يخلو من المجاملة لأرباب نعمته إذ أن ما ذكره ليس على الدوام وهو يكتب ذلك بعد انتهاء فترة حكم روجر الأول وأثناء حكم روجر الثاني. وهنا ابن الأثير، لا يوافق قوله معظم ما قال به الأدريسي، لأن ابن الأثير يرى أن المسلمين حرموا من كثير من ممتلكاتهم وأموالهم، وعقاراتهم، فيقول عن روجر الأول: " وملك روجر جميع الجزيرة وأسكنها الروم والفرنج مع المسلمين، ولم يترك لأحد من أهلها حماما، ولا دكاناً، ولا طاحونا " (37) .
وهنا يجب أن لا ننسى أنه بالأمس القريب وأثناء فترة الغزو النورماني على مدن ومعاقل جزيرة صقلية، كان جيش روجر الأول وبأمر منه، يضيق الخناق على المسلمين في مدنهم وحصونهم، حتى أكلوا لحم الميتة، كما حدث عند حصارهم لمدينتي قصر يانه وجرجنت إذ بلغ شدة الحال بالمسلمين من جراء ذلك الحصار أن: (ضاق الأمر على أهلها، حتى أكلوا لحم الميتة، ولم يبق عندهم ما يأكلونه) (38) .
أما عن حالات التسامح التي دعت روجر الأول إلى القيام بها مع المسلمين في البداية فترجع بعض أسبابها إلى انبهاره بحضارة المسلمين كما كان يريد أن يتخذ من صقلية نقطة انطلاق إلى شواطئ أفريقية الشمالية الخاضعة لحكم المسلمين، وذلك لن يتم إلا بمصادقة المسلمين الموجودين في الجزيرة، وبالتالي يتحقق له ما يريد، وعلى الأقل في الناحية الاقتصادية (39) . ولعل ما ذهب إليه روجر الأول هنا هو ما يعرف اليوم في علم السياسة بتأمين الجبهة الداخلية، وهي من أهم أسباب الاستقرار أو ضده. وطرق ذلك متعدده ومن أهمها سياسة التسامح في بعض الحالات ولفترة مؤقتة.(4/327)
وهنا يجب أن لا يغيب عن البال أن روجر الأول جاء معه إلى صقلية بنظام الإقطاع الذي يطبق في أوربا، والذي يقضي على حرية المالك الصغير، ويصنف الناس إلى طبقات أعلاها الطبقة الحاكمة وأدناها رقيق الأرض (40) ، وهذا النظام لم يعهده المسلمون الباقون في صقلية بعد سقوطها، لأن دين الإسلام له مبادئه وضوابطه الخاصة فيما يتعلق بالملكية والعمل والأجرة وخلاف ذلك.
ولتأكيد ما يريد أن يطبقه روجر في صقلية فقد عقد اجتماعاً في مدينة (مازر) سنة 486هـ / 1093م بحضور أصحابه وخاصته، وسلم كل واحد منهم صحيفة مكتوبة بالعربية واليونانية، فيها وصف للأرض التي تخصه وبيان بعدد الفلاحين والأرقاء في أملاكه (41) .
وهذه الأراضي التي تم توزيعها على خاصته إنما هي لأناس مسلمين تم الاستيلاء عليها بالقوة أثناء غزو النورمان لصقلية.
ومما يعزز نظرة روجر الأول تجاه المسلمين وأنها غير سليمة على الإطلاق ما عمله في مدينة (قطانيه) حين استولى عليها، فقد جعل أهلها المسلمين أرقاء، ومنحهم اقطاعاً للأسقف (42) .
وإذا عدنا إلى ابن الأثير وآرائه فيما يتعلق بسقوط صقلية ومعاملة حكامها للمسلمين فإنه يبدي الامتعاض الشديد لما آل إليه حال المسلمين من الاستعانة بالكفار وانعكاسات ذلك على حياة المسلمين في صقلية وخاصة في عهد روجر الأول (43) .
ومن مظاهر معاملة روجر الأول لمسلمي صقلية، أن معظم الأسرى الذي وقعوا في يده أثناء غزو صقلية، قد أرسلوا إلى إيطاليا وبيعوا عبيداً هناك (44) .
وهناك وثيقة مكتوبة بالعربية، واليونانية، مؤرخة بسنة 488هـ / 1095م تشير إلى ذكر أسماء ثلاثين عبداً مسلماً تابعين لكنيسة قطانية (45) .(4/328)
أما ما يعرف في صقلية باسم " رجال الجرائد " فهم أولئك المسلمون الكادحون في الأرض، والذين يشبه وضعهم وضع الرقيق، ويرثه الأبناء عن الآباء، وكان هذا النوع من الإسترقاق موجوداً في عهد روجر الأول، وقد ضمت تلك القوائم أسماء أعلام مسلمين مثل: محمد، وعلي، وعبد الله، كما ضمت أسماء أعلام يونانية ولاتينية (46) .
كما دفع المسلمون الجزية لروجر الأول إلى جانب اليونان، حيث نقل احسان عباس ذلك عن أماري في تاريخ المسلمين في صقلية إذ يقول: " وليس في صقلية من يدفع الجزية السنوية إلا المسلمون واليونان، وهم وحدهم الذين يلحقهم اسم الأرقاء أي رجال الجرائد " (47) .
ورجال الجرائد هؤلاء لم يكونوا يتمتعون بالحرية الشخصية بل مطلوب منهم تأدية الخدمة العسكرية متى ما طلب منهم ذلك، كما كانوا يخضعون لنظام السخرة في العمل (48) .
وفي مقابل رجال الجرائد، كان هناك الأفاضل، وهم الأحرار من المسلمين يحق لهم امتلاك الأراضي مع حرية التصرف بممتلكاتهم، " ومن بينهم موظفون مدنيون يختصون بشئون الهبات والوصايا والبيع والعقود … وكانوا يساعدون القضاة والموثقين، كما كانوا في بعض الأحيان يتولون التحكيم بين الأطراف المتخاصمة " (49) .
وفي عهد روجر الثاني (494 – 549 هـ / 1101 – 1154م) تتخذ سياسة التعامل مع المسلمين وضعاً أفضل مما كانت عليه في عهد روجر الأول، وذلك لشغف روجر الثاني بمدنية المسلمين وعلومهم وفنونهم وتراثهم فقد كان من أشد الحكام النورمان تعلقاً بالمسلمين وتراثهم، وفي ذلك يقول ابن الأثير عنه (50) :
(سلك طريق المسلمين من الجنائب (51) ، والحجاب (52) ، والسلاحية (53) والجاندارية (54) ، وغير ذلك وخالف عادة الفرنج فإنهم لا يعرفون شيئاً منه) .(4/329)
ولك أن تتصور حاكماً غير مسلم جنائبه وحجابه والمسؤلون عن سلاحه وملابسه كلهم من المسلمين، إن ذلك أمر له دلالته، ولو لم نخرج منه إلا بما يدلنا على عدل الإسلام وسماحته وعالمية مبادئه ونزعاته لكفى.
وتزداد العلاقة الحسنة بين المسلمين وحاكم الجزيرة روجر الثاني النورماني، فيسمح بإنشاء ديوان المظالم ترفع إليه شكوى المظلومين، فيطلع على تلك الشكاوي، وينصف المسلمين ولو كان المخطئ ولده، ويرى إبن الأثير أن ذلك في غاية الكرم إذ يقول: (وجعل له ديوان للمظالم ترفع إليه شكوى المظلومين فينصفهم ولو من ولده وأكرم المسلمين، وفر بهم ومنع عنهم الفرنج) (55) فكانت نتيجة ذلك التعامل مع المسلمين، أن المسلمين (أحبوا) (56) روجر النورماني.
ومن مظاهر العلاقة الحسنة بين المسلمين والنورمان في عهد روجر الثاني، أن الأساطيل الحربية في البحر كانت مشحونة بالمسلمين والفرنج على حد السواء (57) .
ولعل السبب الذي جعل روجر ينهج هذا النهج في سياسته العسكرية، هو الاستفادة من النظام المتقن عند المسلمين فيما يتعلق بالجندية، إضافة إلى تفاني المسلمين وإخلاصهم ودقتهم في الأعمال الموكلة إليهم.
ولم يقتصر روجر على الاستفادة من المسلمين في الأساطيل الحربية البحرية، وإنما عمد إلى اتخاذ المشاة والرماة منهم، وفرسان الخيول في الحروب، وخاصة في حروبه في إيطاليا (58) .
كما نجد أن التأثيرات الإسلامية بلغت حداً كبيراً، لدى النورمان في عهد روجر الثاني، إذ تأثر بألقاب الخلفاء والسلاطين المسلمين، فلقب نفسه ب (المعتز بالله) (59) . ونتيجة لذلك ولتلك الرعاية التي حظي بها المسلمون من روجر الثاني، فإنه أتهم من بعض معاصريه بأنه أعتنق الإسلام (60) .
بل نجد أن الأمر زاد على ذلك فضرب نقوداً ذهبية يتداولها الناس، اتبع فيها الصيغة الإسلامية في الوزن والطراز ورسم فيها اسمه وألقابه وشارته الخاصة.(4/330)
فقد كتب على دائرة الوجه الأول: (الحمد لله حق حمده وكما هو أهله ومستحقه) . وفي دائرة القفا: (ضرب بأمر الملك المعظم رجار المعتز بالله بمدينة المهدية سنة ثلث وأربعين وخمسمائة) . وكتب في وسط الوجه: (المعتز بالله) . وفي وسط القفا: (الملك روجار) (61) .
وضرب مثل هذه الدنانير بمدينة المهدية في شمال إفريقيا يدل على رغبة ملوك صقلية النورمان في إتباع سياسة اللين والتسامح التي ترمي في الواقع إلى تهدئة خواطر سكان البلاد التونسية واستمالتهم إلى قبول الاستيلاء الإفرنجي (62) .
كما أستخدم روجر وأتباعه المظلة، التي اختص بها بنو عبيد الله، وهي شبه درقه في رأس رمح، محكمة الصنعة، يمسكها فارس من الفرسان، يعرف بها، فيقال له: صاحب المظلة، فيحاذي بها الملك من حيث كانت الشمس ليقيه حرها (63) .
شخصيات علمية وأدبية في بلاط النورمان:
يعد الأدريسي من أعظم الشخصيات العلمية المسلمة التي مثلت الوجود الإسلامي في صقلية بعد سقوطها، وذلك لشهرته الجغرافية، فهو أعظم الجغرافيين المسلمين في العصور الوسطى.
واحتضن بلاط روجر الثاني الشريف الأدريسي. والمصادر لم تمدنا بمعلومات عن كيفية وصوله إلى بلاط روجر وكل ما أفادتنا به أنه استدعاه ليصنع له صورة الأرض، ويؤلف له كتاباً في شرحها.
ولا نعلم كيف سمع به روجر، فإن الإدريسي لم يشتهر بالجغرافية قبل أن يستدعيه روجر، فهو لم يؤلف فيها قبل ذلك كتاباً، ولا سمع أحد في بلاد المسلمين نفسها أنه متضلع فيها، وكل الذي نعرفه من خلال المصادر أنه رحل إلى الشرق، وعاد إلى المغرب، ودخل الأندلس ودرس في قرطبة، ثم ظهر في صقلية لدى حاكمها روجر الثاني النورماني (64) .(4/331)
ولعل المخرج من هذا أن روجر قد عرف الأدريسي معرفة شخصية من خلال البيت العربي المسلم الذي يرجع إلى الأدارسة العلويين، والمقيم في صقلية؛ وهذا البيت يعرف أفراده بالحموديين، وهم من نفس بيت بني حمود الذي ينتسب إليه الشريف الادريسي (65) .
والحموديون هم الذين كان لهم سلطان كبير على بعض مدن صقلية مثل (جرجنت) و (قصريانه) ؛ وهم أيضاً الذين قاوموا النورمان في اللحظات الأخيرة قبل استيلائهم على جزيرة صقلية (66) .
وقد اهتم روجر الثاني بالشريف الإدريسي اهتماماً كبيراً، فأكرم نزله، وبالغ في تعظيمه، ورغبة في المقام عند قائلاً له: (أنت من بيت الخلافة، ومتى كنت عندي أمنت على نفسك، ومتى كنت عند المسلمين عمل ملوكهم على قتلك) (67) .
وقد أجابه الادريسي إلى ذلك، (ورتب له كفاية لا تكون إلا للملوك) (68) بل تعدى الأمر ذلك فيجلس الادريسي مكان روجر، حيث يتنحى عنه الأخير له (فيأتي الادريسي إلى روجر راكباً بغلة، فإذا صار عنده تنحى له عن مجلسه) (69) .
وباستقرار الادريسي في بلاط روجر يبدأ في تحقيق رغباته، فيصنع له خريطة كروية للأرض من الفضة.
وتذكر المصادر، أن روجر الثاني النورماني كان قد أعطى للادريسي وزن أربع مائة ألف درهم من الفضة ليضع له دوائر فلكية؛ فلما أتم صنعها الادريسي أعجب بها روجر. ولما كان صنعها لم يأخذ إلا ثلث تلك الفضة أو أكثر بقليل، فقد منح روجر الباقي كله للادريسي، بل أضاف إلى ذلك حمولة مركب جاء من برشلونة ببضائع ملكية (70) .
وتلك الخريطة الضخمة الكروية للأرض التي صنعها الادريسي، هي ما حدت بروجر الثاني، أن يستدعى الصناع المهرة لينقشوا عليها صور الأقاليم السبعة ببلادها وأقطارها، وريفها، وخلجانها، وبحارها، ومجاري مياهها ومواقع أنهارها، وعامرها، وغامرها، وما بين كل بلد وبلد من الطرقات المطروقة، والأميال المحدودة والمسافات المشهودة، والمراسي المشهورة …. . (71)(4/332)
أما خير مثال للوجود الثقافي الإسلامي في عهد روجر الثاني، فهو ذلك العمل الضخم، الذي قام به الادريسي بتأليف كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) .
والكتاب إلى جانب أنه تحقيق لإحدى رغبات روجر الثاني، فهو نتيجة من نتائج تلك الخريطة الضخمة الكروية للأرض التي صنعها الادريسي كما نص على ذلك الادريسي في مقدمته إذ أنه (كتاب مطابق لما في أشكالها وصورها ويزيد عليها بوصف أحوال البلاد والأرضين في خلقها وبقاعها، وأماكنها، وصورها، وبحارها، وجبالها ومسافاتها ومزروعاتها وغلاتها، وأجناس بنائها وخواصها، والاستعمالات التي تستعمل بها، والصناعات التي تنفق بها والتجارات التي تجلب إليها ….) (72) .
وبتألف الأدريسي لكتابه (نزهة المشتاق) تتحقق رغبة روجر النورماني منه، وهي ما أشار إليها الادريسي من أنه كان يريد معرفة حقيقة البلاد التي تحت سيطرته وحدودها وكل ما يتعلق بها إضافة إلى معرفة غيرها من البلدان والأقطار، إذ يقول: (لما اتسعت أعمال مملكته، وتزايدت همم دولته، وأطاعته البلاد الرومية … أحب أن يعرف كيفيات بلاده حقيقة، ويقتلها يقينا وخبرة، ويعلم حدودها ومسالكها براً وبحراً … مع معرفة غيرها من البلاد والأقطار في الأقاليم السبعة ….) (73) .
وقد مجد الادريسي في مقدمته، روجر الثاني النورمندي، ووصفه بأوصاف ولقبه بألقاب لا تكون إلا لخلفاء الإسلام، وقد ظهرت فيها المبالغة واضحة جلية، ومن ذلك قوله: (فإن أقل ما عني به الناظر، وأشعل الأفكار والخواطر، ما سبق إليه الملك المعظم رجار المعتز بالله، المقتدر بقدرته، ملك صقلية … الناصر للملة النصرانية، إذ هو خير من ملك الروم بسطاً وقبضاً ….) (74) . وقوله: (فمن بعض معارفه السنيه، ونزعاته الشريفة العلوية أنه لما أتسعت أعمال مملكته …) (75) .(4/333)
وكتاب (نزهة المشتاق) الذي جعلناه خير مثال للوجود الثقافي الإسلامي في صقلية في عهد روجر الثاني، هو بحق أفضل مؤلف جغرافي تلتقي فيه الجغرافيا القديمة بالجغرافيا الحديثة، فمعلومات الإدريسي فيه دقيقة جداً لدرجة تدعوا إلى الإعجاب، ولذلك لم يكن غريباً، أن يطلق عليه اسم (استرابون العرب) (76) .
كما أن هذا الكتاب القيّم ظل ولعدة قرون هو المصدر الأساسي للكثير من المعلومات الجغرافية، وذلك لأنه تضمن وصفاً لمناطق كان هو الرائد فيها بين كتب الجغرافيين المسلمين، وعليه اعتمد اللاحقون فيما كتبوا.
وهو أعظم موسوعة جغرافية خرجت من صقلية في القرون الوسطى، وأوفى كتاب جغرافي تركه لنا المسلمون لاشتماله على ما وصل إليه علم الأقدمين، إضافة إلى ما أطلع عليه الادريسي بنفسه، أو ما وصل إليه من دراسات ومشاهدات وخبرات، وما رواه السياح (77) .
جاء في دائرة المعارف الفرنسية عن كتاب الادريسي أنه: (أو فى كتاب جغرافي تركه لنا العرب، وأن ما يحتويه من تحديد المسافات والوصف الدقيق، يجعله أعظم وثيقة علمية جغرافية في القرون الوسطى) (78) .
يقول روم لاندو: (إن ما يعتقده الغربيون اليوم، أن ما يتعلق بكروية الأرض، وبعض الأمور الجغرافية الأخرى كاكتشاف منابع النيل، هو من اكتشاف الغرب، فذلك ليس صحيح، فقد سبقهم إلى ذلك الادريسي في العصور الوسطى) (79) .
ونستمر في ذكر شهادات الغرب عن كتاب الادريسي حيث يقول سيديو: (على مدى ثلاثمائة وخمسين عاماً ظل رساموا الخرائط الأوربيون لا يفعلون شيئاً سوى إعادة نسخ هذا الكتاب مع بعض التغييرات الطفيفة) (80) .
والغرب لم يعرف الجغرافيا المؤسسة على المراقبة والتجربة، فالأرض عندهم ترسم على أنها قطعة من الأرض يحيط بها بحر عالمي، وفي وسطها تقع الجنة، كما تمليها عليهم خرائط الأديرة، إلى أن خرج معلم الغرب من قصور ملوك صقلية، فأصبح نموذجاً يهتدي به (81) .(4/334)
ولولا الخبرات الملاحية التي ورثتها الغرب عن العرب، ومفهوم كروية الأرض، لما استطاع كولمبس المخاطرة في حوض الأطلنطي، أو خطر له مجرد تصور فكرة هذه الرحلة (82) .
ونحن عندما نذكر تلك المقولات عن كتاب الادريسي فإننا نؤكد أن ذلك كان عملاً ضخماً من ثمار الوجود الإسلامي في صقلية في العهد النورماني، ونتيجة من نتائج تبني البلاط النورماني للعلماء المسلمين، وإكرامهم وتمكينهم من إظهار علومهم ومعارفهم.
ونختم الحديث عن الادريسي بالإشارة إلى أنه لم يكن جغرافيا فحسب، بل ألف وهو في ظل الحكم النورماني كتاباً في النبات والأعشاب، سماه، (جامع الصفات لأشتات النبات) (83) ، وهو كتاب درس فيه كثيراً من النباتات وخاصيتها العلاجية. كما أنه له كتاب آخر عرف باسم (الأدوية المفردة) (84) .
ومن هنا يتضح لنا أنه ألف في الطب وبالتالي فإنه يعد موسوعة جغرافية، طبية، كما هو حال كثير من علماء المسلمين الذين لا يؤمنون بالتخصص الضيق، بل إن أحدهم يصعب تصنيفه في مجال معين.
ويحتضن البلاط النورماني في عهد روجر الثاني عدداً من العلماء المسلمين حيث أغراهم بالبقاء لديه، وأكرمهم واستفاد من علومهم ومعارفهم.
ومن هؤلاء ذلك العالم المغربي – الذي نسى اسمه ابن الأثير – كما قال – والذي كان يحضره روجر، ويرجع إلى قوله، ويقدمه على من عنده من الرهبان والقسيسين، وذلك لثقته الكبيرة فيه (85) .
ومنهم الأديب ابن قلاقس الاسكندري (86) الذي جاء إلى البلاط النورماني حيث أجزلت له العطايا، ومدح روجر الثاني بعدة قصائد، فأكرمه على عادة الخلفاء والسلاطين والأمراء المسلمين.(4/335)
واستغل ابن قلاقس وجوده في صقلية ليؤلف كتاباً لزعيم المسلمين في صقلية في ذلك الوقت، أبي القاسم ابن حجر (87) ، تحت عنوان (الزهر الباسم في أوصاف أبي القاسم) وهو كتاب قال عنه ابن خلكان أنه (أجاد فيه، وذكر فيه أسماء وتراجم الكثير من الشعراء المسلمين المقيمين في صقلية) (88) .
ومن مظاهر الوجود الثقافي للمسلمين في صقلية، أن بلاط روجر الثاني النورماني احتضن عدداً من الشعراء المسلمين، أشارت المصادر إلى بعضهم، وأتلفت كثيراً من إنتاجهم الشعري الذي قيل في مدح ملوك النورمان، حتى لا ينقلوا إلى الأجيال تراثاً جاء في مدح ملك من ملوك النصارى، كما فعل العماد الأصفهاني في كتابه (خريدة القصر وجريدة العصر) الذي لم يثبت كثيراً من تلك الأشعار.
ومن أولئك الشعراء عبد الرحمن رمضان المالطي، والذي يعرف بالقاضي، قال عند العماد (ومعظم شعره في مدح روجار الإفرنجي المستولي على صقلية، يسأله العودة إلى مالطة، ولا يحصل منه إلا على المغالطة) (89) .
ولم يذكر له شيئاً من شعره في مدح روجر، بل ذكر له نماذج أخرى في بعض أغراض الشعر.
ومنهم أيضاً عبد الرحمن بن محمد بن عمر البثيري الصقلي، والذي وصفه العماد بأنه: (حامل القرآن ومساجل الأقران) (90) .
وأورد له قصيدة في مدح روجر النورماني، ووصف المباني العلية بصقلية.
ومنها قوله (91) :
أدر الرحيق العسجديه
وصل أصطباحك بالعشيه
واشرب على وقع المثا
ني والأغاني المعبديه
ما عيشه تصفو سوى
بذرى صقلية هنيه
في دولة أربت على
دول الملوك القيصريه
ومنها أيضاً (92) :
وقصور منصورية
حط السرور بها المطيه
أعجب بمنزلها الذي
قد أكمل الرحمان زيه
والملعب الزاهي على
كل المباني الهندسيه
والقصيدة طويلة كما ذكر العماد الأصفهاني الذي اقتصر على بعضها لأنها: (في مدح الكفار) (93) فما أثبتها.(4/336)
ومن الشعراء المسلمين في العهد النورماني، أبو الضوء سراج بن أحمد بن رجاء الكاتب، والذي وصفه العماد بأنه: (صحيح التصور، صادق التبجيل، سديد الرأي، حاد الخاطر، وأن شعره بديع الحوك، رفيع السلك) (94) .
وذكر له بعضاً من قصيدة طويلة في رثاء ولد روجر، قال في أولها:
بكاء وما سالت عيون وأجفان
شجون وما ذابت قلوب وأبدان
خبا القمر الأسنى فأظلمت الدنا
وماد من العلياء والمجد أركان (95)
والقصيدة في مجملها فيها تمجيد لابن روجر، وبكاء عليه، وحرقة أكباد، ومرض نفس، فرأيت أنه من الأولى الاكتفاء بما أشرنا إليه منها.
على أنه من المعلوم أن الهدف من ذكر ذلك كله هو أن الشعراء المسلمين كانوا يعيشون في ظل حكم النورمان ومنحوا حرية الكلمة، وبالتالي امتدحوا ومجدوا أولياء نعمتهم، ومن يعيشون في كنفهم.
تحول السياسة النورمانية تجاه المسلمين:
في ختام حديثنا عن عهد روجر الثاني – يجدر بنا أن نتحدث عن الوجه الآخر لسياسته تجاه المسلمين، فهي ليست على كل الأحوال ذات تسامح، بل اعتراها بعض الاضطهاد، ويشترك في ذلك الاضطهاد الحكام وعامة الشعب من غير المسلمين.(4/337)
ومن الأدلة التاريخية القاطعة على ما ذكرناه آنفاً ما ذكره ابن الأثير في أحداث سنة 548هـ / 1153م من عدم تسامح روجر مع أحد قادته العسكريين حيث أحرقه، لأنه تهاون مع بعض الأسرى المسلمين، قال ابن الأثير: (وفي هذه السنة – أي سنة 548 هـ – سار أسطول رجار ملك الفرنج بصقلية إلى مدينة بونه (96) ، وكان المقدم عليهم فتاه فيلب المهدوي، فحاصرها واستعان بالعرب عليها، فأخذها في رجب، وسبى أهلها، وملك ما فيها، غير أنه أغضى عن جماعة من العلماء والصالحين، حتى خرجوا بأهليهم وأموالهم إلى القرى …. وعاد إلى صقلية، فقبض عليه رجار لما اعتمده عليه من الرفق بالمسلمين في بونه … فجمع رجار الأساقفة والقساوس والفرسان، فحكموا بأن يحرق، فأحرق في رمضان؛ وهذا أول وهن دخل على المسلمين بصقلية) (97) .
وهذا التحول الخطير في سياسة روجر تجاه المسلمين لابد وأن يكون له أسبابه، ولعل السبب الأقوى في ذلك هو ظهور الموحدين كقوة إسلامية كبيرة في شمال إفريقيا، وذلك في أواخر أيام روجر، وفعلاً فلقد كان الموحدون قوة خطيرة تمكنوا من استعادة المهدية من النورمان. ولذا فإن روجر خشي من تعاون المسلمين في صقلية مع الموحدين مستقبلاً، فعمد إلى تغيير سياسته تجاه المسلمين، حيث نهج سياسة تقضي بتنصير المسلمين واليهود المقيمين في جزيرة صقلية حتى لا يبقى إلا دين المسيحية في تلك الجزيرة.
وهناك من يرى أن من جملة أسباب تلك السياسة التي انتهجها روجر تجاه المسلمين؛ أسباب شخصية كوفاة ثلاثة من أبنائه خلال فترة تسع سنوات، وسوء حالته الصحية، وأسباب سياسيه، كقيام الإمبراطور البيزنطي منويل كومنينوس بالحشد والتعبئة في منطقة البحر الإدرياتيكي (98) .
وتنتهي فترة حكم روجر الثاني بوفاته سنة 549هـ / 1154م، وملك بعده ابنه غليالم الأول، الذي وصفه ابن الأثير بأنه كان (فاسد التدبير، سيئ التصوير) (99) .(4/338)
ومن ملامح عهد غليالم الأول وتأثير المسلمين عليه، أنه كان يتكلم اللغة العربية، وكانت علامته (الحمد لله شكراً لأنعمه) (00 (1) .
وبلغ تأثير المسلمين في صقلية على غليالم الأول، أنه ضرب نقوداً ذهبية، عربية في صيغتها، كما هو الحال بالنسبة لأبيه روجر الثاني، وقد لقب نفسه فيها بلقب (الهادي بالله) (101) .
وقد كان غليالم الأول يعتمد على المسلمين في معظم مهام حكمه، وعلى وجه الخصوص في المهمات الدقيقة ومن ذلك أنهم كانوا ينضوون تحت لوائه لمقاومة الخصوم وإخماد نيران الفتن (102) . وهذه مهمة كبيرة وخطيرة في ذات الوقت، فلو لم يكونوا موالين له، لسهل عليهم نصرة خصومه.
ويستمر غليالم الأول في اتباع سياسة أبيه نحو إكرام العلماء والأدباء والشعراء، فها هو يكرم الشريف الإدريسي الذي يعيش في بلاطه، كما عاش في بلاط والده من قبل، ويطلب منه أن يؤلف له كتاباً، فيقبل الإدريسي حيث ألف له كتاب (روض الإنس ونزهة النفس) والذي اشتهر فيما بعد باسم (كتاب المسالك والممالك) (103) .وقد عثر على خلاصات من هذا الكتاب في مكتبة باستانبول (104) .
وما ذكرناه آنفاً ليس هو حال غليالم الأول مع المسلمين على الإطلاق، فهناك وجه آخر لسياسته مع المسلمين كما هو الحال مع من سبقه، ففي عهده ظهرت ملامح التعصب الاجتماعي، والعنصري ولم يستطع حماية المسلمين فأصبحت حياتهم في خطر.
كما أن المسلمين لم يستطيعوا حماية أنفسهم، بعد أن جردوا من أسلحتهم في أعقاب انتصار الموحدين في المهدية واستردادها.
وذلك الوضع في شمال إفريقية يعكس ما توقعه روجر الثاني كما سبق وأن أشرنا حيث كان يتوقع حدوث مثل ذلك من الموحدين بعد أن ظهروا كقوة كبيرة في شمال إفريقيا، وبالتالي تجريد المسلمين من أسلحتهم في صقلية وخاصة في مدينة بلرم العاصمة.(4/339)
وهنا وقع المسلمون فريسة سهلة للمتعصبين من النورمان وخاصة في أعقاب تلك الثورة التي قامت ضد الوزير مايون، وزير غليالم الأول سنة 555هـ / 1160م حيث انتهز المسيحيون الفرصة، وهاجموا المسلمين وأثخنوا فيهم قتلاً وذبحاً في شوارع مدينة بلرم، كما أنهم دخلوا إلى القصر الملكي ووجدوا فيه موظفين مسلمين وخصيان فقتلوهم كما قتلوا المسلمين الذين كانوا في الدواوين أو في الفنادق والحوانيت، ونزعوا الأكفان عن جثث الموتى (105) .
ووصلت المذابح إلى الأرياف، والغابات والجبال، حيث هرب المسلمون إليها، ولحق بهم المسيحيون وقتلوهم ولم يراعوا في قتلهم عمراً ولا جنساً (106) .
هذا ما حدث للمسلمين في عهد غليالم الأول عندما كشر أولئك المتعصبون عن أنيابهم وأظهروا حقدهم على المسلمين ممثلاً في القتل والتعذيب
ومع ذلك فقد بقي في جيش غليالم الأول عدد كبير من المسلمين تمكنوا في نهاية المطاف من قمع الثورة (107) .
وتنتهي حياة غليالم الأول في سنة 562هـ /1166م، وبوفاته تتضح صورة من صور تعلق المسلمين بالحكام النورمان، حيث يطمع المسلمون في حمايتهم والتقدم في دولتهم، لأن الحاقدين كثيرون، والحاكم هو خير من يستطيع ضبط الأجناس المختلفة، وعدم تعدي بعضها على بعض.
وتلك الصورة هي ما أقدم عليه النساء المسلمات في مدينة بلرم حين توفي غليالم الأول، حيث لبسن الثياب الخشنة، ونشرن شعورهن، وملأن الفضاء بعويلهن، ورددن المراثي الشجية على نغمات الطنبور (108) . ومع ما في هذه الصورة من محاذير شرعية فإن لها دلالتها فيما يتعلق بالعلاقة بين المسلمين والبيت الحاكم في صقلية.(4/340)
وينتقل الحكم في صقلية إلى غليالم الثاني (562 – 585هـ /1166-1189م) وذلك بعد وفاة والده غليالم الأول وقد كان صغير السن حيث لم يبلغ سن الرشد، وتولت والدته الملكة مارغريت الوصاية على العرش؛ واتخذت رجلاً يسمى أسطفان، مستشاراً لها، والذي قام بمحاولة إعادة التوازن إلى جزيرة صقلية.
وقد هدأت النفوس أيام غليالم الثاني حتى أصبح عهده مضرب المثل في الهدوء والسكينة، حتى قيل (إن غابات صقلية في أيامه أكثر أمناً من المدن في البلاد الأخرى) (09 (1) .
والحديث عن الوجود الإسلامي بجميع مظاهره في عهد غليالم الثاني، يرجع الفضل فيه إلى الرحالة ابن جبير الذي زار صقلية في سنة 580هـ /1185م، وقدم لنا صورة مفصلة عن حياة المسلمين هناك، ولذلك سوف نستعرض وبإيجاز بعض ماله علاقة بموضوعنا من خلال رحلة ابن جبير، في حالتي التسامح والاضطهاد.
فقد أشار ابن جبير إلى حال المسلمين في عصر غليالم الثاني، وأنهم باقون على أملاكهم وضياعهم، والسيرة حسنة بين المسلمين والنصارى، عبدة الصلبان (110) .
وهنا يذكر ابن جبير أن المسلمين يدفعون إتاوة للنصارى في فصلين من العام (111) . وفي تصوري أن هذا انعكاس للموازين فالمسلمون كانوا يأخذون من غيرهم الإتاوات، وهم الأعلون، ولكن تبدل الحال هنا في صقلية.
وقد آلم ذلك الوضع ابن جبير حيث قال: (وحالوا – أي النصارى – بينهم وبين سعة في الأرض كانوا يجدونها والله عز وجل يصلح أحوالهم ويجعل العقبى لهم) (112) .(4/341)
وينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن الملك النورماني غليالم الثاني، فيقول عنه: (وشأن ملكهم هذا عجيب في حسن السيرة واستعمال المسلمين، واتخاذ الفتيان المجابيب) (113) . ويضيف قائلاً: إنه (كثير الثقة بالمسلمين، ساكن إليهم في أحواله والمهم من أشغاله، حتى أن الناظر في مطبخه رجل من المسلمين، وله جملة من العبيد السود المسلمين وعليهم قائد منهم، ووزراؤه وحجابه الفتيان، وله منهم جملة كبيرة، هم أهل دولته، والمرتسمون بخاصته وعليهم يلوح رونق مملكته، لأنهم متسعون في الملابس الفاخرة والمراكب الفارهة) (114) .
ولذلك فقد كان له الجواري من المسلمات؛ واتخذ عيون دولته كذلك من المسلمين (115) .
ويشير ابن جبير ومن خلال وصفه لمدن جزيرة صقلية إلى كثرة المساجد بها، وأن بعضها كان محاضر لتعليم الصبيان القرآن (116) ، مما يشير إلى وجود عدد كبير من المسلمين في جميع مدن صقلية.
وقد كان الملك النورماني غليالم الثاني يقرأ ويكتب العربية، كما أنه اتخذ علامة هي (الحمد لله حق حمده) ، كما أنه سك عملة نقدية كتب على أحد وجهيها كلمة (الله) وتحت كملة (الله) كتب، غليالم الثاني (117) .
وقد اهتم غليالم الثاني بالعلماء والحكام، حيث كان يستدعيهم إلى بلاطه ويغدق عليهم الأموال والأرزاق طمعاً في بقائهم لديه وتسلية لهم عن أوطانهم (118) .
وقد امتدح ابن قلاقس الأسكندري الذي قدم إلى بلاط ملوك النورمان، كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك، امتدح غليالم الثاني بقصيدة ذكر بعضها الصفدي، فكان مما جاء فيها قوله:
يقر لغليلم المليك ابن غليلم
سليمان في ملك وداود في حكم
وتخدمه الأفلاك بالسعد في العدى
فيسطو بسيف البرق أو حربة النجم
فأي هلال ليس كالقوس راشقاً
بأي شهاب ليس ينفذ كالسهم
وما النصر إلا جنده حيث ما مضى
على حبهات البر أو صفحة اليم (119)(4/342)
ولكن ما هي الصورة الأخرى لحياة المسلمين في صقلية في عهد غليالم الثاني والتي رواها لنا ابن جبير، وهل هناك تناقض بين روايته للحالين، أم أن هذا هو الواقع حقيقة في صقلية.
يقول ابن جبير عن مدينة (مسيني) : (ويستوحش بها المسلم الغريب) (120) . وقوله هذا يدل على أن المسلمين بها قليل، أو لا يوجد منهم أحد فالكل من غير المسلمين.
وابن جبير يجعلنا في حيرة أيضاً عندما يذكر لنا أن الملك غليالم الثاني اتخذ حجابه ووزراءه وفتيانه من المسلمين ثم يقول لنا (كلهم أو أكثرهم كاتم إيمانه، متمسك بشريعة الإسلام) (121) وهذا يدل على أن هناك تضييق على المسلمين فيما يتعلق بتأدية شعائرهم الدينية، وواجباتها وتكليفاتها.
وينقل لنا ابن جبير صورة أخرى لحال المسلمين هناك، يتبين من خلالها الدور الدعوي الذي تقوم به النساء المسلمات من جواري القصر الملكي، ولكن ذلك يتم في سرية وتكتم. مما يدلل على الخناق الذي يلقاه المسلمون عامة في صقلية عند ذكر الحقيقة، فيذكر لنا أن (الأفرنجية من النصرانيات تقع في قصره، فتعود مسلمة تعيدها الجواري - المسلمات - مسلمة، وهن على تكتم من ملكهن في ذلك كله) (122) .
ويروي لنا الرحالة ابن جبير حكاية عن رجل من وجهاء مدينة مسيني وكبرائها اسمه عبد المسيح، كان قد احتفل بابن جبير وأكرمه في منزله، وهذا الرجل تحركت فيه عواطفه ومشاعره الدينية، ويريد أن يسأل عن الأماكن المقدسة في مكة والمدينة والشام، ولكنه لم يستطع أن يقدم على تلك الأسئلة إلا بعد أن أزال من مجلسه ذلك كل من يشك فيه من خدامه، من أنه سينقل عنه شيئاً.
وهذا أمر له دلالته فالمسلم هناك لا يستطيع أن يبوح بمشاعره وأحاسيسه الدينية خوفاً من أولئك النصارى من الحكام وغيرهم.(4/343)
يقول ابن جبير: (وباح لنا بسره المكنون بعد مراقبة منه في مجلسه، أزال لها كل من كان حوله ممن يتهمه من خدامه، محافظة على نفسه، فسألنا عن مكة قدسها الله، وعن مشاهدها المعظمة، وعن مشاهد المدينة المقدسة، وعن مشاهد الشام) (1) 12) . فأخبره ابن جبير عن ذلك كله (وهو يذوب شوقاً وتحرقاً) (124) .
وينقل هذا الشخص صورة ما هم عليه لابن جبير، من كتمان لإيمانهم، وعبادة الله سراً، وغير ذلك فيقول لابن جبير (أنتم مدلون بإظهار الإسلام، فائزون بما قصدتم له، رابحون إن شاء الله في متجركم، ونحن كاتمون إيماننا خائفون على أنفسنا، متمسكون بعبادة الله وأداء فرائضه سراً، معتقلون في ملك كافر بالله، قد وضع في أعناقنا ربقة الرق..) (125) .
إن ما ذكره هذا الشخص لابن جبير يؤكد لنا أن المسلمين على هذه الحالة إنما هم كالأرقاء، لا يتحركون إلا بأوامر سيدهم، ولا يستطيعون إظهار عزة أنفسهم، وعزة دينهم، بل هم في حالة خوف دائم على أنفسهم.
ويؤكد لنا ابن جبير أن أداء فتيان الملك غليالم الثاني للصلاة المفروضة، لا يكون إلا سراً، حيث يخرجون من عنده فرداً فرداً فيصلون فريضتهم؛ (وربما يكونون بموضع تلحقه عين ملكهم فيسترهم الله عز وجل) (126) .
وعند زيارة ابن جبير لمدينة (بلرم) العاصمة يذكر لنا حال المسلمين هناك في صورتين متناقضتين، من حيث أنهم يعمرون مساجدهم ويقيمون صلواتهم بأذان مسموع، ويصلون الأعياد بخطبة يدعون فيها للخليفة العباسي، ولهم قاض يرفعون إليه شكواهم، ويقبلون أحكامه، كما أنهم هم التجار في الأسواق … وهذه الصورة هي الحسنة التي كان يجب أن يكون عليها حال المسلمين على الدوام في ظل الحكم النورماني.
ولكن يذكر لنا ابن جبير وأثناء تقديمه لهذه الصورة الحسنة، صورة أخرى لاشك وأن لها دلالة خاصة، وتلك الصورة أنهم كانوا لا يؤدون صلاة الجمعة، والسبب أن الخطبة محظورة عليهم (127) .(4/344)
وفي تصوري أن منعهم من الخطبة يوم الجمعة، لما تتضمنه الخطبة في الغالب من ذكر لأحوال المسلمين، وتتبع الخطيب لمجريات الأحداث، أي أحداث الساعة، وبالتالي قد ينتقد وضع معين قام به النورمان، فتكون النتيجة استحثاث همم المسلمين لمقاومة السيطرة النورمانية على جزيرة صقلية، أو على الأقل إثارة قضية معينة تصعب السيطرة عليها، ولذلك قرر النورمان حظر خطبة الجمعة على المسلمين؛ وهذا فيه تعطيل كبير، وحرمان للمسلمين من عظمة ذلك اليوم، واجتماعهم فيه، ومناقشة أحوالهم، والنظر في متطلباتهم وطموحاتهم.
ومن أعجب ما ذكره ابن جبير عن المسلمين في صقلية هذه الصورة التي سأذكرها، وأترك التعليق لمن يقرأها. قال: (ومن أعجب ما شاهدناه من أحوالهم التي تقطع النفوس إشفاقاً وتذيب القلوب رأفة وحناناً، أن أحد أعيان هذه البلدة – يقصد طرابنش – وجه ابنه إلى أحد أصحابنا الحجاج، راغباً في أن يقبل منه بنتاً بكراً صغيرة السن، فإن رضيها تزوجها، وإن لم يرضها زوجها ممن رضي لها من أهل بلده … وهي راضية بفراق أبيها وإخوتها طمعاً في التخلص من هذه الفتنة، ورغبة في بلاد المسلمين، فطاب الأب والأخوة نفساً لذلك لعلهم يجدون السبيل للتخلص إلى بلاد المسلمين بأنفسهم، إذا زالت هذه العقلة المقيدة عنهم، فتأجّر هذا الرجل المرغوب إليه بقبول ذلك، وأعنّاه على استغنام هذه الفرصة المؤدية إلى خيري الدنيا والآخرة، وطال عجبنا من حال تؤدي بإنسان إلى السماح بمثل هذه الوديعة المعلقة من القلب، وإسلامها إلى يد من يغر بها، واحتمال الصبر عنها، ومكابدة الشوق إليها والوحشة دونها … وذلك رغبة في الإسلام واستمساكاً بعروته الوثقى) (128) .
ابن جبير وزعيم المسلمين في صقلية:(4/345)
سبق وأن أشرنا أن ابن قلاقس الأديب الاسكندري ألّف كتابا لزعيم المسلمين في صقلية بعنوان (الزهر الباسم في أوصاف أبي القاسم) ، وهذا الزعيم هو أبو القاسم بن محمد بن حمود، وينتسب إلى بيت عربي إسلامي كانت له السيادة قبل سقوط صقلية على بعض مدنها، واحتفظ بتلك المكانة بعد السقوط بما له من أملاك ومكانه، والسيادة هنا أسمية وشرفية، ولها وقعها المباشر على المسلمين.
وقد لقي هذا البيت معاملة حسنة من جانب النورمان بداية حيث استسلم على شروط الأمان والاطمئنان إلى الإسلام وضمان حقوق من معهم من المسلمين (129) .
ولكن الأحوال ساءت مع المسلمين، وبالتالي لابد أن تسوء مع رئيس البيت الحمودي وزعيم المسلمين في صقلية وخير من يدلنا على تلك الأحوال ابن جبير الذي التقى بزعيم المسلمين، حيث كان اللقاء في (طرابنش) إحدى مدن جزيرة صقلية سنة 580هـ / 1185م.
وقد بدأ ابن جبير يذكر مآثر الرجل ومناقبه وصفاته ومكانته في صقلية، فقال: (ووصل هذه الأيام إلى هذه البلدة زعيم أهل هذه الجزيرة من المسلمين وسيدهم القائد ابو القاسم بن حمود، المعروف بابن الحجر، وهذا الرجل من أهل بيت بهذه الجزيرة توارثوا السيادة كابراً عن كابر، وقرر لدينا مع ذلك أنه من أهل العمل الصالح مريد للخير محب في أهله كثير الصنائع الأخروية من افتكاك الأسارى، وبث الصدقات في الغرباء والمنقطعين من الحجاج، إلى مآثر جمة ومناقب كريمة) (130) .
وتظهر مكانة الرجل لدى عامة المسلمين من قول ابن جبير (وارتجت هذه المدينة لوصوله) (131) .
ثم يحدثنا ابن جبير بعد ذلك عن حالته مع الملك النورماني غليالم الثاني الذي يصفه بالطاغية، فيقول: (وكان في هذه المدة تحت هجران من هذه الطاغية ألزمه داره بمطالبة توجهت عليه من أعدائه افتروا عليه فيها أحاديث مزورة نسبوا إليه فيها مخاطبة الموحدين أيدهم الله فكادت تقضي عليه) (132) .(4/346)
أما عن العقوبة الصادرة بحقه فقد كانت عبارة عن مصادرات بلغت قيمتها أكثر من ثلاثين ألف دينار، (ولم يزل يتخلى عن جميع ديارة وأملاكه الموروثة عن سلفه حتى بقي دون مال) (133) .
ويصل الحال بزعيم المسلمين في صقلية أن يقول: (كنت أود لو أباع أنا وأهل بيتي، فلعل البيع كان يخلصنا مما نحن فيه، ويؤدي بنا إلى الحصول في بلاد المسلمين) (1) 13) .
وهنا نقف موقف المتأمل من هذا القول كما وقف ابن جبير متأملاً، من هذا الحال الذي آل إليه مع جلالة قدره وعظم منصبه، إذ أن مكانته قد بلغت عند المسلمين في الجزيرة مبلغاً عظيماً (فلو تنصر لما بقي في الجزيرة مسلم إلا وفعل فعله اتباعاً له، واقتداءاً به) (135) .
ويختم ابن جبير الحديث عنه بقوله: (فسألنا له من الله عز وجل حسن التخلص مما هو فيه ولسائر المسلمين من أهل هذه الجزيرة، وواجب على كل مسلم الدعاء لهم في كل موقف يقفه بين يدي الله عز وجل، وفارقناه باكياً مبكياً، واستمال نفوسنا شرف منزعه، وخصوصية شمائله، ورزانة حصاته، وشمول مبرته وتكرمه، وحسن خلقه وخليقته) (136) .
ويعطينا ابن جبير صورة يتبين من خلالها كيفية اعتناق بعض أبناء وبنات المسلمين الديانة المسيحية، فيقول: (وإن أعظم ما مني به أهل هذه الجزيرة، أن الرجل ربما غضب على ابنه أو زوجه، أو تغضب امرأة من ابنتها فتلحق المغضوب عليه أنفة، تؤدي به إلى الذهاب إلى الكنيسة فيتنصر، فلا يجد الأب للإبن سبيلاً، ولا الأم للبنت سبيلاً، فتخيل حال من يمنى بمثل هذا في أهله وولده) (137) .
الحالة السابقة التي ذكرها ابن جبير تعود إلى سبب رئيسي واحد، وهو ضعف الإيمان في نفوس أولئك، وإلا لما هان عليهم إسلامهم بهذه السهولة، والتاريخ مليء بنماذج لأشخاص عذبوا كثيراً بسبب إيمانهم، ومع ذلك فقد صمدوا صمود الجبال الراسيات.(4/347)
وبما أن الحديث عن مثل هذه الحالة فلن نذهب بعيداً وسنأخذ مثالاً آخر من رحلة ابن جبير، فهذا فقيه صقلي يعرف بابن زرعه، ضغط عليه عمال الملك النورماني، فأظهر فراق الإسلام، والانغماس في الدين النصراني، وحفظ الإنجيل، وأصبح قسيساً يستفتى في الأحكام النصرانية، وكان له مسجد بجوار داره فحوله إلى كنيسة (138) .
وهذا إذا كان على حقيقته، بمعنى أنه تنصر فعلاً، فيعود سبب ذلك إلى ضعف إيمانه، وإن كان يظهر التنصر ويخفي الإيمان، فلعله داخل تحت الاستثناء في قوله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) (139) .
وبعد فإن أهل النظر والمفكريين والعقلاء من المسلمين في صقلية، كانوا يخافون أن يصل بهم الحال ما وصل إليه حال إخوانهم في جزيرة قريطش والتي سقطت في أيدي البيزنطيين سنة 350هـ /961م، حيث استدرجهم النصارى شيئاً فشيئاً حتى تنصروا عن آخرهم، وفي ذلك يقول ابن جبير: (وأهل النظر في العواقب منهم يخافون أن يتفق على جميعهم، ما اتفق على أهل جزيرة أقريطش من المسلمين … حتى اضطروا إلى التنصر عن آخرهم، وفر منهم من قضى الله بنجاته، وحقت كلمة العذاب على الكافرين، والله غالب على أمره) (140) .
وينتهي عهد غليالم الثاني بوفاته سنة 585هـ / 11289م، وتبدأ في صقلية فترة سياسية مضطربة، استمرت إلى سنة 591هـ /1194م، تولى الحكم خلالها تانكر يد، ثم غليالم الثالث والذي في عهده انتقل حكم صقلية إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة إثر تدخل هنري السادس الإمبراطور الألماني في شئونها بعد زواجه من ابنة الملك النورمندي غليالم الثاني.
وقد كان وضع المسلمين في فترة الاضطراب تلك، لا يسر، فتاريخ تانكريد مليء بالأحداث القاسية تجاه المسلمين فهو الذي قاد حملة إبادة ضد المسلمين في مدينة بثيرة سنة 556هـ /1160م (141) .(4/348)
وبعد توليه الحكم تعرض المسلمون لمذبحة عظيمة في مدينة بلرم سنة 585هـ/1189م، أدت بمن سلم منهم إلى الفرار إلى جبال صقلية الواقعة في الطرف الشمالي الغربي لجزيرة صقلية، حيث قاموا هناك بثورة كبرى ضده استمرت إلى شهر رمضان من سنة 586هـ/ 1190م. وبالقوة تارة والإقناع تارة أخرى انتهت تلك الثورة، وعاد أولئك إلى بلرم (142) .
ومما يدلل على عدم اهتمام تانكربد بالمسلمين وبغضه لهم أن جميع الوثائق في عهده القصير لم تكتب باللغة العربية، كما هو الحال في عصور أسلافه، بل كتبت باللغة اللاتينية فقط (143) .
وبعد فقد انتهى الحكم النورماني لجزيرة صقلية بعد احتلال الجرمان لها كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك آنفاً. ولم يبق فيها إلا القليل من المسلمين، حيث بدأوا في الهجرة منها إلى جنوب إيطاليا، وشمال إفريقيا، وذلك إثر التعذيب الذي تلقوه في أواخر حكم فريدريك الثاني ملك صقلية وإمبراطور ألمانيا (609 – 648هـ / 1212 – 1250م) ذلك التعذيب الذي وصل إلى حد الإحراق والصلب، ثم تابع مهمة التعذيب، وإخراج المسلمين من جنوب إيطاليا الملك شارل دانجو، حيث لم تأت سنة 700هـ /1300م، وهناك أحد من المسلمين في صقلية وجنوب إيطاليا.
واختفى الإسلام والمسلمون من صقلية وجنوب إيطاليا، وهدمت مساجدهم التي هي رمز عبادتهم ودلالة وجودهم ومن فوق مآذنها كانت تدوي كلمة التوحيد.
ولكن هل هناك الآن ما يدل على أن المسلمين كانوا هناك، نعم فلقد بقي بعض الشيء مما كان للمسلمين.
فهناك بقايا قصور إسلامية، وعليها كتابات عربية، حيث ظلت أسماء عربية باقية إلى يومنا هذا في اللغة الصقلية والإيطالية، ومن ذلك أسماء القلاع والمراسي والشوارع، مثل قلعة النساء، وقلعة فيمي، وقلعة الحسن وقلعة البلوط. وكذلك كلمة مرسى، مثل مرسى علي، ومرسى المينا.(4/349)
ومن الكلمات العربية الموجودة اليوم في صقلية: منزل، مثل منزل الأمير، ومنزل يوسف، ومنها أيضاً رمل الموز، رمل السلطانه، القنطرة، وادي الطين، رأس القلب، رأس الخنزير، رأس القرن (144) .
يقول لويجي رينالدي: (إن الجزء الأعظم من الكلمات العربية الباقية في لغتنا الإطيالية التي تفوق الحصر إنما دخلت في اللغة لا بطريق الاستعمار العربي، ولكن بطريق المدنية التي كثيراً ما تؤلف وتؤاخي بين مظاهر الحياة المختلفة) (145) .
وأضاف قائلاً: (وإن وجود هذه الكلمات في اللغة الإيطالية ليشهد بما كان للمدينة العربية من نفوذ عظيم في العالم المسيحي، وبما كان من العلاقات التجارية بين بلادنا وبين المسلمين في الشرق، وإفريقيا الشمالية وصقلية) (146) .
وقد عدّ لويجي رينا لدي كثيراً من تلك الكلمات، ولا سيما في لغة العلم، ثم قال إن جنوة اضطرت أن تؤسس سنة 604هـ / 1207م مدرسة لتعليم العربية، وذلك يدل على وجود كلمات عربية في لغة هذه المدينة (147) .
واستمرت العربية في صقلية مدة طويلة بعد خروج المسلمين منها، حتى أن النصارى استخدموها لغة للتخاطب والكتابة، كما استخدموا التاريخ الهجري (148) .
ومما بقي من آثار المسلمين إلى اليوم بقايا قصر القبة بطابعه المعماري العربي في مدينة بلرم، بأقواسه الهندسية الرائعة، ونقوشه وكتاباته الكوفية، وعيونه الجارية التي تغذي النافورة الواقعة في وسط البهو الكبير ببصمات عربية رائعة.
وكذلك بقايا قصر الفواره، الذي كانت تحيط به بركة صناعية، والقصر الملكي، الذي أنشأه المسلمون واستخدموه مقراً للإمارة، ثم استخدمه النورمان من بعدهم.
ومما بقي من آثار المسلمين في صقلية قصر العزيز بطابعه الإسلامي النورماني والذي هو الآن المتحف الإسلامي في صقلية.(4/350)
وإلى هنا وينتهي ذلك الدور الصقلي العظيم، الذي كانت فيه صقلية مركزاً مهماً من مراكز الحضارة الإسلامية بجميع فروعها وأنشطتها في العلوم والفنون والعمارة والزخرفة والطب والصيدلة، وغير ذلك مما برز فيه المسلمون على غيرهم من الأمم، ذلك الدور الذي بدأ من أول خطوة خطاها القائد الفاتح أسد بن الفرات الذي كان فتحه لها فتحاً علمياً وثقافياً، إذ أنه اصطحب معه في جيشه الكثير من العلماء والفقهاء والوجهاء، وأعلن لهم قبل المسير أن العلم هو سبب التفوق، فلله دره من قائد محنك، وعالم وفقيه فريد، ورحمه الله رحمة واسعة.
أقول: نعم لقد كانت صقلية وفي خلال عصورها الإسلامية المختلفة مركزاً علمياً إسلامياً كبيراً على الرغم من اختلاف توجهات قادتها السياسية من سنيين وشيعة، فلقد كانت وبشهادة المصادر المعاصرة لتلك العصور مضاهية للأندلس في العلماء والأدباء والفقهاء، بل أصبحت لها مدارس فكرية وثقافية مستقلة ذات شخصية صقلية بحتة، مما أدى بعد ذلك إلى نشوء علاقات ثقافية بينها وبين البلدان الإسلامية المختلفة، إذ كان يطمع أولئك العلماء والفقهاء في البلدان الأخرى إلى التتلمذ على علماء وفقهاء صقلية إما مباشرة عن طريق التلقي أو عن طريق الإجازة.
