وباناً وألْوِيّاً من الهند ذاكِياً
ورَنْداً ولُبْنَى والكِبَاء الْمُقَتَّرا
ولُبْنَى: من أسماء النساء، وجبل (1) ورد في شعر لبيد (2) :
يَمَّمْنَ أعداداً بِلُبْنَى أو أجا
مُضَفْدِعاتٍ كُلّها مُطَحْلِبَهْ
(مُوسَى) ((مُوسَى الحديد فُعْلَى عند بعض النحويين اللُّغويين. وذهب الأُموي إلى تذكيره وهو عنده مُفْعَل من أوسيتْ، أي: حلقت بالموسى ...
قال أبو علي: الألف في موسى الحديد منقلبة عن ياءٍ وهي مُفْعَل، كما أن أَفْعَى أَفْعَل وليست بمنقلبة عن واو كالتي في أغزيت، لأنه ليس في الكلام مثل وَعَوْت،
قال: وكذلك مُوسَى الذي هو أعجمي وزنه (مُفْعَل) ؛ لأنه لو كان فُعْلَى لم يُصْرَفْ في حَدِّ النكرة. ففي اجتماعهم على صرف النكرة دلالة على أنه مُفْعَل وليس فُعْلَى.
وإنما ذكرت هذين الحرفين في باب فُعْلَى لغلبة هذا المذهب على أكثر شيوخ اللغة ممن لا علم له بالنحو)) (3) .
وجعله الفيومي في تقدير (فُعْلَى) ، وبسبب ذلك يمال لأجل الألف، واستشهد لذلك بقول الكسائي: ينسب إلى موسى وعيسى وشبههما مما فيه الياء زائدة مُوسِيٌّ وعِيسِيٌّ على لفظه؛ فرقاً بينه وبين الياء الأصلية في نحو مُعْلىً، فإن الياء لأصالتها تقلب واواً. فيقال: مُعْلَوِيّ (4) .
(نُحْلَى) ((النُّحْلَى: الْعَطِيَّةُ)) (5) على فُعْلَى.
(هُمَّى) ((وهُمَّى: أرضٌ)) (6) .
(وُسْطَى) ((والوُسْطَى: الإصبع المتوسطة غلبت غلبة الأسماء، كغلبة السّبابة والدّعَاءة)) (7) .
__________
(1) انظر المخصص 15 / 194 ولم يحدد موضعه ونقل ياقوت في معجم البلدان 5 / 11 أن لُبْنَى في بلاد جذام.
(2) شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري ص 355.
(3) المخصص 15 / 195.
(4) المصباح المنير 2 / 585.
(5) ديوان الأدب لأبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي 2 / 6.
(6) المخصص 15 / 190.
(7) المصدر 15 / 195.(2/167)
(يُسْرَى) اليُسْرَى: اليسار. ويُسْرٌ واليُسْرَى واليَسَرَة والْمَيْسَرَةُ خلاف اليُمْنَى واليَمَنَةُ الميمنة (1) .
(يُمْنَى) ((اليمنى: اليمين)) (2) .
الفصل الثاني: فُعْلَى اسم معنى:
دلت العرب ب (فُعْلَى) على اسْمِ مَعْنًى سواء كان مصدراً أم غير مصدر، من ذلك: (أُثْرَى) أُثْرَى: ((يقال: أخذته بلا أُثرَى، ولا أَثَرَةٍ ولا استئثار، أي: لم أستأثر به، قال:
فقلت له يا ذئب هل لك في أخٍ
يؤاسي بلا أُثْرَى عليك ولا بخل)) (3)
(بُؤْسَى) البُؤْسَى: خلاف النُّعْمَى. ((وقد بَؤُسَ بَأْسَةً وبَئِيساً. والاسم البُؤْسَى)) (4) .
(بُشْرَى) البُشْرَى: البشارة، يقال: بَشَّرْتُ القوم بالخير والاسم: البُشْرَى (5) . وقوله جل وعز: {قال يا بشرى هذا غلام..} (6) .
((قال السُّدِّي والأعمش: كان اسمه بُشْرَى. وقال غيرهما: المعنى: يا أيتها الْبُشْرَى. قال أبو جعفر: وهذا القول الصحيح لأن أكثر القراء يقرأ س يا بُشْرَايَ هذا غلام ش والمعنى في نداء البُشْرَى التنبيه لمن حضر، وهو أوكد من قولك: تَبَشَّرْت، كما تقول: يا عجباه، أي: يا عجبُ هذا من أيامك، أو من آياتك فاحضر، وهذا مذهب سيبويه)) (7) .
__________
(1) انظر المصدر السابق.
(2) المصدر السابق.
(3) المخصص 15 / 189 والبيت للنجاشي الحارثي انظر شعره ص 111، والخزانة 4 / 367.
(4) اللسان (بأس) .
(5) انظر المخصص 15 / 194.
(6) سورة يوسف: 19.
(7) معاني القرآن الكريم للإمام أبي جعفر النحاس 3 / 405، 406.(2/168)
(بُقْيَا) سبق في الفصل الأول أن (بُقْيَا) يراد بها البَقِيّة، فعلى هذا تكون اسم ذات، وجاء في اللسان: والاسم البَقْيا والبُقْيَا. وذكر أبو عبيد عن الكسائي (1) أن البُقْيَا هي الإبقاء، مثل الرُّعوى من الإرعاء على الشيء، وهي الإبقاء عليه، فَعَلَى هذا تكون اسم معنى.
(ثُنْيا) ((الثُّنْيا: الاسم من الاستثناء)) (2) .
(حُدْثَى) ((الْحُدْثَى: الحادثة)) (3) قال الجوهري: ((الحَدَث والْحُدْثَى والحادثة والحَدَثان كله بمعنى)) (4) .
(حُمَّى) ((الحُمَّى: معروفة. قال الفارسي: هي من الحميم وهو الماء الحارّ. وقيل هي من الحميم الذي هو العرق)) (5) . ((وهي عِلَّةٌ يستحر بها الجسم من الحميم، وأما حُمَّى الإبل فبالألف خاصة … وقال اللحياني: حَمِمْت حَمّاً والاسم الحُمَّى. وعندي [عند ابن سيده] أن الحُمَّى مَصْدَرٌ كالبُشْرَى والرُّجْعَى)) (6) .
(خُدْبا) ((الْخُدْبَا: الطعنة المستقيمة)) (7) .
(دُقَّى) ((الدُّقَّى من الأخلاق: الدَّنِيئَةُ. يقال: اتقوا من الأخلاق الدُّقَّى)) (8) . وقد جاء في المقصور والممدود للقالي بالنون بدل القاف (9) .
(رُؤْيا) ((الرُّؤْيا: ما رأيته في منامك)) (10) . ورأى في منامه رُؤيا على فُعْلَى بلا تنوين … وقد جاء الرؤيا في اليقظة؛ قال الراعي:
فَكَبَّرَ للرُّؤيا وهَشَّ فُؤادُه
__________
(1) انظر التهذيب 9 / 347، واللسان (بقي) .
(2) ديوان الأدب 4 / 64.
(3) ديوان الأدب للفارابي 2 / 5.
(4) الصحاح 1 / 278.
(5) المخصص 15 / 190.
(6) المحكم 2 / 386.
(7) المخصص 15 / 190 ولم يذكرها في المحكم (خدب) 5 / 89، ولم أجدها في غير المخصص. والذي في المحكم والمعاجم الأخرى (خَدْباء) بالفتح والمد.
(8) المخصص 15 / 193.
(9) انظر ص 242 من المقصور والممدود للقالي.
(10) المخصص 15 / 194.(2/169)
وبَشَّرَ نفساً كان قَبْلُ يلُومُها (1)
وعليه فُسِّرَ قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} (2) .
((قال سعيد بن جبير، ومجاهدٌ، وعكرمةُ، والضحاك: هي الرؤيا التي رآها ليلة أُسْرِيَ به. وزاد عكرمة: هي رؤيا يقظة)) (3) .
(رُجْعَى) الرُّجْعَى: الرجوعُ والْمَرْجِعُ. وفي التنزيل: {إن إلى ربك الرجعى} (4) .
((وجاء في رُجْعَى رسالتي كبُشْرَى، أيْ: مرجوعها)) (5) . فهو مصدر سماعي للثلاثي (رجع) . ومصدره القياسي الرجوع. وقد أورد سيبويه (رُجْعَى) في باب ما جاء من المصادر فيه ألف التأنيث (6) .
(رُعْيَا) ((يقال: فلانٌ حسن الرَّعْوَةِ والرِّعوة والرُّعوة والرُّعْوى والارْعواء، وقد ارْعَوَى عن القبيح ... والاسم الرُّعيا، بالضم، والرَّعْوَى بالفتح مثل البُقْيَا والبَقْوَى)) (7) .
وقال ابن سيده: ((الرَّعْوُ والرُّعْيا: النزوح عن الجهل وحسن الرجوع عنه وقد ارعوى)) (8) .
وقال: ((وأُرى ثعلباً حكى الرُّعْوَى بضم الراء وبالواو، وهو مما قلبت ياؤه واواً للتصريف، وتعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها، وللفرق أيضاً بين الاسم والصفة)) (9) .
(رُغْبَى) الرُّغْبَى: الضراعة والمسألة ((وهو مثل الرغباء)) (10) .
(رُنَّا) ((الرُّنَّى: الْخَلْقُ. يقال: ما في الرُّنَّى مثله)) (11) . ((وبلالامٍ اسم لجمادى الآخرة)) (12) .
__________
(1) ديوان الراعي النميري 259.
(2) سورة الإسراء: 60 وانظر اللسان (رأى) .
(3) معاني القرآن لأبي جعفر النحاس 4 / 168.
(4) سورة العلق: 8. وانظر المخصص 15 / 194.
(5) القاموس (رجع) .
(6) انظر الكتاب 4 / 40.
(7) اللسان (رعى) .
(8) المحكم 2 / 249.
(9) المصدر السابق 2 / 171.
(10) المقصور والممدود للقالي ص 240.
(11) التهذيب 15 / 169.
(12) القاموس (رنن) .(2/170)
((قال أبو عمرو الزاهد: يقال لجمادى الآخرة رُنَّى ... وأنكر رُبَّى بالباء، وقال: هو تصحيف، إنما الرُّبَّى: الشاة النُّفَساء. وقال قطربٌ وابن الأنباري وأبو الطيب عبد الواحد وأبو القاسم الزجاجي: هو بالباء لا غير. قال أبو القاسم الزجاجي: لأنّ فيه يُعْلَمُ ما نُتِجت حُرُوبُهم إذا ما انجلت عنه، مأخوذ من الشاة الرُّبَّى وأنشد أبو الطيب:
أتيتك في الحنين فقلتَ: رُبَّى
وماذا بين رُبَّى والحنين
والحنين: اسم لجمادى الأولى)) (1) .
والرُّنَّا: ((مقصورٌ، الصوت)) (2) .
(زُلْفَى) الزُّلْفَى: القُرْبَى وعليه قول الله تعالى: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ... } (3) .
قال الأخفش: ((زُلْفَى ههنا اسم المصدر؛ كأنه أراد: بالتي تقربكم عندنا إزلافاً)) (4) .
وقال العكبري: ((زُلْفَى: مصدر على المعنى؛ أي: يقربكم قُرْبى)) (5) .
(سُقْيا) ((سقاه الله الغيث: أنزله له، وزيدٌ عمراً: اغتابه كأسْقى فيهما. والاسم السُّقْيا بالضم)) (6) .
وقد أورده سيبويه في باب ما جاء من المصادر وفيه ألف التأنيث قال: ((والسُّقْيا: ما سُقيت)) (7) .
(سُكْنَى) السُّكْنَى: السكون. ((وسكن بالمكان يَسْكُن سُكْنَى، وسكوناً: أقام ...
والسُكْنَى: أن يُسْكِنَ الرَّجُلَ موضعاً بلا كِروة، كالْعُمْرَى.
وقال اللحياني: والسَّكَنُ، أيضاً: سُكْنَى الرجل في الدار، يقال: لك فيها سَكَنٌ: أَيْ سُكنَى)) (8) .
__________
(1) اللسان (رنن) . وانظر الأزمنة وتلبية الجاهلية لقطرب ص 47. والأزمنة والأمكنة للمرزوقي 1 / 279.
(2) جمهرة اللغة لابن دريد 3 / 450.
(3) سورة سبأ: 37.
(4) معاني القرآن 2 / 484.
(5) التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري 2 / 1070.
(6) القاموس (سقى) .
(7) الكتاب 4 / 40.
(8) المحكم 6 / 448.(2/171)
((وسكنت داري وأسْكنْتُها غيري، والاسم منه السُّكْنَى، كما أن الْعُتْبَى اسم من الإِعْتَاب)) (1) .
(سُوءَ ى) ((السُّوءَ ى، بوزن فُعْلَى: اسمٌ للفَعْلَةِ السَّيئة، بمنزلة الْحُسْنَى لِلْحَسَنَةِ، محمولة على جهة النعت في حَدِّ أَفْعَل وفُعْلَى كالأسوأ والسُّوءَ ى)) (2) .
(شُورَى) الشُّورَى: المشورة. ((وتشاور القومُ واشْتَوَرُوا، والشُّورَى اسم مِنْهُ)) (3) .
(ضُوقَى) الضُّوقَى والضِّيقَى: من الضيق. وهما ((تأنيث الأضيق، صارت الياء واواً؛ لسكونها وضمة ما قبلها)) (4) . وقالت امرأة لضرتها:
ما أنت بالخُورَى ولا الضُوقَى حِرَا الضُّوقَى: فُعْلَى من الضيق، وهي في الأصل الضُّيْقَى، فقلبت الياء واواً من أجل الضمة (5) .
(طُوبَى) ((قال أبو علي: أما طُوبَى من قولهم: طُوبَى لهم فكالشورَى، مصدرٌ وليس بصفة كالكُوسَى. ولو كانت مثلها للزمها لام المعرفة، وانقلبت الواو ياءً فيها، لأنها اسم وليست بصفة كضيزى وحيكى)) (6) . ومن هذا قول الله تعالى: {فطوبى لهم وحُسن مآب} (7) .
(عُتْبَى) العُتْبَى: اسمٌ على فُعْلَى، يوضع موضع الإعتاب، وهو الرجوع عن الإساءة إلى ما يرضي العاتب. والْعُتْبَى: الرِّضا. وأعتبه: أعطاه العُتْبَى ورجع إلى مسرته (8) .
(عُذْرَى) ((الْعُذْرَى: الْمَعْذِرَةُ. وعَذَرَهُ يَعْذِرُهُ عُذْراً وعِذْرَةً وعُذْرَى)) (9) .
__________
(1) اللسان (سكن) .
(2) المصدر السابق (سوأ) .
(3) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي أحمد بن محمد الفيومي 1 / 327.
(4) اللسان (ضيق) .
(5) انظر المصدر السابق.
(6) المخصص 15 / 192.
(7) سورة الرعد: 29.
(8) انظر اللسان (عتب) .
(9) المحكم 2 / 52.(2/172)
((ولي في هذا الأمر عُذْرٌ وعُذْرَى ومَعْذِرَةٌ؛ أي خُرُوجٌ من الذَّنْبِ)) (1) . ((وعَذَرْتُهُ فيما صَنَعَ أَعْذِرُهُ عُذْراً وعُذُراً، والاسم الْمَعْذِرَةُ والعُذْرَى.
قال الشاعر:
لله دَرُّكِ إِنِّي قَدْ رَمَيْتُهُمْ
إِنِّي حُدِدْتُ وَلاَ عُذْرَى لِمَحْدُودِ)) (2)
(عُسْرَى) ((الْعُسْرَى: تأنيث الأعسر من الأمور)) (3) . فتكون اسم تفضيل.
و ((قالوا: الْعُسْرَى: الْعَذَابُ)) (4) وتكون بمعنى الضيق والشدة فتكون اسماً.
(عُقْبَى) ((العُقْبَى: جزاء الأمر. وقالوا: الْعُقْبَى لك في الخير، أي العاقبةُ)) (5) .
((والْعُقْبَى: الْمَرْجِعُ)) (6) . ((وأَعْقَبَ اللهُ فلاناً عُقْبَى نافعة)) (7) .
(غُزْوَى) الغُزْوَى: الغزوة.
(الفتيا) ((الْفُتْيا: المصدر من أَفْتَى يقال: أفتيته فُتْيا)) (8) . ((وأهل المدينة يقولون: الْفَتْوَى)) (9) .
(فُضْلَى) الفُضْلَى: الْفَضِيلَةُ.
(فُقْرَى) ((الْفُقْرَى: أن يعير الرجلُ ظَهْرَ ناقَتِهِ، مأخوذٌ من الفقار. يقال: أفقرتك ظهرها)) (10) .
(قُرْبَى) ((الْقُرْبَى: الدنُوُّ في النسب. والقُرْبَى في الرحم، وهي في الأصل مصدر، وفي التنزيل العزيز: {والجار ذي القربى ... } (11) وتقول: بيني وبينه قرابة، وقُرْبٌ وقُرْبَى)) (12) ..
قال الأزهري: ((الأقارب جمع الأقرب، والْقُرْبَى تأنيث الأقرب)) (13) .
__________
(1) اللسان (عذر) .
(2) الصحاح (عذر) والبيت للجموح الظفري انظر اللسان (عذر) وذكر ابن منظور عن ابن بري أن الصواب: (لولا حددت) لا كما أنشده الجوهري.
(3) اللسان (عسر) .
(4) المصدر السابق.
(5) المصدر السابق (عقب) .
(6) المحكم 1 / 144.
(7) الجمهرة 1 / 313.
(8) الكتاب 4 / 40.
(9) العين 8 / 137.
(10) المخصص 15 / 194.
(11) سورة النساء: 36.
(12) اللسان (قرب) .
(13) التهذيب 9 / 125.(2/173)
(قُصْرَى) ((والْقُصْرَى: آخر الأَمُور)) (1) .
(قْضْيا) الْقُضْيا: القضية.
(كُذْبَى) ((الكُذْبَى: التكذيب. يقال: لا كَذِبَ لك، ولا كُذْبَى ولا مَكْذَبَة ولا كُذْبان ولا تكذيب)) (2) .
(نُعْمَى) النُّعْمَى: ضد البُؤْسَى، وهي الخفض والدَّعَةُ والمال (3) .
(نُهْبَى) ((النُّهْبَى: الانتهاب)) (4) . وقيل: اسم لِلنَّهْبِ. قال الأخطل:
كأنما المسك نُهْبَى بين أَرْحُلِنا
مما تَضَوَّع من ناجودها الجاري (5)
(يُسْرَى) اليُسْرَى: من الْيُسْرِ. قال الله تعالى: {فسنيسره لليُسرى} (6) . وقد تكون اسم تفضيل مؤنث الأيسر.
الفصل الثالث: فُعْلَى صِفَةً:
جاءت صيغة فُعْلَى دالة على الصفة، منها ما كان مؤنثاً لأفعل، ومنها ما كان غير ذلك، وما وجدته في المعاجم من ذلك جعلته في هذا الفصل مرتباً على حروف المعجم. وإليك البيان.
(أُخْرَى) أُخْرَى: يقال ((لا آتيك أُخْرَى الليالي، أي آخرَها. وأخْرَى كلِّ شيءٍ آخرُه)) (7) وهذا من إضافة الصفة إلى الموصوف.
((وقولهم: لا أفعله أُخْرَى الليالي، أي: أَبَداً. وأُخْرَى المنون، أي آخر الدهر، قال:
وما القوم إلا خمسةٌ أو ثلاثةٌ
يخوتونَ أُخْرَى القومِ خوت الأجادل
أي من كان في آخرهم)) (8) .
وقال كعب بن مالك الأنصاري:
أَنْ لا تزالوا، ما تَغَرَّدَ طَائِرٌ
أُخْرَى المَنُونِ، مَوَالياً إخوانا (9)
__________
(1) اللسان (قصر) .
(2) المصدر السابق.
(3) انظر اللسان (نعم) .
(4) المقصور والممدود للقالي ص 242.
(5) شعر الأخطل 119.
(6) سورة الليل: 7.
(7) المخصص 15 / 189.
(8) اللسان (آخر) . والبيت في اللسان (أخر وخوت) وفي الصحاح (خوت) ولم أقف له على قائل.
(9) المصدر السابق. وانظر ديوان كعب بن مالك الأنصاري 287 وفيه
ألا توالوا ما تَغَوَرَّ راكب
أخزى المنون موالياً إخواناً
والذي يظهر لي أن الصحيح ما أثبتته المعاجم.(2/174)
وقوله تعالى: {ومناة الثالثة الأخرى} (1) تأنيث الآخَر، ((ومعنى آخَر شيءٌ غير الأول)) (2) .
(أُنْثَى) ((الأُنْثَى من كلِّ شيءٍ غير الذَّكَرِ)) (3) . وقد أطلقت على المنجنيق في قول العجاج (4) :
وكُلُّ أنْثَى حَمَلَتْ أَحْجَارَا
وبهذا تكون اسم ذاتٍ.
(أولى) ((أولى: أنثى أول. قال أبو النجم:
هيماً تقود الهيم في أُولاَها فهي تهادى نَظَراً أُخْرَاها)) (5)
(بُهْيَا) : بُهْيَا: البَهِيَّةُ الرائِقَةُ، وهي تأنيث الأَبْهَى (6) . وذلك من أوصاف الإبل، كما في قول حُنَيْفِ الحَناتم، وكان من آبل الناس: الرَّمكاء بُهْيَا (7) .
((وقالوا: امْرَأَةٌ بُهْيا، فجاؤوا بها على غير بناء المذكر، ولا يجوز أن يكون تأنيث قولنا: هذا الأبْهَى؛ لأنه لو كان كذلك لقيل في الأنثى: البُهيا، فلزمتها الألف واللام؛ لأن [الألف و] اللام عقيب (من) في قولك أفعل من كذا)) (8) .
وبهذا يكون ابن سيده قد خالف الأزهري في بُهْيا من حيث كونها تأنيث الأَبْهَى فالأزهري يرى ذلك وابن سيده لا يجيزه.
(تُرْنَى) تُرْنَى: هي الزانية. ذهب بعض أهل اللغة إلى أنها فُعْلَى.
وأنكر ابن جني ذلك وقال: القول فيها أنها تُفْعَل من الرُّنُوِّ كتُرْتَب وتُتْفَل، وهو إدامة النظر. ومنه قوله (9) :
كَأْسٌ رَنَوْنَاةٌ وطِرْفٌ طِمِرّ
__________
(1) سورة النجم: 20.
(2) اللسان (أخر) .
(3) المخصص 15 / 190.
(4) ديوانه 416.
(5) المقصور والممدود للقالي ص 234.
(6) انظر التهذيب 6 / 460.
(7) المصدر السابق. والرمكاء: من الرُّمْكة وهي في الإبل أن يشتد كُمْتتها حتى يدخلها سواد.
(8) المحكم 4 / 317.
(9) شعر عمرو بن أحمر الباهلي 62.(2/175)
هي فَعَلْعَلَةٌ من رَنَوْتُ، أَيْ: أَدَمْتُ النظر. والتقاؤهما أنها يُرْنَى إليها وذلك لأنها تُزَنُّ بالرّيبة؛ ولذلك صار ذمّاً، كما قيل لها فَرْتَنَى، فلا يجوز أن تكون تُرْنَى فُعْلَى؛ لأنه ليس مَعَنَا (تَرَنَ)) ) (1) .
وقال الأزهري: ((ويحتمل أن يكون (تُرْنَى) مأخوذة من رُنِيَتْ تُرْنَى إذا أديم النظر إليها)) (2) .
وجعلها القالي في باب ما جاء من المقصور على مثال (تُفْعَل) (3) .
(جُلَّى) ((الجُلَّى: الأمر العظيم، والجمع جُلَلٌ. قال:
فَإِنْ أُدْعَ لِلْجُلَّى أَكُنْ من حُمَاتِها
وإِنْ يَأْتِكَ الأَعْدَاءُ بالجهد اجهد)) (4)
ومنه قول بشامة بن حَزْن النَّهْشَلِيّ (5)
وإِنْ دَعَوْتِ إِلَى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ
يوماً، كِراماً من الأقوامِ فادْعينا
قال ابن الأنباري: ((من ضمّ الجُلَّى قَصَرَهُ، ومن فتح الجيم مَدَّهُ)) (6) .
(جُمْلَى) الجُمْلَى: تأنيث الأجمل، لغة لبعض بني عُقَيْلٍ وبني كلاب (7) .
(حُبْلَى) ((الْحُبْلَى: الحامل من الإنسان خاصة)) (8) . وقيل: كل ذات ظُفُرٍ حُبْلَى.
قال:
أَوْ ذِيخَةٍ حُبْلَى مُجِحٍّ مُقْرِبِ (9)
وقال الليث: سِنَّورَةٌ حُبْلَى وشاة حُبْلَى (10)
__________
(1) المخصص 15 / 193 ولم أقف على قول ابن جني في مصنفاته.
(2) تهذيب اللغة 14 / 270.
(3) المقصور والممدود لأبي علي القالي ص 265. وانظر الفصل الأول (تُرْعى، وتُرْنَى) .
(4) المخصص 15 / 191 والبيت لِطَرَفَةَ بن العبد في ديوانه ص 50.
(5) من الحماسة (14) انظر ديوان الحماسة لأبي تمام 1 / 77.
(6) اللسان (جلل) .
(7) انظر أمالي القالي 1 / 152.
(8) المخصص 15 / 190.
(9) اللسان (جلل) .
(10) التهذيب 5 / 81.(2/176)
(حُجْرَى) ((الْحُجْرَى: الْحُرْمَةُ)) (1) . وجاء في المحكم والقاموس أنها حُجْرِيّ كَكُرْدِيِّ ويكسر (أي الحاء) : الحق والحرمة (2) .
(حُسْنَى) الْحُسْنَى: تأنيث الأحسن، لغة لبعض بني عُقَيْلٍ وبني كلاب (3) .
(حُدْثَى) ورد في الحديث (أن أعرابياً جاء إلى الرسول ش فقال: يا رسول الله! كانت لي امرأة، فتزوجت عليها امرأة أخرى، فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الْحُدْثَى ... ) (4) .
قال ابن الأثير: ((وهي تأنيث الأحدث، يريد المرأة التي تزوجها بعد الأولى)) (5) .
وَحُدْثَى الشباب أُوَّلُهُ قال أبو عمرو الشيباني: ((تقول أتيته في رُبَّى شبابه، ورُبَّان شبابه، وحُدْثَى شبابه، وحَدِيث شبابه، وحِدْثان شبابه بمعنىً واحد)) (6) .
(حُقْرَى) ((يقال للمسبوب ابن حُقْرَى)) (7) .
(حُلْوَى) ((الحُلْوَى: نقيض الْمُرَّى، يقال: خذ الْحُلْوَى وأعطه الْمُرَّى، قالت امرأة في بناتها: صُغراها مُرَّاها)) (8) . قال ابن جني: ((وقالوا: خذ الْحُلْوَى وأَعْطِهِ المُرَّى. فيجوز أن يكون صفة أقيمت مقام الموصوف؛ لأنهم يريدون الحلاوة والمرارة، فمعنى الفعل فيهما)) (9) .
(حُيْكَى) حِيكى: وصف لمشية المرأة. وهي ((في النساء مدح وفي الرجال ذَمٌّ؛ لأن المرأة تمشي هذه المشية من عظم فخذيها، والرجل يمشي هذه المشية إذا كان أفحج)) (10) . واستعمالها بكسر الحاء.
__________
(1) المخصص 15 / 190.
(2) انظر المحكم 3 / 47 والقاموس (حجر) .
(3) انظر الأمالي للقالي 1 / 152.
(4) المسند للإمام أحمد بن حنبل 6 / 339.
(5) النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 351.
(6) اللسان (حدث) .
(7) المخصص 15 / 190.
(8) اللسان (حلا) .
(9) المنصف 2 / 163.
(10) اللسان (حيك) .(2/177)
وجعل سيبويه علة إلزامها وزن (فُعْلَى) مجيئها وصفاً بغير ألف ولام، قال: ((وأما إذا كانت وصفاً بغير ألف ولام فإنها بمنزلة فُعْلٍ منها، يُعْنَى بِيضٌ وذلك قولهم: امرأة حِيكَى. ويدلك على أنها فُعْلَى أنه لا يكون فِعْلَى صفةً)) (1) .
(خُرْسى) ((الخُرْسَى من الإبل: التي لا تَرْغُو. قال:
مَهْلاً أبيت اللَّعْنَ لا تَفْعَلَنَّها
فَتُجْشِمَ خُرْسَاها من العُجْم مَنْطِقا)) (2)
(خُنْثَى) ((الْخُنْثَى الذي لا يَخْلُصُ لِذَكَرٍ ولا أُنْثَى، وجعله كُرَيْعٌ وصفاً فقال: رجل خُنْثَى له ما للذكر والأنثى. والجمع خِنَاثٌ وخَنَاثَى. قال:
لَعَمْرُكَ ما الخِناثُ بنو فلانٍ
بِنِسْوانٍ يَلِدْنَ ولا رجالٍ)) (3)
(خُورَى) وصفت بذلك المرأة فقيل: فلانة الخُورَى، كأنه تأنيث الأخير (4) . وقلبت واوها ياءً فقيل (خِيرَى) .
(رُبَّى) ((الرُّبَّى، على فُعْلَى، بالضم: الشاة التي وضعت حديثاً)) (5) .
ونقل ابن سيده عن أبي عبيد أنه قال: ((هي التي ولدت من الغنم، وإن مات ولدها فهي أيضاً رُبَّى. وقال مرة: هي رُبَّى ما بينها وبين شهرين. وقيل: الرُّبَّى من المعز خاصة. وكان يقال لجمادى الآخرة في الجاهلية رُبَّى)) (6) ؛ ((لأنه يعلم فيه ما أنتجت
حروبهم)) (7) .
ورُبَّى الشباب: أَوَّلُهُ. ((والرُّبَّى: الحاجة، يقال: لي عند فلان رُبَّى. والرُّبَّى: الرَّابَّةُ. والرُّبَّى: العُقْدَةُ الْمُحْكَمَةُ. والرُّبَّى: النعمة والإحسان)) (8) .
__________
(1) الكتاب 4 / 364.
(2) المخصص 15 / 191.
(3) المحكم 5 / 101. والمراد ب (كريع) كراع النمل، ولم أجده فيما رجعت إليه من كتبه.
(4) انظر المخصص 15 / 191، والمحكم 5 / 155.
(5) اللسان (ربب) .
(6) المخصص 15 / 194.
(7) الأزمنة والأمكنة للمرزوقي 1 / 279.
(8) اللسان (ربب) .(2/178)
(رُحْبَى) ((الرُّحْبَى: سمة على جنب البعير)) (1) .
(رُذْلَى) الرُّذْلَى: تأنيث الأرْذَل، لغة لبعض بني عُقَيْلٍ وبني كلابٍ (2) .
(سُرْعَى) السُرْعَى صفة للصهباء من النوق، كما في قول حُنَيْف الحَنَاتم ((والصهباءُ سُرْعَى)) (3) .
(سُفْلى) السُّفْلَى: مُؤَنث الأسفل، وهو اسم تفضيل ومنه قول الله تعالى: س وجعل كلمة الذين كفروا السُّفْلَى ش (4) .
وكذا قول الرسول ش: ((اليد العليا خير من اليد السُّفْلَى)) (5) .
(سُكْرَى) قرأ الأعرج والحسن، بخلاف س وَتَرَى النَّاسَ سُكْرَى وَمَا هُم بسُكْرَى ش (6) .
وكذا أبو زرعة قرأ (سُكْرَى) بضم السين والكافُ ساكنةٌ (7) .
قال ابن جني: ((وأما (سُكْرَى) بضم السين فاسم مفرد على فُعْلَى كالْحُبْلَى والْبُشْرَى. وبهذا أفتاني أبو عَليٍّ وقد سألته عن هذا)) (8) .
(سُلْكَى) ((السُّلْكَى: الطعنة المستقيمة. قال امرؤ القيس (9) :
نَطْعَنُهم سُلْكَى ومَخْلُوجَةً
كَرَّكَ لأْمَيْنِ على نابل
مخلوجة: يمنة ويسرة غير مستقيمة. ويقال: أمرهم سُلْكَى، إذا كانوا على طريق واحد)) (10) .
(سُوَّى) قال الله تعالى: {فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى} (11) قُرِئَ (السُّوَّى) على فُعْلَى بغير همزٍ. وهي قراءة يحيى بن يعمر وعاصم الْجَحْدَريّ (12) .
__________
(1) المخصص 15 / 194.
(2) انظر أمالي القالي 1 / 152.
(3) اللسان (صهب) .
(4) سورة التوبة من آية: 40.
(5) مسند الإمام أحمد 2 / 4 ومواضع أخرى.
(6) سورة الحج: 2.
(7) المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها لابن جني 2 / 72.
(8) المصدر السابق 2 / 74.
(9) ديوانه ص 252.
(10) المخصص 15 / 192.
(11) سورة طه: 135.
(12) إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس 3 / 62.(2/179)
قال أبو جعفر: ((جواز قراءة يحيى بن يعمر والجحدري أن يكون الأصل (السُّوءَ ى) ، والساكن ليس بحاجز حصين فكأنه قلب الهمزة ضمة فأبدل منها)) (1) .
(شُحَّى) ((ابن شُحَّى: الشحيح)) (2) .
(صُبْرَى) صُبْرَى: صفة للحمراء من النوق. نقل الأزهري عن ابن الأعرابي قول حُنَيف الحناتم - وكان آبل الناس - ((الرَّمكاء بُهْيَا، والْحَمْرَاءُ صُبْرَى)) (3) .
(صُغْرَى) : مؤنث الأصغر، اسم تفضيل.
(ضِيزَى) ((الضِّيزَى: التي لا تكون بِعَدْلٍ، وَوَزْنُها فُعْلَى؛ لأن ضِيزَى وَصْفٌ، وفِعْلَى لا تكون صفةً إلا بالهاء نحو: رَجُلٌ عِزْهاةٌ)) (4) .
وذكر الفراء أن بعض العرب يقول: ضُؤزَى بالهمز (5) .
وعلل الأنباري عدم إتيان (ضُوزَى) على الأصل بأنهم كرهوا ضُوزَى حتى لا يصير كأنه من الواو وهو من الياء، فكسروا الضاد، وجعلوا الواو ياءً لانكسار ما قبلها (6) .
قال السجستاني في غريبه: ((ضِيزَى، أي: ناقصة، ويقال جائرة، ويقال: ضازه حقه إذا نَقَصَهُ، وضاز في الحكم إذا جار فيه، وضِيزَى وزنه فُعْلَى، وكُسِرت الضاد للياء، وليس في النعوت فِعْلَى)) (7) .
(طُرْفَى) ((الطُّرْفَى: أبعد نسباً من القُعْدَى. والإقعاد والإطراف كلاهما مدحٌ، فالإقعاد قلّة الآباء، والإطراف كثرة الآباء)) (8) .
(طُولَى) ذُكِرَ أن رسول الله ش كان يقرأ في المغرب بطُولَى الطُّولَيَيْن قال الخطابي: ((يرويه المُحَدِّثون: بِطِوَلِ الطُّولَيَيْنِ، وهو خطأ فاحش، فالطِّوَل الحبل، وإنما هو بطُولَى تأنيث أطول والطُولَيَيْن تثنية طُولَى ... قال الشاعر:
فأعضَضْته الطُّولَى سناماً وخيرها
__________
(1) المصدر السابق.
(2) المخصص 15 / 191.
(3) التهذيب 6 / 112.
(4) المخصص 15 / 191.
(5) معاني القرآن 3 / 98.
(6) المذكر والمؤنث 1 / 217.
(7) غريب القرآن للسجستاني ص 149.
(8) المخصص 15 / 192.(2/180)
بلاءً وخير الخير ما يُتَخَيَّرُ)) (1)
(عُرَّى) ((عُرَّى، كعُزَّى: المعيبة من النساء)) (2) .
(عُلْيَا) ((عُلْيَا مضر، بالضم والقصر: أعلاها)) (3) ... وجمعُها عُلىً (4) .
(غُزْرَى) غُزْرَى: من أوصاف النوق، كما في قول حُنَيف الحناتم: ((الخوارة غُزْرَى)) (5) .
(غُزْوَى) الْغُزْوَى: تأنيث الأغزى، وسبقت في الفصل الثاني بمعنى الغزوة.
(فُضْلَى) الْفُضْلَى: تأنيث الأفضل، لغة لبعض بني عُقَيْلٍ وبني كلاب (6) .
(قُبْحَى) ((الخصلة القُبْحَى: القبيحة)) (7) .
(قُصْرَى) ((سورة النساء الْقُصْرَى: سورة الطلاق)) (8) .
(قُصْوَى) القُصْوَى والقُصْيَا: الغاية البعيدة. وفي التنزيل: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى} (9) . ((بالواو، وهي خارجة على الأصل، وأصلها من الواو. وقياس الاستعمال أن تكون الْقُصْيا؛ لأنه صفة كالدنيا والعُليا. وفُعْلَى إذا كانت صفة قلبت واوها ياءً؛ فرقاً بين الاسم والصفة)) (10) .
(قُعْدَى) ((الْقُعْدَى: التي هي أقعد نسباً)) (11) . والإقعاد: قلة الآباء.
(كُبْرَى) والكُبْرى: خلاف الصُّغْرَى ((يقال هذه الجارية من كُبْرَى بنات فلان ومن صغرى بناته، يريدون [من كبار بناته و] من صغار بناته)) (12) .
(كُرْمَى) الْكُرْمى: تأنيث الأكرم، لغة لبعض بني عُقَيْلٍ وبني كلاب (13) .
(كُوسَى) الكُوسَى: تأنيث الأكيس.
__________
(1) إصلاح غلط المحدثين للخطابي ص 27.
(2) القاموس (عرر) .
(3) المصدر السابق (علو) .
(4) المخصص 15 / 190.
(5) التهذيب 6 / 112.
(6) انظر أمالي القالي 1 / 152.
(7) المخصص 15 / 191.
(8) القاموس (قصر) .
(9) سورة الأنفال: 42.
(10) التبيان في إعراب القرآن 2 / 624، 625.
(11) المخصص 15 / 191.
(12) اللسان (كبر) .
(13) انظر الأمالي لأبي علي القالي 1 / 152.(2/181)
(كُوصَى) ((أثبت بعضهم: رَجُلٌ كِيصَى للذي يأكل وحده، ويجوز أن يكون (فُعْلَى) بالضم، فيكون ملحقاً ب (جُخْدَب) كما في سودد وعوطط، ولا يضر تغيير الضمة بالإلحاق؛ لأن المقصود من الإلحاق - وهو استقامة الوزن والسجع ونحو ذلك - لا يتفاوت به، وإنما قلبت في الاسم دون الصفة فرقاً بينهما، وكانت الصفة أولى بالياء لثقلها)) (1) .
(لُؤْمَى) اللُّؤْمَى: تأنيث الألأم، لغة لبعض بني عُقَيْلٍ وبني كلاب (2) .
(مُثْلَى) ((الْمُثْلَى: الخصلة والطريقة التي هي أمثل. قال أبو جلدة:
وفيك بحمد الله نِكْلٌ لظالمٍ عَنُودٍ عن المُثلَى كثير التكذُّبِ)) (3)
(مُرَّى) الْمُرَّى: من المرارة. ((يقال: ((الخصلة الْمُرَّى)) (4) .
(هُونَى) الهُونَى: صفة للمشي. ((يقال: هو يمشي الْهُونَى والهُوَيْنَى والْهَوْنَ)) (5) . ((ويقال: أخذ أمره بالهُونَى تأنيث الأهون، وأخذ فيه بالْهُوَيْنَى)) (6) . تصغير الهُونَى.
(وُسْطَى) وُصِفَتْ الصلاة بالوسطى، كما في قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} (7) . قال ابن قتيبة: ((الصلاة الوسطى: صلاة العصر، لأنها بين صلاتين في النهار، وصلاتين في الليل)) (8) .
الفصل الرابع: دلالة صيغة فُعْلَى على الجمع:
ليست صيغة (فُعْلَى) من صيغ الجموع بأنواعها، فلا تكون جمع تكسير لقلة ولا لكثرة. ولذا متى دلت على الجمع كانت اسم جمع لا غير.
وقد وردت ألفاظٌ رآها بعض اللغويين دالة على الجمع، من ذلك:
بُهْمَى: اختلف فيها العلماء من حيث بناؤها هذا، هل المراد به المفرد؟ أم هل مفردها بهماة؟
__________
(1) شرح شافية ابن الحاجب للرضي النحوي 3 / 136.
(2) انظر الأمالي للقالي 1 / 152.
(3) المقصور والممدود للقالي ص 245.
(4) المصدر السابق ص 245.
(5) المخصص 15 / 190.
(6) اللسان (هون) .
(7) سورة البقرة: 238.
(8) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص 91.(2/182)
ومنشأ هذا الخلاف النظر في نوع الألف في آخر الصيغة. فَمَنْ قال إن الألف للتأنيث لا يجيز بهماة، ومن قال إن الألف زائدة للإلحاق قال بهماة واحدة. ونَوَّنَ بُهْمىً.
نسب ابن سيده إلى سيبويه أنه قال: بهماة واحدة. وأن أبا علي قال: ليس هذا بالمعروف (1) . والحق أن هذا قول سيبويه إذ النص في الكتاب: ((ولا يكون (فُعْلَى) والألف لغير التأنيث، إلا أن بعضهم قال: بهماة واحدة، وليس هذا
بالمعروف)) (2) .
ونقل ابن سيده عن أبي علي أنه قال: ((والقول في هذه الألف على هذا المذهب أنها زائدة لغير التأنيث ولا للإلحاق، كما أن ألف قَبْعْثَرَى كذلك، فكما لا تمتنع التاء من لحاق قبعثراة كذلك جاز دخولها في بهماة. قال: ويجوز على هذا في ترخيم حُبْلَوِىٍّ فيمن قال: يا حارِ أن يقول يا حُبْلَى؛ لأن هذا البناء فيمن قال (بهماة) ليس يختص بوقوع ألف التأنيث فيه؛ لأن التي في (بهماة) ليست للتأنيث، وقد دخلت في هذا البناء فكذلك تكون التي في (حُبْلَى) ترخيم حُبْلَوِيّ فيمن قال: يا حارِ في القياس وإن كان سيبويه لا يقيس على نحو هذا، وهذه الأوجه الثلاثة التي لا يجوز أن تكون ألف (بهماة) محمولة عليها، إنما هو على مذهب سيبويه، وأما في رأي أبي الحسن فتكون للإلحاق بِجُخْدَب، وقد نفى سيبويه هذا البناء أصلاً)) (3) .
ورأي أبي علي هنا يشير إلى أن الألف لمجرد تكثير الكلمة وتوفير لفظها، وذلك إنما يكون في البناء الذي لا يوجد بناءٌ آخر يلحق به.
أما الرضي فيرى أن بُهْمَى يكون ملحقاً؛ لقولهم (بُهْماة) . قال: ((ويكون بُهْمَى ملحقاً؛ لقولهم (بهماة) على ما حكى ابن الأعرابي، ولا تكون الألف للتأنيث كما ذهب إليه سيبويه)) (4) .
__________
(1) المخصص 15 / 194.
(2) الكتاب 4 / 255.
(3) المخصص 15 / 194.
(4) شرح الشافية 1 / 48.(2/183)
قال المبرد: ((هذا لا يعرف، ولا تكون ألف فُعْلَى، بالضم، لغير التأنيث)) (1) .
وقد جعلها سيبويه في باب ما هو اسمٌ واحدٌ يقع على جميع وفيه علامات التأنيث، وواحدُهُ على بنائه ولفظه، وفيه علامات التأنيث التي فيه. قال: ((وبُهْمًى للجميع وبُهْمَى واحدة)) (2) .
لذلك كانت حكايته ل (بُهماة) على سبيل الشذوذ.
قال ابن سيده: ((وعندي أن من قال (بُهْماةٌ) فالألف عنده ملحقة له بجُخْدَبٍ فإذا نزع الهاء أحال اعتقاده الأول عما كان عليه، وجعل الألف للتأنيث فيما بعدُ، فيجعلها للإلحاق مع تاء التأنيث، ويجعلها للتأنيث إذا فقد الهاء)) (3) .
قال الزجاج: ((كل (فُعْلَى) في الكلام لا تنصرف، ولا تحتاج إلى أن تقول كانت ألفها لِتَأْنِيثٍ؛ لأنها لم تقع في الكلام إلا للتأنيث، نحو (أنثى) و (خنثى) و (طوبى) و (رُجعى) . فإنما تقول: كل فُعْلَى في الكلام لا تنصرف ولا تنونُ فُعْلَى)) (4) .
والذي أراه في هذه المسألة أن الراجح فيها ما ذهب إليه سيبويه أن ألفها للتأنيث، وأنها للمفرد، وتدل على الجمع بلفظها فيقال: بُهْمًى للجمع وبُهْمَى للمفرد، وما ذكر بالتاء ك (بهماة) فشاذ.
وهذا ما أشار إليه الرضي بقوله: ((وقد يكون اسم مفرد في آخره ألف تأنيث مقصورة أو ممدودة، يقع على الجمع نحو حلفاء وطرفاء وبُهْمَى؛ فإذا قصدت الوحدة وصفته بالواحد نحو طرفاء واحدة، وحلفاء واحدة، وبُهْمَى واحدة، ولم يلحق التاء للوحدة إذ لا يجتمع علامتا تأنيث)) (5) .
سُكْرَى: جاء في القراءات الشواذ - كما تقدم - أن الحسن والأعرج قرآ: س وترى الناس سُكْرَى وما هم بسُكْرَى ش (6) وكذا أبو زُرْعة.
__________
(1) اللسان (بهم) .
(2) الكتاب 3 / 596.
(3) المحكم 4 / 243.
(4) ما ينصرف ومالا ينصرف لأبي إسحاق الزجاج 34، 35.
(5) شرح الشافية 2 / 198، 199.
(6) سورة الحج: 2 والقراءة في المحتسب 2 / 72.(2/184)
قال ابن جني: ((وأما سُكْرَى بضم السين فاسم مفرد على فُعْلَى كالْحُبْلَى والبُشْرَى. وبهذا أفتاني أبو علي وقد سألته عن هذا)) (1) .
فيكون هذا دالاًّ على الجمع، من حيث هو صفة للجماعة.
قال العكبري: ((وهو واحد في اللفظ واقع على الجمع، أو هو صفة للجماعة)) (2) .
وقال في التبيان: ((قيل هو محذوف من سكارَى، وقيل هو واحدٌ مثل حُبْلَى، كأنه قال: ترى الأُمَّة سُكْرَى)) (3) .
ضُوقَى: ((قال كراعٌ: والضُّوقَى: جمع ضَيِّقَةٍ)) (4) .
وأنكر ذلك ابن سيده وقال: ((هذا لا يصحُّ، وإنما هو تأنيث الأضيق)) (5) .
وأرى أنها متى وردت في كلام فصيح دالَّةً على الجمع كانت بذلك اسم جمع.
طُوبَى: قال كراعٌ: ((وطُوبَى: جمع طيّبة لا غير)) (6) .
وأنكر ذلك ابن سيده وقال: ((هذا لا يصح)) (7) .
والقول فيها ما قيل في (الضُّوقى) .
قُرْبَى: نَسَبَ الأزهري إلى الليث أنه قال: ((والجمع من النساء قرائب، ومن الرجال أقارب. ولو قيل: قُرْبَى لجاز)) .
قال الأزهري: ((قلت: الأقارب: جمع الأقرب، والقربى تأنيث الأقرب)) (8) .
كُوسَى: قال كراع: ((والكُوسَى والكِيسَى: جمع كَيِّسَةٍ)) (9) .
وأنكر ذلك ابن سيده وقال: ((وعندي أنها تأنيث الأكيس)) .
وأَرَى في كل هذه الألفاظ أنها متى وردت في أساليب عربية فصيحة صح ذلك، وكانت اسم جمع آنئذٍ.
الفصل الخامس: أحكام (فُعْلَى) اللغوية:
لزوم (أل) صيغة (فُعْلَى) واستعمالها بدونها:
__________
(1) المحتسب 2 / 74.
(2) إعراب القراءات الشواذ لأبي البقاء العكبري 2 / 125.
(3) التبيان في إعراب القرآن 2 / 932.
(4) المنتخب من غريب كلام العرب لكراع النمل 2 / 557.
(5) المخصص 15 / 191.
(6) المنتخب 2 / 557.
(7) المخصص 15 / 192.
(8) التهذيب 9 / 125.
(9) المنتخب 2 / 557.(2/185)
صيغة (فُعْلَى) في العربية - كما مر في ثنايا هذا البحث - تكون اسم ذات، واسم معنى، وصفة ودالة على الجمع في ألفاظ محصورة.
فأما اسم الذات فيعرف وينكر، وأحياناً يكون معرفة بغير الألف واللام كما ورد في (طُوبَى) اسم شجرة في الجنة..
قال ابن سيده: ((كأنها سميت بتأنيث الأطيب، وسقطت منها الألف واللام في حد العلمية، فَخُرِّجَ على حَسَنٍ وحارثٍ، كما سَمَّو الجنة الحُسْنَى، إلا أن الحُسْنَى خُرِّجَتْ على الحَسَن والحارث)) (1) .
وكما في (أُبْلَى، وبُصْرى، وتُبْنَى، وتُرْعَى ... ) ونحو ذلك مما هو اسم مكان أو مدينة ونحوها.
وكذا إذا كان اسم معنى فإنه يكون ب (أل) وبدونها ك (زُلْفَى وقُرْبَى وأُثْرَى) ونحو ذلك.
وكذا إذا دل على الجمع فإنها تدخل عليه (أل) ويخلو منها ك (طُوبَى والطُّوبَى وكُوسَى والكُوسَى) ونحو ذلك.
أما إذا كانت صفة فإنها حينئذ تكون تأنيث (أَفْعَل) و ((الوجه استعمال (فُعْلَى أَفْعَل) بأل أو بالإضافة، ولذلك لُحِّنَ من قال (2) :
كأن صُغْرَى وكُبْرَى من فقاقعها ... حَصْباءُ دُرٍّ عَلَى أرضٍ من الذَّهَبِ
وقول بعضهم إن (مِنْ) زائدة وإنهما مضافان على حد قوله:
...............................
بين ذراعيْ وجبهة الأسد (3)
يَرُدُّه أن الصحيح أن (مِنْ) لا تقحم في الإيجاب، ولا مع تعريف المجرور، ولكن ربما استعمل أفعل التفضيل الذي لم يُرَدْ به المفاضلة مطابقاً مع كونه مجرداً. قال:
إذا غاب عنكم أسود العين كنتم
كراماً، وأنتم ما أقام ألائم (4)
__________
(1) المخصص 15 / 192.
(2) هو أبو نواس في ديوانه ص 39.
(3) عجز بيت صدره:
يا من رأى عارضاً أُسَرُّ به
...................................
وينسب للفرزدق وهو من فوائت الديوان استشهد به سيبويه في الكتاب 1 / 180.
(4) البيت للفرزدق وليس في ديوانه وهو من شواهد المغني برقم (708) .(2/186)
أي لئام، فعلى هذا يتخرج البيت، وقول النحويين صُغْرَى وكُبْرَى، وكذلك قول العروضيين: فاصلة صُغْرَى، وفاصلة كُبْرى)) (1) .
وقال ابن سيده: ((والذي حكى في الدُّنْيا دُنْيا إنما هو أبو علي، رواه عن أبي الحسن وأنشد:
في سَعْي دُنْيا طالما قد مُدَّتِ)) (2)
وفي العصر الحاضر ناقش مجمع اللغة في القاهرة قضية تجرد (فُعْلَى) مؤنث (أفعل) من (أل) والإضافة و (من) مرة بمناقشة مصطلح مثل (حرارة عُلْيا) و (سلع دُنيا) وأخرى بمناقشة القضية كما فعل الأستاذ محمد شوقي أمين حينما ناقش صيغة (فُعْلَى) وجواز استعمالها مجردة من (أل) . وانتهى إلى القول: ((ونحن في الحق محتاجون إلى تسويغ ما تجري به أقلام الكتاب المحدثين في استعمالاتهم العصرية، من نحو قولهم: هذه سياسة عُلْيا، وتلك مكرمة جُلَّى، وله يدٌ طُولَى، ويخشى وقوع حَرْبٍ عُظْمَى، وإليك كلمةٌ أولَى....
وأمثال هذه العبارات إنما تجاز على أن الصيغة فيها مسلوبة التفضيل، مؤولة باسم الفاعل أو الصفة المشبهة، بشرط ألا يتعين قصد التفضيل في سياق التعبير، وإلا وجب التذكير)) (3) .
وهذا معنى قول ابن الدهان: ((يجوز استعمال (أفعل) عارياً عن اللام، والإضافة، ومِنْ، مجرداً من معنى التفضيل، مؤولاً باسم الفاعل أو الصفة المشبهة، قياساً عند المبرد، سماعاً عند غيره. قال:
قُبِّحْتُمُ يا آل زيدٍ نَفَرا
أَلأَمُ قَوْمٍ أَصْغَراً وأَكْبَرا
__________
(1) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري 497، 498.
(2) المخصص 15 / 193.
(3) محاضر جلسات مجمع اللغة العربية بالقاهرة في الدورة الثامنة والثلاثين (من 14 /8 /1391 هـ إلى 16 / 4 / 1392 هـ) الموافق (4 أكتوبر 1971 م إلى 29 مايو 1972 م) ص 429 - 431.(2/187)
أي: صغيراً وكبيراً. ومنه قولهم: نُصَيْبٌ أَشْعَرُ الحبشة، أي: شاعرهم، إذ لا شاعر فيهم غيره)) (1) .
وبهذا يتبين أنه لا مانع من التجوز في هذه الصيغة؛ لأنه يركن إلى دليل من السماع، واستخدام علماء اللغة، والتجوز في ذلك مما تقبله أصول اللغة.
جمع صيغة فُعْلَى:
ما جاء على وزن (فُعْلَى) إما أن يكون وصفاً أو اسماً. فإن كان وصفاً مؤنثاً لأفعل فإن قياس جمع المؤنث (فُعَل) .
فتقول في الكُبْرَى: الْكُبَر، وفي الصُّغْرَى: الصُّغَر، وفي الأُولَى: الأُول، وفي الأخرى - تأنيث الآخر - الأُخَر، وفي الْفُضْلَى: الْفُضَل، وفي العُلْيا: الْعُلَى، وفي الدنيا - تأنيث الأدنى - الدُّنَى (2) . ((وهي الكُرْمَى والفُضْلَى والْحُسْنَى والجُمْلَى والرُّذْلَى واللؤْمَى، وهُنَّ الرُّذَل والنُّذَل واللؤَم)) (3) .
ويجمع بالألف والتاء. تقول: الصغريات، والكبريات (4) ، والأوليات، والأخريات، والفضليات.
ومعلوم أن أوزان الجموع وضعت على الأوسع رواية، والأقوى في القياس ولذلك لم تجمع أقصى الجموع؛ فرقاً بينها وبين نحو (أَنْثَى) و (صَحْرَاء) (5) .
__________
(1) المصباح المنير 2 / 709. وانظر ما نقله عن المبرد في المقتضب 3 / 245، 246.
(2) انظر شرح الشاطبي على الألفية مخطوط لوحة 259.
(3) الأمالي لأبي علي القالي 1 / 152 وقد وهم الدكتور موسى العبيدان في بحثه (لهجة بني كلاب) إذ ذكر في جموع التكسير أن هذه الألفاظ تجمع على (فُعَّل) بتشديد العين، ونقل عن القالي ذلك، وما عند القالي هو بفتح العين من غير تضعيف، فلعله نقله من مصدر آخر، وعزاه إلى أمالي القالي، أو لعله وَهْمٌ منه. انظر لهجة بني كلاب ص 177.
(4) المقتضب 2 / 215.
(5) انظر شرح الشافية 2 / 166.(2/188)
أما إن كان اسماً فلا يجمع هذا الجمع نحو: أُبْلَى، والحُمَّى، وحُزْوَى، والقُصْرَى، وسُعْدَى، وبُهْمَى. وما جاء من الأسماء على فُعَل فشاذٌّ نحو الرُّؤْيا والرُّؤَى، والسُّقْيَا والسُّقَى، وأنشد ابن الأعرابي لعبد الله بن حجاج أبي الأقرع:
وإن أراد النومَ لم يَقْضِ الكَرَى
من هَمِّ مالاقَى وأهوال الرُّؤَى (1)
وإذا كان وصفاً غير تأنيث الأفعل لم يجمع على (فُعَل) نحو حُبْلَى، وأُنْثَى، وأُخْرَى - أنثى آخِر بكسر الخاء - ورُبَّى (2) .
وإنما يجمع على حَبَالَى، وإِنَاث، وأُخْرَيات، ورُبابٌ مع أن المعروف أن وزن (فُعَال) من أبنية المصادر والمفردات، ولكنه ورد جمعاً نادراً في كلمات منهن (رُبَّى) (3) . قال الرضي: ((وكان حق (رُبَّى) أن يجمع على (رِباب) بكسر الراء، لكنه قيل (رُباب) بالضم، وليس بِجَمْع، بل هو اسم جمع ك (رُخال) و (تؤام)) ) (4) .
وبهذا يكون الرضي عَدَّهُ اسم جمعٍ لكونه دَلَّ على الجمع وليس من أوزانه.
أحكام (فُعْلَى) في الإعلال:
عُرِف عن الصرفيين أنواعٌ من الإعلال، منها قلب الواو ياءً، وقلب الياء واواً وَفقاً لقواعد منضبطة. فما خرج عن تلك القواعد كان شاذاً في القياس.
وصيغة (فُعْلَى) من تلك الأبنية التي خرجت عن قواعد الإعلال، لأسباب داعية لذلك. وسأعرض لذلك في مباحث:
المبحث الأول: ما ثبتت فيه الياء على حالها، وكان حقها أن تقلب واواً. وذلك في:
حِيكَى: تحدث سيبويه عن قلب الياء واواً، وأن ذلك يكون في (فُعْلَى) إذا كانت اسماً، ((أما إذا كانت وصفاً بغير ألف ولام فإنها بمنزلة (فُعْلٍ) منها، يُعْنَى بِيضٌ.
__________
(1) انظر شرح الشاطبي على الألفية مخطوط لوحة 259.
(2) انظر المصدر السابق.
(3) انظر تصريف الأسماء لمحمد الطنطاوي 219.
(4) شرح الشافية 2 / 166، 167.(2/189)
وذلك قولهم: امرأة حِيكَى. ويدلك على أنها فُعْلَى أنه لا يكون فِعْلَى صِفَةً)) (1) . وبهذا يظهر أن سيبويه يرى أن أصلها: حُيْكَى، فكرهت الياء بعد الضمة، وكُسِرت الحاء لتسلم الياء (2) .
ومثل ذلك {قِسْمةٌ ضِيزَى} قال ابن سيده: ((ووزنها فُعْلَى، لأن ضِيزَى وصفٌ، وفِعْلَى لا تكون صفة إلا بالهاء نحو: رجل عِزْهاةٌ. وقد قيل ضُوزَى على الأصل.
قال أبو علي: إنما أبدلت الضمة فيها كسرة؛ كراهية الضمة والواو، مع العلم أن (فُعْلَى) من أبنية الصفات، وليس هذا ك (بِيض) لبعدها من الطرف)) (3) .
وكل ذلك إنما يكون في الصفة دون الاسم؛ لأنهم أرادوا بهذا الفصل بين الاسم والصفة، ف ((أما ما كان من ذلك اسماً فإن ياءه تقلب واواً، لِضمَّةِ ما قبلها. وذلك نحو قولك: الطُّوبَى والكُوسَى. أخرجوه بالزيادة من باب بيض ونحوه)) (4) .
وأوضح الرَّضِيُّ ذلك بقوله: ((وجعل ياء (فُعْلَى) صفة ك (حِيكَى) , و (ضيزَى) كالقريبة من الطرف؛ لخفة الألف مع قصد الفرق بين (فُعْلَى) اسماً وبينها صفة، والصفة أثقل، والتخفيف بها أولى، فقيل طُوبَى في الاسم وضيزَى في الصفة)) (5) .
وإن كان هذا الإبقاء ليس بلازمٍ عند ابن مالك إذ قال في الكافية الشافية:
فإن يكن عيناً ل (فُعْلَى) وصفا
فذاك بالوجهين عنهم يُلْفَى
قال في الشرح: ((أي: فإن يكن الياء المضموم ما قبله عيناً ل (فُعْلَى) وصفاً جاز تبديل الضمة كسرة، وتصحيح الياء، وإبقاء الضمة وإبدال الياء واواً. كقولهم في أنثى الأَكْيَس والأَضْيَق: الكِيسى والضِّيقَى والكُوسَى والضُّوقَى)) (6) .
ومثل حِيْكَى وضيزى، كِيصَى للذي يأكل وحده وخِيرَى. وما شابه ذلك.
__________
(1) الكتاب 4 / 364.
(2) انظر اللسان (حيك) .
(3) المخصص 15 / 191، 192.
(4) المقتضب لأبي العباس المبرد 1 / 304.
(5) شرح الشافية 3 / 86.
(6) شرح الكافية الشافية لابن مالك 2120.(2/190)
المبحث الثاني: ما قلبت فيه الواو ياءً طلباً للتخفيف، وفصلاً بين الاسم والصفة:
إذا جاء الاسم على بناء (فُعْلَى) ولامه واو؛ فقد ((حصل فيه نوع ثقل بكون الضمة في أول الكلمة والواو قرب الآخر، فقصد فيه مع التخفيف الفرق بين الاسم والصفة، فقلبت الواو ياء في الاسم دون الصفة؛ لكون الاسم أسبق من الصفة فَعُدِّلَ بقلب واوه ياءً، فَلَمَّا وُصِلَ إلى الصِّفَةِ خُلِّيَت؛ لأجل الفرق بينهما)) (1) .
من ذلك الدنيا فالياء فيها منقلبة عن الواو، وهذا من حيث القياس شاذٌّ؛ لأن الواو تقلب ياءً فيما جاوز الثلاثة، و (الدنيا) لم يجاوز الثلاثة.
ومثل الدنيا العليا والقصيا، وأضاف سيبويه أن من أسباب الإبدال في هذا الموضع هو التكافؤ في التغيير، فلما أبدلوا الواو مكان الياء في فَعْلَى أبدلوا الياء مكان الواو في فُعْلَى اسماً لتتكافئا (2) .
وهذه الأمثلة التي ذكرها سيبويه صفات غالبة تجري مجرى الأسماء، ولذلك كانت الأمثلةَ على هذه المسألة، ومن ثَمَّ ذكر ابن مالك أن هذا القلب يجري في الصفة دون الاسم (3) . وفرق ابن الحاجب بين القُصْوَى والغُزْوَى والقُضْيا فجعل القُصْوَى اسماً والغُزْوَى والقُضْيا صفة. قال الرضي: ((فعلى هذا في جعل المصنف القُصْوَى اسماً والغُزْوَى والقُضْيَا تأنيثي الأغزى والأقضى صفةً نظرٌ، لأن الْقُصْوَى أيضاً تأنيث الأَقْصَى، قال سيبويه: وقد قالوا الْقُصْوَى، فلم يقلبوا واوها ياءً، لأنها قد تكون صفة بالألف واللام. فعلى مذهب سيبويه الْغُزْوَى وكل مؤنث لأفعل التفضيل لامه واوٌ قياسُهُ الياء، لجريه مجرى الأسماء)) (4) .
وقد أوضح ابن مالكٍ أن الْقُصْوَى شَذَّتْ عن أخواتها عند غير تميم. فقال:
__________
(1) شرح الشافية 3 / 178.
(2) انظر الكتاب 4 / 389.
(3) انظر شرح الكافية الشافية ص 2122.
(4) شرح الشافية 3 / 178، 179.(2/191)
((تبدل الياء من الواو لاماً ل (فُعْلَى) صفة محضة، أو جارية مجرى الأسماء، إلا ما شَذَّ كالحُلْوَى بإجماعٍ، والقُصْوَى عند غير تميم)) (1) .
قال ابن جني تعليقاً على قول المازني (وإن جاء القُصْوَى) : ((يقول: لا تنكر أن تأتي (فُعْلَى) اسماً أيضاً على الأصل، فإنها شاذة، وأصلها أيضاً الوصف، فيجوز أن تكون خرجت على الأصل، لأنها في الأصل صفة؛ فجعل ذلك تنبيهاً على أنها في الأصل صفة)) (2) .
وقد جاءت (بُهيا) صفةً، والواو فيها قلبت ياءً لعلة أخرى، قال ابن سيده: ((ليست الياء في (بُهْيا) وضعاً، إنما هي الياء التي في الأبهى، وتلك الياء واوٌ في وضعها، وإنما غلبتها إلى الياء لمجاوزتها للثلاثة)) (3) .
أما إذا كان الناقص الذي على وزن (فُعْلَى) ولامه واوٌ صِفَةً فإنها لا تقلب لامه ياءً. ولم يذكروا أمثلة لهذا النوع، وإنما ذكروه هكذا من غير أمثلة. وقد أدرك ذلك السيرافي فقال: ((لم أجد سيبويه ذكر صفة على (فُعْلَى) بالضم مما لامه واوٌ إلا ما يستعمل بالألف واللام، نحو الدنيا والعليا، وما أشبه ذلك، وهذه عند سيبويه كالأسماء، قال: وإنما أراد أن (فُعْلَى) من ذوات الواو إذا كانت صفة تكون على أصلها، وإن كان لا يحفظ من كلامهم شيءٌ من ذلك على فُعْلَى؛ لأن القياس حمل الشيء على أصله حتى يتبين أنه خارج عن أصله، شاذٌ عن بابه)) (4) .
وقد نظرت فيما جمعت من ألفاظ، فلم أجد فيها شيئاً يمكن أن يُمَثَّلَ به على هذه المسألة.
__________
(1) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك 309.
(2) المنصف 2 / 162.
(3) المحكم 4 / 317.
(4) شرح الشافية 3 / 179.(2/192)
أما إذا كان الناقص الذي على وزن (فُعْلَى) يائياً فإنها ((لا تقلب لامه - اسماً كان أو صفة - لحصول الاعتدال في الكلمة بثقل الضمة في أولها، وخفة الياء في آخرها، فلو قلبت واواً لكان طرفا الكلمة ثقيلين)) (1) . وكذلك حملاً ل (فُعْلَى) في هذا على (فَعْلَى) .
قال المازني: ((وتجري (فُعْلَى) من هذا الباب من الياء على الأصل اسماً وصفة كما جرت (فَعْلَى) من الواو على الأصل اسماً وصفة)) .
قال ابن جني: ((قوله (من ذا الباب) يريد من باب مالامه معتلة. يقول: فكما قلت في الاسم (عَدْوَى) وفي الصفة (شَهْوَى) فأجريتهما على الأصل في الاسم والصفة من باب (فَعْلَى) كذلك تجري (فُعْلَى) من الياء على الأصل اسماً وصفة؛ لأن (فُعْلَى) في هذه الجهة نظيرة (فَعْلَى) في تلك الجهة. فإذا كانوا قد قلبوا الواو إلى الياء في (الدُّنيا والعُلْيا) فهم بأن يُقِرُّوها فيما هي فيه أصلٌ أجدر.
هذا مع أن القياس ألاَّ يقلب الأخف إلى الأثقل، فإذا جاء الشيء على ما ينبغي فلا مسألة فيه، ولا اعتراض عليه)) (2) .
المبحث الثالث: ما ثبتت فيه الواو على حالها، ولم تقلب ياءً.
سبق بيان وضع لام الناقص إذا كان واويّاً اسماً غير صفة، وذلك بقلب الواء ياءً طلباً للتخفيف، وفصلاً بين الاسم والصفة وقد جاء في كلامهم (حُزْوَى) اسم موضع، ولم تقلب الواو ياءً.
قال ابن جني فأما (حُزْوَى) فَعَلَمٌ، ولا يُنْكَرُ في الأعلام كَثِيرٌ من التغيير نحو (حَيْوَة) و (مَزْيَدٍ) و (مَحْبَب) (3)
__________
(1) المصدر السابق 3 / 178.
(2) المنصف لابن جني 2 / 161، 162.
(3) سر صناعة الإعراب لابن جني 2 / 735، 637.
المصادر والمراجع
الأزمنة والأمكنة، لأبي علي أحمد بن محمد المروزقي (ت 421 هـ) ، تقديم سعيد المرزوقي وعبد اللطيف شرارة، طبع على نفقة علي بن عبد الله آل ثاني حاكم قطر.
الأزمنة وتلبية الجاهلية لأبي علي محمد بن المستنير المعروف بقطرب المتوفي بعد (206 هـ) تحقيق مؤسسة الرسالة بيروت، ط. ثانية 1405 هـ - 1985 م.
إصلاح غلط المحدثين، للخطابي (ت 388 هـ) ، تحقيق د/ حاتم الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. ثانية 1405 هـ / 1985 م.
إعراب القراءات الشواذ، لأبي البقاء العكبري (ت 616 هـ) ، دراسة وتحقيق محمد السيد أحمد عزوز، عالم الكتب، بيروت - لبنان، ط. أولى 1417هـ/ 1996 م.
إعراب القرآن، لأبي جعفر النحاس (ت 338 هـ) ، تحقيق د/ زهير غازي زاهد، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، ط. ثانية 1405 هـ / 1985م.
الأمالي، لأبي علي القالي (ت 356 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء العكبري (ت 616 هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه.
تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، لابن مالك (ت 672 هـ) ، حققه وقدم له محمد كامل بركات، مطبوعات وزارة الثقافة، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر 1387 هـ / 1967 م.
تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة (ت 276 هـ) ، تحقيق أحمد صقر، دار إحياء الكتب بالقاهرة 1958 م.
تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (282 - 370 هـ) ، تحقيق
عبد السلام هارون وآخرين، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1384 هـ / 1964 م.
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (ت 671 هـ) ط. أولى 1367 هـ، القاهرة.
جمهرة اللغة، لابن دريد (ت 321 هـ) ، صورة عن طبعة الهند سنة 1345 هـ.
الحماسة، لأبي تمام حبيب بن أوس الطائي (ت 231 هـ) ، تحقيق د/ عبد الله بن
عبد الرحيم عسيلان، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1401 هـ / 1981م.
الحيوان، لأبي عثمان الجاحظ (150 - 255 هـ) ، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، المجمع العلمي العربي الإسلامي، دار إحياء التراث العربي.
خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي (1030 - 1093 هـ) ، دار صادر، بيروت.
ديوان أبي نواس (الحسن بن هاني ت 195 هـ) ، شرح علي فاعور، دار الكتب العلمية،
بيروت - لبنان، ط. أولى 1407 هـ / 1987 م.
ديوان الأدب لأبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي (ت 350 هـ) تحقيق د/ أحمد مختار عمر ومراجعة د/ إبراهيم أنيس، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1395 هـ - 1975 م.
ديوان الأعشى الكبير، قدم له د/ حنا نصر، دار الكتاب العربي، ط. أولى 1412هـ/ 1992م.
ديوان امرئ القيس، حققه حنا الفاخوري، دار الجيل، بيروت، ط. أولى 1409هـ/ 1989م.
ديوان أوس بن حجر، تحقيق د/ محمد يوسف نجم، دار صادر - بيروت 1380 هـ.
ديوان الراعي النميري، جمعه وحققه راينهرت، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت 1401 هـ / 1980 م.
ديوان شعر ذي الرمة (غيلان بن عقبة العدوي (77 - 117 هـ) ، عُنِيَ بتصحيحه وتنقيحه كاريل هنري، عالم الكتب، صورة.
ديوان الصمة بن عبد الله القشيري (ت 95 هـ) ، جمع وتحقيق د/ عبد العزيز الفيصل، نشر في العدد الحادي عشر من مجلة كلية اللغة العربية - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ديوان طرفة بن العبد، حققه فوزي عطوي ونشرته الشركة اللبنانية للكتاب،
بيروت - لبنان، ط. أولى 1969 م.
ديوان العجاج برواية الأصمعي وشرحه، عُني به د/ عزة حسن، مكتبة دار الشرق، بيروت.
ديوان كُثَيِّر عزة، قدم له وشرحه مجيد طراد، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، ط. أولى 1413 هـ / 1993 م.
ديوان كعب بن مالك الأنصاري، دراسة وتحقيق سامي مكي العاني، مكتبة النهضة - بغداد، ط. أولى 1386 هـ / 1966 م.
سر صناعة الإعراب، لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 392 هـ) ، تحقيق د/ حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، ط. ثانية 1413 هـ / 1993 م.
شرح أشعار الهذليين، للسكري (ت 275 أو 290 هـ) ، تحقيق عبد الستار أحمد
فراج، مراجعة محمود شاكر، مكتبة دار العروبة، القاهرة.
شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري، تحقيق د/ إحسان عباس، الكويت 1962 م.
شرح الشاطبي على الألفية، مخطوط وهو الآن تحت الطبع بعد تحقيقه من لجنة من الأساتذة الأجلاء في جامعة أم القرى.
شرح شافية ابن الحاجب، للرضي النحوي (686 هـ) ، تحقيق محمد نور الحسن
وزميليه، دار الكتب العلمية 1402 هـ / 1982 م، بيروت - لبنان.
شرح الكافية الشافية، لابن مالك (ت 672 هـ) ، تحقيق د/ عبد المنعم هريدي، مطبوعات جامعة أم القرى، ط. أولى 1402 هـ / 1982 م.
شعر الأخطل رواية اليزيدي عن السكري عن ابن الأعرابي، مطابع أوفست علي بن
علي، الدوحة - قطر 1381 هـ / 1962 م.
شعر عمرو بن أحمد الباهلي، جمع وتحقيق د/ حسين عطوان، دمشق 1394 هـ.
شعر النجاشي الحارثي، جمعه د/ سليم النعيمي، مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد 13، بغداد 1966 م.
شعر النمر بن تولب، صنعة د/ نوري حمودي القيسي، مطبعة المعارف - بغداد.
الشعر والشعراء (أو طبقات الشعراء لابن قتيبة (276 هـ) ، تحقيق د/ مفيد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت ط. أولى 1401 هـ / 1981 م.
الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) ، للإسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393 هـ) ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار الكتاب العربي بمصر.
العين، للخليل بن أحمد (ت 100 - 175 هـ) ، تحقيق د/ مهدي المخزومي ود/ إبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة ط. الثانية في إيران 1409 هـ.
غريب القرآن (نزهة القلوب في غريب القرآن الكريم) ، لمحمد بن عزيز السجستاني (ت 330 هـ) .
القاموس المحيط للفيروزآبادي (739 - 817 هـ) ، دار الجيل، بيروت.
كتاب سيبويه أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (ت 180 هـ) على الأرجح، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، عالم الكتب، ط. ثالثة 1403 هـ / 1983 م.
لسان العرب، لابن منظور، دار الفكر - صورة.
لهجة بني كلاب د/ موسى مصطفى العبيدان، دار البلاد للطباعة والنشر، جدة، ط. أولى 1418 هـ / 1997 م.
ما ينصرف ومالا ينصرف، لأبي إسحاق الزجاج (230 - 331 هـ) ، تحقيق د/ هدى محمود قراعة، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط. ثانية 1414 هـ / 1994 م.
محاضر جلسات مجمع اللغة العربية بالقاهرة في الدورة الثامنة والثلاثين 1392 هـ / 1972 م.
المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي (ت 245 هـ) برواية السكري عنه اعتنت بتصحيحه د/ إيلزه ليحتن، طبع في مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية سنة 1361 هـ / 1942م.
المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، تأليف أبي الفتح عثمان بن جني تحقيق علي النجدي ناصف ود/ عبد الفتاح شلبي، الجمهورية العربية المتحدة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
المحكم والمحيط الأعظم، لعلي بن إسماعيل بن سيده (ت 458 هـ) ، معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، ط. أولى 1388 هـ / 1968 م.
المخصص، لابن سيده (ت 458 هـ) ، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، دار الباز - مكة المكرمة - صورة.
المذكر والمؤنث لأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري (ت 328 هـ) تحقيق د/ طارق الجنابي، دار الرائد العربي، بيروت - لبنان، ط. ثانية 1406 هـ / 1986 م.
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، لأحمد بن محمد الفيومي تحقيق د/ عبد العظيم الشناوي (ت 770 هـ) ، المكتبة العلمية، بيروت - لبنان.
المسند للإمام أحمد بن حنبل (241) المكتب الإسلامي - بيروت، صورة.
معاني القرآن الكريم للإمام أبي جعفر النحاس (ت 338 هـ) ، تحقيق الشيخ محمد علي الصابوني، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط. أولى 1409 هـ / 1988 م.
معجم البلدان، لياقوت الحموي (ت 626 هـ) ، دار صادر - بيروت.
معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي
(ت 487 هـ) حققه وضبطه مصطفى السقا، ط. أولى 1364 هـ / 1945 م، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة.
مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام الأنصاري (ت 761 هـ) ، تحقيق د/ مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، دار الفكر، بيروت، ط. خامسة.
المقتضب، لأبي العباس المبرد (210 هـ - 285 هـ) ، تحقيق الشيخ محمد عبد الخالق عضيمه، مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 1399 هـ.
المقصور والممدود لأبي علي القالي إسماعيل بن القاسم (280 هـ - 356 هـ) تحقيق ودراسة د/ أحمد عبد المجيد هريدي، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط. أولى 1419 هـ / 1999 م.
المنتخب من غريب كلام العرب، لكراع النمل (ت 310 هـ) ، تحقيق د/ محمد العمري، مطبوعات جامعة أم القرى، ط. أولى 1409 هـ / 1989 م.
المنصف، لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 392 هـ) ، تحقيق إبراهيم
مصطفى وعبد الله أمين، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط. أولى 1373هـ/ 1954م.
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (544 - 606 هـ) ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناجي المكتبة العلمية - بيروت.(2/193)
فكما تُوُسِّعَ في قلب الياء واواً بدون مقتضٍ لذلك في (حيوة) وتصحيح الواو والياء مع أن القياسَ الإعلال بالنقل والقلب في (حيوة ومزيد) وعدم الإدغام في (محبب) كذلك تُوُسع في (حُزْوَى) لأن الأعلام كثيراً ما تأتي مخالفة للأصول.
• • •
نتائج البحث:
بعد العرض المتقدم لصيغة (فُعْلَى) وأحكامها انتهى البحث إلى النتائج التالية:
صيغة (فُعْلَى) من الصيغ المختصة بالأسماء، واستعملتها العرب على وجوهٍ شَتَّى، فاستعملتها اسْمَ ذاتٍ، واسْمَ مَعْنىً، وصفةً،
وجاءت ألفاظٌ قال بعض العلماء: إن المراد بها الجمع مثل ضُوقَى، وكُوسى، وبُهْمى، وإذا وجد شيء من ذلك فآنئذٍ تكون اسم جَمْعٍ.
الوجه في استعمال (فُعْلَى) تأنيث (أَفْعَل) أن تكون ب (أل) أو الإضافة.
وما جاء في بعض الشعر أو العبارات بغيره أمكن التّجَوُّزُ في قبوله، لأن ذلك مما تقبله أصول اللغة.
يعود القياس في جمع صيغة (فُعْلَى) إلى نوع الكلمة التي جاءت على هذه البنية، فإن كانت تأنيث (أَفْعَل) فلجمعها صيغ خاصة،
وإن كانت غير ذلك فلها كذلك أحوال وصيغ.
- أحكام (فُعْلَى) في الإعلال تخضع لنوعها من حيث الاسمية والوصفية؛ لأن لكل منهما أثره من حيث الإعلال وعدمه.
- ذكر العلماء في جملة أحكام (فُعْلَى) من حيث الإعلال أن (فُعْلَى) إذا كانت من ذوات الواو صِفَةً فإنها تبقى على أصلها، ولا تقلب واوها ياءً، كما يكون إذا كانت اسماً، ولم يذكروا أمثلة لذلك، وإنما حملهم على ذلك القياس؛ لأن الشيء يُحْمَل على أصله حتى يتبين أنه خارج عنه.
وقد نظرت فيما جمعت من ألفاظ فلم أجد فيها شيئاً يمكن أن يُمَثَّل به على ذلك.
وبالله التوفيق.
الهوامش والتعليقات(2/194)
التداخل في اللغات
دراسة لغوية قرآنية
د. منيرة بنت سليمان العلولا
أستاد النحو والصرف المساعد في قسم اللغة العربية - كلية التربية
للبنات بالرياض
ملخص البحث
يبحث موضوع الدراسة في حقيقة التداخل في اللغات العربية القديمة، وهو موضوع نحوي، صرفي، لغوي، يعني أن يأخذ متكلم بلغة ما من لغة غيره فينطق باللغتين معاً وله صور منها: التداخل في كلمتين بحيث يؤخذ الماضي من لغة والمضارع من لغة أخرى نحو: رَكَنَ يَرْكَن.
وفي ذلك لغتان هما: ركَن يَرْكُن كنَصرَ ينصرُ
وركِن يركَن كعَلِم يَعْلَم
فتداخلت اللغتان فتركب لغة ثالثة هي: ركَن يَرْكَن بالفتح فيهما. ومن صوره التداخل في كلمة واحدة نحو: “ الحٍبُك ” بكسر فضم.
وفيها لغتان فصيحتان هما: الحُبُك: بضمتين، وبها قراءة الجمهور، والحِبِك بكسرتين.
تداخلت اللغتان فتركبت لغة ثالثة قرأ بها بعض القراء هي (الحِبَك) بكسر فضم.
وقد اختلف العلماء في حكم التداخل: فمنهم من أجازه بلا قيد أو شرط، ومنهم من قيَّده فاشترط عدم استعمال لفظ مهمل البناء.
ومنهم من منعه، حمل ما جاء منه على الشذوذ، والرأي الأخير ضعيف لوجود الظاهرة في القرآن الكريم في بعض القراءات، وفي كلام العرب شعره ونثره.
• • •
مقدمة:
إنّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فهو المهتدي ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه، أمّا بعد.
فممّا لا شكَّ فيه ترابطُ علومِ اللغةِ العربيةِ، ودورانُها في محيطٍ واحدٍ، وانبثاقُها من مصدرٍ فَرْدٍ أصيلٍ، وافتقارُ كلِّ فَرْعٍ منها إلى الآخرِ، فقلّما تجدُ موضوعاً نحوياً إلاّ واللغةُ في آخرِه، أو لغوياً إلا ومسائلُ التصريفِ في ثناياه، تَعْضُدُه وتُقِيمُ أمرَه.(2/195)
ولمّا كانَ الأمرُ كذلكَ عَمِدتُ في هذا البحثِ الوجيزِ إلى تقديمِ موضوعٍ صرفيٍّ نحويٍّ لُغويٍّ ذي سَبَبٍ وثيقٍ بعلومِ العربيةِ، وهو الحديثُ عن تداخلِ اللغاتِ.
وصلتي بهذا الموضوعِ لم تكن نِتَاجَ قلمِ الساعةِ، بلِ الكتابةُ عن تركُّبِ اللغاتِ كانت قريني عندَ إعدادِ محاضراتي (في النّحوِ والتصريفِ) لطالباتي في المرحلتين؛ الجامعيةِ والدراساتِ العليا، عندَ الحديثِ عن أبنية الأفعالِ والأسماءِ، وبابِ اسمِ الفاعلِ، والهمزِ، أو المباحثِ اللغويةِ التي كنتُ أُعَرِّجُ باحثةً عنها في كتبِ اللغةِ كفعلت وأفعلت، والمقصورِ والمدودِ، أو كتبِ القراءاتِ عندَ تخريجِ قراءةٍ صحيحةٍ أو شاذةٍ ... إلخ، وما استتبعَ ذلكَ من وجودِ ومضاتٍ بارقةٍ تُشِيرُ إلى موضوعِ تركُّبِ اللغاتِ هذا، وكنتُ أُحدِّثُ نفسي منذُ سنواتٍ بجمعِ متفرقاتِه ولَمِّ شَتَاتِه - رغمَ قلّةِ مادّتِه وتباعدِ معلوماتِه -، ولكنّي هِبْتُ الإقدامَ على هذا العملِ خَشْيَةَ أن أخرجَ منه مُجْهَدَةَ النَّفْسِ، مُنْهَكَةَ القوى، غيرَ ظافرةٍ بذي بالٍ، وبخاصةٍ معَ عدمِ التعرُّضِ لمثلِه في كتبِ الأقدمينَ أو المحدثينَ، باستثناءِ بابٍ مقتضبٍ أفردَه ابنُ جنِّيٍّ في كتابِه الخصائصِ بعنوان “ بابٌ في تركُّبِ اللغاتِ ” (1) ، كرَّرهُ السِّيوطيُّ في المزهرِ بعنوانِ “ معرفةُ تداخلِ اللغاتِ ” (2) ، والاقتراحِ بعنوانِ “ في تداخلِ اللغاتِ ” (3) والقِنُّوجِيُّ في البلغةِ بعنوانِ “ معرفةُ تداخلِ اللغاتِ ” (4) ، ثم جمعَ الشيخُ د. محمد عبدُ الخالقِ عضيمة - رحمه اللهُ - ممّا يخصُّ الأفعالَ في كتابِه المغني في تصريفِ الأفعالِ بعنوانِ “ تداخلُ اللغاتِ ” (5) .
__________
(1) 1 / 374 - 385.
(2) 1 / 262 - 265.
(3) 177 - 180.
(4) 172 - 173.
(5) 160 - 161.(2/196)
وقد ظللتُ أجمعُ مادةَ هذا البابِ سنواتٍ طوالاً، أخذَتْ من وقتي وجهدي ما اللهُ بهِ عليمٌ؛ حتّى خرجْتُ بهذِه الوريقاتِ التي آملُ أن يجدَ فيها الباحثُ بغيتَه، والطالبُ حاجتَه.
وقد جعلتُ هذا البحثَ قسمين؛ أفردت الأوّلَ منهما للحديثِ عنِ التداخلِ في كلمتينِ، والثاني عن التداخلِ في كلمةٍ واحدةٍ، يتقدمه مدخل أَبَنْتُ فيه عن معنى التداخلِ، وحالِ المتلقي للغاتِ، وحكمِه ثم صوره التي هي صلبُ هذا البحثِ وقوامُه؛ أدرجْتُ فيها ما وقعَ تحتَ يدي من أمثلةٍ نصّ العلماءُ أو بعضُهم فيها على التداخلِ ذاكرةً رأيَ من خالفَ ذلك أو ادّعى شذوذَه - إن وُجِدَ - مُتْبِعَةً كلَّ مثالٍ منها بشواهدِه القرآنيةِ وقراءاتِه وتوجيهِها جاعلةً من هذا البحثِ دراسةً لغوية قرآنيةً.
وبعدُ، فهذا جُهْدُ مُقلٍّ، ونَفَسُ مُقَصِّر، لا يدّعي الكمالَ ولا الإتمامَ، بل يعترفُ بالنّقصِ ويؤمنُ بالتقصيرِ، ولو أَتْبَعْتُ نفسيَ هَواها، وتَبِعَتْ حرصَها في المراجعةِ والتدقيقِ والتمحيصِ وتتبُّعِ المعاجمِ مادّةً مادّةً وحرفاً حرفاً لما ظهرَ هذا البحثُ لأنه كما قالَ ابنُ منظورٍ: بابٌ واسعٌ جداً (1) .
واللهَ أسألْ أن ينفعَ بهذهِ الكلماتِ، ويأجرَني عليها، ويجعلَني ممَن أخلصَ النيّةَ، فتُقبِّلَ بقَبولٍ حسنٍ في الدنيا والآخرةِ، وآخرُ دعوانا أن الحمد للهِ ربِّ العالمينَ.
وصلى اللهُ وسلّمَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
التداخل في اللغات
معنى التداخل في اللغات: التداخلُ لغةً: هو تشابهُ الأمورِ والتباسُها ودخولُ بعضِها في بعضٍ (2) .
__________
(1) انظر: لسان العرب (دوم) 12 / 213.
(2) انظر: اللسان 11 / 243 (د خ ل) .(2/197)
وفي اصطلاحِ النّحاةِ هو أن ((تلاقى أصحابُ اللغتينِ، فسَمِعَ هذا لغةَ هذا، وهذا لغةَ هذا، فأخذَ كلُّ واحدٍ منهما من صاحبِه ما ضمّه إلى لغتِه، فتركبت لغةٌ ثالثةٌ)) (1) .
ولعلَّ الجامعَ بينَ التفسيرين اللغويِّ والاصطلاحيِّ بَيِّنٌ، فالآخذُ قد تشابهَتْ عليه اللغتانِ والتبستا حتى جمعَ بينهما في كلامِه، فأخذَ شيئاً من هذهِ وآخرَ من تلكَ.
بيانُ حالِ المُدَاخِل بينَ اللغتين: وإذا كانَ معنى التداخلِ هو إفادَةَ نَاطِقٍ بلغةٍ ما من لغةٍ أخرى، فحريٌّ بنا أن نَعْرِضَ لحالِ المتلقّي أو الآخذِ، ف ((العربُ تختلفُ أحوالُها في تلقي الواحدِ منهم لغةَ غيرِه؛ فمنهم من يخِفُّ ويُسرِعُ قَبُولَ ما يسمعُه، ومنهم من يستعصِمُ فيقيمُ على لغتِه البتّةَ، ومنهم من إذا طالَ تكرُّرُ لغةِ غيرِه عليه لَصِقَتْ بهِ، ووُجِدَت في كلامِه)) (2) .
فمن هذا النّصِّ يتبينُ أن للمنتحي لغةَ غيرِه ثلاثةَ أحوالٍ، ومن أمثلةِ الصّنفِ المستمسكِ بلغتِه ((قولُ رسولِ اللهِ (وقد قيلَ: يا نبيءَ اللهِ، فقالَ: لستُ بنبيءِ اللهِ ولكنّني نبيُّ اللهِ. وذلكَ أنّه عليه الصلاةُ والسلام أنكرَ الهمزَ في اسمِه فردَّه على قائله)) (3) .
ولعلَّ من أمثلةِ القبيلِ المستفيدِ من غيرِه قولَ الفرزدقِ:
فأَصْبحُوا قدْ أعادَ اللهُ نِعْمَتَهُم
إذْ هُمْ قُرَيشُ وإذْ ما مِثْلَهُم بَشَرُ (4)
__________
(1) الخصائص 1 / 367، وانظر كذلك: الخصائص 1 / 373، 381، نزهة الطرف للميداني 100 - 101، شرح أدب الكتاب للجواليقي 238، أمالي ابن الشجري 1 / 209، شرح المفصّل 3 / 154، المزهر 1 / 263.
(2) الخصائص 1 / 383.
(3) الخصائص 1 / 383، وفيه أمثلة أخرى.
(4) انظر ديوانه 2 / 223، الكاتب 1 / 60.(2/198)
ف“ ما ” هنا حِجَازِيَّةٌ مُعْمَلةٌ، وقد أتت في لغةِ تميميٍّ، وإن كانَ قد ارتكبَ محظوراً معَ إعمالِها، وهو تقديمُ خبرِها عليها، ولعلَّ هذا يندرجُ في التداخلِ النّحويِّ، وهو إعمالُ “ ما ” على لغةِ الحجازِ، وتقديمُ الخبرِ إلماحاً إلى لغةِ بني تميمٍ.
حكم التداخل: فيه للعلماءِ قولانِ:
* إجازتُه مطلقاً، ولعلَّ ابنَ جنّيٍّ أوّلُ من أفردَ له باباً في كتابه الخصائص (1) ، وأوّلُ من أجازَه بلا قيدٍ أو شرطٍ.
* اشتراطُ عدمِ استعمالِ لفظٍ مُهْمَلٍ ك“ الحِبُك ” (2) . وسيأتي الحديثُ عن ذلك في التّداخلِ في كلمةٍ واحدةٍ.
* ومنهم من حملَ كل ما جاءَ في التداخلِ على الشذوذِ، ولهذا قالَ ابنُ جنّيٌّ صدرَ بابِ تركّبِ اللغاتِ: ((اعلم أنّ هذا موضعٌ قد دعا أقواماً ضَعُفَ نظرُهم، وخفّتْ إلى تلقّي ظاهرِ هذهِ اللغةِ أفهامُهم؛ أن جمعوا أشياءَ على وجهِ الشذوذِ عندَهم وادَّعوا أنها موضوعةٌ في أصلِ اللغةِ على ما سمِعواه بأَخَرةٍ من أصحابِها، وأُنْسُوا ما كانَ ينبغي أن يذكروه، وأضاعوا ما كانَ واجباً أن يحفظوه)) (3) .
صوره: للتداخلِ صورٌ متعدّدةٌ، نَعْرِضُ في هذا البحثِ الوجيزِ إلى بعضِها، ومنها:
التداخلُ في كلمتينِ:
* بينَ الماضي والمضارعِ، وله فروعٌ.
* بينَ الفعلِ واسمِ الفاعلِ.
- التداخلُ في كلمةٍ واحدةٍ:
* استعمالُ (فِعُل) .
* التسهيلُ والتحقيقُ.
- الجمعُ بينَ اللغتينِ:
* فَعَلَ وأَفْعَلَ.
* الإشباعُ والتسكينُ.
المدُّ والقَصْرُ.
من صور التداخل بين كلمتين
- أبوابُ الأفعال الماضية والمضارعة، ومنه:
- فعَل يفعَل.
- فعِل يفعُل.
- فعِل يفعِل.
- فعُل يفعَل.
- فعَل يفعِل.
__________
(1) انظر: 1 / 374 - 385.
(2) انظر: الاقتراح 179 - 180.
(3) الخصائص 1 / 374.(2/199)
وقبل أن نَعرِضَ لأمثلةِ هذا النوعِ جديرٌ بنا أن نقدِّمَ القواعدَ القياسيةَ في أبنيةِ الأفعالِ الثلاثيّةِ وصياغةِ المضارعِ منها حتى نتوصّلَ من خلالِها إلى مواضعِ التداخلِ.
فالماضي من الثلاثيِّ على ثلاثةِ أبنيةٍ: فَعَلَ بفتحِ عينِه، وفَعِلَ بالكسرِ، وفَعُلَ بالضمِّ، ويأتي مضارعُ فَعَلَ على يَفْعِلُ ويَفْعُلُ في الصّحيحِ على حدِّ سواءٍ، واللازمُ منَ المضاعفِ على الأوّلِ منهما، والمتعدي على الثاني، والواويُّ من المعتَلِّ على يَفْعُلُ، واليائيُّ على يَفْعِلُ، ويأتي مضارعُ فَعِلَ على يَفْعَلُ فحسب، ويلزمُ مضارعُ فَعُلَ الضمِّ أيضاً (1) .
- فَعَل يفعَل: (من الصحيح) :
رَكَنَ يَرْكَنُ: الركونُ إلى الأمرِ الميلُ إليهِ والسكونُ والاطمئنانُ، والرُكْنُ: الجانبُ الأقوى من كلِّ شيءٍ (2)
__________
(1) انظر: الكتاب 4 / 38 - 40، 4 / 5، المقتضب 1 / 71، التكملة 508، الأفعال لابن القطاع 1 / 10 - 11، شرح الملوكي 38 - 61، نزهة الطرف لابن هشام 99 - 103، شرح التصريف العزّي 31 - 34، شرح الشافية للجاربردي 53 - 57، لنقرة كار 33 - 36، المناهج الكافية 33 - 36.
(2) انظر: العين (ركن) 5 / 354، إصلاح المنطق 211، تهذيب اللغة (ركن) 10 / 189، الصحاح (ركن) 5 / 2126، المحكم (ر ك ن) 6 / 499، المشوف المعلم (ر ك ن)
1 / 309، التاج (ركن) 18 / 242.(2/200)
، وفيه لغتانِ (1) :
- رَكَنَ يَرْكُنُ كنصَر وخرَج، وعنِ الفرّاءِ أنّها لغةُ قيسٍ وتميمٍ (2) ، وزادَ الكسائيُّ: وأهلُ نجدٍ (3) . وقيلَ: وهي اللغةُ المشهورة (4) . وقالَ الأزهريُّ: ليست بفصيحةٍ (5) . وفي العينِ ((لغةُ سُفْلَى مُضَرٍ)) (6) .
__________
(1) انظر: معاني الأخفش 2 / 585، إصلاح المنطق 211، 218، أدب الكاتب 483، معاني الزجاج 3 / 254، إعراب النحاس 2 / 306، 436 تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15/605، المحتسب 1 / 329، الصحاح (ركن) 5 / 2126، المحكم (ر ك ن) 6 / 499، المفتاح 37، مفردات الراغب 208 نزهة الطرف للميداني 100 - 101، الرازي 18 / 72، اللسان (ركن) 13 / 185، (أبى) 14 / 4، الدر 6 / 418، شرح التصريف العزي 33 بصائر ذوي التمييز 3 / 98، شرح الشافية للجاربردي 54، شرح الشافية لنقره كار 34، التاج (ركن) 18 / 242، تدريج الأماني 21.
(2) انظر: إعراب النحاس 2 / 306، القرطبي 9 / 108، البحر 6 / 220، الدر 6 / 418.
(3) انظر: البحر 6 / 220، الدر 6 / 418.
(4) انظر: تهذيب اللغة (ركن) 10 / 189، الرازي 18 / 72، اللسان (ركن) 13 / 185.
(5) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 125، لنقرة كار 34.
(6) العين (ركن) 5 / 354، ولا إخال الضبط (رَكن يَركَن) إلا خلطاً من الضابط، وسيأتي النقل عن ابن الشجري.(2/201)
- رَكِنَ يَرْكَنُ كعلِم وركِب، حكاه أبو زيدٍ (1) ، وهي اللغةُ الفصحى (2) والعاليةُ (3) ، وقيلَ: هي لغةُ قريشٍ (4) وخصّها أبو عمروٍ بأهلِ الحجازِ (5) ، وعنِ الخليلِ أنَّها لغةُ سفلى مُضرٍ (6) .
قالَ ابنُ النّحاسِ ((ورَكِنَ يَرْكَنُ أفصحُ)) (7) .
وروى أبو عمرو الشيبانيُّ لغةً ثالثةً هي:
- رَكَنَ يَرْكَنُ (8) ، فُتِحَتْ عينُ الفعلِ ماضياً ومضارعاً، وليسَ لامُه ولا عينُه حرفَ حلقٍ. وفي المحيطِ: هي لغةُ سفلى مُضرٍ (9) .
ولم يذكرْها سيبويهِ (10) ، وخالفَه أهلُ العربيةِ؛ الفرّاءُ، وغيرُه، فلم يذكروا إلاّ اللغتينِ الأُولَيينِ (11) .
__________
(1) انظر: الصحاح (ركن) 5 / 2126، شرح الشافية للرضي 1 / 125، لنقرة 34، التاج (ركن) 18 / 242.
(2) انظر: البحر 6 / 220، الدر 6 / 418.
(3) انظر: الدر 6 / 418.
(4) انظر: البحر 6 / 220، الدر 6 / 418.
(5) انظر: إعراب النحاس 2 / 306، القرطبي 9 / 108.
(6) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 210، وأظن هذا هو الصواب فيما نسب لسفلى مضر؛ إذ صوّره الشجري بركِبت أركب، ولا مجال للأخذ بخلاف ذلك هاهنا، وقد تقدم القول فيما ورد في العين.
(7) إعرابه 2 / 436.
(8) انظر: إصلاح المنطق 217، أدب الكاتب 483، ديوان الأدب 2 / 138، تهذيب اللغة
(ركن) 10 / 189، الصحاح (ركن) 5/ 2126، نزهو الطرف للميداني 100 - 101، المشوف المعلم (ر ك ن) 1 / 309، شرح الشافية للرضي 1 / 125، لنقرة 34، اللسان (ركن) 13 / 185، التاج (ركن) 18 / 242، وليست هذه في الجيم.
(9) انظر: (ركن) 6 / 248، وقد تقدم القول بخلافه، والخلل بالضبط فحسب، ويردّه أيضاً أنّ هذه ليست لغة أصيلة لقبيلة، بل هي مركبة.
(10) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 125.
(11) انظر: إصلاح المنطق 217 - 218، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 605، اللسان (أبى) 14 / 4.(2/202)
ووجهُها - على القولِ بثبوتِها - على تركُّبِ اللغتينِ، فجُمِعَ بينَ ماضي اللغةِ الأولى ومضارعِ الثانيةِ، فأصبحت رَكَنَ يَرْكَنُ بفتحِ عينهما (1) .
وحملَه قومٌ على الشذوذِ (2) ، وآخرونَ على النّدرةِ (3) ، وعدّها ابنُ القطّاعِ في المختلَفِ فيها (4) .
وحكى ابنُ الشجريِّ لغةٌ أخرى مركّبةً منَ اللغتينِ أيضاً وهي:
- رَكِنَ يَرْكُنُ كفضلِ يفضلُ (5) .
قالَ: وهما لُغَيَّتَانِ نادرتانِ، وهذه الثانيةُ أدغلُ في الشذوذِ (6) .
ولم يُثبِتْ سيبويهِ هذا الحرفَ فيما جاءَ على فَعَلَ يَفْعَلُ ممّا خلا من حرفِ الحلقِ عينُه أو لامُه (7) ، وكذلكَ الفرّاءُ (8) وأثبتَها أبو عمرٍو الشيبانيِّ (9) .
__________
(1) انظر: العين (ركن) 5 / 354، الخصائص 1 / 375، المحتسب 1 / 329، الصحاح (ركن) 5 / 2126، المفتاح 37، نزهة الطرف للميداني 100 - 101، شرح أدب الكاتب للجواليقي 238، التبيان 2 / 717، 829، شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41، شرح الشافية للرضي 1 / 125، للجاربردي 54، لنقرة 34، التاج (ركن) 18 / 242، تدريج الأواني 21.
(2) انظر: المخصص 15 / 58، التبيان 2 / 717، الممتع 1 / 178، البحر 6 / 220 - 221، الدر 6 / 418، الهمع 6 / 23.
(3) انظر: المحكم (ر ك ن) 6 / 499، اللسان (ركن) 13 / 185.
(4) انظر: الأفعال 1 / 11.
(5) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 210، الفريد 2 / 674، الدر 6 / 418.
(6) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 210.
(7) انظر: الكتاب 4 / 105 - 106.
(8) انظر: ديوان الأدب 2 / 138، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126.
(9) انظر: أدب الكاتب 482 - 483، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126.(2/203)
قالَ ابنُ قتيبةَ: ((وزادَ أبو عمرٍو: رَكَنَ يَرْكَنُ، والنحويونَ منَ البصريينَ والبغداديينِ يقولونَ: رَكِنَ يَرْكَنُ ورَكَنَ يَرْكُنُ)) (1) .
وعدَّهَا ابنُ القطّاعِ في أربعةَ عشرَ حرفاً مختلَفٍ فيها (2) .
دراسةٌ قُرْآنِيّةٌ: لم يُستَعمَلْ في القرآن فعلُه الماضي، ووردَ المستقبلُ في آيتين: غير مسند في واحدةٍ هي:
1 - {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِليهم شَيئاً قَلِيلاً} 74 / الإسراء.
ومُسنَداً إلى واوِ الجماعةِ مجزوماً في واحدةٍ أيضاً هيَ:
1 - {وَلاَ تَركَنُوا إِلى الَّذِينَ ظَلَمُوا} 113 / هود.
القِرَاءَاتُ الوَارِدَةُ: فيهما قراءتانِ:
- قراءةُ الجمهورِ بفتحِ الكافِ.
- قراءةُ قَتَادَةَ وطلحةُ بنِ مصرِّفٍ والأشهبِ بنِ رميلةَ العقيليّ وروايةُ هارونَ عن أبي عمرٍو وعبدِ الله بنِ أبي إسحاقَ بضمِّ الكافِ (3) .
توجيه القراءات: الفتحُ في قراءةِ العامّةِ على أنّه من رَكِنَ - بالكسر - على لغةِ أهلِ الحجازِ (4) .
- وقيلَ: ماضيه رَكَنَ - بالفتحِ - جاءَ على فَعَلَ يَفْعَلُ شذوذاً (5) .
- وقيلَ: اللغتانِ متداخلتانِ، وذلكَ أنّه سَمِعَ مَنْ لُغَتُه الفتحُ في الماضي فتحَها في المستقبلِ على لغةِ غيرِه فنطقَ بها على ذلكَ (6) .
__________
(1) أدب الكاتب 482 - 483.
(2) انظر: الأفعال 1 / 11.
(3) انظر: إعراب النحاس 2 / 306، تهذيب اللغة (ركن) 10 / 189، مختصر في الشواذ 61، المحتسب 1 / 329، الرازي 18 / 72 المحرر 9 / 233، 10 / 329، القرطبي 9/ 108، التبيان 2 / 717، 829، الفريد 2 / 674، 293، البحر 6 / 220 - 221، 7 / 90 الدر 6 / 418 - 419، 7 / 393، التاج (ركن) 18 / 242.
(4) انظر: الرازي 18 / 72، التبيان 2 / 717، 829، البحر 6 / 220، الدر 6 / 418، 7 / 393.
(5) انظر: التبيان 2 / 717.
(6) انظر: التبيان 2 / 717، 829، الدر 7 / 393.(2/204)
أمّا من ضمَّ الكافَ في يَرْكُنُ فماضيه رَكَنَ كقتَل، على فَعَلَ يَفْعُلُ (1) .
وقالَ بعضُهم: ماضيه رَكِنَ - بالكسرِ -، وهو منَ التداخلِ (2) .
قال السمينُ: ((وأمَّا في هذهِ اللغةِ فلا ضرورةَ بنا إلى ادِّعاءِ التداخلِ، بل ندّعي أنّ من فتحَ الكافَ أَخَذَه من رَكِنَ - بالكسرِ - ومن ضمَّها أخذَه من رَكَنَ - بالفتحِ -)) (3) .
وقالَ في موضعٍ آخرَ: ((تَرْكُنُ - بالضمِّ - مضارعُ رَكَنَ - بالفتحِ -، وهذا منَ التداخلِ)) (4) .
قلتُ: وليسَ كذلكَ، بل هو على لغةِ رَكَنَ يَرْكُنُ كقتَل.
قَنَط يَقْنَطُ:
قَنِط يَقْنِطُ: القنوطُ: الإيَاسُ من الخيرِ، وقيلَ: أشدُّ اليأسِ من الشيءِ (5) . وفيه لغات:
- قَنِطَ يَقْنَطُ كعلِم وتعِب (6) .
- قَنَطَ يَقْنِطُ كضرَب وجلَس (7) .
__________
(1) انظر: معاني الأخفش 2 / 585، معاني الزجاج 3 / 254، إعراب النحاس 2 / 306، 436، التبيان 2 / 717، البحر 6 / 220، 7 / 90 الدر 6 / 418، 7 / 393.
(2) انظر: الدر 6 / 418.
(3) الدر 6 / 418.
(4) الدر 7 / 393.
(5) انظر: تهذيب اللغة (قنط) المستدرك / 279، المحيط (قنط) 5 / 329، الصحاح (قنط) 3 / 1155، المحكم (ق ن ط) 6 / 174، التاج (قنط) 10 / 392.
(6) انظر: معلي الأخفش 2 / 604، إعراب النحاس 2 / 384، تهذيب اللغة (قنط) المستدرك / 280، المحيط 5 / 329، الخصائص 1 / 380 المحتسب 2 / 5، أمالي ابن الشجري 1 / 210، المحرر 10 / 137، الرازي 19 / 198، التبيان 2 / 285، شرح الشافية للرضي 1 / 125، حاشية ابن جماعة 57.
(7) انظر: العين (قنط) 5 / 105، معاني الأخفش 2 / 603 - 604، إعراب النحاس 2 / 384، تهذيب اللغة (قنط) المستدرك / 280، المحيط (قنط) 5 / 329، الخصائص 1 / 380، المحتسب 2 / 5، المحرر 10 / 137، الرازي 19 / 189، التبيان 2 / 285، حاشية ابن جماعة 57، الدر 7 / 167.(2/205)
وعن أبي عليٍّ: فتحُ فعلِه في الماضي وكسرُه في المستقبلِ من أعلى اللغاتِ (1) .
قالَ الزجّاجُ: ((يقالُ: قَنَطَ يَقْنِطُ، وقَنِطَ يَقْنَطُ، وهما جميعاً جائزتانِ)) (2) .
وقالَ الأزهريُّ: هما لغتانِ جيِّدتانِ (3) ، ((وأجودُ اللغتينِ قَنَطَ يَقْنِطُ)) (4) .
- قَنَطَ يَقْنُطُ كنصَر وقعَد (5) ، حكاها أبو عبيدةَ (6) وهيَ لغةُ تميمٍ (7) .
قالَ السيوطيُّ: هذهِ شاذةٌ (8) ، وقالَ الرضيُّ: الأخيرتانِ مشهورتانِ (9) .
وزادَ الفيروزآباديُّ (10) والزبيديُّ (11) فيها لغةً “ ككَرُمَ ” أي: قَنُطَ يَقْنُطُ.
ووردت لغاتٌ أخرى:
- قَنَطَ يَقْنَطُ (12) ، بالفتحِ فيهما.
ووجَّههُ الأخفشُ وغيرُه على تداخلِ اللغتينِ، إذ فُتِحَتْ حركةُ العينِ في الماضي والمضارعِ وليسَ في عينِها أو لامِها حرفُ حلقٍ (13) .
__________
(1) انظر: الرازي 19 / 189.
(2) معانيه 3 / 181.
(3) انظر: تهذيب اللغة (قنط) المستدرك / 280.
(4) القراءات 1 / 298.
(5) انظر: العين (قنط) 5 / 105، معاني الأخفش 2 / 604، إعراب النحاس 2 / 384، المحتسب 2 / 5، شرح الشافية للرضي 1 / 125، التاج (قنط) 10 / 392.
(6) انظر: الرازي 19 / 198.
(7) انظر: المحرر 10 / 137.
(8) انظر: الهمع 6 / 33.
(9) انظر: شرح الشافية 1 / 125.
(10) القاموس 2 / 382.
(11) التاج (قنط) 10 / 392.
(12) انظر: الخصائص 1 / 375، 380، المحتسب 2 / 5، القرطبي 10 / 36، شرح الشافية للرضي 1 / 125، اللسان (قنط) 7 / 386، بصائر ذوي التمييز 4 / 298، القاموس 2 / 382.
(13) انظر: الصحاح (قنط) 3 / 55، الخصائص 1 / 375، 380، القرطبي 10 / 36، شرح الشافية للرضي 1 / 125، اللسان (قنط) 7 / 386 بصائر ذوي التمييز 4 / 298، القاموس 2 / 382.(2/206)
وقالَ قومٌ بشذوذِها (1) ، وعدَّها ابنُ القطّاعِ ممّا اختُلِفَ فيه (2) .
- قَنِطَ يَقْنِطُ كحسِب يحسِب (3) .
وتوجيهُه كذلكَ على تداخلِ اللغتينِ، إذ أُخِذَ الماضي من لغةٍ والمضارعُ من الأخرى (4) .
وذكر ابنُ خالويهِ قَنِطَ يَقْنُطُ كفضِل يفضُل (5) ، وهي مثلُها محمولةٌ على تداخل اللغتين، فأُخِذَ مضارعُ الثالثةِ معَ ماضي اللغةِ الثانيةِ فتركبت منها لغةٌ ثالثةٌ.
دِرَاسَةٌ قُرْآنِيّةٌ: وفعلُه جاءَ في أربعةِ مواضعَ: بلفظِ الماضي المسندِ إلى واوِ الجماعةِ في واحدةٍ، هي:
1 - {وَهُوَ الَّذي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} 28 / الشورى.
وبلفظِ المضارعِ في ثلاثٍ، مجرّداً في واحدةٍ:
1 - {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّه إلاّ الضَّالُّونَ} 56 / الحجر.
ومسنداً إلى واوِ الجماعةِ في اثنتينِ، مرفوعاً:
1 - {وَإِنْ تُصِبْهُم سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِم إِذَا هُمْ يَقْنَطُوْنَ} 36 / الروم.
ومجزوماً:
1 - {لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} 53 / الزمر.
وجاءَ اسمُ الفاعلِ منه في آيةٍ واحدةٍ، هيَ:
1 - {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بالحَقِّ فَلاَ تَكُنْ مِنَ القَانِطِيْنَ} 55 / الحجر.
القِرِاءاتُ الوَارِدَة: {لاَ تَقْنطُوا} {وَمَنْ يَقْنطُ} {هُمْ يَقْنطُونَ}
في السبعةِ قرأَ أبو عمرٍو والكسائيُّ بكسرِ عينِ المضارعِ في جميعِ القرآنِ، وقرأَها الباقونَ؛ ابنُ كثيرٍ وعاصمٌ وابنُ عامرٍ ونافعٌ وحمزةُ، بالفتح في كلِّ القرآنِ.
__________
(1) انظر: الأفعال 1 / 11.
(2) انظر: الممتع 1 / 177، الهمع 6 / 33.
(3) انظر: حاشية ابن جماعة 57، اللسان (قنط) 7 / 386، التاج (قنط) 10 / 392.
(4) انظر: الصحاح (قنط) 3 / 55، شرح الشافية للرضي 1 / 125، اللسان (قنط) 7 / 386، حاشية ابن جماعة 57، القاموس 2 / 382.
(5) انظر: ليس في كلام العرب 95.(2/207)
وفي الشّواذِ قُرِئت بالضمِّ، وهيَ قراءةُ زيدِ بنِ علي والأشهبِ العقيليّ والحسنِ والأعمشِ ويحيى بنِ يعمرَ وأبي عمروٍ وعيسى، وأبو حيوة بالكسرِ والضمِّ. {مِنْ بَعْدِ مَا قَنطُوا}
اتّفقَ السبعةُ على قراءتِها بالفتحِ فحسب، وقرأَها الأعمشُ بالكسرِ كما قرأَ مضارعَها كذلكَ (1) . {من القانطين}
الجمهورُ على إثباتِ الألفِ فيها، وقراءةُ يحيى بنِ وثّابٍ وطلحةَ وأبي رجاء العطارديّ والأعمشِ وابنِ مصرّفٍ، وأبي عمرٍو في روايةِ الجعفيِّ والدوريِّ على إسقاطِ الألفِ ((القَنِطِين)) (2) .
تَوْجِيهُ القراءاتِ: نجدُ أنّه اجتمعَ لغتانِ من اللغاتِ الواردةِ في الفعلِ قَنطَ يَقْنطُ في قراءةِ السبعةِ، وهما:
- قَنَطَ يَقْنِطُ، في قراءةِ أبي عمرٍو والكسائيِّ.
- قَنَطَ يَقْنَطُ، في قراءةِ الباقينَ.
ولغتانِ في الشواذِّ:
- قَنِطَ يَقْنِطُ، في قراءةِ الأعمشِ.
- قَنَطَ يَقْنُطُ، في قراءةِ أبي حيوةَ وغيرِه.
قالَ السمينُ: ((والفتحُ في الماضي هو الأكثرُ، ولذلكَ أُجمِعَ عليه)) (3) .
__________
(1) انظر في هذه القراءات: معاني الأخفش 2 / 603 - 604، السبعة 367، إعراب النحاس 2 / 384، إعراب القراءات 1 / 346، 10 / 137 مختصر في الشواذ 71، القراءات 1 / 297 - 298، المحتسب 2 / 4 - 5، المحرر 10 / 137، 12 / 262، 14 / 95، الرازي 19 / 198، التبيان 2 / 785، الفريد 3 / 204، القرطبي 10 / 36، 14 / 34، 15 / 269، البحر 9 / 213، 6 / 486، الدر 7 / 166 - 167.
(2) انظر في هذه القراءات: إعراب النحاس 2 / 383 - 384، إعراب القراءات 1 / 346، مختصر في الشواذ 71، المحتسب 2 / 4، المحرر 10 / 137، الفريد 3 / 204، القرطبي 10 / 36، البحر 6 / 486، الدر 7 / 167.
(3) الدر 7 / 167.(2/208)
وقالَ أبو علي: قَنَطَ يَقْنِطُ بفتحِ النّونِ في المضارعِ وكسرِها في المستقبلِ من أعلى اللغاتِ، يدلُّ على ذلكَ اجتماعُهم في قولِهِ ((مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا)) (1) .
وقالَ العُكْبَرِيُّ: ((والكسرُ أجودُ لقولِه ((من القانطين)) )) (2) .
وقالَ السمينُ: ((ولولا أنَّ القراءةَ سُنّةٌ مُتَّبَعَةٌ لكانَ قياسُ من قرأَ “ يَقْنَطُ ” بالفتحِ أن يقرأَ ماضيَه قَنِطَ بالكسرِ لكنّهم أجمعوا على فتحِه)) (3) .
قالَ أبو جعفرٍ: ((أبو عبيدٍ القاسمُ بنُ سَلاَّمٍ يختارُ قراءةَ أبي عمرٍو والكسائيِّ في هذا، وزعمَ أنّها أصحُّ في العربيةِ وردَّ قراءةَ أهلِ الحرمينِ وعاصم وحمزةَ؛ لأنها فَعَلَ يَفْعَلُ عندَه، وكذا أنكرَ قَنَطَ يَقْنَطُ، ولو كانَ الأمرُ كما قالَ لكانَتِ القراءتانِ لحناً، وهذا شيءٌ لا يُعلَمُ أنَّهُ يُوجَدُ أن يَجتَمِعَ أهلُ الحرمينِ على شيءٍ ثمّ يكونَ لحناً، ولا سِيَّما ومعَهم عاصمٌ معَ جلالتِه ومحلِّه وعلمِه وموضعِه من اللغةِ، والقراءتانِ اللتانِ أنكرَهما جائزتانِ حسنتانِ، وتأويلُهما على خلافِ ما قالَ: يُقالُ: قَنَطَ يَقْنِطُ وَيَقْنُطُ قنوطاً فهوَ قانِطٌ، وقَنِطَ يَقْنَطَ قنَطاً فهوَ قَنِطٌ وقَانِطٌ ………… ... وأبو عبيدٍ ضيَّقَ ما هوَ واسعٌ منَ اللغةِ)) (4)
وقالَ ابنُ عطيّةَ: ((وردَّ أبو عبيدٍ قراءةَ الحرمينِ، وأنكرَ أن يقالَ: قَنِطَ بكسر ِالنونِ، وليسَ كما قالَ؛ لأنّهم لا يجتمعونَ إلا على قويٍّ في اللغةِ مرويٍّ عندَهم، وهيَ قراءةٌ فصيحةٌ، إذ يقالُ: قَنَطَ يَقْنِطُ وَقَنِطَ يَقْنَطُ، مثلَ نَقَمَ ونَقِمَ)) (5)
__________
(1) انظر: الرازي 9 / 198.
(2) التبيان 2 / 785.
(3) الدر 7 / 167.
(4) إعراب النحاس 2 / 384.
(5) المحرر 10 / 137.(2/209)
وقراءةُ أبي عمرو والكسائيُّ: قَنَطَ يَقْنِطُ لغةٌ جيّدةٌ (1) ، قال الأزهريُّ: ((هما لغتانِ: قَنَطَ يَقْنِطُ، وقَنِطَ يَقْنَطُ وأجودُ اللغتينِ قَنَطَ يَقْنِطُ)) (2) وقراءةُ أبي حيوةَ بالضمِّ قَنَطَ يَقْنُطُ لغةُ تميمٍ (3) .
والقراءتانِ الباقيتانِ: قَنَطِ يَقْنَطُ لباقي السبعةِ، وقَنِطَ يَقْنِطُ للأعمشِ؛ وجهُهما على تداخلِ اللغتينِ؛ لورودِ: قَنَطَ يَقْنِطُ وقَنِطَ يَقْنَطُ في اللغةِ (4) .
وقالَ ابنُ خالويهِ بشذوذِ قَنَطَ يَقْنَطُ (5) .
والقولُ في توجيهِ قراءةِ {مِنَ القَنِطِيْنَ} بأحدِ أمرينِ:
- أن يكونَ مقصوراً من “ القانطين ” والعربُ تحذفُ ألفَ فاعلٍ في نحوِ هذا تخفيفاً.
- أن يكون من قَنِطَ يَقْنَطُ بكسرِ العينِ في الماضي وفتحِها في الغابرِ، فيقالُ: قَنِطَ فهو قَنِطٌ، وقَنَطَ فهو قانِطٌ (6) .
قالَ السمينُ: ((ويُرَجِّحُ قراءةَ يَقْنَطُ بالفتح قراءةُ أبي عمرٍو في بعضِ الرواياتِ {فَلاَ تَكُنْ مِنَ القَنِطِينَ} كفرِحَ يفرَحُ فهو فَرِحٌ)) (7) .
هَلَكَ يَهْلَكُ: الهلاكُ معروفٌ، والمسموعُ فيه عنِ العربِ:
- هَلَكَ يَهْلِكُ كضرَب (8) .
وزادَ الفيروزاباديُّ (9) ، وتبعَه الزبيديُّ (10) لغةً أخرى:
- هَلِكَ يَهْلَكْ كعلِم.
__________
(1) انظر: تهذيب اللغة - المستدرك / 280.
(2) القراءات 1 / 298.
(3) انظر: المحرر 10 / 137.
(4) انظر: القرطبي 10 / 36.
(5) انظر: إعراب القراءات 1 / 346.
(6) انظر: المحتسب 2 / 4، الفريد 3 / 204، القرطبي 10 / 36.
(7) الدر 7 / 167.
(8) انظر: الصحاح (هلك) 4 / 1616، المحكم (هـ ل ك) 4 / 100، اللسان (هلك) 10 / 504، بصائر ذوي التمييز 5 / 338.
(9) انظر: القاموس 3 / 324.
(10) انظر: التاج (هلك) 13 / 670.(2/210)
وسَمِعَ: هَلَكَ يَهْلَكَ بالفتحِ فيهما معَ خلوِّ عينهما ولامهما من حرفِ الحلقِ، وهوَ لغةٌ (1) كأبى يأبى، وللعلماءِ في توجيهِها أقوالٌ:
- أنّها شاذةٌ كأبى يأبى (2) .
- أنها لغةٌ مختلطةٌ، مأخوذةٌ من لغتينِ؛ قالَه ابنُ السرَّاجِ، وغيرُه (3) .
- أنّ ماضيَ يَهْلَكُ هَلِكَ كعطِب، فاستُغني عنه بهَلَكَ، وبقيت يَهْلَكُ دليل اًعليها؛ قالَه ابنُ جنيٍّ (4) .
دِرَاسَةٌ قُرآنِيّةٌ: وردَ فعلُها الماضي هَلَكَ مفتوحَ العينِ في أربعِ آياتٍ هيَ:
1 - {إِنِ امرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدُ} 176 / النساء.
2 - {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ} 42 / الأنفال.
3 - {حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً} 34 / غافر.
4 - هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} 29 / الحاقة.
والمضارعُ “ يَهْلِكُ ” مكسورَ العينِ في آيةٍ واحدةٍ:
1 - {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ} 42 / الأنفال.
وجاءَ المضارعُ المزيدُ بالهمزةِ “ يُهْلِكُ ” مبنياً للمعلومِ غيرَ متّصلٍ بضميرٍ في أربعِ آياتٍ:
1 - {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ ليُفْسِدَ فِيْهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ} 205 / البقرة.
__________
(1) انظر: المحرر 2 / 140، القرطبي 3 / 17، شرح الشافية للجاربردي 54، بصائر ذوي التمييز 5 / 338، القاموس 3 / 324، التاج (هلك) 13 / 670.
(2) انظر: المحكم 4 / 100، حاشية ابن جماعة 55، التاج (هلك) 13 / 670.
(3) انظر: المحتسب 1 / 121، المحكم 4 / 100، شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41، اللسان (هلك) 10 / 504، حاشية ابن جماعة 55، التاج (هلك) 13 / 670.
(4) انظر: المحتسب 1 / 121، المحكم 4 / 100، اللسان (هلك) 10 / 504، التاج (هلك) 13 / 670.(2/211)
2 - {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ المَسِيحَ بنَ مَرْيمَ وأُمَّهُ} 17 / المائدة.
3 - {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهلِكَ عَدُوُّكُم} 129 / الأعراف.
4 - {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} 117 / هود.
القِرَاءاتُ الوَارِدَة: قراءةُ الجمهورِ في الماضي والمضارعِ هَلَكَ يَهْلِكُ. {وَيُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ} .
قراءةُ الجمهورِ {وَيُهْلِكَ} بكسر اللامِ، مضارعُ الفعلِ المزيدِ “ أهْلَكَ ”، وأصلُه: يُؤَهْلِكُ، حُذِفَتْ همزتُه في هذا طرداً للبابِ على وتيرةٍ واحدةٍ، إذ حذفت تخفيفاً عندَ اجتماعِها معَ همزةِ المضارعِ للمتكلمِ، فأصبحَ “ يُهْلِكُ ” بزنةِ “ يُفْعِل" ضُمّت ياءُ مضارِعه لأخذِه من فعلٍ رباعيٍّ.
وقرأَ الحسنُ وأبو حيوةَ وابنُ أبي إسحاقَ وابنُ محيصنٍ: {وَيَهْلَكُ} بفتحِ الياءِ واللامِ مضارعاً للفعلِ الثلاثيِّ المجرّدِ “ هَلَكَ ”، على فَعَلَ يَفْعَلُ (1) .
تَوجِيهُ القِرَاءَاتِ: قراءةُ السّبعةِ جاءت على القياسِ: هَلَكَ يَهْلِكُ على فَعَلَ يَفْعِلُ.
أمّا القراءةُ الشاذّةُ فاختُلفَ في توجيهِها:
- فقالَ ابنُ مجاهدٍ: هو غلط (2) .
- وقالَ غيرَه: لغةٌ شاذةٌ؛ لأنّه لا حلقَ فيه كرَكَنَ (3) .
- وقيلَ: هيَ لغةٌ ضعيفةٌ جداً (4) .
قالَ الهمدانيُّ: وهي لُغَيَّةٌ، يسمعُ ولا يقاسُ عليه (5) .
__________
(1) انظر: مختصر في الشواذ 13 / المحتسب 1 / 121، الكشاف 1 / 352، البيان 1 / 167، المحرر 2 / 140، الرازي 5 / 202، شرح المفصل 7 / 154، شرح الشافية للجاربردي 54، الدر 2 / 353، التاج (هلك) 13 / 670.
(2) انظر: المحتسب 1 / 121.
(3) انظر: المحرر 2 / 140، القرطبي 3 / 17، البحر 2 / 330، الدر 2 / 353.
(4) انظر: البيان 1 / 167.
(5) انظر: الفريد 1 / 442.(2/212)
- وقيلَ: هي من بابِ تداخلِ اللغتينِ؛ قالَه ابنُ السرَّاجِ (1) .
وقالَ ابنُ جنّيٍّ: ((هذا تركٌ لما عليه اللغةُ، ولكن جاءَ له نظيرٌ ... فإذا كانَ الحسنُ وابنُ أبي إسحاقَ إمامينِ في الفقهِ وفي اللغةِ فلا وجهَ لدفعِ ما قرابه لا سِيَّمَا وله نظيرٌ في السماعِ ... وقد يجوزُ أن يكونَ “ يَهْلَكُ ” جاءَ على “ هَلِكَ ” بمنزلةِ “ عطِب ” غيرَ أنّه استُغنِي عن ماضيه ب“ هَلَكَ ”)) (2) .
- فَعَلَ يفعَل (من المعتل)
أَبَى يأبَى: الإباءُ: الامتناعُ عنِ الشيءِ، ويقالُ: أبى؛ إذا تركَ الطاعةَ ومالَ إلى المعصيةِ، وقيلَ: الإباءُ الكراهيةُ (3) ، وفيه لغتانِ:
- أبِيَ يَأْبَى كرضِيَ يرضى.
قالَ ابنُ جماعةَ: حكاه ابنُ سيده في المحكمِ عن قومٍ من العربِ (4) .
- أَبَى يَأْبِي كأتَى يأتِي، حكاه ابنُ جنِّيٍّ (5) .
وعليها أنشدَ أبو زيدٍ للزِّفَيَانِ السعديّ:
يَا إِبِلِي مَا ذَامُهُ فَتَأْبِيَهْ
مَاءٌ رَواءٌ ونَصِيٌّ حَوْلَيَهْ (6)
__________
(1) انظر: المحتسب 1 / 121، شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41.
(2) المحتسب 1 / 121.
(3) انظر: العين (أبى) 8 / 418، تهذيب اللغة (أبى) 15 / 605، المشوف المعلم (أب ي) 1 / 50، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126.
(4) انظر: شرح الشافية 54، وليس في الأجزاء المحققة من المحكم.
(5) انظر: اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126.
(6) الشاهد في النوادر لأبي زيد 331، الخصائص 1 / 332، اللسان (زلز) 5 / 359، (روى) 14 / 346، وبلا نسبة في النوادر لأبي مسحل 499، التنبيهات 326، التاج (أبى) 19 / 126.(2/213)
واللغةُ المشهورةُ في ذلكَ: أَبَى يَأْبَى (1) ، وبها نزلَ القرآنُ، وهي ممّا اتَّفَقَ فيه فتحُ عيني ماضيه ومضارِعه معَ خلوِّهما من حروفِ الحلقِ.
وقد اختلفَ اللغويونَ في توجيهِها على أقوالٍ؛ منها:
- أنّهم ضارعوا ب“ أَبَى يَأْبَى ” “ حسِب يحسِب ”، ففتحوا كما كسروا؛ وهو قولُ سيبويهِ (2) .
- أنّهم أجروا الألفَ مجرى الهمزةِ؛ لأنّها أختُها ومن مخرجِها، وهي مثلُها إذا لينت، ففتحوا تشبيهاً ب“ قرَأ يقرَأ ” وهذا القولُ لسيبويهِ أيضاً (3) ، وتبعَه كثيرٌ (4) .
وردّ بأنّ الجمهورَ لم يذكروا الألفَ في حروفِ الحلقِ؛ لأنّها ليست أصليّةً، ولا تكونُ إلاّ منقلبةٌ، وألفُ “ يَأْبَى ” إنّما وُجِدَتْ بعدَ وجودِ الفتحةِ، وفتحةُ “ يقرَأ ” وُجِدتْ بعدَ وجودِ حرفِ الحلقِ (5) .
- أنّ الألفَ حلقيّةٌ، ورُدَّ - معَ التسليمِ جدلاً بذلكَ - بأنّ الفتحةَ هي سببُ الألفِ، فوجودُ الألفِ موقوفٌ على الفتحِ لأنّه في الأصلِ يائيِّ قلبت ياؤه ألفاً لتحرِّكها وانفتاحِ ما قبلَها، فلو كانَ الفتحُ بسببِها للَزِمَ الدَّوْرُ؛ لِتَوَقُّفِ الفتحِ عليها (6)
- أنّه من قبيلِ التداخلِ، وهو رأيُ محمّدِ بنِ السريّ، قالَ: وسَهّلَ ذلكَ وجودُ الألفِ في آخرِه معَ مقاربتِها الهمزةَ (7) .
__________
(1) انظر: العين (أبى) 8 / 418، تهذيب اللغة (أبى) 15 / 604، المحيط (أبى) 10 / 449، الصحاح (أبا) 6 / 2259، اللسان (أبى) 14 / 4.
(2) انظر: الكتاب 4 / 105، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126.
(3) انظر: الكتاب 4 / 105.
(4) انظر: معاني الزجاج 1 / 362، شرح أدب الكاتب للجواليقي 238، المحرر 2 / 360.
(5) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 209، شرح الشافية لنقرة كار 33.
(6) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 24، شرح التصريف العزي 33.
(7) انظر: شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41، التاج (أبى) 19 / 126.(2/214)
- حملاً على منَع يمنَع؛ لأنهما نظيرانِ، وهو بمعناه، فحُمِل النظيرُ على نظيرِه وإن لم يكن فيه حرفُ حلقٍ، كما حملوا يَذَرُ على يَدَعُ لاتفاقِهما في المعنى (1) .
- الفتحُ على سبيلِ الغلطِ، توهموا أنّ ماضيَه بالكسرِ، وعوّلَ أبو القاسمِ الثمانينيّ على هذا القولِ (2) .
- لمّا علموا أنّ الياءَ تنقلبُ ألفاً على تقديرِ فتحِ العينِ سوّغوا فتحَها (3) .
- هو من بابِ الاستغناءِ بمضارعِ فِعْلٍ عن مضارعِ آخرَ، فاستغنوا بالمضارعِ “ يَأْبَى ” من “ أَبِيَ ” عن المضارعِ “ يَأْبِي ” من “ أَبَى ” (4) .
- حُمِلَ على الشذوذِ لاتفاقِ الفتحِ في عينيه مع خلوِّه من حرفِ الحلقِ (5) .
- حُمِلَ على النُّدرةِ، وهو قولُ يعقوبَ والفرّاءِ (6) ، وغيرِهما (7) .
__________
(1) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 209، شرح الشافية للجاربردي 54، المناهج الكافية 33 - 34.
(2) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 209.
(3) انظر: شرح الشافية للجاربردي 54.
(4) انظر: حاشية ابن جماعة 55.
(5) انظر: الصحاح (أبا) 6 / 2259، المفتاح 37، أمالي ابن الشجري 1 / 208، المحرر 2 / 360، 8 / 138، الممتع 1 / 178، شرح الشافية للرضي 1 / 24، للجاربردي 54، الدر 6 / 23، الهمع 6 / 33، شرح الشافية لنقرة كار 33، المناهج الكافيه 33، التاج (أبى) 19 / 126.
(6) انظر: اصلاح النطق 217، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14/4، التاج (أبى) 19 / 126.
(7) انظر: أدب الكاتب 482 - 483، ديوان الأدب 2 / 138.(2/215)
وقد تباينت أقوالُ علماءِ اللغةِ فيما وردَ على “ فَعَلَ يَفْعَلُ ” وليسَ لامُه أو عينُه حرفاً حلقياً، فقالَ سيبويهِ: ((ولا نعلمُ إلاّ هذا الحرفَ، وأمّا غيرُ هذا فجاءَ على القياسِ)) (1) ، وكذا الفرّاءُ أفردَه بالذكرِ (2) ، وهو رأيُ ابنِ قتيبةَ (3) وابنِ السِّكيتِ (4) ، وغيرِهم (5) ، وزادَ أبو عمرٍو رَكَنَ يَرْكَنُ خلافاً للفراءِ (6) .
قالَ ابنُ قتيبةَ: ((ولم يأتِ فَعَلَ يَفْعَلُ بالفتحِ في الماضي والمستقبلِ إذا لم يكن فيه أحدُ حروفِ الحلقِ لاماً ولا عيناً إلاّ في حرفٍ واحدٍ جاءَ نادراً، وهو أَبَى يَأْبَى، وزادَ أبو عمروٍ رَكَنَ يَرْكَنُ، والنّحويونَ منَ البصريينَ والبغداديينَ يقولونَ: ركِن يركَن وركَن يركُن)) (7) .
وقالَ الزجاجُ: ((وأَبَى يَأْبَى في اللغةِ منفردٌ، لم يأتِ مثلُه إلاّ قَلَى يقلى)) (8) .
وقالَ ثعلبُ والكوفيونَ: سُمِعَ أبى وقلى وغسى وشجى (9) ، وزادَ المبردُ: جبى (10) ، وحكى كراعٌ: عثا، مقلوبَ عاثَ يعيثُ إذا أفسدَ (11) .
__________
(1) الكتاب 4 / 105 - 106.
(2) انظر: أدب الكاتب 482 - 483، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126.
(3) انظر: شرح أدب الكاتب للجواليقي 238.
(4) انظر: إصلاح المنطق 217.
(5) انظر: ديوان الأدب 2 / 138، نزهة الطرف للميداني 100.
(6) انظر: أدب الكاتب 482 - 483، ديوان الأدب 2 / 138، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126.
(7) أدب الكاتب 482 - 483.
(8) معاني القرآن 1 / 362.
(9) انظر: الاقتضاب 2 / 250، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126.
(10) انظر: اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126.
(11) انظر: الاقتضاب 2 / 250.(2/216)
وقالَ ابنُ القطّاعِ: ((وليسَ في كلامِ العربِ فَعَلَ يَفْعَلُ بفتحِ الماضي والمستقبلِ ممّا ليسَ عينُه ولا لامُه حرفَ حلقٍ إلاّ حرفٌ واحدٌ لا خلافَ فيه؛ وهو أَبَى يَأبَى، وقد جاءت أربعةَ عشرَ فعلاً باختلافٍ فيها)) (1) .
وقالَ ابنُ خالويهِ: ((وليسَ في كلامِ العربِ فِعْلٌ بفتحِ الماضي والمستقبلِ فيه ممّا ليسَ فيه حرفٌ من حروفِ الحلقِ إلاّ قلى يقلى وجبى يجبى وسلى يسلى وأبى يأبى وغسى يغسى، وركَن يركَن عنِ الشيبانيِّ)) (2) .
وقد حكى سيبويهِ أبى ثم جبى وقلى، وأمسكَ عنِ الاحتجاجِ عنِ الآخرينِ لعدمِ معرفتِهما إلاّ من وجهٍ ضعيفٍ (3) .
دِرَاسَةٌ قُرْآنيّةٌ: وجاءَ الماضي “ أَبَى ” في تسعِ آياتٍ؛ مُجرداً في سبعٍ منها، هيَ:
1 - {فَسَجَدُوا إلاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاستَكْبَرَ وكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} 34 / البقرة.
2 - {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} 31 / الحجر.
3 - {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً} 89 / الإسراء.
4 - {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إلاَّ كُفُوراً} 99 / الإسراء.
5 - {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى} 56 / طه.
6 - {وَإِذَا قُلْنَا للمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى} 116 / طه.
7 - {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً} 50 / الفرقان.
ومسنداً إلى واوِ الجماعةِ في آيةٍ واحدةٍ هيَ:
1 - {حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} 77 / الكهف.
وإلى نونِ النسوةِ في أخرى:
1 - {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} 72 / الأحزاب.
__________
(1) الأفعال 1 / 11.
(2) إعراب ثلاثين سورة 117 - 118.
(3) انظر: الكتاب 4 / 106.(2/217)
وجاءَ المضارعُ “ يَأْبَى ” في أربعِ آياتٍ؛ مرفوعاً في اثنتينِ؛ هما:
1 - {يُرْضُونَكُم بِأَفواهِهِم وَتَأْبَى قُلُوبُهُم} 8 / التوبة.
2 - {وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ} 22 / التوبة.
ومجزوماً في اثنتينِ:
1 - {وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} 282 / البقرة.
2 - {وَلاَ يَأبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ} 282 / البقرة.
ومن خلالِ هذا الاستقراءِ؛ نجدُ أنّ ورودَ هذا الفعلِ في القرآنِ إنّما هو على لغةِ فتحِ العينينِ في الماضي والمضارعِ ولم ترد قراءةٌ في القراءاتِ الصحيحةِ أو الشاذةِ بخلافِ ذلكَ - فيما نعلمُ -.
وقد خرَّجَ ذلكَ مُعرِبُوا القرآنِ على أنَّه شاذٌّ كقَلَى يَقْلَى، وأنّه إنما اتفقَ فيه فتحُ عينيه؛ لأنّ ألفَه أشبهت الهمزةَ فعُومِل معاملةَ الحلقيِّ، ففُتِحَ لهذهِ العلةِ (1) .
قَلَى يَقُلَى: يقالُ: قلاه؛ إذا أبغضَه وكرهَه (2) ، وقد صرفتِ العربُ منه مثالينِ (3) :
- قَلِيَ يَقْلَى: قَلِيَه يقلاَه كرضيَه يرضاه (4) .
قيلَ: وهيَ اللغةُ الفصيحةُ (5) .
- قَلَى يقلِى، قلاه يقليه كرماه يرميه (6) .
__________
(1) انظر: معاني الزجاج 1 / 362، المحرر 2 / 360، الدر 6 / 23.
(2) انظر: العين (قلى) 5 / 215، تهذيب اللغة (قلى) 9 / 295، المحيط (قلى) 6 / 21، اللسان (قلى) 15 / 198.
(3) انظر: إعراب النحاس 5 / 49، أمالي ابن الشجري 3 / 207.
(4) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 210، 3 / 207، نزهة الطرف للميداني 102، شرح الشافية للرضي 1 / 25، للجاربردي 54، المزهر 1 / 263.
(5) انظر: شرح الشافية للجاربردي 54، لنقره كار 34.
(6) انظر: العين (قلى) 5 / 215، إعراب ثلاثين سورة 117، المحيط (قلى) 6 / 21، أمالي ابن الشجري 3 / 207، نزهة الطرف للميداني 102.(2/218)
قيلَ: وهيَ اللغةُ المشهورةُ (1) ، والصحيحةُ (2) ، والفصيحةُ (3) ، وهي من الياءِ (4) . قال ابنُ بريء: شاهدُها قولُ أبي محمّدٍ الفقعسيِّ: يَقْلِي الغَوَانِي والغَوَانِي تَقْلِيَه (5)
حكاهما ابنُ جنّيٍّ (6) ، وحكى ابنُ الأعرابيّ: قَلَيته في الهجرِ، وحكى في البُغضِ قلِيته بالكسرِ أقلاه على القياسِ وكذلكَ رواه عنه ثعلبٌ (7) .
وروى أبو الفتحِ لغةً ثالثةً هيَ:
- قلاه يقلوه كرجاه يرجوه (8) .
قال ابن سيده: ((وقلا الشيء في المِقْلَى قلواً)) وقد تقدمت هذه الكلمة في الياء لأنّها يائية ووائية: ((وقلوت الرجلَ شنئته، لغةٌ في قليته)) (9) .
وسُمِعَ: قلى يقلى بالفتحِ فيهما (10) ، حكاه سيبويهِ (11) ، وهي لغةٌ ضعيفةٌ غيرُ فصيحةٍ لبني عامرٍ (12) .
__________
(1) انظر: شرح الشافيه للرضي 1 / 25، حاشية ابن جماعة 55، التاج (قلى) 20 / 99.
(2) انظر: شرح التصريف العزي 33.
(3) انظر: تهذيب اللغة (قلا) 9 / 295، تدريج الأداني 20.
(4) انظر: أمالي ابن الشجري 3 / 207.
(5) انظر: التاج (قلى) 20 / 99.
(6) انظر: الخصائص 1 / 376، المحكم 6 / 310، اللسان (قلى) 15 / 198، التاج (قلى) 20 / 99.
(7) انظر الخصائص 1 / 376، المحكم 6 / 310، اللسان (قلى) 15 / 198، التاج (قلى) 20 / 99.
(8) انظر: أمالي ابن الشجري 3 / 207.
(9) المحكم (ق ل و) 6 / 347.
(10) انظر: إعراب ثلاثين سورة 117، المحيط (قلى) 6 / 21، الأفعال لابن القطاع 1 / 11، نزهة الطرف للميداني 101، شرح أدب الكاتب 238 شرح الشافية للجاربردي 54.
(11) انظر: الكتاب 4 / 105، المحكم (ق ل ي) 6 / 310، اللسان (قلى) 15 / 198.
(12) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 25، للجاربردي 54، لنقره كار 34، شرح التصريف العزي 33، المناهج الكافية 34، الهمع 6 / 33 تدريج الأداني 20.(2/219)
قالَ الأزهريُّ: وهيَ قليلةٌ، ليست بجيدةٍ (1) .
وعزا ذلكَ ابنُ مالكٍ لطيِّئ في صورةِ دعوى أعمَّ، فقالَ: وطيِّئ تبدلُ الكسرةَ فتحةَ والياء ألفاً نحو يَقْلَى (2) .
وجاءَ في النّوادرِ (3) : ((وروى أبو حاتمٍ: حتّى أملّه بشيءٍ ولا أقلاه؛ يريدُ: أقليه، وهيَ لغةٌ، قالَ الشاعرُ: أَزْمَانَ أمِّ الغَمْرِ لا نَقْلاَهَا))
واختُلِفَ في تخريج هذه اللغةِ على أقوال:
- أنّها لغةٌ لطِّيئ، إذ تبدلُ الكسرةَ فتحةً والياءَ ألفاً، والأصلُ: قَلَى يَقْلِي، وهم يُجوِّزونَ قلبَ الياءِ ألفاً في كلِّ ما أخرُه ياءٌ مفتوحةٌ فتحةً غيرَ إعرابيةٍ مكسورٌ ما قبلَها: نحوُ: بَقَى في بَقِيَ ودُعَى في دُعِيَ، قالَه ابنُ مالكٍ (4) والجوهريُّ (5) ، وأجازَه قومٌ (6) .
- الفتحُ في عينِ مضارعِه تشبيهاً للألفِ في آخرِه بالهمزةِ التي في قرأ وشبهِه (7) .
قالَ سيبويهِ: ((وقالوا: ... وقَلَى يَقْلَى، شبّهوا هذا ب“ قرَأ يقرَأ ” ونحوِه، وأتبعوه الأوّلَ، كما قالوا: وعدُّه يريدونَ وعدته)) (8) .
__________
(1) انظر: تهذيب اللغة (قلا) 9 / 295.
(2) انظر: حاشية ابن جماعة 54 - 55.
(3) لأبي زيد 232.
(4) انظر: حاشية ابن جماعة 54 - 55.
(5) انظر: الصحاح (قلا) 6 / 2467.
(6) انظر: نزهة الطرف للميداني 102 - 103، الفريد 4 / 688، القرطبي 20 / 94، شرح الشافية للرضي 1 / 25، البحر 10 / 496، شرح التصريف العزي 33.
(7) انظر الخصائص 1 / 382، اللسان (قلى) 15 / 198.
(8) الكتاب 4 / 105.(2/220)
- أنّها ممّا تداخلت فيه اللغتانِ اللتانِ تلاقى أصحابُهما، فسمعَ هذا من ذاكَ، وذاكَ من هذا، فأخذَ كلُّ واحدٍ منهما من صاحبِه ما ضمَّه إلى لغتِه، فتركبت لغةٌ ثالثةٌ؛ قالَه ابنُ السرّاجِ (1) ، وغيرُه (2) .
- حَمْلُها على الشذوذِ، وقد نصَّ ابنُ عصفورٍ على ذلكَ (3) ، وغيرُه (4) .
- القولُ بندرتِها (5) .
وقد تقدّمَ في “ أبى يأبى ” حكايةُ خلافِ اللغويينَ في إثباتِ ما جاءَ على “ فَعَلَ يَفْعَلُ ” (6) ، وأنّ الفرّاءَ لم يُثْبِتْ سوى “ أَبَى ” (7) ، وذكرَ “ قلى يقلى ” ثعلبٌ والكوفيونَ (8) وابنُ خالويهِ (9) ، وعدَّها سيبويهِ، فقالَ: ((وأمّا جبى يجبى وقلى يقلى فغيرُ معروفينِ إلاّ من وُجَيْهِ ضعيفٍ، فلذلكَ أُمْسِكُ عنَ الاحتجاجِ لهما)) (10) .
وأثبتَ ابنُ القطّاعِ حرفاً واحداً لا خلافَ فيه، وعدَّ “ قلى يقلى ” ضمنَ أربعةَ عشرَ فعلاً مُخْتَلَفٍ فيها (11) .
دِرَاسةٌ قُرآنيةٌ: لم يردْ منها إلاّ الفعلُ الماضي في آيةٍ واحدةٍ هي:
1 - {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} 3 / الضحى.
وماضيه بالفتحِ، ولم يُقرأ بغيرِه - فيما نعلمُ -.
__________
(1) انظر: شرح المفصل 7 / 154.
(2) انظر: الخصائص 1 / 375 - 376، نزهة الطرف للميداني 102 - 103، أمالي ابن الشجري 1 / 210، شرح الشافية للرضي 1 / 25 المزهر 1 / 263.
(3) انظر: الممتع 1 / 178، حاشية ابن جماعة 55.
(4) انظر: الاقتضاب 2 / 250.
(5) انظر: المحكم (ق ل ي) 6 / 210، اللسان (قلا) 15 / 1198.
(6) انظر: ص 15 من هذا البحث.
(7) انظر: أدب الكاتب 482 - 483، تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 26.
(8) انظر: الاقتضاب 2 / 250، اللسان (أبى) 14 / 4، التاج (أبى) 19 / 126.
(9) انظر: إعراب ثلاثين سورة 117.
(10) الكتاب 4 / 106.
(11) انظر: الأفعال 1 / 11.(2/221)
جَبَى يَجْبَى: يقالُ: جباه القومُ، وجبى منهم، وجبى الماءَ في الحوضِ، والخراجِ؛ كلُّ ذلكَ بمعنى جَمَعَه (1) . وفيه لغتانِ (2) :
- جبوته أجبوه كدعوته أدعوه، وهوَ المشهورُ (3) .
- جبيته أجبيه كرميته أرميه.
قالَ الأزهريُّ: ((أكثرُ العربِ عليها)) (4) .
وقالَ ابنُ جماعةَ: ((والمشهورُ يَجْبِي بالكسرِ)) (5) .
واللغتانِ حكاهما الكسائيُّ (6) وشَمِرُ (7) .
وحكى سيبويهِ:
- جَبَى يَجْبَى كأبى يأبى (8) .
وحكى أبو زيدٍ في كتابِ المصادرِ: جبوت الخراجَ أجباه وأجبوه (9) .
وحكى أبو عبيدةَ: جبوت الخراجَ أجبى (10) .
وقعت عينُ الماضي والمضارعِ مفتوحةً وليسَ ثَمةَ حرفُ حلقٍ.
واختُلِفَ في تخريجها على أقوالٍ:
- أنّ الألفَ فيها مُشَبَّهةٌ بالهمزةِ في نحوِ: قرأ وهدأ (11) .
قالَ سيبويهِ: ((وقالوا جبى يجبى ... فشبهوا هذا بقرأ يقرأ ونحوه، وأتبعوه الأولَ، كما قالوا: وعدُّه؛ يريدونَ: وعدته)) (12) .
- أنّ لغةٌ لطيِّئ، والأصلُ يجبَى، فُتِحَتِ العينُ وقُلبتِ الياءُ ألفاً، وبه قالَ ابنُ مالكٍ (13) .
__________
(1) انظر: الصحاح (جبى) 6 / 2297، التاج (جبى) 19 / 266.
(2) انظر: المحيط (جبو) 7 / 198، الصحاح (جبو) 6 / 2297.
(3) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 24.
(4) تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 605، وانظر: اللسان (أبى) 14 / 4.
(5) انظر: حاشية ابن جماعة 55.
(6) انظر: تهذيب اللغة (جبا) 11 / 214، الصحاح (جبو) 6 / 2297.
(7) انظر: تهذيب اللغة (جبا) 11 / 214.
(8) انظر: الكتاب 4 / 105، 106.
(9) انظر: المخصص 14 / 211.
(10) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 123.
(11) انظر: الخصائص 1 / 382، المحكم 7 / 391، اللسان (جبى) 14 / 128، التاج (جبى) 19 / 266.
(12) الكتاب 4 / 105.
(13) انظر: حاشية ابن جماعة 55.(2/222)
- أنّها ممّا تداخلت فيه اللغتانِ (1) .
- أنّها شاذةٌ (2) ، أو نادرةً (3) ، أو ضعيفةٌ، ونسبَ هذا لسيبويهِ (4) .
وفي الكتابِ: ((وأمّا جبى يجبى وقلى يقلى فغيرُ معروفينِ إلاّ من وُجَيْهٍ ضعيفٍ)) (5) .
وقد ذكرَها سيبويهِ فيما جاءَ على فَعَلَ يَفْعَلُ، وانقطعَ عن الاحتجاجِ لها لضعفِها عندَه (6) ، وذكرَها المبردُ (7) ، وعدَّها ابنُ القطّاعِ فيما اختلفَ فيه (8) .
سَلاَ يَسْلَى: سلا عنه: نسيَه وذُهِلَ عن ذكرِه، وهو في سلوةٍ من عيشِه: في رغدٍ يسليه الهم (9) ، وفيه لغتانِ (10) :
- سلوت أسلو كدعوت أدعو (11) .
- سليت أسلى كرضيت أرضى.
حكاهما الأزهريُّ عن الأصمعيِّ وأبي الهيثمِ (12) .
وعلى الثانية جاءَ قولُ رؤبةَ:
لَو أَشْرَبُ السُّلوانَ ما سَلِيْتُ
ما بي غِنىً عَنك وإن غَنِيتُ (13)
__________
(1) انظر: الخصائص 1 / 372، أمالي ابن الشجري 1 / 209.
(2) انظر: الممتع 1 / 178.
(3) انظر: اللسان (جبى) 14 / 128، التاج (جبى) 19 / 266.
(4) انظر: المحكم (ج ب ي) 7 / 355، التاج (جبى) 19 / 266.
(5) 4 / 106.
(6) انظر: الكتاب 4 / 106.
(7) انظر: تهذيب اللغة (أبى يأبى) 15 / 604، اللسان (أبى) 14 / 4.
(8) انظر: الأفعال 1 / 11.
(9) انظر: العين (سلو) 7 / 297، المحيط (سلو) 8 / 378، أساس البلاغة (س ل و) 218، التاج (سلو) 19 / 533.
(10) انظر: تهذيب اللغة (سلا) 13 / 68، الخصائص 1 / 376، أمالي ابن الشجري 1/209، اللسان (سلا) 14 / 394، التاج (سلو) 19 / 533.
(11) انظر: العين (سلو) 7 / 297، المحيط 8 / 378.
(12) انظر: تهذيب اللغة (سلا) 13 / 68، وحكى الماضيين فحسب الخليل في العين (سلى)
7 / 299، ابن عباد في المحيط 8 / 378، الجوهري في الصحاح (سلو) 6 / 2380.
(13) الشاهد له في تهذيب اللغة (سلا) 16 / 68، الصحاح (سلو) 6 / 2381، المخصص
15 / 60، أمالي ابن الشجري 1 / 290، اللسان (سلا) 14 / 394، التاج (سلو)
19 / 533، وغير منسوب في: العين (سلا) 7 / 297، مقاييس اللغة (سلو) 3 / 92، المخصص 13 / 141.(2/223)
وسُمِعَ عنِ العربِ لغةٌ ثالثةٌ بالفتحِ فيهما:
- سلى يسلى كأبى يأبى (1) .
فجاءت بفتحِ عينِ الماضي والمضارعِ وليسَ لامُ الفعلِ ولا عينُه حرفَ حلقٍ، واختلفَ في توجيهِها على أقوال؛ منها:
- أنّها ممّا تداخلت فيه اللغتانِ، فأُخِذَ ماضي الأولى معَ مضارعِ الثانيةِ؛ قالَه ابنُ السرَّاجِ وغيرُه (2) .
قالَ ابنُ جنِّيٍّ: ((وكذلكَ من قالَ سلوته قالَ أسلوه؛ ومن قالَ سليته قالَ أسلاه، ثم تلاقى أصحابُ اللغتينِ فسمِعَ هذا لغةَ هذا، وهذا لغةَ هذا، فأخذَ كلُّ واحدٍ منهما من صاحبِه ما ضمَّه إلى لغتِه، فتركبت هناكَ لغةٌ ثالثةٌ؛ كأنَّ من يقولُ سلا أخذَ مضارعَ من يقولُ سَلِيَ، فصارَ في لغتِه: سلا يسلى.
فإن قلتَ: فكانَ يجبُ على هذا أن يأخذَ من يقولُ سَلِي مضارعَ من يقولُ سلا، فيجيءُ من هذا أن يقالَ: سَلي يَسْلُو.
قيلَ: منعَ من ذلكَ أنَّ الفعلَ إذا أُزِيلَ ماضيه عن أصلِه سرى ذلكَ في مضارِعِه، وإذا اعْتَلَّ مضارعُه سرى ذلكَ في ماضيه؛ إذ كانت هذه المُثُلُ تجري عندَهم مجرى المثالِ الواحدِ؛ ألا تراهم لمّا أعلّوا “ شقي ” أعلّوا أيضاً مضارعَه فقالوا: يشقيانِ، ولما أعلّوا “ يُغزِي ” أعلّوا أيضاً أغزيت، ولمّا أعلّوا “ قامَ ” أعلّوا أيضاً يقومُ، فلذلكَ لم يقولوا: سَلِيت تسلو، فيعلّوا الماضيَ ويصحّحوا المضارعَ ... )) (3) .
- أنّها لغةٌ لطيِّئ، فهم يجوِّزونَ قلبَ الياءِ ألفاً في كلِّ ما آخرُه ياءٌ مفتوحةٌ فتحةً غيرَ إعرابيةٍ مكسورٌ ما قبلَها (4)
__________
(1) انظر: الخصائص 1 / 375، الأفعال لابن القطاع 1 / 11، شرح أدب الكاتب 238، شرح المفصل 7 / 154، شرح الشافية للرضي 1 / 24.
(2) انظر: الخصائص 1 / 375 - 376، أمالي ابن الشجري 1 / 209، شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41، المزهر 1 / 263.
(3) الخصائص 1 / 375 - 376.
(4) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 24.(2/224)
ولم يذكرْ سيبويهِ هذهِ اللغةَ فيما وردَ على فَعَلَ يَفْعَلُ، بينَما ذكرَها ابنُ خالويهِ (1) ، وعدَّها ابنُ القطَّاعِ في الأحرفِ الأربعةِ عشرَ المختلفِ فيها (2) .
غَسَا يَغْسَى: غسا الليلُ إذا أظلمَ (3) وفيه لغتانِ (4) :
- غَسَا يَغْسُو كدعا يدعو، حكاه أبو عبيدٍ عنِ الأصمعيِّ (5) .
- غَسِيَ يَغْسَى كرضِي يرضى، حكاه ابنُ السّكّيتِ (6) .
قالَ الزبيديُّ: ((والشينُ لغةٌ فيه)) (7) .
وقالَ الخليلُ: ((غَسَى الليلُ، وأغسى أصوبُ؛ إذا أظلمَ)) (8) .
وقالَ ابنُ الشجريِّ: فيه لغتانِ: غسا يغسو، وغسا يغسِي عندَ بعضِهم (9) .
وحكى ابنُ جنيٍّ لغةً ثالثةً: غسا يغسى، كأبى يأبى (10) .
وحكاها الكوفيونَ (11) .
واختلفَ في تخريجِ هذهِ اللغةِ على أقوالٍ:
- أنَّها لغةُ طيِّئٍ، ونسبَ لابنِ مالكٍ (12) .
__________
(1) انظر: إعراب ثلاثين سورة 118.
(2) انظر: الأفعال 1 / 11.
(3) انظر: تهذيب اللغة (غسو) 8 / 161، الصحاح (غسو) 6 / 2446، المحكم (غ س و) 6 / 25، اللسان (غسو) 15 / 125، التاج (غسو) 20 / 16.
(4) انظر: الصحاح (غسو) 6 / 2446، المحكم 6 / 25 - 26، اللسان (غسو)
15 / 125، التاج (غسو، غسي) 20 / 16.
(5) انظر: تهذيب اللغة (غسو) 8 / 161.
(6) انظر: تهذيب اللغة (غسو) 8 / 161.
(7) التاج (غسو، غسي) 20 / 16.
(8) العين (غسو) 4 / 433.
(9) انظر: الأمالي 1 / 210.
(10) انظر: إعراب ثلاثين سورة 118، المحكم 6 / 25، الأفعال لابن القطاع 1 / 11، شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41، شرح الشافية للرضي 1 / 24، اللسان (أبى) 14 / 4، (غسو) 15 / 125، التاج (غسو) 20 / 16.
(11) انظر: الاقتضاب 2 / 250.
(12) انظر: ابن جماعة 54 - 55.(2/225)
- أنّها محمولةٌ على أبى وجبى ممّا شُبِّهَ بقرأَ؛ لإلحاقِ الألفِ بالهمزةِ (1) .
- أنّها لغةٌ مركّبةٌ من اللغتينِ الأصليتينِ، وسهّلَ ذلكَ وجودُ الألفِ في آخرِه، قالَه ابنُ السرّاجِ (2) ، وغيرُه (3) .
- أنّها شاذّةٌ (4) ، أو قليلةٌ (5) .
ولم يذكر سيبويهِ غسى يغسى فيما جاءَ على فَعَلَ يَفْعَلُ، وذكرَها ثعلبٌ والكوفيونَ (6) ، وعدَّها ابنُ القطّاعِ منَ الأحرفِ الأربعةَ عشرَ المختلفِ فيها (7) .
- فَعَل يفعَل (من المضعّف)
عَضَضْتُ أَعَضُّ: العضُّ الإمساكُ بالأسنانِ أو الكدمُ بها (8) ، وفيه لغةٌ ثابتةٌ هيَ:
- عَضِضت أعَضّ فَعِلَ يَفْعَلُ كسمِع (9) .
ولغةٌ أخرى أثبتَها ابنُ القطّاعِ؛ قالَ: ((وعَضِضت الشيءَ عضاً ... وفيه لغةٌ أخرى: عضَضت أعُضّ)) (10) بزنةِ فَعَلَ يَفْعُلُ.
__________
(1) انظر: الخصائص 1 / 382، المحكم 6 / 25 - 26، شرح الملوكي 41، اللسان (غسو) 15 / 125.
(2) انظر: شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 41.
(3) كابن سيده (المحكم 6 / 26، اللسان (غسو) 15 / 125) .
(4) انظر: الممتع 1 / 178.
(5) انظر: أمالي ابن الشجري 1 / 210.
(6) انظر: الاقتضاب 2 / 250، شرح الشافية للرضي 1 / 24، اللسان (أبى) 14 / 4.
(7) انظر: الأفعال 1 / 11.
(8) انظر: الأفعال لابن القوطية 187، تهذيب اللغة (عضض) 1 / 74، الصحاح (عضض) 3 / 1092، أساس البلاغة (ع ض ض) 304 - 305، اللسان (عضض) 7 / 188، التاج (عضض) 10 / 99.
(9) انظر: كنز الحفاظ 1 / 524، الأفعال لابن القوطية 187، تهذيب اللغة (عض) 1 / 74، الصحاح (عضض) 3 / 1091، الأفعال للسرقطي 1 / 254، المحكم 1 / 27، اللسان
(عضض) 7 / 188، المصباح 415، القاموس 2 / 337، التاج (عضض) 10 / 99.
(10) الأفعال 2 / 387.(2/226)
وثالثةٌ مختلفٌ فيها، ذكرَها الجوهريُّ؛ قالَ: ((ابنُ السكيتِ: عضِضت باللقمةِ فأنا أعَضُّ، وقالَ أبو عبيدةَ: عضَضت - بالفتحِ - لغةٌ في الرِّبابِ)) (1) .
قالَ الصاغانيُّ: ((وقالَ الجوهريُّ: عضِضت باللقمةِ، والصوابُ غصِصت بالغينِ المعجمةِ وبصادينِ مُهْمَلَتينِ)) (2)
وقالَ الزبيديُّ: ((قالَ ابنُ برّيٍّ: هذا تصحيفٌ على ابنِ السكيتِ، والذي ذكرَه ابنُ السكيتِ في كتابِ الإصلاحِ: غصِصت باللقمةِ فأنا أغصُّ بها غصصاً، قالَ أبوعبيدةَ: وغصَصت لغةٌ في الرِّبابِ، بالصادِ المهملةِ لا بالضادِ المعجمةِ)) (3) .
وفي الإصلاحِ - باب ما نُطق به بفعِلت وفعَلت: ((وقد غصِصت باللقمةِ فأنا أغصُّ بها غصَصاً، قالَ أبو عبيدةَ: وغصَصت لغةٌ في الرِّبابِ)) (4) .
وقد حكى الكسائيُّ الفتحَ كذلكَ في عضّ، فيقالُ: عضَضت (5) ، قالَ السمينُ: فعلى هذا يُقالُ أَعِضّ بالكسرِ في المضارعِ (6) . وذكرَها ابنُ جنّيٍّ بالفتحِ فيهما: عضَضت أعَض (7) وكذا ابنُ سيده (8) .
وأثبتَ الفيروزاباديُّ هذه اللغةَ، فقالَ: ((وعليه كسمِع ومنَع)) (9) ، وقالَ الفيوميُّ: ((ومن بابِ نفَع لغةٌ قليلةٌ)) (10)
قالَ الزبيديُّ: ((وزنُه بمنَع وهمٌ، إذِ الشرطُ غيرُ موجودٍ كما في القاموسِ، إلاّ أن يُحملَ على تداخلِ اللغاتِ)) (11) قالَ: وهذا اتِّباعٌ من المصنّفِ إلى ما في الصحاحِ إشارةٌ إلى قولِ أبي عبيدةَ السابقِ دونَ تنبيهٍ عليه، وإن كانَ قد ذكرَه في الصّادِ على الصّوابِ (12) .
__________
(1) الصحاح (عضض) 3 / 1091.
(2) التكملة (ع ض ض) 4 / 79.
(3) التاج (عضض) 10 / 99.
(4) 211.
(5) انظر: إعراب النّحاس 3 / 158، الدرّ 8 / 478.
(6) انظر: الدرّ 8 / 478.
(7) انظر: المحتسب 2 / 5.
(8) انظر: المخصص 14 / 211.
(9) القاموس 2 / 337.
(10) المصباح 415.
(11) التاج (عضض) 10 / 99.
(12) انظر: التاج (عضض) 10 / 99.(2/227)
جاءَ في القاموسِ: ((وغصِصت بالكسرِ وبالفتحِ تغَصُّ بالفتحِ غصصاً)) (1) .
قالَ الزبيديُّ: ((فالصوابُ الذي لا محيدَ عنه أنّه من بابِ سَمِع فقط)) (2) .
قالَ الخليلُ: ((والفعلُ منه: عضَضْتُ أنا وعضَّ يعَضّ)) (3) .
ولا أُرَاهُ إلاّ خلطاً في الضبطِ؛ لأنّ كتبَ المعاجمِ المتقدمّةَ لم تذكرْه، ولو ثبتَ لغةً لكانَ ينبغي ذكرُ اللغةِ المشهورةِ معَها، وحيثُ أُفْرِدَتْ واحدةٌ بالذكرِ عُلِمَ أنها المعروفةُ، وضبطُ الحركةِ لا يُعوّلُ عليه من المحقّق، إن لم يكنْ ضبطَ عبارةٍ من المؤلّفِ.
وعلى القولِ بثبوتِ هذه اللغةِ التي ذكرَها من تقدّمَ، ففي تخريجِها قولانِ:
- أنها لغةٌ متداخلةٌ من لغتينِ:
عَضِضَ أَعَضُّ.
عَضَضَ أَعُضُّ أو أُعِضُّ.
فأُخِذَ ماضي الثانيةِ معَ مضارعِ الأولى، فقِيلَ: عَضَضَ أَعَضُّ (4) .
- أنها شاذةٌ (5) .
دِرَاسَةٌ قُرْآنِيّةٌ: وردَ الماضي مسنداً إلى واوِ الجماعةِ في آيةٍ واحدةٍ فقط هيَ:
1 - {وَإِذَا خَلَوا عَضُّوا عَلَيكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ} 119 / آل عمران.
ولم يتّضحْ وزنُه لأنّه لم يُسْنَدْ إلى إحدى ضمائرِ الرفعِ المتحرّكةِ، بل أسندَ إلى واوِ الجماعةِ، ممّا استوجبَ ضمَّ ما قبلَه.
وجاءَ الفعلُ المضارعُ مفتوحَ العينِ في آيةٍ واحدةٍ فقط هيَ:
1 - {ويومَ يَعَضُّ الظَّالِمُ على يَدَيْهِ} 27 / الفرقان.
ولم نقف على قراءةٍ أخرى بغيرِ الفتحِ، واللهُ أعلمُ.
- فَعِل يَفْعُل: (من الصحيح) :
فَضِلَ يَفْضُلُ: الفضلةُ: البقيّةُ من كلِّ شيءٍ والزيادةُ (6) .
__________
(1) 2 / 310.
(2) التاج (عضض) 10 / 99.
(3) العين (عض) 1 / 72.
(4) انظر: التاج (عضض) 10 / 99.
(5) انظر: المخصص 14 / 211.
(6) انظر: تهذيب اللغة (فضل) 12 / 39 - 40، أساس البلاغة (ف ض ل) 343، اللسان (فضل) 11 / 525، التاج (فضل) 15 / 578.(2/228)
تقدَّمَ أنّه ليسَ في أبنيةِ الأفعالِ ما كُسِرَ ماضيه وضُمَّ مضارعُه، وما وردَ من ذلكَ فهو خارجٌ عنِ القياسِ، إذ الأصلُ في “ فَعِلَ ” أن يكونَ مفتوحاً على “ يَفْعَلُ ”، و“ فَعَلَ ” يكونُ مكسوراً أو مضموماً على “ يَفْعِلُ ” أو “ يَفْعُلُ ”.
وتوجيهُ “ فَضِل يفضُل ” على تركّبِ لغتينِ مسموعتينِ واردتينِ عنِ العربِ، لا أنّ ذلكَ أصلٌ في اللغةِ وهما:
- فَضَلَ يَفْضُلُ، كنصَر وقتَل ودخَل وقعَد، وهو الأقيسُ (1) ، والمشهورُ (2) ، والأجودُ (3) .
- فَضِلَ يَفْضَلُ كسمِع وعلِم وحذِر، حكاها ابنُ السكيتِ (4) .
ثم كثُر ذلكَ، واجتمعَ أهلُ اللغتينِ، فاستضافَ هذا لغةَ ذاكَ، وذاكَ لغةَ هذا؛ بأن أُخِذَ الماضي من الثانيةِ والمضارعُ من الأولى، فتكونت لغةٌ ثالثةٌ مركّبةٌ من الاثنتينِ، وهي: فَضِلَ كعَلِمَ يَفْضُلُ كينصُر (5) .
وقد أجازَ ابنُ جنّيٍّ معَ هذا الوجهِ أن يكونَ للقبيلةِ الواحدةِ أو الحيِّ الواحدِ لغتانِ، فيسمعُ منهم ماضي إحداهما تارةً ومضارعُ الأخرى تارةً (6) .
__________
(1) انظر: الكتاب 4 / 40، المخصص 14 / 154.
(2) انظر: الاقتضاب 2 / 252.
(3) انظر: أدب الكاتب 484.
(4) انظر: إصلاح المنطق 212، أدب الكاتب 484، تهذيب اللغة (فضل) 12 / 40، شرح الشافية للرضي 1 / 136، تاج العروس (فضل) 15 / 578.
(5) انظر: إصلاح المنطق 212، تهذيب اللغة (فضل) 12 / 40، الصحاح (فضل) 5 / 1791، الخصائص 1 / 387، النصف 1 / 256 - 257 الفرق بين الحروف الخمسة 273، شرح أدب الكاتب 238، أمالي ابن الشجري 1 / 210، شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 43، اللسان (فضل) 11 / 525، شرح الشافية للجاربردي 57، حاشية ابن جماعة 57، شرح التصريف المزي 34، المزهر 1 / 264، المناهج الكافية 36، تدريج الأداني 21، البلغة 173.
(6) انظر: المنصف 1 / 275.(2/229)
وممّا وردَ على ماضِي هذه اللغةِ ما أنشدَه الأصمعيُّ لأبي الأسودِ الدؤليّ:
ذَكَرْتُ ابنَ عَبّاسٍ بِبَابِ ابنِ عَامِرٍ
ومَا مَرَّ من عَيشِي ذَكَرْتُ ومَا فَضِلَ (1)
قالَ البطليوسيُّ: ((وهذهِ اللغاتُ الثلاثُ إنَّما هيَ في الفضلةِ والفضلِ اللذينِ يُرادُ بهما الزيادةُ، فأمّا الفضلُ الذي هو الشَّرَفُ فليسَ فيه إلاّ لغةٌ واحدةٌ، وهي فَضَلَ يَفْضُلُ على مثالِ قَعَدَ يَقْعُدُ)) (2) .
وفي العينِ: ((ولغةُ أهلِ الحجازِ فَضِلَ يَفْضُلُ)) (3) .
وأحسبُ الضبطَ سهواً من المحقّقِ أو الطابعِ؛ لأنَّ كسرَ الماضي وضمَّ المضارعِ كما تقدّم لغةٌ مركبةٌ وليست أصلاً.
وقد حملَ سيبويهِ هذه اللغةَ على الشذوذِ؛ قالَ: ((فَضِلَ يَفْضُلُ شاذٌّ من بابِه)) (4) ، وذكرَها ابنُ قتيبةَ كذلكَ في الشواذِّ (5) ، وكذَا ابنُ عصفور (6) .
وقالَ الجوهريُّ - بعدَ تخريجِه على التركبِ - بشذوذِه وأنَّه لا نظيرَ له، ونقلَ عن سيبويهِ قولَه: ((هذا عندَ أصحابِنا إنّما يجيءُ على لغتينِ)) (7) ، وتبعَه في ذلكَ ابنُ منظورٍ (8) ، والزبيديُّ (9) ، ونقلَ الأوّلُ منهما عنِ ابنِ سيده قولَه بندرتِه وأنّ سيبويهِ جعلَه كمِتَّ تَمُوتُ، وعنِ اللحيانيِّ أنّه نادرٌ كحسِب يحسِب (10) .
__________
(1) الشاهد في ديوانه 46، طبقات الزبيدي 25، المنصف 1 / 256، شرح الملوكي 43، الخزانة 1 / 285،، وغير منسوب في: المخصص 14 / 126، المحرر 3 / 278، شرح المفصل 7 / 154.
(2) الفرق بين الحروف الخمسة 273.
(3) 7 / 44.
(4) الكتاب 4 / 40.
(5) انظر: الاقتضاب في شرح أدب الكتاب 2 / 252.
(6) انظر: الممتع 1 / 177.
(7) انظر: الصحاح (فضل) 5 / 1791.
(8) انظر: اللسان (فضل) 11 / 525.
(9) انظر: تاج العروس (فضل) 15 / 578.
(10) انظر: اللسان (فضل) 11 / 525.(2/230)
وقالَ ابنُ جنّيٍّ: ((وربما جاءَ منه شيءٌ على فَعِلَ يَفْعُلُ بكسرِ العينِ في الماضي وضمِّها في المستقبلِ، قالوا: فَضِلَ يَفْضُلُ، وهو قليلٌ شاذٌّ ... وقد منعَ من ذلكَ أبو زيدٍ وأبو الحسنِ)) (1) .
وذكرَ ابنُ عبّادٍ في الفضلِ لغتينِ؛ فَضَلَ يَفْضُلُ، وفَضِلَ يَفْضِلُ كحسِب، حاملاً الثانيةَ منهما على النّدرة (2) .
ولا إِخَالُ ضبطَ الثانيةِ إلاّ خطأً أو سهواً، إذ لم يردّ فيها اتّفاقُ كسرِ العينِ في الماضي والمضارعِ، ولعلَّ الذي دعا المحقّقَ إلى ذلكَ تشبيهُها بحسِبَ، وإنّما وجهُ الشَّبَهِ في النّدرةِ فقط وليسَ في الحركاتِ.
وقد اختلفَ اللغويونَ في انفرادِ فَضِلَ يَفْضُلُ بهذا البابِ أو اشتراكِ غيرِه معَه؛ فقالَ سيبويهِ: ((وقد جاءَ في الكلامِ فَعِلَ يَفْعُلُ في حرفينِ، بنوه على ذلكَ كما بنوا فَعِلَ على يَفْعِلُ؛ لأنّهم قالوا: يَفْعِلُ في فَعِلَ كما قالوا في فَعَلَ، فأدخلوا الضمّةَ كما تدخلُ في فَعَلَ، وذلكَ في فَضِلَ يَفْضُلُ، ومِتَّ تموتُ، وفَضَلَ يَفْضُلُ وَمُتْ تَموتُ أقيسُ)) (3) .
__________
(1) شرح الملوكي 43.
(2) انظر: المحيط 8 / 22.
(3) الكتاب 4 / 40.(2/231)
فسيبويهِ يُثبتُ في الصحيحِ حرفاً واحداً فقط، وآخرَ في المعتلِ، ويتفقُ معَه في قولِه هذا جماعةٌ؛ منهم ابنُ السكيتِ إذ قالَ: ((وليسَ في الكلامِ حرفٌ من السالمِ يشبه هذا)) (1) وابنُ قتيبةَ ((وليسَ في الكلامِ حرفٌ من السالمِ يشبهُه)) (2) وعنِ الفراءِ كذلكَ (3) ، والجواليقيُّ ((وليسَ في الكلامِ فَعِلَ يَفْعُلُ سوى هذهِ الثلاثةِ)) (4) يريدُ فَضِلَ يَفْضُلُ ومِتَّ تموتُ ودِمت تدومُ،وابنُ سيده ((وقد جاءَ حرفٌ واحدٌ منَ الصحيحِ على فَعِلَ يَفْعُلُ؛ وهوَ فَضِلَ يَفْضُلُ)) (5) .
وزادَ كراعٌ غيرَه، فقالَ: ((وليسَ في السالمِ منَ الأفعالِ على مثالِ فَعِلَ يَفْعُلُ إلاّ فَضِلَ يَفْضُلُ ونَعِمَ يَنْعُمُ وحَضِرَ يَحْضُرُ فأمّا المعتلُ فمِتّ تموتُ ودِمت تدومُ، والأصلُ: مَوِتَ الرجلُ يموتُ ودَوِم يدومُ)) (6) .
وقالَ ابنُ خالويهِ: ((ليسَ في كلامِ العربِ فَعِلَ يَفْعُلُ إلاّ خمسةَ أحرفٍ؛ دِمت أدومُ ومِتُّ أموتُ وفَضِلَ يَفْضُلُ ونَعِمَ يَنْعُمُ وقَنِطَ يَقْنُطُ)) (7) .
نَعِمَ يَنْعُمُ: نعمَ الشيءُ نعومةً: صارَ ناعماً ليّناً (8) ، وهذا أيضاً ممّا خرجَ عن قياسِ بابِه، والأصلُ أن يكونَ بكسرِ الأوّلِ وفتح الثاين لا غيرَ، أو فتحِ الأوّلِ وضمِّ الثاني، أو ضمِّ عينِه ماضياً ومضارعاً.
وقد وردَ في فعلِها لغاتٌ هيَ:
__________
(1) إصلاح المنطق 212، وانظر: تهذيب اللغة 12 / 40، اللسان 11 / 525، التاج 15 / 578.
(2) أدب الكاتب 484.
(3) انظر: المزهر 1 / 264، البلغة 173.
(4) شرح أدب الكاتب 238.
(5) المخصص 14 / 126.
(6) المنتخب 2 / 560 - 561.
(7) ليس في كلام العرب 95.
(8) انظر: العين (نعم) 5 / 161، الصحاح (نعم) 5 / 2042، اللسان (نعم) 12/ 579، التاج (نعم) 17 / 691.(2/232)
- نَعِمَ يَنْعَمُ كسمِع وحذِر، حكاها الليثُ وغيرُه (1) .
- نَعَمَ يَنْعُمُ كنصَر (2) ، وقيلَ: نَعُمَ يَنْعُمُ كظرُف (3) .
- نَعَمَ يَنْعِمُ كضرَب (4) .
- نَعِمَ يَنْعِمُ كحسِب يحسِب، حكاها الأصمعيُّ (5) .
قالَ ابنُ قتيبةَ ((نَعِمَ يَنْعَمُ ويَنْعِمُ ... عُليا مُضَرَ تكسرُ وسفلاها تفتحُ)) (6) وفي هذا حكى ثعلبٌ عن سلمَةَ عنِ الفراءِ قالوا: نزلوا منزلاً ينعِمهم وينعَمهم وينعُمهم ويُنْعِمُهُم عيناً، أربعُ لغاتٍ، وحكى اللحيانيُّ: نعِمك اللهُ عيناً، ونعِم اللهُ بك عيناً (7) .
ووُجِد في الكلامِ أيضاً نَعِمَ يَنْعُمُ على مثالِ فَضِلَ يَفْضُلُ، بكسرِ الماضي وضمِّ المضارعِ، وتخريجُه كما مرَّ في فَضِلَ على تداخلِ اللغاتِ؛ إذ أُخِذَ الماضِي نَعِمَ يَنْعَمُ يَنْعَمُ والمضارعُ من نَعُمَ يَنْعُمُ (8) .
__________
(1) انظر: العين (نعم) 2 / 161، المحيط (نعم) 2 / 68، تهذيب اللغة (نعم) 3 / 9، حاشية ابن جماعة 57، تاج العروس (نعم) 17 / 691
(2) انظر: حاشية ابن جماعة 57، التاج (نعم) 17 / 691.
(3) انظر: الخصائص 1 / 378، الصحاح (نعم) 5 / 2042، شرح الشافية للرضي 1/136، حاشية ابن جماعة 57.
(4) انظر: حاشية ابن جماعة 57، التاج (نعم) 17 / 691.
(5) انظر: تهذيب اللغة (نعم) 3 / 9، الصحاح (نعم) 5 / 2042، اللسان (نعم) 12 / 579، حاشية ابن جماعة 57.
(6) أدب الكاتب 483.
(7) انظر: تهذيب اللغة (نعم) 3 / 10، التاج (نعم) 17 / 691.
(8) انظر: ليس في كلام العرب 95، المحيط (نعم) 2 / 67 - 68، الخصائص 1 / 375، 1 / 378، المنصف 1 / 256 - 257، الصحاح (فضل) 5 / 1791، (نعم)
5 / 2042، المحكم (نعم) 2 / 138، شرح الشافية للرضي 1 / 136، اللسان (نعم) 12 / 579، حاشية ابن جماعة 57، شرح تصريف العزي 34 شرح الشافية لنقرة كار 36، تدريج الأداني 21.(2/233)
قالَ ابنُ جنّيٍّ: ((فإن قلتَ: فكانَ يجبُ على هذا أن يستضيفَ من يقولُ نَعُمَ مضارعَ من يقولُ نَعِمَ، فتُرَكَّبُ من هذا أيضاً لغةٌ ثالثةٌ؛ وهي: نَعُمَ يَنْعَمُ.
قيلَ: منعَ من هذا أنّ فَعُلَ لا يختلفُ مضارعُه أبداً، وليسَ كذلكَ نَعِمَ؛ لأنَّ نَعِمَ قد يأتي فيه يَنْعِمُ ويَنْعَمُ جميعاً، فاحتُملَ خلافُ مضارعِه، وفَعُلَ لا يحتملُ مضارعُه الخلافَ؛ ألا تراكَ كيفَ تحذفُ فاءَ وَعَدَ في يَعِدُ؛ لوقوعِها بينَ ياءٍ وكسرةٍ، وأنتَ معَ ذلكَ تُصَحِّحُ نحوَ وَضُؤَ ووَطُؤَ إذا قلتَ: يوضُؤُ ويوطؤُ، وإن وقعتِ الواوُ بينَ ياءٍ وضمَّةٍ، ومعلومٌ أنّ الضمّةَ أثقلُ من الكسرةِ، لكنّه لمّا كانَ مضارعُ فَعُلَ لا يجيءُ مختلفاً لم يحذفوا فاءَ وَضُؤَ ولا وَطُؤَ ولا وَضُعَ؛ لئلا يختلفَ بابٌ ليسَ من عادتِه أن يجيءَ مختلفاً)) (1) .
ولابن جِنّيٍّ أيضاً وجهٌ آخرُ في تخريجٍ نَعِمَ يَنْعُمُ؛ وهو أن يكونَ للقبيلةِ الواحدةِ أو الحيِّ الواحدِ لغتانِ نَعِمَ يَنْعَمُ ونَعُمَ يَنْعُمُ، فيُسمَعُ منهم ماضي إحداهما ومضارعُ الأخرى (2) .
وقد عدَّها بعضُ اللغويينَ في الشواذِ؛ منهمم ابنُ قتيبةَ (3) ، وابنُ عصفور (4) .
__________
(1) الخصائص 1 / 378.
(2) انظر: المنصف 1 / 257، وثمة فرق بين التداخل، وهو أحد رأيي ابن جنّي، وهذا الرأي الثاني، إذ يريد هنا أنّ القبيلة الواحدة قد اجتمعت لها في نعم لغتان ثنتان، فيتفق أن يسمع منها تتكلم بماضي إحدى لغتيها مع مضارع لغتها الثانية، وهذا لا يكون تداخلاً لأنها تتكلم باللغتين، والتداخل يصدق عليها فيما لو انفردت لها لغة واحدة، فنطق ناطق بماضي لغته مع مضارع لغة أخرى.
(3) انظر: الاقتضاب 2 / 252.
(4) انظر: الممتع 1 / 177.(2/234)
وبهذا يتّضحُ أن فَعِلَ يَفْعُلُ مسموعةٌ عن العربِ في نَعِمَ يَنْعُمُ أيضاً، وأنّ فَضِلَ يَفْضُلُ ليست هي الحرفَ الوحيدَ في السالمِ الذي أتى من هذا البابِ، كما قالَه كثيرٌ من أئمةِ النّحوِ واللغةِ (1) ، بل يشاركُه فيه غيرُه مما سنذكرُه في موضعِه بإذنِ اللهِ تعالى.
ولهذا قالَ ابنُ خالويهِ: ((ليسَ في كلام العربِ فَعِلَ يَفْعُلُ إلاّ خمسةَ أحرفٍ؛ دِمت
أدومُ، ومِتّ أموتُ، وفَضِلَ يَفْضُلُ، ونَعِمَ يَنْعُمُ، وقَنِطَ يَقْنُطُ)) (2) .
وحكى ابنُ قتيبةَ عن سيبويهِ قولَه: ((بلغَنا أنّ بعضَ العربِ يقولُ نَعِمَ يَنْعُمَ مثلَ فَضِلَ يَفْضُلُ)) (3) والصوابُ أنّ سيبويهِ لم يحكِ هذهِ اللغةَ؛ بل نصَّ على أنّ فَعِلَ يَفْعُلُ لم يردْ إلاّ في حرفينِ فقط؛ فَضِلَ في السالمِ، ومِتّ في المعتلِ (4) .
حَضِرَ يَحْضُرُ: الحضورُ ضدُّ المغيبِ، والحضْرَةُ قربُ الشيءِ، والحاضرةُ خلافُ الباديةِ (5) ، وفعلُه: حَضَرَ بزنةِ “ فَعَلَ ”، وهي اللغةُ المشهورةُ الفصيحةُ الجيدةُ (6) .
وقالَ الزبيديُّ: أثبتَها ثعلبٌ في الفصيحِ (7) وغيرُه، وأوردَها أئمةُ اللغةِ قاطبةً (8) .
وفي ماضيه لغةٌ أخرى؛ هي حَضِرَ بكسرِ العينِ، حكاها الفراءُ (9) .
__________
(1) راجع ما ورد في (فضل) .
(2) ليس في كلام العرب 95.
(3) أدب الكاتب 484.
(4) انظر: الكتاب 4 / 40.
(5) انظر: العين (حضر) 3 / 102 - 103، تهذيب اللغة (حضر) 4 / 200، الصحاح (حضر) 2 / 632، أساس البلاغة (ح ض ر) 86، القاموس (حضر) 2 / 10، التاج (حضر) 6 / 285.
(6) انظر: تهذيب اللغة (حضر) 4 / 201، شرح الشافية للرضي 1 / 136، التاج (حضر) 6 / 285.
(7) انظر: الفصيح 274.
(8) انظر: التاج (حضر) 6 / 285.
(9) انظر: إصلاح المنطق 212، الصحاح (حضر) 2 / 633.(2/235)
وكلُّهم يقولونَ يَحْضُرُ بالضمِّ، لا خلافَ بينهم في مضارِعِه (1) .
وحُكيَ عن الليثِ أنّهم يقولونَ: حَضَرَتِ الصلاةُ، وأهلُ المدينةِ يقولونَ حَضِرَتْ، وكلُّهم يقولون تَحْضُرُ (2) . ويقالُ: حَضِرَتِ القاضيَ اليومَ امرأةٌ، ثم يقولونَ: تَحْضُرُ (3) .
وممّا وردَ على هذهِ اللغةِ قولُ جريرٍ:
مَا مَن جَفَانا إذَا حاجاتُنا حَضِرَتْ
كمَن لنا عندَه التكريمُ واللَّطَفُ (4)
فتحصّلَ من ذلكَ في حَضَرَ لغتانِ:
- حَضَرَ يَحْضُرُ، وهيَ المشهورةُ.
- حَضِرَ يَحْضُرُ، لغةٌ فيها.
وقد حكى ابنُ يعيشَ هذهِ اللغةَ حَضِرَ يَحْضُرُ عن سيبويهِ (5) ، في حينَ أنّه حكاها في كتابٍ آخرَ عن غيره (6) ، وكذا حكاها ابنُ سيده عن غيره (7) ، والصوابُ - إن شاءَ اللهُ - الثاني؛ لأنّ سيبويهِ بنصِّه في كتابِه لم يذكرْ ممّا وردَ على فَعِلَ يَفْعُلُ سوى فَضِلَ يَفْضُلُ في السالمِ (8) .
وقالَ جماعةٌ منَ اللغويينَ بشذوذِ الثانيةِ، كابنِ عصفورٍ (9) ، وابنِ منظورٍ (10) ، والسيوطيِّ (11) .
__________
(1) انظر: العين (حضر) 3 / 102 - 103، الصحاح (حضر) 2 / 633.
(2) انظر: العين (حضر) 3 / 102 - 103، تهذيب اللغة (حضر) 4 / 201، التاج (حضر) 6 / 285.
(3) انظر: إصلاح المنطق 212، تهذيب اللغة (حضر) 4 / 201، الخصائص 1 / 378، الصحاح (حضر) 2 / 633، اللسان (حضر) 11 / 525.
(4) انظر: إصلاح المنطق 213، الصحاح (حضر) 2 / 633، المخصص 14 / 126، التاج (حضر) 6 / 285.
(5) انظر: شرح الملوكي 43.
(6) انظر: شرح المفصل 7 / 154.
(7) انظر: المخصص 14 / 154.
(8) انظر: الكتاب 4 / 40.
(9) انظر: الممتع 1 / 176.
(10) انظر: اللسان (حضر) 4 / 196.
(11) انظر: الهمع 6 / 33.(2/236)
وحملَها ابنُ يعيشَ على تداخلِ اللغاتِ (1) ، وقالَ الفيوميُّ: ((لكن استُعمِلَ الضمُّ معَ كسرِ الماضي شذوذاً، ويُسمَّى تداخلَ اللغتينِ)) (2) .
والقولُ بوقوعِ التداخلِ أرَاهُ مُتَعذِّراً؛ لأنَّ حَضَرَ لم يثبتْ في ماضيها ومضارِعها لغتانِ، فتكونَ بعدَ هذا حَضِرَ يَحْضُرُ ثالثةً مركبةً منهما، وهذا يستقيمُ لو كانَ فيها لغتانِ:
- حَضَرَ يَحْضُرُ.
- حَضِرَ يَحْضَرُ.
فيَأْخذُ الماضي من إحداهما والمضارعُ من الثانيةِ مكوِّنَةً لغةً ثالثةً هيَ حَضِرَ يَحْضُرُ.
قالَ البطليوسيُّ ((وحكى يعقوبُ حَضِرَ يَحْضَرُ)) (3) كذا ضَبَطَ المحقّقُ، وليسَ في إصلاحِ المنطقِ ولا تهذيبِ الألفاظِ وتقدّمَ النقلُ عنه: حَضِرَ يَحْضُرُ (4) .
وقالَ الفيروزا باديُّ ((حَضَرَ وعلِم)) (5) ، وظاهرُ لفظِه يُوهِمُ أنّ في حَضَرَ لغتينِ:
- حَضِرَ يَحْضُرُ كنصَرَ ينصُر.
- حَضِرَ يَحْضَرُ كعلِمَ يعلَمُ.
قالَ الزبيديُّ: ((واللغةُ الأولى هيَ الفصيحةُ المشهورةُ، ذكرَها ثعلبٌ في الفصيحِ وغيرُه، وأوردَها أئمةُ اللغةِ قاطبةً وأمّا الثانيةُ فأنكرَها جماعةٌ وأثبتَها آخرونَ، ولا نزاعَ في ذلكَ، إنّما الكلامُ في كلامِ المصنِّفِ أو صريحِه، فإنَّه يقتضي أنَّ حَضِرَ كعلِمَ مضارعُه على قياسِ ماضيه، فيكونُ مفتوحاً كيعلَمُ، ولا قائلَ به، بل كلُّ من حكى الكسرَ صرَّحَ بأنّ المضارعَ لا يكونُ على قياسِه)) (6) .
قلتُ: وإنّما أَدْخَلْتُ حَضِرَ يَحْضُرُ في بحثِ التداخلِ هذا، وإن لم يكن منه - حسبما أرى -: لأنَّ هذا الفعلَ يردُ معَ أفعالِ التداخلِ، ولقولِ بعضِ العلماءِ بأنّه من قبيلِه، فآثرتُ عرضَ هذه الأقوالِ، وبيانَ مسلكِ الصوابِ فيها.
__________
(1) انظر: شرح المفصل 7 / 154.
(2) المصباح المنير 140.
(3) الاقتضاب 2 / 252.
(4) انظر: إصلاح المنطق 212.
(5) القاموس (حضر) 2 / 10.
(6) تاج العروس (حضر) 6 / 285.(2/237)
دِراسَةٌ قُرْآنِيَّةٌ: جاءَ الفعلُ الماضي غيرَ متّصلٍ بشيءٍ في خمسِ آياتٍ:
1 - {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوتُ} 133 / البقرة.
2 - {كُتِبَ عَلَيْكُمُ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ} 180/ البقرة.
3 - {وَإِذَا حَضَرَ القسمةَ أُولُوا القُرْبَى واليَتَامَى والمَسَاكينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنهُ} 8 / النساء.
4 - {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} 18 / النساء.
5 - {شَهَادَة بَيْنكُم إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوتُ حِينَ الوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} 106 / المائدة.
وجاءَ مسنداً إلى واوِ الجماعةِ في آيةٍ واحدةٍ:
1 - {فَلَمَّا حَضَرُوه قَالُوا أَنْصِتُوا} 29 / الأحقاف.
ومضارعاً في آيةٍ واحدةٍ:
1 - {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّي أَنْ يَحْضُرُونِ} 98 / المؤمنون.
فالفعلُ في القرآنِ لم يردْ إلاّ على فَعَلَ يَفْعُلُ وهوَ القياسُ، ولم نقفْ على غيرِ ذلكَ في قراءاتٍ آُخَرَ.
شَمِلَ يَشْمُلُ: الشَّملُ: الاجتماعُ، يقالُ: جمعَ اللهُ شملَهم، وشَمِلَهُمُ الأمرُ بمعنى عمَّهم وغشيَهم (1) .
وردَ فيها لغتانِ:
- شَمِلَ يَشْمَلُ كعلِم (2) .
- شَمَلُ يَشْمُلُ كنصَر (3) ، ويَشْمِلُ كضرَب (4) .
__________
(1) انظر: العين (شمل) 6 / 265، الصحاح (شمل) 5 / 1738، المشوف المعلم (ش م ل)
1 / 406، اللسان شمل 11 / 367، التاج (شمل) 14 / 390.
(2) انظر: العين (شمل) 6 / 265، المحيط (شمل) 7 / 341، الصحاح (شمل) 5 / 1738 - 1739، اللسان (شمل) 11 / 367.
(3) انظر: الصحاح (شمل) 5 / 1738 - 1739، اللسان (شمل) 11 / 367.
(4) عن اللحياني (التاج (شمل) 14 / 389) .(2/238)
قالَ اللحيانيُّ: شَمَلَهم بالفتحِ لغةٌ قليلةٌ (1) ، وقالَ الجوهريُّ: شَمَلَهم لغةٌ لم يعرفْها الأصمعيُّ (2) .
وسُمِع لغةٌ ثالثةٌ:
- شَمِلَ يَشْمُلُ، حكاها ابنُ درستويهِ (3) ، والأزهريُّ (4) .
وتوجيهُها على تداخلِ اللغتينِ، إذ شَمِلَ في الأصلِ ماضي يَشْمَلُ، ويَشْمُلُ في الأصلِ مضارعُ شَمَلَ، فتداخلتِ اللغتانِ فيهما، فاستضافَ من يقولُ شَمِلَ لغةَ من يقولُ يَشْمُلُ، فحدثَتْ هنالِكَ لغةٌ ثالثةَ، مركَّبَةٌ منهما (5) .
قالَ السيوطيُّ: ((وليسَ ذلك بقياسٍ، واللغتانِ الأوليانِ أجودُ)) (6) .
نَكِلَ يَنْكُلُ: النَّكْلُ الجبنُ، نكلَ عنِ الأمرِ: جَبُن عن لقائِه ونكَصَ (7) ، أتَتْ على لغتينِ:
- نَكَلَ يَنْكِلُ ويَنْكُلُ كضرَبَ ونصَرَ (8) .
- نَكِلَ يَنْكَلُ كعلِمَ (9) .
والأولى أجودُ (10) .
قالَ الخليلُ: الأولى حجازيّةٌ، والثانيةُ تميميّةٌ (11) .
__________
(1) انظر: اللسان (شمل) 11 / 368، التاج (شمل) 14 / 389 - 390.
(2) انظر: الصحاح (شمل) 5 / 1739، التاج (شمل) 14 / 390.
(3) انظر: الاقتضاب 2 / 252، المزهر 1 / 265.
(4) انظر: تهذيب اللغة (شمل) 11 / 371.
(5) انظر: المزهر 1 / 265.
(6) المزهر 1 / 265.
(7) انظر: تهذيب اللغة (نكل) 10 / 246، اللسان (نكل) 11 / 677، التاج (نكل) 15 / 754.
(8) انظر: اللسان (نكل) 11 / 677، التاج (نكل) 15 / 754، ونَكل ينكُل فحسب في: تهذيب اللغة (نكل) 10 / 246، المحيط (نكل) 6 / 265، الصحاح (نكل) 5 / 1835.
(9) انظر: العين (نكل) 5 / 371، تهذيب اللغة (نكل) 10 / 246، المحيط (نكل) 6 / 265، اللسان (نكل) 11 / 677، التاج (نكل) 15 / 754.
(10) انظر: تهذيب اللغة (نكل) 10 / 246، اللسان (نكل) 11 / 677.
(11) انظر: العين (نكل) 5 / 371.(2/239)
وفي المحيطِ: نَكِلَ يَنْكَلُ حجازيةٌ (1) . ولعلَّ الضبطَ خلطٌ من المحقِّقِ، وفي التاجِ ما يؤيدُ الأولَ: ((نَكِلَ عنه كضرَبَ ونصَرَ وعلِمَ، الأخيرةُ أنكرَها الأصمعيُّ، وأثبتَها غيرُه، وقيلَ: هيَ لغةُ بني تميمٍ)) (2) .
وحكى ابنُ درستويهِ فيه لغةً ثالثةً هيَ: نَكِلَ يَنْكُلُ (3) .
وتخريجُ هذهِ على تداخلِ اللغتينِ، إذ أُخِذَ الماضي منَ اللغةِ التميميةِ والمضارعُ من الحجازيةِ فتركبت منهما هذهِ اللغةُ على فَعِلَ يَفْعُلُ.
- فَعِل يفعُل من المعتل
مِتْ تَمُوتُ: الموت معروفٌ، وفعلُه جاءَ على لغتينِ (4) :
- مُتّ تموتُ كقُلت منَ المعتلِ ونصَرَ منَ السالمِ، وهيَ لغةُ سُفْلَى مُضَرَ (5) .
- مِتّ تماتُ كخِفت منَ المعتلِ وعَلِم منَ السالمِ، وهذهِ طائيّةٌ (6) ، قالَ ابنُ دريدٍ: أكثرُ من يتكلمُ به طيّءٌ، وقد تكلمَ بها سائرُ العربِ (7) . وقيلَ: وهيَ لغةُ الحجازِ (8) . وعليها قالَ الراجزُ:
بُنَيَّتي سَيِّدَةَ البَنَاتِ
__________
(1) انظر: (نكل) 6 / 265.
(2) نكل) 15 / 754.
(3) انظر: الاقتضاب 2 / 252.
(4) انظر: المحيط (موت) 9 / 479، الخصائص 1 / 380 - 381، المنصف 1 / 256، الصحاح (موت) 1/ 266، الأفعال لابن القطّاع 3 / 205، نزهة الطرف للميداني 107، شرح أدب الكاتب للجواليقي 238، شرح الشافية للرضي 1 / 136، البحر 3 / 406، حاشية ابن جماعة 57 المصباح (موت) 583، التاج (موت) 3 / 135، تدريج الأداني 21 - 22.
(5) انظر: إعراب النّحاس 1 / 415، القرطبي 4 / 447، البحر 3 / 406.
(6) انظر: التاج (موت) 3 / 135.
(7) انظر: الجمهرة 3 / 1308.
(8) انظر: اعراب النحاس 1 / 451، القرطبي 4 / 274، البحر 3 / 406.(2/240)
عِيْشِي ولا نَأْمَنُ أن تَمَاتِي (1)
قالَ الأزهريُّ: ((اللغةُ الفصيحةُ: مُتّ ومُتنا)) (2) .
وقالَ ابنُ خالويهِ: ((والضمُّ أفصحُ وأشهرُ)) (3) .
وقالَ أبو حيّانَ: ((والضمُّ أقيسُ وأشهرُ والكسرُ مستعملٌ كثيراً، وهوَ شاذٌ في القياسِ)) (4) .
وحكى الفيروزاباديُّ فيها لغةً ثالثةً؛ هيَ: مات يميتُ (5) .
وقالَ الزبيديُّ: ((وظاهرُه أنّ التثليثَ في مضارعِ مات مطلقاً، وليسَ كذلكَ، فإنّ الضمَّ إنّما هوَ في الواويِّ كيقولُ من قالَ قولاً، والكسرُ إنّما هوَ في اليائيِّ كيبيعُ من باعَ، وهيَ لغةٌ مرجوحةٌ أنكرَها جماعةٌ)) (6) .
وماتَ يموتُ أصلُها مَوَتَ يَمْوُتُ على فَعَلَ يَفْعُلُ، فلمّا تحركَتِ الواوُ في الماضي وفُتِحَ ما قبلَها قُلِبَتْ ألفاً، وفي المضارعِ نُقِلت حركةُ المعتلِّ إلى الساكنِ الصحيحِ قبلَه، فلمّا أُسنِدَ الفعلُ إلى ضميرِ الرفعِ حُذِفَ حرفُ العلةِ منعاً من التقاءِ الساكنينِ.
وماتَ يماتُ أصلها مَوِتَ يَمْوَتُ على فَعِلَ يَفْعَلُ، ثم حدثَ لها من الاعتلالِ ما حدثَ لسابقتِها، معَ قلبِ الواوِ ألفاً في مضارعِه مناسبةً لحركةِ ما قبلَها.
__________
(1) الشاهد في: الجمهرة (موت) 3 / 1307 - 1308، الصحاح (موت) 1 / 266 - 267، شرح الشافية للرضي 4 / 57، اللسان (موت) 2 / 91، الدر 3 / 458، التاج (موت) 3 / 135، بروايات متفاوتة.
(2) القراءات 1 / 129.
(3) الحجّة 115.
(4) البحر 3 / 406.
(5) انظر: القاموس (موت) 1 / 158.
(6) التاج (موت) 3 / 135 - 136.(2/241)
وقد حكى سيبويهِ: مِتَّ تموتُ على فَعِلَ يَفْعُلُ (1) ، وحكاها ابنُ السكيتِ عن بعضِهم (2) ، وحكاها غيرُهما (3) .
وتوجيهُ هذه اللغةِ على تركّبِ اللغتينِ بأن جيءَ بالماضي من اللغةِ الثانيةِ معَ مضارعِ الأولى (4) .
قالَ سيبويهِ: ((وأمّا مِتَّ تَمُوتُ فإنما اعتُلَّتْ من فَعِلَ يَفْعُلُ، ولم تُحَوَّلْ كما يُحَوَّلُ قُلتُ وزِدْتُ، ونظيرُها من الصّحيحِ فَضِلَ يَفْضُلُ، وكذلكَ كُدتَ تَكَادُ اعتلَّتْ من فَعُلَ يَفْعَلُ، وهيَ نظيرةُ مِتَّ في أنّها شاذةٌ، ولم يجيئا على ما كَثُرَ واطَّردَ من فَعُلَ وفَعِلَ)) (5) .
وقد خرّج هذه اللغةَ قومٌ على الشذوذِ (6) ، وقالَ أبو حيّانَ: ((وهوَ شاذٌ في القياسِ جعلَه المازنيُّ من فَعِلَ يَفْعُلُ نظيرُ دِمتَ تدومُ وفَضِلت تَفْضُلُ، وكذا أبو عليٍّ، فحكما عليه بالشذوذِ)) (7) ، وعدّها كراعٌ من قبيلِ النادرِ (8) .
__________
(1) انظر: الكتاب 4 / 343.
(2) انظر: إصلاح المنطق 212.
(3) انظر: أدب الكاتب 484، المخصص 14 / 126، الاقتضاب 2 / 252، شرح أدب الكاتب للجواليقي 238، شرح المفصل 7 / 154، الممتع 1 / 177، شرح الشافية للرضي 1 / 136، اللسان (موت) 2 / 91.
(4) انظر: الخصائص 1 / 375، 378، 380 - 381، المنصف 1 / 256، نزهة الطرف للميداني 107، شرح أدب الكاتب للجواليقي 238 شرح المفصل 7 / 154، شرح الملوكي 43، شرح الشافية للرضي 1 / 136، اللسان (فضل) 11 / 525، المصباح (موت) 583، شرح التصريف العزي 34، المزهر 1 / 264 - 265، تدريج الأداني 21 - 22.
(5) الكتاب 4 / 343.
(6) انظر: أدب الكاتب 484، المنصف 1 / 256، المخصص 15 / 58، المقتضب 2 / 252، الممتع 1 / 177.
(7) البحر 3 / 406.
(8) انظر: المنتخب 2 / 561.(2/242)
وقد اختُلِفَ فيما وردَ على فَعِلَ يَفْعُلُ من المعتلِ، فأثبتَ سيبويهِ مِتّ تموتُ وحدَها؛ قالَ: ((وقد جاءَ في الكلامِ فَعِلَ يَفْعُلُ في حرفينِ، بنوه على ذلكَ كما بنوا فَعِلَ يَفْعِلُ؛ لأنّهم قالوا: يَفْعِلُ في فَعِلَ كما قالوا في فَعَلَ، فأدخلوا الضمّةَ كما تدخلُ في فَعَلَ، وذلكَ في فَضِلَ يَفْضُلُ ومِتَّ تَمُوتُ، وفَضَلَ يَفْضُلُ ومُتّ تموتُ أقيسُ)) (1) ، وزادَ كراع (2) دِمت تدومُ، وكذا ابنُ خالويهِ (3) ، والجواليقيُّ (4) ، وحُكِي عنِ الفرّاءِ (5) .
دِرَاسَةٌ قُرْآنِيّةٌ: ماضي الفعلِ المسندِ إلى ضميرِ رفعٍ جاءَ في أحدَ عشرَ موضعاً، مسنداً إلى ضميرِ المتكلمِ المفردِ في آيتين هما:
1 - {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي متُّ قَبلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِياً} 23 / مريم.
2 - {وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} 66 / مريم.
ومسنداً إلى ضمير المخاطب المفرد في آية واحدة هي:
- {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِن قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِن مِتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ} 34 / الأنبياء.
ومُسْنداً إلى جماعةِ المخاطبينَ في ثلاثٍ أخرى؛ هيَ:
1 - {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ في سَبِيلِ اللهِ أو مِتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 157 / آل عمران.
2 - {وَلَئِنْ مِتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ} 158 / آل عمران.
3 - {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} 35/ المؤمنون.
ومسنداً إلى ضميرِ المتكلمينَ في خمسِ آياتٍ هيَ:
__________
(1) الكتاب 4 / 40.
(2) انظر: المنتخب 2 / 561.
(3) انظر: ليس في كلام العرب 95.
(4) انظر: شرح أدب الكاتب 238.
(5) انظر: المزهر 1 / 264 - 265، البلغة 173.(2/243)
1 - {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُمَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} 82 / المؤمنون.
2 - {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} 16 / الصافات.
3 - {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِيْنُونَ} 53 / الصافات.
4 - {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} 3 / ق.
5 - {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} 47 / الواقعة.
ولم يأتِ مضارعُه بغيرِ الواوِ، وبغيرِ زنةِ يَفْعُلُ بالضمِّ.
فجاءَ مجردّاً مرفوعاً في عشرِ آياتٍ هيَ:
1 - {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} 145 / آل عمران.
{وَأَقْسَمُوا باللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِم لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ} 38 / النحل.
3 - {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً} 15 / مريم.
4 - {وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَياً} 33 / مريم.
5 - {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى} 74 / طه.
6 - {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} 37 / المؤمنون.
7 - {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِيْ لاَ يَمُوتُ} 58 / الفرقان.
8 - {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} 34 / لقمان.
9 - {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنا الدُّنيَا نَمُوتُ ونَحْيَا} 24 / الجاثية.
10 - {ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى} 13 / الأعلى.
ومجرداً مجزوماً في موضعينِ هما:
1 - {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِيْنَ مَوتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} 42 / الزمر.(2/244)
2 - {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِيْنِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} 217 / البقرة.
ومُسنداً إلى واوِ الجماعةِ في أربعِ آياتٍ هيَ:
1 - {فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 132 / البقرة.
2 - {وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 102 / آل عمران.
3 - {وَلاَ الَّذِيْنَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} 18 / النساء.
4 - {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ} 25 / الأعراف.
ومنصوباً في موضعٍ هوَ:
1 - {لاَ يُقْضَى عَلَيْهِم فَيَمُوتُوا} 36 / فاطر.
القِرَاءَاتُ الوَارِدَةُ: ((متّ)) ((متُّم)) ((متْنَا))
قرأَ نافعٌ وحمزةُ والكسائيُّ الفعلَ الماضيَ المسندَ إلى ضمائرِ الرفعِ بالكسرِ في جميعِ القرآنِ، وقرأَ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو وابنُ عامرٍ بالضمِّ في جميعِ القرآنِ، وروى أبو بكرٍ عن عاصمٍ الضمَّ في كلِّ المواضعِ، وخفض الضمَّ في موضعينِ فقط هما:
{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيْلِ اللهِ أَو مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ ... } 157 / آل عمران.
{وَلَئِنْ مُتُّمْ أَو قُتِلْتُمْ لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ} 158 / آل عمران.
وما عدا ذلكَ بالكسرِ حيثما وقعت في جميعِ القرآنِ (1) .
قالَ ابنُ خالويهِ: ((والضمُّ أفصحُ وأشهرُ)) (2) .
وقالَ الأزهريُّ: ((القراءةُ العاليةُ واللغةُ الفصيحةُ: ((مُتّ)) و ((مُتنا)) ... والقراءةُ بكسرِ الميمِ من ((مِتّ)) فاشيةٌ وإن كانَ الضمُّ أفشى)) (3) .
__________
(1) انظر هذه القراءات في: إعراب القراءات 1 / 121، السبعة 218، القراءات 1 / 129، المحرر 3 / 278، 11 / 212، 13 / 224، 15 / 374، البيان 1 / 288، الرازي 9 / 57، التبيان 1 / 305، البحر 3 / 405 - 406، الدر 3 / 458.
(2) الحجة 115.
(3) القراءات 1 / 129.(2/245)
وقالَ ابنُ عطيّةُ: ((قالَ أبو عليٍّ: ضمُّ الميمِ هوَ الأشهرُ والأقيسُ، مُتَ تموتُ مثلُ قُلتَ تَقُولُ وطُفتَ تطُوفُ، والكسرُ شاذٌّ في القياسِ وإن كانَ قد استُعمِلَ كثيراً، وليسَ كما شذَّ قياساً واستعمالاً كشذوذِ اليُجَدَّع ونحوِه)) (1) .
وقالَ أبو حيّانَ: ((والضمُّ أقيسُ وأشهرُ، والكسرُ مستعملٌ كثيراً، وهوَ شاذٌّ في القياسِ)) (2) .
تَوْجِيْهُ القِرَاءَاتِ: من قرأَ بضمِّ ميمِ الماضي ففي قراءتِه وجهانِ: أحدُهما: أن يكونَ الأصلُ فيه مَوَتَ كقُلتَ: أصلُه قَوَلتَ، فتحرّكتِ الواوُ وانفتحَ ما قبلَها فقُلِبت ألفاً، ثمّ حُذِفت لسكونِها وسكونِ آخرِ الفعلِ عندَ اتّصالِه بالضميرِ، وضُمّتِ الميمُ للدلالةِ على أنّ الفعلَ من ذواتِ الواوِ، ووزنُه: فَعَلَ يَفْعُلُ؛ أتى على الأصلِ في الواويِّ (3) .
والثاني: أن يكونَ أصلُه مَوَتَ / فنُقِلَ من فَعَلت - بفتحِ العينِ - إلى فعُلت - بضمِّ العينِ - فنُقِلَتِ الضمّةُ من الواوِ إلى الميمِ، فبقيتِ الواوُ ساكنةً، والتاءُ ساكنةٌ؛ فحذفتِ الواوُ، فصارَ مُتّ، ووزنُه: فَعُلَ يَفْعُلُ (4) .
ووزنُه في الوجهينِ ((فُلْت)) .
ومن قالَ ((مِت)) بالكسرِ؛ فالأصلُ فيه: مَوِت بزنةِ فَعِلَ، فَعِلت كخِفت، أصلُه خَوِفت، ثمّ نُقِلَتِ الكسرةُ منَ الواوِ إلى الميمِ للدلالةِ على بِنْيَةِ الكلمةِ في الأصلِ، فالتقى ساكنانِ؛ الواوُ والتاءُ، فحُذِفَتِ الواوُ، فصارَ مِتُّ بزنةِ ((فِلْت)) (5) .
ثم اختلفوا في تخريجِه:
__________
(1) المحرر 3 / 278.
(2) البحر 3 / 406.
(3) انظر: إعراب النحاس 4 / 335، إعراب القراءات 1 / 121، الحجة 115، البيان 1 / 288، الرازي 9 / 57، الدر 3 / 458.
(4) انظر: البيان 1 / 228، الدر 3 / 458.
(5) انظر: البيان 1 / 228، الدر 3 / 458 - 459.(2/246)
فقيلَ: القراءةُ بالكسرِ على لغةِ من يقولُ: مات يماتُ، كخاف يخافُ على فَعِلَ يَفْعَلُ (1) ، وحُكِيَ عنِ الفرّاءِ (2) .
قالَ الرازيُّ: ((والأوّلونَ أخذوه من ماتَ يماتُ مِتّ، مثل: هابَ يهابُ هِبت، وخافَ يخافُ خِفت، وروى المبردُ هذه اللغة، فإن صحَّ فقد صحَّت هذه القراءةُ)) (3) .
قلتُ: القراءةُ ثابتةٌ، ولا مجالَ لردِّها، قرأَ بها القرّاءُ السبعةُ، وهيَ سنّةٌ متبعةٌ نتلقَّاها بالقبولِ، سواءٌ نَقلَها المبردُ أم لم ينقلْها، هذا إلى أنّ قولَ المبردِ محكيّ في لغةِ مِتّ تماتُ فَعِلَ يَفْعَلُ والقراءةُ في القرآنِ على مِتّ تموتُ فَعِلَ يَفْعُلُ.
وقالَ السمينُ: ((فالصحيحُ من قولِ أهلِ العربيةِ أنَّه من لغةِ من يقولُ: ماتَ يماتُ كخافَ يخافُ ... وهذا أولى من قولِ من يقولُ: إنّ “ مِت ” بالكسرِ مأخوذٌ من لغةِ من يقولُ يموتُ بالضمِّ في المضارعِ ... وإذا ثبتَ ذلك لغةً فلا معنى إلى ادِّعاءِ الشذوذِ فيه)) (4) .
قلت: ويردُّه اجتماعُهم على يموتُ في المضارعِ، والأظهرُ فيه أنَّه من بابِ التداخلِ.
ونُقِلَ عن المازنيِّ وأبي عليٍّ أنّ الكسرَ مأخوذٌ من لغةِ من يقولُ يموتُ بالضمِّ في المضارعِ، وهو شاذٌّ في القياسِ كثيرٌ في الاستعمالِ، نظيرُ دِمت تدومُ وفَضِلَ تَفْضُلُ (5) .
__________
(1) انظر: إعراب النحاس 3 / 11، 4 / 335، إعراب القراءات 1 / 121، الحجة 115، القراءات 1 / 129، مشكل إعراب القرآن 2 / 352 - 353، البيان 1 / 228، البحر 3 / 406.
(2) انظر: إعراب القراءات 1 / 121.
(3) 9 / 57.
(4) الدر 3 / 458 - 459.
(5) انظر: إعراب النحاس 3 / 11، 4 / 335، مشكل إعراب القرآن 2 / 353، البحر 3 / 406، الدر 3 / 459.(2/247)
دِمْتَ تَدُومُ: دامَ الشيءُ: طالَ زمنُه، أو: سكنَ، والمستديمُ: المتأني في أمرِه، والمداومةُ على الأمرِ: المواظبةُ عليه (1) ، وفيه لغتانِ مشهورتانِ قياسيتانِ (2) :
- دُمت تدومُ كقُلت ونصَرَ، وهيَ اللغةُ العاليةُ (3) ، لغةُ أهلِ الحجازِ (4) .
- دِمت تدامُ كخِفت وعلِمَ، وهي لغةُ أُزْدِ السَّرَاةِ ومن جاورَهم (5) ، وقيلَ: لغةُ بني تميمٍ (6) .
وشاهدُ اللغةِ الأخيرةِ قولُ الراجزِ:
يا مَيّ لا غَرْوَ ولا مَلامَا
يا مَيّ لا غَرْوَ ولا مَلامَا (7)
__________
(1) انظر: المحيط (دوم) 9 / 379، الصحاح (دوم) 5 / 1923، اللسان (دوم) 12 / 212، التاج (دوم) 16 / 252.
(2) انظر: معاني الزجاج 1 / 433، المحيط (دوم) 9 / 379، الصحاح (دوم) 5 / 922، الخصائص 1 / 380 - 381، المنصف 1 / 256 الأفعال لابن القطّاع 3 / 205، نزهة الطرف للميداني 107، شرح أدب الكاتب للجواليقي 238، التبيان 1 / 462، الفريد
2 / 84، القرطبي 4 / 117، شرح الشافية للرضي 1 / 136، اللسان (دوم) 12 / 212، حاشية ابن جماعة 57، الدر 4 / 43، 7 / 596، التاج (دوم) 16/252، تدريج الأداني 21 - 22.
(3) انظر: الدر 7 / 596.
(4) انظر: الفريد 1 / 589، الدر 3 / 266.
(5) انظر: إعراب النحاس 1 / 388، الفريد 1 / 589، القرطبي 4 / 117.
(6) انظر: البحر 3 / 223، الدر 3 / 267.
(7) الشاهد في الجمهرة (دوم) 3 / 1308، الخصائص 1 / 380، 2 / 264، اللسان (دوم) 12 / 212، التاج (دوم) 16 / 252، ورواية الجمهرة: ياميّ لا عذل ولا ملاما ...(2/248)
((وقال السمين: قالَ الفرّاءُ: ويجتمعونَ في المضارعِ فيقولونَ: يدومُ؛ يعني أنّ الحجازيينَ والتميميينَ اتفقوا على أنَّ المضارعَ مضمومُ العينِ، وكانَ قياسُ تميمٍ أن تقولَ: يدامُ كخافَ يخافُ وماتَ يماتُ، فيكونُ وزنُها عندَ الحجازِيين “ فَعَل ”، بفتحِ العينِ، وعندَ التميميينَ “ فَعِلَ ” بكسرِها، هذا نقلُ الفرّاءِ، وأمّا غيرُه فنقلَ عن تميمٍ أنّهم
يقولونَ: دِمت أدامُ، كخِفت أخافُ، نقلَ ذلكَ أبو إسحاقَ وغيرُه كالرّاغبِ الأصفهانيِّ وأبي القاسمِ الزمخشريِّ)) (1) .
وأصلُ فعلِها دَوَمَ يَدْوُمُ، ودَوِمَ يَدْوَمُ، ثم قُلِبَت واوُ ماضيها ألفاً لتحرُّكِها وانفتاحِ ما قبلَها، ونُقِلَت حركةُ الواوِ في مضارعِه إلى الساكنِ الصحيحِ قبلَه، معَ قلبِها ألفاً في الثانيةِ منهما لمجانسةِ حركةِ ما قبلَها.
وقد حكى ابنُ السكيتِ عن بعضِ العربِ أنه يقولُ: دِمت بالكسرِ، ثم يقولُ: تدومُ، كفَضِلَ يَفْضُلُ (2) .
وتوجيهُ هذهِ اللغةِ على التداخلِ بأن أخذَ قومٌ لغةَ الذينَ كسروا الماضيَ فتكلموا بها، وأخذوا لغةَ الذينَ ضمُّوا المستقبلَ فتكلموا بها، فخرجَتْ عنِ القياسِ.
وعدَّها ابنُ قتيبةَ في الشواذِ (3) ، وكذلكَ قومٌ (4) ، وحملَها كراعٌ على النّدرةِ (5) ، والأخفشُ على القلةِ (6) .
__________
(1) الدرّ 3 / 267.
(2) انظر: إصلاح المنطق 212.
(3) انظر: أدب الكاتب 484، الاقتضاب 2 / 252.
(4) انظر: المنصف 1 / 256، المخصص 15 / 58، الممتع 1 / 177.
(5) انظر: المنتخب 2 / 561.
(6) انظر: معاني القرآن 1 / 411.(2/249)
قالَ ابنُ منظورٍ: ((قالَ أبو الحسنِ: في هذهِ الكلمةِ نَظَرٌ، ذهبَ أهلُ اللغةِ في قولِهم دِمت تدومُ إلى أنها نادرةٌ كمِتّ تموتُ وفَضِلَ يَفْضُلُ وحَضِرَ يَحْضُرُ، وذهبَ أبو بكرٍ إلى أنها متركبةٌ، فقالَ: دُمت تدومُ كقُلت تقولُ، ودِمت تدام كخِفت تخافُ ثم تركبتِ اللغتانِ، فظنَّ قومٌ أنّ تدومُ على دِمت وتدامُ على دُمت، ذهاباً إلى الشذوذ وإيثاراً له، والوجهُ ما تقدَّمَ من أنّ تدامُ على دِمت، وتدومُ على دُمت، وما ذهبوا إليه من تشذيذِ دِمت تدومُ أخفُّ ممّا ذهبوا إليه من تسوّغِ دُمت تدامُ، إذ الأولى ذاتُ نظائرَ، ولم يُعْرَفْ من هذهِ الأخيرةِ إلآّ كُدت تكادُ، وتركيبُ اللغتينِ بابٌ واسعٌ، كقَنَطَ يقنَطُ وركَنَ
يركَنُ، فيحملُه جهّالُ أهلِ اللغةِ على الشذوذِ)) (1) .
ولم يذكرْ سيبويهِ هذه اللغةَ، بل أفردَ مِتّ تموتُ بالذّكرِ في بابِ المعتلِ (2) ، وذكرَها كراعٌ؛ قالَ: ((فأمّا المعتلُّ فمِت تموتُ ودِمت تدومُ)) (3) ، وكذلك الجواليقيُّ (4) ، وحُكِيَت عنِ الفراءِ (5) .
دِرَاسَةٌ قُرْآنِيّةٌ: وردَ الفعلُ الماضي مسنداً إلى ضميرِ الرفعِ في أربعةِ مواضعَ، مفرداً في ثلاثِ آياتٍ هيَ:
1 - {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِيْنَارٍ لاَ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إٍلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} 75 / آل عمران.
2 - {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيْداً مَا دُمْتُ فِيْهِمْ} 117 / المائدة.
3 - {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياً} 31 / مريم.
ومجموعاً في آيةٍ واحدةٍ هيَ:
__________
(1) اللسان (دوم) 12 / 213، وانظر: التاج (دوم) 16 / 252.
(2) انظر: الكتاب 4 / 40.
(3) المنتخب 2 / 561.
(4) انظر: شرح أدب الكاتب 238.
(5) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 136، المزهر 1 / 264 - 264 - 265، البلغة 173.(2/250)
1 - {وَحرّمَ عَلَيكُم صَيد البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} 96 / المائدة.
ولم يجيءَ المضارعُ منه في موضعٍ قط.
القِرَاءَاتُ الوَارِدَةُ: في قولِه تعالى: {إلاَّ مَا دُمْتَ عَليهِ قَائِماً} 75 / آل عمرانِ قراءتانِ؛ ضمُّ الدّالِ من “ دُمْتَ ” للجمهورِ، وقراَ يحيى بنُ وثّابٍ والأعمشُ وأبو
عبدِ الرّحمنِ السّلميُّ وابنُ أبي ليلى والفياضُ بنُ غزوانَ وطلحةُ بنُ مصرّفٍ وغيرُهم بالكسرِ (1) .
وكذلكَ في قولِه تعالى: {وَحرّمَ عَلَيكُمْ صَيد البَّرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} 960 / المائدة قراءتانِ؛ الجمهورُ بالضمِّ، ويحيى بنُ وثابٍ وغيرُه بالكسرِ (2) .
قولُه تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياً} 31 / مريم.
قالَ الزجاجُ: ((ما دمت حياً - دُمت ودِمت جَمِيعاً)) (3) .
وقالَ ابنُ عطيّةَ: ((وقرأَ “ دُمت ” - بضمِّ الدالِ - عاصمٌ وجماعةٌ، وقرأَ “ دِمت ” - بكسرِها - أهلُ المدينةِ وابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو وجماعةٌ)) (4) .
قالَ أبو حيانَ: ((والذي في كتبِ القراءاتِ أنّ القراءَ السبعةَ قرءوا ((دُمت حياً)) - بضمِّ الدالِ -، وقد طالَعْنا جُمْلَةً منَ الشواذِ فلم نجدْها لا في شواذِّ السبعةِ ولا في شواذِّ غيرِهم)) (5) .
قالَ السمينُ: ((وهذا لم نَرَه لغيرِه، وليسَ موجوداً في كتبِ القراءاتِ المتواترةِ والشاذةِ التي بينَ أيدينا، فيجوزُ أن يكونَ اطَّلعَ عليه في مصحفٍ غريبٍ)) (6) .
__________
(1) انظر: معاني الزجاج 1 / 433، إعراب النحاس 1 / 388، مختصر في الشواذ 21، المحرر 3 / 131، التبيان 1 / 273، الفريد 1 / 589 القرطبي 4 / 117، البحر 3 / 223، الدر 3 / 267.
(2) انظر: مختصر في الشواذ 35، التبيان 1 / 462، الفريد 2 / 84، البحر 4 / 371، الدر 4 / 430.
(3) معاني القرآن 3 / 328.
(4) المحرر 11 / 29.
(5) البحر 7 / 259.
(6) الدر 7 / 596.(2/251)
قالَ أبو جعفرٍ النّحاس: ((والضمُّ أفصحُ)) (1) .
وقالَ العكبريُّ: ((وهوَ الأصلُ)) (2) .
تَوْجِيْهُ القِرَاءَاتِ: من ضمَّ الميمَ جعلَه على فَعَلَ يَفْعُلُ كقُلت أقولُ وقُمت أقومُ، وأصلُه: دَوَمَ؛ قُلِبَتِ الواوُ ألفاً لتحركِها وانفتاحِ ما قبلَها، ثم حُذِفت منعاً منِ التقاءِ الساكنينِ، وضُمَّتِ الميمُ دلالةً على الواوِ المحذوفةِ، ومضارعُه يدومُ على يَفْعُلُ (3) .
ومن كسرَ جعلَه على فَعِلَ دَوِمَ، وحدثَ له من الاعتلالِ ما حدثَ للسابقِ (4) ، واختُلِفَ في مضارعِه:
- فقيلَ: هو على فَعِلَ يَفْعُلُ كفَضِلَ يَفْضُلُ، وحُمِلَ على الشذوذِ؛ قالَه الأخفشُ (5) .
قالَ: ((ولغةٌ للعربِ: دمت، وهيَ قراءةٌ، مثلُ: مِتّ تموتُ، جعلَه على فَعِلَ يَفْعُلُ، فهذا قليلٌ)) (390) .
قالَ الهمدانيُّ: ((وهوَ عزيزٌ في القلّةِ)) (6) .
- وقيلَ: هو على لغةِ من قالَ: دِمت تدامُ كمِت تماتُ وخِفت تخافُ (7) .
- فَعِل يفعِل: (من المعتلّ) :
وَرِيَ يِرِي: وريَ الزَّنْدُ: قدحَ ناراً واتّقدَ (8) ، والمسموعُ فيه:
__________
(1) إعراب القرآن 2 / 42.
(2) التبيان 1 / 462.
(3) انظر: معاني الزجاج 1 / 433، مشكل إعراب القرآن 1 / 146، التبيان 1 / 273، الفريد 2 / 84، القرطبي 4 / 117، الدر 4 / 430.
(4) انظر: إعراب النحاس 1 / 388، الفريد 1 / 589، القرطبي 4 / 117.
(5) معاني القرآن 1 / 411.
(6) الفريد 1 / 589.
(7) انظر: معاني الزجاج 1 / 433، إعراب النحاس 1 / 388، مشكل إعراب القرآن 1 / 146، المحرر 3 / 131، التبيان 1 / 273، 462 الفريد 1 / 589، 2 / 84، القرطبي 4 / 117، البحر 4 / 371، الدر 4 / 430.
(8) انظر: العين (ورى) 8 / 304، المحيط (ورى) 10 / 293، الصحاح (ورى) 6 / 2522، المشوف العلم (ورى) 2 / 824، اللسان (ورى) 15 / 388، التاج (ورى) 20 / 287.(2/252)
- ورَى يَرِي كوعى (1) ، حكاه أبو الهيثمِ (2) .
وذكر ابنُ سيده:
- وَرِي يَوْرَى كَوَجِلَ يَوْجَل (3) .
وسُمِعَ: وَرِيَ يرِي بالكسرِ فيهما (4) ، حكاه ثعلبٌ عنِ ابنِ الأعرابيِّ (5) .
وتوجيهُه على تداخلِ اللغتينِ والاكتفاءِ بمضارعِ من قالَ ورَى الزّنْدُ بفتحِ الرّاءِ عمّن قالَ وَرِيَ بكسرِها (6) .
- فعُل يفعَل: (من المعتلِّ) :
كُدت تَكاد: كِدتُ أفعلُ: هَمَمْتُ وقارَبتُ (7) ، وأكثرُ أهلِ اللغةِ على أنَّ الماضيَ منه كادَ، وفي إسنادِه إلى ضميرِ الرفعِ لغتانِ: كِدت وكُدت، ومستقبلُه تكادُ فحسب، وأكثرُ العربِ على الكسرِ (8) ، والضمُّ لغةُ بني عَدِيٍّ (9) . وقد حكى الأزهريُّ عنِ الليثِ: كادَ يكودُ (10) .
فعلى هذا تكونُ ثلاثَ لغاتٍ:
- كِدت أكادُ.
- كُدت أكادُ.
- كُدت أكودُ.
__________
(1) انظر: العين (ورى) 8 / 304، المحيط (ورى) 10 / 293، الصحاح (ورى) 6 / 2522، اللسان (ورى) 15 / 388، التاج (ورى) 20 / 287.
(2) انظر: تهذيب اللغة (ورى) 15 / 306.
(3) انظر: المحكم (ورى) 10 / 293.
(4) انظر: العين (ورى) 8 / 304، المحيط (ورى) 10 / 293، الصحاح (ورى)
6 / 2522، اللسان (ورى) 15 / 388، التاج (ورى) 20 / 287.
(5) انظر: تهذيب اللغة (وروى) 15 / 306.
(6) انظر: شرح لامية الأفعال 47.
(7) انظر: اللسان (كود) 11 / 225، المصباح (كود) 583، التاج (كود) 5 / 229.
(8) انظر: الأفعال لابن القطاع 3 / 107، التاج (كود) 5 / 229.
(9) انظر: تهذيب اللغة (كاد) 10 / 327، التاج (كود) 5 / 229.
(10) انظر: تهذيب اللغة (كاد) 10 / 227.(2/253)
((وقالَ الفراءُ: أمّا الذينَ ضمّوا كُدنا فإنّهم أرادوا أن يفرِّقوا بينَ فِعْلِ الكيدِ من المكيدةِ في فَعَلَ وبين فِعْلِ الكيدِ في القربِ فقالوا: كُدنا نفعلُ ذلكَ، وقالوا: كِدنا القومَ من المكيدةِ، كما فرّقوا بينَهما في يَفْعلُ، فقالوا في الأولِ: تكادُ، وفي الثاني: تكيدُ)) (1) .
وحكى الجوهريُّ كِدت أكودُ، وقالَ ابنُ بريٍّ: والمعروفُ كِدت أكادُ (2) .
ونقلَ الفيوميُّ عن ابنِ القطاعِ مثلَه (3) ، والذي في أفعالِه كُدت تكادُ، بخلافِه (4) .
قلتُ: ولعلَّ كافَ الماضي بالضمِّ كاللغةِ التي حكاها الليثُ، وكسرُها سهوٌ من المحققِ، وإن ثبتَتْ فعلى التداخلِ.
وحكى سيبويهِ عن بعضِ العربِ لغةً أخرى هيَ:
- كُدت أكادُ، بضمِّ الماضي وفتحِ المضارعِ (5) .
وفي تخريجِ هذهِ اللغةِ أقوال:
- أنّها قياسيةٌ، على لغةِ من يقولُ في الماضي كُدت وكِدت جميعاً ومضارعُها أكادُ.
- أن يوافقَ في المضارعِ من يقولُ في الماضي كِدت.
وهذانِ لابنِ جنّيٍّ (6) .
- أنّها من بابِ تركّبِ اللغتينِ، فأُخِذَ الماضي من لغةِ من يقولُ كُدت أكودُ - على القولِ بثبوتِها كما حكاه الليثُ - والمضارعُ من كِدت أكادُ (7) ، فاستغنوا بمضارعِ كِدت عن مضارعِ كُدت.
__________
(1) أدب الكاتب 484 - 485.
(2) انظر: اللسان (فضل) 11 / 225.
(3) انظر: المصباح (كود) 583.
(4) انظر: الأفعال 1 / 11.
(5) انظر: الكتاب 4 / 40، 343، الصحاح (كود) 2 / 532، المنصف 1 / 189، المحكم (ك ي د) 7 / 79، الأفعال لابن القطاع 1 / 11 شرح المفصل 7 / 154، اللسان (كيد) 3 / 383، التاج (كود) 5 / 229.
(6) انظر: المنصف 1 / 257.
(7) انظر: شرح التسهيل 3 / 437، شرح المفصل 7 / 154، المساعد 2 / 587.(2/254)
قالَ ابنُ مالكٍ: ((ورُوِيَ عن بعضِ العربِ: كُدت تكادُ، فجاءَ بماضيه على فَعُلَ وبمضارعِه على يَفْعَلُ، وهيَ عندي من تداخلِ اللغتينِ، فاستُغنِيَ بمضارعِ أحدِ المثالينِ عن مضارعِ الآخرِ، فكانَ حقُّ كُدت بالضمِّ أن يقالَ في مضارعِه تكودُ لكنِ استُغنِيَ عنه بمضارعِ المكسورِ الكافِ فإنّه على فَعِلَ، فاستحقَّ أن يكونَ مضارعُه على يَفْعَلُ بمضارعِ المكسورِ الكافِ فإنّه على فَعِلَ، فاستحقَّ أن يكونَ مضارعُه على يَفْعَلُ، فأغناهم يكادُ عن يكودُ، كما أغناهم تَرَكَ عن ماضي يذرُ ويدعُ في غير ندورٍ، معَ عدمِ اتحادِ المادةِ، بل إغناءُ يكادُ عن تكودُ معَ كونِ المادةِ واحدةً أولى بالجوازِ)) (1) .
ومنعَ ذلكَ الميدانيُّ مستبعداً إيّاه؛ لعدمِ ورودِ تكودُ في مستقبلِه (2) .
وقد عللَ سيبويهِ ورودَ ذلكَ بقولِه: ((وقد قالَ بعضُ العربِ: كُدت تكادُ، فقالَ فَعُلت تَفْعَلُ، كما قالَ فَعِلت أَفْعَلُ، وكما تركَ الكسرةَ كذلكَ تركَ الضمّةَ، وهذا قولُ الخليلِ، وهو شاذٌ من بابِه، كما أنّ فَضِلَ يَفْضُلُ شاذٌ من بابِه، فكما شرِكَتْ يَفْعِلُ يَفْعَلُ؛ كذلكَ شرِكَتْ يَفْعَلُ يَفْعُلُ، وهذهِ الحروفُ من فَعِلَ يَفْعِلُ إلى منتهى الفصلِ شواذٌ)) (3) .
وقالَ في موضعٍ آخرَ: ((وكذلكَ كُدت تكادُ اعتَلَّت من فَعُلَ يَفْعَلُ، وهيَ نظيرةُ مِتّ في أنها شاذّةٌ، ولم يجيئا على ما كثرَ واطّردَ من فَعُلَ وفَعِلَ)) (4) .
وقد وجّهَها كثيرٌ من اللغويينِ على الشذوذِ، منهم سيبويهِ في نَصَّيْهِ المتقدمينِ (5) ، وغيرُه (6) .
__________
(1) شرح التسهيل 3 / 437.
(2) انظر: نزهة الطرف 107.
(3) الكتاب 4 / 40.
(4) الكتاب 4 / 343.
(5) انظر: 4 / 40، 343.
(6) انظر: المنصف 1 / 189، 256، شرح الشافية للرضي 1 / 138، الهمع 6 / 33.(2/255)
وعللَ ابنُ جنّيٍّ شذوذَه بأحدِ أمرينِ؛ فإمّا أن يكونَ اجتُرِئَ عليه فأُخرِجَ من بابِه لضَعْفِهِ باعتلالِ عينِه، أو عُوِّضَ منِ اعتلالِ عينِه فقُوِّيَ بضربٍ من التصرّفِ ليسَ لنظيرِه (1) .
وضمُّ عينِ مضارعِ “ فَعُل ” قياسٌ لا ينكسرُ، إلاّ في حرفٍ واحدٍ لم يرد سواه (2) ، وهو هذا الحرفُ الذي ذكرَه سيبويهِ؛ قالَ: ((وقد قالَ بعضُ العربِ: كُدت أكادُ، فقالَ فعُلت تَفْعَل)) (3) ، وزادَ غيرُه: دُمت تدامُ، ومُت تمات وجُدت تجادُ (4) .
دِرَاسَةُ قُرْآنِيّةٌ: جاءَ الماضي منه مسنداً إلى تاءِ المخاطبِ في آيتينِ، هما:
1 - {وَلَولاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَ تَرْكَنُ إِلَيهِم شَيئاً قَلِيلاً} 74 / الإسراء.
2 - {قَالَ تاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرِدِيْنِ} 56 / الصافات.
وهَوَ فيهما مكسورُ الكافِ على “ فَعِلَ ”، ولم تردْ قراءةٌ بالضمِّ - حسبما نعلمُ -.
وجاءَ المضارعُ مجرّداً في عشرِ آياتٍ هيَ:
1 - {يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} 20 / البقرة.
2 - {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} 17 / إبراهيم.
3 - {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} 90 / مريم.
4 - {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} 15 / طه.
5 - {يُكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَو لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} 35 / النور.
6 - {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} 43 / النور.
7 - {تَكَادُ السَّمَوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} 5 / الشورى.
8 - {وَلاَ يَكَادُ يُبِيْنُ} 52 / الزخرف.
9 - {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ} 8 / الملك.
__________
(1) انظر: المنصف 1 / 189.
(2) انظر: أدب الكاتب 484، الأفعال لابن القطاع 1 / 11، شرح الشافية للرضي 1 / 138.
(3) الكتاب 4 / 40.
(4) انظر: الأفعال لابن القطاع 1 / 11.(2/256)
10 - {وَإِنْ يَكَادُ الّذِيْنَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِم} 51 / القلم.
ومسنداً إلى واوِ الجماعةِ في ثلاثِ آياتٍ هيَ:
1 - {فَمَا لِهَؤُلاَءِ القَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} 78 / النساء.
2 - {لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ} 93 / الكهف.
3 - {يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِيْنَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} 72 / الحج.
وجاءَ مجزوماً مجرداً في آيةٍ واحدةٍ هيَ:
1 - {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَم يَكَدْ يَرَاهَا} 40 / النور.
والفعلُ المضارعُ في كلِّ آيةٍ سبقت جاءَ بالألفِ “ يكاد ”، وهوَ على: فَعِلَ يَفْعَلُ لا غيرَ.