واستمر تميز صقلية الثقافي حتى بعد سقوطها في أيدي النورمان، مما أغرى أولئك المستعمرون لها على الإبقاء على هؤلاء المسلمين طمعاً في النيل من ثقافتهم وحضارتهم ومدنيتهم وكل مظاهر مثاليات إسلامهم.(4/351)
وهذا التوجه لدى أولئك المستعمرين أبقى على وجود الشخصية المسلمة في صقلية فترة تقرب من قرن ونصف بعد سقوطها من أيدي المسلمين. استغله أولئك القوم من الحكام الجدد في احتضان العباقرة من المسلمين وتمكينهم من التأليف، والترجمة حتى غدت صقلية مركزاً من مراكز العلم والترجمة في العصور الوسطى، وفيها بدأت نواة المدارس والجامعات التخصصية بتأثير مباشر من العلماء المسلمين ومؤلفاتهم المترجمة.
واليوم لقد أصبحت جزيرة صقلية جزيرة منسية كما هو الحال للكثير من البلدان الإسلامية التي كان للمسلمين فيها الكلمة الفصل، ولم يعدنا بوسعنا إلا أن نقول: إن المسلمين كانوا هناك، والله غالب على أمره.
الحواشي والتعليقات
كان ذلك البحث عبارة عن رسالة دكتوراه نوقشت بجامعة أم القرى عام 1414هـ، وطبعتها الجامعة على نفقتها.
الدمشقي، نخبة الدهر وعجائب البر والبحر، ص 140.
انظر: الموسوعة العربية الميسرة، ص 1126.
ابن حوقل، صورة الأرض، ج2، ص 113. الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، ج2 ص 590-595.
حامد زيدان، تاريخ الحضارة الإسلامية في صقلية، ص 11-12.
الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص 288.
البلاذري، فتوح البلدان، ص 329.
لمزيد من التفصيل انظر: علي محمد الزهراني، الحياة العلمية في صقلية الإسلامية، ص 37 وما بعدها.
زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال، تولى بعد أخيه عبد الله وكان من أفضل أهل بيته وأفصحهم لساناً، وأكثرهم بياناً، وكان يقول الشعر، ولا يعلم أحدٌ قبله سمي زيادة الله، توفي سنة 223هـ / 838م
ابن الآبار، الحلة السيراء، ج1، ص 163.
أبو عبد الله أسد بن الفرات الحراني، المغربي، الإمام، القاضي، روى عن مالك بن أنس كتابه الموطأ. ألف الأسديه في الفقه المالكي، توفي محاصراً لمدينة سرقوسه من جزيرة صقلية سنة 213هـ / 828م. ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج3، ص 182.(4/352)
المالكي، أبو عبد الله بن محمد، رياض النفوس، ج1، ص 188. ابن الأثير، الكامل، ج6، ص 335
أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن زكريا الصنعاني، من أهل صنعاء اليمن، وهو القائم بالدعوة العبيدية نسبة إلى عبيد الله المهدي، كان من الرجال الدهاه، الخبيرين بالجدل والحيل، دخل بلاد افريقية بلا مال ولا رجال، ولم يزل بها إلى أن ملكها، وقتل على يد عبيد الله المهدي سنة 298هـ / 910م - ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج2 ص 192.
أبو مضر زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم، ويعرف بزيادة الله الأصغر، توفي بالرمله سنة 304هـ 916م - ابن خلكان، المصدر السابق، ج2، ص 193، ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 1، ص 175.
مدينة رقاده بناها إبراهيم بن أحمد بن الأغلب واتخذها عاصمة له سنة 263هـ / 876م، وبنى بها قصوراً ومساجد وأسواقاً وحمامات ومكتبات. ياقوت، شهاب الدين أبو عبد الله، معجم البلدان، ج 3، ص 55.
تنتمي الأسرة الكلبية إلى قبيلة قضاعة اليمنية، وقضاعة ترجع إلى العرب القحطانية، وينسبها البعض إلى العرب العدنانية. ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج6، ص 157. القلقشندي، نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، ص408.
ابن الخطيب، أعمال الأعلام، القسم الثالث، ص 122، المقريزي، اتعاظ الحنفا، ج1، ص 85.
البربر: هم من أبناء شانا بن يحيى بن صولات … بن كنعان بن حام ابن نوح عليه السلام.ابن حزم جمهرة أنساب العرب، ص 495، ابن عذاري، البيان المغرب، ج1، ص 65، 66. لمزيد من المعلومات عن البربر انظر: الوزان، وصف افريقيا، ص 42.
ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 194، ابن خلدون، العبر، ج4، ص 268.
ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 195، النويري، نهاية الأرب، ج 24، ص 378، ابن خلدون العبر ج 4، ص 210.(4/353)
هو الوالي الرابع من ولاة بني زيري بالمغرب، وهو الذي قطع الخطبة للخليفة الفاطمي المستنصر، وخطب للخليفة العباسي القائم بأمر الله، كما ألزم جميع أهل المغرب على التمسك بمذهب الإمام مالك. ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج5، ص 233، الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج18، ص 140.
ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 195، أبو الفدا، المختصر في أخبار البشر، ج2، ص 98، ابن خلدون العبر، ج 4، ص 210.
الدوري، سقوط صقلية، مقال، ص7.
ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 196، أبو الفدا، المختصر، ج2، ص 201، ابن خلدون، العبر ج4، ص 269.
ابن خلدون، العبر، ج4، ص 269.
لمزيد من التفصيل، ومعرفة أسباب ذلك الخلاف الذي كان للمرأة دورٌ أساسي ٌ فيه. انظر: ابن الأثير الكامل، ج10، ص 195، 196، أبو الفدا، المختصر، ج2، ص 201.
ابن الأثير، الكامل، ج 10، ص 196.
المصدر السابق، ج10 - ص 197.
ابن الأثير، الكامل، ج 10، ص 197، أبو الفدا، المختصر، ج2، ص 201، النويري، نهاية الأرب ج24، ص 381.
انظر: المصادر السابقة نفسها.
ابن خلدون، المقدمة، ص 254، الدوري، سقوط صقلية، ص 8.
للمزيد من المعلومات عن المجتمع الصقلي، انظر: علي بن محمد الزهراني، الحياة العلمية في صقلية الإسلامية، ص 101 وما بعدها.
ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 198.
عزيز أحمد، تاريخ صقلية، ص 79 - 80.
أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن ادريس بن يحيى بن علي بن حمود.. ويتصل نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولد في مدينة سبته سنة 493هـ / 1100م، وهو من الأدارسة العلويين، كان جغرافياً باهراً، اديباً شاعراً، توفي سنة 560هـ / 1166م
انظر، نزهة المشتاق، في المكتبة الصقلية، ص 26.
سعيد عاشور، المدنية العربية، ص 54.
ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 198.
ابن الأثير، المصدر السابق، ج10، ص 198.(4/354)
زيان، تاريخ الحضارة، ص 81.
إحسان عباس، العرب في صقلية، بيروت، دار الثقافة، 1395هـ / 1975م، ص 141.
المرجع السابق، ص 141.
المرجع السابق، ص 141.
ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 196 - 198.
عزيز، أحمد تاريخ صقلية، ص 80.
المرجع السابق، ص 80، إحسان عباس، العرب في صقلية، ص 143.
المرجعان السابقان، ص 80، 143.
إحسان عباس، المرجع السابق، ص 143.
عزيز أحمد، المرجع السابق، ص 80، 81.
المرجع السابق، ص 81.
الكامل، ج10، ص 198.
الجنائب: قال ابن منظور: جناب الرجل: الذي يسير معه إلى جنبه، والجنائب هي الخيول التي تسير وراء السلطان في الحروب لاحتمال الحاجة إليها، ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص 276، القلقشندي، صبح الأعشى ج4، ص 381.
الحاجب: هو في أصله من يبلغ الأخبار من الرعية إلى الأمام، ويأخذ لهم الأذن منه- القلقشندي المصدر السابق، ج 5، ص 449.
السلاحية: هم أولئك الذين يحملون سلاح الأمير أو السلطان - المصدر السابق، ج5، ص 456.
الجناندار: هو الذي يستأذن على الأمراء في أيام المواكب عند الجلوس بدار العدل - المصدر السابق، ج5 ص 461.
الكامل، ج10، ص 198.
المصدر السابق، ج10، ص 198.
ابن أبي دينار، المؤنس، في المكتبة الصقلية، ص 534.
عزيز أحمد، تاريخ صقلية، ص 81.
المرجع السابق، ص 37.
زيان، تاريخ الحضارة، ص 82.
حسني عبد الوهاب، ورقات، ج10، ص 451، 452.
المرجع السابق، ج1، ص 452. وسقوط المهدية كان في عهد آخر أمراء بني زيري الحسن بن علي بعد أن حاصرها روجر الثاني، ودك أسوارها وحاميتها، واستسلمت في سنة 543هـ / 1148م، ودخلها دون مقاومة وبقيت كذلك إلى أن استردها عبد المؤمن صاحب مراكش سنة 554 هـ / 1159م. انظر: ابن الأثير الكامل، ج11، ص 125، 241.
ابن حماد، نبذة المحتاجة في أخبار ملوك صنهاجه، في المكتبة الصقلية، ص 317.(4/355)
الصفدي، الوافي بالوفيات، ج1، ص 163، 164، عبد الرحمن حميده، أعلام الجغرافيين العرب، ص 316، الزهراني، الحياة العلمية، ص 567
مؤنس، أدارسة صقلية، مقال، ص 96.
ابن الأثير، الكامل، ج10، ص 198، مؤنس، أدارسة صقلية،ص 97.
الصفدي، الوافي، ج14، ص 106.
نفسه، ج14، ص 106.
نفسه.
نفسه.
الإدريسي، نزهة المشتاق، ج1، ص 6.
المصدر السابق، ج1، ص 7.
نفسه، ج1، ص 5.
نفسه، ج1، ص 3، 4.
المصدر السابق، ج1، ص 5.
عبد الرحمن حميده، أعلام الجغرافيين، ص 317، واسترابون هو جغرافي يوناني ولد في آسيا الصغرى سنة 58 قبل الميلاد، وتوفي سنة 21 أو 25 ميلادية وهو مؤلف كتاب ثمين إسمه (جغرافيا) ،انظر المرجع السابق ص 318.
محمد مرسي، الشريف الإدريسي، ص 10، 11.
أحمد فؤاد، التراث العلمي للحضارة الإسلامية، ص 120.
روم لاندو، الإسلام والعرب، ص 256.
سيديو، تاريخ العرب العام، ص374.
هونكه، شمس العرب، ص 420.
ستانوودكب، المسلمون في تاريخ الحضارة، ص 96.
الخطابي، الطب والأطباء في الأندلس، ج1، ص 59.
الدوري، دور صقلية في نقل التراث الطبي، مقال، ص 205.
ابن الأثير، التاريخ الباهر، ص 70.
أبو الفتوح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن علي بن قلاقس اللخمي الملقب بالقاضي الأعز، كان شاعراً مجيداً وفاضلاً نبيلاً، صحب أبا الطاهر السلفي وانتفع به، توفي سنة 567هـ / 1171م، ابن خلكان، وفيات، ج5 ص385.
ابن حجر: ذكره إبن جبير في رحلته فقال: هو زعيم أهل هذه الجزيرة من المسلمين وسيدهم أبو القاسم بن حمود المعروف بابن الحجر، وهذا الرجل من أهل بيت بهذه الجزيرة، توارثوا السيادة كابراً عن كابر، وهو من أهل العمل الصالح، مريد للخير، محب في أهله، كثير الصنائع الأخروية من إفتكاك الأسرى، وبث الصدقات في الغرباء والمنقطعين من الحجاج.انظر:ص 314.(4/356)
الطبري، تاريخ الأمم، ج4، ص 288.
العماد الأصفهاني، خريدة القصر، ج1، ص 21.
العماد، المصدر السابق، ج1، ص 23.
المصدر السابق، ج1، ص 23.
المصدر السابق، ج1، ص 23.
المصدر السابق، ج1، ص 24.
المصدر السابق، ج1، ص 276.
المصدر السابق، ج1، ص 277.
بونه: بالضم ثم السكون، مدينة بإفريقية بين مرسى الخرز وجزيرة بني مزغناي، ياقوت، معجم البلدان ج1، ص 512.
الكامل، ج11، ص 187.
عزيز أحمد، تاريخ صقلية، ص 81.
الكامل، ج11، ص 187.
ابن جبير، الرحلة، ص 298.
حسن عبد الوهاب، ورقات، ج1، ص 452.
المدني، المسلمون في صقلية، ص 166.
العماد الأصفهاني، الخريدة، في المكتبة الصقلية، ص 611.
عبد الرحمن حميده، أعلام الجغرافيين، ص 317.
إحسان عباس، العرب في صقلية، ص 149.
المرجع السابق، ص 149، عزيز أحمد، تاريخ صقلية، ص 82.
عزيز أحمد، المرجع السابق، ص 82.
إحسان عباس، العرب في صقلية، ص 149.
المرجع السابق، ص 150.
ابن جبير، الرحلة، ص 297.
المصدر السابق، ص 297.
المصدر السابق، ص 197.
المصدر السابق، ص 297، والمجبوب هو الخصيّ الذي قد استؤصل ذكره وخصياه. انظر: ابن منظور لسان العرب، ج1، ص 249.
ابن جبير، الرحلة، ص 297.
المصدر السابق، ص 299.
المصدر السابق، ص 305، 306.
المصدر السابق، ص 298.
المصدر السابق، ص 298.
الصفدي، الوافي، ج14، ص 107.
ابن جبير، الرحلة، ص 297.
المصدر السابق، ص 297.
المصدر السابق، ص 299.
المصدر السابق، ص 299.
المصدر السابق، ص 299.
المصدر السابق، ص 300.
المصدر السابق، ص 300.
المصدر السابق، ص 305.
المصدر السابق، ص 315، 316.
المصدر السابق، ص 314.
حسين مؤنس، أدارسة صقلية، مقال، ص 114.
ابن جبير، الرحلة، ص 314.
المصدر السابق، ص 314.
المصدر السابق، ص 314.
المصدر السابق، ص 314.(4/357)
المصدر السابق، ص 315.
المصدر السابق، ص 314.
المصدر السابق، ص 315.
المصدر السابق، ص 313.
سورة النحل، آية 106.
ابن جبير، المصدر السابق، ص 315.
عزيز أحمد، تاريخ صقلية، ص 85.
المصدر السابق، ص 85.
المصدر السابق، ص 85.
محمد كرد، الإسلام والحضارة العربية، ج1، ص 287.
لويجي، المدنية العربية في الغرب، مقال، ص 537.
المصدر السابق، ص 538.
محمد كرد، الإسلام والحضارة العربية، ج1، ص 287.
المصدر السابق، ج1، ص 291.
المصادر والمراجع
المصادر المطبوعة:
ابن الآبار: أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي البلنسي، ت 658هـ/1260م. الحلة السيراء، تحقيق حسين مؤنس، القاهرة، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر 1383هـ / 1963م.
ابن أبي دينار: أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم القيرواني. كان حياً سنة 1110هـ / 1698م.
المؤنس في أخبار إفريقية.في المكتبة الصقلية.
ابن الأثير: عز الدين علي بن محمد الشيباني، ت 630هـ /1232م.
أ- الكامل في التاريخ، بيروت، دار صادر، 1402هـ/1982م.
ب- التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية بالمواصل، تحقيق عبد القادر أحمد طليمات، القاهرة، دار الكتب، 1382هـ 1963م.
ابن جبير: أبو الحسين محمد بن أحمد الكناني الأندلسي البلنسي، ت:614هـ /1217م.
الرحلة المسماه، اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك، بيروت، دار صادر، 1400هـ /1980م.
ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي. ت 456هـ/1063م.
جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، القاهرة، دار المعارف، الطبعة الأولى.
ابن حوقل: أبو القاسم محمد بن حوقل النصيبي البغدادي الموصلي، توفي قريباً من سنة 367هـ / 977م.
صورة الأرض، بيروت، دار مكتبة الحياة، 1399هـ /1979م.
ابن الخطيب: لسان الدين محمد بن عبد الله السلماني. ت 776هـ /1374م.(4/358)
أعمال الأعلام، القسم الثالث، تحقيق أحمد مختار العبادي ومحمد إبراهيم الكتاني. الدار البيضاء،د. ت.
ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي. ت: 808هـ /1405م.
- المقدمة، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الرابعة، د. ت.
- العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، وضع حواشيه وفهارسه خليل شحاذة، وراجعه سهيل زكار، بيروت، دار الفكر، 1401هـ/1981م، مطبعة دار الباز 1399هـ 1979م.
ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر. ت 681هـ/1282م.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، بيروت، دار صادر، د. ت.
ابن عذاري: أبو عبد الله محمد المراكشي، ت قريباً من سنة 712هـ /1312م.
البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ومراجعة ج. س. كولان، وليفي بروفنسال، بيروت دار الثقافة الطبعة الثالثة، 1403هـ/1983م.
ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم. ت 711هـ /1311م.
لسان العرب، بيروت، دار صادر، الطبعة الأولى. د. ت.
أبو الفدا: الملك المؤيد إسماعيل بن الأفضل. ت 732هـ /1331م.
المختصر في أخبار البشر، بيروت، دار المعرفة، د. ت.
الإدريسي: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس. ت 560هـ /1164م.
نزهلة المشتاق في اختراق الآفاق، بريل، ليدن.
البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر. ت 279هـ /892م.
فتوح البلدان، تحقيق عبد الله أنيس الطباع، وعمر أنيس الطباع، بيروت، مؤسسة المعارف، 1407هـ /1987م.
الدمشقي: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي طالب الصوفي الأنصاري المعروف بشيخ الربوة، ت 727هـ1327م
نخبة الدهر وعجائب البر والبحر، بغداد، مكتبة المثنى، د. ت.
الذهبي: الإمام أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد. ت 748هـ /1347م.(4/359)
سير أعلام النبلاء، تحقيق مجموعة من الباحثين، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1406هـ/1986م.
الصفدي: صلاح الدين خليل بين أيبك. ت 764هـ /1362م.
الوافي بالوفيات، اعتناء مجموعة من الباحثين، ألمانيا، دار فرانز شتايز بقيسبادن، 1401هـ /1981م.
الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير. ت 310هـ /922م.
تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، دار سويدان، الطبعة الثانية، 1387هـ /1967م.
العماد: أبو عبد الله محمد بن محمد صفي الدين. ت 597هـ /1200م.
جريدة القصر، وجريدة العصر، قسم شعراء المغرب، تحقيق محمد العروسي الطوي، والجيلاني بن الحاج يحيى ومحمد المرزوقي. تونس، الدار التونسية للنشر، الطبعة الثالثة، 1405هـ/1986م.وأيضاً الموجود في المكتبة العربية الصقلية.
القلقشندي: أبو العباس أحمد بن علي. ت 821هـ /1418م.
أ. صبح الأعشى في صناعة الإنشا - نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.
ب. نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب. تحقيق إبراهيم الإبياري، الطبعة الثانية 1400هـ /19801م.
المالكي: أبو بكر عبد الله بن محمد. ت بعد سنة 460هـ / 1067م.
رياض النفوس، تحقيق بشير البكوش، مراجعة محمد العروسي المطوي، بيروت، دار الغرب، 1403هـ /1983م.
المقري: شهاب الدين أحمد بن محمد التلمساني، ت 1041هـ/1631م.
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق يوسف الشيخ محمد، بيروت، دار الفكر، 1406هـ /1986م.
المقريزي: تقي الدين أحمد بن علي. ت 8458هـ /1441م.
أ. اتعاظ الحنفا بأخبا رالإئمة الحنفا، تحقيق جمال الدين الشيال، القاهرة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1387هـ /1967م.
ب. السلوك، في المكتبة العربية الصقلية.
النويري: شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب. ت 733هـ /1333م.(4/360)
نهاية الأرب في فنون الأدب، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب بالقاهرة.
ياقوت: شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، ت 626هـ/1228م.
معجم البلدان، بيروت، دار صادر، دار بيروت، 1404هـ /1984م.
المراجع:
إحسان عباس:
العرب في صقلية، بيروت، دار الثقافة، 1395هـ /1975م.
أحمد فؤاد باشا:
التراث العلمي للحضارة الإسلامية، القاهرة، دار المعارف، 1403هـ / 1983م.
حامد زيان:
تاريخ الحضارة الإسلامية في صقلية، القاهرة، دار الثقافة 1397هـ / 1977م.
حسن حسني عبد الوهاب:
ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية، تونس، مكتبة المنار، 1386هـ / 1966م.
حسين مؤنس:
أدارسة صقلية (مقال، مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد الحادي عشر 1384هـ /1964م.
الدوري تقيى الدين عارف:
- دور صقلية في نقل التراث الطبي إلى أوروبا (مقال) مجلة المؤرخ العربي، العدد التاسع والعشرون 1406هـ/ 1986م بغداد.
... ... - سقوط صقلية وانتهاء السيادة العربية عليها (مقال) مجلة أداب المستنصريه ببغداد، العدد الثامن 1404هـ / 1984م.
روم لاندو:
الإسلام والعرب، نقله إلى العربية منير البعلبكي، بيروت، دار العلم للملايين، 1397 هـ /1977م.
الزهراني:
علي بن محمد، الحياة العلمية في صقلية الإسلامية، مكة، مطبوعات جامعة أم القرى، 1417هـ /1996م.
زيغريد هونكه:
شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون، وكمال دسوقي، بيروت، المكتب التجاري للطباعة، الطبعة الثالثة، 1399هـ /1979م.
د. سعيد عبد الفتاح عاشور:
أ. أوروبا العصور الوسطى، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة العاشرة، 1406هـ / 1986م.
ب. المدنية العربية وأثرها في الحضارة الأوروبية، القاهرة، دارالنهضة العربية، 1383هـ /1963م.
سنتوردكب:(4/361)
المسلمون في تاريخ الحضارة، ترجمة محمد فتحي عثمان، جدة، الدار السعودية للنشر والتوزيع، 1402هـ 1982م.
سيديو:
تاريخ العرب العام، ترجمة عادل زعيتر، القاهرة، مكتبة عيسى البابي الحلبي، الطبعةالثانية، 1389هـ 1969م.
عبد الرحمن حميده:
أعلام الجغرافيين العرب، دمشق، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1400هـ /1980 م.
عزيز أحمد:
تاريخ صقلية، ترجمة، أمين توفيق الطيبي، الدار العربية للكتاب، 1389هـ / 1969 م.
محمد الخطابي:
الطب والأطباء في الأندلس، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1408هـ / 1988م.
محمد كرد علي:
الإسلام والحضارة العربية، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف للترجمة والنشر، 1388هـ / 1968 م.
محمد مرسي:
الشريف الإدريسي ودور الرحلة في جغرافيته، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1405هـ / 1985 م.
المدني أحمد توفيق:
المسلمون في صقلية وجنوب إيطاليا، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1405هـ / 1985 م.
لويجي رينالدي:
المدنية العربية في الغرب، (مقال) ترجمة طه أفندي، مجلة المقتطف، مجلد (59) الجزء السادس 1921م.
الوزان الزياتي:
وصف إفريقيا، ترجمة من الإيطالية إلى الفرنسية، البولار، وترجمه من الفرنسية إلى العربية، عبد الرحمن حميده، وراجعه علي عبد الواحد، الرياض، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.(4/362)
جهود الملك عبد العزيز في عمارة عين عرفة
د. عادل بن محمد نور غباشي
أستاذ مشارك في قسم التاريخ والحضارة الإسلامية
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى
ملخص البحث
... تعد عين عرفة من أهم الموارد المائية لسقيا سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، وتتضح أهميتها في موضع منبعها ومسار قناتها وكمية مياهها التي كان لها تأثير مباشر على حياة سكان البلد الأمين منذ القرن الثاني للهجرة ويقع منبع هذه العين في وادي نعمان، ومن هناك تم بناء قناة تمر بجبل الرحمة بعرفة ومنها إلى مزدلفة ثم إلى دقم الوبر ثم إلى العزيزية، حيث كان مصب المياه النهائي في موضع عرف ببئر زبيدة مجاورا لحديقة الطفل الحالية ونظرا لأهمية مياه هذه العين فقد بذلت جهود كبيرة لإيصالها إلى مكة المكرمة عام 969هـ / 1561م واستمر العمل فيها مدة عشر سنوات إلى أن وصلت المياه إلى مكة عام 979هـ/1571م.
... وكانت هذه العين تشكل موردا مهما لسقيا سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، وقد مرت على العين وقناتها ترميمات في قرون عديدة إلى أن تمكن الملك عبد العزيز رحمه الله من ضم مكة المكرمة إلى دولته عام 1343هـ /1924م فأولى عين عرفة اهتماما عظيما، وذلك بأمره بصيانتها وعمارتها، وكان دافعه في ذلك عوامل عديدة منها حبه للخير وكسب الأجر والثواب من الله، وتحمله مسئولية العناية بسكان بلد الله الحرام وحجاجه الكرام وحاجة قناة العين إلى تتابع أعمال صيانتها وعمارتها، لتستمر في عطائها، علاوة على تطور عمران مكة وزيادة عدد سكانها وحجاج بيت الله الحرام مما استدعى زيادة كمية المياه عما كانت عليه في العصر السابق لمواجهة الطلب المتزايد على الماء.(4/363)
.. وبالبحث الميداني عن أدلة أثرية تؤكد هذه الجهود العظيمة؛ تم العثور على خرزة (فتحة على القناة للسقيا والصيانة) مؤرخة بعام 1353هـ/1935م علاوة على وجود آثار تعلية جانبي القناة في المنطقة الواقعة بين عرفة ومزدلفة وكذلك في دقم الوبر والعزيزية، ويظهر أن بناء الخرزة وجانبي القناة اتفقت في طراز عمارتها مع طراز العمارة الذي كان سائدا قبل عهد الملك عبد العزيز.
... وقد تمحورت هذه الدراسة حول خمسة محاور هي: أهمية العين وتسميتها، ودوافع عمارة العين في عهد الملك عبد العزيز، وأعمال الملك عبد العزيز لعمارة عين عرفة، وطراز عمارة القناة وخرزاتها، ونقشان كتابيان يؤرخان لأعمال الملك عبد العزيز في عين عرفة. مدعما هذه الدراسة بالأشكال واللوحات الموضحة للمعلومات التي وردت في ثناياه.
أولا: أهمية العين وتسميتها:
... اعتمد سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، على الآبار لتأمين احتياجاتهم من الماء، في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر خلفائه الراشدين. وفي بداية الدولة الأموية وبالأخص في عهد معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه (40 60هـ / 660 680م) بدأت أول محاولة للإفادة من مياه العيون لسقيا السكان والحجاج، ثم توالت الأعمال لجلب مياه العيون إلى مكة المكرمة، إلى أن قامت السيدة زبيدة زوج هارون الرشيد، بجلب مياه عين وادي حنين إلى مكة سنة 194هـ/809م، ثم أجرت مياه عين عرفة من وادي نعمان إلى عرفة ثم إلى العزيزية حيث أوقفت العمل هناك، لوجود منطقة صخرية حالت دون إيصال مياه العين إلى مكة المكرمة.(4/364)
وفي عام 969هـ/1561م قلت المياه بمكة وظهرت الحاجة إلى إيصال مياه عين عرفة إلى مكة، وتأكد ذلك بدراسة أجرتها لجنة في ذلك التاريخ، أفادت فيها أن عين عرفة أقوى العيون وأكثرها غزارة بالمياه، وبناء على ذلك بدئ العمل في تكسير المنطقة الصخرية الممتدة من حديقة الطفل بالعزيزية إلى موضع مبنى إمارة مكة المكرمة الآن ووصلت المياه إلى مكة في عام 979هـ/1571م، وذلك بعد عمل استمر لمدة عشر سنوات (1) ، واستمرت العين في عطائها إلى العصر السعودي مع حاجة قناتها إلى الصيانة والعمارة.
... وتتضح أهمية مياه عين عرفة في سقيا سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام في العصر السعودي؛ فيما كتبه الشيخ محمد نور قمر علي رئيس قسم توزيع مياه عين زبيدة بمكة المكرمة، حيث تبين له من خبرته التي دامت 27 سنة في عمله، أن مياه عين عرفة احتلت أهمية كبيرة في سقيا السكان والحجاج، لتوقف وصول مياه عين حنين التي دمرتها السيول، وكان آخر إصلاح لها في سنة 1328هـ/1910م، وذلك باستثناء جزء يسير يأتي من عين الزعفران إحدى روافد قناة عين حنين حتى تاريخ 24 –5-1377هـ (2) . 16- 12-1957م
... أما تسمية العين فقد وردت في بعض المصادر والنقوش الكتابية والوثائق باسم "عين عرفة" (3) و"عين عرفات" (4) و "عين زبيدة" (5) بينما وردت في المصادر المتأخرة باسم "عين وادي نعمان"و"عين نعمان" (6) و "عين زبيدة" (7)
وقد استمرت هذه التسمية الأخيرة في كتابة التقارير المنشورة بصحيفة أم القرى (8) ، واستمرت إلى الوقت الحاضر.
ونظرا لقيام السيدة زبيدة بإجراء عين حنين إلى مكة؛ فإن تسمية عين عرفة "بعين زبيدة" قد يؤدي إلى تضارب المعلومات؛ مما يجعلنا نرجح التسمية الأولى "عين عرفة" التي وردت في المصادر والنقوش الكتابية والوثائق.
ثانيا: دوافع عمارة العين في عهد الملك عبد العزيز:(4/365)
.. أولى الملك عبد العزيز رحمه الله عين عرفة عناية كبيرة؛ لأهميتها في سقيا سكان بلد الله الحرام وحجاجه الكرام؛ فأمر بصيانتها وعمارتها ليوفر للمسلمين حاجتهم من الماء، وكان من أهم الدوافع التي جعلت الملك عبد العزيز يقوم بعمارتها ما يلي:
1 عامل الدين والمسئولية:
... سبق عهد الملك عبد العزيز رحمه الله تشكيل لجنة في سنة 1295هـ/1878م، لجمع التبرعات والصرف منها لصالح مشروعات المياه بهذه المدينة ومشاعرها المقدسة أطلق عليها اسم "لجنة عين زبيدة"0وكان من أسباب قيامها ما لحظه بعض أعيان مكة وحجاج الهند من صعوبة في الحصول على الماء بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة وما ينال الحجاج من مشقة في سبيل ذلك لعدم كفاية الموارد المالية المخصصة من الدولة العثمانية لعمارة وصيانة منشآت المياه بالبلد الحرام ومشاعره المقدسة (9) .
وقد استمرت اللجنة في أداء عملها بكل دقة واعتناء إلى أن حصل نوع من التدخل من طرف الولاة العثمانيين السابقين على صندوق عين زبيدة، فاستاءت اللجنة وتوقف العمل، ثم تشكلت لجنة جديدة تولى رئاستها عدد من وجهاء مكة، وفي سنة 1327هـ/1909م، تشكلت بمكة المكرمة هيئة جديدة لجمع التبرعات والصرف منها لصالح مشروعات المياه بمكة المكرمة، فاستمرت في أداء عملها إلى أوائل عام 1341هـ/1922م، عندما تم انتخاب أعضاء جدد لهيئة عين زبيدة (10) ، نظرا لوفاة أكثر الأعضاء السابقين، فقامت هذه الهيئة بأعمالها (11) . وبعد أن تمكن الملك عبد العزيز رحمه الله من ضم مكة المكرمة إلى دولته في عام 1343هـ/1924م، ثم جدة في عام 1344هـ/1925م (12) أصبح أمر العناية بالحجاج والزوار وتسهيل مهمتهم من أهم أعماله (13) ، ولهذا وجه اهتمامه منذ السنوات الأولى من حكمه في الحجاز إلى العناية بأمر توفير الماء (14) ، بما يمكن المسلمين من أداء فريضتهم في يسر وسهولة، ويوفر لهم سبل الحياة. قال تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي ((15) .(4/366)
ونظرا لقيام هيئة عين زبيدة بمهمة الإشراف على عمارة وصيانة منشآت المياه بمكة كما سبقت الإشارة إلى ذلك أيد الملك عبد العزيز رحمه الله الهيئة في أعمالها وساعدها أتم مساعدة في جميع ما فيه خدمة وراحة لعموم الأهالي والوافدين وكان إصلاح وعمارة عين عرفة من صميم وأهم أعمالها (16) ، ولم يكتف رحمه الله بذلك بل تقدم بمساعدة الهيئة من ماله الخاص وأمدها برجاله، لتستطيع أداء عملها وتحقق أهدافها (17) . يقول الزركلي "دخل عبد العزيز الحجاز و (عين زبيدة) التي يستقي منها سكان مكة والحجيج، تسقي الناس من اثني عشر موردا وانصرفت العناية إليها فضوعفت مواردها" (18) .
وقال الملك عبد العزيز رحمه الله بعد أن تسلم مدينة جدة في جمادى الآخرة عام 1344هـ/1925م: "إن بلد الله الحرام في إقبال وخير وأمن وراحة، وإنني- إن شاء الله تعالى-سأبذل جهدي فيما يؤمن البلاد المقدسة ويجلب الراحة والاطمئنان لها" (19) . ولاشك أن عنايته بعمارة عين عرفة لتوفير المياه لسكان مكة وحجاج بيت الله الحرام من أهم ما يجلب الراحة للمسلمين، وطريق من طرق الخير لكسب الأجر والثواب عند الله كما يقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها: "أنها قالت: يا رسول الله ما الشيىء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء والملح والنار. قالت: قلت يا رسول الله هذا الماء قد عرفناه فما بال الملح والنار؟ قال: يا حميراء من أعطى ناراً فكأنما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار، ومن أعطى ملحا، فكأنما تصدق بجميع ما طيب ذلك الملح، ومن سقى مسلما شربه من ماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبة، ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث لا يوجد فكأنما أحياها" (20) .
كما روى سعد بن عبادة أنه قال: "يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء" (21) .
2 حاجة العين إلى تتابع أعمال العمارة والصيانة:(4/367)
تصل مياه عين عرفة من منبعها بالعقم في وادي نعمان إلى الأبطح بمكة المكرمة عبر قناة طولها نحو 8, 24كم وهي مبنية بالحجارة بسعة تتراوح بين 50 65 سم وعمق يتراوح بين 70 170سم وفي مواضع أخرى وخاصة في الأماكن التي تختفي فيها عن سطح الأرض بنيت القناة بشكل يمكن الإنسان من السير داخلها لصيانتها وعمارتها. ونظرا لارتفاع موضع منبع العين عن مكة المكرمة؛ استغل ذلك لضمان انسياب المياه طبيعيا، وأدى إلى اتخاذ أساليب معمارية تتفق وطبيعة الأرض؛ منها: بناء القناة على عمق نحو 34م عن سطح الأرض في وادي نعمان وبناؤها متعلقة بسفوح الجبال في مزدلفة وبداية العزيزية بالنسبة للمتجه منها إلى المسجد الحرام (22) .
وبناء على ما سبق تأثرت قناة العين بعدد من العوامل التي أدت إلى انقطاع أو قلة وصول مياه العين إلى بلد الله الحرام وكان ذلك من الدوافع المهمة لإجراء أعمال معمارية أو صيانة للقناة. ويمكن تتبع ذلك كما ورد في تقارير عين زبيدة بصحيفة أم القرى ابتداءا من عام 1353هـ/1935 إلى عام 1359هـ/1941م:-
أإن قناة العين بحاجة مستمرة إلى العناية بتنظيفها؛ لإزالة ما يمنع جريان الماء من الأتربة ورمال تأتي مع الماء من منبع العين، ويلحظ أن كمية الرمال هنا وافرة جدا بحيث أنها تفترش القناة بطول يصل إلى ثلاثة آلاف متر (23) .
ب إن بناء أجزاء من القناة في بطن وادي نعمان، أدى إلى تأثرها بمياه السيول آلتي تعد من العوامل المؤدية إلى دمار القناة أو انسدادها بالأتربة (24) .
ج نتج من بناء القناة وصيانتها قبل العصر السعودي وجود حفرة كبيرة في وادي نعمان طولها 1200م وعرضها ما بين 20 إلى 40م وعمقها من 4 إلى 7م أطلق عليها اسم (الفري) ، وكان ذلك يؤثر بشكل مباشر في انهيار الأتربة على القناة خاصة في موسم الأمطار وجريان السيول؛ مما يؤدي إلى انسداد القناة بالأتربة، ويتوقف جريان المياه إلى بلد الله الحرام (25) .(4/368)
د يتكون من الأتربة المنسابة مع المياه طبقة صلبة في جدران القناة، تعوق حركة جريان المياه؛ مما يستدعي إزالتها باستمرار (26) . (انظر لوحة رقم 8)
هـ كانت تنمو مجموعة من الأشجار حول القناة، مما يؤدي إلى تهدم جدرانها؛ بسبب عروق الأشجار التي تخترقها (27) .
وكانت وظيفة الفتحات الموجودة على القناة تسهيل حصول الناس على المياه، وتتأكد أهميتها في موسم الحج عندما يستقي منها الجم الغفير من الناس، ومع ذلك فقد كان لهذه الفتحات سلبيات تتمثل في أنها معبرا لسقوط الأوساخ والأتربة وغيرها إلى داخل القناة، مما يؤدي إلى انسدادها وفساد الماء (28) . (انظر اللوحات أرقام 7، 9، 10، 11) .
ز نتج عن بناء القناة قبل عهد الملك عبد العزيز وجود مواضع من القناة قد سقفت بخشب العرعر المعرض للتلف بسرعة، مما يؤدي إلى سقوط الأتربة إلى داخل القناة فتسدها، علاوة على بناء القناة بشكل منخفض في بعض المواضع، مما يؤدي إلى تقليل أو توقف جريان المياه في هذه المواضع، ومن ثم تصدع جدرانها وخرابها (29) .
3 التطور العمراني لمكة المكرمة:
... شهدت مكة المكرمة في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله بزوغ عصر جديد من الاستقرار والأمن والرفاه فانعكست أثار ذلك على زيادة اتساع نمو عمران مكة المكرمة؛ لتواكب كثرة سكانها وزيادة عدد النازحين إليها من مختلف البلدان الإسلامية (30) 0 ويعني ذلك بطبيعة الحال الاهتمام بتطوير مصدرها المائي الأساسي (عين عرفة) ليوفر للناس ما يحتاجونه من الماء.
4 زيادة عدد الحجاج:(4/369)
.. أدرك الملك عبد العزيز رحمه الله قبل وصوله إلى مكة المكرمة أن الأمن أهم ما تحتاجه هذه الأرض المقدسة؛ لتسير حياة الناس وفق ما أنزل الله؛ فيأمن كل مسلم فيها على نفسه وماله وعرضه. لأن الأمن دون شك سيؤدي إلى زيادة وفود الحجاج إلى مكة (31) ؛ ولذلك جاء في خطابه الأول قبل دخول مكة قوله: "إني مسافر إلى مكة مهبط الوحي لبسط أحكام الشريعة وتأييدها" (32) ؛ وعلى هذا فقد بذل كل جهده ليحقق هدفه الخير، وبتوفيق الله تمكن من ذلك (33) ؛ فزاد عدد الحجاج، فبينما كان عددهم مائة آلف عام 1343هـ/1924م زاد إلى مائة وخمسين ألف عام 1344هـ/1925م ووصل إلى أكثر من خمسمائة ألف حاج عام 1378هـ/1958م (34) .
... وبناءا على ما سبق فإن الملك عبد العزيز قد أولى عين عرفة عناية كبيرة، ووجه إلى مواصلة العمل في عمارتها وصيانتها؛ ليضمن بمشيئة الله استمرار وزيادة كمية المياه الواصلة إلى هذه العاصمة المقدسة ومشاعرها المقدسة، ويوفر ما يؤمن حياة هذه الأعداد الكبيرة من الحجاج 0 ويؤيد ذلك ما ورد في تقرير يعود إلى عام 1355هـ/1937م يشير إلى أن الملك عبد العزيز بذل النفس والنفيس لعمارة عين عرفة وصيانتها، لتستمر في عطائها، وأشرف بنفسه على مراقبة العمل حتى يسر الله على يده دخول الماء إلى البلد الحرام (35) .
ثالثا: أعمال الملك عبد العزيز لعمارة عين عرفة:
1 بداية اهتمام الملك عبد العزيز بعين عرفة:(4/370)
.. عرفنا فيما سبق أن عين عرفة أهم مورد مائي لسقيا سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، وأن هيئة عين زبيدة تولت الإشراف على جمع الأموال لعمارتها وصيانتها قبل عهد الملك عبد العزيز. وفي يوم 1631344هـ 5 101924م، أثر سيل وادي نعمان على قناة عين عرفة بسدها بالأتربة وخرب ثلاث خرزات (فتحات على القناة للسقيا والصيانة) ، فانقطع الماء عن مكة المكرمة زهاء ثلاثة شهور (36) . ويلحظ أن هذا التاريخ يأتي في العام التالي لضم الملك عبد العزيز مكة المكرمة إلى دولته، ويعاصر جهوده العظيمة في الدفاع عن وحدة أرض شبه الجزيرة العربية (37) 0ورغم مسئولياته العظيمة، فإنه اتخذ عددا من الإجراءات التي يسرت بتوفيق الله تعمير ما تخرب ووصلت المياه إلى البلد الحرام وسقت عموم الناس في شهر جمادى الآخرة عام 1344هـ/1924م، ويمكن عرض تلك الإجراءات بما يلي (38) :
أطلب أعضاء "هيئة عين زبيدة" وحثهم على بذل الجد والهمة لتعمير ما تخرب من قناة العين، وفتح لهم صدره الرحب وأمرهم بإجراء العمل.
ب عندما أخبر أعضاء "هيئة عين زبيدة" الملك عبد العزيز بعدم وجود نقود في صندوق العين للقيام بهذا العمل أمر رحمه الله الشيخ عبد الله الدهلوي وأخاه عبيد الله الدهلوي بدفع جميع ما يلزم من المصاريف على حسابه الخاص وبلغ ذلك 2023 جنيها إنجليزيا.
ج أمر بمباشرة تعمير الآبار الموجودة في داخل البلدة وخارجها؛ لمساعدة الأهالي والمجاورين في الحصول على الماء؛ ليكون ذلك مصدرا آخر يؤمن الحياة لسكان بلد الله الحرام.(4/371)
د وجه مائة وخمسين من جنده إلى المشاركة في أعمال العمارة والصيانة، ليتم إيصال الماء إلى مكة في أقرب وقت، ودفع لكل فرد منهم من ماله الخاص ريالا مجيديا واحداً عن كل يوم طيلة مدة التعمير؛ تنشيطا لهمته وتقديرا لعمله، علاوة على صرفه الأرزاق لهم على حسابه الخاص أيضا، وقد بلغ ذلك ضعف ما تبرع به نقداً لصندوق "هيئة عين زبيدة"0 ولم يتوقف الملك عبد العزيز عند هذا الحد في هذه المرحلة المبكرة من حكمه لمكة المكرمة؛ بل واصل تشجيعه ودعمه لهيئة عين زبيدة فقامت في أوائل عام 1345هـ/1926م في توجيه العمال وتوفير مواد البناء والمؤن (يطلق عليها اسم الصرفات) إلى وادي نعمان لعمارة وتنظيف قناة عين عرفة وبناء الخرزات المحتاجة إلى ذلك، وتم لهم بناء خرزتين بالأحجار والنورة بعمق 30م عن مستوى سطح الأرض، وذلك للوصول إلى موضع القناة، كما أتموا بناء خرزتين آخرين سبق العمل فيهما سنة 1344هـ/1924م، وعملوا كل ما في وسعهم للحفاظ عليهما من تأثير السيول، وتمخض عن ذلك إقامة بناء حولهما، لتوجيه مياه السيل بعيدا عن القناة، ومنع وصوله إلى القناة كي لا يسدها كما حدث معهم في التجارب السابقة (39) .
2 صيانة القناة وتنظيفها:(4/372)
.. سبقت الإشارة إلى تأثير السيول وغيرها على قناة عين عرفة؛ مما يتطلب تنظيفها لإزالة ما يمنع جريان الماء وعلى هذا فقد تتابعت الأعمال في عهد الملك عبد العزيز الذي بذل جهدا كبيرا ليحقق استمرار وصول المياه إلى البلد الحرام؛ ففي عام 1350هـ/1931م تم الكشف على القناة بالقرب من منبعها بالعقم، فوجدوا عددا من الصخور قد سقطت داخل القناة، وأدت إلى منع جريان المياه، فأزالوا الصخور، فانساب الماء طبيعيا (40) . ويظهر أن كمية المياه الواصلة إلى مكة قد قلت في سنة 1353هـ/1935م، فوجهوا الفنيين إلى الكشف على قناة عين عرفة، فوجدوا بها كمية من الأتربة، فعملوا على إزالتها ابتداءا من منبعها بالعقم وحتى عرفة ثم استكملوا عملهم إلى أن وصلوا إلى مكة المكرمة (41) .(4/373)
.. وفي سنة 1354هـ/1936م وسنة 1355هـ/1937م جرت محاولات عديدة لتنظيف مجرى الماء في المنطقة الممتدة من العزيزية بجوار حديقة الطفل – الآن – إلى الششة، حيث أن هذه المنطقة كانت في السابق جبلا فتم قطعه بعمق من 25 29م (42) سنة 979هـ/1571م، وذلك لبناء القناة وضمان إنسياب مياه عين عرفة إلى مكة طبيعيا (43) . ونتج عن ذلك تأثر قطع من الجبل فتسقط على مسار القناة وتعوق حركة المياه؛ مما يتطلب إزالتها كلما استدعى الأمر ذلك، كما تم في سنة 1355هـ/1937م تنظيف القناة وإزالة ما بها من عوائق تحول دون سير الماء (44) . وتابعت هيئة عين زبيدة أعمالها في تنظيف القناة في سنتي 1356هـ/1938م، 1357هـ/1939م واستطاعت إزالة الأتربة والأوساخ وغيرها المتخلفة من سقيا الحجاج المباشر من فتحات القناة، كما تابعت أعمالها في إزالة الصخور المتساقطة على القناة في المنطقة الممتدة من العزيزية إلى الششة حيث وجدت الهيئة الكثير من الصخور المتساقطة على القناة أسفل بازان القاضي بالششة وكانت أحجام الصخور كبيرة يصعب رفعها مباشرة؛ مما تطلب وقتا لتكسيرها إلى قطع صغيرة ليسهل رفعها وحملها إلى خارج القناة، ثم وجهت الهيئة جهدها إلى تفقد قسم من القناة شمال عرفة، فوجدت أن بناء القناة يقع تحت مستوى سطح الأرض بثلاثة أمتار، وظهر لها فيه وجود طبقة متحجرة داخل القناة؛ تكونت من نفاذ الأتربة إلى القناة، واختلاطها بالمياه، فتم توجيه عمال مهرة لهذا العمل، ليتمكنوا من إزالة العوائق المتحجرة دون تأثر بناء القناة، وتم لهم ذلك بطول 350م من القناة، كما قاموا بقطع أشجار السلم والحرمل المحيطة ببناء القناة، لإبعاد خطر نفاذ جذورها إلى داخل القناة (45) .(4/374)
.. وفي سنة 1358هـ/1940م بادرت "هيئة عين زبيدة" بعد مغادرة الحجاج مكة المكرمة إلى بلادهم، بتوجيه العمال والمعلمين إلى منطقة الكسار في أعلى عرفة، وأمدتهم بالآلات وكل ما يحتاجونه لصيانة القناة، فأزالوا ما سقط فيها من الأوساخ والأتربة وغيرها؛ مما تخلف من آثار سقيا الجم الغفير من الناس في أيام الحج، واستمر العمال في عملهم من ذلك الموضع إلى مكة، وقاموا بمهمتهم خير قيام؛ فأصبح الماء نقيا خاليا من الأوساخ والعكار واستكملوا عملهم بإزالة طبقة متصلبة داخل القناة بطول 480م بالقرب من عرفة، ثم أزالوا أشجار الشوك والحرمل المنتشرة بشكل كبير على جانبي القناة، ونفذت جذورها إلى داخل القناة وكادت تؤدي إلى خرابها (46) .
... وقد استمرت أعمال صيانة ونظافة قناة عين عرفة طيلة عهد الملك عبد العزيز (ت1373هـ/1953م) ، حيث قامت أعمال كبيرة لتنظيف القناة في وادي نعمان حتى فاض الماء بمكة سنة 1371هـ/1952م (47) .
... وبناءا على ما سبق نرى أن الله سبحانه وتعالى قد وفق الملك عبد العزيز إلى دعم ومتابعة أعمال هيئة عين زبيدة، لأداء أعمالها في صيانة ونظافة القناة؛ فاستمرت العين في عطائها لسقيا سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام وكان ذلك ثمرة تواصل الأعمال وبذل الجهود وإخلاص النية.
3 ترميم وبناء الخرزات وأجزاء من القناة:
... تعددت أعمال الترميم والبناء في قناة عين عرفة وخرزاتها في عصر الملك عبد العزيز، وقد نشرت تقارير عن تلك الأعمال في سنين مختلفة بصحيفة أم القرى؛ وهو ما لم نعثر عليه في المصادر والمراجع المتوفرة على حد علمنا؛ وبناءً على ذلك سنعرض تلك الأعمال وفق تسلسلها التاريخي، ثم نتبعها بما عثرنا عليه من أدلة مادية تجلي لنا حقيقة تلك الأعمال وتقدم لنا صورة عن طراز عمارتها في عهد الملك عبد العزيز.
أعمال الترميم والبناء:
* الأعمال في سنة 1350هـ/1931م: (48) .(4/375)
أتم بناء خرزات في وادي نعمان باستخدام الأحجار والنورة، وكان ذلك بعمق 35م من مستوى سطح الأرض إلى ظهر القناة.
ب تم إعادة عمارة جانب من القناة بطول 70 م في المنطقة الواقعة بين عرفة ومزدلفة.
ج تواصلت الأعمال لإنشاء قناة جديدة بطول 50م بدلا من القناة القديمة بمنطقة دقم الوبر (الواقعة بعد المزدلفة للمتجه إلى مكة) واستمر العمل في تجصيص القناة على مدار تلك السنة.
* الأعمال في سنة 1351هـ /1933م (49) .
أتم ترميم خمس خرزات بعرفة.
ب تم إنشاء القناة الجديدة بدقم الوبر والتي بدأت أعمال بنائها عام 1350هـ/1931م.
* الأعمال في سنة 1353هـ/1935م: (50) .
أوجه العمال والفنيون للكشف على قناة عين عرفة من وادي نعمان إلى مكة المكرمة، ونتج عن ذلك تحديد منطقة الخلل بطول 200م في وادي نعمان، ولم يتمكن العمال من دخول القناة في ذلك الموضع لامتلائه بالماء وكان سبب ذلك قدم بناء القناة وانخفاضها عن مستوى الأجزاء الأخرى، فأصبحت موضعا لركود المياه وامتلائها بها فأثرت على جانبي القناة، وتسربت المياه إلى الرمال؛ ولذلك رأى الفنيون رفع جانبي القناة حوالي 40 سم لإصلاحها وتسقيفها بمجاديل (طبقات) حجرية مع استخدام النورة في تكوين مادة لصق الأحجار. كما وجدوا جزءا آخر من القناة بطول 152م يتسرب الماء من سقفه، لامتلائه بالماء، وقرروا إصلاحه بالطريقة السابقة نفسها؛ وبناءا على ما سبق شرعوا في أعمالهم وحققوا في إنجازها نجاحا علاوة على متابعتهم لأعمال الترميم في أجزاء أخرى من القناة.(4/376)
ب في تاريخ 22/7/1353هـ/ 3110 1934م، سال وادي نعمان ودهم الموانع الترابية (العقوم) التي كانت موضوعة عند مدخل الفري. الذي كان يحوي عدة خرزات بعضها واهية البنيان؛ فدخل ماء السيل في ثلاث منها وخرب واحدة منها، وأدى بذلك إلى توقف جريان الماء ورجوعه إلى جهة منبع العين، مما أدى إلى حدوث خلل في قسم كبير من القناة بطول 2500م، ومما زاد الوضع سوءا أن المعلمين في المدة السابقة لعهد الملك عبد العزيز عمدوا لأسباب قاهرة إلى تسقيف سطح القناة بعيدان من خشب العرعر بدلا من المجاديل الحجرية، وبتأثر تلك الأخشاب بالمياه ارتفعت العيدان عن مواضعها، فانهالت الأتربة من فوق سطح القناة إلى داخلها وأدت إلى توقف جريان الماء وبسبب ذلك نشطت هيئة عين زبيدة وبذلت قصارى جهدها لمواجهة الموقف وقامت بإجراء الأعمال التالية:
أخرجت عدة صرفات كل منها مؤلف من عدد من المعلمين والعمال وزودتهم بما يلزم من الأدوات لتبريح القناة من الأتربة التي دخلت مع ماء السيل وسببت منع وصول الماء إلى بلد الله الحرام.
إخراج عيدان العرعر التي بداخل القناة، وتسقيفها بقوالب من الأسمنت القوي، ليؤدي وظيفة المجاديل (الطبقان) الحجرية، ويحول دون سقوط الأتربة في القناة.
تم دفن الفري الكبير وتسويته بمتسوى الأرض من جانبيه كي لا يجتمع فيه الماء، فيؤدي إلى تكرار ما حدث.
تم رفع جدران 34 خرزة وتجصيصها من الداخل والخارج؛ لتأمينها من خطر مياه السيول بباطن الفري بوادي نعمان.
... وبذلك تم إصلاح ما خربه السيل، ووضعت الحلول لمنع تكرار ما حدث، ووصل الماء إلى البلد الحرام بشكل أفضل مما سبق، كما تم في هذا العام أيضا ترميم قناة الماء عند جبل الرحمة؛ لتأمين المياه للحجاج أثناء وقوفهم بعرفة.
* الأعمال في سنة 1354هـ / 1936م: (51) .
أمتابعة أعمال إبدال أخشاب العرعر بقوالب إسمنتية في تسقيف القناة.(4/377)
ب توجيه المعلمين والعمال إلى مواقع بين عرفة ومزدلفة؛ لترميم القناة ورفع جانبيها بطول 110 م مع تجصيصها بالنورة.
ج – تعمير الخرزات الواقعة بين العزيزية والششة.
* الأعمال في سنة 1355هـ/ 1937م: (52) .
أتم دفن الفرى، وبذلك زال خطر تجمع مياه السيول وتأثيرها على القناة في وادي نعمان.
ب ترتب على وجود فتحات السقيا فوق النقاة، سلبيات خطيرة كسقوط إنسان، أو حيوان إلى داخل القناة وتلويث مياهها، أو سقوط مواد مانعة لجريان الماء، فتم البدء بسد تلك الفتحات بعرفة وإنشاء حنفيات لتكون موردا بديلا للسقيا.
ج نتج من تواصل أعمال نظافة القناة وصيانتها وبنائها؛ زيادة كمية مياه العين المتدفقة عبر القناة، فظهرت الحاجة إلى رفع جانبي القناة للمحافظة على كمية المياه الزائدة، ومنع تسربها وتأثيرها على البناء؛ وعلى هذا بدأت الأعمال المعمارية للمحافظة على البناء وتعليته في عدد من المواقع، وساروا على قاعدة تقديم الأهم على المهم وشمل العمل ما يلي:
186م من القناة في الموقع المعروف بالمعترضة. (بالقرب من منبع العين)
80م من القناة في العابدية.
264م من القناة في دقم الوبر.
69 من القناة في المفجر.
إنشاء قناة جديدة بدقم الوبر بطول 55م واستخدام القناة السابقة دعامة للجديدة.
* الأعمال في سنتي 1356هـ / 1938 /، (53) . 1357هـ/1939م:
أاستعجال سد فتحات السقيا على القناة، وإنشاء حنفيات جديدة لسقيا الناس.
ب استكمال أعمال تعلية جانبي القناة؛ لتتفق مع كمية المياه الزائدة عما سبق.
* الأعمال في سنة 1358هـ/1940م: (54) .(4/378)
أنتج من اهتمام الملك عبد العزيز المباشر بعين عرفة، قيام هيئة عين زبيدة، بإجراء أعمال مستمرة لتنظيف القناة وصيانتها، واتباع طرق جيدة للإفادة من مياه الأمطار والسيول التي تجري في وادي نعمان، فزادت كمية المياه بشكل كبير عما سبق، مما جعل القناة غير قادرة لاستيعاب هذه الكميات الكبيرة من المياه، فاتجه العمل إلى تعلية جانبي القناة بالبناء فوقه مقدار متر في بعض المواضع، وثلاثة أرباع المتر في مواضع أخرى، مما مكن الهيئة من إنجاز أعمالها في عدد من المواقع.