- فعَل يفعِل: (من الأجوف الواوي) :
طاح يَطِيحُ:
تاه يَتِيهُ: طاحَ يطوحُ ويطيحُ: هلكَ، أو أشرفَ على الهلاكِ، أو سقطَ، وكلُّ شيءٍ ذهبَ وفَنِيَ فقط طاحَ، وكذلكَ إذا تاهَ في الأرضِ (1) . وتاهَ: هلكَ، وقيلَ: التوه: الذهابُ في الأرضِ (2) ، والثابتُ المتّفقُ عليهِ في فِعْلَيهما:
طاحَ يطيحُ وتاهَ يتيهُ، واويٌّ يائيّ (3)
وحكى الخليلُ (4) ، وابنُ سيدهَ (5) ، وابنُ منظورٍ (6) ، والزبيديُّ (7) : تاهَ يتوهُ.
__________
(1) انظر: العين (طوح) 3 / 278، تهذيب اللغة (طوح) 5 / 185، الصحاح (طوح)
1 / 389، التاج (طوح) 4 / 146.
(2) انظر: العين (توه تيه) 4 / 80، تهذيب اللغة (تاه) 6 / 396، المحيط (تيه وتوه) 4 / 50، الصحاح (توه) 6 / 2229، التاج (توه) 19 / 25.
(3) انظر: العين (توه تيه) 4 / 80، تهذيب اللغة (تاه) 6 / 396، المحيط (تيه وتوه) 4 / 50، المخصص 14 / 126، المحكم 4 / 299 الاقتضاب 2 / 251، شرح الشافية للجاربردي 54.
(4) انظر: العين (توه تيه) 4 / 80.
(5) انظر: المحكم 4 / 299.
(6) انظر: اللسان (توه) 13 / 482.
(7) انظر: التاج (توه) 19 / 25.(2/257)
وحكى الجوهريُّ (1) ، والزبيديُّ (2) : طاحَ يطوحُ (3) .
قالَ البطليوسيُّ: ((واتفقوا على طاحَ يطيحُ، ولم يَحكِ أحدٌ منهم: طاحَ يطوحُ)) (4) .
وقالَ الرضيُّ: ((طُحت - بضمِّ الطاءِ - ويطوحُ، ولم يُسمعا، وكذَا لم يُسمعْ تُهت ويتوهُ ... والذي ذكرَه الجوهريُّ من يطوحُ ليسَ بمسموعٍ)) (5) .
وقد سُمِعَ:
- طَوّحتُ؛ أي أذهبتُ وحيَّرتُ، وطيَّحت بمعناه.
- تَوّهت، وتيّهت بمعناها.
- وهوَ أطوحُ منكَ وأطيحُ.
- وهوَ أتوهُ منكَ وأتيهُ (6) .
فمن قالَ: طيّحَ وتيّهَ، وأطيحُ وأتيهُ؛ فطاحَ يطيحُ وتاهَ يتيهُ عندَه قياسٌ كباعَ يبيعُ (7) .
قالَ سيبويهِ: ((ومن قالَ: طيّحتُ وتيّهتُ فقد جاءَ بها على باعَ يبيعُ مستقيمةً)) (8) .
ولكنَّ الإشكالَ فيمن قالَ: طوَّحَ وأطوحُ وتوَّهَ وأتوه وللعلماءِ أقوالٌ وتأويلاتٌ؛ منها:
__________
(1) انظر: الصحاح (طوح) 1 / 389.
(2) انظر: التاج (طوح) 4 / 146.
(3) أثبت اللغتين ابن جماعة في حاشيته 55.
(4) الاقتضاب 2 / 252.
(5) شرح الشافية 1 / 127.
(6) انظر: العين (توه، تيه) 4 / 80، (طوح طيح) 3 / 278، تهذيب اللغة (طاح)
5 / 185، المحيط (تيه وتوه) 4 / 50، (طوح) 3 / 176، الصحاح (تيه) 6/2229، المحكم 4 / 299، الاقتضاب 2 / 251، شرح الشافية للرضي 1 / 127، اللسان (تيه توه) 13 / 482، شرح الشافية للجاربردي 54، التاج (طوح) 4 / 146.
(7) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 127، للجاربردي 54، لنقره كار 35، المناهج الكافية 35، التاج (طيح) 4 / 147.
(8) الكتاب 4 / 344.(2/258)
- أنّهما على فَعِلَ يَفْعِلُ كحسِب يحسِب، وهما واويانِ، والأصلُ فيهما: طَوِحَ وتَوِهَ يطوِحُ ويَتْوِهُ، فقُلبت واوُ الماضي ألفاً لتحركِها وانفتاحِ ما قبلَها، ونُقلت حركةُ الواوِ في المضارعِ للساكنِ الصحيحِ قبلَها، ثم قُلِب ياءً لانكسارِ ما قبلَه فأصبحَ: يطيحُ ويتيهُ (1) .
وهذا رأيُ الخليلِ، نقلَه عنه سيبويهِ، قالَ: ((وأمّا طاحَ يطيحُ وتاهَ يتيهُ؛ فزعمَ الخليلُ أنهما فَعِلَ يَفْعِلُ، بمنزلةِ حسِبَ يحسِبُ، وهيَ منَ الواوِ، ويدلُّكَ على ذلكَ: طَوّحت وتوّهت، وهوَ أطوحُ منه وأتوهُ منه، فإنّما هيَ فَعِلَ يَفْعِلُ منَ الواوِ، كما كانت منه فَعِلَ يَفْعَلُ، ومِن فَعِلَ يَفْعِلُ اعتَلَّتَا.. وإنّما دعاهم إلى هذا الاعتلالِ ما ذكرتُ لكَ من كَثْرَةِ هذينِ الحرفينِ، فلو لم يفعلواَ ذلكَ وجاءَ على الأصلِ أُدْخِلَتِ الضمَةُ على الياءِ والواوِ، والكسرةُ عليهما في فَعُلت وفَعِلت ويَفْعُلُ ويَفْعِلُ، ففرّوا من أن يكثرَ هذا في كلامِهم معَ كثرةِ الياءِ والواوِ، فكانَ الحذفُ والإسكانُ أخفَّ عليهم، ومِنَ العربِ من يقولُ: ما أتيهه وتيّهت وطيّحت، وقالَ: أنَ يئينُ، فهوَ فَعِلَ يَفْعِلُ منَ الأوانِ وهوَ الحينُ)) (2) ، وصحَّحَه الرضيُّ (3) .
قال البطليوسيُّ: ((فكانَ حملُه على ما يقتضيه البابُ أولى من حملِه على الشذوذِ)) .
وقالَ: ويجوزُ أن يُقَال: إذا كانَ قولُهم طيّحَ يقتضي أن يكونَ طاحَ يطيحُ كباعَ يبيعُ، فيجبُ أن يكونَ قولُهم طوّحَ يقتضي أن يكونَ طاحَ يطيحُ كآنَ يئينُ؛ لأنهم قالوا طوّحَ وطيّحَ، واتفقوا على طاحَ يطيحُ (4) .
__________
(1) انظر: المحكم 4 / 229، شرح الشافية للرضي 1 / 127، لنقره كار 35، التاج (طيح) 4 / 147.
(2) الكتاب 4 / 344 - 345.
(3) انظر: شرح الشافية 1 / 127.
(4) انظر: الاقتضاب 2 / 251 - 252.(2/259)
- حملُها على الشذوذِ، وبه قالَ ابنُ الحاجبِ (1) ، وغيرُه (2) بناءً على أنّ الماضيَ فَعَلَ بفتحِ العينِ، ووجهُه أنَّ الأجوفَ الواويَّ من بابِ فَعَلَ لا يكونُ مضارعُه إلاّ مضموماً. وردّه الرضيُّ؛ قالَ: ((وليسَ ما قالَ المصنّفَ منَ الشذوذِ بشيءٍ، إذ لو كانَ طاحَ كقالَ لقيلَ طُحت كقُلت بضمِّ الفاءِ، ولم يُسمعْ، والأولى ألاّ تُحْمَلَ الكلمةُ على الشذوذِ ما أمكنَ)) (3)
- حملُها على التداخلِ، فيكونُ ثَمَّةَ لغتانِ:
اللغةُ المتفقُ عليها: طاحَ يطيحُ وتاهَ يتيهُ من اليائيِّ بزنةِ فَعَلَ يَفْعِلُ.
اللغةُ المختلفُ فيها: طاحَ يطوحُ وتاهَ يتوهُ منَ الواويِّ، بزنةِ فَعَلَ يَفْعُلُ.
فيكونُ أخْذُهُ مِن طاحَ يطوحُ الواويِّ الماضي، ومن طاحَ يطيحُ اليائيِّ المضارعِ، فصارَ: طاحَ يطيحُ (4) .
قالَ ابنُ جماعةَ: وسُمِعَ الماضي اليائيِّ طِحت كبِعت معَ المضارعِ الواويِّ أَطُوحُ كأقولُ، أو طُحت الماضي الواويُّ كقُلت معَ المضارعِ اليائيِّ أطيحُ كأبيعُ، وهو تداخلٌ لثبوتِ اللغتينِ فيها (5) .
وردّه الرضيُّ؛ قالَ: ((ولو ثبتَ طاحَ يطوحُ لم يكن طاحَ يطيحُ مركّباً، بل كانَ طاحَ يطيحُ كقالَ يقولُ، وطاحَ يطيحُ كباعَ يبيعُ)) (6) .
وضعّفَه الجاربرديُّ أيضاً؛ فقالَ إن ثبتَ بالياءِ فالماضي والمضارعُ منه، وإلاّ فلا يثبتُ التداخلُ (444) .
باب اسم الفاعل من “ فَعُلَ ”
__________
(1) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 128.
(2) انظر: شرح الشافية للجاربردي 54، لنقره كار 34 - 35، المناهج الكافية 35.
(3) انظر: شرح الشافية 1 / 128 - 129.
(4) انظر: شرح الشافية للرضي 1 / 128، للجاربردي 54، لنقره كار 35، المناهج الكافيه 35، التاج (تيه) 19 / 25.
(5) انظر: شرح الشافية 55.
(6) انظر: شرح الشافيه 1 / 128.(2/260)
لابُدَّ من التقديمِ - بينَ يديِ الحديثِ عن التداخلِ في هذا البابِ - بذكرِ صياغةِ اسمِ الفاعلِ من ثلاثيِّه؛ فنقولُ بأنّ القياسَ في بناءِ اسمِ الفاعلِ من “ فَعَلَ ” المفتوحِ العينِ والمتعدي من “ فَعِلَ ” المكسورِ العينِ؛ أن يكونَ بزنتِه، وأمّا “ فَعِلَ ” اللازمُ فيُصَاغُ على “ فَعِلٍ ” في الأعراضِ، و “ أَفْعَلَ ” في الألوانِ، و“ فَعْلاَنَ ” في الامتلاءِ وضدِّه ...
أمّا “ فَعُلَ ” وبابُه اللزومُ فلا يأتي على “ فَاعِلٍ ” إلاّ في كلماتٍ معدودةٍ سنأتي عليها في حديثِ التداخلِ ثَمَّ، وإنّما هو على “ فَعِيلٍ ”؛ فيقالُ: شَرُف فهوَ شَريفٌ، وظَرُف فهوَ ظَرِيفٌ.. و “ فَعْلٍ ”، نحوُ: ضَخُمَ فهوَ ضَخْمٌ، وغيرِه (1) .
عَقُرَ فَهُو عَاقِرٌ: عقرتِ المرأةُ لم تحملْ أو انقطعَ حملُها (2) ، وسُمِعَ فِعْلُ العَقْر بالضمِّ، فقيلَ: عَقُرَ على “ فَعُلَ ” وسُمِع معَه اسمُ الفاعلِ بزنتِه، فقيلَ: عَاقِرٌ، واختُلفَ في تخريجِه:
- فحمَلَه ابنُ جنّيٍّ على تداخل اللغاتِ (3) إذ سُمِعَ في فعلِه ثلاثةُ أوجهٍ (4) :
- عَقَرَ بالفتحِ من حدِّ ضَرَبَ.
- عقُر بالضمِّ من حدِّ ضَرَبَ.
- عَقِرَ بالكسرِ من حدِّ عَلِمَ.
__________
(1) انظر: شرح التسهيل 3 / 437، الارتشاف 1 / 233 - 234، توضيح المقاصد 3 / 37 - 38، المساعد 2 / 588 - 290، الهمع 6 / 57 - 59
(2) انظر: الأفعال لابن القوطية 192، المحيط (عقر) 1 / 158، مجمل اللغة 3 / 393، اللسان (عقر) 4 / 591، المصباح (عقر) 421.
(3) انظر: الخصائص 1 / 375، 384.
(4) انظر: الأفعال لابن القوطية 192، المحيط (عقر) 1 / 158، المحكم 1 / 103، التاج (عقر) 7 / 247، والأوليان فقط في: اللسان (عقر) 4 / 591، المصباح (عقر) 421.(2/261)
قال الزَّبيديُّ: جاءَ في القاموسِ ((وقد عُقِرَت المرأةُ كُعِنى ... هذهِ العبارةُ هكذا في سائرِ النسخِ ... وضبطُه كعُنِي مخالفٌ لنصوصِهم)) (1) .
قالَ الخليلُ: ((وقد عقَرت تعقِرُ، وعُقِرت تُعْقَرُ أحسنُ؛ لأنّ ذلكَ شيءٌ ينزلُ بها وليسَ من فعلِها بنفسِها)) (2) .
وسُمِعَ في اسمِ الفاعلِ وجهانِ (3) :
- عاقرٌ بزنتِه.
- وعَقِيرٌ على فَعِيلٍ.
فيكونُ وجهُ اللغاتِ:
- عَقَرَ فهوَ عاقرٌ.
- عقُر فهوَ عَقِيرٌ.
والمُستَعمِلُ: عَقُر - بالضمِّ - معَ عاقرٍ، يكونُ قد وقعَ في كلامِه تداخلٌ بينَ اللغتينِ، إذ أخَذ اسمَ الفاعلِ منَ اللغةِ الأولى معَ الفعلِ منَ اللغةِ الثانيةِ.
- وقالَ بعضُهم: عَقُر فهوَ عاقرٌ شاذٌ، والقياسُ عَقِيرٌ (4) .
قالَ ابنُ خالويهِ: ((ليسَ في كلامِ العربِ فَعُلَ وهوُ فاعلٌ إلا حرفانِ: فَرُهَ فهوَ فارهٌ، وعقُرتِ المرأةُ فهيَ عاقرٌ)) (5) وعدّ ما سواهما تداخلاً.
قالَ ابنُ جنّيٍّ: ((وممّا عدُّوه شاذاً ما ذكروه من فَعُلَ فهوَ فاعِلٌ، نحوُ: طَهُرَ فهو طَاهِرٌ، وشَعُرَ فهوَ شَاعِرٌ وحَمُضَ فَهوَ حَامِضٌ، وعَقُرَتِ المرأةُ فهيَ عَاقِرٌ، ولذلكَ نظائرُ كثيرةٌ، واعلم أنّ أكثرَ ذلكَ وعامّتَه إنّما هوَ لغاتٌ تداخلت فتركبت ... هكذا ينبغي أن يُعتَقَدَ، وهوَ أشبهُ بحكمةِ العربِ)) (6) .
__________
(1) التاج (عقر) 7 / 247.
(2) العين (عقر) 1 / 150.
(3) انظر: التاج (عقر) 7 / 247.
(4) انظر: التاج (عقر) 7 / 247.
(5) ليس في كلام العرب 120.
(6) الخصائص 1 / 375.(2/262)
وقالَ: ((فأمّا قولُهم: عَقْرَت فَهيَ عَاقِرٌ؛ فليسَ عَاقِرٌ عندَنا بجارٍ على الفعلِ جريانَ قائمٍ وقاعدٍ عليه، وإنّما هو اسمٌ بمعنى النسبِ، بمنزلةِ: امرأةٌ طاهرٌ وحائضٌ وطالقٌ، وكذلكَ قولُهم: طَلُقَت فهيَ طَالِقٌ، فليسَ عاقرٌ من عَقُرَت بمنزلةِ: حامضٍ من حَمَضَ، ولا خاثرٌ من خَثُرَ، ولا طاهرٌ من طَهُرَ، ولا شَاعِرٌ من شَعُرَ؛ لأنّ كلَّ واحدٍ من هذهِ هو اسمُ الفاعلِ وهوَ جارٍ على “ فَعَلَ ”، فاستُغنِيَ به عمّا يجري على “ فَعُلَ ” وهوَ “ فَعِيلٌ ”)) (1) .
درَاسَة قُرْآنيَّة: لم يردِ الفعلُ الماضي منَ العقرِ على أيِّ بناءٍ من أبنيتِه، وجاءَ اسمُ الفاعلِ بزنتِه “ عَاقِرٌ ” مراداَ به انعدامُ الحملِ في ثلاثِ آياتٍ هيَ:
1 - {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} 40 / آل عمران.
2 - {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} 5 / مريم.
3 - {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} 8 / مريم.
حَمُضَ فهو حَامِضٌ: الحموضةُ: ما حذا اللسانَ كطعمِ الخلِّ واللبنِ الحازرِ (2) ، وسُمِع أيضاً في كلامِ العربِ فَعُلَ فَاعِلٌ: حَمُضَ حَامِضٌ، وتوجيهُه على تداخلِ لغتينِ، هما:
- حَمَضَ على “ فَعَلَ ” من حدِّ نصَرَ.
- حَمُضَ على “ فَعُلَ ” من حدِّ كرُمَ، حكاه اللحيانيُّ (3) .
وزادَ الزبيديُّ: - حُمِضَ “ فَعِلَ ” كفرِحَ (4) .
__________
(1) الخصائص 1 / 384 - 385.
(2) انظر: العين (حمض) 3 / 111، الصحاح (حمض) 3 / 1072، المحكم (ح م ض) 3 / 99، اللسان (حمض) 7 / 139.
(3) انظر اللغتين في: العين (حمض) 3 / 111، المحيط (حمض) 2 / 450، الصحاح (حمض) 3 / 1072، ليس في كلام العرب 120 الخصائص 1 / 381، المحكم 3 / 99، اللسان (حمض) 7 / 139، المساعد 2 / 587، المصباح (حمض) 151، التاج (حمض) 10 / 41.
(4) انظر: التاج (حمض) 10 / 41.(2/263)
والذي جاءَ كلامُه: حَمُضَ فهوَ حامضٌ؛ إنّما أخذَ اسمَ الفاعلِ من لغةِ من قالَ “ حَمَضَ ” - بالفتحِ - معَ اللغةِ الثانيةِ - بالضمِّ (1) .
قالَ ابنُ خالويهِ: ((فأمّا طهُرَ فهو طاهرٌ وحمُضَ فهو حامضٌ ومَثُلَ فهو ماثلٌ فبخلافِ ذلكَ؛ يقالُ: حمَضَ أيضاً وطهَرَ ومثَلَ)) (2) .
وقالَ ابنُ جنِّيٍّ: وكذلكَ القولُ فيمن قالَ حَمُضَ فهو حامضٌ، وذلكَ أنّه يقالُ: حَمُضَ وحَمَضَ، فجاءَ حامضٌ على حَمَضَ، ثم استُغنِيَ ب“ فاعلٍ ” عن “ فعيلٍ ”، وهوَ في أنفسِهم وعلى بالٍ من تصوّرهم (3) .
وقالَ بعضُهم بشذوذِه، وردّه ابنُ جنّي؛ قالَ: ((وممّا عدّوه شاذاً ما ذكروه من فَعُلَ فهو فاعلٌ، نحوِ: ... وحمُضَ فهو حامضٌ ... واعلم أنّ أكثرَ ذلكَ وعامَّتَه إنّما هو لغاتٌ تداخَلَت فتركبَت ... هكذا ينبغي أن يُعتقدَ، وهو أشبهُ بحكمةِ العربِ)) (4) .
ولم يجئِ اسمُ الفاعلِ ولا فعلُه على أيِّ بناءٍ في القرآنِ الكريمِ.
شَعُرَ فهُوَ شَاعِرٌ: الشِّعْرُ معروفٌ؛ شَعَرَ وشَعُرَ: قالَه، وقيلَ: شعَرَ - بالفتحِ - قالَه، و - بالضمِّ - أجادَه؛ لُمِحَ فيه دلالةُ “ فَعُل ” على السجايا (5) ، وفي فعلِه لغتانِ (6) :
- شَعَرَ على “ فَعَلَ ” ككرُمَ.
وأثبتَ ابنُ عبّادٍ لغتينِ؛ قالَ: ((وشَعَرَ: قالَ الشعرَ، وشَعِرَ - بالكسرِ - صارَ شاعرًا …… ... وشَعُرَ الشعيرُ صارَ شعيرًا)) (7) .
__________
(1) انظر: ليس في كلام العرب 120، الخصائص 1 / 375، الارتشاف 1 / 233، المساعد 2 / 587.
(2) ليس في كلام العرب 120.
(3) انظر: الخصائص 1 / 381.
(4) الخصائص 1 / 375.
(5) انظر: المحكم 2 / 223، اللسان (شعر) 4 / 410، التاج (شعر) 7 / 28.
(6) انظر: تهذيب اللغة (شعر) 1 / 420، الخصائص 1 / 381، المحكم 1 / 223، اللسان (شعر) 4 / 410، التاج (شعر) 7 / 28.
(7) المحيط (شعر) 1 / 281.(2/264)
واسمُ الفاعلِ جاءَ بزنتِه “ شاعرٌ ” واستُعملَ معَ “ شعُر ”، وهو ممّا تداخلت فيه اللغتانِ، إذ أُخِذَ اسمُ الفاعلِ من “ شَعَرَ ” وجيءَ بهِ معَ “ شَعُرَ ” من اللغةِ الأخرى (1) .
قالَ ابنُ جنّيٍّ: ((وكذلكَ القولُ فيمن قالَ: شَعُرَ فهو شاعرٌ، وحَمُضَ فهو حامضٌ، وخَثُرَ فهو خاثرٌ؛ إنّما هي على نحوٍ من هذا.
وذلكَ أنّه يُقالُ: خثُرَ وخثَرَ، وحمُضَ وحمَضَ، وشعُرَ وشعَرَ، وطهُرَ وطهَرَ، فجاءَ شاعرٌ وحامضٌ وخاثرٌ وطاهرٌ على حمَضَ وشعَرَ وخثَرَ وطهَرَ، ثم استُغنِيَ ب“ فاعلٍ ” عن “ فعيلٍ ”، وهو في أنفسِهم وعلى بالٍ من تصوّرِهم. يدلُّ على ذلكَ تكسيرُهم لشاعرٍ شُعَرَاء، لمّا كانَ “ فاعلٌ ” هنا واقعاً موقعَ “ فعيلٍ ” كُسِّرَ تكسيرَه؛ ليكونَ ذلكَ أمارةً ودليلاً على إرادتِه، وأنّه مغنٍ عنه، وبدلٌ منه ... )) (2) .
قالَ سيبويهِ: ((وقد يُكَسَّرُ على “ فُعَلاَءَ ” شُبِّهَ ب“ فعيلٍ ” منَ الصفاتِ، كما شُبِّهَ في “ فُعُل ” ب“ فَعُولٍ ” وذلكَ شاعرٌ وشعراءُ)) (3) .
وقالَ ابنُ خالويهِ: ((ليسَ في كلامِ العربِ “ فاعلٌ ” وجمعُه “ فُعَلاءُ ” إلاّ شاعرٌ وشعراءُ، قالَ: وإنّما جازَ أن يُجمعَ شاعرٌ على شعراءَ، و “ فُعَلاءُ ” جمعُ “ فعيلٍ ” لا “ فاعلِ ”؛ لأنَّ منَ العربِ من يقولُ: شَعُرَ الرجلُ إذا قالَ شِعْرًا كما يقالُ شَعَرَ.
ومن قالَ: شَعُرَ؛ فالقياسُ أن يجيءَ الوصفُ على “ فعيلٍ ”، فتجنّبوا ذلكَ لئلا يلتبسَ ب“ شعيرٍ ”، ثمّ أتوا بالجمعِ على ذلكَ الأصلِ، وهذا دقيقٌ جدًا فاعرفْه؛ لأنّي ما أعلمُ استخرَجَه أحدٌ)) (4) .
__________
(1) انظر: الخصائص 1 / 375، 381، الزهر 1 / 263.
(2) الخصائص 1 / 381.
(3) الكتاب 3 / 632، انظر: المحكم 1 / 222، اللسان (شعر) 4 / 410.
(4) ليس في كلام العرب 357.(2/265)
وقد عدَّه بعضُهم في الشواذِ؛ أعني الجمعَ بينَ شَعُرَ وشاعرٍ، فردّه ابنُ جنّيٍّ؛ قالَ:
((وممّا عدُّوه شاذًا ما ذكروه من فَعُل فهو فاعلٌ؛ نحوِ: طَهُرَ فهو طاهرٌ، وشعُرَ فهو شاعرٌ، وحمُضَ فهو حامضٌ وعقُرتِ المرأةُ فهي عاقرٌ، ولذلكَ نظائرُ كثيرةٌ، واعلم أنّ أكثرَ ذلكَ وعامّتَه إنّما هو لغاتٌ تداخلت فتركبت ... هكذا ينبغي أن يُعتقدَ وهو أشبهُ بحكمةِ العربِ)) (1) .
درَاسَةٌ قُرْآنِيَّةٌ: لم يأتِ فِعلُ الشِّعرِ في القرآنِ قط، وجاءَ اسمُ الفاعلِ بزنتِه، مفردًا في أربعةِ مواضعَ، ومجموعاً في موضعٍ واحدٍ؛ هيَ:
1 - {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ْ 5 / الأنبياء.
2 - {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} 36 / الصافات.
3 - {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ} 30 / الطور.
4 - {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيْلاً مَا تُؤْمِنُونَ} 41 / الحاقة.
5 - {وَالشُّعَرَاءُ يَتبعُهُمُ الغَاوُونَ} 224 / الشعراء.
صَلُحَ فَهُوَ صَالِحٌ: الصّلاحُ ضدُّ الفسادِ معروفٌ (2) ، وفي فعلِه لغتانِ:
- صَلَحَ “ فَعَلَ ” من بابِ قَعَدَ (3) .
- صَلُحَ “ فَعُلَ ” من بابِ كَرُم (4) ، حكاه الفرّاءُ عن أصحابِه (5) .
__________
(1) الخصائص 1 / 375.
(2) انظر: الأفعال لابن القوطية 84، الصحاح (صلح) 1 / 383، مجمل اللغة 3 / 236، اللسان (صلح) 2 / 516، المصباح (صلح) 345.
(3) انظر: الأفعال لابن القوطية 84، الصحاح، مجمل اللغة 3 / 236، اللسان (صلح) 2 / 516، التاج (صلح) 4 / 125، المصباح (صلح) 345.
(4) انظر: الصحاح (صلح) 1 / 383، مجمل اللغة 3 / 236، اللسان (صلح) 2 / 516، المصباح (صلح) 345، التاج (صلح) 4 / 125.
(5) انظر: الصحاح (صلح) 1 / 383، التاج (صلح) 4 / 125.(2/266)
وحُكِيَ عنِ ابنِ دريدٍ أنّه قالَ: ليسَ صَلُحَ بثَبَتٍ (1) .
وقالَ السمينُ: ((وهيَ لغةٌ مرجوحةٌ)) (2) .
وقالَ الهمدانيُّ: ((وهما لغتانِ غيرَ أن الفتحَ أفصحُ)) (3) .
وقال الزبيديُّ: ((وقد صَلَحَ كمنَعَ، وهيَ أفصحُ؛ لأنّها على القياس)) (4) .
وجاءَ اسمُ الفاعلِ بزنتِه: صالحٌ، وبزنةِ “ فعيلٍ ”: صليحٌ، عنِ ابنِ الأعرابيِّ (5) .
فعلى هذا يُخَرّجُ ما وردَ من صَلُحَ - بالضمِّ - فهو صالحٌ على تداخلِ اللغتينِ:
- صَلَحَ فهو صالحٌ.
- صَلُحَ فهو صليحٌ.
فأُخِذَ اسمُ الفاعلِ منَ الأولى معَ الفعلِ منَ اللغةِ الثانيةِ.
دِرَاسَةٌ قُرْآنِيَّةٌ: جاءَ الفعلُ “ صلَحَ ” في آيتينِ فقط هما:
1 - {جَنَّات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِم} 23 / الرعد.
2 - {وَأَدْخِلهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَح مِنْ آبَائِهِمْ} 8 / غافر.
وجاءَ اسمُ الفاعلِ مفرداً (غَيْرَ عَلَمٍ) (6) بزنتِه في خمسٍ وثلاثينَ آيةً هيَ:
__________
(1) انظر: اللسان (صلح) 2 / 516، التاج (صلح) 4 / 125.
(2) الدر 7 / 44.
(3) الفريد 3 / 143.
(4) التاج (صلح) 4 / 125.
(5) انظر: المحكم 3 / 109، اللسان (صلح) 2 / 516، المصباح 345، التاج (صلح 4 / 125.
(6) لم نعتدّ بالأعلام لخروجها من الوصفيّة إلى العلمية.(2/267)
120 / التوبة، 46 / هود، 10 / فاطر، 4 / التحريم، 62 / البقرة، 69 / المائدة، 189 / الأعراف، 190 / الأعراف، 102 / التوبة، 97 / النّحل، 82 / الكهف، 88 / الكهف، 110 / الكهف، 60 / مريم، 82 / طه، 51 / المؤمنون، 100 / المؤمنون، 70 / الفرقان، 71 / الفرقان، 19 / النمل، 67 / القصص، 80 / القصص، 44 / الروم، 12 / السجدة، 31 / الأحزاب، 11 / سبأ، 37 / سبأ، 37 / فاطر، 40 / غافر، 33 / فصلت، 46 / فصلت، 15 / الجاثية، 15 / الأحقاف، 9 / التغابن، 11 / الطلاق.
وجاءَ جمعَ مذكرٍ سالِمًا في تسعٍ وعشرينَ آيةً، وجمَع مؤنثٍ سالِمًا في ثنتينِ وستينَ آيةً، ومثنًّى في آيةِ واحدةٍ هيَ:
1 - {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَينِ} 10 / التحريم.
القِرَاءَاتُ الوَارِدَةُ: قُرِئَ الفعلُ الماضي “ صَلحَ ” بوجهينِ:
- قراءةُ الجمهورِ بفتحِ اللامِ “ صَلَحَ ” على “ فَعَلَ ”.
- وقرأَ ابنُ أبي عبلةَ “ صَلُحَ ” بضمِّ اللامِ على “ فَعُلَ ” (1) .
قالَ السمينُ: ((وهيَ لغةٌ مرجوحةٌ)) (2) .
وقالَ غيرُه: الفتحُ أفصحُ (3) .
وقراءةُ الجمهورِ: صَلَحَ فهو صالحٌ على القياسِ، أمّا قراءةُ ابنِ أبي عبلةَ صلُح فهو صالِحٌ فعلى تداخلِ اللغتينِ.
طَهُرَ فَهُوَ طَاهِرٌ: الطهارةُ ضدُّ النجاسةِ، معروفةٌ، وسُمِعَ في فعلِها لغتانِ ثنتانِ هما (4) :
- طَهَرَ كنَصَرَ على “ فَعَلَ ”.
- طَهُرَ ككرُمَ على “ فَعُلَ ”.
__________
(1) انظر: الكشاف 2 / 358، الفريد 3 / 134، البحر 6 / 382، 9 / 239، الدر 7 / 44، 9 / 460.
(2) الدر 7 / 44.
(3) انظر: الكشاف 2 / 358، الفريد 3 / 134، البحر 6 / 382.
(4) انظر: العين (طهر) 4 / 18، تهذيب اللغة (طهر) 6 / 170، المحيط (طهر) 2 / 431، الصحاح (طهر) 2 / 727، المحكم 4 / 175 اللسان (طهر) 4 / 504، المصباح 379، التاج (طهر) 7 / 149.(2/268)
قالَ الأزهريُّ: ((وقالَ ابنُ الأعرابيِّ: طهَرتِ المرأةُ هوَ الكلامُ، ويجوزُ: طَهُرَت)) (1) .
وفعلاه عندَ ابنِ القوطيةِ بزنةِ: “ فَعِلَ ” و “ فَعُلَ ” (2) .
قالَ ابنُ سيده: ((وطهُرتِ المرأةُ وطهَرت، وطهِرت: اغتسلت منَ الحيضِ وغيرِه، والفتحُ أكثرُ عندَ ثعلبٍ)) (3) .
وقالَ الزبيديُّ: ((ونقلَ البدرُ القرافيُّ أيضاً تثليثَ الهاءِ عنِ الأسنويِّ)) (4) .
ويبدو أنّ التثليثَ مُستعملٌ في معنًى خاصٍّ بطهارةِ المرأةِ، وما سوله ممّا استُعمِلَ عامًا ففيه لغتانِ فحسب؛ كما ذكرناه آنفًا.
وسُمِعَ اسمُ الفاعلِ بزنتِه: طاهرٌ، وطَهِرٌ على “ فَعِلٍ ” ككَتِفٍ، الأخيرُ عنِ ابنِ الأعرابيِّ (5) ، وعليه أنشدَ:
أَضَعْتُ المالَ للأَحْسَابِ حَتَّى
خَرَجْتُ مُبَرَّأً طَهِرَ الثيابِ (6)
وعلى هذا يكونُ المُستعمِلُ ل: طَهُرَ فهوَ طاهرٌ مُدْخِلاً في كلامِه لغتين اثنتينِ مزاوجًا بينَهما، وهما:
- طهَرَ فهو طاهرٌ.
- طهُرَ فهو طَهِرٌ.
فأخَذَ اسمَ الفاعلِ منَ الأولى معَ فعلِ الثانيةِ (7) .
قالَ ابنُ خالويهِ: ((فأمّا طَهُرَ فهوَ طاهرٌ وحَمُضَ فهو حامضٌ ومَثُلَ فهوَ ماثلٌ فبخلافِ ذلكَ؛ يقالُ حَمَضَ أيضًا وطَهَرَ ومَثَلَ)) (8) .
__________
(1) تهذيب اللغة (طهر) 6 / 170، وانظر: التاج (طهر) 7 / 149.
(2) انظر: الأفعال 270.
(3) المحكم 4 / 175.
(4) التاج (طهر) 7 / 149.
(5) انظر: المحكم 4 / 175، اللسان (طهر) 4 / 504، التاج (طهر) 7 / 149.
(6) الشاهد في: المحكم 4 / 175، اللسان (طهر) 4 / 504، التاج (طهر) 7 / 149.
(7) انظر: الخصائص 1 / 375، 381، المصباح 690، المزهر 1 / 263.
(8) ليس في كلام العرب 120.(2/269)
وقالَ ابنُ جنّيٍّ: وكذلكَ القولُ فيمن قالَ: طهُرَ فهو طاهرٌ، وذلكَ أنّه يُقالُ: طهُرَ وطهَرَ، فجاءَ طاهرٌ على طهَرَ، ثم استُغنِيَ ب“ فاعلٍ ” عن “ فعيلٍ ” وهوَ في أنفسِهم وعلى بالٍ من تصوّرِهم (1) .
قالَ ابنُ سيده: ((قالَ أبو الحسنِ: ليسَ كما ذكرَ؛ لأنّ طهيراً قد جاءَ في شعرِ أبي ذؤيبٍ، قالَ:
فإنّ بني لِحيانَ مَا إِن ذَكَرْتهُمْ
نَثَاهُمْ إذَا أَخْنَى الِّلئَامُ طهيرُ
كذَا رواه الأصمعيُّ بالطاءِ، ويُروى ظهيرٌ بالظاءِ)) (2) .
وذهبَ بعضُهم إلى القولِ بشذوذِه، وردَّه ابنُ جنّيٍّ؛ قالَ: ((وممّا عدّوه شاذًا ما ذكروه من فعُلَ فهو فاعلٌ؛ نحوِ: طهُر فهو طاهر ... واعلم أنّ أكثرَ ذلكَ وعامّتَه إنّما هو لغاتٌ تداخلت فتركبت، ... هكذا ينبغي أن يُعتقدَ، وهو أشبهُ بحكمةِ العربِ)) (3) .
ولم يردْ فعلُه الماضي المجردُ ولا اسمُ الفاعلِ منه في القرآنِ الكريمِ.
خَثُرَ فَهُوَ خَاثِرٌ: الخثورةُ: نقيضُ الرّقَّةِ، وخَثارةُ الشيءِ: عكارتُه ووسَخُه، يقالُ خثرَ اللبنُ والعسلُ إذا غلظَ وذهبَ صفوُه (4) .
سُمِعَ التثليثُ في ماضيه بمعنًى واحدٍ (5) ، يقالُ:
- خَثَرَ - بالفتحِ - على “ فَعَلَ ”.
- خَثِرَ - بالكسرِ - على “ فَعِلَ ”.
- خثُرَ - بالضمِ - على “ فعُلَ ”.
__________
(1) انظر: الخصائص 1 / 381.
(2) المحكم 4 / 175، وانظر: اللسان (طهر) 4 / 504، التاج (طهر) 7 / 149.
(3) الخصائص 1 / 375.
(4) انظر: تهذيب اللغة (خثر) 7 / 333، الصحاح (خثر) 2 / 642، أساس البلاغة (خ ث ر) 103، اللسان (خثر) 4 / 230، المصباح (خثر) 164.
(5) انظر: الأفعال لابن القوطية 204، تهذيب اللغة (خثر) 7 / 333، الصحاح (خثر) 2 / 642، المحكم 5 / 101، اللسان (خثر) 4 / 230 المصباح (خثر) 164، التاج (خثر) 6 / 231.(2/270)
وعنِ الفرَاءِ: خثُرَ - بالضمِّ - لغةٌ قليلةٌ في كلامِهم (1) .
وسَمِعَ الكسائيُّ: خثِرَ - بالكسرِ (2) -.
وسُمِعَ اسمُ الفاعلِ منه بزنتِه، فإذا قالَ: خثُرَ فهو خاثِرٌ فإنّما هو على تداخلِ اللغتينِ؛ إذا أُخِذَ الماضي من “ فَعُلَ ” وأُخِذَ اسمُ الفاعلِ مِن لغةِ مَن قالَ “ فَعَلَ ” خَثَرَ.
قالَ ابنُ جنّيٍّ: وكذلكَ القولُ فيمن قالَ: خثُرَ فهو خاثرٌ، إنّما هوَ على نحوٍ من هذا، وذلكَ أنّه يقالُ: خثُرَ وخثَرَ فجاءَ خاثِرٌ على خثَرَ، ثم استُغنِيَ ب“ فاعلٍ ” عن “ فعيلٍ ”، وهوَ في أنفسِهم وعلى بالٍ من تصورِهم (3) .
من صُوَرِ التَّداخُلِ في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ
مرَّ سلفًا نماذجُ للتداخلِ بينَ لغتينِ في كلمتينِ منفصلتينِ؛ بأن تُؤخذَ إحداهما من لغةٍ والأخرى من اللغةِ الثانيةِ وسوفَ نقفُ في هذا المبحثِ على تداخلٍ من نوعٍ آحرَ، إذ يُؤخَذُ حرفٌ من حروفِ الكلمةِ الواحدةِ من لغةٍ وحرفٌ آخرُ من حروفِ الكلمةِ ذاتِها من لغةٍ أخرى، بحيثُ تجتمعُ في الكلمةِ المفردةِ لغتانِ.
والقولُ بتركبِ لغتينِ واجتماعِهما في كلمةٍ واحدةٍ أثبتَه قومٌ وأنكرَه آخرونَ، فممّن أثبتَه ابنُ جنّيٍّ وغيرُه، وممّن أنكرَه أبو عليٍّ الفارسيُّ.
وعلى القولِ بوجودِه؛ فله صورٌ، منها:
الجمعُ بينَ بناءينِ في كلمةٍ واحدةٍ، مثلُ:
= (الحِبُك) جمعٌ بينَ (فِعِلٍ وفُعُلٍ)
الجمعُ بينَ الهمزِ والتسهيلِ، مثلُ:
= (سِألتم) جمعَ بينَ كسرِ فاءِ المعتلِ (المُسَهَّلِ) وهمزِ عين المهموزِ.
= (سآيلتهم) جمعٌ بينَ الهمزةِ والياءِ التي هيَ تسهيلُها.
__________
(1) انظر: الصحاح (خثر) 2 / 642، التاج (خثر) 6 / 231.
(2) انظر: الصحاح (خثر) 2 / 642، اللسان (خثر) 4 / 230.
(3) انظر: الخصائص 1 / 381.(2/271)
1 - “ الحِبُك ”: الحُبُكُ: جمعُ حِبَاكٍ كمثالٍ ومُثُلٍ، وهو تكسُّرُ كلِّ شيءٍ، كالرملِ إذا مرت به الريحُ الساكنةُ، والماءُ القائمُ إذا مرت به الريحُ (1) .
وممّا حُمِلَ على التداخلِ قراءةُ أبي مالكٍ الغفاريِّ والحسنِ وغيرِهما:
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحِبُكِ} (2) - بكسرِ الحاءِ وضمِّ الباءِ - ومعلومٌ أنَّ “ فِعُلاً ” بناءٌ لم يردْ في العربيةِ؛ لأنّ أبنيةَ الاسمِ الثلاثيِّ المجردّ المتفق عليها عشرةٌ فحسب، وهيَ:
فَعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فَعُلٌ
فِعْلٌ فِعَلٌ فِعِلٌ
فُعْلٌ فُعَلٌ فُعُلٌ (3) .
وإن كانتِ القسمةُ العقليةُ تقتضي اثني عشرَ بناءً، لكن أُهْمِلَ اثنانِ منها؛ وهيَ:
__________
(1) انظر: المحيط (حبك) 2 / 385، الصحاح (حبك) 4 / 1578، التاج (حبك) 13 / 535 (515) .
(2) 7 / الذاريات وفي الآية قراءات أخرى، فقراءة الجمهور بضمّتين “ الحُبُك ”، وقرأ أبو مالك الغفاري وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو السمال ونعيم عن أبي عمرو بإسكان الباء “ حُبْكَ ”، وهي لغة بني تميم في رُسُل وعُمَر في عَمُد، وقرأ عكرمة “ حُبَك ” مثل طرقة وطُرَق وبرقه وبُرَق، وأبو مالك الغفاري والحسن وأبي حيوة “ حِبْك ”؛ تخفيفاً، كإِبْل وإِطْل، وقرأ ابن عباس وأبو مالك “ حَبَك ”؛ تخفيفاً كإِبْل وإِطْل، وقرأ ابن عباس وأبو مالك “ حَبَك ” بفتحتين.
(المحتسب 2 / 286 - 297، غرائب التفسير 2 / 1138، المحرر 15 / 201، الفريد 4 / 360، القرطبي 17 / 32، البحر 9 / 549، تحفة الأقران 50 - 51، روح المعاني 27 - 4 - 5) .
(3) انظر: الكتاب 4 / 242 - 244، التكملة 399، المنصف 1 / 18 - 19، شرح الملوكي 20 - 23، الممتع 1 / 60 - 65، شرح الكافية الشافية 4 / 2020، شرح الشافية للرضي 1 / 35، شرح الشافية للجابردي 29، حاشية ابن جماعة 29.(2/272)
“ فِعُلَ ” و “ فُعِلَ ”؛ لاستثقالِ الجمعِ بينَ حركتينِ ثقيلتينِ متتاليتينِ، والثقلُ في “ فِعُلَ ” أشدُّ؛ لأنّ فيه انتقالاً من ثقيلٍ إلى أثقل (1) .
وحسبما نعلمُ لم يردْ من الكلماتِ على هذا البناءِ إلاّ ما جاءَ في هذهِ القراءةِ المعدودةِ في الشواذِّ.
وقد اختُلِفَ في توجيهِها على قولينِ اثنينِ:
- فمن قائلٍ بأنّها من بابِ تداخلِ اللغاتِ، إذ وردَ فيها لغتانِ:
- فصيحةٌ، وهيَ بضمّتينِ، كقراءةِ الجمهورِ.
- وأخرى بكسرتينِ.
والقارئُ بالكسرِ فالضمِّ تداخلَت عليه اللغتانِ، فكسرَ الحاءَ مريدًا القراءةَ ب“ الحِبِكِ ”، ثم تداركَ الضمَّ للقراءةِ ب“ الحُبُكِ ” كما تستوجبُه اللغةُ الفصيحةُ والقراءةُ الصحيحةُ، فجمعَ بينَ أوّلِ اللفظِ على لغةٍ وآخرِه على لغةٍ أخرى، وهذا ما ارتآهُ ابنُ جنّيٍّ بعدَ أن حملَه على السهوِ (2) ، وتبعَه في ذلكَ ابنُ عطيّةَ بعدَ أن قالَ بأنّها ((لغةٌ شاذةٌ غيرُ متوجهةٍ)) (3) والقرطبيُّ بعدَ حملِها على الشذوذِ (4) ، وغيرُهم (5) ، وذكرَ أبو حيانَ والألوسيُّ بأنّ مخرجَها عندَ النّحاةِ على تداخلِ اللغتينِ (6) .
__________
(1) انظر: المنصف 1 / 20، الممتع 1 / 60 - 61، شرح الكافية الشافية 3 / 2020، شرح الشافية للرضي 1 / 35 - 36، شرح الشافية للجاربردي 29، حاشية ابن جماعة 29.
(2) انظر: المحتسب 2 / 287.
(3) المحرر 15 / 201.
(4) انظر: القرطبي 17 / 33.
(5) انظر: غرائب التفسير 2 / 1139. شرح الشافية للجاربردي 30.
(6) انظر: البحر 9 / 549، روح المعاني 27 / 5.(2/273)
- ومِن قائلٍ بأنّه ممّا أُتْبِعَ فيه حركةُ الحاءِ لحركةِ التاءِ في “ ذاتِ ” وهيَ الكسرةُ، ولم يعتدَّ باللامِ الساكنةِ؛ لأنّ الساكنَ حاجزٌ غيرُ حصينٍ، وهوَ رأيُ أبي حيانَ (1) ، وتبعَه الرُّعينيُّ، قالَ: ((وما استحسَنَه الشيخُ حسنٌ، فما زالَ يوضِّحُ المشكلاتِ ويفكُّ المعضلاتِ)) (2) .
- ومنهم منِ اكتفى بحملِ هذهِ القراءةِ على الشذوذِ فحسب (3) .
قالَ ابنُ جماعةَ: ((فالأحسنُ الجوابُ بأنَّ كسرَ الحاءِ معَ ضمِّ الباءِ شاذٌّ)) (4) .
واعتُرضَ على قولِ ابنِ جنّيٍّ في التداخلِ بوجوهٍ:
- قالَ الرضيُّ: ((وفي تركيبِ “ حِبُك ” منَ اللغتينِ - إن ثبتَ - نظرٌ؛ لأنَّ “ الحُبُك ” جمعُ الحباكِ، وهوَ الطريقةُ في الرملِ ونحوِه، و “ الحِبِك ” بكسرتينِ - إن ثبتَ - فهوَ مفردٌ، معَ بعدِه؛ لأنّ فِعِلاً قليلٌ، حتى إنّ سيبويهِ قالَ: لم يجئْ منه إلاّ إبِلٌ (5) ، ويبعدُ تركيبُ اسمٍ من مفردٍ وجمعٍ)) (6) .
- أنّ التركيبَ إنّما يكونُ في كلمتينِ، وادّعاءُ التداخلِ هاهنا في كلمةٍ واحدةٍ، وهو مستبعدٌ؛ قالَه الفارسيُّ (7) .
__________
(1) انظر: البحر 9 / 549.
(2) تحفة الأقران 52.
(3) انظر: الفريد 1 / 360.
(4) حاشية ابن جماعة 30.
(5) في الكتاب 4 / 244 ((ويكون فِعِلاً في الاسم نحو: إِبِل، وهو قليل، لا نعلم في الأسماء والصفات غيره)) .
وقال ابن خالويه: ((ليس في كلام العرب اسم على فِعِل إلاّ ثمانية أسماء؛ إِبِل، إِطِل، بأسنانه حِبِر؛ أي صفرة، ولعب الصبيان جِلِخ طِلِب، ووِتدِ وعن أبي عمر: ولا أفعل ذاك أبد الإِبدِ، حكاه ابن دريد، وامرأة بِلِز؛ ضخمة، والبِلِص: طائر، ويقال له: البلصوص ... ولم يحك سيبويه إلا حرفاً واحداً: إِبِل وحده؛ لأنّه بلا خلاف والباقية مختلف فيهن ... )) (ليس في كلام العرب 96 - 97) .
(6) شرح الشافية 1 / 39.
(7) انظر: حاشية ابن جماعة 30.(2/274)
- قالَ ابنُ مالكٍ: ((وهذا التوجيهُ لو اعترفَ به من عُزِيَتِ القراءةُ إليه لدلَّ على عدمِ الضبطِ ورداءةِ التلاوةِ، ومَن هذا شأنُه لم يُعْتَمَدْ على ما يُسمَعُ منه؛ لإمكانِ عروضِ أمثالِ ذلكَ منه)) (1) .
- وقالَ ابنُ جماعةَ في الردِّ على قولِ أبي حيّانَ: ((وفيه عندي نظرٌ؛ لأنّ أداةَ التعريفِ كلمةٌ منفصلةٌ، ومن ثمّ امتنعَ القراءُ من ضمِّ أولِ الساكنينِ إتباعاً لضمِّ ثالثِه في نحوِ {إِنِ الحُكْمُ} (2) و {قُلِ الرُّوحُ} (3) و {غُلِبَتِ الرُّومُ} (4) ولم يلحقوها ب {قُلِ انظُرُوا} (5) و {إن الحُكْمُ} (6) ونحوِهما، فالساكنُ المذكورُ حاجزٌ حصينٌ لما ذُكِرَ، على أنّه لا تجري في غير الآيةِ ونحوِها)) (7) .
2 - سِأَلْتُمْ: في قولِه تعالى: {فإنّ لَكُمْ مَا سَألْتُمْ} (8) قراءتانِ؛ قراءةُ الجمهورِ بتحقيقِ الهمزةِ وفتحِ السينِ من {سأَلْتُم} ، وقرأ إبراهيمُ النخعيُّ ويحيى بنُ وثابٍ مثلَه بكسرِ السينِ: {سِأَلتم} (9) .
__________
(1) شرح الكافية الشافية 3 / 2021 - 2022، وانظر: حاشية ابن جماعة 30.
(2) 57 / الأنعام، 40 / يوسف، 67 / يوسف.
(3) 85 / الإسراء.
(4) 2 / الروم.
(5) 101 / يونس.
(6) 57 / الأنعام، 40، 67 / يوسف.
(7) حاشية ابن جماعة 30.
(8) 61 / البقرة.
(9) انظر القراءات في: مختصر في الشواذ 7، المحتسب 1 / 87، المحرر 1 / 239، الفريد 1 / 302، القرطبي 1 / 430، البحر 1 / 380.(2/275)
قالَ ابنُ جنّيٍّ: ((فيه نظرٌ؛ وذلكَ أنّ هذهِ الكسرةَ إنّما تكونُ في أوّلِ ما عينُه معتلةٌ كبِعت وخِفت، أو في أولِ فِعْلٍ إذا كانت عينُه معتلةً أيضاً كقِيل وبِيع وحِلَّ وبِلَّ؛ أي: حُلَّ وبُلَّ، وصِعْق الرجلُ نحوُه، إلاّ أنه لا تُكْسَرُ الفاءُ في هذا البابِ إلا والعينُ ساكنةٌ أو مكسورةٌ كنِعمَ وبئسَ وصعقَ، فأمّا أن تُكسرَ الفاءُ والعينُ مفتوحةٌ في الفعلِ فلا)) (1) .
ووجّهَ العلماءُ ذلكَ على تداخلِ اللغاتِ، إذ في فعلِ المسألة لغتانِ: سَأَلَ يَسأَلُ كسَبَحَ يسبحُ بالهمزِ، وسَالَ يَسالُ كخافَ يخافُ (2) ، ومن شواهدِه قولُ حسانٍ (رضيَ الله عنه) :
سَالتْ هذيلُ رسولَ اللهِ فاحشةً
ضَلَّتْ هُذَيلٌ بما سالَتْ ولَم تُصِبِ (3)
وقد قيلَ في هذا الشاهِد: تخفيفُ الهمزةِ ضرورةٌ لا لغةٌ (4) .
وقالَ المبردُ: ((وأمّا قولُ حسانَ ... فليسَ من لغتِه سِلْتُ أسالُ، مثلُ خِفتُ أخافُ، وهما يتساو لان، هذا من لغةِ غيرِه)) (5) .
وعلى هذه اللغةِ جاءَ قولُ الشاعِر:
وَمُرْهَقٍ سَالَ إِمتَاعًا بِأُصْدَتِهِ
لَمْ يَسْتَعِنْ وَحَوَامِي الموتِ تَغْشَاهُ (6)
__________
(1) المحتسب 1 / 89.
(2) انظر: الصحاح (سأل) 5 / 1723، اللسان (سأل) 11 / 318 - 319.
(3) الشاهد له في ديوانه 34، الكتاب 3 / 468، 554، المقاضب 1 / 167، الكامل 2 / 626، المفصل 350، شرح المفصل 9 / 114، الدر 1 / 396، شرح شواهد الشافية 4 / 339 - 340، وهو بلا نسبة في: المحتسب 1 / 90، ما يجوز للشاعر 311، الفريد 1 / 302، البحر 1 / 380.
(4) انظر: المقتضب 1 / 1167، الكامل 2 / 626، ما يجوز للشاعر 311، شرح المفصل 9 / 114.
(5) الكامل 2 / 627.
(6) الشاهد في: الصحاح (سأل) 5 / 1723، اللسان (سأل) 11 / 318.(2/276)
وعندَ إسنادِ فعلِ هذهِ اللغةِ “ سال ” إلى ضميرٍ من ضمائرِ الرفعِ المتحركةِ يُقالُ: سِلْتُ كخِفتُ، وهوَ من ذواتِ الواوِ بدليلِ ما حَكَاه أبو زيدٍ من قولِهم: هما يتساولانِ، كما تقولُ: يتجاوبانِ ويتقاولانِ ويتقاومانِ (1) .
وقراءةُ {سِأَلتم} بكسرِ السينِ وتحقيقِ الهمزِ جمعٌ بينَ اللغتينِ، إذ كسرَ القارئُ فاءَ الكلمةِ على لغةِ من يقولُ سِلْتُم كخِفتُم، ثم تنبّهَ بعدَ ذلكَ إلى الهمزةِ فهمزَ العينَ بعدما سبقَ الكسرُ في الفاءِ، فقالَ ((سِألتم)) (2) .
3 - “ سَآيَلْتَهُمْ ”: ومن صورِ التداخلِ بينَ اللغاتِ في كلمةٍ واحدةٍ ما أنشدَه ثعلبٌ لبلالِ بنِ جريرٍ جدِّ عُمارةَ:
إذَا ضِفْتَهُمْ أوْ سَآيَلْتَهُمْ
وَجَدْتَ بِهِمْ عِلَّةً حَاضِرَة (3)
فقالَ: سآيلتهم، وفيه مآخذُ؛ تقديمُ الهمزةِ وهيَ العينُ على الألفِ، والإتيانُ بما هو بدلٌ منها؛ وهيَ الياءُ التي هيَ تسهيلٌ للهمزةِ في الحقيقةِ.
وللعلماءِ في تخريجِه أقوالٌ؛ منها:
__________
(1) انظر: الفريد 1 / 302، اللسان (سأل) 11 / 319.
(2) انظر: المحتسب 1 / 89، الفريد 1 / 302، البحر 1 / 380.
(3) الشاهد له في: مجالس ثعلب 1 / 308، الخصائص 3 / 146، 280، اللسان (سأل) 11 / 319، التاج (سأل) 14 / 324، وفي المحتسب 1 / 90، 2 / 287 برواية (جئتهم) وفي البحر 1 / 380 برواية (جئتهم) غير منسوب.(2/277)
- أن يكونَ الشاعرُ زادَ الياءَ وغيَّرَ الصورةَ، فصارَ مثالُه “ فَعَايَلْتَهُم ” (1) - أنّه أرادَ: ساءلتهم، بزنةِ “ فَاعَلْتَهم ”، إلاّ أنَّه زادَ الهمزةَ الأولى، فصارَ تقديرُه سآءلتهم بوزنِ: “ فَعَاءلتهم ” (2) ، فجفَا عليه التقاءُ الهمزتينِ ليسَ بينهما إلاّ الألفُ، وهيَ حاجزٌ غيرُ حصينٍ، فأبدلَ الثانيةَ ياءً تخفيفاً (3) .
- أن يكونَ الشاعرُ قد أرادَ: سَاءَلتهم “ فَاعَلْتَهُم ” من السؤالِ، ثمَ عَنَّ له إبدالُ الياءِ من الهمزةِ؛ أي: سَايَلتهم تسهيلاً على لغةٍ، فاضطربَ عليه الموضعُ، فجمعَ بينَ المعوِّضِ والمعوَّضِ منه؛ الهمزةُ والياءُ، على تَلَفُّتِهِ إلى اللغتينِ فلم يمكنْه أن يجمعَ بينَهما في موضعٍ واحدٍ؛ لأنّه لا يكونُ حرفانِ واقعينِ في موضعٍ واحدٍ عينينِ كانَا أو غيرَهما، فأجاءَه الوزنُ إلى تقديمِ الهمزةِ التي هيَ العينُ قبلَ ألفِ “ فَاعَلْتُ ”، ثم جاءَ بالياءِ التي هيَ بدلٌ منها بعدَها، فصار: سآيلتهم بزنةِ “ فَعَاعَلْتَهُم ” (4) .
قالَ ثعلبٌ: ((وهذا جمعٌ بينَ اللغتينِ؛ الهمزةِ والياءِ)) (5) .
وقالَ الزبيديُّ: ((وهذا مثالٌ لا نظيرَ يُعْرَفُ له في اللغةِ)) (6) .
الجَمْعُ بَيْنَ اللغتين
__________
(1) انظر: الخصائص 3 / 146، 280.
(2) كذا، وأُرَى أنه إذا زاد الهمزة الأولى يكون الوزن “ فأعَلْتَهُم ”.
(3) انظر: الخصائص 3 / 146 - 147.
(4) انظر: الخصائص 3 / 146 - 147، 280، المحتسب 1 / 90، 2 / 287، البحر 1 / 380، التاج (سأل) 14 / 324.
(5) مجالس ثعلب 1 / 308.
(6) التاج (سأل) 14 / 324.(2/278)
والنّماذجُ اللاحقةُ صورٌ للجمعِ بينَ اللغتينِ؛ ترتبطُ معَ تداخلِ اللغاتِ برابطٍ، ولذلكَ أدخلتها ضمنَ هذا البحثِ، وإن كانَتْ لا توافقُه كلَّ الموافقةِ؛ ذلكَ أنّ التداخلَ في الحقيقةِ هوَ جمعٌ بينَ لغتينِ، فتُسْتَعْمَلُ كلمةٌ أو حرفٌ من لغةٍ معَ مكملِها منَ الكلمةِ أو الحرفِ من لغةٍ أخرى، فيستعملانِ جميعاً في لسانٍ واحدٍ، أمّا الجمعُ فإنّما هوَ النطقُ بالكلمةِ الواحدةِ بوجهينِ يوافقُ أحدُهما لغةً ما والآخرُ الللغةَ الأخرى، ولذا يمكنني القولُ هاهنا بأنّ الجمعَ أعمُّ من التداخلِ، فكلُّ تداخلٍ جمعٌ، وليسَ كلُّ جمعٍ تداخلاً. وقد أفردتُ هذا النوعَ بعنوانٍ مستقلٍ اتباعًا لمنهجِ أبي الفتحِ، إذ ذكرَ هذهِ الأصنافَ المندرجةَ تحتَ الجمعِ في بابٍ مستقلٍ مفردٍ عن بابِ تركّبِ اللغاتِ، ترجمَه ب“ بابٌ في الفصيحِ يجتمعُ في كلامِه لغتانِ فصاعدًا ” (1) ولكنني وضعتُه أيضًا ضمنَ مفرداتِ هذا البحثِ؛ لأنّ السيوطيَّ (2) والقنوجيَّ (3) قد أدرجاه ضمنَ حديثِهم عن تداخلِ اللغاتِ، بل صدّرا البابَ بشاهدٍ من شواهدِ الجمعِ.
وللجمعِ بينَ اللغتين؛ الذي هوَ استعمالُ الكلمةِ الواحدةِ بوجهينِ على لغتينِ مختلفتينِ؛ صورُه أيضاً، ومنها:
- الجمعُ بينَ فَعَلَ وأَفْعَلَ.
- الجمعُ بينَ المدِّ والقصرِ.
- الجمعُ بينَ الإشباعِ والإسكانِ.
الجَمْعُ بَيْنَ “ فَعَلَ و “ أَفْعَل ”
كثرَ التصنيفُ في الأفعالِ الواردةِ بصيغةِ الثلاثيِّ المجردِ والمزيدِ بالهمزةِ، والآتيةِ على بنائي “ فَعَلَ ” و “ أَفْعَلَ ” سواءٌ أكانا بمعنًى واحدٍ أم مختلفٍ، وسنتطرقُ في حديثِنا عنِ الجمعِ لما جاءَ باللفظينِ بمعنى، وأحدهما لغةٌ لقبيلةٍ والثاني لأخرى.
__________
(1) الخصائص 1 / 370.
(2) انظر: المزهر 1 / 262.
(3) انظر: البلغة 172.(2/279)
سَقى وَأَسْقَى: يرى سيبويهِ أنّ الهمزةَ مزيدةٌ لإفادةِ التعريضِ؛ قالَ: ((وتجيءُ أفعلته على تُعَرِّضَهُ لأمرٍ، وذلكَ قولُك: أقتلته؛ أي: عَرْضته للقتلِ ... وتقولُ: سقيتُه فشربَ، وأسقيتُه؛ جعلتُ له ماءً وسُقيا، ألا ترى أنّك تقولُ: أسقيته نهرًا. وقالَ الخليلُ: سقيته وأسقيته أي جعلت له ماءً وسقيا، نسقيه مثلُ كسوته، وأسقيته مثلُ ألبسته)) (1) .
وقالَ الراغبُ: ((السقي والسقيا أن يعطيَه ما يشربُ، والإسقاءُ أن يجعلَ له ذلكَ حتى يتناولَه كيفَ شاءَ، فالإسقاءُ أبلغُ من السقيِ؛ لأنّ الإسقاءَ هوَ أن تجعلَ له ما يُسقى منه ويشربُ، تقولُ: أسقيته نهرًا)) (2) .
وقيلَ: سقى وأسقى لغتانِ بمعنى؛ أي أن المزيدَ استُعمِلَ بمعنى المجردِ في بعضِ اللغاتِ (3) .
وقيلَ: السقيُ مجردًا يُرَادُ به أنّه سقاه لشفتِه، وناوله الماءَ ليشربَ، والإسقاءُ لما كانَ في بطونِ الإنعامِ أو منَ السماءِ أو الأنهارِ، قاله الفراءُ وغيرُه (4) .
وقد عدَّ ابنُ جنيٍّ اجتماعَهما في لفظِ العربيِّ تداخلاً، ومما وردَ فيهما قولُ لبيدٍ:
سَقَى قَوْمِي بني مَجْدٍ وأسقى
نميرًا والقبائلَ من هلالِ (5)
دِرَاسَةٌ قُرْآنِيَةٌ: جاءَ الفعلُ الماضي “ سقى ” مجردًا مبنيًا للفاعِل في ثلاثِ آياتٍ هيَ:
1 - {فَسَقَى لَهَمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} 24 / القصص.
2 - {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} 21 / الإنسان.
3 - {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} 25 / القصص.
__________
(1) الكتاب 4 / 59.
(2) المفردات 241.
(3) انظر: الخصائص 1 / 370.
(4) انظر: تهذيب اللغة (سقى) 9 / 228، اللسان (سقى) 14 / 392، التاج (سقى) 19 / 530.
(5) الشاهد له في: تهذيب اللغة (سقى) 9 / 228، الخصائص 1 / 370، اللسان (سقى) 14 / 392، التاج (سقى) 19 / 531.(2/280)
ومبنياً لما لم يسمَّ فاعلُه في واحدةٍ هيَ:
1 - {وَسُقُوا مَاءًا حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُم} 15 / محمّد.
وجاءَ الفعلُ المضارعُ منه في خمسِ آياتٍ هيَ:
1 - {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيْرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الحَرْثَ} 71 / البقرة.
2 - {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} 23 / القصص.
3 - {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} 23 / القصص.
4 - {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} 41 / يوسف.
5 - {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ} 78 / الشعراء.
وجاءَ الماضي مزيدًا بالهمزةِ في ثلاثِ آياتٍ هيَ:
1 - {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} 27 / المرسلات.
2 - {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيّنَاكُمُوهُ} 22 / الحجر.
3 - {وَأَلَّوُا اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَة لأَسْقَيْنَاهُم مَاءً غَدَقًا} 16 / الجن.
وجاءَ مضارعًا في ثلاثِ آياتٍ أيضاً:
1 - {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} 66 / النّحل.
2 - {نُسْقِيكُمْ مِمَّا في بُطُونِهَا} 21 / المؤمنون.
3 - {وَنُسْقِيْهِ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِرًا} 49 / الفرقان.
وجاءَ المضارعُ مبنيًا لما لم يسمَّ فاعلُه مجرَدًا أو مزيداً بالهمزةِ، فالصورةُ واحدةٌ فيهما؛ في خمسِ آياتٍ هيَ:
1 - {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحدٍ} 4 / الرعد.
2 - {وَيُسْقَى مِن مَاءٍ صَدِيْدٍ} 16 / إبراهيم.
3 - {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيْلاً} 17 / الإنسان.
4 - {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} 25 / المطففين.
5 - {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} 5 / الغاشية.
نخلصُ ممّا سبقَ عرضُه إلى أنَّ القرآنَ الكريمَ قد جمعَ في آياتِه بينَ اللغتينِ؛ “ سقى ” و “ أسقى ”
وَفَى وَأوْفَى: وردَ فعلُ الوفاءِ ثلاثيًا مجرَدَا ومزيدًا بالهمزةِ.(2/281)
فقيلَ: هما لغتانِ (1) .
قالَ المبردُ: ((وأوفى أحسنُ اللغتينِ)) (2) .
وقالَ ابنُ جنّيٍّ: هما ((لغتانِ قويتانِ)) (3) .
وقالَ ابنُ سيده: ((وفيتُ بالعهدِ ... وأوفيتُ، فأمّا في الكيلِ فبالألفِ لا غيرَ)) (4) .
وممّا جاءَ بالجمعِ بينَهما قولُ طفيلٍ الغنويِّ:
أمَّا ابن طَوْقٍ فقد أَوْفَى بِذِمّتِه
كَمَا وَفَى بقلاص النَّجمِ حاديها (5)
وعدَّه ابنُ جنّيٍّ منَ الجمعِ بِينَ اللغتينِ (6) .
دِرَاسَةٌ قُرْآنِيَّةٌ: لم يجئِ الفعلُ الثلاثيُّ المجرّدُ “ وفى ” بأزمانِه الثلاثةِ في القرآنِ الكريمِ، وجاءَ المزيدُ ماضياً ومضارعاً وأمرًا، فوردَ الماضي المزيدُ بالهمزةِ في موضعينِ فحسب هما:
1 - {بَلَ مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى ... } 76 / آل عمران.
2 - {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله ... } 10 / الفتح.
وجاءَ المضارعُ غيرَ متصلٍ بضميرٍ مرفوعاً في آيةٍ ومجزوماً في أخرى:
1 - {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوْفِ بِعَهْدِكُمْ} 40 / البقرة.
2 - {أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوْفِي الكَيْلَ} 59 / يوسف.
ومسندًا إلى واوِ الجماعةِ مرفوعاً في آيتينِ ومجزومًا في واحدةٍ:
1 - {الَّذِينَ يُوْفُونَ بِعَهْدِ اللهِ ... } 20 / الرعد.
2 - يُوْفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} 7 / الإنسان.
__________
(1) انظر: الكامل 2 / 718، فعلت وأفعلت للزجاج 93، المخصص 14 / 252، ما جاء على فعلت وأفعلت للجواليقي 73، اللسان (وفى) 15 / 398، التاج (وفى) 20 / 300.
(2) الكامل 2 / 718.
(3) الخصائص 3 / 316.
(4) المخصص 14 / 252.
(5) الشاهد له في: اللسان (وفى) 15 / 398، التاج (وفى) 20 / 300، وغير منسوب في: الكامل 2 / 718 برواية (أمّا ابن بيض) ، فعلت وأفعلت للزجاج 93، الخصائص 3/316، شرح المفصل 1 / 42.
(6) انظر: الخصائص 3 / 316.(2/282)
3 - {وَليُوفُوا نُذُورَهُمْ وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ} 29 / الحج.
وجاءَ الأمرُ غيرَ متصلٍ بضميرٍ في آيةٍ واحدةٍ هي:
1 - {فَأَوْفِ لَنَا الكَيْلَ} 88 / يوسف.
ومسندًا إلى واوِ الجماعةِ في أربعِ آياتٍ:
1 - {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوْفِ بِعَهْدِكُمْ} 40 / البقرة.
2 - {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ} 1 / المائدة.
3 - {وَبِعَهْدِ الله أَوْفُوا} 152 / الأنعام.
4 - {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُم} 91 / النحل.
ومن خلالِ هذا الاستقراءِ نلحظُ أنَّ القرآنَ الكريمَ استعملَ الفعلَ المزيدَ فحسب؛ اكتفاءً بأحسنِ اللغتينِ كما قالَ المبردُ.
الجَمْعُ بَيْنَ المَقْصُورِ والمَمْدُودِ:
قد يردُ الاسمُ مقصورًا في لغةٍ ممدودًا في أخرى وهما بمعنًى، ومن ذلكَ:
البُكَاءُ والبُكَى: يُمدُّ ويُقصرُ؛ فالقصرُ على “ فُعَلٍ ”، والمدُّ على “ فُعَالٍ ”؛ قالَه الفرّاءُ وغيرُه (1) .
قيلَ: المدُّ مخرجٌ مخرجَ الضغاءِ والرغاءِ، يرادُ به الصوتُ الذي يكونُ معَ البكاءِ، والقصرُ مخرجٌ مخرجَ الأنّةِ والضّنى؛ يرادُ به الدموعُ وخروجُها؛ قالَه ابنُ دريدٍ (2) وغيرُه (3) .
وقيلَ: هما لغتانِ صحيحتانِ، لا فرقَ بينَهما (4) .
وقد جَمَع حسانُ بينَ اللغتينِ بقولِه:
__________
(1) انظر: المقصور والممدود للفراء 42 - 43، حروف الممدود والمقصور لابن السكيت 110، اللسان (بكى) 14 / 82، التاج (بكى) 19 / 212.
(2) انظر: الجمهرة 2 / 1027، الصحاح (بكى) 6 / 2284، اللسان (بكى) 14 / 82، التاج (بكى) 19 / 212.
(3) انظر: مفردات الراغب 56، الأفعال لابن القطاع 1 / 108.
(4) انظر: المقصور والممدود للفراء 42 - 43، حروف الممدود والمقصور لابن السكيت 110، الجمهرة 2 / 1027، الممدود والمقصور للوشاء 33، المزهر 1 / 264، التاج (بكى) 19 / 212.(2/283)
بَكَتْ عَيْني وحُق لَهَا بُكاها
وما يُغْنِي البُكَاءُ وَلاَ العَوِيلُ (1)
الجَمْعُ بَيْنَ إِشْبَاعِ حَرَكَةِ الضَّمِيرِ وَإسكانِهِ:
اللغةُ الفصيحةُ أنّكَ إذا أتيتَ بضميرِ الغائبِ “ الهاءِ ”؛ حرّكتَه بالضمِّ أوِ الكسرِ بحسبِ ما قبلَه، وتحذفُ هذهِ الحركَة في ضرورة الشعرِ.
وممّا وردَ فيهما جميعاً؛ أعني الإشباعَ والتسكينَ قولُ يعلى بنِ الأحولِ الأزديّ يصفُ برقًا:
أَرِقْتُ لبرقٍ دُونَهُ شَدَوانِ
يمانٍ وأَهْوَى البَرْقَ كلّ يَمَانِ
فظلتُ لدى البَيتِ العَتِيقِ أُخِيْلُهُو
ومِطوَاي مُشْتَاقَان لَهْ أَرِقانِ (2)
فالشاعرُ أثبتَ الواوَ في (أُخِيْلُهُ) ، وسكّنَ “ الهاءَ ” في “ لَهْ ”، وقد قيلَ في تخريجِه:
- إِنّ الشاعرَ سكّنَ الضميرَ في “ لَهْ ” لمّا حذفَ الصلةَ للضرورةِ؛ حتى يكونَ قد أُجْرِيَ مجرى الوقفِ إجراءً كاملاً (3) .
__________
(1) الشاهد له في: الجمهرة 2 / 1027، المزهر 1 / 264، اللسان (بكى) 14 / 82، ولابن رواحة في ديوانه 132، وله أو لكعب بن مالك في: اللسان (بكى) 6 / 43، المصباح 59.
(2) الشاهد له في: اللسان (ها) 15 / 477، (مطا) 15 / 287، الخزانة 5 / 275 برواية
(فبت لدى البيت العتيق أشيحهو ومطواي من شوق له أرقان) ولرجل من أزد السراة في: ما يجوز للشاعر 245، اللسان (مطا) 15 / 287، الخزانة 5 / 269، 275، وبلا نسبة في: المقتضب 1 / 39، 267 برواية (أريغهو) ، الخصائص 1 / 37، 128، المحتسب 1 / 244، المنصف 3 / 84، ضرائر الشعر 124، الخزانة 4 / 436 برواية (أريغهو) ، وجزؤه (لَهْ أرقان) في الحجة للقراء السبعة 1 / 134.
(3) انظر: المقتضب 1 / 39، 267، الخصائص 1 / 128، ما يجوز للشاعر 245، ضرائر الشعر 124.(2/284)
- وقيلَ: إسكانُ الهاءِ في “ لَهْ ” لغةٌ لأزدِ السراةِ، وهو قولُ أبي الحسنِ فيما حُكِيَ عنه (1) .
قلتُ: ويؤيدُه أنّ قائلَه أزديٌ، ولا يسَعُنا أن نحمِلَ التسكينَ في كلامِه على الضرورةِ وهي لغتُه.
وعليه حملَه ابنُ جنّيٍّ على الجمعِ بينَ اللغتينِ؛ وهما إثباتُ الواوِ في الأولِ، وتسكينُ الهاءِ في الثاني (2) .
قالَ: ((فهما لغتانِ، وليسَ إسكانُ الهاءِ في “ له ” عن حذفٍ لحقَ بالصنعةِ الكلمةَ، لكنَّ ذاك لغةٌ)) (3) .
وجعلَه ابنُ السراجِ من قبيلِ الضرورةِ عندَهم (4) .
- وقيلَ: إسكانُه جائزٌ عندَ بني عقيلٍ وبني كلابٍ (5) .
ومثلُه كذلكَ ما رَوى قطربُ من قولِ الشاعرِ:
وأشْرَبُ المَاءَ ما بِي نَحْوَ هُو عَطَشٌ
إلاّ لأنَّ عُيونَهُ سَيلُ وَادِيها (6)
__________
(1) انظر الحجة للقراء السبعة 1 / 134، الخصائص 1 / 128، 370، ضرائر الشعر 124، الخزانة 5 / 269، اللسان (ها) 15 / 477.
(2) انظر: الخصائص 1 / 370، اللسان (ها) 15 / 477.
(3) الخصائص 1 / 370.
(4) انظر: الخزانة 5 / 269.
(5) انظر: الخزانة 5 / 269.
(6) الشاهد في: الخصائص 1 / 128، 371، 2 / 18، المحتسب 1 / 244، ضرائر الشعر 124، المقرب 2 / 204، اللسان (ها) 15 / 477 الاقتراح 177، المزهر 1 / 262، الخزانة 5 / 270، 6 / 450، الدرر 1 / 182، البلغة 172 برواية (سال واديها) .(2/285)
فقالَ: ((نَحْوَ هُو)) بالواوِ مُشبعاً، وقالَ ((عيونَهُ)) بإسكانِ الهاءِ، وفي تخريجِه منَ الأقوالِ مثلُ ما في سابقِه؛ فهوَ على الضرورةِ عندَ قومٍ (1) ، ولغةٌ عندَ آخرينَ (2) ، فجمعَ الشاعرُ بينَ لغتينِ في بيتِه هذا (3) ، وصرّحَ بعضُهم بلفظِ التداخلِ الواقعِ في الشاهدِ (4) .
وقالَ السيوطيُّ: ((فينبغي أن يُتَأمّلَ حالُ كلامِه؛ فإن كانتِ اللفظتانِ في كلامِه متساويتينِ في الاستعمالِ وكثرتُهما واحدةٌ فأَخْلَقُ الأمرِ به أن تكونَ قبيلتُه تواضعت في ذلكَ المعنى على ذَيْنِكَ اللفظينِ؛ لأنّ العربَ قد تفعلُ ذلكَ للحاجةِ إليه في أوزانِ أشعارِها، وسعةِ تصرّفِ أقوالِها، ويجوزُ أن تكونَ لغتُه في الأصلِ إحداهما، ثمّ إنّه استفادَ الأخرى من قبيلةٍ أخرى، وطالَ بها عهدُه، وكثُر استعمالُه لها، فلحقت لطول المدّة واتساعِ الاستعمالِ بلغتِه الأولى، وإن كانت إحدى اللفظتينِ أكثرَ في كلامِه منَ الأخرى؛ فأَخلقُ الأمرِ به أن تكونَ القليلةُ الاستعمالِ هيَ الطارئةَ عليه، والكثيرةُ هيَ الأولى الأصليةَ، ويجوزُ أن تكونا مخالفتينِ له ولقبيلتِه، وإنّما قَلَّتْ إحداهما في استعمالِه لضعْفِها في نفسِه وشذوذِها عن قياسِه)) (5)
__________
(1) انظر: ضرائر الشعر 124، المقرب 2 / 203 - 204.
(2) انظر: الخصائص 1 / 371، اللسان (ها) 15 / 477، الاقتراح 177، المزهر 1/ 262، الهمع 1 / 203، البلغة 173.
(3) انظر: الخصائص 1 / 371، اللسان (ها) 15 / 477، الاقتراح 177، المزهر 1 / 262، البلغة 173.
(4) انظر: المزهر 1 / 262، وانظر: البلغة 173.
(5) المزهر 1 / 262، وانظر: البلغة 173.
المصادر والمراجع
1 - أدب الكاتب / لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276 هـ) - تح: الدالي - الطبعة الثانية - 1405 هـ - 1985 م - مؤسسة الرسالة - بيروت.
2 - ارتشاف الضرب من لسان العرب / لأبي حيان الأندلسي (ت 745 هـ) تح: د. مصطفى النحاس - الطبعة الأولى - 1404 هـ - 1984 م - دار المدني جدة.
3 - إصلاح المنطق / لابن السكيت (ت 244 هـ) - تح: شاكر وهارون - الطبعة الرابعة - دار المعارف - القاهرة.
4 - إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم / لأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه (ت 370هـ) - 1985 م - دار ومكتبة الهلال - بيروت.
5 - إعراب القراءات السبع وعللها / لأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه (ت 370 هـ) تح: د. العثيمين - الطبعة الأولى - 1413 هـ - 1992 م - مكتبة الخانجي - القاهرة.
6 - إعراب القرآن / لأبي جعفر أحمد بن محمد إسماعيل النحاس (ت 338 هـ) - تح: د. زهير غازي زاهد - الطبعة الثانية - 1405 هـ - 1985 م - عالم الكتب.
7 - الأفعال / لابن القوطية (ت 367 هـ) تح: علي فودة - الطبعة الثانية - 1993 م - مكتبة الخانجي - القاهرة.
8 - الأفعال / لأبي عثمان سعيد بن المعافري السرقسطي (ت بعد 400 هـ) - تح: د. شرف ود. علام - 1395 هـ - 1975 م. الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية.
9 - الأفعال / لأبي القاسم علي بن جعفر المعروف بابن القطاع (ت 515 هـ) الطبعة الأولى - 1403 هـ - 1983 م - عالم الكتب - بيروت.
10 - الاقتراح في أصول النحو وجدله / لجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) - تح: د. محمود فجال - الطبعة الأولى - 1409 هـ - 1989 م - مطبعة الثغر.
11 - الاقتضاب في شرح أدب الكتاب / لأبي محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي (ت 521 هـ) - تح: السقاو عبد المجيد - 1981 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب.
12 - أمالي ابن الشجري / لهبة الله بن علي بن محمد بن حمزة (ت 542 هـ) - تح: د. الطناحي - الطبعة الأولى - مكتبة الخانجي - القاهرة.
13 - البحر المحيط في التفسير / لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي (ت 754) الطبعة الجديدة - 1412 هـ - 1992 م - دار الفكر - بيروت - لبنان.
14 - بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز / لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي (ت 817 هـ) - تح: عبد العليم الطحاوي - المكتبة العلمية - بيروت - لبنان.
15 - البلغة في أصول اللغة / للسيد محمد صديق حسن خان القنوجي (ت 1307 هـ) - تح: نذير مكتبي - الطبعة الأولى - 1408 هـ - 1988 م - دار البشائر الإسلامية - بيروت - لبنان.
16 - البيان في غريب إعراب القرآن / لأبي البركات الأنباري (ت 577 هـ) - تح: د. طه عبد الحميد - 1400 هـ - 1980 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب.
17 - تاج العروس من جواهر القاموس / لمحب الدين محمد مرتضى الزبيدي (ت 1205 هـ) - تح: علي شيري - 1414 هـ - 1994 م - دار الفكر - بيروت - لبنان.
18 - التبيان في إعراب القرآن / لأبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري (ت 616 هـ) - تح: علي البجاوي - عيسى البابي الحلبي وشركاه.
19 - تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من حروف القرآن / لأبي جعفر أحمد بن يوسف الرعيني (ت 779 هـ) - تح: د. علي البواب - دار المنارة - جدة.
20 - تدريج الأداني إلى قراءة شرح السعد على تصريف الزنجاني / للشيخ عبد الحق سبط العلامة النووي الثاني - دار إحياء الكتب العربية.
21 - التفسير الكبير / للإمام الفخر الرازي (ت 606 هـ) - الطبعة الثالثة - دار إحياء التراث العربي - بيروت.
22 - التكملة / لأبي علي الفارسي (ت 277 هـ) - تح: د. كاظم المرجان - 1401 هـ - 1981 م - مديرية دار الكتب - جامعة الموصل.
23 - التكملة والذيل والصلة / للحسن بن محمد الحسن الصغاني (ت 650 هـ) - تح: عبد العليم الطحاوي وعبد الحليم حسن - 1970 - مطبعة دار الكتب - القاهرة.
24 - تهذيب اللغة / لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت 370 هـ) - تح: عبد السلام هارون وجماعة - 1384 هـ - 1964 م - المؤسسة المصرية العامة - مصر.
25 - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك / لابن أم قاسم المرادي (ت 749 هـ) - تح: عبد الرحمن سليمان - الطبعة الثانية - مكتبة الكليات الأزهرية.
26 - الجامع لأحكام القرآن / لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671 هـ) - الطبعة الثانية.
27 - جمهرة اللغة / لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد (ت 321 هـ) - تح: رمزي بعلبكي - الطبعة الأولى - 1987 م - دار العلم للملايين - بيروت - لبنان.
28 - الجيم / لأبي عمرو الشيباني (ت 188 هـ) - تح: إبراهيم الأبياري ومحمد خلف الله - 1394 هـ - 1974 م - الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية - القاهرة.
29 - حاشية ابن جماعة على شرح الشافية (ت 733 هـ) - الطبعة الثالثة - 1404هـ - 1984م - عالم الكتب.
30 - الحجة في القراءات السبع / لابن خالويه (ت 370 هـ) - تح: د. عبد العال مكرم - الطبعة الخامسة - 1410 هـ - 1980 م - مؤسسة الرسالة - بيروت.
31 - الحجة للقراء السبعة / لأبي علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي (ت 377 هـ) - تح: قهوجي وحويجاتي - الطبعة الأولى - 1404 هـ - 1984 م - دار المأمون للتراث.
32 - حروف الممدود والمقصور / لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكيت (244 هـ) - تح: د. حسن شاذلي فرهود - الطبعة الأولى - 1405 هـ - 1985 م - دار العلوم - الرياض.
33 - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب / لعبد القادر بن عمر البغدادي (1093 هـ) - تح: عبد السلام هارون - الطبعة الثانية - 1979 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب.
34 - الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 393 هـ) - تح: محمد علي النجار - دار الكتاب العربي - بيروت.
35 - ديوان الأدب / لأبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي (ت 350 هـ) - تح: د. أحمد مختار - 1394 هـ - 1974 م - الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية - القاهرة.
36 - ديوان حسان بن ثابت الأنصاري - دار صادر - بيروت.
37 - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون / لأحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي (ت756هـ) - تح: د. أحمد الخراط - الطبعة الأولى - 1406 هـ - 1986 م - دار القلم - بيروت.
38 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني / للألوسي البغدادي (ت 1270 هـ) الطبعة الرابعة - 1405 هـ - 1985 م - دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.
39 - السبعة في القراءات / لابن مجاهد (ت 324 هـ) - تح: د. شوقي ضيف - الطبعة الثانية - دار المعارف - القاهرة.
40 - شرح أدب الكاتب / لأبي منصور موهوب بن أحمد الجواليقي - دار الكتاب العربي - بيروت.
41 - شرح التسهيل / لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك (ت 672 هـ) - تح: د. السيد ود. المختون - الطبعة الأولى - 1410 هـ - 1990 م - دار هجر.
42 - شرح ديوان الفرزدق / عُني بجمعه والتعليق عليه عبد الله إسماعيل الصاوي / ط الصاوي بمصر - الطبعة الأولى 1354 هـ.
43 - شرح شافية ابن الحاجب / لرضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي (686 هـ) - تح: الحسن والزفزاف وعبد الحميد - 1395 هـ - 1975 م - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.
44 - شرح الشافية / للجاربردي (ت 746 هـ) - الطبعة الثالثة - 1404 هـ - 1984 م - عالم الكتب - بيروت.
45 - شرح الشافية / لنقرة كار - الطبعة الثالثة - 1404 هـ - 1984 م - عالم الكتب - بيروت.
46 - شرح شواهد الشافية / للبغدادي (ت 1093 هـ) = مع شرح الشافية للرضي.
47 - شرح الكافية الشافية / لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك - تح: د. عبد المنعم أحمد هريدي - الطبعة الأولى - 1402 هـ - 1982 م - منشورات جامعة أم القرى - مكة.
48 - شرح لامية الأفعال / لبدر الدين محمد بن محمد بن مالك (ت 686 هـ) - تح: محمد أديب - الطبعة الأولى - 1411 هـ - 1991 م - دار قتيبة - بيروت.
49 - شرح مختصر التصريف العزّي في فن الصرف / لمسعود بن عمر سعد الدين التفتازاني (ت 791 هـ) - تح: د. عبد العال مكرم - الطبعة الأولى - 1402 هـ - 1982 م - ذات السلاسل - الكويت.
50 - شرح المفصل / لموفق الدين بن يعيش (ت 643 هـ) - عالم الكتب - بيروت.
51 - شرح الملوكي في التصريف / لابن يعيش (ت 643 هـ) - تح: د. فخر الدين قباوة - الطبعة الأولى - 1393 هـ - 1973 م - المكتبة العربية - حلب.
52 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية / لإسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393 هـ) - تح: أحمد عبد الغفور عطار - الطبعة الثالثة - 1404 هـ - 1984 م - دار العلم للملايين - بيروت.
53 - ضرائر الشعر / لابن عصفور الاشبيلي (ت 669 هـ) - تح: السيد إبراهيم محمد - الطبعة الثانية - 1402 هـ - 1982 م - دار الأندلس - بيروت.
54 - طبقات النحويين واللغويين / لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي (ت 379 هـ) - تح: محمد أبو الفضل إبراهيم - الطبعة الثانية - دار المعارف.
55 - العين / لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ) - تح: د. المخزومي ود. السامرائي - الطبعة الأولى - 1408 هـ - 1988 م - مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان.
56 - غرائب التفسير وعجائب التأويل / لمحمود بن حمزة الكرماني - الطبعة الأولى - 1408 هـ - 1988 م - دار القبلة للثقافة الإسلامية - جدة.
57 - الفرق بين الحروف الخمسة / لأبي محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي (ت 521 هـ) تح: عبد الله الناصير - الطبعة الأولى - 1404 هـ - 1984 م - دار المأمون للتراث - دمشق.
58 - الفريد في إعراب القرآن المجيد / للمنتجب حسين بن أبي العز الهمداني (ت 643 هـ) - تح: د. محمد النمر ود. فؤاد مخيمر - الطبعة الأولى - 1411 هـ - 1991 م - دار الثقافة - قطر.
59 - فعلت وأفعلت / لأبي إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج (ت 310 هـ) - تح: ماجد الذهبي - الشركة المتحدة - دمشق.
60 - القاموس المحيط / للفيروزأبادي (ت 817 هـ) - دار الفكر - بيروت.
61 - القراءات وعلل النحويين فيها المسمى علل القراءات / لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري
(ت 370 هـ) - تح: نوال الحلوة - الطبعة الأولى - 1415 هـ - 1991 م.
62 - الكامل / لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد (ت 285 هـ) - تح: محمد أحمد الدالي - الطبعة الأولى - 1406 هـ - 1986 م - مؤسسة الرسالة - بيروت.
63 - كتاب سيبويه / لأبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (ت 180 هـ) - تح: عبد السلام هارون - عالم الكتب - بيروت.
64 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل / لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 هـ) - الطبعة الأخيرة - 1392 هـ - 1972 م - شركة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - مصر.
65 - كنز الحفاظ في تهذيب الألفاظ / لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت - دار الكتاب الإسلامي - القاهرة.
66 - لسان العرب / لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (ت 761 هـ) - دار صادر - بيروت.
67 - ليس في كلام العرب / للحسين بن أحمد بن خالويه (ت 370 هـ) - تح: أحمد عبد الغفور عطار - الطبعة الثانية - 1399 هـ - 1979 م - مكة المكرمة.
68 - ما جاء على فعلت وأفعلت بمعنى واحد مؤلف على حروف المعجم / لأبي منصور موهوب بن أحمد الجواليقي (ت 540 هـ) - تح: ماجد الذهبي - 1402 هـ - 1982 م - دار الفكر - دمشق.
69 - ما يجوز للشاعر في الضرورة / للقزاز القيرواني (ت 412 هـ) - تح: د. رمضان عبد التواب ود. صلاح الدين الهادي - مطبعة المدني - مصر.
70 - مجالس ثعلب / لأبي العباس أحمد بن يحيى (ت 291 هـ) - تح: عبد السلام هارون - الطبعة الخامسة - دار المعارف - القاهرة.
71 - مجمل اللغة / لأبي الحسين أحمد بن فارس (ت 395 هـ) - تح: هادي حمودي - الطبعة الأولى - 1405 هـ - 1985 م - معهد المخطوطات العربية - الكويت.
72 - المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها / لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 393 هـ) - تح: علي النجدي ود. عبد الحليم النجار - الطبعة الثانية - 1406 هـ - 1986 م - دار سزكين.
73 - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز / لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية (ت 546هـ) - تح: المجلس العلمي بفاس - 1395 هـ - 1975 م.
74 - المحكم والمحيط الأعظم في اللغة / لعلي بن إسماعيل بن سيده (ت 458 هـ) - تح: مصطفى السقا وحسين نصار - الطبعة الأولى 1377 هـ - 1958 م - معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية.
75 - المحيط في اللغة / لكافي الكفاة الصاحب إسماعيل بن عباد (ت 385 هـ) - تح: محمد حسن آل ياسين - الطبعة الأولى - 1414 هـ - 1994 م - عالم الكتب - بيروت.
76 - مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع / لابن خالويه (ت 370 هـ) - نشره: ج. برجشتراسر.
77 - المخصص / لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده (ت 458 هـ) - دار الكتاب الإسلامي - القاهرة.
78 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها / للسيوطي (ت 911 هـ) - تعليق: جماعة - المكتبة العصرية - بيروت.
79 - المساعد على تسهيل الفوائد / لبهاء الدين بن عقيل (ت 769 هـ) - تح: د. محمد بركات - 1400 هـ - 1980 م - منشورات جامعة أم القرى.
80 - مشكل إعراب القرآن / لمكي بن أبي طالب القيسي (ت 437 هـ) - تح: ياسين السواس - 1394 هـ - 1974 م - مجمع مطبوعات اللغة العربية - دمشق.
81 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير / لأحمد بن محمد بن علي الفيومي (ت 770 هـ) - المكتبة العلمية - بيروت - لبنان.
82 - معاني القرآن / لأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش (ت 215 هـ) - تح: د. الورد - الطبعة الأولى - 1405 هـ - 1985 م - عالم الكتب - بيروت
83 - معاني القرآن وإعرابه / لأبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج (ت 311 هـ) - تح: د. عبد الجليل شلبي - الطبعة الأولى - 1408 هـ - 1988 م - عالم الكتب - بيروت.
84 - معجم مفردات ألفاظ القرآن / للراغب الأصفهاني (ت 503 هـ) - تح: نديم مرعشلي - دار الفكر - بيروت.
85 - معجم مقاييس اللغة / لأبي الحسن أحمد بن فارس (ت 395 هـ) - تح: عبد السلام هارون - 1399 هـ - 1979 م - دار الفكر.
86 - المغني في تصريف الأفعال / د. محمد عبد الخالق عضيمة - الطبعة الثالثة - دار الحديث.
87 - المفتاح في الصرف / لعبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) - تح: د. علي الحمد - الطبعة الأولى - 1407 هـ - 1987 م - مؤسسة الرسالة - بيروت.
88 - المفصل في علم العربية / لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 هـ) - دار الجيل - بيروت.
89 - المقتضب / لأبي العباس محمد يزيد المبرد (ت 285 هـ) - تح: د. محمد عبد الخالق عضيمة - عالم الكتب - بيروت.
90 - المقرب / لعلي بن مؤمن المعروف بابن عصفور (ت 669 هـ) - تح: الجواري والجبوري - الطبعة الأولى - 1391 هـ - 1971 م - دار الكتاب الإسلامي.
91 - المقصور والممدود / لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت 207 هـ) - تح: ماجد الذهبي - الطبعة الأولى - 1403 هـ - 1983 م - مؤسسة الرسالة - بيروت.
92 - الممتع في التصريف / لابن عصفور الإشبيلي (ت 669 هـ) - تح: د. فخر الدين قباوة. الطبعة الرابعة - 1399 هـ - 1979 م - دار الآفاق الجديدة - بيروت.
93 - الممدود والمقصور / لأبي الطيب الوشاء (325 هـ) - تح: د. رمضان عبد التواب - مكتبة الخانجي - القاهرة.
94 - المناهج الكافية في شرح الشافية / لأبي يحيى زكريا الأنصاري - الطبعة الثالثة - 1404 هـ - 1984 م - عالم الكتب - بيروت.
95 - المنتخب من غريب كلام العرب - لأبي الحسن المعروف بكراع النمل (ت 310 هـ) - تح: د. محمد العمري - الطبعة الأولى 1409 هـ - 1989 م - منشورات جامعة أم القرى - مكة.
96 - المنصف شرح كتاب التصريف / لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 392 هـ) - تح: إبراهيم مصطفى البابي الحلبي - مصر.
97 - نزهة الطرف في علم الصرف / لأحمد بن محمد الميداني (ت 518 هـ) - تح: د. السيد درويش - الطبعة الأولى - 1402 هـ - 1982 م - دار الطباعة الحديثة - مصر.
98 - نزهة الطرف في علم الصرف / لعبد الله بن يوسف بن هشام (ت 761 هـ) - تح: د. أحمد هريدي - 1410 هـ - 1990 م - مكتبة الزهراء - القاهرة.
99 - النوادر / لأبي مسحل الأعرابي عبد الوهاب بن حريش - تح: عزة حسن - دمشق 1380هـ.
100 - النوادر في اللغة / لأبي زيد الأنصاري (ت 215 هـ) - تح: د. محمد عبد القادر - الطبعة الأولى - 1401 هـ - 1981 م - دار الشروق - بيروت.
101 - همع الهوامع في شرح جمع الجوامع / لجلال الدين السيوطي - تح: عبد العال مكرم - 1413 هـ - 1993 م - مؤسسة الرسالة - بيروت.(2/286)
• • •
خلاصة البحث:
- الحديث عن تداخل اللغات موضوع نحوي صرفي لغوي، وهو يعني أخذ متكلم بلغة ما من لغة غيره، بحيث ينطق باللغتين معاً.
- التداخل بين اللغات أمر راجع إلى الاستعمال.
- اختلف في حكم التداخل، فأجازه قوم، وقيده آخرون بما لم يؤدِّ إلى استعمال لفظ مهمل.
- للتداخل صور متعددة، منها ما كان في كلمتين، مما استعمل في أبنية الأفعال، بحيث يؤخذ الماضي من لغة والمضارع من لغة أخرى، أو ما يتعلق باسم الفاعل بزنته من (فَعُلَ) ومنها ما كان في كلمة واحدة، وقد مثلنا لكل بما وقفنا عليه مدعماً بالشواهد وأقوال العلماء.
- الجمع بين اللغتين يرتبط مع التداخل بوجه ويخالفه بآخر، وقد ذكرنا بعض أمثلته.
- التداخل بين اللغتين له وجوده في القرآن أيضاً، ولذا جعلنا هذا البحث دراسة لغوية قرآنية.
والله أسأل أن يجعلني ممن عمل عملاً فحسنه وأتقنه، وصلى الله على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الهوامش والتعليقات(2/287)
من النباتات الطبيعية في سراة غامد
دراسة لغوية وصفية
د. إبراهيم عبد الله الغامدي
الأستاذ المساعد بقسم اللغة والنحو والصرف - جامعة أم القرى
ملخص البحث
عُني هذا البحث بدراسة بعض النباتات التي تنمو في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديداً بمنطقة سراة غامد الشهيرة بوفرة النباتات الطبيعية التي تزدان بها أرض السراة في فصل الربيع وحتى أوائل فصل الصيف.
ويهدف البحث إلى دراسة تلك النباتات دراسة لغوية وصفية، موضحة بالصورة أجزاء النبتة.
ولما كان هذا البحث معنياً برصد ما اعترى بعض تسميات تلك النباتات من تطور صوتي أو دلالي أثناء رحلة الكلمة كان لابد لنا من الرجوع إلى مؤلفات علماء العربية القدماء اللغوية عامة والنباتية خاصة، بغية تأصيل هذه التسميات التي ينطقها أهل هذه المنطقة.
ويمثل هذا البحث الحلقة الأولى من مجموعة النباتات في المنطقة، وسوف تتبعه مجموعات أخرى بحوله تعالى.
• • •
مقدمة:
الحمد لله الذي ريَّن الأرض بالنبات، كما زيَّن السماء بالكواكب النيرات، وجعل من هذه النباتات دواءً وقوتاً للإنسان وأصلي وأسلم على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فقد تعددت الدراسات قديماً وحديثاً بتعدد ميادين الدرس، ومن بين هذه الدراسات دراسة النبات، ومن المعلوم أن الدرس النباتي نشأ مبكراً وتشعب إلى عدة شعب، بيَّن العلماء كل ما يتعلق بالموضوعات النباتية، سواء كانوا من علماء العربية القدماء، أو من الأمم الأخرى؛ لقناعتهم بأهمية هذه الدراسة المتمثلة في حاجتهم إلى النباتات كغذاء أو دواء.
فمن العلماء من عرض لهذا الموضوع من وجهة نظر طبيَّة، ومنهم من تناوله من ناحية تشريحية علمية، بينوا فيها وظائف كل جزء من النبتة. ومنهم من عرض له من ناحية لغوية، وهذا الجانب هو ما تدور هذه الدراسة حوله.(2/288)
تنبه علماء العربية القدماء لهذا الجانب وخصوه بمؤلفات مستقلة، بينوا فيها أسماء النباتات، وأوصافها، وأماكن وجودها، واستشهدوا على ذلك بفصيح كلام العرب، إلا أنهم كانوا يصفون النبات وصفاً مجملاً قد يشترك مع غيره من النباتات. بل كانوا يتجوزون في التعبير عن النبات بالشجر أو العكس.
وسار المحدثون على منهج القدماء إلا أنهم فصلَّوا ما أجمله القدماء وبينَّوا ما أبهم عليهم واستدركوا ما فاتهم، ولكل باحث منهجه الذي سار عليه.
أما هذا البحث فسأعرض فيه لبعض النباتات الطبيعية (1) التي تُزين أرض سراة غامد (2) في فصل الربيع حتى أوائل فصل الصيف. وهذه الفترة الزمنية هي وقت نمو النباتات الطبيعية وازدهارها، فما أن ينتهي فصل الشتاء، حتى تكون الأرض مُشبعة بالأمطار، وبعد أن يهل فصل الربيع، تورق الأشجار، وتكثر الأزهار، وتخضر الأرض وتبدأ في ارتداء أبهى حللها حتى تصبح حديقة غنّاء، وجنّة خضراء، عندها يستطيع الباحث أن يصف النباتات وصفاً دقيقاً، قارناً ذلك بالصورة التي كان البحث النباتي بشكل عام واللغوي بشكل خاص يفتقدها، لعدم توفرها.
والمتأمل في تعدد النباتات واختلاف ألوانها وأشكالها وأحجامها وتباين روائحها، يدرك قدرة الخالق في إحكام صنعه الذي أحكم كل شيء صنعاً.
وقد كنت مدركاً صعوبة البحث في مثل هذه الموضوعات قبل البدء، ولكني رُمت إلى المحصلة النهائية المتمثلة في الإضافة الجديدة إلى الحقل اللغوي، وهذا ما ينشده جميع الباحثين.
__________
(1) وأعني بها تلك النباتات التي تنمو نمواً طبيعياً ولا علاقة للإنسان بتعهدها ورعايتها.
(2) ينظر موقع هذه المنطقة وتفرع قبائلها وحدودها في بلاد غامد والزهران لعلي صالح الزهراني، ص 4 فما بعدها الطبعة الأولى 1391 هـ / 1971 م، ومعجم قبائل الحجاز لعاتق بن غيث البلادي 3 / 356.(2/289)
كما أن هذا العمل يعالج مشكلة معجمية تتمثل في اكتفاء المعجميين حيث يشرحون ألفاظاً كألفاظ النبات بقولهم: (معروف) ، ويصفونه وصفاً مجملاً يشترك مع غيره.
ولاشك أن الغاية المنشودة من هذا البحث هي الوقوف على أسماء النباتات وصفاً وصورة ومن ثم رصد حركة التطور الذي اعترى بعض التسميات من خلال رحلة الكلمة التي صحبتها تغيرات صوتية أو دلالية.
بدأت البحث بجمع مادته العلمية المقرونة بالصورة التي راعيت فيها زمن اكتمال نمو النبتة وقبيل أن تشيخ، متحرياً الدقة في التصوير، وذلك من خلال إبراز أغلب أجزاء النبتة.
كما استعنت بسؤال كبار السِّن من أبناء هذه المنطقة في معرفة تسميات هذه النباتات واستخداماتها.
وما هذا البحث إلا نواة لكثير مما جمعته من المادة العلمية النباتية، سينشر بإذن الله تباعاً. أما المنهج الذي سلكته في إعداد هذا البحث فكان منهجاً وصفياً تمثل في النقاط التالية:
1 - جمع الأسماء النباتية وذلك من واقع لهجة أهل هذه المنطقة قارناً ذلك بالصورة الموضحة للنبات، مقدماً الاسم الفصيح للنبتة. ولاشك أن الوسيلة الإيضاحية مهمة في العمل المعجمي الذي لا يقتصر على الوصف المجرد، بل يسند ذلك الصورة التي تمكن القاريء من الوقوف على بيان الشيء المراد وصفه، وهذه الوسيلة يتحتم وجودها في مثل هذا النوع من الأبحاث.
2 - عرض هذا المجموع على الكتب اللغوية القديمة والنباتية خاصة بغية تأصيل هذه التسميات.
3 - الوصف اللغوي لأجزاء النبتة من واقع المشاهدة لها في طبيعتها.
4 - ذكر ما أورده علماء العربية القدماء عن وصف النبتة.
5 - المقارنة بين ما ذكره أهالي المنطقة من وصف للنبات مع ما ورد في مؤلفات علماء العربية القدماء.
6 - بيان أماكن وجود النبات، وذكر مناطق انتشارها، مع تحديد زمن نموها وذبولها.(2/290)
7 - بيان الفروق الصوتية والصرفية والدلالية بين التسمية الفصيحة وما يُنطق في لهجة أهالي المنطقة موطن الدراسة إن وُجدت.
8 - الإشارة في هامش البحث إلى بعض الاستعمالات الطبية للنبات أو الإحالة إليها.
9 - رُتَّبتُ النباتات في هذه المجموعة وفق الترتيب الهجائي.
وقد استعنت في الدراسة بالعديد من المصادر والمراجع التي لها صلة بالموضوع، ككتب النبات القديمة منها والحديثة وكذلك المعاجم اللغوية.
كما أفدت من كبار السن ومن هم على دراية بأسماء النباتات كوالدي والوالد علي أحمد الغامدي وجمعان يعن الله الغامدي وسالم عبد الله الغامدي وجار الله الغامدي وغيرهم مِمّن قابلت فجزاهم الله خير الجزاء وجعل ما قدموه لي في موازين حسناتهم.
وفي الختام فإنني ألتمس العذر لما قد يكون في هذا البحث من خلل أو نقص، وحسبي أنني بذلت الجهد في سبيل إخراجه
تمهيد:
النبات مملكة كبيرة، وعلم واسع، عرض له العلماء قديماً وحديثاً، ودرسوه دراسة وافية من كافة جوانبه، إلا أن الدراسة القديمة للنباتات كانت تدور في مجملها حول الأعشاب الطبية، وهذا المنحى هو الأساس في البحث النباتي.
والمنحى اللغوي من بين هذه الدراسات التي تناولها علماء العربية القدماء وخصوها بمؤلفات مستقلة وضحوا فيها أقسام النبات وأنواعه وصفاته.
قال أبو حنيفة: ((النبات كله ثلاثة أصناف: شيء باق على الشتاء أصله وفرعه، وشيء آخر يبيد الشتاء فرعه ويبقى أصله، فيكون نباته في أرومته تلك الباقية، وشيء ثالث يبيد الشتاء فرعه وأصله فيكون نباته مما ينتشر من بزوره)) (1) .
__________
(1) المخصص 10 / 211.(2/291)
وقد كانت السمة الغالبة على هذه المؤلفات هي التعميم، يتضح ذلك من خلال عناوينها مثل كتاب “ النبات والشجر للأصمعي ” (1) ، وما خصه النضر بن شميل في كتابه “ الصفات ” (2) من حديث عن الزرع والكرم والبقول والأشجار)) .. وغيرهما من العلماء إلاّ أن هذا الحكم لا ينسحب على كل من ألف في النبات. فقد خُصت بعض الأشجار بمؤلفات مستقلة ككتاب “ النخل ” (3) لأبي حاتم السجستاني وكتاب “ النخل ” (4) للأصمعي، “ والشجر ” (5) لابن خالويه، وغيرها من المصنفات التي احتوت مجالاً دلالياً واحداً.
تلا ذلك مرحلة تتمثل في جمع ما تفرق من رسائل لغوية في النبات وغيره في مؤلفات ضمت مجموعة من الحقول كالغريب المصنف (6) لأبي عبيد القاسم بن سلام، والألفاظ لابن السكيت (7) ، والمخصص (8) لابن سيده، وغيرها. إلا أن هذه الرسائل اللغوية في النبات والشجر كان الهدف منها التدوين اللغوي بدليل اكتفاء علماء العربية القدماء - أحياناً - بذكر اسم النبتة دونما وصف لها.
__________
(1) حققه هفنر ونُشر ضمن كتاب البلغة في شذور اللغة وطبع مرة أخرى بتحقيق عبد الله يوسف الغنيم، مطبعة المتنبي الطبعة الأولى 1392 هـ / 1972 م، القاهرة.
(2) من بين ما فقد من مؤلفات التراث العربي.
(3) حققه وعلق عليه ط/ إبراهيم السامرائي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1405 هـ / 1985 م.
(4) نشره هنفر ضمن كتاب البلغة في شذور اللغة.
(5) نشره الدكتور ك هـ. Batanouny وطبع بمطبعة ماكس سمرسوفي في كرخهين (نيدر لدستس) 1909 م.
(6) حققه وقدم له محمد المختار العبيدي، مطبوعات بيت الحكمة، المغرب، 1989 م.
(7) بعنوان كنز الحفاظ في تهذيب الألفاظ نشره: لويس شيخو، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين - بيروت 1895 م.
(8) طبعة دار الفكر - بيروت.(2/292)
وما أن يطالعنا القرن الثالث الهجري حتى نجد أبا حنيفة قد ألف لنا ((موسوعة نباتية في حوالي ستة أجزاء أربعة منها في موضوع النبات عامة واثنان في أسماء النباتات مرتبة على حروف المعجم..)) (1) . وقد أجاد أبو حنيفة في وصف النباتات وكذلك في ترتيب الأسماء النباتية وفق الحروف الهجائية غير أن هذا الكتاب لم يصل إلينا كاملاً. وقد بين بعض الباحثين جهود علماء العربية القدماء في هذا الجانب بما يغني عن إعادته (2) .
ولاشك أن الدراسات اللغوية الميدانية لها مردودها الإيجابي على اللغة إذ إن تتبع الأسماء النباتية أو المفردات العربية في لهجة من اللهجات العربية وتأصيل هذه المفردات أو التسميات من واقع ما ورد عن العرب الفصحاء فيه ثراء للبحث اللغوي خاصة في هذا الزمن الذي بَعُدت فيه أكثر اللهجات العربية عن اللغة الأم (الفصحى) .
وقد قفوت كتب النبات وجل الكتب اللغوية القديمة كالمعاجم وماله علاقة بالبحث متتبعاً التسميات الواردة في لهجة أهالي المنطقة ومؤصلاً لها من مؤلفات علماء العربية القدماء وذلك من خلال وصفهم الدقيق للنبات ذاكراً الفروق الصوتية والصرفية والدلالية إن وجدت.
الحَدَق
اسم النبتة: الحَدَق، الحَدَج.
أماكن وجودها: تنتشر في مناطق السراة انتشاراً واسعاً ويكثر وجودها على حواف الأودية ومجاري السيول، ويقل وجودها على سفوح الجبال.
__________
(1) علم النبات عند العرب من مرحلة التدوين اللغوي إلى مرحلة الملاحظة العلمية المحض لإبراهيم مراد ص 262 مقال ضمن حوليات الجامعة التونسية عدد (29) ، 1988 م.
(2) ينظر النبات عند العرب (ضمن كتاب إسهامات العرب في علم النبات) ص 45 فما بعدها للدكتور حسين نصار وتاريخ النبات عند العرب لأحمد عيسى.(2/293)
وصفها: نبتة شجرية ترتفع عن الأرض قرابة المتر وتتدلى فروعها حتى تلامس الأرض ومَرَدَ ذلك لثقل ثمرتها وضعف عودها. لها أشواك حادة وبارزة على جانبي الساق وفروعه، وكذلك على العِرق المنصّف للورقة والورقة عريضة بيضاوية أما ثمرتها فأول ما تبدأ خضراء ثم تَصْفرّ شيئاً فشيئاً حتى يكتمل صفارها وشكلها كروي كالطماطم، بداخلها عدد كبير من البذور الصغيرة ذات المذاق المُر بل يعد هذا النبت من أشد النباتات مرارة.
لم يرد في مؤلفات اللغويين القدماء وصفٌ دقيق لهذا النوع من النبات كوصفهم لغيره فجاء في اللسان: ((ووجدنا بخط علي بن حمزة: الحذق: الباذنجان بالذال المنقوطة، ولا أعرفها. الأزهري عن ابن الأعرابي: يقال للباذنجان الحَدَق والمغد ... )) (1) .
وجاء في المعتمد عن ابن البيطار: ((اسم لنوع من الباذنجان بريّ وثمره يكون أخضر، ثم أصفر، وقدره على قدر الجوز وشكله شكل الباذنجان سواء، وورقه وثمره وأغصانه وسماه بعضهم: شوك العقرب..)) (2) .
وقول صاحب المعتمد إن ثمرة الحدق وثمرة الباذنجان سواء فيه نظر إذ إن ثمرة الحدق دائرية الشكل كالطماطم الدائرية على حين أن ثمرة الباذنجان أسطوانية الشكل هذا جانب، والآخر هو الحجم فالباذنجان أكبر حجماً من الحدق في هذه المنطقة
بعض أبناء هذه المنطقة ومناطق أخرى يطلقون عليه اسم “ الحَدَج ” إلا أن القدماء ذكروا أن الحدج لغة في الحنظل ولم يُبينوا الفرق بين النبتين (3) .
__________
(1) اللسان (حدق) .
(2) المعتمد في الأدوية المفردة ليوسف بن عمر التركماني. تصحيح مصطفى السقا، دار القلم، بيروت، ص 92.
(3) من فوائده الطبية كما نص عليها العلماء أنه ينفع من لسع العقرب، وثمرته يُتَبَخَّرُ بها للبواسير فيجففها وينفع منها وهذا شيء مجرب على حد قول صاحب المعتمد.(2/294)
يطلق بعض أهل السراة على هذا النوع من النبت “ الحَدَق ” بفتح أوله وثانيه. والبعض الآخر يقولون: “ حَدَج ” بالجيم مكان القاف ونطقهم لصوت الجيم قريب من القاف. وقد أشار علماء العربية القدماء لهذا النطق الذي بين الجيم والكاف والقاف وبينوا التقسيمات النطقية لكل منها (1) .
بداية النمو حُلّب اكتمال النمو
اسم النبتة: خبيزا، حُلَّيبا، حُلَّب، مُرّه، الغزالة.
أماكن وجودها: تنتشر في الوديان والمزارع، وحول المنازل، وسفوح الجبال، ويقل وجودها في أعالي الجبال.
وصفها: نبتة تفترش الأرض، أوراقها طويلة بدون عرض، يخرج من بين أوراقها المتمايلة على بعضها سيقان متفرقة قليلة، تنتهي بوردة لونها وردي مع زرقة بداخلها.
أما جذرها فوتدي، يحتوي على مادة سائلة بيضاء متى ما قطع الجذر أو أي جزء من البقلة سالت منه هذه المادة الشديدة المرارة. يستخدم النساء هذه المادة بوضعها على الثدي، بغية إفطام الرضيع عن أمه.
قال عنها علماء العربية القدماء: ((والحلب: نبات ينبت في القيظ بالقيعان وشطآن الأودية، ويلزق بالأرض حتى يكاد يسوخ ولا تأكله الإبل إنما تأكله الشاء والظباء وهي مغزرة مسمنة وتحتبل عليها الظباء يقال: تيس حلب.. وهي بقلة جعدة غبراء في خضرة تنبسط على الأرض يسيل منها اللبن إذا قطع منها شيء ... )) (2) .
__________
(1) الكتاب لسيبويه 4 / 432. وقد فصَّل القول في ذلك أستاذي الدكتور محمد جبل في كتابه أصوات اللغة العربية ص 99 فما بعدها وص 116 فما بعدها.
(2) اللسان (حلب) .(2/295)
أهل هذه المنطقة يطلقون جميع التسميات السابقة عدا اسم الغزالة، فيقولون الخُبيزا؛ لأنها تشبه في استدارتها الخبزة التي هي الطُلمة، وأما تسميتهم لها بالحليبا فلم أجد لهذه التسمية ذكراً عند القدماء ولعل مرد ذلك للمادة التي تسيل منها والتي تشبه الحليب. أما إطلاقهم عليها اسم: مُرَّة فلأن المادة التي تحتويها هذه النبتة طعمها مُرّ، ولعلها تسمية صحيحة فقد جاء في اللسان: ((هذه البقلة من أمرار البقول والمرّ الواحد)) (1) . وبعض قرى هذه المنطقة تنطق بالاسم الفصيح للنبتة وهو الحُلَّب وبنفس الصيغة. فلعل تعدد التسميات لها مشتق من صفات هذا النبت كأهل نجد الذين يطلقون عليها اسم: الغزالة؛ لأن الظباء تحتبل عليها.
بداية النمو حُمَّاض اكتمال النمو
اسم النبتة: حُمَّاض، (حُمَّيْضا) .
أماكن وجودها: سفوح الجبال، وبين الصخور، وكذلك في الشعاب.
وصفها: نبتة ترتفع عن الأرض إلى قرابة نصف المتر، جذرها أصفر اللون، يتفرع منه مجموعة من الفروع الصغيرة يتخلل السوق أوراق ملساء، خضراء اللون، متوسطة الحجم، تشبه إلى درجة كبيرة أوراق العُثْرب، وكذلك السوق وما تفرع عنها، إلا أن أوراق هذه النبتة أصغر حجماً من أوراق العثرب وأسْمَك.
أما الثمرة فذات لون أحمر، يتخللها خطوط حمراء قانية، بداخلها حبة خضراء. وطعم جميع أجزاء هذا النبات شديد الحموضة، ولعل سبب تسميته بهذا الاسم لهذه العلة.
__________
(1) اللسان (مرر) .(2/296)
يطلق بعض أهالي المنطقة على هذا النوع تسمية (الحُمَّيْضَا) . ولم أجد هذه التسمية في مؤلفات القدماء، أما بعضهم الآخر فينطق الاسم الفصيح الحُمّاض. قال الأزهري: ((والحُماض بقلة برية تنبت أيام الربيع في مسايل الماء ولها ثمرة حمراء، وهي من ذكور البقول وقال رؤبة (1) : كثمر الحُماض من هَفْت العلق ومنابت الحماض: الشُّعيبات وملاجيء الأودية، وفيها حموضة..)) (2) .
إلا أن أبا حنيفة قال: ((الحُماض من العُشب، وهو يطول طولاً شديداً وله ورقة عظيمة، وزهرة حمراء، وإذا دنا يُبْسُه ابيضّت زهرته، والناس يأكلونه..)) (3) . ولعل أبا حنيفة يعني بالحُمَّاض هنا ما يطلق عليه (العُثْرُب) فهذه النبتة تتمثل جميع هذه الأوصاف إلاّ أن العثرب شيء والحماض شيء آخر.
خِرْوَع
اسم النبتة: خِرْوَع.
أماكن وجودها: توجد في أغلب أودية جبال السِّراة بيد أن كثرتها تكون بالقرب من المساكن وفي المسارب المؤدية إليها وعلى حواف الأراضي الزراعية والأماكن القريبة من الماء، ولم أجدها في أعالي الجبال أو سفوحها.
صفتها: نبتة طبيعية رخوة، تنمو في أوائل فصل الربيع، وتذبل في فصل الصيف، ترتفع عن الأرض قرابة المتر ويزيد ارتفاعها في الأماكن التي تكثر فيها المياه، يبدأ نموها بسوق خضراء، تتفرع من أصل الجذر الوتدي، مُجوفة من داخلها يتخللها أوراق عريضة وطويلة، شديدة الخضرة، ناعمة الملمس، ينصفها عرق أخضر كبير، وخطوط شعرية على امتداد الورقة.
أما ثمرتها فتكون على شكل كعابر صغيرة، خضراء في بداية نموها، تحمل حباً صغيراً بحجم الحبة السوداء، فإذا شاخت النبتة وصارت إلى الذبول، انقلب لون هذه الكعابر مع السوق إلى اللون البُني، وتناثرت حبوبها على جنبات النبتة الأصلية، ولهذا السبب نجد كثرة هذا النبات في بقعة دون أخرى.
__________
(1) ديوانه ص 108.
(2) التهذيب 4 / 224.
(3) اللسان (حمض) .(2/297)
أما النبات الذي عرض له الدكتور حسن مصطفى في كتابه (1) ووسمه بالخروع فلا يعرفه أهالي هذه المنطقة ولم يشر إليه القدماء في مؤلفاتهم ولا أظن أن هذه النبتة هي المرادة في بيت عنترة.
تأكل الماشية من هذه النبتة كعابرها، وما يعلو النبتة من فروع، ويقال إنّ الماشية تسمن عليها. قال عنها ابن منظور: (( ... ومنه قيل لهذه الشجرة: الخروع؛ لرخاوته وهي شجرة تحمل حباً كأنه بيض العصافير يسمى: السمسم الهندي..)) (2) .
ولا تزال هذه التسمية تطلق على هذا النوع من النبات عند أهل هذه المنطقة إلا أنهم استبدلوا فتحة الواو بكسرة فيقولون: ((الخِروِع)) . ولعل هذا من باب الإتباع إتباع حركة الواو لحركة الخاء.
زَقُّوم
اسم النبتة: الزَّقُّوم.
أماكن وجودها: تنتشر في أودية جبال السراة، وحول المنازل والمسارب المؤدية إليها.
وصفها: تنبت على شكل أسْوق غبراء اللون، كأسوق العرفج، إلا أنها أسمك، يتخللها ورق أخضر في بداية النمو، ثم تكسوه غبرة عند الكبر، شكلها شبه دائري. ينمو على جوانب كل ساق كعابر مستديرة شوكية، إذا قَرُب الإنسان أو الحيوان منها علقت به. عودها وورقها شديد المرارة، وشكلها قبيح، بل تُعَدّ من أقبح النباتات شكلاً.
وقد وصفها أبو حنيفة بقوله: ((أخبرني أعرابي من أزد السراة قال: الزَّقُّوم شجرة غبراء صغيرة الورق مدروتها، لا شوك لها، ذَفِرة مُرَّة لها كعابر في سوقها كثيرة، ولها وريد ضعيف جداً يجرسه النحل، ونورتها بيضاء، ورأس ورقها خبيث جداً)) (3) .
وقد أحسن الأعرابي في وصف هذه النبتة. ومازال هذا النوع موجوداً وبنفس التسمية القديمة عند ناس هذه المنطقة.
__________
(1) نباتات في الشعر العربي ص 77 - 78 طبع مطابع جامعة الملك سعود، ط1، 1415هـ / 1995م، الرياض.
(2) اللسان (خَرع) .
(3) اللسان (زقم) وتذكرة داود ص 203.(2/298)
أما استعمال هذا النبات فلم يذكر لي أهالي السراة أي استعمال له حتى الحيوانات لا تأكله.
السَّخْبر
اسم النبتة: السَّخْبر.
أماكن وجودها: يوجد في أعالي الجبال وسفوحها. ولم أجده في الوديان أو ما جاورها.
وصفها: عُشبة ترتفع عن الأرض إلى قرابة نصف المتر، يخرج من أطرافها العليا زهر بني يشبه جزء السبلة. عوده دقيق أصفر اللون يغطي بعض أجزائه قشرة خضراء خشنة الملمس له رائحة عطرية جميلة، خاصة إذا ما وضع على الشاي كالحبق وغيره من ذوات الروائح العطرية.
قال أبو حنيفة عن أبي زياد: ((ومن الشجر: السَّخْبر، وهو الغَرز، مشبهان، ينبتان نبت الإذخر على طوله وعرضه وريحه وأخبرني بعض الأعراب أن منابت السخبر: الجلد، والأقبال (1) الغليظة، لا ينبت في السهل ولا في وادي مَيَّه (2) وقال بعض الرواة: السخبر شجر يشبه الثُمام له جرثومة وعيدانه كالكراث في الكثرة، كأن ثمره مكاسح القصب أو أرق منها ذا طال تدلت رؤوسه وانحنت وفيه حرارة وذَفَر طيب..)) (3) .
من النص السابق يتضح لنا وسم أبي حنيفة لهذا النوع من النبات بالشجر وليس كذلك كما هو واضح في الصورة ولعل القدماء كانوا يتجوزون في التعبير عن النبات بالشجر أو العكس وهذا دليل على ذلك إذ إن السخبر نبت صغير من أنواع الحشائش كما سبق وصفه وما زالت هذه التسمية وبنفس الصيغة موجودة عند أهالي هذه المنطقة.
سُذاب
اسم النبتة: سَذاب، فَيْجَن، حَزاء، فيجل، الخُفْت.
أماكن وجودها: ينتشر في معظم مناطق السراة، إذ ينبت في الجبال، والأودية، وقرب المنازل، وعلى جنبات الطرق.
__________
(1) يعني: سفوح الجبال.
(2) الوادي كثير الماء.
(3) النبات 2 / 31.(2/299)
وصفها: نبات أخضر اللون يميل إلى الزّرقة، يصل ارتفاعه إلى المتر، يتكون من مجموعة من السيقان، يتخللها فروع جانبية، وأوراق صغيرة خضراء اللون، يعلوه زهرة صفراء لها رائحة قوية عطرية، تكتمل هذه الزهرة في آخر فصل الصيف، يتوسط الزهرة حبة خضراء كحبة البُنّ إلا أنها مستديرة. لهذا النوع فوائد طبية كثيرة (1) .
لم يوضح لنا علماء العربية القدماء وصف هذا النبات كتوضيحهم لغيره إلا أنهم أشاروا إليه في مصنفاتهم ومما ورد عنهم قول أبي حنيفة: ((السذاب: الفيجن، السذاب: فارسي معرب، قد جرى في كلام العرب، وسذاب البر هذا الذي يقال له: الحَزَاء وهو نبت)) (2) . وقال أبو هلال العسكري: ((والفيجن: السذاب)) (3) .
ويقول ابن دريد: ((والفيجن الذي يسمى السذاب لغة شاميّة. قال أبو بكر: لا أعرف للسذاب اسماً في لغة أهل نجد إلا أن أهل اليمن يسمونه الخُفْت)) (4) .
وقال ابن منظور: ((الحزا والحزاء جميعاً نبت يشبه الكَرَفْس، وهو من أحرار البقول ولريحه خَمْطَة تزعم الأعراب أن الجن لا تدخل بيتاً يكون فيه الحزاء..)) (5) .
وقد أكد آدي شير فارسية الكلمة فقال: ((السداب والسذاب نبات يقارب شجر الرمان، ورقه كالصعتر، وزهره أصفر ورائحته بجملته مكروهة تعريب سِدَاب ومنه التركي سداف)) (6) .
__________
(1) ينظر المعتمد في الأدوية 219، 220.
(2) النبات 2 / 5.
(3) التلخيص في معرفة أسماء الأشياء 1 / 467.
(4) الجمهرة 2 / 1172.
(5) اللسان (حزا) .
(6) الألفاظ الفارسية المعربة ص 88.(2/300)
ومما سبق نلحظ قول علماء العربية القدماء بفارسية الكلمة وأنها ليست عربية، إلا أن وصف آدي شير لهذا النوع من النبات ليس دقيقاً. فهذا النبات لا يصل إلى ارتفاع شجر الرمان، كما أن رائحته ليست كريهة، وأوراقه ليست كأوراق الصعتر. فلعل ما ذكره نبت آخر غير الذي نحن بصدده. أما قول ابن منظور إن الجن لا تدخل بيتاً يكون فيه الحزاء فلازال هذا الزعم إلى اليوم.
وهذه التسمية مازالت تطلق على هذا النوع من النبات إلى عصرنا عند أهالي هذه المنطقة وعند غيرهم ممن يقطنون السراة، ويجمعون عليها دونما خلاف حتى في نطقهم لها إلا أنهم استبدلوا فتحة السين بضمة فيقولون: (السُّذاب) أما بقية أسماء هذه النبتة فلا يعرفها أهل هذه المنطقة.
السَّنُّوت
اسم النبتة: السَّنُّوت.
أماكن وجودها: الوديان، وبالقرب من المنازل، والمسارب المؤدية إليها.
وصفها: نبات حولي يبدأ نموه مع أوائل فصل الربيع، وهو عبارة عن مجموعة من السيقان الخضراء القانية المخططة بخطوط دقيقة، تتفرع إلى عدّة فروع، وكل فرع يعلوه خيوط خضراء دقيقة ناعمة وهي كالأوراق في بقية النباتات، تتحول هذه الخيوط بعد أن يشيخ النبات إلى اللون الأصفر، وكذلك السوق.
أما الزهرة فخضراء على شكل مظلة دائرية، وذلك في بداية تكونها، تحمل حبوباً صغيرة خضراء. وتتفرع الزهرة إلى مجموعات، كل مجموعة تحمل كماً من الحبوب، وفي أواخر فصل الصيف تبدأ في الاصفرار، وتكبر الحبوب التي تحملها مع الاحتفاظ بلونها الأول، وهذه الحبوب مضلعة الشكل لها رائحة جميلة وحجمها كحجم حبوب الشَّمَر.
أما طول هذا النبات وقصره فيتوقف على البيئة التي ينمو فيها، فإن كانت التربة جيدة والماء كثير فيرتفع إلى أكثر من مترين وإن كانت الأرض غير جيدة والماء قليل فيصل ارتفاعه إلى المتر أو يزيد قليلاً. له رائحة جميلة، وأهل المنطقة يستخدمون فروعه للسواك لأنه يطيب الفم.(2/301)
جميع أجزاء هذا النبات يستفاد منها حيث تطبخ الخيوط الشعرية وكذلك الفروع الرطبة وتؤكل وذلك في بداية نمو هذا النبات. كما يصفون الثمرة للعديد من الأمراض، كالأمراض الباطنية، والغثيان، والقيء وغيرها وهو مُجَرَّب (1) .
عرض لهذا النبات جلّ علماء العربية القدماء، وكذلك بعض الباحثين المحدثين، بغية الوصول إلى تحديد هذا النوع من النبات لما ذُكر من فوائده في أحاديث المصطفى (التي من بينها قوله: ((لو كان شيء ينجي من الموت لكان السَّنا والسنوت)) (2) علاوة على ما ورد في الأثر والتراث العربي عنه.
أما ما ذكره بعض اللغويين عن هذا النبات فقول أبي حنيفة: ((أخبرني أعرابي من أعراب عمان قال: السنوت عندنا الكمون. وقال: وليس من بلادنا ولكن يأتينا من كِرمان. وقال لي غيره من الأعراب: هو الرازيانج ونحن نزرعه، وهو عندنا كثير. وقال: هو رازيانجكم هذا بعينه قال الشاعر:
هم السمن بالسنوت لا ألس فيهم ... وهم يمنعون جارهم أن يقردا
وقد أكثر الناس فيه، فقال بعض الرواة: السنوت هاهنا الشمر، وقيل: الرّب.
وقيل: العسل، وقيل: الكمون. وقال ابن الأعرابي: هو حب يشبه الكمون وليس به)) (3) . وقال أبو حنيفة في موضع آخر (4) إنه السِّبت، أي الشِّبت.
__________
(1) ينظر السنا والسنوت د/ محمد البار، ص 79 فيما بعدها. مكتبة الشرق الإسلامي، الطبعة الأولى 1412 هـ / 1992 م، المملكة العربية السعودية. وجامع الشفاء لعلي عبد الحميد ص 301 فما بعدها، المكتبة التجارية، ط1، 1413 هـ.
(2) الترمذي رقم 2082، ومسند أحمد 6 / 369.
(3) النبات 2 / 248. وينظر حدائق الأدب ص 243، واللسان (سنت) .
(4) النبات 2 / 26.(2/302)
ومما سبق يتضح لنا خلاف العلماء حول تحديد هذا النوع من النبات. والراجح أن قول ابن الأعرابي هو الصحيح؛ لأنَّ غالبية من يقطنون السراة يجمعون على هذه التسمية، وهو كما قال ابن الأعرابي يشبه الكمون لدرجة اللبس، ولكن المدقق في النباتين يلحظ الفرق بينهما. فنبتة الكمون تتقارب سوقه وتتفرع، وثمرته مجتمعة مع بعضها، أما السنوت فكل ساق ينبت على حدة من أصل الجذر، وثمرته دائرية، ولكنها متفرقة. كما أن حبوب ثمرة الكمون، تختلف عن حبوب السنوت، فالأولى بنية اللون، والثانية خضراء. وقد قارنت بين النباتين مقارنة عملية، بغية التعرف على الفروق الدقيقة بين النبتتين، فوقفت على الفروق السابقة.
أما ما ورد في بيت الحصين بين القعقاع، فالراجح أنّ المقصود به العسل، وليس النبات؛ لأن العرب دائماً يقرنون بين السمن والعسل. وعلى هذا فتكون كلمة السنوت من كلمات المشترك اللفظي (1) ويكون الفيصل في تحديد دلالتها السياق الواردة فيه الكلمة.
ومازال أهل هذه المنطقة بل أهالي السراة يُجمعون على أن هذه التسمية تطلق على هذا النوع من النبات. أما نطقهم للكلمة فبفتح السين وضم النون مع تشديدها وهي لغة فصيحة قال ابن الأثير: ((ويروى بضم السين والفتح أفصح..)) (2) .
ضُرَم
اسم النبتة: ضُرَم.
أماكن وجودها: توجد بكثرة في أعالي الجبال، وبين الصخور، وحول شجر العرعر، وكذلك على جنبات السفوح والوديان.
وصفها: نبتة ترتفع عن الأرض قرابة المتر أو أكثر قليلاً، سوقها ناعم، وكل ساق على حدة وذلك من أصل الجذر يتخللها أوراق خضراء قانية كأوراق الشِّيح، على شكل الرقم ثمانية وهذا اللون للأوراق في أوج نموها، ثمّ ينقلب لونها بعد أن تكبر النبتة نحو الغبرة. يبدأ نموها في أوائل فصل الربيع، وتبدأ في الذبول في أواخر الصيف.
__________
(1) ينظر المزهر 1 / 407 - 408.
(2) اللسان (سنت) .(2/303)
أما ثمرتها فذات لون وردي، يخالطها سواد لمن رآها عن بعد، وبياض يميل إلى الاصفرار، لها رائحة عطرية ذكية. يضعها بعض أبناء المنطقة على اللبن ليذكي طعمه.
قال عنها أبو حنيفة: ((شجر طيب الريح، وكذلك دخانه طيب)) وقال:
((الضُرَم واحدته ضُرْمة شجر نحو القامة، أغبر الورق، شبيه بورق الشيح أو أجل قليلاً، وله ثمر أشباه البلوط حُمْر إلى السواد تأكله الغنم ... وله ورد أبيض صغير كثير العسل.. ولعسله فضل في الجودة، وله حطب لاجمر له وهو طيب الرائحة)) (1) .
ووصْف أبي حنيفة للنبتة كان دقيقاً إلا أن هذا النوع لايصل ارتفاعه - كما ذكر - إلى القامة، إلاّ أن يكون ذلك في أماكن أُخر.
وهذا الاسم للنبتة مازال مستخدماً بمعناهُ ولفظه لم يمسسه تغيير عند أهل هذه المنطقة.
طُبّاق جبلي طُبّاق
اسم النبتة: طُبّاق.
أنواعها: نوعان:
النوع الأول: ينبت هذا النوع في أعرقة الركبان وأخصّ منها ما كان في الوديان أو قريباً منها.
وصفها: نبتة صغيرة تُعد من النباتات المتسلقة ساقها أخضر ناعم مَليء بالماء، وأوراقها دائرية شفافة ناعمة خضراء ما أن يضغط عليها الإنسان حتى تتصبب ماء. أما ثمرتها فشبيهة بثمرة العثرب حمراء اللون، يبدأ نموها في فصل الشتاء وتموت قبل بداية الخريف. تأكلها الحيوانات وخاصة الأغنام.
النوع الآخر: الطُبَّاق الجبلي. هذا النوع لا يشبه النوع الأول، وليس بينهما تقارب في الشكل. ويوجد في أعالي الجبال وسفوحها، ولم أجده في الوديان، وأكثر مايكون بين شجر العرعر التي تشتهر بها هذه المنطقة.
__________
(1) النبات 2 / 97 و 3 / 210.(2/304)
وصفها: نبتة متعددة الفروع يصل ارتفاعها إلى قرابة السبعين سنتيمتراً تقريباً. يتفرع كل فرع إلى فروع أُخر يتخلل سوقه أوراق كثيرة مزدحمة وطويلة مع الدقة مَشَرَّمة الأطراف ولونها أخضر فاتحة اللون، تميل إلى الصفرة لناظرها عن بعد ولا تكاد تجد منه نبتة منفردة، بل يكون مجتمعاً عزيراً.
من ميزات هذا النبات: أن أوراقه تحوي مادة لزجة كأنها الصمغ، إذا أمسك بها الإنسان بشدة لصقت بيده، ولعل هذا السبب الرئيس الذي جعل العرب القدماء يستخدمون هذا النبت في علاج الكسور. وما زال إلى اليوم.
قال عنه أبو حنيفة: ((الطُبَّاق بالضم والتشديد شجر، وقال الدينوري: أخبرني بعض أزد السراة قال: الطُبّاق شجر نحو القامة ينبت متجاوراً لاتكاد ترى منه واحدة منفردة، وله ورق رقاق خضر تترنج (1) إذا غُمِزت. يُضمد بها الكسر فتلزمه فتجبر، وله نور أصفر مجتمع. ومنابته الصخر مع العَرْعَر)) (2) .
أما النوع الأول من هذا النبت فلم أجد له ذكراً في مؤلفات القدماء، ولعل مردّ ذلك إلى عدم انتشاره وكثرته، ولصغر النبتة واختفائها في الموضع المشار إليه سابقاً.
أما النوع الثاني فما زال موجوداً ويكثر في أعالي الجبال ويطلق عليه الناس في هذه المنطقة نفس المسمى الفصيح ويستعملونه لنفس الغرض.
بداية نموها عُبُب اكتمال نموها
اسم النبتة: عُبُب.
أماكن وجودها: تنتشر في أكثر مناطق السراة: الجبال، الوديان، وعلى جوانب الطرقات، وتكثر في الأماكن القريبة من المياه.
__________
(1) أي: يلزق إذا ضُغِط على ورقته.
(2) النبات 2 / 106 - 107، والتلخيص 2 / 484.(2/305)
صفتها: ترتفع عن الأرض قرابة المتر والنصف، وتتفرع إلى فروع كثيرة، تنشطر هذه الفروع من الساق. تبدأ في النمو على شكل سيقان خضراء اللون مجتمعة، تحمل الفروع أوراقاً كثيرة، خضراء قانية كبيرة، في طول ورقة التين إلا أنها أقل عرضاً، وأغلب أوراقها يتخللها ثقوب. أما ثمارها: فهي كروية الشكل حمراء، تكون داخل أقماع خضراء في بداية النمو ثم تميل إلى الصفرة وهو ما يسمى بالكأس. هذا الثمر الأحمر على شكل حبوب أكبر قليلاً من حب البُنّ مستديرة، وبعض حبوبها تكون صغيرة نتيجة لقرب النبتة من الماء وبعدها، وبداخل الحبة الحمراء حبوب صفراء صغيرة طعمها مُرّ، وداخلها كالطماطم.
قال عنه أبو حنيفة: ((والعبب ضرب من النبات، زعم أبو حنيفة أنه من الأغلاث تشبه الحرمل، إلا أنه أطول في السماء تخرج خيطاناً، ولها سنفة مثل سنفة الحرمل، وقد تقضم المعزى من ورقها.. وقال أعرابي: إن العبب هو حبُّ أحمر كأنه خرز العقيق أصغر من النبق وأكبر من حب العنب في أخبية في كل خباء واحدة.. وورقه كثيف واسع وخطيانه عبلة طوال وهي إلى الغبرة، والتثقب إليه سريع)) (1) .
وهذا التسمية مازالت مستخدمة إلى الآن. وبعض أهل المنطقة يقولون (عُبعُب) ، ولعل هذا من باب التخفيف المتمثل في التقاء المثلين وتوالي المتحركات.
عسلوج عُثرُب
اسم النبتة: عُثْرُب.
أماكن وجودها: تنتشر في جميع مناطق جبال السراة، وتكثر في الوديان والأماكن القريبة من الماء.
__________
(1) النبات 2 / 119. ولهذا النبات فوائد طبية كثيرة ذكرها القدماء والمحدثون من بينها أن الناس يأخذون ورقه الذي لم يثقب فيدق وتضمد به الجراح.(2/306)
وصفها: نبات كثير الانتشار في أودية وجبال السراة عامة. وهو من النباتات التي يبيد الشتاء فرعه ويبقى أصله، إلا أن أوج ازدهاره في فصل الربيع، يرتفع عن الأرض في المناطق الجبلية قرابة المتر أو يزيد قليلاً أما في الأودية ومناطق توفر الماء، فيزيد ارتفاعه إلى أن يصل إلى أكثر من مترين. تتفرع سيقانه إلى عدة فروع يجمعها أصل واحد. لون سيقانها خضراء مخططة بخطوط حمراء. أما أوراقها فصغيرة تنمو على الساق وفروعه، خضراء اللون طعمها حامض وثمرتها حمراء ناعمة الملمس حامضة الطعم أيضاً. يخرج بجانب الفروع الكبيرة وأسفل الجذع براعم صغيرة مليئة بالماء تُقشّر وتؤكل، وطعمها أقل حموضة من الأوراق والثمار. تؤكل هذه البراعم أو العساليج - كما وصفها القدماء - عندما يصاب الإنسان بالضرَّس (1) وبعد أكلها يذهب وهذا مُجَرَّب.
وصف جلّ القدماء هذا النبت الشجري، ومن بين ماذكروه قول أبي حنيفة:
((والعُثْرُب، واحدته: عُثْرُبة، شجرة نحو شجر الرُّمان في القدر، ورقة أحمر مثل ورق الحُمَّاض، وكذلك ثمره وهو حامض عفص مرعى جيد تدق عليه بطون الماشية أول شيء وله عساليج حمر تُقَشَّر وتؤكل، وله حب كحب الحماض مُرَّة خشينة)) (2) .
وقول أبي حنيفة إن ورقه أحمر فلعله يعني الثمرة أما الورق فأخضر اللون، كما أنّ طعم الأوراق حامض وليس مُراً.
وما زالت هذه التسمية تطلق على هذا النوع من النبات إلى عصرنا عند من يسكن جبال السراة سواء كانوا من أهل المنطقة أو غيرهم من القبائل الأخرى.
بداية نموها عَرْفج اكتمال نموها
اسم النبتة: عَرْفج، وحُلْبة.
__________
(1) الضرَّس: أن يضرس الإنسان من شيء حامض. اللسان (ضرس) .
(2) النبات 2 / 124، واللسان (عثرب) . له فائدة طبية ذكرها أبو حنيفة تتمثل في طبخ الورق حتى ينضج ثم يعصر الماء عنه ويلقى في الرائب المنزوع زبده الحامض يقوي البطن ويفتق الشهوة.(2/307)
أماكن وجودها: تنبت على قمم جبال السراة وسفوحها، والسهول والوديان، وقد رأيته في أكثر مواطن الجزيرة.
وصفها: عبارة عن نبتة لايتجاوز ارتفاعها نصف المتر لها جذع يخرج منه مجموعة من العيدان الخضراء في بداية نموها تتفرع إلى عدة فروع هشة، يعلو كل عود منها ثمرة صفراء ناعمة الملمس. ليس لها أوراق، ولكن يخرج على جنبات الساق براعم ريشيه صغيرة. رائحتها طيبة، وإن كان طعم العود والثمر مرّاً، يبدأ نموها في أوائل فصل الربيع وتشيخ في أواخر فصل الصيف إلاّ أنه يبقى أصله وفرعه طول العام.
كان الناس يستخدمون هذه النبتة - ومازال بعضهم - لعدّة أغراض منها حَوْق (1) البيت وتسمى المِحْوقَة (2) وذلك بعد أن تُجزّ عيدانها وتربط من أسفلها برباط. كما يستخدمونها في إشعال النار لاتقادها.
ذكر هذه النبتة كثير من علماء العربية ومما دونوه قول بعضهم: ((والعَرْفج والعِرفْج نبت وقيل: هو ضرب من النبات سهلي سريع الاتقاد. العرفج واحدته عرفجة.. وقيل هو من شجر الصَّيف، وهو لين، أغبر، له ثمرة خشناء كالحسك.. عن أبي زياد العرفج طيب الريح أغبر إلى الخضرة، وله زهرة صفراء، وليس له حب ولا شوك..)) (3) .
وقال أبو عبيد: ((إذا مُطِر العرفج ولان عوده ثَقَب عوده، فإذا اسوَدَ قيل: قد أقمل: لأنه يُشبَّه ماخرج منه بالقمل..)) (4) . وهذه التسمية إلى الآن تُطلق على هذا النبت وبنفس الصيغة الفصيحة.
أما مسمى (حُلْبة) فقد جاء في اللسان قوله: ((والحلبة: العَرْفج)) (5) وهذه التسمية لايعرفها أهل هذه المنطقة.
عَصْبَه
__________
(1) أي: كنسه ينظر اللسان (حوق) .
(2) أي: المكنسة، ويقال لها عند أهل المنطقة (المحُقة) ينظر المصدر السابق.
(3) النبات 2 / 192، والمخصص 11 / 152، 153.
(4) الغريب المصنف 2 / 420، والمنتخب 2 / 469.
(5) اللسان (حلب) .(2/308)
اسم النبتة: عَصْبة وتُسمّى: لَبْلاب (1) ، وعَطْفَة.
أماكن وجودها: تكثر في الوديان بين الأشجار والنباتات الصغيرة.
وصفها: نبتة صغيرة لها سوق دقيقة، تخرج منها براعم كبراعم الحَبَل (2) تلتفّ على النباتات والأشجار التي حولها يتخلل الساق أوراق خضراء متفرقة بحجم ورق العبب، إلا أنها ملساء ناعمة ضعيفة، يخرج في بعض عناقيدها ثمرة ورديّة اللون مع بياض بداخلها. لا رائحة لها، تمتد على الأرض أو الشجر إلى أكثر من أربعة أمتار. تأكلها المواشي وخاصة الأغنام.
قال عنها كراع النمل: ((والعصبة نبتة تلتوي على الشجر)) (3) .
قال أبو حنيفة: ((والعَصْبة والعَصَبة والعُصْبة.. كل ذلك شجرة تلتوي على الشجر وتكون بينها ولها ورق ضعيف، والجمع عصب قال:
إن سلُيمى علقت فؤادي ... تنشُّب العصب فروع الوادي
وقال مَّرَّة: العصبة: ماتعلق بالشجر فرقي فيه وعصب به. قال: وسمعت بعض العرب يقول: العصبة هي اللبلاب، وهي العطِفة والعَطفة)) (4) .
هذا الاسم ((عصبة)) عَرَفه كل من لاقيت من ناس هذه المنطقة وينطقونها بنفس الصيغة، أما بقية المسميات الخاصة بهذه النبتة فلم يعرفوها فربما تكون لغة قبائل أخر إذ إن هذه النبتة واسعة الانتشار في السراة وتهامة ونجد.
وقول أبي حنيفة بأن العصبة شجر فهذا من قبيل التجوز كما سبق بيانه.
عُقَّار
اسم النبتة: عُقَّار، حُرَّاق.
أماكن وجودها: من النباتات قليلة الانتشار، حيث يوجد في الوديان وحول المنازل والمزارع، وليس له وجود في الجبال وسفوحها.
وصفها: نبت ينمو على ساق واحدة، ولا فروع له يرتفع عن الأرض قرابة
__________
(1) النبات 2 / 255.
(2) الحبل: شجر العنب ومفردها: حَبَلَة. وهذه الكلمة مازالت مستخدمة في كلام غامد إلى الآن وبنفس الصيغة. اللسان (حبل) .
(3) المنتخب 2 / 467.
(4) النبات 2 / 138 - 139.(2/309)
(50) سم أو أكثر قليلاً وتجتمع مع بعضها أحياناً، يتخلل الساق أوراق كأوراق النعناع، إلا أنها خشنة، يتخللها بعض الأشواك الشعرية الصغيرة التي تنتشر على جميع أجزاء الورقة ولونها أخضر شديد الخضرة، إذا مَرَّ الإنسان بجواره، ووقع على جسمه آلمه ألماً شديداً؛ لأن له لسعاً كلسع النار، وتبقى حرارته بضع ساعات، وربما ظهر مكانها بقع حمراء على الجلد.
يبدأ النبت هذا في النمو في فصل الربيع، ويذبل في أوائل الصيف. وهو من النباتات التي تحجم عنها جميع الحيوانات ولا تأكلها.
الاسم الفصيح الذي أورده القدماء هو (العٌقَّار) وبعض أبناء هذه المنطقة يطلقون عليه هذا الاسم الفصيح، وبنفس الصيغة.
أما تسميتهم له ب (الحُرَّاق) : فلأنه يحرق كما تحرق النار، فاشتقوا له هذا الاسم من أَثَرِه وقد بحثت في أغلب الكتب القديمة فلم أجد أحداً من العلماء وسمه بهذا الاسم.
بداية النمو العَكَش اكتمال النمو
اسم النبتة: العَكَش، العَقَش.
أماكن وجودها: يكثر وجودها في الوديان، على أطراف المزارع، وحواف
الآبار. وقد رأيتها منتشرة في أغلب وديان جبال السراة.
صفتها: نبات يرتفع عن سطح الأرض قرابة أربعة أمتار أو تزيد بالتفاف سوقه وأعضائه على بعضه أو على ما يجاوره من شجر، وتنمو على شكل سوق خضراء لايتجاوز سمكها (2) سم، يتخلل الساق أشواك معقفة حادة مثلثة الشكل، يميل لونها إلى الحمرة، خاصة الجزء الحادّ منها. يتفرع من الساق عدة فروع يتخللها مجموعة من الأوراق العريضة الناعمة الملمس، شديدة الخضرة في بداية نموها، ثم تميل إلى الاصفرار، عند اكتهال النبات، وجزء الورقة السفلي محاط بالأشواك(2/310)
يثمر هذا النبات في فصل الصيف، وثمرته عبارة عن عنقود، يتفرع إلى عدة فروع، يعلو كل فرع في البداية ثمرة بيضاء داخلها زهرة وردية اللون، يخرج مكانها بعد فترة زمنية قليلة حبوب خضراء اللون كل حبة منها عبارة عن مجموعة من الحبوب طعمها حامض في بداية نموها ثمّ تحمر شيئاً فشيئاً إلى أن يصبح لونها خمرياً، حلو المذاق، وهذه الثمرة أشبه ماتكون بثمرة التوت، يحف هذه الثمرة مجموعة من الشوك.
وإذا مر الإنسان أو الحيوان بالقرب من النبت لِزَمهُ شوكه، ولعل هذا هو سبب تسميته في لهجة أهل هذه المنطقة العقش ومنه المثل الدارج عندهم: (فلان كالعقشة) أي يمسك بمن يأتيه. شبه في ذلك بهذا النبت.
وربما سُمي عكشاً لالتوائه على الأشجار، أو لكثرة فروع هذا النوع. قال ابن منظور: ((وشجرة عكشة: كثيرة الفروع.. والعَكشِة شجرة تلتوي بالشجر ... )) (1) .
والغريب أن أبا حنيفة لم يعرض لهذا النبات في كتابه مع كثرة انتشاره. إلاّ أن ابن سيده ذكر أن ((العقَش نبت ينبت في الثمام والمرخ، وهو يتلوى مثل العَصْبة على فرع الثمام، وله ثمر خمرَّية إلى الحمرة)) (2) .
يُطلق أهالي هذه المنطقة على هذا النوع مُسمى (العَقَش) بفتحتين، والفصيح بفتح وسكون، ولعل سبب فتح الكلمة لمكان حرف الحلق (العين) وهذا خلاف ما يقررونه من مراعاة حرف الحلق إذا كان عيناً لا لاماً ولا فاءً، وربما حركوا القاف بالفتح لقرب مخرج القاف من مخارج حروف الحلق.
القُرَّاص قراص الحمير
اسم النبتة: القُرَّاص.
أماكن وجودها: تنبت في السهول، والقيعان، وبطون الأودية، وحول المنازل، والمسارب المؤدية إليها، وهو من النباتات كثيرة الانتشار.
__________
(1) اللسان (عكش) .
(2) المخصص 11 / 142، واللسان (عقش) .(2/311)
وصفها: القراص نوعان: الأول يطلق عليه أهل هذه المنطقة: (قراص الحمير) وهذا النوع يرتفع عن الأرض قرابة (50) سم أو تزيد قليلاً، وهو عبارة عن مجموعة
من السوق، يتخللها فروع دقيقة خضراء، وأوراق مسننة الرأس، ليست عريضة، متطاولة، طعمها مُرُّ، ونورتها صفراء، تقع في الجزء العلوي من النبتة، وبعضها يكون داخل النبتة.
أما النوع الآخر: فهو نبت يشبه الجرجير إلى درجة كبيرة، أوراقه طويلة ومشرّمة، يتوسطها خط أبيض وتكون أوراقه مجتمعة، ترتبط بجذر أصفر اللون، يمتد داخل الأرض إلى قرابة (20) سم. يعلو هذا النوع نورة صفراء كنورة النبت السابق، ناعمة الملمس يجرسها النحل كثيراً، وهذا النوع كان أهل المنطقة يطبخونه كاللفت والسبانخ وغيرهما.
عرض علماء العربية القدماء لهذا النوع من النبات وذكروا أنواعه ومن بين ماورد في مصنفاتهم قول أبي حنيفة: ((أخبرني أعرابي من أزد السراة قال: القُراص قراصان أحدهما: العُقّار.. والآخر ينبت نبات الجرجير يطول ويسمو. وله زهر أصفر تجرسه النحل. وله حرارة كحرارة الجرجير، وحب صغار أحمر، والسوام تحبه وتحبط عنه كثيراً لحرارته حتى تنقد بطونها ... والناس يحذرونه مادام غضاً، فإذا ولّى ذهب ذلك عنه.. وقال أبو زياد: من العشب القراص وهو عشبة صفراء وزهرتها صفراء. ولا يأكلها شيء من المال إلا هُريق فمه ماء ومنابته القيعان..)) (1) .
فوصف القدماء لهذا النوع من النبات كان دقيقاً، إلاّ أن قول أبي حنيفة وغيره، (له حب صغار أحمر) استوقفني إذ إن هذا النبت بنوعيه ليس له حب أحمر لا في زهرته ولا في بقية أجزائه. فربما يكون نباتاً آخر أو وهم من الراوي في وصف النبات.
__________
(1) النبات 2 / 199 - 200، والمخصص 11 / 157، واللسان (قرص) .(2/312)
ومازال هذا الاستخدام اللغوي يطلق على هذا النوع من النبات، إلاّ أن الاختلاف في تسمية القدماء له ب (العقار) والعقار سبق بيانه وصفته ولا تشابه بينهما البتة.
المرحلة الأولى المُرَار المرحلة الثانية
(بداية النمو) (ظهور الشوك)
اسم النبتة: مُرَار.
أماكن وجودها: تنبت في السهول والجبال وتكثر في الأودية وخاصَّة بين الزرع. وقد رأيته في أماكن متفرقة سواء في السراة أو في تهامة.
وصفها: تنبت على شكل سيقان خضراء قانية، يتفرع من الساق عدّة فروع، يتخللها أوراق خضراء قانية طويلة يصل طولها في بداية النمو إلى (20) سم مشرّمة كأوراق الجرجير تفترش الأرض يتوسطها مجموعة من الشعب المنتهية بالزهرة الصفراء الشوكة يميل إلى الغبرة عند اكتهال النبات. يعلو السيقان زهرة صفراء ناعمة محاطة بشوك أصفر قوي حاد، إذا داسه من ليس في رجليه نعل آلمه، ويستمر الألم لبعض
الوقت، ولا يوجد الشوك إلا حول الزهرة. أما طعم ورقها وعودها فشديد المرارة، وأكثر الحيوانات التي تأكل هذه النبتة الإبل. يبدأ نموه في أوائل الربيع ويذبل في آخر الصيف ويجف تماماً، ثم يعاود نموه في بداية فصل الربيع وذلك من أصل جذورها الذي يبقى حياً طوال العام.
قال أبو حنيفة عنها عن أبي زياد: ((من العشب: المرار، وهو أفضل العشب وأضخمه ولونه إلى السواد، وزهرته صفراء، فإذا دنا منه اليُبس، شوَّك في أعاليه وذلك مع موضع الزهرة حيث كانت، وللمرارة شعب ذات عدد، وأصلها واحد. وربما ربضت الإبل.. وإذا أكلتها الإبل قلصت مشافرها فبدت أسنانها.. وأخبرني أعرابي من أعراب السراة، قال: المرار: شوك له ورق طوال عراض يلزم الأرض، ثم تشعب له شعب. ويخرج في رأس كل شعبة كرة كبيرة شَوكة جداً، فيها حب مثل حب العصفر.
المرحلة الثالثة المُرَار المرحلة الرابعة
أوج النمو اكتمال النمو(2/313)
وهي عشبةٌ مُرَّة جداً، ومنابتها القيعان وأجواف الزرع.. وقال بعض الرواة: منابت المرار السهول. وعن الأعراب القدم: المرار: بقلة تعود في القيظ شجرة..)) (1)
__________
(1) النبات لأبي حنيفة 2 / 267، والغريب المصنف 2 / 434، والنبات والشجر للأصمعي ص 34.
المصادر والمراجع
1- الألفاظ الفارسية المعربة، السيد آدي شير، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، بيروت 1908م.
2- بلاد غامد وزهران لعلي صالح الزهراني، الطبعة الأولى 1391 هـ / 1971 م.
3- التلخيص في معرفة أسماء الأشياء لأبي هلال العسكري، عني بتحقيقه د/ عزة حسن، مطبوعات مجمع اللغة العربية ط1، 1389 هـ / 1969 م.
4- تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، حققه وقدّم له الأستاذ عبد السلام هارون، راجعه محمد علي النجار، دار القومية العربية 1384 هـ / 1964 م.
5- جمهرة اللغة لأبي بكر محمد بن الحسين بن دريد، حققه وقدّم له د / رمزي منير البعلبكي، دار العلم للملايين ط1 1987 م.
6- حدائق الأدب لأبي محمد عبيد الله بن محمد، تحقيق د / محمد سليمان السديس، مكتبة الرشد، ط1، 1409 هـ / 1989 م.
7- ديوان رؤبة بن العجاج، اعتنى بتصحيحه وترتيبه، وليم بن الورد. طبع في مدينة ليبيسيغ 1903 م.
8- السّنا والسنوت د / محمد علي البار، مكتبة الشرق الإسلامي، ط1، المملكة العربية السعودية، 1412 هـ / 1992 م.
9- سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ، لأبي عيسى محمد بن عيسى، تحقيق أحمد شاكر، مطبعة الحلبى بمصر، ص2، 1398 هـ.
10- الشجر لابن خالوية، نشر د / ك هـ. Batanouny، مطبعة ماكس شمر سوف، كرخهين، ضمن كتاب إسهامات العرب في علم النبات، الندوة العالمية الثالثة لتاريخ العلوم عند العرب، الكويت 1983 م.
11- علم النبات عند العرب من مرحلة التدوين اللغوي إلى مرحلة الملاحظة العلمية المحض (بحث ضمن حوليات الجامعة التونسية) العدد (29) ، 1988 م.
12 - الغريب المصنف، لأبي عبيد القاسم بن سلاّم، حققه وقدّم له محمد المختار العبيدي، المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات، ط1، المغرب 1989 م.
13- الكتاب لسيبويه، تحقيق الأستاذ عبد السلام محمد هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1975م.
14- كتاب النبات لأبي حنيفة أحمد داود الدينوري، الجزء الثالث والنصف الأول من الجزء الخامس، حققه وشرحه وقدم له / برنهاردلفين، مطابع دار القلم، بيروت.
15- لسان العرب لابن منظور، طبعة مصورة عن طبعة بولاق، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة.
16- المخصص لأبي الحسن علي بن إسماعيل، طبعة دار الفكر.
17- المستدرك على الصحيحين للحاكم، طبع بإشراف د / يوسف العسلي، دار المعرفة، بيروت.
18- المعتمد في الأدوية المفردة، يوسف عمر التركماني، تصحيح مصطفى السقا، دار القلم، بيروت.
19- معجم جامع الشفاء، إعداد / علي عبد الحميد، دار الخير للطباعة والنشر، ط1، 1413 هـ / 1992 م.
20- معجم قبائل الحجاز لعاتق بن غيث البلادي، دار مكة للنشر والتوزيع، 1399 هـ / 1979 م.
21- المنتخب من غريب كلام العرب لأبي الحسن علي بن الحسن، تحقيق د / محمد العمري، مطبوعات مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى. ط1 مكة المكرمة 1409 هـ / 1989 م.
22- النبات عند العرب، د/ حسين نصار. ضمن كتاب (إسهامات العرب في علم النبات، الندوة العالمية الثالثة لتاريخ العلوم عند العرب) ، الكويت 1983 م.
23- النبات والشجر للأصمعي ضمن كتاب (البلغة في شذور اللغة) ، عني بنشره أوغست هفنر.
24- نباتات في الشعر العربي، د / حسن مصطفى حسن، طبعة جامعة الملك سعود، ط1، 1415هـ- 1995، الرياض.(2/314)
من خلال النص السابق يتضح لنا وصف القدماء الدقيق لجميع أجزاء هذا النوع من النبات إلاَّ أن قوله عن العرب إن المرار بقلة وفي الصيف تكون شجرة فهذا من باب التجوز.
وقول أبي حنيفة: ((إذا دنا منه اليُبس شوك في أعاليه)) لعله يعني اشتداد عود الشوك. أما الشوك فيبدأ نموه مع نمو الزهرة الصفراء إلا أنه يكون ليناً في بداية نموه ويبدأ الشوك في اليبس من أعلى الشوكة إلى أسفلها ودليل ذلك إحمرار رأس الشوكة.
يطلق أهل هذه المنطقة على هذا النبت التسمية الفصيحة، مع اختلاف في حركة الميم حيث يفتحونها، والفصيح الضم ولعلهم هربوا من ضم الميم إلى الفتح، لصعوبة النطق بالضم ثم الانتقال إلى الفتح، فأتبعوا حركة الميم الراء طلباً للخِفَّة. وقد يكون لتحريك الميم بالضم أثر في الثقل فعدلوا عنه إلى الفتح.
• • •
خاتمة:
وفي الختام فإن الدرس اللغوي النباتي يعد من الدراسات الميدانية التي تفتقر إليها المكتبات العربية في زمننا هذا إذ إن الثروة اللغوية المتعلقة بالنباتات تكاد تكون شبه مفقودة؛ لابتعاد الناس عن التعامل والتعايش مع النبات.
وبعد الوصف التأصيلي لأسماء النباتات الطبيعية في هذه المنطقة اتضح للباحث ما يلي:
1- أكثر أسماء النباتات في لهجة أهالي هذه المنطقة فصيحة وإن اعترى بعضها التطور سواء في أصواتها أو بنيتها.
2- ضياع بعض أسماء هذه النباتات لبعد أهالي هذه المنطقة عن التعامل معها كما كان سابقاً.
3- اندثار بعض النباتات لأسباب بيئية وعمرانية.
4- قلة المؤلفات النباتية القديمة، إذ لا نجد مؤلفاً في اللغة عرض للتفصيل في وصف النباتات وصفاً دقيقاً سوى كتاب أبي حنيفة، ومع ذلك لم يصل إلينا كاملاً.
5- تعدد التسميات للنبتة الواحدة من قرية إلى أخرى في نفس المنطقة.
6- كثرة النباتات الطبيعية وتشابهها التشابه الذي يصل إلى درجة اللبس.
7- اختلاف نمو النبات من مكان إلىآخر.(2/315)
8- قول بعض علماء العرب القدماء بفارسية بعض أسماء النباتات كأبي هلال العسكري وغيره عند بيانه للسذاب.
وبعد فما قدمته في هذا البحث لايعد سوى قليل من كثير ممّا تم جمعه ودراسته من النباتات الطبيعية في هذه المنطقة وسوف يتبع هذه المجموعة مجموعات أخرى بحوله تعالى.
الهوامش والتعليقات(2/316)
مقتضى الحال مفهومه وزواياه
في ضوء أسلوب القرآن الكريم
د. سميرة عدلي محمد رزق
أستاذ مشارك بقسم اللغة العربية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة الملك عبد العزيز
ملخص البحث
دار البحث حول محورين أساسيين:
أولهما: توضيح معنى "مقتضى الحال" وهو الاعتبار المناسب الذي يستدعي اشتمال الكلام على سمات وخصائص أسلوبيَّة تناسب المقام أو الحال الذي يُلقى فيه.
وثانيهما: إضاءة زوايا هذا المفهوم، وتوضيحها بالشواهد القرآنية المناسبة، مع بيان ما اشتملت عليه من سمات أسلوبية خاصَّة. وتبيَّن - خلال ذلك التوضيح - أن الكلام قد يراعى فيه حال السّياق نفسه، أو حال المتكلم وإحساسه بقوَّة المعنى الذي يتحدَّث عنه، أو حال المخاطب وما يحيط به من ظروف مختلفة.
والجدير بالذكر أن بعض الحديث قد يأتي مخالفاً للحال الظاهرة أمام مُلقيه - ومع ذلك - يُحكم عليه بالبلاغة لأسباب لم يغفلها البحث أيضاً من الذكر والتدعيم بالشواهد المناسبة من القرآن الكريم.
ونبَّه البحث إلى ضرورة حِذق المتكلم ومهارته في إدراك ملابسات الأمور حوله ليأتي حديثه على هذه الخصوصيَّة المسمَّاة ب "مراعاة مقتضى الحال"؛ فيكون بذلك قد أدَّى الوظيفة الأساسية للفن البلاغي وهي: "مطابقة الكلام لمقتضى الحال".
• • •
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد…فهذه قطرة نغرفها من بحر لا ينتهي عطاؤه ولا يُبلغ مداه… وكيف ينتهي ذلك العطاء وهو من المعطي الأول والأخير - عزَّ وجل - وهل يُبلغ منتهاه ولا يعلم ذلك إلا الله؟!(2/317)
نعم ذلك هو أسلوب القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... وهو العطاء المتجدّد والينبوع الصَّافي العذب الذي بهر العقول وأراح النفوس وطمأن القلوب ... وكيف لا يكون كذلك وقد راعى الأحوال وقدَّر الظروف وسبر أغوار النفوس ... ؟! فجاء - رغم كلّ ذلك - مقتضياً للحال مُغنياً في كل مقام عن أي مقال ومقال!
هذا وقد تناول البحث في هذه القطرة اليسيرة:
(مقتضى الحال - مفهومه وزواياه في ضوء أسلوب القرآن الكريم)
وذلك وفق المنهج الآتي:
تمهيد- ويشمل الإشارة إلى بعض النصوص التي وردت فيها معنى "مقتضى الحال"، ثم كان:
المحور الأول: ويشمل:
شرح العبارة وبيان أن المقصود بمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب المستدعي للسمات والخصائص التي يأتي عليها أسلوب المتكلم ليوافق حديثه المقام أو الحال الذي أنشأ له كلامه، وقد دُعّم هذا التوضيح - لمفهوم مقتضى الحال - بنصوص ذكرها بعض العلماء والنقاد والدارسين في اللغة والأدب والبلاغة سواء منهم المحدثين أو القدماء من أمثال د. إبراهيم أنيس والدكتور بدوي طبانة والدكتور إبراهيم السَّمرائي والدكتور محمد أبو موسى والعقاد والدكتور علي عبد الواحد وافي والشيخ عبد القاهر الجرجاني وابن رشيق والقاضي الجرجاني وابن خلدون وغيرهم، ولم يُراعَ في ذكر هذا النصوص.
التسلسل الزمني لقائليها؛ وإنما روعي حاجة السّياق في البحث إلى كل نص منها، ليكون ذلك تطبيقًا عمليًّا لموضوع البحث في البحث الذي بين يدي القاريء.
وخُتم هذا الباب ببيان أن القرآن الكريم هو خير ما يمكن أن يستشهد به في بيان صحة مفهوم هذه العبارة، لأنه خير الأقوال التي جاءت مطابقة للحال ومقتضية له.
أما المحور الثاني فكان مخصَّصًا لتحديد زوايا مفهوم "مقتضى الحال" ثم إضاءتها على ذلك في ضوء أسلوب القرآن الكريم، وهذه الزوايا هي:
أ- حال السياق
ب- حال المتكلم
ج- حال المخاطب(2/318)
وقد ركز البحث على ذكر أمثلة وشواهد من القرآن الكريم على كل زاوية من الزوايا السابقة وتوضيح الطريقة الأسلوبية المتبعة في كل مثال منها لبيان قُدرة القرآن الكريم - ذلك الكتاب الفذ - على التعبير عن كل الأحوال ومراعاة جميع الظروف والملابسات التي تحيط بالمقام الذي جاءت فيه الآية الكريمة… الأمر الذي يدعو دائمًا إلى الاعتراف بإعجازه البياني والذي أذهل - من قبل - فُصحاء العرب وجلة شعرائهم وأدبائهم.
كما لم يغفل البحث خلال هذه الشواهد ذكر شواهد أخرى من القرآن الكريم نفسه لم يراعِ فيها السّياق مقتضى الظاهر ومع ذلك جاء الأسلوب بليغًا مصيبًا للهدف الذي سيق من أجله.
ثم كان التعقيب في نهاية البحث، أشير فيه إلى أن ما لم يذكره البحث أغنى عنه ما ذُكر، سواء كان ذلك في نقطة خروج الكلام على مقتضى الظاهر أو ما كان على خلاف مقتضى الظاهر، وما ذاك إلا لأن الأحوال كثيرة ومقتضياتها مثلها ومجال نشر البحث لا يسمح بأكثر مما ذُكر، ولولا الإيمان بالمقولة القائلة: "ما لا يُدرك كلُّه لا يُترك كلُّه" ما كانت الجُرأة على أخذ هذه القطرة اليسيرة من ذلك الخضم الهائل الذي غرف منه علماء البلاغة من أساتذتنا ومعلمينا جزاهم الله عنا خير الجزاء.
ولعل من أسباب اختيار هذا الموضوع هو:
الرغبة في إيضاح عبارة "مقتضى الحال" بكل أبعادها، نظرًا لما لا حظته أثناء تدريسي في الجامعة لمادة البلاغة، ومن تخبط الطالبات في تحديد هذا المفهوم - واقتصارهن في فهمه على زاوية واحدة فقط وهي حال المخاطب-، ولما جنيته من نتيجة - أحمد الله عليها - عند إيضاحه لهن - كما ينبغي -.
من هنا كان الدافع قويًّا إلى تخصيص هذا العمل المتواضع لإلقاء الضوء على زوايا هذا المفهوم، وتحديدها تحديدًا يساعد طلبة العلم وطالباته على الفهم الصحيح لها.(2/319)
أما كون شواهد البحث مستمدة من القرآن الكريم فما ذاك إلا لكون القرآن الكريم - وهو أمر لايخفى على دارسي اللغة وعلمائها - هو المورد الأصيل والمثال النادر لكل درس لغوي أو بلاغي - بلا جدال- فضلاً عن الرغبة الأكيدة في خدمة كتاب الله العزيز قبل أي شيء آخر، ثم في قضاء سويعات ممتعات في تأمل آيات الله الكريمات ودراستها… لتستريح بهذه الدراسة النفس، ويطمئن لها الفؤاد، ويقوَّم بها اللسان.
وبعد… فهذا جهد المقل والله - سبحانه وتعالى - أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم… خادمًا لقرآنه العظيم… مضيئًا لطلاب العلم بعض السبيل… إنه على كل شيء قدير.
التمهيد:
قبل التعرُّض لمقتضى الحال ومفهومه ينبغي الإشارة أولاً إلى الموضع أو المناسبة التي وُجِد فيها هذا التعبير "مقتضى الحال" ومنها تدرك أهميته…
يصادف القاريء هذا التعبير عند قراءته لتعريف بلاغة الكلام لدى القزويني في قوله:
"والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته" (1)
كما نلمح هذا التعبير أيضًا في التعريف بعلم المعاني، فيُقال:
"هو علم يُعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال" (2)
ولست بصدد التعريف بعلم البلاغة بصفة عامَّة ولا بعلم المعاني بصفة خاصَّة - هنا - فقد اكتظَّت المؤلَّفات البلاغية بذلك ولكن هدف هذا العمل هو توضيح هذا المفهوم من خلال وضع النقاط على الحروف، أو بالأحرى إضاءة بعض الزوايا التي تحتاج إلى إضاءة في هذا المفهوم، مع ذكر بعض الأمثلة والشواهد القرآنيَّة المدعّمة لذلك.
__________
(1) التلخيص في علوم البلاغة، جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب، ضبط وشرح عبد الرحمن البرقوقي ص33، ط (1) ، سنة 1902م، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان.
(2) شروح التلخيص، 1/155. (عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح. بهاء الدين السبكي) . ط (بدون) دار السرور بيروت - لبنان.(2/320)
توضيح معنى "مقتضى الحال"، ومفهومه لدى الدَّارسين:
المقتضى هو الاعتبار المعين الذي يستدعي مجيء الكلام على صفة مخصوصة مناسبة للحال، كالتأكيد في حال الإنكار أو التردد مثلاً (1) .
ولا شكَّ أنَّ هذا المقتضى يتغيَّر بتغيّر المناسبة أو المقام، فاعتبار الكلام اللائق بمقام ما يختلف عن الاعتبار اللائق بآخر (2) .
وقد يتوهم السامع أن الحال شيء متعلق بورود الكلام على خصوصية معينة في زمن معين. وأن المقام هو المكان الذي قيل فيه، ولكن الحقيقة غير ذلك إذ إن الحال والمقام شيء واحد (3) ، والاختلاف يكون في الاستعمال.
"فالمقام يستعمل مضافًا للمقتضيات فيقال: مقام التأكيد مثلاً والحال يستعمل كثيرًا مضافًا للمقتضى فيقال حال الإنكار فالإضافة بيانية" (4) .
ويشرح مؤلف معجم البلاغة العربية ذلك قائلاً: "والحال هو الأمر الداعي للمتكلم إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدي به أصل المراد خصوصية ما، وتلك الخصوصية هي مقتضى الحال" (5) أي أن يؤدَّى الكلام بسمات معيَّنة مناسبة للمقام أو الحال الذي يلقى فيه ذلك الكلام.
ولا شك أن مقتضى الحال يتفاوت بتفاوت المقامات والأحوال. فقد يقتضي الأمر إلى تنكير المسند أو تقديمه على المسند إليه، وقد يدعو الحال إلى تعريفه أو حذفه لدلالة القرائن عليه، وقد يباين مقام الوصل مقام الفصل (6) .
__________
(1) نفسه، ص 123 (شرح سعد الدين التفتازني على تلخيص المفتاح. للقزويني) (بتصُّرف)
(2) نفسه، ص126 (مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح لابن يعقوب المغربي) (بتصرُّف) .
(3) نفسه، ص126 (نفسه) (بتصرُّف) .
(4) نفسه، نفس الصفحة.
(5) معجم البلاغة العربية، د. بدوي طبانة، ص84، ط (3) مزيدة ومنقحة، دار المنارة للنشر (جدة) ، دار الرفاعي للنشر (الرياض) .
(6) نفسه، نفس الصفحة (بتصرُّف) ، كذلك انظر البلاغة فنونها وأفنانها، د. فضل عباس (علم البيان والبديع) ، ص11-12، دار الفرقان للنشر والتوزيع، (بتصرُّف) .(2/321)
ولإصابة المفصل في هذه الأمور جميعاً وتلك الأغراض، لا بدَّ من حِذق المتكلّم ومهارته في إدراك ما حوله من ملابسات الأحوال أو ظروف السامعين ومستوى ثقافتهم وسبر نفسياتهم وإلا أخطأ الهدف وضلَّ الطريق.
لذا اعتبر القرآن الكريم هو أعلى درجات الكلام بلاغة وأكثرها مطابقاً للأحوال، وكيف لا يكون كذلك وهو من لدن عليم خبير بدقائق الأمور ومقتضياتها، وصدق - عزَّ وجل - في قوله (1) :
{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا}
فالتعبير المطابق لمقتضى الحال لا بدَّ وأن يشتمل على خصائص في الصّياغة وأوضاع في التراكيب تدلُّ دلالة واضحة على معان يكون بها الكلام تاماً وافياً بالغرض مطابقًاً لمتطلبات الموقف الذي سيق من أجله (2) .
فإذا أريد - مثلاً - التعبير عن رجل له صفات الرجولة والأخلاق المحمودة بكلام مطابق لمقتضى الحال قيل: "هو الرجل" بإثبات "أل التعريف" للمسند، فوقع الكلام - كما هو ملاحظ - مشتملاً على خصوصيَّة معيَّنة اقتضاها المقام النَّفسي تجاه هذا الرجل الممدوح وهو الاحترام له ولصفاته الحسنة.
يقول د. أبو موسى:
"المطابقة إذاً تعني الصِّدق والوفاء بما في النفس"
أو كما قال العلوي:
(هي وصول الإنسان بعبارته كنه ما في قلبه…) (3) .
__________
(1) سورة النساء: 82
(2) خصائص التراكيب، دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني، د. محمد أبو موسى، ص38-39، (بتصرُّف) ، ط (2) ، مكتبة وهبة، القاهرة.
(3) كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز. يحي بن حمزة العلوي اليمني.1/122. ط سنة1982-دار الكتب العالمية.بيروت لبنان.(2/322)
ولكن السؤال هنا، كيف تصل العبارة إلى السامع وصولاً صحيحاً؟ فليس المقصود قطعاً مجرَّد التعبير عن ما في النَّفس وإنّما لا بدَّ من اعتبار حال السامع ومطابقتها من جوانب مختلفة أهمُّها، حالته النَّفسية ومستواه الثقافي وحسّه الفنّي ولهجته وإلا أصبح الكلام غير مطابق لمقتضى الحال، وبالتالي لا يفي بما أريد منه.
يقول د. إبراهيم أنيس - وهو بصدد الحديث عن الحركات الإعرابية وعدم ضرورة وجودها لتمييز الفاعل عن المفعول -: "…… هذا إلى ما نعهده من أن لكل كلام ظروفاً ومناسبات ويعرف المتكلم كما يعرف السَّامع ما تتطلبه هذه الأمور من تعابير لغوية فليست اللغات مفردات ترِدُ في المعاجم، ولا جملاً منفصلة تدوَّن في الصُّحف، وإنَّما الأصل في كل لغة أن تكون في صورة كلام يتَّصل اتصالاً وثيقاً بالمتكلّمين والسامعين، فهم أعرف بمواضعه وملابساته ولا يشقُّ عليهم تمييز الفاعل من المفعول في أي كلام على ضوء تلك الظروف والملابسات" (1) .
كما يوضّح ذلك عبد القاهر الجرجاني وهو بصدد الحديث عن الاستعارة والتخييل بقوله:
"وهذا موضع لطيف جدًّا لا تنصف منه باستعانة الطَّبع عليه، ولا يمكن توفيه الكشف فيه حقه بالعبارة لدقة مسلكه" (2)
ويدخل في دقة المسلك هذه العناصر التي يستمدُّ الخيال منها صوره والمعين الذي يمده بذلك …؛ فعند اختيار صورة ما لا بدَّ لمنشئها أن يضع اعتبارات مختلفة أمامه عند إنشائه لها تختلف هذه الاعتبارات باختلاف البيئات والأمم والعصور. وهذا ما تجده في كتب الأدب وتاريخه، فكل بيئة متأثرة في صورها بمقوّماتها الطبيعية والاجتماعية وما تشتمل عليه من شؤون وتوحي بها من اتجاهات.
__________
(1) من أسرار اللغة، د. إبراهيم أنيس، ص247، ط (7) ،سنة1994 م، مكتبة الأنجلو المصرية.
(2) أسرار البلاغة، د. عبد القاهر الجرجاني، شرح وتعليق وتحقيق محمد عبد المنعم خفاجي ود. عبد العزيز شرف، ص301، دار الجيل، بيروت.(2/323)
وفي كل أمة بنظمها الخاصَّة، وأساليب حياتها وما وصلت إليه في سلَّم الارتقاء المادّي والمعنوي وفي كل عصر بنزعاته العامَّة ودرجة حضارته وما جرى فيه من أحداث (1) .
يقول د. إبراهيم السّمرائي في هذا:
"وقد تكون في الفصيحة مجازات غير معروفة في الألسنة الدَّارجة ذلك أن المجاز يتأثر بالبيئة التي تدرج فيها المجموعة البشرية فأصحاب الحرف والأصناف يقذفون بمجازاتهم المألوفة المعروفة متأثرين ببيئتهم الضيّقة، وهكذا تتعدَّد ألوان القول في المجتمع الواحد" (2) .
وقد تتغير مدلولات الألفاظ تبعاً لتغير طبيعة الشيء الذي تدلُّ عليه أو لتغير ملابساته وظروفه، فلفظ الرّيشة - مثلاً - مدلوله السابق هو آلة الكتابة التي كانت تُتخذ من ريش الطيور، أما الآن فأصبح يدلُّ على تلك القطعة المعدنية في القلم وهكذا…… (3)
وقد أشار د. إبراهيم أنيس إلى أن هذا الاختلاف في المدلول اللفظي بين الأشخاص أو المجتمعات قد يكون سبباً في الجدل والنقاش حيناً أو إلى النزاع والشجار أحياناً أخرى.
لذا لا بد للمتكلّم من مراعاة فهم السَّامع حتى يصل بهذا الكلام إلى قلبه ومنها إلى الحكم على ذلك الكلام بالبلاغة (4) .
فانظر - مثلاً - إلى العصر الجاهلي كيف طغت البيئة وعناصرها على شعرائه في أي غرض من أغراضه، وليكن قول أمريء القيس التالي مثالاً على ذلك:
"وكشحٍ لطيفٍ كالجديل مخصَّرٍ
وساقٍ كأنبوب السَّقيّ المذلَّلِ
__________
(1) فقه اللغة، د. علي عبد الواحد وافي، ص237، ط (7) ، (بتصرُّف) ، دار نهضة مصر للطبع والنشر.
(2) التطور اللغوي التاريخي، د. إبراهيم السَّمرائي، ص36، ط (3) ، سنة 1983م، دار الأندلس، بيروت.
(3) نفسه) . (نفس الصفحة) . (بتصرُّف)
(4) دلالة الألفاظ، د. إبراهيم أنيس، ص9، ط (5) ،سنة1984م، (بتصرُّف) ، مكتبة الآنجلو المصرية.(2/324)
وتعطو برَخصٍ (1) غير شثنٍ (2) كأنه
أساريعُ (3) ظبيٍ أو مساويك إسحل (4)
تضيء الظلام بالعشاء كأنها
منارة مُمْسى راهبٍ متبتّلِ (5) "
فانظر الى الألفاظ (جديل، أساريع، ظبي، ماسويك، إسحل) فهي من عناصر التشبيه المستمدَّة من خبرات الشاعر البيئية ومشاهداته اليوميَّة، وقس على ذلك بقيَّة الشعر في كلّ العصور، فالأديب الذي لا يكون أدبه صورة صادقة عن نفسه أو عصره أو مجتمعه وبيئته لا يُعتد بما كتبه أو قاله إذا ما قيس بغيره ممَّن اهتموا بهذا الجانب. يقول العقاد في ذلك:
"والشاعر هو الذي يعبّر عن النفوس الإنسانية فإذا كان القائل لا يصف حياته وطبيعته في قوله فهو بالعجز عن وصف حياة الآخرين وطبائعهم أولى وهو إذاً ليس بالشاعر الذي يستحق أن يتلقى منه الناس رسالة حياة وصورة ضمير" (6) .
__________
(1) الأسروع واليسروع: دود يكون في البقل والأماكن النَّدية، تشبه أنامل النساء به وهي صورة قديمة. فضلاً انظر تفصيل وشرح الأبيات في (شرح المعلقات السبع.أبو عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني. ص31-32 ط سنة 1979م.دار الجيل بيروت.
(2) إسحل: شجرة تدق أغصانها في استواء. انظر معجم مقاييس اللغة.بن فارس تحقيق عبد السلام هارون. ط سنة1368هـ (سحل) (بتصرف) .
(3) الرخص: اللين الناعم. انظر اساس البلاغة. جار الله الزمخشري. تحقيق عبد الرحيم محمود ط سنة 1982م. دار المعرفة. بيروت - لبنان (بتصرّف) .
(4) الشثن: الغليظ الكز. (نفسه) . (شثن) . (بتصرّف) .
(5) انظر شرح المعلقات السبع،، ص31-32.
(6) شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، عباس محمود العقاد، ص133، ط (3) ،سنة 1965م، مكتبة النهضة المصرية.(2/325)
وقد ذكر صاحب العمدة من قبل ضرورة معرفة علم مقاصد القول واختيار الأسلوب المناسب للموقف المناسب، وأن يعرف أغراض المخاطب كائناً من كان حتى يدخل إليه من بابه ويداخله في ثيابه …… (1)
إلا أنه ينبغي الإشارة هنا إلى ما ذكره صاحب الوساطة بين المتنبي وخصومه من أن بعض الشعر يأتي رقيقًا سهلاً وبعضه يكون عكس ذلك، ويرجع ذلك إلى طبع القائل وما جُبل عليه…… (2) فإذا كان ذلك يعود إلى طبع القائل وروحه فكيف به إذا صادف مخاطباً مخالفاً له في الطبع والجبلة؟!
لا شك أن كلامه سيكون غير واقع من نفس مخاطبه موقعاً حسناً وبالتالي فلن يُحمد قوله ولن يكون مطابقاً لمقتضى الحال.
__________
(1) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ابن رشيق القيرواني، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، 1/199، ط (4) ،سنة 1972م، دار الجيل، سوريا، (بتصرُّف) .
(2) الوساطة بين المتنبي وخصومه، القاضي الجرجاني، تحقيق أبو الفضل إبراهيم البجاوي، ص17، ط سنة 1945م (بتصرُّف) .(2/326)
وتجدر الإشارة هنا إلى مانقله د. علي العمَّاري عن بن خلدون في مقدّمته عند تفسيره لمفهوم مقتضى الحال؛ فقد ذكر أن المطابقة - في نظره - موجودة سواء كان الرفع دالاً على الفاعل، والنصب دالاً على المفعول أو بالعكس. "ويدافع عن أشعار العرب وأهل الأمصار لعصره، مع أن أهل الأمصار نشأت فيهم لغة مخالفة للغة سلفهم من مضر في الإعراب جملة وفي كثير من الموضوعات اللغوية، وبناء الكلمات، ولكن الشعر موجود بالطبع في أهل كل لسان" (1) وللعرب من أهل جيله في أشعارهم بلاغة فائقة وفيهم الفحول والمتأخرون، ومع ذلك فقد رفض بعض علماء عصره هذه الفنون التي اعتمدت على غير الفصحى مثل الزَّجل، وعروض البلد، ثم المزدوج والكازي والملعبة والغزل، والمواليا، وكان كان…… إلى آخر هذه الفنون التي كان يستعذبها أهلها وعشاقها ويجدون قمَّة البلاغة فيها لا في غيرها لأنَّها جاءت مطابقة للهجاتهم (2) .
هذا وقد علَّق ابن خلدون على ذلك بقوله:
"واعلم أن الأذواق كلها في معرفة البلاغة إنما تحصل لمن خالط تلك اللغة وكثرة استعماله لها ومخاطبته بين أجيالها، حتى يُحصّل ملكتها كما قلناه في اللغة العربية، فلا يشعر الأندلسي بالبلاغة التي في شعر أهل المغرب ولا المغربي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمشرق، ولا المشرقي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمغرب" (3) .
ويعقّب على ذلك بتعليل مقنع وافقه فيه بعض علماء اللغة المحدثين، هذا التعليل هو:
__________
(1) الصراع الأدبي بين القديم والجديد، د. علي العماري، ص184، ط سنة 1965م، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
(2) مقدمة بن خلدون، تحقيق درويش الجويدي، ص603-604 (بتصرُّف) ، المكتبة العصرية، بيروت-لبنان.
(3) نفسه، نفس الصفحات.(2/327)
إن المتذوّق لأي شعر لا يرى البلاغة إلا في شعر لغته لأن ملكته اللغوية تربَّت على تلك اللغة ومحاسنها فليس من الممكن أن يستعذب سواها (1) .
وهذا رأي صحيح بل لا يحتمل النقاش، فإدراك البلاغة في لغة أو لهجة ما لا يكون إلا بعد التمكن من ناصية تلك اللغة وأسرارها.
ولعلَّ النقطة التي تحتاج إلى تعقيب هنا - وقد لا يلتفت إليها بعض الناس - هي ظنهم أن بلاغة القول لا تكمن إلا في فصاحته، ويريدون هنا اللغة العربية الفصحى متناسين أي اعتبار آخر.
لذا ينبغي التأكيد على أن البلاغة هي مازالت عند تعريفها الأصيل والتزامها بهذا التعريف قلباً وقالباً، وهي مطابقة الكلام لمقتضى الحال. وقد يكون حال السامع أكثر أهميَّة من حال المتكلم حتى يحكم على القول بالبلاغة أو عدمها. يقول الزَّيات:
"…… فالبلاغة إذاً توجّه إلى العقل أو إلى القلب إو إليهما معاً لما تقتضيه حالات المخاطبين من مقاومة الجهل والرأي والهوى منفردة أو مجتمعة، فإذا كان غرض البليغ نفي جهالة أو توضيح فكرة أو تقرير رأي أجزأه في وفاء غرضه الصّحة والوضوح والمناسبة، فإذا أراد التعليم أو الإقناع وكان قوام الموضوع طائفة من الفكر والأدلة وجب عليه أن ينسقها ويسلسلها على مقتضى الأصول المقرَّرة في المنهج العلمي الحديث" (2)
والقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي اهتم بخطاب العقل والقلب معًا، ولا يخفى على علماء العربية وجهابذة اللغة مدى بلاغته ومراعاته لمقتضى الأحوال، وكيف يخفى عليهم ذلك وهو معينهم الأول ورافدهم الأصيل؟!
__________
(1) نفسه، ص614 (بتصرُّف) ، وافق بن خلدون في نفس الرأي د. إبراهيم أنيس، في نصه المذكور من قبل، فضلاً انظر ص7 من هذا البحث.
(2) دفاع عن البلاغة، أحمد حسن الزيات، ص 23، مطبعة النهضة، سنة 1967م، مطبعة الرسالة، سنة 1945م.(2/328)
نعم قد أعجز القرآن الكريم بقوة بيانه فصحاء قريش وكل من اشتهروا بالبلاغة فيهم. وما زال كذلك وسيظلُّ رغم اختلاف الثقافات وزيادة القدرات اللغوية وتباين اللهجات، لذا سيكون القرآن نفسه هو رافدنا في هذا البحث ومعيننا الذي لا ينضب في إضاءة الزوايا الخاصة بمفهوم مقتضى الحال، والتي بفضل من الله وتوفيق تمكن هذا العمل من الوصول إلى توضيحها من خلال الاستشهاد بأسلوب القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
بيان زوايا المفهوم وإضاءتها في ضوء أسلوب القرآن الكريم تحديد زوايا مفهوم مقتضى الحال
أ-حال السياق:
لعل مما جاء به القرآن الكريم مراعياً حال السياق ومفهومه مثل قوله تعالى (1) :
{كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام}
فالضمير في قوله "عليها" ليس له عائد سابق يوضحه ولكنه يُفهم من سياق الآيات قبله (2) ؛ فالسورة الكريمة من بدايتها تحدَّثت عن خلق الإنسان والسماوات والأرض وما بينهما وما تحتويانه من نعم كثيرة (3) ، فالمناسب أن يذكر السياق الكريم أن كل من عليها فان وأن البقاء لله - عزَّ وجل - فلا يجد السامع في تحديد المقصود من هذا الضمير صعوبة لفهمه من سياق الآيات الكريمات.
وقد يكون حال السياق ومفهومه سبباً في تنكير بعض الألفاظ التي تدل في مكانها على معان خاصَّة لا يتوصّل إليها إلا ضمن ذلك السياق كما جاء في شأن الكفَّار في قوله تعالى (4) :
{ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم}
__________
(1) سورة الرحمن: 26
(2) البلاغة فنونها وأفنانها، د. فضل عباس (علم المعاني) ، ص130 (بتصرُّف) .
(3) سورة الرحمن: 1-26
(4) سورة البقرة: 7(2/329)
فالذي يستنبط - من خلال دراسة السياق - في تنكير لفظ (غشاوة) دلالة على النوعية - كما ذهب الزمخشري - (1) أي نوع خاص من الغشاوة المناسبة لكفرهم، وذهب آخرون إلى أنَّها غشاوة عظيمة، وما في هذا الرأي بُعد عن قول الزمخشري؛ فالنوعية لفظ عام يحتمل الغشاوة العظيمة أو غيرها.
وقد لا يكون التنكير دالاًّ على النوعية فقط في سياق القرآن فقد يقتضي الحال أن يكون التنكير موحياً بغير ذلك، فاستمع إلى قوله تعالى (2) :
{وعَدَ اللهُ المؤمنينَ والمؤمناتِ جنَّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكنَ طيبة في جنَّات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم}
فالحال في الآية الكريمة يوحي أن المراد من التنكير هنا هو التقليل بمعنى أن أي "رضوان" من المولى - عزَّ وجل - مهما قلَّ هو أعزُّ على العبد المؤمن من كل ما ذُكر في الآية الكريمة قبله؛ لأنه سبب في دخول الجنة وأي سبب؟! ولا أدل على ذلك من ما جاء بعدها وهو قوله تعالى:
{ذلك هو الفوز العظيم}
كما يمكن أن يقصد من التنكير رضوان الله - عزَّ وجل- وتقديسه (3) ، وقد يؤدي حال السّياق إلى أن تقتضي الجملة الأولى سؤالاً يفهم بمعونة القرائن وسياق الأحوال، يُقدّر هذا السؤال السامع، فتأتي الجملة الثانية أو الآية الثانية إجابة عن هذا السؤال المُقدَّر (4) كما جاء في قوله تعالى (5) :
{قال يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح}
__________
(1) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (أبو القاسم الزمخشري الخوارزمي) ، ص 165 ط سنة 1927م، مطبعة مصطفى الحلبي وشركاه.
(2) سورة التوبة: 72
(3) البلاغة فنونها وأفنانها (علم المعاني) ، ص255.
(4) الاستئناف البياني (دلالته وفنيته) ، د. سعاد محمود نحلة، مجلة الزهراء، ص496، كلية الدراسات الإسلامية والعربية (بنات) ، جامعة الأزهر، العدد الثالث عشر، سنة1415هـ (بتصرُّف) .
(5) سورة هود: 46(2/330)
فلأن السياق في الآية الأولى تضمَّن حُكماً غريباً، إذ المخاطب هو نوح عليه السلام والحديث عن ابنه، ومع ذلك قيل له ليس من أهلك؟ فكيف يكون ذلك؟!
هذا هو السؤال المقدَّر والذي يتبادر إلى ذهن السامع مباشرة، فما كان من السياق الكريم إلا أن راعى هذا الاعتبار وذلك الإنكار - المقدَّر - فجاءت الإجابة بأسلوب توكيدي {إنه عمل غير صالح}
كما قد يقتضي حال السياق أيضًا أن تشتمل الجملة الأولى على استفهام تقريري يثير التعجب مثل قوله تعالى (1) :
{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل}
وقوله عز من قائل (2) :
{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت}
فالإجابة في الجملة الثانية من كل آية من الآيتين السابقتين هو مقتضى حال السياق وضرورة مطلوبة ليتم الكلام ويأتي على أبلغ وجه وأكمله؛ فتقدير السؤال المحذوف هو: (ماشأنهم؟) .
ب-حال المتكلم:
أما الزاوية الثانية من مراعاة مقتضى الحال؛ فهي مراعاة حال المتكلم وبيان ماتنطوي عليه سريرته فانظر - مثلاً - إلى قوله تعالى (3) :
{هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مُزّقتم كل ممزَّق إنكم لفي خلق جديد}
فجاءت لفظة (رجل) نكرة رغم معرفة المشركين لرسول الله (والتنكير لم يقصد به القرآن الكريم قطعاً الحط من قدره (وإنما نقل - بهذه الطريقة - مشاعرهم الحاقدة تجاه خير الأنام عليه الصلاة والسلام.
ويراعي القرآن الكريم أيضًا حال المتكلم عندما قال عز وجل (4) :
{ربي إني وضعتها أنثى}
فالآية تنقل لنا إحساسها بالحزن والحسرة، بدليل ماجاء بعدها مباشرة وهو قوله تعالى (5) :
{والله أعلم بما وضعت}
كذا في قوله تعالى (6) :
__________
(1) سورة النساء: 44
(2) نفس السورة: 51
(3) سورة سبأ: 7
(4) سورة الأعراف: 36
(5) نفس الآية السايقة.
(6) سورة الأنبياء: 87(2/331)
{وذا النون إذ ذهب مغاضبًا فظنَّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}
فليس المقصود من التأكيد هنا إلا حال المتكلم وحسه بالمعنى وأنه متقرّر في نفسه مؤكَّد في ضميره، وتجد هذا في توكيد الخبر ب (إنَّ) (1) في قوله:
{إني كنت من الظالمين}
كذلك في قوله تعالى (2) :
{ربي إني أسكنت من ذُريَّتي بوادٍ غير ذي زرع}
وفي قوله (3) :
{ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان}
وشبه ذلك كثير، وكله يحمل على اعتبار حال المتكلم وقوة إحساسه بالمعنى (4) .
ج- حال المخاطب:
والمقصود هنا مراعاة حال المخاطب في أي زمان ومكان من حيث عدم علمه بالخبر وخلو ذهنه منه، أو إعلامه أن المتكلّم لديه علم بما يخفيه عنه ذلك المخاطب أو مخاطبته بالطريقة التي تليق به إن كان مُنكرًا للخبر أو مُتردّداً في صدقه.
فإذا كان المخاطب لا يعلم عن الأمر المُلقى إليه شيئًا أُلقي إليه الكلام مجرّداً من أي مؤكّد لفظي؛ لأن حال جهله بالخبر تقتضي ذلك (5) ، مثال قوله تعالى (6) :
{والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم}
فهذه الدعوة الحميمة من المولى عز وجل لم تكن في خُلد السامعين وليس لديهم علم بها، لذا جاء الخطاب في أبسط تركيب وأسهله وهو ما يسمى ب"فائدة الخبر"، وكل ماجاء كذلك؛ فهو من هذا الباب مادام المخاطب ليس لديه علم مسبق عن هذا الخبر.
__________
(1) دلالات التراكيب، دراسة بلاغية، د. محمد أبو موسى، ص103، ط (1) ،سنة 1979م، مكتبة وهبة القاهرة.
(2) سورة إبراهيم: 37
(3) سورة آل عمران: 139
(4) دلالات التراكيب، ص104 (بتصرُّف) .
(5) البلاغة في ثوبها الجديد (علم المعاني) ، د. بكري شيخ أمين، 1/56 (بتصرف) ، ط (3) ، سنة 1990م، دار العلم للملايين.
(6) سورة يونس: 25(2/332)
والحالة الثانية التي يمكن أن يكون عليها المخاطب وينبغي أن يكون الكلام مطابقاً لها؛ هي علمه بذلك الأمر ورغبة المتكلم في إخباره أنه يعلم بالموضوع كأن يقول شخص لآخر:
رأيتك تُنصت إلى قراءة القرآن، أو: علمت بسفرك أمس.
ومنها قوله تعالى (1) :
{…… ماكان أبوك امرأ سوءٍ وما كانت أمك بغيًا}
فالمخاطبة أكثر الناس علماً بأبيها وأمها، فقد كانا من بيت يُعلم شرفه ومكانته في القوم (2) وهذا ما يسمى بلازم الفائدة لذا جاء خالياً من أدوات التوكيد (3) .
ومنه قوله تعالى عن المنافقين (4) :
{المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون}
فالمخاطب بالقرآن والمنزل عليه الوحي هو رسول الله (كما هو معلوم - والمستمعون بعد لهذه الآيات فهم المؤمنون ومنهم المنافقون (5) ، فيعرّفهم السياق الكريم بهذه الأمور التي قد يظنون خفاءها عن غيرهم، ولأن الأمر معلوم ومسلَّم به لديهم ولدى الرسول الكريم (فقد اقتضت الحال أن يأتي الكلام خالياً من أي مؤكّد من المؤكّدات.
أما عند الإخبار عن فسقهم فيؤكد الخبر بأكثر من مؤكّد (6) ، وذلك لإنكار المنافقين وعدم اعترافهم بفسقهم.
أما قوله تعالى (7) :
{وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير}
__________
(1) سورة مريم: 28
(2) تفسير ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، 3/108، ط سنة1981م، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت.
(3) من المؤكدات: إنَّ، أنَّ، ألا الاستفتاحية، ضمير الفصل، فضلاً انظر ذلك في البلاغة في ثوبها الجديد ص61.
(4) سورة التوبة: 67
(5) تفسير ابن كثير 2/268، ط سنة 1981م، (بتصرف) .
(6) المؤكدات هنا (إنَّ، ضمير الفصل، أل التعريف) .
(7) سورة فاطر: 22(2/333)
فالمخاطب هنا يعلم بهذه الحقيقة ولكنه يحتاج إلى شدة التنبيه والتأكيد على ضرورة عدم الحزن من القوم وحالة إعراضهم عنه وكأن حاله عليه الصلاة والسلام قد وصلت إلى حد من يعتقد أنه يملك مع الإنذار القدرة على هدايتهم وهيهات أن يكون له ذلك (1) .
وقد تقتضي حال المخاطب أن يؤكَّد له الكلام بأحد المؤكّدات، كأن يكون ظاناً في الأمر أو شاكاً أو متردّداً أو منكراً تماماً لذلك الخبر (2) .
وهنا لا بد من قرينة حاليَّة أو مقاليَّة يلاحظها المتكلم أو يقرؤها حتى يعلم إلى أي من هؤلاء ينتمي مخاطبه؛ ليلقي إليه كلامه موافقاً ومطابقاً لتلك الحال، وهذا ما يُعرف بخروج الكلام على مقتضى الظاهر (3) ؛ فإذا كان المخاطب متردّداً أو شاكاً في ثبوت ما يقال له؛ فمقتضى هذه الحال أن يُلقى إليه الكلام مؤكَّداً بإحدى المؤكّدات كما جاء في قوله تعالى (4) :
{… سيجعل الله بعد عسر يسرًا}
فالآية موجهة إلى الرجل المطلّق الذي ليس لديه سعة من المال والذي تطالبه الشريعة - رغم ذلك - بالإنفاق قدر استطاعته على زوجه الحاضنة لابنه، فالمخاطب هنا قد يكون لديه شك أو تردُّد في أن تعوَّض له هذه النفقة من الله عزَّ وجل (5) فكان من مقتضى الحال أن يثبت له القرآن الكريم ذلك ويؤكّده بأحد المؤكّدات - وهي السين - حتى يزيل عنه ذلك الشك أو التَّردّد.
كذلك في قوله تعالى (6) :
{قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا إلا ماشاء الله……} الآية
__________
(1) دلالات التراكيب، ص109 (بتصرف) .
(2) الإيضاح في علوم البلاغة (الخطيب القزويني) ، شرح وتعليق محمد عبد المنعم خفاجي،1/92-93، ط (5) ، سنة1980م، (بتصرُّف) .
(3) المرجع السابق/ ص93 (بتصرُّف) .
(4) سورة الطلاق: 7
(5) تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) ، محمد بن محمد العمادي، 8/263، ط (بدون) ، دار إحياء التراث (بتصرُّف) .
(6) سورة الأعراف: 188(2/334)
فالآية تخاطب قوماً يرون في الرسول الكريم (القدرة على أن يملك لنفسه الضر والنفع ويعلم الغيب (1) ؛ فناسب حالة الشك هذه أن يقترن الأسلوب بالنفي والاستثناء - وهي طريقة من طرق التأكيد - وما ذاك إلا لإزالة الشك من نفوس المخاطبين (2) .
أما عند مخاطبة المنكر للأمر؛ فلا بدَّ من سبر أغوار نفسه ومعرفة مدى قوة ذلك الإنكار حتى يأتي الخطاب مقروناً بمؤكدات كافية تناسب ذلك وحتى يكون الكلام مطابقاً للحال. وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن الكريم؛ فاستمع - مثلاً - إلى قوله تعالى (3) :
{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}
فالآية الكريمة ينقل لنا حالتهم وعلمهم بعدم تصديق السامع لهم؛ فدعاهم ذلك إلى تأكيد حديثهم ب (إنَّما) ويأتي الرَّدُ مناسباً لإنكارهم تلك الحقيقة والمداراة منهم. لذا جاء الكلام مؤكّداً بأكثر من مؤكّد وذلك حسب قوَّة إنكارهم (4) .
ومثله ماجاء في قوله تعالى (5) :
{واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززننا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون}
ثم قالوا في المرة الثانية (6) :
{ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون}
فمقتضى ماهم عليه من حال الإنكار في المرة الأولى أن يأتي كلام المرسلين مؤكَّداً بأحد المؤكدات وهي (إنَّ) - فقط - في قوله (7) :
{إنا إليكم مرسلون}
__________
(1) تفسير البحر المحيط (أبو حيان الأندلسي) ، 4/436، ط (2) ، دار الفكر.
(2) من بلاغة القرآن، د. أحمد أحمد بدوي، ص158، ط (بدون) ، دار نهضة مصر للطباعة والنشر (بتصرُّف) .
(3) سورة البقرة: 11-12
(4) المؤكدات هنا هي: ألا الاستفتاحية، إنَّ، ضمير الفصل.
(5) سورة يس: 13-14
(6) سورة يس: 15
(7) سورة يس: 16(2/335)
واقتضت حال الإنكار الثانية وهي أشدُّ من الأولى أن يأتي السياق الكريم بأكثر من مؤكّد (1) ؛ لإثبات ماجاءوا به ولإزالة تكذيب المخاطبين وإنكارهم للدعوة الراشدة، فجاء في سياق الآية الكريمة (إنَّ، ولام الابتداء) التي اقترن بها الخبر، مع ما يشعر بالقسم في قوله {ربُّنا يعلم} .
ومن مقتضى الحال أيضًا أن يؤكّد القرآن الكريم أمرًا حقيقيّاً لا جدال في وقوعه، وذلك لأن المخاطب أصابته الغفلة عن إدراك تلك الحقيقة أو مجرَّد التفكير في المصير.
فقال تعالى (2) :
{ثُمَّ إنكم بعد ذلك لميتون ثُمَّ إنَّكم يوم القيامة تبعثون}
فالموت والبعث - لدى المؤمن - أمران لايحتاجان إلى تأكيد، أما الكافر فقد اقتضت حاله أن يؤكَّد له ذلك بأكثر من مؤكّد
تلك هي الأحوال التي يراعي فيها المتكلّم حال المخاطب الظاهرة…… (3)
مطابقة الحال مع مخالفة الظاهر
وهنا قد تتطلَّب الظروف أن يتغاضى البليغ عن حال ظاهرة؛ فيخالف القواعد المذكورة ويأتي حديثه - رغم ذلك - بليغاً لأنه طابق فيه الحال. فلو طُلب - مثلاً - من مسلمٍ عدم الإهمال في صلاته رغم علمه بوجوب ذلك فيقال له:
صلواتك الخمس حافظ عليها ولا تترك واحدة منها.
فلا بُدَّ أن حالة إهماله في صلاته كلها أو في بعضها اقتضت أن يُحدَّث بالطريقة التي يحدَّث بها الجاهل بالخبر وذلك لعدم عمله بموجب ذلك العلم (4) .
كذا إذا خوطب غير المُنكر للخبر أو للحُكْم مخاطبة المُنكر كما جاء في قوله تعالى (5) :
{إنك لا تهدي من أحببت ……} الآية
فالمخاطب هو رسول الله (وهو غير
__________
(1) من بلاغة القرآن، ص145 (بتصرُّف) .
(2) سورة المؤمنون: 15-16
(3) من بلاغة القرآن، ص147 (بتصرف) .
(4) البلاغة في ثوبها الجديد (علم المعاني) ، ص73 (بتصرُّف) .
(5) سورة القصص: 56(2/336)
مُنكر لذلك، ويعلم تماماً أن الهداية من الله وحده عزَّ وجل وبإرادته سبحانه وتعالى ولكن لفرط حرصه عليه الصلاة والسلام ولاهتمامه بتبليغ الدعوة كان مشقّاً على نفسه في محاولة هداية من أحبَّ من قومه وكل من حوله من أهله، فكان من مقتضى هذه الحال أن يخاطب مخاطبة المنكر للخبر لأن تصرفه عليه الصلاة والسلام وحرصه الشديد اقتضيا ذلك الأسلوب في الخطاب (1) وهو التأكيد ب (إنَّ) في قوله:
{إنك لاتهدي من أحببت……} الآية.
كذا قد يخاطب المُنكِر مخاطبة غير المُنكِر؛ فلا يؤكد له الكلام بأي مؤكد لوجود الأدلة الواضحة على صدق ما يقال له كما جاء في قوله تعالى (2) :
{ألم ذلك الكتابُ لاريبَ فيه هُدى للمتقين}
فرغم أن القران الكريم نزل على محمد (وخاطب به المشركين المنكرين له، إلاَّ أن الآية - وأمثالها كثير (3) - خلت من أدوات التوكيد، لأن السامعين يشهدون شهادة لايدانيها شك في فصاحته وبلاغته التي أعجزتهم (4) .
وقد يخاطب غير السائل مخاطبة السائل المستشرف للحقيقة، كما يقال لشخص - مثلاً -:
لاتجادل في الحق، فالحق أحق أن يُتَّبع فحال السامع هنا اقتضت هذا الخطاب الذي قُدّر قبله سؤال محذوف بعد نهاية الجملة الأولى مباشرة، وهو (لِمَ لا أجادل في الحق؟) (5) .
ومن هذا الباب قوله تعالى (6) :
{ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم}
__________
(1) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، عبد الله بن محمد الأنصاري القرطبي، 6/5015، كتاب الشعب (بتصرُّف) .
(2) سورة البقرة: 1
(3) انظر مثلاً الآيات (سورة إبراهيم: 32-33) ، (الكهف: 1) ، (النور: 1) .
(4) انظر قول الوليد بن المغيرة عن القرآن في القرآن المعجزة الكبرى، د. محمد أبو زهرة، ص56، دار الفكر العربي.
(5) كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، 2/93 (بتصرُّف) .
(6) سورة الحج: 1(2/337)
فلمَّا أمر السّياق الكريم بتقوى الله وحذر من عقابه تطلَّعت نفس السامع إلى معرفة السبب مع الشك في العقاب، فجاءت الإجابة مطابقة للحال أو مقتضية لذلك الشك إذ اقترن الأسلوب ب (إنَّ) المؤكدة للخبر المذكور في الآية الكريمة.
كما قد تقتضي حال المخاطب - الذي يعتقد بشيء مخالف للواقع - أن تقلب عليه ذلك الاعتقاد كقولك - مثلا -: ما فاز إلا محمد (لمن ظنَّ أن غيره هو الفائز) . ومثلها من القرآن قوله تعالى (1) :
{واتبعوا ماتتلو الشياطين على مُلك سليمان وما كفر سليمان ولكنَّ الشياطين كفروا…} الآية.
كذا في حال ظن السامع اشتراك شخصين أو شيئين في حكم واحد فالحال تقتضي أن تأتي بخصائص أسلوبية تُفرد له شيئاً أو شخصاً واحداً في ذلك الحكم، فنقول لمن ظنَّ أن زيداً ومحمداً قادمان: إنَّما القادم زيدٌ.
ومنها قوله تعالى (2) :
{قل هو الله أحد الله الصمد……} الآيات
يخاطب بها من ظن أن الله سبحانه وتعالى يشترك مع غيره في هذه الصفات، فكل آية من السورة تفرد له صفة لا يمكن أن يشاركه فيها غيره (3) سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
ومنها قوله تعالى (4) :
{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}
يخاطب بها كل من ظن أو أشرك مع الله سبحانه وتعالى أحدًا في معرفة الغيب (5) .
وساعد على ذلك أسلوب القصر في قوله:
{لا يعلمها إلا هو}
تعقيب
ماقيل في مراعاة مقتضى الحال في المجالات السابقة يمكن أن يقاس عليه كل ما لم يُذكر هنا.
__________
(1) سورة البقرة: 102
(2) سورة الإخلاص: 1-2
(3) تفسير أبي السعود، 9/212 (بتصرُّف) .
(4) سورة الأنعام: 59
(5) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، 2/195 (بتصرُّف) ، ط (بدون) ، عالم الكتب، بيروت.(2/338)
وما الاكتفاء بذكر بعض من كل في الأمثلة إلا لأن الأحوال كثيرة، ومقتضياتها مثلها، سواء كان ذلك في مجال مراعاة الظاهر أو مخالفته لضرورة بلاغية - كما أشرنا -، وسواء كان ذلك في الحذف أو الذكر أو التقديم أو التأخير أو الفصل أو الوصل أو الإيجاز - حيناً - أو الإطناب آخر أو عند الحاجة إلى التمثيل أو التصوير أو استعمال الكناية أو التعريض في بعض المواقف …… وما إلى ذلك من أساليب يرى البليغ ضرورة استخدامها لمراعاة حال السياق، أو المتكلم نفسه أو المخاطب وما يحيط بذلك المخاطب من ظروف بيئية وثقافية واجتماعية يصعب حصرها هنا، الأمر الذي يتطلب حذق المتكلم ومهارته مع استعداده الفطري واللغوي فضلاً عن ثقافته البلاغية ولباقته المطلوبة لبلورة حديثه وتشكيله وصياغته وفق الغرض الذي يريد، والمقام الذي يلقي فيه حديثه، ليأتي ذلك الحديث مطابقاً للحال مناسباً للمقام مصيباً للهدف واقعاً من نفس السامع أحسن موقع.
يقول الجاحظ رحمه الله:
(ومدار الأمر على إفهام كل قوم بمقدار طاقتهم، والحمل عليهم على أقدار منازلهم) (1) .
لذا كان القرآن الكريم خير حديث وأوقع كلام في نفوس سامعيه، فيه لذات العقول والأرواح ومعه تكون الطمأنينة وراحة الوجدان (2) ، لا يصل إلى مرتبته البيانية بشر من الفصحاء ولا أديب من الأدباء - وإن عاون بعضهم بعضاً -.
قال تعالى (3)
__________
(1) البيان والتبيين (الجاحظ) ، تحقيق عبد السلام هارون، 1/93، ط سنة 1975م، دار المعارف، مصر.
(2) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مصطفى صادق الرافعي، ص19 (بتصرُّف) ، ط (9) ، سنة 1973م، دار الكتاب العربي، بيروت-لبنان.
(3) سورة الإسراء: 88
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
الاستئناف البياني (دلالته وفنيته) ، د. سعاد محمود نحلة، مجلة الزهراء، جامعة الأزهر، العدد (3) ، سنة 1415هـ.
أساس البلاغة. جار الله ابي القاسم الزمخشري. تحقيق عبد الرحيم محمود. ط سنة 1982 م. دار المعرفة بيروت لبنان
أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، شرح وتعليق د. محمد عبد المنعم خفاجي ود. عبد العزيز شرف، ط (1) سنة 1991م، دار الجبل - بيروت.
إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مصطفى الرافعي، ط (9) ، سنة 1973م.
الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، شرح وتعليق وتحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجي، ط (5) ، سنة 1980م.
البلاغة فنونها وأفنانها، د. فضل عباس (علم البيان والبديع) .
البلاغة فنونها وأفنانها، د. فضل عباس (علم المعاني) ، ط (1) ، سنة 1985م، دار الفرقان للنشر والتوزيع.
البلاغة في ثوبها الجديد، د. بكري شيخ أمين (علم المعاني) ، ط (3) ، سنة 1995م، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان.
البيان والتبيين أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق د. عبد السلام هارون، ط سنة1975م، دار المعارف - مصر.
التطور اللغوي والتاريخي، د. إبراهيم السَّمرائي، ط (3) ، سنة 1983م، دار الأندلس، بيروت - لبنان.
تفسير البحرالمحيط، أبو حيان الأندلسي، ط (2) دار الفكر للطباعة والنشر.
تفسير ابن كثير (أبو الفداء إسماعيل بن كثير) ، ط سنة 1981م، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت - لبنان.
تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) ، محمد بن محمد العمادي، ط (بدون) ، دار إحياء التراث، بيروت.
تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) ، أبو عبد الله محمد ابن أحمد الأنصاري القرطبي، كتاب الشعب.
التلخيص في علوم البلاغة، جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب، ضبط وشرح عبد الرحمن البرقوقي ط (1) ، سنة 1904م، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان.
خصائص التراكيب، دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني، د. محمد أبو موسى، ط (2) ، سنة 1980م، مكتبة وهبة القاهرة.
دفاع عن البلاغة، أحمد حسن الزيات، مطبعة النهضة سنة 1967م، مطبعة الرسالة سنة 1945م.
دلالة الألفاظ، د. إبراهيم أنيس، ط (5) ، سنة 1984م، مكتبة الأنجلو، القاهرة.
دلالات التراكيب (دراسة بلاغية) ، د. محمد أبو موسى، ط (1) ، سنة 1979م، مكتبة وهبة، القاهرة.
شرح المعلقات السبع، أبو عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني، ط (3) ، سنة 1979م، دار الجيل، بيروت - لبنان.
شروح التلخيص، ط (بدون) ، دار السرور، بيروت - لبنان.
شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، عباس العقاد، ط (3) ، سنة 1965م، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة.
الصراع الأدبي بين القديم والجديد، د. علي العماري، ط سنة 1965م، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، ط (4) ، سنة 1972م، دار الجبل، بيروت.
فقه اللغة، د. علي عبد الواحد وافي، ط (7) ، دار نهضة مصر للطبع والنشر، الفجالة - القاهرة.
القرآن المعجزة الكبرى، محمد أبو زهرة، ط سنة1970م، دار الفكر العربي.
كتاب الطراز المتضمّن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، يحيى بن حمزة العلوي اليمني، ط سنة 1982م بإشراف جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، أبو القاسم جار الله محمد بن عمر الزمخشري الخوارزمي حقق الرواية محمد الصادق قمحاوي، ط (الأخيرة) ، سنة 1927م.
معجم البلاغة العربية، د. بدوي طبانة، ط (3) ، سنة 1988م (مزيدة ومنقحة) ، دار المنارة للنشر (جدة) ، دار الرفاعي (الرياض) .
المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ط (بدون) ، كتاب الشعب.
معجم مقاييس اللغة. أبو الحسن أحمد بن فارس. تحقيق عبد السلام هارون. ط1 سنة 1368هـ. القاهرة. دار إحياء الكتب العربية. عيسى الحلبي وشركاه.
مقدمة بن خلدون (عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون) ، تحقيق درويش الجويدي، ط (1) ، سنة 1995م، المكتبة العصرية، بيروت - لبنان.
من أسرار اللغة، د. إبراهيم أنيس، ط (بدون) ، سنة 1994م، مكتبة الآنجلو المصرية.
من بلاغة القرآن، أحمد أحمد بدوي، ط سنة1950م، دار نهضة مصر للطبع والنشر، مصر.
الوساطة بين المتنبي وخصومه، علي بن عبد العزيز الجرجاني (القاضي الجرجاني) ، تحقيق أبو الفضل إبراهيم البجاوي ط سنة 1945م.(2/339)
:
{قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا}
• • •
الهوامش والتعليقات(2/340)
ملامح تأثير الثقافة الإسلامية
فى بلاد الملايو
روسني بن سامح
محاضر بقسم اللغة العربية وآدابها
الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا
ملخص البحث
كان للإسلام والعرب دور بارز فى تغيير مجرى حياة الشعب الملايوى وافتتح عهد جديد للشعب بوصول الإسلام إليه وحدثت حركة تأثير فكرى واسعة المدى خطيرة النتائج حتى انتشرت الثقافة العربية الإسلامية فيه. وأحدث الإسلام تغيرات جذرية فى مجال حياة الشعب دينيا وسياسيا واجتماعيا وعلميا وثقافيا ولغويا وأدبيا. ومن أعظم مساهمة الثقافة الإسلامية:
- وصول الحروف العربية للكتابة الملايوية التى لم تكن لها حروف إلا إشارات ورموز.
- دخول الألفاظ العربية إلى اللغة الملايوية وأكثرها فيما يتعلق بتعاليم الإسلام حيث لم تكن للغة الملايوية كلمة تدل على معنى خاص ولذلك استخدمت الكلمة العربية للدلالة على ذلك المعنى ومن هذا المنطلق كثر دخول الكلمات والمصطلحات الدينية إليها. ومن حق هذا الكلمات المستعارة أنها تقبل النظام الصوتى الملايوى فيلحق بها اللواحق والسوابق.
- تغيير مجرى القصة الملايوية ووصول القصة العربية الإسلامية. وقبل العصر الإسلامى كثر دخول القصة الهندية إلى الأدب الملايوى وتداولت على ألسنة الشعب ثم بدأ الدعاة فى تغيير مجراها ومقاصدها إلى المجرى الإسلامى وإدخال العناصر الإيمانية وكذا بدلوا الألفاظ والتعبيرات فيها إلى الألفاظ العربية الإسلامية وتعبيراتها وأحلوا أسماء أمجاد الإسلام والأنبياء والملائكة وأسماء الله محل أسماء الأبطال الهندية وأسماء الآلهة الهندية.(2/341)
وبجانب هذه الجهود اجتهدوا فى تعريف الشعب بالقصة الإسلامية من القرآن الكريم والتاريخ الإسلامى وقصص الأبطال قبل الإسلام ومن أثر هذه الجهود كثر دخول القصة العربية الإسلامية إلى الأدب الملايوى مما له أصل دينىبما فيه من القصص عن النبى محمد وأصحابه والأنبياء وما له أصل صوفى وما له أصل بطولى وما له أصل أسطورى وما له أصل رمزى.
- تأثر الشعراء الملايويين بالشعر الصوفى. وظهر ذلك وضوحا على يد حمزة الفنصورى الذى بدأ فى اختراع الشعر الملايوى الصوفى ويرجع فضله إلى تأثره بالصوفيين من خلال قراءة مؤلفاتهم ومنهم ابن عربى والبسطامى وجيلى والحلاج وذى النون المصرى. وهو أول من نظم الشعر الملايوى الصوفى من أثره رباعيات حمزة الفنصورى.
وكذا تأثر الأدب الملايوى بالنظم والوغزل والمثنوى والقطعة وامتاز تيار هذه الأنواع بالنزعة الصوفية التى تتحدث عن العلاقة بين العبد وربه وعن الأخلاق والنصيحة.
ويظهر من خلال هذا البحث المتواضع أن الإسلام لعب دوره البارز فى تغيير مجرى حياة الشعب الملايوى كما لعب دوره فى تغيير مجرى حياة العرب فى عهده الأول وما زال هذا الأثر يتزايد يومت فيوما حتى العصر الحديث.
• • •
مقدمة:
لعب الإسلام دوره البارز فى تغيير مجرى حياة العرب وكان أثره يظهر جليا فى حياتهم الدينية والاجتماعية والسياسية والعقلية كما يتجلى أثره الكبير فى اللغة العربية من وحدة اللغة وانتشارها وذيوعها واتساع أغراضها وارتقاء معانيها وتهذيب ألفاظها والتوسع فى دلالتها. ويتجلى أيضا فى حياتهم الأدبية.
ومن البديهى أن نعلم أن التغيير الذى حدث فى الآداب العربية منذ ظهور الإسلام لم يكن يرجع إلى شيء إلا إلى الإسلام وحده وكان المصدر الأول لهذا التغيير القرآن الكريم الذى كان وحده مصدر ثقافة المسلمين الدينية والعقلية والاجتماعية والأدبية. وكان هذا التغيير لم يحدث فجأة ولم يتم مرة واحدة وإنما حدث قليلا وظهر شيئا فشيئا.(2/342)
وكذا شأن الإسلام عندما وصل إلى أرخبيل الملايو حيث لعب دوره كما لعبه فى منبعه الأصلى. ومن هنا يحاول هذا البحث الكشف على ملامح تأثير الثقافة الإسلامية فى بلاد الملايو ويقتصر حديثه فى العصر القديم منذ وصول الإسلام إليه ولم يجاوز ملامحه فى العصر الحديث وإن ورد فيه ذكر الأماكن المعاصرة.
ويتناول موضوعات تمهيدية عامة من أثر الإسلام فى الحياة الملايوية الدينية والسياسية والاجتماعية والعلمية والثقافية وما فيها من التعريف بأرخبيل الملايو ودور حركة التجارة فى نشر الإسلام فيه ووصوله وعوامل انتشاره.
ثم يتناول الموضوع الأساسى من أثر الإسلام واللغة العربية فى اللغة الملايوية من حروف الكتابة إلى الكلمات والأدب بما فيه من القصة والشعر.
التعريف بأرخبيل الملايو:
ينبغى قبل الشروع فى الحديث عن تأثير الإسلام وثقافته على أرخبيل الملايو التعريف بأرخبيل الملايو وموقعه الجغرافى والمعروف أن أرخبيل الملايو هو مصطلح جغرافى القديم يطلق على مجموعة ضخمة من الجزر وشبه الجزر التى تقع فى منطقة جنوب شرقى آسيا من القارة الآسيوية.
ويعطينا التكوين الجيولوجى لتلك الجزر نفسها فكرة دقيقة عنها وهى تتكون من الجزر العديدة المبعثرة التى تمتد من أقصى الطرف الجنوبى الشرقى للقارة الآسيوية المتاخمة لجنوب بلاد التايلاند -THAILAND - شمالا حتى شمال القارة الأسترالية جنوبا بينما يحدها شرقا بحر الصين الجنوبى ويحدها غربا المحيط الهندى.
ويتكون من ثلاث مجموعات رئيسية:
اتحاد ماليزيا - FEDERATION OF MALAYSIA
وجمهورية إندونيسيا - REPUBLIC OF INDONESIA
وجمهورية الفلبين - REPUBLIC OF PHILIPPINES.
ولهذه المجموعات الثلاث لغتها الخاصة الموحدة فضلا عن اللهجات المحلية وهى اللغة الملايوية التى يتكلم بها أهلها فى حياتهم اليومية وفى معاملاتهم الرسمية ويكتبون بها مؤلفاتهم الأدبية والعلمية.(2/343)
حياة الملايويين قبل وصول الإسلام (1) :
كان الملايويون فى تاريخهم الأول يعتقدون أنواعا من المعتقدات القديمة كما هو الواقع فى أنحاء العالم فكانوا يعتقدون بأن كل شيء فى هذا العالم له روح وقوة فالأشجار والجبال والأنهار والأحجار لها أرواح يخضع لها الناس ويجب عليهم أن يحترموها ويعبدوها لكيلا تغضب عليهم أو تنزل عليهم البلايا. ومن ثم ظهرت عبادة الطبيعة لديهم وبعد مرور الزمن وقعوا تحت التأثير الهندى منذ أن كثر الاختلاط بالقادمين إليهم من الهند بقصد التجارة طوال القرون المسيحية الأولى فظهر أثر ذلك عميقا فى أفكارهم وعباداتهم وعاداتهم وثقافتهم وآدابهم.
وكانت العلاقات بين الهند وأرخبيل الملايو عريقة قديمة. وبواسطتها تسرب إليه أثر الثقافة الهندية وأدبها وكان ذلك عظيما وعميقا للغاية. وبذلك تأثرت فى أول الأمر الكتابة الملايوية بالحروف الهندية وهى معروفة بحروف كاوى - KAWI - التى ظهرت فى فترة ما بين عام أربعمائة وسبعمائة وخمسين للميلاد من أثر قدوم الثقافة الهندية إليه. وكذا تأثرت بالحروف الهندية المعروفة بحروف جاوة القديمة التى كانت أصلا من حروف ونجى التى نشأت لدى أفراد بالاوا المقيمين فى بلدة كورومنديل جنوب الهند. وبصفة عامة تأثرت اللغة الملايوية باللغة السنسكريتية لغة الهند القديمة نتيجة انتشار الهندوكية والبوذية الديانتين السائدتين فيه قبل انتشار الإسلام (2) .
__________
(1) وقد تناول الباحث حياة الملايويين قبل الإسلام من حيث تأثرهم بغيرهم لا من حيث نشأتهم وتطورهم.
(2) انظر - محمد زكى عبد الرحمن - أثر اللغة العربية فى اللغة الماليزية - رسالة الماجستير - كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر - القاهرة - 1990 - ص 19 وما بعده(2/344)
وكان الأدب الملايوى فى ذلك العصر أدبا لسانيا لم يكن فى متناول قرائه لأن حروف الكتابة كانت غير منتشرة إلا ما عرف من الحروف الهندية والإشارة والرموز. وكانت القصة قبل انتشار الإسلام مملوءة بالتأثير الهندى من كتاب بانجاتنترا ورامايانا ومهابراتا وغيرها من الكتب الهندية المشهورة. ويرى وينستد (1) WINSTEDT أن معظم الحكايات الملايوية القديمة مقتبسة من الحكايات الهندية القديمة أو بإعادة صياغتها الجديدة خاصة من حكايتى مهابراتا ورامايانا المشهورتين. كما عثر على الآثار الهندية فى قصص الحيوان وقصص التسلية والفكاهة وأعظم محتويات هذه القصص من كتاب بنجاتنترا ثم صيغت بصبغة ملايوية لتكون ملائمة لمتطلبات روح الشعب الملايوى.
ولم يقتصر التأثير الهندى فى القصة الملايوية على الشخصيات أو الأحداث أو حبكة الحكاية بل تعدى ذلك إلى الألفاظ إذ وجدت فى القصة الملايوية بعض الألفاظ المستعارة من الألفاظ السنسكريتية فمثلا فى حكاية هانج تواه - HANG TUAH - الملايوية وجد لقب لقسمان - LAKSEMANA - وهذا اللقب هندى وهو مذكور فى حكاية رامايانا وسرى راما (2) . وكذا لا ينحصر التأثير الهندى فى الألفاظ فى القصة بل تجاوز ألفاظ الحياة اليومية.
أثر التجارة فى نشر الإسلام وثقافته فى بلاد الملايو:
__________
(1) See. R. Q. Winstedt. History of Classical Malay Literature. K. Lumpur.
Oxford University Press. 1972. P. 3.
(2) See: Ibrahim Mohd Salleh - Kesusasteraan Melayu Kelasik Dan Moden-
Penerbit Asia - K.L Cet. 1 - p. 32(2/345)
ترجع العلاقات بين العرب وأرخبيل الملايو إلى أزمنة قديمة مرت بمراحل ففى المرحلة الأولى كانت العلاقة تتمثل فى العلاقة التجارية أو الاقتصادية وهى أقدم علاقة بينهما وأبرز الوسائل التى انتقلت بواسطتها تيارات التأثير العربى الإسلامى إليه ثم تأتى المرحلة الثانية الخاصة بالعلاقة الدينية والسياسية نتيجة للعلاقة التجارية وهذه العلاقة تتمثل فى فترة وصول الإسلام إليه وانتشاره ونشوء الدولة الإسلامية فيه. وهى فترة استقبال أبناء البلاد الدين الإسلامى وتأثيره ثم تبرز المرحلة الثالثة كعلاقة التأثير الدينى والعقلى (1) . وهى فترة الاستيعاب والانعكاس والتفاعل بين تأثير العناصر العربية الإسلامية فى الأدب الملايوى وظروف انتقال الأدب الملايوى من العناصر الهندية.
وتنقسم العلاقات التجارية بين العرب وأرخبيل الملايو إلى علاقتين: علاقة مباشرة وعلاقة غير مباشرة. فالعلاقة المباشرة تتمثل فى الاحتكاك المباشر بينهما إذ كان العرب يحتاجون إلى السلع التى لا توجد إلا فى أرخبيل الملايو مثل التوابل والبخور والكافور التى وجدت فى سومطرة (2) . ويرى بعض الباحثين أن الكافور كان من العوامل التى أدت إلى قيام العرب برحلات إليه (3) . ونشأت هذه العلاقة المباشرة فى عصر ما قبل الإسلام منذ القرن الخامس قبل الميلاد وكانت أهمية ميناءه كمركز تجارى مستمرة حتى عصر النبوة فى القرن السابع الميلادى والقرون التى تليه (4) .
__________
(1) See: Azyumardi Azra - Jaringan Ulama Timur Tengah Dan Nusantara Abad Ke
7 Dan 8 - Penerbit Mizan - Cet. 1 - 1994 - p. 23
(2) ee: Abdul Rahman Hj. Abdullah - Pemikiran Umat Islam Di Nusantara
-Dbp. Cet. 1 - 1990 - p. 25
(3) See: Abdullah Ishak - Islam Di India Nusantara Dan Cina - Nurin Cet. 1 - 1992 - p.
90 Enterprise-
(4) See: Abdul Rahman Hj. Abdullah - 0p-cit - p. 26(2/346)
وبجانب العلاقة المباشرة المتمثلة فى أهمية حصول البضائع التجارية منه، هناك علاقة غير مباشرة عندما نشأت العلاقة التجارية بين العرب والصين من طريق البحر الذى التجار العرب يستخدمونه للوصول إلى الصين. وهذا الطريق يعبر ميناء الهند وأرخبيل الملايو ثم البحر الصينى تبعا لحركة الرياح. كان معظمهم يتوقفون فى مراكز تجارية خاصة فى جزر الأرخبيل أثناء رحلتهم إلى الصين (1) . وكذا فى أثناء عودتهم.
ويرى بدر الدين حى الصينى (2) أن العلاقة بين الصين والعرب نشأت قبل الإسلام بقرون بطريقة غير منتظمة ثم تطورت وازدهرت إلى علاقة منتظمة قبيل ظهور الإسلام. واستمرت بعد ظهوره. ...
وفى القرن الثامن الميلادى انتظمت الرحلات البحرية بين الخليج العربى وأرخبيل الملايو والصين حيث انطلقت رحلات أبناء الخليج العربى التجارية من مراكز التجمع التجارى والملاحى على سواحل الخليج نفسه كلها من البصرة - فرضة العراق - وسيراف - فرضة الساحل الفارسى - والبحرين - فرضة الساحل العربى إلى أرخبيل الملايو والصين. ثم أخذت العلاقة تزدهر وتنمو فى القرن التاسع الميلادى إلى أن تم ازدهارها فى القرن الرابع عشر الميلادى (3) .
__________
(1) See: Ibrahim T. Y. Ma - Perkembangan Islam Di Tiongkok - Bulan Bintang -
Jakarta - 1969 - p. 32
(2) انظر: بدر الدين حي الصيني - العلاقات بين العرب والصين - مكتبة النهضة المصرية - الطبعة الأولى - سنة 1950 - ص - 8
(3) انظر: مرزوقى حاج محمود حاج طه - الإسلام فى أرخبيل الملايو - رسالة الدكتورة - كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر - 1977م ص 97(2/347)
وتبرز هذه الهجرة التجارية كأقدم عوامل الصلات والتأثير بين الدول العربية وأرخبيل الملايو وهى أحد المنافذ التى تسربت من خلالها الثقافة العربية الإسلامية إليه وأصبحت قناة رئيسية لانطلاق عجلة التأثير العربى الإسلامى عليه. وبهذه العلاقة التجارية افتتح عهد جديد للشعب الملايوى وبدأت حركة تأثير فكرى واسعة المدى خطيرة النتائج بوصول الإسلام إليه وانتشاره بين شعوبه حتى أصبح دينا رسميا له. وترتب على ذلك انتشار الثقافة العربية الإسلامية فيه.
وصول الإسلام إلى أرخبيل الملايو وانتشاره فيه:
كانت هناك رحلات ومراكز تجارية بين بعض بلاد الجزيرة العربية وبين أرخبيل الملايو من قبل الإسلام وفى صدر الإسلام. فإن ذلك يستلزم بالتحقيق أن الإسلام وصل إلى هذه البلاد فى وقت مبكر (1) . وانتقل من خلال التجار العرب الذين كانوا يختلفون إلى هذه الجزر وخاصة تجار عمان وحضرموت واليمن. ولم يكن الإسلام مجرد دين للعبادة فقط بل بث روحا جديدة وحضارة راقية لدى سكان هذه الجزر (2) .
__________
(1) انظر: أحمد شلبي - موسوعة التاريخ الإسلامي - مكتبة النهضة المصرية - الطبعة الثالثة 1993م - ج8 - ص 336
(2) انظر -محمد نصر مهنا - الإسلام في آسيا - المكتب الجامعي الحديث - اسكندرية - الطبعة الأولي 1990 - ص 550(2/348)
ومن المحال أن نعرف على وجه التحقيق التاريخ الدقيق لوصول الإسلام إليه. وربما حمله إلى هنا تجار العرب فى القرون الأولى للهجرة وذلك قبل أن تصل إلينا أية معلومات تاريخية عن حدوث أمثال هذه المؤثرات فى تلك البلاد بزمن طويل ومما جعل هذا التاريخ أكثر احتمالا ما نعرفه من أن العرب زاولوا مع بلاد الشرق تجارة واسعة النطاق منذ وقت مبكر وفى مستهل القرن السابع الميلادى لقيت تجارتهم مراكز تجارية مهمة. وبالإضافة إلى ذلك كانوا سادة التجارة مع الشرق بلا منازع ويمكن الجزم بأنهم كانوا قد أسسوا مستعمراتهم التجارية فى بعض جزر الأرخبيل (1) . وبهذه الطريقة دخل الإسلام معهم إليه فى القرون الأولى للهجرة.
__________
(1) انظر: سير توماس و. أرنولد - الدعوة إلى الإسلام - ترجمة د. حسن إبراهيم حسن ود. عبد المجيد العابدين - مكتبة النهضة المصرية 1970 - ص 401 - 402(2/349)
كما يرى س. ق. فاطمى (1) -S. Q. FATIMI - أن الإسلام وصل إلى الأرخبيل فى القرن الأول الهجرى بواسطة التجار العرب والفرس الذين كانوا يترددون فيها من قبل. ولمساندة هذه الآراء، أكدت قرارات ندوة العلماء والباحثين حول موضوع دخول الإسلام إلى إندونيسيا وآسيا (2) بأن الإسلام دخل إلى أرخبيل الملايو أول مرة فى القرن الأول الهجرى وكان من بلاد العرب مباشرة وأن أول منطقة دخلها الإسلام هى سواحل سومطرا الشمالية وأن الدعاة الأولين كان بعضهم من التجار العرب والفرس وبعضهم من أبناء البلاد الذين أسلموا واستقوا الثقافة الإسلامية ثم قاموا بالمساهة فى الدعوة إلى الإسلام (3) .
ومما تقدم نستخلص أن الإسلام وصل إلى سواحل أرخبيل الملايو فى القرن الأول الهجرى الموافق السابع الميلادى من بلاد العرب مباشرة وأما انتشاره فقد أصبح واضحا فى القرن الثالث عشر الميلادى على يد الدعاة الذين أكثرهم ينحدرون من أصلاب عربية. وكان معظمهم من الصوفيين (4) .
__________
(1) See.S.Q. Fatimi- Islam Comes To Malaysia - Masri Singapore - 1963 - Ms. 99
(2) عقدت هذه الندوة فى مدينة ميدان بسومطرة الشمالية فى الفترة ما بين 17-20 من شهر مارس سنة 1963م برئاسة المؤرخ الأندونيسي محمد سعيد وحضرها عدد من الباحثين وعلماء أندونيسيا والأجانب المهتمين بدراسة تاريخ الإسلام فى جنوب شرقى آسيا.
(3) انظر -محمد أحمد السنباطي - حضارتنا فى أندونيسيا - دار القلم - الكويت - 1983 - ص 180
(4) See. S. Q. Fatimi - op. cit - p. 100(2/350)
وأول ما وصل إلينا من الأنباء عن انتشار الإسلام فى تلك البقاع ما جاء فى رحلة ماركوبولو (MARCOPOLO) الرحالة الإيطالى المشهور الذى زار شمال سومطرا فى عام 1292م وأخبر بأنه عثر على منطقة فى شرق سومطرا مشهورة باسم برلاق (PERLAK) اعتنق أهلها الإسلام وكان فيها ملك مشهور باسم إسلامه بجانب اسمه القديم ميرة سيلو - MERAH SILU - وهو الملك الصالح المتوفى سنة 1292م (1) . وفى هذا القرن ظهرت دولة برلاق (2) كدولة إسلامية أولى فى منطقة جنوب شرقى آسيا.