ب بناء ثماني خرزات على ظهر القناة في منطقة الششة، ليمكن النزول إلى أسفل القناة فتسهل صيانتها وترميمها.
ج رفع رقبة خرزة ببطن بازان القاضي بالششة.
* الأعمال في سنة 1360هـ/1941م: (55) .
قامت أعمال معمارية لإصلاح قناة عين عرفة؛ فأسفرت عن وصول ماء العين بعد انقطاعها عن بلد الله الحرام واستبشر السكان بذلك.
* الأعمال في سنة 1368هـ / 1948م: (56) .
بناءا على الأعمال السابقة وخطة إعمار قناة عين عرفة وصيانتها؛ فقد زادت كميات المياه الواصلة إلى مكة عن العصور السابقة؛ مما مكن القائمين على الإفادة منها، وخاصة في عام 1368هـ/1948م، حيث وضعت الخطوات التالية:
أتعميم المياه في المواقع التي جد العمران بها كالعتيبية والطندباوي وجرول وما جاورها.
ب تأمين زيادة الماء في الجهات التي زاد فيها عدد السكان مثل: سوق الليل وأجياد والمعابدة.
ج الإسراع في إنفاذ أعمال تعلية جانبي قناة عين عرفة بطول 2000م.
د إبقاء القناة مغطاة من وادي نعمان إلى مكة والتوسع في عمل مناهل لسقيا الناس.(4/379)
.. وفي تاريخ 921372هـ / 28 101952م، صدر أمر صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية بتنفيذ المشروعات العمرانية المتعلقة بالحج والحجاج، وكان نصيب عين عرفة منها؛ إنشاء خط مواسير زهر بدلا من القنوات؛ لإيصال مياه عين عرفة إلى مكة، وتعميمها إلى أماكن لم يسبق وصول الماء إليها، واتخاذ التدابير لزيادة كمية الماء وتعميمه في الأماكن التي كان يصل إليها الماء على ضعف فيما سبق (57) .
رابعا: طراز عمارة القناة وخرزاتها:
سبقت الإشارة إلى تنوع الأعمال المعمارية في قناة عين عرفة في عهد الملك عبد العزيز، فشملت بناء الخرزات وتجصيصها من الداخل والخارج، وسد فتحات السقيا على القناة وتعلية جانبيها، وإعادة بناء أجزاء منها. وبالبحث الميداني عن تلك الأعمال، عثرنا على بعض آثارها متمثلة في خرزة في وادي نعمان مؤرخة بعام 1353هـ/1935م (اللوحات أرقام 1، 2، 13، والشكلان رقما 1، 2) ومواضع من الأعمال المعمارية لسد فتحات السقيا على القناة وتعلية جانبيها (اللوحات أرقام 5، 6، 9، 10، 11، 12 وشكل رقم 3) ، ويمكن عرض هذه الأعمال بما يلي:
1 خرزة مؤرخة بعام 1353هـ / 1935م
الموقع: تقع في وادي نعمان على يمين المتجه إلى الطائف، وتبعد عن الجسر المجاور لمركز التفتيش في وادي نعمان بنحو 500م من الجهة الجنوبية الشرقية (لوحة رقم 1، والشكلان رقما 1، 2، وخارطة رقم 1) .
تاريخها: عام 1353هـ كما هو مدون في نقش كتابي على جدار الخرزة من الخارج (58) (اللوحتان رقما 1، 13) .
الوصف المعماري:
تأخذ هذه الخرزة شكلا دائريا محيطه من الخارج 16, 8م وقطرها 60, 2م وسمك جدارها 90سم (اللوحتان رقما 1، 3، والشكلان رقما 1، 2) .(4/380)
ولها فتحة مربعة طول ضلعها 80 سم للنزول إلى أسفل الخرزة عند موضع القناة، بواسطة حفر في جوانب جدار الخرزة. ويقدر عمقها من مستوى سطحها إلى قاعها بأسفل القناة بنحو 29م (لوحة رقم 4) أما ارتفاع جدار الخرزة عن مستوى الأرض الحالية فقد بلغ في المتوسط 80, 1م (لوحة رقم 1، وشكل رقم2) واستخدمت ثلاثة من أحجار البازلت نواتىء في جدار الخرزة من الخارج لاستخدامها سلما للصعود إلى أعلاها (لوحة رقم2) .
وللمحافظة على بناء الخرزة من تأثير مياه السيول المناسبة عبر وادي نعمان، فقد تم تجصيصها من الخارج بشكل تام (اللوحتان رقما 1، 2) أما من الداخل وعلى عمق نحو 70, 1م من مستوى سطح الخرزة فقد تم تجصيص الفراغات بين أحجار البناء (اللوحتان رقما 3، 4) ؛ لتكون عاملا مساعدا في منع تسرب مياه السيول الخارجية إلى داخل الخرزة، مما يؤدي إلى سد القناة بالأتربة.
2 سد فتحات السقيا على القناة وتعلية جانبيها:
يوجد على سطح القناة من الخارج فتحات للاستقاء وتنظيف القناة بعضها يأخذ شكلا مستطيلا طول ضلعه 55 سم أو 60 سم أو 70 سم أو 80 سم، وبعضها يأخذ شكلا مربعا طوله 60 سم وعرضه 50 سم، وتختلف المسافات بين كل فتحة وأخرى، وكان منها ما يتراوح بين 4 إلى 15 م وقد تم سد الفتحات باستخدام مجاديل حجرية وسد الفراغات بينها بأحجار صغيرة ثم غطيت بطبقة من المونة المكونة من خليط النورة بالتراب، لمنع استخدام الفتحات في الاستقاء ومنع تسرب مياه الأمطار والسيول إلى داخل القناة؛ مما نتج عنه المحافظة على حركة انسياب المياه عبر القناة، وذلك بمنع سقوط ما يمنع مرور الماء.(4/381)
.. أما تعلية جانبي القناة فقد سبقت الإشارة إلى أنه نتج من أعمال الصيانة والعمارة لقناة عين عرفة في عهد الملك عبد العزيز؛ زيادة كمية المياه المتدفقة عبر قناتها، مما استدعى تعلية جانبيها لتستوعب كمية المياه الزائدة، وعثرنا في المنطقة الواقعة بين عرفة ومزدلفة على الطريق رقم (4) على آثار تلك الأعمال ظاهرة بارتفاع 60 سم في بعض المواقع (اللوحات أرقام 5، 6، 8، وشكل رقم3) وقد حدد نقش كتابي مؤرخ في 5 8 1355هـ (59) تاريخ تلك الأعمال (اللوحتان رقما 6، 14) .
... وللمحافظة على بناء القناة من الداخل وصيانتها وسهولة إزالة ما قد يسقط إلى داخلها من عوائق، فقد عمد المعمار إلى عمل مصبعات حديدية داخل القناة (لوحة رقم 7) ، كما عمد إلى تجصيصها من الداخل لمنع تسرب المياه إلى الخارج، علاوة على تجصيص سطحها من الخارج؛ لمنع تسرب مياه الأمطار والسيول إلى داخلها؛ مما قد يؤدي إلى خرابها (اللوحتان رقما 5، 7) .
3 المواد المستخدمة وأسلوب البناء:(4/382)
.. استخدمت أحجار البازلت الدبش والمهذبة نصف تهذيب تقريبا وبأحجام مختلفة منها في المتوسط: (40×30×20سم) ، (35×15×10سم) ، (50×10×17سم) ، (20×13×9) في بناء الخرزة وتعلية جانبي القناة والملاحظ أن هذا النوع من الأحجار يستخرج من كافة جبال مكة المكرمة (لوحة رقم 3، 4، 5، 8، 9، 10) كما استخدمت النورة في تكوين خليط المونة للصق أحجار البناء وتجصيصه، فجاء سمك جدار الخرزة 90 سم، وسمك جدار القناة 30 سم وسعتها 60سم (اللوحات أرقام 2، 3، 5، 7، 8) وبمقارنة ذلك بطراز عمارة قناة عين عرفة في العصر العثماني (60) نجد أن المعمار في عهد الملك عبد العزيز عمد إلى بناء الخرزة وتعلية جانبي القناة وفق طراز سبق استخدامه وهذا يؤكد حرص المعمار في العصر السعودي على الإفادة من الخبرات السابقة والمتفقة مع معطيات البيئة المحلية وإمكانات ذلك العصر، علاوة على أن المدة بين نهاية عصر العثمانيين في مكة وبداية حكم الملك عبد العزيز لها مدة قصيرة تقدر بحوالي تسع سنوات (61) ؛ مما يعني التأثر بالأساليب المعمارية السابقة لعهد الملك عبد العزيز إضافة إلى أن من المحتمل اشتراك معماريين في الأعمال المعمارية للقناة في العصر العثماني وعهد الملك عبد العزيز.
خامسا: نقشان كتابيان يؤرخان لأعمال الملك عبد العزيز في عين عرفة:
النقش الأول: (لوحة رقم 13)
الموقع: يقع على الجدار الخارجي لخرزة في وادي نعمان تقع على يمين المتجه إلى الطائف، وتبعد عن الجسر المجاور لمركز التفتيش في وادي نعمان بنحو 500م من الجهة الجنوبية الشرقية.
موضوعه: نص لعمارة خرزة على قناة عين عرفة.
خطه: نسخ نفذ بطريةق الحفر البسيط.
تاريخه: 1353هـ.
مادته: حجر بازلت.
نصه:
السطر الأول: بسم الله ماشاء الله
السطر الثاني: لاإله إلا الله.
السطر الثالث: محمد رسول الله سنة
السطر الرابع: 1353هـ.
النقش الثاني: ... (لوحة رقم 14) .(4/383)
الموقع: يقع على الجدار الخارجي لقناة عين عرفة في المنطقة بين عرفة ومزدلفة.
موضوعه: نص لعمارة قناة عين عرفة.
خطه: نسخ نفذ بطريقة الحفر الغائر.
تاريخه: 5/8/1355هـ.
عدد اسطره: 3.
أبعاده: يأخذ شكلا نصف دائري تقريبا قطره حوالي 37سم.
مادته: حجر بازلت.
السطر الأول: تعميرات.
السطر الثاني: عين زبيدة.
السطر الثالث: 5/8/1355هـ.
ملحوظات فنية:
نفذت أحرف هذين النقشين وأرقامهما بطريقة الحفر البسيط جدا في النقش الأول والحفر الغائر في المتوسط من 1 إلى 3 ملم في النقش الثاني على حجر بازلت. ويعد الخط في هذين النقشين ضعيف جدا، لعدم التزام كاتبه بقواعد كتابة الخط وموازينه والنسب الجمالية لكتابة الحروف، مما يشير إلى عدم إلمامه بأصول الخط، ويؤيد ذلك كتابة بعض الحروف دون الالتزام بمنهج محدد، فحرف الراء في كلمة تعميرات في النقش الثاني ناقصا، ونقش حرف الياء في هذه الكلمة أيضا بأسلوب الرقعة والنسخ في آن واحد، فرسم الحرف رقعة بقطتيه نسخا0 ومما يظهر ضعف الخط في هذين النقشين مقارنة ذلك بنصوص نقشت في عهد الملك عبد العزيز، وقدم فيها الخطاط أو النقاش أسلوبا رفيعا يظهر مدى تمكنه من قواعد الخط (62) وموازينه. ومن المحتمل أن النقاش الذي عهد إلى تسجيل تاريخ الأعمال في هذين النقشين عمد إلى نقش الكلمات مباشرة دون محاولة رسم الحروف على الحجر قبل نقشها، علاوة على عدم إلمامه بقواعد الخط وعدم اهتمامه بكتابة صيغة العبارات بشكل جيد كما هو الحال في النصوص التي نقشت في عهد الملك عبد العزيز وهذا يجعلنا نرجح أن هدفه فقط تسجيل تاريخ العمل دون الاهتمام بمستوى الخط أو صيغة العبارات، فجاء مستوى الخط ضعيفا جدا في هذين النقشين.
• • •
الخاتمة:
أتضح من دراستنا لجهود الملك عبد العزيز في عمارة عين عرفة ما يلي:(4/384)
أولا: احتلت عين عرفة أهمية كبيرة في سقيا سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام في عهد الملك عبد العزيز لتوقف وصول مياه عين حنين باستثناء جزء يسير كان يأتي من أحد روافد قناتها.
ثانيا: نظرا لقيام السيدة زبيدة بإجراء عين حنين إلى مكة؛ فإن تسمية عين عرفة "بعين زبيدة" كما ورد في المصادر المتأخرة قد يؤدي إلى التباس المعلومات بشأنها؛ مما يجعلنا نرجح التسمية الأولى "عين عرفة" التى وردت في المصادر والنقوش الكتابية والوثائق.
ثالثا: أولى الملك عبد العزيز "عين عرفة" اهتماما كبيرا فأمر بصيانتها وعمارتها؛ ليوفر الماء لسكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، وكان دافعه في ذلك عنايته بالسكان والحجاج والزوار، وكسب الأجر والثواب من الله علاوة على زيادة عدد سكان مكة وحجاج بيت الله الحرام، وحاجة القناة إلى أعمال الصيانة والعمارة.
رابعا: أكدت الدراسة اهتمام الملك عبد العزيز بتوفير المياه لعموم المسلمين في مكة المكرمة منذ السنوات الأولى من حكمه لها ونظرا لعدم توفر النقود في صندوق العين، فقد أمر بإصلاح قناة العين على حسابه الخاص، وكلفه ذلك مبلغ 2023 جنيها إنجليزياً في عام 1344هـ / 1924م.
خامسا: نتج من الاهتمام بصيانة وعمارة قناة عين عرفة في عهد الملك عبد العزيز زيادة كمية المياه الواصلة إلى مكة عبر هذه القناة، مما تطلب تعلية جانبيها لتستوعب كمية المياه الزائدة، ولا تزال آثار تلك الأعمال باقية إلى الآن (1419هـ / 1999م)
سادسا: نظرا لسلبيات فتحات السقيا على القناة، والمتمثلة في سقوط الناس أو الحيوانات أو الأدوات إلى داخل القناة؛ مما يعيق حركة مرور المياه، فقد تم سد تلك الفتحات؛ من أجل الحفاظ على بناء القناة وعدم تعرض مياهها للتلوث.(4/385)
سابعا: عثرنا من خلال البحث الميداني على أدلة مادية لأعمال الملك عبد العزيز في عمارة عين عرفة؛ متمثلة في خرزة (فتحة للسقيا والصيانة على ظهر القناة) على قناة عين عرفة في وادي نعمان مؤرخة بعام 1353هـ، علاوة على وجود آثار تعلية جانبي القناة في المنطقة بين عرفة ومزدلفة وبها نقش كتابي يؤرخ لتلك الأعمال في 5/8/1355هـ.
ثامنا: استخدم المعمار في عهد الملك عبد العزيز موادا محلية كأحجار البازلت والنورة لبناء الخرزة وتعلية جانبي القناة، وجاء بناءه في ذلك متفقا مع طراز العمارة الذي كان سائدا قبل عهده؛ مما يحتمل معه مشاركة معماريين في الأعمال المعمارية للقناة خلال العصر العثماني وعهد الملك عبد العزيز.
تاسعا: من المحتمل أن النقاش الذي عمد إلى تسجيل تاريخ أعمال عمارة عين عرفة في النقشين، عمد إلى نقش الكلمات مباشرة دون محاولة رسم الحروف على الحجر قبل نقشها، ولم يكن ملما بقواعد كتابة الخط وموازينه إضافة إلى عدم اهتمامه بكتابة صيغة العبارات بشكل جيد كما هو الحال في نقوش مماثلة ترجع لأعمال أخرى في عهد الملك عبد العزيز، وكان هدف النقاش تسجيل تاريخ العمل فقط دون الاهتمام بمستوى الخط أو صيغة العبارات؛ فجاء الخط دون المستوى المطلوب.
الحواشي والتعليقات
غباشي، عادل بن محمد نور، "المنشآت المائية لخدمة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة في العصر العثماني دراسة حضارية" رسالة دكتوراه غير منشورة (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1410هـ/1990م) ص ص 74، 75، 80،150، 153، 154، 158.
الكردي، محمد طاهر، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة 1412هـ/ 1992م) ج6 ص ص 94، 95.(4/386)
الفاسي، أبو الطيب تقي الدين محمد بن أحمد، العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، تحقيق فؤاد سير، ط2 (بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، 1406هـ /1986م) ج3 ص ص 324، 325، العصامي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، (المطبعة السلفية ومكتبتها، د. ت) ج4 ص 85، الطبري، علي بن عبد القادر، الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء، تحقيق أشرف أحمد الجمال ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ /1996م) ص83، الفعر، محمد بن فهد بن عبد الله، تطور الكتابات والنقوش في الحجاز منذ فجر الإسلام حتى منتصف القرن السابع الهجري، ط1 (جدة: تهامة للنشر، 1405هـ/1984م) ص ص 304، 314، 316.
النهروالي، محمد بن أحمد بن محمد، كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، تحقيق هشام عبد العزيز عطا، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ/1996م) ص342. الفعر، محمد بن فهد بن عبد الله، "الكتابات والنقوش في الحجاز في العصرين المملوكي والعثماني. من القرن الثامن الهجري حتى القرن الثاني عشر الهجري" رسالة دكتوراه غير منشورة (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1406هـ/1986م) ص ص 431 441.
غباشي، المنشآت المائية، ملحق الوثائق ص ص 7، 9، 13، 51.
الزواوي، السيد عبد الله بن محمد بن صالح، بغية الراغبين وقرة عين أهل البلد الأمين فيما يتعلق بعين الجوهرة السيدة زبيدة أم الأمين، ط1 (المطبعة الخيرية، 1330هـ) ص7.
قلندر، عبد القادر ملا، الخلاصة المفيدة لأحوال عين زبيدة، (مكة المكرمة: مطبعة أم القرى، 1346هـ 1927م) ص11.
صحيفة أم القرى، عدد 367 السنة 8، تاريخ 15/8/1350هـ/ 25 12 1931م.
الزواوي، بغية الراغبين ص24، رفعت، إبراهيم، مرآة الحرمين والرحلات الحجازية والحج ومشاعره الدينية (بيروت: دار المعرفة، د. ت) ج1 ص 222.(4/387)
الكردي، التاريخ القويم، ج6 ص 77.
قلندر، الخلاصة المفيدة، ص ص 9 11.
السباعي، أحمد، تاريخ مكة، ط6 (مكة المكرمة: مطبوعات نادي مكة الثقافي الأدبي، 1404هـ/1984م) ص ص 640، 658.
الزركلي، خير الدين، الوجير في سيرة الملك عبد العزيز، ط3 (بيروت: دار العلم للملايين، 1977م) ص355
الزركلي، الوجير، ص ص 149، 150.
القرآن الكريم، سورة الأنبياء، آية رقم 30.
قلندر، الخلاصة المفيدة، ص ص 10، 11.
الكردي، التاريخ القويم، ج 6 ص 87.
الزركلي، الوجيز، ص 238.
الزركلي، الوجيز، ص ص 88، 89.
ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، حقق نصوصه ورقم كتبه وأحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي (القاهرة: دار الحديث، د. ت) ج2 ص ص 826، 827.
ابن ماجه، سنن، ج 2 ص 1214.
غباشي، المنشآت المائية، ص ص 349 365.
صحيفة أم القرى، عدد 635، تاريخ 23/11/1355هـ/ 5 2 1937م.
صحيفة أم القرى، عدد 535، تاريخ 3/12/1353هـ 8/3/1935م.
صحيفة أم القرى، عدد 535، تاريخ 1353هـ.
صحيفة أم القرى عدد 801، تاريخ 1831359هـ/ 264/1940م. .
صحيفة أم القرى، عدد 801، تاريخ 1359هـ.
صحيفة أم القرى، عدد 635، تاريخ 1355هـ.
صحيفة أم القرى، عدد 535، تاريخ 1353هـ.
الكردي، التاريخ القويم، ج5 ص ص 317، 416، 417، الزهراني، ضيف الله بن يحي وعادل بن محمد نور غباشي، تاريخ مكة التجاري، ط1 (مكة المكرمة: الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة، 1418هـ/1998م) ص ص 52 56.
عسه، أحمد، معجزة فوق الرمال، ط3 (د. ن، 1391 1392هـ / 1971 / 1972م)
ص ص 91، 95، 96، 101، 102، 104.
الزركلي، خير الدين، شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، ط2 (بيروت: دار العلم للملايين، 1397هـ 1977م) ج1 ص 335.
الفوزان، إبراهيم فوزان، إقليم الحجاز وعوامل نهضته الحديثة، (الرياض، د. ن، 1401/1980م) ص97.(4/388)
الكردي، محمد طاهر، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة 1385هـ/1965م) ج2 ص ص 187، 190.
صحيفة أم القرى، عدد 636، تاريخ 1 12 1355هـ / 1221937م.
قلندر، الخلاصة المفيدة، ص 11، الكردي، التاريخ القويم، ج6 ص87.
الزركلي، الوجيز، ص ص 85 90.
قلندر، الخلاصة المفيدة، ص ص 11 12، الكردي، التاريخ القويم، ج6 ص 87.
قلندر، الخلاصة المفيدة، ص 12.
صحيفة أم القرى، عدد 367، تاريخ 1350هـ.
صحيفة أم القرى، عدد 535، تاريخ 1353هـ.
صحيفة أم القرى، عدد 587، تاريخ 11 12 1354هـ / 63 1936م.
غباشي، المنشآت المائية، ص ص 150 158.
صحيفة أم القرى، عدد 636، تاريخ 1355هـ.
صحيفة أم القرى، عدد 737، تاريخ 712 1357هـ / 27 1 1939م، عدد 738، تاريخ 14 12 1357هـ / 4 2 1939 م.
صحيفة أم القرى، عدد 801، تاريخ 18 3 1359هـ / 26 4 1940م.
صحيفة أم القرى، عدد 1426، تاريخ 1121371هـ / 20 8 1952م.
صحيفة أم القرى، عدد 367، تاريخ 1350هـ.
صحيفة أم القرى، عدد 428، تاريخ 29 10 1351هـ / 242 1933م.
صحيفة أم القرى، عدد 535، تاريخ 1353هـ.
صحيفة أم القرى، عدد 586، تاريخ 5 12 1354هـ/ 28 2 1936م، عدد587، تاريخ 1354هـ
صحيفة أم القرى، عدد 635، تاريخ 1355هـ، 636، تاريخ 1355هـ.
صحيفة أم القرى، عدد 687، تاريخ 4 12 1356هـ / 4 2 1937، عدد 2737، تاريخ 1357هـ
صحيفة أم القرى، عدد 801، تاريخ 1359هـ.
صحيفة أم القرى، عدد 862، تاريخ 3 6 1360هـ / 2761941م.
صحيفة أم القرى، عدد 1234، تاريخ 4 1 1368 هـ / 511 1948م.
صحيفة أم القرى، عدد 1436، تاريخ 12 21372هـ / 31101952م.
عن قراءة هذا النقش انظر مايلي تحت عنوان "نقشان كتابيان يؤرخان لأعمال الملك عبد العزيز في عين عرفة"(4/389)
عن قراءة هذا النقش انظر مايلي تحت عنوان "نقشان كتابيان يؤرخان لأعمال الملك عبد العزيز في عين عرفة".
عن طراز عمارة قناة عين عرفة في العصر العثماني انظر، غباشي، المنشآت المائية، ص ص 355 363
انتهى حكم العثمانيين لمكة المكرمة بقيام ثورة الشريف الحسين بن علي أمير مكة على جنود العثمانيين فيها عام 1334هـ / 1916م، واستمر في حكمه لها إلى عام 1343هـ/1924م. السباعي، تاريخ مكة، ص ص 606، 607، 640، 641.
غباشي، عادل بن محمد نور، أسبلة الملك عبد العزيز على الطريق بين مكة وجدة، مجلة الدارة، العدد الثالث السنة التاسعة عشرة (ربيع الآخر، جمادي الأولى، جمادي الآخرة 1414هـ) ص ص 213 217، غباشي، عادل بن محمد نور، "نقش كتابي يؤرخ لعمارة بازان، بمكة المكرمة في عصر الملك عبد العزيز "، مجلة الدارة، العدد الأول، السنة الحادية والعشرون (شوال، ذو القعدة، ذو الحجة 1415هـ) ص ص 111 113.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجة، حقق نصوصه ورقم كتبه وأحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي (القاهرة: دار الحديث، د. ت) .
رفعت، إبراهيم، مرآة الحرمين والرحلات الحجازية والحج ومشاعره الدينية (بيروت: دار المعرفة، د. ت) .
الزركلي، خير الدين،شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، ط2 (بيروت، دار العلم للملايين، 1397هـ 1977م) .
- الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، ط3 (بيروت: دار العلم للملاييين، 1977م) .
الزهراني، ضيف الله بن يحي وعادل بن محمد نور غباشي، تاريخ مكة التجاري، ط1 (مكة المكرمة: الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة، 1418/1998م) .
الزواوي، السيد عبد الله بن محمد بن صالح، بغية الراغبين وقرة عين أهل البلد الأمين فيما يتعلق بعين الجوهرة السيدة زبيدة أم الأمين، ط1 (المطبعة الخيرية، 1330هـ) .(4/390)
السباعي، أحمد، تاريخ مكة، ط6 (مكة المكرمة: مطبوعات نادي مكة الثقافي الأدبي، 1404هـ/1984م) .
الطبري، علي بن عبد القادر، الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء، تحقيق أشرف أحمد الجمال، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ/ 1996م) .
عسه، أحمد، معجزة فوق الرمال، ط3 (د. ن، 1391 1392هـ / 1971 1972م) .
العصامي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، (المطبعة السلفية ومكتبتها، د. ت) .
غباشي، عادل بن محمد نور، "أسبلة الملك عبد العزيز على الطريق بين مكة وجدة "، مجلة الدارة، العدد الثالث، السنة التاسعة عشرة (ربيع الآخر، جمادي الأولى، جمادى الآخرة 1414هـ) .
- "المنشآت المائية لخدمة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة في العصر العثماني، دراسة حضارية "، رسالة دكتوراة غير منشورة (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1410هـ /1990م) .
- "نقش كتابي " مؤرخ لعمارة بازان بمكة المكرمة في عصر الملك عبد العزيز" العدد الأول، السنة الحادية والعشرون (شوال، ذو القعدة، ذو الحجة 1415هـ)
الفاسي، أبو الطيب تقي الدين محمد بن أحمد، العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، تحقيق فؤاد سير، ط2 (بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، 1406هـ / 1986م) .
الفعر، محمد بن فهد بن عبد الله، "الكتابات والنقوش في الحجاز في العصرين المملوكي والعثماني. من القرن الثامن الهجري حتى القرن الثاني عشر الهجري " رسالة دكتوراة غير منشورة (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1406هـ 1986م) .
- الكتابات والنقوش في الحجاز منذ فجر الإسلام حتى منتصف القرن السابع الهجري، ط1 (جدة: تهامة للنشر، 1405هـ 1984م) .
الفوزان، إبراهيم فوزان، إقليم الحجاز وعوامل نهضته الحديثة، (الرياض: د. ن، 1401هـ / 1980م) .(4/391)
قلندر، عبد القادر ملا، الخلاصة المفيدة لأحوال عين زبيدة، (مكة المكرمة: مطبعة أم القرى، 1346هـ 1927م)
الكردي، محمد طاهر، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة من ج 1 إلى ج 4، 1385هـ، 1965م، ومن ج 5 إلى ج 6، 1412هـ / 1992م) .
النهروالي، محمد بن أحمد بن محمد، كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، تحقيق هشام عبد العزيز عطا، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية 1416هـ /1996م) .
صحيفة أم القرى: عدد: 367، تاريخ 15 8 1350هـ /25121931م.
- عدد: 428، تاريخ 29101351هـ / 2421933م.
- عدد: 535، تاريخ 3 121353هـ / 8 31935م.
- عدد: 586، تاريخ 5121354هـ / 2821936م.
- عدد: 587، تاريخ 11121354هـ / 631936م.
- عدد: 635، تاريخ 23111355هـ / 521937م.
- عدد: 636، تاريخ 1121355هـ / 1221937م.
- عدد: 687، تاريخ 4 121356هـ /421937م.
- عدد: 737، تاريخ 7121357هـ / 2711939م.
- عدد: 738، تاريخ 14121357هـ / 421939م.
- عدد: 801، تاريخ 1831359هـ / 2641940م.
- عدد: 862، تاريخ 361360هـ /276/1941م.
- عدد: 1234، تاريخ 411368هـ / 5111948م.
- عدد: 1436، تاريخ 1221372هـ / 5111948م.(4/392)
خَلَلُ الأُصُولِ
فِي مُعْجَمِ الجَمْهَرَة
د. عبد الرّزّاق بن فرّاج الصّاعديّ
الأستاذ المشارك بقسم اللغويات - كلية اللغة العربية
الجامعة الإسلامية بالمدينة
ملخص البحث
يُعَدُّ معجم ((الجمهرة)) لابن دريد (ت321هـ) من المعاجم الّلغويّة العربيّة القديمة الّتي خَطَتْ بالصّنعة المعجميّة خطوات موفقة إلى الأمام، ولكنه لم يسلم من بعض المآخذ، كالاضطراب في الأصول الّلغويّة.
... ويحاول هذا البحث الوقوف على خلل الأصول في هذا المعجم من خلال دراسة مستفيضة تأتي على حقيقته وبخاصّة فيما فيه تاء التّأنيث من الثّلاثيّ المُضعّف أو المعتلّ أو من الرّباعيّ، وكذلك ما فيه همزة أو حرف إلحاق أو نون زائدة. وتكشف عن أسباب ذلك الخلل الذي يوشك أن ينحصر في نظرة ابن دريد إلى بعض الحروف كتاء التّأنيث أو الحرف الزّائد اللازم (حرف الإلحاق) أو نظرته إلى صورة الّلفظ أو اضطراب المنهج عنده، بالإضافة إلى اعتماده على الارتجال والإملاء.
• • •
المقدمة:
الحمد لله ربّ العالمين حمداً يُبلِّغ رضاه، ويمتري المزيد من فضله، ويُستوجب به ما أعدّ من الكرامة الجليلة، والنّعمة الجزيلة، في الدّار الّتي هي عُقبى المُتَّقين، وجزاءُ المحسنين. والصّلاة والسّلام على خير البريّة المخصوص بالرّفعة والفضيلة نبيّنا محمّد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد؛ فقد أدّى ظهور معجم ((الجمهرة)) لأبي بكر ابن دريد في مرحلة مبكّرة من تاريخ الصّنعة المعجميّة إلى أن تلقّاه العلماء بالتّرحيب؛ لشهرة مؤلّفه في اللغة، وغزارة محفوظة فيها، ولحاجة العصر إلى معجم جديد، يعضّد معجم ((العين)) ويسدّ ما فيه من نقص، ويتلافى ما فيه من عيوب، ثم تبيّن لبعضهم فيه ما يكدّر الصّفو، فنشأت طائفة تقدح فيه، وتذمّ مؤلّفه، وتتّهمه بالخلط في أصول الألفاظ، لضعفه في التّصريف كما زعموا حتّى وصف عبد القاهر الجرجانيّ تصريف ابن دريد بأنه كتصريف الصِّبيان (1) .(4/393)
وقد حكى أبو حيّان التّوحيديّ عن أبي سعيد السّيرافيّ أنّه قال: ((كان أبو بكر ضعيفاً في التّصريف، والنّحو خاصّة وفي كتاب الجمهرة خللٌ كثير.
[قال التّوحيديّ] : قلنا له: فلو فَصَّلْتَ بالبيان عن هذا الخلل، وفتحتَ لنا باباً من العلم. فقال: نحن إلى سَتْر زلاّت العلماء أحوجُ منّا إلى كشفها ... فلمّا نهضنا من مجلسه قال بعض أصحابنا: قد كان ينبغي أن نقول له: حراسةُ العلم أَوْلى من حراسة العالِم، وفي السّكوت عن أبي بكر إجلال، ولكن خيانة للعلم)) (1) .
وكان أبو عليّ الفارسيّ يعرّض بابن دريد ويَتَنَقَّصُ منه، ويقلّل من علمه بأصول الألفاظ (2) .
وقال ابن جنّيّ: ((وأمّا كتاب الجمهرة ففيه –أيضاً- من اضطراب التّصنيف وفساد التّصريف ما أعذر واضعه فيه لبعده عن معرفة هذا الأمر ... )) (3) .
وقد رأيت في بعض مطالعاتي في ((الجمهرة)) شيئاً مما قيل، فأردت في هذا البحث أن أَتَبَيَّنَ ما جاء في هذا المعجم من خلل في الأصول واضطراب فيها، وأقف عن كَثَبٍ على أنواع ذلك الخلل، وأكشف عن أسبابه، من واقع النّصوص الواردة في أبواب الجمهرة، بعيداً عن العواطف، أو التأثر بأقوال العلماء مدحاً أو قدحاً.(4/394)
وفي إثبات مواضع الخلل في الجمهرة وبيان أنواعها، وكشف أسبابها خدمة للعلم وأهله، وتهذيب لمعجم كبير يُعَدّ من أقدم المصادر اللّغويّة المعتمدة، وليس فيه ضير على ابن دريد، والواجب يقضي بأن نقف موقف العدل من علمائنا ونحسن الظّنّ بهم، ونلتمس لهم الأعذار، ما وجدنا إلى ذلك سبيلا، وأن نقدّر لهم علمهم ونحلّهم منازلهم الّتي استحقّوها، فلا نغلو بإطرائهم، ولا نَحُطّ من أقدارهم، والحقّ أحقّ أن يتبع أين حَلَّ وحيث صقع، كما يقول ابن جنّيّ القائل عن معجمي ((العين)) و ((الجمهرة)) : ((ولو أنّ إنساناً تتبّع كتاب العين، فأصلح ما فيه من الزّيغ والاضطراب لم أُعنّفه في ذلك، ولرأيتُه مصيباً فيه مأجوراً على عمله، وإن وجدت فسحة أصلحت ذلك، وما في كتاب الجمهرة مما سها فيه مصنّفه رحمه الله)) (1) .
ولكنَّ المصادرَ لم تذكر أنّ ابن جني وَفَى بما وعد به، فلعلّه لم يجد الفسحة المطلوبة لإنجاز مثل ذلك العمل العلميّ.
أمّا أنا فلم أجد فيمن كتب عن ابن دريد قديماً وحديثاً من بحث في هذه المسألة بحث تفصيل، وإنما وجدتهم يشيرون إلى شيء من اضطرابه وخلله في الأصول، ويذكرون المثال أو المثالين، وينقل اللاّحق منهم عن السّابق.
نعم، وقد اخترت عنوانا لهذا البحث، وهو ((خلل الأصول في معجم الجمهرة)) وهذا يعني أنني تركت مآخذ أخرى أُخِذَت على ابن دريد في الجمهرة، كاتّهامه بافتعال العربيّة، والتّصحيف والتّحريف ونحو ذلك، ولذا جاء البحث وَفْقَ الخطّة التّالية:
المقدّمة
الفصل الأوّل: الجمهرة في مرآة النّقد.
المبحث الأوّل: ابن دريد والجمهرة.
المبحث الثّاني: موقف العلماء من صاحب الجمهرة.
الفصل الثّاني: خلل الأصول في الجمهرة:
المبحث الأوّل: الخلل في الثّنائيّ وما ألحق به.
المبحث الثّاني: الخلل في الثّلاثيّ وما ألحق به.
المبحث الثّالث: الخلل في الرّباعيّ وما ألحق به.
المبحث الخامس: الخلل في أبواب اللّفيف.(4/395)
المبحث السّادس: أخطاء صرفيّة صريحة.
الفصل الثّالث: أسباب الخلل في الجمهرة.
الخاتمة.
فأرجو من الله العلي القدير أن يوفّقني إلى إتمامه، وأن ينفع به، وألاّ يحرمني ثوابه، وآمل ممن ينظر فيه أن يصلح ما طغى به القلم، وزاغ عنه البصر، وقصّر عنه الفهم، فالإنسان محلّ النّقص والنّسيان.
الفصل الأوّل: الجمهرة في مرآة النّقد
المبحث الأوّل: ابن دريد والجمهرة
أولاً: ابن دريد:
هو أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد بن عَتاهية بن الحسن بن حِمامِي الأزديّ (1) . ولد في البصرة سنة (223هـ) لأب من ذوي اليسار، وبها تأدّب وتعلّم اللّغة، وروى أشعار العرب، ثمّ صار إلى عُمان، فأقام بها مدّة (2) ، وعاد إلى العراق، وتنقّل في الجزائر البحريّة (3) ما بين البصرة وفارس، ثمّ ورد بغداد بعد أن أسنّ، فأقام بها حتّى توفّي سنة (321هـ) .
وروى أبو بكر ابن دريد عن جماعة من علماء عصره، وأخذ علوم الأدب والعربيّة عنهم، ومن أبرزهم (4) :
أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان الزّياديّ، المتوفّى سنة (249هـ) .
وأبو حاتم سهل بن محمّد السّجستانيّ، المتوفّى سنة (250هـ) أو (255هـ) .
وأبو عثمان سعيد بن هارون الأشناندانيّ، المتوفّى سنة (256هـ) .
وأبو الفضل العبّاس بن الفرج الرّياشيّ، المتوفّى سنة (257هـ) .
ويعدّ ابن دريد من علماء اللّغة والأدب المبرّزين ((فهو الّذي انتهى إليه علم لغة البصريّين)) (5) في عصره، وكان شاعراً مجيداً، فقيل: إنّه ((أعلم الشّعراء، وأشعر العلماء)) (6) .
وكان شديد الذّكاء، سريع الحفظ، تُقرأ عليه دواوين العرب، ((فيسابق إلى إتمامها)) (7) .
وتصدّرابن دريد في العلم ستّين سنة، كما قيل (8) ، وتخرّج عليه جماعة، وصاروا من علماء العربيّة، ومن أبرزهم:
أبو عليّ القاليّ، المتوفّى سنة (356هـ) .
وأبو العَباَّس إسماعيل بن ميكال، المتوفّى سنة (362هـ) .
وأبو سعيد السيرافي، المتوفَّى سنة (368هـ) .(4/396)
وأبو عبد الله الحسن بن خالويه، المتوفّى سنة (370هـ) .
وأبو الحسن علي بن عيسى الرّمّاني، المتوفّى سنة (384هـ) .
وأبو القاسم الزّجّاجيّ، المتوفى سنة (393هـ) .
وقد خَلَّفَ ابن دريد تراثاً لغوياً وأدبياً حافلاً من المصنَّفَات، من أبرزها:
1 جمهرة اللّغة.
2 الاشتقاق.
3 المجتنى.
4 السّرج واللّجام.
5 وصف المطر والسّحاب.
6 الملاحن.
7 أدب الكتّاب.
8 المقصور والممدود.
9 تقويم اللّسان.
10 فعلت وأفعلت.
ثانياً: معجم ((جمهرة اللّغة))
افتتح الخليل بن أحمد التّأليف المعجميّ المنظّم في معجمه ((العين)) وابتدع نظاماً رياضياً محكماً لحصر الألفاظ وترتيبها، لكي لا يندّ منها شيء عند تطبيقه على وجهه الصّحيح الكامل، وهو النّظام القائم على عنصرين يكمل أحدهما الآخر، وهما:
التّرتيب المخرجيّ الصّوتيّ.
ونظام التّقليبات.
ففتح بذلك آفاقا كانت مغلقة أمام صُنَّاع المعاجم في العربيّة، فقلّده بعضهم، ونسج على منواله، وحاول بعضهم التّجديد بالتّطوير والتّهذيب، كابن دريد في الجمهرة، الّذي استبدل التّرتيب الهجائيّ (الأبتثيّ) (1) بالنّظام الصّوتيّ، فخطا بذلك خطوة موفّقة في الصّنعة المعجميّة للّغة العربيّة، وفتح للعلماء من بعده مسالك كانت مغلقة، هدتهم إلى مناهج جديدة.
ويعدّ معجم الجمهرة من النّاحية التّاريخية المعجم الثّاني بعد العين في سلسلة المعاجم المنظّمة الكبيرة ذات المنهج النّاضج (2) ، فتبوّأ المنزلة الرّفيعة بين معاجم العربيّة؛ لتقدّمه، ولمنهجه الهجائيّ، ومكانة مؤلّفه العلميّة بين العلماء.
ويقوم منهج ابن دريد في الجمهرة -في جملته- على نظام الأبنية، وهو التّقسيم الخارجيّ للمعاجم، مع إخضاع المادّة في كلّ بناء إلى التّرتيب الهجائيّ (الأبتثيّ) والتزام نظام التّقليبات، فجاء منهجه على النّحو التّالي:
أوّلا: التّرتيب الخارجيّ:(4/397)
قسّم ابن دريد معجمه إلى أبواب رئيسة، بحسب الأبنية، وهي: الثّنائيّ، والثّلاثيّ، والرّباعيّ، والخماسيّ، ثمّ اللّفيف والنّوادر، فجاء على النّحو التّالي:
أالثّنائيّ، وفيه من الأبواب:
1 الثّنائيّ الصّحيح (والمراد به الثّلاثيّ المضعّف نحو: عدّ وصبّ) .
2 الثّنائيّ الملحق ببناء الرّباعيّ المكرّر (والمراد به الرّباعيّ المضاعف نحو زلزل ودمدم) .
3 الثّنائيّ المهموز وما يتّصل به من الحروف في المكرّر (نحو: بَأْبَأَ وتَأْتَأَ وثَأْثَأَ وجَأْجَأَ ... ) .
4 الثّنائيّ المعتلّ وما تشعَّبَ منه (نحو: هوى وأتى) .
ب الثّلاثي، وفيه من الأبواب:
1 الثّلاثيّ الصّحيح (نحو: ضرب وكتب) .
2 الثّلاثيّ الّذي فيه حرفان مثلان (نحو: الخَبَب والجَرَج والقَلَق) .
3 الثّلاثيّ الأجوف متّحد الأوّل والآخر (نحو: سُوس وليل وباب) .
4 الثّلاثيّ المعتلّ (نحو: أَبَتَ، والبيت، وأبق، وبكى، ويلاحظ أنّ الهمزة عنده من حروف العلّة) .
5 النّوادر في الهمز (نحو: أَسَنَ وجَسَأ) .
ج الرّباعيّ، وفيه من الأبواب:
1 الرّباعيّ الصّحيح (نحو: الجُعْتُب، وجَعْفَر) .
2 الرّباعيّ المعتلّ، ويتفرّع منه أبواب، منها:
الرّباعيّ الذّي فيه مثلان (نحو: دردق وقردد) .
والرّباعيّ على أوزان مختلفة (نحو: فِعَلّ وفِعِلّ وفُعُلّ ... ) . والملحق بالرّباعيّ بحرف زائد (نحو: طِرْيَف وعِلْيَب) .
د الخماسيّ، وفيه أبواب على أوزان مختلفة:
وألحق به أبواباً مختلفة، تشتمل على أوزان متفرّقة.
هـ أبواب اللّفيف:
وهي أبواب قصيرة يلتفّ بعضها على بعض -كما يقول ابن دريد- (1) وهي أبواب مختلفة مبنية على الأوزان، فمنها الثّلاثيّ المزيد، ومنها الرّباعيّ المزيد، ومنها الخماسيّ المزيد، وهي تشتمل -أيضا- على أبواب لبعض الموضوعات، كالإتباع، والاستعارات، والمذكّر والمؤنّث.(4/398)
وأبواب النّوادر، وهي خليط من أبواب الموضوعات، كالمعرّب واللّغات، والمصادر، والجموع، وما يوصف به السّهام، وما توصف به الخيل، وأسماء الأيام والشّهور في الجاهليّة، ونحو ذلك.
ولا يدخل البابان الأخيران ((اللّفيف)) و ((النّوادر)) في النّظام المعجميّ القائم على ترتيب الألفاظ، وهما مما عيب به صاحب الجمهرة؛ لأنّ مكانهما معاجم المعاني والموضوعات.
ثانياً: التّرتيب الدّاخليّ:
أخضع ابن دريد ترتيب كلّ بناء من أبنيته الثّنائيّة والثّلاثيّة والرّباعيّة إلى التّرتيب الهجائيّ (الأبتثيّ) مع التزامه نظام التّقليبات.
ويظهر من خلال هذا المنهج الّذي اتّبعه ابن دريد أنّه خالف صاحب ((العين)) في مسألتين مهمّتين.
إحداهما: اختياره النّظام الهجائيّ (الأبتثيّ) بدلاً عن النّظام الصّوتيّ.
والأخرى: جعله الأبنية أساس منهجه وترتيبه، وفي كلّ بناء يتكرّر التّرتيب الهجائيّ (الأبتثيّ) من أوّله إلى آخره.
أمّا صاحب ((العين)) فإنّ أساس المنهج عنده هو النّظام الصّوتيّ للحروف، وفي داخل كلّ حرف تأتي الأبنية، فهو مثلاً يبدأ بكتاب العين، ويذكر داخله جميع الأبنية الثّنائيّة والثّلاثيّة والرّباعيّة والخماسيّة، ثمّ يكرّر ذلك في كلّ حرف.
وهذا يعني أنّ الأبنية هي التّرتيب الخارجيّ عند ابن دريد، وهي التّرتيب الدّاخليّ عند الخليل، أمّا ترتيب الحروف فهو التّرتيب الدّاخليّ عند ابن دريد، وهو التّرتيب الخارجيّ عند الخليل.
ولهذا فإنّ الأبنية تتكرّر عند الخليل، ولا تتكرّر عند ابن دريد، أمّا التّرتيب فإنّه يتكرّر عند ابن دريد، ولا يتكرّر عند الخليل.
هذا مجمل الفروق الرّئيسة بينهما، أمّا الجزئيّات فاختلافهما فيها كثير، ولا حاجة لذكرها.
كتب مؤلّفة عن الجمهرة:
عكف العلماء على درس ((الجمهرة)) أو حفظها أو اختصارها أو الاستدراك عليها أو نقدها؛ فألّفت عنها مؤلّفات منها:
((فائت الجمهرة)) (1)(4/399)
لأبي عمرو الزّاهد، غلام ثعلب (345هـ) .
((سقطات الجمهرة)) (1)
لأبي عمرو الزّاهد، غلام ثعلب، ولعلّه هو الكتاب السّابق.
((جوهرة الجمهرة)) (2)
للصّاحب بن عبّاد (385هـ) .
((نشر شواهد الجمهرة)) (3)
لأبي العلاء المعرّيّ (449هـ) .
((نظم الجمهرة)) (4)
ليحيى بن معطي (628هـ) .
((مختصر الجمهرة)) (5)
لشرف الدّين محمّد بن نصر بن عُنَين الأنصاريّ (630هـ) .
وهذه الكتب مفقودة أو في عداد المفقود، ولا نكاد نعرف عنها إلاّ ما توحيه عنواناتها.
المبحث الثّاني موقف العلماء من صاحب الجمهرة
أدّى ظهور معجم ((الجمهرة)) في مرحلة مبكّرة من تاريخ الصّنعة المعجميّة في اللّغة العربيّة إلى أن تلقّاه العلماء في بادئ الأمر بالتّرحيب، لأسباب منها:
أشهرة مؤلّفة ابن دريد في اللّغة، وغزارة محفوظه فيها.
ب حاجة العصر إلى معجم جديد يعضّد معجم العين، ويسدّ ما فيه من نقص، ويتلافى ما فيه من عيوب.
ج تخلّصه من المنهج الصّوتيّ الّذي اتّبعه معجم ((العين)) واستبداله المنهج الأبتثيّ به، على الرّغم من أنّ ابن دريد ساير صاحب ((العين)) في نظام التّقليبات.
وبعد ذيوع هذا المعجم الجديد وانتشاره في المشرق العربيّ، واستقراره بأيدي طلبة العلم ومحبّي العربية، رأى فيه بعض العلماء ما يكدّر الصّفو، فأعادوا النّظر فيه، ونشأت طائفة تقدح فيه، وفي مؤلّفه، يتزعّمهم ابن عرفة الشّهير ب (نفطويه) ثمّ انتشر بين الأجيال المتعاقبة من العلماء نقد ((الجمهرة)) والطّعن في علم مؤلّفها.
ومن أبرز الطّاعنين في علم ابن دريد وفي عمله في ((الجمهرة)) :(4/400)
نفطويه (323هـ) ، وأبو سعيد السّيرافيّ (368هـ) ، وأبو منصور الأزهريّ (370هـ) ، وأبو عليّ الفارسيّ (377هـ) ، وأبو الفتح ابن جنيّ (393هـ) ، وأبو الحسين ابن فارس (395هـ) ، وعبد القاهر الجرجانيّ (471هـ) وبعض الدّارسين المعاصرين، وهم يأخذون على ابن دريد مآخذ وينتقدون صنعته في ((الجمهرة)) .
ويمكن حصر المآخذ في نقاط رئيسة، ومن أبرزها:
أالخلل في الأصول اللّغويّة واضطرابها لفساد التّصريف:
ومن أوّل من اتّهم ابن دريد بهذه التّهمة أبو سعيد السّيرافيّ، فيما رواه أبو حَيَّان التَّوحيديّ، قال: ((سألتُ السّيرافيَّ عن قول من قال: المزاح سمِّي مزاحا، لأنّه أزيح عن الحقّ، فقال: هذا محكيّ عن ابن دريد، وهو باطل، والميم من سِنخ الكلمة، في: مزحت أمزح، ومن أُزيحَ تكون زائدة.
وقال أبو سعيد: كان أبو بكر ضعيفاً في التّصريف، والنّحو خاصّة، وفي كتاب الجمهرة خلل كثير.
قلنا له: فلو فصلت بالبيان عن هذا الخلل، وفتحت لنا باباً من العلم، فقال: نحن إلى سَتْر زلاّت العلماء أحوج منا إلى كشفها. وانتهى الكلام.
فلما نهضنا من مجلسه قال بعض أصحابنا: قد كان ينبغي لنا أن نقول له: حراسة العلم أَوْلى من حراسة العالِم وفي السّكوت عن أبي بكر إجلال، ولكن خيانة للعلم)) (1) .
وكان أبو علي الفارسي يُعَرِّض بابن دريد، ويتنقّص منه، ويقلّل من شأنه (2) . ومن تعريضه به قوله في بعض كتبه في أثناء كلامه عن كلمة ((يستعور)) : ((وقد كان شيخ من أهل اللّغة وَزَنَ هذه الكلمة ب (يَفْتَعُول) حتى نُبِّهَ عليه، وله فيما كان أملاه من الأبنية حروف كثيرة تحتاج إلى إصلاح)) (3) .
ثمّ جاء ابن جنّي تلميذ أبي عليّ وصَدَحَ بكلمة مؤلمة في حقّ ابن دريد أوردها في ((الخصائص)) وهي قوله: ((وأمّا كتاب الجمهرة ففيه – أيضاً – من اضطراب التّصنيف، وفساد التّصريف، ما أعذر واضعه فيه، لبعده عن معرفة هذا الأمر.(4/401)
ولمّا كتبته وَقَّعْتُ في متونه وحواشيه جميعاً من التّنبيه على هذه المواضع ما استحييت من كثرته، ثمّ إنّه لماّ طال عليَّ أومأت إلى بعضه، وأضربت البتّة عن بعضه)) (1) .
وقال السّيوطيّ مفسّراً كلمة ابن جني هذه: ((مقصوده الفساد من حيث أبنية التّصريف، وذِكرُ الموادّ في غير محالّها … ولهذا قال: أعذر واضعه فيه لِبُعْدِهِ عن معرفة هذا الأمر، يعني أن ابنَ دريد قصير الباع في التّصريف، وإن كان طويل الباع في اللّغة، وكان ابن جنّي في التّصريف إماماً لا يشقّ غباره، فلذا قال ذلك)) (2) .
ويظهر صدى كلمة ابن جنيّ تلك في قول عبد القاهر الجرجانيّ في أثناء حديثه عن ((الملك)) واحد الملائكة: ((وأما ذِكْرُ ابن دريد المَلَكَ في تركيب (م ل ك) فلا اعتداد به؛ لأنّه قد ذكر–أيضاً– لِثَة مع ثهلان، ورِعَة مع عَاهِر، وغير ذلك، مما هو من تصريف الصّبيان)) (3) .
ويشير عبد السّلام هارون إلى ذلك المطعن الّذي قاله ابن جّنّي في حقّ ابن دريد وجمهرته، ويقرّر أنّه لا سبيل إلى ردّ هذا المطعن، وأنّ الاعتذار عنه داخل في نطاق التّعمّل والتّكلّف (4) .
ويأخذ عليه بعض الباحثين المعاصرين (5) إلى جانب ما ذكر في هذا الشّأن اضطرابه في تاء التّأنيث، وعدّها من أصول الكلمة، وهو ما أومأ إليه عبد القاهر الجرجانّي في كلمته السّابقة.
وسنقف في الفصل الثّاني من هذا البحث -إن شاء الله- على حقيقة هذا الخلل والاضطراب من خلال الفحص الدّقيق للجمهرة، وتوجيه ما يمكن توجيهه.
ب اضطراب المنهج واختلال التصنيف:
وذلك في أبواب الجمهرة التي لا تقوم في تقسيمها وترتيبها على أساس واحد، بل تقسم على أساس الألفاظ تارة وعلى أساس الأبنية تارة أخرى، وعلى أساس الموضوعات والظّواهر اللّغويّة في بعض الأحيان (6) .
وسيتّضح اضطراب المنهج وخلل التّصنيف من خلال الفصل الثّاني، إن شاء الله.
ج افتعال العربية، والكذب على العرب.(4/402)
ومن أقدم من وجّه هذه التّهمة لابن دريد أبو منصور الأزهريّ، في ((تهذيب اللّغة)) وهو القائل: ((وممن أَلَّفَ في عصرنا فوُسِمَ بافتعال العربيّة، وتوليد الألفاظ، الّتي ليس لها أصول، وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامهم أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد صاحب كتاب الجمهرة)) (1) .
ويقول: ((وتصفّحتُ كتاب الجمهرة له فلم أَرَهُ دالاّ على معرفة ثاقبة، وعثرتُ منه على حروف كثيرة أزالها عن وجوهها، وأوقع في تضاعيف الكتاب حروفاً كثيرة أنكرتها، ولم أعرف مخارجها، فأثبتها من كتابي في مواقعها منه لأبحث عنها أنا أو غيري ممّن ينظر فيه، فإن صَحَّت لبعض الأئمّة اعتُمدت، وإن لم توجد لغيره وُقِفَتْ)) (2) .
وسَرَت كلمة الأزهريّ هذه إلى بعض اللّغويين من بعده، وتأثّروا بها في أحكامهم على ابن دريد، ومن هؤلاء ابن فارس الّذي يقول: ((ولولا حُسْنُ الظّن بأهل العلم لترك كثير ممّا حكاه ابن دريد)) (3) .
ولا يعنينا البحث في أسباب هذا المطعن؛ لخروجه عن نطاق هذا البحث، ولكن حسبنا أن نقول: إنّ أكثر علماء العربية وَثَّقوا ابن دريد وقبلوا ما جاء به في الجمهرة، ونقلوه في معجماتهم أو كتبهم؛ لمعرفتهم به، ولرؤيتهم ما يفيد تحرّيه الصّدق في معجمه، كتعقيباته الكثيرة على ما يشكّ فيه، بعبارات مختلفة، من مثل قوله: ((لا أدري ما حقيقته)) و ((ليس بثبت)) و ((لا أَحُقُّه)) و ((كذا زعموا)) و ((فإنّه مولّد لا يؤخذ بلغته)) ونحو هذا، وهو كثير مبثوث في الجمهرة.