ثم وزار هذه المنطقة ابن بطوطة الرحالة العربى المشهور ونزل فى ضيافة الملك الظاهر وتحدث عن سلطان هذه الولاية وحرصه على إقامة شعائر الدين واهتمامه بدراسة الفقه على مذهب الشافعى ووصفه بأنه من فضلاء الملوك وكرمائهم. شافعى المذهب. محب الفقهاء. يحضرون مجلسه للقراءة والمذاكرة. وهو كثير الجهاد والغزو. ومتواضع يأتى إلى صلاة الجمعة ماشيا على قدميه. وأهل بلاده شافعية. محبون للجهاد يخرجون معه تطوعا. وتغلبوا على من يليهم من الكفار. والكفار كانوا يعطونهم الجزية على الصلح (3) .
عوامل انتشار الإسلام:
__________
(1) See. Sopian Taimon - Intisari Sejarah Asia Tenggara. DBP. 1972. p. 22
(2) أحد مدن في جزيرة سومطرة أندونيسيا.
(3) انظر: ابن بطوطة - رحلة ابن بطوطة - دار صادر - بيروت 1992 ص 618(2/351)
وصل الإسلام إلى أرخبيل الملايو بطريق سلمى بواسطة التجار العرب وبدأ ينتشر متدرجا حتى ظهر انتشاره جليا فى القرن الثالث عشر الميلادى على يد الصوفيين. ومن العوامل التي ساعدت على انتشاره فيه زواج التجار العرب المسلمين بالنساء الملايويات منذ العهد المبكر للإسلام فنشأت عن ذلك أسر إسلامية فى ولاياته والبلدان الأخرى التى كانوا يتمركزون فيها وأصبحت تلك البيوت المزدوجة الجنسية منارات يهتدى بها السكان. ونتج من هذا آلاف من الأسر المسلمة التى ظلت تتزاوج فيما بينها وكانت النساء الملايويات بعد الزواج يتطبعن بطباع الإسلام التى أعجبت العديد من المواطنين وأقنعتهم حتى اعنتقوا الإسلام. ومن المسلمين من كان يتزوج بأكثر من واحدة حتى ساعد هذا الزواج على زيادة عدد المسلمين (1) .
ومنها جهود الملوك والرؤساء الملايويين وتشجيعهم ومنهم من اعتنق الإسلام وأسهم إسهاما بارزا فى نشر الدعوة الإسلامية. وكان الشعب الملايوى معروفا بالولاء الكامل تجاه ملوكه فى كل شيء. وأدى هذا الولاء إلى سهولة انطلاق الدعوة لسكان هذه البلاد (2) .
كما انتشر الإسلام فى مملكة ملقا (MELAKA) بشبه جزيرة الملايو عن طريق المصاهرة مع سلطان سامودرا (SAMUDERA) ثم صارت هذه المملكة الصغيرة إمبراطورية إسلامية عظيمة بسطت نفوذها على كثير من البلاد المجاورة وحيثما امتد سلطانها نشرت الإسلام فى مناطق نفوذها (3) .
وأصبحت مملكة ملقا هى أكبر دولة إسلامية حيث أسلم سلطانها وهو بارا مسوارا - PARA MASWARA ثم غير اسمه إلى السلطان مجت اسكندر شاه - SULTAN MEGAT ISKANDAR SHAH- (4) .
__________
(1) See. Abdullah Ishak. op. cit. pp. 113 - 114
(2) انظر: محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 35
(3) انظر: محمد عبد الرءوف - الملايو: وصف وانطباعات - الدار القومية- الكويت 1966 - ص 49
(4) See. Joginder Singh Jessy - Tawarikh Tanah Melayu 1400 - 1959
- DBP. CET. 2 - 1965 - p - 20(2/352)
ومن عوامل انتشار الإسلام الظروف المستقرة الآمنة السليمة من موجات الحروب المضطربة حيث كان الدعاة الأوائل وبعضهم من التجار الذين حملوا الإسلام ونشروه بالطريق السلمى فالمؤكد المعروف أن الإسلام انتشر فيه بالسلام لا الحرب ويتعذر أن نعثر على موقعة عسكرية تبشر بالإسلام أو تفرض فرضا بعهد النصر فالناس فى هذه المناطق دخلوا فى الإسلام عن قبول وإقتناع ورغبة وكان دخولهم فى هذا الدين أفواجا بمنهج الحكمة والموعظة الحسنة والقدوة السليمة. وبالإضافة إلى ذلك قدَّم الإسلام الثقافة والحضارة الراقية التى أسهمت فى تكوين الشخصية الملايوية (1) . وكان للعرب سواء دعاة أم وعاظا أم تجارا فضل فى حمل رسالة الدعوة الإسلامية إلى موانئ أرخبيل الملايو بالطريق السلمى ومنهم من صاهره بعض ملوك الأرخبيل (2) .
ومنها مميزات الدعاة العرب الأخلاقية فكان للتجار العرب المسلمين وما يمتازون به من أخلاق إسلامية فى البيع والشراء والمعاملة الأثر الكبير فى جذب أنظار سكان البلاد إلى الإسلام حتى ساد الإسلام فى ربوعه وأصبح ديانة سائدة فيها (3) . ومن خصائصهم أنهم تعودوا على عادات أهل البلاد التى ساعدت على سهولة اندماجهم واحتكاكهم بأهل البلاد المحليين وكان هذا الاحتكاك والاختلاط ييسر انطلاق عجلة الدعوة الإسلامية وبالإضافة إلى ذلك فإنهم استطاعوا بسهولة أن يتعلموا اللغات المحلية بسرعة فوثقوا بذلك صلاتهم مع أهل البلاد المحليين (4) .
__________
(1) انظر - أحمد شلبي - السابق - ص 449.
(2) انظر - مرزوقي حاج محمود حاج طه - السابق - ص 177
(3) انظر: محمد زيتون - المسلمون في الشرق الأقصي -دار الوفاء - القاهرة - الطبعة الأولى 1985 - ص 123
(4) انظر - أحمد شلبى - السابق - ص448(2/353)
وقد أحدث الإسلام تغيرات جذرية فى شئون الحياة لدى أبناء الملايويين فى جميع النواحى دينيا وسياسيا وعلميا وثقافيا ولغويا وأدبيا ولم يقتصر انتشار الإسلام فيه باعتباره دينا فقط بل انتشرت معه الثقافة العربية والآداب العربية الإسلامية (1) . وقد ساهم الإسلام بدوره الفعال فى نقل الثقافة العربية الإسلامية وآدابها إلى تربة الملايو مثل انتقال الحروف العربية إلى الكتابة الملايوية واختلاط مفردات عربية فى اللغة الملايوية وانتشار الأنواع الأدبية العربية الإسلامية من القصة والشعر فى الأدب الملايوى.
أثر الإسلام فى الحياة الملايوية:
قد اتفق المؤرخون المسلمون من العرب أن اختيار شعب الملايو الدين الإسلامى اختيار لا إجبار فيه بل اعتنقه بالاقتناع التام قلبا وقالبا ولقى استجابة واسعة النطاق وهى ظاهرة لم يسبق لها مثيل فى تاريخ الشعب الملايوى حيث اعتنق الملايويون دين الإسلام. وبدءا من المواطن العادى الذى كان يعيش فى البيئة البدوية أو البدائية إلى طبقات الوزراء والأمراء والملوك.
ومن الجدير بالذكر أن شعب الملايو أقبل على الإسلام ليس كإقباله على دين جامد يراه يهتم بمراسم العبادات وتشييع الجنازات والأحزان الأخرى بل استقبله كدين ومنهج شامل للحياة واتخذه وسيلة للتقدم فى جميع مجالات الحياة وقد أحدث الإسلام تغيرات جذرية فى شئون الحياة لدى أبناء الملايو فى جميع النواحى دينيا وسياسيا وعلميا وثقافيا ولغويا وأدبيا. وتظهر آثاره جليا فيها حيث توارثها الجيل بعد الجيل حتى يومنا الحاضر.
1- أثر الإسلام فى الحياة الدينية:
__________
(1) See. Jamilah Bt. Hj. Ahmad - Kumpulan Esei Sastera Melayu Lama
- BP. - CET. 1 - 1981 - p - 118(2/354)
قد انتشرت الدعوة الإسلامية فى أرخبيل الملايو بسلام ولم توجد أية مقاومة ومعارضة تذكر حيث إن الملوك والرؤساء بجانب الشعوب أقبلوا على الإسلام طواعية وبجدية وإخلاص وبدون تردد. وهذه السمة هي التي ساعدت على سرعة انتشار الإسلام وتأثيره فى الأرخبيل وكان حضور عدد كبير من التجار والدعاة العرب إليه بوفود متتالية لمجرد تعليم أبناء البلاد مبادئ الإسلام وعلومه وأحكامه وأدبه حتى تركوا ما كانوا عليه من أديان أخرى وتلبسوا بشعائر الإسلام.
وإن الهندوكية والبوذية اللتين جاءتا قبل الإسلام لم تسيطرا على قلوب الملايويين ونفوسهم بل كانتا تلعبان دورا رئيسيا فى أوساط الملوك والرؤساء والأغنياء منهم فقط دون أبناء الشعب ولم تؤثرا إلا فى أمور العادات والمناسبات والمعاملات (1) فحقيقة الأمر أن الشعب الملايوي تأثر بهما من الجانب المادي فحسب وأما الجانب الروحى فلم تتسربا إلي قلوبه لأنهما قامتا على أساس الخيال وجلب المصالح الشخصية بعيدا عن مخاطبة العقل والضمير.
ومن منطلقات هذه الناحية اعتنق الملايويون دين الإسلام وتركوا المعتقدات القديمة من الهندوكية والبوذية والخرافات المضللة بسبب النشاط والتعاشر الكريم الذي أبداه المسلمون فى خلق كريم ومستوي رفيع من المعاملات والتوادد والوحدة الإسلامية ولقد ساعدت هذه العوامل على توسيع رقعة العقيدة الإسلامية حتي غدت ممالك بوذا والديانة الهندوكية فيه فى ذبول لفساد عقيدتها (2) .
2- أثر الإسلام فى الحياة السياسية:
__________
(1) See. Syed Muhammad Naquib Al-Attas - (A) Islam Dalam Sejarah Dan
Kebudayaan Melayu - ABIM - Cet 4 - 1990 - p. 12
(2) انظر: عبد الرءوف الشلبي - الإسلام في أرخبيل الملايو - دار القلم - كويت - الطبعة الثالثة
1983 - ص - 101(2/355)
من هذه الناحية صار الإسلام عمادا حقيقيا فى توحيد صفوف أبناء الملايو منذ القدم لأن الإسلام دعا إلى تحقيق الأخوة والمحبة والوحدة بين شعوبه. وقد حدث التغيير البارز عندما ظهرت الدولة الإسلامية فيه نتيجة انطلاق حركة الدعوة الإسلامية وجهود الدعاة والوعاظ. وفى القرن التاسع الميلادي ظهرت أول دولة إسلامية فيه وهي دولة برلق. وأنشئت فى سنة 840 م وكان ملكها الأول السلطان السيد مولانا عبد العزيز شاه. ثم تلا هذه الدولة إنشاء دولة سمودرا باساي (SAMUDERA PASAI) سنة 1042 م. وكان ملكها الأول السلطان محمود شاه. ثم قامت دولة فطانى (PATANI) فى القرن الثالث عشر الميلادى (1) .
وقد واجه الملايويون المؤامرات والهجمات المتعددة والمتكررة من جانب قوي الاستعمار المختلفة بقوة العقيدة الإسلامية ولم يغيروا عقيدتهم الإسلامية مهما كان الثمن حتي استطاعوا القضاء على امبراطورية ماجاباهيت (MAJAPAHIT) الهندوكية سنة 1478م ونقل شعارها إلي ديماك (DEMAK) عاصمة الدولة الإسلامية بجاوا (JAWA) وكان زعيمهم فى تلك الحالة رادين باتك (RADIN BATAK) وهو أول من أسلم من ملوك جاوا (2) . ثم نالوا الاستقلال للبلاد وطردوا المستعمرين الهولنديين والإنجليز عنها. ومن أعظم الممالك الإسلامية الملايوية:
مملكة باساي (PASAI) ... ………………………….... سنة 1280م - 1400م
مملكة ملقا (MELAKA) ... ………………………..… ... سنة 1400م - 1511م
مملكة أتشية (ACEH) …………………………………….. سنة 1511م - 1650م
مملكة جوهور وريؤو (JOHOR DAN RIOU) …….…… ... سنة 1650م - 1800م
__________
(1) See. Abdul Rahman Hj. Abdullah. op. cit. p. 48
(2) See. Sopian Taimon - op. cit. p. 4(2/356)
وبمجيء الإسلام تفتحت آفاق جديدة فى مجال الاقتصاد الخارجي حيث اتسع نطاق التعاون بين أرخبيل الملايو والدول الأخري فى الشرق الأوسط وأفريقيا وغرب أوربا. لأن المسلمين كانوا يملكون زمام التجارة العالمية بجانب السياسية الدولية. ويرى السيد نجيب العطاس أنه لم يكن من المبالغة لو أننا نقارن بين نفوذ الإسلام فى الأرخبيل بنفوذ الإسلام فى أوربا فى القرنين السابع والثامن للميلاد حيث تمكن دخول الإسلام ونفوذه من تشكيل الكيان أو الظروف الجديدة فى أوربا التي تعرف بالعصر الحديث كما يدل دخول الإسلام ونفوذه فى منطقة الأرخبيل على ظهور زمن جديد وبداية عصر جديد (1) .
3- أثر الإسلام فى الحياة الاجتماعية:
من هذه الناحية الاجتماعية كان شعاع الإسلام أيقظ الملايويين وأنقذهم من الضلال وحثهم على تخطي العقبات فى طريق التقدم والازدهار. وعان الملايويون فى عهد نفوذ الهندوكي قبل الإسلام كثيرا من المشاكل الاجتماعية كوجود الطبقات والتعصب القبلى ودكتاتورية الحاكم واستغلال الأغنياء ومعاناة الفقراء وغير ذلك.
وكان من أثر الإسلام فيه نجاحه فى محو تلك المشاكل بالقضاء على الفوارق الطبقية وإعلان أن الناس جميعا سواسية فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوي والأعمال الصالحة. ودعت هذه الدعوة الطيبة الملايويين إلى الدخول فى الإسلام ونبذ الهندوكية التى قامت على أساس الطبقات وعدم الاهتمام بشأن الفقراء والضعفاء (2) .
وكانت الحقوق الفردية التى أعطاها الإسلام للمسلمين شعارا للملايويين يشعرون بالأمان والطمأنينة فى حياتهم فلا قهر ولا تعذيب بل العدل وسيادة القانون فى كل حال خلافا لما حدث فى الماضي من الإكراه والقيود التى أدت إلى تعطيل نشاط الحياة.
__________
(1) See. Syed Muhammad Naquib Al-Attas -op. cit. p. 4
(2) See. Abdullah Ishak - op. cit. p. 126(2/357)
وقد رفع الإسلام حياة الملايويين من مجتمع بدائي متخلف إلى مجتمع حضاري متقدم. فالحضارة الإسلامية تغلبت على الحضارات القديمة التى بقيت فيه سنينا طويلة قبل الإسلام وأدت إلي ترقية الحياة الاجتماعية لديهم فالعصر الإسلامى هو عصر النهضة الفكرية والعلمية التى لم تحدث من قبل فيه وقد أحرز الإسلام تقدما عظيما فى تطوير سلوكيات المجتمع الملايوي وتغيير نظرة حياتهم ومبادئ ثقافتهم من حالة الجمود والتخلف إلى الواقعية والمنطقية (1) .
ومن سمات تأثر المسلمين الملايويين بالإسلام أنهم سموا أنفسهم وأبنائهم بأسماء عربية إسلامية وغيروا الأسماء الهندية والمحلية القديمة والشعيبة بأسماء عربية ومثال ذلك لفظ أونج AWANG اسم شعبي فغيروه إلى محمود أو بكر. ويمكن القول إن المجتمع الإسلامى الملايوي فى القرون الماضية منذ اعتناقه الإسلام إلى اليوم كان مجتمعا متمسكا بالإسلام وتعاليمه ومبادئه حيث تسود فيه الأفكار الإسلامية والقيم الروحية وكذا يهتم المسلمون بالشئون الإسلامية والتعاليم الدينية والأعياد والاحتفالات الدينية المختلفة.
4- أثر الإسلام فى الحياة العلمية والثقافية:
فى هذه الناحية كان للإسلام والدعاة المسلمين فضل كبير فى ترقية مستوي التفكير لدي الملايويين حيث كانوا يعيشون فى عالم الأساطير والخرافات أيام السيادة الهندوكية فى أراضيهم. فنقلهم الإسلام من تلك الضلالات والظلمات إلي عالم النور والإيمان والحضارة فى كل نواحي الحياة. وكان العقل الملايوي فى ظل الحكم الهندوكي مغلقا وصار ضحية التقليد الأعمي للرؤساء والملوك ولا مفر لهم من ذلك.
__________
(1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 44(2/358)
ومن نعم الله الكبري أن حرر الإسلام تلك العقول من قيود الخرافات وهداهم إلي حرية التفكير المنطقي والتفكير الفلسفى والخضوع الكامل للخالق الوحيد هو الله سبحانه وتعالى. وبالإضافة إلى ذلك لعبت التعاليم الإسلامية دورها فى نقل الملايويين من عبادة الأصنام والأوثان وما تقتضيه من الانحطاط فى النظر والإسفاف فى الفكر إلي عبادة إله واحد مقدس. ومن أبرز سمات أثر الإسلام فى الحياة العلمية والثقافية فيه محو الأمية لدي الشعب وتقليل عددها. بجانب إعداد العلماء المحليين البارزين (1) .
وأدى وصول الإسلام إليه إلي انتشار العلوم الإسلامية التي كانت تدرس فى مراكز التعاليم الإسلامية المشهورة مثل باساي (PASAI) وأتشية (ACEH) وملقا (MELAKA) وفطاني (PATANI) وكلنتان (KELANTAN) . ولعبت هذه المراكز دورا بارزا فى نشر الإسلام وثقافته فى هذه المناطق وكانت مدينة باساي أول مركز للعلوم الإسلامية فيه ومنها انتشرت التعاليم الإسلامية إلي أنحاء الأرخبيل. ومن العوامل التي ساعدت على ازدهار التعليم الإسلامي جهود السلاطين والملوك نحو حركة التعليم مثل تشجيعهم العلماء والوعاظ لكي يكرسوا جهودهم وكذا مساهمتهم فى إنشاء المدارس والمساجد والبيوت لتكون مكانا للتعليم كما أصبح ركن من القصور مكانا للتعليم (2) .
__________
(1) See. Abdul Rahman Hj. Abdullah. op. cit. p. 60
(2) See. Abdullah Ishak - op. cit. pp. 131 - 132(2/359)
ولم ينتج الإسلام فى الشرق قوة سياسية لها خطرها وسيطرتها فحسب بل نشر العلم والعرفان فى ربوع البلاد وأبرز شخصيات علمية ذات يد طولي فى تطوير الفكر الملايوي وذات أثر أعظم فى اللغة وآدابها كما كان للإسلام فضل أكبر فى نشر الحضارة والأمن وتدريب معتنقيه على أداب النظافة والهندام ومراعاة العادات الصحية. وذلك كما جاء فى الملاحظات التي كتبها بعض الرحالة الصينيين الذين زاروا البلاد إبان انتشار الإسلام هناك (1) .
وكان المعلم الذي ينهض بمهمة التعليم الديني نازحا من الجزيرة العربية أو من الهند أو ممن تخرج على أيديهم من أبناء البلاد. ومن الحجاج الملايويين من أقام بجانب المسجد الحرام حقبة من الدهر رغبة فى طلب العلم فكانوا يقومون بمهمة التدريس بعد رجوعهم إلي أهاليهم. وبعض هؤلاء الذين رحلوا إلي الأرض المقدسة تتلمذ على أيدي مشاهير العلماء والمتصوفة فى عصره وأصبحوا أنفسهم حجة فى العلم والدين وتركوا لمن خلفهم كنوزا ثمينة من تأليفهم وإنتاجهم (2) .
__________
(1) انظر - محمد عبد الرءوف - الإسلام فى أرخبيل الملايو - السابق - ص 156
(2) See. Abdul Rahman Hj. Abdullah - op. cit. p. 59(2/360)
وكان التعليم وسيلة لمعرفة الدين والعبادة وبدأ فى أول أمره بشكل الحوار بين الداعي والمستمع ثم تطور فانقسم إلي حلقات للوعظ فى المساجد ودروس التعليم للنشئ من أولاد المسلمين. وبعد مرور الزمان ظهرت فكرة بناء البيوت الصغيرة بجوار مسكن المعلم وذلك لتلبية زيادة أعداد كبيرة من المسلمين الراغبين فى تعلم الدين الإسلامي. وكثير منهم جاءوا من أماكن متفرقة بعيدة. ومن هنا بدأ نظام الكتاتيب أو ما يسمي بالماليزية الفندق أو بالأندونيسية البسنترين (1) . وما لبث أن انتشرت الكتاتيب فى أرخبيل الملايو حيث تدرس فيها تلاوة القرآن وعلوم الإسلام الأساسية مثل الفقه والتوحيد والتفسير والحديث وعلوم العربية مثل النحو والصرف والبلاغة والمنطق والمطالعة. وبالإضافة إلي ذلك عثر على أماكن أخري لدراسة التعاليم الإسلامية من بيوت العلماء المسلمين والمساجد والسوراو (2) التي كانت منتشرة فى أرجاء البلاد (3) .
ومع هذا فإن الدور الذي لعبه الفندق والمسجد والسوراو وبيوت العلماء فى مجال التعليم كان مهما بارزا وذا تأثير عميق فى قلوب أبناء المسلمين فيه. وفى عهد الاستعمار الغربي نشأت من هذا الدور سلسلة من الحركات النضالية الإسلامية ضد الاستعمار الأجنبي فى هذه البلاد وهي تمثل معاقل الدين الإسلامي حيث ينهض فيها العلماء ويخرجون الفئات القادرة على حمل رسالة الإسلام.
أثر الإسلام فى حروف الكتابة:
__________
(1) هذا الاسم يطلق علي مكان التعليم الديني علي نظام الحلقات الدراسية القديمة. وهذا المكان عبارة عن مساحة تبلغ فدانا أو أكثر. وفيها مسجد أو سوراو. وهو مكان يتم فيه التعليم وبجانبه بيت للشيخ أو المعلم. وفي إطاره أكواخ أو بيوت صغيرة من الخشب يبلغ عددها مئات بل بعض الفندق تحتوى على آلاف منها. وقد بناها الطلبة بأنفسهم وهم يسكنون فيها.
(2) هذا المكان بمثابة المصلى.
(3) See. Abdullah Ishak - Islam Di India, op. cit. pp. 133 - 134(2/361)
دخل الإسلام إلي أرخبيل الملايو بطريق سلمي واقتناع من المواطنين وتلقوا الدين الإسلامي بصدر رحب واقتناع وتركوا وراءهم الديانات الأخري وأخذوا منه الثقافات والحضارات والآداب ولم يكن الإسلام دينا فحسب ولكنه دين ومنهج للحياة والمجتمع والحضارة والثقافة والأدب. وعندما وصل إليه حمل معه أثرا فعالا من الحضارة والثقافة العربية الإسلامية وكان ذلك إرصادا بشروق مجال جديد فى تاريخ الحضارة والثقافة الملايوية ومن أقيم ما قدم لها الإسلام الكتابة بالحروف العربية.
وقد أسهمت النهضة الإسلامية التي أسسها الإسلام فى شعوب الأرخبيل فى ترقية الملايويين ليتربعوا على أرضية صلبة من التقدم والرقي والتفكير (1) . وكان من الإصلاحات التي أحدثها الإسلام محو الأمية وابتكار طريقة لكتابة اللغة الملايوية لأول مرة بالكتابة العربية (2) .
__________
(1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 86
(2) انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 153(2/362)
وكانت أول مساهمة إسلامية هامة فى الثقافة الأدبية الملايوية هي الكتابة بالخط العربي وهذه الكتابة معروفة عند الملايويين باسم كتابة جاوية - TULISAN JAWI - وكانت الأعمال الأدبية القديمة وما تأثر بالأدب الهندي مكتوبة بهذا الخط (1) . وكان الفضل فى تعريف هذه الحروف إلي الثقافة الملايوية يرجع إلي التجار العرب الذين كانوا تجارا ودعاة من المتصوفة والمرشدين ولم يكفهم أن يعلن الفرد إسلامه فقط بل تجاوزوا إلى تعليمهم الصلاة والأدعية والأذكار الصوفية وتلاوة القرآن. ولم يكن عمليا أن يتعلم هذه الأشياء عن طريق اللغة العربية بل كان من الأيسر أن يتعلم هؤلاء الدعاة اللغة المحلية. ثم يعلموا أبناء الشعب مبادئ الدين عن طريق لغتهم. وقد اكتسبوا اللغة فيما يبدو عن طريق الاختلاط والتفاهم مع الشعب الملايوي ثم حاولوا أن يكتبوا هذه اللغة بالرموز العربية. وقد وفت الحروف العربية بجميع الأصوات فى اللغة الملايوية إلا القليل (2) مما سنشير إليه.
وكانوا قبل وصول الثقافة الإسلامية لا يعرفون الأدب المكتوب بل كانوا يمارسون الأدب اللساني يتناقلون الحكايات والتواريخ بالذاكرة والفم وكان للقصاصين دور بارز فى عصور ما قبل الإسلام فى تطور الأدب الشعبى وأما الأدب الملايوي المكتوب فلم يظهر إلا فى العصر الإسلامي (3) بعد استخدام الحروف العربية للكتابة.
__________
(1) See. Jamilah Bt. Hj. Ahmad - op. cit. - p. - 110
(2) انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 154
(3) See. Zuber Osman. Kesusasteraan Lama Indonesia. Abbas Bandong. 1978. p. 5(2/363)
وقد أثيرت التساؤلات حول وجود الحروف للكتابة قبل وصول الإسلام. هل هناك حروف للكتابة أم رموز. فلقد أثبتت البحوث الأثرية أن الملايوين القدماء كانت لديهم حروف خاصة تكتب بها لغتهم. ومنها ما يسمي بحروف الكاوي (KAWI) وهي الحروف التي ظهرت فى أرخبيل الملايو بقدوم الثقافة الهندية فى فترة ما بين عام أربعمائة ميلادية وسبعمائة وخمسين ميلادية كما تعرفوا على حروف جاوة القديمة وهي أصلا من حروف ونجي (WINGI) التي نشأت لدى شعب بالاوا المقيمين فى بلدة كورومنديل جنوب الهند.
وهناك نوع آخر من الحروف المستخدمة لكتابة اللغة الملايوية القديمة وهو ما يسمي بحروف رينتشونج (RENCUNG) التي ساد استعمالها فى منطقة جنوب جزيرة سومطرة وبلدة مينج كاباو (MINANG KABAU) وما زالت هذه الحروف تستخدم فى هذه المنطقة حتي القرن الثامن عشر الميلادي واستبدلت بعد ذلك بالحروف اللاتينية نتيجة زحف الاستعمار الهولندي فى ذلك القرن (1) .
وبدخول الحروف العربية إلي الأرخبيل قد قضي على الحروف الأخرى المستخدمة من قبل. وذلك لأن الخط العربي أنسب فى التعبير والتسجيل لكتابة اللغة الملايوية لما فيها من السهولة الفائقة فى تهجية كلمات هذه اللغة بالمقارنة إلي استعمال الحروف الهندية القديمة وكانت الكتابة الجاوية تشبه الكتابة العربية تماما فقد استعارت جميع الحروف العربية غير أنها زادت زيادات أو أدخلت تعديلات للدلالة على أصوات لا نظير لها فى العربية.
__________
(1) See.A. Samad Ahmad-Sejarah Kesusasteraan Melayu. Vol. 1. DBP. 1965. p. 27(2/364)
وعدد الحروف الزائدة خمسة أحرف وهي بمثابة تكملة لحروف الهجاء العربى فالنون الساكنة المتبوعة بالجيم المصرية رمزوا لذلك بالحرف ع بثلاث نقط من أعلى. والنون الساكنة المتبوعة بحرف الياء رمزوا لذلك بالحرف ن بثلاث نقط من أعلى. والباء المهموسة التي لا نظير لها فى العربية رمزوا لها بالحرف ف بثلاث نقط من أعلى. والجيم المصرية رمزوا لها بالحرف ك بنقطة من أعلى. والتاء الساكنة المتبوعة بالشين رمزوا لها بالحرف ج بثلاث نقط من الوسط (1) .
فمثال ذلك كما يلي:
... رسم حرف ... نطقه ... ... مقابله باللاتينية
... ج ... ... تشا/ ca ... C
... غ ... ... نجا/nja ... ... NG
... ق ... ... با/fa ... ... F
ك ... ... جا/ga ... ... G ... ...
... ن/ن ... ... نيا/jna ... ... NY ...
كما أنهم تصرفوا فى حروف العلة بحيث يزيدونها دون أن يكون هناك مد لتدل على ما يدل عليه الشكل فى العربية. وكذا يكتبون بالنون الساكنة بدلا من التنوين ويزيدون الواو أو الياء أو تارة الألف قبل النون الساكنة لتدل هذه الحروف على صوت الضمة أو الكسرة أو الفتحة. فمثال ذلك ما يلي:
... الكلمة ... ... الزيادة ... ... ... معناها
... كطاعتن ... ن بدلا من التنوين ... ... الطاعة
... محمدون ... ... وبدلا من الضمة ... ... ... اسم شخص
... مسليم ... ... ي بدلا من الكسرة ... ... المسلم
... خبران ... ... ابدلا من الفتحة ... ... ... الخبر
__________
(1) انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 154(2/365)
ويعتقد أن الملايويين ومعلميهم العرب اقتبسوا من الحروف الفارسية فى زيادة هذه النقط على الحروف العربية. وذلك لوجود علاقات وثيقة بينهم وبين الفرس فى العصور الإسلامية (1) . وعلى الرأي الآخر أن هذه الحروف الخمسة عربية الشكل وهي متسربة من أبجدية اللغة الفارسية أو التركية العثمانية أو الأردية أم اللونغورية. لأن أرخبيل الملايو لها علاقة وثيقة بهذه الدول منذ الزمان القديم (2) . ويري الأستاذ السيد محمد نجيب العطاس أن الحروف الخمسة الزائدة مبتدعة لتلائم أصوات لسان الملايويين وإنها مأخوذة من حروف عربية مع زيادة النقط فحرف ج مأخوذ من ج وحرف غ مأخوذ من غ وحرف ف مأخوذ من ف وحرف ك مأخوذ من ك وحرف ن مأخوذ من ن (3) .
ومثال تلك الحروف الخمسة فى الكلمة كما يلي:
الحروف ... الكلمات ... نطقها ... ... ... معناها
ج ... جواجا ... ... CUACA/ تشواتشا ... ... الجو
غ ... بوغا ... ... BUNGA/ بونجا ... ... ... الزهرة ...
ف ... فلسو ... ... FALSU / فلسو ... ... ... التزوير
ك ... كوا ... ... GUA / جوا ... ... ... الغار
ن ... يات ... ... NYATA/ نياتا ... ... ... الوضوح
ن ... بوكون ... BUKUNYA / بوكونيا ... ... كتابه
وتنبغي الإشارة إلي أن حرف ن إذا كان من أصل حروف الكلمة فإنه يكتب هكذا ن بالنقط تحته وإذا كان ضميرا فيكتب هكذا ن بالنقط فوقه كما فى المثال الأخير.
وترتيب الحروف الملايوية كما يلي:
اب ت ث ج ح خ ج د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ غ ف ق ف ك ك ل م ن ن وهـ لاء ي
__________
(1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق -ص 97-99
(2) انظر - عبد الرازق بن وان أحمد - اللغة العربية في ماليزيا بعد استقلال - رسالة الماجستير - كلية الآداب - جامعة الإسكندرية - 1990 - ص - 263
(3) See. Syed Mohammad Naquib Al-Attas - (B) Preliminirary Statment on A General Theory Of Islamization Of The Malay - Indonasian Archipelago - DBP. 1965 -pp. 27(2/366)
وإن أول ما كتبت به اللغة الملايوية من المؤلفات كانت بالحروف العربية عند انتشار الإسلام فى القرن الثالث عشر الميلادي - فيما يبدو ولا تزال تكتب بها- وأول وثيقة وصلتنا كتبت بهذه الحروف نقوش أثرية عثر عليها فى العقد الرابع من هذا القرن فى الساحل الشرقي لشبه جزيرة الملايو تعرف بحجر ترنجانو وهو مودع الآن فى المتحف الوطني بالعاصمة وهو محفور من أربع جهات كتبت عليه قوانين رسمية (1) . وبعد أن عرف الملايويون استخدام الخط العربي لكتابة لغتهم بدأوا فى تدوين الحكايات والتواريخ التي تناقلوها شفهيا منذ أمد بعيد على شكل كتب ورسائل وغير ذلك (2) .
وقد طبعت فى مكة المكرمة مجموعة كبيرة من الكتب الدينية الملايوية بهذه الحروف وأرسلت إلي كل أنحاء البلاد الملايوية. ولذلك ظهرت الكتب الكثيرة التي ألفت وترجمت إلي اللغة الملايوية فى التفسير والحديث والتوحيد والفقه والتصوف والآداب وغيرها وكانت الكتابة كلها بالحروف العربية.
ثم اتسع استخدام هذه الحروف فى جميع المجالات وعلى كل المستويات وبها ازدهرت حركات التأليف والترجمة والمراسلة وبرز أعلام من الملايويين ينشرون أفكارهم ويرفعون شأن آدابهم ويسجلون حركات أمتهم وخواطرهم وتراثهم. وكذا اتسع نطاق استعمال الكتابة بقيام السلطات الإسلامية فى تنفيذ كتاباتها ومراسلاتها بالحروف العربية وتشجيع السلاطين المسلمين شعوبهم على القراءة وعلماءهم على مضاعفة تأليف الكتب باللغة الملايوية لتوجيه المسلمين وإرشادهم أو ترجمة ما ينفعهم من الكتب الإسلامية وكانت هذه الأعمال كلها مكتوبة بالحروف العربية.
__________
(1) انظر -محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص - 61
(2) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص - 88(2/367)
والأمر المهم الآخر فى دراسة أثر الإسلام فى هذا المضمار هو حركة التأليف والترجمة بالحروف العربية. فالدعاة والعلماء قاموا بإصدار كتب ومؤلفات فى الدراسات الإسلامية لأبناء الملايو باستعمال اللغة الملايوية مكتوبة بالحروف العربية. وكان أكثرهم يؤلفون كتبا دينية باللغة الملايوية بالحروف العربية نقلا أو مقتبسا عن الكتب العربية الإسلامية ليقرأها أبنائهم تيسيرا لهم فى فهم الإسلام.
وقد بدأ فى أواخر القرن التاسع عشر الميلادى صدور عدد من الجرائد والمجلات باللغة الملايوية وكلها مكتوبة بالحروف العربية ولا يزال حتي اليوم توجد جهود مخلصة لإبقاء استعمال الحروف العربية ونشرها بين جموع المواطنين فى البلاد (1) وكانت المؤلفات الأدبية الملايوية القديمة التي ظلت حتي الآن بكتابة اليد أو طبعة الحجر على شكل مخطوطات كلها مكتوبة بالحروف العربية.
ولم يبق حظ هذه الحروف على عرشها بعد انتشار زحف المستعمرين الإنجليز والهولنديين فحاولوا فى تغيير الشخصية الملايوية وصبغوها بصبغتهم. وظهرت جهودهم فى تغيير نظام كتابة اللغة الملايوية وفى أندونيسيا اقترح PYAPEL عام 1860م إلغاء الحروف العربية المستخدمة فى كتابة اللغة الملايوية وفى عام 1901م صدرت اللائحة الرسمية للأبجدية الملايوية أن تكون للغة الملايوية الأبجدية اللاتينية (2) .
وأما فى ماليزيا فقد بذل R. J. WILKINSON جهده فى تغيير الحروف للكتابة وفى عام 1904م أدخل الحروف اللاتينية فى اللغة الملايوية (3)
__________
(1) انظر - نفسه - ص 51 وما بعده
(2) See. Research di Indonesia 1945-65. Urusan Reaearch Nasional. P. 141.
فى رسالة ماجستير لزين العابدين سوتومو. اللغة العربية والثقافة الإسلامية فى أندونيسيا - جامعة القاهرة ص ص - 206-207
(3) See. Carmel H. L. Hsia. The Influence of English on the Lexical Expansion of
Bahasa Malaysia. Ph.D Thesis. University of Edinburgh 1981 p. 73(2/368)
واحتلت هذه الحروف مكانة الحروف العربية ونالت حظها. فظلت تستخدم حتى الآن.
أثر الإسلام فى اللغة الملايوية:
لو تتبعنا تاريخ انتشار الإسلام فى جنوب شرقى آسيا عبر عدة قرون لوجدنا أن اللغة العربية كانت تسير جنبا إلى جنب مع هذا الدين الحنيف الذي رافق هجرة العرب من شبه جزيرة العربية وبخاصة حضرموت واليمن بقصد التجارة ونشر الدين فى هذه البقاع فمهدت بذلك الطريق أمام اللغة العربية للزحف والنمو والاتساع عن طريق فتح المدارس الأولية - الكتاتيب - وتدريس العلوم الدينية فى المساجد باللغة العربية.
وكان لانتشار الإسلام فى الأرخبيل واعتزاز الناس به أثر كبير فى تسرب مفردات اللغة العربية ومصطلحاتها وحروفها وأساليبها إلى اللغة الملايوية وكان استخدام المفردات العربية فى اللغة الملايوية يتناول جميع المجال مثل العلوم والفنون والهندسة والاحتفالات والولائم والاقتصاد وشؤون الإدارة والقانون والتعليم كما كان استخدامها فى الحياة اليومية منذ ولادة الإنسان حتي وفاته مثل العقيقة والموت والتلقين (1) وإلى جانب ذلك رفع الإسلام شأن اللغة الملايوية من صفتها البدائية ونطاقها الضيق إلى أن تكون لغة مشهورة لدي شعوب جنوب شرقي آسيا بفضل اصطحاب الإسلام بها فى مسيرة نشر تعاليمه فى أرجاء دول المنطقة.
__________
(1) See. M. Abdul Jabbar Beg - Arabic Loan-Words In Malay - A Comparativ
Study - University of Malaya - 1976 - P. 89(2/369)
وقد أشار الدكتور محمد نجيب العطاس إلى هذا الأمر حينما ذكر أن أهم الأحداث التى تجري على أثر تطور الثقافة الإسلامية مباشرة هى توسيع استعمال اللغة الملايوية حتى تشمل النواحي الفلسفية. وإن استعمالها كلغة للأدب الفلسفى الإسلامى فى الأرخبيل أدي إلى تحسين وتزويد مفردات هذه اللغة ومصطلحاتها الخاصة (1) ومن الطبيعى أن يأخذ الإسلام اللغة الملايوية كأداة لنشر الأدب الإسلامي. وقد أدي هذا إلى تطوير هذه اللغة حتى صارت واسعة الانتشار فى أنحاءه.
وجاء أثر الإسلام فى الناحية اللغوية عن طريق العرب الذين اختلطوا بشعوب الملايو واستقروا فيها حتي تمكنوا من تكوين جاليات عربية وكثير منهم أقام القري والمدن بمختلف الجهات التي تعد بمثابة مراكز لنشر الدعوة الإسلامية بل إن بعضهم أسس المدارس العربية والدينية. كما جاء أثر الإسلام فى اللغة عن طريق جهود علماء المسلمين المحليين الذين تربوا على أيدي مدرسيهم العرب سواء فى أرخبيل الملايو أو الأراضى العربية ثم قاموا بمهمة التدريس وتربية أبناء البلاد بعلوم الدين. ففى كلتا الحالتين لزم عليهم أن يستخدموا الكلمات والمصطلحات العربية والإسلامية لشرح الأفكار والدروس للملايويين ولجئوا فى كثير من الأحيان إلي استخدامها أيضا فى معاملاتهم اليومية وبمرور الأيام والأزمنة تلاحمت اللغة الملايوية باللغة العربية لتصبح اللغة العربية هي المسيطرة على الكتابة ولتصبح المفردات العربية هي البديلة والمتممة لمعظم الفراغات اللغوية (2) .
الكلمات العربية الدخيلة:
__________
(1) See. Syed Muhammad Naquib Al-Attas - (A) op. cit. p. 21
(2) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 51-52(2/370)
إن أغلبية من تعرض لدراسات المفردات العربية الدخيلة فى الملايوية أقروا بأن عددها لايقل عن ألف كلمة ولا ريب فى أن عدد كلمات العربية المستعملة فى العصر القديم كان أكبر بكثير نظرا لعدم وجود مزاحمة من جانب اللغات الأوربية فى ذلك العصر (1) .
والكلمات الدخيلة من العربية كان جلها من الأسماء سواء كانت جامدة أو مشتقة وقل أن تؤخذ من الأفعال والحروف. وبعد دخولها إلي اللغة الملايوية تحضع لنظام الصرف والنحو الملايويين فتلحق بها السوابق واللواحق والإضافات وغيرها لتؤدي المعاني المطلوبة من أحوال مختلفة لكل كلمة (2) . ومثال ذلك ما يلي:
... الكلمة ... ... معناها ... ... زيادتها
... برصبر ... ... يصبر ... ... بر فى أوله
... كصبران ... ... الصبر ... ... ك - ان
... كطاعتن ... ... الطاعة ... ... ك - ن
وكذا تؤخذ على صيغة المفرد وقليل منها على صيغة الجمع والمراد به جمع التكسير ويعامل معاملة المفرد فى اللغة الملايوية. ومثال ذلك ما يلي:
... الكلمات ... المعاني
... أرواح ... ... الروح ...
... خواطير ... ... الخاطر
... عجايب ... ... العجيب ...
وللحروف العربية قابلية الاندماج فى الكلمات الملايوية مع التغيير الصوتي المناسب فمثال ذلك أن حرف العين يقوم مقام حرف الكاف مثل نكمة بمعني نعمة وإكلان بمعني إعلان (3) . وقد حدث مثل هذا نتيجة استخدام الحروف اللاتينية لكتابة الأصوات العربية لأنه لا توجد بها رموز تدل على الأصوات العربية التي توجد فى بعض الكلمات العربية المستعارة فى اللغة الملايوية (4) .
__________
(1) انظر - نفسه ص 148
(2) انظر - نفسه ص 149
(3) انظر - عادل محي الدين الألوسي - العروبة والاسلام في جنوب شرقى آسيا - دار الشئون الثقافية - بغداد - الطبعة الأولي - ص 78
(4) انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 62(2/371)
وكذلك وجدت كلمات عربية ركبها الملايويون بلغتهم لإبداع ألفاظ جديدة للتعبير عن أمور مستحدثة فى الحياة الفكرية والاجتماعية ومثال ذلك ما يلى:
... الكلمة ... ... المعنى ... ... الكلمة العربية
... حق ميليك ... الملك التام ... حق
... جوروحساب ... المحاسب ... ... حساب
... تاتا ترتيب ... الانضباط ... ترتيب
وهذه الكلمات الدخيلة تنقسم إلي مجموعتين كبيرتين المجموعة الأولي تضم الكلمات العربية الدخيلة التي بقيت وحافظت على معانيها الأصلية أو إحدى معانيها ومثال ذلك ما يلي:
... الكلمة ... ... معانيها
... أسرة ... ... الأسرة
... سؤال ... ... السؤال
... شرح ... ... الشرح
... صبر ... ... الصبر
وأما المجموعة الثانية فهي تضم الألفاظ العربية الدخيلة التي تغيرت مدلولاتها (1) ومثال ذلك كما يلي:
... ... الكلمات ... ... معناها
... ... ساعة ... ... ... الثانية
... ... مكتب ... ... ... المعهد العالي ...
... ... مادة ... ... ... القول البليغ
... ... ديوان ... ... ... القاعة
... ... مريد ... ... ... التلميذ
وقد استعارت اللغة الملايوية كثيرا من الكلمات العربية والمصطلحات العربية وخاصة فى المجال الديني والعقلي مالم يكن هناك ألفاظ تدل على المعني نفسه قبل دخول الإسلام (2) إذ أن الدين الإسلامي هو العامل الرئيسي فى دخول اللغة العربية إلي بلاد الملايو ومن منطلق الإقناع أخذ الملايويون المصطلحات الدينية من العربية كلها تقريبا حتي أصبحت من ضمن متن اللغة الملايوية فقاموا بشرح معانيها ووضع التعريفات الواضحة لها فى المعاجم الملايوية وكتب الدين (3) .
أثر الإسلام فى الأدب الملايوي:
__________
(1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 150
(2) انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 62
(3) انظر - محمد زكي عبد الرحمن السابق - ص - 148(2/372)
كان أثر الأدب العربي الإسلامي يظهر جليا فى الأدب الإبداعى من النثر القصصي والشعر وهناك أثر عربي إسلامي فى غير هذين النوعين المذكورين مثل الكتابة العلمية والمراد بها الكتب الدينية المكتوبة باللغة الملايوية وأنها متأثرة بتأثير عربي إسلامي من ناحية التبويب حيث وجدت فيها أبواب وفصول وكما تأثرت بمقدمة من حيث ذكر فيها الحمد لله والثناء على رسول الله ومن ناحية أخري أنها تأثرت بأسلوب التركيب العربي حيث وجد التركيب فيها تركيبا عربيا مع أن ألفاظها غير عربية (1) . والسبب فى ذلك أن المؤلف ألفها بطريقة ترجمة حرة من الكتب العربية أو أنها مقتبسة منها أو بإعادة صبغتها الجديدة من العربية. وبذلك تأثر بما قرأه من الأسلوب والمحتوى.
القصة:
قبل عصر الإسلام كانت قصة الأبطال الهندية مثل حكاية رامايانا ومحابراتا تحتل مكانا مرموقا فى أرخبيل الملايو. وعندما جاء الإسلام إليه استخدم الدعاة مثل هذه القصة من القصة العربية للتغلب على الأثر الهندي فى نفوس شعب الملايو وهذه القصة لا تخلو من الإضافات الفنية من الخيال والمغامرات والسحر والأسطورة لملاءمة ما ورد فى القصة الهندية (2) .
__________
(1) See. Ibrahim Mohd Salleh - op. cit. - p. 33
(2) See. Ismail Hamid - Asas Kesusasteraan Islam - DBP - 1990 - p. 81(2/373)
وإن القصة الهندية المشهورة فى أول عصر دخول الإسلام فى الأرخبيل لم تهجر بل إنها استخدمت كوسيلة للدعوة بعد وقوع تعديلات بالإضافة أو الحذف فيها أو بإعادة صبغتها بالصبغة الإسلامية أو بتحويل مجراها إلى المجرى الإسلامى ومثال ذلك حكاية شاهى مردان (SHAHI MARDAN) فيها ملك دار الهستان اسمه فكراما داتياجايا ((FIKRAMA DATARIAJAYA وابنه شاهي مردان (SHAHI MARDAN) يتعلم التعاليم الإسلامية على يد برهمين من دار الخيام. كما فيها ما يتعلق بأركان الإسلام كالصلاة وكانت عملية إسلامية القصة تتمثل فى أن تحذف كل العناصر الهندية فيها وتضاف عناصر عربية إسلامية محلها وتحل أسماء الأنبياء والملائكة محل أسماء آلهة هندية ثم تحل محل الشخصيات الهندية الشخصيات الإسلامية (1) .
وقد اجتهد الدعاة والوعاظ لتغيير مجرى الأدب الملايوي الهندوكي القديم إلي صورة الأدب الملايوي الجديد الإسلامي وقد نجحوا بالفعل فى تحويل مجري الحكايات الهندوكية ومقاصدها إلي المجرى الإسلامي وإدخال العناصر الايمانية الإسلامية واستخدام أداة تعبيرها بالكلمات والمصطلحات الدينية والعربية مثل لفظ الجلالة وملك الكون وخالق العالم وأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والقضاء والقدر وغير ذلك من العناصر الإسلامية والمواصفات الثقافية العربية.
ونذكر هنا بعض الحكايات الهندوكية الشهيرة التي تم تغيير موضوعها ومواصفاتها ومغزاها الهندوكي إلي صورتها الجديدة بصبغة الثقافة الإسلامية والعناصر الايمانية بعد تأثرها بالتيارات الإسلامية. ومن هذه الحكايات:
1- حكاية ماراكرما (HIKAYAT FIKRAMA)
تم تغيير اسمها الهندوكي إلي اسمها الإسلامي الجديد هو: حكاية المسكين
2- حكاية سرنجا بايا (HIKAYAT SERANJABAYA)
تم تغيير اسمها الهندوكي إلي اسمها الإسلامي الجديد هو: حكاية أحمد محمد
__________
(1) See. Bakar Hamid - Diskusi Sastera Tradisi - DBP- 1974 - Vol. 1 - pp. 78-80(2/374)
3- حكاية اندراجايا (HIKAYAT INDERAJAYA)
تم تغيير اسمها الهندوكي إلي اسمها الإسلامي الجديد هو: حكاية شاهي مردان
وأما القصص والحكايات فهي التي نالت اهتماما كبيرا فى أوائل العصر الإسلامي من جموع الناس خصوصا ما له طابع بطولي أو ديني ولذلك كثر دخول الحكايات التي تروي عن قصص الأنبياء وأبطال الإسلام والقصة التعليمية والصوفية وحكايات التسلية والفكاهة وهذه الحكايات منها ما ترجم من المصادر العربية أو ما اقتبس منها ومنها ما أعاد صياغته الأدباء الملايويون (1) . كما وصلت أيضا قصص ما قبل الإسلام من مثل قصة الاسكندر الأكبر والأمير حمزة وسيف بن ذي يزن وغيرهما من القصص لما فيها من سمات البطولة والدعوة الإسلامية (2) .
وقد سجل وريندي قائمة لأسماء المؤلفات الملايوية القديمة فى كتابه النحو الملايوي الذي طبع فى هولندا (AMSTERDAM) سنة 1736م. وتضم القائمة 69 كتابا من الحكايات والكتب دينية وغيرها. ومن الحكايات الملايوية المتأثرة بالأدب العربي الإسلامي المذكورة فيها ما يلي (3) :
حكاية ذو القرنين
حكاية أمير المؤمنين عمر
حكاية حمزة
حكاية لقمان
حكاية ملك سليمان
حكاية عبد الله عمر
حكاية كليلة ودمنة
حكاية محمد على الحنفية
حكاية معراج النبي محمد (
حكاية نور محمد
حكاية النبي محمد (
حكاية النبي موسي
حكاية النبي يوسف
حكاية النبي سليمان
حكاية عمر
ويمكن حصر القصة المتأثرة بالأدب العربي الإسلامي إلي أقسام تالية (4) :
- حكايات عن النبي محمد (.
- حكايات عن قصص الأنبياء.
- حكايات عن أصحاب النبي (.
- حكايات عن الأبطال الإسلاميين.
- حكايات عن الصوفيين والصالحين والشيعيين.
__________
(1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص - 55
(2) See. A. Samad Ahmad, op. cit. p. 18
(3) See. R. Q. Winstedt - Malay Works Known By Wrendly In 1736 A. D. - Jsbras No. 82 - 1920 - pp. 163 - 165.
(4) See. A. Samad Ahmad - op. cit p. 41(2/375)
- حكايات عن الملوك المسلمين.
- حكايات عن قصة الإطار
أما عن تاريخ تأليف الحكايات الملايوية القديمة فلا يمكن تحديده لسبب عدم إفصاح المؤلفين عن أسماءهم وتاريخ إنتاجهم حتي لا يعرف الذين جاءوا بعدهم من الذي ألف هذا أو ذاك ومتي ألفه. ويعتقد أن معظم هذه الحكايات الملايوية قد دونت فى عهد السلطات الإسلامية فى مملكة ملقا فى القرن الخامس عشر الميلادي (1) حيث كانت ملقا حينئذ مزدهرة بكل فنون (2) . وكذا فى مملكة أتشيه فى القرن السادس عشر الميلادي بعد سقوط مملكة ملقا. بحيث يتمركز فيها العلماء والأدباء من العرب والفرس والهند وأبناء البلاد (3) .
الشعر:
عثر فى الأدب الملايوى القديم قبل وصول الإسلام على أنواع متنوعة من الكلام الموزون ومن أشهرها بنتون - PANTUN - وسلوكا - SELOKA- وجوريندم (4) - GURINDAM وبعد وصول الإسلام عرف الأدب الملايوى نوعا جديدا من الكلام المنظوم الذى عرف باسم شعر -SYAIR. وكان للشعر العربى الصوفى فضل بارز فى نشأته وازدهر فى القرن السادس عشر الميلادى فى أتشية على يد حمزة الفنصورى الذى كان رائدا فى إبداع الشعر الملايوى الصوفى وكان الفضل فى ذلك يرجع إلى تأثره بالأدب العربى الصوفى من خلال قراءته العميقة وانطباعاته فى آراء الصوفية مثل ابن عربى والحلاج وذى النون المصرى والبسطامى (5) .
__________
(1) See. Ibid - p. 52
(2) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص - 57
(3) See. A. Samad Ahmad , op. cit. p. 10
(4) See: Ismail Hamid - Asas Kesusasteraan Islam - op-cit - p - 104.
(5) See: Syed Mohammad Naguib Al Attas - (c) The Origin Of Malay Syair - DBP - Cet- 1 - 1968 - p. 5(2/376)
وبدأ تأليف الشعر من سنة 1550 حتى سنة 1600 للميلاد وكانت مؤلفاته الشعرية من أوائل ما كتب فى الأدب الملايوى بالكلام المنظوم. وقد اقتبس واستوحى فى إنجاز شعره من أفكار الشعر العربى وأغراضه بالإضافة إلى إلمامه بالثقافة العربية والفارسية وانتهج فى أشعاره منهجا صوفيا وتتميز أشعاره بالصبغة الدينية التى تتحدث دائما عن الإيمان والعلاقة بين الإنسان وربه (1) .
وكان الشعر يستخدم أيضا لمحاكاة القصص وأغلب القصص فى أول الأمر كتبت نثرا ثم تحولت إلي الشعر لأنه مشهور لدي الشعب خاصة لدي النساء (2) . وكانت فنون الشعر متنوعة منها شعر تعليمي وشعر صوفى وشعر نصيحة وشعر تاريخي وشعر غنائي وشعر تمثيلي وغيرها (3) .
وقد اختلف المؤرخون فى تحديد أصل الشعر الملايوي وقد اكتشف على لفظ الشعر فى الكتاب الأدبي القديم مثل تاريخ الملايو. والمراد به نوع من الشعر العربي كما وجد فى كتاب تاج السلاطين وكان المراد به نوعا من الكلام الشعري الفارسي مثل الرباعي والمثنوي (4) .
__________
(1) See: Ismail Hamid - op-cit - pp. 106
(2) See. Zuber Osman op. cit. p. 179
(3) See. Bakar Hamid - op. cit. p.87
(4) See. Ismail Hamid - op. cit.p. 105(2/377)
ويري العطاس (1) أن الشعر العربي قد لعب دورا بارزا فى نشأة الشعر الملايوي وقد تسرب هذا النوع من الشعر إلي أرخبيل الملايو بواسطة الأدب الصوفى حيث كانت أتشية فى القرن السادس عشر الميلادي مركزا للعلوم الإسلامية وسادت فيه آراء صوفية أثارها علماء متصوفة مثل حمزة الفنصوري وعبد الصمد السومطراني والرانيري وغيرهم. وقد ساعد الأثر الصوفى فى نشأة الشعر الملايوي على يدي حمزة الفنصوري وهو رائد فيه. وكان الأدب الصوفى العربي قد ساعده على إبداع نوع جديد من الكلام الموزون فى الأدب الملايوي المعروف باسم شعر (SYAIR) وكذا قراءته العميقة وانطباعاته فى آراء الصوفية مثل ابن عربي والحلاج وذي النون المصري والبسطامي وغيرهم ألهمته فى إبداع هذا النوع من الشعر الملايوي. ...
ويتبين من هنا أن نشأة الشعر الملايوي من أصل الشعر العربي من حيث الأغراض الشعرية ولكنه يختلفه تماما من حيث الشكل لأن الشعر الملايوي يتكون من أربعة أشطر متساوية أصوات فى آخرها أأ أأ A A A A ويحتوي كل شطر على أربع كلمات لها 8,9,10 أو12 من مقاطع الصوت (2) . ومثال ذلك ما يلي:
INILAH GERANGAN SUATU MADAH
MENGARANG SYAIR TERLALU INDAH
MEMBUTOHI JALAN TEMPAT BERPINDAH
DI SANA IKTIKAD DIPERBETULI SUDAH
WAHAI PEMUDA KENALI DIRIMU
INILAH PERAHU TAMTHIL TUBUHMU
TIADA LAH BERAPA LAMA HIDUPMU
KE AKHIRAT JUGA KEKAL HIDUP MU
هذا هو قول رائع
إبداع الشعر الرائع
طلب المكان للانتقال
ثمة اعتقاد مستقيم
أيها الشباب اعرف نفسك
هذه السفينة تمثيل لجسمك
لا تبقي حياتك
فى الآخرة تبقي
__________
(1) See. Syed Mohammad Naguib Al Attas - (c) op. cit - 1968 - p. 5
(2) See. Ismail Hamid -op. cit. p 104(2/378)
ومن صور الكلام الموزون المتأثر فى الأدب الملايوى نظم وغزل ومثنوى ورباعى وقطعة وأما النظم فكان لفظه مشتقا من الكلمة العربية وصار فى الأدب الملايوى مصطلحا لنوع خاص من الكلام الموزون الذى يأتى على شكل أبيات ويتكون من اثنتى عشر شطرا ويشتمل كل بيت فيها على شطرين. وفى كل شطرين أو أربعة أشطر قافية متحدة وهو شبيه ببحر الرجز فى الشعر العربى (1) .
ومنها ما يسمى الغزل من أصل الكلمة العربية وجاء ذكره فى كتاب تاج السلاطين للبخارى الجوهرى سنة 1603 الميلادية وكان الغرض منه نفس الغرض فى الغزل العربى من تصوير أحاسيس الحب والعاطفة وكذا استخدمه الشعراء الملايويون للنصائح. ويتكون من ثمانية أشطر بالقافية المتحدة لكل شطر (2) .
وكان المثنوى هو نوع آخر من الكلام الموزون ونشأ من تأثير الأدب الفارسى وكان من أغراضه فى الأدب الملايوى المدح ويتكون من عشر أو اثنتى عشر أو أربعة عشر مقطعا مع القافية المتحدة لكل شطرين مثل aa bb cc (3) .
وكان الرباعى نوعا آخر من الكلام الموزون الموروث من الأدب العربى أو الفارسى واستخدم لتصوير التعاليم الصوفية والفلاسفة الإسلامية ويتكون من أربعة أشطر بالقافية المتحدة aaaa والنوع الأخير من الكلام الموزون يدعى قطعة وهى مأخوذة من الكلمة العربية وليس لها نظام معين ولا تعريف جامد مانع وهى مطلق نوع من الكلام المنظوم فقط (4)
__________
(1) Cited by Ismail Hamid. The Emergence of Islamic Malay Literature: A Case Study of Hikayat. 1981 p. 109.
(2) Ibib. P.108
(3) Ibib. P 109
(4) Ibib
المراجع العربية
أحمد شلبي - موسوعة التاريخ الإسلامي - مكتبة النهضة المصرية - الطبعة الثالثة 1993م - ج8
بدر الدين حي الصيني - العلاقات بين العرب والصين - مكتبة النهضة المصرية - الطبعة الأولى - سنة 1950
ابن بطوطة - رحلة ابن بطوطة - دار صادر - بيروت 1992
سير توماس و. أرنولد - الدعوة إلى الإسلام - ترجمة د. حسن إبراهيم حسن ود. عبد المجيد العابدين - مكتبة النهضة المصرية 1970
عبد الرءوف الشلبي - الإسلام في أرخبيل الملايو - دار القلم - كويت - الطبعة الثالثة 1983
عادل محي الدين الألوسي - العروبة والاسلام في جنوب شرقى آسيا - دار الشئون الثقافية - بغداد - الطبعة الأولي
محمد نصر مهنا - الإسلام في آسيا - المكتب الجامعي الحديث - اسكندرية - الطبعة الأولي 1990
محمد أحمد السنباطي - حضارتنا فى أندونيسيا - دار القلم - الكويت - 1983
محمد عبد الرءوف - الملايو: وصف وانطباعات - الدار القومية- الكويت 1966
محمد زيتون - المسلمون في الشرق الأقصي -دار الوفاء - القاهرة - الطبعة الأولي 1985 الرسائل الجامعية
زين العابدين سوتومو. اللغة العربية والثقافة الإسلامية فى أندونيسيا - رسالة ماجستير - كلية الآداب - جامعة القاهرة
عبد الرازق بن وان أحمد - اللغة العربية في ماليزيا بعد استقلال - رسالة الماجستير - كلية الآداب - جامعة الإسكندرية - 1990
محمد زكى عبد الرحمن - أثر اللغة العربية فى اللغة الماليزية - رسالة الماجستير - كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر - القاهرة - 1990
مرزوقى حاج محمود حاج طه - الإسلام فى أرخبيل الملايو - رسالة الدكتورة - كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر - 1977م
Carmel H. L. Hsia. The Influence of English on the Lexical Expansion of Bahasa Malaysia. Ph.D Thesis. University of Edinburgh 1981.
المراجع الأجنبية
Samad Ahmad - Sejarah Kesusasteraan Melayu. Vol. 1. DBP. 1965.
Abdul Rahman Hj. Abdullah - Pemikiran Umat Islam Di Nusantara - Dbp. Cet. 1 - 1990
Abdullah Ishak - Islam Di India Nusantara Dan Cina - Nurin Enterprise - Cet. 1 - 1992.
Azyumardi Azra - Jaringan Ulama Timur Tengah Dan Nusantara Abad Ke 7 Dan 8 - Penerbit Mizan - Cet. 1 - 1994
Bakar Hamid - Diskusi Sastera Tradisi - DBP- 1974 - Vol. 1
Ibrahim Mohd Salleh - Kesusasteraan Melayu Kelasik Dan Moden - Penerbit Asia - K.L
Ibrahim T. Y. Ma - Perkembangan Islam Di Tiongkok - Bulan Bintang - Jakarta - 1969
Ismail Hamid - Asas Kesusasteraan Islam - DBP - 1990
---------------- - The Emergence of Islamic Malay Literature: A Case Study of Hikayat. 1981
Jamilah Bt. Hj. Ahmad - Kumpulan Esei Sastera Melayu Lama - DBP. 1981
Joginder Singh Jessy - Tawarikh Tanah Melayu 1400 - 1959 - DBP. 1965
Abdul Jabbar Beg - Arabic Loan-Words In Malay - A Comparative Study - University of Malaya - 1976
Q. Winstedt - History of Classical Malay Literature. K. Lumpur. Oxford University Press. 1972.
----------------- - Malay Works Known By Wrendly In 1736 A. D. - Jsbras No. 82 - 1920
Q. Fatimi - Islam Comes To Malaysia - Masri Singapore - 1963
Sopian Taimon - Intisari Sejarah Asia Tenggara. DBP. 1972
Syed Muhammad Naquib Al-Attas - (A) Islam Dalam Sejarah Dan Kebudayaan Melayu - ABIM - 1990
---------------------------------------- - (B) Preliminirary Statment on A General Theory Of Islamization Of The Malay - Indonasian Archipelago - DBP. 1965
--------------------------------------- - (C) The Origin Of Malay Syair - DBP - 1968
Zuber Osman. Kesusasteraan Lama Indonesia. Abbas Bandong. 1978.(2/379)
ومن هذه الأنواع المذكورة من صور الكلام الموزون كان الشعر فى مقدمتها وتلقى حفاوة كبيرة ومنزلة رفيعة لدى الشعب وتدوول واسعا فى الأدب الملايوى حتى تغلب على أنواع صور الكلام الموزون التقليدى قبل مجيء الإسلام. ومن أعظم العوامل أدت إلى انتشاره فى أول وهلة طابعه الدينى لأنه يتحدث عن تعاليم الإسلام مع تصوير التعاليم الصوفية من العلاقة بين العبد وربه ثم تطور إلى تصوير الحقائق التاريخية.
• • •
الخاتمة
يتضح مما سبق أن للإسلام فضلا ودورا بارزا فى تغيير مجرى حياة الشعب الملايوى من شتى نواح دينيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وأدبيا. وكانت معالم الإسلام تظهر فى تلك النواحى تدريجيا منذ وصول الإسلام إلى أرخبيل الملايو فى القرن الأول الهجرى من طريق التجار العرب من الدول العربية مباشرة. وكانت تلك المعالم تتجلى عندما بدأ الإسلام ينتشر فى القرن الثانى عشر والثالث عشر والرابع عشر للميلاد على أيدى الدعاة العرب الصوفية والفرس والهند.
من أثر ذلك التطور ترك الشعب الملايوى ما كان آباءه يعتادون عليه من المعتقدات المضللة والحياة المنحرفة الموروثة من التقاليد الهندية بل أقبل على الإسلام وتعاليمه حتى تأسست حواضر إسلامية فى تلك البقع لتكون منطلقا للحركة الإسلامية والأدبية.
من أبرز أثر الإسلام فى أرخبيل الملايو ما يلى:
- تغيير مجرى اعتقاد الشعب الملايوى وحياته من التقاليد الهندية إلى الإسلامية.
- ظهور الحروف الهجائية العربية للكتابة الملايوية
- تسرب الألفاظ العربية ومصطلحاتها الإسلامية إلى اللغة الملايوية
- انتقال القصة العربية الإسلامية إلى الأدب الملايوى
- تسرب أنواع الشعر العربى إلى الشعر الملايوى.
والله أعلم.
الحواشي والتعليقات(2/380)
تهمة الرواة بعض الشعراء الأعراب
الذين عاصروا نشأة الإسلام بجفاء الدين ورقته
أ. د. عبد الله بن سليمان الجربوع
الأستاذ بقسم اللغة العربية - كلية الآداب
جامعة الملك سعود - الرياض
ملخص البحث
يعرض هذا البحث لجانب من جوانب السلوك الاجتماعي، عند ستة من شعراء الأعراب الذين عاشوا دهراً في الجاهلية ثم أدركوا الإسلام فأسلموا، وعاشوا فيه طويلاً حتى أدرك بعضهم بداية العصر الأموي. ويحاول الباحث عرض التهم التي ألصقت بالشعراء وإخضاعها للموازنة مع عدد من النصوص التي تنسب إلى هؤلاء الشعراء الذين وصفوا بجفاء الدين ورقته. ويظل القصد من ذلك هو إلقاء مزيد من الضوء يجلي تلك الانتقادات التي تناقلها الرواة في شأن هذه المسألة.
• • •
تصادفنا في كثير من أمهات المصادر العربية روايات مختلفة تتهم عدداً من شعراء العربية بجفاء الدين ورقته. وبالرجوع إلى تراجم هؤلاء الذين رموا بالفسق ورقة الدين، نجد من بين هؤلاء فريقا أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم وكانوا معروفين للرواة بجودة الشعر والفسق.(2/381)
ومن هؤلاء أربعة شعراء من شعراء الأعراب معَّمرين عاشوا في الجاهلية دهراً، ثم أدركوا الإسلام فأسلموا وعاشوا فيه طويلاً حتى أدرك بعضهم زمن الأمويين وهؤلاء هم: أبو الطمحان القيني وشبيل بن ورقاء وتميم بن أبَي بن مقبل والحطيئة. وهؤلاء الشعراء الأربعة تجمعهم صفات مشتركة فهم جميعا مخضرمون وشعراء أعراب، وتفيد أخبارهم التي تناقلها الرواة أنهم جميعاً لم يطمئنوا للإسلام، ولم يتمكن من نفوسهم. فقد نشأوا في الجاهلية، وتطبعوا بطبائع أهلها وتأثروا فيها، وتمكنت عاداتها وتقاليدها في نفوسهم، وحينما جاء الإسلام لم يتأثروا كثيرا به لجفائهم وغلظتهم وشدة تبديهم. ويظهر من أخبارهم أنهم لم يستطيعوا أن يتأقلموا مع الحياة الإسلامية، ومضوا يعيشون الحياة كما كانوا يعيشونها قبل الإسلام غير مبالين بتعاليم الدين وأوامره ونواهيه. وعلى الرغم من التحول الكبير الذي أحدثه الإسلام في نفوس العرب الذين آمنوا به حين بدلت الدعوة الكثير من المفاهيم الخاطئة والعادات الموروثة التي ألفها الناس واعتادوا عليها، إلا فئة قليلة منهم يظهر أن الإسلام أوقعها في حرج، فقد قبلته على مضض، ومن خلال سلوك بعض أفرادها بعد إسلامه ظهر أنه لا يمكنه الانقطاع عن ماضيه. ولهذا حدث تعارض بين قديمه الموروث وجديده المكتسب، عبّر عنه من خلال تصرفاته التي تخالف نهج الإسلام وطهارته. لقد حفظت لنا الروايات نزراً يسيراً من أخبار بعض شعراء البادية الذين أسلموا، لكن قلوبهم بقيت على ما كانت عليه قبل الإسلام. فلم يحفلوا بالإسلام ولم يتعمقوا أسرار الدين وشرائعه ولذلك ظل موقف بعضهم من العقيدة ومن فرائضها يلفه الغموض وعدم الالتزام. وذلك ناتج عن عدم تمكن هؤلاء الأعراب من فهم الإسلام الفهم الصحيح، فهم قوم لم يصحبوا الرسول (صحبة كافية. وبعد إسلامهم انصرفوا إلى ذواتهم وحياتهم المعتادة من قبل. ولم يستطيعوا مجاراة التحولات الكبيرة(2/382)
والمتغيرات المتلاحقة التي مر بها المجتمع العربي في بداية عصر الخلفاء الراشدين. كما أنهم لم يستطيعوا الانفكاك من الوجدان القبلي الذي كان يصبغ حياتهم، ولم يستطيعوا التخلص من تأثيره. وظلوا متأرجحين بين عادات الجاهلية التي تأصلت في نفوسهم من قبل، وعالم من حولهم يتغير بسرعة متناهية. لقد امتد وجود بعضهم في الإسلام فترة تقترب من نصف قرن من الزمان، ومع ذلك ظلوا بعيدين عن فهم الإسلام، وظلوا معزولين عن الحياة الإسلامية. وباستثناء فئة قليلة منهم مسّ الإيمان قلوبهم وكانوا مسلمين رجال صدق من مثل لبيد بن ربيعة والنابغة الجعدي فإن فئة غير قليلة من شعراء الأعراب كانت صلتهم بالدين ضعيفة. فالإيمان لم ينفذ إلى قلوبهم ولم يتعمقوا فهم العقيدة وفرائضها. ولذلك لم يجد بعضهم حرجا في التصريح بارتكابه المحرمات فهم يقبلون عليها ولا يجدون فيها ما يشينهم أو يعيبهم. كما أن سلوك بعضهم ظل وثيق الصلة بالماضي ولذا عجزوا عن تغيير قيمهم الدينية والاجتماعية.
فأبو الطمحان القيني (1) ذكره ابن قتيبة (2) فقال: ((هو حنظلة بن الشرْقيّ، وكان فاسقاً، وقال عنه الأصفهاني (3) : ((وكان أبو الطمحان شاعراً فارساً خارباً صعلوكاً، وهو من المخضرمين، أدرك الجاهلية والإسلام، فكان خبيث الدين فيهما كما يُذْكر. ووصفه البكري فقال (4) : ((وكان خبيث الدين جيد الشعر)) . وذكر ابن حجر (5) أن ابن قتيبة ذكر له في كتاب الشعراء شعراً يتبرأ فيه من الذنوب كالزنا وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير والسرقة)) .(2/383)
ولم أقف على أثر لهذا الشعر في المصادر القديمة التي اطلعت عليها. وتفيد رواية ابن قتيبة أن أبا الطمحان القيني، ظل بعد إسلامه رقيق الدين. فقصته مع المرأة التي نزل بها فآوته وأكرمته، فسطا على شرفها ومالها ثم هرب، تنافي المروءة التي عرف بها الصعاليك، كما تصور في الوقت نفسه إسفافه وابتذاله، وتمرده على الأخلاق والأعراف واستهانته بهما. هذه القصة التي يبدو أنها حدثت في الإسلام ارتبطت باسمه وتناقلها الرواة عن ابن قتيبة (6) وفيها دلالة على سوء سلوكه وفساده وفسقه فقد قيل له: ما أدنى ذنوبك؟ قال: ليلةُ الدّيرْ، قيل له: ما ليلة الدّيْر؟ قال: نزلت بدَيْرانيةٍ، فأكلت عندها طَفَيْشَلاً بلحم خنزير، وشربت من خمرها، وزنيت بها، وسرقت كساءها، ومضيت! ,,
لقد عكست تلك الرواية مع نماذج قليلة وصلت إلينا من أشعار يرجح أنه قالها في الإسلام، خبث دينه وفساد عقيدته. أول تلك النماذج نتفة من بيتين قالهما في أواخر حياته. لقد أظهرت تلك النتفة أن أبا الطمحان كان من المعَّمرين وقد أوغل في الحياة الإسلامية وامتد به العمر. ومع ذلك غلب على شعره، قلة الشعور الديني، إذْ لم تُظْهِرْ تلك النماذج على قلتها تأثره بالإسلام وتعاليمه. بل لعلني لا أبعد عن الحقيقة حينما أزعم أن هذه النتفة وأمثالها من شعره تؤكد خبث أبي الطمحان وفساد طويته، وتجلي تلك النزعة التي عرف بها عند الرواة. في هذه النتفة يتفجع الشيخ على شبابه الذي غاب ربيعه ويجزع من شيبه وتقارب خطواته. هذان البيتان قالهما بعد أن داهمته الشيخوخة وكان يتوقع من أمثاله وقد قرب أجله أن يحذر الموت ويترقبه، ويخاف من الحساب وعذاب القبر ويؤمل الخير وحسن الخاتمة. يقول (7) : [الوافر]
حنَتْني حانياتُ الدّهْرِ حتىّ
كأنيّ خاتلٌ أدنُو لِصَيْدِ
قصيرُ الخطْوِ يحسِبْ من رآني
ولست مُقَيداً أني بِقَيدِ(2/384)
لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولعل في هذا السلوك الذي عبرت عنه هذه النتفة ما يعد مظهراً من مظاهر رقة الدين التي تحدث عنها الرواة. فقد غابت عنها المعاني الدينية وعكست ألفاظها طبيعة أخلاق أبي الطمحان ونظرته إلى الحياة.
كذلك وصل إلينا من شعره مقطوعة يبدو أنه قالها بآخرة من عمره. يعبر فيها عن انحرافه الخلقي ويجاهر فيها برغبته بشرب الخمر قبل أن يقضي نحبه. وإذا كان الشعر يمثل فكر صاحبه والشاعر أحياناً لا يتحدث من فراغ، فإن مضمون تلك المقطوعة وألفاظها ومعانيها، حتى على افتراض أن الشاعر قالها على سبيل المجاز، تتصادم مع الدين والقيم والأخلاق والأعراف. تتصادم مع الدين لأنه لا يرى في الخمر رجساً من عمل الشيطان. وهي في المقابل ضد الأخلاق والتقاليد لأن شيخاً يدنو أجله، ويعيش في آخر أيامه، يتهالك على الملذات، ويعكف عليها، ويدعو لها. إنه على الأقل بهذه الواقعية يعري نفسه ويبتذلها، ويعبر عن حاجاته الطبيعية. وهو في هذا يخالف القيم والمثل التي تعارف عليها الناس وألفوها. يقول (8) : [الطويل] .
ألا عَلّلاني قبْلَ نَوْح النَّوائِحِ
وقبَل ارتقاءِ النفس بين الجوانحِ
وبعد غدٍ يالهفَ نفسي على غدٍ
إذا راحَ أصحابي ولستُ برائحِ
إذا راح أصحابي تَفِيضُ عُيونُهم
وغُودِرتُ في لحدٍ على صَفَائِحي
يقولونَ: هل أصلحتُم لأخيكُم
وما القبُر في الأرضِ الفضاءِ بصالحِ(2/385)
وله نتفة أخرى قالها يتذكر فيها ماضيه وأيام صعلكته، ويعبر فيها عن حنينه إلى الغارات وأسلوب الفتك واللصوصية. تلك العادة التي حاربها الإسلام وأنزل بأصحابها أشد العقوبات. وكادت تختفي زمن الرسول (والخلفاء الراشدين من بعده. ومع أنه لم يرد في أخباره ما يفيد بأنه ظل يمارس تلك العادة بعد إسلامه، أو أنه أقلع عنها، بل لعلنا نرجح أنه كف عن ذلك بسبب شيخوخته على الأقل، إلا أن تلك الأبيات قد أظهرت ارتباطه بماضيه، وبدلاً من أن يعلن ندمه في إسلامه على ما كان من إغارته ولصوصيته في الجاهلية، وتوبته واطمئنانه على حياته في ظل الإسلام نجده لم يخف حنينه لحياة السلب والإغارة التي أعتاد عليها من قبل. بل نراه يعتز بصعلكته، ويجتر ذكرياته حينما كان يجازف بحياته ويعرضها لركوب المخاطر يقول (9) :
ياربّ مُظْلِمَةٍ يوماً لطيتُ لها
تمضي عليّ إذا ما غاب نُصّاري
حتى إذا ما انَجلتْ عني غَيَابتُها
وَثبْتُ فيها وثوب المُخْدِرِ الضَّارِي
لعل في تلك النماذج التي عرضنا لها في الأمثلة الماضية ما يمكن اعتباره شاهداً على رقة دين أبي الطمحان وفسقه. فهذا النزر اليسير من شعره الذي وصل إلينا فيه دلالة على أن روح الجاهلية ظلت تسيطر على تصرفاته. فقد اضطرب في سلوكه وخالف الإسلام وخرج على تعاليمه. وكان يتوقع منه وقد عاش دهراً في الإسلام أن يكون شعره عامراً بالتقى والصلاح والرغبة في النصح وعمل الصالحات. إلا أنه أظهر خلاف ذلك حنيناً إلى الماضي، وتهالكاً على المتع والملذات. وربما هذا هو ما جعل الرواة يتهمونه بفساد الدين وخبثه في الجاهلية والإسلام.
لقد كان لشعراء البادية الآخرين صلة ضعيفة بالدين فابن قتيبة يصف شبيل بن ورقاء فيقول (10) : ((هو من زيد بن كليب بن يربوع، وكان شاعراً مذكوراً جاهلياً، فأدرك الإسلام وأسلم إسلام سَوْءٍ، وكان لا يصوم شهر رمضان فقالت له بنته، ألا تصوم؟ فقال: [الطويل](2/386)
تَأْمُرُني بالصوْمِ لا دَرّ درها
وفي القبْرِ صَوْمُ لا أبَاكِ طَوِيلُ
وفي الاشتقاق بنحو مما في رواية ابن قتيبة (11) .
وأخبار الرواة عن شبيل بن ورقاء نادرة. فلم أقف له على شيء يذكر في المصادر التي اطلعت عليها، إلا ما تقدم ذكره مما يجعل رسم صورة عن حياته أمراً غير ممكن. وفي ضوء خبر ابن قتيبة، يمكن القول إن الإسلام لم يتمكن من نفس شبيل، ولم يتعمق في قلبه. فظل بعد إسلامه جافياً رقيق الدين. يقترف الذنوب ويجاهر بها، ويصعب عليه صوم شهر رمضان، وفي هذا دلالة على فسقه واستهتاره، وضعف عقيدته، وتنكره للدين وفرائضه.
وأشهر من يذكر في هذا المجال من شعراء الأعراب. شاعران هما: الحطيئة، جرول ابن أوس، وابن مقبل وسيأتي ذكر الحطيئة لاحقاً. أما تميم بن أُبَيّ بن مقبل فقد وضعه ابن سلام في الطبقة الخامسة من شعراء الجاهلية وقال عنه: ((وكان ابن مقبل جافياً في الدين، وكان في الإسلام يبكي أهل الجاهلية ويذكرها، فقيل له: تبكي أهل الجاهلية وأنت مسلم فقال: [الطويل]
ومَالِيَ لا أَبكِي الديَارَ وأهْلَهَا
وقد زارها زُوّارُعَكٍ وحِمْيَرَا
وجاء قَطَا الأجْبَابِ مِنْ كُل جَانِبٍ
فَوقّعَ في أعطانِنَا ثُم طَيّراَ
وهذان البيتان يعبران عن غربة ابن مقبل في الإسلام فلم يكن انتقاله من عهد الجاهلية إلى الإسلام ليحدث تحولاً في حياته أو تبديلاً في نمط تفكيره. فهو يحن إلى أيام الجاهلية ويبكي أهلها ويتذكرهم، ويرى أن الزمان قد تغير وأن الأرض قد بدلت، وتغيرت أخلاق الناس فصار يرى نفسه غريباً يعيش في وسط غريب عنه. يفسر هذا ويجليه قوله في القصيدة التي منها البيتان السابقان: [الطويل]
أَجِدّى أرى هذا الزمَان تَغيّرا
وبَطْنَ الركاءِ من مَوالّي أقْفَرَا
وكائِنْ ترى من مَنْهل بادَ أهلُهُ
وعِيدَ على معروفِهِ فتنكرا(2/387)
والقصيدة التي منها هذه الأبيات تسير على هذا النمط. فهي تمجد حياة الجاهلية وترى أن أيامها أحسن حالاً من أيام الإسلام فقد أخذ يتحسر على الماضي ويرى أن أيامه فيها لن تعود، فقد مضت ومضى معها أشراف الناس ومضى ابن مقبل يعبر عن قلقه، ويرى نفسه أصبح غريباً يعيش في مجتمع غريب عنه، له مُثل وقيم تختلف عن مُثل الجاهلية وقيمها يقول في هذا المعنى (14) : [الطويل]
فَمَا نحْنُ إلا من قُرُونٍ تُنُقّصَتْ
بأصْغَر مما قد لقيِتُ وأكْبَرا
لقد كان فينا من يحُوطُ ذماَرنَا
ويُحْذِي الكمِيّ الزاعبيّ المؤُمّرا
لقد كان ابن مقبل، وهو يتباكي على أهل الجاهلية، ويتحسر ويتفجع على أهلها، يعيش صراعاً في نفسه بين قديمه البالي وجديده المشرق وهو بهذا لا يخفي تبرمه وضجره من التغير الذي حدث بعد الإسلام وذلك قوله (15) : [الطويل]
أَلهْفِي على عِزٍ عزيزٍ وظِهْرَةٍ
وظِلّ شَبابٍ كنتُ فيه فأدْبَرا
وَلهْفِي على حَييّ حُنَيْفٍ كِلَيهِمَا
إذا الغيثُ أمسَى كابَي اللون أغْبَرا
ويرى الدكتور عزة حسن أن بكاء الجاهلية وذكر أيامها والشعور بالغربة في الإسلام ظاهرة غريبة لا نراها عند غير ابن مقبل من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام.(2/388)
ويفسر هذه الظاهرة بقوله: ((إن ابن مقبل عاش طويلاً في الجاهلية، وانقضت أيام شبابه في بيئة البادية القائمة على حرية الفرد وانطلاقه من القيود والارتباطات وما يتبعها من أعراف وعادات وتقاليد قبلية كانت سائدة في البادية منذ أقدم الأزمان. فطبعت نفسه على مُثُل هذه البيئة، وتملكته أعرافها وأنماط الحياة فيها، فارتبط بها ارتباطاً لا ينفصم. فلما جاء الإسلام بفكرته الجديدة ومُثله التي لا عهد للعرب بها، ولا سيما الأعراب منهم، بشرائطها ودقائقها، لم يستطع ابن مقبل وكثيرون غيره من سكان البادية أن يوفقوا بين حياتهم القديمة التي ألفوها وبين حياتهم الجديدة التي طرأت عليهم بظهور الإسلام. بل لم تعجبهم هذه الحياة، ولم يُسْلِسُوا لها قيادهم في سهولة ويسر في أول الأمر، لأن أنماط حياتهم القديمة كانت قد ثبتت في أعماق نفوسهم، ولم يكن من السهل عليهم أن ينتقلوا انتقالاً من طور إلى طور، بين يوم وضحاه، وأن يبدلوا أفكاراً ومبادئ بأفكار ومبادئ أخرى، كما يخلع الإنسان عنه ثوبا قديماً بالياً ليلبس بدلاً عنه ثوباً جديداً قشيباً.
هذا هو السبب، فيما أرى، في غربة ابن مقبل وأضرابه في بيئة الإسلام الجديدة، وحنينه إلى أيام الجاهلية. يضاف إلى ذلك أن الإسلام فرق بين ابن مقبل وبين زوجه “ الدهماء ” التي كان ورث نكاحها عن أبيه في الجاهلية. ويبدو أن ابن مقبل كان يعشق “ الدهماء ”، لأنه ما فتئ يذكرها في شعره بعد أن فرق بينهما الإسلام)) (16) .(2/389)
والحق أن مرحلة التحول من عهد الجاهلية إلى الإسلام كانت بالغة القصر إذ ما قيست بالتحولات الكبيرة والمتلاحقة التي أصابت المجتمع العربي بعد ظهور الإسلام. وإذا أضفنا إلى هذه الحقيقة حقيقة أخرى وهي أن الأعراب في البوادي كانوا أقل تأثراً بالإسلام من أهل الحواضر، وذلك ناتج كما أشرنا من قبل إلى طبيعة حياة الأعراب. فقد أسلموا متأخرين ولم يواجهوا منذ البداية عبء الاتصال بقيم الإسلام ومُثُلِه التي أحدثها في نفوس أتباعه من الرعيل الأول. ولهذا لم يتمكنوا من فهم الإسلام وما حمله من مظاهر التغير في الطباع والأخلاق والسلوك والقيم الاجتماعية والروحية. كما أنهم لم يتعمقوا أسرار الدين وشرائعه كشعراء الحضر الذين آمنوا بالإسلام منذ البداية وشاركوا مشاركة مباشرة بنشر قيمه ومبادئه. وإذا كان شعراء الحضر من أمثال: حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك ممن عاشوا الجاهلية والإسلام واتصلوا بأحداثهما قد استطاعوا أن يلائموا بين ماضيهم وحاضرهم. ولم يكن إدراكهم لعصر الجاهلية ليحول بينهم وبين التكيف مع مظاهر التغيير التي حملها الإسلام، فقد أحسنوا التعبير عنه وعن قيمه وقضاياه، أما شعراء الأعراب من أمثال الحطيئة وابن مقبل وأضرابهما، فقد ظل شعرهم جاهلياً. ولم يكن إسلامهم ليغير كثيراً من طباعهم وأخلاقهم. وإذا كان ابن مقبل وغيره من شعراء الأعراب قد أخفقوا في مواجهة المتغيرات الجديدة التي جاء بها الإسلام , ولم يستطيعوا الوصول إلى معادلة جديدة ينفذون من خلالها إلى فهم المستجدات التي طرأت على حياة العرب بعد الإسلام، فهذه الظاهرة عند ابن مقبل يفسرها الدكتور عزة حسن بقوله: ((وليست حال ابن مقبل وجيله بدعة بين الحالات. فهذا الاضطراب والقلق والرجوع إلى القديم والحنين إليه شعور عام يشعر بن كل جيل اعتاد نمطاً من الحياة، وثبت عليه أمداً طويلاً، ثم اضطر أن يتخلى عنه دفعة واحدة، ويعتاد نمطاً آخر(2/390)
من الحياة يختلف عن حياته الأولى اختلافاً كبيراً. هذه حال الأجيال القديمة المولية التي يكتب عليها أن تعيش في عهود الثورات الكبرى. فهي لا تستطيع البقاء على القديم الذي اعتادته، وقد تغير من حولها كل شيء ولا تستطيع السير مع الجديد الذي طرأ عليها، وقد ارتبطت بالقديم ارتباطاً وثيقاً. فيضيع أفرادها بين عهدين، لا هم في القديم ولا هم في الجديد)) (17) .
وأعرابية ابن مقبل وجفاء طبعه، ظلت تلازمه حتى آخر حياته. فقد أدرك عصر الأمويين، ومع ذلك لا نجد له أخباراً تفيد بمشاركته في الأحداث السياسية الكبيرة التي حدثت في عصره، إلا قصيدتين واحدة قالها في رثاء عثمان رضي الله عنه تنادي بالأخذ بثأره (18) وأخرى تتصل بأحداث صفين (19) . وهذه القصيدة التي قالها في رثاء عثمان رضي الله عنه، دلل بها ابن رشيق على جفاء أعربية ابن مقبل (20) هذه القصيدة تدلنا على أن حياة ابن مقبل في الإسلام، امتدت فترة ليست بالقصيرة فقد أدرك زمن الأمويين، بيد أنه ظل بعيداً عن مسرح الأحداث الإسلامية الكبرى التي حدثت في أول الإسلام، وفي عهد الأمويين. فلم يُؤثر عنه أنه شارك في تلك الأحداث التي تعاقبت في تلك الفترة. وأخباره وأشعاره تخلو من أية إشارة إلى أي نوع من المشاركة إلا ما كان من تدخله كما قلنا بشعره في رثاء عثمان رضي الله عنه، فقد نادى بالأخذ بثأره وهدد بالانتقام من قتلته. وباستثناء هذه القصيدة فإن مجموع شعره الذي وصل إلينا لم يتأثر بالإسلام بخلاف قصيدته الأخرى التي سنتحدث عنها لاحقاً.(2/391)
وظلت موضوعاته تتصل بالأغراض التي ألفها شعراءُ الجاهلية المتبدون. لقد ظل ابن مقبل أعرابياً جافي الطبع، وظل شعره بعد إسلامه كما كان جاهلي الطابع. لم يتأثر بالإسلام، وفي الأخذ من تلك القيم والمثل السمحة التي جاء بها، وأبطل بها كثيراً من عادات الجاهلية وتقاليدها. إن هذه القصيدة هي الوحيدة من بين مجموع شعره التي عبرت عن روح الجماعة الإسلامية ووجدانها الجماعي. لقد أظهرت أن ابن مقبل وإن ارتبط بماضيه أكثر من ارتباطه بحاضره. فإن الإسلام قد مس قلبه ولم يظل بعيداً عن روحه وفكره. فقد استشعر بعض معانيه وتعاليمه على نحو قوله في رثاء عثمان رضي الله عنه (21) [الطويل]
فَغُودِرَ مقتولاً بغير جريِرةٍ
ألا حبَّذَا ذاك القتيلُ المَلحَّبُ
قتيُلُ سَعيدٌ مؤمُنُ شَقِيْت بِهِ
نفوسُ أعادِيهِ، شهيُدُ مطيَّبُ
نَعَاء عُرَى الإسلامِ والعدلِ بعدَهُ
نَعاءِ! لقد نابتْ على الناس نُوَّبُ
نَعَاءَ ابن عفَّاَن الإمِام لمجتَدٍ
إذا البرقُ للرَّاجِي سَنَا البرقُ خُلَّبُ
نَعَاءٍ لفضْل الحلم والحَزْمِ والندى
ومأوى اليتامى الغُبْرِ عَامُوا وأجْدَبوا
وحينما هدد قتله عثمان رضي الله عنه، توعدهم برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يتدارسون القرآن ويعملون بموجبه، ويعتزون بالدين ويموتون في سبيله. ويبدو ذلك واضحاً من قوله (22) :
وأشْمَطَ من طُولِ الجِهَادِ اسْتَخَفَّهُ
مَعَ المُرْد حتى رأسُهُ اليومَ أشْيَبُ
يُدَارِسُهُم أُمَّ الكِتابِ، ونفْسُهُ
تُنَازِعُهُ وُثْقَى الخِصَالِ، ويَنْصَبُ(2/392)
وإذا كان ابن مقبل، قد استظل بظل الإسلام، وروح الدين وأخلاقه وأهدافه، عند رثائه لعثمان رضي الله عنه. فإنه في القصيدة الأخرى التي قالها في وقعة صفين، لم يستطع أن يتخلص من مظاهر الجاهلية التي استأثرت بمعظم شعره. فقد مال إلى الشر، وأفحش في القول، واستخف بأخلاق الإسلام وأهدافه. وورد له في هذه القصيدة من المعاني المبتذلة ما يتنافى مع روح الإسلام وتعاليمه وذلك قوله (23) : [الطويل]
وجَاءتْ بِهِ حَيَّاكةٌ عَركِيةٌ
تَنَازَعَها في طُهْرِها رَجُلان
وأشعار ابن مقبل تُنْبئ أنه، وإن عاش في ظل الإسلام دهراً طويلاً، فإن إسلامه لم يحدث تحولاً كبيراً في حياته. لقد ظل قلبه معلقاً في الجاهلية، يحن إلى عاداتها وتقاليدها، ويجد فيها مثله الأعلى. ولذلك كان شعره صدى لتلك الحياة وترجمة لعواطفه وأهوائه، فقد غلبت على موضوعات شعره الروح الجاهلية، وظل شعره في مجمله جاهلي اللفظ والمعنى والغرض. لم يتأثر بالإسلام الذي غير مظاهر الحياة العربية جميعها، ومنها الشعر فحدد له قيماً، ورسم له أدواراً تتفق وتعاليمه. ولم يستطع ابن مقبل أن يعبر عن تلك القيم، أو أن يواجه تلك التحولات التي أفرزها الإسلام. وإذا كانت قصيدته في رثاء عثمان قد عبرت عن روح الجماعة الإسلامية وعواطفها، فإن باقي شعره يخلو من أي عاطفة دينية إلا فيما ندر. لقد كانت صلته بالحياة الإسلامية ضعيفة. ولهذا احتلت الموضوعات التي لها علاقة بالعقيدة مكاناً متواضعاً في شعره. فلم نقف له في ديوانه إلا على أبيات قليلة ضمنها قصيدتين له هما كل ما نعلم له، استوحى فيهما معنى إسلامياً هما قوله (24) : [الطويل]
وما الدَّهر إلا تَارتان، فمنهما
أموتُ، وأُخْرى أبْتَغِى العيشَ أكْدَحُ
وكلتاهما قد خُطَّ لي في صَحِيفتي
فَلَلْعَيشُ أشْهَى لي، وللمَوتُ أرْوَحُ
وقوله في قصدية أخرى (25)) [البسيط]
يا حُرَّ أمْسَيْتُ شَيْخاً قَدْ وَهَي بَصَرِي(2/393)
والتَاثُ ما دونَ يَوْمِ الوعْدِ من عُمُري
لَوْلا الحَيَاءُ ولَوْلا الدين عِبْتِكُمَا
بِبَعْضِ ما فِيكُما إذْ عِبْتُما عَوَري
أما بقية شعره على كثرته، فبحكم طبيعته التي عرف بها عند الرواة، انبرى يشيد فيه بمظاهر الحياة الجاهلية ولم يمنعه إسلامه من أن يضمنه مضامين جاهلية يأباها الإسلام. لقد ظل قلبه بعد إسلامه معلقا بزوجه الدهماء التي ورث نكاحها عن أبيه في الجاهلية، ففرق الإسلام بينهما، وظل شعره يحتفى بنزعات جاهلية أبطلها الإسلام. يعبر عن هذه النزعة الجاهلية، التي لم تتأثر كثيراً بالدين ويجليها قوله (26) : [البسيط]
هَلْ عَاشِقٌ نالَ مِنْ دَهْماءَ حاجَتَهُ
في الجاهِلِيةِ قبْلَ الدين مَرْحُومٌ
إنْ ينقُصِ الدهرُ مِني فالْفَتَى غَرَضٌ
لِلدهْرِ، من عوْدِهِ وافٍ ومَثْلُومُ
وإنْ يَكُنْ ذَاك مِقْداراً أُصِبْتُ بِهِ
فسيرَةُ الدهرِ تَعْوِيجٌ وتَقْويمٌ
ما أطْيَبَ العيشَ لوْ أنَّ الفتى حَجَرٌ
تَنْبُو الحوادِثُ عنْهُ وهو مَلْمُومُ
لا يُحْرِزُ المرءَ أنْصَارٌ ورابِيَةٌ
تَأْبَى الهوانَ إذا عُدّ الجراثِيمُ
لا تْمَتَعُ المرءَ أحجاءُ البلادِ، ولا
تُبْنىَ لَهُ في السَّموات السلالِيمُ
ومن شعراء الأعراب المخضرمين الموصوفين بقلة عواطفهم الدينية الحطيئة وهو من فحول الشعراء ومتقدميهم وفصحائهم (27) عمر دهراً في الجاهلية (28) وعاصر ظهور الإسلام وما رافقه من تحولات قلبت وجه الحياة. وأدرك عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ويظن أن توفى في زمن سعيد بن العاص في ولايته لمعاوية على المدينة (49-55هـ) (29) .
ويختلف الرواة في زمن إسلامه فيرى ابن قتيبة أنه لم يسلم إلا بعد وفاة النبي (، لأنه لم يسمع له بذكر فيمن وفد عليه من وفود العرب (30) .(2/394)
ويرى المستشرق أجنتس جولد تسهير ((أن هذه الحجة غير مقنعة، لأن الحطيئة لم يكن رفيع المكانة في قبيلته حتى يكون بين الممثلين لها في الوفد الذي أرسلته إلى النبي محمد (والأخبار الخاصة بوفود القبائل تدل على أن أكبر أعيان القبيلة هم الذين كانوا يؤلفون الوفد (31) .
ويرى ابن حجر وغيره أنه أسلم في عهد النبي (ثم ارتد، ثم أسر وعاد إلى الإسلام (32) ويتحدثون عن أخلاقه فيجمعون على القول أنه كان ذا شر وسفه (33) ويصفه ابن قتيبة بأنه كان رقيق الإسلام (34) ويتهمه الأصمعي وينفرد بالقول بأنه ((كان كثير الشر، قليل الخير، فاسد الدين)) (35) .
ويرى عدد من الدارسين المحدثين أن الرواة القدامى، قد تحاملوا على الحطيئة وبالغوا في اتهامه، وصوروه بصورة بشعة جعلت الناس ينفرون منه ويخشونه (36) وإذا كان المؤرخون القدامى قد رسموا صورة شريرة للحطيئة، فإن بعض الدارسين المحدثين قد عنوا بدراسة الأسباب التي أثرت في سلوكه وشخصيته. ويتفقون على أن نشأته المتواضعة وفقره وتدافع نسبه بين القبائل، ودمامته وقبحه، كل ذلك جعله يشعر بالنقص الذي لازمه، ويقف موقف العداء ممن حوله.(2/395)
ويتفق الدكتور شوقي ضيف مع الدكتور طه حسين على الأسباب التي أثرت في سلوك الحطيئة ويختلفون على زمن المدة التي حدث فيها اضطرابه وقلقه. فشوقي ضيف يرى أن قلق الحطيئة وغربته واضطرابه حدثت له في أول حياته، في العصر الجاهلي يقول في ذلك ((ولقب بالحطيئة لقصره أو لدمامته، وقد ولد لأمه تسمى الضراء، كانت لأوس ابن مالك العبسي. ونشأ في حجره مغموزاً في نسبه، وجعله ذلك قلقاً مضطرباً منذ أخذ يحس الحياة من حوله، وزاد في اضطرابه وقلقه ضعف جسمه وقبح وجهه. إذ كانت تقتحمه العيون، ولم يكن فيه فضل شجاعة يستطيع أن يتلافى به هوان شأنه في “ عبس ” على نحو ما صنع عنترة من قبله. ومن ثم نشأ يشعر بغير قليل من المرارة، ولعل هذا هو السبب في غلبة الهجاء عليه)) (37) .(2/396)
أما الدكتور طه حسين فيرى أن اضطراب نفس الحطيئة وغربته إنما حدث له في الإسلام لا في العصر الجاهلي ويعلل ذلك بقوله ((يأس الحطيئة وحزنه لم يكونا فيما أرى مقصورين على حياته المادية، بل كانا يأتيانه من ناحتين أخريين: كانا يأتيانه من دخيلة نفسه التي لم تطمئن إلى الدين الجديد، ولم تؤمن به فيما يظهر إلا تكلفاً ورياء، واتقاء للسيف الذي لم يكن للعربي إلا أن يختار بينه وبين الإسلام، فنفس الحطيئة لم تكن ساخطة على حياته المادية وحدها، بل كانت ساخطة على حياته المعنوية أيضاً، كانت ساخطة على هذه الحياة التي حالت بين عواطفه الجاهلية، وبين أن تظهر وتنمو وتؤتي ثمرها كما يجب أن تؤتيه، وتذوق لذات الحياة وآلامها كما كان يحب أن يذوقها. والناحية الأخرى هي ناحية جسمه، فقد كان الحطيئة قصيراً جداً، قريبا من الأرض، ولهذا سمي الحطئية كما يقول الرواة، وكان دميماً قبيح المنظر مشوه الخلق لا تأخذه العين، ولا تطمئن إليه، فكان منظره بشعاً، وكان من غير شك يحس اقتحام الأعين له ونبوها عنه، فيسوءه ذلك ويؤذيه، أضف إلى هذا كله أنه لم يكن مستقر النسب، وإنما كان مدخولاً مضطرباً، ينتسب هنا وينتسب هناك، وكان العرب يعرفون منه ذلك ويذكرونه به، ويزدرونه من أجله، فكان الحطيئة مهاجماً من جميع نواحيه، مضطراً إلى أن يدافع عن نفسه من جميع نواحيه أيضاً، كان سيىء الدين، فكان محتاجاً إلى أن يتقى عواقب سوء الدين، كان سيئ الحال، فكان محتاجاً إلى أن يرد عن نفسه عوادي الفقر والبؤس والإعدام. كان مشوه الخلق، فكان مضطراً إلى أن يحمي نفسه من السخرية والاستهزاء، وكان كل شيء يقوي في نفسه سوء الظن بالناس، وقبح الرأي فيهم، وكان ابتلاؤه للناس يزيده إسراعاً إلى ذلك وإمعاناً فيه، فأصبح الحطيئة شيئاً مخوفاً مهيباً يكره منظره، ويتقي لسانه، ويشتري الأعراض منه بالأموال … كان الحطيئة بائساً شقياً، غريباً في(2/397)
هذا الطور الجديد من أطوار الحياة العربية، كأنما ارتحل العصر الجاهلي ونسيه وحيداً في العصر الإسلامي، فهو ضائع الرشد، ضائع الصواب، قد فقد محوره إن صح هذا التعبير. ولي على هذا دليلان. أحدهما: أن أكثر ما يروى عن الحطيئة من النوادر وغريب الأحاديث إنما يروى عنه في الإسلام لا في العصر الجاهلي، فما بقي لنا من أخباره في العصر الجاهلي لا يصوره شاذاً ولا غريباً ولا مضطرب النفس، إنما اضطربت نفسه في الإسلام، لأن سماحة هذا الدين لم تمس قلبه الجاهلي العريق في جاهليته. والآخر أن أكثر ما يروى من النوادر عن الحطيئة، لو حاولنا تاريخه، يكاد يرجع إلى أيام عمر وأوائل أيام عثمان، أي إلى هذا العصر الإسلامي الخالص الذي سيطر النظام الإسلامي الدقيق فيه على حياة العرب من جميع وجوهها. فلما تقدمت أيام عثمان، وأقبلت أيام معاوية وظهر من سادة قريش وشبابها من عادوا إلى شيء من حياة فيها غير قليل من بقايا الحياة الجاهلية، اطمأنت نفس الحطيئة بعض الشيء، ولعلها ابتسمت للحياة قليلاً، فقد اتصل الحطيئة بالوليد بن عقبة بن أبي معيط عامل عثمان على الكوفة، وكان الوليد سيداً من سادات قريش، لم تكد الفرصة تمكنه حتى استأنف حياة أقل ما توصف به أنها لم ترض المسلمين، وأنها حملت عثمان على عزله عن الكوفة، بل على أن يقيم عليه حد الشراب، فيما تحدث الرواة)) (38) .
لقد أجمع الرواة على وصف الحطيئة بأن كان رقيق الإسلام، وربما لحقته هذه التهمة لأسباب من أهمها:
شعره في الردة، فتنسب إليه أبيات يحرض فيها قبائل العرب على قتال المسلمين. كما يهزأ فيها من خلافة أبي بكر، ويهجو القبائل التي تمسكت بإسلامها (39) .
مدحه لخارجة بن حصن وقومه حينما ارتدوا عن الإسلام، ومنعوا الزكاة وقاتلوا المسلمين (40) .
حنينه إلى الجاهلية ويظهر ذلك جلياً في مديحه لشبث بن حَوْط (41) .(2/398)
غلبة شعر الهجاء عليه، ولشدة وقع هجائه كان يخشاه الناس. كما أن معظم شعره يعكس صورة الأخلاق والعادات والتقاليد الجاهلية (42) .
مجون الحطيئة ويعبر عن ذلك سخريته واستخفافه بشرائع الإسلام وأوامره. ويعكس ذلك شعره في حادثة سكر الوليد بن عقبة، ووصيته إن صحت، فقد أوصى بماله للذكور دون الإناث ! فقالوا له: إن الله لم يأمر بهذا! فقال: لكني آمر به. ومع أننا لا نستبعد أن الرواة قد تصرفوا وزادوا في هذه الرواية، إلا أن أصلها يظل شاهداً على استهتار الحطيئة ومجونه (43) .
ولا تختلف نظرة الدارسين المحدثين عن نظرة القدامى، فالكل يصف الحطيئة بضعف العقيدة ورقة الإسلام. فطه حسين يرى أن الحطيئة ((اتخذ لنفسه من الإسلام رداء، لم يشك الرواة في أنه كان رقيقاً جداً يشف عما تحته من حب الجاهلية وإيثارها والحزن الشديد عليها)) (44) .
ويلخص درويش الجندي موقف شعراء البادية من الدعوة الإسلامية فيقول:
((كانوا يقفون موقف الحياد والتربص، وكانوا يخشون انتصار هذه الدعوة التي تعمل على دك الصروح الجاهلية وتغيير قيمها ومثلها التي كانوا يعيشون في ظلالها بالتكسب بالشعر مدحاً وهجاء، وليس ذلك من وسائل الكسب المشروع في الإسلام، فلما كان ما يخشون من انتصار هذه الدعوة اضطروا إلى الدخول فيما دخل فيه الناس من دعوة الإسلام، ومنهم من اطمأن قلبه بالإيمان ككعب بن زهير، ومنهم من كان ضعيف العقيدة رقيق الدين كالحطيئة الذي ما كادت حروب الردة تشعل نيرانها حتى خلع ربقة الدين معاديا للإسلام بقلبه ولسانه، فلما استقرت الدعوة من جديد دخل في الإسلام مرة أخرى وحاول في ظلال الإسلام أن يسلك وسيلته الجاهلية في العيش، فتقلبت به الأحوال بين النجاح والإخفاق)) (45) .
ويشير الدكتور الجبوري إلى المعاني الإسلامية في شعر الحطيئة، فيرى أنها لا تعني أن الحطيئة كان ذا حظ من الدين والورع (46) .(2/399)
ويجمع عدد من المستشرقين على أن الحطيئة وإن أقلع عن الردة وعاد إلى الإسلام، فقد ظل رقيق الدين. ويتفقون على أن حياته زينها مؤرخو الأدب بنوادر مختلفة تصور أنه ساخر ماجن، ومسلم رقيق الدين (47) .
ويرى شوقي ضيف أن الرواة بالغوا في اتهام الحطيئة بفساد الدين، قد يكون رقيقه، ولكنه ليس فاسده، فقد كان يستشعره في الهجاء بشهادة لسانه، فحينما عرض للزبرقان لم يقذع في هجائه بل مَسَّه برفق وعمد إلى التهكم والسخرية بمثل قوله يخاطبه: [البسيط]
دَعِ المكَارِمَ لا تَرْحَلْ لبُغْيَتِها
واقعُدْ فإنَّكَ أنت الطَّاعِمُ الكَاسِي
ويعقب شوقي ضيف على ذلك بقوله ((ولا شك في أن الإسلام هو الذي خفف من حدة لسانه)) ومعنى ذلك أن الإسلام لم يظل بعيداً عن روح الحطيئة، بل أخذ يرسل فيها مثل هذه الإشاعات النيرة (48) .
وعلى أن الرواة أجمعوا على وصف الحطيئة بأنه كان رقيق الدين، فإن الدارسين يكادون يجمعون على أن ما وصلنا من أخباره قد زاد فيها الرواة وتوسعوا. وربما كان لتلك الأخبار التي صاحبت ولادته ونشأته، أثر في تلك الأحكام التي أطلقت عليه، فنسبه متدافع بين قبائل العرب، وصفه الأصمعي فقال: بأنه مغموز النسب (49) وقال عنه ابن الكلبي ((كان الحطيئة مغموز النسب وكان من أولاد الزنا الذين شرفوا (50) وقد كان الحطيئة يشعر بتلك العقدة، فقد زعم الجاحظ أن الحطيئة لقي الزبرقان بن بدر، فسأله من أنت؟ قال: أنا أبو مليكة، أنا حسب موضوع (51) !(2/400)
وتزامنت شهرة الحطيئة مع ظهور الإسلام، ولم تكن له به قدم راسخة، فقد اتصل بالحياة الإسلامية متأخراً، وكان أثر الدين في شعره خافتاً ضعيفاً، وامتدت به الحياة إلى عصر الراشدين، وظل ينظم شعره كما كان أسلافه يفعلون في الجاهلية يمدح السادات ويهجوهم، ويثير العداوات والنعرات وكان حريصاً على العادات الجاهلية ولم يلتزم بالعادات الإسلامية التي كان الخلفاء يحرصون على غرسها في نفوس الشعراء. ولعل هذا كان من أقوى الأسباب التي جعلت الإخباريين يضيفون إليه أخباراً فيها قدر كبير من المبالغة والتزيد، ويتناقلونها دون تمحيص. لهذا يبدو أن الحطيئة كان ضحية لتلك الروايات التي جعلت منه إنساناً شريراً يخشاه الناس ويتقون شره.
وعلى الرغم من كل تلك الروايات التي تتهم الحطيئة برقة الدين، ولؤم الطبع، والبخل، ودناءة النفس. نقف له على شعر يكشف فيه عن نفس تواقة إلى التوبة، لا ترى السعادة بجمع المال ومتاع الدنيا، إنما السعادة الحقيقية في التقوى والعمل الصالح (52) كما أن من يطالع شعره يقف له على أبيات تصوره إنساناً رقيق القلب عطوفاً على امرأته وبنيه وبناته (53) كما أن هذا الشاعر الذي غلب عليه الهجاء، كان فيه على الرغم من كل ما يروى عنه نوازع كريمة. فقد كان يثني على من يحسن إليه، ويعترف بفضله ولا ينكره، ولهذا امتنع عن هجاء أوس بن حارثة الطائي حينما دعي إلى ذلك (54) . هذه الصور عن شخصية الحطيئة والتي لا تخلو من الملامح المتناقضة، تدفعنا إلى تصحيح تلك الأحكام التي أطلقت عليه وتجعلنا نحذر الانسياق وراء الأخبار التي حشدها الرواة وتناقلوها عن أخلاقه وطباعه.(2/401)
وفي عصر الراشدين حال الخلفاء بين الشعراء وبين نزعاتهم وأهوائهم. فقد وجهوا الشعر وجعلوه في خدمة الدعوة وعارضوا أي شعر فيه خروج على فرائض الدين وشرائعه. وتكاد الروايات تجمع على أن الخلفاء لم يتسامحوا مع الشعراء الذين حاولوا الخروج على تعاليم الإسلام، فقد تعقبوهم وحاسبوهم، وضربوا على أيدي العابثين منهم، وألزموهم سلوك جادة الصواب والحق، نفروهم من فاحش القول ومن رفثه، ومن شعر الهجاء والتشبيب، وقد بلغ الأمر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عزل عامله على ميسان النعمان ابن عدي لأبيات قالها ذكر فيها الخمرة ووصف فيها مجالس اللهو والطرب (55) وتقدم إلى الشعراء بأن لا يُشَبب رجل بامرة إلا جُلِدَ (56) وأنكر على عبد بني الحسحاس صراحته في غزله ومجاهرته بالحب الجسدي مما ينافي الحياء العام وقال له: حينما سمعه ينشد بعض شعره ((إنك ويلك مقتول)) (57) وغَّرب أبا محجن لأنه جاهر بشرب الخمرة على الرغم من شعوره بالإثم في تعاطيها (58) وسجن الحطيئة لهجائه على الرغم من أن الحطيئة لم يقذع في هجاء الزبرقان، بل مسه برفق وعمد إلى التهكم والسخرية حينما قصر به عن بلوغ بعض المكرمات (59) وأنَّب حسان بن ثابت رضي الله عنه ووبخه حينما سمعه ينشد في مسجد رسول الله (ما كان يقول أيام الصراع بين المسلمين والمشركين (60) ، كما نهى أن ينشد الناس شيئاً من مناقضة الأنصار ومشركي قريش، وقال: في ذلك شتم الحي والميت، وتجديد الضغائن، وقد هدم الله أمر الجاهلية بما جاء من الإسلام (61) .(2/402)
كان عمر رضي الله عنه حريصاً على الآداب الإسلامية، كارهاً لكل تقاليد الجاهلية، ولهذا ضَيَّق على الشاعر غير الملتزم بعض وجوه القول، فمنع نعت الخمر، ورفث القول والإقذاع في الهجاء، ونحو ذلك من الأغراض الشعرية التي لا تلتزم بالمثالية الخلقية للإسلام. لقد بدل الإسلام الحياة العربية وصاغها وفق مبادئه وتعاليمه. وقد أراد عمر من الشعر أن يكون صورة الحياة الإسلامية وتعبيراً عنها. وقد حاول شعراء صدر الإسلام الإفادة من فنهم الشعري لتحقيق هذه الغاية النبيلة. ولم يخرج عن هذا الإجماع إلا فئة قليلة من شعراء الأعراب، تمردوا على القيم والالتزام بأوامر الدين وفرائضه. وكان من أشهرهم شاعران عرفا عند الرواة بفحشهما وسوء أخلاقهما. والشاعران هما النجاشي الحارثي (قيس بن عمرو بن مالك) وضابئ بن الحارث بن أرطاة بن شهاب، من البراجم.(2/403)
وقد شاع بين الرواة أن النجاشي كان فاسقاً رقيق الإسلام (62) أما أشعاره التي وصلتنا فإنها على قلتها تبرز سوء أخلاقه وطباعه، إذ تصوره قبيحاً فاحشاً يميل إلى الطيش والسفه، يهتك الحرمات، ويتمرد على القيم، ولا يبالي بمُثُل أو أعراف وكانت فوق ذلك تعبيراً عن سلوك تجاوز كل الحدود التي رسمها الإسلام من قَبْلُ للشعراء، وبدا هذا السلوك في مظاهر مختلفات: إجماع الرواة على ذلك الخبر الذي تواترت روايته في أمهات المصادر. فقد روي أنه شرب الخمر في رمضان فأقيم عليه الحد، وجلده علي رضي الله عنه مائة سوط (63) . إجماع الرواة هذا يثبت الخبر ويؤكد صحته. وفي طبيعة شعره، فقد اشتهر بالهجاء في عصر يعتبر فيه الهجاء جريمة يعاقب عليها فاعلها، ويبدو شره وسفهه في هجائه لأهل الكوفة (64) وفي هجائه لبني العجلان الذين عرفوا بتعجيل قرى أضيافهم، إلى أن هجاهم به النجاشي، فضجروا منه وسُبوا به واستعدوا عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسجنه، وقيل إنه حده (65) . واشتهر النجاشي بهجائه لتميم بن أبيّ بن مقبل (66) وعبد الرحمن بن حسان ابن ثابت (67) وقريشٍ (68) ومعاوية رضي الله عنه (69) .
لقد جانب النجاشي في شعره الحياة العامة للمسلمين فجاهر بشرب الخمر في عصر لم تعد فيه المجاهرة بذلك مقبولة، وانصرف إلى الهجاء، وأحيا، رغم إسلامه، روح الجاهلية ورواسبها. وقد عكست المقطوعات الشعرية التي احتفظت بها المصادر قبح هجائه وفحشه، كما صورت رقة دينه وفساد أخلاقه، وسوء علاقته بالآخرين، وكانت امتداداً لصورة الهجاء القديم أو بعثاً لها. لقد استعاد الهجاء أنفاسه على يد النجاشي، وتحول إلى سباب وبذاءة يبلغان حد الإقذاع، ومن ذلك هجاؤه أهل الكوفة: [البسيط]
إذَا سَقَى الله أرْضاً صَوْبَ غادِيَةٍ
فلا سَقَى الله أرض الكُوفَةِ المَطَرَا
التَّارِكين على طُهْرٍ نساءَهُم
والناكِحين بِشَطَّي دِجْلَةَ البَقَرَا(2/404)
والسارِقين إذا ما جَنَّ ليلُهُم
والطَّالِبِين إذا ما أصْبَحوا السُوَرَا
لقد حبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه النجاشي لهجائه لبني الحارث، وهدده بقطع لسانه إن عاد مرة أخرى للهجاء. إن النجاشي في هجائه بني العجلان لم يعمد إلى سباب أو شتم، بل حط من قدرهم وسخر منهم، ووصفهم بقلة الخير والخساسة واعتمد في ذلك على التصوير الحسي القائم على دلالة أخلاقية اجتماعية. [الطويل]
إذَا الله عادَى أهْلَ لُؤْمٍ ودِقَةٍ
فعَادى بَنِي العَجْلان رهْطَ ابن مُقْبِل
قُبَيلَةٌ لا يَغْدِرُون بِذِمَّةٍ
ولا يَظْلِمُون الناسَ حَبَّةَ خرْدَلٍ
ولا يَرِدون الماءَ إلا عَشِيةً
إذَا صَدَرَ الوُرادُ عن كُل مَنْهلٍ
تَعَافُ الكِلابُ الضَّارياتُ لُحُومَهُم
وتأكُلُ مِنْ كَعْبٍ وعوْفٍ ونَهْشَلِ
وما سُمِّي العجْلانَ إلا لقولِهِم
خُذِ القَعْبَ، فاحْطُبْ أيُها العبدُ واعْجَلِ
لقد وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقفا حازماً من كل شعر يمكن أن ينبش أحقاداً مضت، أو يؤجج عداوات تثير العداء والبغضاء، وتسهم في إعادة الروح الجاهلية أو ترسخ عاداتها وتقاليدها. ولقد أخذ بالعقاب كل شاعر حاول أن يصرف الشعر عن موضوعاته التي تتصل بالحياة الإسلامية، ويعود به إلى بعض وظائفه الجاهلية التي يأباها الإسلام كالهجاء المقذع والغزل الفاحش المبتذل والمنافرات القبلية. وأمام خروج بعض الشعراء عن الإطار الخلقي الذي رسمه الإسلام حاول عمر رضي الله عنه أن يصل بالشعر إلى معادلة جديدة تربط الشعر بالحياة الإسلامية، وتحول بين الشعراء وبين الانعتاق من أوامر الشريعة وفرائضها، أو الاندفاع مع رغبات النفوس وأهوائها.(2/405)
ومن شعراء الأعراب الذي وصفوا بالفحش وسوء الخلق: ضابئ بن الحارث بن أرطاة، من بني غالب بن حنظلة التميمي البرجمي. وصفه ابن سلام فقال: ((وكان ضابئ ابن الحارث رجلا بذيا كثير الشر)) (70) . وقال عنه المبرد: ((وكان فاحشاً)) (71) وحينما سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه شعره في أم ولد عبد الله بن هوذة قال ((ما أعلم في العرب رجلا أفحش ولا ألأم منك، وإني لأظن رسول الله (لو كان حياً لنزل فيك قرآن:)) (72) وساق ابن سلام وغيره من الرواة خبر حبس عثمان له لبعض جناياته ومنها (73) :
- وطئ صبياً بدابته فقتله، فرفع إلى عثمان بن عفان فاعتذر بضعف بصره.
- استعار كلب صيد من قوم من بني نهشل يقال له قرحان، فحبسه حولاً، ثم جاءوا يطلبونه وألحوا عليه حتى أخذوه فرمى أمهم به.
- اضطغن علي عثمان ما فعل به، فلما دعي ليُؤَدّبَ شد سكيناً في ساقه ليقتل بها عثمان فعثر عليه فأحسن أدبه.
وتحتفظ أمهات المصادر العربية بقدر يسير من شعر ضابئ، وهذا القدر على قلته يكفي للتدليل على صحة ما ذهب إليه الرواة. ففي بعض أبياته نقف له على معان ساقطة الفحش والإقذاع فيهما ظاهران يغنيان عن أقاويل الرواة ويكشفان عن نفس شريرة لا تتورع عن القذف والبهتان. ولعل أظهر ما يوضح أخلاق ضابئ وسوء طباعه وإسرافه في البغي والعدوان هجاؤه لأم ولد عبد الله بن هوذة. فقد أبرزت الأبيات استخفافه بالقيم الأخلاقية، والمثل العربية واندفاعه وراء السفه والبغي. والإسلام الذي أمر أتباعه بالتحلي بالأخلاق الفاضلة التي تقوم على نبذ الفواحش ما ظهر منها وما بطن، حرم الهجاء وذم الفحش. ويبدو أن رقة دين ضابئ دفعته إلى السقوط والإفحاش على هذه الشاكلة التي لا نرى أمثلة لها حتى في الشعر الجاهلي، حينما كان الشعراء يرمزون إلى ما يريدون ولا يصرحون بالمعنى الفاحش كما هو ظاهر في أبيات ضابئ (74) . [الطويل]
فأُمُكُمُ لا تُسْلِموها لِكَلْبِكُمْ(2/406)
فإنّ عُقوقَ الأمَهاتِ كَبِيرُ
وإنّكَ كلْبٌ قد ضَرِيتَ بما تَرى
سَمِيِعٌ بِمَا فَوْقَ الفِرَاشِ بَصيرُ
إذَا عثّنَتْ من آخر الليل دُخْنَةً
يَبِيتُ لها فوقَ الفِرَاشِ هَرِيرُ
إن هذا الشعر والنماذج الأخرى التي سقطت إلينا من شعر ضابئ بعيدة كل البعد عن فكر الإسلام وتصوره لطبيعة الشعر. فالإسلام الذي كان يستهدف الغاية الأخلاقية هذب أخلاق أتباعه، وأمرهم بالصدق في القول والعمل، وحذرهم من كل صنوف البغي، وقرن شرف المعنى في الشعر بالبعد الأخلاقي حتى في موضوع الهجاء. فالرسول (حينما دعا حسان بن ثابت لهجاء قريش أمره أن يلقى أبا بكر ((يعلمه هنات القوم)) (75) وقد جاء ذلك كله بأداء تعبيري يغلب عليه نقاء الألفاظ وعفة المعاني. وحينما تفرد حسان رضي الله عنه من بين شعراء المسلمين وأقذع في هجاء أعداء الإسلام، وعرض للعورات، وكشف السوءات كان أشد الناس بعداً عن التهافت والسقوط التي وصل إليها ضابئ في هجاء أم ولد عبد الله بن هوذة.
هذا الجانب الفاحش الذي ورد في شعر ضابئ أو في شعر النجاشي عندما هجا أهل الكوفة، يعدان أمراً غريباً في ظل الإسلام وفي صدره الأول بالذات. ولعل تسامح عثمان رضي الله عنه، ولينه الذي اشتهر به شجع بعض شعراء الأعراب الذين عرفوا بضمور الوازع الديني على مثل هذا اللون من الهجاء الذي تنكره الأخلاق الفاضلة والتعاليم الدينية. إن تمزيق الأعراض وهتك الحرمات على هذه الشاكلة التي وردت في شعر ضابئ وفي شعر النجاشي أيضاً ما كان لهما أن يظهرا بهذه الصورة الجريئة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لقد ظل التلازم قائماً بين وظيفة الأدب والشخصية الإسلامية في عصر عمر.(2/407)
والملامح التي أبرزتها أخبار ضابئ وأشعاره تؤكد أن تعاليم الإسلام لم تتمكن من نفسه. وأنه ظل متأرجحاً بين عادات الجاهلية وتقاليدها وبين تعاليم الإسلام وأوامره ونواهيه. لقد كان شديد الصلة بالأخلاق الجاهلية، بعيداً عن المثالية الإسلامية والخلق الإسلامي. وكان مجافياً للإسلام، يبكي الجاهلية ويحن إلى تقاليدها وأخلاقها، ويرى نفسه غريباً عن المجتمع الذي يعيش فيه. يقول في هذا المعنى (76) . [الطويل]
فَمَنْ يَكُ أمْسَى بالمدينَةِ رَحْلُةُ
فإني وقّيار بِها لغَريبُ
وفي بعض أشعاره التي سقطت إلينا من شعره يتبدى لنا ضابئ أعرابياً يميل إلى التهور والطيش والاستخفاف، فهو يستهين بالخلافة ويضطغن على الخليفة عثمان رضي الله عنه ويهم بقتله، يقول في هذا المعنى (77) : [الطويل]
همَمْتُ ولم أفْعَلْ وكِدْتُ ولَيْتَنى
تركْتُ على عثمانَ تَبْكِي حلائِلُه(2/408)
إن في القليل من الشواهد التي عرضنا لها من أخباره وأشعاره ما يكفي للتدليل على استخفافه بالإسلام وأهله. لقد ظل ضابئ متأرجحاً بين القيم الروحية التي تميلها عليه عقيدته وبيئته الإسلامية، وبين طباعه وأخلاقه التي جبل عليها. فهو في أخباره وأشعاره أقرب إلى الجاهلية وأخلاقها منه إلى الإسلام ونقائه وصفائه. وحينما نحاول أن نعلل ضعف الوازع الديني عند ضابئ وغيره من شعراء البادية لا نجد ما نسوغ به ذلك إلا شدة تمسكهم بأخلاقهم وطباعهم الجاهلية. فهم يقدسونها ويندفعون مع رغباتهم وأهواء نفوسهم غير مبالين بالدين وفرائضه، وذلك لجهلهم بالإسلام، وأنهم لا يعرفون حدوده، ولم يقفوا على حقائق العقيدة وأصول الشريعة، فغابت عن أكثرهم معالم الدين وحكمه ومراميه. وانساقوا وراء عادات الجاهلية وتقاليدها، وشغلوا أنفسهم بحياتهم الخاصة وابتعدوا عن جوهر الإسلام، وشرف غاياته ونبل مقاصده. فهذا ضابئ يتحلل من واجبات الإسلام ويخالف ما تفرضه العقيدة والمثل العربية والأخلاق الاجتماعية. فينتهك حرمات الأنفس والعورات، ويقذف المحصنات ويهتك أعراضهن ويهم بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، مستهيناً بسلطان المسلمين ونقمتهم وغضبهم.(2/409)
ومن خلال العرض السابق لسيرة الشعراء الستة الذين تقدم ذكرهم، تبين لنا وجود عناصر غريبة في سلوكهم تتعارض مع سماحة الإسلام وقيمه. فهم جميعا أدركوا الجاهلية وعاشوا بها ردحاً من الزمن، وامتد بهم الأجل طويلاً في الإسلام حتى أدركوا زمن الأمويين.وكان عليهم أن يلائموا بين حياتهم السابقة وبين ما حدث من تحولات جسيمة في المجتمع العربي بعد ظهور الإسلام. ومع ذلك لم تبرأ نفوسهم من ظلال الجاهلية، ولم تبدل الدعوة الكثير من المفاهيم التي توارثوها فظل ذلك يعيش معهم في حياتهم الجديدة في الإسلام. ومعنى هذا أن إسلامهم لم يعدل من مواقفهم الفردية، ولذلك لم يستطيعوا أن يتقيدوا بحدوده، أو أن يمتثلوا لأوامره ونواهيه. فهم كما يبدو قد طبعوا على الشر وكلفوا به وانصرفوا إليه وقد وجدوا في الشعر متنفساً لهم يعبرون فيه عن غربتهم في الإسلام، وسخطهم على قيمه وتعاليمه.
وخلاصة القول فإن أبا الطمحان القيني جمع إلى لصوصيته المجون والفسق. وإذا كان قد أقلع عن اللصوصية في الإسلام لكبر سنه. فإن حياته في ظل الإسلام لم تخل من لهو وعبث يصل أحياناً إلى حد الخلاعة والمجون. وإذا كانت ليلة الدير، كما ذكر، هي أدنى ذنوبه فكيف يمكن أن نتصور أقصاها وأكثرها سوءاً. إن هذا الخبر الذي تواترت روايته يمثل تطرف أبي الطمحان في الإسلام وإيثاره لحياة اللصوصية. والتمرد على القيم والأخلاق والأعراف كما أن شعره على قلة ما وصل إلينا منه يعبر عن نوازع قلقه وغربته عن المجتمع الذي يعيش فيه وحنينه إلى مظاهر حياته في الجاهلية.
أما شبيل بن ورقاء فقد ضاق صدره بالإسلام ولذلك أنكر على ابنته حينما أمرته بالصوم في شهر رمضان.(2/410)
أما ابن مقبل فلم يتعمق الإسلام نفسه ربما الجاهلة ولذلك لم يجد حرجاً في أن يوجه شعره في الإسلام ليمجد به عادات الجاهلية وتقاليدها ويجعلها دائماً حاضرة في ذهنه. ولا يهتم بالإسلام ويتحدث عنه إلا فيما ندر. وقد وجد في البادية ملجأ يلوذ به، ويفلت به من أعين الرقباء.
وإذا تجاوزنا هؤلاء الشعراء إلى الأسماء الأخرى نجد أن الحطيئة قد ارتد بعد إسلامه وشارك بشعره في حركة الردة وأعان به المرتدين ضد أبي بكر رضي الله عنه، ثم أدركته التوبة مرة أخرى. ومع ذلك ظل حتى آخر حياته موثراً لحياة الجاهلية، ونافراً من الحياة الإسلامية. واللحظات الأخيرة في حياته تصور مجونه واستهتاره، وتظهره رجلاً رقيق الدين. يسخر وهو على فراش الموت من فرائض الدين، ولا يعتد بما أمر الله به. وتدل كل إجابة في وصيته – إن صحت نسبتها إليه – على معنى مخالف للإسلام. فوصيته بماله للذكور دون الإناث تخالف صريح ما نصت عليه آية الميراث في سورة النساء (78) وحينما راجعوه وقالوا له: إن الله لم يأمر بهذا! أجاب لكني آمر به (79) وإلى جانب ذلك ظل الحطيئة حتى آخر حياته كلفاً بالشر، فقد تغير كل شيء من حوله في ظل الإسلام إلا نفسه، فقد نفرت من الحياة الإسلامية وآثرت عليها حياة الجاهلية لما فيها من لهو وحرية. ولهذا لم يجد حرجاً من مخالفته لأوامر الدين، وعدم التزامه بأحكامه وتعاليمه. وتطورت الأحداث السياسية منذ مقتل عثمان رضي الله عنه، ووجد بعض الشعراء متنفساً لهم في تلك الفتنة التي مرت بالجماعة الإسلامية، فانحرفوا عن جادة الدين والخلق. فالنجاشي الحارثي لا يلقى بالاً بحد من حدود الله، ولا يشعر بذنب أو خطيئة وهو يقبل على الخمرة ويحتسيها في رمضان. بل يمضي في تهتكه واستهتاره بالإسلام وقيمه. ويمثل في شعره سقوطاً آخر، يتجاوز فيه كل الحدود التي رسمها الإسلام للشعر. فالهجاء الذي كان يلقى معارضة شديدة من الخلفاء لأسباب دينيه،(2/411)
يجد فيه قيس بن عمرو متنفساً له يخص به أتقياء الكوفة وقراءها. ويصور ذلك في هجاء مقذع يحتقر فيه أولئك الذين كانوا يكثرون من الصوم والصلاة وقراءة القرآن.
أما ضابئ بن الحارث البرجمي، فقد قاده فحشه وشره إلى السجن وإقامة الحد، ثم انتهى به أخيراً إلى القتل.
وهكذا تبين لنا من سيرة هؤلاء الشعراء الذين تقدم ذكرهم. أنهم مطبوعون على الشر، يغلب على أشعارهم الهجاء. فطائفة منهم لا تبالي في الوقوع في أعراض الناس، وأخرى يظهر من سلوكهم أنهم لا يحترمون تعاليم الإسلام وفرائضه. وقد برهنوا من خلال تلك الروايات والأشعار التي تقدمت الإشارة إليها من قبل، أنهم جميعاً يتصفون برقة الدين وقلة المروءة.
وفي نهاية هذا البحث بقيت لي كلمة لا بد من الإفصاح عنها وهي:
أدرك أن الخوض في أمور تمس العقائد والسلوك الاجتماعي، أمر شائك وصعب، فيه مزالق كثيرة، يجد المسلم نفسه في غنى عن الخوض فيها وفي تتبعها. وتزداد الأمور صعوبة وتعقيداً حينما تكون تلك الشخصيات قد عاشت في عصر مفضل، ومنهم من هو في عداد الصحابة رضوان الله عليهم – مثل – (أبو الطمحان القيني حنظلة بن شرقي) الذي ترجم له الحافظ بن حجر في (الإصابة 2/183) وعدد من الصحابة الذين أدركوا النبي (ولم يروه.(2/412)
وهذه الدراسة لا تسعى إلى إثبات التهم التي تناقلها الرواة عن الشعراء أو رفعها عنهم، بل هي إلمامة إخبارية. قصد من حصرها وإيرادها عرضها وإخضاعها للدراسة من خلال الموازنة بينها وبين ما نسب إلى هؤلاء الشعراء من نصوص لا تخلو من صور انحراف في السلوك والأخلاق تتنافى مع طبيعة المسلم وفطرته. صحيح أن الذي وصلنا من هذه النصوص قليل، وبذلك تظل الصورة غير كاملة، ولهذا فلا بد أن نحذر من الانسياق وراء تلك الروايات التي لم تمحص من قبل. فمهما تناقل الرواة ومهما كان في شعر هؤلاء الشعراء من إسراف أو خروج على تعاليم الإسلام فإن هذا لا يحملنا على عدم الإنصاف في الحكم بسبب تلك الروايات أو تلك الأشعار التي تصور قلق الشعراء واضطرابهم وخروجهم على حدود الأخلاق والدين.
الحواشي والتعليقات
الطَّمَحان بفتح الطاء والميم بعدها حاء مهملة. فَعَلان من طمح بأنفه وبصره إذا تكبر والقين:
الحداد، وكل صانع قَيْنٌ، والقين أيضاً موضع القيد من البعير. محمد بن يزيد المعروف بالمبرد، الكامل في اللغة والأدب ط ليبيسك، (بيروت، مكتبة المعارف، د. ت) ، ج 1 ص 30.
عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق أحمد محمد شاكر (القاهرة. دار المعارف، 1966م) ج1، ص 388. وانظر: عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون (القاهرة، مكتبة الخانجي، 1400هـ 1981م) ج 8، ص ص 94 – 96.(2/413)
أبو الفرج بن علي بن الحسين الأصفهاني، كتاب الأغاني، (القاهرة، مصورة عن طبعة دار الكتب، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، د. ت) ج 13، ص 3. الخارب: سارق الإبل خاصة، ثم نقل إلى غيره اتساعاً قال الجوهري: خرب فلان بإبل فلان يَخْرُب خِرَابَة مثل كتب يكتب كتابة أي سرقها، وخرب فلان: صار لصاً. إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ط2، (بيروت دار العلم للملايين 1399هـ 1979م) ج 1، ص 119.
عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري، سمْط اللالى في شرح أمالي القالي، تحقيق عبد العزيز الميمني، ط2 (بيروت، دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، 1404هـ، 1984م) ج1، ص 332.
أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق علي محمد البجاوي (القاهرة، دار النهضة مصر للطبع والنشر، د. ت) ج2، ص 183.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص 0388، الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج 13، ص 7، البغدادي، خزانة الأدب ج 8، ص 94.
أبو هلال العسكري، ديوان المعاني (بيروت، عالم الكتب، د، ت) ج2 ص 161، الشريف المرتضى علي بن الحسين، أمالي المرتضى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، (بيروت، دار الكتاب العربي، 1387هـ 1967م) ج1 ص 257. ابن حجر العسقلاني، الإصابة، ج2، ص 184، أشعار اللصوص وأخبارهم، جمع وتحقيق عبد المعين الملوحي، ط2 (بيروت، دار الحضارة الجديدة، 1993م) ص ص 64، 77.(2/414)
الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج 13، ص 12، أحمد بن محمد الحسين المرزوقي، ديوان الحماسة، نشرة أحمد أمين وعبد السلام هارون، ط2 (القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1388هـ 1983م) ج3، ص 1266. علي بن حسن البصري، الحماسة البصرية، تحقيق مختار الدين أحمد، ط3، (بيروت، عالم الكتب، 1403هـ – 1983م) ج 1، ص 281، أشعار اللصوص وأخبارهم، ص ص 73، 76.
الشريف المرتضى، أمالي المرتضى، ج1، ص 260، أشعار اللصوص وأخبارهم، ص 78.
عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص 452.
محمد بن الحسن بن دريد، الاشتقاق، تحقيق عبد السلام محمد هارون، (القاهرة، مطبعة السنة المحمدية 1378هـ 1958م) ص 232.
محمد بن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود محمد شاكر (القاهرة، مطبعة المدني، 1394هـ 1974م) ج 1، ص 150.
تميم بن أبي بن مقبل، ديوان ابن مقبل، تحقيق الدكتور عزة حسن (دمشق، مطبوعات مديرية إحياء التراث القديم 1381هـ 1962م) ص 132.
ديوان ابن مقبل، ص ص 137، 138.
ديوان ابن مقبل، ص ص 140، 141.
ديوان ابن مقبل، المقدمة، ص ص 12، 13.
ديوان ابن مقبل، المقدمة، ص ص 13، 14.
ديوان ابن مقبل، ق 3، ص ص 11 – 21.
ديوان ابن مقبل، ق 42، ص ص 335 - 346.
الحسن بن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد (القاهرة مطبعة السعادة، 1374هـ 1955) ج2، ص 152، ج2 ص 814 (تحقيق محمد قَرْقزان) .
ديوان ابن مقبل، ص 14.
ديوان ابن مقبل، ص 17.
ديوان ابن مقبل، ص 346.
ديوان ابن مقبل، ص ص 24، 25.
ديوان ابن مقبل، ص ص 72، 76.
ديوان ابن مقبل، ص ص 267، 272، 273.
الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج1، ص 157.
ابن سلام، طبقات فحول الشعراء، ج1، ص 110.(2/415)
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1 ص ص 325، 326، الإصابة ج2، ص ص 177، 178.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص 322.
دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي، ترجمها عن الألمانية والإنجليزية والفرنسية عبد الرحمن بدوي، ط1 (بيروت دار العلم للملايين، 1979 م) ص 161.
ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج 2، ص 176، الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 157.
الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 157، ابن حجر، الإصابة، ج 2، ص 176، البغدادي، خزانة الأدب ج 2، ص 407.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص 322.
الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 163، وانظر الخبر أيضاً في الخزانة، ج2، ص 408.
طه حسين، حديث الأربعاء، ط 8، (القاهرة، دار المعارف، د. ت) ج 1، ص 134. وانظر شوقي ضيف العصر الإسلامي (القاهرة، دار المعارف د. ت) ص 99. وانظر مقدمة ديوان الحطيئة، تحقيق نعمان أمين طه، ط1 (القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 1378هـ 1958م) ص 51.
شوقي ضيف، العصر الإسلامي، ص ص 95، 96.
طه حسين، حديث الأربعاء، ج 1، ص ص 131، 134.
الحطيئة، جرول بن أوس، ديوان الحطيئة، تحقيق نعمان أمين طه، ط 1، (القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 1378هـ 1958م) ص 329، محمد بن يزيد المبرد، الكامل، تحقيق محمد أحمد الدالي، ط1 (بيروت، مؤسسة الرسالة 1406هـ 1986م) ج 2، ص ص 509، 510.
ديوان الحطيئة، ص 47.
ديوان الحطيئة، ص ص 51 – 52.
ينظر في هذا أخباره مع أشراف أهل المدينة، ومع عتبة بن النهاس العجلي، وحينما نزل ببني مقلد ابن يربوع، الأغاني ج2، ص ص 164، 167، 178، وانظر أحمد بن محمد بن عبد ربه، العقد الفريد، تحقيق أحمد أمين وآخرين، ط 3 (القاهرة، لجنة التأليف والترجمة، 1384هـ 1965م) ج1، ص ص 283، 284 وديوان الحطيئة، ص ص 66، 329.
ديوان الحطيئة، ص ص 233، 237، 355، 358.(2/416)
حديث الأربعاء، ج 1، ص 129.
درويش الجندي، الحطيئة البدوي المحترف، ط1، (القاهرة، مكتبة نهضة مصر، 1382هـ 1962م) ، ص 66.
يحي الجبوري، شعر المخضرمين وأثر الإسلام فيه، (بغداد، مكتبة النهضة، د. ت ص 244) .
دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي، ص 192، نالينو، تاريخ الآداب العربية من الجاهلية حتى عصر بني أمية، ط2، (القاهرة، دار المعارف، 1970م) ، ص 110، بلاشير، تاريخ الأدب العربي، ترجمة إبراهيم الكيلاني، ط2، (دمشق، دار الفكر، 1404هـ 1984م) ج2، ص 361.
شوقي ضيف، العصر الإسلامي، ص ص 99، 97، 100.
الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 163.
الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 158.
المبرد، الكامل، ج 2، ص 715، الأغاني، ج 2، ص 171.
ديوان الحطيئة، ص 393.
الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج 2، ص 177.
ديوان الحطيئة، ص 86. [الطويل]
من مبلغ الحسناء أن حليلها
بميسان يسقي في زجاج وحنتم
إذ شئت غنتني دهاقين قرية
وصناجة تجذو على كل منسم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه
تنادمنا بالجوسق المتهدم
إذا كنت ندماني فبالأكبر أسقني
ولا تسقني بالأصغر المتثلم
فلما بلغ عمر (رضي الله تعالى عنه) ، قال: والله إنه ليسوءني تنادمهم، فمن لقيه فليعلمه أني قد عزلته. وكتب في عزله فلما قدم عليه، قال: والله يا أمير المؤمنين، ما صنعت شيئاً مما ذكرت، ولكني أمرؤ شاعر، أصبت فضلاً من قوله فقلته فقال عمر: ((والله لا تعمل لي عملاً أبداً)) .
أحمد بن يحيى البلاذري، أنساب الأشراف، تحقيق محمد حميد الله، (القاهرة، معهد المخطوطات بالاشتراك مع دار المعارف 1959م) ج 1، ص 127.
قال ابن عبد البر في خبر له، قال: حدثنا محمد بن فضالة النحوي، قال: تقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشعراء ألا يشبب رجل بامرأة إلا جُلِد، فقال حميد بن ثور: [الطويل]
أبي الله إلا أن سرحة مالك(2/417)
على كل أفنان العِضَاة تروق
فهل أنا إن عللت نفسي بسرحة
من السرح موجود على طريق
يوسف بن عبد الله بن محمد عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق على محمد البجاوي (القاهرة، مطبعة نهضة مصر، د. ت) ج1، ص 378.
يقال سمعه عمر بن الخطاب ينشد [الكامل]
ولقد تحدر من كريمة بعضهم
عرق على جنب الفراش وطيب
فقال له إنك مقتول. ويقال إنه أنشد عمر القصيدة اليائية وفيها: [الطويل]
توسدني كفاً وتثني بمعصم
عليَّ وتحنو رجلها من ورائيا
فقال عمر: إنك ويلك مقتول.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، 409.
إذا مت فادفني إلى جنت كرمة
تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنَني بالفلاة فإنني
أخاف إذا ما مِت أن لا أذوقها
ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 4، ص 1746، ابن حجر، الإصابة، ج 7، ص 263.
ديوان الحطيئة، ص 206.
ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 1، ص 345.
ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 1، ص 345.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص 329، سمط اللالى، ص 890، ابن حجر، الإصابة، ج6، 493 البغدادي، خزانة الأدب، ج4، ص 76.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص ص 329، 330، البكري، سمط اللالى، ص 890، ابن حجر، الإصابة ج 6، ص 492، البغدادي، خزانة الأدب، ج 4، ص 76.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص 330.
ابن رشيق، العمده، ج 1، ص 52.
ابن سلام، طبقات فحول الشعراء، ج 1، ص 150.
الزبير بن بكار، الأخبار الموفقيات، تحقيق سامي محمد العاني، ط2، (بيروت، عالم الكتب 1416هـ، 1996م) ص ص 198، 201، 206، 208.
الزبير بن بكار، الأخبار الموفقيات، ص 199، وابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص ص 332، 333.
نصر بن مزاحم، وقعة صفين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط3 (القاهرة، مكتبة الخانجي، 1401هـ 1981م) ص ص 58 – 59، 307، 372، 524 – 526.(2/418)
ابن سلام، طبقات فحول الشعراء، ج 1، ص 172.
محمد بن يزيد المبرد، الكامل، تحقيق محمد أحمد الدالي، ج 1 (بيروت، مؤسسة الرسالة، 1406هـ 1986م) ج 2، ص 502.
معمر بن المثنى، نقائض جرير والفرزدق، تحقيق أ. بيفان من منشورات كيمبرج 1905م واعتمدت على نسخة مصورة عن هذه الطبعة قامت بتصويرها دار الكتاب العربي، بيروت، دون تاريخ ج 1، ص 230، وانظر البغدادي، خزانة الأدب ج 9، ص 326.
معمر بن المثنى، نقائض جرير والفرزدق، ج 1، ص ص 219، 222 ابن سلام طبقات فحول الشعراء، ج1 ص ص 171 – 175، المبرد، الكامل، ج 2 ص ص 502، 503 البغدادي، خزانة الأدب، ج 9، ص ص 324، 327
معمر بن المثنى، نقائض جرير والفرزدق، ج 1، ص 220.
الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج 4، ص ص 138، 137.
معمر بن المثنى، نقائض جرير والفرزدق، ج 1، ص 220.
معمر بن المثني، نقائض جرير والفرزدق، ج 1، ص 221.
سورة النساء، آية 11.
ديوان الحطيئة، ص 356.(2/419)
المسافة بين
الشعر............................ والفكر
((أحمد جمال نموذجاً))
د. جميل محمود هاشم مغربي
الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية - كلية الآداب
جامعة الملك عبد العزيز
ملخص البحث
يتجلى الفرق بين طبيعة الشعر، كتجربة إبداعية، وطبيعة النثر، كعملية عقلية، بصورة أكثر وضوحاً، لدى أولئك الأدباء الذين استهلوا حياتهم بالدخول إلى الأدب عبر بوابة الشعر، ثم قيّض الله لهم الانتقال إلى عالم الفكر، وما يستتبعه من ممارسة عقلية، تنأى به عن عالم الشعر، وما يكتنفه من خيال وتجنيح، إلى عالم الفكر وما يقتضيه من وضوح ومباشرة، وجدلية تتطلع إلي الإقناع عبر الحجة والدليل.
ولم يكن اختيار اجمد جمال باعتباره المثال الوحيد في بابه، ولكن باعتباره نموذجاً واضحاً بين الأدباء السعوديين لحالة الشروع في قرض الشعر، على نية الاستمرار فيه من خلال إطلاق اسم (الطلائع) على ديوانه الأول والوحيد، ثم إغلاق الباب على موهبة الشعر، والانتقال الى ميدان الفكر، والعكوف على الدراسات المتشعبة عنه.
واقتضى ذلك مواكبة مرحلة التكوين والإرهاصات الشعرية الأولى لأحمد جمال، إلى ان استوت تلك الموهبة على سوقها، وتبلورت مرحلة الشعر في حياته.
وتعين قبل الوصول الى عالم الفكر، ان نعبر الجسر الفاصل بين الحقلين، فوقف الباحث أمام قضية نقدية هامة لمناقشة طبيعة الشعر، وطبيعة النثر، وإيراد آراء وأقوال النقاد، من قدماء ومعاصرين، حول مظاهر الاختلاف بين الشعر والنثر وخصائص لغة كل منهما، وتوظيف الخيال في الشعر، والركون إلى الحقائق والأدلة في النثر.
ثم حاول البحث تلمس بواعث انتقال أحمد جمال من الشعر إلى النثر، دون ان يغفل التمثيل على هذا الانتقال بنموذجين بارزين سبقا أحمد جمال إلى نفس المسار، وهما الأستاذ مصطفى صادق الرافعى، والأستاذ سيد قطب، رحمهم الله جميعا.(2/420)
ثم أفضى البحث الى حقبة الفكر في حياة أحمد جمال، وهى المرحلة التي كرّس لها قدراً كبيراً من جهده، ومنحها جلّ وقته واهتمامه، فانتج فيها عدداً من المؤلفات في ميادين الثقافة الإسلامية، وقضايا الفكر الإسلامي، وشئون المسلمين.
واقتضت معالجتنا وتحليلنا لهذه المرحلة إيراد بعض النصوص من مؤلفاته كاملة دون ابتسار، خشية الإخلال بالإطار العام، وحرصاً على ان يقف القارئ الذي لم تتح له فرصة الاطلاع على مؤلفات الأستاذ أحمد جمال الوقوف على تلك النصوص كاملة، إذ لا يكفى الحكم مع غياب النص. وإيراده كاملاً وإن طال أجدى من ابتسار النص والإخلال بالقصد وحفزنا على ذلك القناعة بان هيكلية كل بحث تنبع من داخله وخطته يرسمها مدلول البحث نفسه.
وانتهى البحث إلى عقد موازنة بين أحمد جمال ومن شاركه في انتهاج النهج نفسه، وهما المرحومان الرافعى وسيد قطب، كشفت عن اتساع مساحة الاهتمام والإسهام الفكري لأحمد جمال حيث شملت التفسير وعلوم الحديث والدراسات الفكرية والاجتماعية وقضايا الأقليات المسلمة، وغير ذلك. بينما انحصرت جهود سيد قطب في نطاق التفسير البياني والدراسات البيانية، وتصدى الرافعى لمهمة الدفاع عن القضايا التي تمس العقيدة، ومكونات الفكر الإسلامي، مع استمرار إسهامه في القضايا الأدبية.
وهى موازنة لا تقدح في جهودهما، ولا تمسّ المكانة السامية التي ظل يحظى بها ولا يزال كل منهما، في الجانب الأدبي، أو في إسهاماتهما في الدراسات الإسلامية كعلمين مميزين في كل منهما.
ثم رست سفينة البحث على مرفأ النتائج.
• • •
المقدمة:
تناقش هذه الدراسة ظاهرة انتقال الأدباء من دوحة الشعر التي استهلّوا بها حياتهم الأدبية إلى دوحة النثر وما يتفرّع عنها من دراسات دينية وفكرية واجتماعية وتربوية.(2/421)
وانتقت الدراسة الأستاذ أحمد جمال، رحمه الله، كنموذج يتمحور حوله البحث، لما يمثّله نتاجه من سمات تجسد بعض ملامح هذه الظاهرة، حيث استهلّ حياته الأدبية شاعراً في ديوانه الطّلائع، ثم عزف عن قول الشعر، وعكف على الدراسات الدينية وما يتشعّب منها من اتجاهات، كالتفسير، والسيرة، النبوية (على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم) ، والقضايا الفكرية، والتربوية، والاجتماعية، والاقتصادية، وتعيّن تبعاً لذلك استعراض البواعث التي حدت بالشعراء للانتقال من الشعر، ليتحولوا إلى عالم الفكر والدراسات، دون عودة إلى نبع الشعر. كما اقتضى ذلك وقفة خاصة، لاستعراض طبيعة الشعر، وتبيان خصائصه المميزة كعملية خلق لغوي ترتكز على الخيال كعنصر فعّال في توليد الصور، وبلورة الأحاسيس، والمشاعر، وتحديد الفوارق بينه وبين النثر الذي يقوم على الوضوح، والمباشرة، ومحاولة الوصول إلى الفكرة، بعيداً عن الغموض، والاستغراق في الخيال، معتمدين في ذلك على آراء وأقوال أبرز النقاد من مختلف العصور الأدبية، قديمها وحديثها، انتهاء بآراء النقاد المعاصرين.
وإذا كان احمد جمال نفسه يذهب في تعليله لهجر الشعر، إلي عالم النثر، بعدم طاقته على الانحباس لنظم بيت من الشعر، بسبب ازدحام الحياة بأسباب هذا الانصراف عن نظم القوافي، وتصيد كلمات القافية الواحدة، ومراقبة الوزن … بما يشبه المخاض كما سيتضح فيما بعد، فان البحث يتجاوز هذا التعليل دون ان يغفله إلى رؤية نقدية تشمل المباينة بين لغة الشعر ولغة النثر والفوارق الوظيفية والتاثيرية لكل منهما بما يستدعي توظيف الخيال في الأول والحرص على المباشرة والوضوح في الثاني.(2/422)
وقد استحضرت هذه الدراسة نموذجين بارزين سبقا أحمد جمال في الانتقال من عالم الشعر إلى عالم النثر، ونجحا في الجنسين الأدبيين، وهما الأستاذ سيّد قطب، والأستاذ مصطفى صادق الرافعي، رحمهما الله، مع الاستشهاد بعمل من أعمالهما في كلّ من الشعر والنثر، ليتسنى الوقوف على الخصائص الأسلوبية، والملامح الفنية، والاتجاهات الفكرية لكل شخصية، بما يتيح تشكيل صورة كاملة، ووضع تصور واف، بما يخدم الموازنة من جانب، ويقتضي الاقتضاب بما يتواءم مع طبيعة البحث. ثم أردفت ذلك باستعراض التوجّهات الفكرية التي أبحر قلم الأستاذ أحمد جمال في عبابها، لتبيان المساحة الفكرية التي ساحت فيها يراعته، وتقديم صورة كلية لتوجهاته الفكرية، بما يكشف عن غزارة إنتاجه، وتنوع الموضوعات التي طرقها، من تفسير وسيرة وتربية وفكر واقتصاد، وإبراز السمات والخصائص الأسلوبية لكل فرع طرقه، ليفضي بنا ذلك إلى تحديد النتائج بعد الموازنة.
ويتعيّن أن أشير إلى أن سمة الوضوح التي يتصف به فكر أحمد جمال، اقتضت النزوع نحو الاستشهاد، وإيراد النصوص كاملة، وعدم ابتسارها، لتقديم صورة كلّية واضحة تفصح عن ملامح فكره، وتوجهه الأسلوبي، باعتباره من الشخصيات الأدبية التي تحبذ الوضوح والجلاء في تناول القضايا الفكرية التي تشرئب نحو الإقناع والتأثير، وهو بذلك يريح الباحث من خلال تقديم نفسه واضحاً وجلياً، فلا يعوز الباحث سوى قليل من الجهد عند الاستنباط، وإعمال الفكر، للوصول إلى المرامي والأهداف.(2/423)
وذلك يتجانس مع طبيعة البحث القائم على الموازنة وإبراز الخصائص ويخالف رغبة الباحث الراغب في أن يظل صوته متصلاً دون خفوت. لذلك لم يتجانس هذا التوجه مع رغبتي في البحث، ولكنه تساوق مع مقتضيات المنهج العلمي، خاصة في الجانب الفكري من نتاج أحمد جمال، إذ خفت صوتي فيه كثيراً، وعولت فيه على الاستشهاد بأقوال الشخصية. ومرد ذلك هو طبيعة المنهج العلمي، الذي اختطّه أحمد جمال لنفسه، بانتقاله من واحة الشعر الوارفة الظلال والأخيلة، إلى عالم الفكر المتوهج والمشرق، بما لا يستدعي تدخّل الباحث بالتحليل والاستنباط إلا باليسير من الجهد والاستنتاج إذ أسهم الأستاذ جمال في تقديم رؤاه وأفكاره، واضحة جلية، خاصة وأنه يغمس يراعته في بحوث في مجالات الفكر، والدراسات الإسلامية بما يقتضي الوضوح والائتلاق للوصول إلى الإقناع والتأثير. وحرص البحث على مناقشة كل موضوع وجزئية بتجرد وحيدة سائلاً الله عز وجل أن يلهمنا الصواب في القول والعمل، مستمطراً إياه شآبيب الرحمة والمغفرة، على أرواح وأر ماس هؤلاء الأعلام،وأن يجعل ما قدموه في موازين أعمالهم، وقد حلوا بساحة أكرم الأكرمين.
التكوين والإرهاصات:
يتسنم الكاتب والمفكر الإسلامي أحمد محمد جمال ذروة إعجاب متنام،كمحصّلة للاهتمام الذي كان يحفه من قارئيه ومحبيه، ويتبوأ منزلة فريدة، قلّ أن يحظى بها مضارعوه من أرباب اليراع، ليس لأنه مفكر نذر نفسه وفكره وقلمه لقضايا عقيدته، مناقشة ودفاعاً وتحليلاً فحسب، بل لأنه إضافة إلى ذلك، استهل حياته منذ يفاعته، منتهجاً سبل التوجه الإسلامي قولا وعملا ومبدأ، متجافياً عمّا يخدش هذا المسار، ويمسه بشائنة، أو ظن، مقتنعاً بأن القدوة هي أنجع السبل للاقناع والتوجيه، محققا بذلك التضامن الرائع، بين المنهج والسلوك كوسيلة مثلى تغري الآخرين بالمحاكاة والاحتذاء.(2/424)
وللتدليل على ذلك من حياة أحمد جمال، فلقد قيض له أن يمنى بداء الربو مع صداع شديد في العقد الثاني من حياته، وأخذ يلتمس الدواء ليبلّ من مرضه، فعرض نفسه على الأطباء، فنصحه أحدهم بأن يتجرع شيئا من الخمر، ليبرأ من دائه، فاندهش أحمد جمال لذلك، وتحركت شاعريته بقصيدة حول مرضه، منها قوله في الرد على وصفة الطبيب
المحرّمة، حيث قال:
زعم الطبيب بأن بالصهباء
تشتدّ أعصابي ويحسم دائي
فرفضتها وأنا المريض ولم أكن
لأريد بالخمر الحلال دوائي
آمنت أن الله لم يجعل لنا
فيما نهانا عنه أيّ شفاء
آمنت أن الله سوف يقيمني
من علّتي فبه عقدت رجائي
وبحرمة الله التي عظّمتها
تشتدّ أعصابي ويبرأ دائى (1)
وعزوفاً عن اليسير، وحرصاً على التحدي والإصرار، يدلف أحمد جمال إلى عالم الأدب عبر بوابة الشعر، متنكباً عن بوابة النثر التي عُرف بها فيما بعد، ويذكر الاستاذ محمد على الجفرى على لسان الاستاذ احمد جمال، في ترجمته لحياته في كتابة (الاديب المكى) : إن ديوان الشاعر العراقي معروف الرصافي هو أول كتاب قرأه وحفظ منه القصيدة التالية:
يا قوم لا تتكلّموا
إنّ الكلام محرّم
ناموا ولا تستيقظوا
ما فاز إلا النوّم
ودعوا التفهُّم جانباً
فالخير أن لا تفهموا
وتثثبّتوا في جهلكم
فالشرُّ أن تتعلموا
أما السياسة فاتركوا
أبدا وإلاّ تندموا
لا يستحقّ كرامة
إلاّ الأصم الأبكم
وإذا ظُلمتم فأضحكوا
طربا ولا تتظلّموا (2)
ولعلّ ديوان الرصافي كان من المحفّزات التي قادته إلى أن يستهلّ حياته بكتابة الشعر، كما بدأها بقراءة الشعر.
كما كان للمناخ الذي عاشه أحمد جمال دورٌ وتأثيرٌ في اتجاه بوصلته الأدبية صوب الشعر، فلقد سأل خدنه وصديقه على امتداد مراحل العمر، عبد العزيز الرفاعي (رحمه الله) حينما جمعتهما مقاعد الدراسة، عن قراءته (فقال: عبث الوليد قال أحمد جمال: وما عبث الوليد؟
قال الرفاعي: أحد مصنفات فليسوف العربية الكبير.(2/425)
قال جمال: ومن هو؟
قال الرفاعي: أبو العلاء المعري طبعا.
قال جمال: وما موضوعه؟
قال الرفاعي: كتاب يتحدث عن البحتري الشاعر.
قال جمال: وأنت تقرأ كتابا كهذا؟! .
قال الرفاعي: أصارحك القول، إنني حاولت أن أفهم ماذا يريد أن يقول أبو العلاء، فاستعصى على فهمه. فقد كانت لغته ومحتواه فوق مستواي، ولكني أكابر نفسي بأنني قرأت أبا العلاء المعري) (3) .
ولقد بدا من تأثير صداقة الرفاعي لأحمد جمال، وكذلك ارتباطه الحميم بشقيقه الذي يكبره سناً صالح أنهم كانوا يرتادون المجالس الأدبية، فنما نتيجة لذلك تطلّع أحمد جمال في أن يصبح شاعرا تنصت لشعره الأسماع، وترحل به الركبان، مثل شوقي وحافظ إبراهيم (4) (رحمهما الله) ، ولعل صدى ذلك الإعجاب بشوقي والاهتمام المبكر بشعره يتجلّى في قيامه بتشطير بيت له وهو:
(أكذب نفسي عنك في كل ما أرى)
وأهزأ بالواشي إذا جاء يوقع
أصمّ لدى لغو العواذل مسمعي
(وأسمع أذني فيك ما ليس تسمع) (5)
ومن المعروف لدى المتخصصين من الباحثين والدارسين ان الأدب العربي عرف ظاهرة الجمع بين الشعر والنثر لدى جمهرة من الأدباء كالمعري الذي تعاطي الشعر في ديوانيه (سقط الزند) في مرحلة الصبا و (اللزوميات) في مرحلة النضج وضم إليهما أعماله النثرية (رسالة الغفران) و (رسالة الصاهل والشاحج) و (رسالة الملائكة) و (الفصول والغايات) (6) .
وليس آخر هؤلاء الأدباء العقاد الذي جمع بين الشعر والنثر، لكن المفارقة تكمن في الأدب الحجازي، والذي دأب أدباؤه على الجمع بين الشعر والنثر في الأغلب والأعم، إذ استهلّ أحد أكثر شعرائه شهرة أعماله بكتاب نثري، وهو الأستاذ محمد حسن عواد في (خواطر مصرحة) (7) ، واستهلّ أحد أشهر كتابه ولغوييه ومفكريه، وهو الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار حياته الأدبية بإصدار ديوان شعري هو (الهوى والشباب) (8) .
حقبة الشّعر:(2/426)
ويتجانس مع هذا التوجه ما حدث من انتقال في حياة الأستاذ أحمد جمال الذي عُرف بالأعمال الفكرية العديدة والدراسات الدينية المتعاقبة فقد استهلّ حياته الأدبية والفكرية شاعراً، إلى جانب إسهاماته في الأجناس الأدبية الأخرى.
فلقد أصدر في مطلع شبابه ديواناً ضمّ العديد من القصائد والمقطوعات الشعرية، التي نشرت من قبل في صحف المملكة ومصر وغيرهما، وسمّاه (الطلائع) (9) واسم الديوان ينطوي على مفارقة تكمن في أن هذه الطلائع لم يردفها الشاعر بتوابع تلحق بها، فقد انقضّت الطلائع على مدلولها واستحالت كما قال الشاعر نفسه إلى (الخواتيم) إذ لم يتسن للشاعر - بإرادته - أن ينشر، ولعله لم ينظم بعدها شعراً، يدلّل على استمرار اهتمامه بهذا الجنس الأدبي، لا لضمور في المقدرة الشعرية أو نضوب في معينها الممدّ والمتدفق، بل لسبب جلي وواضح، يسهل عزوه إلى عكوف أديبنا على قضايا الإسلام والأمة الإسلامية.
ولذلك حينما قام نادي مكة الأدبي بإعادة نشر هذا الديوان، عمد إلى نشره تحت مسمى جديد، وهو (وداعا أيها الشعر) ، في إشارة من الشاعر إلى تغيير مساره الفكري والثقافي، حيث يبين بواعث هذا التغيير بقوله: (أما أنا فهذا بعض شعري الذي قلته منذ صباي ثم شبابي، وقد سميت الطبعة الأولى من ديواني (الطلائع) لأني كنت أحسب أني سأظل شاعراً، وأقول الشعر في مختلف مجالات الحياة وأحداثها ومسالكها. ولكن الله عز وجل أراد غير ذلك، فوجّهني إلى أدب الدراسات الإسلامية، فكتبت فيها المقالات، وألّفت الكتب، وألقيت المحاضرات ودرستها لطلاب الجامعة، في مكة المكرمة وجدة، وفي المؤتمرات الداخلية والخارجية.
وبذلك التوجيه الذي أراده الله لي، كانت (الطلائع) (الخواتيم) ولكنها ذكريات عزيزة (10) .(2/427)
والأمر يمثل ظاهرة تضاهي المنافسة المعروفة -بشد الحبل- ويكون الخاسر فيها في الأغلب والأعم هو الشعر فلقد دلف من بوابة الشعر الأستاذ مصطفى صادق الرافعي والأستاذ سيد قطب ثم عادا ادراجهما ليلجا بوابة الدراسات الإسلامية.
والمرء يكمن قدره فيه، ويتوارى بين طيّات نفسه، حتى يتزامن مع أوان حينه، لينبلج على أديم الواقع متجسداً وملموساً، ومن يقرأ شعر أحمد جمال بعين ناقدة نافذة، ورؤى مستقبلية تتخطى تلال الزمان، وتستشرف غده، ليستطيع القطع بأن الشاعر سيتوقف عند مرحلة محددة، وسيسلم العصا -على غرار إبطال سباق التتابع- للكاتب والمفكر الإسلامي.
فالتوجه الديني والخلقي سمة تلتمع بين ثنايا شعر يمثل صبا الشاعر ويفاعته، وهي فترة تمثل فورة التمرّد والجموح لدى أقرانه من الشعراء، وخير ما يمثل الشاعر في هذه الحقبة، قصيدته التي يرد بها على شاعر رمز لنفسه ح، س ولعله الشاعر الأستاذ حسين سرحان، الذي نظم قصيدة في خمسة عشر بيتا جاء فيها.
ذكرتك والسحر الغريب مرفرف
على شفتيك الّلعس أو خدك الدامي
ومنها:
مضى لك يوم في صباك محجّل
ويا ربّ يوم في الغرام كأعوام
ويا ربّ عطف لان منك على يد
منزّرة النعمى مكثّرة الذّام
ومنها:
وفي كلّ نفس من غرورك بضعة
تلوح وتخفى في جلاء وإبهام
فأنشأ الأستاذ أحمد جمال قصيدته المعنونة ب (إفك مدفوع) وهو عنوان له دلالته المتجذّرة في الثقافة الإسلامية ويقول فيها:
رميت أخاك العفّ في عرضه السامي
فوا بؤس مرمي، ويا بئس من رام
زعمت خلاف العقل والنقل أنني
فتى مثل اترابي أسام لمستام
وما ظفرت بالوصل مني خشارة
ولا سقيت في الحب من فيضي الطامي
ولا لان عطفي - وهو صعب- على يد
منزّرة النعمى مكثّرة الذّام
وأصوب ما أحجوه أنك ناضح
بما فيك.. هل ما فيك نبعة إجرام
فلو جئت تستفتي صحائف حاضري
وغابرتي، أعظمتني أيّ إعظام
حبست صباي الغض للدرس، أستقي
من المنهل الأقصى لا ملأ أيامي(2/428)
فأي فتى لا يملأ الجدُ يومه
يلم بأرجاس الصبا أيّ إلمام
وكم أقدمت صوبي (ظباء) فمسّني
هواها مساس النور … لامس إظلام
فأكرب أن تقتادني سورة الهوى
إلى نيل ما يبذلن بغية إكرامي
فأذكر نفس وهي أمّالة العلا
فارتد طوع النفس عن زور آرامي
عناق. وتقبيل. وشكوى. ومعتب
مشاغل أدريها عن المطمح السامي
ستضحك عياباً علىّ حصانتي
وترجم آمالي بخبل والآمي
فأنت غريب اللب إلا عن الهوى
هوى العيش تبغيه لذاذة آثام
رويدك ما الدنيا علالة بائس
وليست كما تحجو علالة مجرام
لباس هي الدنيا لجان ومحسن
سيجزيهما بالعدل أحكم علاّم
فمن كان عريان الحجى في معاشه
سيكسى بأخراه غلالة إضرام
وما أنا لولا أن أتيت بظنّة
مسوّأة - مدّاح نفسي لأفدام
عفا الله عما نلت مني بفاحش
من الشعر واستبقي عن السوء إحجامي (11)
وبعض عناوين القصائد يكرّس ما ذهبنا إليه، ويشي بهذا البرق الذي سيعقبه مطر هتّان من الدراسات الإسلامية، فهي تتراوح بين ذكر (ثور) ، أي الجبل، (عام بأية سلم جئت يا عام) ، والقصيدتان ارتبطتا بمسمى اتحد في إطار (من وحي الهجرة) ثم العنوان التالي لقصيدة كان حقها السبق وهي (الحجُ أسمح فرصة) ثم (لم نبن دنيا ولا دينا حميناه) وهو عنوان مستقى من آخر أبيات القصيدة، ثم تقفوها مجموعة من القصائد والمقطّعات ك (بكاء ودعاء) و (ابتهال في الحرب) و (تضرعات) و (صلاة) و (شكوى) . ينتظمها فصل من الديوان سماه الشاعر (صلوات وتسابيح) ، وبحسب القارىء هذه الأسماء والمضامين صوى وإشارات، تدلّ على المنحى الإسلامي بين دفتي الديوان.
على أن هناك بعض العناوين ذوات الصيغ الدينية وإن تجافت القصائد مضموناً عن تحقيق توجهات مسمياتها، مثل (الجبرية في الحب) و (مصير الرياض المغفلات) و (معدلة الأقدار) و (زجر) و (مذهبي) و (انتقام) و (صبر على جبر) .(2/429)
ورغم ما نمّت عليه من توجهات دينية والتزام خلقي دلالات هذه العناوين ومسميات هذه القصائد والمقطّعات إلاّ أن الشاعر استطاع تحقيق المعادلة التي توخاها والمرمى الذى استهدفه فطافت شاعريته رياض الشعر المخضوضرة وجابت آفاقه المتوردة كقوله:
قسماً ما استطبت بعدك حبا
يا حبيبا قد طاب بعدا وقربا
ذكرياتي وذكرياتك ذخري
من هناء الشباب قبلا وغبّا (12)
دون أن يفقد الشاعر سمات الالتزام الذي ضربه على شاعريته، ودون أن يندّ عن المسار الذي اختطّه لنفسه، كما في قوله في قصيدته هجر بهجر:
أذكر فما زلت مذكارا لسالفنا
أيام ألفتنا … ساعات نجوانا
أيام كنت توافيني على شغف
فنختلي وعفاف الحب طيعانا (13)
إلا أن هذا العقال لم يكن ليتواءم مع انطلاقة الشعر النافرة، فأفضى الى ما جسده طرفة في قوله:
لكالطّول المرخى وثنياه باليد بيد أن أخطر القضايا التي ينطوي عليها شعر أحمد جمال، وتستوجب التأمّل والدراسة - في نظري- تتصل بمعجمه اللغوي الثري والمتنامي، وقدرته الفذة على التوليد والاشتقاق، بما يرتقي به إلى معارج التسمية بالشاعر الخلاق، فاللغة لديه لم تكن أسيرة القوالب النمطية، والصيغ المحكية، والعبارات التقليدية، رغم أنها سمة تفشت في تلك الفترة، ولم يفلت من زمامها إلا قلّة من الشعراء المبدعين، وبوسعك أن تلحظ بعض الصيغ والمفردات فيما قرأته من نماذج شعره، كقوله: (أسام) (لمستام) (منزرة) (ما أحجوه) (غابرتي) (فأكرب) (أمالة) (أدريها) (تحجوه) (مجرام) (مسوّأة) (طيعانا) لتتحقق من أن الشعر واللغة خسرتا بانحسار شاعرية الشاعر وجزرها عن الامتداد إلى عوالم أرحب تثري من خلالها المحتوى اللغوي، وتضيف إلى المعجم الكثير من الدلالات والتراكيب المخصبة والمتوالدة في نماء وازدهار، شأن الشعراء الذين كان يتبعهم اللغويون ليتلقفوا ما ابتكروه وأبدعوه من دلالات وصيغ.(2/430)
وفي الديوان الكثير من النماذج والشواهد على بنى الألفاظ التي منحها الشاعر دفقة الحياة بإعادتها للاستخدام، ووهبها القدرة على الحركة، بعد أن كانت مواتا متوارية في المعاجم وكتب اللغة.
وبوسعنا أن نقرر مطمئنين، أن السدّ الذي بناه الأستاذ أحمد جمال ليحول دون استمرارية تيار شاعريته وتدفقه، كان أمراً حتمياً، رغم قدرته على استمرار جريانه وتدفقه إلى جانب بقية التيارات، التي حفل بها قلمه ورعاها فكره.
ولكن المتأمّل يتبيّن له تعذّر الجمع بين التيار الشعري وتوجه الفكر الإسلامي، فالشعر يتمحور حول الخلق اللغوي ويستلزم ضربا من التهويم والتحليق في عوالم الخيال وغابات الألفاظ، ومن أخص سماته أنه يستدعى قدرا من الغموض الذي تمليه طبيعته كما يستنتج ذلك أشهر دارس للغموض وليم أمبسون (William Empson) في كتابه المشهور (Seven Types of Ambiguity) . حيث يقول: (ان الغموض ليس مطلباً لذاته، ولا يعتد به كخدعة نسعى الى ايجادها ولكنه يتولد من الحالة الخاصة التى تبرر وجوده) (14) .
لكي تتاح للقارىء فرصة إعمال الفكر والإسهام في خلق نصّه الخاص به والمتشكّل من خلال قراءته، وفق المنهج المعروف نقديا بمعاودة القراءة (Re-Reading) ، ولن ننأى عن ذلك بعيدا في الاستشهاد والتمثيل، اذ سنورد قصيدة لشاعرنا يفوق عنوانها مضمونها غموضا، وهي قصيدة (مؤوف) ، ويقول فيها:
جمالك يغري العقل بالسبح في الهوى
فبادرة الوجدان أعذر في السبح
جمالك يوحي بالثناء لماهر
أجادك تذكارا على بارىء سمح
ولكن سراً فيك.. ينهش علمه
فؤادي ويمتاح المدامع للسفح
إذا الوردة الفيحاء سيم صيانها
بكف أثيم الكف تعجل للصوح
وتأنف أنف الطيبين شميمها
ويرتدّ عنها الطرف يبخل باللمح
أخي-وندائي ها هنا عطف اّسف-
على بلبل يستبدل الطين بالدوح
لهاتك بالذكر الأجلّ شجية
محبّبة الترتيل بالسّنح والبرح
وصوتك رقّاص الترانيم موفز
عواطف مروىّ العواطف للنضح(2/431)
ووجهك ومّاض التقاسيم يطّبي
تغزّل مكبوح التغزّل للجمح
فليتك من حسن بخلقك بائن
وخلقك- للحسن المروئي تستوحي
أخي-وهتافي ليس توليف آبد-
فما ائتلف البحران: عذب إلى ملح
ولكنني - من حيرتي فيك - ابتغي
لديك بيانا سوف اطويه في جنحي
ترى الزين لا يؤتى الكمال؟ أم العلا
محال على نبت الجرافات في السفح
أم الزارع السهران أغفى بربوة
فئيفت قطوف الباغ بالفلح والقدح
أم الجذر معلول اللقاح فسارب
إلى الفرع؟ أم ماذا؟ وويحك أم ويحي (15)
بينما عالم الفكر الإسلامي الذي نذر أحمد جمال له نفسه يتسم بالوضوح والجلاء، فألق أفكاره، وسُطوع حججه مسألتان تستلزمهما اللغة وظيفيا لتبيان الخصائص والمزايا، ولمقارعة الحجة بالحجة، بل وحتى في مسائل التوعية وقضايا التنوير، يستدعي الأمر أن يصل ألق الفكرة عبر شعاع اللفظ مؤتلقاً جلياً، لا لبس فيه ولا غموض، إلى فئات تتباين ثقافتها ويتدرج وعيها، وتتفاوت درجة تقبلها، لتتضح الرؤية، وتستبين المسائل المتفاوتة غموضا ووضوحا.
طبيعية الشعر وطبيعة النثر:
عكف بعض الباحثين من النقاد على دراسة طبيعة الشعر وطبيعة النثر، وأما الشعر، فهو كما وصفه الناقد محمد مندور بقوله: (وأما الشعر فإنه بمجرد أن اهتدى إليه الإنسان أصبح فناً جميلاً، لا يُستخدم لأغراض الحياة العادية، بل ينظم بطريقة خاصة ولأهداف خاصة) (16) .
ويعمّق هذا المفهوم باللجوء إلى الموازنة بين طبيعة الشعر وطبيعة النثر الدكتور عز الدين إسماعيل، حينما ينسب بتحفظ الانفعالات إلى الشعر، والأفكار إلى النثر، في قوله: (فالشعر هو الصورة التعبيرية الأدبية الأولى التي ظهرت في حياة الإنسان منذ العصور الأولى. وهذه الأقدمية ترجع إلى أنه كان في تلك العصور ضرورة حيوية بيلوجية.(2/432)
إنه الطريقة الوحيدة التي اهتدى إليها الإنسان بحكم تكوينه البيلوجي والنفسي للتعبير والتنفيس عن انفعالاته. ومنذ ذلك الوقت تحددت لذلك الفن خصائص، استطعنا أن نتبينها في وضوح عندما ظهر أسلوب آخر للتعبير واستخدام اللغة هو النثر، فقد لوحظ أن الإنسان قد اهتدى إلى هذا الأسلوب، عندما أراد أن يعبر عن أفكاره، ومن هنا ارتبطت (الانفعالات) بالشعر، و (الأفكار) بالنثر. ولكن الخطأ في الفهم يأتي عادة من النظر إلى (الانفعالات) و (الأفكار) على أنها أشياء متعارضة أو متناقضة. وهذا من شأنه أن يجر إلى أخطاء كثيرة في فهم الشعر والنثر على السواء. وليس هناك تعارض، بل هو مجرد اختلاف) (17) .
وهذا التقسيم بين ميداني الشعر والنثر، وربط الشعر بالانفعال والنثر بالأفكار، جال بأذهان بعض الباحثين، لارتباطه بنشاط المبدع وقدراته في التأثير على المتلقي، وتولد معه التساؤل: (إذا كانت أهمية الشعر نابعة من طريقته الخاصة في تقديم المعنى، وتأثيره في المتلقى، فهل ينحصر دوره في إحداث نوع من المتعة الشكلية الذهنية الخالصة، فيعجب المتلقى -مثلا- ببراعة الشاعر، ومهارته في الدلالة على معانيه فحسب؟ أم أن دور الشعر يتجاوز حدود هذه المتعة، ليصل إلى إثارة انفعالات المتلقي، إثارة خاصة تفضي به إلى اتخاذ وقفة سلوكية محددة؟ إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة تساهم - بلا شك - في معرفة تصور الناقد القديم لحقيقة الدور الذي يمكن أن يقوم به الشعر في المجتمع الإنساني، وتكشف في نفس الوقت عن تعدد الأدوار التي تعطي للشعر أهميته كنشاط إنساني متميز) (18) .
وكأن تأثير الشعر في المتلقي ها هنا يشكل انعكاساً وامتداداً للمفهوم المتوارث حول أثر الشعر في متلقيه عند القدماء.
وكما يصوره ابن طباطبا بقوله:(2/433)
(فإذا ورد عليك الشعر اللطيف المعنى، الحلو اللفظ، التام البيان، المعتدل الوزن، مازج الروح ولاءم الفهم، وكان أنفذ من نفث السحر، وأخفى دبيباً من الرقى، وأشد إطرابا من الغناء فسلّ السخائم، وحلل العقد، وسخّى الشحيح، وشجّع الجبان وكان كالخمر في لطف دبيبه وإلهائه، وهزّه واثارته، وقد قال النبي (: (إن من البيان لسحرا) (19) .
ونقطة الالتقاء بين المبدع والمتلقي، تكمن في جوهرها في ميدان النص، والمتشكل من النسيج اللغوي، وما يلونه من أخيلة وصور، ولذلك ينبه في الفصل بين لغة الشعر ولغة النثر الدكتور مصطفي ناصف، حتى في المواطن التي تستدعي المناداة بقيم أخلاقية، بقوله: (وما ينبغي أن نخلط التعبير المباشر عن القيم الخلقية بالتعبير الفني، إن الشاعر لا يصف الفضائل ولكنه يعانيها، وقد اتسع ديوان الشعر العربي لتعبيره المتواتر، بتلك الطريقة، عن الآداب والاخلاق، ثم نضبت الصورة الشعرية في كثير من النماذج لأن وصف الفضائل والآداب غاية لا تتصل في كثير بالمعاناة والتجربة التي يلح عليها المحدثون في التفرقة بين الشعر والنص الخلقي والعلمي والفلسفي) (20) .
وهو ما يكرّسه بإيضاح الدكتور عز الدين إسماعيل، ملخصا آراء الناقد الأمريكي المعاصر دونالد استوفر، حيث يقول:
(اللغة في الشعر هي أول ظاهرة تحتاج إلى النظرة. وواضح أن لغة الشعر تختلف عن لغة العلم والفلسفة، فالعلم والفلسفة في حاجة إلى لغة تصل إلى الهدف مباشرة أو توصل إليه. ولا بأس في الاستغناء عن اللغة المألوفة إذا وجدت اللغة التي تؤدي إلى هذا الهدف من أقرب طريق كما هو الشأن في لغة الجبر (أ+ ب = ج مثلا) .(2/434)
أما اللغة في الشعر فلها شأن آخر، إن لها شخصية كاملة تتأثر وتؤثر وهي تنقل الأثر من المبدع إلى المتلقي نقلا أميناً. وليست المسألة مجرد نقل أمين فحسب، ولكنه النقل الأمين عن المبدع عندما يفكر أولاً وقبل كل شيء باعتباره فرداَ. لذلك كانت لغة الشعر ممتلئة بالمحتوى الذي تنقله نقلا أميناً. وهي بعد لغة فردية في مقابل اللغة العامة التي يستخدمها العلم. وهذه الفردية هي السبب في أن ألفاظ الشعر أكثر حيوية من التحديدات التي يضمها المعجم. والألفاظ الشعرية تعين على بعث الجو بأصواتها. فالعلاقة بين الأصوات في الشعر - كالموسيقا تماما - يمكن أن تثير متعة تذوق الانسجام الحي، سواء بالأجزاء المكررة أو المنوعة أو المتناسبة.
والكلمة الشعرية لذلك يجب أن تكون أحسن كلمة تتوافر فيها عناصر ثلاثة: المحتوى العقلي، والإيحاء عن طريق المخيلة، والصوت الخالص، ويجب أن يكون اتصالها بالكلمات الأخرى اتصالا إيقاعيا يؤدي هذا التلوين الإيقاعي إلى الغاية المطلوبة) (21) .
وإدراك أحمد جمال للتفريق بين وظيفة الشعر ووظيفة النثر لكي يحدد المنهج الذي يسلكه، لم يكن عسيراً، لتغلغل التفريق بين ماهية الشعر، وما هية النثر، في عمق تربتنا الثقافية، فلقد ناقش حازم القرطاجني في (المنهاج) الفوارق بين الماهيتين، متكئاً على آراء الفارابى وابن سينا، مبيناً ورود الكذب في الشعر، والذي يفسره بالخيال في قوله:
(فلذلك كان الرأي الصحيح في الشعر أن مقدماته تكون صادقة وتكون كاذبة، وليس يعدَّ بعد شعراً من حيث هو صدق ولا من حيث هو كذب بل من حيث هو كلام مخيّل) (22) .(2/435)
ويستفيض في إيضاح هذة النقطة الدكتور محمد جابر عصفور بقوله: (تخاطب الفلسفة - شأنها في ذلك شأن العلم - الجانب العقلي الخالص من المتلقي بلغتها المجردة، وبقضاياها أو بحججها الصحيحة التي تعتمد - أكثر ما تعتمد - على البرهان. أما الشعر فإنه يخاطب بمخيلاته - وقد تكون صادقة أو كاذبة، موجودة أو ممكنة أو ممتنعة - الجانب الذاتي من المتلقي.
وإذا كانت الفلسفة تخاطب الجانب العقلي الخالص من المتلقي، فلا بد أن تقترن لغتها بالوضوح البالغ والتحديد الصارم الذي لا يترك مجالاً للاختلاف أو الإبهام أو اللبس، أما الشعر، فلأنه يخاطب الجانب الذاتي من المتلقي لا يتحقق فيه الوضوح أو التحديد على نحو ما يتحققان في المستويات الفلسفية. بل ربما كان الغموض مطلوباً في الشعر، ما دام يؤدى وظيفة داخل سياق القصيدة) (23) .
وباختصار فإن الفكر عالم عقلاني، والشعر عالم خيالي، والفكر يصور أو يعالج الواقع القائم والمتجسد، بينما يستهدف الشعر تحسين الواقع وتزيينه، من خلال عملية خلق لغوى، أو تقديم تجربة لغوية، وهذا ما يفسّر أو يفسّر به موقف أفلاطون في جمهوريته، حينما اصطفى من الشعر ما يؤدي وظيفة تربوية، أو بعبارة أكثر دقة، اصطفى من الشعراء من لا تؤدى أساطيرهم إلى إفساد النشء (24) .
بواعث الانتقال من الشعر إلى النثر:
وهذا ما يفسر أيضاً انتقال الكثير من الشعراء ذوى النزعة الدينية العميقة، والعاطفة العقدية الكامنة، إلى الضفة الأخرى من النهر، مع أول بارقة تلوح وتحاول المساس بالعقيدة ومكوناتها أو بالمجتمع الإسلامي وأعرافه وقيمه، كسرب الظباء حينما يستوفز ويتحفز مع بارقة الخطر التي تلوح في أفق عالمه الساكن الوديع، كي يعود إلى الموقع الآمن بمنأى عن الخطر، ويترقب ويراقب من يتربصون للإيقاع به في شراكهم.(2/436)
فكأن مرحلة الشّعر تمثل الهدوء الذي يسبق العاصفة، أو هي بتصوير آخر مرحلة الاسترخاء والاستجمام، المقصود به التهيؤ لخوض عمار معركة، أو الاشتراك في منازلة، أو منافسة رياضية.
وإن شئت من منظور آخر، فهي مرحلة تسخين، كما ينتهجها الرياضي استعداداً للنزال والتنافس، ليحظى بالتفوق في مباراته.
أو هي فترة التدريب، ليتسنى للكاتب أن يحقق ارتفاع منسوب اللغة في معجمه، وتوسيع مقدرته اللغوية، من خلال الاستفادة من المرحلة الشّعرية بالتوليد والاشتقاق.
فالشاعر أقدر على خلق اللغة من الناثر، وتحوير استخدام اللغة بما تتيحه أنظمتها من اشتقاق ونحت وتركيب.
فحاجة الشاعر للّغة تفوق حاجة الناثر، فهو يحاول خلق لغة مطواعة، يهيمن عليها في مواجهة قيود الشعر الفنية وتخطى حواجزها الموسيقية.
فالشعر يحتاج إلى لغة خاصة تتجانس مع إيقاعيته، وتغطي مختلف موضوعاته ومناسباته المختلفة، التي نعني بها مناخ القصيدة من عاطفة في الرثاء والحب، إلى النبرة الخطابية في الحماسة والتحفيز، أو الجزالة والفخامة في الفخر.
فاللغة في الشّعر تتجانس مع مناخ القصيدة ومضمونها، وعنصر الخيال يظل الجذوة التي يقتبس منها الشاعر لإيقاد فكرته.
واللغة في الشعر إشاريّة تعتمد على الاختزال والرمز والإيماء والإيحاء، وتتباين في ذلك عن لغة النثر، المتميزة بالشفافية والوضوح والمباشرة في الوصول إلى الهدف المتوخى.
ولما كانت هذه اللغة، أعني لغة الفكر الإسلامي، والقضايا الإسلامية، لغة حسم ووضوح، فإنها تتفاوت وظيفياً صراحة ورقّة، بحسب مقتضيات الدور الذي ينيطه الكاتب بنفسه، وبحسب مناخ الخطر الذي يكتنف الكاتب، وبعبارة أدق وأشمل، يكتنف معتقده وقيمه.(2/437)
وأحمد جمال من حيث الحدة والصرامة الأسلوبية ورقتها وشاعريتها كمعيار، يتبوأ منزلة وسطى بين شاعرين انتقلا إلى مخيم الفكر الإسلامي، هما الأستاذ مصطفى صادق الرافعي، والأستاذ سيد قطب (رحمهما الله) .
رحلة الرافعي من الشعر إلى النثر:
من المفارقة العجيبة أن الرافعي الذي غرق واستغرق أدبه وفنه في رومانسية مغرقة في التراخي والحلم الحزين وهموم الذات، إن لم يكن باعثها حبه وهيامه بمي زيادة، كما اتهم بذلك (25) ، فتأجّج الولوع بالمدرسة الرومانسية ربما كان يكمن خلف ذلك، فقد كانت تشهد أوج ازدهارها في مناخنا الأدبي، وانعكست على صفحة شعره كما في قوله (26) :
نرى النهر ينساب عن شاطىء
ليجريه الشاطىء المستقر
كذا يتدافع بحر الحياة
فإنّ له رحمة الله بر
لآمنت يا ربُّ مثل الصغير
وراء الوجود أبوه الأبر
نفرّ من الهمّ في زعمنا
ولكنه هو منّا يفر
ومنذ رأى في السماء الغيوم
تقيم بها أبداً لا تمر؟
وهل في الوجود سوى سائر
تدافع: شيء لشيء يجر
فمن عرف الكون عرفانه
ففي كل حال له ما يسر
تعيش على الأرض جرذانها
فكيف تعيش وفي الأرض هر؟
لعمرك ما تستقرّ الهموم
تقيم بها أبداً لا تمر
ومنذ رأى في السماء الغيوم
على مؤمن روحه فيه حر
وفي الدهر يسر وفي الدهر عسر
وفي العمر حلو وفي العمر مر
ولكنها حركات الحيا
ة منها الحياة لنا تستمر
ويأتي الشتا أغبراً كالحاً
لأن الربيع به مستسر
فلا دام في نفعه نافع
ولا دام في ضرّه ما يضر
ومنذ رأى في السماء الغيوم
تقيم بها أبدا لا تمر
فكن مرحاً لا تقر الأسى
فعادة كلّ أمرىء ما يقر
وما سر حظّك إلا لديك
بلى!! فرح القلب للقلب سر
تعود الحياة هلاكا لمن
أراد الحياة على ما يصر
فخذها حصى إن تكن من حصى
ودرّا إذا كان في الحّظ در
ومنذ رأى في السماء الغيوم
تقيم بها أبداً لا تمر؟
ولا تزد الشر في وهمه
بوهمك.. ذانك شرّ وشر
خفاف السحاب تطير البروق
وترمى الصواعق إذ تكفهر(2/438)
وهذي الهموم كمثل النساء
يضاعفهن خيالُُ يغُر
حصاة.. يثقّل بالقلب من
توهمها جبل مشمخر
ومنذُ رأى في السماء الغيوم
تقيم بها أبدا لا تمر؟
وهي قصيدة رومانسية، تشف عن نزعة إيمانية كامنة، لا يعسر الاهتداء إليها، وتتبع خطوطها بين ثنايا القصيدة وبين غيوم المناخ الرومانسي. فكأنها الغلاف الذي يشفّ عما تحته، كما تشي بتلك الرومانسية بل وتوحي بها عناوين كتبه.
ومن أراد أن يرسم لوحة لأدب الرافعي يتعيّن أن يحتضن إطارها مسارين مميزين يحكمان مسيرة الرافعي الأدبية:
1- الاتجاه العاطفي ويتجلى في الرومانسية التي انطوت عليها كتبه مثل (أوراق الورد) و (حديث القمر) و (السحاب الأحمر) الذي يقول فيه:
(رأيت وجه فتاة عرفتها قديما في ربوة من لبنان ينتهي الوصف إلى جمالها ثم يقف، كنت أرى الشمس كأنما تجرى في شعرها ذهبا، وتتوقد في خدها ياقوتاً، وتسطع في ثغرها لؤلؤة، وكنت أرى الورد الذي يزرعه الناس في رياضهم، فإذا تأمّلت شفتيها، رأيت وردتين من الورد، الذي يزرعه الله في جنته، وكانت لها حينا خفّة العصفور، وحينا كبرياء الطاووس، ودائما وداعة الحمامة المستأنسة، وكانت روحها عطرة، تنضح نفح المسك إذا تشامت الأرواح العزلة بالحاسة الشعرية التي فيها. وكنت إذا رأيتها بجملة النظر من بعيد، صور لها قلبي من الحسن، والهوى ما يموت فيه موتةً ثم يحيا، فإذا جالستها وأمعنت النظر فيها رأيتها في التفصيل شيئا بعد شىء، كما أنظر نجما بعد نجم بعد نجم: كلها شعاع وكلها نور وكلها حسن.(2/439)
وما نظرت مرة إلى النساء حولها إلا وجدت من الفرق بينها وبينهن ما يتضاعف من جهتها عالياً عالياً، ويتضاعف منهن نازلاً نازلاً، كأنه ليس في الأمر إلا أنها أخذت من السماء ووضعت بينهن. هي كالفتنة المحتومة تنبعث إلى آخرها فليس منها شيء إلا هو يحسّن شيئا ويشوق إلى شيء، وبعضها يزين بعضها. لقد تراخى الزمن بي وبها! فلو عدت لأحصيت مائة وخمسين قمرا منذ فارقتها، وما أحسب الأرض إلا انصدعت بيننا عن اقيانوس عظيم من الزمن، تملؤه الأيام والليالي فلا يخاض ولا يعبر ولا ينظر فيه أهل ساحل أهل ساحل غيره.
وعلى أن هذا الزمن قد محا في قلبي من بعدها واثبت، فلا تزال تنشقّ لها زفرة من صدري كلما عرضت ذكراها، كأن القلب يسألني بلغته. أين هي؟
والقلب الكريم لا ينسى شيئا أحبه ولا شيئا ألفه، إذ الحياة فيه إنما هي الشعور، والشعور يتصل بالمعدوم اتصاله بالموجود على قياس واحد، فكأن القلب يحمل فيما يحمل من المعجزات بعض السّر الأزلي الذي يحيط بالأبعاد كلها إحاطة واحدة، لأنها كلها كائنة فيه، فليس بينك وبين أبعد ما مر من حياتك إلا خطوة من الفكر. هي للماضي اقصر من التفاتة العين للحاضر.
ليس بجمال إلا ذلك الروح الذي يرفع النفس إلى أفق الحقيقة الجميلة، ثم ينفخ فيها مثل القوة التي يطير بها الطير ويدعها بعد ذلك تترامى بين أفق إلى أفق، فإما انتهى المحب إلى حيث يصير هو في نفسه حقيقة من الحقائق، وإما انكفأ من أعاليه وبه ما بالطيارة الهاوية: دفعت راكبها إلى حيث ترمى به ميتا أو كالمغشي عليه من مس الموت) (27) .(2/440)
وجوهر المفارقة يكمن في أنّ الرافعي مزّق غلالة الرومانسية التي كان يتوشّح بها، لينبري فجأة كالفارس الكميّ الشاكي السلاح، ليجرّد حسام اللغة، ويقوّم سنان حروفه، في مواجهة الدكتور طه حسين حينما ألف في عام 1926م كتابه (في الشعر الجاهلي) ، والذي أصدره في العام الذي يليه بعنوان (في الأدب الجاهلي) وتبنّى فيه نظرية (رينيه ديكارت) في الشك المفضي الى اليقين، وإن كان طه حسين قد ضخّم في حقيقة الأمر ما تبناه وطرحه المستشرق مرجليوت الأستاذ في مدرسة الألسن التي أسسها رفاعة رافع الطهطاوي بمصر في بحثه المسمى ب (أصول الشعر العربي) (28) .
فألّف الرافعي (المعركة بين القديم والجديد) و (تحت راية القرآن) ليصب فيهما جام لغته وغضبه على الدكتور طه حسين بمفردات نيزكية حادة وحارقة، كقوله: (لم ينفرد الأستاذ طه حسين بانتحال الجديد والتجديد، ولا هو أول من زعم ذلك أو حامى عنه أو كابر عليه، فقد سبقه آخرون لكنه أول من اجترأ على الأدب العربي بالمسخ والتكلّف وقال فيه بالرأي الأحمق) (29) .
وقوله في الموضع نفسه: (وإنّ من عجز عن أن يعلو لا يعجزه أن يسفل، بيد أنا لم نجد ولم نعرف غير هذا الأستاذ أحداً يرضى لنفسه أن يُمتدح بالعيب ويتحسّن بالقبح) (30) .
وهول صدمة الرافعي في ثقافة أمته ومكونات نتاجها الأدبي المسحوق تحت سنابك (الشك) والنفي، هي ما يبرر استهلاله كتابه على جلالة مسماه (تحت راية القرآن) ليقول في مقدمته:
(وإنّ طائفة من الذباب لو أصابت حامياً مدافعاً من النسور، فجاءت تطنّ لتلوذ به وتنضوي إليه، ثم قصف النسر قصفة بجناحيه لأهلكها، أو بعثرها، وشردها) (31) .(2/441)
بينما يمثل (وحي القلم) أحد أشهر أعمال الرافعي التي تحتضن جملة من المقالات التي نشرتها الصحف، ويعكس المحصّلة الثقافية الرصينة التي تمتع بها الرافعي، وجملة من الخصائص الأسلوبية التي عرف بها، كما يضم بين جنباته بعضاً من معاركة الأدبية والثقافية بشكل عام تمثل امتداداً لما عرفه المتلقي في (تحت راية القرآن) وتجسد ثباته على موقفه الفكري في التحاور والدفاع عن الثقافة، من منطلق ديني، دون أن يضعف أو يحيد عن الثوابت.
رحلة سيّد قطب من الشعر إلى النثر:
وشاعر آخر اقتنص فرصة هدوء التيار الشعري، ليسبح إلى الضفة الأخرى، والتي كان ينتظره على مرفئها مجد جديد ضمن أحضان التفسير البياني، والدراسات التصويرية والبيانية للقرآن، وأعني به الأستاذ سيد قطب، والذي ينسحب عليه ما ينسحب على خدينه من كمون النزعة الإيمانية المتوارية بين ثنايا أبياته، وتطل بين نسيج شعره العاطفي، حيث يقول:
الآن والايام مد برة
تولول بالنواح
والأفق مخضوب الأديم
، وقد تأذّن بالرواح
أقبلت ويحك تبسمين
، فأين كنت لدى الصباح
وجه الخريف يطلّ فاس
تمعي لإعوال الرياح
* * * *
بعثرت أيام الشّباب
، فويح أيام الشباب
لا نستقي إلا على
رنق، وأنفسنا غضاب
لم تصف كاس حياتنا
يوما، ولا لذّ الشراب
والآن تنطلقين في
لهف إليّ وفي ارتقاب
* * * *
عيناك والهتان
لاهفتان كلهما دعاء
وحنين ملهوف تطلّ
ع في قنوت للسماء
ويحي فأين أنا؟ وأي
ن حنين أيامي الظّماء
صمت الخريف يلفني
وعليه شارات المساء
ذهب الزمان هناك بالأ
سحار، فامض أنت عني
ما عاد يوقظني ندا
ؤك خلسة، من بعد وهن
ماتت مناي جميعها
فعلام يخدعني التمنّي
فرق الزمان طريقنا
فامض، وحسبك ذاك مني
* * * *
هذي خطاي على الطري
ق وتلك - واجفة - خطاك
الريح تطمسها فلا
خطو ولا أثر هناك
شبحان ... قد عبرا فلم
نشعر بهذا، أو بذاك
تتلوهما الأشباح والأ
يّام ماضية دراك (32)(2/442)
فإذا كان المقطع الثاني من القصيدة عبرّ عن الشباب ونزقه، فإن المقطع الثالث أتى ليمسح صورة ذلك الشباب المبعثر بتلك المشاعر التي تشع من عينين والهتين تضجّان باللهفة والدعاء والتطلع الخاشع في قنوت للسماء، وكلها ومضات إيمانية، تلتمع خلف مشاعر عاطفية وتومض بين حنايا قصيدة غزلية، ولذلك كان من الميسور لشاعر مثل سيد قطب أن تحتضنه، أو يولع ببيان القرآن، فهو التوجه المتجانس مع الشفافية الروحية، والتطلع الإيماني لديه، فاصطبغت أعماله بألوان الاهتمام البياني، كما في تفسيره في ظلال القرآن أو دراسته (التصوير الفني في القرآن) ورديفتها (مشاهد القيامة في القرآن) مستثنين من ذلك عمله الفكري مثل (معالم في الطريق) . ولنسترح ونستروح بتلك المشاهد التي يستعرضها سيد قطب حينما يقول: (والآن فلنعرض شطراً من قصص حقيقية، بعدما عرضنا قصص الأمثال.
1 - لنعرض مشهداً من قصة إبراهيم، وهو يبني الكعبة مع ابنه اسماعيل، وكأنما نحن نشهدهما يبنيان ويدعوان الآن، لا قبل اليوم بأجيال وأزمان.
{وإذ يرفع ابراهيمُ القواعدَ من البيت وإسماعيل. ربنّا تقبّل منّا إنّك أنت السميعُ العليم. ربّنا واجعلنا مسلمين لك، ومن ذريتنا أمةّ مسلمة لك، وارنا مناسكنا، وتب علينا، إنّك أنت التوّاب الرحيم، ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة، ويزكّيهم. إنك أنت العزيز الحكيم} .
لقد انتهى الدعاء، وانتهى المشهد، وسدل الستار.
هنا حركة عجيبة في الانتقال من الخبر إلى الدعاء، هي التي أحيت المشهد وردته حاضرا، فالخبر: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) كان كأنما هو الإشارة برفع السّتار ليظهر المشهد: البيت، وإبراهيم وإسماعيل، يدعوان هذا الدعاء الطويل.(2/443)
وكم في الانتقال من الحكاية إلى الدعاء من إعجاز فني بارز، يزيد وضوحا لو فرضت استمرار الحكاية، ورأيت كم كانت الصورة تنقص لو قيل: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل يقولان: ربنا…..الخ.
إنها في هذه الصورة حكاية، وفي الصورة القرآنية حياة. وهذا هو الفارق الكبير. إن الحياة في النص لتثب متحركة حاضرة. وسّر الحركة كلّه في حذف لفظة واحدة. وذلك هو الإعجاز.
2- ثم لنعرض مشهداً من قصة الطوفان: (وهي تجري بهم في موج كالجبال) . وفي هذه اللحظة الرهيبة، تتنبه في نوح عاطفة الأبوة، فإنّ هناك ابنا له لم يؤمن، وإنه ليعلم أنه مغرق مع المغرقين. ولكن ها هو ذا الموج يطغى فيتغلب (الإنسان) في نفس نوح على (النبي) ، ويروح في لهفة وضراعة ينادي ابنه جاهراً: (ونادي نوح ابنه - وكان في معزل - يابنيّ اركب معنا، ولا تكن مع الكافرين) ولكنّ البنوّة العاقة لا تحفل هذه الضراعة اللاهفة، والفتوة العاتية لا ترى الخلاص إلا في فتوتها الخاصة:
(قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) . ثم ها هي ذى الأبوّة الملهوفة ترسل النداء الأخير: (قال: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) . وفي لحظة تتغير صفحة الموقف، فها هي الموجة العاتية تبتلع كل شيء: (وحال بينهما الموج فكان من المُغرقين) .
إن السامع ليمسك أنفاسه في هذه اللحظات القصار، (وهي تجري بهم في موج كالجبال) ونوح الوالد الملهوف يبعث النداء، وابنه الفتى المغرور، يأبى إجابة الدعاء، والموجة القوية العاتية، تحسم الموقف في لحظة سريعة وخاطفة.
وإن الهول هنا ليقاس بمداه في النفس الحية - بين الوالد والمولود - كما يقاس بمداه في الطبيعة - حيث يطغى الموج على الذرى والوديان. وإنهما لمتكافئان، في الطبيعة الصامتة، وفي نفس الإنسان) (32) .
حقبة الفكر:(2/444)
بيد أن الأستاذ أحمد جمال قد احتذى الوسطية، في توجهه الأسلوبي، أو لنقل إن المناخ العام قد هيمن على توجهه الأسلوبي، تبعا للموضوعات والطروحات التي يناقشها ويخوض غمارها، فهي تتوزع بين قضايا فقهية وفكرية وما يتصل بروايات وأحداث السيرة النبوية، إضافة إلى ما يتصل بمشكلات العالم الإسلامي والمسلمين في شتى بقاعهم ومختلف اصقاعهم.
أو تبعا للموضع أو الموضوع، كما يتجسد في القضايا الاجتماعية التي تناولها في الصحف والمجلات، وهي طروحات تتسم بخصائص أسلوبية تجنح إلى البساطة والوضوح، ليتسنى للسّواد الأعظم من القراء استيعاب مضامينها والتفاعل مع طروحاتها.
ولذلك فإن نبرة الخطاب لدى الأستاذ جمال تتباين حسب الموضع والموضوع وقد قيّض الله له أن عاش في بلد لم تطأه قدم مستعمر، ولم يترك على ثراها أثرا من فتنه ومحنه وموبقاته، والمستثيرة لغضبة ونقمة الغيارى من كتّاب وسواهم، لذا لا يبدو محتداً إلا حينما تنتهك المحرّمات، أو يتحايل على حلّها، وتسويغها، كما هو الشأن في قناعته بأن دعوى تحرير المرأة تستهدف التغرير بها للخروج والانحلال بدعوى التطور، والمشاركة والاستجابة لمتطلبات العصر ومسلتزمات الحضارة فأطلق زأرته المشهورة في كتابه المعروف (مكانك تحمدي) وهو عنوان ينطوي على مفارقة لطيفة إذ يعيد المفكر في حالة تلبسه بالغضب، حميّة للعقيدة، وغيرة على الحرمات، إلى جذوره الشعرية، كما يكشف عن بعض مصادره الأدبية فقد استقاه من أبيات الشاعر عمرو بن الإطنابة الحماسية التي يقول فيها:
أبت لي عفتي وأبى بلائي
وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وإقدامي على المكروه نفسي
وضربي هامة البطل المشيح
وقولي كلما جشأت وجاشت
مكانك تحمدى أو تستريحي
لأكسبها مآثر صالحات
وأحمي بعد عن عرض صحيح
بذي شطب كمثل الملح صاف
ونفس ما تقر على القبيح (33)(2/445)
ويدعم حجته بالاستشهاد ببعض آراء المفكرين الغربيين وأعلامهم حيث يقول: (وقال (شامفور) : إن أكثر ميلنا الى النساء جنسي، أما التوافق الروحي والعقلي فضعيف جداً، وشكا (روزفلت) أحد رؤساء أمريكا السابقين من عرض النساء أنفسهن لمزاولة الأعمال العامة بأجور أقل لانهن يقفلن بذلك الباب أمام الرجال الذين هم أحوج منهن الى المال، وقال: إن واجب المرأة المتزوجة أن تنهض بأعباء البيت، وتنظم شئون الأسرة، وعلى الفتاة أن تتزوج وتعيش من كدح زوجها ليتسنى لنا أن نربح من جهود المرأة في دائرة البيت أضعاف ما نربحه من جهودها في الاعمال الأخرى) (34) .
ولا يفوت المؤلف قبل تفصيل القول في مكانة المرأة في الشريعة الإسلامية، أن يعرج على عقد مقارنة سريعة، لتبيان موقف العقائد والمجتمعات الأخرى من المرأة، وأساليب تعاملهم معها حيث يقول:
(لا تعرف مكانة المرأة في التشريع الإسلامي، على حقيقتها، إلا بعد معرفة النظرة التي كان ينظر بها إلى المرأة في الحضارات والتشريعات السابقة، وإلا بعد إدراك المعاملة التي كانت تعامل بها قبل الإسلام، فقد كانت المرأة:
- عند الإغريق والفرس متاعا للبيع والشراء، وكان الرجل صاحب سلطة عليها سواء كان أبا أو زوجا.. إذ لا أهلية فيها للتصرف.
- وفي الهند كان حق الحياة أو حقها في الحياة ينتهي بوفاة زوجها، فتحرق على جثته، وإن سلمت من عملية الحرق عاشت ملعونة منبوذة طوال حياتها.
- وفي الجاهلة العربية كانوا يئدون البنات، وكان الابن يرث زوجة أبيه بعد وفاته كما يرث متاعه، ويتحكم في تصرفاتها وفي حياتها. وعندما جاء الإسلام حرم هذه الشرعة الجاهلية: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها….) (35) .
- وعند قدماء المصريين المرأة هي علة الخطيئة، وسبب المصائب والنكبات.
- وفي القانون الروماني: كانت المرأة قاصرا لا تستقل بحقوق منفصلة عن زوجها ولا تتصرف في أموالها إلا بإذنه.(2/446)
- وفي ظل التصور الرهباني المسيحي … كانت المرأة منبع المعاصي والفجور، وهي للرجل باب من أبواب جهنم، من حيث هي سبب تحريكه وحثه على الإثارة، وجمالها سلاح إبليس لا يوازيه سلاح من أسلحته المتنوعة الأخرى.
- وفي أوربا المسيحية - بصفة عامة - إلى ما قبل قرون تعتبر المرأة مصدر الشرور والآثام، وخليفة الشيطان وليس لها حق التصرف في أموالها، وتنسلخ من رابطة أسرتها ونسبها إلى رابطة زوجها ونسبه، وكان الفلاسفة ورجال الكنيسة يطيلون الجدل حول كون المرأة شيئا أم شخصا؟ وهل لها روح إنسانية كالرجال؟ وهل تستحق مثله الحياة الأخرى؟ .
- وانتهى المؤتمر الذي ناقش قضية المرأة في فرنسا عام 586 إلى قرار: أن المرأة خلقت لخدمة الرجل، دون أن تشارك في أوامره ونواهيه برأي أو مشورة.
- وحتى سنة 1805 كان القانون في بريطانيا يعطي الزوج الحق في بيع زوجته لرجل آخر بسبب الكراهية أو الحاجة المادية. ثم صدر بعد ذلك قانون التحريم والمرأة الحديثة في الغرب - الذي يزعم أنه حر ومتحضر ومتقدم علميا - ماذا يرى الزائر هناك عنها؟ يرى المظاهرات التي تطالب فيها المرأة بالحرية.. وتصرخ من ظلم الحضارة الغربية للمرأة.. إن المرأة هناك تذهب إلى العمل وتعود منه لتبقى في غرفتها… وهي تعمل كالرجال ولكنها تعطى أجراً أقل. وهي حرة في أن تنام مع من تشاء ولكنها وحدها تتحمل الثمن، فإما أن تدفع 150 جنيها أجرة عملية الإجهاض، أو أن تعيش أماً غير متزوجة لترعى طفلها غير الشرعي.
والمرأة الفرنسية - بحكم القانون - تابعة لزوجها شخصيا واسميا، حيث تتسمى باسم أسرته، ونظام الإرث الإنجليزي يسمح للزوج بالوصية بكل ماله لمن يشاء، حتى الكلاب والقطط. باسم الحرية الشخصية. وبهذا تحرم المرأة من حقها في مال زوجها.(2/447)
أما المرأة الروسية فهي تعمل ايضا، ولكن بقسوة أكثر.. لا أنوثة تبدو عليها، ولا مساحيق على وجهها. تمسك بالمنجل والجرافة والمكنسة وتعمل في البناء وكنس
الشوارع. وقد تشققت يداها من خشونة العمل. بل أدهى من ذلك تعمل الروسية في درس الحبوب في المزارع بدلا من الآلات الدارسة. بل بدلا من الثور، كما هي الحال في البلدان المتخلفة. وتعيب الكاتبة الأمريكية مريم جميلة (35) على (النسائيين) - أي دعاة تحرير المرأة المسلمة في العالم الإسلامي - تعيب عليهم فهمهم الخاطئ لمعنى (التحرير) ، على أنه الإباحية المطلقة للنساء في الاختلاط بالرجل حيث شئن وأنى ذهبن، دون قيد ولا شرط، وفي اختيار الأزياء غير المحتشمة وفي توظيفها خارج البيت. في الأسواق والمسارح ودور السينما، وفي مساهمتها في الحياة العامة، مهما تمزقت أوصال الأسرة، وانتهكت حرمات العفة والإباء. هذا ما تقوله (الكاتبة الأمريكية) التي ولدت وعاشت حياة حرة طليقة من كل قيد. حيث السفور والاختلاط، وعمل المرأة إلى جانب الرجل في كل مكان، وانطلاق الفتاة من تقاليد الأسرة وآدابها، ومصادقتها للفتيان، والذهاب معهم إلى ابعد حدود الحرية والانطلاق - تقول ذلك الكاتبة الأمريكية والغربية المتحررة، وتدعو بإخلاص بعد اعتناقها للإسلام ومعرفتها أحكامه وآدابه - إلى أن يعرف النساء المسلمات نعمة الله عليهن بهذا الدين الذي جاءت أحكامه وآدابه صائنة لحرمتهن، راعية لكرامتهن، محافظة على عفافهن وحيائهن من الانتهاك والضياع.
ويؤيد هذا الرأي (رو برت ولزلي) وهو إنجليزي فيقول: (إن اكتساب المسلمين للثقافة الغربية، والعادات الأجنبية البذيئة كتقصير النساء لملابسهن حتى تتكشف أفخاذهن.. ليس من الإسلام، لأنه غاية الفساد) (36) .(2/448)
والباعث على تأليف هذا الكتاب (مكانك تحمدي) يفسر الوضوح والمباشرة في أسلوب التناول، حيث يمثل موقفا مناهضا لدعوة نجمت في المجتمع الإسلامي، تحض على مشاركة المرأة في العمل وبناء المجتمع، فاقتضت مقارعة الحجج أن يلوذ الكتاب بالوضوح والتلقائية، وإيراد الشواهد والأقوال، وتحليلها في يسر وسهولة، ولكي يتحقق من منظور آخر تأثير أفكار الكتاب في أكبر عدد من المتلقين، على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم، وبازاء قضية خلافية انقسم حولها المجتمع. وينسحب الحكم نفسه على كتاب (نحو تربية إسلامية) ، إذ يستشهد فيه بقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي عن علاقة المدرس بطلابه: (إنها علاقة مدرس بتلاميذه، وإن ساعة الدرس ليست إلا وسيلة لتوطيد التعارف بينه وبينهم، وليست البحوث التي يلقيها عليهم إلا طريقا لاكتشاف مشكلاتهم، ومحاولة إيجاد حلول لها) (37) .
وكما هو دأب الأستاذ أحمد جمال، فإن المفاهيم التربوية مستقاة من تعاليم الإسلام، ويؤكد على الرجوع إلى التعاليم الإسلامية، لاستنباط الأسس التربوية، لتعويد الناشئة على احتذائها، والالتزام بقيمها، كما في قوله: (إذا كان الخبراء النفسيون العصريون يقررون أن كثيرا من الأمراض النفسية والعصبية.. مرجعها ما وقعت عليه أنظار هؤلاء المرضى وهم أطفال، من مشاهد جنسية لآبائهم وأمهاتهم. فقد سبق علم النفس الإسلامي إلى تحذيرات وقائيه، تمنع حدوث هذه الأمراض النفسية والعصبية مستقبلا، يقول الله تبارك وتعالى:
(يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانهم، والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات، من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم) (38) .(2/449)
فالأطفال ممنوعون - في منهج علم النفس الإسلامي - أن يقتحموا على آبائهم وأمهاتهم خلواتهم الثلاث: قبل الفجر وبعد الظهر، وبعد العشاء، فهي ساعات راحة ونوم، وتحرر من الثياب الساترة، ومباشرة لما أحل الله لهم (39) .
ويأتي متدرجا في الترتيب التصنيفي ليقترب من نفس المدار كتيب (ماذا في الحجاز) وهو كتيب يتباين عنوانه عن موضوعه، إذ يحمل عنوانه نبرة الخطاب السياسي، ولذلك فهو يغري من يسمعه بالبحث عنه، ومعرفة محتواه، ولكن مضمونه يمثل مسحا للتطور التعليمي والتربوي في الحجاز، وما شيد به من مدارس ومعاهد أهلية وحكومية في بواكير نشأة التعليم في العهد السعودي في هذا الإقليم، مع التعريج على ذكر الأنشطة ذوات العلاقة بالحركة التعليمية، كالصحافة والطباعة، مردفة بذكر نماذج لرجال التعليم والأدب، خاتما ذلك بتقديم نماذج من الشعر الحجازي، وكأنه الشهادة على ما وصل إليه التعليم في هذا الإقليم في تلك الحقبة. ومبرر اختيار هذا العنوان يفصح عنه المؤلف بقوله:
(وليس الدافع إلى إرسال هذه الإيماءة اللافتة إلى ما في الحجاز الحديث، هو أن في الحجاز شيئاً عظيما جداً جداً! لا فبصريح الاعتراف ليس الحجاز هذا الشيء العظيم، ولكن هناك - على كل حال - شيئاً.. حرام على إخواننا العرب المسلمين، في مد أقطارهم الدانية والقاصية، أن يجهلوه أو يتجاهلوه، ويصروا - بعد التعريف والتذكير - أن يظلوا جاهلين أو متجاهلين، إنما الدافع كل الدافع ما جاء في المزاعم التوالي:
زعموا أننا نعيش كسالى
ما لنا في الجلال غير ادّكاره
زعموا أننا صنائع بر
همّنا في السؤال أو في ابتكاره
زعموا أنّنا نموت ونحيا
في هوى يومنا وفي استدباره
زعم الماكرون أشياء أخرى
لم أرد ذكرها من استحقاره(2/450)
لا، بل سأذكرها أنا ولا أحقرها، لأن التّهم الكواذب لا تحتقر أولا وإنّما تدحض وتنقض عروة عروة، وعلى المتهم (الصدوق!!) بعد أن يرى عروش اتهاماته (الصوادق!!) خاوية هاوية، أن يتولى احتقارها بنفسه، وإلا فمن حق المتهم البرىء المحفوظ له، أن يشنّ إغارة الاحتقار. لقد زعموا أننا في مجال المعيشة الاقتصادية الاجتماعية نتخذ من الجبال أكنانا، ومن جلود الأنعام أكسية، ليس في حجازنا قصور، ولا دور ولا حدائق ولا فنادق، وحجّتهم الداحضة، أننا نعيش بواد غير ذي زرع، عند بيت الله المحرم. وزعموا أيضا أننا - في مجال الثقافة العامة بنوعيها تعليما وأدبا - نعيش أميين جهلاء، ليس في حجازنا مدارس ولا معاهد، ولا علماء ولا أدباء، ولا آثار لهؤلاء وهؤلاء.
وزعموا ما شاء لهم الهوى أنْ يزعموا غير هذا و (أجمل!) من هذا (جمالا) يغضي القلم حياء منه فيؤثر الصمت، لأن الصمت في هذا المقام فحسب هو الذهب بعينه.
زعموا حتى دلاّهم بغرور ما زعموا، فتساءلوا - استكثارا علينا - لم نبعث الإرساليات العلمية إلى الخارج؟ ما دام الحجاز ودايا غير ذي زرع صالح، وتربة صالحة، وحق لهم أن يزعموا تلك المزاعم الجاهلة، وأن يستكثروا علينا الثقافة الاجتماعية والاقتصادية، والدينية والعلمية، والسياسية والعمرانية، فقد دلاّهم جهلهم بغرور إلى غرور.(2/451)
ويعزينا قليلا أو كثيرا، أن حجازنا لم يكن أولى فرائس هذا الاتهام الذي تضربنا به إحدى يدينا! فمنذ عام ويزيد تألّم الأستاذ على الطنطاوي باسم الأدب السوري، لإغفال أدباء مصر لهم، وكان ذلك في خطاب مفتوح نشره في مجلة الثقافة التي تصدر في مصر العزيزة، ومنذ شهرين إلا قليلا تكررت الشكوى ولكن بقلم الأستاذ تقي الدين خليل، باسم الأدب اللبناني وكان ذلك في مجلة آخر ساعة المصرية أيضاً. أما نحن الحجازيين فقد ضاقت مجلات مصر وصحفها على أدبنا بما رحبت لأدب غيرنا، فكم طويت لنا من رسائل عتاب، وكم أهملت لنا من مقالات شعر ونثر وخطاب! قد تعتذر بأنها غثة تافهة والرد حاضر على هذا الاعتذار المظنون، ذلك أنه ما كل ما تنشره مجلات مصر وصحفها غير غث ولا تافه، فلتكن موائدها في ضيافتنا الغثاثة والتفاهة، ولها منا موعدة التواضع الجم، والتسامح الشديد) (40) .
ويأتي منسجما مع المسار التربوي، ومتجانسا مع الطروحات الفكرية للاستاذ احمد جمال خاصة في كتابه (مكانك تحمدي) ، كتاب (تعليم البنات بين ظواهر الحاضر ومخاطر المستقبل) .(2/452)
والكتاب الذي نشر طبعته الأولى نادي الطائف الأدبي عام 1409 - 1988هـ، يمثل محاضرة ألقاها المؤلف في كلية الشريعة بالرياض يوم 5/4/1398هـ، بدعوة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تحمل نفس العنوان، ولذلك يوميء المؤلف في مقدمة كتابه إلى تمسكه بمواقفه حيث يقول: (وعنوانها صريح في تحديد موضوعها، وما توقعته من مخاطر مستقبل تعليم البنات تحقق فعلا. فقد بدت في الأفق مشكلات عديدة.. منها ظاهرة الطلاق المتزايد بين الأزواج والزوجات، نتيجة لما تشعر به الزوجة المتعلمة من مساواة ثقافية أو علمية مع زوجها، وربما يزيد راتبها إذا كانت مدرسة أو طبيبة.. فهي تتعامل معه بمشاعر الندّ تجاه الندّ، لا بعواطف الزوجة نحو زوجها. وهو بالتالي ربما يشعر بمركب النقص تجاه زوجته المساوية له، أو المتفوقة عليه ثقافيا أو اقتصاديا.
كما أن بعض الشباب من الذكور يحجم عن الزواج بالجامعيات.. لأنه يخشى أن تتعامل معه زوجته الجامعية بكبرياء المثقفة، وغطرسة الموظفة. وقد نشأت في مجتمعنا ظاهرة أخرى، ظاهرة (العنوسة) ، أي تأخر كثير من المتعلمات المتخرجات من الجامعات عن الزواج، حتى اصبح بعضهن لا تستحي من الحديث بالرغبة في الزواج، بل إن بعضهن تزوجن أزواجا لهن زوجات وأولاد، ورضين مبدأ تعدد الزوجات!!
وهناك ظاهرة إهمال الزوجات العاملات لبيوتهن وأولادهن وأزواجهن، وصحفنا تفيض بالحديث عنهن، وعن الخادمات الأعجميات، وغير المسلمات، اللائي أصبحن مسؤولات عن تربية أطفالنا، رجال المستقبل، وآمال الغد.
ومع ذلك تشكو هؤلاء العاملات مرّ الشكوى من الإرهاق الذي يعانينه من العمل خارج البيت، ومتاعب الأسرة التي تنتظرهن عند العودة من أعمالهن.(2/453)
وقد ضممت إلى المحاضرة حوارا جرى بيني وبين الطالبات والمدرسات في كليتي التربية للبنات بمكة وجدة، لاشتماله على موضوعات تتصل بالقضايا التي تتضمنها المحاضرة، مع ظواهر جديدة، في مجال التعليم النسوي، والعمل النسوي أيضاً.
وأضفت أيضاً فصلا ثالثا، يتضمن عبراً ودروساً من تجارب الأمم والمجتمعات العربية والأوربية، التي سبقتنا الى تعليم المرأة وتوظيفها، وما تعانيه من مشكلات وأزمات، بسبب عدم التوفيق بين مسؤولية المرأة العاملة كزوجة وأم وبين واجباتها الوظيفية خارج البيت (41) .
ومع ذلك فإن المؤلف يستدرك ما يحمله العنوان في تضاعيفه من إيحاءات ويبرز موقفه بوضوح من تعليم المرأة وحاجة المجتمع له، في حقول تقتضي الاستفادة من قدرات المرأة وإسهاماتها، حيث يقول: (وهو عنوان قد يوهم المستمع أني أعارض تعليم المرأة وتشغيلها خارج البيت فيما تستطيعه، وما يتفق مع طبيعتها الرقيقة، ولا يخالف ما شرع الله لها من حجاب وآداب.
ومخافة من هذا الإيهام، الذي قد يحدثه عنوان المحاضرة بدأتها بالقول: 0إني في كل ما كتبت وما تحدثت، عبر أجهزة الإعلام الثلاثة (الصحافة، والاذاعة، والتلفاز) ،كنت وما أزال أدعو الى تعليم المرأة، وتوظيفها في أعمال مناسبة للطبيعة وآداب الشريعة وذلك:
أولاً - لان الإسلام نفسه - يحثّ على تعليم الرجل والمرأة.. كل حسب استطاعته وحاجته، وحاجة المجتمع إليه والبيت والأسرة لا يداران إدرة صحيحة قويمة إلا بزوجة مسعدة، وأم مرشدة، والشباب الذين هم الأبناء والبنات، لا ينشأون التنشئة الصالحة الناجحة، إلا إذا كان آباؤهم قد أخذوا من الثقافة الدينية والاجتماعية والاقتصادية، والتربوية، بحظ وفير.(2/454)
ثانياً: لأن أخلاقنا الإسلامية تمنع من الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل خارج البيت، ومجتمعنا كما يحتاج إلى تعليم الذكور من الشباب وتطبيبهم وتمريضهم وإدارة شؤونهم، يحتاج تماما إلى تعليم الإناث من الشابات وتطبيبهن وتمريضهن وإدارة شئونهن.
فلابد، من مدرسات وطبيبات وممرضات ومديرات ومفتشات ومرشدات اجتماعيات، يتولين العمل في المؤسسات النسائية، ويكفينا عواقب الحاجة إلى الرجال.. وعمل الرجال مع النساء لإدارة شؤون النساء، مما رأيناه رأي العين في المجتمعات الأخرى، التي سبقتنا إلى هذه المفاسد والمنكرات.
وإذن فتعليم البنات وتوظيفهن في حدود الطبع والشرع: حاجة لازمة لا ريب فيها، ولا جدال حولها، ولا اختلاف عليها) (42) .
على أن ذروة الاهتمام التأليفي لدى الأستاذ أحمد جمال تتمحور حول الدراسات الدينية، تفسيراً وفكراً وقضايا وآراء ودراسات، مع الاحتزاز بالإشارة الى اصطباغ سائر أعماله، من تربوية وفكرية وصحفية وأدبية، بالصبغة الدينية وعدم مبارحته لمسارها، وتوجهاتها، وآدابها.(2/455)
ومن أهم أعماله في حقل التفسير كتابه (مأدبة الله في الأرض) فقد هدف في هذا الكتاب الى جمع الآيات التي تتناول موضوعا واحدا، وتفسيرها، أو كما يصرح بقوله: (وقد نشأ عندي خلال دارستي للقرآن الكريم، حب لتفسيره تفسيراً موضوعياً.. أي جمع الآيات المتحدثة عن موضوع واحد، وتأمّلها ثم الحديث عنها بما يفتح الله. وقد بدأت تنفيذ هذه الفكرة بكتابي (على مائدة القرآن: دين ودولة) الذي صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1371هـ (1951م) ، ثم تكررت طبعاته سنة 1393هـ (1973م) وسنة 1400هـ (1980م) (43) وتناولت فيه موضوعات تتعلق بالعبادات والأخلاق، وبالتربية والأخلاق وبالعلم والعلماء والتعليم، ونظام الحكم والمجتمع، والفوارق بين الذكر والأنثى، وحقوق الرجل والمرأة، ونظام الاقتصاد الخ ونلاحظ أن معظم كتب التفسير القديمة والحديثة اتبعت طريق التفسير للسور مرتبة كما هي في المصحف. وهي طريق نافعة لا شك فيها، ولكن التفسير الموضوعي - من وجهة نظري - أفضل وأجمل، وأجمع لفهم القارىء، لكي يدرس أو يدرك حقيقة التوجيه القرآني في الموضوع الواحد، أو القضية الواحدة.. وكيف تدرّج القرآن في طرح الموضوع أو القضية، وفي الإقناع بتحريم الحرام، وتحليل الحلال، والاحتجاج بصواب الهدى، وبطلان الضلال) (44) .
ويذكر الدكتور عبد الفتاح شلبي في التمهيد أن (كتاب مأدبة الله في الأرض يشتمل على سبعة فصول، أوردها المؤلف على النسق التالي:
الفصل الأول: عن القرآن فهمه وتدبره وفضله.
الفصل الثاني: عن العقائد والعبادات.
الفصل الثالث: عن الإنسان، خلقا وتدبيرا، فردا وجماعة، ذكرا وأنثى، اهتداء وزيغا.
الفصل الرابع: عن القرآن كمنهج تربوي للفرد والمجتمع، والدولة والأمّة.
الفصل الخامس: عن جهاد الأعداء، وترقّب النصر.
الفصل السادس: عن بعض قصص الأنبياء.
الفصل السابع: عن بعض قصص اليهود والمنافقين) (45) .(2/456)
وأحمد جمال في هذا الكتاب لم يقف عند حدود اّراء وأقوال القدماء، بل يوسّع آفاق التناول فيورد ما ذكره المفسرون والعلماء، ويستأنس برأي المفسرين المعاصرين، كإيراده تفسير الإمام ابن كثير عن الإمام البخاري (روي عن النبي (أنه قال لأصحابه: أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فشقّ ذلك عليهم وقالوا: أيّنا يطيق ذلك يا رسول الله؟
فقال: قل هو الله أحد ثلث القرآن العظيم.
ثم يسأل أحمد جمال: لماذا كانت سورة الإخلاص ثلث القرآن؟ .
وبعد أن يعرّج على أن عقيدة التوحيد هي الأساس والقاعدة والعماد لنظام الإسلام
كلّه، يورد قول الإمام الغزالي: إن مهمات القرآن العظيم هي معرفة الله، ومعرفة الآخرة، ومعرفة الصراط المستقيم. فهذه المعارف الثلاث هي المهمة، والباقي توابع، وسورة الإخلاص تشتمل على واحدة من هذه الثلاث، وهي معرفة الله، وتقديسه وتوحيده عن مشارك في الجنس والفرع، وهو المراد بنفي الأصل والفروع والكفء.
والوصف (بالصمد) ، يشعر بأنه السيد الذي لا يقصد في الحوائج سواه.
واستئناسه بآراء المعاصرين يتجلى في تضمين رأي الدكتور عبد الجليل عبد الرحيم، في تعقيبه على معنى الحديث النبوي الشريف بأن سورة الإخلاص: هي ثلث القرآن الكريم: (إن الذي يخطر في هذا الموضوع أن الدين بأسره إنّما هو معرفة الله، بسائر شؤونه وتجليات أسمائه وصفاته، ثم العمل بموجب هذه المعرفة، وضبط السلوك عليها، مع الإخلاص لله في العلم والعمل) (46) .
وتأبى الحاسة الصحفية التي عانقت أحمد جمال طوال حياته أن تتوارى عن مؤازرته في توجهه الديني، كما تؤازره معطيات المعاصرة بإنجازاتها العلمية في الاستفادة مما ينشر ويبث هنا وهناك، لتعضيد ما يذهب إليه من آراء، ففي تفسيره لقوله تعالي (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنّه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) (47) .(2/457)
يستهلّ تفسير الآية بذكر أقوال بعض قدامى المفسرين، مردفا ذلك بما فتح الله به عليه، ويعقب بإيراد أقوال بعض رواد الفضاء، حينما تجلّى لهم بديع صنع الله في خلق هذا الكون، وتناغم كواكبه ونجومه في منظومة المجرات السماوية، فيما أتيح لهم مشاهدته عبر رحلاتهم الفضائية، فيورد أقوال جيمس اورين، الذي تحول إلى قسيس ليتفرغ للتأمّل في اعتقاده بالله والرائد ميشيل، وأخيراً الرائد شيبرد، الذي يقول: (إنّ رحلتي إلى القمر، وسّعت نظري إلى ابعد مما وراء حياتنا اليومية لقد كنت محدود التفكير، حين أتصور أنّ بلدي هو كل شيء في العالم، حتّى إذا سنحت لي فرصة النظر لكل هذا العالم عرفت ضخامة هذا الكون، وضآلة مجموعتنا الشمسية، وكم من آلاف السنين يبعد عنا أقرب نجم لأرضنا، وعندما غادرنا الأرض ونظرنا إليها من عل، وجدنا كوكبنا ليس بالكوكب الذي يذكر) (48) .
ويأتي في نفس المسار كتاب (القرآن الكريم كتاب أحكمت آياته) ، إلا أنه في (مأدبة الله في الأرض) تمثلّ روح المعاصرة، من خلال الاستشهاد بأقوال وآراء بعض العلماء والمفكرين ورجال الفضاء لتبيان ما وصلوا إليه من قناعات من خلال الاكتشافات العلمية، التي تشهد بوحدانية الله، وعظمة الخالق المبدع في أرجاء هذا الكون وتكوينه، من مجرّات وكواكب، تجعل الملحد يتطامن أمم عظمة الخالق، وروعة البناء والتكوين.
بينما اقتصر في (القرآن الكريم كتاب أحكمت آياته) على مناقشة آراء بعض المفسرين والعلماء القدامى والمعاصرين بما أوردوه من آراء وأقوال، في اجتهاد علمي، لمناقشة هذه الآراء ودحض بعضها ولذلك يحدّد في المقدمة موقفه من هذه الآراء، والمؤلفات التي تضمنتها بقوله:(2/458)
(وهذه الفصول الأربعة عشر، هي تعقيبات متأنية ومتعمقة، على بعض الكتب القديمة والحديثة، التي وضعها علماء قدامى وكتاب معاصرون، حول القرآن الكريم: آياته وكلماته ومعانيه، وقد أسرف بعضهم في القول بنسخ معظم آيات القرآن، وهذا يعني أن الأحكام والمقاصد الأخلاقية لهذه الآيات أبطلت. كما أفرط فريق منهم في توهم الإشكال أو الاضطراب في آيات أخرى من القرآن، ثم محاولة الرد لبيان سلامة التركيب القرآني، لفظاً ومعنى.
وقد صدرت قديما مؤلفات تحمل عناوين: (مشكل القرآن - أو غريب القرآن - أو مشكل الحديث النبوي - أو غريب الحديث النبوي) وفي رأينا: أنه لا مشكل، ولا غريب، ولا متناقض، ولا متعارض، في آيات القرآن الكريم، والحديث النبوي الحكيم الثابت سنداً ومتناً.
وإنما الغرابة والاستغراب، والإشكال والاضطراب، في عقولنا نحن البشر، حيث نعجز أحيانا عن فهم آية، أو وعي حديث نبوي، أو نتوهم تناقضاً، أو اضطراباً في أحدهما.
ولذلك أرى أن لا ينسب الإشكال أو الاضطراب إلى القرآن والحديث، وإنما ينسبان الى عقولنا وأفهامنا، كما أرى أن توهم بعض علمائنا، الغابرين والحاضرين، لهذا الاضطراب أو الإشكال، في آيات القرآن وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، أو افتعال هذه المشكلات والتناقضات، مما يفتح الباب لزلزلة أفكار الشباب، وبخاصة في عهدنا الحاضر، الذي يفيض بالمبادىء الهدامة، والتيارات الملحدة، والايحاءات المفسدة للعقيدة والأخلاق. وفي فصول أخرى من الكتاب، نقد لكتب تناول مؤلفوها القرآن، تناولهم لكلام البشر، وقاسوا قصصه على قصصهم، وعباراته على عباراتهم، وزعموا أن قصص القرآن كالأساطير، أو هي أساطير تماما…الخ.
وقد تناولت نقدهم جميعا، وتصحيح ما اعتقدته من أخطاء وزلاّت في آرائهم: جوانب شتى … من العقيدة والفقه والخلق واللغة) (49) .(2/459)
والمؤلف حصر مناقشة المؤلفين في الجزء الأول من الكتاب ولم يلتزم التسلسل التاريخي للمؤلفين، أو الكتب، وإنما ناقش ما تضمنته هذه المؤلفات من آراء دون تسلسل زمني، فهو يناقش آراء الشيخ محمد أمين الشنقيطي من المعاصرين بعد ابن حزم من المتقدمين، وقبل (المفيد في مشكل القرآن) ، المنسوب لسلطان العلماء. العز ابن عبد السلام، ويقدم نقده لكتاب الدكتور مصطفى محمود في كتاب (القرآن محاولة لفهم عصري) على مناقشته للخطيب الإسكافي في كتاب (درة التنزيل وغرة التأويل) ، والذي يردفه بنقد المستشرق اليهودي جولد تسيهر في كتابه (المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن)
ويحمد للمؤلف تكريسه للقيم الخلقية الإسلامية في مناقشة المؤلفين، فالهدف يتسامى للبحث عن الحقيقة، وينأى عن الغض والتجريح، فهو يقول: (لفضيلة الشيخ محمد أمين الشنقيطي - رحمه الله - قدم صدق، ويد طولى في تفسير القرآن الكريم، وله كتاب قيم في ذلك، وهو (أضواء في علوم القرآن) ، وقد سعدت بقراءة مقالاته المتتابعة في مجلة الجامعة تحت عنوان (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) ، صال فيه وجال بعلمه الواسع وفكره الثاقب، وانتفعت بآرائه ونظرياته في التوفيق بين بعض المفهومات القرآنية، وبعضها الآخر، وإني لأدعو له حسن الجزاء، وجزيل المثوبة) (50) .
وإذا كان أحمد جمال في الثناء على المؤلف دمثا وكريما، فإنه في المناقشة العلمية يتجافى عن المجاملة، وينتصب للتصدي للحقيقة العلمية، كما في قوله: (علّق الشيخ على هذه الآية (ذق إنك أنت العزيز الكريم) (51) بقوله: إنه يتوهم من ظاهرها ثبوت العزة والكرامة لأهل النار، مع أنّ الآيات القرآنية مصرحة بخلاف ذلك، مثل قوله: (سيدخلون جهنم داخرين) (52) أي صاغرين أذلاء، وقوله: (ولهم عذاب مهين) (53) .(2/460)
والجواب أنها نزلت في أبي جهل لما قال: أيوعدني محمد؟ وليس بين جبليها أعز ولا أكرم مني، فلمّا عذبه الله قال: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) في زعمك الكاذب.
قلت: إن سباق الآية، أو سياقها لا يساعد على تخصيص نزولها بأبي جهل، فهي عامة في كل كافر: (إنّ شجرت الزَقوم * طَعام الأثيم * كالمُهل يغلي في البُطُون* كغلي الحَميم * خُذُوهُ فاعلتوُه إلى سَوَاءِ الجَحيم * ثُم صُبوا فَوقَ رأسه من عَذاب الحميم * ذُق إنَّك أنت العَزيزُ الكريم) (54) .
فالعذاب بالأكل من شجرة الزقوم عام للآثمين جميعا، والتقريع بقوله: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) ، شامل لكل واحد منهم بدون استثناء. ولو فرضنا - جدلا - أن الآية نازلة في أبي جهل، فلا تعارض بينها وبين الآيات الأخرى، ولا اضطراب في معناها. فالآيات التي تقرر الذل والهوان للمعذبين في النار، تقرر حقيقة مادية واقعة،لا ريب فيها، والآية موضوع البحث، تحكي موقف الملائكة - ملائكة العذاب طبعا- وهي تسخر من المعذبين في النار، وتذكرهم بحالهم في الدنيا من عز وغنى وجاه وسلطان وكرامة، وفي هذا النداء والتذكير: زيادة عذاب، ومضاعفة هوان.