ولعلّ الأزهريّ كان متأثّرا بأقوال شيخه ((نفطويه)) وطعنه في ابن دريد، واتّهامه بسرقة ((العين)) وكان بين الرّجلين –ابن دريد ونفطويه– تنافس شديد، ومنافرة مشهورة، وقد تقرّر في علم الحديث أنّ كلام الأقران في بعضهم لا يقدح، كما يقول السّيوطيّ (4) .
نعم، ولم تكن هذه الملحوظات وغيرها قادحة في علم ابن دريد، أو في معجمه(4/403)
((الجمهرة)) عند كثير من العلماء، الّذين أقرّوا له بالحذق والاستيعاب في العربية، والتقدّم في صناعة المعاجم، فأثنوا عليه. ومن حقّ ابن دريد علينا أن نذكر بعضهم إنصافاً له وللعلم:
فمن هؤلاء أبو عليّ القاليّ الّذي تتلمذ على ابن دريد، وتعلّم على يديه صناعة المعاجم، فأخرج معجمه ((البارع)) وكان كثير الثّناء على شيخه، ويصفه بأنّه: ((إمام هذه العلم في عصره، ومنقطع القرين فيه في دهره)) (1) .
ولم يزل القالي يشهد لشيخه ابن دريد بثبات الذّهن، وكمال العقل، على الرّغم من علوّ سِنّه، ومناهزته التّسعين، وتعرّضه للأمراض، كالفالج وغيره، فيقول: ((وكنت أسأله عن شكوكي في اللّغة، وهو بهذه الحال، فيردّ بأسرع من النَّفَس، بالصّواب. وقال لي مَرَّةً – وقد سألته عن بيت شعر: لئن طُفِئَتْ شحمتا عينيّ لم تجد من يشفيك من العلم)) (2) .
ومنهم أبو الطّيّب اللّغويّ، ومما قاله عنه: ((… فهو الذي انتهى إليه علم لغة البصريين، وكان أحفظ النّاس، وأوسعَهم علماً، وأقدَرَهم على شعر، وما ازدحمَ العلم والشّعر في صدر أحد ازدحامهما في صدر خلف الأحمر وأبي بكر بن دريد)) (3) .
ومنهم أبو الحسن المسعوديّ، إذ قال ممتدحاً ابن دريد: ((انتهى في اللّغة، وقام مقام الخليل بن أحمد فيها)) (4) .
ومنهم أبو بكر الزّبيديّ، وهو القائل في ترجمته: ((… وكان أعلم النّاس في زمانه باللّغة والشّعر وأيّام العرب وأنسابها وله أوضاع جمّة)) (5) .
وكان أبو البركات الأنباريّ يقول عنه: إنّه ((من أكابر علماء العربيّة)) (6) .
أمّا القفطيّ فجعله ((رأس أهل العلم، والمتقدّم في حفظ اللّغة وأشعار العرب)) (7) .
وأثنى بعض علمائنا المعاصرين على ابن دريد (8) ووصفوه بأنّه صدوق، حافظ، ضابط، مُتَحَرٍّ للصّواب فيما يرويه (9) ، فتمكّن من علم العربيّة، وأنّ في الجمهرة ما يشهد بقدرته اللّغويّة.(4/404)
ويتّفق الفريقان -منتقدو ابن دريد وممتدحوه- على أنّه كان ذا حافظة قويّة، أفاد منها في تأليف معجمه، فأملاه من ذاكرته إملاء، من غير نظر في شيء من الكتب، إلاّ في بابي الهمزة واللّفيف، فإنّه طالع لهما بعض الكتب (1) .
الفصل الثّاني خلل الأصول في الجمهرة
تقدّم أنّ ابن دريد خالف الخليل في منهجه، فقسّم ((الجمهرة)) تقسيماً بنائياً، فجاءت الأبواب الرّئيسة عنده ستّة وهي:
أبواب الثّنائيّ.
أبواب الثّلاثيّ.
أبواب الرّباعيّ.
أبواب الخماسيّ.
أبواب اللّفيف.
أبواب النّوادر.
وهذا الباب الأخير ليس من أبواب الأبنية، بل هو من أبواب الموضوعات –كما تقدّم– فلا يظهر فيه خلل الأصول خلافاً للأبواب الخمسة قبله، ولذا فإنّه من المناسب –في هذا البحث– أن نعرض خلل الأصول من خلال تلك الأبواب الخمسة الرّئيسة؛ ليكون الحكم عليها وَفْقَ منهج المعجم، ومفهوم صاحبه، وهو ما نأتي عليه في المباحث التّالية:
المبحث الأوّل: الخلل في الثّنائيّ وما ألحق به
في أبواب الثّنائيّ شيء غير قليل من الخلل في الأصول، وهو في جملته نوعان:
أحدهما: اضطراب الأصول في الثّنائيّ المعتل.
والآخر: الاضطراب في الرّباعيّ المكرّر، وفيما يلي بيانهما:
أوّلاً: اضطراب الأصول في الثّنائيّ المعتلّ:
أفرد ابن دريد الثّنائيّ المعتلّ بباب، ويعني به ما جاء فيه حرف واحد صحيح، ومعه حرفان من حروف العلّة الواو والياء وكذلك الهمزة، لأنّها من حروف العلّة عنده، ولهذا فإنّه يذكر رؤوس الموادّ (أصولها) على النّحو التّالي: (ب أوى) ، (ت أوى) ، (ث أوى) (ج أوى) ، (ح أوى) وهكذا، وهي ثلاثيّة الأصول، ويذكر لكلّ أصل منها تقليباته المستعملة فيه، ويترك المهمل.(4/405)
ويلاحظ أنّ في أصل كلّ مادّة ثلاثية حرفاً صحيحاً واحداً، ومعه حرفان من حروف العلّة هذه، وهي (الهمزة والواو والياء) ولا تجتمع هذه الثّلاثة مع حرف صحيح في أصل كلمة واحدة في هذا الباب بل يأتي منها اثنان فحسب ليكملا مع الحرف الصّحيح الأصل الثّلاثيّ، ويتّضح هذا من تقليبات مادّة (ج أوى) مثلاً، وهي كما وردت في الجمهرة: (جوا) و (جأى) و (جوأ) و (وجأ) و (جيأ) و (جيا) وهذه التّقليبات السّتّة ثلاثيّة كما ترى، ولا اعتراض عليها، فهي توافق منهجه، ولا تخالف أبنية اللّغة وأصولها عند تطبيقها تطبيقاً صحيحاً، وقد سبقه إليها الخليل، فذكر في آخر كلّ كتاب من الثّلاثيّ باباً سماه: ((باب اللّفيف)) وجعل الهمزة مع حروف العلّة (1) .
ولكن ثمّة اضطراب في الأبنية في هذا الباب عند ابن دريد، إذ يأتي –أحياناً– في بعض التّقليبات بأصول ليست من المادّة الّتي معه كقوله في مادّة (ف أوى) : ((فُوَّهة النّهر: الموضع الّذي يخرج منه ماؤه. وكذلك فُوَّهة الوادي … وأفواه الطّيب واحدها فُوهٌ)) (2) .
و ((فُوّهة)) و ((فُوه)) و ((أفواه)) ليست من هذه المادّة، فهي من (ف وهـ) ومكانها باب الثّلاثيّ المعتلّ، وَفْقَ منهجه، وليس الثّنائيّ المعتلّ.
وقال في مادّة (س أوى) : ((والسُّوس: هذه الدّابّة المعروفة. وساس الطّعام يَسَاس، إذا وقع فيه السّوس … ويقال: سِيسَ الطّعام فهو مَسُوس … وكذلك سَوَّس تسويساً …)) (3)
وكلمة السّوس وما تفرّع منها من مشتقات ليست من هذه المادّة، فهي من (س وس) ومكانها باب ((ما كان عين الفعل منه أحد حروف اللّين)) (4) على منهجه، وهو من أبواب الثّلاثيّ، وقد ذكره هناك في موضعه (5) .
وقال في مادّة (ط أوى) : ((والطُّوط: القطن … وطاط الفحلُ إذا هاجَ …)) (6) .
وليس هذا من هذه المادّة بل هو من (ط وط) وهو كسابقه، وقد ذكره في موضعه (7) .(4/406)
وقال في مادّة (ف أو ى) : ((الفُوف: الثّوب الرّقيق والفُوفة: القشرة على النّواة، وثوب مُفَوَّف: مُوَشًّى، فيه رِقَّةٌ والفُوف: البياض الّذي يخرج على أظفار الصِّبيان)) (1) .
وليس هذا من هذه المادّة، فأصله (ف وف) وهو كسابقه.
وقال في مادّة (ك أوى) : ((وكان أبو حاتم يقول: سمعت بعض من أثق به يقول: الكَيْكة: البيضة، ولم يسمع من غيره)) (2) .
وهذا من مادّة (ك ي ك) وهو كسابقه.
وقال في مادّة (ل أو ى) : ((واللّيل: ضد النّهار. واللّيل فَرْخُ الحُبارى وليلة ليلاء، ممدودة، أي صعبة، وكذلك ليل أَلْيَلُ …)) (3) .
وهذا من مادّة (ل ي ل) وهو كسابقه.
وقال في مادّة (م أو ى) : ((والمُوم: الشّمع، عربيّ، معروف … والمُوم: البِرْسام)) (4) .
وهذا من مادّة (م وم) وهو كالّذي تقدم.
وقد يضطرب ابن دريد، فيأتي في هذا الباب بألفاظ من الثّلاثيّ المضعّف، ممّا ورد عنده في الثّنائيّ الصّحيح، أو ممّا مكانه هناك وَفْقَ منهجه، كقوله في مادّة (ر أو ى) : ((ورجل مِئَرٌّ: كثير النّكاح)) (5) .
وهذا ليس من هذه المادّة؛ لأنّ ((مِئرّاً)) على وزن (مِفْعَل) وأصله على هذا البناء (أر ر) وفي هذا الأصل وضعه الجوهريّ (6) وابن منظور (7) .
أمّا ما نُقِل عن أبي عبيد أنّ قولهم: ((رجل مِئَرٌّ … مأخوذ من الأير)) (8) فلا يقبله التّصريف، وهو فاسد؛ لأنّ (مِفعلاً) منه – حينئذ – ((مِئْيَر)) وليس ((مِئَرّاً)) مثل ((مِخْيَط)) من الخيط.
والوجه أنّه من قولهم: أَرَرْتُ المرأة أؤرّها أرّاً، إذا نكحتَها، وعلى هذا الفراء فيما ذكره الأزهريّ (9) ، عن أبي عبيد.
وقد ذكره ابن دريد في (أرر) أيضاً – من باب الثّنائيّ الصّحيح (10) ، وهذا هو الصّواب.
وقال ابن دريد في مادّة (س أوى) : ((وأُسّ البناء، والجمع آساس، معروف)) (11) .(4/407)
وهذا ليس من هذه المادّة بل هو من (أس س) ومكانه على منهج صاحب الجمهرة في الثّنائيّ الصّحيح، وقد أورده هناك (1) .
وقال في مادّة (ص أوى) : ((الأَصيصُ: البناء المحكم، مثل الرَّصيص، سواء)) (2) .
وهذا من مادّة (أص ص) وهو كسابقه.
وقال في مادّة (ل أوى) : ((الأَلِيلة: الثُّكْلُ … والإلّ (3) : جبل رمل، يقوم عليه الإمام بعَرَفَة …)) (4) وليس هذا من هذه المادّة، فأصله (أل ل) ومكانه الثّنائيّ الصّحيح.
وقال في مادّة (م أرى) : ((وقد سَمّوا أُمامة …)) (5) وهذا من (أم م) وهو كسابقه.
وقال – أيضاً – في مادّة (م أوى) : ((واليمام: ضرب من الطّير، الواحدة يمامة، وسُمّيت اليمامة بامرأة، كان لها حديث)) (6) . وهذا من مادّة (ي م م) .
ثانياً: الاضطراب في الرّباعيّ المكرّر:
ثمة نوع من الأصول الرّباعيّة يدعى الرّباعيّ المكرّر أو المضاعف، نحو ((زلزل)) و ((دمدم)) ووزنه عند جمهور اللّغويين (فعلل) (7) ولهذا وضع له ابن دريد باباً خاصاً ألحقه بباب الثّنائيّ، سمّاه: ((الثّنائيّ الملحق ببناء الرّباعيّ المكرّر)) (8) ولكن الأصول اضطربت لديه في تقليبات بعض الموادّ في هذا الباب، إذ نجده يورد ألفاظاً ثلاثيّة الأصول في موادّ رباعيّة، كقوله في مادّة (ع ب ع ب) معكوس (ب ع ب ع) : ((وعُباب كلّ شيء أوّله. وجاء بنو فلان يَعُبّ عُبابُهم؛ أي: جاءوا بكثرتهم)) (9) .
وهذا ثلاثيّ، وهو من مادّة (ع ب ب) ، ومكانه –وفق منهج ابن دريد– ((باب من الثّلاثيّ يجتمع فيه حرفان مثلان في موضع الفاء والعين، أو العين واللاّم، أو الفاء واللاّم)) (10) وهو من الثّنائيّ على منهج الخليل في ((العين)) ومن سار على طريقته. وابن دريد نفسه يذكر أحياناً أشياء مثل هذا في باب الصّحيح خلافاً لمنهجه، ولا تكاد تخلو مادّة من ذلك.(4/408)
وقال في مادّة (ح ط ح ط) : ((والحَطَاط واحدها حطاطة، وهو بَثْرٌ صِغار أبيض يظهر في الوجوه، ومن ذلك قولهم للشّيء إذا استصغروه: حَطَاطة)) (1) .
وهذا ثلاثيّ –أيضاً– من مادّة (ح ط ط) وهو كسابقه.
ومثل ذلك قوله في مادّة (ك س ك س) : ((الكَسِيس: لحم يجفّف، ثمّ يدقّ كالسّويق، فيُتَزَوّد به في الأسفار)) (2) .
وقوله في مادّة (ش ظ ش ظ) : ((أهملت في التّكرير إلاّ في قولهم: الشِّظاظان: خشبتان في عُرَى الجَواليق)) (3) .
وقوله في مادّة (ك ي ك ي) : ((وزعم بعض أهل اللّغة أنّ البيضة تسمّى كَيْكَة، ولا أعرف غيره)) (4) .
وهذا كلّه من الثّلاثيّ المضعّف وليس من الرّباعيّ المضاعف المذكور في هذا الباب.
المبحث الثّاني: الخلل في الثّلاثيّ وما ألحق به
كثر خلل الأصول في الثّلاثيّ عند ابن دريد، وهو يتركّز في ثلاثة أبواب، وهي: الصّحيح، والمعتلّ، والمهموز وفيما يلي بيانها:
أوّلاً: الخلل في أبواب الثّلاثيّ الصّحيح:
اضطرب ابن دريد في هذا في نوعين، أحدهما ما فيه تاء التّأنيث، والآخر: ما فيه حرفان مثلان، وهما ما يأتي:
أ – المؤنّث بالتّاء:
لابن دريد مذهب غريب في رؤيته للأصول اللّغويّة ووضعها في المعجم، وهو أنّه يعدّ هاء التّأنيث (تاء التّأنيث) أصلاً في بناء الثّلاثيّ الصّحيح، أي يعدّها حرفاً من حروف الكلمة الأصول، وهذا مذهب فاسد في الصّنعة المعجميّة ترتّب عليه خلل ظاهر في الأصول اللّغويّة، ولذا اضطربَ كثيراً في نوعين من الأصول، وهما: المضعّف المؤنّث بالتّاء والمعتلّ (5) المؤنّث بالتّاء، وهما كما يلي:
1 المضعّف:(4/409)
أورد ابن دريد أصولاً ثلاثية مضعّفة مؤنّثة بالتّاء في تقليبات أصول ثلاثيّة صحيحة لا تضعيف فيها، لنظرته الخاصّة لتاء التّأنيث، وجعلها من الأصول، فأورد ((الحَبَّة: واحد الحبّ)) (1) في تقليبات مادّة (ب ح هـ) وهي ليست منها، لأنّ أصلها (ح ب ب) ومكانها: المضعّف من الثّنائيّ على منهجه.
وأورد ((السَّبَّة: الدّهر …)) (2) في تقليبات مادّة (ب س هـ) وهي من (س ب ب) .
و ((الصُّبَّة: الكُثْبَة من الطّعام وغيره …)) (3) في تقليبات مادّة (ب ص هـ) وهي من (ص ب ب) .
و ((البَطَّة: هذا الطّائر … والبُطَّة: إناء كالقارورة …)) (4) في مادّة (ب ط هـ) وهي من (ب ط ط) .
وأورد ((بكّة: اسم لمكّة لتباكّ النّاس بها، أي: لازدحامهم)) (5) في مادّة (ب ك هـ) وهي من (ب ك ك) .
و ((الكُبَّة من الغزل: عربيّة معروفة، والكَبَّة: الحملة في الحرب)) (6) في تقليبات مادّة (ب ك هـ) وهي من (ك ب ب) .
و ((البَنَّة: الرّائحة الطّيّبة)) (7) في مادّة (ب ن هـ) وهي من (ب ن ن) وسار على هذه الطّريقة في كثير من موادّ الثّلاثيّ الصّحيح (8) .
2 المعتلّ:
أورد ابن دريد في أصول ثلاثيّة صحيحة أصولاً ثلاثيّة معتلّة مؤنّثة بالتّاء، منها ما هو من المثال، ومنها ما هو من النّاقص.
فممّا جاء من المثال في أبواب الصّحيح: ((السَّعَة: ضدّ الضّيق)) (9) ذكرها ابن دريد في مادّة (س ع هـ) ولكنّه أشار إلى أنّها ناقصة، ووعد بأن يعيدها في بابها، وهو يعني باب المعتلّ من الثّلاثيّ، وأصل ((السَّعَة)) (وس ع) وكان ينبغي ألاّ يذكرها في (س ع هـ) ولو على سبيل الإحالة؛ لأنّه لا صلة لها بهذا الأصل.
وجعل ((الصِّلة من قولهم: وصلته صلةً حسنة)) (10) في مادّة (ص ل هـ) وهي من (وص ل) وأشار إلى أنّها ناقصة.
وأورد ((العِظة من الوعظ)) (11) في تقليبات مادّة (ظ ع هـ) وهي من (وع ظ) وأشار– أيضاً – إلى أنّها ناقصة.(4/410)
وممّا جاء من النّاقص: قوله: ((البُرَة: الحلقة الّتي تجعل في حِتار أنف البعير …)) (1) جعلها في مادّة (ب ر هـ) وليست من هذه المادّة، بل هي من (ب ر ى) .
وذكر ((المِصْحاة: إناء يشرب فيه الماء من فضّة أو غيرها …)) (2) في تقليبات مادّة (ح ص هـ) وهي (مِفْعَلَة) من (ص ح و) .
وأورد ((الحُمَة؛ مخفّفة: حرارة السّمّ …)) (3) في مادّة (ح م هـ) وليست هي من هذه المادّة، فأصلها (ح م و)
ومثل هذا في ((الجمهرة)) كثير (4) .
ب ما فيه حرفان مثلان:
وهو بالنّظر إلى أصله إمّا ثلاثيّ، أورده في أبواب الثّنائيّ وإمّا رباعيّ مكرّر أورده في أبواب الثّلاثيّ الصّحيح، ومن الثّلاثيّ قوله في مادّة (ش ل ل) : ((ويقال: شَوَّلت بالقوم نِيَّة، وشالت؛ إذا استخَفَّتهم؛ أي: ارتحلوا)) (5) .
وهذا ليس من المادّة في شيء، وهو من (ش ول) ومكانه الثّلاثيّ المعتلّ، على منهج ابن دريد.
ومنه قوله في مادّة (س وو) : ((رَجُلُ سَوْءٍ)) (6) .
وهو من مادّة (س وأ) وليس من الثّنائيّ المضعّف.
وقوله في مادّة (ر ي ي) : ((الرِّيّ: مصدر رَوِيَ يَرْوَى رِيّا)) (7) . وينبغي أن يذكر هذا في مادّة (روي) من باب الثنائي المعتل، وما تشعب منه، على منهج ابن دريد؛ لأنّ الياء الأولى المدغمة في ((الرّيّ)) واو قلبت ياء للكسرة التي قبلها، وقد ذكره – أيضاً – في موضعه (8) على الصّواب.
ومما أورده في أبواب الثّلاثيّ الصّحيح من الرّباعيّ المكرر قوله في تقليبات (ب د هـ) : ((الهُدَبِدُ: العَشَى في العين، وهو الّذي لا يبصر ليلاً … والهُدَبِد اللّبن الخاثر …)) (9)
وقوله في تقليبات (د ق هـ) : ((الدَّهْدَقَة: تَقَطُّع اللحم، وتكسّر العظام …)) (10)
وقوله في تقليبات (ج وهـ) : ((يَوْمُ جُهْجُوهٍ: يومٌ معروف، لبني تميم …)) (11)(4/411)
وهذه الثّلاثة ليست ثلاثيّة، ف ((الهُدَبِد)) و ((الدّهدقة)) و ((جُهْجُوه)) كلمات رباعيّة، وأوزانها على التّوالي: (فُعَلِل) و (فَعْلَلَة) و (فُعْلُول) وهذا مذهب الجمهور، وقد فصّل ابن جنّي (1) في هذا النّوع الرّباعيّ تفصيلاً لا مزيد عليه، ولا حاجة لإيراده هنا.
ثانياً: الخلل في أبواب المعتلّ:
وفي هذا النّوع خلل بَيِّنٌ، وهو في الجملة من نوع واحد، وخلاصته أن ابن دريد يأتي في بعض الموادّ من هذا النّوع بأصول ثلاثيّة صحيحة مضعّفة ليست منه، كقوله في تقليبات (ب ل – واي) : ((أَبَلَّ المريضُ يُبِلُّ إبلالاً من مرضه، وأَبَلَّ الرجل: أعيا فساداً وخبثاً…)) (2)
وهذا -كما ترى– من مادّة (ب ل ل) ولا صلة له بالمعتلّ.
وقوله في تقليبات مادّة (ب ن – واي) : ((أَبَنَّ بالمكان يُبِنُّ إبنانا، إذا أقام به فهو مُبِنٌّ)) (3) .
وهذا من مادّة (ب ن ن) .
وقوله في تقليبات (ش ط – واي) : ((أَشَطَّ يُشِطُّ إشطاطا، إذا جار في السَّوم، فهو مُشِطّ)) (4) .
وهذا من (ش ط ط) ولا صلة له بالمعتلّ.
ومن هذا إيراده ((الأَحَذّ)) في (ح ذ – واى) و ((فرس أَغَرّ)) في تقليبات (رغ – واي) و ((أَرَمّ القوم)) في (رم – واي) و ((أَشَظَّ يُشِظُّ)) في (ش ظ – واي) .
وليست هذه من تلك، وهي كسابقتها من أصول ثلاثيّة مضعّفة.
ثالثاً: الخلل في باب المهموز:
عقد ابن دريد للمهموز في الثّلاثيّ باباً بعنوان: ((باب النّوادر في الهمز)) (5) أتى فيه على الألفاظ الثّلاثية الّتي في أصولها همزة في الفاء مثل: أَنَتَ الرَّجُلُ، وهو أشَدُّ من الأنين، أو في العين، مثل: أَذْأَرتُ الرجلَ بصاحبه إذآراً؛ أي: حَرَّشتُهُ وأولعتُهُ به، أو في اللام، مثل: أرجأت الأمر.
ولكنّ ابن دريد – كعادته – اضطرب في بعض الأصول، فأورد ألفاظاً ثلاثية ليست مهموزة الأصول، نحو: ((أَلَبَّ بالمكان إلبابا)) (6) إذا أقام به.(4/412)
و ((أَرَبَّ به إربابا)) (1) كذلك.
و ((أَبَنَّ به إبنانا)) (2) – أيضاً.
و ((أَلَجَّ القوم إلجاجا، إذا سمعت لهم لَجَّة؛ أي: صوتاً)) (3) .
و ((أَرَنُّوا إرنانا، إذا سمعتَ لهم رنينا)) (4) .
و ((أَزْنَنْتُ الرّجل بالشّيء إزنانا، إذا اتّهمته)) (5) .
وأصول هذه الأفعال على التّوالي هي: (ل ب ب) و (رب ب) و (ب ن ن) و (ل ج ج) و (ر ن ن) و (ز ن ن) والهمزة فيها جميعاً زائدة، وهي على وزن (أفعل) . ولعلّ ابن دريد رأى هذه الهمزة في هذه الأفعال فظنّها أصليّة، أو ذهل عنها، أو عاملها معاملة الأصليّ.
وجاء ابن دريد في هذا الباب بألفاظ مهموزة، ولكنّها ليست ثلاثيّة، كقوله:
((تكأكأتُ عنه: توقّفت)) (6) .
و ((زأزأتِ المرأةُ، إذا حرّكت منكبيها في مشيتها)) (7) .
و ((جُؤجُؤ الطائر، وهو الصّدر)) (8) .
و ((البؤبؤ: الأصل)) (9) .
وهذه من الرّباعيّ المضاعف، الّذي عقد له باباً في الثّنائيّ وسماه ((الثنائي الملحق ببناء الرّباعيّ المكرّر)) (10) وألحق به باباً خاصاً للمهموز منه (11) .
المبحث الثّالث: الخلل في الرّباعيّ وما ألحق به
أورد ابن دريد ألفاظاً ليست رباعيّة الأصول في أبواب الرّباعيّ، وهو يضطرب هنا فيما فيه تاء تأنيث، وما فيه حرف علّة زائد، وما فيه نون ثانية زائدة، وما فيه حرف مكرّر للإلحاق، ونحو ذلك.
ويمكن بيان هذه الأنواع فيما يأتي:
أوّلاً: ما فيه تاء تأنيث:
وأعني به الأسماء المؤنّثة بتاء التّأنيث، وهذا النّوع ممّا يكثر فيه الخلط والاضطراب في الجمهرة، وقد تقدّم منه أشياء في المبحث السّابق في الكلام على الثّلاثيّ.
وفي أبواب الرّباعيّ – هنا – أسماء ليست رباعيّة مؤنّثة بتاء التّأنيث جعلها ابن دريد من الرّباعيّ لعلّة نذكرها – إن شاء الله – في الفصل الثّالث، في الحديث عن أسباب الخلل والاضطراب في الجمهرة، وحسبنا – هنا – أن نعرض الخلل في الأصول، كما هو.(4/413)
ومن هذه الألفاظ الّتي أوردها ابن دريد في الرّباعيّ لنظرته إلى تاء التّأنيث وعدّها من أصل الكلمة:
((والثَّبْرَة: الأرض السّهلة)) (1) وهي من الثّلاثيّ (ث ب ر) وليست من الرّباعيّ و ((البَثْنَة الأرض السّهلة اللّينة، وبه سُمّيت بَثْنة وبُثَينة)) (2) وهي من الثّلاثيّ (ب ث ن) .
و ((بُجْرة: اسم)) (3) وهي من (ب ج ر)
و ((الرُّجْبَة: بناء يبني تحت النّخلة إذا مالت)) (4) وهي ليست من الرّباعيّ.
و ((الجِربة: القَراح، الّذي يُزرع فيه)) (5) وهي كسابقتها.
و ((الجَعْبة للنَّشَّاب كالكنانة للنّبل)) (6) وهي ثلاثيّة كسابقتها.
و ((الخِنَّابة والخُنَّابة: خِنَّابة الأنف، وهي جانبا الأنف، أو وتريه)) (7) .
و ((العُنتة … وهو المبالغ في الأمر إذا أخذ فيه)) (8) .
و ((التُّلُنَّة: البقيّة من الشّيء)) (9) .
و ((الخَثْلَة: أسفل البطن)) (10) .
و ((دَعْثَة: اسم أبي بطن من العرب)) (11) .
ومثل هذا كثير (12) ، وابن دريد لا يجهل أنّه من الثّلاثيّ، وأنّ هاء التّأنيث فيه ليست من أصل بنائه، ولكنّه أورده لعِلَّة نذكرها لاحقاً -إن شاء الله- كما أشرت آنفاً.
ثانياً: ما فيه حرف علّة زائد
أورد ابن دريد في باب الرّباعيّ الصّحيح ألفاظاً ملحقة بالرّباعيّ بحرف علّة، وهي ثلاثيّة الأصول، نحو: ((البَحْوَن: الرّمل المتراكب)) (13) فهذا ثلاثيّ على وزن (فَعْوَل) وهو ملحق بالرّباعيّ (فَعْلَل) كجعفر، وموضعه الثّلاثيّ (ب ح ن) .
ومنه: ((البَيْقَر: عَدْوٌ يطأطئ الرّجل فيه رأسه)) (14) وهو من الثّلاثيّ (ب ق ر) والياء فيه زائدة للإلحاق بالرّباعيّ، ووزنه (فَيْعَل) ملحق ب (فَعْلَل) .
ومنه ((الحَوْكَلَة: أن يمشي الرّجل ويضع يديه في خصره، يعتمد عليهما)) (15) .
فهو من (ح ك ل) والواو زائدة للإلحاق.(4/414)
وينبغي أن تذكر مثل هذه الألفاظ في أبواب الثّلاثيّ، وليس لذكرها في الرّباعيّ الصّحيح مسوّغ مقبول.
ويلحق بهذا ما ذكره تحت بعض العناوين الخاصّة، ك ((باب ما جاء على فِيَعْل وفِوَعل)) (1) .
ومما أورده فيه: ((رجل حِيَفْسٌ: ضخم آدم ... ورجل زِيَفْنٌ: طويل)) (2) .
وحرف العلة في هاتين الكلمتين زائد، وهما ثلاثيتان، ومكانهما أبواب الثّلاثيّ.
ومن ذلك ما ذكره تحت عناوين مختلفة، مثل ((باب فَيْعَل)) (3) و ((باب ما جاء على فَوْعَل)) (4) و ((باب ما جاء على فَعْوَل)) (5) و ((باب فَعَلَى من الأسماء والصّفات)) (6) و ((باب ما جاء على فُعَلَى)) (7) ، و ((باب ما جاء على
فَعْلَى)) (8) و ((باب ما جاء على فُعْلَى)) (9) .
ومكان هذه الأبواب هو الثّلاثيّ وما ألحق به؛ لأنّ حرف العلّة في هذه الأبنية زائد، والأصل فيها ثلاثيّ.
ثالثاً: ما فيه نون ثانية زائدة:
أدرج ابن دريد في باب الرّباعيّ كلمات على أربعة أحرف في الصّورة ثانيها نون، ونصّ على زيادة تلك النّون، فهي ثلاثيّة الأصول، كقوله: ((عَنبَسٌ: من أسماء الأسد، والنّون زائدة؛ لأنّه من العُبوس)) (10) .
ومكانه إذا كانت النّون زائدة مادّة (ع ب س) من أبواب الثّلاثيّ، ولم يشر إلى ذلك مع أنّه ذكره هناك (11) على الوجه الصّحيح على منهج معاجم الألفاظ الّتي تقوم على الأصول.
ومنه قوله: ((حَنْدَم: اسم، النّون فيه زائدة، وهو من الحَدْم، والحَدْم شدّة التهاب النّار وحرارتها)) (12) .
وهذا ثلاثيّ مع إقراره بزيادة النّون، ولم يذكره في موضعه من الثّلاثيّ.
ومثله قوله: ((حَنْكَش: اسم، والنّون زائدة، وهو من الحَكْش، والحَكْشُ: التّجمع)) (13) .
وقوله: ((شُندُق: اسم، النّون فيه زائدة، وهو من الشَّدَق)) (14) .
وهذا النّوع أقرب إلى خلل المنهج في صناعة المعجم؛ لأنه نبه على الأصل، كما ترى.
رابعاً: ما فيه حرف مكرّر للإلحاق.(4/415)
أورد في أبواب الرّباعيّ المعتلّ ما فيه حرفان مثلان في آخره، ومنه قوله: ((شُرْبُب: موضع.
ودُعْبُب: ثمر نبت.
وحُلْبُب –أيضاً– مثله.
وصِندِد: اسم جبل معروف.
ورِمْدِد –وهو الرّماد– ويقال: رمدداء –أيضاً- ممدود.
وسُرْدُد: موضع …
وقَرْدَد: أرض صلبة شَديدة)) (1) .
وهذه الألفاظ ثلاثيّة الأصول، كُرِّرَ الحرف فيها لإلحاق الثّلاثيّ بالرّباعيّ، كقولهم في ضرب: ضربب (2) ، إلحاقا بدحرج، وليست هي رباعيّة الأصول، ف ((شُرْبُب)) و ((دُعْبُب)) و ((سُرْدُد)) ملحقة ب ((جُؤذُر)) و ((صِنْدِد)) و ((رِمْدِد)) ملحقان ب ((زِبْرِج)) و ((قَرْدَد)) ملحق ب ((جَعْفَر))
خامساً: ما فيه تضعيف:
وهذا على نوعين: أحدهما ما ضعّفت لامه، والآخر ما ضعّفت عينه، وهما كما يلي:
1 ما ضعّفت لامه:
وجعل له بابا عَنْوَنَه بقوله: ((باب ما جاء من الرّباعيّ على فِعَلّ وفِعِلّ وفُعُلّ وإن كان لفظه ثلاثياً فهو رباعيّ يلحق بباب فَعْلَل)) (3) .
ومما أورده فيه قوله: ((وخِدَبّ، بعير خِدَبّ، إذا كان عظيم الخَلْق)) (4) .
و ((هِبِلّ: عظيم الخلق من الإبل، والنّاس)) (5) .
و ((رجل كُبُنّ وحُبُنّ، إذا كان منقبضاً، وربما سُمّي البخيل كُبُنًّا)) (6) .
2 ما ضعفّت عينه:
وجعل له بابين، أحدهما: ((باب ما جاء على فُعَّل لفظه الثّلاثيّ، وهو رباعيّ)) (7) والآخر بعنوان: ((باب ما جاء على فَعَّل)) (8) .
وممّا أورده في الأوّل قوله: ((غُرّب: موضع)) (9) .
و ((غُبَّر: باقي اللّبن في الضّرغ، وكذلك غُبَّر الحيض)) (10) .
و ((زُمَّج: ضرب من الطّير، فارسيّ معرب، وقد تكلّمت به العرب)) (11) .
ومما أورده في الثّنائيّ: ((خَضَّم: وهو لقب العنبر بن عمرو ... وبَذَّر: موضع)) (12) ، ويقال في هذا النّوع ما قيل في سابقه مما ضُعّفت لامه.
سادسا: كلمات متفرّقة.(4/416)
ثمّة كلمات متفرقة وضعت في أبواب الرّباعيّ وليست رباعيّة، فمنها قوله في الرّباعيّ الصّحيح: ((جَحْمَرِش: عجوز كبيرة)) (1) .
وهذا اللّفظ خماسيّ كما ترى.
ومنها قوله فيه: ((الغَضَف: خُوص طوال يشبه خوص المُقْل، وليس به؛ يقال له نخل الشّيطان)) (2) ، وهذا ثلاثيّ كما ترى.
وقوله: ((فأمّا المُقْرَم فالفحل من الإبل، لا يبتذل بحمل، ولا يذلّل، وبذلك سمّي السّيّد مُقْرَماً)) (3) وهذا ثلاثي والميم فيه زائدة، ووزنه (مُفْعَل) من أَقْرَمَهُ، أي جعله قَرْماً، فهو مُقْرَم (4) .
وذكر في باب (فَوْعَل) : ((القَسْوَر: نبت، والقَسْوَر أيضاً: اسم من أسماء الأسد، زعموا، وهو القَسْوَرَة ... )) (5) .
وهذا ليس من باب (فَوْعَل) وفوق ذلك ليس رباعياً، ووزنه (فَعْوَل) ولعلّه سهو من ابن دريد.
المبحث الرّابع ا: لخلل في الخماسيّ وما ألحق به
توسّع ابن دريد في مفهوم الخماسيّ كثيراً، فأورد فيه ألفاظا ثلاثيّة الأصول أو رباعيّتها، ولهذا جاء الباب حافلا بالألفاظ والأبنية. ولو خلّصه مما جاء فيه من غير الخماسيّ ما بقي فيه سوى القليل. ويمكن بيان ذلك بما يأتي:
أوّلا: الأصول الثّلاثيّة
أورد ابن دريد ألفاظاً ثلاثيّة الأصول في أبواب الخماسيّ، أشار إلى أوزانها في عناوين الأبواب، ولكثرة هذه الألفاظ وتنوّعها أكتفي بذكر نماذج منها، من خلال أوزانها:
أ- (فَعَنعَل)
وهو ما جاء بزيادة نون ثالثة ساكنة، وتكرير العين، مثل: عَقَنقَل، وهو ما ارتكم من الرّمل، وتعقّل بعضه ببعض. وابن دريد يجعل هذا من الخماسيّ، فأورد منه ما وسعه جمعه من ألفاظه.
ومن ذلك على سبيل المثال: ((عَقَنقَس: سَيِّءُ الخلق)) (6) و ((عَصَنصَر: موضع)) (7) و ((خَزَنزَر: سَيِّءُ الخلق)) (8) .(4/417)
وهذه ألفاظ ثلاثيّة الأصول بزيادة النّون الوسطى وتكرير العين، ووزنها (فَعَنعَل) وهي ملحقة ب ((سَفَرْجَل)) وأصولها على التّوالي: (ع ق س) و (ع ص ر) و (خ ز ر) فهي إذن ليست من الخماسيّ.
ب- (فَعَنلَل)
وهو قريب مما تقدّم، أي فيه نون ثالثة ساكنة، إلاّ أنّ التّكرير فيه للام وليس للعين ولهذا يوهم وزنه بأنّه رباعيّ مزيد بحرف، وهو ثلاثيّ مزيد بحرفين؛ لأنّ اللام الأخيرة ليست أصلا، فهي للتّكرير، أي: للإلحاق.
ومما ذكره ابن دريد من هذا النّوع، وأورده في أبواب الخماسيّ:
((ضَفَندَد: ضخم لا غَناء عنده)) (1) .
((عَلَندَد:)) (2) ، وهو الملجأ.
((عَرَندَد: صلب شديد)) (3) .
وهذه الكلمات ثلاثيّة الأصول ملحقة بالخماسيّ (فَعَلّل) نحو ((سَفَرْجَل)) وأصولوها على التّوالي: (ض ف د) و (ع ل د) و (ع ر د) .
ج- (فَعَلْعَل)
وهو الثلاثيّ الملحق بالخماسيّ بتكرير حرفين: العين واللام، نحو: ((السَّرَعْرَع)) وهو الشّابّ الرُّؤد النّاعم (4) .
و ((سَمَعْمَعٌ: خفيف سريع)) (5) .
و ((شَمَقْمَقٌ: طويل)) (6) .
وهذه ألفاظ ثلاثيّة مزيدة، أصولها: (س ر ع) و (س م ع) و (س م ق) فهي ليست من الخماسيّ.
د- باب (فَعَوَّل)
وهذا عنوان باب سماه ((باب ما جاء على فَعَوَّل من الخماسيّ)) (7) ومما جاء فيه:
((رجلٌ عَذَوَّر: سَيِّءُ الخلق)) .
و ((عَطَوَّد: طويل)) .
و ((حَزَوَّر: غلام قد أيفع)) .
وأصول هذه الألفاظ: (ع ذ ر) و (ع ط د) و (ح ز ر) .
هـ- باب (فِعِّيل)
ومما جاء فيه (8) :
((رجل سِكِّير: دائم السّكر)) .
و ((شِمِّير: مُشمِّر في أموره)) .
و ((عِمِّيت: لا يهتدي لجهته)) .
وأصول هذه الألفاظ: (س ك ر) و (ش م ر) و (ع م ت) وهي ليست خماسيّة كما ترى.
و باب (إفْعِيل)
ومما جاء فيه (9) :
((إزميل، وهي الشّفرة الّتي تكون للحَذَّاء)) .
و ((الإغريض: الطّلع)) .
و ((إحْرِيض: صِبْغٌ أحمر، وقالوا العُصْفُر، لغة لبني حنيفة)) .(4/418)
وأصول هذه الألفاظ: (ز م ل) و (غ ر ض) و (ح ر ض) وهي ثلاثيّة.
ز-باب (أُفْعُول)
ومما جاء في هذا الباب (1) :
((أُفْحُوص القطاة: موضع بيضها، وكلّ موضع فَحَصْتَه، فهو أُفْحُوصٌ)) .
و ((الأُلْهُوب: ابتداء جري الفرس)) .
و ((الأُسلوب: الطّريق، يقال: أخذ في أساليبَ من الحديث، أي في فنون منه)) .
وأصول هذه الكلمات: (ف ح ص) و (ل هـ ب) و (س ل ب)
ح- باب (أُفْعُولة وإِفْعِيلة)
ومما جاء فيه (2) :
((يقال: هذه أُحْدُوثة حسنة للحديث الحسن)) .
و ((أُطْرُوحة: مسألة يطرحها الرّجل على الرّجل)) .
و ((أُدْحِيّة: موضع بيض النّعام)) .
وأصول هذه الكلمات: (ح د ث) و (ط ر ح) و (د ح و) وهذا الأخير واويٌّ، وليس يائيا (3) ، ولكن دخله الإعلال بالقلب والإدغام.
ط- باب (يَفْعُول)
ومما جاء فيه (4) :
((يَسْرُوع: دُوَيبّة تكون في الرّمل)) .
و ((يَعْسُوبُ النّحل: الذَّكر العظيم منها، الّذي تتبعه)) .
و ((يَرْبُوع: دُوَيبّة أكبر من الفأرة، وأطول قوائمَ وأذنين)) .
والأصول الثّلاثيّة لهذه الألفاظ كما يلي: (س ر ع) و (ع س ب) و (ر ب ع) .
ي- باب (فِعْوَال)
ومما جاء فيه (5) :
((نخلة قِرْوَاح: ملساء)) .
و ((ناقة هِلْوَاع: شهمة الفؤاد)) .
و ((عِصْوَاد: مستدار القوم في حرب أو صخب)) .
وأصول هذه الكلمات: (ق ر ح) و (هـ ل ع) و (ع ص د) .
ك- باب (فِعْيَال)
ومما جاء فيه (6) :
((هِلْيَاغ: ضرب من السِّباع)) .
و ((رجل حِرْيَاض: عظيم البطن)) .
و ((السِّرْيَاح: الجراد)) .
وأصولها الثّلاثيّة: (هـ ل غ) و (ح ر ض) و (س ر ح) .
ل- باب (فَيْعُول)
ومما جاء فيه (7) :
((عَيْشُوم: ضرب من النّبت)) .
و ((هَيْنُوم: صوت تسمعه ولا تفهمه، وهو مأخوذ من الهَيْنَمَة)) .
و ((قَيْصُوم: نبت طَيِّبُ الرّيح)) .
وأصولها الثّلاثيّة: (ع ش م) و (هـ ن م) و (ق ص م) .
م- باب (تِفْعَال)
ومما جاء فيه (8) :
((رجل تِكْلاَم: كثير الكلام)) .
و ((رجل تِمْسَاح: كذّاب)) .(4/419)
و ((تِنْبَال: رجل قصير لئيم)) .
وأصولها: (ك ل م) و (م س ح) و (ن ب ل) .
ن- باب (فَاعُول)
ومما جاء فيه (1) :
((السَّاجُور: الخشبة تجعل في عنق الأسير، كالغُلّ)) .
و ((صَاقُور: فأس تُكسر بها الحجارة)) .
و ((حَاذُور: خائف من النّاس …لا يُعاشرهم)) .
وأصولها: (س ج ر) و (ص ق ر) و (ح ذ ر)
س- باب (فَيْعَال)
ومما جاء فيه (2) :
((عَيْثَام: ضرب من الشّجر، يقال: إنّه الدُّلْب)) .
و ((غَيْدَاق: ممتلىء الشّباب، وصبيّ غَيْدَاق، إذا تَمَّ شبابه)) .
و ((هَيْذَار: كثير الكلام، وربّما قالوا: هَيْذارة بَيْذارة)) .
وأصولها الثّلاثيّة: (ع ث م) و (غ د ق) و (هـ ذ ر) .
ع-باب (فُعَالَى)
ومما جاء فيه (3) :
((زُبَانَى العقرب: طرفُ قرنها، ولها زُبانَيان)) .
و ((شُكاعَى: ضرب من النّبت)) .
و ((السُّلامَى والسُّلامَيات: عظام صغار يشتمل عليها عصب الكفّين والقدمين)) .
وأصولها الثّلاثيّة: (ز ب ن) و (ش ك ع) و (س ل م) .
ف- باب (فَعُّول)
ومما جاء فيه (4) :
((خَرُّوبٌ: نبت))
و ((قَعُّور: بئر عميقة)) .
و ((بَلُّوق: أرض لا تنبت شيئا، تزعم العرب أنّها من بلاد الجنّ)) .
وأصولها ثلاثيّة كما ترى وهي: (خ ر ب) و (ق ع ر) و (ب ل ق) .
ص- باب (فَعَوْعَل)
ومما جاء فيه (5) :
((رَنَوْنَى: دائم النّظر)) .
و ((قَطَوْطَى: متقارب الخطو)) .
و ((عَثَوْثَى: جافٍ غليظ)) .
وأصولها الثّلاثيّة: (ر ن و) و (ق ط و) و (ع ث و) .
ق- باب (يَفْعِيل)
ومما جاء فيه (6) :
((يَعْضِيد: نبت)) .
و ((يَعْقِيد: ضرب من الطّعام يُعقد))
و ((يَقْطِين: وهو كلّ شيء انبسط على وجه الأرض من الدُّبّاء)) .
وأصولها الثّلاثيّة: (ع ض د) و (ع ق د) و (ق ط ن) .
ر- باب (فُعَالِيَة)
ومما جاء فيه (7) :
((الهُبارية: ما يسقط من الرّأس، إذا مُشط)) .
و ((صُراحية: أمر مكشوف واضح)) .
و ((عُفارية ... : الشّعر النّابت وسط الرأس)) .(4/420)
وأصولها الثّلاثيّة: (هـ ب ر) و (ص ر ح) و (ع ف ر) .
ش- باب (فَعَالية)
ومما جاء فيه (1) :
((حِمار حَزابية: غليظ)) .
و ((رجل عَباقية: داهية مُنكَر)) .
و ((جَراهية: جماعة من النّاس)) .
وأصولها الثّلاثيّة: (ح ز ب) و (ع ب ق) و (ج ر هـ) .
ثانياً: الأصول الرّباعيّة:
أورد ابن دريد ألفاظاً رباعيّة كثيرة في أبواب الخماسيّ، أشار إلى أوزانها في عناوين الأبواب، بما يشبه ما تقدّم عرضه آنفاً من الأصول الثّلاثيّة المذكورة في أبواب الخماسيّ من خلال أوزان ثلاثيّة مزيدة.
ومن الأوزان الرّباعيّة المزيدة المذكورة في الخماسيّ: (فَعَلَّل) و (فَعْنلَل) و (فَعَيْلَل) .
و (فَعَوْلَل) و (فِعْلِيل) و (فُعْلُول) و (فِعْلال) و (فُعالِل) و (مُفْعَلِلّ) و (فَيْعَلول) و ((فِعِلاّل)) و ((فُعُلُّلة)) وهي على النّحو الآتي:
أ- باب (فَعَلَّل)
وهذا الوزن يكون رباعيا مزيداً، ويكون خماسيا مجرداً، فإن كان وزنا لكلمة مضعّفة اللاّم الأولى، مثل عَدَبَّس فهو رباعيّ مزيد، وإن كان وزنا لكلمة خماسية مثل (سَفَرْجَل) فهو خماسيّ مجرد، وأكثر الألفاظ التي أوردها ابن دريد في هذا الوزن رباعيّة مزيدة بالتّضعيف، فمكانها الصّحيح الرّباعيّ، ومما جاء في هذا الباب (2) :
((بعير عَدَبَّس: شديد الخَلْق شرس الخُلُق)) .
و ((بعير هَمَلَّع: سريع السّير)) .
و ((حَبَلَّق: قصير زَرِيّ)) .
وأصولها الرّباعيّة: (ع د ب س) و (هـ م ل ع) و (ح ب ل ق)
ب- باب (فَعَنلَل)
ذكر هذا الوزن في بابٍ ألحقه بالباب السّابق (3) ، ومما جاء فيه:
((شَرَنبَث: غليظ الكفَّين والقدمين)) .
و ((جَحَنفَل: غليظ الشفة)) .
و ((قَفَندَر: سمج قبيح المنظر)) .
وأصولها الرّباعيّة: (ش ر ب ث) و (ج ح ف ل) و (ق ف د ر) .
ج- باب (فَعَيْلَل)
ومما جاء فيه (4) :
((سَمَيدع: سيد كريم)) .
و ((سَبَيطر: طويل، وربّما قالوا: سُباطر)) .
و ((قَليذَم: بئر كثيرة الماء)) .(4/421)
وأصولها الرّباعيّة: (س م د ع) و (س ب ط ر) و (ق ل ذ م) .
د- باب (فَعَوْلَل)
ومما جاء فيه (1) :
((حَبَوكر: اسم من أسماء الدّاهية)) .
و ((سَرَومط: وعاء يكون فيه زِقُّ الخمر، ونحوه)) .
و ((قَلَوبع: لعبة يلعب بها الصّبيان)) .
وأصولها: (ح ب ك ر) و (س ر م ط) و (ق ل ب ع) .
هـ- باب (فِعْلِيل)
ومما جاء فيه (2) :
((رجل عِتْرِيف: غاشم)) .
و ((القِطْمِير: الحَبَّة التي تكون في باطن النواة، تنبت منها النخلة)) .
و ((غِمْلِيس: وهو الغَمْر، وهو صغار البقل الذي ينبت تحته كباره)) .
وأصولها الرّباعيّة: (ع ت ر ف) و (ق ط م ر) و (غ م ل س) .
و باب (فُعْلُول)
ومما جاء فيه (3) :
((دُملُوج: وهي الجبارة التي تجعلها المرأة في عَضُدها)) .
و ((دُعمُوس: دودة سوداء تكون في الماء الآجن)) .
و ((السُّرعُوب: ابن عِرس)) .
وأصولها الرّباعيّة: (د م ل ج) و (د ع م ص) و (س ر ع ب) .
ز- باب (فِعْلاَل)
ومما جاء فيه (4) :
((جِرْفَاس: من وصف الأسد، وهو الغليظ العُنُق)) .
و ((الفِرْضَاخ: النّخلة الفتيّة)) .
و ((طِرْبَال: وهي الصّخرة العظيمة المشرفة من جبل أو جدار)) .
وأصولها: (ج ر ف س) و (ف ر ض خ) و (ط ر ب ل) .
ح- باب (فُعالِل)
ومما جاء فيه (5) :
((عُلاكِم: صلب شديد)) .
و ((جُراضِم: عظيم البطن، وقالوا: النّهم الأكول)) .
و ((قُراشِم: خَشِنُ المَسِّ)) .
وأصولها الرّباعيّة: (ع ل ك م) و (ج ر ض م) و (ق ر ش م)
ط- باب (مُفْعَلِلّ)
ومما جاء فيه (6) :
((ماء مُزْمَهِلّ: إذا كان صافيًا)) .
و ((مُقْفَعِلّ، يقال اقْفَعَلّت يده، إذا تقبّضت من برد)) .
و ((شعر مُقْلَعِطّ: شديد الجعودة)) .
وأصولها الرّباعيّة: (ز م هـ ل) و (ق ف ع ل) و (ق ل ع ط)
ي- باب (فَيْعَلول)
ومما جاء فيه (7) :
((خَيْتَعُور: لا يدوم على العهد)) .
و ((عَيْطَمُوس: تامّة الخلق من الإبل)) .
و ((ناقة عَيْسَجُور: سريعة نشيطة)) .
وأصولها: (خ ت ع ر) و (ع ط م س) و (ع س ج ر)(4/422)
ك- باب (فِعِلال)
ومما جاء فيه (1) :
((سِجِلاط: وهو النَّمَطُ يطرح على الهَوْدَج)) .
و ((طِرِمَّاح: طويل))
و ((جِهِنَّام: رَكِيّ بعيدة القعر)) .
وأصولها: (س ج ل ط) و (ط ر م ح) و (ج هـ ن م) .
ل- باب (فُعُلُّلة) (2)
ومما جاء فيه (3) :
((قُرُنبُضة: قصيرة)) .
و ((خُرُنفُقة: قصيرة أيضا)) .
و ((جُلُندُحة: صلبة شديدة)) .
والنّون المتوسّطة في هذه الكلمات زائدة، وهي رباعيّة الأصول من: (ق ر ب ض)
و (خ ر ف ق) و (ج ل د ح) ومكانها الرّباعيّ، وليس الخماسيّ.
المبحث الخامس: الخلل في أبواب اللّفيف
بعد أن انتهى ابن دريد من عرض المادّة المعجميّة اللّغويّة على الأبواب السابقة الثّنائيّة والثّلاثيّة والرّباعيّة والخماسيّة، أراد أن يفرد بعض الأوزان، ويجعلها في باب سمّاه ((أبواب اللّفيف)) (4) لقصر أبوابه والتفاف بعضها ببعض، كما يقول (5) .
وأتى فيه على قدر صالح من الأبنية (الأوزان) أورد فيها ما جاء عليها من الألفاظ، ولكنه كعادته -في هذا المعجم- لم يخل من الاضطراب في الأصول.
وأعرض -هنا- نماذج لما جاء في هذه الأبنية (الأوزان) من خلل في الأوزان لاضطراب الأصول:
أ- باب (فُعَلْعال) .
أورد فيه كلمتين (6) : ((جُلَنْداء)) اسم قبيلة، و ((السُّلَحْفَاء)) لغة في السُّلَحفاة، والأولى منهما ثلاثيّة مزيدة وهي على وزن (فُعَنْلاء) . وتأتي مقصورة: ((جُلَنْدى)) ووزنها حينئذ (فُعَنْلَى) كما ذكر ابن عصفور (7) .
والأخرى رباعيّة، ووزنها (فُعَلاّء) .
والكلمتان ليستا من وزن (فُعَلعال) .
ب- باب (فَعَلَّلَى) .
ومما جاء فيه (8) :
((الزَّبَنْتَرَى: من أسماء الدّواهي)) .
و ((الحَدَبْدَبَى: لعبة يلعبون بها)) .
والأولى منهما رباعيّة، ووزنها (فَعَنلَلَى) أمّا الثّانية فهي ثلاثيّة، ووزنها (فَعَلْعَلَى) بتكرير العين واللام، وزيادة الألف آخراً.
ج- باب (فَنْعَلِل) .
ومما جاء فيه (9) :(4/423)
((عجوز جَحْمَرِش: يابسة)) .
و ((كَمَرة: قَهْبَلِس: عظيمة)) .
وهاتان الكلمتان خماسيّتان على وزن (فَعْلَلِل) وليستا رباعيّتن، كما يفهم من وزن ابن دريد، والعجيب أنّه ليس فيهما نون زائدة تقابل ما في الميزان الذي ذكره، ولعلّ الميزان محرف.
د- باب (فِعْلِلاء) .
ومما جاء فيه (1) :
((الجِرْبِياء: وهي الرّيح الشّمال)) .
و ((القِرْحِياء: الأرض الملساء)) .
وهما ثلاثيّتان على وزن (فعلياء) ووزن ابن دريد يوحي بأنّهما رباعيّتان، وليستا كذلك. وقد أشار محقّق الكتاب إلى أنّه ورد في بعض النّسخ (فِعْلِياء) وهذا هو الصّحيح.
هـ- باب (فِعْليان) .
ومَثَّلَ له ب ((هِذْرِيان)) كثير الكلام.
ومما جاء فيه (2) :
((عِفِّتان)) وهو الرّجل القويّ الجافي.
وليس هذا من هذا الوزن، فهو: (فِعِّلان) والعجيب أنّه ليس في كلمة ((عِفِّتان)) ياء لتظهر في الميزان، ولولا ما صحبها من ألفاظ أخرى لقلت: إنّ الوزن الّذي ذكره مصحّف من (فِعْلِتان) .
و باب (فَعَلَّلان) .
وجاء فيه بكلمتين (3) ، وهما:
((هَزَنْبَزَان: سَيّء الخلق)) .
و ((دَعَنْكَران: متدرّئ على النّاس)) .