وهو أسلوب عربي بليغ معروف، ويسمي بتأكيد الذّمّ بما يشبه المدح، ومنه قول الشاعر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وفي المقابل: تأكيد المدح بما يشبه الذم، ومنه قول الشاعر أيضاً:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهنّ فلول من قراع الكتائب (55)(2/461)
وإذا كان الأستاذ أحمد جمال قد خصّص هذا الجزء لمناقشة الآراء والمؤلفات التي اختلف معها، ومع توجهات مؤلفيها فإنه أفرد الجزء الثاني لاستعراض بعض المفهومات القرآنية، بينما مزج بين الاتجاهين في الجزء الثالث. والمؤلف كان يهدف الى إنجاز مشروع علمي، يتوخى تفسير القرآن، ودراسة ما يتصل به من قضايا ومباحث، ولذلك يقول: (والمجموعة - على هذه الصورة - تشكل جزءا آخر من تفسير القرآن) (56) وكأن في ذلك إشارة إلى المؤلفات الأخرى، التي ذكرها الأستاذ عبد الله عبد الجبار للمؤلف بقوله:
(ما وراء الآيات - يبحث فيه عن القصص الرمزي في القرآن. دين ودولة - عرض للفكرة الإسلامية، عقيدة وتربية وحكما، في ضوء القرآن. مع المفسرين والكتاب - نقد ودراسات لمذاهب وآراء القدامى والمحدثين والكتب الثلاثة الأخيرة من سلسلة على مائدة القرآن) (57) .
ومع ذلك فإن أحمد جمال لم ينتهج التهج التقليدي في التفسير، والقائم على ذكر السور مرتبة وفق ترتيب المصحف والشروع في تفسير آياتها تباعا، بل جنح إلى انتقاء الآيات، التي تنطوي على مفهومات ارتأى الوقوف عندها بالتفسير والتحليل،أو وفق ما تمليه الآراء التي آثر مناقشة أصحابها، والرد عليهم.
والملاحظ أن الدراسات الدينية، تحظى بنصيب الأسد من مشروع أحمد جمال الثقافي، وتحتل المساحة الكبرى من اهتماماته الفكرية، عقب عزوفه عن الشعر، وتتوزع إضافة إلى ما سبق، على مجال الدعوة، والتي يمثلها كتابه (خطوات على طريق الدعوة) وقضايا المسلمين، كما في كتابه (المسلمون حديث ذو شجون) ومجال الفتيا،وهو يمثل الفتاوى التي كانت ترد عليه، ويردّ على أصحابها في صحف (المدينة) و (المسلمون) و (الشرق الأوسط) ، ويتضمنها كتاب (يسألونك) ، ومجال التدريس الجامعي لمادة الثقافة الإسلامية، في جامعتي الملك عبد العزيز بجدة وأم القرى بمكة المكرمة، وضمّن هذه المحاضرات كتابه (محاضرات في الثقافة الإسلامية)(2/462)
وكان من الضروري أن يندرج ضمن اهتمامات الأستاذ جمال الدفاع عن الإسلام ضد خصومه، والرد عليهم، كما يمثل ذلك كتابه (مفتريات على الإسلام) ، وأن يصدع بآرائه في وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية، ووجوب الحكم بما أنزل الله والالتفاف حول عقيدة التوحيد، والتمسك بها، كما في كتابه (قضايا معاصرة في محكمة الفكر الإسلامي) ولذلك يستهل الكتاب في الفصل الأول ببحثه حول (تحكيم الشريعة الإسلامية واجب في كل زمان ومكان) ، ويردفه بفصل، (جهاد النفس أولاً) ، ثم (الميدان الأول للدعاة الإسلاميين) ، ثم يمضي في الحديث عن (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمكافحة الجريمة) ، و (الإسلام دين السلام) ثم (الإسلام بالمرصاد لتحديات أعدائه)(2/463)
وكأنه في ذلك ينطلق من التأصيل، وهو تحكيم الشريعة، وتأسيس المسلم الخليق بالمسؤولية المنوطة به، وهو من يجاهد نفسه ليصبح بالتالي داعية إلى حياض ربه، لينتقل به خارج تخوم العالم الإسلامي، حينما يناقش اتهامات أعداء العقيدة، ليؤكد أن الإسلام دين السلام، وأنه بالمرصاد لأعدائه، وكل من يتربص به، أو يصمه بالإرهاب، أو يتطلع للنيل منه، أو تقويض قوته وانتشاره، حتى إذا فرغ من ذلك عاد لتناول القضايا الداخلية، التي يتردد صداها في العالم الإسلامي ويقف المسلمون منها موقف انقسام، بدعوى الضغوط الاقتصادية، كقضية (تناسل المسلمين بين التحديد والتنظيم) ، ثم يعرج المؤلف على تبيان (الاستعمار الذاتي في العالم الإسلامي) ، ويجلّى حقيقته بقوله: (خلال العقدين الخامس والسادس تخلصت الدول العربية والإسلامية من الاستعمار الغربي المباشر، ولكنها دخلت في (استعمار) جديد، باختيارها وطوعها وكان الأول استعمارا أجنبيا بالحديد والنار، وكانت سلطة وسيطرة مباشرة على سياسة البلاد العربية والإسلامية، واقتصادها وثقافتها.. أما الاستعمار الجديد، فكان عن طريق الفكر والقلم واللسان، أو عن طريق التحالف المزعوم، والصداقة المفتراة! لقد تقبل قادة الثورات التحررية، في البلاد العربية والإسلامية، بعد فوزهم بالحكم والقيادة والسيطرة على مقاليد الأمور في شعوبهم وأوطانهم، تقبّلوا واعتنقوا وارتضوا المباديء التالية:
فكرة القومية والعنصرية.
والعلمانية - فصل الدولة عن الدين.
والاشتراكية الاقتصادية.
ثم الشيوعية الخالصة) (58) .
ثم ينتقل المؤلف إلى بعض القضايا التي كانت تشغل المجتمع، في المملكة خاصة، مع إرهاصات النهضة السعودية كقضية (تعليم البنات بين ظواهر الحاضر- ومخاطر المستقبل) وقضية أخرى يختتم بها المؤلف كتابه، تدور (حول التصوير المحرم: أهو المرقوم أم المجسم) .(2/464)
وغنى عن القول أن الفصل قبل الأخير (تعليم البنات) ، قد أفرد له المؤلف كتيبا مستقلا، عرّجنا على ذكره، وتناوله فيما سلف.
وبحكم الانطلاقة الأولى من دوحة الأدب، بجناحي الشعر في ديوان (الطلائع) ، والقصة في القصص الاجتماعية (سعد قال لي) ، فإن دائرة الاهتمام لدى الأستاذ أحمد جمال تتسع بحكم الحس الأدبي، لتشمل تناول (القصص الرمزي في القرآن) وليت المؤلف أبقى على العنوان الأصلي للكتاب، وهو (ما وراء الآيات) ، أو انتقى له عنوانا يتناسب وموضوعه القائم على ذكر بعض الآيات المتضمنة لمواقف وقصص، مع ذكر أسباب النزول، لما لمصطلح الرمزية من ظلال وتداعيات، تتباين مع المراد الذي هدف إليه المؤلف، وتضمنته الآيات والسور الكريمات، وهي الملاحظة التي أومأ إليها المؤلف نفسه في هامش مقدمته حينما قال: (اعترض بعض قراء الكتاب على وصف هذا اللون من قصص القرآن بأنه (رمزي) وقال: إنّ في هذا تشبيها بأدباء المهجر الذين عرف عنهم هذا اللون من الأدب.. وقد رددت على المعترض بأن (الرمز) يعنى في اللغة العربية: الإشارة دون الإفصاح. والآيات التي تناولتها بالبحث والبيان ترمز الى قصص وأخبار وحوادث دون أن تذكرها) (59) .
ويعلّل ذلك في المتن بقوله: (وقد اخترت للكتاب اسم (القصص الرمزي في القرآن) بديلا عن الاسم الأول (ما وراء الآيات) لمناسبته للموضوعات، أو القضايا التي ترمز لها الآيات، ولا تفصح عنها) (60) .(2/465)
ويؤكد موضوعية ملاحظتنا - وهي لا تتناقض مع احترامنا وتقديرنا لأستاذنا الجليل أحمد جمال - إخفاق الأستاذ الدكتور حسن ضياء الدين عِتر في الوصول الى تعليل مقنع - مع تقديرنا لجهده وعلمه - حينما سوّغ هذا التحول من الاسم الأول الى الاسم الثاني، مؤكدا على ما ذكره الأستاذ أحمد جمال في مقدمته، ومعتمدا عليه بالكلية في قوله عن القصص القرآني: (أفرد الأستاذ الداعية له كتابا مستقلاً بعنوان: (القصص الرمزي في القرآن) ولعل خيالك يجمح فيدفعك الى التساؤل: هل قصد الأستاذ الداعية أن في القرآن قصصا رمزيا بالإطلاق المعهود في عصرنا للقصص الرمزي والشعر الرمزي، إذ يسمع أحدنا الشاعر - مثلا - يقول: أنا حبيبتي نصف برتقالة!!؟ إذن أين طاح النصف الثاني!!؟؟
ويأخذ المؤلف رحمه الله عليه أو على بعض القراء سوء الظن، فيجيب في ختام تقديمه لكتابه بقوله: (وقد اخترت للكتاب اسم (القصص الرمزي في القرآن) بديلا عن الاسم الأول (ما وراء الآيات) لمناسبته للموضوعات أو القضايا التي ترمز لها الآيات ولا تفصح عنها) (61) .
لكنه فصّل مراده من كتابه تفصيلا في مطلع تقديمه، إذ يفيدك بتقريره الضمنى أن قصص القرآن قصص حقيقي، واقعي. ويعلن صراحة أنه نوعان:
أولاً: قصص نزل به القرآن، وذكر أحداثه الحقيقية وله أهداف عظيمة. قال الله عز وجل: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) (62) .(2/466)
ثانياً: قصص نزل من أجله القرآن، فلم يذكر أحداثه ووقائعه ومشكلاته، إنما ذكّر بها تذكيراً، بأن أشار إليها، أو رمز لها برمز جلي لا لبس في مراده منها، وهي التي جاء القرآن العظيم ليعطي فيها العبرة والموعظة، أو الحكم أو الحل، أو يكشف سرّ أصحابها، من براءة أو خيانة، وصدق أو كذب، ووفاء أو غدر، وهو ما سمّاه المتحدثون القدامى عن علوم القرآن باسم (أسباب النزول) (63) . لذلك يتعين أن نورد إحدى تلك القصص، ليتسنى للقارىء الإسهام والمشاركة في الحكم، ولكي يتحقق الهدف الأساسي من بحثنا، وهو الوقوف على المظاهر الأسلوبية التي تميزّ أدب أحمد جمال، وتوجهه الفكري، حيث يقول في قصة: (يهودي متهم - يبرئه القرآن)
يقول الله عز وجل - في سورة النساء:
(إناّ أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما (105) واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما (106) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيماً (107) يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا (108) ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً (109) ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيماً (110) ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيماً (111) ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثما مبيناً (112) .
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً (115) .
كان بنو أبيرق، من أهل المدينة مردوا على النفاق، وكان أحدهم (طعمة) يقول الشعر سفها، يريد أن يبلغ به الصحابة العلية، وما هو ببالغهم.(2/467)
وكان بيت أبيرق هؤلاء، بيت فاقة في الجاهلية والإسلام، والفاقة - كما تعلمون- إحدى السبل، بل أهدى السبل إلى (النفاق) وإلى الاستراق. هي إحدى السبل إلى النفاق لصاحبها الذي يستطيع أن يأكل بلسانه، يحركه بالكذب في المدح والقدح وهي إحدى السبل إلى الاستراق لصاحبها الذي لا يقدر على صناعة الكلام، فيعتاض عنها بيده يحركها في أموال الناس هنا وهناك التماساً أو اختلاساً.
ولذلك حقت الكلمة المأثورة (كاد الفقر أن يكون كفراً) ، وكذلك مدّ طعمة بن أبيرق، في ظلام الليل يده إلى درع قتادة بن النعمان، وكانت في جراب تملؤه نخالة دقيق، فجعلت النخالة تتناثر من ثقب في الجراب على طول الطريق، حتى انتهى طعمة الى داره، فبدا له أن ينصرف (بفضيحته) من بابه إلى باب جاره اليهودي (زيد بن السمين) ليأتمنه عليها الى ميعاد. وحين أصبح قتادة افتقد درعه، ووجد النخالة - اثر جرابها - تخط خطاً فاتبعه، فإذا هو يهديه الى دار طعمة، وإذا طعمة يحلف بالله ما أخذها، وما له بها من علم، ثم اتبع قتادة بقية الأثر الى منزل اليهودي (زيد) ، فطرق الباب، وكان جواب زيد بعد خطاب قتادة في شأن درعه: إنها وديعة طعمة لديه!! لقد افتضح طعمة! وأسفت الفضيحة قومه، فأوحى إليهم أسفهم، أن ينكر صاحبهم الوديعة، وأن يعجلوهم إلى النبي (، ليجادلوا بين يديه عن طعمة، ويرموا بإثمه اليهودي، وتناسوا أن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة. وساعفهم في مسعاهم، ما غلب في ذلك العهد على المسلمين - ولم يكونوا هم من صادقيهم- من أمانة وصدق، وما غلب على اليهود من خيانة وكذب، مما حبّب الى النبى عليه الصلاة والسلام أن يكون الفلح في هذه القضية للمسلمين على اليهود.
ولم يكن النبي (إلا بشراً يقضي بين الناس بنحو مما يسمع، ولعل بعض هؤلاء الناس ألحن بحجتهم من بعض وكذلك كان قوم طعمة الخونة ألحن بحجتهم من زيد بن السمين.(2/468)
يقول (: أيها الناس إّنّما أنا بشر، وإنكم تختصمون الى…. ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأقضى له على نحو ما أسمع. فمن قضيت له بحق أخيه، فلا يأخذه…فإنما أقضي له بقطعة من النار.
ولكن الله بالمرصاد لكل جارم ولكل ظالم، فما هم نبيه - الذي لا يعلم الغيب - أن يفرض عقابا على زيد المتهم البراء حتى أدركه بوحيه ونهيه… ولما كان النفاق - في نفس صاحبه - مرضا لا تشفيه الآيات البيّنات، بل تزيده إلى رجسه رجساً، وإلى تعسه تعساً، وإلى استكباره نفوراً: مرّ طعمة بالآيات المبرئة لزيد، والمرغبة له في التوبة، والاستغفار كأن لم يسمعها، وفر إلى مكة معلناً كفره الصراح، ومعيدا جريمته في بيت مضيفه (الحجاج السلمي) ، لم يرع فيها حرمتين: حرمة الفعلة، وحرمة التضييف. هذه قصة زيد بن السمين اليهودي المتهم، الذي برّأه القرآن. كتاب الإسلام، دين العدل بين الناس جميعا. وهذا هو القرآن يرمز لهذا العدل ويخّلده: (إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً) الخ.
ذلك فصل من فصول القرآن في قضية قد يحسبها العابرون بتلاوته هينة، وهي عند الله عظيمة.. الله الذي يعدل في محاكمة عباده، بين مسلمهم ويهوديهم ونصرانيهم، ويريد من عباده أن يعدلوا. الله الذي لا تناله في أحكامه الهدايا وصلات القرابة والصحابة، ويريد منا ألا تنالنا - الله الذي يقول الحق ويهدي السبيل ويريد منا أن نقول الحق، ونهدي السبيل.
انظروا ماذا في دنيانا بين الناس من مظالم؟ مظالم يبكيها الضعفاء ولا يباليها الأقوياء.. مظالم سببها (الميل) ولا شيء غير الميل، الميل في جانب الكسب للأنفس والكسب للأموال … من حرام وحلال.
إننا نريد أن نكسب أنفس رؤسائنا وأصدقائنا، ولو بالكذب والظلم نكذب في مدحهم وقدح أعدائهم - على عكس الواقع - لنرضيهم، ونظلم أعداءهم بما ننزل بهم من حيف، ونمنعهم من حق، لنسر أولئك الأقرباء والأصدقاء والرؤساء.(2/469)
ونريد أن نكسب المال الجم، مهما كانت الوسائل والحبائل.. غشاً في الصناعة، واحتكاراً للبضاعة، أو غبناً للأخ في الوطن واللغة والدين، أو أكلاً لأموال الأيتام، أو فسوقاً عن وصايا الموتى، وشروط أصحاب الأوقاف الخيرية، وغير ذلك من سبل الآثام والحرام.
أنحن إذن مسلمون؟!
لقد أدّبنا القرآن، كتاب الإسلام، دين الحق والعدل والخير، فما راعينا أدبه، وأرهبنا فما بالينا رهبه، وظللنا نعيش - وعسى أن لا يطول بنا هذا العيش - كالغرباء بلا أدلاء، أو كتلك (الأشياء) ، وما أدراك ما تلك الأشياء. إن القرآن الكريم يضع بتلك الآيات الروائع، دستوراً خالداً، ونبراساً راشدا….للقضاة الذين يحكمون بين الناس، وللمحامين الذين يتصدون للدفاع عنهم، لئلا تمنعهم عن قول الحق، حكما أو دفاعاً، وحدة جنس، أو صلة قربي، أو شفاعة صحبة، أو وساطة ذي سلطان.
وحسبهم زجراً وردعاً وتأديباً..أن الله سبحانه يقول لنبيه الكريم، وهو من هو عدلاَ وفضلاً: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) وهذا هو الدرس الصارخ الأول للقضاة. ثم يقول لأصحابه والمسلمين في عهده: (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة.. أم من يكون عليهم وكيلاً) وهذا هو الدرس الصارخ الثاني، للمحامين (64) .
فالملاحظ أن التناول في هذا الكتاب يتجه صوب الأسباب والمواقف التي شكلت بواعث أفضت الى نزول هذه الآيات، ولا تستهدف تحليل رموز وإشارات انطوت عليها الآيات، فهو يتناول ما خلف الآيات من أسباب النزول، ولا يحلّل ما تضمنته الآيات من رموز، ولذلك فإن هذه الملاحظة تنصب على العنوان، وبالتالي فهي ليست نقداً يستهدف المؤلف، أو المؤلف ولا تقدح في أهمية الموضوع، أو أسلوب تناوله، بقدر ما تنحصر في إطار الملاحظة على العنوان، وهو أمر خلافي، لتباين وجهات النظر حوله، باختلاف زاوية الرؤية.(2/470)
والحكم نفسه، قد ينسحب على كتاب آخر وهو (في مدرسة النبوة) فإن المطالع لعنوان هذا المؤلف لأول وهلة يتبادر إلى ذهنه أن الموضوع ينصب على تناول السيرة النبوية، وما في حياة الرسول (من مواقف وأحداث، أو هذا ما عنّ لي وتبادر إلى ذهني، على أقل تقدير، فإذا ما تصفح القارئ الكتاب، أو وقف على مقدمته، وجد أنه يتضمن دروساً في الحديث النبوي الشريف، وما يتصل به من قضايا في التدوين والسند والمصطلح، ألقاها الأستاذ احمد جمال في مسجد السندي بحي الزاهر بمكة المكرمة، وهي فكرة حسنة، من حيث التطبيق أو النشر، حيث حرص على الإيجاز في الإلقاء، بأن لا يتجاوز الدرس الواحد أكثر من ثلاث أو خمس دقائق، حرصا منه على التخفيف، وملاحظة أحوال الناس، من مرض أو شيخوخة أو قضاء حاجة أو مواصلة عمل في متجر أو مكتب، ثم جمع هذه الدروس في هذا الكتاب، ومن تلك القضايا التي تناولها الأستاذ أحمد جمال حديثه (حول تدوين السنة والحديث الضعيف) الذي قال فيه: (بدعوة من الدكتور حسن خفاجي عميد كلية التربية بمكة المكرمة اجتمعنا بمكتبة الحرم المكي، ثم بداره مساء الخميس 11/10/1387هـ للاستماع إلى رأي الدكتور فؤاد سيزجين، وهو تركي الاصل، يدرس في جامعة فرانكفورت بألمانيا الغربية - حول كتابة السنة النبوية منذ القرن الأول الهجري.
وكان الحضور: الشيخ على الطنطاوي، والدكتور محمد أمين المصري، والأستاذ محمد القاسمي، والأستاذ صلاح الأزهري، ومعالي الشيخ محمد سرور الصبان، والأستاذ صفوت السقا أميني، وآخرين من المدرسين والطلاب والشباب. استدل المحاضر على رأيه بأن السنة مكتوبة منذ العهد الأول، بصحف عبد الله بن عمرو بن العاص وسمرة بن جندب وجابر بن عبد الله والأشج الكوفي الأشجعي وهمّام بن منبّه وبكتاب زيد بن ثابت في الفرائض.(2/471)
وقال: إلى سنة 70هـ كانت هناك كتابة متفرقة للحديث النبوي، ثم بدأ الجمع والتدوين والتصنيف عندما أمر عمر بن عبد العزيز بكتابة الحديث النبوي، وقد توفي سنة 101هـ.
وكان رأي الأستاذين على الطنطاوي ومحمد أمين المصري، أن الدكتور فؤاد غير موفق في بحثه، وأنه ينحو نحو المستشرقين!
وهو يقول: إنه بمحاولته إثبات كتابة السنة النبوية منذ القرن الهجري الأول إنما يرد على المستشرقين - وعلى رأسهم قولدزهير-، الذين يزعمون أن الحديث النبوي اختلقه الصحابة، ولم يقله الرسول (، لأنه لم يدون في حياته، ويستحيل أن تصح الرواية الشفاهية (الأسانيد) لإثبات أن هذه الأحاديث من كلام الرسول (.
وشاركت في الحوار فقلت موجها الكلام إلى الأستاذ الطنطاوي والدكتور المصري: إنكما تردان على دعوى الدكتور فؤاد بالنهي الوارد عن الرسول (بعدم الكتابة عنه في قوله: (لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب شيئا فليمحه) . وأرى أن هذا النهي كان في بداية العهد بالإسلام، خوفا من التباس القرآن بالحديث،ثم أذن بالكتابة، بعد أن قوي الإيمان واستقر القرآن في الصدور، بدليل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (اكتب عني فو الله لا يخرج منه - وأمسك بلسانه - إلا الحق) أو كما قال (- كما حدث بالنسبة لزيارة القبور، فقد نهى الرسول (عنها في بادئ الأمر لحداثة العهد بالأصنام والأوثان وخوفاً من العودة الى الوثنية، ثم أذن بها (: (ألا فزوروها فإنها تذكّر الآخرة)(2/472)
ثم تطرق الكلام والجدال بيننا إلى الحديث الضعيف، فكان من رأي الشيخين الطنطاوي والمصري أن (الحديث الضعيف) هو سبب البلبلة في قضية الأخذ بالسنة النبوية، وما جرت من مشكلات وخلافات، وأنه ينبغي إهماله كلياً. وكان من رأي الذي شاركني فيه الأستاذ محمد على الصابوني والأستاذ خير الله طاهر، أن الحديث الضعيف يؤخذ به في فضائل الأعمال، ومناقب الرجال - كما هو رأي السلف-، وأنه يتأيّد بغيره من الأحاديث فيصبح قوي الاعتبار، وأن الضعف إنّما هو في السند وليس في المتن، وقد كان أبو حنيفة يقدمه على القياس، الذي هو الأصل الثالث من أصول التشريع الإسلامي.
فقال الدكتور المصري: إن الحديث الضعيف هو سبب الخلاف بين الأئمة والفقهاء، فهذا يراه قويا، وهذا يراه صحيحاً أو حسناً، ويجب أن ينتهي هذا الخلاف.
قلت للدكتور أمين: إن هذا دليل على دراسة هؤلاء الأئمة للأسانيد، والاجتهاد في تنقية السنة النبوية، ومعرفة صحيحها من ضعيفها، وليس الحديث الضعيف وحده هو سبب الخلاف في فقه السنة، فقد اختلفوا في الأخذ بمفهوم الحديث الصحيح أيضاً، فهذا فهمه على وجه، وذاك فهمه على وجه آخر، من حيث المعنى لا من حيث السند فحسب.
كما أن الخلاف في فقه السنة بدأ بين الصحابة قبل الأئمة - وفي حياة الرسول (نفسه، وبعد وفاته، فقد اختلفوا في فهم قوله (: (لا يصلينّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة) فبعضهم صلاّها في الطريق، لأنه فهم من أمر الرسول، أنه الحثّ على الاسراع، وبعضهم صلاّها في بني قريظة، لأنه أخذ الأمر بحرفه، وقد أقرّ الرسول (كلا الفريقين على عمله.(2/473)
كما اختلف أبو بكر وعمر على قتال مانعي الزكاة، فأبو بكر فهم من حديث الرسول (: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله) . أن قتال مانعي الزكاة صحيح بالاستثناء الوارد في الحديث النبوي (إلا بحقه) ، ولذلك قال أبو بكر ردا على اعتراض عمر: (والله لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال…الخ) في حين أن عمر فهم من الحديث نفسه، ألا يقاتل الخليفة من أقرّ بالشهادة فقط، ولو أهمل الصلاة ومنع الزكاة، ولكن عمر رجع الى رأى أبي بكر لما رأى صحة فهمه وسلامة عمله وثمرة قتال مانعي الزكاة من استقرار الحكم الإسلامي، الذي كان معرضاّ للانهيار لو سكت أبو بكر عن المرتدين.
ثم هناك اختلافات الصحابة واجتهاداتهم، وقد سمعوا حديث الرسول (من فمه مباشرة، فلأبي بكر آراؤه وسياسته وفقهه - ولعمر كذلك - ولابن مسعود - ولابن عباس أيضا، مما لا يتسع المجال لتفصيله.
وإذا فالحديث الضعيف ليس سببا في اختلاف الأئمة المتأخرين عن عهد الرسول (.
وكان من تعليق الأستاذ الطنطاوي على قولي: إن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام جاء تكميلا وتفصيلا للقرآن الكريم، وأمرنا في القرآن نفسه بإطاعته في قوله تبارك وتعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله.. ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا) (65) .
وفي قوله سبحانه (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (66) .
قال الأستاذ الطنطاوي: هذه - أي الآية الأخيرة - نزلت في تقسيم الفيء.(2/474)
فقلت: إن العبرة في فقه القرآن، وتطبيق أحكامه ومواعظه، بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، كما يقول علماء الأصول، ورويت حديث عبد الله بن مسعود، الذي رواه علقمة قال: (لعن عبد الله - أى ابن مسعود - الواشمات - والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن، المغيّرات خلق الله، فقالت أم يعقوب ما هذا؟ قال عبد الله: ما لي لا ألعن من لعن رسول الله وفي كتاب الله قالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته! قال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)
وهكذا استدل ابن مسعود بالآية على عموم حكمها، باتباع الرسول فيما ينهى وفيما أمر، وكثير من آيات القرآن على عموم حكمها، باتباع الرسول فيما ينهى وفيما يأمر، وكثير من آيات القرآن نزلت في حوادث خاصة، سحب الفقهاء حكمها على القضايا الأخرى.
ثم إن السنة النبوية - قولا وفعلا وإقراراً - مذكورة في القرآن باسم (الحكمة) في قوله تبارك وتعالى: (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) (67) وقوله عز وجل: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيما) (68) .
وقال ابن كثير: (يعني القرآن والسنة) كما قاله الحسن وقتادة ومقاتل بن حيان وأبو مالك والزمخشري في الكشاف والشافعي في (الرسالة) وابن رشد في مقدمته المدونة للإمام مالك) (69) .
فهذا الدرس يشتمل على قضيتين، تتصلان بالسنة النبوية المطهرة، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهما:
1 - تدوين الحديث.
2 - حكم الحديث الضعيف.(2/475)
وجل الدروس تتناول الأحاديث النبوية بالتحليل والشرح والاستنباط، لاستقاء الأحكام والقيم، التي يجب أن تحتذى، ولا تعرج على ذكر سيرة الرسول (، من مولده ومبعثه وهجرته وغزواته، وما اعترى حياته من معوّقات ومكابدة ومجاهدة، وما عاشه من نصر وتمكين في سبيل نشر الدعوة، وما بيّنه لأصحابه من عظات ومواقف إلى وفاته (، كما قد يوحي عنوان الكتاب، ولعل عذر المؤلف في أن مدرسة النبوّة تشتمل كل ذلك، ولكننا نؤثر العنوان المحدد لمؤلف مثل الأستاذ جمال، متعدد القدرات، ومتنوع المواهب، في التأليف في شتى ضروب المعرفة الدينية، من تفسير وحديث، كأن يكون عنوان كتابه في ظلال الأحاديث، أو دروس من الحديث، خاصة وأن مدرسة النبوة شاملة،بل إن السنة تشتمل ما ورد عنه (من قول أو فعل أو تقرير.
والتعدد في القدرات، والتنوع في المؤلفات، لدى الأستاذ أحمد جمال لا يقتصر على دائرة التناول الديني، فهو بحكم ارتباطه بالصحافة، والتزامه بالكتابة في عدد من الصحف والمجلات، تنوعت موضوعاته، وتعددت اهتماماته، ومن ثمرة ذلك، كتابه (الصحافة في نصف عمود) والذي يتناول في أحد موضوعاته (أدب أطفالنا كما ينبغي أن يكون) بقوله:
(الأستاذ طاهر زمخشري: الأديب.. والشاعر والإذاعي المعروف - وصديقي العزيز علىّ،الكريم عندي، قبل ذلك كله- ظفر بامتياز مجلة للأطفال باسم (الروضة) وقد أشارت (الندوة) الى هذا النبأ في حينه، وهو الآن بسبيل إصدارها قوية - جذابة، لائقة بأطفالنا.. فلذات أكبادنا التي تمشى على الأرض،كما يقول شاعر قديم.(2/476)
ومن حق الصديق الزمخشري على، وعلى كل كاتب في بلادنا يهتم بشئون التربية والتعليم والصحافة المدرسية … أن يبذل له من ذات نفسه ما يجد من معارف وتجارب ومآخذ ومقترحات، تنفع الأستاذ الزمخشري في توجيه مجلته (الروضة) نحو الطريق السوية.. على منهاج مدروس مرسوم. ومن رأي - إن كان لي رأي يتقبّله الصديق الزمخشري- أن تمتاز (الروضة) السعودية بشخصية مستقلة تنم عن بيئتها، وتعرف بسماتها.
وأن يكتب ما ينشر فيها حول تقاليد أطفالنا في التربية والتعليم، بعد دراسة وتمحيص، بعيدا عن التقليد والمحاكاة: فلكل بيئة أعرافها وأحكامها.
وأن تراعي استعمال الألفاظ والتعابير الوطنية الخاصة بنا، فمن الملاحظ أن لغتنا -في الإذاعة والصحافة - بالنسبة لموضوعات الأسرة والأطفال - خليط من مصرية وسورية ولبنانية وفلسطينية وسعودية! مع الأسف الشديد.
وأن تحذر (الروضة) الدعوة - معبرة أو مصورة أو مقصوصة - إلى النظريات والأفكار التربوية الوافدة من الخارج قبل معرفة التجارب التي مرت بمن سبقنا إليها، والنتائج التي انتهوا عندها.
وأن لا يكتب في (الروضة) كل من هبّ ودبّ، من الذين ينقلون ويقتبسون الأفكار والآراء والنظريات مخدوعين ببريقها، جاهلين لمفاهيمها ومعطياتها، قاصدين - قبل كل شئ - أن تظهر أسماؤهم فوق مقالات تربوية وعلمية أو تحتها، وأن يشار إليهم بأوصاف المربين الكبار!
باختصار، على (الروضة) وهي تصدر في بلاد العروبة والإسلام أن تلتزم آداب العروبة والإسلام، ففيها المغنم والمغنى لأفضل تربية وأرفع تعليم للكبار والصغار على سواء) (70) .
ومن أهم ما يلمحه الدارس لإنتاج أحمد جمال خارج دائرة الدراسات الدينية:(2/477)
1 - أن نتاجه لم يخل من مسحه دينية واضحة، تقتاد الموضوعات الى مسار أخلاقي، وتحدها بسياج من القيم والمثل كي لا تحيد عن المنهج المرسوم،فهيمنة التوجه الديني ظاهرة وجلية على أدبه، ومجمل إنتاجه في المجالات الاجتماعية والفكرية، ولذلك يذهب عبد الله عبد الجبار، بعد أن صنّفه ضمن التيار الكلاسيكي الى أن: (احمد جمال في كتاباته الاجتماعية أيضا،كثيرا ما يؤكد آراءه بنصوص دينيه من الكتاب والسنة) (71) .
2 - أن الأدب ظل إلى جانبه - وإن تخلّى عن الشعر - رافداً ومعينا فمقالاته في الصحافة تنقسم إلى قسمين:
أ - مقالات دينية.
ب - مقالات في موضوعات شتى تهيمن عليها سمتان: القيم الدينية والنزعة الأدبية ومن يقرأ موضوعات كتابه (الصحافة في نصف عمود) يجد أن عنوان الفصل الأول (في المحيط الأدبي) ويجد بين عناوين الموضوعات (شقشقة هدرت ثم قرت) و (بين الشيوخ والشباب) و (أدب الحيوانات) (الغذاء الفكري أم الغذاء الصحي) و (شهوة الكلام كشهوة الطعام) و (لماذا لا يكون لنا مجمع لغوي) و (هؤلاء إن لم يكونوا أدباء فماذا يكونون) و (المؤتمر الأدبي في موسم الحج) و (ماذا يقرأ شبابنا) و (ماذا نقرأ ولماذا نقرأ) و (نصيحة للأدباء الشباب) و (زيدان أديب غير مفهوم) و (تراجم الأدباء) و (المتاجرة بالأدب) و (عندما يكون العالم أديبا) و (إحياء سوق عكاظ) و (المطلوب من الصحافة العربية) و (هل الأدب سخرية وضحك على الذقون) و (الشاعر المجهول) و (أدباؤنا يجب أن يشاركوا في هذا المجال) و (حول السرقات الأدبية) و (الذين يستحقون التكريم) و (أسوة حسنة للأندية الأدبية)(2/478)
وكل هذه الموضوعات ذوات صبغة أدبية، وتفصح عن اهتمام أدبي ظل كامنا في نفس الأستاذ أحمد جمال يطل برأسه بين آونة وأخرى، ليس من خلال الموضوعات الأدبية التي تطرق إليها في الصحافة فحسب، بل من خلال دراساته الأدبية والاجتماعية أيضا، فهو حينما يتناول قضايا الشباب ومشكلاته من خلال كتيبه (من أجل الشباب) يأبى إلا أن يكون المدخل متصلا بالأدب من خلال بوابة اللغة، للإفصاح عن شدة اهتمامه باللغة والأدب، حيث يتحدث عن الشباب في اللغة بقوله:
(إذا طالعنا المعاجم العربية نجد حديثها عن الشباب على النحو التالي:
الشباب هو الفتاء والحداثة - واصله من شبّ النار إذا أوقدها، فتلألأت ضياءً ونوراً. ويقال: شب الجواد إذا رفع يديه معا إلى أعلى. فالشباب -إذن - يعني الطموح والارتفاع والتحفز.
الناشئ: هو من بلغ العاشرة أو جاوزها قليلاً. والمراهق من كاد يبلغ الحلم أو بلغه والشباب بين الثلاثين والأربعين.
الكاعب " هي التي برز ثدياها والناهد: إذا زاد بروزهما. والنصف: هي التي بين الشباب والكهولة) (72) .
وينبني على ذلك أن الأديب لم يتوار داخل شخصية أحمد جمال، فلقد ظل كامنا يعمل في صمت، فهو وإن لم يستطع أن يتوازى، ويسير جنبا إلى جنب مع شخصية المفكر الإسلامي، المهتم بالتفسير والمباحث الفقهية وقضايا المجتمع المسلم وأحوال الأقليات الإسلامية والتركيز على تناول شخصية الفرد المسلم ودارسة أحوال المجتمع الإسلامي، فإنه لم يختف بالكلية، بل ظل في كل تلك الدراسات وسواها، المؤازر والمعين الذي يمد المفكر أحمد جمال بلغته ومفرداته وأسلوبه، بل ربما بمادته، حين يسعفه التداعي في استحضار الموروث الأدبي، وأحمد جمال نفسه يأخذ بيدنا للوصول إلى هذه النتيجة وحلّ هذه الإشكالية، حينما يقول:(2/479)
(ما زال هناك - بيننا- من يظن (الأديب) هو الذي يكتب القصة العاطفية، أو ينظم القصيدة الغزلية، أو هو الذي يمارس الكتابة على مبدأ (الفن للفن) ولا أريد أن أعيد ما كتبته رداً على الأستاذ الأنصاري في الأدب أو ما قلته من قبل عن (الالتزام) التزام الأديب بشؤون بيئته، وانفعاله بالحياة حوله، ومشاركة الاحياء في مجتمعه، في آلامهم وآمالهم، بالمعالجة والإصلاح.
وإنما قرأت - أخيراً نبأ أتأيّد به في وجهة نظري عن الأدب والأديب، وهو أن العالم الأزهري الشيخ أحمد الشرباصي - وهو خطيب أديب - وضع رسالته لنيل الدكتوراة عن رشيد رضا وأثره في الأدب واللغة العربية … تحدث فيها عن السيد رشيد رضا - رحمه الله - كمفكر إسلامي ومفسر قرآني، ومشتغل بالحديث النبوي، وخطيب وشاعر، ومهتم بشؤون اللغة العربية. وقد نال الأستاذ الشرباصي شهادة الدكتوراه من الجامعة المصرية، بعد مناقشة هذه الرسالة بين يدي هيئة علمية أدبية من أساتذة الجامعة. والعبرة، أو موضع الاستدلال من النبأ، هو اعتبار الشيخ رشيد رضا المعروف كمفسر للقرآن الكريم: أديباً كبيراً له (أثر في الأدب واللغة العربية) وأن تعطي شهادة الدكتوراة لمقدم الرسالة، على أساس صدق دعواه وتدليله عليها بما لا يقبل الجدل أو الرفض.
فماذا يري الحاصرون (للأديب) في نطاق العاطفة الفنية أو الفن العاطفي (73) .(2/480)
وإذا كان هذا الرأي يمثل الجانب التنظيري في القضية، فإن الجانب العملي والتطبيقي يتجسد في نزوع أحمد جمال نحو إصدار كتاب (أدب وأدباء) ، ليدلّل بأسلوب عملي على أن جذوة الأدب في دخيلته لم تخب، وأن اهتمامه الأدبي لا زال متأججا في دخيلته، لم تطفئه بقية الاهتمامات، وإنما ظل مستعراً، ليمدها بطاقة الاستمرار، وروافد العطاء، من أفكار وأسلوب يخيم فوقهما الوضوح بدرجة لا تقبل التأويل، ولا تنطوي على التواء ومواربة، يلجأ معها الدارس إلى الاستنباط وكدّ الذهن في الوصول إلى مضامينه، وترهقه في الكشف عما يتوارى خلف السطور، بل تريح الدارس بتقديم الفكرة واضحة، والرأي جليا، والكلمة نقية من الالتباس والتضاد.
ولذلك فعوز الدارس لإنتاج أحمد جمال إلى الاستشهاد بأقواله وآرائه، يفوق الاعتماد على الاستنباط والتأويل.
وولوج أحمد جمال عالم الفكر جعل عبارته الأدبية في تناوله لقضايا الأدب، تتساوق مع التوجه الفكري، بتجانسها مع الوضوح والمباشرة في الوصول إلى الفكرة، شأن كل من يتصدى للقضايا الإسلامية، ونأى بعبارته عن ظلال الأدب، بما تنطوي عليه أساليبه من محسّنات، أو غموض، أو اهتمام لفظي، تتوارى المعاني عن البروز بوضوح بين ثناياه، أو تستوجب إعمال الفكر للوصول إلى المرامي والمعاني، لغموضها أو لصعوبة الوصول إليها إلا بالتحليل والاستنباط.
وللوقوف على هذا الملمح من خصائص أدب احمد جمال نلتمسه في كتابه أدب
وأدباء، وهو يتناول فكرة تهمّ هذا البحث، حينما يرد على تساؤل أحد أقرانه من الأدباء، بتساؤل آخر هو (هل يبدأ الأديب شاعراً؟) ويجيب:(2/481)
(إن الأديب في الأعم الأغلب يبدأ شاعراً، لا أن الأديب ينبغي أن يكون شاعراً، أو إلا فما هو بأديب، ودليلي على رأي هو أن كثيراً من أدبائنا السعوديين بدأوا شعراء ثم اشتغلوا بالنثر، وانصرفوا عن الشعر … وفي مقدمتهم الأساتذة عبد الله عريف، ومحمد عمر توفيق، وعلى حافظ ومحمد على مغربي والساسي والزواوي والرفاعي وغيرهم، ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن.
وكذلك شأن الأدباء العرب أيضاً، كالعقاد والمازني وزكي مبارك وأمثالهم، فقد بدأوا شعراء، ثم انصرفوا عن الشعر إلى النثر.
وعلة ذلك … ازدحام الحياة بأسباب هذا الانصراف عن نظم القوافي وتصيّد كلمات القافية الواحدة، ومراقبة الوزن.. بما يشبه المخاض!
إن ازدحام الحياة بالمشكلات والمطالب الحيوية للمجتمعات أرغم هؤلاء الأدباء على الاندفاع في تيارها، والاشتراك في معالجة شؤونها - بالأسلوب السهل الميسر- وأعني به النثر.
وبالمناسبة كنت قد أصدرت مجموعة أشعاري في عام 1366هـ باسم (الطلائع) ، على أمل أنه الجزء الأول، وأني اتبعه بأجزاء أخرى، فإذا به رغماً عني يكون (الخواتيم) ، فلم أعد أطيق الانحباس لنظم بيت واحد من الشعر (74) ؟
الموازنة والنتائج:
وهذه الشواهد تؤكد أن الأستاذ أحمد جمال يتبوأ منزلة وسطى، بين من انتقلوا من ساحل الشعر إلى ساحل الفكر الإسلامي، أو من دوحة الشعر الى خندق الفكر الإسلامي، وتحديداً بين الأستاذ سيد قطب والأستاذ مصطفي صادق الرافعي ليس على سبيل المفاضلة في المكانة والقيمة الأدبية والعلمية، وإنّما في تنوع موضوعات التأليف، ونصوص التناول الفكري.
فإذا كان الأستاذ سيد قطب بارح عالم الشعر إلى ساحة الدراسات البيانية للقرآن، كما في (التصوير الفني للقرآن) و (مشاهد القيامة في القرآن) ، أو في تفسيره المشهور (في ظلال القرآن) .(2/482)
والأستاذ مصطفي صادق الرافعي غادر عالم الشعر إلى توجهين متباينين، هما رومانسيته كما في (السحاب الأحمر) و (أوراق الورد) ، وصرامته في الدفاع عن الإسلام، كما في رده على الدكتور طه حسين في (تحت راية القرآن) ، فإن ساحة التناول عند أحمد جمال امتدت بامتداد المسافة بين الشعر والفكر، وتعددت موضوعاته بين فكرية وتربوية واقتصادية وأدبية، إضافة الى الركيزة الأساسية التي أوى الى ركنها الثابت، وحصنها المستقر، وهي التفسير والدراسات القرآنية والفقهية والسنة وشئون الدعوة والأقلياّت الإسلامية، وما يرتبط بهذه الموضوعات.
ولذلك فقد احتذى الوسطية في توجهه الأسلوبي، أو لنقل إن المناخ العام قد هيمن على تشكيل وبلورة توجهه الأسلوبي وفقا للموضوعات والطروحات التي يناقشها، ويخوض غمارها.
ونخلص من ذلك، الى أن المسافة بين الشعر والفكر تقاس بوحدتي اللفظ والخيال، إذ أن العقل هو ذات العقل القادر على الخلق والتوليد، كما يري تشومسكي في نظريته عن خواص اللغة: (الخاصية العامة الثانية للّغة الإنسانية التي سنتحدث عنها هنا هي طابعها الإبداعي (أو لا محدوديتها) ، ويقصد بذلك مقدرة جميع الناطقين بلغة ما على تكوين عدد ضخم غير محدود من الجمل، أو فهمه، دون أن يكون قد سبق لهم أن سمعوا بها من قبل، بل ربما لم يسبق أن تحدث بها أحد) (75) .
إلا أن مجال الشعر يستدعي الخلق والتوليد، والابتكار اللفظي والخيالي، فاللفظ هو الحد الفاصل بين الخطاب النثري والخطاب الشعري، كما تبيّن لنا فيما سبق، كما أن الخيال هو أداة التحليق من عالم الواقع المعاش، إلى آفاق التجنيح الشعري، دون أن نغفل أن المناخ الشعري نفسه، المتمثل في الانكباب على قراءة نماذجه وإبداعاته، هو البيئة المؤازرة على الإخصاب والتوالد والتنامي.(2/483)
ويبدو أن الشاعر في قرارة الأستاذ أحمد جمال كان طموحا وتواقا للاستمرار من خلال إطلاق اسم الطلائع على ديوانه الأول، على أنه جزء من شعره سيتبعه بأجزاء أخر كما ذكر، ولكن الشاعر أخفق في ذلك.
ثم أبى أن يستسلم ويستقر ويركن إلى الدعة كما شاء له، فأخذ يطلّ ويشرئب من موضع تواريه، فبدا على غلاف أحد أعمال الأستاذ أحمد جمال الفكرية، في صورة عنوان استقطع من جزء من بيت وهو (مكانك تحمدي) إلا أن المفكر في نفس الذات أقسره على التواري والانزواء الى أن قبض الأستاذ أحمد جمال رحمه الله وهو كما علّل ذلك فيما سبق ب (ازدحام الحياة بالمشكلات والمطالب الحيوية للمجتمعات) (76) .
ولذلك فإن عزوف الأستاذ احمد جمال عن قراءة الشعر - كما يبدو - ونظمه، وانصرافه بالكلية الى القضايا الفكرية من دينية واجتماعية أفضى الى انتقاله من ظلال اللفظ المتلون الى وهج الحقيقة الساطع فأضحى مفكراً بعد أن كان شاعراً.
الهوامش والتعليقات
الأديب المكي أحمد محمد جمال، محمد علي الجفري ص 57.
السابق ص 32.
السابق ص 42 وعبث الوليد هو شرح مختصر لأبي العلاء المعري على ديوان البحتري سنذكره في ثبت المصادر والمراجع.
الأديب المكي ص 42.
السابق ص 52.
أفردت الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطىء فصلاً من كتابها (الغفران) لدراسة الغفران بين آثار أبي العلاء فعقدت لها موازنة مع رسالة الملائكة ومع ديوانه اللزوميات ومع كتابه الفصول والغايات ص 261- 271.
أصدر الأستاذ محمد حسن عواد (خواطر مصرحة) عام 1345هـ وتحدث الدكتور عمر الطيب الساسي عن الكتاب وترجم لمؤلفه في كتابه (الموجز في تاريخ الأديب السعودي) ص 66.(2/484)
العطار هو أول من أقدم على جمع شعره ونشره في ديوان مستقل في سنة 1365هـ 1946م من بين أقرانه ومن سبقوه من الرُّواد في الأدب السعودي الحديث وقد كتب مقدمة ديوان (الهوى والشباب) الدكتور طه حسين (رحمه الله) وأثنى عليه وتنبأ له بمستقبل زاهر في الشعر ولكن العطار لم يواصل سيره في نظم الشعر، رغم أصالته المبكرة فيه لأن العلم صرفه عنه. الموجز في الأدب السعودي ص 187 وترجمة العطار ص 184 من الموجز. ولقد درس الدكتور عمر الساسي ظاهرة استهلال العواد حياته بالتأليف والعطار حياته بالشعر في بحثه المخطوط والمجاز للنشر من مجلة جامعة أم القرى بعنوان (ظاهرة التطور العكسي بعد اكتشاف الذات والقدرات الفعلية) .
طبع بدار الكتاب العربي بمصر بدون تاريخ وذكر الناشر في مقدمته أن (صاحب الطلائع ليس غريباً عن قراء الأدب العربي في مد أقطارهم جميعاً فهم قد قرأوا الكثير من شعره ونثره في كبريات المجلات والجرائد في مصر والشام والعراق: الثقافة، الصباح، الساعة 12، الرابطة الإسلامية، الكتاب، الإخوان المسلمون، الشرق الجديد، الجمهور ببيروت، العرفان بصيدا، الرحاب ببغداد..الخ. وفي جرائد ومجلات الحجاز: أم القرى، صوت الحجاز، جريدة المدينة المنور، المنهل، تارة باسمه الصريح وتارات برمزيه المعروفين (ابن محمد) و (الفتى المعهدي) وأرّخ الناشر لمقدمته بصفر 1366هـ وجاء في الصفحة الأولى من (وداعاً أيها الشعر) أن تاريخ الطبعة الأولى 1366هـ والطبعة الثانية سنة 1397هـ وقد ذكر الأستاذ أحمد جمال ذلك ونصّ عليه في كتابه أدب وأدباء ص 122.
ص 6.
الطلائع ص 97-98.
السابق ص 74.
السابق ص 74.
London, 1984-P235.
الطلائع ص 39.
الأدب وفنونه ص 12.
الأدب وفنونه ص 130-131.
نقد الشعر في القرن الرابع الهجري ص 292.
عيار الشعر ص 29.
الصورة الأدبية ص 239.
الأسس الجمالية في النقد العربي 350.
ص 63.
مفهوم الشعر ص 327-328.
جمهورية افلاطون ص 66.(2/485)
لم نكترث لتوثيق هذا الأمر على أن الاهتمام الأدبي المشترك كرّس الصلة بين الرافعي ومي فهو يخاطبها في إحدى رسائله قائلاً: سيدتي الآنسة النابغة..
لو أن فصل الكلام عندنا أمّا قبل بدلاً من أمّا بعد لحسن ذلك عندي إذ أشير بها إلى هنية كانت في قصرها كحياة الزهر، وفي منفعتها كزاد الدهر، وأي بليغ يراك ولا يعرف منك فناً جديداً في حسن معانيه وبيانه، ويعرفك ولا يرى فيك أبدع البديع في ما يعانيه من افتتانه.
لله الحمد أن جعلنا أن نتلقى الماء ولم يجشمنا أن نصعد من أجله إلى السماء، ولك الفضل إذ قبلت وصفك على قدر ما يخط بالحبر لا ما يخط بالدماء.
قدمت مع البريد شيئاً من كتبي ولاريب أنها قد رأت في كتابي إياها معنى من النقص فاليوم يسرني أن أهديها إليك لتستمتع من نظرك إليها بمعنى الكمال.
وحفظك الله للفضل والأدب وللمعجب بك.
مصطفى صادق الرافعي
مي زيادة وأعلام عصرها رسائل مخطوطة لم تنشر ص 210.
وينظر في ذلك كتاب (في صالون العقاد كانت لنا أيام) ص 131 وكتاب أحمد جمال نفسه أدب وأدباء ص 82-83.
من الشعر الحديث ص 125-126.
ص 27-29.
مقدمة في أصول الشعر العربي ص 5.
تحت راية القرآن ص 97.
السابق ص 5.
من الشعر الحديث ص 229-230.
التصوير الفني في القرآن ص 50-52.
الحماسة البصرية 1/3.
ص 44.
من الآية 19 من سورة النساء.
اسمها قبل أن تُسلّم: مارجريت ماركوس المؤلف ص 49.
ص 47-50.
ص 96 والاستشهاد مأخوذ من كتاب الدكتور البوطي (تجربة التربية الإسلامية) كما ذكر المؤلف دون تحديد الصفحة.
الآية 58 من سورة النور.
ص 84-85.
ص 13-15 ويحسن أن نلاحظ أن المؤلف لم يحدد تاريخ نشر مقالتي الأستاذ علي الطنطاوي والتي اكتفى بالإشارة الى أنها نشرت منذ عام أو يزيد ومقالة الأستاذ تقي الدين خليل التي أشار الى أنها نشرت منذ شهرين إلا قليلاً على أن تاريخ الطبعة الأولى للكتاب سنة 1364هـ - 1945م وكتبت مقدمة الطبعة الأولى في 1/9/1364هـ.
ص 5--7.(2/486)
ص 13-15.
صدرت الطبعة الرابعة من كتاب (على مائدة القرآن دين ودولة) سنة 1405هـ - 1985م) .
مأدبة الله في الأرض المقدمة 23-24.
ص 9-10.
ص 57-58.
الآية 53 من سورة فصلت.
ص 91-92.
1/5-6.
السابق 1/79.
الآية 49 ص سورة الدخان.
الآية 60 من سورة غافر.
الآية 178 من سورة آل عمران.
الآيات 43-49 من سورة الدخان.
القرآن الكريم كتاب أحكمت آياته 1/98 - 99.
السابق 1/6 - 7.
التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، النثر: فن المقالة ص 67.
ص 158-159.
هامش المقدمة ص 11.
نفسه.
الآية 120 من سورة هود
العناية بتفسير آي القرآن الكريم ضمن كتاب أحمد جمال الداعية - المفسر - الأديب ص 140 - 141.
القصص الرمزي في القرآن ص 74-78.
الآية 80 من سورة النساء.
من الآية 7 من سورة الحشر.
الآية 164 من سورة آل عمران.
الآية 113 من سورة النساء.
ص 20-25.
ص 87-88.
التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، النثر، فن المقالة ص 67.
ص 15.
الصحافة في نصف عمود ص 54.
ص 121-122.
كتاب (نعوم تشومسكى) ص16.
أدب وأدباء ص 122.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم
إبراهيم العريض:
- من الشعر الحديث، ط 1، دار العلم للملايين، بيروت، 1958.
أحمد بن سليمان التنوخي (أبو العلاء المعري) .
- رسالة الصاهل والشاحج، تحقيق د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطىء) ، دار المعارف بمصر، 1975م.
- رسالة الغفران، تحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطىء) ، ط 5، دار المعارف بمصر، 1969.
- رسالة الملائكة، المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر، بيروت، بدون تاريخ.
- سقط الزند: شرح الدكتور ن رضا، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1965م.
- عبث الوليد، ط 8، نشر أسعد الطرابزوني الحسيني، مكتبة النهضة المصرية دون تاريخ.
- الفصول والغايات: تحقيق محمد حسن زناتي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977م.(2/487)
- اللزوميات: تحقيق أمين عبد العزيز الخانجي، مكتبة الخانجي، القاهرة، دون تاريخ.
أحمد جمال:
- أدب وأدباء، ط 1، دار الثقافة، مكة المكرمة، 1413هـ - 1992م
- تعليم البنات بين ظاهر الحاضر ومخاطر المستقبل:، ط1، نادي الطائف الأدبي، 1409هـ - 1988م.
- خطوات على طريق الدعوة، سلسلة دعوة الحق، رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، 1413هـ - 1993م.
- دين ودولة، ط4، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405هـ - 1985م.
- الصحافة في نصف عمود، ط1، دار الثقافة، مكة المكرمة، 1412هـ - 1991م
- الطلائع (ديوان) ، دار الكتاب العربي، مصر، 1966م.
- في مدرسة النبوة، ط1، نادي مكة الثقافي الأدبي، 1414هـ.
- القرآن الكريم كتاب أحكمت آياته، ط4، دار إحياء العلوم، بيروت، 1412هـ - 1991م.
- القصص الرمزي في القرآن، ط4، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405هـ - 1985.
- قضايا معاصرة في محكمة الفكر الإسلامي، ط2، دار الصحوة، القاهرة، 1407هـ - 1986م.
- مأدبة الله في الأرض، ط2، دار إحياء العلوم، بيروت، 1408هـ - 1988م.
- ماذا في الحجاز، ط2، دار الثقافة، مكة المكرمة، 1408هـ - 1988م.
- المسلمون حديث ذون شجون، سلسلة دعوة الحق، رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، 1411هـ - 1991م.
- مكانك تحمدي، ط5، دار إحياء العلوم، بيروت، 1406هـ.
- من، أجل الشباب، ط3، دار الرفاعي، الرياض، 1408هـ.
- نحو تربية إسلامية، ط3، دار إحياء العلوم، بيروت، 1407هـ - 1987م.
- وداعاً أيها الشعر، ط2، نادي مكة الثقافي، 1397هـ
- يسألونك، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1403هـ - 1983م.
... افلاطون:
- الجمهورية تحقيق حنا خباز، ط1، دار القلم، بيروت، 1969م.
أنيس منصور:
- في صالون العقاد كانت لنا أيام، ط1، دار الشروق، بيروت - القاهرة، 1403هـ 1983م.
البصري:
- الحماسة البصرية، عالم الكتب، بيروت 1383هـ - 1963م.
جابر عصفور (الدكتور) :(2/488)
- مفهوم الشعر، مطبعة دار نشر الثقافة بالفجالة، نشر دار الإصلاح بالدمام دون تاريخ.
جون ليونز:
- نعوم تشومسكى ترجمة د. بابكر عمر عبد الماجد، المعهد الإسلامي للترجمة، منظمة المؤتمر الإسلامي الخرطوم 1997م.
حازم القرطاجني (ابو الحسن) :
- منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة، ط2، دا رالغرب الإسلامي، بيروت 1981م.
د. س مرجليوث:
- أصول الشعر العربي، ط1، مؤسسة الرسالة، 1398هـ - 1978م.
سلمى الحفار الكزبري:
- مي زيادة وأعلام عصرها، رسائل مخطوطة لم تنشر، جمع وتقديم وتحقيق ط1، مؤسسة نوفل، بيروت 1982م.
سيد قطب:
- التصوير الفني في القرآن، دار المعارف بمصر 1386هـ - 1963م.
عائشة عبد الرحمن الدكتور (بنت الشاطىء) :
- الغفران، ط3، دار المعارف بمصر 1968م.
عبد الله عبد الجبار:
- التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، قسم النثر، مطبوع على الآلة، محاضرات ألقيت على طلبة معهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية 1959م - 1960م.
عز الدين إسماعيل:
- الأدب وفنونه، ط7، دار الفكر العربي بمصر 1978م.
- الأسس الجمالية في النقد العربي عرض وتفسير ومقارنة، دار الفكر العربي - بيروت بدون تاريخ.
عمر الطيب الساسي (الدكتور) :
- ظاهرة التطور العكسي بعد اكتشاف الذات والقدرات الفعلية، بحث مجاز للنشر في مجلة جامعة أم القرى وحصلت عليه بإهداء شخصي من أستاذنا الباحث.
- الموجز في تاريخ الأدب العربي السعودي، ط1، تهامة، جدة، 1406هـ - 1986م.
قاسم مومنى (الدكتور) :
- نقد الشعر في القرن الرابع الهجري، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة 1982م.
محسن باروم (السيد) وآخرون:
- أحمد محمد جمال رحمه الله الداعية - المفسر - الأديب، سلسلة دعوة الحق 144 - رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، ذو الحجة 1414هـ.
محمد أحمد بن طباطبا العلوي:(2/489)
- عيار الشعر، تحقيق د. محمد زغلول سلام، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1980م.
محمد علي حسن الجفري:
- الأديب المكي، مؤسسة عكاظ، جدة، 1415هـ.
محمد مندور (الدكتور) : ...
- الأدب وفنونه، ط2، دار نهضة مصر.
مصطفى صادق الرافعي:
- تحت راية القرآن، ط6، مطبقة الاستقامة، القاهرة، 1385هـ - 1966م.
- السحاب الأحمر، تحقيق محمد سعيد العريان، ط7، المكتبة التجارية بمصر، 1985م.
- وحي القلم، دار الكتاب العربي، بيروت، بدون تاريخ.
مصطفى ناصف (الدكتور) :
- الصورة الأدبية، ط2، دار الأندلس، بيروت 1401هـ - 1981م.
المراجع الأجنبية
- EMPSON, WILLIAM - SEVEN TYPES OF AMBIGUITY,
THE HOGARTH PRESS ,
LONDON , 1984.(2/490)
شرح العلاّمة الأمير على نظم العلاّمة السُّجاعيّ
في " لاسيَّمَا "
تحقيق ودراسة
د. أحمد بن محمد بن أحمد القرشي
الأستاذ المساعد في كلية إعداد المعلمين بالمدينة المنورة
ملخص البحث
هو الإمام العالم العلاَّمة الفاضل الفهَّامة محمَّد بن محمَّد بن أحمد بن عبد القادر السّنباويّ المالكيّ الأزهريّ المشهور بالأمير الكبير، صاحب التحقيقات الرَّائقة والأليفات الفائقة، انتهت إليه الرّياسة في العلوم بالدّيار المصريّة.
صنّف عدّة مؤلفات اشتهرت بأيدي الطّلبة وهي في غاية التحرير، أكثرها حواش وشروح، ومن أشهرها حاشيته على مغني اللّبيب وكذا على المقدّمة الأزهريّة، وشذور الذّهب وغيرها.
وشرْحُه لأبيات لاسيّما للسُّجَاعيّ لا يقلّ قيمة عن بقيّة كتبه؛ إذ إِنَّ الأمير حشد في شرحه جُلَّ ما يتعلق بأحكام (لاسيّما) من أمهات وبطون الكتب المتفرّقة جمعها في شرحه في أسلوب علميّ لا تكاد تجده في أيّ كتاب آخر، ممَّا دفعني إلى تحقيقه ودراسته ونشره حيث ناقش الأمير حكم دخول الواو على (لاسيّما) وإعرابها، وجوازِ حذف " لا " وعدمه، و " سيّ " من حيث الإعراب وعدمه، وكون " ما " موصولة أو نكرة موصوفة أو نكرة زائدة وغيره، وأوجه إعراب الاسم الواقع بعد (لاسيّما) إذا كان معرفة أو نكرة، وحلول الجملة محلّه وعدمه، وعن مجموع (لاسيّما) هل هو من أدوات الاستثناء؟ وغير ذلك من الأحكام.
وقد حقّقت هذا الشّرح على ثلاث نسخ حاولت جاهداً وحرصت كل الحرص من خلال مقابلتها أن يخرج نصّ الكتاب كما أراده مؤلّفه ملتزما في ذلك الدّقّة والأمانة العلميّة في النّقل والتّحقيق الجيّد وختمت النّصّ المحقّق بفهرس للمصادر والمراجع الّتي اعتمدتّها في تحقيق ودراسة الكتاب.
وصلّى الله على سيّدنا وحبيبنا محمّد وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً كثيراً، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
• • •
كلمة المحقّق(2/491)
الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم،،،،،،،،،،،، وبعد:
فقد اهتم علماء العربيّة منذ بداية التأليف في النَّحو العربيّ بتتبّع معاني أدوات العربيّة وأحكامها النّحويّة لذا نجد سيبويه تعرّض لها في الكتاب، والمبردّ في المقتضب، وابن السّرّاج في الأصول، والزّجّاجيّ في الجمل وغيرهم، وزاد اهتمامهم بها فأفردوا لها مصنّفات مستقلّة خاصّة بأدوات المعاني كحروف المعاني للزّجّاجيّ، ومعاني الحروف للرّمّانيّ، والأزهية للهرويّ، ورصف المباني للمالقيّ، والجنى الدَّاني للمراديّ، ومغني اللَّبيب لابن هشام الأنصاريّ وغيرها؛ بل بعض النّحاة أفرد مصنّفا مستقلاً بأداة من أدوات المعاني كالزّجّاجيّ في كتاب اللاَّمات، وأحمد بن فارس في مقالة كلاّ، وأبي جعفر الطّبريّ في رسالة كلاّ في الكلام والقرآن، ومكّي بن أبي طالب في شرح كلاّ وبلى ونعم، وابن هشام الأنصاريّ في رسالته المباحث المرضية المتعلّقة بمن الشّرطيّة، وعثمان النّجديّ الحنبليّ في رسالة أيّ المشددة وغيرهم من النّحاة.
ويجدر بالذّكر أنَّ المفسرين اهتموا ببيان معاني الحروف وتطبيقها في تفاسيرهم، كأمثال القرطبيّ في كتابه الجامع وأبي حيّان الأندلسيّ في كتابيه البحر المحيط والنَّهر المادّ، والسَّمين الحلبيّ في كتابه الدّر المصون وغيرهم من المفسّرين السَّابقين واللاَّحقين.
لذا يطيب لي أن أقدّم لقرّاء العربيّة ومحبّيها شرحاً نفيساً تفرّد بالحديث عن (لاسيّما) للعالم الفاضل محمَّد بن محمَّد بن عبد القادر السّنباويّ الشَّهير بالأمير الكبير، وهو شرح على أبيات لاسيَّمَا للسُّجَاعي آمل من خلاله أن أكون قدَّمت عملاً ينير الطَّريق لمعرفة أحكامها، ويذلّل مسالكها، ويكون عوناً للباحثين في الدّراسة.
• • •
وعملي في هذا الشَّرح يقع في قسمين:(2/492)
القسم الأوَّل: الدّراسة، وتشتمل على مدخلٍ حول (لاسيّما) ، ثُمَّ ترجمةٍ موجزة لكلٍّ من الأمير والسُّجَاعيّ، ثُمَّ توثيق نسبة الشَّرح والنَّظم لهما، ثمَّ مصادر الأمير في الشَّرح، ثم وصف النُّسخ المعتمدة في التحقيق ومنهجي في تحقيقها.
القسم الثاني: تحقيق الشَّرح وفق قواعد التحقيق؛ ثُمّ صنعت فهرساً للمصادر والمراجع.
• • •
وأودُّ أن أتقدّم بالشّكر الجزيل وعظيم العرفان لأستاذي الأستاذ الدّكتور سليمان بن إبراهيم العايد الّذي تعهّد هذا البحث من أوّل لحظة بالمتابعة والنّصح والتوجيه، فله منّي جزيل الشّكر سائلا الله عزَّ وجلَّ أن يجعل ذلك في ميزان حسناته.
كما لا يفوتني أن أتقدَّم بالشّكر الجزيل والدُّعاء الخالص للزَّميل الأستاذ عبد الحفيظ محمَّد نور المعيد بقسم الدّراسات القُرآنيَّة بكليّة المعلمين بالمدينة المنوّرة على ما بذله من جهد خالصٍ في طباعة هذا البحث، ومن النُّصح والإرشاد سائلا الله عزَّ وجلَّ له أن يعينه على إنجاز دراسته العليا، وأن يكتب لنا وله التوفيق والسَّداد والقبول في كلّ أعمالنا إنّه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وصلَّى الله على نبيّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا.
مدخل(2/493)
يطيب لي في هذا المدخل أن ألخص وأوجز الأقوال والآراء الَّتي أوردها الأمير في شرحه لمنظومة " لاسيَّما " للسُّجاعيّ إذ إنَّه في مقدِّمة الشَّرح بيَّن منهجه الَّذي سيسلكه حيث قال: (مقتضى الترتيب الوضعي في " ولاسيَّما " أن يبحث فيها أوَّلاً: عن " الواو " من حيث كونها اعتراضية أو غيره ممَّا يأتي؛ ثم عن " لا " من حيث جواز حذفها وعدمه وغيرهما ممَّا يأتي ثم عن " سيّ " من حيث الإعراب وعدمه؛ ثم عن " ما " من حيث كونها موصولة أو نكرة موصوفة أو نكرة زائدة وغيره ثم عن مجموع " ولاسيَّما " هل هو من أدوات الاستثناء؟ ثُمَّ عن الاسم الواقع بعدها من حيث إعرابه، وحلول الجملة محله وعدمه) .
وأقول لاشكَّ أنَّ المؤلّف تناول في منهجه أقوال سابقيه، ولم يكتف بالنَّقل عنهم بل خرج إلى المناقشة والرَّدّ والتَّرجيح كما أنَّه قام بالرَّدّ على أقوال المعترضين عليه سالكاً أسلوب الجدل ليوقع بهم، وهذا أمر ظاهر لمن يقرأ الشَّرح قراءة فاحصة ممَّا جعل كلامه من ناحية في بعض المسائل مُلغزا، ومن ناحية أخرى جعل القارئ المتابع لآراء العلماء في المسألة الواحدة يجد عسراً ومشقَّة في معرفة آرائهم بسبب نثره للآراء هنا وهناك ومتابعته للمعترضين عليه، لذلك وغيره وضعت هذا المدخل وقد قسَّمته إلى مبحثين:
المبحث الأول: إعراب " ولاسيَّما " والاسم الواقع بعدها، وفيه ستّ مسائل (1)
__________
(1) اعتمدت في دراسة هذا المبحث – إلى جانب ما ذكره الأمير في شرحه – على المصادر والمراجع التالية:
الكتاب 2/ 286، والأصول 1/ 305، وشرح المفصل 2/ 85، والإيضاح في شرح المفصل 1/ 368، وشرح الجمل لابن عصفور 2/ 262، وشرح التسهيل 2/ 318، وشرح الكافية الشافية 2/ 724، وشرح الكافية للرضي 1/ 248، والارتشاف 3/ 1549، ومغني اللبيب 148، والمساعد 1/ 596، وتعليق الفرائد 6/ 147، وهمع الهوامع 1/ 234، وشرح الألفية للأشموني 2/ 167، وحاشية الأمير على المغني 1/ 123، وحاشية الخضري على ابن عقيل 1/ 80، والنحو الوافي 1/ 401.(2/494)
:
المسألة الأولى: إعراب " الواو " الداخلة على جملة " لاسيَّما كذا " ومحل الجملة من الإعراب: وفيها ثلاثة أوجه:
أوَّلاً: أن تكون " الواو " اعتراضية، بناء على ما قيل بجواز الاعتراض في آخر الكلام، وعلى هذا فالجملة لا محل لها من الإعراب.
ثانياً: أن تكون حاليةً نحو: (ساد العلماء ولاسيما زيدٌ) فجملة (لاسيَّما زيدٌ) حال من (العلماء) ، فيكون محلها نصباً أبدا؛ إذ المعنى: سادوا والحال أنّه لا مثل زيد موجود فيهم، أي لا مثله في السّيادة أو في العلم وهما متلازمان؛ إذ المعنى: سادوا لِعلْمهم.
ثالثا: أن تكون عاطفة، وعلى هذا فالجملة تابعة لما قبلها محلاً وعدمه، فهي في
نحو: (غايةُ ما تكلمت به الحقُّ أحقُّ بالاتباع ولاسيَّما الواضحُ) في محل رفع؛ إذ الجملة قبلها خبر عن (غاية) ؛ وإذا قلت ابتداء: (أكرمْ العلماءَ ولاسيَّما زيدٌ) فلا محل لها؛ لكون الجملة قبلها ابتدائية، ولا مانع من جعلها للاستئناف وهو ظاهر، وعليه لا محلّ لها من الإعراب.
المسألة الثانية: إعراب " سيّ ": وفيها أربعة أوجه:
الأوّل: اسم للا النافية للجنس منصوب؛ لأنها مضافة إلى (ما) في حالة رفع الاسم الَّذي بعدها؛ وفي حالة جرّه تكون (سيّ) مضافة إلى الاسم الذي بعد (ما) ، واسم " لا " في هاتين الحالتين يكون معربا؛ لأنه مضاف.
الثاني: اسم للا النافية للجنس مبني على الفتح في محل نصب، إذا كان الاسم الذي بعدها منصوباً، وتكون " ما " زائدة و (سيَّ) في هذه الصّورة مبنيّة؛ لأنها غير مضافة ولا شبيهة بالمضاف.
الثالث: قيل: إنّها في هذه الصّورة منصوبةٌ وليست مبنيّةً لشبهها بالمضاف، وحينئذٍ فتحتها فتحة إعراب لا بناء.(2/495)
الرّابع: وقيل: (سيَّ) منصوب على الحال على أنَّ " لا " مهملةٌ وليست عاملةً النَّصب في (سيَّما) ، فإذا قيل: (ساد العلماء لاسيَّما زيد) أي: سادوا غير مماثلين زيداً في السّيادة، والعامل فيها الجملة السابقة، وهذا الرَّأي منسوب للفارسيّ (الارتشاف 3/ 1552)
المسألة الثالثة: إعراب " ما " من " لاسيَّما ": وفيها ستّة أوجه على النّحو التالي:
إذا كان الاسم الواقع بعدها مجروراً ففيها وجهان:
الأوّل: " ما " حرف زائد لا محل له من الإعراب بين المضاف (سيّ) والمضاف إليه الاسم واقع بعد " ما ".
الثاني: أن تكون " ما " نكرة تامة غير موصوفة بمعنى (شيء) مبنيّة على السّكون في محلّ جرّ مضافة إلى (سيّ) وإذا كان الاسم الواقع بعدها مرفوعاً ففيه وجهان:
الأوّل: " ما " اسم مبنيّ على السّكون في محلّ جرّ مضاف إلى (سيّ) سواء أكانت (ما) اسماً موصولاً أم نكرة موصوفة بمعنى (شيء) ؟ .
الثاني: قيل " ما " اسم موصول بمعنى الَّذي في محلّ رفع خبر (لا) ، و (سيَّ) اسمها؛ وهو منسوب للأخفش. (الارتشاف 3/ 1550)
وإذا كان الاسم الواقع بعدها منصوباً ففيه – أيضا – وجهان:
الأوّل: " ما " حرف زائدٌ كافٌّ عن الإضافة.
الثاني: " ما " نكرة تامّة غير موصوفة بمعنى (شيء) مبنيّة على السّكون في محلّ جرّ مضافة إلى (سيّ) .
المسألة الرَّابعة: إعراب الاسم الواقع بعد (لاسيَّما) إذا وقع نكرة أو معرفة:
أوّلاً: إن كان مجروراً نحو: (قام القوم لاسيّما زيدٍ أو رجلٍ) ففيه وجهان:
أحدهما: أن تكون (ما) زائدة، والاسم مجرورٌ بالإضافة إلى " سيّ "، فيكونُ التقدير: قام القوم لا مثل زيدٍ أو رجلٍ.(2/496)
والوجه الثاني: أن تكون (ما) نكرة تامّة غير موصوفة بمعنى (شيء) في محلّ جرّ مضافة إلى (سيّ) ، فيكون زيدٌ أو رجلٌ بدلاً منها، فيكون التقدير: قام القوم لا مثل رجلٍ زيدٍ أو رجلٍ. وهذا الوجه لم يذكره الأمير.
(الإيضاح في شرح المفصل 1/ 368، وشرح الكافية للرضي 1/ 249)
ثانياً: إن كان مرفوعاً نحو: (قام القوم لاسيّما زيدٌ أو رجلٌ) ففيه وجه واحد:
هو أنَّ الاسم المرفوع خبر لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: (هو زيدٌ، أو هو رجلٌ) ، وهذه الجملة سنبيّن موقعها في المسألة التالية.
ثالثاً: إن كان منصوباً، فإن كان نكرة نحو: (قام القوم لاسيّما رجلاً) فهو تمييز إمّا لكلمة (سيّ) على أن تكون (ما) حرفا زائدا كافّا عن الإضافة، أو تمييزاً لكلمة " ما " على أنّها نكرة تامّة غير موصوفة بمعنى (شيء) مبنيّة على السّكون في محلّ جرّ مضاف، و (سيّ) مضافة إليها وهو الأحسن.
وإن كان الاسم المنصوب بعد (لاسيّما) معرفةً نحو: (قام القوم لاسيّما زيداً) ففيه ثلاثة أوجهٍ:
الأوَّل: مفعولٌ به لفعل محذوف وجوباً تقديره: أخصّ، أو: أعني، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنا، على أن تكون " ما " نكرة تامّة غير موصوفة بمعنى (شيء) في محلّ جرٍّ مضافة إلى (سيّ) .
الثاني: تمييز على مذهب الكوفيين وغيرهم كالرّضيّ الَّذين أجازوا تعريف التمييز.
الثالث: مستثنى منصوب، على أنَّ " ما " كافّةٌ عن الإضافة، و (لاسيّما) نُزّلت منزلة (إلاّ) في الاستثناء؛ واختُلف في نوع الاستثناء: فذهب ابن هشام الأنصاري على أنّه استثناء منقطع، وذهب الأمير على أنّه استثناء متّصل لدخول المستثنى في المستثنى منه.
المسألة الخامسة: محلّ الجملة إذا كان الاسم الّذي بعد (لاسيّما) مرفوعاً:(2/497)
ذكرنا فيما سبق أن الاسم المرفوع بعد (لاسيّما) في نحو: (قام القوم لاسيّما زيدٌ) خبر لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: (هو زيدٌ) ، فالجملة إذاً من حيث الإعراب لها وجهان:
أحدهما: الجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (ما) المضاف إلى (سيّ) .
الثاني: الجملة في محلّ جرٍّ صفة (ما) ؛ لأنها نكرة موصوفة بمعنى: شيء، وهي مضافة إلى "سيّ ".
المسألة السادسة: خبر " لا ": بيّن النّحاة أنَّ خبر " لا " النَّافية للجنس الدَّاخلة على " سيّما " محذوف، سواء كان اسمها – أي: " سيّ " – معرباً أم مبنياً؟
قال أبو حيَّان: (و " سيَّ " في " لاسيّما " هو اسم " لا " منصوب، وخبرها محذوف لفهم المعنى، فإذا قلت: " قالم القوم لاسيّما زيدٌ " فالتقدير: لا مثلَ قيام زيدٍ قيامٌ لهم) . (الارتشاف 3/ 1552) وذهب الأخفش إلى أنَّ الخبر " ما " من " لاسيّما " وهي اسم موصول بمعنى " الَّذي ".
المبحث الثاني: أحكام عامّة تتعلق ب " لاسيّما "، وفيه أحد عشر حكماً (1) :
الأوَّل: حكم اقتران " لاسيّما " ب " الواو ":
رأى بعض النّحاة كثعلب وجوب اقتران " لاسيّما " ب " الواو "، مستدلاًّ على ذلك ببيت امرئ القيس: " ولاسيّما يوم بدارة جُلجُلِ "، قال ابن هشام: (قال ثعلب: من استعمله على خلاف ما جاء – أي في البيت بدون الواو – فهو مخطئ) . (المغني 149)
وجمهور النّحاة يرون جواز دخول " الواو " على " لاسيّما " نحو: (قام القوم ولاسيّما زيدٌ) ، وقد تحذف مستدلّين بقول الشَّاعر:
فِهْ بالعُقود وبالأَيمان، لاسِيَما عقْدٌ وفاءٌ به من أعظم القُرَب
__________
(1) اعتمدت في دراسة هذا المبحث على مصادر ومراجع المبحث السابق.(2/498)
وأمَّا الرّضيّ فقد أجاز دخول الواو عليها وحذفها بشرط جعلها مصدراً، أي بمعنى: خصوصاً، قال: (ويجوز مجيء " الواو " قبل " لاسيّما " إذا جعلته بمعنى المصدر، وعدم مجيئها، إلاَّ أنَّ مجيئها أكثر) . (شرح الكافية 1/ 249)
الثاني: حكم حذف " لا " من " لاسيّما ":
تضاربت أقوال النّحاة في حذفها وعدمه، فمن النّحاة من أوجب دخولها على (سيّما) كثعلب وجعل استعمالها بدون " لا " خطأ؛ أمّا ابن يعيش فقد ذهب إلى أنه لا يجوز الاستثناء بها حتى تأتي " لا "، قال: (ولا يُستثنى ب " سيّما " إلاَّ ومعه جحْدٌ، لو قلت: " جاءني القوم سيّما زيدٌ " لم يجز حتى تأتي ب " لا "، ولا يُستثنى ب " لاسيّما " إلاَّ فيما يراد تعظيمه) . (شرح المفصل 2/ 86)
وجعل أبو حيّان حذف " لا " غريباً وأنه يوجد في كلام المولَّدين، قال: (وكذلك حذف " لا " من " لاسيّما " إنّما يوجد في كلام الأدباء المولَّدين، لا في كلام من يحتجّ بكلامه) . (الارتشاف 3/ 1552)
وذهب بعض النّحاة إلى جواز حذفها؛ وذلك لكثرة استعمالهم لها فتصرّفوا فيها تصرّفاتٍ كثيرة، منها حذف " لا ".
الثالث: حكم تخفيف " سيّ " وعملها بعد التخفيف:
ذهب ثعلب وتبعه ابن عصفور إلى أنه لا يجوز تخفيف الياء بل يجب تشديد يائها، مستدلاًّ ثعلب ببيت امرئ القيس السّابق في الحكم الأوّل؛ وابن عصفور حذراً من بقاء الاسم المعرب على حرفين.
وذهب جمهور النّحاة إلى أنّه يجوز تخفيف " سيّ " من " لاسيّما " فيقال: " لاسِيَما " حكاه الأخفش وابن الأعرابي والنّحاس، وابن جنّيّ، واستدلّوا على جواز التخفيف بالبيت السّابق: (فهْ بالعقود …… إلخ) ؛ وفي ذلك ردٌّ على الزّاعمين بأنّها لا تخفف.(2/499)
قال الرّضيّ: (وتُصُرِّف في هذه اللّفظة تصرّفات كثيرة؛ لكثرة استعمالها، فقيل: " سيّما " بحذف " لا " و " لاسيَما " بتخفيف " الياء " مع وجود " لا " وحذفها) . (شرح الكافية 2/ 249)
ونصَّ الأخفش على جواز الخفض والرّفع حالة التّثقيل والتّخفيف، وذهب بعض النّحاة إلى أنّها إذا خُفّفت انخفض ما بعدها، وإذا ثُقّلت رفعت ما بعدها، وهو خلاف ما صرّح به الأخفش.
ثُمَّ اختُلف بعد تخفيفها في المحذوف أهو عين الكلمة أم لامها؟ فقال أبو حيّان:
(وأصل " سيّ ": سُوْي؛ والمحذوف عند ابن جنّيّ لام الكلمة، والأحسن عندي أن تكون المحذوفة عين الكلمة وقوفا مع ظاهر اللّفظ) . (الارتشاف 3/ 1552)
الرّابع: حكم حذف " ما ":
نصَّ النّحاة على أنَّ سيبويه ذهب إلى جواز حذف " ما " من " لاسيّما "، فتقول: (لاسيّ زيدٍ) قال سيبويه: (وسألت الخليل – رحمه الله – عن قول العرب: ولاسيّما زيدٍ، فزعم أنه مثل قولك: ولا مثل زيدٍ، و " ما " لغوٌ) (الكتاب 2/ 286) وفي قولهم ردٌّ على زعم ابن هشام الخضراوي بأنَّ سيبويه قال: إنَّ " ما " زائدة لازمة.
الخامس: حكم دخول " الواو " على الجملة الّتي بعد " لاسيّما ":
ذهب بعض النّحاة إلى أنه لا يجيء بعد " لاسيّما " بجملة مقترنة بالواو، قال أبو حيان: (وما يوجد في كلام المصنِّفين من قولهم: " لاسيّما والأمر كذلك " تركيبٌ غير عربيّ) (الارتشاف 3/ 1552) وهو ما نصَّ عليه – أيضاً – المراديّ.
وذهب فريق آخر من النّحاة إلى جوازه كالرَّضيّ ومثَّلَ له بقوله: (أُحبُّه ولاسيّما وهو راكبٌ) . (شرح الكافية 1/ 249)
وقد وافقه الدّمامينيّ حيث علّق على كلام الرَّضيّ بقوله: (وقد رأيت اشتماله على الحكم بصحة ما جعله الشَّارح – يعني المراديّ – تركيبا غير عربيّ) . (تعليق الفرائد 6/154)(2/500)
وهو ما أكَّده الصَّبَّان بقوله: (فقول المصنِّفين: " ولاسيّما والأمر كذا " تركيب عربيّ خلافاً للمراديّ) . (حاشية الصبان على الأشموني 2/ 168)
السّادس: حكم وصل " ما " بالظرف أو الجملة الفعلية أو الجملة الشرطية:
ذهب النّحاة إلى أنَّ " ما " من " لاسيّما " إن كانت موصولة بمعنى " الَّذي " فإنَّها قد توصل بظرفٍ كقولك: " يعجبني الاعتكاف ولاسيّما عند الكعبة "، و " يعجبني التهجّدُ ولاسيّما قرب الصّبح ".
وقد توصل بجملة فعليّة، كقولك: " يعجبني كلامك لاسيّما تَعِظُ به ".
وقد توصل بالجملة الشَّرطيّة، كما حكى الأخفش أنَّهم يقولون: " إنَّ فلاناً كريم ولاسيّما إنْ أتيته قاعدا ". (شرح الكافية للرضي 1/ 249)
قال أبو حيّان: (وإذا جاء بعدها الشّرط كانت " ما " كافّة، وإن قُدّرت " ما " زائدة لم يجز؛ لأنَّه يلزم إضافة " سيّ " إلى جملة الشّرط، وذلك لا يجوز) . (الارتشاف 3/ 1552)
وأمَّا وصلها بالجملة الاسمية فهو الغالب، قال الدّمامينيّ: (وهذه مسألة يُحاجى بها، فيقال: متى يكون وصل الموصول بالاسميّة غالباً وبالظّرف والفعليّة نادراً؟) . (تعليق الفرائد 6/ 151)
السّابع: حكم إتيان " لاسيّما " بمعنى: خصوصا:
انفرد الرّضيّ – رحمه الله – عن بقيّة النّحاة بهذا الحكم، أعني به نقل " لاسيّما " إلى المفعوليّة المطلقة، فيكون معناها: خصوصاً، وتقع الجملة بعدها، حيث قال: (وقد يحذف ما بعد " لاسيّما " على جعله بمعنى: خصوصا، فيكون منصوب المحلّ على أنه مفعول مطلق) ؛ ثُمَّ مثل لقيام " لاسيّما " مقام: خصوصا بقوله: (فإذا قلت: " أحبّ زيداً ولاسيّما راكبا " أو " على الفرس " فهو بمعنى: وخصوصا راكباً، ف " راكبا " حال من مفعول الفعل المقدّر، أي: وأخصّه بزيادة المحبّة خصوصا راكبا، وكذا في نحو:(3/1)
" أحبّه ولاسيّما وهو راكب " وكذا قولك: " أحبّه ولاسيّما إن ركب " أي: وخصوصا إن ركب، فجواب الشّرط مدلول خصوصا، أي: إن ركب أخصّه بزيادة المحبّة، ويجوز أن يجعل بمعنى المصدر اللاّزم، أي: اختصاصا، فيكون معنى: وخصوصا راكبا، أي: ويختصّ بفضل محبّتي راكبا، وعلى هذا ينبغي أن يؤوّل ما ذكره الأخفش، أعني قوله:
" إنَّ فلانا لكريم لاسيّما إن أتيته قاعدا " أي: بزيادة الكرم اختصاصا في حال قعوده) . (شرح الكافية 1/ 249)
قال الدّمامينيّ: (ولا أعلم من أين أخذه) . (تعليق الفرائد 6/ 152)
وقال أيضاً: (ولا أعرف أحدا ذهب إلى ما ذكره من أن " لاسيّما " منقول من باب " لا " التبرئة إلى باب المفعول) (حاشية الدماميني على المغني 1/ 284)
الثامن: حكم جعل " لاسيّما " من أدوات الاستثناء:
اختلف النّحاة في " لاسيّما " هل تعدّ من أدوات الاستثناء أم أنها ليست من أدواته؟
عدَّ الكوفيون وجماعة من النّحاة كالأخفش، وأبي حاتم، والفارسيّ، والنّحاس، والزّجّاج، وابن مضاء، والزّمخشريّ، وابن يعيش، من أدوات الاستثناء " لاسيّما "؛ لمّا رَأوا ما بعدها مخالفا لما قبلها بالأولويّة الّتي لما بعدها.
وذهب جماعة من النّحاة إلى أنها ليست من أدوات الاستثناء، منهم ابن مالك حيث قال: (ومن النّحويين من جعل " لاسيّما " من أدوات الاستثناء، وذلك عندي غير صحيح؛ لأنَّ أصل أدوات الاستثناء هو " إلاَّ "، فما وقع موقعه وأغنى عنه فهو من أدواته، وما لم يكن كذلك فليس منها.(3/2)
ومعلوم أن " إلاَّ " تقع موقع " حاشا، وعَدَا، وخلا، وليس، ولايكون، وغير، وسوى "، وغير ذلك ممّا لم يُختلف في الاستثناء به، فوجب الاعتراف بأنه من أدواته، و " لاسيّما " بخلاف ذلك فلا يعدّ من أدواته، بل هو مضادّ لها، فإنَّ الَّذي يلي " لاسيّما " داخل فيما قبله ومشهود له بأنه أحقُّ بذلك من غيره، وهذا المعنى مفهوم بالبديهة من قول امرئ القيس:
ألا رُبّ يومٍ صالحٍ لكَ منهما ولاسيّما يومٌ بدارة جُلْجُلِ
(شرح التسهيل 2/ 318)
التاسع: معنى " سيّ ":
قال الرّضيّ: (و " السّيّ " بمعنى " المثْل "، فمعنى: " جاءني القوم ولاسيّما زيدٌ " أي: ولامِثلَ زيدٍ موجود بين القوم الَّذين جاؤني، أي: هو كان أخصّ بي وأشدّ إخلاصا في المجيء) (شرح الكافية 2/ 249)
وقال ابن يعيش: (و " السيّ " المثْل، قال الحطيئة:
فإيّاكم وحيَّةَ بطْنِ وادٍ هَمُوز النَّاب ليس لكم بسيٍّ) .
والتثنية " سِيّان "، قال أبو ذؤيب:
وكان سِيّان أنْ لا يَسْرحوا نَعَماً أو يَسْرحوه بها واغْبرَّتِ السُّوحُ) .
(شرح المفصل 2/ 85)
قال ابن هشام: (واستغنَوا بتثنيته عن تثنية " سواء " فلم يقولوا: " سواءان " إلاَّ شاذّا) . (مغني اللبيب 1/ 149)
وقال أبو حيَّان: (و " سيّ " معناه: مثْل، تقول: " أنت سيٌّ " و " هما سيَّان "
و" هم أسْواء "، نحو: حِمْلٌ وأحْمالٌ) . (الارتشاف 3/ 1552)
العاشر: لغات العرب في " لاسيّما ":
قال السّيوطيّ: (وقد أبدلت العرب " سين " " سيّما " " تاء "، فقالوا: " لاتيّما " كما قالوا في " النَّاس ": " النَّات " وقرئ: {قل أعوذ بربّ النَّات} .
وأبدلت أيضا " اللاّم " " نونا "، فقالوا: " ناسيّما "، كما قالوا: " قام زيدٌ نَا بَلْ عمرو "، أي: لا بل عمرو) . (همع الهوامع 1/ 235)
الحادي عشر: حكم عمل الكلمات التي تشارك " لاسيّما " في معناها:(3/3)
نقل الروّاة أنَّ " لا سَواءَ ما، لا مثْلَ ما " يشاركان " لاسيّما " في معناها، وفي أحكامها الإعرابيّة الَّتي سبق ذكرها. أمَّا " لا تَرَ ما، لو تَرَ ما " بمعنى " لاسيّما " لكنَّهما يخالفانها في الإعراب، فإنَّه لا يكون في الاسم الّذي بعدهما إلاَّ الرَّفع؛ لأنَّ " تَرَ " فعلٌ فلا يمكن أن تكون " ما " زائدة وينجرّ ما بعدها، بل " ما " موصولةٌ مفعولٌ ب " تَرَ "، وفاعله ضمير مستتر، تقديره: أنت، والاسم المرفوع بعد " ما " خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، والجملة صلة " ما ".
(الارتشاف 3/ 1553،همع الهوامع 1/ 235، النحو الوافي 1/ 406)
ترجمة موجزة عن حياة الأمير الكبير (1)
هو أبو عبد الله شمس الدّين محمَّد بن محمَّد بن أحمد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن محمَّد السَّنباويّ المالكيّ الأزهريّ المشهور بالأمير الكبير وشهرته بالأمير إنّما جاءته من جدّه الأدنى أحمد، وسببه أنَّ جدّه أحمد وأباه عبد القادر كان لهما إمرة بالصّعيد.
__________
(1) ينظر ترجمته في حلية البشر 3/ 1266، وعجائب الآثار 3/ 572، وفهرس الفهارس 1/ 133، وكنز الجوهر 161، وهدية العارفين 2/ 358، والفكر السامي 2/ 297، ومعجم المطبوعات 473، والأعلام 7/ 298، ومعجم المؤلفين 9/ 68، 11/ 183.(3/4)
ولد سنة 1154 هـ في شهر ذي الحجّة ب" سَنْبو " بلد من قسم منفلوط بمديريّة أسيوط، وأصله من المغرب نزل أجداده بمصر، ثُمّ ارتحلوا إلي ناحية سنبو وقطنوا بها حيث ولد المترجم له، ثُمّ ارتحل مع والديه إلي مصر وهو ابن تسع سنين وكان قد ختم القرآن، فجوّده على الشَّيخ المنير على طريقة الشَّاطبيَّة والدُّرّة، وحَبَّبَ إليه طلب العلم، إذ التحق بالأزهر وحصّل ودرس على أعيان عصره، ولم يدع فنّا إِلاَّ أتقنه ودرسه واجتهد في تحصيله، فأوّل ما حفظ متن الآجروميّة، وسمع سائر الصَّحيح والشِّفاءَ على الشَّيخ عليّ ابن العربيّ السَّقَّاط، ولازم دروس الشَّيخ الصَّعيديّ في الفقه وغيره من كتب المعقول، وحضر على السَّيّد البليديّ شرح السَّعد على عقائد النَّسفيّ، والأربعين النَّوويَّة، وسمع الموطّأ على الشَّيخ محمَّد التاوديّ بن سودة بالجامع الأزهر، ولازم المرحوم حسن الجبرتي سنين، وتلقّى عنه الفقه الحنفيّ وغير ذلك من الفنون كالهيئة، والهندسة والفلكيّات، والحكمة بواسطة تلميذه الشَّيخ محمَّد بن إسماعيل النَّفراويّ المالكيّ وكتب له إجازة مثبتة في برنامج شيوخه، كما جالس ولازم غيرهم من علماء عصره، وشملته إجازة الشَّيخ الملويّ، وتلقى عنه مسائل في أواخر أيّام انقطاعه بالمنزل.
انتهت إليه الرّياسة في العلوم بالدّيار المصريَّة، إذ تصدَّر لإلقاء الدُّروس في حياة شيوخه واشتهر فضله، وذاع صيته وكبر قدره، وشاع ذكره في الآفاق وخصوصا بلاد المغرب وبخاصة بعد موت أشياخه، إذ كانت تأتيه الصِّلات من سلطان المغرب وتلك النَّواحي في كل عام.
وفد عليه طلاب العلم للأخذ عنه والتلقّي منه والاستفادة من مصنّفاته الَّتي هي في غاية التحرير، وكان يُدَرِّس فقه مالك الَّذي هو مذهبه، وفقه الحنفيّ والشَّافعيّ، وتولى مشيخة السَّادة المالكيّة بالأزهر حتى توفي رحمه الله، ثم تولاّها ابنه الشَّيخ محمَّد الأمير الصَّغير.(3/5)
له تآليف جمَّة في فنون كثيرة اشتهرت بأيدي الطَّلبة، أكثرها حواشي وشروح، من أشهرها:
حاشية على مغني اللَّبيب لابن هشام (ط) .
حاشية على شرح الشَّيخ خالد على مقدّمته الأزهريَّة (ط) .
حاشية على شرح ابن هشام لشُذُورِ الذَّهب (ط) .
إتحاف الإنس في العلميَّة واسم الجنس (ط) .
حاشية على شرح عبد السلام لجوهرة التوحيد (ط) .
المجموع في فقه المالكيَّة (ط) .
ضوء الشّموع على شرح المجموع (ط) .
الإكليل شرح مختصر خليل.
الكوكب المنير في فقه المالكيّة (ط) .
حاشية على شرح الملويّ على السَّمرقنديَّة في الاستعارات (ط) .
تفسير المعوّذتين.
تفسير سورة القدر.
انشراح الصَّدر في بيان ليلة القدر.
مطلع النَّيرين فيما يتعلق بالقدرتين.
ثمر التمام في شرح آداب الفهم والإفهام.
حُسْنُ الذِّكرى في شأن الأسرى
شرح الأمير على أبيات (لاسيّما) للسُّجَاعيّ، الَّذي أقوم بتحقيقه، وغير ذلك من الحواشي والشّروح.
كان رحمه الله رقيق القلب لطيف المزاج توفي بالقاهرة يوم الاثنين عاشر ذي القعدة سنة 1232 هـ، ودفن بالقرب من عمارة السُّلطان قايتباي وكثر عليه الأسف والحزن، وقد رثاه أهل عصره.
ترجمة موجزة عن حياة السُّجاعيّ (1)
هو أحمد بن شهاب الدّين أحمد بن محمّد السُّجَاعي البدراويّ الأزهريّ الشَّافعيّ.
ولد بمصر ونشأ بها وقرأ على والده وعلى كثير من علماء عصره، وتصدَّر للتدريس والإقراء في حياة أبيه وبعد موته وصار من أعيان العلماء، وهو عالم مشارك في كثير من العلوم إِلاَّ أنه تميَّز بعلوم العربيّة لازم الشَّيخ حسن الجبرتي وأخذ عنه علم الحكمة والهداية وغير ذلك.
__________
(1) ينظر ترجمته في عجائب الآثار 2/ 75، وهدية العارفين 1/ 179، ومعجم المطبوعات 1005، وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان 5/ 282، والأعلام 1/ 89، ومعجم المؤلفين 1/ 154.(3/6)
له تآليف كثيرة كلّها شروح وحواش، ورسائل ومتون منظومة في علوم الدِّين، والأدب، والتصوف، والمنطق، والفلك منها:
الدُّرر في إعراب أوائل السُّور.
شرح معلّقة امرئ القيس.
الجواهر المنتظمات في عقود المقولات (ط) .
حاشية على شرح القطر لابن هشام (ط) .
شرح لامية السَّموأل (ط) .
فتح الجليل على شرح ابن عقيل (حاشية السُّجاعي على شرح ابن عقيل) (ط) .
فتح المنَّان في بيان مشاهير الرّسل الّتي في القرآن (ط) .
النُّور السَّاري على متن مختصر البخاريّ لابن أبي جمرة.
الكافي بشرح متن الكافي في العروض والقوافي.
منظومة في المجاز والاستعارة (ط) .
رسالة في إثبات كرامات الأولياء (ط) .
بدء الوسائل في ألفاظ الدّلائل.
تحفة الأنام بتوريث ذوي الأرحام.
تحفة ذوي الألباب فيما يتعلق بالآل والأصحاب.
السَّهم القويّ في نحر كل غبيّ وعويّ.
فتح الغفَّار بمختصر الأذكار للنَّوويّ.
فتح الرَّحيم الغفَّار بشرح أسماء حبيبه المختار.
فتح المنَّان بشرح ما يذكَّر ويؤنَّث من أعضاء الإنسان
القول النَّفيس فيما يتعلق بالخلع على مذهب الشَّافعيّ بن إدريس.
المقصد الأَسْنَى بشرح منظومة الأسماء الحسنى.
مناسك الحج.
وغيرها من المصنَّفات وأكثرها غير مطبوعة، وهناك رسالة تشتمل على مؤلّفاته منها نسخة مخطوطة بالخزانة التيموريّة.
توفى السُّجاعيّ رحمه الله بالقاهرة في شهر صفر سنة 1197 هـ، ودفن عند أبيه بالقرافة الكبرى بتربة المجاورين.
توثيق نسبة الشَّرح للأمير
جرت عادة المترجمين لأيّ عالم والمفهرسين لكتبه الَّتي صنَّفها ألاَّ يلموا بكل ما ألّفه المترجم له، غير أنَّ الشَّرح الَّذي قمت بتحقيقه – أعني شرح أبيات لاسيّما للأمير – لم أجد من المترجمين من أشار بأنه من مؤلّفاته، والَّذي يؤكّد نسبته للأمير ما يلي:(3/7)
أوّلا: نصَّ على اسمه في مقدّمة الشَّرح بقوله: (فيقول العاجز الفقير إلي الغنيّ القدير، محمَّد بن محمَّد الملقّب بالأمير، … قد كنت رأيت أبياتا تتعلق بكلمة (ولاسيَّما) وهي في غاية الحسن والإتقان …) .
ثانيا: في حاشيته على المغني عند شرحه لكلمة (سيّ) نصَّ على أنَّ له كتابا حول لاسيَّما حيث قال: (وقد وضعنا في " ولاسيَّما " أوائل الاشتغال موضوعا مستقلا) (1) .
ثالثا: بعد النَّظر والتّدقيق في المادَّة العلميَّة والآراء والنُّصوص الواردة في حاشيته على المغني وشرح أبيات لاسيَّما وجدتّ توافقا بينهما ممَّا يؤكّد صحة الشَّرح للأمير الكبير.
توثيق نسبة الأبيات للسُّجَاعيّ
لم تنصّ المصادر المترجمة للسُّجاعيّ بأنَّ له منظومة حول لاسيَّما والَّذي يؤكّد نسبتها له ما يلي:
أوَّلا: أنَّ الأمير نصَّ بأنها للسُّجاعيّ في مقدّمة الشَّرح حيث قال: (قد كنت رأيت أبياتا تتعلّق بكلمة " ولاسيّما " …… وهي لحسَّان الزَّمان وبهجة الإخوان الشَّيخ أحمد بن الإمام الشَّيخ أحمد السُّجَاعيّ)
ثانيا: أنَّ السُّجاعيّ أثبتها لنفسه في حاشيته على ابن عقيل (فتح الجليل على شرح ابن عقيل) في باب الموصول عند قول ابن عقيل: (وقد جوزوا في " لاسيّما زيد " … إلخ) حيث أورد السُّجاعي الأوجه النَّحويّة وتوجيهها والمسائل المتعلّقة ب " لاسيَّما "، ثُمَّ قال: (وقد نظمت ذلك فقلت: وما يلي لاسيّما إن نُكّرا فاجرر أو ارفع … إلخ) وذكر الأبيات (2) .
وفي هذا دليل قاطع، وبرهان ساطع على نسبتها له.
المصادر الّتي اعتمدها الأمير في الشَّرح
__________
(1) ينظر حاشيته على المغني 1 / 123.
(2) ينظر حاشيته على ابن عقيل 69.(3/8)
استفاد الأمير في شرحه لأبيات (لاسيَّما) للسُّجَاعيّ من المصادر النَّحويّة الموسوعيّة غير أنّه لم يصرّح بها في مقدّمة الشَّرح، وقد وردت إشارات إلى بعض منها في ثنايا شرحه، منها كتب ابن مالك كالألفيَّة حيث استشهد بها في موضعين:
الأوَّل منهما قول ابن مالك: اسم بمعنى من مبين نكره * ينصب تمييزا بما قد فسّره (1)
الثاني قول ابن مالك: (………… وإن لم يستطل * فالحذف نزر …) (2)
كما أنّه استفاد من كتاب التسهيل وشرحه لابن مالك في اكثر من موضع حيث استفاد ممَّا أورده ابن مالك من الآراء والاستشهاد بالأبيات الشّعريّة كما أنّه نقل الأمثلة الَّتي مثّل بها ابن مالك في شرح التسهيل (3) .
ومن المصادر الَّتي اعتمدها في الشَّرح مغني اللَّبيب لابن هشام الأنصاريّ، فقد صرّح بالمغني في أكثر من موضع وتجاهل التصريح في مواضع أخر (4) ، علما بأنّه ضمّن شرحه جميع ما أورده ابن هشام في المغني في مبحث (سيّ) بل أنه أورد نصًّا نقله عن المغني ولم أجده (5) ، والجدير بالذّكر أنَّ الأمير له حاشية على المغني ممَّا يؤكد اهتمامه بكتاب المغني واستفادته منه.
ومن المصادر الَّتي اعتمدها في الشَّرح شرح الكافية لرضيّ الدّين الاستراباذيّ حيث أخذ برأي الرّضي في جواز كون الواو الدَّاخلة على (لاسيَّما) عاطفة (6) ، كما أنّه أورد نصًّا للرَّضيّ على جواز إتيان (لاسيَّما) بمعنى: خصوصا (7) .
__________
(1) ينظر هامش 63.
(2) ينظر هامش 79.
(3) ينظر هامش 48، 68، 71، 106.
(4) ينظر هامش 29، 30، 31، 32، 47، 48، 54، 55، 56، 58، 59، 61، 81، 83، 106 وغيرها.
(5) ينظر هامش 55.
(6) ينظر هامش 28.
(7) ينظر هامش 87.(3/9)
ومن المصادر الَّتي استفاد منها شرح الدَّمامينيّ على المغني حيث صرّح بذلك في اكثر من موضع (1) ، واستفاد منه في قصة دارة جُلْجُلٍ، ومثَّل ببيت أبي العلاء المعريّ الَّذي مثَّل به الدَّمامينيّ (2) وغير ذلك.
كما استفاد من كتاب الكافي في العروض والقوافي للخطيب التبريزيّ (3) ؛ ومن شرح شيخ الإسلام على متن الخزرجيّة (4) .
هذه نماذج وأمثلة من المصادر الَّتي اعتمدها الأمير في شرحه لأبيات لاسيَّما وهي على سبيل التمثيل لا الحصر.
وصف المخطوطات المعتمدة في تحقيق الشَّرح
اعتمدت في تحقيق شرح أبيات (لاسيَّما) على ثلاث نسخ، وجميعها من محفوظات عمادة شؤون المكتبات التابعة لجامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميّة وقد رمزت لكل واحدة منهنّ برمز معيّن وهي:
1 – نسخة " أ ":
تحتفظ بها المكتبة تحت الرَّقم (260) فهرس مخطوطات النَّحو والصَّرف، ورقم الحفظ (1337) ، وهي تقع في (عشر ورقات) من القطع المتوسط، وعدد الأسطر في كل صفحة (ثلاثة وعشرون سطرا) ، مُيّزت أبيات المنظومة بالحمرة، كتبت بالخطّ المعتاد، كتبها النَّاسخ أبو العينين الدَّلجمونيّ المالكيّ، وكان الفراغ من نسخها في الخامس عشر من شهر شوال لسنة (1253 هـ) ، كتب على الورقة الأولى منها (شرح الأمير على لاسيَّما) .
__________
(1) ينظر هامش 85، 96.
(2) ينظر هامش 105.
(3) ينظر هامش 113.
(4) ينظر هامش 118.(3/10)
وعلى الرَّغم من أنَّ هذه النُّسخة هي أقدم المخطوطات الثلاث الَّتي اعتمدتها في تحقيق الشَّرح، إِلاَّ أنّني بعد قراءتها قراءة دقيقة فاحصة وجدت أنّها لا ترقى أن تكون أصلا يعتمد عليها في تحقيق النَّصّ وذلك يرجع إلى كثرة الأخطاء الإملائيّة والنَّحويّة الَّتي وقع فيها النَّاسخ بالإضافة إلى كثرة التصحيفات والتحريفات ويوجد بها أيضا سقط في أكثر من أربعة عشرة موضعا يتراوح بين الجمل والسَّطر والسَّطرين والثلاثة والأربعة ويصل إلى ثمانية أسطر، كما أنَّ بها اضطرابا في عدة مواضع غير أننى لم اتبع اضطرابها، لهذه الأسباب وغيرها لم اعتمدها أصلا في التحقيق؛ لأنها فقدت أهميتها وأصبحت نسخة مساعدة لا أصلا يعتمد عليه، لذا استعنت بها عند المقابلة.
2 – نسخة "ب":
وهي من محفوظات مكتبة جامعة الإمام كسابقتها تحت الرَّقم (261) فهرس مخطوطات النَّحو والصَّرف وهي تقع في (أربع عشرة ورقة) من القطع المتوسّط، وعدد الأسطر في كل صفحة (واحد وعشرون سطرا) ، كتبت بخطّ معتاد واضح، كتبها النَّاسخ محمّد شاوش، مُيّزت أبيات النَّظم بالحمرة، وكان الفراغ من نسخها في 30 محرم لسنة 1303 هـ، كتب على الغلاف: (هذه رسالة لاسيّما لمؤلّفها العالم العلاّمة الشَّيخ محمَّد بن محمَّد الملقَّب بالأمير، نفعنا الله به وبعلومه، آمين، آمين، آمين) .
وهي من حيث القدم تأتي بعد نسخة " أ " إِلاَّ أنّني لم أجعلها أصلا معتمدا في تحقيق الشَّرح؛ لأنَّ النَّاسخ لا يختلف عن السَّابق – وإن كان أقلَّ منه – في الأخطاء الإملائيّة والنَّحويّة، والتصحيفات والتحريفات، بالإضافة إلى وجود السَّقط بالسَّطر والسَّطرين والثلاثة، مع وجود اضطراب في عدَّة مواضع؛ لهذه الأسباب استعنت بها كسابقتها في إكمال وتصويب ما وجد في النّسخة الأصليَّة.
3 – النّسخة الأصليَّة:(3/11)
وهي كالسَّابقتين من محفوظات مكتبة جامعة الإمام تحمل الرَّقم (262) فهرس مخطوطات النَّحو والصَّرف، ورقم الحفظ (6643) ، وهي تقع في (ست ورقات) من القطع الكبير، وعدد الأسطر في كل صفحة (تسعة وعشرون سطرا) مُيّزت أبيات المنظومة بالحمرة، كتبت بخطّ معتاد واضح، كتبها النَّاسخ محمَّد عبد الله الزُّرقانيّ، وكان الفراغ من نسخها يوم الاثنين 23 رجب لسنة 1330 هـ.
كتب على الورقة الأولى منها: (هذا شرح العلاَّمة الأمير على نظم العلاَّمة السُّجاعيّ في لاسيَّما، نفعنا الله بهما والمسلمين) .
وفي آخر ورقة من النُّسخة أورد النَّاسخ أرجوزة السُّجاعيّ في (لاسيّما) وهي تقع في سبعة أبيات.
وتمتاز هذه النُّسخة بالدّقّة والوضوح، وندرة التحريف والتصحيف، والسَّقط الَّذي لا يتجاوز في غالبه كلمة وهو قليل لا يكاد يذكر، إلي جانب ما تميَّز به النَّاسخ من الضَّبط والإعجام، لذلك اتخذتها أصلا معتمدا وقابلتها بالنُّسختين " أ " و " ب " وسلكت في تحقيق النَّصِّ المنهج العلميّ التالي:
- أغفلت الإشارة إلى ما يوجد في النُّسختين من تصحيفات وتحريفات وأخطاء إملائية ونحويَّة وسقط وذلك لكثرته ولا فائدة من الإشارة إليه.
- أكملت السَّقط الموجود في الأصل وصوبت الأخطاء مع ندرتهما من النُّسختين وأشرت لذلك في التحقيق.
- خرَّجت الآيات القرآنيّة والشَّواهد الشّعريّة وآراء النّحاة من مصادرها.
- ضبطت النُّصوص الواردة في الشَّرح إلي جانب ضبط ما يُشكل.
- وثّقت المسائل النَّحويّة والصَّرفيّة وغيرها من مصادرها.
- صنعت فهرسا للمصادر والمراجع الَّتي اعتمدتها في تحقيق ودراسة الشَّرح.
والله الموفّق هو حسبنا ونعم والوكيل
النَّصُّ الْمُحَقَّقُ(3/12)
نحمدك اللَّهم يا من [وفّقتنا] (1) لعين الصَّواب، ونصلِّي ونسلِّم على أنبيائك الَّذين انتخبتهم من الخلق أيَّ انتخاب، ولاسيَّما سيّدنا ومولانا محمَّد الَّذي قرَّبته ورفعت له الحجاب، حتى دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو اشدّ اقتراب، محمَّد الَّذي أنزلت عليه يا مولانا في محكم التبيين، {فَتَوكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ المُبِينِ، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْموتَى ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} (2) ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وتابعيهم إلى يوم الدّين، وبعد:
__________
(1) في الأصل: وفقنا، وما أثبته من " أ " و " ب ".
(2) آية 79 – 80 من سورة النمل.(3/13)
فيقول العاجز الفقير إلى الغنيّ القدير محمَّد بن محمَّد الملقَّب بالأمير، عامله الله باللُّطف وحسن التدبير، قد كنت رأيت أبياتا تتعلّق بكلمة " ولا سِيّما " وهي في غاية الحُسن والإتقان، ناشئة عن تحقيق وتدقيق وإمعان، كيف وهي لحسَّان الزَّمان، وبَهْجَة الإخوان، الشَّيخ أحمد بن الإمام الشَّيخ أحمد السُّجَاعيّ عاملني الله وإيّاه والمسلمين بالإحسان، بجاه سيّدنا محمَّد سيّد ولد عدنان، فوضعت عليها تعليقا لطيفا في زمن قصير بُعيد العشاء، فاعتنى به بعض الأذكياء وحشّاه، وأورد عليه من الاعتراضات ما ستقف بفضل الله على معناه، ثم حشّاه بعض آخر مجيبا عن بعض تلك الاعتراضات لا عن جميعها، لعدم اطّلاعه على جميع الحاشية الأولى، وقد منَّ الله عليَّ باطلاعي عليها فوضعت هذا ثانيا في شأن ذلك مع مزيد فوائد، فأقول وبالله أستعين، قال المصنّف: (وَمَا يَلِي لَاسِيَّما) اعلم أنه يجب الابتداء بالبسملة والحمْدَلةِ في الأمور ذوات البال للحديث المشهور (1) ، ولا شكَّ أنَّ هذا التأليف من ذوات البال، وحاشا المصنّف أن لا يعمل بالحديث، فيجب أن يكون ابتدأ بهما نطقا وذلك كافٍ، إلاَّ أنه جرت عادة المؤلّفين بإدراجهما في مؤلّفاتهم لفظا ورسما، والمصنّف خالفهم في ذلك فلا بدَّ لمخالفتهم من نكتة، ولعلَّها – والله أعلم – هَضْمه نفسه بأنَّ تأليفه هذا ليس من المؤلّفات ذوات البال الَّتي جرت العادة فيها بما ذكر حتى يأتي على عادتها وهذا لا غبار عليه، وهو المراد بقولي في (
__________
(1) السُّنّة في ابتداء جميع الأمور الحسنة ذوات البال أن يبدأ فيها بالبسملة والحمدلة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ش قال: (كل أمر ذي بال لا يبدأ بالحمد لله فهو أقطع) وفي رواية (بحمد الله) وفي رواية (بالحمد فهو أقطع) وفي رواية (أجذم) وفي رواية (ببسم الله الرحمن الرحيم) وهو حديث حسن. ينظر: شرح صحيح مسلم 1/ 43.(3/14)
الصَّغير) : " وكأنه ترَكَهما من النَّظم هضما لنفسه بأنَّ تأليفه هذا ليس من الأمور ذوات البال، وهذا حُسْنُ تواضعٍ من دأب الرَّجال " انتهى.
قال المعترض ما نصَّه: " والأنسب في التعبير أن يقول: وكأنه ترَكَهما من النَّظم إشارة إلى عدم تعيُّن رسمهما؛ لأنَّ قول النَّبيّ (" لا يُبْدأُ فيه بِبسم الله 000 إلخ " أعمّ من أن يكون لفظا وخطَّا أو خطَّا لا لفظا أو لفظا لا خطَّا، لأنَّ حذف المعمول يُؤذن بالعموم، وإن كان الثواب المترتّب على لفظهما مع كتابتهما أكثرَ من الثّواب المترتّب على فعل أحدهما فقط؛ فأمَّا ما ذكره من "الهضْميّة " [1/ب] فلا ينهض عِلَّةً للترك، اللهم إلاَّ أن يكون بمعونة أنه ليس ممَّن يؤدي الحمد على ما ينبغي، لكنه لا يظهر في جانب البسملة لمن تأمّل " انتهى كلامه.
وأقول: إنما الَّذي لا ينهض علّةً ما ذكره هو من الإشارة؛ إذ حيث كان الابتداء الرَّسمي داخلا في الحديث وإن لم يكن على سبيل التعيّن، وكان جمعه مع اللَّفظيّ أكثر ثوابا وجرت عادة المؤلّفين به قديما وحديثا، فلا ينبغي تركه لمثل هذه الإشارة إلى ما هو معلوم من خارج ممَّا لا ثواب فيه، بخلاف ما ذكرناه من التواضع ففيه ثوابٌ أعظم من ثواب الجمع لا ريب، فساغ العدول عن الجمع إليه ونهض الهضْم علة للترك؛ وقوله: من " الهضْمية " صوابه من " الهضْم " إذ الهضمية الحال المتعلقة بالهضم أعني: الكون هضما، كما أنَّ " العالميّة " الحال المتعلقة ب " العالم " أعني: الكون عالما، ونحن لم نجعل العلَّة الكون هضما بل نفس الهضم، فإن أجاب بتجوّزٍ أو تقدير قلنا: لا حاجة لما يحوج لذلك مع أنه خلاف الاختصار.(3/15)
ثُمَّ قال المعترض أيضا ما نصّه: " ومع ذلك فالباء في قوله: " بأنَّ 000 إلخ " إمَّا للتعدية وهو باطل لامحالة، أو للسَّببيّة بمنزلة لام العلَّة للترك، فهي إمَّا علَّة ثانية للترك وهو باطل؛ لأنه قطعا من الأمور ذوات البال، فإن أريد أنه ليس من مهمات ذوات البال مُنع بأنَّ الأمر ذا البال في الحديث نكرة فيعمّ كل فرد، وإمَّا علَّة للعلَّة وبطلانه ظاهرُ البيان لعدم التئام الكلام، فتأمّله بالانصاف وعليك منّي السَّلام " انتهى كلامه.
وأقول: كونها للتعدية للترك أو الهضْم لا يتوهّمه عاقل لعدم صحته، فلا ينبغي التعرّض له ولو على سبيل توسيع دائرة الاعتراض، وكونها للسّببيّة متعلقة بالترك غير مراد لنا، إنما هي للسَّببيّة متعلقة بالهضم، والمعنى: تركهما ليهضم نفسه بأنَّ تأليفه 000 إلخ، والكلام [بذلك] (1) في غاية الالتئام، فكيف يجعل عدم صحته لا تحتاج إلى بيان، ولا يخفى أنَّ كونها علَّة للعلَّة وهي هضما يقتضي تعلّقها بالعلَّة، فهو غير كونها بمنزلة لام العلَّة للترك المقتضى لتعلّقها به، لا أنَّه قسم مندرج تحته كما هو صريح عبارته.
__________
(1) في " أ " و " ب ": (في ذلك) .(3/16)
ولنرجع إلى المقصود فنقول: مقتضى الترتيب الوضعي في (ولاسِيّما) أن يبحث فيها أوَّلا: عن " الواو" من حيثُ كونها اعتراضية أو غيره ممَّا يأتي؛ ثمَّ عن " لا " من حيثُ جواز حذفها وعدمه وغيرهما ممَّا يأتي؛ ثمَّ عن " سيّ " من حيثُ الإعراب وعدمه؛ ثمَّ عن " ما " من حيثُ كونها موصولة أو نكرة [موصوفة أو نكرة] (1) زائدة وغيره؛ ثمَّ عن مجموع " ولاسِيَّما " هل هو من أدوات الاستثناء؟ ثمَّ عن الاسم الواقع بعدها من حيثُ إعرابه، وحلول الجملة محله وعدمه، والمصنّف خالف هذا الترتيب؛ لأنَّ قصده البيان على أيّ وجه كان، أو أنه اهتم بما قدَّمه على غيره بحسب ما ظهر له [فتأمّل] (2) .
وأخلَّ بالبحث الأوَّل ولنتكلّم عليه فنقول: قرَّر بعض مشايخنا أنَّ (الواو) في (ولاسِيَّما) اعتراضية بناء على ما قيل بجواز الاعتراض في آخر الكلام (3) ؛ وأقول: - بفضل الله – هو غير متعيّن، إذ لا مانع من جعلها للحال (4) ، وجملة (لاسِيَّما كذا) حال من الاسم الواقع قبل (ولاسِيَّما) فيكون محلّها [نصبا] (5) أبداً، فإذا قلت:
__________
(1) ما بين المعكوفين زيادة من " أ " و " ب ".
(2) في الأصل: يتأمل: وما أثبته من " أ " و " ب ".
(3) ممن يرى أن الواو اعتراضية الرضي حيث قال: (اعلم أن الواو التي تدخل على " لاسيما " في بعض المواضع …… اعتراضية ……، إذ هي مع ما بعدها بتقدير جملة مستقلة) شرح الكافية
1/ 249 وينظر حاشية الأمير على المغني 1/ 123، والمعجم المفصل في النحو العربي 558.
(4) قال أبوحيان في الارتشاف 3/ 1553: (ويجوز دخول الواو على " لاسيما " فتقول: " قام القوم ولاسيما زيد " والواو واو الحال) .