وليس هاتان الكلمتان من هذا الوزن فهما من (فَعَنللان) بزيادة النّون.
ز- باب (فَوْعَلان) .
ومما جاء فيه (4) : ((يوم أَرْوَنان: شديد في الخير والشّرّ)) .
وليس هذا منه، فهو (أَفْعَلان) كما ذكر سيبويه (5) وغيره (6) .
ح- باب (فُعَلْعِيل) .
ومما جاء فيه (7) : ((شُرَحْبِيل: اسم)) رجل.
وهذا خماسي مزيد على وزن (فُعَلِّيل) وقد ذكره ابن دريد في وزنه الصّحيح، في غير هذا الموضع (8) .
ط- باب (فِعْلِيت) .
ومما جاء في هذا الباب (9) :
((عِتْرِيس: يُعَتْرِسُ الشّيءَ، أي: يأخذه غصباً.
وعِتْرِيف: اسم.
وصِمْلِيل: ضرب من النّبت.
وقِرْمِيد: الآجُرّ، أو نحوه، روميّ معرب.
وقِنْدِيد: عصير عنب يُطبخ بأفاويه)) .(4/424)
وليست هذه الكلمات من ذلك الباب، فهي على وزن (فِعْلِيل) والغريب أنّه ليس في آخرها تاء حتّى يتردد الرّأي في أصالتها أو زيادتها كما في ((حلتيت)) .
ي- باب (فِعَلْنَة) .
وجاء فيه: ((أرض دِمَثْرَة: سهلة)) (1) .
وليس في هذه الكلمة نون قبل تاء التّأنيث، ووزنها الصّحيح (فِعَلّة) وليس فيها نون، كما في الميزان.
ك- باب (فَعْلَلَّى) .
وجاء فيه: ((مَرْحَيَّا: كلمة تقال عند الإصابة في الرمي.
وبَرْدَيّا: موضع)) (2) .
والياء المضعّفة في هاتين الكلمتين زائدتان، ووزنهما (فَعْلَيّا) وهي كذلك عند سيبويه (3) ، إلاّ أنّها محرّكة العين، هكذا: فَعَلَيّا، وكذلك رواها ابن الدّهّان (4) ، وابن عصفور (5) .
المبحث السّادس: أخطاء صرفيّة صريحة
لابن دريد -بعد ذلك- آراء أو اجتهادات صرفيّة غير موفّقة في أوزان ألفاظ، أو تحديد زوائد فيها، أو إعادتها إلى أصولها اللّغويّة، كقوله في مادّة (م ح ق) : ((فأمّا قول الشّاعر:
يُقِلِّبُ صَعْدَةً جَرْدَاءَ فيها
نَقِيعُ السُّمِّ أو قَرْنٌ مَحِيقُ
فليس من هذا، وهو من حُقْتُ الشّيءَ أَحِيقُهُ، وأَحُوقُه؛ إذا دَلَكْتَه، فهو محيق: مدلوك. وهو فعيل في معنى مفعول)) (6) .
فكيف يكون ((المَحِيق)) من حُقْتُ، ويكون على وزن (فعيل) ؟
والوجه أن المحيق إما أن يكون من أصل ثلاثيّ صحيح، وهو (م ح ق) وإمّا أن يكون من أصل أجوف، وهو (ح وق) أو (ح ي ق) فإن كان من (م ح ق) فوزنه (فعيل) وإن كان من (ح وق) أو (ح ي ق) فوزنه (مَفْعِل) .
ومن أخطائه الصّرفيّة قوله: ((ليس في كلامهم فُعْلُول موضع الفاء منه ميم إلاّ في هذا الحرف: مُغْرُود ومُغْفُور، وهو صَمْغٌ يسقط من الشّجر حُلْوٌ ينقع، ويشرب ماؤه حلواً)) (7) .
وقال في موضع آخر: ((والمَغافير: لَثًي من لثى الشّجر، وهو الصّمغ؛ الواحد: مُغْفُور، وهو أحد ما جاء على فُعْلُول موضع الفاء ميم)) (8) .(4/425)
والصّواب أن ((مُغْرُوداً)) و ((مُغْفُوراً)) على وزن (مُفعول) لأنّ الميم زائدة. وفي هذا يقول ابن خالويه: ((ليس في كلام العرب اسم على (مُفْعُول) إلا مُغْرُود، وهي الكمأة، ومُعْلُوق: شجر، ومُنْخُور: لغة في المَنخِر، ومُغْثُور ومُغْفُور من المَغَافير: صَمْغٌ حلو)) (1) .
ومثل هذا ما حُكي عن الفرّاء (2) .
ومنه قوله في مادّة (ن س س) : ((ونَسَّ فلان إبله يَنُسُّها نساً، إذا ساقها، والمِنسَاة غير مهموز مِفْعَلَة من هذا)) (3) .
وقوله: إنّ المنساة (مِفعلة) صحيح، ولكن كيف تكون من هذا؛ أي: من هذا الأصل: (ن س س) ؟ لو كانت من هذا لقالوا: ((المِنَسَّة)) مثل ((المِخَدَّة)) من (خ د د) .
والصّواب أنّ ((المِنْسَاة)) -وهي العصا- من أصل مهموز وأصلها ((المنسأة)) بالهمز من (ن س أ) وتخفّف فكأنّها -حينئذ- من المعتلّ: (ن س و) أو (ن س ي) وقد ذكرها ابن منظور في الأصلين المهموز والمعتلّ، وقال في المهموز: ((المِنسأة: العصا، يهمز ولا يهمز؛ يُنسَأُ بها. وأبدلوا إبدالا كلّياً، فقالوا: مِنسَاة، وأصلها الهمز)) (4) .
ومنه قوله في تقليبات مادّة (رم - واي) : ((ومن همز المُرُوءة أخذها من حُسْنِ مَرآة العين)) (5) .
وهذا الاشتقاق لا يستقيم عند ربطه بالمادّة الّتي ورد فيها وهي مقلوب (رم - واي) لأنّ مرآة العين (مَفْعلة) من الرّؤية، ومادّتها (ر أى) وليست الميم فيها أصليّة.(4/426)
ولذا ردّ عليه تلميذه أبو عليّ الفارسيّ، فقال وهو يعنيه: ((وزعم بعض رواة اللّغة أنّ المُرُوءة مأخوذة من قولهم: هو حَسَنٌ في مَرآة العين. وهذا من فاحش الغلط، وذلك أنّ الميم في مرآة زائدة، ومُرُوءة: فُعُولة، فلو كانت من المَرآة لكانت: رُئِيَّة، ولكنّها مأخوذة من أحد شيئين: إمّا أن تكون فُعُولة من المَرْء، كالرّجولة من الرّجل، وإمّا أن تكون من مَراءة الطّعام؛ لأنّ الآخذ بها يهضم نفسه لها، فيكفّ عن كثير مما يرتكبه المُطَّرِح لها، قال أبو زيد: مَرُؤَ مُرُوءة، فدلّت (1) حكاية أبي زيد هذا على أنّ الميم فاء)) (2) .
وأنكر الراغب الأصفهاني -أيضاً- أن تكون ((المُرُوءة)) مشتقّة من قولهم: حَسُنَ في مرآة العين، وقال: ((هذا غلط؛ لأنّ الميم في مرآة زائدة، ومُرُوءة فُعُولة)) (3) .
الفصل الثّالث: أسباب الخلل في الجمهرة
وقفنا في الفصل السابق على ما في الجمهرة من خلل في الأصول واضطراب فيها، وهو كثير كما رأينا من خلال المباحث الستة. فما أسباب هذا الخلل والاضطراب؟
هل نساير السّيرافّي وابن جنّي ومن لفّ لفهما فنعزو هذا الخلل إلى ضعف ابن دريد في التّصريف؟ وإذا أخذنا بهذا الرّأي فكيف نُفسر ما يتبدّى لقارئ الجمهرة من براعة ابن دريد اللّغويّة، وحذقه في التّصريف في مواضع متفرّقة كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر قوله: ((واستعمل الاعتياص، وهو الافتعال من قولهم: اعتاص يعتاص اعتياصاً، وهذه الألف أصلها ياء كأنه: اعتَيَصَ)) (4) .
وقوله في مادّة (ل ت ت) : ((زعم قوم من أهل اللّغة أنّ اللاتَ التي تعبد في الجاهليّة صخرة كان عندها رجل يَلُتُّ السّويق وغيره للحاجّ، فلمّا مات عُبدت. ولا أدري ما صحّة ذلك؛ لأنّه لو كان كذلك كان يكون: اللاتّ: بتثقيل التّاء لأنّها تاءان)) (5) .(4/427)
وقوله في مادّة (ذ خ ر) : ((وادّخرت ادّخاراً، وهو افتعلت من الذُّخر؛ الأصل فيه اذتخرتُ، فقلبوا التّاء دالا، لقرب مخرجها منها، وأدغموا الذّال في الدّال، وكذلك يفعلون في نظائرها، مثل ادّكر، ونحوه)) (1) .
وقوله: ((المُدالاة: المفاعلة من الرِّفق، من قولهم: دَلَوته في السّير أدلوه دَلواً، إذا رفقت به في السير)) (2) .
وقوله في مادّة (ك ور) : ((كار الرّجل إذا أسرع في مشيته يكور كَوْراً، واستكارَ استكارة. قال أبو بكر: وهذه الألف الّتي في استكار مقلوبة عن الواو، وكان الأصل: استكوَرَ، فألقيت فتحة الواو على الكاف، فانقلبت ألفاً ساكنة: وسمّي الرّجل مستكيراً من هذا)) (3) .
وقوله في مادّة (ف ر ع) : ((وأمّا فرعون فليس باسم عربيّ يُحكّم فيه التّصريف. وأحسب أنّ النون فيه أصليّة؛ لأنّهم يقولون: تفرعن، وليس من هذا الباب)) (4) .
ومثل هذا كثير في ((الجمهرة)) ، وهو يدلّ دلالة واضحة على تمكّن ابن دريد من التّصريف، إلى الحدّ الذي يؤهّله لوضع معجم لغويّ يقوم أساساً على معرفة أصول الألفاظ، وما يعتريها من زوائد، وهل يصحّ بعد هذا ما يردّده بعض الباحثين المعاصرين، وهو ((أنّ معظم أخطاء ابن دريد قد نتجت عن عدم خبرته بعلم الصّرف)) (5) .
إنّ لخلل الأصول في الجمهرة أسباباً مختلفة منها ما يتّصل بمنهج ابن دريد، ومنها ما يتّصل برؤيته الخاصّة لبعض المسائل اللّغويّة، ومنها ما يحمل على السّهو. وفيما يلي أبرز الأسباب التي أدّت إلى الخلل والاضطراب في هذا المعجم:
الأوّل: اضطراب المنهج:
إنّ نظام التّقليبات وكثرة الأبواب والتّفريعات والملحقات غير المحكمة أوقعت ابن دريد في شيء غير قليل من خلل الأصول، فالمعجم مقسّم عنده إلى الثّنائيّ وما يلحق به، فالثّلاثيّ وما يلحق به، فالرّباعيّ وما يلحق به، فالخماسيّ وما يلحق به، ثمّ أبواب اللفيف وأبواب النّوادر.(4/428)
ويلحق بباب الثّنائيّ أبوابٌ للثّنائيّ الملحق ببناء الرّباعيّ المكرّر، فباب للهمزة، وما يتّصل بها من الحروف في المكرّر، فباب للثّنائيّ في المعتلّ وما تشعّب منه.
ويلحق بأبواب الثّلاثيّ الصّحيح باب لما يجتمع فيه حرفان مثلان في موضع الفاء والعين أو العين واللام أو الفاء واللام، فباب لما كان عين الفعل منه أحد حروف اللّين، فباب للنّوادر في الهمز.
ويلحق بأبواب الرّباعيّ أبواب للرّباعيّ المعتل، فباب لما فيه حرفان مثلان من الرّباعيّ، ثمّ أَلْحَقَ به عشرين بابا لأوزان مختلفة، حتّى يخيّل للقارئ أنّه أمام معجم من معاجم الأبنية لا الألفاظ.
أما أبواب الخماسيّ وما يلحق بها من أبواب مبنيّة على الأوزان، وكذلك أبواب اللّفيف والنّوادر فهي إلى معاجم الأبنية أقرب، وفيها أدخل، والاضطراب فيها فاش.
وللّفيف عند ابن دريد مفهوم يختلف عمّا اصطلح عليه الصّرفيون، وهو لا يريد به إلاّ الأبواب القصيرة، يقول: ((سمّيناه لفيفاً لقصر أبوابه والتفاف بعضها ببعض)) (1) هكذا.
وبسبب هذا الاضطراب في المنهج تَشَتَّتَت الألفاظ والأبنية، وتكرّرت، واضطربت الأصول، ونتج عن ذلك الاضطراب في المنهج أن أورد ابن دريد ألفاظاً ثلاثيّة الأصول في أبواب الرّباعيّ، وأورد ألفاظاً ثلاثيّة الأصول أو رباعيّتها في أبواب الخماسيّ، واضطرب في أوزان كثير منها.
ولو أحكم أبن دريد منهجه وقلّل من التّفريعات والملحقات، وساير الخليل في تقسيم الأبنية ما وقع في كثير ممّا وقع فيه، ممّا قد يحمل على ضعف التّصريف، وليس الأمر كذلك.
الثّاني: الإملاء:(4/429)
تقدّم أنّ ابن دريد أملى الجمهرة من حفظه، وارتجلها ارتجالاً، ولم يستعن عليها بالنّظر في شيء من الكتب إلاّ في الهمزة واللّفيف فإنّه طالع لهما بعض الكتب، وهذا يفسر شيئاً مما وقع في الجمهرة من خلل واضطراب؛ لأنّ السّهو مع الإملاء لا يدفع. ولهذا تقدّم ابن دريد معتذراً عن التّقصير في آخر باب المعتلّ من الثّلاثيّ لما أحسّ بأنّ زمام المعجم يكاد يفلت من يده، فقال:
((هذا آخر الثّلاثيّ سالمه ومعتلّه، وذي الزّوائد منه، وإنّما أملينا هذا الكتاب ارتجالاً لا عن نسخة، ولا تخليد من كتاب قبله، فمن نظر فيه فليخاصم نفسه بذلك، فيعذر إنْ كانَ فيه تقصير أو تكرير)) (1) .
وكرّر اعتذاره في آخر المعجم قائلاً: ((وإنّما كان غرضُنا في هذا الكتاب قصد جمهور الكلام واللّغة، وإلغاء الوحشي المستنكر، فإنْ كنا أغفلنا من ذلك شيئاً لم ينكر علينا إغفاله، لأنّا أمليناه حفظاً، والشّذوذ مع الإملاء لا يدفع)) (2) .
وهكذا غلبت حافظة ابن دريد، وحُبّه التّفرد، وغلبة الأقران، وانتزاع الإعجاب من التلامذة على ما كان ينبغي له أنْ يأخذ به نفسه في معجم لغويّ كبير، يقوم على منهج متشعّب الفروع. والإملاء إنّما يحسن في نوادر الأدب، لا في اللّغة والمعاجم، ولذا لم يعذر ابن دريد حينما رأى علماء العربيّة في معجمه خللاً واضطراباً.
وفي ظنّي أنّ ابن دريد لو تجنّب الارتجال ما وقع في كثير من الهنات والمآخذ، التي نُحصيها عليه اليوم.
الثّالث: هاء التّأنيث:(4/430)
لابن دريد مذهب غريب في رؤيته لأصول الألفاظ، وهو أنّه يعدّ هاء التّأنيث (تاء التّأنيث) من أصول الكلمة كما تقدّم في المبحثين الثّاني والثّالث من الفصل الثّاني، وهذا مذهب فاسد في الصّنعة المعجميّة، نتج عنه خلل ظاهر في الأصول. ولهذا اتَّهَمَ عبدُالقاهر الجرجانيُّ ابنَ دريد بالجهل بأصول الألفاظ، وبأنّ تصريفه كتصريف الصبيان (1) ؛ لأنّه ذكر ((لَثَة)) في تقليبات ((ثهلان)) (2) و ((رِعَة)) في تقليبات ((عاهر)) (3) مع اختلاف الأصول.
فهل كان ابن دريد يجهل أنّ هاء التّأنيث لا تكون أصلاً من أصول الكلمة، فاختلط عليه أمرها؟
لا، ليس الأمر كذلك، فإنّ زيادة هذا الحرف في الكلمة أمر لا يخفى على المبتدئين، فكيف يخفى على لغويّ مقتدر كابن دريد؟
لقد تعمّد ابن دريد إدخال هاء التّأنيث في أصول الكلمة عند التقليب، فكان صنيعه ذلك ناشئاً عن قصد، وهو أنّه ينظر إلى الكلمة، فإن كان لها مذكر من لفظها لم يعدّ الهاء من أصولها، وإن لم يكن لها مذكر من لفظها عدّ الهاء من أصولها؛ لأنّها كالحرف اللازم في الكلمة، فالتّاء في ((البَكْرَة)) -وهي الفَتِيّ من الإبل- ليست لازمة لها، لأنّه يقال للمذكّر ((بَكْر)) فلذلك ذكرها ابن دريد في مادّة (ب ك ر) (4) .وأمّا ((الجَمْحَة)) وهي العين، فالهاء فيها لازمة، فلا يقال: ((جَمْح)) ولذلك ذكرها في الرّباعيّ (ج م ح هـ) (5) .
فالعبرة عنده بلزوم الحرف وبقائه في الكلمة، وكذلك يفعل فيما فيه زوائد لازمة غير الهاء، كما سيأتي.
ولم يتركنا ابن دريد نستنتج ذلك فنصيب أو نخطئ،.ولكنّه نصّ عليه في غير موضع من معجمه، كقوله في باب الرّباعيّ: ((القِرْبة: معروفة، وليس لها مذكر، ولذلك أدخلناها في الرّباعيّ مع هاء التّأنيث)) (6) .
وقوله: ((حَرْدَة: اسم موضع، وهذه الهاء هاء التّأنيث، وليس له مذكر في معناه، فاستجزنا إدخاله في هذا الباب)) (7) أي في الرّباعيّ.(4/431)
وقوله: ((الجَمْحَة: العين ... وإنّما أدخلناها في هذا الباب، لأنّه لا مذكر لها، فالهاء كالحرف اللازم)) (1) .
وقوله: ((الحَسَكة ... الحقد في القلب، وأدخلناه في هذا الباب؛ لأنّه لا مذكر له من لفظه، إلاّ أن تقول: حَسَكٌ، تريد جمع حسكة)) (2) .
وقوله: ((درهم قَفْلَة؛ أي: وازن، الهاء أصلية، وهي هاء التّأنيث، لازمة له، لا تفارقه، ولا يقال: درهم قَفْلٌ)) (3) .
وقوله: ((الصُّفَّة: صُفَّة البيت، وصُفُّة السّرج. قال أبو بكر: وإنّما أدخلناها في هذا الباب؛ لأنّه لا مذكر لها، والهاء تقوم مقام حرف ثالث)) (4) .
هذا شأنّ ابن دريد في هاء التّأنيث، ونقف معه هنا ثلاث وقفات:
الأولى: أنّ هذا الصنيع غير مألوف في صناعة المعاجم الّتي تقوم على الأصول، وليس له مبرر مقنع. أمّا دفاع المستشرق ((كرنكو)) عن ابن دريد في هذه المسألة، وذكره أنّ الدّافع لابن دريد في ارتكاب هذا هو جهل النّاس في عصره، وعدم استطاعتهم التّفريق بين ما فيه الهاء الأصليّة، وما فيه هاء زائدة للتّأنيث (5) ، فأمر غير مقبول، لما فيه من إساءة الظّنّ بالنّاس؛ ولأنّه لايمكن أن يتّخذ جهل الجاهلين وسيلة لارتكاب مثل هذا الشّذوذ، في صنعة محكمة.
الثانية: أنّ ابن دريد اضطرب عند التّطبيق، فذكر ألفاظاً مؤنّثة بتاء لازمة في أصولها الصّحيحة، أي دون أن يعتدّ بالهاء، فذكر في مقابل ذلك ألفاظاً مؤنّثة بتاء ليست لازمة في أصل فيه الهاء، أو ذكرها في موضعين ك ((الغُصَّة)) ذكرها في (غ ص ص) (6) و (غ ص هـ) (7) و ((الشّقّة)) ذكرها في (ش ق ق) (8) و (ش ق هـ) (9) ومثل هذا كثير.(4/432)
الثّالثة: أنّ عَدَّهُ هاء التّأنيث من أصول الكلمة أوقعه في خطأ آخر في الثّلاثيّ المضعّف (الثنائي عند ابن دريد) وهو إسقاط لام الكلمة وإحلال الهاء محلّها، كإيراده ((مكّة)) في تقليبات (م ك هـ) والصّواب أنّها من (م ك ك) فأسقط لام الكلمة وأحلّ محلّها الهاء، وبذلك وقع في خطأين، إدخال الهاء في أصول الكلمة، وحذف لامها الأصليّة، وهي الكاف.
ومثل هذا جعله ((البَنَّة: الرّائحة الطّيّبة)) في (ب ن هـ) (1) وهي من (ب ن ن) وجعله ((الفِضّة)) في تقليبات (ف ض هـ) (2) وهي من (ف ض ض) .
أمّا في الثّلاثيّ المعتلّ فإنّ هذه الهاء تكون على حساب حرف العلّة؛ فاء الكلمة في المثال، أو لامها في النّاقص ك ((السّعة)) ذكرها في مادّة (س ع هـ) (3) وهي من (وس ع) ، و ((البُرَة)) في (ب ر هـ) (4) وهي من (ب ر و) .
الرّابع: الحرف الزائد للإلحاق:
يَعُدُّ ابن دريد الحرف الزّائد اللازم في الكلمة من أصولها، وهو الحرف الّذي لا يزاد لمعنى، وإنّما يزاد لإلحاق أصل بأصل، أونحو ذلك، فالواو في ((كَوْثَر)) والياء في ((سَيْطَرَ)) والدال في ((قَرْدَد)) من أصول الكلمة عنده، فهي رباعيّة لأنّ هذه الحروف لازمة لا تسقط من الكلمة، أمّا الميم والواو في ((مكتوب)) أو الياء في ((شديد)) فليست لازمة، ولهذا لا يعدّها في أصول الكلمة.
وهذا ما يفسّر كثيراً مما جاء في الرّباعيّ والخماسيّ واللّفيف ممّا نعدّه خللا بمقاييسنا، وهو ينصّ عليه صراحة في بعض العناوين، كقوله في أبواب الخماسيّ: ((باب ما جاء على فُعالل مما ألحق بالخماسيّ للزوائد الّتي فيه، وإنْ كان الأصل غير ذلك)) (5) . وقوله:
((باب ما جاء على فُعالَى فألحق بالخماسيّ للزّوائد، وإنْ كان الأصل غير ذلك)) (6) .
الخامس: صورة اللفظ:(4/433)
قد ينظر ابن دريد إلى صورة الكلمة فيضعها في أصل غير أصلها الصّحيح، كقوله في الرّباعيّ: ((وأيهم: اسم، يقال اللهم إنّا نعوذ بك من الأيهمَين السّيل والجمل الصَّؤول. قال أبو بكر: وأَيْهَم إن شاء قائل أن يقول: في وزن (أفعل) كان قولا، ولكنّا أدخلناه في هذا الباب؛ لأنّ اللّفظ يشبه لفظ (فيعل) لأنّ أوّله همزة، كأنّه عَيْهَم)) (1) .
وقوله في الرّباعيّ: ((والتّولج والدّولج ... وليست الواو زائدة؛ لأنّه من الولوج، والواو فاء الفعل، إلاّ أنّه في وزن فوعل)) (2) .
وهو يقصد هنا الوزن الصّوتيّ، أي: تمثيل نطق الكلمة، كما تقول: تولج على وزن شوحط، أو يريد أنّها شابهت وزن (فوعل) فكأنّها منه، فذكرها فيه، و (فوعل) عنده من الرّباعيّ؛ لأنّ الواو لازمة.
وقوله في تقليبات مادّة (ر ض م) : ((والمُرِضّة ليس من هذا الباب، ولكن اللّفظ أشبه اللّفظ، لأنّ الميم فيها زائدة، وأصلها من الرّضّ)) (3) .
ويلحق بهذا أنّه قد يجعل الهمزة الزّائدة في أوّل الثّلاثيّ من أصله، كجعله ((الأَحَذّ)) في تقليبات الأصل الثّلاثيّ: (ح ذ - وا ي) و ((أرمّ القوم)) في تقليبات الأصل الثّلاثيّ: (رم - وا ي) ، ومثلهما: ((فرس أَغَرّ)) .
ويبدو أنّه رأى الهمزة الزّائدة في أوّل هذه الكلمات مع إدغام العين في اللام، فاشتبه عليه الأصل، كأنّه نظر إلى صورة اللّفظ من غير تدقيق في أصله، والهمزة على منهجه من حروف العلّة، وتأتي في تقليبات المعتلّ، إلاّ أنّها في مثل هذه الألفاظ زائدة، ووزنها (أفعل) ولو دقّق ابن دريد فيها عرف الأصل.
السّادس: تداخل الأصول اللّغويّة:(4/434)
قد يتداخل أصلان لغويان في كلمة واحدة فيلتبسان، ك ((المدينة)) يتداخل فيها أصلان (م د ن) و (د ي ن) ويتداخل في كلمة ((الملائكة)) ثلاثة أصول: (ل أك) و (أل ك) و (م ل ك) ، ويتداخل في كلمة ((الذُّرِّيَّة)) أربعة أصول: (ذ ر أ) و (ذ ر ر) و (ذ ر و) و (ذ ر ي) وهذا باب واسع، لا يكاد يبرأ منه أحد من صنّاع المعاجم، ومنهم ابن دريد، فقد يضع الكلمة بسبب التّداخل في غير موضعها، وقد يضعها في موضعين.
ومما وضعه في غير موضعه بسبب التّداخل كلمة ((الغَوْغَاء من النّاس الّذين لا نظام لهم ... أُخِذَ من غَوْغَاء الدَّبَى)) أوردها في تقليبات مادّة (غ أوي) (1) من باب الثّنائيّ في المعتلّ.
وليست هذه الكلمة من هذا الأصل، وهي تحتمل أصلين، أحدهما ثلاثيّ، وهو (غ وغ) والآخر رباعيّ وهو (غ وغ و) ، ومن العرب من يجعلها بمنزلة ((عَوْراء)) فيؤنَّث، ولايصرف، فيقول ((غوغاءُ)) فالهمزة -حينئذ- زائدة، والأصل (غ وغ) .
ومنهم من يقول ((غَوْغَاءٌ)) بالتّذكير والصّرف، فهي عنده بمنزلة ((القَمْقَام)) و ((القَضْقَاض)) أي أنّه يجعل الغين والواو مضاعفين بمنزلة القاف والميم في ((القمقام)) والقاف والضاد في ((القضقاض)) وأصلها على هذا ((الغوغاو)) فقلبت الواو همزة، لتطرّفها بعد مدّ، فهي من باب الرّباعيّ المضاعف، وأصلها (غ وغ و) .
ولم يضعها ابن دريد في أحد هذين الأصلين، ولكنّه ابتدع لها أصلاً ثالثاً وضعها فيه، وهو (غ وى)
ووضع ((الشّاءَ)) -واحدها شاة، وصاحبها شاويّ- في تقليبات مادّة (ش أوي) (2) من باب الثّنائيّ المعتلّ، وهي تحتمل أحد أصلين ثلاثيّين أحدهما أجوف، والآخر لفيف مقرون.
فالأوّل، وهو (ش وهـ) فيه تفصيل ذكره المبرّد (3) ، ورجّحه العلماء (4) ولا حاجة لذكره هنا.
والثّاني مذهب مرجوح، وهو أنّه لفيف مقرون من (ش وو) أو (ش وي) وقد فصّلت فيه في بحث ((تداخل الأصول)) (5) بما لا حاجة لذكره هنا.(4/435)
أما الآخر وهو ما وضعه في موضعين، فمنه قولهم ((برأل الحُبارى، إذا نشر برائله، لفزع أو قتال)) وضعه في أصلين: ثلاثيّ ورباعيّ، وهما (ب ر ل) (1) و (ب ر أل) (2) .
ووضع ((صَدَّاء)) -وهو ماء- في موضعين: (ص د د) (3) و (ص د ى) (4) ، فيجوز أن تكون ((صدّاء)) (فَعلاء) من (ص د د) فكأنّها تصدُّ طالبها.
ويجوز أن تكون (فَعَّالاً) من (ص د ي) من صَدِيَ يَصْدَى؛ وهو شدّة العطش.
وهي -أيضاً- تحتمل أصلاً ثالثاً، هو (ص د أ) ووزنها حينئذ (فعّال) أيضاً، ولذلك وضعت في بعض المعاجم (5) في المهموز.
ووضع ((المجلّة)) في موضعين: (ج ل ل) (6) و (م ج ل) (7) .
ووضع ((الدّكان)) في موضعين (د ك ك) (8) و (د ك ن) (9) .
ومثل هذا كثير في ((الجمهرة)) .
• • •
الخاتمة:
وقفنا في هذا البحث على ثلاث مسائل رئيسة من خلال فصول البحث:
الأولى: التّعريف الموجز بابن دريد، ومعجمه الجمهرة، والمنهج الّذي ارتضاه لنفسه، ثمّ التّعرّف عن كثب على مواقف العلماء من ابن دريد في معجمه، واختلافهم في أمره بين مادح وقادح، ورصد أبرز مآخذهم عليه.
الثّانية: الوقوف على خلل الأصول في الجمهرة في أبواب الثّنائيّ والثّلاثيّ والرّباعيّ والخماسيّ واللّفيف وملحقاتها.
الثّالثة: الكشف عن أسباب الخلل في الأصول واضطرابها في الجمهرة.
ويمكن أن نخرج ببعض النّتائج، ومن أبرزها:
ألم يخل باب من أبواب الجمهرة من خلل الأصول أو اضطرابها، وكَثُرَ الخلل في:
1 ما فيه هاء تأنّيث (تاء تأنّيث) وبخاصّة الثّلاثيّ المضعّف والثّلاثيّ المعتلّ والرّباعيّ.
2 ما فيه همزة.
3 الثّلاثيّ المعتلّ.
4 الثّلاثيّ المزيد بحرف للإلحاق.
5 الرّباعيّ المزيد بحرف للإلحاق.
6 ما فيه نون ثانية زائدة.
7 ما فيه نون ثالثة ساكنة.(4/436)
ب لم يكن جمهور الخلل في معجم الجمهرة ناشئاً عن قصور ابن دريد في التّصريف، كما قال بعض العلماء بل هو ناشيء عن أسباب مختلفة، منها ما يتّصل بمنهج ابن دريد، ومنها ما يتّصل برؤيته الخاصّة لبعض المسائل اللّغويّة ومنها ما يحمل على السّهو، ومن أبرز تلك الأسباب:
1 اضطراب منهجه.
2 ارتجاله الجمهرة وإملاؤه إيّاها من محفوظه.
3 نظرته الخاصّة إلى هاء التّأنيث.
4 نظرته الخاصّة إلى الحرف الزّائد اللاّزم (حرف الإلحاق) .
5 نظرته إلى صورة اللّفظ.
6 تأثُّره بتداخل الأصول اللّغويّة.
ولذا ينبغي أنْ تحفظ لابن دريد مكانته العلميّة الّتي تليق بعالم لغويّ متقدّم خَطَا بالصّنعة المعجميّة خطوة موفّقة إلى الأمام، وبرع في اشتقاق الألفاظ، ولم يقصّر في التّصريف، ولا يضيره ألاّ نضعه في منزلة أبي عليّ الفارسيّ أو تلميذه ابن جنّي، فهذان من أعلام التّصريف في العربية، ومن رواده المشهود لهم بالتفوّق.
وحَسْبُ ابن دريد أنّ يقال: إنّه كان على قدر كافٍ من الإلمام بالتّصريف، إلى الحدّ الذي يُؤهّله لوضع معجم لغويّ يقوم أساساً على معرفة أصول الألفاظ، وما يعتريها من زوائد، ولولا الأسباب السّتة التي ذكرتُها في هذا البحث لجاء معجم ((الجمهرة)) في وضع أفضل.
رحم الله ابن دريد، وأجزل له المثوبة، كفاء ما بذله من جهد في سبيل صناعة المعاجم العربية.
الحواشي والتعليقات
ينظر: المقتصد في شرح التكملة 2/833.
البصائر والذخائر 9/20.
ينظر: البغداديات 96.
الخصائص 3/288.
سر صناعة الإعراب 2/568، 569.(4/437)
ينظر ترجمته في: مراتب النحويين 135، وطبقات النحويين واللغويين 183، والفهرست 67، وتاريخ بغداد 2/195، والأنساب 5/342، ونزهة الألباء 191، ومعجم الأدباء 6/2489، وإنباه الرواة 3/92، والمحمدون من الشعراء 1/241، ووفيات الأعيان 4/323 والوافي بالوفيات 2/339، وطبقات الشافعية الكبرى 3/138، والبداية والنهاية 11/176، وبغية الوعاة 1/76، وطبقات المفسرين للداودي 2/122، وشذرات الذهب 2/289، وخزانة الأدب 3/119.
ينظر: معجم الأدباء 1/2490.
هي الجزر الواقعة في شط العرب.
ينظر: الفهرست 67.
مراتب النحويين 135.
خزانة الأدب 3/120.
تاريخ بغداد 2/196.
ينظر: معجم الأدباء 6/2491.
الترتيب الأبتثي كلمة منحوتة من: أب ت ث أما الأبجدي فهي من: أب ج د، ولهذا فإن كلمة ((الأبتثي)) في رأيي المتواضع أدق من قولنا: الألف بائي لأن ألف باء هي -أيضا- في: أب ج د ((أبجد)) فقد يقع اللبس، ومع ذلك لا مشاحّة في الاصطلاح.
وبهذا يستبعد معجم ((الجيم)) للشيباني.
ينظر: الجمهرة 3/1227.
ينظر: الفهرست 83.
ينظر: التكملة والذيل والصلة للصغاني 1/8.
ينظر: معجم الأدباء 2/698.
ينظر: المصدر السابق 1/329.
ينظر: بغية الوعاة 2/344.
ينظر: كشف الظنون 1/606.
البصائر والذخائر 9/02.
ينظر: البغداديات 96،وبقية الخاطريات 54، والخصائص 3/882، والمحكم 1/68.
البغداديات 96.
الخصائص 3/288.
المزهر 1/93.
المقتصد في شرح التكملة 2/832، 338، وينظر: الجمهرة 2/981.
الاشتقاق (مقدمة المحقق ص 14) .
ينظر: المعجم العربي 034، والمعاجم العربية 52، والبحث اللغوي عند العرب 205، والمعاجم العربية المجنسة 120، ودراسات في المعاجم العربية 46، والمعاجم اللغوية العربية 81، والمعاجم العربية: دراسة تحليلية 62.
ينظر: المعجم العربي 410، 420، ومحمد بن دريد وكتابة الجمهرة 317، والمعاجم اللغوية 90.
التهذيب 1/31.
المصدر السابق 1/31.
المجمل (قزب) 2/752.
ينظر: المزهر 1/94.(4/438)
المقصور والممدود للقالي 299.
وفيات الأعيان 4/327.
مراتب اللغويين 135، 136.
مروج الذهب 4/299.
طبقات النحويين 184.
نزهة الألبا 191.
المحمدون من الشعراء 1/241.
ينظر: الفوائد المحصورة (مقدمة المحقق 22) ومحمد بن دريد وكتابه الجمهرة 323، والجمهرة (مقدمة المحقق الدكتور رمزي بعلبكي 1/26) وأبو علي القالي 64.
ينظر: الجمهرة (مقدمة المحقق محمد السورتي ص 7) ، طبعة حيدر آباد.
ينظر: معجم الأدباء 6/2496، وكشف الظنون 1/605.
ينظر: العين، على سبيل المثال 6/196 – 199.
الجمهرة 1/245.
المصدر السابق 1/238.
المصدر السابق2/1014.
المصدر السابق 2/1015.
المصدر السابق 1/243.
المصدر السابق 1/1014.
المصدر السابق 1/245.
المصدر السابق 1/246.
المصدر السابق 1/247.
المصدر السابق 1/248، والبِرسام: عِلّة يُهْذَى فيها. ينظر: القاموس (برسم) 1395.
المصدر السابق1/237.
ينظر: الصحاح (أرر) 2/578.
ينظر: اللسان (أرر) 4/16.
المصدر السابق (أرر) 4/16.
ينظر: التهذيب (آر) 15/327.
ينظر: الجمهرة 1/56.
المصدر السابق 1/238.
المصدر السابق1/57.
المصدر السابق 1/241.
كذا في الجمهرة 1/247 (بتحقيق الدّكتور رمزي بعلبكي) وهو تحريف، وينظر: الجمهرة 1/189 (بتحقيق محمد السورتي) ومعجم ما استعجم 1/185.
الجمهرة 1/247.
المصدر السابق 1/248.
المصدر السابق 1/248.
ينظر: الكتاب 4/294، والمنصف 2/178، وسر الصناعة 1/180،181، ورسالة الملائكة 280، ودقائق التصريف 183، والمقتصد في شرح التكملة 2/823، والتسهيل 296، وشرح الشافية للرضي 1/62، والملخص 2/257.
ينظر: الجمهرة 1/173 – 225.
الجمهرة 1/176.
المصدر السابق 2/999.
المصدر السابق 1/187.
المصدر السابق 1/204.
المصدر السابق 1/206.
المصدر السابق 1/222، وأعادها ابن دريد في (ك أوي) 1/246، و (ك هـ وا ي) 2/1084.
أعني ما ورد منه في أبواب الثلاثي الصحيح، وهو اضطراب من ابن دريد.
الجمهرة 1/287.(4/439)
المصدر السابق1/341.
المصدر السابق 1/352.
المصدر السابق 1/362.
المصدر السابق 1/378.
المصدر السابق 1/378.
المصدر السابق 1/382.
ومن ذلك جعله ((البُحَّة)) في (ب ح هـ) 1/278، و ((الصُّبَّة)) في تقليبات (ب ص هـ) 1/352 و ((الضّبّة)) في تقليبات (ب ض هـ) 1/356، و ((الطِّبّة)) في تقليبات (ب ط هـ) 1/363، و ((القبّة)) في تقليبات (ب ق هـ) 1/376، و ((اللّبّة)) في تقليبات
(ب ل هـ) 1/380، و ((التِّكّة)) في (ت ك هـ) 1/409، و ((الخُثَّة في تقليبات (ث خ هـ) 1/418، و ((ناقة ثَرَّة)) في (ث ر هـ) 1/425، و ((العُثَّة)) في تقليبات (ث ع هـ) 1/427، و ((الثَّلّة)) في (ث ل هـ) 1/432، و ((الثُّنّة)) في (ث ن هـ) 1/434 و ((الحُجّة)) في تقليبات (ج ح هـ) 1/443، و ((الجُدّة)) في (ج د هـ) 1/452، و ((العُجّة)) في تقليبات (ج ع هـ) 1/486 و ((الجَفَّة)) في (ج ف هـ) 1/490، و ((اللُّجّة)) في تقليبات (ج ل هـ) 1/494، و ((الجَمَّة)) في (ج م هـ) 1/495، و ((الجَنّة)) في (ج ن هـ) 1/498، و ((الحَرَّة)) في (ح ر هـ) 1/526، و ((الحَزّة)) في (ح ز هـ) 1/531، و ((الحِصّة)) في (ح ص هـ) 1/544، و ((الصِّحّة)) في تقليبات (ح ص هـ) 1/544، و ((الحِطّة)) في (ح ط هـ) 1/552، و ((الفحّة)) في تقليبات (ح ف هـ) 1/557، و ((الحَمَّة)) في (ح م هـ) 1/574، و ((حَنّة الرجل)) (ح ن هـ) 3/575، و ((الزّخّة)) في تقليبات (خ ز هـ) 1/597 و ((الخُلّة)) في (خ ل هـ) 1/621، و ((النّخّة)) في تقليبات (خ ن هـ) 1/622، و ((المَخَنَّة)) في (خ ن هـ) 1/623، و ((الدّرّة)) في (درهـ) 2/641، و ((الدُّقَّة)) في (دق هـ) 2/ 678، و ((الصَّرّة)) في تقليبات (ر ص هـ) 2/745، و ((القُذَّة)) في تقليبات (ذ ق هـ) 2/700، و ((الضَّرَّة)) في تقليبات (ر ض هـ) 2/753، و ((الطُّرّة))(4/440)
في تقليبات (ر ط هـ) 2/762، و ((العُرَّة)) في تقليبات (رع هـ) 2/776، و ((الرِّمّة)) في (ر م هـ) 2/803، و ((الرَّنّة)) في (ر ن هـ) 2/807، و ((الزِّلّة)) في (ز ل هـ) 2/827 و ((السَّلَّة)) في (س ل هـ) 2/860، و ((الشُّقّة)) في (ش ق هـ) 2/876، و ((القِشّة)) في تقليبات (ش ق هـ) 2/876، و ((الغُصَّة)) في تقليبات (ص غ هـ) 2/890، و ((الصُّفّة)) في (ص ف هـ) 2/893، و ((القُصَّة)) في تقليبات (ص ق هـ) 2/895، و ((الصَّلّة)) في (ص ل هـ) 2/898، و ((الصِّمّة)) في (ص م هـ) 2/899، و ((النُّصّة)) في تقليبات (ص ن هـ) 2/900، و ((الضَّفّة)) في (ض ف هـ) 2/908، و ((الفِضّة)) في تقليبات (ض ف هـ) 2/908، و ((القِضّة)) في تقليبات (ض ق هـ) 2/910، و ((ضِنّة)) في (ض ن هـ) 2/913، و ((الطّلّة)) في (ط ل هـ) 2/927، و ((الكِظّة)) في تقليبات (ظ ك هـ) 2/933، و ((الظُّلّة)) في (ظ ل هـ) 2/935 و ((الظّنّة)) في (ظ ن هـ) 2/935، و ((العُكّة)) في (ع ك هـ) 2/948، و ((العُنَّة)) في (ع ن هـ) 2/955، و ((الغُفّة)) في (غ ف هـ) 2/959، و ((الغُلّة)) في (غ ل هـ) 2/962، و ((الغُمَّة)) في (غ م هـ) 2/963، و ((الغُنَّة)) في (غ ن هـ) 2/964، و ((القُفَّة)) في تقليبات (ف ق هـ) 2/968، و ((الفَكَّة)) في (ف ك هـ) 2/970، و ((كِفّة الميزان)) في تقليبات (ف ك هـ) 2/970، و ((القُلّة)) في (ق ل هـ) 2/976، و ((قِمّة الرأس)) في (ق م هـ) 2/978، و ((القُنَّة)) في (ق ن هـ) 2/979، و ((الكِلّة)) في (ك ل هـ) 2/982 و ((كَنّة الرجل)) في (ك ن هـ) 2/985، و ((اللَّمَّة)) في (ل م هـ) 2/987، و ((المَلَّة)) في تقليبات (ل م هـ) 2/988، و ((المُنَّة)) في (م ن هـ) 2/992، ... وكل هذا من المضعف، وليس في أصله هاء.
الجمهرة 2/844.
المصدر السابق 2/898.(4/441)
المصدر السابق 2/931.
المصدر السابق 1/331.
المصدر السابق 1/544.
المصدر السابق 1/574.
ينظر على سبيل المثال في الجمهرة: 1/363، 496، 544، 574، 2/678، 696، 905، 987.
الجمهرة: 1/139.
المصدر السابق 1/136.
المصدر السابق 1/128.
المصدر السابق 1/135.
المصدر السابق1/303.
المصدر السابق 2/678.
المصدر السابق 1/498.
ينظر: الخصائص 2/58.
الجمهرة: 2/1027.
المصدر السابق 2/1028.
المصدر السابق2/1075.
المصدر السابق 2/1086.
المصدر السابق 2/1091.
المصدر السابق 2/1091.
المصدر السابق 2/1091.
المصدر السابق 2/1091.
المصدر السابق2/1091.
المصدر السابق 2/1091.
المصدر السابق 2/1094.
المصدر السابق 2/1107.
المصدر السابق 2/1107.
المصدر السابق 2/1107.
المصدر السابق 1/173-225.
المصدر السابق 1/226-228.
المصدر السابق 2/1111.
المصدر السابق 2/1112.
المصدر السابق2/1113.
المصدر السابق 2/1113.
المصدر السابق 2/1113.
المصدر السابق 2/1113.
المصدر السابق 2/1117.
المصدر السابق 2/1129.
المصدر السابق 2/1129.
المصدر السابق 2/1130.
المصدر السابق: 2/1131.(4/442)
ومنه (أي مما جاء في أبواب الرباعي وهو ثلاثي) : ثجرة النّحر 2/1130، وطَيثرة: اسم وهو مأخوذ من الطثر 2/1131 والرَّعْثة: القُرط 2/1131، والعَثْرَة من قولهم: عَثَر عَثرة سوء 2/1131، والنَّثْرَة: الدرع ونجوم في السماء 2/1131، والثَّفِنَة: آثار مواقع أعضاء البعير على الأرض 2/1132، وتُكْمَة: اسم امرأة 2/1132، والثُكْنة: الجماعة من الطير والناس 2/1133، والثُّلْمَة: الفتح في الشيء: 2/1133 والثُّمْلة: البقية من الطعام 2/1133، ومُثْلَة: فاقة 2/1133، والنَّثْلَة: الدرع 2/1133، والجَحْرَة: السنة المجدبة 2/1134، والحُجْرة: الموضع المحجور عليه 2/1134، والحَجْفة: ترس يتخذ من جلود الإبل 2/1135، والجُحْفة: موضع من مواقيت الحج 2/1135، والجَحْمة: العين 2/1135، وحَرْدَة: اسم موضع 2/1140، والحَسَكة: الحقد في القلب 2/1142، والخَفْقة: الأرض الواسعة المنخفضة 2/1145، والقِشْدَة: خلاصة السمن 2/1148، والصَّدُقة: الصَّداق 2/1148، والصَّدَقة: ما تصدق به الإنسان 2/1148، والغُرْفة: الحجرة 2/1154، والرُّفْقة: الرفاق 2/1154 الرَّقَلة: النخلة الطويلة 2/1154، والقَرْمَة: جُليدة تقتطع من أنف البعير ثم تفتل 2/1154، والزُّنْمة والزَّنَمَة: لحمة معلقة تحت فكّي العنز والتيس 2/1155، والسِّلعة: البضاعة 2/1156، وعجوز شَهْلة: كهلة 2/1157، والقصعة: معروفة 2/1158، وصَنْفَة الثوب: حاشيته 2/1158 والعُضْلة: الداهية 2/1158، العُظْمة: ما تضعه المرأة على عجزها لتعظمه به 2/1159، ودرهم قَفْلة: أي وازن 2/1160، المُقْلَة: مقلة العين 2/1160، الكَلِمَة: واحدة الكَلِم 2/1161.
الجمهرة 2/1116.
المصدر السابق 2/1136.
المصدر السابق 2/1141.
المصدر السابق2/1165.
المصدر السابق 2/1165.
المصدر السابق 2/1168.
المصدر السابق 2/1173.
المصدر السابق 2/1178.
المصدر السابق 2/1180.
المصدر السابق 2/1181.
المصدر السابق 2/1181.
المصدر السابق 2/1182.(4/443)
المصدر السابق2/1125.
المصدر السابق 1/338.
المصدر السابق 2/1140.
المصدر السابق 2/1142.
المصدر السابق 2/1148.
المصدر السابق2/1163.
ينظر: الكتاب 4/424، 425، والمقتضب 1/203، 204، وشرح المفصل لابن يعيش 7/156، وشرح الشافية للرضي 1/64 والتسهيل 298، والمساعد 4/74، والهمع 2/216.
الجمهرة 2/1164.
المصدر السابق 2/1164.
المصدر السابق2/1164.
المصدر السابق 2/1164.
المصدر السابق 2/1165.
المصدر السابق 2/1166.
المصدر السابق 2/1165.
المصدر السابق 2/1165.
المصدر السابق 2/1165.
المصدر السابق 2/1166
المصدر السابق2/1134
المصدر السابق 2/1158،1159.
المصدر السابق 2/1154.
ينظر: اللسان (قرم) 12/473.
الجمهرة 2/1176.
المصدر السابق 2/1185.
المصدر السابق 2/1186.
المصدر السابق 2/1186.
المصدر السابق 2/1186.
المصدر السابق 2/1187.
المصدر السابق 2/1187.
المصدر السابق 2/1186.
المصدر السابق 2/1186.
المصدر السابق 2/1186.
المصدر السابق 2/1188-1189.
ينظر: المصدر السابق 2/1191-1192.
ينظر: المصدر السابق 2/1192-1195.
ينظر: المصدر السابق 2/1193-1195.
ينظر: المصدر السابق 2/1195.
ينظر: القاموس (د ح و) 1654.
ينظر: الجمهرة 2/1200-1201.
ينظر: المصدر السابق 2/1203-1204.
ينظر: المصدر السابق 2/1204.
ينظر: المصدر السابق 2/1204-1205.
ينظر: المصدر السابق 2/1205.
ينظر: المصدر السابق 2/1205-1207.
ينظر: المصدر السابق 2/1207.
ينظر: المصدر السابق 2/1213-1214.
ينظر: المصدر السابق 2/1214.
ينظر: المصدر السابق 2/1216.
ينظر: المصدر السابق 2/1216.
ينظر: المصدر السابق 2/1222-1223.
ينظر: المصدر السابق 2/1123.
ينظر: المصدر السابق 2/1184-1185.
ينظر: المصدر السابق 2/1185-1187.
ينظر: المصدر السابق 2/1187-1188.
ينظر: المصدر السابق 2/1188.
ينظر: المصدر السابق 2/1189-1191.
ينظر: المصدر السابق 2/1195-1200.
ينظر: المصدر السابق 2/1201-1203.(4/444)
ينظر: المصدر السابق 2/1208-1213.
ينظر: المصدر السابق 2/1219-1221.
ينظر: المصدر السابق 2/1221-1222.
ينظر: المصدر السابق 2/1222.
ورد اسم هذا الباب في طبعة البعلبكي (2/1223) على الصورة التالية:
((باب ما جاء على فُعُعْللة)) (هكذا) ، والوزن -كما ترى- غريب، وليس هو من أوزان العربية المألوفة، وقد مثل له ابن دريد ب ((ثُرُعْطُطَة)) وهو حساء رقيق. والصواب في الوزن ما أثبته وهو ((فُعُلُّلة)) بفاء مضمومة، وعين مضمومة، ولام مشددة مضمومة، بعدها لام مفتوحة، ثم تاء التأنيث، وقد جاء الوزن على هذا الوجه الصحيح في إحدى النسخ الخطية للجمهرة كما أشار المحقق الفاضل في الهامش. وهو يوافق ما جاء في طبعة حيدر آباد (3/405) .
ينظر: الجمهرة 2/1223.
ينظر: المصدر السابق 3/1227-1273.
ينظر: المصدر السابق 3/1227.
ينظر: المصدر السابق 3/1227-1228.
ينظر: الممتع 1/101.
ينظر: الجمهرة 3/1228.
ينظر: المصدر السابق 3/1228.
ينظر: المصدر السابق 3/1229.
ينظر: المصدر السابق 3/1236.
ينظر: المصدر السابق 3/1239.
ينظر: المصدر السابق 3/1239.
ينظر: الكتاب 4/248.
ينظر: أدب الكاتب 596، والممتع 1/133، وشرح الشافية للرضي 2/397.
ينظر: الجمهرة 3/1240.
ينظر: المصدر السابق 3/1227.
ينظر: المصدر السابق 3/1244.
ينظر: المصدر السابق 3/1244.
يظر: المصدر السابق 3/1245.
ينظر: الكتاب 4/265.
ينظر: شرح أبنية سيبويه 46،152.
ينظر: الممتع 1/132.
الجمهرة 1/561.
المصدر السابق 1/86.
المصدر السابق 2/779.
ليس في كلام العرب 51.
ينظر: اللسان (غرد) 3/325.
الجمهرة 1/136.
اللسان (نسأ) 1/169.
الجمهرة 2/1069.
في الأصل: فدل.
المسائل الحلبيات 59.
المفردات (روى) 376.
الجمهرة 1/400.
المصدر السابق 1/80.
المصدر السابق 1/581.
المصدر السابق 2/629.
المصدر السابق 2/800.
المصدر السابق 2/767.
البحث اللغوي عند العرب 206.
الجمهرة 3/1227.
المصدر السابق2/1085.(4/445)
المصدر السابق 3/1339.
ينظر: المقتصد في شرح التكملة 2/833.
ينظر: الجمهرة 1/433.
ينظر: المصدر السابق 2/776.
ينظر: المصدر السابق 1/325.
المصدر السابق 2/1135.
المصدر السابق 2/1124.
المصدر السابق 2/1140.
المصدر السابق 2/1135.
المصدر السابق 2/1142.
المصدر السابق 2/1160.
المصدر السابق 2/893.
ينظر المعاجم العربية 25.
ينظر: الجمهرة 1/142.
ينظر: الجمهرة 2/890.
ينظر: المصدر السابق 1/138.
ينظر: المصدر السابق 2/876.
ينظر: المصدر السابق 1/382.
ينظر: المصدر السابق 2/908.
ينظر: المصدر السابق 2/844.
ينظر: المصدر السابق 1/331.
المصدر السابق 2/1208.
المصدر السابق 2/1213.
المصدر السابق 2/1173.
المصدر السابق 2/1174.
المصدر السابق2/752.
ينظر: المصدر السابق1/244، وذكر المحقق أمامها أصل (غ وغ) وهو من اجتهاده، وليس من عمل ابن دريد.
المصدر السابق 1/239.
ينظر: المقتضب 1/153، 154.
ينظر: المنصف 2/144،145.
ينظر: تداخل الأصول اللغوية (رسالة دكتوراه) 567،568.
ينظر: الجمهرة 1/328.
ينظر: المصدر السابق 2/1210.
ينظر: المصدر السابق 1/111.
ينظر: المصدر السابق 2/658، أما الأصل الذي وضعه المحقق الفاضل (ص د د) فهو من اجتهاده، وليس من عمل ابن دريد والكلمة مذكورة في تقليبات (د ص ى) والأصل الذي يريده ابن دريد ويقتضيه التقليب هو ما ذكرته: (ص د ى) .
ينظر: اللسان (ص د أ) 1/109.
ينظر: الجمهرة 1/91.
ينظر: المصدر السابق 1/492، واجتهد المحقق ووضع أمام الكلمة أصل (ج ل ل) ولم يرد ابن دريد هذا الأصل، إنما أراد (م ج ل) لأنه ذكرها في تقليبات مادة (ج ل م) .
ينظر: المصدر السابق 1/114.
ينظر: المصدر السابق 2/680.
المصادر والمراجع(4/446)
- أبو عليّ القالّي، وأثره في الدّراسات اللّغوية والأدبيّة في الأندلس، لعبد العليّ الودغيري، اللّجنة المشتركة للنشر وإحياء التّراث الإسلاميّ بين حكومة المملكة المغربيّة وحكومة دولة الإمارات العربيّة المتّحدة 1403هـ/1983م.
- أدب الكاتب، لابن قتيبة، بتحقيق الدّكتور محمّد أحمد الداليّ، مؤسّسة الرسّالة، بيروت 1402
- الاشتقاق، لابن دريد، بتحقيق عبد السّلام هارون، الخانجي، القاهرة 1378هـ
- إنباه الرواة على أنباه النحاة، للقفطيّ، بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، القاهرة، ومؤسّسة الكتب الثّقافيّة، بيروت 1406هـ.
- الأنساب، لأبي سعد السّمعانيّ، بتحقيق الشّيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلميّ، الناشر محمّد أمين دمج، بيروت 1440هـ، الطّبعة الثّانية
- البحث اللّغويّ عند العرب مع دراسة لقضيّة التّأثر والتّأثير، للدّكتور أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة 1981م
- البداية والنّهاية، لأبي الفداء ابن كثير القاهرة 1348هـ.
- البصائر والذخائر، لأبي حيان التوحيدي، بتحقيق الدّكتورة وداد القاضي، دار صادر، بيروت 1984م
- البغداديّات، لأبي عليّ الفارسيّ، بتحقيق صلاح الدّين عبد الله السّنكاويّ، مطبعة العاني، بغداد 1983م
- بغية الوعاة في طبقات اللّغويّين والنحاة، للسّيوطيّ، بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 1964م.
- بقيّة الخاطريّات، لأبي الفتح عثمان بن جنّيّ (وهي ما لم ينشر في المطبوعة) بتحقيق الدّكتور محمّد أحمد الدّالي، مجلّة مجمّع اللّغة العربيّة بدمشق، م 67 ج 3 (المحرم 1413هـ يوليو 1992م) .
- تاج العروس من جواهر القاموس، للزّبيديّ، المطبعة الخيريّة، القاهرة، 1306هـ.
- تاريخ بغداد، للخطيب البغداديّ، دار الكتاب العربيّ، بيروت (بدون تاريخ)(4/447)
- تداخل الأصول اللّغويّة، وأثره في بناء المعجم العربيّ من خلال مدرسة القافية، لعبد الرّزاق ابن فراج الصاعدي، (رسالة دكتوراه من الجامعة الإسلامية، سنة 1414هـ) .
- التّسهيل (تسهيل الفوائد وتكمل المقاصد) لابن مالك، بتحقيق الدّكتور محمّد كامل بركات، دار الكتاب العربيّ، القاهرة 1387هـ.
- التّكملة والذّيل والصّلة لكتاب تاج اللّغة وصحاح العربيّة، للصّغانيّ، بتحقيق عبد العليم الطّحاوي وآخرين، مطبعة دار الكتب، القاهرة 1970م.
- تهذيب اللّغة، للأزهريّ، بتحقيق عبد السّلام هارون وآخرين، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف، القاهرة 1384هـ.
- جمهرة اللّغة، لابن دريد، بتحقيق الدّكتور رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت 1987م (وإحالاتي في هذا البحث هي على هذه الطّبعة) .
- جمهرة اللّغة، لابن دريد، بتحقيق محمّد السورتي، حيدر آباد، الهند 1351هـ.
- الجيم، لأبي عمر الشيباني، بتحقيق إبراهيم الإبياري، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميريّة، القاهرة 1394هـ.
- الحلبيات = المسائل الحلبيات
- الخاطريات = بقيّة الخاطريّات
- خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب، لعبد القادر البغدادي، بتحقيق عبد السّلام هارون، الخانجي، القاهرة 1409هـ، الطّبعة الثّالثة.
- الخصائص، لابن جنّيّ، بتحقيق محمّد عليّ النّجار، دار الكتب المصريّة، القاهرة 1371هـ.
- دراسات في المعاجم العربيّة، للدّكتور أمين محمّد فاخر، مطبعة حساّن، القاهرة 1404هـ.
- دقائق التّصريف، للقاسم بن محمّد بن سعيد المؤدّب، بتحقيق أحمد ناجي القيسيّ، والدّكتور حاتم صالح الضّامن والدّكتور حسين تورال، مطبوعات المجمع العلميّ العراقيّ، بغداد 1987م
- رسالة الملائكة، لأبي العلاء المعريّ، بتحقيق محمّد سليم الجندي، دار الأفاق الجديدة، بيروت 1979م مصورة عن طبعة التّرقي دمشق.
- سر صناعة الإعراب، لابن جنّيّ بتحقيق الدّكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق 1405هـ.(4/448)
- شذرات الذّهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبليّ، القاهرة 1358هـ.
- شرح أبنية سيبوية، لابن الدّهان النّحويّ، بتحقيق الدّكتور حسن شاذلي فرهود، دار العلوم، الرّياض 1408هـ.
- شرح الشّافية، للرّضي، بتحقيق محمّد نور الحسن ومحمّد الزّفزاف ومحمّد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلميّة، بيروت 1402هـ.
- الصحاح (تاج اللّغة وصحاح العربيّة) ، للجوهريّ بتحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت.
- طبقات الشافعيّة الكبرى، لابن السّبكيّ، بتحقيق عبد الفتاح الحلو، ومحمّد محمود الطّناحي، مطبعة عيسى البابي الحلبيّ، القاهرة 1383هـ.
- طبقات المفسرين، للداوودي، دار الكتب العلمية، بيروت.
- طبقات النّحويّين واللّغويّين، لأبي بكر الزّبيديّ، بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة 1984م.
- العين، للخليل بن أحمد الفراهيديّ، بتحقيق الدّكتور مهدي المخزوميّ، والدّكتور إبراهيم السّامرائي، مؤسّسة الأعلميّ بيروت 1408هـ.
- الفهرست، لابن النّديم، بتحقيق رضا تجدد، دار المسيرة، بيروت 1988م.
- الفوائد المحصورة في شرح المقصورة، لابن هشام اللّخميّ، بتحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار مكتبة الحياة بيروت 1400هـ.
- القاموس المحيط، للفيروزاباديّ، مؤسّسة الرّسالة، بيروت 1407هـ.
- الكتاب، لسيبويه، بتحقيق عبد السّلام محمّد هارون، عالم الكتب، بيروت 1403هـ.
- كشف الظّنون عن أسامي الكتب والفنون، للحاجّ خليفة، دار الفكر، بيروت 1402هـ.
- لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت
- ليس في كلام العرب، لابن خالوية، بتحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت 1399هـ.
- مجمل اللّغة، لابن فارس، بتحقيق الدّكتور محسن سلطان، مؤسّسة الرّسالة، بيروت 1404هـ.
- المحكم والمحيط الأعظم في اللّغة، لابن سيده، بتحقيق جماعة من العلماء، القاهرة، 1377هـ.(4/449)
- محمّد بن دريد وكتابه الجمهرة، للدّكتور شرف الدّين على الرّاجحيّ، دار المعرفة الجامعيّة، الإسكندريّة 1985م.
- المحمّدون من الشّعراء، للقفطيّ، بتحقيق محمّد عبد السّتّار خان حيدر آباد، الهند، 1385هـ.
- مراتب النّحويّين، لأبي الطّيّب اللّغويّ، بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 1955م.
- مروج الذّهب ومعادن الجوهر، للمسعوديّ، وضع فهارسه يوسف أسعد داغر، دار الأندلس، بيروت 1404هـ، الطّبعة السّادسة
- المزهر في علوم اللّغة وأنواعها، للسّيوطيّ، بتحقيق محمّد جاد المولى وعلى البجاوي ومحمّد أبوالفضل إبراهيم، دار الفكر، بيروت.
- المسائل الحلبيّات، لأبي عليّ الفارسي، بتحقيق الدّكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق 1407هـ.
- المسائل المشكلة = البغداديّات.
- المعاجم العربيّة، لعبد الله درويش، الفيصليّة، مكّة المكرّمة 1406هـ.
- المعاجم العربيّة: دراسة تحليلية، للدّكتور عبد السّميع محمّد أحمد، دار الفكر العربيّ، بيروت 1984م.
- المعاجم العربيّة المجنّسة، للدّكتور محمّد عبد الحفيظ العريان، دار المسلم، بور سعيد 1404هـ.
- المعاجم اللّغويّة العربيّة بداءتها وتطوّرها، للدّكتور إميل يعقوب، دار العلم للملايين، بيروت 1985م.
- معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) ، لياقوت الحمويّ، بتحقيق الدّكتور إحسان عبّاس، درا الغرب الإسلاميّ، بيروت 1993م.
– معجم البلدان، ليلقوت الحموي، دار صادر، بيروت، 1404هـ.
– المعجم العربيّ، للدّكتور حسين نصّار، دار مصر للطّباعة، القاهرة 1956م.
– معجم ما استعجم في أسماء البلاد والمواضع، لأبي عبيد البكري، بتحقيق مصطفى السّقّا، مكتبة الباز، مكة المكرمة.
- المفردات، للراغب الأصفهاني، بتحقيق صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت، 1412هـ.(4/450)
- المقتصد في شرح التّكملة، لعبد القاهر الجرجانيّ، بتحقيق أحمد بن عبد الله الدويش، رسالة دّكتوراه من كليّة اللّغة العربيّة في جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة، الرّياض، لعام 1411هـ.
- المقتضب، للمبرّد، بتحقيق محمّد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت.
- المقصور والممدود، لأبي عليّ القاليّ، بتحقيق الدّكتور أحمد عبد المجيد هريدي، الخانجي، القاهرة 1419هـ.
- الملخّص في ضبط قوانين العربيّة، لابن أبي الرّبيع، بتحقيق الدّكتور عليّ بن سلطان الحكمي، كراتشي 1408هـ.
- الممتع في التّصريف، لابن عصفور، بتحقيق الدّكتور فخر الدّين قباوة، دار الأفاق الجديدة، بيروت 1397هـ.
- المنصف، لابن جنّيّ، بتحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1373هـ.
- نزهة الألباء في طبقات الأدباء، لأبي البركات الأنباريّ، بتحقيق الدّكتور إبراهيم السّامرائي، مكتبة المنار، عمَّان 1405هـ.
- الوافي بالوفيات، لخليل بن أبيك الصَّفديّ، باعتناء جماعة من العلماء، دار صادر، بيروت 1969م.
- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان، لابن خلّكان، بتحقيق الدّكتور إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت 1398هـ.(4/451)
الأبنية المختصة باسم أو صفة في كتاب سيبويه
د. عبد الله بن ناصر القرني
الأستاذ المساعد في قسم اللغة والنحو والصرف بكلية اللغة العربية
جامعة أم القرى
ملخص البحث
كشف البحث وجه التفريق بين الأسماء والصفات، وأشار إلى مكان الأبنية من الدراسة عند القدماء، وأومأ إلى فائدة دراسة الأبنية.
ثم عرض للأبنية المختصة فتناول بالدراسة مائة وتسعة وسبعين بناءً مختصاً ذُكِرَت في كتاب سيبويه، اختصت الأسماء منها بمائة وتسعة وثلاثين بناءً، واختصت الصفات بأربعين بناءً.
وأبان البحث بأن الاختصاص في الأبنية المجردة قليل. وأن أكثر الاختصاص في الأبنية المزيدة، يتقدمها الثلاثي ثم الرباعي، ثم الخماسي.
وخلص البحث إلى أن ورود بعض الأمثلة من الأسماء على أبنية مختصة بالصفات أو العكس يمكن توجيهه بما يتفق مع ضوابط الاختصاص، فإما أن تكون في الأصل صفات استعملت أسماءً ثم وصف بها على الأصل. وإما أن تكون أسماءً وصف بها، وإما أن تكون صفات غالبة.
وانتهى البحث إلى أن سيبويه لم يكن يخفى عليه كثيرٌ من الأبنية التي استدركت عليه، بل كان له في ذلك نظرته إذ من منهجه أنه لا يَعْتَدُّ أحياناً بما ورد لِقِلَّتِهِ وزارته، ونَفْيُهُ عَدَمَ ورود ِشيءٍ من ذلك يكون على سبيل جَعْلِ القليل في كلام العرب بمنزلة ما لم يكن؛ وإن كان لا يضير سيبويه أن يُسْتَدْرَك عليه، ولن تكون كلمة أخيرة في قضايا اللغة لسعتها وكثرة الشذوذ فيها.
وبالله التوفيق.
• • •
مقدِّمة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(4/452)
فحين كنت أُقَلِّبُ كتاب سيبويه للنظر في بعض المسائل التي لها علاقة بأبحاث سابقة لحظت إشارات وتصريحات في أبواب الأبنية. إذ كان يَذكر أن هذا البناء جاء في الأسماء ولا يعلم أنه جاء في الصفات، وأن بناءً آخر جاء في الصفات ولا يعلم أنه جاء في الأسماء، فوقع في نفسي أن هذه مسألة جديرة بالعناية والتأمل، فقيدتها. وبعد فراغي مما كنت فيه عدت إليها، وكنت في بداية الأمر أتهيب الولوج في الموضوع خشية قلة المادة، ولكن عند قراءتي لفهارس الكتاب التي صنعها الشيخ محمد عبد الخالق عضيمه - رحمه الله - وجدت المادة وفيرة ومتنوعة، وقد خَصَّ الاسم والصفة بعنوان مستقل، أَوْرَدَ فيه أبنية جاءت في الأسماء والصفات، وأبنية جاءت في الأسماء ولم ترد في الصفات، وأبنية جاءت في الصفات ولم ترد في الأسماء. وإن كان - رحمه الله - لم يقف عند المراد بكل منهما، إذ الصفة من الأسماء. فلما رأيت ذلك أيقنت أن في بحث هذا الموضوع خيراً، وأنه جديرٌ بالنظر والدراسة، ويمكن أن يكون ذلك من خلال هذه المسائل في فصول تتم دراستها في ضوء ما ذكره سيبويه، وما ذكره الخالفون من بعده.
ولابد في هذا البحث من بيان أمور ولو باختصار، منها: المراد بالأسماء والصفات على هذا النحو. وموضع الأبنية من الدراسة عند القدماء. وفائدة دراسة الأبنية.
فأما المراد بالأسماء والصفات في هذا الموضع فلا يخفى أن الصفات أسماءٌ إذا لم تكن جملاً. فما وجه الفصل بينهما؟(4/453)
وجه السيرافي ذلك في شرحه لكتاب سيبويه فقال: ((أما ما كان قوله: ما بنت العرب من الأسماء والصفات فلسائل أن يسأل فيقول: ما وجه فصله بين الأسماء والصفات، والصفات أيضاً أسماء؟ فالجواب أَنَّ الصفاتِ وإن كانت أسماءً ففي الكلام أسماء ليست بصفات، وأسماء هي صفات، وإنما أراد الفصلَ بين الأسماء التي هي صفات والأسماء التي ليست بصفات نحو: زيد وعمرو وسائر الأعلام، وأسماء الأجناس كرجل وفرس؛ لأن لكل واحد من هذين النوعين أحكاماً يفارق بها الآخر في موضع ... من ذلك جمع (أَفْعَل) نعتاً (فُعْلٌ) نحو: (أحمر) و (حُمْر) و (أشهب) و (شُهب) وجمع (أَفْعَل) اسماً (أفاعل) نحو (أفكل) و (أفاكل) و (أحمد) و (أحامد) ... )) (1) .
ففي هذا حَصْرٌ للأسماء في الأعلام وأسماء الأجناس، ثم أدخل فيها بعد ذلك المصادر في قوله: ((وربما كثر بناءٌ من الأبنية في أحد هذين النوعين - أعني الاسم والصفة - وقل في الآخر، كما كثر (إِفْعَال) في المصادر نحو إسلام وإخراج وإنفاق، وهي مصادر أسلم وأخرج وأنفق، وقلّ في الصفات كقولهم: رجل إسكاف)) (2) .
وذكر السيرافي بعد ذلك فروقاً أُخَرَ، منها ما ذكره سيبويه من أن الصفة قد جاءت على (مُفَاعِل) نحو (مُقاتل) و (مُجاهد) ولم يأت من الأسماء التي ليست بصفات شيء على هذا البناء؛ لأن مُفاعِلاً إنما يجيء مشتقاً (3) .
وأشار بعض الباحثين المعاصرين إلى هذا التقسيم فقال: ((وقسم سيبويه الأسماء إلى نوعين: قسم يسمى به وهو الأسماء، وقسم يوصف به سواء أكان مشتقاً أم غير مشتق، وسماه الصفات. وقد بحث هذين القسمين معاً ولم يفصل بينهما)) (4) .(4/454)
أما عناية القدماء بالأبنية فقد كانت الأبنية علماً مستقلاً، لا يقل في أهميته عن علم الصرف، وقد بذلوا جهداً كبيراً في تحديد أبنية العربية، حتى إن منهم من صنف معاجم لغوية على أساس الأبنية، كما فعل الفارابي في ديوان الأدب.
أما فائدة دراسة الأبنية فلاشك أن دراسة الأبنية ذات أهمية بالغة في دراسة صرف العربية. إذ به تعرف حروف الكلمة الأصلية وما زيد فيها من غير حروفها الأصول. وحصر أبنية العربية يفيدنا في معرفة العربي من العجمي، إذ جعل علماء العربية لألفاظها أمثلة، وخرجوا من تتبع ما تكلمت به العرب بأبنية تختص بالأفعال، وأخرى تختص بالأسماء، وقسموا أبنية الأسماء - تبعاً للاستعمال - إلى أبنية للأسماء، وأبنية للصفات، وذكروا ذلك، وصنفوا فيه، ومازال اللاحق يستدرك على السابق، حتى أتوا على كل ألفاظ العربية، فما خرج عن ذلك عُدّ من قبيل الدخيل، فإن أرادوا استعماله أخضعوه لقوانين التعريب المعروفة في كتب اللغة.
ولما أيقنت أن النظر في هذه المسائل، وجمع شتاتها، وتبويبها - على نحو ما صنعت - عمل لم يُفْرَدْ ببحثٍ مستقلٍّ - حسب علمي - استعنت بالله، وشرعت فيما عقدت عليه العزم وقسمت البحث إلى فصلين:
الفصل الأول: ما اختصت به الأسماء من أبنية دون الصفات وفيه مباحث:
المبحث الأول: ما اختص به الاسم من أبنية الثلاثي الذي حذف
أحد أصوله واستعمل على حرفين.
المبحث الثاني: ما اختص به الاسم من أبنية الثلاثي ومزيده.
المبحث الثالث: ما اختص به الاسم من أبنية الرباعي ومزيده.
المبحث الرابع: ما اختص به الاسم من أبنية الخماسي ومزيده.
الفصل الثاني: ما اختصت به الصفات من أبنية دون الأسماء وفيه مباحث:
المبحث الأول: ما اختصت به الصفات من أبنية الثلاثي ومزيده.
المبحث الثاني: ما اختصت به الصفات من أبنية الرباعي ومزيده.
المبحث الثالث: ما اختصت به الصفات من أبنية الخماسي ومزيده.(4/455)
ولا أزعم لعملي هذا الكمال فذلك محال، ولكن حسبي أني بذلت الجهد.
والله أسأل أن يوفقنا للصواب وبالله التوفيق.
الفصل الأول
ما اختصت به الأسماء من أبنية دون الصفات
المبحث الأول: ما اختص به الاسم من أبنية الثلاثي الذي حُذِفَ أحد
أصوله واستعمل على حرفين
غالب كلام العرب من الأسماء والأفعال يكون على ثلاثة أحرف، لأن المتحدث يحتاج إلى حرف يبتدئ به، وحرف يقف عليه، وحرف يكون مسافة بينهما، ولا يكون الاسم والفعل على أقل من ذلك إلا قليلاً. فإذا تقرر ذلك فما معنى جعل سيبويه هذا من أبنية الثنائي؟
قال سيبويه: ((ثم الذي يلي ما يكون على حرف ما يكون على حرفين، وقد تكون عليه الأسماء المظهرة المتمكنة والأفعال المتصرفة، وذلك قليل، لأنه إخلال عندهم بِهِنّ، لأنه حذفٌ من أقل الحروف عدداً. فمن الأسماء التي وصفت لك: يدٌ، ودَمٌ، وحِرٌ، وسَتٌ، وسَهٌ - يعني الاست - ودَدٌ وهو اللهو ... فإذا ألحقتها الهاء كَثُرَتْ، لأنها تقوى، وتصير عدتها ثلاثة أحرف)) (1) .
وقال أيضاً: ((ولا يكون شيءٌ على حرفين صفة حيث قل في الاسم وهو الأول الأمكن)) (2) .
ومقصود سيبويه بهذا ما يكون على حرفين استعمالاً مما حُذِف لامه، وأصله ثلاثي، ولذا قال: ((لأنه حذفٌ من أقل الحروف عدداً)) (3) .
وأوضح ابن عصفور ذلك بقوله: ((أبنية الأسماء الأصول أقل ما تكون ثلاثة، وأكثر ما تكون خمسة. ولا يوجد اسم متمكنٌ، على أقل من ثلاثة أحرف، إلا أن يكون منقوصاً، نحو (يَدٌ) و (دم) وبابهما)) (4) .
فما ذكره سيبويه على حرفين في الأسماء هو مما جاء في كلامهم محذوفاً من هذا النوع.
وأما (حِر) فوزنه (فِعٌ) ؛ ثم حُذِفَت لامه، إذ هو في الأصل (حِرْحٌ) على (فِعْلٌ) ودليل ذلك ((قولهم أفعال في جمعه، بمنزلة جِذْع وأَجْذَاع)) (5) .(4/456)
وأما دَدٌ فأصلها (دَدَنٌ) على (فَعَلٍ) أيضاً و ((فيه لغاتٌ، يقال: اللَّهْوُدَدٌ مثل يَدٍ، ودَدَاً مثل قفاً وعصاً، ودَدَنٌ مثل حَزَن)) (1) .
أما (دَم) فقد جعل سيبويه أصله (فَعْلاً) حينما جعله يُكَسَّر على (فِعال وفُعول) مثل: دماء ودُمِيُّ، قياساً على ظَبْيٍ ودَلْوٍ، إذ تجمع على ظِباءٍ ودُلِيٍّ (2) .
وخالفه المبرد في ذلك فجعله (فَعَلاً) بتحريك العين (3) . ورَدَّ ذلك عليه ابن ولاَّدٍ في الانتصار (4) .
وأما سَتٌ وسَهٌ فأصلها قبل الحذف (سَتَةٌ) ووزنها (فَعَلٌ) ((كَجَبَلٍ، بدليل أستاه ... وفيه ثلاث لغات: است وسَتٌ، وسَهٌ)) (5) .
ف (يَدٌ) حُذِفَتْ منها اللام، إذ أصلها (يَدْيٌ) و ((وزنها فَعْلٌ يَدْيٌ، فحذفت الياء تخفيفاً، فاعتقبت حركة اللام على الدال)) (6) . ويدل على ذلك ((أنك تقول: أيْدٍ في الجمع، وهذا جمع فَعْل)) (7) .
وبهذا يتبين أن أصل هذه الكلمات ثلاثي، ولذا قال الزبيدي: ((وقد يجيء من الأسماء المتمكنة ما يكون على حرفين محذوفاً عن أصل بنائه، وليس ذلك بالكثير نحو يَدٍ ودمٍ وغَدٍ)) (8) .
و (غَدٍ) ((أصله (غَدْوٌ) حذفوا الواو بلا عِوَضٍ)) (9) .
وهذه الألفاظ التي سبق ذكرها هي مما استعمل على حرفين بلا عِوَضٍ، وذكر سيبويه ألفاظاً أخرى، عُوِّضَ فيها عن الحرف المحذوف هاءٌ فقال: ((وما لحقته الهاء من الحرفين أقلُّ ممّا فيه الهاء من الثلاثة؛ لأن ما كان على حرفين ليس بشيءٍ مع ما هو على ثلاثة، وذلك نحو: قُلَةٍ، وثُبَةٍ، ولِثَةٍ، وشِيَةٍ، وشَفَةٍ، ورِئَةٍ، وسَنَةٍ، وزِنَةٍ وعِدَةٍ وأشباه ذلك)) (10) .
وهذه الألفاظ على نوعين:(4/457)
الأول: كانت محذوفة اللام، وهي: سَنَةٌ وشَفَةٌ ووزن أصليهما (فَعَل) . وقُلَة أصلها قَلْوٌ على (فَعْل) ورئة أصلها رِئْيَةٌ على (فِعْلَة) ولِثَة أصلها لِثَيٌ على (فِعَل) وثُبَة بمعنى الجماعة، أصلها ثُبَيٌ على فُعَل.
والآخر: ما كانت محذوفة الفاء، وهي: شِيَةٌ، وزِنَةٌ، وعِدَةٌ، فكلها على وزن عِلَةِ، إذ فاء الكلمات الثلاث واوٌ محذوفة.
وكل هذه الكلمات أسماء، وأشباهها كثير لا أريد الإطناب باستقصائها في هذا البحث.
المبحث الثاني: ما اختص به الاسم من أبنية الثلاثي
ذكر العلماء أبنية يختص بها الاسم الثلاثي دون الصفة، وهذه الأبنية كلها مزيدة، ولم يرد شيء مجرد منها إلا بناء واحدٌ هو (فِعِل) إذ جاء عليه (إِبِل) . قال سيبويه: ((وهو قليل، لا نعلم في الأسماء والصفات غيره)) (1) .
وقال الأزهري: ((أما إِبِلٌ وإِبدٌ فمسموعان، وأما نِكِحٌ وخِطِبٌ فما حفظتها عن ثقةٍ، ولكن يقال: نِكْحٌ وخِطْبٌ)) (2)
وأورد غيرهما ألفاظاً أخرى بعضها أسماء وبعضها صفات. قال ابن القطاع:
((وعلى فِعِلٍ نحو: إِبِلٍ، وامرأة بِلِزٍ للضخمة القصيرة، وإِطِلٍ لِلْخَصْرِ، وأَتَانٍ إِبِدٍ للوحشية، ولا أفعل ذلك أَبَدَ الإِبِدِ حكاه ابن دُرَيْدٍ. وبِلِصٍ لِلْبَلَصُوص، ووِتِدٍ عن أبي عمروٍ لغة في الوَتد، ومِشِط لغة في الْمُشْطِ، وإِثِرٍ لغة في الإِثْرِ وفَرَسٍ إِجِدٍ لغة في أُجُد، ولُعْبَة للصبيان يقولون جِلِخْ جِلِبْ ... وخِطِبٍ ونِكِح لغة)) (3) .
هذا ما كان على هذا البناء مجرداً، وما ورد في الأشعار من غيره في القوافي المقيدة من مثل مِسِك، وجِلِد ورِجِل، وحِجِل فكل ذلك خاص بها؛ لأن الأصل فيها سكون العين، لكنهم كسروا العين إتباعاً للهمزة ليمكن الوقف بالسكون.(4/458)
ولذلك لم يسلم ابن عصفور بما استدرك على سيبويه من ألفاظ، إذ قال: ((فأما (إِطِل) فلا حجة فيه؛ لأن المشهور فيه (إِطْل) بسكون الطاء.
ف (إِطِل) يمكن أن يكون مما أتبعت الطاء فيه الهمزة للضرورة؛ لأنه لا يحفظ إلا في الشعر ... وكذلك (حِبِرة) الأفصح والمشهور فيها إنما هو (حِبْرة) . و (حِبِرة) ضعيف. وكذلك (بِلِز) لا حجة فيه؛ لأن الأشهر فيه (بِلِزٌّ) بالتشديد. فيمكن أن يكون (بِلِزٌ) مخففاً منه)) (1) .
وبهذا يُعْلَمُ أن سيبويه لم يكن غافلاً عن مثل هذه الأمثلة، وإنما تركها لعدم تطابقها مع ما أراد.
أما ما لحقته الزوائد فكثير، وسأُرَتِّبُها على حسب نوع الحرف الزائد، وعدد حروف الزيادة، فأبدأ بما زيد فيه حرف واحد مبتدئاً بالهمزة فالألف فالتاء فاللام فالميم فالنون فالواو فالياء، ثم أتبع ذلك بما زيد فيه حرفان، ثم بما زيد فيه ثلاثة، ثم بما زيد فيه أربعة؛ لأن أقصى ما ينتهي إليه الاسم الثلاثي والرباعي بالزيادة سبعة أحرف. مراعياً في كل ذلك ترتيب حروف الهجاء، على نحو ما أسلفت.
ما زيد فيه حرف واحد
أولاً: الهمزة.
وردت أبنية في العربية على أربعة أحرف، منها ثلاثة أصول وواحد زائد هو الهمزة من ذلك:
إِفْعِل: نحو إِثْمِدٍ، وإِصْبِعٍ، وإِجْرِدٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة)) (2) .
فالإثمد: ((حجر يتخذ منه الكحل، وقيل: ضرب من الكحل، وقيل: هو نفس الكحل، وقيل: شَبِيهٌ به)) (3) .
و ((الإِصْبِع مثال اضْرِب)) (4) واحدة الأصابع.
وإِجْرِدٌ، بتخفيف الدال لُغَةٌ في الإجْرِدّ ((نبت يدل على الكمأة، واحدته إِجْرِدَّة)) (5) وكل هذه أسماء لا يوصف بها لأنها أسماء أجناس.
إفْعَل: نحو إِصْبَعٍ، وإِيْرَمَ، وإِبْيَنَ، وإِشْفىً، وإِنْفَحَة. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة)) (6) .
فَإصْبَعٌ: واحدة الأصابع.(4/459)
وإِبْرَمُ: اسم مكان. وضبط في اللسان والقاموس والتكملة بفتح الهمزة (1) . وضبطه ياقوت بكسرها (2) . وتمثيل سيبويه به على وزن (إِفْعَل) يرجح ضبط ياقوت.
وإِبْيَنُ: ((طول جزيرة العرب، وهي من العُذَيْبِ إلى عَدَن)) (3) .
والإِشْفَى: الْمِثْقَبُ للأساقي والمزاود والْقِرَبِ وأشباهها (4) .
والإِنْفَحَة، بكسر الهمزة وفتح الفاء مخففة: كرش الحمل أو الْجَدْيِ مالم يأكل (5) .
وكل هذه الكلمات - كما ترى - خالية من معنى الحدث ودلالته، لا يوصف بها.
((فَأما قولهم في المرأة: إِشْفَى المرفق؛ فعلى أنهم توهموا الاسم وصفاً، وهذا على نحو قولهم: فلانٌ أُذُنٌ وعلى نحو قولهم في الناقة: نابٌ)) (6) .
أَفْعِل: قال سيبويه: ((وهو قليل، نحو: أَصْبِعٍ، ولا نعلمه جاء صفة)) (7) .
والأَصْبِعُ لغة في الإِصْبَعِ: واحدة الأصابع، وهي اسم.
أُفْعُل: قال سيبويه: ((وهو قليل نحو: أُبْلُمٍ، وأُصْبُع، ولا نعلمه جاء صفة)) (8) .
فالأُصْبُع: معروف. و ((الأُبْلُمُ: خُوصُ الْمُقْلِ)) (9) .
واستدرك الزبيدي على هذا فقال: ((وقد جاء صفة، قالوا: شَحْمٌ أُمْهُجٌ: ذو وَدَكٍ، عن أبي زيدٍ)) (10) .
وجعله ابن جني محذوفاً من (أُمْهُوج) ك (أُسْلُوب) . وقال: ((وجدت بخط أبي علي عن الفراء: لَبَنٌ أُمْهُوجٌ فيكون أُمْهُجٌ مقصوراً منه لضرورة الشعر، وأنشد أبو زيدٍ:
يُطْعِمُها اللَّحْمَ وشحماً أُمْهُجا (11) .
وذكر فيه وجهاً آخر، وهو أن يكون مما وُصِفَ فيه بالاسم الجامد، لما فيه من معنى الصفاء والرقة، كما يوصف بالأسماء الضامنة لمعنى الأوصاف (12) .
فَعْأَل وفَأْعَل: قال سيبويه: ((شَمْأَلٌ وشَأْمل، وهو اسم)) (13) .
فالشَّمْأَلُ: لغة في الشمال، ريح تهب من قِبَلِ الشام (14) .(4/460)
والشَّأْمَلُ: مقلوبٌ (1) ، وجعل ابن قتيبة هذين في شواذ التصريف، ونقل عن الفراء أنه قال: ((ومما همزوه ولاحَظّ له في الهمزة ... (الشَّمأَلُ) و (الشَّأْمَل) وأصله من الشمال)) (2) .
ثانياً: الألف.
فَاعَلٌ: ورد هذا البناء في الأسماء، ذكر ذلك سيبويه فقال: ((ويكون فَاعَلاً نحو: طابَقٍ وخَاتَمٍ، ولا نعلمه جاء صفة)) (3) .
فالطابَق: العضو من أعضاء الإنسان كاليد والرجل ونحوهما. وبهذا فسره ابن الأثير في الأثرين اللَّذَيْنِ أوردهما في غريبه. أحدهما عن علي رضي الله عنه ((إنما أُمِرْنا في السارق بقطع طَابَقِهِ)) أي: يده. والآخر ((فخبزنا خبزاً وشويت طابَقاً من شاةٍ)) أي: مقدار ما يأكل منه اثنان أو ثلاثة (4) .
والخاتَم من الْحَلْيِ معروفٌ، وهذه إحدى اللغات الواردة فيه.
فَعْلًى: جاء ذلك في أسماء نحو: عَلْقًى، وتَتْرًى، وأَرْطًى. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً إلا بالهاء، قالوا: ناقة حَلْبَاة رَكْبَاة)) (5) .
وهذه الأمثلة تنون وتمنع التنوين، فمن نَوَّنَ جعل ألفها للإلحاق، ومن منع التنوين جعلها للتأنيث.
فالْعَلْقَى: شجر تدوم خضرته في القيظ، والأَرْطَى: شجر ينبت بالرمل (6) .
وتَتْرَى: من المواترة، وكل هذا لِمَا كانت ألفه للإلحاق، أما ما كانت ألفه للتأنيث فإنه لا ينون، ولذا جعلها سيبويه مشتركة بين الأسماء والصفات فقال: ((وتلحق الألف رابعة للتأنيث فيكون على (فَعْلَى) فيهما. فالاسم: سَلْمَى، وعَلْقَى، ورَضْوَى. والصفة: عَبْرَى وعَطشَى)) (7) .(4/461)
فِعْلًى: جاء هذا البناء في الأسماء نحو ذِفْرًى ومِعْزًى. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً إلا بالهاء)) (1) . ومثل ابن عصفور لذلك فقال: ((نحو امرأة سِعْلاةٌ ورجل عِزْهاةٌ. فأما قولهم: رجل كيصىً فهو اسم وصف به وليس بجارٍ على فعله، ولا يلزمه أن يستعمل تابعاً، فيكون ذلك دليلاً على أنه ليس بصفة في الأصل، ومما يدل على
أنه ليس بصفة في الأصل استعمالهم له جارياً على المؤنث بغير هاءٍ، فيقولون امرأة كيصًى)) (2) .
ومعاني هذه الأمثلة، الذِفْرى: ((الحبل المشرف عن يمين نقرة القفا وشمالها)) (3) .
ومِعزىً: جمع مَاعِز، والميم فيها أصلية (4) . والسعلاة: الغول أو ساحرة الجن. والعزهاة: اللئيم (5) . وكِيصًى ((بالتنوين، ينزل وحده، ويأكل وحده)) (6) .
فُعَلَى: جاء هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل في الكلام، نحو: شُعَبَى، والأُرَبَى والأُدَمَى أسماءٌ)) (7) .
وأورد أبو علي القالي هذا البناء في باب ما جاء من المقصور على مثال فُعَلَى بغير تنوين اسماً ولم يأت صفة (8)
فَشُعَبَى: موضع. وَأُرَبَى: الداهية. وأُدَمَى: مكانُ (9) .
ثالثاً: التاء.
وردت أبنية في العربية على أربعة أحرف منها ثلاثة أصول، وواحد منها زائد، وهذا الزائد هو حرف التاء، من هذه الأمثلة.
تَفْعُل: ورد ذلك ((في الأسماء نحو: تَنْضُب، وتَتْفُلٌ، والتّضُرَّة، والتَّسُرَّة)) (10) .
فالتَّنْضُبُ: شجرٌ ينبت بالحجاز له شوك، وله جنىً مثل العنب الصغار (11) .
والتَّتْفُل: الثعلب. ((والتَّسُرَّة والتَّضُرَّة: من السرور والضرّ)) (12) .
تَفْعَلَة: جاء ذلك في الأسماء ((وهو قليل، قالوا: تَتْفَلَةٌ)) (13) .
والتَّتْفَلَةُ: أنْثَى الثعلب، وهذا البناء أحد اللغات الجائزة فيها، وفيها أيضاً تَتْفُلَة، وتُتْفُلَةٌ، وتُتْفَلَةٌ (14) .(4/462)
تَفْعِلَةٌ: ورد ذلك في الأسماء نحو: تَدْوِرَة، وتَنْهِيَة، وتَوْدِية. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (1) .
فالتَّدْوِرَة: دارة بين جبال، وهي من دَارَ يدورُ، والتَّنْهِيَةُ: المكان الذي ينتهي إليه الماء. والتَّوْدِيَةُ: عود على قدر ضرع الناقة تُصَرُّ به (2) .
فَعْلَتَةٌ: ورد ذلك في قولهم: ((سَنْبَتَةٌ، وهو اسم)) (3) نحو: ((سَنْبَتَةٌ من الدهر)) (4) وهي الحقبة، والتاء زائدة؛ لقولهم: مرت عليه سَنْبَةٌ من الدهر، على وزن تَمْرَة (5) .
رابعاً: الميم.
من الأبنية التي وردت فيها الميم زائدة ما يلي:
مَفْعُل: ورد هذا البناء في الأسماء مزيداً بحرف الميم، ولكنه يكون بالهاء في الأسماء، نحو: مَزْرُعَةٍ والْمَشْرُقَة، ومَقْبُرَة. قال سيبويه: ((ولا نعلمه صفة)) (6) .
فالْمَزْرُعَة: مَوْضِعُ الزرع. والْمَشْرُقَةُ مُثَلَّثَة الراء: موضع القعود في الشمس بالشتاء. والْمَقْبُرَة، بفتح الباء وضمها: موضع القبور. ومثلها الْمَشْرُبَةُ للغرفة (7) .
قال أبو بكر ((قد روى الكوفيون (مَفْعُلاً) بغير هاءٍ، قالوا: مَكْرُم ومَعُون ومَقْبُر)) (8) .
قال الفارابي: ((هذا قول الكسائي. وقال الفراء: هو جمع مَكْرُمَة. فعنده أن مَفْعُلاً ليس من أبنية الكلام. فأما هذا وقول جَميل:
بُثَيْنَ الْزَمِي (لا) إِنَّ (لا) إِنْ لَزِمْتِهِ على كَثْرَةِ الواشين أيُّ مَعُونِ
فهما جمع، وعند الكسائي أنهما واحد)) (9) .
مِفْعِل: ورد هذا البناء في قولهم: ((مِنْخِر، وهو اسم)) (10) . وجعل منه ابن القطّاع (مِنْتِن) على حين أشار سيبويه إلى أنه ليس منه فقال: ((فأمّا مِنْيّنٌ ومِغِيرةٌ فإنما هما من أغار وأَنْتَنَ ولكن كسروا كما قالوا: أَجُوءُكَ ولإِمِّك)) (11) .(4/463)
فيكون الكسر هنا للإتباع كما قالوا: أَجُوءُك ولإمِّك، أي: أن الكسر فيهما إتباع لحركة الحرف الثالث من الكلمة ورَدَّ ابنُ القطّاع قول من جعله من (نَتُنَ) فقال: ((ولا تلتفت إلى قول ابن قتيبة في قوله: من قال مِنْتِنٌ أخذه مِنْ نَتُنَ فهذا غلط فاحش، وقد غلط فيه جماعة من العلماء قبله، لأنه يلزمهم على هذا أن يقولوا من خَبُثَ مِخْبِثٌ، ومِنْ حَسُنَ مِحْسِنٌ. وهذا لا يقوله أحدٌ)) (1) .
مُفْعُل: ورد هذا البناء في الأسماء نحو: مُنْخُل، ومُسْعُط، ومُدُقّ، ومُنْصُل. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة)) (2) .
وهذه الكلمات من جملة الكلمات التي حكيت مضمومة الميم والعين من أسماء الآلة، وعدها بعضهم شاذة لخروجها عن الصيغ الثلاث (مِفْعَل، ومِفْعال، ومِفعَلَة) فالْمُنْخُل: ما يُنْخَلُ به الدقيق، والمُسْعُط: وعاء السعوط. والمُدُقُّ: آلة الدقّ، وكذلك المُدْهُنُ: ما يُجْعَلُ فيه الدُّهْنُ (3) .
خامساً: النون.
تكون النون زائدة في أبنية ثلاثية الأصول، وتكون منفردة، أو مع غيرها، ومن الأبنية التي وردت فيها النون زائدة ما يلي:
فُنْعَل: ورد ذلك في أسماءٍ وذلك: قُنْبَرٌ، وعُنْظَبٌ، وعُنْصَلٌ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه صفة)) (4) .
فالْقُنْبَرُ: طائر، يقال فيها: القُبَّرَة، ويقال لها: الحُمَّرَةُ أيضاً (5) .
والْعُنْظَبُ: ذكر الجراد. والْعُنْصَلُ: نَبْتٌ (6) .
فِنْعَلٌ: ورد من ذلك مثال واحد ممَّا جعل سيبويه يحكم له بالقلة إذ قال: ((وهو قليل، قالوا: جِنْدَبٌ، وهو اسم)) (7) لغة في الجُنْدَب، وهو ذكر الجراد (8) .
واستدرك الزبيدي على سيبويه في هذا فقال: ((وقد جاء صفة، قالوا: لِحْيَةٌ كِنْثَأَة)) (9) . وقد يجاب عن هذا بأنها لا تكون صفة بغير التاء.(4/464)
فِعْلِن: أورد سيبويه من ذلك مثالاً واحداً، ومن ثم حكم له بالقلة فقال: ((وهو قليل، قالوا: فرسِنٌ)) (1) وهو للبعير بمنزلة اليد والرجل (2) .
فَعَنْلَةٌ: ورد هذا البناء في الأسماء ((قالوا: جَرَنْبَةٌ، وهو اسمٌ)) (3) للجماعة من الناس (4) .
قال ابن منظور - بعد أن ذكر تفسير جَرَبَّة -: ((وإنما قالوا جَرَنْبَة كراهية التضعيف)) (5) .
سادساً: الواو.
فِعْوَل: ورد هذا البناء في الأسماء نحو خِرْوَعٍ وعِلْوَدٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (6) .
فالخروع: نبت لَيِّنٌ. أما عِلْوَد فَتُرْوَى في المعاجم بتشديد الدال، ومشدد الدال يأتي صفة، فيقال: رَجُلٌ عِلْوَدٌّ وامْرَأة عِلْوَدَّةٌ. وهو الشديد ذو القسوة. ومن الرجال والإبل الْمُسِنُّ (7) . وأوردها سيبويه في (فِعْوَلّ) (8) .
وذكر ابن عصفور على بناء (فِعْوَل) خِرْوَع وعِتْوَد (9) . قال الجوهري: ((وعِتْوَدٌ: اسم وادٍ. وليس في الكلام فِعْوَلٌ غيره وغير خِرْوَعٍ)) (10) ولعل ما في الكتاب قد تَحَرَّفَ عنه.
فُعُول: جاء ذلك في أبنية من العربية ((وهو قليل في الكلام، إلا أن يكون مصدراً أو يُكَسَّرُ عليه الواحد للجمع، قالوا: أُتِّيٌّ وهو اسم، والسُّدُوس وهو اسمٌ)) (11) .
فالمصدر نحو القُعود. والجمع نحو الفُلُوس. والأُتِّي: السيل. والسُّدوس: الطّيْلَسَان (12) .
فُعْلُوَة: ورد هذا البناء في الأسماء ((نحو: الخُنْذُوَةِ، والعُنْصُوَةِ)) (13) .(4/465)
فالخُنْذُوَة: الشعبة من الجبل. وحكيت بكسر الخاء، وهو قبيح؛ لأنه لا يجتمع كسرة وضمة بعدها واو، ليس بينهما إلا ساكن؛ لأن الساكن غير مُعْتَدٍّ به، وكأنه خِذُوَة. وحُكِيَتْ جِنْذِوة، وخِنْذِوَة وحِنْذِوَة، لغات في جميع ذلك حكاه بعض أهل اللغة، وكذلك وجد في بعض نسخ كتاب سيبويه، وهذا لا يعضده القياس ولا السماع، أما الكسرة فإنها توجب قلب الواو ياءً، وإن كان بعدها ما يقع عليه الإعراب وهو الهاء، وقد نفى سيبويه مثل ذلك، وأما السماع فلم يجئ لها نظير، وإنما ذكرت هذه الكلمة بالحاء والخاء والجيم؛ لأن نسخ كتاب سيبويه اختلفت فيها (1) .
والعُنْصُوَة: الشَّعَرُ اليسير، ويقال ما بقي له إلا عُنْصُوَة، أيْ: قطعة (2) .
فَعْلُوَة: ورد هذا البناء في الأسماء نحو: تَرْقُوَةٍ، وعَرْقُوَةٍ، وقَرْنُوَةٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (3)
فالتَّرْقُوَةُ: واحدة التراقي ((وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق)) (4) . وعَرْقُوَة الدَّلْوِ ((الصليب الذي على رأسه)) (5) . ((والقَرْنُوَةُ: نبت يُدْبَغُ به)) (6) .
فِعْلُوَة: جاء ذلك في أمثلة ((نحو حِنْذُوَة، وهو اسم وهو قليل، والهاء لا تفارقه، كما أن الهاء لا تفارق حِذْرِيَةً وأخواتها)) (7) .
فالحنذُوَة: القطعة من الجبل (8) ، وقيل شعبة فيه (9) . والمشهور خُنْذُوَة بالخاء مضمومة، وحكيت بكسر الخاء، وبالجيم مكسورة مع كسر الذال (10) وتقدم في البناء الذي قبلها بيان ذلك.
سابعاً: الياء.
يَفْعَل: ورد هذا البناء في الأسماء نحو: الْيَرْمَع، والْيَعْمَلِ، والْيَلْمَقِ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (11) .
فالْيَرْمَعُ: حَجَرٌ رقيق يتفتت. والْيَعْمَلُ: الْجَمَلُ الْقَوِيُّ (12) .
((والْيَلْمَقُ: القباء الْمَحْشُوُّ، وهو بالفارسية يَلْمَهْ)) (13) .(4/466)
فأما قولهم: رَجُلٌ يَلْمَعٌ فمن الوصف بالاسم (1) .
فُعْيَل: جاء ذلك في قولهم ((عُلْيَب، وهو اسم وادٍ)) (2) . قال ابن سيده:
((وعُلْيَبٌ وعِلْيَبٌ: وادٍ معروف، على طريق اليمن، وقيل موضع، والضم أعلى، وهو الذي حكاه سيبويه. وليس في الكلام فُعْيَلٌ، [بضم الفاء وتسكين العين وفتح الياء] غيره ... واشتقه ابن جني من الْعَلْبِ الذي هو الأَثَرُ والْحَزُّ، وقال: ألا ترى أن الوادي له أثرٌ)) (3) .
الزيادة بتكرير حرف أصلي
أولاً: العين.
فُعُّل: ورد هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: تُبُّعٌ)) (4) بضم التاء والباء مع التشديد. والتُّبُّعُ: الظّلّ قال الزبيدي: ((التُّبَّع: الظل. ويقال التُّبَّع ضرب من اليعاسيب. وأما التُّبُّع بالضم فلا أعلمه)) (5) .
فِعِّل: يأتي هذا البناء في الاسم نحو: حِمِّصٍ، وجِلِّقٍ، وحِلِّزٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (6) .
قال الجوهري: ((الحِمِّصُ: حَبٌّ. قال ثَعْلَبٌ: الاختيار فتح الميم. وقال المبرد: هو الحِمِّصُ، بكسر الميم. ولم يأت عليه من الأسماء إلا حِلِّز؛ وهو الْقَصِيرُ. وجِلِّق؛ وهو اسم موضع بناحية الشام)) (7) .
وقال الزبيدي: ((قد جاء صِفَةً. يقال امْرَأَةٌ حِلِّزةٌ؛ للقصيرة. ومنه الحارث بن حِلِّزة)) (8) .
ثانياً: اللام.
وردت أبنية في العربية على أربعة أحرف، ثلاثة أصول، وواحد زائد هو اللام. ومن أمثلة هذه الأبنية:
فَعْلَل: ورد هذه البناء في الاسم، وذلك نحو: قَرْدَدٍ، ومَهْدَدٍ. وهو ملحق بالرباعي (جَعْفَر) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (9) .
فالْقَرْدَدُ: جَبَلٌ، أو ما ارتفع من الأرض. وجمعه قرادد (10) . ومَهْدَد: اسم امرأة (11) .
فَعِلّ: وكذا هذا البناء ورد في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: تَئِفَّةٌ، وهو اسم)) (12) .(4/467)
والتَّئِفَّةُ: الحين والأوان. ((يقال: جاء على تَئِفَّةِ ذاك وتَفِيئَة ذاك، أي على حينه ووقته)) (1) .
وفي أصل هذه الكلمة خلاف، هل هي (فَعِلَّة) أو (تَفْعِلَة) ، ويبدو أن اللبس في وزنها قديم؛ منذ عهد سيبويه فقد اختلفوا في النقل عنه خلاف ما وصلنا في الكتاب، قال ابن السراج: ((وهذا الحرف في بعض النسخ [يعني نسخ الكتاب] قد ذُكِرَ في باب التاء، وجُعِل على مثال (تَفْعِلَة)) ) (2) .
فُعَلَّة: جاء هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل، قالوا: دُرَجَّةٌ وهو اسم)) (3) لطائرٍ أصغر من الدرّاج، ورواها يعقوب دُرَجَة بالتخفيف (4) .
فَعُلَّة: كذا هذا البناء ورد في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: تَلُنَّة وهو اسمٌ)) (5) والتَّلُنَّةُ: الحاجة واللبث أيضاً.
ثالثاً: العين واللام.
فُعَلْعَلٌ: ورد هذا البناء في الأسماء ((نحو: ذُرَحْرَحٍ، وجُلَعْلَعٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (6) .
فالذُّرَحْرَحُ: السُّمُّ القاتل. والْجُلَعْلَع، بضم الجيم: خنفساء نصفها طين (7) .
ما زيد فيه حرفان
زيادة الهمزة والألف:
إِفْعَلَى: ورد في الأسماء هذا البناء. قال سيبويه: ((قالوا: إِيجَلَى، وهو اسمٌ)) (8) .
قال القالي: ((أحسبه موضعاً - والله أعلم - ولم يأت على هذا المثال غيره)) (9) .
فِعْلاء: ورد هذا البناء في الأسماء نحو: عِلْبَاء، وخِرْشاء، وحِرْباء. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً لمذكر ولا لمؤنث)) (10) .
فالْعِلْبَاءُ: عِرْقٌ في العُنُقِ. والخِرْشاءُ: قِشْرُ البَيْضَةِ، وجِلْدُ الْحَيَّة، ورُغْوَةُ اللَّبَنِ وكلُّ شيء فيه انتفاخ (11) . والحِرْباء: دُويبَّةٌ شَبِيهَةٌ بالْعَظَاءَةِ؛ إلا أنها أكبر (12) .(4/468)
وذكر القالي عدداً من الألفاظ التي جاءت على هذا البناء (1) . ((وهذا كله ملحق ب (فِعْلال) (2)) ) ؛ لأن الهمزة بمنزلة اللام الثانية من فِعْلال، وفي هذا التعيم نظر، إذ الهمزة في بعضها للتأنيث كما في (حرباء) .
فُعْلاء: هذا البناء من أبنية العربية ورد في الأسماء؛ ولكنه قليل، وهذا ما عناه سيبويه بقوله: ((قد يكون على (فُعْلاء) في الكلام، وهو قليل، نحو: قُوباء وهو اسْمٌ)) (3) .
والقُوباء: ((التّحَزُّز في جلد الإنسان)) (4) .
وجعل القاليّ هذا المثال في باب ما جاء من الممدود على مثال فُعْلاء من الأسماء ولم يأت صفة، ثم مثل بها في باب ما جاء من الممدود على مثال فُعَلاء من الأسماء والصفات (5) . وجعلها الفارابي في باب فُعَلاء بضم الفاء وفتح العين ممدود (6) .
فاتفق بذلك مع القالي. وبناءُ فُعَلاء يكون في الأسماء والصفات، وهذا معنى قول ابن السكيت: ((والأصل فيها تحريك العين)) (7) .
وقال ابن قتيبة: ((بفتح الواو مؤنثة لا تنصرف، وجمعها (قُوَبٌ) ، وإن سكنت الواو ذُكِّرَتْ وصُرِفتْ)) (8) . ولَعَلَّ سيبويه أراد أن الأسماء من هذا البناء تختص بالتخفيف فتسكن العين منها. وهذا ما يدل عليه تفريق القالي للبنائين في بابين متتابعين.
فِعَلاء: هذا البناء يكون في الاسم، وهو قليل في الكلام نحو: الخِيَلاء، والسِّيَراء. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (9) . وهذان المثالان ومثلهما العِنَباء والحِوَلاء جعلها القالي في باب ما جاء من الممدود على مثال فِعَلاء اسماً ولم يأت صفة (10) . والحِوَلاء هو الحُوَلاء بالضم، وهو أكثر من الكسر: الماء الذي يخرج مع الولد.
والخِيَلاء لغة في الخُيَلاء. والسِّيَراء: ثوب فيه خطوط تعمل من القَزِّ، والذَّهَبُ، وضَرْبٌ من النبت (11) .(4/469)
فَعَلاء: هذا البناء يكون في الاسم. قال سيبويه: ((وهو قليل، نحو: قَرَماء وجَنَفَاء. وقال السُّلَيكُ (1) :
على قَرَماءَ عاليةً شَواه كَأَنَّ بَيَاضَ غُرَّتِهِ خِمارُ
وقال (2) :
رَحَلْتُ إليك من جَنَفاء حَتَّى أَنَخْتُ فِنَاءَ بَيْتِكَ بالمطالي
ولا نعلمه جاء وصفاً)) (3) .
وقَرَماء وجَنَفاء: موضعان. قال ابن قتيبة: ((وقد جاء (فَعَلاء) في حرف واحد؛ وهو صفة، قالوا للأَمَةِ ثَأْداء، بتسكين الهمزة، وثَأَدَاء بفتحها)) (4) . ومثل ذلك مقلوبها: دَأْثَاء.
زيادة الهمزة وتكرير حرف أصلي:
أُفْعُلَّةٌ: جاء هذا في أبنية الأسماء ((وهو قليل، نحو: أُسْكُفَّةٍ، وأُتْرُجٍّ، وأُسْطُمَّةٍ، وهي أسماء)) (5) .
فالأُسْكُفَّةُ: عَتَبَةُ الباب (6) ، والأُتْرُجُّ مَعْرُوفٌ. والأُسْطُمَّةُ: وسَطُ الْحَسَبِ ومُجْتَمَعُه (7) .
زيادة الألف مع حرف آخر
تقدم في المبحث السابق زيادة الألف مع الهمزة. وسأتناول هنا: زيادة ألفين في بناء واحد
فاعال: ورد هذا البناء في الأسماء. قال سيبويه: ((وهو قليل نحو: ساباط، وخاتام وداناق للدانَق والخاتَم، ولا نعلمه جاء صفة)) (8) .
((السَّابَاطُ: سَقِيفَةٌ بين دَارَيْنِ من تحتها طَرِيقٌ نَافِذٌ)) (9) .
والخَاتَامُ: لغة في الخاتم، والغريب أن ابن سيده جزم بأنّ سيبويه لم يعرف خاتاماً (10) ، أخذ ذلك من قول سيبويه ((إن الذين قالوا خواتيم إنما جعلوه تكسير فاعال؛ وإن لم يكن في كلامهم)) (11) . ولكن سيبويه قال بعد ذلك: ((غير أنهم قد قالوا: خاتام، حدثنا بذلك أبو الخطّاب)) (12) .
والدّاناق: لغة في الدّانق من الأوزان (13) .
فُعَالَى: ورد هذا البناء ((في الاسم نحو: حُبَارَى، وسُمانَى، ولُبَادَى.
ولا يكون وصفاً إلا أن يكسر عليه الواحد للجمع نحو: عُجالَى، وسُكارَى، وكُسَالَى)) (14) .(4/470)
ف ((الحُبارَى: طائر، يقع على الذكَرِ والأُنْثَى واحدها وجمعها سواء)) (1) .
و ((السُّمَانَى: طائرٌ، وجمعه سُمَانَيَاتٌ، واللُّبادَى: طائر يلبد بالأرض، فلا يكاد يطير إلا أن يطار)) (2) .
وذكر القالي أن هذا الضرب ينقاس، ولذلك استغنى عن ذكره، وجَمَعَ أمثلة لِمَا كان اسماً على هذا البناء (3) .
زيادة الألف والتاء:
تَفَاعِل: جاء من هذا البناء في الأسماء التَّتافِل والتَّناضِب. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء في الوصف)) (4) . وذكر ابن عصفور أنه قد يكون صفة بالقياس. قال: ((وقد يجيء صفة بالقياس؛ لأنهم قالوا (تُحْلُبَةٌ) فإذا كَسَّرته على القياس قلت تَحالِب)) (5) .
تِفْعال: هذا البناء جاء في الاسم نحو: تِجْفاف، وتِمْثال، وتِلْقاء، وتِبْيان. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (6) . وقد ورد هذا البناء في صفات ولكن بالهاء؛ إذ جاء رَجُلٌ تِلْقامَةٌ وتِلْعابَةٌ وتِقْوَالَةٌ وتِبْذارَةٌ وتِرْعَايَةٌ ولكنه قليل.
والتمس ابن عصفورٍ مخرجاً لذلك فقال: ((وقد يمكن أن يكون من قبيل ما وُصِف به، وهو اسم في الأصل، نحو قولهم: نِسْوَةٌ أَرْبَعٌ. ومما يُبَيِّن ذلك جريانه على المذكر وفيه تاء التأنيث. إذ حق الصفة أن تكون مطابقة للموصوف)) (7) .
وكذلك خَرَّجَ ما حُكِيَ عن الكسائي من قولهم ناقة تِضْرَابٌ على أنه اسم وصف به لعدم قولهم تِضْرَابَةٌ؛ إذ لفظه مذكر، وهو صفة لمؤنث (8) .
زيادة الألف واللام:
فَعَالَّة: هذا البناء مزيد بالألف وبتكرير اللام وهو حرف أصلي، وجاء في الأسماء ((نحو: الزَعارَّة، والحمارَّة، والعبالَّة. ولم يجئ صفة)) (9) .
فالزعارَّة: سُوءُ الْخُلُقِ. وحمارَّة الصيف أو القيظ: شِدَّةُ حَرِّهِ.
والعبالَّة: الثَّقِيل (10) وبهذا تكون صفاتٍ غالبة أصبحت أعلاماً، ومثل ذلك:(4/471)
((صبارَّة الشتاء، يعني شدة البرد وأتيتك على حبالَّة ذلك، أي: حينه ... ويقال أتوني بزرَافَّتِهم، أي: بجماعتهم. قال أبو عبيد: لا أحفظ التشديد عن غيره)) (1) .
فُعْلال: جاء هذا البناء في الأسماء نحو: قُرْطاط، وفُسْطاط. قال سيبويه:
((وهو قليل في الكلام ولا نعلمه جاء وصفاً)) (2) .
ف ((الْقُرطاط: برذعة الحمار)) (3) وفُسْطاط: مدينةٌ بمصر، وضَرْبٌ من الأبنية (4) .
فُعَلَّى: ورد هذا البناء في الكتاب بضم العين، والصواب الفتح؛ لأن مضموم العين سيأتي بعد ويكون في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: عُرَضَّى، وهو اسم)) (5) من الاعتراض (6) .
وذكر القالي هذا المثال في باب ما جاء من المقصور على مثال (فُعَلَّى) بضم الفاء وفتح العين، ولم يذكره في باب (فُعُلَّى) بضم الفاء والعين (7) . وذكره ابن سيده في بناء (فُعُلَّى) بالضم فيهما، وقال: ((قال الفارسي: كُلُّ فُعَلَّى فَفُعُلَّى فيه مقولة)) . وذكر معها الحُذُرَّى من الحذر، والحُظُبَّى: الظهر، والغُلُبَّى: الْغَلَبَة، والكُفُرَّى: وعاء طلع النخل وبُذُرَّى: من البذر (8) .
فُعُلَّى: أورد سيبويه هذا البناء بعد جملة من الأبنية بينه وبين البناء المتقدم بفتح العين وأورد عليه أمثلة قال: ((قالوا: حُذُرَّى، ونُذُرَّى وهو اسم)) (9) .
فِعَلَّى: ورد هذا البناء في أبنية الأسماء ((وهو قليل، قالوا: دِفَقَّى، وهو اسمٌ)) (10) .
والدِّفَقَّى: اسم للمشية، يقال هو يمشي الدِّفَقَّى. ومثلها: الْهِمَقَّى: مشية فيها تَمَايُلٌ. والجِيَضَّى، بفتح الياء: مشية فيها اختيال.
ودِمَمَّى: موضع معروف (11) .
زيادة الألف وتكرار عين الكلمة:
فِعّال: ورد هذا البناء في الأسماء نحو: الحِنّاء، والقِثّاء، والكِذّاب. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً لمذكر ولا لمؤنث)) (12) .(4/472)
وقالوا: رجلٌ دِنَّابَةٌ؛ للقصير الغليط. وخرجه ابن عصفور بأنه من الوصف بالاسم، إذْ لم يطابق موصوفه (1) .
وذكر القالي الحِنّاء والقِثَّاء ثم قال: ((وما جاء من هذا المثال قليل جداً، لا نعلم جاء منه غير هذين الحرفين)) (2) .
فُعَّلَى: جاء هذا البناء في الأسماء. قال سيبويه: ((وهو قليل. قالوا: السُّمَّهَى، وهو اسم والبُدَّرَى، وهو اسم ولا نعلمه وصفاً)) (3) .
فالسُّمَّهَى: الباطل. والبُدَّرَى: من البِدارِ (4) . زاد القالي، الحُلَّكَى: النوع من السويق بالْبُرِّ (5) . وزاد ابن دريد، لُبَّدَى: للقوم المجتمعين (6) .
زيادة الألف والنون:
فِعْلان: ورد هذا البناء في الأسماء ((نحو: ضِبْعان، وسِرْحان، وإنْسان وهو كثير فيما يكسر عليه الواحد للجمع، نحو: غِلْمان وصِبْيان)) (7) .
هذا ما ذكره سيبويه، ونقل ابن قتيبة عن بعض البغداديين في (إِنْسان) أن ((الأصل (إنسيان) على زنة إِفْعِلان فحذفت الياء استخفافاً؛ لكثرة ما يجري على ألسنتهم، فإذا صغروه قالوا: أُنْيَسان فردوا الياء؛ لأن التصغير ليس يَكْثُر ككَثْرَة الاسم مُكَبَّراً، وقالوا في الجميع: أَنَاسِيّ)) (8) .
ونسب إلى البصريين أن وزنه فِعْلان، زيدت الياء في تصغيره، كما زيدت في تصغير لَيْلَة، فقالوا: (لُيَيْلَةٌ) . وفي تصغير رجُل فقالوا (رُوَيْجِل) (9) .
ولم يجزم سيبويه بعدم مجيء الصفة على هذا البناء، وقد قالوا: رجل عِلْيَانٌ وخرج أبو حيان ذلك بأنه من قَبِيل الوصف بالاسم (10) ؛ لأنهم قد قالوا: ناقة عِلْيَانٌ (11) ولم يُدْخِلوا عليها التاء.
فَعِلان: نُقِل هذا البناء في الأسماء. قال سيبويه: ((وهو قليل، نحو الظَّرِبان، والقَطِران، والشَّقِرَان. ولا نعلمه جاء وصفاً)) (12) .(4/473)
فالظَّرِبان دُوَيْبَّة مُنْتِنَةُ الرِّيحِ. والشَّقِرَان نَبْتٌ (1) . والْقَطِران معروف.
فَعُلان: يأتي على هذا البناء الاسمُ ((وهو قليل، قالوا: السَّبُعان وهو اسم بَلَدٍ. قال ابن مقبل:
ألا يا ديار الحي بالسَّبُعان أَمَلّ عليها بالبِلَى الْمَلَوانِ)) (2)
وجزم ابن قتيبة بأنه لم يأت على هذا البناء إلا هذه الكلمة (3) .
فُعُلان: يأتي على هذا البناء الاسم ((وهو قليل، قالوا: السُّلُطانُ، وهو اسم)) (4) : لغة في السُّلْطان (5) .
فِعَلْنَى: هذا من الأبنية التي جاءت في الاسم ((وهو قليل. قالوا: العِرَضْنَى، وهو اسمٌ)) (6) . والمراد بالعِرَضْنَى: الاعتراض في المشي. ونقل ابن سيده عن الفارسي أنه لا يوصف. وعن أبي عبيد أنه لا يوصف بالْعِرَضْنَةِ (7) .
وقال القالي: ((ولا نعرف من هذا المثال غيره)) (8) .
فُعَنْلَى: ورد هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: جُلَنْدَى، وهو اسْمٌ)) (9) .
قال القالي: ((اسْمُ رَجُلٍ. ولا نَعْلَمُ من هذا المثال غيره)) (10) .
فَعَنْلى: هذا البناء من أبنية الأسماء ((قالوا: بَلَنْصَى اسم طائر)) (11)
مع بَلَصُوصٍ، على غير قياسٍ. ((قال الأصمعي: قال الخليل: رأيت أَعْرَابِيًّا يَسْأَلُ أَعْرَابِيًّا، فقال: ما الْبَلَصُوصُ؟ فقال: طَائِرٌ. فقال: كيف تَجْمَعُهُ؟ فقال: الْبَلَنْصَى (12) ... )) .
قال القالي: ((لم أسمع التنوين في هذا الحرف وحده، وقياسه التنوين، فَأَمَّا ما جاء على بِنَائِهِ فسمعته بالتنوين)) (13) .
زيادة الألف والواو:
فُوعال: ورد هذا البناء في العربية اسماً. قال سيبويه: ((وهو قليل في الكلام، وهو طومارٌ، وسُولافٌ اسْمُ أَرْضٍ ولا نعلمه جاء وصفاً)) (14) . وطومار: الصحيفة.
وذكره ابن دريد على أنه مُعَرَّبٌ (15) . ورد ذلك ابن سيده لاعتداد سيبويه في الأبنية (16) .(4/474)
فَوْعَالٌ: هذا كذلك من الأبنية التي جاءت في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: تَوْرَابٌ وهو اسْمٌ للتراب)) (1) وذكر الفارابي الدَّوْلاب وهو مُعَرَّبٌ. وأما حَوْقالٌ فإنما أراد المصدر ففتح، ولم يفتح إلا استيحاشاً من أن يصير الواو ياءً (2) .
فُعْوال: هذا أيضاً من أبنية الأسماء ((وهو قليل، قالوا: عُصْوادٌ، وهو اسْمٌ. ومثله عُنْوانٌ وعُتْوَارَةٌ)) (3) . وكذا عُلْوان.
والْعُصْواد: مستدار القوم في حَرْبٍ أو خصومة. والْعَصْوَدَة: اختلاط الأصوات في حَرْبٍ أو شَرٍّ. وقالوا للقليلة اللحم من النساء عُصْواد، كما قال الشاعر:
يا مَيُّ ذَاتَ الْخَالِ والمِعْضادِ فَدَتْكِ كُلُّ رَعْبَلٍ عُصْوادِ (4)
وبهذا يكون اسماً وُصِفَ به، ولذا لم يؤنث بالتاء. والعُصْواد بالضم لغة، ورواية البيت في الديوان بكسر العين (5) . ومثلها عُِتْوَارَةُ بكسر العين وضمِّها حَيٌّ من كنانة (6) . وعُلْوانُ الكتاب: سِمَتُهُ. قال الأزهري: ((ويقال: عُلْوان الكتاب لِعُنْوانه. والعرب تبدل اللام من النون في حروف كثيرة ... وكأن عُلْوان الكتاب اللام فيه مبدلة من النون)) (7) .
فَوْعَلَى: هذا من أبنية الأسماء ((قالوا: الْخَوْزَلَى)) (8) ومثلها الْخَوْزَرَى، وهما مثل الْخَيْزَلَى في المعنى (9) . والْخَيْزَلَى، مشية فيها تفكك.
فُعُولَى: ورد هذا البناء في قولهم ((عُشُورَى، وهو اسم)) (10) .
قال ابن ولاَّدٍ: ((وعُشُورَاء (بضم العين والشين) وزعم سيبويه أنه لم يُعلم في الكلام شيءٌ على وزنه، ولم يذكر تفسيره. وقرأت بخط بعض أهل العلم أنه اسم موضع، ولم أسمع تفسيره من أحد)) (11) . ولعل ابن وَلاَّدٍ وَهِمَ في ذلك، فإن سيبويه لم يَذْكُرْهُ ممدوداً، وإنما ذَكَرَهُ مقصوراً.
زيادة الألف والياء:(4/475)
فَعَايِل: هذا البناء ورد في الأسماء نحو: العثاير، والحثايل؛ جمع الْحِثْيَل والْعِثْيَر. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء في الصفة لَمَّا لم يجئْ واحده)) (1) .
وبهذا يكون سيبويه منع مجيئه في الصفة، ولكن الزبيدي قال: ((قد ذُكِر في باب زيادة الياء رَجُلٌ طِرْيَمٌ، فيجب أن يكون جَمْعُه طَرَايم مُكَسَّراً صفة)) (2) .
((والعَثاير: جمع عِثْيَرٍ؛ وهو الغبار. والحثايل: جمع حِثْيَلٍ وهو شجر)) (3) .
أما الطِّرْيم فإن من معانيه: السحاب، والعسل، والوقت، فلعله إذا قيل رجل طِرْيَم، بمعنى طويل (4) يكون اسماً وُصِفَ بِهِ.
ومما جاء على هذا البناء من غير الجمع: مَرَايِض؛ اسم لِمَوْضِعٍ، وهو مُفْرَدٌ (5) .
يَفَاعِل: هذا البناء من أبنية الأسماء كالْيَحَامِدِ والْيَرَامِعِ. قال سيبويه: ((وهذا قليل في الكلام، ولم يَجِئْ صِفَةً)) (6) .
وهذه الصيغة جَمْعٌ ((وتَطَّرِدُ في مزيد الثلاثي، ولا يحذف الزائد أثناء الجمع)) (7) .
وقد جاء من الصفات: جَمَلٌ يَعْمَلٌ وجمال يَعَامِلٌ، وذلك ((من قبيل الوصف بالاسم، بدليل انصرافه كما تَقَدَّم وبدليل ولايته العوامل قال الشاعر:
يا زيدُ زيدَ اليعملات الذُّبَّلِ تَطَاوَلَ اللَّيْلُ عَلَيْكَ فَانْزِل)) (8)
فِعْيال: ورد هذا البناء في الاسم نحو: جِرْيَالٍ، وكِرْياسٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (9) .
والْجِرْيَالُ: الْخَمْرَةُ؛ عن الْفَرَّاءِ (10) . والكِرْياس: الْكَنِيفُ الذي يكون مُشْرِفاً على سَطْحٍ بقناةٍ إلى الأَرْضِ (11) .
غير أنه ورد: جِرْياض للضخم العظيم، أو العظيم البطن (12) . وسِرْياح للطويل وشِرْياف لورق الزرع إذا طال (13) .
فِيعالٌ: ورد هذا البناء في الأسماء مثل: دِيماسٍ، ودِيوان. قال سيبويه: ((ولا نعلمه صفة)) (14) .(4/476)
ودِيماسٌ: سجن كان للحجاج بن يوسف ومثله الدِّيباج، والدّينار، والقيراط، والريبال للأسد (1) .
فَيْعَلَى: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: الْخَيْزَلَى، وهو اسْمٌ)) (2) .
والْخَيْزَلَى: مشية فيها تَفَكُّكٌ. ومثلها الْخَيْزَرَى وهي بمعناها. والْخَيْسَرَى: خَاسِرٌ. والْهَيْذبَى: أن يَعْدُوَ الْفَرَسُ في شِقٍّ (3) .
زيادة التاء وحَرْف آخر:
تَقَدَّمَ ما يُبَيِّن زيادة التاء مع الهمزة والألف، وسأكمل بما يُبَيِّن زيادتها مع بقية الحروف.
زيادة التاء مع تكرير حرف أصلي:
التَّفَعُّل: ورد هذا البناء ((في الأسماء غير المصادر، وهو قليل، قالوا: التَّنَوُّطُ وهو اسْمٌ)) (4) .
((فالتَّنَوُّطُ كالتّكَرُّمِ، والتُّنَوِّط بِضَمِّ التاء وكَسْرِ الواو: طائرٌ يُدَلِّى خيوطاً من شجرة، ويَنْسُجُ عُشَّهُ كقارورة الدُّهْنِ منوطاً بتلك الخيوط، الواحدة بِهَاءٍ)) (5) .
التُّفُعِّل: هذا من الأبنية التي جاء في الاسم على وجه القِلَّةِ. ((قالوا: تُبُشِّرٌ وهو اسم)) (6) وضم الباء لغة وفيه لغة أخرى هي فتح الباء (تُبَشِّرٌ) . والتُّبُشِّرُ: طَائِرٌ (7) .
التِّفِعِّل: ورد هذا البناء ((وهو قليل، قالوا: التِّهِبِّط، وهو اسم)) . قال الفيروزابادي: ((التِّهِبِّط؛ بكسرات مشددة الباء: طائرٌ أَغْبَرٌ، يتعلق بِرِجْلَيْهِ، ويُصَوِّتُ بِصَوْتِ، كَأَنَّهُ يقول: أنا أموت. أنا أموت)) (8) .
زيادة التاء والواو:
تَفْعُول: جاء هذا البناء في الاسم مثل التَعْضُوض، والتَّحْموت، والتَّذْنُوب. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (9) .
فالتَّعْضُوضُ: ضَرْبٌ من التمر، والتَّذْنُوبُ منه الذي يُرْطِبُ من قِبَلِ أذنابه (10) .(4/477)
أما التَّحْمُوتُ فبالحاء المهملة: نوعٌ من التمر شديد الحلاوة (1) . وكذلك الزِّقُّ الذي يكون فيه السَّمْنُ (2) . وورد في طبعة الشيخ عبد السلام هارون بالخاء المعجمة، وليس كذلك.
تُفْعُول: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: تُؤْثُورٌ، وهو اسم)) (3) لِحَدِيدَة يُؤَثَّرُ بها خُفُّ البعير (4) .
زيادة التاء والياء:
تَفْعِيل: هذا البناء يكون في الأسماء، كالتَّمْتينِ والتَّنْبِيتِ. قال سيبويه:
((ولا نعلمه جاء وصفاً ولكنه يكون صِفَةً على تَفْعِيلة، وهو قليل في الكلام، قالوا: تَرْعِيَّةٌ)) (5) .
فالتَّنْبيتُ: أول خروج النبات، ولغة في التَّبْتِيت الذي هو قطع السنام، وما شُذِّبَ على النخلة من شوكها وسعفها للتخفيف عنها.
والتَّمتين: الخيط الذي يُضَرَّبُ به الفسطاط (6) . وكذلك ((تَرْعِيب للسنام وتَنْعِيم لمكان بمكة)) (7) .
زيادة الميم وتكرير حرف أصلي:
مِفْعِلٌّ: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: مِرْعِزٌّ)) (8) لغة في الْمِرْعِزَاء والْمِرعِزَّى.
قال الجوهري: ((المِرْعِزَّى: الزَّغَبُ الذي تحت شعر العنز، وهو مُفعِلَّى؛ لأن فِعْلَلَّى لم يجئ، وإنما كسروا الميم إتباعاً لكسرة الهمزة، كما قالوا: مِنْخِرٌ ومِنْتِنٌ، وكذلك المِرْعِزاء، إذا خفَّفْت مَدَدْت، وإن شَدَّدْت قصرت، وإن شئت فتحت الميم، وقد تحذف الألف فيقال: مِرْعِزّ)) (9) .
زيادة الميم والواو:
مُفْعُول: جاء هذا البناء في كلامهم ((وهو غريبٌ شاذٌ ... وذلك قولهم: مُعْلوق للمعلاق)) (10) . ووجه الشذوذ فيه أنه ليس في كلامهم مُفْعُول؛ وإنما فيه فُعْلُول. ولذلك عَدّ ابن عصفور مُغْفُور ومُغْرود على وزن فُعْلول (11) على حين جعلها ابن القطاع في (مُفْعُول) (12) .
زيادة النون وتكرير حرف أصلي:(4/478)
فَعَنْعَلٌ: ورد هذا البناء في الاسم، مثل: عَقَنْقَل وعَصَنْصَر. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (1) .
فالْعَقَنْقَلُ: الكثيب من الرمل، والوادي العظيم المتسع، وقانصة الضّبّ (2) .
((وعَصَنْصَر: موضع، عن ابن دُريد)) (3) . وقيل طائرٌ صغيرٌ (4) .
زيادة النون والواو:
فَعَلْنُوة: ورد البناء في الاسم، ((قالوا: قَلَنْسُوَةٌ، وهو اسم. والهاء لازمة لهذه الواو كلزومها وَاوَ تَرْقُوَةٍ)) (5) .
والْقَلَنْسُوَة: ((من ملابس الرؤوس معروف، والواو في قَلَنْسُوَة للزيادة غير الإلحاق وغير الْمَعْنَى، أما الإلحاق فليس في الأسماء مثل (فَعَلُّلَة) وأما المعنى فليس في قلنسُوَة أكثر مما في قَلْسَاةٍ)) (6) .
زيادة النون والياء:
فِعْلِين: ورد هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل، قالوا: غِسْلِين، وهو اسم)) (7) . والْغِسْلِينُ: ما يسيل من جلود أهل النار كالقيح وغيره، زيد فيه الياء والنون (8) .فُعَلْنِيَةٌ: ورد هذا البناء في ((نحو بُلَهْنِيةٍ، وهو اسم، والهاء لازمة كلزومها فِعْلِيَة)) (9) . والْبُلَهْنِيةُ: العيش الناعم (10) . ومثلها ((رُفَهْنِية، أي سعة)) (11) .
وجعلها الفارابي على بناء فُعَلِّيَة، فيكون بهذا رباعيّاً مزيداً، والراجح أنه ثلاثي مزيدٌ، لقولهم: عَيْشٌ أَبْلَهُ، أي: واسع (12) .
فُعَنْلِيةٌ: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: قُلَنْسِيةٌ، وهو اسم، والهاء لا تفارقه)) (13) . وهي القَلَنْسُوَة؛ لباس للرأس معروف.
زيادة الياء مع الياء:
يَفْعِيلُ: ورد في الأسماء مثل: يَقْطِين، ويَعْضِيد. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (14) .
((واليقطين: كل شجر لا يقوم على ساقٍ، مثل الدُّبَّاء والحَنْظَل وما أشبهه، والْيَعْضِيدُ: من أحرار البقول مُرٌّ وله زَهْرٌ أصفر ولبن لَزِجٌ)) (15) .(4/479)
ما زيد فيه ثلاثة أحرف
زيادة الهمزة ومعها أَلِفٌ وهمزة زائدان:
أَفْعِلاَء: جاء هذا البناء في الأسماء. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء إلا في الأَرْبِعاء)) (1) .
قال القالي: ((هو في الواحد قليل جدًّا، كثير في الجمع - إذا كَسَّرْتَ عليه الواحد - اسم وصفة، نحو: أَوْلِياء وأَصْفِياء وأَصْدِقَاء)) (2) . وأما أَرْمِدَاء فقد اخْتُلِفَ فيها، فقيل مُفْرَدٌ يُرَادُ بها الرماد، وقيل جَمْعٌ إِذْ يقال: هذه أَرْمِداءٌ كثيرة (3) .
إِفْعِلاءٌ: ورد هذا البناء في الأسماء. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء إلا في الإِرْبِعاء، وهو اسمٌ)) (4) .
وذكر الشيخ عبد السلام هارون أنه جاء في إحدى النسخ: ((وهو اسم عمود من أعمدة الْخَيْمَةِ)) . لكن الذي بمعنى العمود في كُلٍّ من اللسان والقاموس هو (الأُرْبُعاء) بضم الهمزة والباء. أ. هـ ونسب ابن قتيبة إلى سيبويه الضم في الهمزة والباء (5) ، فلعل الكسر فيهما خطأ.
زيادة الهمزة ومعها ألفان زائدان:
فَاعِلاء: ورد هذا البناء في الأسماء كالقاصعاء، والنافقاء، والسابياء. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة)) (6) هكذا قال، وتبعه القالي إذ جزم بعدم مجيئه صفة (7) .
والقَاصِعاء: جُحْرٌ من جِحَرَة اليرابيع، وكذا النافقاء (8) . ((والسابياء: المشيمة التي تخرج مع الولد. والسابياء أيضاً: النّتاج)) (9) .
زيادة الهمزة والألف وتكرار اللام:
أَفْعَالٌّ: ورد هذا البناء في الأسماء كالأَسْحَارّ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً ولا صفة غير هذا)) (10) . ولم يحدد سيبويه إن كان هذا البناء اسماً أو صفة. والمراد بها ((بَقْلَةٌ من أَحْرَارِ الْبَقْلِ)) (11) فتكون بهذا التفسير اسماً.
زيادة الهمزة والألف والميم:(4/480)
مَفْعِلاَءُ: ورد هذا البناء في الاسم ((قالوا: مَرْعِزَاءُ، وهو قَلِيلٌ)) (1) . والْمَرْعِزَاءُ: الزَّغَبُ الذي تحت شعر الْعَنْزِ.
واستدرك ابن مالك عليه هذا البناء، إذ جعل الميم أصلاً في الكلمة؛ لقولهم: كِسَاءٌ مُمَرْعَزٌ دون مُرَعَّزٍ فهو (مُفَعْلَل) لا (مُفَعّل) فَدَلَّ على أنّ الميم أصل والألف هي الزائدة فقط (2) .
وليس هذا دليلاً كافياً، فقد يكون من باب توهم الزائد أصليّاً، كما في (تمندل وتمدرع وتمسكن) وهي من المنديل والمدرعة والمسكين، والميم زائدة، ولكنهم توهموا فيها الأصالة.
زيادة الهمزة والألف والنون:
فُنْعُلاء: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: عُنْصُلاء، وهو اسم)) (3) .
وذكر القاليّ هذا البناء في باب ما جاء من الممدود على مثال (فُنْعُلاء) من الأسماء ولم يأت صفة. أما سيبويه فلم يجزم بعدم وُرُودِهِ صِفَةً.
والْعُنْصُلاء: البصل الْبَرِّيُّ (4) .
فُنْعَلاء: ورد هذا البناء في الاسم، ولكنه ((قَلِيلٌ، قالوا: خُنْفَسَاء، وعُنْصَلاء، وحُنْظَباء، وهي أسماءٌ)) (5) . والحُنْظَبَاءُ: ذَكَرُ الْخَنَافِسِ.
وذكر القالي هذه الأمثلة في هذا البناء، وأضاف إليها العُنْظَبَاء لِذَكَرِ الجراد.
وذكر عن الأصمعي أنه لا يقال في خُنْفَساء خُنْفَسَاءة؛ بالهاء. وقال القالي:
((ويجوز عندي في هذه الأحرف الضَّمُّ، كما جاز في عُنْصَلاء؛ لأن الأبنية إذا تقاربت دخل بعضها في بعضٍ)) (6) .
زيادة الهمزة والألف والْوَاوُ:
فَوْعَلاء: هذا البناء ورد في الأسماء ((وهو قليل، قالوا: حَوْصَلاء، وهو اسْمٌ)) (7) .
والْحَوْصَلاءُ: حَوْصَلَةُ الظَّلِيم وكُلِّ طائر. وحَوْصَلاء: اسم مَوْضِعٍ (8) .
فَعُولاء: يكون هذا البناء في الأسماء. قال سيبويه: ((وهو قليل، نحو: دَبُوقاء، وبَرُوكاء، وجَلُولاء، ولا نعلمه جاء وصفاً)) (9) .(4/481)
فالدَّبُوقاءُ: الْعَذِرَةُ. وبَرُوكاءُ: من البروك والْبَرَكَةِ. وجَلُولاء: بَلَدٌ. ومِثْلُها حَرُورَاء (1) .
ونسب السيوطي إلى سيبويه أنه لم يأت منه إلا عَشُوراء (2) ، ولعله أراد (عَشُورَى) على (فَعُولَى) .
زيادة الهمزة والألف والياء:
إِفْعِيلَى: ورد هذا البناء في الأسماء، نحو: إِهْجِيرَى، وإِجْرِيَّا. قال سيبويه: ((وهما اسمان ولا نعلم غيرهما)) (3) .
فالإِهْجِيرَى، ويقال أيضاً هِجِّيرَى: الكلام والدَّأْب والشَّأْنُ (4) .
((والإِجْرِيَّا بالكسر: الْجَرْيُ والعادة مما تأخذ فيه)) (5) .
فَعيلاَء: ورد هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: عَجِيسَاء، وهو اسْمٌ وقَرِيثاء وهو اسم)) (6) .
وجعلهما ابن دريد وصفين، إذ قال في تفسيرهما: ((فَحْلٌ عَجِيساء وعَجَاساء: عَاجِزٌ لا ينزو ... وتَمْرٌ قَرِيثَاءٌ وكَرِيثاءٌ. وظَلِيلاءٌ: موضع)) (7) .
فيكون البناء بهذا يأتي اسماً وصفة، فالاسم ظَلِيلاء، والصفة عَجِيساء وقَرِيثاءٌ وكَرِيثاءٌ.
زيادة ألفين وتضعيف حرف أصلي:
فُعَّالَى: ورد هذا البناء في الأسماء كخُضَّارَى، وشُقَّارَى، وحُوَّارَى. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (8) .
وجعل القالي هذه الأمثلة على مثال فُعَّالَى اسماً ولا يعلمه أتى صفة، وأضاف إليها القُوَّارَى والخُبَّازَى وزُبَّادَى (9)
فالخُضَّارَى والشُّقَّارَى والخُبَّازَى وزُبَّادَى أسماء لأنواع من النبات. والعُوَّارَى: ضرب من الشجر (10) والحُوَّارَى: الدقيق الأبيض (11) .
زيادة ألفين ونون:
فَعَالاَن: ورد هذا البناء في الأسماء كسَلاَمان، وحَمَاطان. قال سيبويه: ((وهو قليل، ولم يجئ صفة)) (12) .
وسَلامان: اسمٌ عَلَمٌ على شَخْصٍ ومَاءٍ، وجَمْعُ سلامانة: ضَرْبٌ من الشجر (13) .
وضُبِطَتْ في القاموس بضم السين (14) .
زيادة أَلِفٍ وتاءٍ وواوٍ:(4/482)
فَعَلُوتَى: ورد هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل، قالوا: رَغَبُوتَى ورَهَبُوتى، وهما اسمان)) (1) من الرّغْبَة والرّهْبَة. ومثلهما رَحَمُوتَى من الرَّحْمَةِ (2) .
زيادة أَلِفٍ وتاءٍ وياءٍ:
تَفاعِيل: جاء منه التَّجَافِيفُ والتّماثِيلُ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (3) .
وهذا البناء من الصِّيَغِ التي عُدَّتْ للجمع مُشْبِهَةً (فَعَالِل) وقد ورد عليها ألفاظ لَها مُفْرَدٌ مثل: التَآشِير، والتماريد والتصاريف، والتهاويل، والتصابيح، والتنابيت، والترابيق، والتحاسين، والتماتين، والتنابيل، والتجاويز. وورد عليها ألفاظ لا مفرد لها مثل: تباديد، والتباشير، والتعاشيب، والتساخين، والتفاطير، والتعاجيب (4) .
و ((قد جاء رَجُلٌ تِلْقامَةٌ، ورَجُلٌ تِقْوَالَةٌ عن الكسائي، وتِبْذَارَةٌ يُبَذِّرُ ماله عن أبي زَيْدٍ، وتِرْعَابَةٌ، فلا يمتنع ذا أن يجمع على تفاعيل، فيكون على تلاعيب، وتلافيح)) (5) .
وهذه صفات. ولذا جعله بعض المحدثين مقيساً في بعض الأبنية فقال: ((يُجْمَعُ بها مزيد الثلاثي؛ بالإضافة إلى الحركة الطويلة التي تسبق آخره، كما هو في استخراج وجمعه تَخَارِيج)) (6) .
وجَزَمَ ابنُ عصفورٍ بأن هذه الصيغة مختصة بالأسماء، وما جاء من هذه الأمثلة فمن قبيل الوصف بالمصدر (7)
زيادة الألف مع تضعيف العين وزيادة النون:
فُعَّلان: ورد هذا البناء في الاسم. قال سيبويه: ((وهو قليل جدًّا. قالوا: قُمَّحان وهو اسْمٌ ولم يجئ صفة)) (8) . والقُمَّحان: الزَّبَد لِلْخَمْرِ (9) .
زيادة الألف وتضعيف العين وزيادة الياء:
فُعَّيْلَى: جاء هذا البناء ((في الأسماء مثل: لُغَّيْزَى، وبُقَّيْرَى، وخُلَّيْطَى. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة)) (10) .(4/483)
فَلُغَّيْزَى: حُفَيْرَةٌ ملتويةٌ يحفرها اليربوع. وبُقَّيْرَى: لُعْبَةٌ للصبيان. وخُلَّيْطَى: من الاختلاط (1) .
وذكر القالي من ذلك: العُمَّيْهَى: يقال للإبل إذا تفرقت في كل وَجْهٍ ذهبت إبله الْعُمَّيْهَى. واللُّزَّيْقَى: نَبْتَةٌ. والرُّطَّيْنَى: من الرطانة. والنُّهَّيْبَى: للانتهاب. والكُمَّيْهَى والسُّمَّيْهَى: مِثْلُ الْعُمَّيْهَى. وسُرَّيْطَى: من الاستراط وهو الابتلاع (2) .
زيادة الألف وتضعيف اللام مع زيادة الميم:
مَفْعِلَّى: ورد هذا البناء في الاسم ((نحو مَرْعِزَّى وهو اسْمٌ)) (3) للزَّغَبِ الذي تحت شعر العنز. قال القالي: ((ولا نعلم من هذا المثال غيره)) (4) .
زيادة الألف وتضعيف اللام مع زيادة النون:
فَعِلاَّن: ورد هذا البناء في الأسماء ((قالوا: تَئِفَّان، وهو اسْمٌ، ولم يَجِئْ صِفَةً)) (5) .
و ((التَّئِفَّان: النشيط، وقيل أَوَّلُ الشَّيْء)) (6) .
فِعِلاَّن: ورد كذلك في الاسم نحو: فِرِكَّان، وَعِرِفَّان. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (7) .
فَفِرِكَّان: أَرْضٌ. وعِرِفَّان: دويبَّةٌ (8) ، واسم رَجُلٍ (9) .
فِعِنْلاَل: ورد كذلك في الاسم ((وهو قَلِيلٌ. قالوا: الفِرِنْدَادُ وهو اسم)) (10) وهو ((جبل بناحية الدهناء)) (11) .
زيادة الألف والميم والنون:
مَفْعَلان: ورد هذا البناء في الأسماء مثل: مَكْرَمَان، ومَلأَمان، ومَلْكَعان مَعَارِف. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (12) .(4/484)
وهذه الأمثلة صفات غالبة استعملت استعمال العلم قال ابن منظور: ((يقولون للرجل الكريم مَكْرمان؛ إذا وصفوه بالسخاء وسعة الصدر)) (1) وكذا إذا وصفوا رجلاً باللؤم على سبيل المبالغة قالوا: يا مَلأَمان. ومَلْكَعان كذلك وَصْفٌ للمراد باللَّكاعَةِ على سبيل المبالغة، ولذا ورد شرحها عند ابن برهان بأنها وصْفٌ للكريم ولِلَّئيم ولِلأَحْمَق (2) . ولكن مراد سيبويه أنها صفات غالبة خرجت عن الوصف إلى العلم.
زيادة الألف والنون والواو:
سبق بيان الأبنية التي زيدت فيها النون مع الألف مع حرف آخر أسبق من النون في الترتيب مثل الألف والتاء وتضعيف العين أو اللام وزيادة الميم، وفي هذا ذِكْرُ زيادة النون مع الألف مع حرف بعد النون في الترتيب هو الواو.
فُعْلُوان: ورد هذا البناء ((في الاسم كالعُنْظُوَان والعُنْفُوَان. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (3) .
ف ((العُنْظُوان: من الْحمض؛ وهو أغبر ضخام، وربما استظل الإنسان في ظل العُنْظُوَانة. والعُنْظُوَان أيضاً الفَاحِشُ. وعُنْفُوان كُلِّ شَيْءٍ أَوَّلُهُ)) (4) ومنه عُنْفُوَان الشباب.
فَوْعَلان: ورد كذلك في الاسم ((وهو قليل، قالوا: حَوْتَنَانُ، وحَوْفَزَانُ، وهو اسْمٌ ولم يَجِئْ صفة)) (5) .
ف ((حَوْتنان: واديان في بلاد قيس، كلٌّ منهما يقال له حَوْتنان)) (6) .
و ((حَوْفَزَان: اسم رجل، سُمِّيَ بذلك لأن بسطام بن قيس حفزه بالرمح حين خشي أن يفوته، فَسُمِّيّ الْحَوْفَزَان لتلك الحفزة)) (7) .
ومثل ذلك عَوْبَثَان (8) .
زيادة الألف مع النون والياء:
فَعَالِين: ورد هذا البناء في الاسم نحو: سراحين، وضباعين، وفرازين وقرابين. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء في الصفة)) (9) .(4/485)
وهذه الأمثلة جموع فسراحين جمع السِّرحان، وضباعين جمع الضِّبْعان، وفرازين جمع الفِرْزان من لُعَبِ الشطرنج أعجمي معرب. والقرابين: جمع قربان والقربان جليس الملك وخاصته (1) .
زيادة الألف مع تضعيف اللام وزيادة الياء:
يَفْعَلَّى: جاء هذا البناء في الاسم ((وهو قليل. قالوا: يَهْيَرَّى، وهو الباطل وهو اسْمٌ)) (2) .
وذكر أبو حيان أنه قيل في وزنه (فَعْفَلَّى) (3) . فعلى هذا تكون الياءان أَصْلِيَّتَيْنِ في الكلمة.
لكن السيرافي أزال اللبس في ذلك بقوله: ((ومنه: يَهْيَرَى ويَهْيَرَّى من ذوات الثلاثة؛ لأنهم يقولون: يَهْيَرْ ويَهْيَرّ فَيُعْلَم أن الياء الأولى زائدة؛ لأنها بِمنزلة الياء في يرمع ويعمل، ولا تجعل الثانية زائدة؛ لأنا لو جعلنا الياء الثانية زائدة لجعلنا الأولى أصلية، وصارت الكلمة على فَعْيَل، وليس في الكلام إلا حَرْفٌ واحدٌ زعموا أنه مصنوع وهو صَهْيَلٌ)) (4) .
زيادة الألف مع ياءين:
فعاييل: ورد هذا البناء في الاسم مثل: كَرَايِيسٍ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً)) (5) .
((فالكراييس واحدها كِرْياس، وهو الكنيف الذي يكون مشرفاً على سطحٍ بقناة إلى الأرض، فإذا كان أسفل فَلَيْسَ بِكِرْياسٍ)) (6) .
فَعَلَيَّا: ورد كذلك في الاسم ((وهو قليل. قالوا: الْمَرَحَيَّا، وهو اسْمٌ. وبَرَدَيَّا وهو اسْمٌ، وقَلَهَيَّا وهو اسْمٌ أيضاً)) (7) .
فالْمَرَحَيَّا: كلمة تقال عند الإصابة في الرمي (8) ، ويقال هو موضع. وبَرَدَيَّا وقَلَهَيَّا: موضعان (9) . وذكرهما ابن دريد في (يَفْعَلَّى) (10) ولا وجه لذلك.
زيادة تاءين وواو: تَفْعَلُوت: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: تَرْنَمُوت، وهو اسمٌ)) (11) .
والتَّرْنَمُوت: اسْمٌ لِتَرَنُّمِ القوس عند النَّزْعِ (12) .(4/486)
ما زيد فيه أربعة أَحْرُفٍ فَاعُولاء: ورد هذا البناء في الاسم. مثل: عاشُوراء. قال سيبويه:
((وهو قليل، ولا نعلمه جاء صفة)) (1) . هكذا قال، وتبعه القالي إذ قال: ((ولم يأت صفة، وهو قليل جدًّا)) (2) .
وقال الأزهري - بعد أن نقل تفسير الليث له بأنه اليوم العاشر من محرم -: ((ولم أسمع في أمثلة الأسماء اسماً على فاعولاء إلا أحرفاً قليلة. قال ابن بزرج: الضاروراء: الضَّرَّاءُ، والسَّاروراء: السَّراء، الدَّالُولاء: الدَّالَّة. وقال ابن الأعرابي: الخَابُوراء: مَوْضِعٌ)) (3) ((وقد أُلْحِق به تاسوعاء)) (4) .
المبحث الثالث: ما اختص به الاسم من أبنية مزيد الرباعي
لم يرد ذِكْرٌ في كتاب سيبويه للرباعي المجرد من حيث اختصاص الاسم أو الصفة بأبنية معينة، وإنما ورد ذلك في مزيد الرباعي، وسأتناول ذلك بالصورة التي سبقت من حيث ترتيبها حسب عدد حروف الزيادة، مبتدئاً بما زيد فيه حرف واحد، ثم ما زيد فيه حرفان ثم ما زيد فيه ثلاثة، ولا يكون الرباعي مزيداً بأكثر من ثلاثة أحرف؛ لأن أقصى ما يبلغ به الاسم مع حروف الزيادة سبعة أحرف. وأرتب المواد حسب ترتيب حروف الزيادة بين حروف الهجاء مبتدئاً بالألف؛ لعدم ورود الهمزة.
ما زيد فيه حرف واحد
أولاً: الألف. ورد من ذلك أبنية منها:
فَعْلَلَى (5) : ورد هذا البناء في الاسم، جاء على ذلك: العَرْقَلَى: مشية فيها تبختر.
والْقَهْقَرى: الرجوع إلى الخلف. وجَحْجَبَى: اسم رجل.وقَرْقَرَى: موضع، وقيل ماء لبني عبس. وجَلَسَ القَعْفَزَى: جلس مُسْتَوْفِزاً.وصَعْنَبَى: موضع بالكوفة. وفَرْتَنَى: اسم امرأة (6) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء صفة)) (7) . وألحق به من الثلاثي الْخَيْزَلَى ونحوه. على حين أن الخيزلى: مشية فيها تَفَكُّكٌ على وزن (فَيْعَلَى) (8) .(4/487)
فُعُلَّى: هذا من أبنية الأسماء، وهو قليل، وجاء في: حُذُرَّى: من الْحَذَر. والخُطُّبَّى: الظَّهْر. والغُلُبَّى: المغالبة. والبُذُرَّى: من الْبَذْرِ والتَّفْرِيقِ (1) .
والْعُرُضَّى: من الاعتراض. والكُفُرَّى: وعاء طلع النخل. وسُقُطْرَى: جزيرة بقرب ساحل اليمن. ونقل ابن سيده عن الفارسي قوله: ((كُلُّ فُعَلَّى فَفُعُلَّى فيه مَقُولَةٌ)) (2) .
فِعَلَّى: ورد هذا البناء في الأسماء ((وهو قليل. قالوا: السِّبَطْرَى وهو اسْمٌ والضِّبَغْطَى، وهو اسْمٌ)) (3) .
فالسِّبَطْرَى: اسم لمشية فيها تَبَخْتُرٌ والضِّبَغْطَى: كلمة يُفَزَّع بها الصبيان (4) . ومثل هاتين الكلمتين الزِّبَعْرَى: للضخم (5) .
فِعْلَلَى: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل. قالوا: الْهِرْبَذَى وهو اسمٌ)) (6) .
والهِرْبَذَى: مشية فيها اختيال كَمَشْي الْهَرَابِذة، وهم حكام المجوس. ونسب ابن منظور إلى أبي عبيد قوله: ولا نظير لهذا البناء (7) .
فِعْلِلَى: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل. قالوا: الْهِنْدِبَى، وهو اسْمٌ)) (8) لِبَقْلَةٍ معروفة. قال القالي: ((ولا نعرف من هذا البناء غيره، وغير ما حكاه الفراء في قولهم: جلس الْقُرْفُصاء، قال الفراء: إذا ضَمَمْتَ أَوَّلَها مَدَدْت، وإذا كسرت قصرت، فقلت: جلس الْقِرْفِصَى)) (9) .
فُعْلال: ورد هذا البناء في الأسماء من نحو قُرطاس، وقُرْناس. قال سيبويه:
((ولا نعلمه جاء صفة. وما أُلْحِق به من بنات الثلاثة: قُرْطاط)) (10) .
وقال الفارابي: ((لم يأت على فُعْلال شيءٌ من أسماء العرب من الرباعي السالم إلا مُكَرَّراً نحو: الفسطاط والقُرطاط. فإن جاء فهو قليل نحو: قُرْناس وقُرْطاس فأما الْقُسْطاس فَحَرْفٌ رُومِيٌّ وقع إلى العرب فتكلمت به)) (11)(4/488)
فالْقُرْطاس: الصحيفة التي يكتب فيها (1) . والقُرطاط: بَرْذَعَة الحمار. والقُرْنَاسُ: شَيْءٌ يشخص من الجبل (2) . والفُسْطاط: الْمَضْرَب العظيم (3) . والقُسطاس: بضم القاف وكسرها أعدل الموازين وأقومها (4) .
ثانياً: تضعيف اللام. جاء ذلك في الأبنية التالية:
فُعُلُّل: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل. قالوا: الصُّفُرُّق والزُّمُرُّد وهما اسمان)) (5) . فالصُّفُرُّق بضمات ثلاث مع تشديد الراء على بناء (فُعُلُّل) : نَبْتٌ (6) . وذكر ابن منظور أنه صُفرُوقٌ بواوٍ بعد الراء من غير تشديد (7) أما الزُّمُرُّد فهو ضرب من الجواهر (8) .
وذكر ابن القطاع في هذا البناء (حُبُقُّر) (9) والذي يظهر أنه على بناء (فَعَلُلُّ) ومعناه الْبَرَدُ. يقال: أَبْرَدُ من حَبَقُّر. وأصله حَبُّ قَرٍّ. والْقَرُّ: الْبَرَدُ (10) .
ثالثاً: النون. جاء ذلك في أبنية منها:
فَنَعْلُل: هذا من أبنية الأسماء ((وهو قليل، قالوا: كَنَهْبُل، وهو اسْمٌ)) (11) لِشَجَرٍ عِظَامٍ. وقد جعله الفارابي (فَنَعْلَل) بفتح اللام الأولى. وذكر أنه يختلط ببناء فَعَلَّل لاستوائهما في حركة البناء (12) . وحكم بعضهم فيه بزيادة النون حملاً للباب على الأوسع إذ أبنية الأصول قليلة، وأبنية المزيد كثيرة (13) .
فَعَنْلُل: ورد هذا البناء ((في الاسم وهو قليل، قالوا: عَرَنْتُن، وقَرَنْفُل)) (14) .
والْعَرَنْتُنُ: شَجَرٌ يُدْبَغُ بِعُرُوقِهِ، والنون فيه تلزم زيادتها؛ لأنها متوسطة ساكنة في خماسي، وقد استعملوه بدونها فقالوا: (عَرَتُن) وذلك من باب التخفيف، كما خَفَّفُوا عَلاَبط فقالوا عُلَبِط (15) .
وأما الْقَرَنْفُلُ: فَحَمْلُ شَجَرَةٍ هندية (16) . وجزم ابن عصفور بأن هذا البناء لم يجئ إلا اسماً (17) .
ما زيد فيه حرفان
أولاً: ما زيد فيه همزة وألف ورد ذلك في الأبنية التالية:(4/489)
فِعْلَلاَء: ورد هذا البناء في الأسماء كقولهم: ((هِنْدَباء، وهو اسم)) (1) لبقلة معروفة، معتدلة، نافعة للمعدة والكبد والطحال أكلاً، ولِلَسْعَةِ العقرب ضماداً بأصولها (2) .
قال القالي: ((ولم نسمع في هذا المثال غيره. وقال أبو حاتم: قال الأصمعي: يقال الهِنْدَبا؛ مفتوحة الدال مقصورة، وآخرون يكسرون الدال فيمدون فيقولون الْهِنْدِباء.
قال أبو علي: أما الْمَدّ مع فتح الدال، فكذا رويناه في كتاب سيبويه)) (3) .
وجعلها ابن القطاع على بناء (فِنْعَلاء) (4) .
فُعْلُلاء: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: الْقُرْفُصاء، وهو اسم)) (5) ومثلها الْخُنْفُسَاء وعُنْصُلاء: للبصل البَرِّي، وعُنْظُباء: لذَكَرِ الجراد (6) . ونقل القالي عن أبي حاتم: ((القُرْفُصا مقصورة، وقعد القُرْفُصاء مَمْدُودٌ)) (7) . ومعنى قعد القُرْفصاء، أي: اجتمع في قعدته.
فَعْلَلاء: ورد هذا البناء في الأسماء من نحو: بَرْنَسَاء، وعَقْرَباء، وحَرْمَلاء، وكَرْبَلاء وثَرْمَدَاء قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وَصْفاً)) (8) .
وكل هذه الأمثلة أسماء أمكنة ومواضع (9) .
ثانياً: ما زيد فيه ألفان جاء ذلك في أبنية منها:
فُعالِلَى: ورد هذا البناء في الاسم ((وهو قليلٌ. قالوا: جُخَادِبَى وهو اسْمٌ، وقد مَدَّ بعضهم - وهو قليل - فقالوا: جُخَادِبَاء)) (10) .
وجعله القالي مِمَّا يُمَدُّ ويُقْصَرُ، وهو الدابّة التي يقال لها الجُخْدُب، وقال: ((لا نعلم من هذا المثال غيره)) (11) .
ثالثاً: ما زيد فيه ألف ووَاوٌ ورد ذلك في هذا البناء:
فَعَوْلَلَى: جاء في قولهم ((حَبَوْكَرَى، وهو اسم)) (12) .
والْحَبَوْكَرَى: اسْمٌ من أسماء الداهية، وكذلك الْحَبَوْكَر (13) . ((وقد وُصِفَ به والألف للتكثير لا للإلحاق، وقيل للتأنيث)) (14) . غير أن الواو للإلحاق بقبعثرى.(4/490)
رابعاً: ما زيد فيه ألف وياء ورد ذلك في ابناءٍ واحد هو:
فُعالِيلٌ: هذا من أبنية الأسماء ((وهو قليل، قالوا: كُنابِيلٌ، وهو اسمٌ)) (1) لأَرْضٍ (2) .
خامساً: ما زيد فيه تاء للتأنيث أو لغيره مع الواو جاءت زيادة تاء التأنيث مع الواو في هذا البناء:
فَعَلُّوَةٌ: ورد هذا ((في الأسماء، وذلك نحو: قمَحْدُوَةٌ، وهو قليل في الكلام، ونظيره من بنات الثلاثة قَلَنْسُوَةٌ والهاء لازمة لهذه الواو كما تلزم في واو تَرْقُوَةٍ)) (3) .
وجعل ابن القطاع هذا المثال على بناء (فَمَعْلُوة) والميم زائدة (4) .
والْقَمَحْدُوَة: مؤخرة رأس الإنسان التي تصيب الأرض إذا استلقى عليها (5) .
وجاءت زيادة التاء التي لغير التأنيث مع الواو في بناء:
فَعْلَلُوت: ورد هذا ((في الاسم نحو: عَنْكبُوت، وتَخْرَبُوت، لحقت الواوَ التاءُ، كما لحقت في بنات الثلاثة في مَلَكُوت)) (6) .
فالْعَنْكَبُوتُ معروف. والتَّخْرَبُوت: الناقة الفارهة (7) .
وجُعِلَتْ تاءُ (تخربوت) أصلاً؛ لأنها لا يحكم عليها بالزيادة في أول الكلمة إلا بدليل (8) .
سادساً: زيادة تاء التأنيث مع الياء جاء ذلك في هذا البناء:
فُعَلِّية: ورد هذا في الأسماء وذلك نحو: سُلَحْفِيَةٍ، وسُحَفْنِيَةٍ، وما لحقها من بنات الثلاثة: البُلَهْنِية، وقُلَنْسِيَة. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء وصفاً. والهاء لازمة كما لزمت واوَ قَمَحْدُوَةٍ)) (9) .
فالسُّلَحْفِيَةُ هي السُّلْحُفَاة. وهذا المثال وحده هو الذي يَصْدُق عليه هذا البناء أما الأمثلة الأخرى ففيها نظر. قال الزبيدي: ((رجلٌ سُحَفْنِيَةٌ محلوق الرأس. يقال سحفه: إذا حلقه، وهو على هذا التفسير (فُعَلْنِية) وقد ذكره سيبويه في (فُعَلِّية)) ) (10) .
ومثلها بلهنية وقلنسية فإنهما على فُعَلْنِيَةٍ. وقد أورد ابن القطاع سُحَفْنية وبلهنية فيه (11) .(4/491)
سابعاً: زيادة الواو مع الياء جاء ذلك في هذا البناء:
فَعْلَوِيل: ورد هذا في الأسماء. قال سيبويه: ((وهو قليل، قالوا: قَنْدَوِيل، وهَنْدَويل. ولم يجئ صفة، ولا نعلم لهما نظيراً من بنات الثلاثة)) (1) .
فالقَنْدَوِيلُ العظيم الهامة والرأس من الإبل والدَّوَابِّ والطويل. والْهَنْدَوِيلُ: الضخم الرأس، والأَنُوكُ المسترخي، والضعيف (2) .
ما زيد فيه ثلاثة أحرف
أولاً: ما زيد فيه همزة وألفان جاء ذلك في هذا البناء:
فَعْلالاء: ورد هذا في الاسم ((وهو قليل، قالوا: بَرْناساء وهو اسْمٌ)) (3) . وقال القالي: ((يقال ما أدري أي الْبَرْناساء هو: أَيْ أَيُّ الناس هو. وما علمنا أتى منه غير هذا الحرف الواحد)) (4) ويقال أيضاً: ((بَرْنَسَاء)) (5) . وقَدْ مَرَّ في (فَعْلَلاء) .
ثانياً: ما زيد فيه ألف ونون ووَاوٌ جاء هذا في بناء واحد هو:
فَعَوْلُلان: جاء في الاسم ((وهو قليل، قالوا: عَبَوْثُران، وهو اسم)) (6) .
((والْعَبَوْثُرَان: من ريحان الْبَرِّ طَيِّبُ الريح)) (7) وذكره الفارابي بفتح اللام الأولى (8) ، على حين وجدته بضمها كما عند سيبويه في أبنية ابن القطاع (9) .
وقال الفيروزآبادي: ((العَبَوْثُران والعبيثُران وتفتح ثاؤهما نباتٌ مَسْحُوقُهُ إن عُجِنَ بِعَسَلٍ واحتملته المرأة سخّنها وحَبَّلَها)) (10) .
ثالثاً: ما زيد فيه ألف ونون وياء. جاء ذلك في هذا البناء:(4/492)
فَعَيْلُلان: ورد هذا في الأسماء: كَعَرَيْقُصان، وعَبَيْثُران. قال سيبويه: ((ولا نعلمه صفة)) (1) . وهما نبتان (2) . وقد مَرَّ ذكر الْعَبَيْثَران في بناء (فَعَوْلُلان) وذكر ابن القطاع (عرنقصان) بالنون بدل الياء، فقال: ((وعلى فَعَنْلُلان نحو: عَرَنْقُصَان)) (3) . وذكر سيبويه في موضع آخر أنه يُقَالُ بالنون وبدونه، فيقال ((الْعَرَقُصان فإنما حذفوا من عَرَنْقُصان، وكلتاهما يتكلم بها)) (4) .
وبهذا يعلم أنه إذا قيل: عَرَقُصان، بحذف الحرف الثالث فالمحذوف النون لا الياء.
المبحث الرابع: ما اختص به الاسم من أبنية الخماسي
أبنية الخماسي قليلة في العربية؛ لأن أغلب كلام العرب ثلاثة أحرف، ولم يرد في الخماسي المجرد ما يختص بالاسم دون الصفة، وإنما ورد بناءٌ واحدٌ مَزِيدٌ هو:
فَعْلَلُول: فورد منه: عَضْرَفوط: ذَكَرُ الْعَظا، ويقال ضَرْبٌ من العظا، أكبر منه وليس بِذَكَرِهِ (5) . وقَرْطَبُوس: الناقة العظيمة الشديدة (6) . ويَسْتَعُور: موضع قَبْلَ حَرَّة المدينة (7) . وقيل شجرة، ويقال هي الداهية (8) . وجعله السيوطي على بناء يَفْتَعُول (9) .
الفصل الثاني
ما اختصت به الصفات من أَبْنِيَةٍ دون الأسماء
سبق أن بينا في الفصل الأول أن الاسم يكون على حرفين استعمالاً وإن كان ((ذلك قليل؛ لأنه إخلال عندهم ... لأنه حَذْفٌ من أقل الحروف عدداً)) (10) .
وبَيَّنَّا أنه على حرفين استعمالاً، ولكنه على ثلاثة أحرف حكماً، إِذْ حُذِف أَحَدُ أُصُولِه في الاستعمال.(4/493)
أما الصفات فليس لها ذلك، لأن الاسم يكتفي بالقليل من الحروف ليدل على مسماه، أما الصفات فإنها بحاجة إلى تكثير الحروف لتدل على المعنى المراد، الذي هو أكبر من معنى الاسم؛ لأن معنى الاسم مفرد أما الوصف فهو معنًى متعدد؛ وكلما طالت الكلمة في الوصف كانت دلالتها أقوى، بعكس الاسم الذي إن طال أو قصر فدلالته واحدة، ((ولا يكون شَيْءٌ على حرفين صِفَةً، حيث قَلَّ في الاسم، وهو الأول لأمكن)) (1) . أما ما كان أكثر من ذلك في الأبنية فقد جاء في الصفة، وإليك بيانها على النحو التالي:
المبحث الأول: ما اختصت به الصفات من أبنية مزيد الثلاثي
لم تختص الصفات ببناء من الثلاثي المجرد، وإنما اختصت بأبنية من المزيد على النحو التالي:
ما زيد فيه حرف واحد
أولاً: ما زيد فيه اللام جاء ذلك في بناء واحد تكررت فيه لام (فعل) فكانت:
فِعْلِلٌ: ورد هذا البناء في الصفة من نحو قولهم: رِمادٌ رِمْدِدٌ وهو صفة (2) وهذا المثال ثلاثي ملحق بالرباعي؛ ولذلك لم يُدْغم الحرفان، وهذا متفق في الصورة مع الرباعي المجرد مثل زِبْرِج.
ثانياً: ما زيد فيه الميم ورد ذلك في الأبنية التالية:
فِعْلِم: ورد هذا البناء في الصفات من نحو قولهم: دِلْقِم للدَّلْقاءِ (3) ، وهي الناقة التي تتكسر أسنانها من الكبر فتمج الماء (4) . ودِقْعِم للدقعاء (5) : عَامَّةُ التراب، وقيل التراب الدقيق على وجه الأرض (6) . ودِرْدِم للدّرْدَاءِ توصف به المرأة فيقال: مَرَةٌ دِرْدِمٌ تذهب وتجيء بالليل. وتوصف به الناقة المسنة أيضاً (7) .
ثالثاً: ما زيد فيه النون
ورد ذلك في أبنية كانت النون ثانية، وكانت ثالثة، وكانت آخر الكلمة، على النحو التالي:
فَنْعَل: ورد هذا البناء في الصفة من مثل: عَنْسَلٍ وعَنْبَسٍ، وهما صفتان (8) .(4/494)
((فالْعَنْسَلُ: الناقة الخفيفة، الوثيقة الْخَلْقِ. والْعَنْبَسُ من صفات الأسد مأخوذ من العبوس)) (1) . وقد يكون عَنْبَس اسماً. فتقول عَنْبَسَةُ غير مصروف إذ خَصَصْت الأَسَدَ به، كما تقول: أسامة. وعَنْبَسُ بن ثعلبة صَحَابِيٌّ (2) والتسمية بالوصف يرد كثيراً كما سموا مجاهداً ومقبولاً ونحوهما.
فُعُنْل: جاء هذا البناء في الصفات ((وهو قليل. قالوا: عُرُنْد للشديد، وهو صفة)) (3) . ومثله تُرُنْجٌ للأُ تْرُجِّ فيكون اسماً؛ وإن كان الأزهري عده من كلام العوام إذ قال: ((والأُتْرُجُّ: معروفٌ. والعوام يقولون: أُتْرُنْجٌ وتُرُنْجٌ. والأولى كلام الفصحاء)) (4) .
فَعْلَنٌ: ورد هذا البناء في الصفات من نحو: رَعْشَنٍ وضَيْفَنٍ، وعَلْجَنٍ قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (5)
والرَّعْشَنُ من الرجال: الْمُرْتَعِشُ (6) . و ((الضَّيْفَنُ: الذي يجيء مع الضيف مُشْتَقٌّ منه، والنون زائدة، وهو فَعْلَنٌ وليس بِفَيْعَلٍ)) (7) . ((والعَلْجَنُ: الناقة الكِنازُ اللَّحْمِ والمرأة الماجنة)) (8) .
رابعاً: زيادة الياء جاء ذلك في بناء واحد مُخْتَصٍّ بالصفة هو:
فِيَعْلٌ: ورد هذا البناء في الصفة من نحو قولهم: حِيَفْسٌ، وصِيَهْمٌ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (9)
فالْحِيَفْسُ: القصير الغليظ من الرجال. والصِّيَهْمُ: الجمل الضَّخْمُ (10) .
ما زيد فيه حرفان
أولاً: ما زيد فيه الهمزة والألف وَرَدَ ذلك في بناء واحد هو:
فُعائِلٌ: ورد هذا البناء في الصفات من نحو: الحُطَائط: الصغير، عن أبي عبيدة. والْجُرَائِض: الجَمَلُ العظيم الشديد. ويقال: نعجة جُرَائِضَةٌ، أي: ضخمة عن الأصمعي (11) . وذكر الجوهري عن أبي بكر ابن السراج أنه يوصف به الرجل فيقال: رَجُلٌ جُرَائِضٌ وجُرَئِضٌ مثل عُلابِطٍ وعُلَبِطٍ (12) .(4/495)
ثانياً: ما زيد فيه الألف والميم ورد ذلك في بناء واحد هو:
مُفَاعِلٌ: ذكره سيبويه في أبنية الصفات، وذكر أنه لا يَعْلَمُه جاء اسماً (1) .
وهو بناء لازِمٌ في اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المزيد بحرف بعد فائه. ولذلك رأى أبو بكر الزبيدي أنها لا تُذْكَر في الأبنية؛ لأنها غير محصورة، إذ قال: ((ذكر سيبويه في أبنية الأسماء والصفات ضارب وحابِس ومضروب ومجاهد ومسافر، وذكر إعطاء وإسلام فإن كان هذا لازماً ذكرُهُ في الأبنية فقد كان ينبغي أن يُذْكَر في باب لَحْق النون مُنْطَلِقٌ ونَحْوُهُ في باب التاء مُعْتَرِف ومُتَكَلِّم، ويذكر الافتعال والانفعال والاستفعال، كالاستماع والانطلاق والاستخراج كما ذكر الإسلام والإعطاء؛ وإن كان ذا لا يلزم ذكرُه؛ لأنها أبنية من الصفات والمصادر أتت على أفعالها فلا وجه لذكرها)) (2) .
ثالثاً: ما زيد فيه التاء مع تاء التأنيث جاء ذلك في البناء التالي:
تِفْعِلَةٌ: ورد هذا في الصفات ((قالوا: تِحْلِبَةٌ، وهو صفة)) (3) فيقال: عنز تِحْلِبَةٌ وناقة تِحْلِبَةٌ. ومثلها تِتْفِلَةٌ (4) ، إلا أن تِتْفِلَةً أنثى التتفل، وبهذا يكون البناء ورد في الاسم، على لغة من يكسر التاء والفاء.
ثالثاً: ما ضعفت فيه العين مع زيادة حرف آخر ما كان ذلك مع زيادة الواو ورد ذلك في بناءين هما:
فَعَوْعَل: ورد هذا البناء في الصفات، نحو: عَثَوْثَل للضَّخْمِ المسترخي. والْقَطَوْطَى للحمار يقطو في مشيته والقصير الظهر أيضاً. والغَدَوْدَن لِلطَّوِيل المسترخي. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (5) .
وذكر الزبيدي أنها أسماءٌ (6) وقد جاء الشَّجَوْجَى اسماً لِلْعقعَقِ والأنثى شَجَوْجَاةٌ، والشَّجَوْجَى في الأصل صفة للطويل المفرط (7) ومن الصفات الواردة عَثَوْثَن بمعنى عَثَوْثَل (8) .(4/496)
قال الزبيدي: ((قد قال في غير هذا الموضع أن قَطَوْطًى وشَجَوْجًى على زنة فَعَلْعَلٍ)) (1) أخذ ذلك من قول سيبويه: ((وأما الْمَرَوْراة فبمنزلة الشجوجاة، وهما بمنزلة صَمَحْمَحٍ، ولا تجعلهما على عَثَوْثَل؛ لأن مثل صَمَحْمَحٍ أكثر. وكذلك قَطَوْطَى)) (2) .
فُعُّول: ورد هذا البناء في الصفة نحو سُبُّوح، والسُّبُوح الذي ينزه عن كل سوءٍ وكذا القُدُّوس بمعنى المبارك أو الطاهر وهما صفتان (3) . ونسب ابن قتيبة إلى سيبويه أنه لم يأت (فُعُّول) اسماً ولا صفة (4) ، وما في كتاب سيبويه يخالف ذلك إذ قال: ((ويكون على فُعُّول، قالوا: ((سُبُّوح وقُدُّوس، وهما صفة)) )) (5) .
والمشهور أنه ليس على بناء (فُعُّول) بضم الفاء غير هاتين الصفتين.
وذكر كراع عن اللحياني أنهم قالوا: ذُرُّوح لِدُوَيبَّةٍ، وفُرُّوج لِلْفَتِيِّ من ولد الدجاج بالضم لغة (6) . وورد قولهم أيضاً دِرْهَمٌ سُتُّوفٌ: زَيْفٌ بَهْرَجٌ لا خير فيه (7) .
رابعاً: ما ضُعّفت فيه اللام مع زيادة حرف آخر ما كان ذلك مع زيادة النون
فَعَنْلَل: ورد هذا البناء في الصفات، ومثل سيبويه على هذا البناء ب (ضَفَنْدَد) و (عَفَنْجَج) (8) وهما الضخم الأخرق. وزاد الزبيدي: حَزَنْبَلٍ للقصير، وعَبَنْقَسٍ لولد الأَمَةِ وفَلَنْقَسٍ للذي أحاطت به الإماء، وجَحَنْفَلٍ للغليظ الشفة (9) . وجعل الفارابي هذه الأمثلة على بناء (فَعَلَّل) (10) ، وسبب ذلك أنه يُجْعَلُ من الملحق بالخماسي. قال الفارابي: ((باب فَعَلَّل، ويختلط به فَعَنْلَل لاستوائهما في حركة البناء)) (11) . وذكر الزبيدي أن عَفَنْجَج وصَفَنْدَد من الثلاثي الملحق بَحَزَنْبَل. وحَزَنْبَل هو الذي لحق ببنات الخمسة (12) .
قال سيبويه: ((ولا نعلم فَعَنْلَل اسماً)) (13) وبعضهم عَدَّ (جَحَنْفَل) اسماً وذكروا أن هذا البناء قليل في الاسم (14)(4/497)
ما ضُعِّفت فيه اللام مع زيادة الواو ورد ذلك في البناء التالي:
فَوَعْلَلٌ: ورد هذا في الصفات: ((وهو قليل، قالوا: كَوَألَلٌ، وهو صِفَةٌ)) (1) . والكَوَأْلَلُ: القصير، وقيل: القصير مع غِلَظٍ وشِدَّةٍ (2) .
ولم يذكر سيبويه أنه لم يرد اسماً، ولكن الأمثلة الواردة على هذا البناء ليست أسماءً، فدل على أنه من الأبنية المختصة بالصفة.
خامساً: زيادة الميم مع الواو جاء ذلك في بناء واحد هو:
مَفْعُول: ذكره سيبويه في أبنية الصفات، وذكر أنه لا يعلمه جاء اسماً (3) . مثله في ذلك مثل بناء (مفاعل) . و (مفعول) بناء لازمٌ في اسم المفعول من الفعل الثلاثي المجرد وقد استدرك الزبيدي عليه هذا؛ إذ هو من الأبنية غير المحصورة، وقد سبق الحديث عن ذلك في بناء (مفاعل) فيكتفى به منعاً للتكرار (4) .
سادساً: ما زيدت فيه النون مع الواو ورد ذلك في بناء واحد هو:
فِنْعَلْوٌ: ورد هذا في الصفة. قالوا: رجل سِنْدَأْوٌ وقِنْدَأْوٌ وهو الخفيف. وجَمَلٌ كِنْدَأْوٌ وهو الغليظ الشديد. والحِنْظَأْو: العظيم البطن (5) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (6) .
ومثل الأمثلة المتقدمة كِنْتَأْوٌ وكِنْثَأْوٌ - بالتاء والثاء - للعظيم اللِّحْيَة. وحِنْصَأْوٌ: للقصير والضئيل الضعيف. وحِنْتَأْوٌ للقصير (7) . ((وقيل وزن سِنْدَأْوٍ فِنْعَأْلٌ من السِّدْوِ وحِنْصَأْوٍ كذلك من حَصَوْتُهُ إذا مَنَعْتَهُ. وقال الفراء: وزنه فِنْعَلٌّ، النون فيه زائدة لا غير ولَيْسَ يَعْضُدُه الاشتقاق)) (8) . وذكر صاحب العين أن النون زائدة والواو وُصْلَةٌ لأنه لم يجئ بناءٌ على لفظ (قِنْدَأْوٍ) إلا وثانيه نون، فلما لم يجئ على هذا البناء بغير نون عُلِمَ أن النون زائدة فيه (9) .
سابعاً: ما كانت زيادته بالواو مضعفةً ورد ذلك في بناء واحد هو:(4/498)
فَعَوَّل: ورد هذا في الصفات ((نحو: عَطَوَّدٍ وكَرَوَّسٍ، صفتان)) (1) . والْعَطَوَّد: الانطلاق السريع، والْكَرَوَّسُ: العظيم الرأس من الرجال. وذكر كراعٌ عدداً من الصفات جاءت على هذا البناء فذكر الْعَكَوَّك للسمين والْهَكَوَّك للمكان الصُّلْبِ الغليظ، والْعَذَوَّر للسَّيء الخلق. والْهَقَوَّر للطويل والقَنَوَّر للعبد. والْحَزَوَّر للصبي المترعرع. والسَّنَوَّر لجملة السلاح. أما كَرَوّس فجعلها مما جاء على فَعَوُّل بضم الواو وذكر أنه لا يعرف مثاله (2) .
ثامناً: ما كانت زيادته بالياء مضعّفةً ورد ذلك في بناء واحد هو: فَعَيَّلٌ: ورد هذا في الصفة نحو: هَبَيَّخ والهَبَيَّغ. قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (3) .
والْهَبَيَّخُ - عن أهل اليمن - الغلام والأحمق المسترخي، ومن لا خير فيه، والوادي العظيم، والنهر الكبير والْهَبَيَّخَةُ الجارية، ويقال هي المرأة المرضع (4) . وامرأة هَبَيَّغَةٌ: لا ترد كفَّ لاَمِسٍ. ونَهْرٌ هَبَيَّغٌ وَوَادٍ هَبَيَّغٌ: عظيمان والْهَبَيَّغُ: وادٍ بِعَيْنِهِ (5) . فعلى هذا يكون مشتركاً بين الاسم والصفة، ويمكن أن يقال عنه إنه مِمَّا سُمِّي به من الصفات. والهَبَيَّغُ من الكلمات التي جاءت فيها الهاء مع الغين (6) .
ما زيد فيه ثلاثة أحرف
لم يرد من هذا بناء إلا والألف واحد من هذه الأحرف الثلاثة، فقد جاءت الألف زائدة مع الهمزة، ومعهما النون في بناء واحد هو:
أَفْعَلان: ورد هذا في الصفات. قال سيبويه: ((وهو قليلٌ؛ لا نعلمه جاء إلا أنْبَجَانٌ وهو صفة. يقال: عَجِينٌ أَنْبَجَانٌ. وأَرْوَنانٌ وهو وَصْفٌ، قال النابغة الجعدي:
فَظَلَّ لِنِسْوَةِ النُّعمان مِنَّا على سَفَوانَ يَوْمٌ أَرْوَنَانُ)) (7)(4/499)
((وعَجِينٌ أنْبَجَانٌ أي: مُدْرِكٌ مُنْتَفِخٌ)) (1) ((ويَوْمُ أَرْوَنانٍ - مضافاً ومنعوتاً - صَعْبٌ وسَهْلٌ ضدٌّ)) (2) .
وذهب ابن الأعرابي إلى أنه (أَفْوَعالٌ من الرَّنِينِ، على حين يأخذه سيبويه من قولك: كشف الله عنك رُونَةَ هذا الأمر، أي: غُمَّتَه وشدَّتَهُ (3) .
ما زيدت فيه الألف مع التاء والياء ورد ذلك في بناء واحد هو:
فَعَالِيت: ورد في أبنية الصفات ((وهو قليل نحو: عفاريت، وهو وَصْفٌ)) (4) جمع عِفْرِيتٍ، وهو الْخَبِيثُ الْمُنْكَرُ، ويجمع على هذا البناء ما دَلَّ على الواحد وزيد في نهايته حَرْفُ مَدٍّ وتَاءٌ (5) . نحو سَبَاريت صِفَةً جمع سُبْرُوتٍ للقفر لا نبات فيه، والشيء القليل، والفقير (6) .
قال الزجاج: ((الْعِفْريت: النافذ في الأمر المبالغ فيه مع خُبْثٍ ودَهَاءٍ)) (7) ، وقال ابن منظور: ((وهذا مما تحملوا فيه تَبْقِيَةَ الزَّائِدِ مع الأصل في حال الاشتقاق توفية للمعنى ودلالة عليه)) (8) .
وذكر أبو بكر الزبيدي أن سيبويه ذكر في كتابه في باب التصغير ملاكيت جمع ملكوت، وهو اسْمٌ (9) فبهذا يكون البناء مشتركاً بين الاسم والصفة أو مِمَّا سُمِّيَ به من الصفات.
ما زيدت فيه الألف مع تكرير العين وزيادة الياء جاء ذلك في بناء واحد هو:
فُعَاعِيل: ورد هذا في الصفة. قال سيبويه: ((وهو قليل في الكلام، قالوا: ماءٌ سُخَاخِينٌ صِفَةً، ولا نعلم في الكلام غيره)) (10) .
والسُّخاخِينُ: السُّخْنُ. قال الفيروزآبادي: ((وسُخَاخِينُ - بالضم ولا فُعاعِيلَ غيره -: حَارٌّ)) (11) .
ما زيدت فيه الألف مع تكرير حرف اللام وزيادة الميم ورد ذلك في بناء واحد هو:(4/500)
مَفْعَلَّى: ورد هذا في الصفة ((وهو قليل، قالوا: مَكْوَرَّى، وهو صفة)) (1) . يوصف به ((العظيم الروثة من الدوابّ. وقال بعضهم: الْمَكْوَرَّى: العظيم روثة الأنف من الرجال، مأخوذة من الكارة؛ لأنها مُكَوَّرَةٌ)) (2) . ووصف سيبويه لهذا البناء بالقلة فيه تَجَوُّزٌ إذ لم يذكروا غير هذا المثال. قال القالي: ((ولا نعلم غير هذا الحرف وحده من هذا المثال)) (3) .
ما زيدت فيه الألف مع الواو والياء جاء ذلك في بناء واحد هو:
فَعَاويل: ورد هذا في الصفات من مثل: ((القراويح، جمع قِرْوَاحٍ، وهي الأرض التي لا شجر فيها، ولم يختلط بها شيءٌ. والماء القَراحُ الذي لم يختلط به شيء من هذا. والْجَلاَوِيخُ: جمع جِلْوَاخٍ وهو الواسع من الأودية)) (4) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (5) . واستدرك أبو بكر الزبيدي على هذا، لأن سيبويه ذكر أن عِصْوَاداً وقِرْوَاشاً اسمان ويجمعان على عصاويد وقراويش (6) ، والواحد يدل على جمعه فيكون (فعاويل) على هذا ليس خاصاً بالصفات.
المبحث الثاني: ما اختصت به الصفات من أبنية مزيد الرباعي
لم يرد فيما ذكره سيبويه من أَبْنِيَةٍ الرُّبَاعِيِّ المُجَرَّدِ ما يختص بالاسم أو الصفة. وقد ورد من المزيد ما يكون مختصاً بأحدهما.
وفي هذا المبحث نتناول ما اختص بالصفة دون الاسم من مزيد الرباعي مرتبة على حسب عدد حروف الزيادة وترتيبها بين حروف الهجاء. فنبدأ بما زيد فيه حرف واحد:
أولاً: ما زيد فيه الألف جاء ذلك في بناء واحد هو:
فَعَلَّى: ورد هذا في الصفة نحو حَبَرْكَى للطويل الظهر القصير الساق وجَلَعْبَى: للشديد من كل شيء. يقال رجل جَلَعْبَى العين وامرأة جَلَعْبَاةُ العين وهي الشديدة البصر. وقال أبو عمرو: الجلعباة من الإبل الواسعة الجوف (7) .
قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء إلا وصفاً)) (8) .(5/1)
وألحق به الزبيدي من الثلاثي حَبَنْطًى ونحوه.
ثانياً: ما كانت زيادته بتضعيف عينه جاء ذلك في الأبنية التالية:
فِعَّلٌّ: هذا من أبنية الصفات نحو: الْعِلَّكْدِ: للغليظ الشديد العنق، والهِلَّقْسِ: للغليظ الشديد. والشِّنَّغْمِ: لِلْحَرِيصِ: ويروى بالعين المهملة (1) .
قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء إلا صفة)) (2) .
وذكر السيوطي أنه قد جاء اسماً نحو صِنَّبْرٍ لِلْبَرْدِ. وهنَّبْرٍ للثور والفرس والأديم الرديء (3) . ويوصف ب (صِنَّبْر) فيقال: غَدَاة صِنَّبْرٌ: باردة.
فُعَّلّ: ورد ذلك في الصفة نحو الشُّمَّخْر: لطامح النظر من الرجال. والضُّمَّخْر: للفحل الجسيم والدُّبَّخْس: للضخم (4) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (5) . ونقل السيوطي أنهم قالوا: كُمَّهْرَة للحشفة (6) فعلى هذا يكون اسماً بالتاء.
فَعَّلِل: ورد هذا البناء في الصفة قالوا: الهَمَّرِش للعجوز الكبيرة (7) وحكم سيبويه عليه بالقلة.
وذكر ابن القطاع أن أبا الحسن الأخفش زعم أن أصله هَنْمَرِش وحروفه كلها أصول، ووزنه فَعْلَلِل؛ وفَعَّلِل لغة فيه (8) .
وقال ابن سيده: ((جعلها سيبويه مرة فَنْعَلِلاً، ومرة فَعَّلِلاً. وردّ أبو علي أن يكون فَنْعَلِلاً، وقال: لو كان كذلك لظهرت النون؛ لأن إدغام النون في الميم من كلمة لا يجوز ... وهي عند كراع فَعَّلِل، قال: ولا نظير له)) (9) على حين أن الموجود في المنتخب لكراع: ((ولا يكون يوجد على مثال فَنْعَلِل إلا قولهم: ... وهَمَّرِش ... )) (10) وبهذا تكون عنده على غير ما نقل عنه ابن سيده، إلا أن يكون ذلك في غير المنتخب من كتبه.
ثالثاً: ما كانت زيادته بتضعيف أحد لاميه جاء من ذلك ما كانت زيادته بتضعيف لامه الأولى وذلك في:(5/2)
فَعَلَّل: ورد هذا البناء في الصفة نحو: سَبَهْلَلٍ لِلْفَارِغِ لا شيء معه، وللباطل أيضاً وقَفَعْدَدٍ لِلْقَصِير. وذكر أبو بكر أنه سمع أن القَفَعْدَد نبتٌ فيكون على هذا اسماً (1) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء إلا وصفاً)) (2) .
وجاء منه ما كانت زيادته بتضعيف لامه الثانية وذلك في:
فُعْلُلّ: ورد هذا البناء في الصفة نحو: قُسْقُبٍّ للضخم، وقُسْحُبٍّ للضخم أيضاً وطُرْطُبٍّ صِفَةً لثدي المرأة إذا كان طويلاً (3) .
قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (4) .
وذكر الزبيدي بدل قُسْقُبّ قُهْقُمًّا وفسره بأنه الذي يبتلع كل شيء.
وقال: ((وقع في الكتاب قُهْقُبٌّ بالباء، وقد ذكرنا أن الميم تبدل من الباء كثيراً. فأما القُهْقُبْ بالتخفيف فالضخم الْمُسِنّ)) (5) .
رابعاً: ما كانت زيادته بحرف النون جاء ذلك في بناء واحد هو:
فَعَنْلَل: ورد هذا البناء في الصفات نحو: حَزَنْبَلٍ للقصير. وعَبَنْقَسٍ لِوَلد الأَمَةِ وفَلَنْقسٍ للذي أحاطت به الإماء (6) . وذكر سيبويه أنه جاء اسماً في جَحَنفَلٍ للعظيم الشفة. وبهذا التفسير يكون وصفاً ينطبق عليه قول: ((ولا نعلمه جاء إلا وصفاً)) (7) .
وذكر السيوطي أنه قليل في الاسم كثير في الصفة (8) .
خامساً: ما كانت زيادتُهُ بحرف الواو ورد ذلك في بناء واحد هو:
فَعَلْوَل: ورد هذا البناء في الصفات من نحو قولهم: كَنَهْوَرٌ للمطر الدائم (9) . وبَلَهْوَرٌ لِكُلِّ عظيم من ملوك الهند (10) . وتفسير الزبيدي لِكَنْهَور بأنها قطع من السحاب واحدته بالتاء ولِبَلَهْوَر بأنه اسْمُ مَلِكٍ يَجْعَلُ هذا البناء للأسماء (11) دون الصفات، ولم ينص سيبويه على أنه لا يأتي اسماً. ولكنه ذكر أن المثالين صفتان، وأن هذا البناء قليل في الكلام.
سادساً: ما كانت زيادته بحرف الياء ورد ذلك في بناءين كانت الياء في الأول ثالثة وذلك في:(5/3)
فَعَيْلَل: ورد هذا في الصفات نحو: سَمَيْدَع للسيد الموطأ الأكناف، والْعَمَيْثَل للطويل، والْمُبْطِئُ من كل شَيْءٍ (1) وذكر سيبويه مثالاً ثالثاً هو الْحَفَيْبل، ولم يفسره الزبيدي. ويوافق هذا البناء في الصورة الثلاثي المزيد بالياء وتضعيف اللام نحو حَفَيْلَل وخفيدد، وهما اسم وصفة (2) .
وكانت الياء في الثاني رابعة في:
فُعْلَيْلٌ: ورد على هذا البناء غُرْنَيْقٌ وجعله سيبويه صِفَةً (3) مع أنه اسم لطائر ووَصْفٌ للشاب من الرجال ((فعلى هذا يكون اسماً وصفة)) (4) ، أو أنه حكم له بالصفة لما فيه من معنى الوصف.
وذكر أبو حيان هذه اللفظة في مزيد الثلاثي فجعلها على (فُعْنَيْل) (5) ثم جعلها في مزيد الرباعي وأشار إلى تقدمها في مزيد الثلاثي (6) . وجعل ابنُ الدهان تَفْسِيره السّيِّد (7) .
ما زيد فيه حرفان
أولاً: ما زيدت فيه الهمزة مع الألف ورد بناء واحد زيدت فيه الهمزة مع الألف هو:
فِعْلِلاء: جاء هذا البناء في الصفة نحو: طِرْمِسَاء للظلمة. يقال: ليلة طِرْمِساءُ وطِلْمِسَاءُ. وجِلْحِطَاءُ لأرض لا شجر فيها، ورُوِيَ جِلْحِظاء بالظاء معجمة (8) وألحق به الزبيدي من الثلاثي حِرْبِياء (9) . وذكر سيبويه أنه من القليل.
ثانياً: ما زيدت فيه الألف مع النون ورد ذلك في بناء واحد هو:
فِعِنْلال: ورد هذا في الجِحِنْبَار للقصير (10) . وقيل الرَّجُلُ الضَّخْمُ (11) .
وكذلك جِعِنْبَارٌ للضخم أيضاً (12) . ونص سيبويه على أنه قليل في الكلام.
ومِثْلُ المثالين المذكورين جِعِنْظَارٌ للقصير الرجلين الغليظ الجسم. ورجل جِعِنْظَارٌ إذا كان أكولاً قويّاً عظيماً جسيماً (13) . وبهذا يكون بناء (فِعِنْلال) مشتركاً بين الثلاثي المزيد بثلاثة أحرف والرباعي المزيد بحرفين. فالثلاثي المزيد بثلاثة مُخْتَصٌّ بالاسم، والرباعِيُّ المزيد بحرفين مُخْتَصٌّ بالصفة (14) .(5/4)
ثالثاً: ما زيد فيه حرفان أحدهما كان من تضعيف اللام ورد من ذلك بناء واحد كانت الياء مع تضعيف اللام وذلك في:
فَعْلَلِيل: ورد هذا في الصفات ((مُضَعَّفَاً، قالوا: عَرْطَليل وهو صفة وعَفْشَلِيل وهو صفة. ومثله: جَلْفَزِيزٌ وغَلْفَقيقٌ، وقَفْشَلِيلٌ، وقَمْطَريرٌ)) (1) . فالْعَرْطَلِيلُ: الْعُنُقُ الغليظة (2) . والْعَفْشَلِيلُ: الجافي (3) . والْجَلْفَزيز: العجوز الكبيرة (4) والْغَلْفَقيق: الداهية (5) . والْقَفْشليل: الْمِغْرَفَةُ، وأصله بالفارسية كَفْجليز (6) . والْقَمْطَرِيرُ: الشديد (7) . قال سيبويه: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (8) .
ثالثاً: ما زيد فيه النون والياء. وكان ذلك في بناء واحد هو:
فَنْعَلِيل: ورد هذا في الصفة: ((وهو قليل، قالوا: خَنْفَقِيقٌ، وهو صفة وخَنْشَلِيلٌ)) (9) .
فالْخَنْفقيق: المرأة الخفيفة، ويقال الداهية أيضاً. والخنشليل: الماضي من الرجال في أموره. وقيل إن نونه أَصْلٌ غير زائدة، وأنها رباعية على وزن فَعْلَلِيل (10) . ومثل هذين المثالين فَنْطَلِيس لِلْكَمَرَةِ (11) .
المبحث الثالث: ما اختصت به الصفة من أبنية الخماسي جاء بناء واحد مجرَّدٌ في الصفات هو:
فَعْلَلِل: قالوا: قَهْبَلِسٌ للمرأة العظيمة. وجَحْمَرِشٌ للأفعى الغليظة (12) . وصَهْصَلِقٌ للشديدة الصوت الصَّخّابَةِ (13) .
وفسر الزبيدي الْقَهْبَلِس بالمرأة العظيمة وحشفة الذكر (14) فعلى هذا تكون اسماً وصفة. مع أن سيبويه قال عن هذا البناء: ((ولا نعلمه جاء اسماً)) (15) .
أما المزيد من الخماسي فلا يكون إلا بزيادة حرف واحد، وقد جاء بناءان خماسيان مزيدان بحرف واحد خاصان بالصفة هما:
أولاً: المزيد بالألف(5/5)
فَعَلَّلَى: ورد هذا البناء في أمثلة منها: قَبَعْثَرَى للعظيم الْخَلْقِ، الكثير الشعر من الإبل والناس. والضَّبَغْطَرَى للرجل الأحمق وهما صفتان (1) .
وذكر الزبيدي أن قطرباً فسر الضَّبَغْطَرى بالضبع فعلى هذا يكون اسماً أو سُمِّيَ بوصف.
ثانياً: المزيد بالواو
فِعْلَلُول: ورد هذا البناء في الصفة نحو: قِرْطَبُوس للناقة العظيمة وهذا البناء قليل (2) .
• • •
الخاتمة:
بعد هذه الوقفات مع الأبنية المختصة باسم أو صفة يتبين ما يلي:
1 - أن وجه الفصل بين الأسماء والصفات هو أن المراد بالأسماء الأعلام، وأسماء الأجْناس، والمصادر. والمراد بالصفات الأسماء التي يوصف بها سواء أكانت مشتقة أم غير مشتقة.
2 - أن المقصود من الأبنية المذكورة في هذا البحث، تلك الأبنية التي ليست صفاتٍ ولا مصادر أتت على أفعالها؛ لأن الصفات والمصادر التي أتت على أفعالها لا وجه لذكرها هنا.
3 - أن عدد الأبنية المختصة بالاسم المذكورة في كتاب سيبويه مائة وتسعة وثلاثون بناءً، والمختصة بالصفة أربعون بناءً، وبهذا تظهر كثرة أبنية الأسماء وقلة أبنية الصفات.
4 - أنه قد يحكم للبناء بأنه مختص بالاسم دون الوصف، مع ورود أمثلة على ذلك البناء اسْتُعْمِلت صفات، فإما أن تكون صفات غالبة اسْتُعْمِلت على سبيل المبالغة، فكأنها خرجت عن الوصف إلى العلم مثل: مَكْرَمان ومَلأَمان ومَلْكَعان، ونحوها. وإما أن تكون أسماءً وصف بها مثل: تِلْقامة ونحوها.
5 - أنهم قد يختلفون في بعض الأمثلة، فيلحقها بعضهم ببناء حُرُوفُهُ أُصولٌ، ويلحقها آخرون ببناء آخر مزيد. وعند ذلك يُرَجَّح المزيد حملاً للباب على الأوسع؛ إِذْ إِنّ أبنية الأصول قليلة، وأبنية المزيد كثيرة.(5/6)
6 - أنه قد يكون اختصاص أحد النوعين بالبناء على اللغة المشهورة، ولا يمنع أن يكون هناك لغة أخرى في مثال تُدْخِلُهُ فيما يخص النوع الآخر، مثل بناء (تِفْعِلَة) فقد جعلوه مختصاً بالصفة، وجاء على هذا البناء الاسم فقالوا: تِتْفِلَةٌ لغة في تَتْفُلَة.
7 - أنه لم يكن يخفى على سيبويه كلُّ ما استُدْرِك عليه من الأبنية، وإنما كان يغفل ذلك ((لأنه لم يَعْتَدّ بما ورد لقلته ونزارته. ويدل على صحة ما قاله أن العرب تقول: قَلَّما جاءني زَيْدٌ وتستعمله على ضربين:
تارة تريد: ما جاءني زَيْدٌ، فتكون نفياً عامّاً، ويكون على هذا لم يَأْتِهِ.
وتارة يكون قد جاء مجيئاً قليلاً فلا يُعْتَدّ به ويجعله كالنّفْي العامّ.
فقد بان لك أن القليل في كلام العرب قد يُجْعَلُ بمنزلة مالم يَكُن، ويُنْفَى نفياً عامّاً، فهذا يُعَضِّدُ ما قاله سيبويه وذهب إليه)) (1) .
ولا يضير سيبويه ما استدركه عليه من جاء بعده، إذ مازال اللاحق يستدرك على السابق، ولن تكون في اللغة كلمة أخيرة، لسعتها، وتشَعُّبِ قضاياها، وكثرة الشذوذ فيها.
الحواشي والتعليقات
شرح كتاب سيبويه 5 / 210.
المصدر السابق.
الكتاب 4 / 250.
أبنية الصرف في كتاب سيبويه ص 135.
الكتاب 4 / 219.
المصدر السابق 4 / 220.
المصدر السابق 4 / 219.
الممتع 1 / 60.
المقتضب 1 / 368.
تهذيب اللغة للأزهري 14 / 69.
انظر الكتاب 3 / 597.
المقتضب 1 / 366.
انظر ما نقله الشيخ عضيمة في حاشية المصدر السابق عن الانتصار.
شرح الشافية 2 / 259.
اللسان (يدي) .
المقتضب 1 / 367.
الاستدراك على سيبويه ص 2.
الصحاح (غدا) .
الكتاب 4 / 220.
المصدر السابق 4 / 244.
تهذيب اللغة 14 / 208.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 63.
الممتع 1 / 65، 66.
الكتاب 4 / 245.
اللسان (ثمد) .
المصدر السابق (صبع) .
اللسان (جرد) .
الكتاب 4 / 245.(5/7)
انظر مادة (برم) في المصادر المذكورة.
معجم البلدان 1 / 80.
شرح أبنية سيبويه ص 29.
انظر اللسان (شفى) .
الصحاح (نفح) .
المخصص 16 / 3.
الكتاب 4 / 245.
المصدر السابق.
اللسان (بلم) والْمُقْل: حمل الدَّوْمِ.
الاستدراك على سيبويه ص 7.
الخصائص 3 / 194. ولم ينسب البيت لأحد.
انظر: المصدر السابق 3 / 195.
الكتاب 4 / 248.
انظر تهذيب اللغة 11 / 371.
اللسان (شمل) .
أدب الكاتب ص 495.
الكتاب 4 / 249.
النهاية في غريب الحديث والأثر 3 / 114.
الكتاب 4 / 255.
انظر اللسان (علق) و (أرط) .
الكتاب 4 / 255.
المصدر السابق.
الممتع لابن عصفور 1 / 88.
شرح أبنية سيبويه ص 89.
انظر تهذيب اللغة 2 / 159.
انظر اللسان (سعل) و (عزه) .
اللسان (كيص) .
الكتاب 4 / 256.
المقصور والممدود ص 246.
شرح أبنية سيبويه ص 33، و 104.
الكتاب 4 / 270.
اللسان (نضب) .
الاستدراك على سيبويه ص 23.
الكتاب 4 / 271.
انظر شرح السيرافي 5 / 227.
الكتاب 5 / 271.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 23.
الكتاب 4 / 272.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 222.
انظر التكملة للفارسي ص 241.
الكتاب 4 / 273.
انظر اللسان (زرع) و (شرق) و (قبر) و (شرب) .
الاستدارك على سيبويه ص 24. وورد فيه (مَعُور) بدل (مَعُون) والصحيح (مَعُون) .
ديوان الأدب 1 / 287.
الكتاب 4 / 273.
المصدر السابق 4 / 273.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 97.
الكتاب 4 / 273.
انظر شرح الشافية 1 / 186، 187.
الكتاب 4 / 269.
الاستدراك على سيبويه ص 22.
انظر شرح أبنية سيبويه ص 129.
الكتاب 4 / 269.
انظر اللسان (جدب) وفيه ((وحكى سيبويه في الثلاثي جِنْدَب، وفسره السيرافي بأنه الْجُنْدَب)) .
الاستدراك على سيبويه ص 22.
الكتاب 4 / 270.
شرح أبنية سيبويه ص 134.
الكتاب 4 / 270.
شرح أبنية سيبويه ص 62.
اللسان (جرب) .(5/8)
الكتاب 4 / 274.
اللسان (علد) .
الكتاب 4 / 274.
الممتع 1 / 84.
الصحاح (عَتَد) .
الكتاب 4 / 274.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 25.
الكتاب 4 / 275.
اللسان (خنذ) .
الاستدراك على سيبويه ص 25.
الكتاب 4 / 4 / 275.
شرح أبنية سيبويه ص 54.
المصدر السابق ص 122.
الاستدراك على سيبويه ص 25.
الكتاب 4 / 275.
شرح أبنية سيبويه ص 75.
الاستدراك على سيبويه ص 25.
انظر اللسان (خنذ) .
الكتاب 4 / 265.
انظر شرح أبنية سيبويه ص 166، 167.
اللسان (لمق) .
انظر ارتشاف الضرب 1 / 51. والْيَلْمَعُ: اللذاب.
الكتاب 4 / 268.
المحكم 2 / 119.
الكتاب 4 / 276.
الاستدراك على سيبويه ص 27.
الكتاب 4 / 276.
الصحاح (حمص) .
الاستدراك على سيبويه ص 26.
الكتاب 4 / 277.
انظر أبنية الصرف في كتاب سيبويه ص 510.
الاستدراك على سيبويه ص 26.
الكتاب 4 / 278.
الاستدراك على سيبويه ص 27.
الأصول في النحو 3 / 212.
الكتاب 4 / 278.
الاستدراك على سيبويه ص 27.
الكتاب 4 / 278.
المصدر السابق.
انظر اللسان (ذرح) و (جَلَعَ) .
الكتاب 4 / 247.
المقصور والممدود ص 207.
الكتاب 4 / 257.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 17، وشرح أبنية سيبويه ص 79.
المقصور والممدود للقالي ص 451.
انظر المصدر السابق.
ديوان الأدب للفارابي 2 / 12.
الكتاب 4 / 257.
الاستدراك على سيبويه ص 79.
المقصور والممدود ص 481 فما بعدها.
ديوان الأدب 3 / 382.
إصلاح المنطق ص 221.
أدب الكاتب ص 456.
الكتاب 4 / 258.
المقصور والممدود ص 456.
انظر المصدر السابق.
انظر تخريج البيت في المقصور والممدود للقالي ص 397.
نسبه القالي لابن مقبل انظر المصدر السابق ونسبه غيره لزبان بن سيار الفواري. انظر اللسان (طلا) .
الكتاب 4 / 258.
أدب الكاتب ص 479.
الكتاب 4 / 247.
الصحاح (سكف) .
المصدر السابق (سطم) .
الكتاب 4 / 249.(5/9)
المقصور والممدود للقالي ص 301.
المحكم 5 / 96.
الكتاب 3 / 425.
المصدر السابق.
انظر اللسان (دنق) .
الكتاب 4 / 254.
الصحاح (حبر) .
الاستدراك على سيبويه ص 17.
المقصور والممدود ص 247.
الكتاب 4 / 252.
الممتع 1 / 96. وانظر الجمع المتناهي في اللغة العربية للدكتور إبراهيم بركات ص 149، 150. ... وانظر في معاني التتافل والتناضب صيغة (تَفْعُل) المتقدمة. في هذا البحث ص14.
الكتاب 4 / 256.
الممتع 1 / 109.
انظر الممتع 1 / 109.
الكتاب 4 / 255.
شرح أبنية سيبويه ص 73، 74، 117.
المنتخب لكراع 2 / 568.
الكتاب 4 / 256.
شرح أبنية سيبويه ص 139.
انظر اللسان (فسط) .
الكتاب 4 / 261.
انظر المخصص 15 / 207.
انظر المقصور والممدود ص 258، 259.
المخصص 15 / 207.
الكتاب 4 / 261.
المصدر السابق.
انظر المقصور والممدود للقالي ص 199، والمخصص 14 / 206، 207.
الكتاب 4 / 257.
الممتع 1 / 99.
المقصور والممدود ص 459.
الكتاب 4 / 264.
المقصور والممدود ص 256.
المصدر السابق.
الجمهرة 3 / 422.
الكتاب 4 / 259.
أدب الكاتب ص 499.
المصدر السابق.
ارتشاف الضرب 1 / 39.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 13.
الكتاب 4 / 259.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 17، 18.
الكتاب 4 / 259 والبيت في ديوان ابن مقبل ص 335. وانظر حاشية محقق الكتاب فقد عزاه إلى مصادر عدة.
أدب الكاتب 483.
الكتاب 4 / 260.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 18.
الكتاب 4 / 261.
المخصص 16 / 5.
المقصور والممدود ص 206.
الكتاب 4 / 261.
المقصور والممدود ص 260.
الكتاب 4 / 261.
المقصور والممدود ص 163.
المصدر السابق.
الكتاب 4 / 258.
الجمهرة 3 / 421.
انظر المخصص 13 / 8، واللسان (طمر) .
المصدر السابق 4 / 260.
ديوان الأدب 2 / 59، 60.
الكتاب 4 / 260.
الاستدراك ص 18.
اللسان (عصد) .
المصدر السابق (عتر) .(5/10)
تهذيب اللغة 3 / 189.
الكتاب 4 / 261.
انظر المقصور والممدود ص 158.
الكتاب 4 / 263.
المقصور والممدود ص 79.
الكتاب 4 / 252.
الاستدراك على أبنية سيبويه ص 11.
المصدر السابق ص 16.
انظر شرح أبنية سيبويه ص 115.
انظر القاموس للفيروزابادي (مرض) .
الكتاب 4 / 253.
الجمع المتناهي في اللغة العربية ص 150.
الممتع لابن عصفور 1 / 95 والبيت من شواهد الكتاب واخْتُلِف في نسبته. انظر ما ذكره
محقق الممتع في الحاشية.
الكتاب 4 / 260.
الاستدراك على أبنية سيبويه ص 18.
الممتع 1 / 84.
اللسان (جرض) .
ديوان الأدب 2 / 74.
الكتاب 4 / 260.
ديوان الأدب 1 / 373، 374.
الكتاب 4 / 261.
انظر المقصور والممدود للقالي ص 157.
الكتاب 4 / 272.
القاموس (نوط) .
الكتاب 4 / 272.
انظر أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 94.
القاموس (هبط) .
الكتاب 4 / 271.
الاستدراك على أبنية سيبويه ص 23.
انظر القاموس (حمت) .
شرح أبنية سيبويه ص 53.
الكتاب 4 / 71.
الاستدراك على أبنية سيبويه ص 23.
الكتاب 4 / 271.
انظر اللسان (نبت) و (متن) .
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 93.
الكتاب 4 / 273.
الصحاح (رعز) .
الكتاب 4 / 273.
الممتع 1 / 248.
انظر أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 99.
الكتاب 4 / 270.
انظر أبنية الصرف ص 502.
الاستدراك على سيبويه ص 22.
انظر أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 157.
الكتاب 4 / 276.
اللسان (قلس) .
الكتاب 4 / 269.
انظر اللسان (غسل) .
الكتاب 4 / 269.
شرح أبنية سيبويه ص 49.
ديوان الأدب 2 / 92.
انظر المحكم 4 / 234.
الكتاب 4 / 269.
الكتاب 4 / 265.
الاستدراك على سيبويه ص 21.
الكتاب 4 / 248.
المقصور والممدود ص 301.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 8.
الكتاب 4 / 248.
أدب الكاتب ص 483.
الكتاب 4 / 250.
المقصور والممدود ص 301.
انظر الصحاح (قصع) و (نفق) .(5/11)
المصدر السابق (سبى) .
الكتاب 4 / 245.
الاستدراك على سيبويه ص 9.
الكتاب 4 / 264.
ينظر شرح الأشموني على ألفية ابن مالك 4 / 261. وأبنية الصرف في كتاب سيبويه ص 165.
الكتاب 4 / 261.
المقصور والممدود للقالي ص 488.
الكتاب 4 / 261.
المقصور والممدود ص 487، 488.
الكتاب 4 / 261.
المقصور والممدود ص 398.
الكتاب 4 / 263.
انظر المقصور والممدود للقالي ص 398، 399، والمخصص 16 / 73.
انظر المزهر 2 / 56.
الكتاب 4 / 247.
انظر تهذيب اللغة 6 / 43.
اللسان (جرا) .
الكتاب 4 / 263.
الجمهرة 3 / 422.
الكتاب 4 / 257.
المقصور والممدود ص 256.
انظر المصدر السابق.
اللسان (حور) .
الكتاب 4 / 254.
انظر اللسان (سلم) .
القاموس (سلم) .
الكتاب 4 / 265.
انظر المقصور والممدود للقالي ص 162.
الكتاب 4 / 252.
انظر الفيصل في ألوان الجموع ص 188، 254 فما بعدها.
الاستدراك على سيبويه ص 11.
الجمع المتناهي في اللغة العربية ص 165.
انظر الممتع 1 / 130.
الكتاب 4 / 263.
شرح أبنية سيبويه ص 144.
الكتاب 4 / 264.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 19.
المقصور والممدود ص 257.
الكتاب 4 / 265.
المقصور والممدود ص 171.
الكتاب 4 / 264.
شرح أبنية سيبويه ص 51.
الكتاب 4 / 262.
الاستدراك على سيبويه ص 19.
شرح أبنية سيبويه ص 122.
الكتاب 4 / 263.
معجم البلدان 4 / 256.
الكتاب 4 / 263.
اللسان (كرم) .
انظر شرح أبنية سيبويه ص 154، 155.
الكتاب 4 / 262.
الاستدراك على سيبويه ص 19.
الكتاب 4 / 264.
معجم البلدان 2 / 316.
الاستدراك على سيبويه في الأبنية ص 19.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 135.
الكتاب 4 / 252.
انظر اللسان (سرح) و (ضبع) و (فرزن) و (قرب) .
الكتاب 4 / 265.
انظر ارتشاف الضرب 1 / 51.
شرح كتاب سيبويه 6 / 64، 65.
الكتاب 4 / 253.
غريب الحديث لأبي عبيد الهروي 1 / 443.(5/12)
الكتاب 4 / 265.
الجمهرة 3 / 422.
الاستدراك على سيبويه ص 19.
انظر الجمهرة 3 / 422.
الكتاب 4 / 271.
انظر شرح الشافية 2 / 334.
الكتاب 4 / 250.
المقصور والممدود ص 301.
تهذيب اللغة 1 / 409.
اللسان (عشر) .
الكتاب 4 / 296، والمقصور والممدود للقالي ص 155، 156.
شرح أبنية سيبويه ص 135.
الكتاب 4 / 296.
المقصور والممدود للقالي ص 157، والممتع 1 / 112.
المقصور والممدود للقالي ص 259، 260.
المخصص 15 / 207.
الكتاب 4 / 296.
الاستدراك على سيبويه ص 34.
المقصور والممدود للقالي ص 199.
الكتاب 4 / 296.
اللسان (هربذ) . ولم أقف على قول أبي عبيد في الغريب المصنف.
الكتاب 4 / 296.
المقصور والممدود ص 206.
الكتاب 4 / 295.
ديوان الأدب 2 / 62.
اللسان (قرطس) .
شرح أبنية سيبويه ص 139 و 141.
المصدر السابق ص 136.
انظر اللسان (قَسْطَسَ) .
الكتاب 4 / 298.
انظر القاموس (صفرق) .
انظر اللسان (صفرق) .
شرح أبنية سيبويه ص 95.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 297.
القاموس (حبقر) .
الكتاب 4 / 297.
ديوان الأدب 2 / 85.
الممتع 1 / 58.
الكتاب 4 / 297.
انظر الممتع 1 / 68.
التهذيب 9 / 416.
الممتع 1 / 148.
الكتاب 4 / 296.
انظر القاموس (هندب) .
المقصور والممدود ص 458.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 144 وأيد ذلك شارح القاموس إذ قال: ((إنما أورد المؤلف
هذه المادة هنا بناءً على أن النون أصلية، ولا قائل به، ولذا أوردها الجوهري في (هدب)) ) .
الكتاب 4 / 296.
أبنية الأسماء، والأفعال والمصادر ص 140.
المقصور والممدود ص 292.
الكتاب 4 / 295.
انظر المقصور والممدود للقالي ص 406.
الكتاب 4 / 294.
المقصور والممدود ص 292، 489.
الكتاب 4 / 291.
الاستدراك على سيبويه ص 30.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 306.
الكتاب 4 / 294.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 31.(5/13)
الكتاب 4 / 292.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 236.
انظر اللسان (قمحد) .
الكتاب 4 / 292.
الاستدراك على سيبويه ص 30.
انظر اللسان (تخرب) .
الكتاب 4 / 293.
الاستدراك على سيبويه ص 31.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 224.
الكتاب 4 / 291.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 30، والقاموس (قندل) و (هندل) . والأنوك: الأحمق.
الكتاب 4 / 295.
المقصور والممدود ص 407.
انظر المصدر ص 406.
الكتاب 4 / 291.
الاستدراك على سيبويه ص 30.
ديوان الأدب 2 / 91.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 312.
القاموس المحيط (عبثر) .
الكتاب 4 / 293.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 31.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 412.
الكتاب 4 / 289.
الاستدراك على سيبويه ص 37.
شرح أبنية سيبويه ص 140.
معجم البلدان 5 / 436.
الاستدراك على سيبويه ص 37.
المزهر 2 / 23.
الكتاب 4 / 219.
المصدر السابق 4 / 220. وسبق في المبحث الأول من الفصل الأول.
انظر الكتاب 4 / 277.
انظر الكتاب 4 / 273، والاستدراك على سيبويه ص 24.
انظر اللسان (دلق) .
انظر الكتاب 4 / 273، والاستدراك على سيبويه ص 24.
اللسان (دقع) .
انظر الصحاح (درم) ، واللسان (دردم) .
انظر الكتاب 4 / 269.
الاستدراك على سيبويه ص 22.
القاموس (عنبس) .
الكتاب 4 / 270.
التهذيب 11 / 3.
الكتاب 4 / 270.
الاستدراك على سيبويه ص 22.
الصحاح (ضيف) .
القاموس (علج) .
الكتاب 4 / 267.
الاستدراك على سيبويه ص 21.
انظر الكتاب 4 / 248، والاستدراك على سيبويه ص 10.
الصحاح (جرض) .
الكتاب 4 / 250.
الاستدراك على سيبويه ص 11.
الكتاب 4 / 271.
أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 203.
الكتاب 4 / 275.
الاستدراك على سيبويه ص 25.
انظر اللسان (شجى) .
انظر أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 179.
الاستدراك على سيبويه ص 25.
الكتاب 4 / 394.(5/14)
انظر الكتاب 4 / 275، واللسان (سبح) .
أدب الكاتب ص 477.
الكتاب 4 / 275.
المنتخب 2 / 561.
انظر المصدر السابق 2 / 549، واللسان (ستق) .
الكتاب 4 / 270.
الاستدراك على سيبويه ص 34.
ديوان الأدب 2 / 84، 85.
المصدر السابق 2 / 84.
الاستدراك على سيبويه ص 34.
الكتاب 4 / 270.
المزهر 2 / 30.
الكتاب 4 / 274.
اللسان (كأل) .
الكتاب 4 / 272.
انظر ص 63 من هذا البحث.
انظر الكتاب 4 / 269، 270، والاستدراك على سيبويه ص 22.
الكتاب 4 / 270.
انظر أبنية الأسماء والأفعال والمصادر ص 155.
المصدر السابق 155، 156.
العين 5 / 195.
الكتاب 4 / 273.
المنتخب 2 / 572.
الكتاب 4 / 267.
انظر الاستدراك على سيبويه ص 21، والقاموس (هبخ) .
انظر الاستدراك على سيبويه ص 21، واللسان (هبغ) .
اللسان (هبغ) .
الكتاب 4 / 248. وانظر ديوان الجعدي ص 180، وفيه (أرْوَنَانِيّ) . قال ابن سيده:
((وحكى السيرافي: يومٌ أرْونانِيٌّ، على إضافة الشيء إلى نفسه. قال: وعليه روى بعضهم بيت
النابغة ... ورواية سيبويه بالرفع، وذهب من رواه بالجرّ إلى تضعيف رواية سيبويه إغتراراً بقوله
في الشعر:
أحقاً أن أخطلكم هجاني
وهذا لا يفتّ في رواية سيبويه؛ لأن الإقواء في شعرهم كثير، ولا سيما بين المرفوع والمجرور)) .
المخصص 9 / 62.
اللسان (نبج) .
القاموس (رون) .
انظر اللسان (رَنن) .
الكتاب 4 / 253.
الجمع المتناهي في اللغة العربية ص 164.
انظر المزهر 2 / 26، والقاموس (سبرت) .
معاني القرآن وإعرابه 4 / 120.
اللسان (عفر) .
الاستدراك على سيبويه ص 12، وانظر الممتع 1 / 142.
الكتاب 4 / 254.
القاموس (سخن) .
الكتاب 4 / 265.
الاستدراك على سيبويه ص 19.
المقصور والممدود ص 170.
الاستدراك على سيبويه ص 17.
الكتاب 4 / 253.
الاستدراك على سيبويه ص 12.
انظر الكتاب 4 / 295، والاستدراك على سيبويه ص 33.(5/15)