(5) في الأصل: نصبٌ، وما أثبته من " أ " و " ب ".(3/17)
(سَادَ العلماءُ ولاسِيَّما زيدٌ) فجملة (لاسِيَّما [زيدٌ] (1)) حال من (العلماء) ، والمعنى: سادوا والحال أنه لا مثلَ زيدٍ موجود فيهم، أي: لا مثله في السّيادة أو في العلم، وهما متلازمان؛ إذ المعنى: سادوا لِعلْمِهم؛ لأنَّ تعليق الحكم بمشتق مؤذن بعليّة مبدأ الاشتقاق، والعلَّة والمعلول متلازمان، وعلى كلٍّ فالمرادُ أنّ زيداً [2/أ] أفضل منهم، وإن صدق المدلول لغة بأنه انقص إلاَّ أنه غير مراد عُرْفا، ونظيره قولهم: (لا أحدَ أَعْرفُ من فُلانٍ) يريدون: أنه أعرفُ النَّاس وإن صدق بالتساوي، وكذا القول في: (أَكْرِمْ العلماءَ ولاسِيّما زيدٌ) إلاَّ أنَّك تقول هنا على المعنى الأوَّل فيما قبله ولا مثله في استحقاق الإكرام المأخوذ من قوة الكلام؛ إذْ لا يأمر عاقل بشيء إلاَّ لمن يستحقُّه، وكأنّه قيل: استحقَّ العلماءُ الإكرامَ ولا مثْلَ زيدٍ موجودٌ فيهم، أو تقول المراد: ولا مثْلَه في طلب الإكرام، المفاد من (اَفْعِلْ) ، وعلى هذا فهي حالٌ مُقَارِنَةٌ (2) في الموضعين على المعنيين، ولك في الموضع الثاني معنى ثالث هو: أنَّ المراد لا مثلهم في الإكرام بالفعل، وعليه فهي حالٌ مُنتَظَرَةٌ (3)
__________
(1) ما أثبته زيادة من " أ " و " ب ".
(2) الحال المقارنة: عرّفها الفاكهي في شرح الحدود في النحو (229) بقوله: (هي المبينة لهيئة صاحبها وقت وجود عاملها، كراكبا من " جاء زيد راكبا ") ؛ كما عرّفت في المعجم المفصل في النحو العربي (445) : (هي التي تلازم صاحبها فلا يختلف وقوع أحدهما عن الآخر، بل يتحقق معناها في زمن تحقق العامل، كقوله تعالى: {وَهَذا بَعْلِي شيخاً} ) [آية 72 من سورة هود] . وتسمى أيضا الحال المحقَّقَة.
(3) الحال المنتظرة: عرّفها الفاكهي في شرح الحدود في النحو (230) بقوله: (هي التي يكون حصول مضمونها متأخرا في الخارج عن حصول مضمون عاملها ك " مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ") ؛ كما عرّفت في المعجم المفصل في النحو العربي (445) : (هي التي يتحقق معناها بعد وقوع معنى عاملها) ؛ كقوله تعالى في (سورة الحِجْر آية 46) : {اُدْخُلوها بِسَلامٍ آمِنينَ} ومثل: (مشى الطفلُ باكراً) ، وتسمى أيضا: الحال المستَقْبَلة، والمقدَّرَة.(3/18)
، ولا مانع أيضا مِنْ جَعْلِها عاطفة في المثال الأوَّل اتْفاقا، وفي الثاني (1) عند مَن يجوّز عطف الخبر على الإنشاء (2) ، وعلى هذا فهي تابعة لما قبلها محلاًّ وعدمه، فهي في نحو: (غَايةُ ما تكلَّمتُ به الحقُّ أحقُّ بالاتّباع ولاسِيّما الوَّاضحُ) في محلّ رفع؛ إذ الجملة قبلها خبر عن (غاية) ، وفي نحو: (قلت له: انْصِفْ المُناظِر ولاسِيّما المتأدِّبُ) في محلّ نصب؛ إذ الجملة قبلها معمول القول، وفي نحو: (نطقتُ بِسادَ العلماءُ ولاسِيّما العاملون) في محلِّ جرٍّ، وإذا قلت ابتداءً: (أَكْرِمْ العلماءَ ولاسِيّما فُلانٌ) فلا محل لها؛ لكون الجملة قبلها ابتدائيّة، ولا مانع من جعلها للاستئناف وهو ظاهر وعليه لا محلَّ لها من الإعراب.
وقد استدعى الكلام على (الوَّاو) الكلام على جملة (ولاسيّما كذا) من حيث محلّها من الإعراب وعدمه، وهو وإن لم أجده في النّقول مقبولا عند أولي العقول.
__________
(1) يعني جعل الواو عاطفة في المثال الأول: (ساد العلماءُ ولاسِيّما زيدٌ) ، وفي المثال الثاني: (اكْرِمْ العلماءَ ولاسِيّما زيدٌ) .
وممن أجاز أن تكون الواو عاطفة الرضي في (شرح الكافية 1/ 249) حيث قال: (ويجوز أن يكون – أي الواو – عطفاً، والأول – أي كونها اعتراضية – أولى وأعذب) ينظر هامش " 3 " السابق.
(2) بعض النحاة أجاز عطف الخبر على الإنشاء وبالعكس، وبعضهم منع العطف.
ينظر تفصيل المسألة في مغني اللبيب 535 – 538.(3/19)
وأمَّا الكلام على (الوَّاو) من حيثُ الحذف وعدمه، فنقول: جرى في الحذف خلاف (1) ، فذكر ثعلب أنه خطأ (2) ونقلوه مقدّمين له على جواز الحذف المنسوب لغيره، فظاهر كلامهم ترجيحه، وذكر الفارسيّ (3) ما يقتضي جواز حذفها، وذلك أنه جعل " سيّ " حالا ممَّا قبلها دخل عليها النَّافي، ومعنى قولك: (ساد العلماءُ لاسيّما زيدٌ) سادوا لا مماثلين لزيد فاعتُرِض عليه بأنَّ الحال المفردة لا تدخل عليها (الوَّاو) ، أي: إذا لم تكن عاطفة لها على حال أخرى قبلها كما هنا، فإن كانت عاطفة: {يا أيها النَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهداً ومُبشِّراً وَنَذِيراً، ودَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإذْنِهِ وسِرَاجًا مُّنِيرًا} (4) [دخلت] (5)
__________
(1) ينظر الخلاف في وجوب دخول الواو على " لاسيما " وفي جواز حذفها: شرح الكافية للرضى 1/ 249 والارتشاف 3/ 1552، 1553، ومغني اللبيب 149، والمساعد 1/ 596، والهمع 1/ 235.
(2) أوجب ثعلب دخول الواو على (لاسيما) ، قال: من استعمله على خلاف ما جاء …… فهو مخطئ. وجوّز غيره حذفها.
ينظر مغني اللبيب 149، وتعليق الفرائد 6/ 147، والهمع 1/ 235.
(3) ينظر رأيه في الارتشاف 3/ 1552، ومغني اللبيب 149، والهمع 1/ 235.
(4) آية 45 – 46 من سورة الأحْزَاب.
(5) تكملة من " أ " و " ب ".(3/20)
فأجيب بأنه إنما يقول: بالحالية عند عدم دخول (الوَّاو) ، وأمَّا عند دخولها ف " سيّ " عنده اسم ل " لا " التبرئة كما يأتي (1) ، ولا تُحذف " لا " من " [لا] سِيّما " وكما لا تُحذف [لا] (2) لا تُحذف (الوَّاو) ، وأجاز بعضهم حذْفَها وبه قال الفارسيّ، زاد وهي حينئذٍ أي: حين حذف (الوَّاو) نصب على الحال (3) انتهى.
وقول المعترض هناك: إنَّ الشَّارح أخلَّ بالاعتراض الأوَّل - يعني به هذا الاعتراض - سهو؛ لما علمت من الإشارة له بذكر جوابه.
والاعتراض الثاني: أنَّ " لا " إذا دخلت على وصْفٍ أو حال وجب تكرارها ولم تكرر هنا.
وأجيب بأنها مكررة معنى؛ إذ هو في قوة لا مساوين لزيد ولا زائدين عليه بل ناقصون وهذا كافٍ.
إذا علمت هذا فقول المصنّف: " وَمَا يَلِي لَاسِيّما " إمَّا جارٍ على جواز حذف الوَّاو، وإلاَّ فهو يلي (ولاسِيّما) بالوَّاو لا مجردا عنها، أو أنّ مراده يلي (لاسِيّما) بعد تقدّم الوَّاو عليه، وحذَف الوَّاو مع أنها مرادةٌ ومع أنَّ ذكرها أوفق بالاستعمال للضَّرورة.
__________
(1) ينظر رأيه في البغداديات 317.
(2) تكملة من " أ " و " ب ".
(3) قال أبوحيان في الارتشاف 3/ 1552: (وزعم أبو عليّ في " الهَيْتِيَّات " أن (لا) ليست عاملة النصب في (سيما) بل (سي) منصوب على الحال، والعامل فيها الجملة السابقة) . وينظر مغني اللبيب 149، والهمع 1/ 235 وحاشية على المغني 1/ 123.(3/21)
(إن نُكِّرا) ، أي: إن أُتي به نكرة نحو: (أكْرِمْ الرجالَ ولاسِيّما رجلٌ كريمٌ) ، (فَاجْرُرْ أَوِ ارْفَعْ) الفاء في جواب " إِنْ " لعدم صلاحيته للشَّرط وجملة الشَّرط، وجوابه [خبر] (1) (ما) وعائده ضمير (نُكِّرا) وألفه للاطلاق، [2/ب] وكذا مفعول (اجْرُرْ وَارْفَعْ) إذ أصله: اجرره أو ارفعه، فحذف المفعول منويا، ويحتمل أنه منزَّل منزلة اللاَّزم فلا يحتاج إلى تقدير مفعول، أي: فاحكم بالجرِّ أو الرَّفع، وليس قصده التخيير المستوي لما يأتي من أنهما مرتبان في الرّتبة كما رتبهما هنا في الذّكر، (ثُمَّ نَصْبَهُ اذْكُرَا) " ثُمّ " للترتيب الذِّكريّ (2) لا الرُتبي إذ لم يصرحوا بكون النَّصب أضعفها، وسيأتي لنا فيه كلام بفضل الله.
تنبيهٌ: وجّه المصنّف الرَّفع والنَّصب بقوله: (وعِنْدَ رَفْعٍ مُبْتداً قدّرْ) وبقوله:
(وَانْصِبْ مُميِّزا) وأهمل وجه الجرِّ وهو بالمضاف كما يأتي، فكان ينبغي أن يذكره أيضا وأن يذكر الثلاثة هنا؛ ليسلم من التشتيت الحاصل بالفصل بين هذه الأوجه وبين توجيهاتها بالكلام على المشار له بقوله: (في الجرِّ ما زِيدَتْ) وبين التوجيهات بالكلام على (سيّ) المشار له بقوله: (وفي رَفْعٍ وجَرٍّ أعْرِبَنْ سِيَّ تَفِي) والأمر سهل.
نكتة (3) : أَلِفُ (اذْكُرا) منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، والسّر في الإتيان بها أنه لمَّا أتى بثُمَّ أوهم أنَّ النَّصب أضعف الأوجه مع أنه ليس موجودا في كلامهم، على أنه يأتي ما يفيد أنه أرجح من الرَّفع، فأتى بنون التوكيد لتعادل تقويتها ما أوهمه من الضَّعف، ويرجع الأمر إلى الترجيح الخارجيّ وسيأتي، فتأمَّلْه فإنه حَسَنٌ.
__________
(1) في الأصل: جزما.
(2) في " أ " و " ب ": الإخباري.
(3) في " أ " و " ب ": تنبيه.(3/22)
(في الجرّ " ما ") حرفية (زِيدت) بين المضاف وهو (سيّ) والمضاف إليه وهو الاسم المجرور على حدِّها في {أَيَّمَا الأَجَلَينِ} (1) وقوله: (في الجرِّ) متعلق ب (زِيدَتْ) الواقع خبرا عن (ما) ، ففيه تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ على مذهب من يجيزه، وإنْ منعه بعضٌ محتجّا بأنَّ نفس الخبر الفعلي لا يتقدم لئلاَّ يلتبس التركيب بالفعل والفاعل فكيف يتقدم معموله؟ (2)
إن قلتَ قد قلتَ: إنَّ (ما) [في] (3) حالة الجرّ حرفيَّة فكيف تقع مبتدءا في المصنَّفِ؟ قلتُ: هي في المصنَّف اسم إذ القصد منها لفظها، إن قلتَ إذا كانت اسما فكيف تحكم عليها بأنها حرف زائد؟ وهل هذا إلاَّ تنافٍ؟ قلتُ: المحكوم عليه بالاسميَّة لفظها والمحكوم عليه بالحرفيَّة والزّيادة مدلولها، وهو كلمات (ما) الواقعة في تراكيب (ولاسيّما) فهو لفظٌ مسماه لفظٌ.
و (ما) في [حال ال] (4) رفعٍ اسميةٌ في محل جرّ بالمضاف وهو (سيّ) ، (أُلِفْ وَصْلٌ لها) بالجملة المركبة من الاسم المرفوع خبرا والضَّمير المقدَّر كما يأتي في قوله:
__________
(1) آية 28 من سورة القصص.
(2) المسألة فيها خلاف بين البصريين والكوفيين ينظر الإنصاف 1/ 65، والتبيين 245، وشرح التسهيل 1/ 289 وشرح ابن عقيل 1/ 228.
(3) زيادة لاستقامة الكلام.
(4) زيادة لاستقامة الكلام.(3/23)
(وعِنْدَ رَفْعٍ مُبتدًا قَدّرْ) وهذه الجملة على هذا لا محل لها من الإعراب؛ [و] (1) إمَّا على أنّها نكرةٌ والجملة صفة لها المشار له بقوله: (قُلْ أو تَنَكُّرٌ وُصِفْ) فهي في محل جرّ؛ وضمير (وُصِفْ) إمَّا راجع للمتنكر المفهوم من (تنكُّرٌ) ، وإمّا للتنكّر مراداً به النكرة فهو استخدام، وإمّا له باقيا على معناه وهو من الحذف والايصال، والاصل: وُصِف فيه، أي: وُصِف (ما) في حالته إلاَّ أنَّ الحذف والايصال بابه السَّماع؛ هذا إن كان قوله: (وُصِفْ) ماضيا مبنيَّا للمجهول وعليه فلا فائدة لقوله: (قُلْ) إلاَّ تكملة الوَّزن، ويحتمل أنَّ (صِفْ) أمر من (وُصِفْ) ومفعوله محذوف أي: و (صِفْ) أنت (ما) في حالة التنكّر بالجملة، و (الوَّاو) فيه للعطف، ويكون فائدة قوله: (قُلْ) التوصل لقوله: (صِفْ) ليكون عطفا عليه إذ لا يصح عطفه على غيره ممَّا قبله، لأنه إنشاء وما قبله خبر، وإن كان يستغنى عنه على مذهب من يعطف الخبر على الإنشاء (2) ، أو يجعل (صِفْ) مستأنفا.
وسكت المصنّف عن (ما) حال النَّصب ويأتي لنا فيه كلام عند قوله: (وَانْصِبْ مُميِّزَا) .
(وَعِنْدَ رَفْعٍ مُبْتدًا قَدّرْ) وذلك المبتدأ هو رابط الصّفة وعائد الصّلة (3)
__________
(1) زيادة لاستقامة الكلام.
(2) ينظر هامش " 29 " السابق.
(3) يعني بذلك أن الاسم المرفوع بعد لاسيّما في نحو " أكْرمْ العلماءَ ولاسيّما زيدٌ " يعرب خبراً لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو، والجملة من المبتدأ والخبر تكون صفة " ما " في محلّ جرّ باعتبار " ما " نكرة موصوفة بمعنى " شيء "، أو صلة الموصول لا محل لها من الإعراب باعتبار " ما " موصولية؛ وفي كلا الوجهين " ما " في محل جر مضاف إلى " سيّ "
ينظر الإيضاح في شرح المفصل 1/ 386، وشرح الكافية 1/ 249، والارتشاف 3/ 1550، والمغني 149 والمساعد 1/ 597، والهمع 1/ 234.(3/24)
، وحَذْفُه هنا ليس شاذاً بل واجب سواء طول الصّلة وعدمه (1) ، وذلك أنهم ألحقوا (لاسيَّما) ب (إلاَّ) الاستثنائية [3/أ] في عدم وقوع الجملة بعد كُلٍّ بجامع مخالفة ما بعد كُلٍّ لما قبله، وإن كان المخالفة في (إلاَّ) بكونه مُخرَجًا مما قبلها وفي (لاسيَّما) لكونه أولى منه بالحكم، وهذا التوجيه ذكره المحققون الذين لا يجعلون (ولاسيَّما) من أدوات الاستثناء (2) ، وهو لا يستلزم أنّ (لاسيَّما) من أدوات الاستثناء؛ إذ غايته إلحاق (ولاسِيّما) ب (إلاَّ) في عدم وقوع الجملة بعدها بجامع مطلق المخالفة، وأمَّا كونها من أدوات الاستثناء باعتبار ما معها من المخالفة أولا فمقام آخر لا تلازم بينه وبين هذا، فَقَولُ بعض (3) هذا على أنّ (لاسيَّما) من أدوات الاستثناء، وسيأتي أنَّ الرَّاجح خلافه غلط؛ و [ممَّا] يقتضي [وجوب] (4) الحذف أيضا أنَّ هذا كلام جرى في كثرة الاستعمال مجرى الامثال فلا يُغيّر عما سمع فيه من الحذف.
ثُمَّ شرع في الكلام على (سيّ) فقال: (وفي رَفْعٍ وَجَرٍّ أعْرِبَنْ سِيّ تَفِي) وإعرابها نصْبٌ لأنها اسم للا التبرئة وهي مضافة ل (ما) حال الرّفع، وللنّكرة بعدها حال الجرّ، فيجب نصبها، ولا يلزم على الأوَّل إنْ قَدرت (ما) موصولة عمل (لا) في معرفة، لأنَّ (سِيّ) معناه (مِثْل) فهو متوغل في الإبهام فلا يتعرّف بالاضافة، وخبر (لا) محذوف أي: موجود.
__________
(1) ينظر شرح التسهيل 2/ 319، ومغني اللبيب 149 – 150، وشرح ابن عقيل 1/ 166.
(2) ينظر تفصيل المسألة في شرح الجمل لابن عصفور 2/ 262، والإيضاح في شرح المفصل 1/ 368، وشرح الكافية 1/ 248، وابن يعيش 2/ 85، وشرح التسهيل 2/ 318، والارتشاف 3/ 1549، والمساعد 1/ 596، والهمع 1/ 234.
(3) في " أ " و " ب ": (البعض) .
(4) في الأصل: [إنما، وجود] وما أثبته من " أ " و " ب ".(3/25)
[فإن] (1) قلتَ: هل يجوز رفع (سيّ) على أنَّ (لا) عاملة عمل (ليس) قياسا وإن كان لم يُسمع إلاَّ بالنَّصب؟
قلتُ: لا يجوز لعدم ملاقاته القصد؛ إذ المراد بقولك: (ساد العلماءُ ولاسِيّما زيدٌ) نفي جنس المماثل لزيد بنفي جميع أفراده، لا النَّفي في الجملة الصَّادق بنفي الوَّاحد الَّذي لا ينافي ثبوت الأكثر كما هو مفاد [العاملة] (2) عمل (ليس) .
وذهب بعضهم: إلى أنَّ (ما) في حالة الرَّفع خبر (لا) (3) قال في " المغني ":
(ويلزمه كفّ (سيّ) عن الإضافة من غير كافٍّ، وأمَّا ما يقال يلزمه عمل (لا) في معرفة فيرده إمكان تقديرها نكرة موصوفة) (4) انتهى.
وقوله: " أعْرِبَنْ " أي: وجوبا كما هو حقيقة (افْعِلْ) خصوصا وقد أكده بالنّون وقدَّم الجارّ والمجرور ليفيد الحصر، فأُخذ منه أنَّ النَّصب لا يجب فيه الإعراب ويأتي لنا فيه كلام.
تنبيهٌ: أصل " سيّ " سِوْي دخله ما دخل (سيِّد) (5) ، ودليل أنَّ عينه (واو) قولهم في تصرف مادَّته: تساويا وتساوينا ومتساويان، وتثنيته (سيَّان) (6) ويُستغنى حينئذ عن الإضافة كما استُغني عنها مرادفه وموازنه (مثْل) في قوله:
__________
(1) في الأصل: إنْ، وما أثبته من " أ " و " ب ".
(2) في الأصل: المعاملة، وما أثبته من " أ " و " ب ".
(3) ممن قال به الأخفش، أي: أن " سيّ " اسم " لا "و " ما " الموصولية في موضع رفع خبرها؛ ينظر الارتشاف 3/ 1550.
(4) لم أجده في المغني.
(5) أي: اجتمعت الواو والياء على وجه يقتضي قلب الواو ياء فقلبت وأدغمت الياء المنقلبة عن الواو في الياء الأصلية.
ينظر الكتاب 4/ 365، والمنصف 2/ 15 – 18، والممتع 2/ 498، وشرح الشافية للرضي 3/ 139.
(6) ينظر مادة " سوا " في اللسان 14/ 410 – 411، ومغني اللبيب 148 – 149.(3/26)
مَنْ يفعلِ الحسناتِ اللهُ يشكره والشرُّ بالشرِّ عندَ الله مِثْلانِ (1)
واستغنوا بتثنيته عن تثنية " سواء " فلم يقولوا " سواءان " إلاَّ شاذًّا، كقوله:
فيا ربِّ إنْ لم تقسمِ الحبَّ بيننا سواء ين فاجعل لي على حُبِّها جَلْدا (2)
(وَانْصِبْ) الاسم النكرة (مُميِّزا) إمَّا (سيّ) (3) نفسها، فتكون (ما) حينئذٍ حرفا كافّاً عن الإضافة، وفَتحة " سيَّ " لإفرادها بناء، هكذا قال بعضهم (4) ، ونقلته في " الصَّغير "، وأقول: قد يُمنع إفراد " سيّ " في هذه الحالة، بل هي شبيهة بالمضاف ضرورة أنَّ التمييز الَّذي اتصل وتعلق بها شيء من تمام المعنى؛ إذ هو أولى بذلك من النعت؛ لأنه مبين للذات، والنَّعت مبين للصِّفة، والنَّعت داخل فيما هو من تمام المعنى، إلاَّ أنه لا يوجب الشَّبه بالمضاف لاشتراطهم فيما يوجبه أن يكون معمولا، والتمييز معمول لما ميَّزهُ، قال ابن مالك [في الخلاصة] (5) :
اِسْمٌ بِمعْنَى مِنْ مُبينٌ [نكره] يُنصَبُ تَمييزًا بِمَا قَدْ فَسَّرهْ (6)
__________
(1) البيت نُسب لأكثر من شاعر، فقد نسب لكعب بن مالك في ديوانه 288، كما نسب لحسان بن ثابت وليس في ديوانه، وأيضا نسب لعبد الرحمن بن حسان.
وهو من شواهد: الكتاب 3/ 65، والمنصف 3/ 118، وابن يعيش 9/ 2، 3، مغني اللبيب 58، 114، وهمع الهوامع 2/ 60.
(2) البيت نُسب لمجنون ليلى في ديوانه 94، وفيه " فاجعلني "، كما نسب لقيس بن معاذ في اللسان " سوا " 14/ 410، وهو من شواهد مغني اللبيب 149.
(3) في " أ " و " ب ": لسيّ.
(4) ممن قال به ابن هشام في مغني اللبيب 150.
(5) ما بين المعكوفين زيادة من " أ " و " ب ".
(6) ينظر الألفية 33، وشرح ابن عقيل 2/ 286؛ وفي الأصل: النكره، وما أثبته من " أ " و " ب ".(3/27)
وحينئذٍ ففتحة " سيّ " على هذا إعراب؛ وإمَّا " ما " بناء على أنها نكرة تامة، و" سيٌّ " مضافةٌ إليها ففتحة إعراب (1) .
ثم قلت في " الصَّغير ": (والوجه الثاني: أقرب وذلك أنَّ التمييز عين المميَّز معنى، والاسم النَّكرة ليس هو عين السّيّ، والمثل بل هو عين الشَّيء [3/ب] الَّذي قصد نفي المماثلة له وذلك هو مدلول " ما ") انتهى.
وقولي: (أقرب) يفيد أنَّ الوجه الأوَّل صحيح إلاَّ أنه غير أقرب وكيف لا يكون صحيحا وقد صرَّح به المحقِّقون، ووجِّه بأنَّ المراد بالنَّكرة كرجل [في قولك] (2) : (أكْرِمْ الرِّجالَ ولاسيّما رجلاً كريمًا) مطلق فرد من ماهيتها وهو عين السّيّ فهو تمييز له، والسّيّ مضاف معنى إلى فرد مفهوم كرجل كريم معهود لك، هو الَّذي قصدت نفي المماثلة له وإن كَفّته (ما) عن الإضافة لفظا، ولا شكَّ أنَّ هذا التأويل في غاية البعد.
وقولنا: (والاسم النَّكرة ليس هو عين السّيّ 000 إلخ) منظور فيه لفحوى الكلام بقطع النَّظر عن بعيد التأويل، وحينئذٍ فلا يحتم الفساد حتى ينافي ما يقتضيه قولنا:
(أقرب) من صحة الثاني، إذا عرفت ذلك تبيّن لك فساد قول المعترض بعد نقل التوجيه المذكور مشيرا له، وإذا صح ذلك ارتفع الإشكال وبطل قول الشَّارح والاسم النَّكرة ليس هو عين السّيّ، وإلاَّ فهو أقرب إلى الإبطال لا أنه قريب للصّحة كما هو ظاهر عبارته؛ انتهى.
ثمَّ أشار إلى أنّ قول امرئ القيس:
أَلا رُبَّ يومٍ صَالحٍ لكَ مِنْهُما ولاسِيّما يومٌ بدَارَةِ جُلْجُلِ (3)
__________
(1) أي: أن الاسم النكرة المنصوب يكون تمييزا إما ل " سي " وإما ل " ما " على ما ذكره.
ينظر هذا التوجيه في الارتشاف 3/ 1551، وهمع الهوامع 1/ 234، والنحو الوافي 1/ 404.
(2) في الأصل: فقولك، وما أثبته من " أ " و " ب ".
(3) في ديوانه 10، 368.
وهو من شواهد ابن يعيش 2/ 86، وشرح التسهيل 2/ 318، والارتشاف 3/ 1550، ومغني اللبيب 149، وشرح الكافية للرضي 1/ 249، والمساعد 1/ 597، وهمع الهوامع 1/ 234.(3/28)
مرويّ بالأوجه الثلاثة بقوله: (وقُلْ لاسِيّما * يومٌ بأَحْوالٍ ثَلاثٍ فَاعْلَما) .
ودارةُ جُلْجُلٍ بجيمين اسم لغدير، وكان يهوى بنت عم له يقال لها: عُنيزة، فاتفق أنَّ الحيّ احتملوا وتقدَّم الرِّجال وتأخَّر النِّساء، فلمَّا رأى ذلك امرؤ القيس سار مع الرِّجال قَدْرَ غُلْوةٍ، ثم نكَزَ في غابة من الأرض حتى ورد النِّساء الغدير يغتسلن، فجاءهنَّ غوافل وجلس على ثيابهنَّ، وحلف لا يُعطى واحدة ثوبها حتى تخرج متجرِّدة، فأبين حتى تَعَالَى النَّهار فخرجن، وقلن له حبستنا فاجعتنا، فنحر لهن ناقته فشوينها، ولمَّا أردن الرَّحيل حملت كل واحدة منهنَّ شيئًا من متاعه، وحملته هو عُنيزة، ففي هذا معلقته المشهورة منها هذا البيت، ومنها (1) :
ويومَ دَخلتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيزَةٍ فقالتْ لك الوَيْلاتُ إِنّكَ مُرْجِلي
تقولُ وقد مَالَ الغَبِيطُ بِنا معاً عَقرْتَ بَعيري يا امْرأَ القَيسِ فَانْزلِ
ويومَ عَقَرْتُ لِلْعَذارَى مَطِيَّتي فَياعَجَبًا مِنْ رَحْلِها المُتَحَمَّلِ
ومُرْجِلى: مُسيّري راجلةً أي: ماشيةً بهَلْكِ البعير.
تنبيهان: الأوَّل: قال المصنّف في شرحه ما نصُّه، قال ابن مالك (2) : (وإذا كانت (ما) موصولة جاز وصلها بفعل أو ظرف نحو: أعجبني كلامُك لاسيّما تَعِظُ به، ويعجبني التهجدُ لاسيّما عند زيدٍ) انتهى.
قلتُ: (وقياسه إذا كانت نكرة جاز وصفها بهما، وعلى كلٍّ فهو معارِض لما سبق من أنَّ (لاسيّما) ملحقة بإلاَّ في عدم وقوع الجملة الظَّاهرة بعدها، فإن كان هذا معضَداً بسماعٍ بطل ما سبق وإلاَّ بطل ما هنا) هكذا عبارتي في " الصَّغير "
__________
(1) الأبيات المذكورة مع القصة في ديوانه: 10 – 11، وينظر حاشيته على المغني 1/ 123.
(2) ينظر شرح التسهيل 2/ 319.(3/29)
قال المعترض ما نصُّه: (هذا إنما يتمشّى على القول: بأن (لاسيَّما) من أدوات الاستثناء وهو ضعيف، والرَّاجح خلافه كما نصَّ عليه غير واحد من المحققين (1) ؛ لأنَّ ما بعدها أولى بالحكم ممَّا قبلها، فلا مخالفة بالنَّفي والإثبات الَّذي هو معتبَرٌ في الاستثناء، [ومجرد التخالف بالأولويَّة وعدمها لا يوجب كونها من أدوات الاستثناء] (2) كما هو ضروريٌّ وإذا علمت ذلك علمت بطلان الترديد المذكور في كلامه كما لا يخفى، وممَّا يرشح لذلك قول ابن مالك في " التسهيل " (3) : (والمذكور بعد لاسِيّما منبَّهٌ على أولويّته بالحكم لا مستثنى) انتهى كلامه.
وأقول: قوله (هذا إنما يتمشّى 000 إلخ) قد سبق منعه في توجيه [وجوب] (4) حذف المبتدأ فلا يفيده؛ وأمَّا قوله: (لا مخالفة بالنَّفي والإثبات 000 إلخ) فيجيب عنه القائل: بأنها من أدوات الاستثناء و [بقوله] (5) هو مخرج من المساواة المفهومة من الكلام، ومعنى قولك: (ساد العلماءُ ولاسيّما زيدٌ) تساوى العلماء في السّيادة إلاَّ زيد فإنه فاقهم [فوجب] (6) التخالف بالنَّفي والإثبات وإن كان تكلُّفا، وأمَّا معارضة ما قاله ابن مالك لما سبق فظاهرة، وذلك أنَّ مقتضى [4/أ] ما سبق أنه لا يقع بعد ولاسيَّما جملة أصلا، وهو قد صرَّح بأنَّ الجملة تقع بعدها، فيلزمه جواز التصريح بالمبتدأ في نحو: (ساد العلماءُ ولاسيّما زيدٌ) فيقال: (ولاسيّما هو زيد) ، وأيّ فارقٍ بين الجملة الفعلية والاسميَّة حتى تقع الأولى بعدها دون الثانية؟
__________
(1) ينظر مصادر الخلاف في هامش (49) .
(2) ما بين المعكوفين زيادة من " أ " و " ب ".
(3) ينظر التسهيل 107، وشرح التسهيل 2/ 312.
(4) ما بين المعكوفين زيادة من " أ " و " ب ".
(5) في الأصل: وبقول، وما أثبته من " أ ".
(6) في الأصل: فوجد، وما أثبته من " أ ".(3/30)
وشافهني المعترض بأنَّ كلام ابن مالك فيما إذا كانت بمعنى: خصوصا، وحينئذٍ فتقع الجملة بعدها، وما سبق فيما إذا لم تكن بمعنى: خصوصا.
وأقول: هو فاسد حال كونها بمعنى: خصوصا يكون مجموع (لاسيَّما) معناه خصوصا، وهو في محل نصب مفعول مطلق، وكلام ابن مالك ليس في هذا المقام بل في مقام رفع ما بعدها، وكون (ما) حال الرَّفع موصولة [أو نكرة] (1) ، ولاشك أنَّ هذا محلَّه إذا لم تكن بمعنى: خصوصا؛ على أنَّ ابن مالك لا يقول بإتيانها بمعنى: خصوصا لما يأتي من انفراد الرَّضيّ به (2) .
وإذا علمت هذا علمت صحة قول الفاضل السَّيد محمَّد المغربيّ في حاشيته على " الصَّغير ": (المعارضة ظاهرة لا تحتاج لإيضاح، وإنكارها مكابرة، وفساد قول المعترض عليه، هذه عبارة فاسدة ناشئة عن ضلال قائلها، وسوء فهمه لعدم اطلاعه على كتب العربية، خصوصا وابن مالك مجتهد في النَّحو، بل المكابرة تسليم المعارضة) انتهى.
وأقول: لله دَرُّ هذا المعترض من فهَّامة أدُوب، فسبحان من خصَّه بتحقيقات لم يُفتح بها على عاقل أبدا، زاده الله فهما وأدبا.
وقوله: (خصوصا وابن مالك مجتهد ... إلخ) لا يفيده شيئا؛ إذْ ما سُبق منقولٌ عن مجتهدين وابن مالك مسلَّمٌ له فيما يظهر، ولو سمع عبارته مجنون لقال له: ما مرادك بالَّذي في كتب العربيَّة ولم يطلع عليه؟ فإن قال: هو نفس مذهب ابن مالك السَّابق، قال له: قد اطلع عليه حتى أورد عليه الاعتراض؛ وإن قال: هو أنَّ الجملة تقع بعد (لاسيَّما) إن كانت بمعنى: خصوصا، قال له: هذا مشهور لكلّ أحدٍ، وبَيَّن له أن كلام ابن مالك ليس فيه كما سبق.
__________
(1) زيادة من " أ " و " ب ".
(2) ينظر شرح الكافية 1/ 249.(3/31)
التنبيه الثاني: أرجح الأوجه السَّابقة الجرُّ؛ لأنّه لا حذف معه (1) ، وزيادة (ما) لكثرتها لا توجب ضعفه بخلاف الرَّفع، فإن فيه حذف العائد المرفوع وهو في حدِّ ذاته شاذٌّ قياسا وسماعا، إذا لم يحصل طول كما في بعض أمثلة ما نحن فيه، نحو: (أكْرِمْ الرجالَ ولاسيّما زيدٌ) بخلاف نحو: (ولاسيّما رجلٌ كريمٌ) للطول بالوصف، ومقتضى هذا أن يُقيَّد ضعف الرَّفع بعدم الطّول، لكنَّهم أطلقوا ضعف رجحان الجرّ عليه نظراً إلى أنّ الجرَّ ليس في جزئياته شذوذٌ ما، بخلاف الرَّفع فإنَّ بعض جزئياته شاذٌّ، ولاشكَّ أنّ ما كانت جميع جزئياته غير شاذَّة أقوى ممَّا بعض جزئياته شاذّ، هذا وإن كان الحذف بالنَّظر لهذا التركيب غير شاذّ كما سبق، (فإيجابُه الضَّعف من حيث ما هو الشَّأن فيه) ، هكذا قلت في "الصَّغير"، وقولي: (فإيجابه الضَّعف من حيث ما هو الشَّأن فيه) إشارة لجواب ما وجدته [بخطّ] (2) بعض الأذكياء على طرَّة شرح المصنّف، ومعناه: أنَّ الحذف هنا مستثنى من قول ابن مالك: (وإِنْ لَمْ يُسْتَطَلْ * فَالْحَذْفُ نَزْرٌ) (3) فما معنى التضعيف به وإلاَّ لزم التضعيف بكل مقيس أو التحكم أو بيان الفرق، وكَتَبَه المعترض اعتراضا عليّ، مع ما رأيت من محاولتي الجواب عنه المشعر به، فعجبي ممَّن لا يفهم كلام النَّاس كيف يتعرض [للكتابة] (4) عليه.
ويمكن الجواب أيضا: بأنَّا لا نُسلّم أنه مستثنى من الشّذوذ السَّماعيّ والقياسيّ معًا بل من الأوَّل فقط، وهذا لا ينافي ضَعْفه من حيث التزام ما هو شاذّ في القياس.
__________
(1) ينظر توجيه الجر في ابن يعيش 2/ 85، والايضاح في شرح المفصل 1/ 368، وشرح الكافية للرضي 1/ 249 ومغني اللبيب 149، والمساعد 1/ 597، وهمع الهوامع 1/ 234.
(2) زيادة من " أ " و " ب ".
(3) ينظر الألفية 11، وشرح ابن عقيل 1/ 163.
(4) في الأصل: لكتابة، وما أثبته من " أ " و " ب ".(3/32)
وأيضا: يُضَعِّفه أنه في نحو: (ولاسيّما زيدٌ) إطلاق (ما) على من يعقل (1) .
وسكتوا فيما أعلم عن النَّصب، ويُؤخذ من تعليل أرجحيته الجرّ السَّابق أنه أولى من الرَّفع، وإنْ كان أدْونَ من الجرّ من حيث إطلاق (ما) على من [4/ب] يعقل في نحو:
(ولاسيّما رجلا كريمًا) على الوجه الثاني الَّذي سبق استغرابه، هذا وإن أشعر تقديم الرَّفع على النَّصب في كلامهم بخلافه.
ثُمَّ أخذ في مفهوم قوله: (إِنْ نُكِّرا) فقال: (وَالنَّصْبُ إِنْ يُعرِّفِ اسْمٌ فَامْنَعا) إذْ هو على التمييز وهو لا يكون إلاَّ نكرة وقدَّم المعمول لإفادة الحصر، فأُخِذ منه جواز الوجهين السَّابقين، أعني: الجرّ والرَّفع، وكذا يأتي جميع ما يتعلق ب " سيّ " وبما عليهما، وقيل: يجوز النَّصب أيضا، وكأنّه مبنيّ على جواز تعريف التمييز كما هو قول الكوفيين (2) .
__________
(1) أي: يضعف القول بموصولية " ما " في نحو (ولاسيّما زيدٌ) حذف العائد المرفوع مع عدم الطول، وإطلاق " ما " على من يعقل؛ وممن قال به ابن هشام في مغني اللبيب 149، 150، وينظر تعليق الفرائد 6/ 150.
(2) اختلف النحويون في التمييز أيجوز أن يكون معرفة أم لا؟ فذهب البصريون إلى أن التمييز لا يكون إلاّ نكرة؛ وذهب الكوفيون وابن الطراوة إلى أنه يجوز أن يكون معرفة، وورد منه شيء معرفا ب" أل " وبالإضافة؛ وتأوله البصريون على زيادة " أل "، والحكم بانفصال الإضافة واعتقاد التنكير.
ينظر الإنصاف 1/ 312، وشرح الجمل لابن عصفور 2/ 281، وشرح التسهيل 2/ 385، وشرح الكافية للرضي 1/ 249، والارتشاف 4/ 1633، وشرح الألفية للمرادي 2/ 175، والمساعد 2/ 66، والهمع 1/ 252.(3/33)
وقال في " المغنيّ " (1) : (وأمَّا انتصاب الاسم المعرفة في (ولاسيّماً زيدًا) فمنعه الجمهور، وقال ابن الدّهان: لا أعرف له وجها، ووجّهه بعضهم بأنَّ (ما) كافّةٌ، وأنَّ (لاسيّما) نُزّلت منزلة " إِلاَّ " في الاستثناء؛ ورُدَّ بأنَّ المستثنى مُخرِجٌ وما بعدها داخل بالأَوْلى؛ وأُجيب بأنّه مُخرِجٌ ممَّا أفهمه الكلام السَّابق من مساواته لما قبلها، وعلى هذا فيكون استثناءً منقطعا) انتهى كلام " المغنيّ " حرفا بحرف.
وقولُ المعترِض على النَّقل إنَّ قوله: (ورُدَّ) إلى قوله: (وعلى هذا) ليس من كلام " المغنيّ "، ممنوعٌ فإنَّه مصرَّح به [فيه] (2) هكذا، فلعلَّ المعترِض اطلع على نسخة محرَّفة؛ إلاَّ أنَّ جعْله الاستثناء منقطعا فيه نظرٌ؛ إذ هو مخرج من المحكوم عليهم بالمساواة، ومعنى (ساد العلماءُ ولاسيّما زيدٌ) تساوى العلماء في السّيادة إلاَّ زيد، وحينئذٍ فهو استثناء متصل لدخول المستثنى في المستثنى منه، وقد بيّنا ذلك في " الصَّغير " عند قول المصنّف: (وَامْنَعْ عَلَى الصَّحِيحِ الاِسْتِثْنا بِهَا) ، الَّذي هو بناء على ما سبق عن " المغنيّ "، كالعلَّة لقوله هنا: (والنَّصْبُ إِنْ يُعرَّفِ اسْمٌ فَامْنَعَا) ، وفي البدر الدَّمامينيّ على " المغنيّ " (3) لا مانع من نصب المعرفة بفعل محذوف، أي: ولا مثْل شيءٍ أعني زيدًا.
__________
(1) ينظر مغني اللبيب 150.
(2) زيادة من " أ " و " ب ".
(3) ينظر شرح الدماميني على المغني 1/ 284 حيث قال بعد قول ابن الدهان في المغني: (ولا أعرف له وجهاً) أي: النصب، قال: (وقد يوجّه بأن " ما " تامة بمعنى: شيء، والنصب بتقدير الرأي: ولا مثل أرى زيداً) .(3/34)
(وبَعْدَ سِيٍّ [جُملةً فَأَوْقِعا] (1)) : أطلق (سيّ) وأراد (سيّما) من إطلاق الجزء وإرادة الكلّ، أو أنّ فيه حَذْفَ (الوَّاو) وما عطفت، فالأصل: وبعد (سِيٍّ) وما لازمها أعني: كلمة " ما "، جملةً فأوْقِعا، أي: أجزْ وقوعها بعدها، وذلك إذا نُقلت (سِيّما) وجُعلت مفعولا مطلقا، كما هو صريح كلام الرَّضيّ الآتي، وإن كان كلام المصنّف لا يفيده؛ (أجَاز ذَا الرَّضِيْ) حيث قال (2) : (ويُحذف ما بعد " سِيّما " على جعله بمعنى: خصوصا، فيكون منصوبَ المحل على أنّه مفعول مطلق على بقائه على نصبه الَّذي كان له في الأصل [حين] (3) كان اسمَ لا التبرئة، فإذا قلت: (أُحبّ زيدًا ولاسِيّما راكباً) ف " راكباً " حال من مفعول الفعل المقدَّر، أي: وأخصُّه بزيادة المحبة خصوصا راكبا، وكذا في " أُحبُّه ولاسِيّما وهو راكبٌ ") انتهى. هكذا نقل المصنّف في شرحه، ومحلُّ الشَّاهد آخرُ العبارة، أعني قوله: (وكذا في: أُحبُّه ولاسِيّما وهو راكبٌ) ؛ لأنه هو الَّذي وقعت فيه جملةٌ بعد (ولاسيّما) ، فأمَّا قوله: (أُحبُّ زيدًا ولاسِيّما راكباً) فليس فيه جملةٌ لا بحسب الحال الرَّاهنة وهو ظاهر ولا قبل الحذف؛ إذ المحذوف مفرد هو لفظ (زيد) ، والأصل: (ولاسِيّما زيدٌ راكباً) هكذا يتعين ولا نقول بقول المصنّف إنَّ الشَّاهد فيه أيضا؛ لأنَّ فيه جملةً هي جملةُ (أخُصُّه) العامل في (ولاسِيّما) ، وتُقدّره مؤخَّرا ليكون واقعا بعدها؛ لأنَّ هذا يبطله أمور:
__________
(1) ما بين المعكوفين زيادة من " أ " و " ب ".
(2) ينظر شرح الكافية 1/ 249.
(3) في الأصل و " ب ": (حيث) ، والمثبت من " أ " وهو موافق لما ورد في شرح الكافية 1/ 249.(3/35)
الأوَّل: أنّه حيث جعل الشَّاهد أوَّل العبارة تعيَّن عليه أن يقدّر العامل مؤخرا، وهو خلاف الأصل، فلا معنى لتعيّنه بل ولا لارتكابه لغير موجبٍ، ولئن سُلّم أنَّ هذا معنى كلام الرَّضيّ لرُدّ بشيءٍ آخر، هو أنّنا سمعنا العرب تقول: (أحبُّ زيدًا ولاسِيّما راكبًا) (1) ، فمن أين يأتينا أنَّ العامل مؤخَّرٌ حتى نقدّره كذلك ويكون من قبيل [5/أ] وقوع الجملة بعدها؟ .
الثاني: أنَّ هذا التقدير على تسليمه ممكِنٌ في كلّ مثالٍ، فيقتضى أنَّ كلّ كلام وردت فيه (سِيّما) بمعنى: خصوصا لا يكون بعدها إلاَّ جملة، هي جملة العامل المؤخَّر، وتخصيصه ببعض الأمثلة مع إمكانه في جميعها تحكّمٌ، وهذا المقتضى مخالف لقولهم على مذهب الرَّضيّ تأتي (سيّما) بمعنى: خصوصا، فيقع بعدها [المفرد] (2) والجملة.
الثالث: أنّه مخالف لتقدير الرَّضيّ نفسِه، إذ هو قدّر العامل مُقدَّما مُعبِّرا عن (سيّما) بخصوصا، حيث قال فيما سبق: (أي: وأخُصُّه بزيادة المحبة خصوصا راكبا) (3) ، وحَمَله على أنّه مجرّدُ [حَمْلِ] (4) معنى، وأنَّ الإعراب خلافه بعيد كلّ
البعد.
__________
(1) في الأصل: أضرب، وما أثبته من " أ " و " ب " وهو موافق لما ذكر في شرح الكافية للرضي 1/249.
(2) في الأصل: المعرفة، وما أثبته من " أ " و " ب ".
(3) ينظر شرح الكافية 1/ 249.
(4) في الأصل: حل، وما أثبته من " أ ".(3/36)
الرَّابع: قولهم: ظاهر كلام الرَّضيّ أنه إذا لم يُحذف ما بعدها بل ذُكِر لا تكون بمعنى: خصوصا، فدلَّ هذا على أنَّ المحذوف شيء يمكن وجوده مع كونها ليست بمعنى: خصوصا، ولا يسع العاقل أن يقول: إنّ العامل فيها بناء على أنها بمعنى: خصوصا، يمكن وجوده مع كونها ليست بمعنى: خصوصا لما فيه من التنافي، فالحقّ أنَّ معنى كلام الرَّضيّ أنَّ (سيّما) تأتي بمعنى: خصوصا، فيقع بعدها المفرد كما هو المثال الأوَّل، والجملة كما هو المثال الثاني، وهو محلّ شاهدنا ولا تنافي في الكلام أبدا، خلافا لقول المصنّف أيضا: إنَّ هذا التقدير منافٍ لكلام الشَّارح أوَّلا، وذلك أنّه فرض الكلام أوَّلاً في وقوع الجملة بعدها، وهذا [التقدير] (1) يفيد أنَّ الواقع بعدها في المثال الأوَّل مفرد، فلو أنصف لَما قال ما قال والله يقول الحقّ وإليه المآل، انتهى.
وقد عرفت أنّه لا تنافي إذ يكفينا [شاهدُ] (2) آخرِ العبارة، وأمَّا المثال الأوَّل فيتعيَّن أنّه من قبيل المفرد كما عرفتَ لِمَا عرفتَ، لا لكون العامل يمتنع تقديره مؤخَّرا كما توهّم بعضٌ أنّه دليلنا، فشنَّع علينا بأنَّ الحقّ جوازُ تقديره مقدَّما ومؤخَّرا، ومن ادّعى وجوب أحدهما فعليه البيان؛ إذِ الدّعاوى لا تقبل بلا بيّنة، وكَتَب هذا المعترض تبعا للمصنّف ما قاله المصنّف وقد علمت ردّه.
تنبيه: ما سبق من نقل (لاسِيّما) إلى المفعولية المطلقة فتقع الجملة بعدها لم يوجد إلاّ للرَّضيّ (3) .
__________
(1) في الأصل: التقرير، وما أثبته من " أ " و " ب ".
(2) في الأصل: شاهداً، وما أثبته من " أ " و " ب ".
(3) ينظر شرح الكافية 1/ 249.(3/37)
قال الدَّمامينيّ (1) : ولا أعرف أحداً ذهب إلى ما ذكره الرَّضيّ من أنَّ (لاسيَّما) منقول من باب " لا " التبرئة.
وقال المراديّ (2) : (قولهم: " ولاسيّما والأمرُ كذا " تركيب فاسد) .
__________
(1) قال الدماميني معلقا على ما ذهب له الرضي: (قلت: ولا أعرف أحدا ذهب إلى ما ذكره من أن " لاسيّما " منقول من باب " لا " التبرئة إلى باب المفعول) . ينظر شرح الدماميني على المغني 1/ 284.
(2) قال المرادي: (لاسِيّما والأمر كذا، تركيب غير عربي، والرضي قد أجازه فتأمله) ينظر تعليق الفرائد 6/ 152 وشرح الدماميني على المغني 1/ 284، وقال أبوحيان في الارتشاف 3/ 1552: (لاسِيّما والأمر كذلك، تركيبٌ غير عربي) .
والصّبان في حاشيته على الأشموني 2/ 168 أجازه، فقال: (فقول المصنفين: " ولاسيما والأمر كذا " تركيب عربي خلافا للمرادي) .(3/38)
وأقول: يَرُدُّ عليه أيضا أنّه إن كان مراده أنّها بمعنى: (خصوصا) من حيث إنَّ ما بعدها أولى ممَّا قبلها ومخصوص بالزّيادة، قيل له: هذا ملازم لها البتة، فلا معنى لقوله على جعلها بمعنى: (خصوصا) المفيد أنّها قد لا تكون بمعنى: (خصوصا) ، وهو لا ينتج ما ذكره من أنَّ محلّها نصب مفعولا مطلقا، ولا يجوز وقوع الجملة بعدها، وإن أراد أنّها قائمة مقام (خصوصا) ، وأنَّ حقّ المقام ل (خصوصا) فنابت عنها (سيّ) وصارت مفعولا مطلقا، كما هو قاعدة النَّائب عن المصدر، فمن أين يأتيه هذا؟ وما الَّذي يدلُّ عليه من الاستعمالات العربيَّة؟ فالظَّاهر أن لا نقول بهذا النَّقل أصلا، ونجعل (راكبا) في مثاله تمييزا، وقد يأتي التمييز مشتقا، نحو: (لِلَّهِ درُّه فارسًا) (1) ، والمعنى: أُحبّ زيدا متصفا بجميع الأوصاف، ولا مثل شيء هو زيد المتصف بالرّكوب، أي: أنّ زيدًا إذا اتصف بالرّكوب أولى بالمحبَّة وأحقُّ منه إذا لم يتصف به.
__________
(1) قال الأشموني: (حقّ الحال الاشتقاق، وحق التمييز الجمود، وقد يتعاكسان فتأتي الحال جامدة، ك " هذا مالك ذهبا) ، ويأتي التمييز مشتقا، نحو: " لله دره فارسا ") ينظر شرح الألفية 2/ 203؛ وابن يعيش 2/ 73، وشرح التسهيل 2/ 383، وشرح الكافية 1/ 220، والارتشاف 4/ 1629.(3/39)
وأمَّا المثال الثاني فهو فاسد كما قال المراديّ (1) ، وجزم به السّيوطيّ (2) ، بل ولو قلنا بالنَّقل فالقياس أنْ [لا] (3) يليها جملة أيضا؛ إذ سبب عدم وقوع الجملة بعدها إلحاقها ب " إلاَّ "، وسبب الإلحاق الجامع بينهما: هو مخالفة ما بعد كلٍّ لما قبله على ما سبق، وهذا الجامع موجود [5/ب] سواء كانت بمعنى: (خصوصا) أو لا، فإلحاقها ب " إلاَّ " في إحدى الحالتين دون الأخرى تحكُّمٌ، بل الواجب إلحاقها بها في الحالين، إذا علمتَ هذا علمت فساد قول المعترض على قولي في " الصَّغير"، ويَرِد عليه مثل ما ورد على ابن مالك سابقا، أي في قوله: بوصلها بالجملة الصَّريحة المعْنِيّ به ما عرفت ما نصّه هذا في محل المنع، فقد نصّ أهل العربيَّة على أنّها إذا كانت بمعنى: (خصوصا) تقع الجملة بعدها، وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى، ثم قال: (وحينئذٍ فقولهم: إن (لاسيّما) بمنزلة (إلاَّ) فلا يليها جملة، محلُّه إذا كانت باقية على معناها، وأمَّا إذا كانت بمعنى: (خصوصا) فقد خرجت عن معناها فلا تنزيل حينئذٍ، ومن زعم أنه لا بدّ من التنزيل في الحالتين وإلاَّ كان تحكُّما، فقد رَكِبَ متْنَ عَمْياء، وخَبَطَ خبْطَ عَشْواء، ولا [يدرى] (4) أين يتوجه) انتهى كلامه.
__________
(1) يقصد به قول الرضي في شرح الكافية 1/ 249: (أَحبُّه ولاسِيّما وهو راكبٌ) أي: وقوع " الواو " بعد " لاسيّما ".
(2) ينظر همع الهوامع 1/ 235.
(3) زيادة من " أ " و " ب ".
(4) في الأصل: يدي، وما أثبته من " أ " و " ب ".(3/40)
وأقول: نصَّ أهل العربيَّة على ما ذكر مذهبا لهم لم يوجد، كيف وقد قال الدَّمامينيّ مع سعة اطلاعه: (لم أره لغير الرَّضيّ) ، على أنّهم لو قالوا به لورد عليهم ما علمت من التحكّم إذ هو مجرد اعتراضٍ عقليّ؛ وهذا آخر ما أورده المعترض [علينا] (1) ، وقد علمت ردّ جميع ما أورده من الاعتراضات الهوائيَّة، ولا نَرُدُّ عليه بمثل ما ذكره من النّزول الذَّميم، إذ لا يرتكبه إلاَّ كلُّ أحمق لئيم.
ثم قال المصنّف: (وَلا تُحْذَفُ " لا " مِنْ " سِيّما ") ، الأَوْلى أن يقول: (مِنْ لاسِيّما) كما هو ظاهرٌ؛ إذْ حَذْفُ الشَّيء فرع ثبوته، وكأنّه ضَمّن (تُحْذَفُ) معنى:
(تُفْصَلُ) ، أي: فصلا متحققا بحذف (لا) ، وإنما لم تُحذف لما سبق من أنه جارٍ مجرى الأمثال.
(وسِيَّ خَفِّفْ) بحذف إحدى الياءين، ثُمَّ يُحتمل أنّها الأُولى أو الثانية وهو الظَّاهر لتطرّفها (2) ، (تَفْضُلا) ، كما في قول أبي العلاء المعريّ (3) :
وللمَاء الفَضيلةُ كلَّ وقتٍ ولاسِيَما إذا اشتدّ [الأُوَارُ]
وقولِ الآخَر (4) :
فِهْ بالعُقود وبالأَيمانِ لاسِيَما عَقْدٌ وَفَاءٌ به من أعظَمِ القُرَبِ
__________
(1) في الأصل: عليه، وما أثبته من " أ " و " ب ".
(2) ينظر شرح التسهيل 2/ 319، وشرح الكافية 1/ 249، والارتشاف 3/ 1552، ومغني اللبيب 149، والمساعد1/ 598، وهمع الهوامع 1/ 235.
(3) في ديوانه 133.
وهو من شواهد شرح الدماميني على المغني 1/ 283، وقافيته في المخطوط " الأُوَامُ " وما أثبته من الديوان.
والأُوَارُ: حرّ العطش.
(4) لم يعرف قائله. هو من شواهد شرح التسهيل 2/ 319، ومغني اللبيب 149، والمساعد 1/ 598، وهمع الهوامع 1/ 235.(3/41)
يُكتب (فِهْ) ونحوه بهاء السَّكت ولا ينطق بها وَصْلاً في الفصيح؛ وذكر ثعلبٌ أنّه خطأ (1) ، وظاهر كلامهم ترجيحه (2) ، وقد قرَّر أنّه لم يوجد إلاَّ ضرورة، والمصنّف [حيث أجاب] (3) بقوله: (تَفْضُلا) يُوهم أنّه الرَّاجح وليس كذلك فلو أبدل (خَفِّفْ) ب (شَدّدْ) كان أنسب بقوله: (تَفْضُلا) .
(وامْنَعْ على الصَّحِيحِ الاِسْتِثْنا بِهَا) وقال ابن السَّراج وابن با بشاذ (4) : إنّ بعضهم يَستثْنِى بها، وسبق وجهُه غير مرّة فلنكتف.
(ثُمّ الصَّلاةُ على النَّبيّ ذِي البَهَا) أي: صاحبِ الحُسْن.
[تنبيه] (5) في كلام المصنّف عيبُ الإصراف، وهو كما في [شرح] (6) شيخ الإسلام: (اقتران حركة الرَّويّ بحركةٍ تَبْعدُ منها ثِقَلا) ؛ ومعناه قول صاحب " الكافي ":
(اختلاف المجرى بفتحٍ وغيره (7)) ، ووَجْهُ وجُودهِ في المصنَّف: أنَّ الرَّويّ (8)
__________
(1) أي: تخفيف الياء من " لاسيّما " ينظر رأيه في مغني اللبيب 149، والهمع 1/ 235.
(2) حكى الأخفش وغيره جواز تخفيف الياء. ينظر الارتشاف 3/ 1552، والمساعد 1/ 598، وهمع الهوامع 1/ 235.
(3) في الأصل: (أجاب حيث خفف) ، وما أثبته من " أ " و " ب ".
(4) رأى ابن السراج في الأصول 1/ 305.
(5) زيادة من " أ " و " ب ".
(6) زيادة مني.
(7) ينظر الكافي للخطيب التبريزي 157؛ وينظر شواهد الإصراف في الكافي 160، ونهاية الراغب 369.
(8) الروي: هو الحرف الذي بُنيت عليه القصيدة وتنسب إليه، ولا يكون حرف مدٍّ ولا هاء.
ينظر: الكافي 150، ونهاية الراغب 350.(3/42)
لا جائزٌ أن يكون " الألف "؛ لأنّها في (بِهَا) زائدة، و " الألف " غير الأصليّة لا تكون رويّا، بل هي هنا خُروج (1) : (وهو حرف اللّين بعد " هاء " الوصل) ؛ ولا أن يكون " الهاء "؛ لأنَّ " الهاء " ضميرا كانت أو أصليَّة متحركا ما قبلها لا تكون رويّا بل هي وَصْل (2) ، فتعيّن أن يكون " الباء " وهو مكسور في الأوَّل مفتوح في الثاني، وعيب الإصراف لا يجوز ولا للمولَّدين كما قاله شيخ الإسلام بعد قول [متن الخزرجيّة] (3) : (والكُلُّ [مُتَّقَى] ) (4)
__________
(1) ينظر الإقناع 81، والكافي 152، ونهاية الراغب 359.
(2) الوصل: هو ما جاء بعد الروي من حرف مدٍّ أشبعت به حركة الروي، أو هاء وليت الروي.
ينظر الإقناع 81، والكافي 151، ونهاية الراغب 356.
(3) ما بين المعكوفين من " ب " وفي " أ " متن الجزريه؛ وفي الأصل: قول المتن.
(4) ينظر مجموع مهمات المتون: متن الخزرجية 773. وما بين المعكوفين من " أ "، وفي الأصل:
مقفى، وفي " ب " مقتفى.
المصادر والمراجع
ارتشاف الضّرَب من لسان العرب لأبي حيّان الأندلسيّ / تحقيق ودراسة رجب عثمان محمّد / ط1 1418 هـ / مكتبة الخانجي – القاهرة.
الأصول في النّحو لابن السّرّاج / تحقيق عبد الحسين الفتلي / ط1 1405 هـ / مؤسسة الرسالة – بيروت.
الأعلام تأليف خير الدّين الزّركلي / ط3 1389 هـ / بيروت.
الإقناع في العروض وتخريج القوافي للصاحب ابن عبّاد / تحقيق محمد حسن آل ياسين / ط1 / المكتبة العلمية – بغداد.
ألفية ابن مالك في النّحو والصّرف / 1410هـ/ مكتبة طيبة للنّشر – المدينة المنورة.
الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات الأنباريّ / تحقيق محمّد محيي الدّين / 1407 هـ / المكتبة العصريّة – صيدا – بيروت.
الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب / تحقيق موسى العليلي / مطبعة العاني – بغداد.
البغداديات لأبي علي الفارسيّ / دراسة وتحقيق صلاح الدّين السّكاوي / مطبعة العاني – بغداد.
تاريخ الأدب العربيّ / كارل بروكلمان – نقله إلى العربيّة عبد الحليم النّجار/ ط4 / دار المعارف.
التبيين لأبي البقاء العكبري / تحقيق ودراسة عبد الرّحمن العثيمين / ط1 1406هـ / دار الغرب الإسلاميّ – بيروت.
تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك / حقّقه محمّد كامل بركات / دار الكتاب العربيّ للطّباعة والنّشر 1387 هـ.
تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد للدَّماميني / تحقيق محمّد عبد الرّحمن المفدّى / ط 1 – 1415 هـ -.
توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك للمرادي / تحقيق عبد الرّحمن علي سليمان / ط 2 / مكتبة الكلّيات الأزهريّة.
حاشية الأمير على مغني اللّبيب / دار إحياء الكتب العربيّة.
حاشية السُّجَاعيّ على شرح ابن عقيل / طبع بمطبعة مصر 1349 هـ.
حاشية الصّبّان على شرح الأشموني على ألفيّة ابن مالك / دار إحياء الكتب العربيّة.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر / تأليف عبد الرّزاق البيطار / تحقيق محمّد بهجت البيطار / المجمع العلمي العربي – دمشق 1383 هـ.
ديوان امرئ القيس / تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم / ط4 / دار المعارف.
ديوان كعب بن مالك الأنصاريّ / دراسة وتحقيق سامي العاني / ط1 1966 م / مكتبة النّهضة – بغداد.
ديوان مجنون ليلى / جمع وتحقيق عبد السّتار أحمد فرّاج / مكتبة مصر – القاهرة.
سقط الزّند لأبي العلاء المعري / دار بيروت للطباعة والنشر 1400 هـ.
شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك/تحقيق محمّدمحيي الدّين/ ط20 / 1400 هـ/دارالتراث القاهرة.
شرح الأشموني على ألفيّة ابن مالك / دار إحياء الكتب العربيّة.
شرح التسهيل لابن مالك / تحقيق عبد الرّحمن السّيّد ومحمّد المختون / ط1 - 1410 هـ / هجر للطّباعة والنّشر.
شرح جمل الزّجّاجيّ لابن عصفور / تحقيق صاحب أبو جناح.
شرح الحدود في النّحو للفاكهيّ / تحقيق المتولي الدّميري – 1408 هـ – دار التضامن – القاهرة.
شرح الدّمامينيّ على مغني اللّبيب / المطبعة البهيّة - بمصر.
شرح شافية ابن الحاجب لرضيّ الدّين الاستراباذيّ / حقّقه نخبة من العلماء / 1402 هـ / دار الكتب العلميّة – بيروت.
شرح الكافية لرضيّ الدّين الاستراباذيّ / ط3 – 1402 هـ / دار الكتب العلميّة – بيروت.
شرح المفصل لابن يعيش النّحوي / عالم الكتب – بيروت.
صحيح مسلم بشرح النّوويّ / المكتبة المصرية.
عجائب الآثار في التراجم والأخبار / للشّيخ عبد الرّحمن الجبرتي / دار الجيل – بيروت.
فتح الجليل على شرح ابن عقيل = حاشية السُّجَاعيّ على ابن عقيل.
الفكر السّامي في تاريخ الفقه الإسلامي / تأليف محمّد الحجوي / طبع المكتبة العلميّة - المدينة المنورة.
فهرس الفهارس / تأليف عبد الحيّ الكتانيّ / عناية إحسان عبّاس/ ط2 1402هـ / دار الغرب الإسلاميّ – بيروت.
الكافي في العروض والقوافي/ للخطيب التبريزيّ/تحقيق الحسّاني عبد الله/ مؤسسة الخانجي مصر.
الكتاب لسيبويه / تحقيق عبد السّلام هارون / ط2 / مكتبة الخانجي – القاهرة.
كنز الجوهر في تاريخ الأزهر / تأليف سليمان رصد الزّيّاتيّ.
لسان العرب لابن منظور / دار صادر – بيروت.
مجموع مهمات المتون / ط4 1369 هـ / مطبعة البابي الحلبيّ – مصر.
المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل / تحقيق محمّد كامل بركات / 1400 هـ / دار الفكر – دمشق.
معجم المؤلّفين / وضع عمر رضا كحّالة / مكتبة المثنى – بيروت.
معجم المطبوعات العربيّة / جمعه يوسف سركيس / مطبعة سركيس – مصر / 1346 هـ.
المعجم المفصّل في شواهد النّحو الشّعريّة / إعداد أميل يعقوب / ط1 1413 هـ / دار الكتب العلميّة – بيروت.
المعجم المفصّل في النّحو العربيّ / إعداد عزيزة فوّال / ط1 1413 هـ / دار الكتب العلميّة – بيروت.
المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم / وضعه محمّد فؤاد عبد الباقي / ط2 1408 هـ / دار الحديث – القاهرة
مغني اللّبيب لابن هشام الأنصاريّ / تحقيق مازن المبارك ومحمّد علي حمد الله / ط1 1399 هـ / دار نشر الكتب الإسلاميّة – لاهور.
الممتع في التصريف لابن عصفور / تحقيق فخر الدّين قباوة / ط1 1407 هـ / دار المعرفة– بيروت.
المنصف في شرح التصريف لابن جني / تحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين / ط1 1373 هـ / مطبعة الحلبي – مصر.
النَّحو الوافي / تأليف عباس حسن / ط8 / دار المعارف – القاهرة – مصر.
نهاية الرّاغب في شرح عروض ابن الحاجب / لعبد الرّحيم الإسنويّ / تحقيق شعبان صلاح / ط1 1408 هـ / مطبعة التقدّم.
هديّة العارفين للبغداديّ / استانبول 1951 م / مكتبة المثنى – بغداد.
همع الهوامع للسّيوطيّ / صحّحه محمّد النّعسانيّ / ط1 1327 هـ / مكتبة الكلّيات الأزهريّة - القاهرة.(3/43)
هذا وأتوسّل إلى الرَّؤف الرَّحيم، بحبيبه الكريم، أن يُعاملني ووالديّ، ومشايخي، وإخواني المسلمين، بلطفه في الدَّارين، وأن يُطيل عمرنا، ويرزقنا البركة فيه، وأن يُحسن عواقبنا، والحمد لله وحده والصَّلاة والسَّلام على عهدتنا وملاذنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا، والحمد لله ربِّ العالمين.
تمَّت على يد كاتبها ومالكها الفقير الفاني، محمَّد عبد الله الزُّرقانيّ، يوم الاثنين 23 رجب سنة 1330 هجريّة، على صاحبها أتمّ السَّلام وأزكى التّحيّة آمين [6/أ] .
نظم هذه الأرجوزة
وَمَا يَلِي (لاسِيّما) إنْ نُكِّرا * فَاجْرُرْ، اوِ ارْفَعْ، ثُمَّ نَصْبَهُ اذْكُرا
في الجرِّ (ما) زِيدتْ. وفي رَفْعٍ أُلِفْ * وَصْلٌ لها؛ قُلْ أو تَنكُّرٌ وُصِفْ
وعِنْد رَفْعٍ مُبْتدًا قَدِّرْ. وفي * رَفْعٍ وجَرٍّ أعْرِبنْ (سِيَّ) تَفِي
وَانْصِبْ مُميزًا. وقُلْ: (لاسِيّما * يومٌ) بأَحْوالٍ ثَلاثٍ فَاعْلَما
وَالنَّصْبُ إنْ يُعرَّفِ اسْمٌ فَامْنَعا. * وَبعْدَ (سِيٍّ) جُملةً فأَوْقِعَا
أَجَازَ ذَا الرّضِىْ. ولا تُحْذَفُ (لا) * مِن (سِيّما) .و (سِيَّ) خَفِّفْ تَفْضُلا
وَامْنَعْ عَلى الصَّحِيحِ الاِسْتِثْنا بِهَا. * ثُمَّ الصَّلاةُ لِلنَّبيِّ ذِي البَهَا
" تَمّتْ تَمّتْ تَمّتْ "
الهوامش والتعليقات(3/44)
لباب الإعراب المانع من اللحن
في السنة والكتاب
لعبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني
(ت: 973 هـ)
دراسة وتحقيق
د. مها بنت عبد العزيز العسكر د. نوال بنت سليمان الثنيان
الأستاذتان المساعدتان في قسم اللغة العربية - كلية التربية للبنات بالرياض
ملخص البحث
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين،،،،، وبعد.
نقدم بين يدي القارئ الكريم كتاباً من كتب التراث، وهو متن من متون النحو والصرف، يحمل اسم “ لباب الإعراب المانع من اللحن في السنة والكتاب ” لعبد الوهاب بن أحمد الشعراني الصوفي المتوفى سنة (973 هـ) .
وقد ألفه لعلماء عصره ومريديه من الصوفية بطريقة مختصرة ميسرة ليسهل الفهم والتطبيق منعاً للوقوع في اللحن في الكتاب والسنة.
وقد اشتمل البحث على مقدمة وقسمين رئيسين هما الدراسة والتحقيق.
وقد تم في الدراسة التعريف بالكتاب وبمؤلفه، وقد عرف الشعراني بنفسه في كتابه “ لطائف المنن ” تعريفاً شاملاً جامعاً، حيث عاش في عهد العثمانيين وهو العصر الذي انتشرت فيه كتب الشروح والمتون، وذلك شرحاً لكتب المتقدمين واختصاراً لها، وهو ابن عصره، فقد حذا حذوهم في هذا النوع من التأليف الذي يفيد الناشئة كثيراً، وقد سلكه من قبل عدد من العلماء، كالزمخشري في مفصله، وابن الحاجب في كافيته، وابن هشام في شذوره، وقد كثرت مؤلفاته بعد أن نضج علمه على أيدي شيوخه، فأخذ ينشر علمه بالتعليم والتأليف.
أما كتابه هذا فهو مع صغر حجمه فقد جمع فيه مجموع ما في المطولات والشروح وأتى فيه بكل باب من أبواب النحو والصرف بطرف مستشهداً بآيات من القرآن الكريم والحديث الشريف وبعض الشواهد الشعرية، ثم ختمه بخاتمة جمع فيها خلاصة علم النحو.
والله نسأل أن ينفع به ويجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم سبحانه.
• • •
المقدمة:(3/45)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله. وعلى آله وصحبه وسلم ... وبعد
فبعون من الله وتوفيقه يسر لنا العثور على هذه المخطوطة المعنونة ب (لباب الإعراب المانع من اللحن في السنة والكتاب) لعبد الوهاب بن أحمد الشعراني الصوفي، (ت 973هـ) ، للوقوف على آثار السابقين ومكانتهم العلمية إذ يتبين من العنوان الهدف الرئيسي من تأليفه، وهو منع الوقوع في اللحن في مصدري التشريع الإسلامي وهما: القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وهو مختصر من مختصرات النحو، جمع فيها أبوابه بصورة ميسرة مختصرة مبتعداً فيه عن المطولات والحواشي التي انتشرت في عصره خاصة وذلك لتقريبها إلى علماء عصره ليسهل فهمها وتطبيقها، وقد قسم الكتاب إلى ستة أبواب وخاتمة كما جاء في المقدمة.
وقد قدمنا للكتاب بدراسة لمؤلفه، إذ هو من علماء النحو المغمورين مع شهرته في عصره.
ويأتي هذا البحث في مقدمة وقسمين رئيسين هما: الدراسة والتحقيق.
القسم الأول: الدراسة، وقد اشتمل على فصلين:
الفصل الأول: (التعريف بصاحب الكتاب) وفيه مباحث، هي:
اسمه ونسبه، مولده ونشأته، وتلاميذه، مؤلفاته، وفاته.
الفصل الثاني: (التعريف بالكتاب) وفيه مباحث، هي:
نسبة الكتاب، منهج المؤلف في الكتاب، وصف النسخة الخطية، المنهج المتبع في التحقيق.
القسم الثاني: النص المحقق والتعليق عليه.
وعلى الرغم من كثرة ما حقق أو طبع من مؤلفات الشعراني في شتى العلوم إلا أنه لم يقدم للمكتبة العربية كتاب في علم النحو سوى هذا الكتاب والذي نضعه بين يدي القارئ الكريم.(3/46)
وقد نما إلى علمنا بعد الانتهاء من تحقيق الكتاب أنه سبق وأن حُقق قبل أربعة عشر عاماً من قبل د. زيان أحمد الحاج إبراهيم، ونشر في مجلة معهد المخطوطات العربية في الكويت المجلد30 الجزء الثاني، في شهر ذي القعدة 1406هـ صفحة: 501 574، ولم يتسن لنا الاطلاع عليه لندرة نسخ مجلة المعهد، وبعد السؤال عن النسخ التي اعتمدها المحقق المذكور كان الجواب أنه اعتمد نسختين غير النسختين المعتمدتين في تحقيقنا هذا.
والله نسأل أن ينفع به وعملنا فيه ويجعله خالصاً لوجهه الكريم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الفصل الأول (التعريف بصاحب الكتاب)
اسمه ونسبه:
عرف الشعراني بنفسه في كتابه لطائف المنن، فقال:
" فإني بحمد الله تعالى عبد الوهاب بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن محمد بن زوفا، ابن الشيخ موسى المكنى في بلاد البهنسا بأبي العمران، جدي السادس ابن السلطان أحمد ابن السلطان سعيد ابن السلطان فاشين ابن السلطان محيا ابن السلطان زوفا ابن السلطان ريان ابن السلطان محمد بن موسى بن السيد محمد بن الحنفية ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1) .
وقد افتخر الشعراني بنسبه؛ إذ ذكر أن منّ النعم التي من الله تبارك وتعالى بها عليه شرف نسبه؛ لكونه من ذرية الإمام محمد بن الحنفية، وأنه من أبناء ملوك الدرنى (2) .
وهو الشيخ العالم الزاهد، الفقيه المحدث، المصري الشافعي الشاذلي الصوفي الأنصاري.
مولده ونشأته:
ولد في قلقشندة بمصر في السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة (898هـ) ، ثم انتقل إلى ساقية أبي شعرة من قرى المنوفية، وإليها نسبته، فيقال: الشعراني، والشعراوي (3) .
وفي أيامه انتقلت الديار المصرية من السلاطين المماليك إلى الدولة العثمانية (4) .(3/47)
نشأ يتيم الأبوين؛ إذ مات أبوه وهو طفل صغير، ومع ذلك ظهرت عليه علامة النجابة ومخايل الرئاسة، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن ثماني سنين، وواظب على الصلوات الخمس في أوقاتها، ثم حفظ متون الكتب، كأبي شجاع في فقه الشافعية، والآجرومية في النحو، وقد درسهما على يد أخيه الشيخ عبد القادر الذي كفله بعد أبيه.
ثم انتقل إلى القاهرة سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وعمره إذا ذاك ثنتا عشرة سنة، فأقام في جامع أبي العباس الغمري وحفظ عدة متون منها:
كتاب المنهاج للنووي، ثم ألفية ابن مالك، ثم التوضيح لابن هشام، ثم جمع الجوامع ثم ألفية العراقي، ثم تلخيص المفتاح، ثم الشاطبية ثم قواعد ابن هشام، وغير ذلك من المختصرات. وعرض ما حفظ على مشايخ عصره (5) .
ولبث في مسجد الغمري يُعَلِّم ويتعلم سبعة عشر عاماً، ثم انتقل إلى مدرسة أم خوند، وفي تلك المدرسة بزغ نجمه وتألق (6) .
حبب إليه علم الحديث فلزم الاشتغال به والأخذ عن أهله، وقد سلك طريق التصوف وجاهد نفسه بعد تمكنه في العلوم العربية والشرعية (7) .
شيوخه وتلاميذه:
أفاض الشعراني في ذكر شيوخه في كتبه، وبين مدى إجلاله لهم خاصة في كتابه (الطبقات الكبرى) (8) ، وذكر بأنهم نحو خمسين شيخاً منهم (9) :
الشيخ أمين الدين، الإمام والمحدث بجامع الغمري، والشيخ الإمام العلامة شمس الدين الدواخلي، والشيخ شمس الدين السمانودي، والشيخ الإمام العلامة شهاب الدين المسيري والشيخ نور الدين المحلي، والشيخ نور الدين الجارحي المدرس بجامع الغمري والشيخ نور الدين السنهوري الضرير الإمام بجامع الأزهر، والشيخ ملاعلي العجمي، والشيخ جمال الدين الصاني، والشيخ عيسى الأخنائي، والشيخ شمس الدين الديروطي، والشيخ شمس الدين الدمياطي الواعظ، والشيخ شهاب الدين القسطلاني، والشيخ صلاح الدين القليوبي، والشيخ العلامة نور الدين بن ناصر، والشيخ نور الدين(3/48)
الأشموني، والشيخ سعد الدين الذهبي، والشيخ برهان الدين القلقشندي، والشيخ شهاب الدين الحنبلبي، والشيخ زكريا الأنصاري، والشيخ شهاب الدين الرملي، وجلال الدين السيوطي، وناصر الدين اللقاني، وغيرهم كثير، حيث قرأ عليهم عدة كتب في مختلف العلوم والفنون.
أما مشايخ الصوفية الذين أخذ عنهم وصحبهم فهم:
علي المرصفي، ومحمد الشناوي، وعلي الخواص (10) وقد صرح في مقدمة كتابه بتبعيته لهذا المذهب بذكر اسم أحد أئمة الجماعة ممن لم يعاصرهم وهو أبو الحسن الشاذلي.
أما تلاميذه فهم كثر ولم تشر المصادر التي بين أيدينا إلى واحد منهم، وقد أنشأ مدرسة تبث تعاليمه وعلومه فتقاطر إليه الطلاب المريدون، وكان يأتي إلى بابه الأمراء، ويسمع لزاويته دوي كدوي النحل ليلاً ونهاراً (11) .
مؤلفاته:
خلف الشعراني آثاراً تزيد على خمسين كتاباً في موضوعات شتى، وقد دلت كتبه على أنه اجتمع بكثير من العلماء والأولياء الصالحين (12) ، منها:
1. أسرار أركان الإسلام (في شريعة الإسلام) :
موضوعه: الإسلام، مبادئ عامة، العبادات في التصوف، وقد نشر سنة1400هـ 1980م بتحقيق: عبد القادر أحمد عطا، الذي نص في مقدمته أنه غير اسمه ليتطابق مع موضوعه تماماً، ولأن العناوين الطويلة لا تناسب العصر، وأن اسمه الأصلي (الفتح المبين في جملة من أسرار الدين) (13) .
2. الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية:
موضوعه: التصوف وقد نشر في بيروت سنة 1408هـ 1988م.
بتحقيق: طه عبد الباقي سرور، والسيد محمد عيد الشافعي.
3. البحر المورود في المواثيق والعهود. وقد نشر سنة 1378هـ.
4. البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير.
موضوعه: الحديث والتخريج. وقد طبع بمصر سنة 1377هـ 1860م.
وقد ذكر في هدية العارفين باسم: السراج المنير في غرائب أحاديث البشير النذير (14) .
5. الطبقات الصغرى، وقد نشر سنة 1390هـ 1970م، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا.(3/49)
6. الطبقات الكبرى المسماة ب (لواقح الأنوار في طبقات الأخيار) ، وبهامشه الأنوار القدسية في بيان آداب العبودية.
موضوعه: التصوف، تراجم مشاهير الأولياء من أبي بكر رضي الله عنه إلى أيامه، في مجلدين كبيرين. وقد طبع بمصر مراراً، كما طبع في بيروت.
7. الطبقات الوسطى. منها نسخة في الخزانة التيمورية.
8. الدرر المنثورة في بيان زبد العلوم المشهورة. تقديم، عبد الحميد صالح حمدان وهو موسوعة في علوم القرآن، والفقه وأصوله، والدين، والنحو، والبلاغة، والتصوف. منها نسخة في دار الكتب المصرية، وفي برلين وغوطا.
9. كشف الغمة عن جميع الأمة.
في الفقه على المذاهب الأربعة، نشر سنة 1332هـ.
10. لطائف المنن والأخلاق في بيان وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق، وهي (المنن الكبرى) .
موضوعه: التصوف، الأخلاق الإسلامية، وقد ترجم فيه لنفسه وطبع بمصر غير مرة.
11. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية، بهامشه كتاب: البحر المورود في المواثيق والعهود.
موضوعه: التصوف وقد طبع غير مرة.
12. المختار من الأنوار في صحبة الأخيار.
طبع سنة 1405هـ - 1985م. تحقيق: عبد الرحمن عميرة.
13. مختصر الألفية لابن مالك في النحو ولم تذكر المصادر عنه شيئاً.
14. مختصر التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (تذكرة القرطبي) .
موضوعه: الموت، الحياة الأخرى، البرزخ، القيامة، وقد طبع بمصر مراراً.
15. مختصر تذكرة الإمام السويدي في الطب، وبالهامش تذكرة شهاب الدين أحمد سلاقة القليوبي الشافعي ولم تذكر المصادر عنه شيئاً.
16. مختصر كتاب صفوة الصفوة (لأبي الفرج بن الجوزي) .
موضوعه: الصحابة والتابعون، الإسلام، تراجم. وقد طبع غير مرة.
17. مشارق الأنوار في بيان العهود المحمدية.
طبع في القاهرة سنة: 1287هـ،وفي الأستانة أيضاً.
18. المقدمة النحوية في علم العربية ولم تذكر المصادر عنه شيئاً.(3/50)
19. الميزان الكبرى:
موضوعه: الفقه الإسلامي، مذاهب أصول الفقه، وهو مدخل لجميع أقوال الأئمة المجتهدين ومقلديهم في الشريعة المحمدية. وقد طبع بمصر مراراً.
20. اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، وبهامشه الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر للمؤلف نفسه.
موضوعه: التصوف، وحدة الوجود، وهو في عقائد الصوفية منه نسخة في مكاتب أوربا. وقد طبع بمصر مراراً وغيرها كثير (15) .
وفاته:
توفى في القاهرة، في جمادى الأولى سنة (973هـ) ، ودفن بجانب زاويته بين السورين. وقد قام بالزاوية بعده ولده الشيخ عبد الرحمن ثم توفى سنة إحدى عشرة بعد الألف (16) .
الفصل الثاني: (التعريف بالكتاب)
أولاً: نسبة الكتاب:
لم تنص كتب التراجم التي ترجمت للشعراني على اسم هذا الكتاب ضمن مؤلفاته، وعلى الرغم من كثرة تآليفه في فنون شتى لم يذكر له من مؤلفات علم النحو سوى كتابين - سبق الإشارة إليهما في مؤلفاته - هما:
مختصر الألفية لابن مالك في النحو، والمقدمة النحوية في علم العربية. ويبدو أن الكتاب الذي بين أيدينا هو الكتاب الثاني وليس الأول، لأن ترتيب الكتاب ليس على ترتيب أبواب الألفية كما أن مادته العلمية ليست مادة الألفية، إضافة إلى ما ذكره بعض الشراح على صفحة العنوان من أن هذا الكتاب مقدمة حيث قال: " اعلم أن ما على هذه النسخة من الحواشي كتبناه لمجرد التنبيه من غيرتحرير، وقد وقع التحرير بعد ذلك في شرح هذه المقدمة … "
وقد قال الشعراني في مقدمة كتابه:
" فهذا كتاب نفيس اقتبسته من نور كلام العرب الفصحاء … فأكرم به من كتاب جمع مع صغر حجمه مجموع ما في المطولات، وأغنى من طالعه عن جميع المختصرات " والمطلع عليه يرى بحق أنه مقدمة نحوية مختصرة في علم العربية.(3/51)
إلا أن هذه المقدمة النحوية لم ينص من ترجم له على عنوانها، وقد نص عليها الشعراني نفسه في مقدمة الكتاب إذ قال: " وسميته بلباب الإعراب المانع من اللحن في السنة والكتاب " وقد ذكر العنوان نفسه على صفحة الغلاف، إضافة إلى وجود عدة نسخ للكتاب تنص على العنوان نفسه منسوباً إلى المؤلف نفسه. والله تعالى أعلم.
ثانياً: منهج المؤلف في الكتاب:
ألف المصنف هذا الكتاب في النحو وغرضه من تأليفه هذا ذكره في مقدمة الكتاب، قال: "فهذا كتاب نفيس اقتبسته من نور كلام العرب الفصحاء في نحو يوم رجاء أن أكتب في حزب أنصار دين الله تعالى، وليعرف به إخواننا المريدون لطريق الله عز وجل مواطن اللحن في كلام الله عز وجل وكلام رسوله (.. ".
من هذا النص يتبين لنا أن الغرض من التأليف هو تفادي الصوفية اللحن في كلام الله عز وجل وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن أسباب تأليف هذا الكتاب أن يكون مرجعاً للفقراء من مريديه وأتباعه من المتصوفة دون أن يحوجهم للرجوع إلى كتب النحو الأخرى، نص على ذلك المصنف في نهاية خطبته فقال: " فأكرم به من كتاب جمع مع صغر حجمه مجموع ما في المطولات وأغنى من طالعه عن جميع المختصرات ".
وقد قسم المصنف كتابه إلى ستة أبواب وخاتمة، والأبواب على النحو التالي:
الأول: في بيان الاسم ومباحثه.
الثاني: في المرفوعات وأنواعها الاثنى عشر.
الثالث: في المنصوبات وأنواعها الخمسة عشر.
الرابع: في المجرورات والمجزومات معاً.
الخامس: في بيان التوابع لما قبلها في الإعراب.
السادس: في بيان الأربعة أبواب الخارجة عن الإعراب.
وكانت الخاتمة في بيان زبدة علم النحو، وأنه يدور على ثلاثة أقطاب: الفاعلية والمفعولية والإضافة.
وبالنسبة لمصادره لم يصرح المصنف بمصادره من المصنفات أو العلماء الذين يمكن الوصول إلى مصادره من خلال مؤلفاتهم.(3/52)
كان الكتاب مختصراً من مختصرات النحو، ومع ذلك كان نصيب الشواهد القرآنية في الكتاب كبيراً موازنة بغيرها من الشواهد، يكتفي غالباً بذكر موضع الشاهد من الآية، وقد يذكر الآية كاملة أحياناً.
وقد يعقب بذكر القراءة الواردة في الآية، وذلك في ثلاثة مواضع فقط، هي كالتالي:
- قوله تعالى:} وَقَالوْا يَا مَال ِ (الزخرف - من الآية: 77.
- قوله تعالى:} فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا (يونس - من الآية: 8
- قوله تعالى:} فَهَبْ لِيْ مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِيْ وَيَرِثُ (مريم- من الآيتين: 5،6
اكتفى المصنف بنسبة القراءة الأولى فقط إلى قارئها.
أما الأحاديث والآثار والأخبار التي استشهد بها المصنف فهي كالتالي:
- " كَادَ الفَقْرُ أنْ يَكُوْنَ كُفْراً ".
- " زُرْ غِبّاً تَزْدَدَ حُبّاً "
- " إيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَن ".
الأول منها: ضعف، وقيل عنه: لا يصح عن رسول الله (.
والثاني: ليس فيه ما يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والثالث: حديث ضعيف، نسب إلى عمر - رضي الله عنه - موقوفاً، وذكر مع الثاني من أمثال العرب.
وأما الشواهد الشعرية في الكتاب فكانت شاهدين فقط هما:
عَارٌ عَلَيْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيْمُ
- لا تَنْهَ عَنْ خُلُق ٍ وَتَأتِيَ مِثْلَه
- أنَا أبُوْ النَّجْم ِ وَشِعِْري شِعِْري
ومثل المصنف في موضعين بجزء من بيت شعر هو: خلِّ الطريق، وهو مأخوذ من قول جرير:
وَابْرُزْ بِبَرْزَة َ حَيْثُ اضْطَرَّكَ القَدَرُ
خَلِّ الطَّريْقَ لِمَنْ يَبْنِيْ المَنَارَ بِهِ
ثالثاً: وصف النسخ:
للكتاب عدة نسخ في أماكن مختلفة، وقد اعتمدنا في التحقيق نسختين هما:
الأولى: نسخة مكتبة عارف حكمت.
عدد أوراقها: 30 لوحاً، ومسطرتها: 15 سطراً، ومتوسط عدد الكلمات في السطر من 6 - 10 كلمات تقريباً.(3/53)
أوراقها متسلسلة، وخطها واضح ومقروء، ضبطت بعض كلماتها، وكتبت أرقام الأبواب والفصول والمباحث بلون أغمق وأكبر من المستعمل في كتابة المخطوط.
وهذه النسخة تميزت بكونها موثقة ومصححة، وعليها هوامش وحواش كثيرة جداً هي شروح للنص، وقد ذكر في صفحة العنوان أن ما على هذه النسخة من الحواشي لمجرد التنبيه من غير تحرير.
نسخت - كما ورد في نهاية المخطوط - على يد الفقير أحمد بن علي العطيوي الشعراوي.
أما تاريخ النسخ فقد ورد في آخر لوح من المخطوط - ورقة 30 ب ما يلي:
" وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة المباركة في يوم الثلاثاء المبارك سابع شهر جمادى الآخر سنة ست وثلاثين من الهجرة النبوية ".
وكان هناك تعليق في هامش هذا النص هو: " قف على خطأ هذا التاريخ " مما يدل على أن السنة المئوية قد سقطت من تاريخ النسخ المذكور.
ورمزنا لهذه النسخة بالرمز (أ) واتخذناها أصلاً؛ للميزات التي ذكرت سابقاً.
الثانية: نسخة جامعة الإمام محمد بن سعود المصورة من مكتبة سوهاج - مصر كان عدد أوراقها: 34 ورقة (غير مرقمة) ، عدد الأسطر: 23 سطراً، كلماتها:
من 8-12 كلمة في السطر الواحد، غير مضبوطة بالشكل. فيها سقط، وهو النوع الثاني عشر من الباب الثالث بكامله؛ لذا أتت المنصوبات في هذه النسخة أربعة عشر نوعاً، وفي (أ) خمسة عشر نوعاً.
فيها بياض وعدم وضوح في عدد من الأسطر من اللوح الأول إلى الرابع، خلت من الحواشي والشروح، وعليها تصحيح.
الناسخ: هو محمد أبو علي الشافعي مذهباً، وتاريخ النسخ في غرة ربيع الأول عام ثمان وسبعين ومائتين وألف من الهجرة، وقد رمزنا لهذه النسخة بالرمز (ب) .
المنهج المتبع في التحقيق:
تم إثبات النص محققاً كما أراده مؤلفه وتوخي المنهج العلمي للتحقيق، وذلك باتباع الآتي:
* ... الوصول إلى النص الصحيح وتحريره وفق القواعد الإملائية والنحوية.(3/54)
مقابلة النسختين المعتمدتين، وإثبات الصواب منهما، والتنبيه على أوجه الاختلاف بينهما مع الإشارة إلى مواضع السقط والزيادة في المتن أو الحاشية حسب ما يقتضيه السياق، وحصر مايقتضيه السياق من سقط بين قوسين معكوفين في المتن.
اتخاذ إحدى النسختين السابقتين أصلاً معتمداً في التحقيق، وقد رمز لها بالرمز (أ) ورمز للأخرى بالرمز (ب) .
* ... العناية بتخريج الشواهد بأنواعها المختلفة، شعرية ونثرية، وضبطها.
* ... توثيق الآراء والأقوال بالرجوع إلى مصادرها الأصلية أو مظانها.
* ... مناقشة المسائل النحوية والصرفية والتعليق عليها.
* ... تفصيل ما أجمله المؤلف وإيضاح ما أبهمه استئناساً بالمصادر والمراجع.
النص المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم ……. وبه الإعانة - قال سيدنا ومولانا وأستاذنا العارف بالله تعالى، (والدال عليه) (17) مربي المريدين وقدوة السالكين وعمدة المحققين القطب الرباني والعالم الصمداني الشيخ عبد الوهاب ابن المرحوم الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ علي الشعراني رضي الله تعالى عنه وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه، وأعاد علينا وعلى المسلمين من بركاته وبركات علومه وأسراره في الدين والدنيا والآخرة، آمين.
أحمد الله (18) رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، اللهم فصل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم أجمعين، وبعد:(3/55)
فهذا كتاب نفيس اقتبسته من نور كلام العرب الفصحاء في نحو يوم ٍ رجاء أن أكتب في حزب أنصار دين الله تعالى وليعرف به أخواننا المريدون لطريق الله - عز وجل مواطن اللحن في كلام الله عز وجل وكلام رسوله (ليحكوا الكلام على صورة ما جاء من الوحي، إذ غالب الفقراء (19) في زماننا لا يعتنون بإصلاح اللسان ويلحنون كثيراً في القرآن والأحاديث، وشرط الفقير أن يكون عالماً بجميع علوم الشريعة وتوابعها كما عليه جماعة سيدي الشيخ أبي الحسن الشاذلي (20) رضي الله تعالى عنه، وإنما صنعت هذا الكتاب للفقراء ولم أحوجهم إلى القراءة في كتب النحاة، لأن من سلك على يد أحد من أهل الطريق لا ينبغي له أن يأخذ علماً من العلوم إلا على لسان شيخه، فإن للفقهاء في ذلك مزيد ذوق يدركونه في نفوسهم (21) ولسان حال أهل الطريق يقول: من كان منا فلا يأخذ عن أحد إلا عنا.
وقد رتبت هذا الكتاب على ستة أبواب وخاتمة:
الباب الأول: في بيان الاسم، ومباحثه.
الباب الثاني: في المرفوعات وأنواعها الاثني (22) عشر.
الباب الثالث: في المنصوبات وأنواعها الخمسة عشر.
الباب الرابع: في المجرورات والمجزومات (23) معاً.
الباب الخامس: في بيان التوابع لما قبلها في الإعراب.
الباب السادس: في بيان الأربعة أبواب الخارجة عن الإعراب.
الخاتمة: في بيان زبدة علم النحو، وأنه كله يدور على ثلاثة أقطاب، وهي (24) : الفاعلية والمفعولية والإضافة.
فأكرم به من كتاب جمع مع صغر حجمه مجموع ما في المطولات، وأغنى من طالعه عن جميع المختصرات وسميته: ب (لباب الإعراب المانع من اللحن في السنة والكتاب) جعله الله تعالى خالصاً لوجهه الكريم ونفع به المسلمين آمين ولنشرع في أبواب الكتاب، وأقول: وبالله التوفيق:
الباب الأول: في بيان الاسم ومباحثه:(3/56)
اعلم يا أخي رحمك الله تعالى أن الاسم هو عبارة عن كل ما صح أن يخبر عنه بخبر (25) ، نحو: زيد، وعمرو، وفرس وحجر، ونحو ذلك.
ثم هو معرب ومبني، فالمعرب ما تغير آخره بتغير العوامل الداخلة عليه، كقولك: جاء زيدٌ، ورأيت زيداً، ومررت بزيدٍ.
فأما المبني فهو ما يستقر آخره على حالة واحدة، ولا يتغير بتغير العوامل الداخله عليه، كقولك: جاءني من ضربك ورأيت من ضربك، ومررت بمن ضربك. وحركات الإعراب ثلاثة: رفع ونصب وجر (26) ، وكلها تدخل على الاسم المتمكن وأما الفعل فيدخله الرفع والنصب ولا يدخله الجر، إلا أنهم وضعوا في الفعل المضارع مكان الجر الجزم، وفيما لا ينصرف الفتح، كما سيأتي. [وحركات البناء ثلاثة؛ ضم وفتح وكسر] (27) ، كقولك (28) : حيث، وكيف، وهؤلاء.
فصل في بيان حروف تنوب عن الحركات
(وهي على ثلاثة أضرب: الضرب الأول) (29) :في الأسماء الخمسة، التي هي: أبوك، وأخوك، وحموك، وفوك، وذو مال (30) ورفع هذه الأسماء يكون بالواو، ونصبها يكون بالألف، وجرها يكون (31) بالياء، تقول جاءني أخوك، ورأيت أخاك ومررت بأخيك.
الضرب الثاني: في التثنيه والجمع - وذلك أن رفع التثنيه بألف تقول: جاءني الزيدان، ونصبها وجرها بالياء المفتوح ما قبلها، نحو: رأيت الزيدَين، ومررت بالزيدَين.
وأما الجمع فيكون رفعه بالواو، نحو: جاءني المسلمون، وأما نصبه وجره فيكون بالياء المكسور ما قبلها، نحو: رأيت المسلمِين، ومررت بالمسلمِين. وتكون نون التثنية مكسورة، ونون الجمع مفتوحة، لِيُفْرَق بينهما (32) .
وأما جمع المؤنث السالم، نحو مسلمات، وهندات، فيرفع بالضمة، تقول: جاءني مسلماتٌ، كما تقول، جاءني مسلمون، وأما في النصب والجر فهو على لفظ واحد، تقول: رأيت مسلماتٍ، ومررت بمسلماتٍ، كما تقول: رأيت مسلمِين ومررت بمسلمِين.(3/57)
الضرب الثالث: الأفعال الخمسة، وهي: تفعلان، ويفعلان، وتفعلون، ويفعلون، وتفعلين، وعلامة الرفع فيها ثبوت النون، وأما في حالة النصب والجزم فتحذف النون، كقولك: لم يفعلا ولن تفعلا، ولم تفعلوا، ولن تفعلوا، ولم تفعلي ولن تفعلي.
واعلم أن نون التثنية ونون الجمع يسقطان عند الإضافة، تقول في التثنية: جاءني غلاماك، ورأيت غلاميك، ومررت بغلاميك، وتقول في الجمع: جاءني صالحو قومك، ورأيت صالحي قومك، ومررت بصالحي قومك، بسقوط النون.
فصل: في الاسم التام والناقص
فالتام: هو ما تم آخره من غير نقصان، نحو: زيد وعمرو، وخالد.
والناقص: ما نقص من آخره الحركة، نحو: الحبلى، والقاضي، وهو أعني الناقص على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: أن يكون في آخره ألف مقصورة زائدة عنه، نحو: حبلى، وسكرى، وصغرى، وكبرى، بغير تنوين؛ لأنها مما لا ينصرف فلا تنصرف.
ولا فرق بين أن تكون الألف فيه أصلية أو منقبلة؛ إما عن الواو، نحو: عصا، وقفا، وإما عن الياء، نحو: رحى وهدى، و [حبلى] (33) ، ولكن لا يدخل هذا التنوين؛ لأنه غير منصرف.
واعلم أن كلا هذين الضربين يكون على حالة واحدة في الرفع والنصب والجر، تقول: هذه حبلى وعصا، ورأيت حبلى وعصا، ومررت بحبلى وعصا، فالمثل (34) معربات بحركات مقدرة في آخرها، إلا أن الآخر على لفظ واحد، قال الله تعالى:} يَوْمَ لا يُغنِي مَْولَى عَنْ مَْولَى شَيْئاً { (35) ، الأول في موضع الرفع مرفوع، والثاني في موضع الجر مجرور ولفظهما واحد.
النوع الثاني: أن يكون في آخره ياء قبلها كسرة، كالقاضي والرازي، فإنه يكون كالمنقوص في حال الرفع والجر، بمعنى أنه مقدر في الرفع والجر، ويكون منصوباً لفظاً في الحال تقول: جاء القاضي، ومررت بالقاضي، ورأيت القاضيَ، بفتح الياء، قال الله تعالى:} يَا قَوْمَنَا أجِيبُوا دَاعِيَ الله ِ { (36) .(3/58)
واعلم أنه إذا كانت الياء والواو مشددة أو قبلها ساكن أعرب، تقول: هذا صبيٌّ وعدوٌّ، ورأيت صبيّاً وعدوّاً، ومررت بصبيٍّ وعدوٍّ. وتقول: هذا ظبْيٌ ودلْوٌ، ورأيت ظبْياً ودلْواً، ومررت بظبْي ٍودلْو ٍ.
النوع الثالث: أن يكون آخره ألفاً أو ياءً أو واواً، وذلك خاص بالأفعال المستقبلة (37) ، نحو: يخشى ويرمي ويدعو، فأما (يخشى) فهو على حالة واحدة في حالة الرفع والنصب، نحو: هو يخشى ويرضى، ولن يخشى، ولن (38) يرضى، وأما في حالة الجزم فتحذف الألف، تقول: لم يخش، ولم يرض، وأما قولك: يرمي، ويدعو فيكون ساكناً في الرفع، نحو: هو يرمي ويدعو، ومنصوباً في النصب: لن يرميَ ولن يدعوَ، ومحذوفاً في الجزم نحو: لم يرم ِ، ولم يدعُ.
فصل في الاسم المنصرف وغير المنصرف
فأما الاسم المنصرف فهو ما تدخل عليه الحركات الثلاث مع التنوين، وأما غير المنصرف فهو ما لا يدخله جر ولا تنوين (39) ، ويكون في موضع الجر مفتوحاً، وموانع الصرف تسع، نظمها الشاعر في قوله:
جَمْعٌ ونعْتٌ (40) وتَأنِيْثٌ ومَعْرفَة ٌ
وعُجْمَة ٌ ثمَّ عَدْلٌ ثم تركِيبُ
والنونُ زائدة ٌمِن قبْلِهَا (41) ألِفٌ
وَوَزْنُ فِعْلٍ، وهذا القولُ تقريبُ (42)
فكل اسم اجتمع (43) فيه سببان من هذه الأسباب التسعة - فهو غير منصرف، فإذا نقص منها سبب واحد عاد إلى الصرف.
وجميع ما لا ينصرف أحد عشر نوعاً، وهي على قسمين:
قسم منها لا ينصرف في المعرفة ولا في النكرة، وقسم منها لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة.
فأما ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فكل ما كان على وزن (أفْعَل) صفة (44) ، نحو أحمر وأسود، المانع من الصرف فيه الوصف ووزن الفعل.
وكل ما كان على وزن (فَعْلان) ومؤنثه على (فَعْلَى) (45) كعطشان وعطشى، وسكران وسكرى المانع من الصرف فيه: الوصف وزيادة الألف والنون.(3/59)
وكل ما كان صفة معدولة في النكرة، نحو: مثنى، وثلاث، ورباع، فإنها معدولة عن اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة (46) ، المانع من الصرف فيه العدل والصفة (47) ، التي هي وصف للأجنحة في قوله تعالى:} أوْلِيْ أجْنِحَةٍ مَثْنى وثُلاثَ ورُباع { (48) .
وكل ما كان في آخره ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة، فالمقصورة، نحو: حبلى وسكرى، والممدودة، نحو: حمراء وصفراء، المانع من الصرف فيهما: التأنيث والصفة (49) .
وكل ما كان ثالثه ألفاً (50) ، وبعد الألف حرفان أو ثلاثة، نحو: مساجد، ومصابيح، المانع من الصرف فيه: تكرير الجمع مرتين (51) ، لأنه على صورة جمع الجمع، مثل: مفاعل، ومفاعيل، ونظير ذلك أسْورَة وأسَاور (52) جمع سوار، وكذلك عرب ثم أعاريب جمع الجمع، لأن جمعها وجمع عرب أعاريب (53) .
وأما ما لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة فهو: كل ما كان على وزن أحمد ويزيد ويشكر، المانع من الصرف فيه المعرفة ووزن الفعل.
ومنه الاسم الأعجمي العلم، نحو: إبراهيم واسماعيل وإسحاق، المانع من الصرف فيه المعرفة (54) والعجمة.
ومنه ما في آخره ألف ونون نحو: سلمان وعثمان ومروان، المانع من الصرف فيه: المعرفة والألف والنون الزائدتان.
ومنه ما كان مؤنثاً بالهاء كطلحة وحمزة (وفاطمة وعائشة - أو مؤنثاً بالمعنى كزينب) (55) وسعاد وسقر، المانع من الصرف فيه: المعرفة والتأنيث.
ومنه ما كان معدولاً عن (فاعِل) ، إلى (فُعَل) نحو: عُمَر، وزُفَر (56) ، عدلا عن عامر وزافر، المانع من الصرف فيه المعرفة والعدل.
ومنه كل اسمين جعلا اسماً واحداً، نحو: حضرموت، وبعلبك، ومعديكرب، المانع من الصرف فيه: المعرفة والتركيب.(3/60)
فهذه الستة أقسام (57) لا تنصرف معرفة وتنصرف نكرة؛ لأنها إذا نكرت نقص منها المعرفة فيبقى فيها سبب واحد فتعود إلى الأصل، وهو الصرف، فتقول: رُبَّ أحمدٍ، ورُبَّ إبراهيم ٍ وعمر ٍ ومعديكربٍ وزفرٍ.
واعلم أنه إذا وقع فيما لا ينصرف اسم على ثلاثة أحرف ساكن الوسط جاز فيه الصرف وتركه في المعرفة، نحو: دعْد وهِنْد، ونُوْح، ولُوْط، ومِصْر (58) ، وأما في النكرة فليس فيه إلا الصرف.
قاعدتان: الأولى: جميع أسماء القبائل والأحياء والبلدان إذا قصدت به مؤنثاً - كقبيلة أو أرض أو بقعة لم ينصرف (59) وإن قصدت به مذكراً كان أو بلداً انصرف.
القاعدة الثانية: أن جميع ما لا ينصرف إذا أضيف أو أدخل فيه الألف واللام انصرف لغلبة الاسمية عليه (60) ، تقول: مررت بالأحمر ِ والحمراءِ والمساجدِ، وتقول: مررت بعمِركُم وعثمانِنا.. إلى آخره.
فصل في المعرفة والنكرة
والمعرفة على خمسة أنواع (61) ، وما زاد عليها فهو نكرة، نحو: فرس ورجل، وثوب وأشباهها:
النوع الأول من المعرفة: الاسم العلم، مثل: زيد وعمرو، وكذلك نحو: أبي محمد، وأبي زيد (62) .
النوع الثاني: ما دخله الألف واللام، نحو قولك لآخر: جاءني الرجل، يعني: الرجل الذي عهدناه.
والنوع الثالث: المبهم، نحو: هذا، وذاك، وهؤلاء.
النوع الرابع: الضمير سواء كان متصلاً أو منفصلاً، فالمنفصل نحو: أنا، وأنت، ونحن، وهو، وهم، وأشباهها والمتصل، نحو: ضربت، وضربنا، وضربك، وأشباهها.
النوع الخامس: ما كان مضافاً إلى واحد من هذه، نحو: غلام زيد، وغلام الرجل، وغلامك، وغلامه.. إلى آخره.
فصل في المذكر والمؤنث
قال العلماء: والمذكر أصل، والمؤنث فرع، وهو على ضربين: حقيقي وغير حقيقي.
فالمؤنث الحقيقي: ما كان خلقة، كالمرأة والناقة، وسائر ذوات الفروج.
والمؤنث غير الحقيقي أربعة أنواع:(3/61)
النوع الأول: ما كان في آخره التاء المتحركة التي يوقف عليها هاء، كالمعرفة والقدرة، ونحوها.
النوع الثاني: ما كان فيه ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة، نحو: البشرى، والكبرى، والحمراء، والصفراء.
النوع الثالث: ما كان فيه تقدير التاء، كالشمس والأرض، والدار [لأنك] (63) تقول في تصغيرها: شُمَيْسة، وأرَيْضة ودُوَيْرة (64) ، وهذا النوع سماعي لا قياسي (65) .
النوع الرابع: ما كان جمعاً، وكل جمع مؤنث إلا ما جمع بالواو والنون، نحو: المسلمون، والزيدون، فإنه مذكر فلا يجوز أن تقول: خرَجَتِ المسلمون، - وأما بنون فيجوز، لأن الواحد فيه لم يسلم.
فرع: كل ما كان في الجسد له ثان من الأعضاء فهو مؤنث، مثل: اليد والرِّجل، والكف، والأذن، والعين، واليمين والشمال، والفخذ، والقدم والساق، ونحوها، إلا الحاجب والخد والجنب، والهدب، والجفْن (66) .
وكل ما ليس له ثان من الأعضاء فهو مذكر (67) . كالرأس، والعِذار (68) ، واللُّحى، والشعر، والوجه، والأنف اللسان، والقَفَا، ونحو ذلك.
قاعدة: المؤنث الحقيقي يؤنث فعله سواء تقدم أو تأخر، تقول: خرجتِ المرأة ُ، والمرأة ُ خرجتْ، وغير الحقيقي يجوز في فعله التذكير والتأنيث إذا تقدم، نحو: طلعتِ الشمسُ، وطلعَ الشمسُ (69) ، وإذا تأخر فعله فليس إلا التأنيث، نحو: الشمس طلعت، ولا يجوز الشمس طلع، والله أعلم.
الباب الثاني: في المرفوعات
وأنواعها: اثنا عشر
النوع الأول: مرفوع؛ لأنه فاعل
والفاعل: هو كل اسم أسند إليه الفعل قبله سواء كان حقيقياً أو مجازياً (70) ، نحو: قام زيدٌ، وسقط الحائطُ، ومرض زيدٌ، وتحركتِ الشجرةُ، فأسندت الفعل إلى الحائط والشجرة مجازاً، والمعنى: أسقط الله الحائط وحرك الشجرة، وأمرض زيداً.
وأما قولهم: لم يركبْ زيدٌ، ولم يخرجْ عمر، فمرفوع أيضاً، لإسناد نفي الفعل إليه.(3/62)
واعلم أنه يجوز تقديم المفعول على الفاعل إذا أمن اللبس، كقولك: أكل الطعامَ زيدٌ، وشربَ الماءَ عمروٌ، وفي القرآن:} ولَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذرُ { (71) .
فإن خيف اللبس لم يكن الفاعل إلا المقدم، نحو: ضرب موسى عيسى، وشتم هذا هذا (72) ، وإذا تقدم الفعل على الاسم فلا يجوز أن يثنى ولا أن يجمع، قال الله تعالى:
} قَالَ رَجُلان { (73) وقال:} قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ { (74) ، وأما إذا تأخر جاز أن يثنى ضميره ويجمع، نحو: الزيدان قاما، والزيدون قاموا.
وأما قوله تعالى:} وأسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِيْنَ ظَلَمُوا { (75) ففيه تقديم وتأخير، كأنه قال: الذين ظلموا أسروا النجوى (76) .
النوع الثاني: مرفوع لما لم يسم فاعله نحو قولك: ضُِربَ زيدٌ، وسِيْقَ البعيرُ، يريد أن ضارباً ضرب زيداً وسائقاً ساق البعير، ولكنك لم تذكر اسمه.
واعلم أن الفعل على قسمين: لازم ومتعدٍّ (77) ، فاللازم: ما يلزم نفس الفاعل ولا يتعدى عنه إلى غيره، نحو: قام وغضب، وجاء، وذهب، فإذا لم تسمِّ الفاعل ضممت أول هذه الأفعال وكسرت ما قبل آخرها، فتقول: ذُهِبَ بزيد} وجِيْءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ { (78) ونحو ذلك.
وأما المتعدي: فمنه ما يتعدى إلى مفعول واحد، نحو: ضرب زيدٌ عمراً، فإذا لم يسم الفاعل قلت: ضُِربَ عمروٌ وحذفت زيداً وأقمت عمراً مقامه.
ومنه ما يتعدى إلى مفعولين، نحو: ظننت زيداً عالماً، وأعطيت زيداً درهماً، ونحو ذلك.
فإذا لم تسم الفاعل قلت: ظُنَّ زيدٌ عالماً. وأعْطِيَ زيدٌ درهماً، ومنه ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، كقولك: أعْلَمَ اللهُ زيداً عمراً أخاكَ، فإذا لم تسم الفاعل قلت: أعْلِمَ زيدٌ عمراً أخاكَ، فأقمت المفعول الأول مقام الفاعل.
النوع الثالث: مرفوع بالابتداء نحو: زيد قائم، فزيد رفع بالابتداء، وقائم رفع بخبر الابتداء (79) ، والابتداء عامل معنوي لا لفظي.(3/63)
واعلم أنه قد يحذف المبتدأ من الكلام نحو قوله تعالى:} سُوْرَة ٌأنْزَلْناهَا { (80) (أي: هذه سورة أنزلناها) (81) وكذلك نحو ق ول يعقوب:} فَصَبْرٌ جَمِيْلٌ { (82) أي: أمري صبر جميل (83) .
النوع الرابع: مرفوع برجوع الهاء إليه نحو قولك: زيد ضربته، وعمرو (84) أكرمته، رفعت زيداً وعمراً برجوع الهاء (إليهما، ولولا الهاء) (85) لكانا منصوبين (86) ، قال الله تعالى:} سُوْرَة ٌأنْزَلْناهَا { (87) . وقال:} أم ِالسَّمَاءُ بَنَاهَا { (88) فرفع (السماء) و (سورة) لرجوع الهاء إليهما.
النوع الخامس: مرفوع ب (كان) وأخواتها وهي: كان، وصار، وأصبح، وأمسى، وظل، وبات، وما زال، وما دام وما برح، وما فتئ، وما انفك، وليس، وما يتصرف منها، نحو: يكون ويصير ونحوهما (89) ، فجميع هذه ترفع الأسماء وتنصب الأخبار، تقول: كان زيد قائماً، وصار زيد أميراً.. إلى آخره.
النوع السادس: مرفوع ب (ما) النافية كقولك: ما زيد قائماً، فرفعت الاسم تشبيهاً ب (ليس) على لغة أهل الحجاز (90) ، قال الله تعالى:} مَا هَذا بَشَرَاً { (91) وقال:} مَا هُنَّ أمَّهَاتِهِم { (92) .
قال شيخنا رحمه الله تعالى: فإن كان الكلام منقوضاً ب (إلا) نحو ما زيد إلا قائم رفعت الخبر (93) ، قال تعالى:} ومَا أمْرُ نَا إلا وَاحِدَة ٌ { (94) .
النوع السابع: مرفوع بالحروف الرافعة وهي: هل، وبل، ولولا، وإنما، ولكنما، وليتما، ولعلما، وأنما (95) ومتى وأيان، وأين، وكيف، وحيث، وإذ، وإذا فإن هذه الحروف والظروف كلها ترفع الأسماء والأخبار عند الكوفيين، وأما عند البصريين فلا عمل ألبتَّة، وإنما يقع بعدها المبتدأ والخبر وهو الأصح (96) .
فأما (هل) فحرف استفهام، تقول: هل زيد خارج؟ جوابه: لا، أو نعم.
وأما (بل) فحرف عطف، تقول: ما جاءني زيدٌ بل عمروٌ.(3/64)
وأما (لولا) فمعناه امتناع الشيء لوجود غيره، تقول: لولا زيد لهلك عمرو، فهلاك عمرو (97) ممتنع لوجود زيد.
وأما إنما، ولكنما، وليتما، ولعلما، وأنما فحروف نواصب اتصلت بها (ما) فكفتها عن العمل، والأسماء الواقعة بعدها إنما هي مرفوعة على الابتداء (98) .قال الله تعالى:} إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ والمَسَاكِيْن ِ { (99) .
وأما (متى) فهي سؤال عن زمان، لأن جوابها يقع بالزمان، تقول: متى زيد خارج؟ جوابه: يوم الجمعة أو يوم السبت
وأما (أيان) فهي بمعنى (متى) أيضاً، قال تعالى:} أيَّانَ يَوْمُ الدِّيْن { (100) .
وأما (أين) فسؤال عن المكان، لأن جوابها يقع بالمكان، تقول: أين زيد جالس؟ جوابه: في الدار أو في المسجد
وأما (كيف) فسؤال عن الحال، لأن جوابها يقع بالحال، تقول: كيف زيد؟ الجواب صحيح أو سقيم.
وأما (حيث) فظرف مكان، تقول: رأيته (101) حيث زيد يصلي.
وأما (إذ) و (إذا) فظرفان للزمان، لكن (إذ) للماضي، و (إذا) للمستقبل، قال تعالى:} وإذ ْجَعَلْنَا البَيْتَ مَثابَة ً لِلنَّاس ِ { (102) ، وقال تعالى:} والليْل ِ إذا يَغْشَى { (103) .
واعلم أن (إذا) قد تجعل الماضي مستقبلاً في المعنى، نحو} إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ { (104) والمعنى: إذا يجيء وكذلك (إذ) قد تجعل المستقبل ماضياً في المعنى، كقوله تعالى:} إذْ يَقُوْلُ المُنافِقُوْنَ { (105) ، والمعنى: إذ قال والله أعلم (106) .
النوع الثامن: مرفوع ب (إن) وأخواتها وهي: إنَّ، ولكنَّ، وليت، ولعلَّ، وكأنَّ، وأنَّ بفتح الهمزة فهذه الحروف كلها تنصب الأسماء وترفع الأخبار، تقول: إن زيداً قائم، وليت زيداً خارج.. إلى آخرها (107) .
وقال بعضهم: ليس (كأن) سادساً، وإنما هو (أنَّ) دخلها كاف التشبيه (108) .(3/65)
ولا يجوز تقديم خبر هذه الحروف على اسمها، فلا يقال: إن قائم زيداً، إلا إذا كان الخبر ظرفاً كقولك: إن في الدار زيداً (109) ، قال الله تعالى:} أنَّ الله َ بَريْءٌ مِنَ المُشْركِيْنَ ورَسُوْلُهُ} (110) والله أعلم.
النوع التاسع: مرفوع ب (نعم) و (بئس) نحو: نعم الرجلُ زيدٌ، ونعم سيدُ القوم زيدٌ، وبئس صاحبُ الدار عمروٌ ويجوز: نعم رجلاً زيد [وبِئْسَ غُلاماً عَمْرو] (111) تقديره، نعم الرجل رجلاً زيد، وبئس الغلام غلاماً عمرو (112) وقال تعالى:} كَبُرَتْ كَلِمَة ً تَخْرُجُ مِن أفْوَاهِهِمْ} (113) .
النوع العاشر: مرفوع بحبذا وهي مركبة من كلمتين؛ إحداهما: حَبَّ، والأخرى ذا، فجعلا كلمة واحدة، تقول: حبذا زيد، وحبذا الرجل (114) ، وتقول: إذا كان نكرة: حبذا رجلاً زيدٌ.
النوع الحادي عشر: مرفوع بأفعال المقاربة وهي: عسى، وكاد، وكَرب، وأوشك، تقول: عسى زيد أن يخرج، وقال تعالى:} عَسَى اللهُ أنْ يَكُفَّ بَأسَ الذِيْنَ كَفَرُوا { (115) ، وقال:} تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ { (116) ، وفي الحديث: " كَادَ الفَقْرُ أنْ يَكُوْنَ كُفْراً" (117) وكذا الحكم في كرَب وأوشك.
النوع الثاني عشر: مرفوع بالحكاية نحو قولك: زيد خرج، وفي القرآن الكريم:} قالَ اللهُ عَلى مَا نَقُوْلُ وَكِيْلٌ { (118) ، وقد يضمر القول في نحو:} والمَلائِكَة ُ يَدْخُلُوْنَ عَليْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَليْكُمْ { (119) أي: يقولون سلام عليكم والله أعلم.
الباب الثالث: في المنصوبات
وأنواعها خمسة عشر نوعاً (120) :
النوع الأول: منصوب، لأنه مفعول به والمفعول به (121) كل اسم أوقعت عليه الفعل وذكرت فاعله، نحو: ضربْتُ زيداً وشتمْتُ عمراً، وأعطيتُ زيداً درهماً، وكسوتُ عمراً جبة ً.(3/66)
النوع الثاني: منصوب بأفعال الشك واليقين وهي سبعة: حسبت وظننت، وخلت، وعلمت، ووجدت، ورأيت، وزعمت إذا كن بمعنى علمت، وكلها تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبها جميعاً، تقول: ظننت زيداً أخاك، وعلمت زيداً فاضلاً ونحو ذلك (122) .
النوع الثالث: منصوب، لأنه مفعول له وهو ما يقع الفعل لأجله وبسببه، نحو قولك: جئتُكَ ابتغاءَ معروفِك (أي بسبب ابتغاء معروفك) (123) ، وقال تعالى:} يَجْعَلُوْنَ أصَابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِق ِ حَذرَ المَوْتِ { (124) أي لحذر الموت، فتكون لام السبب مقدرة (125) في جميع ذلك.
النوع الرابع: منصوب؛ لأنه مفعول معه كقولك: استوى الماءُ والخشبةَ، وكنتُ وزيداً كالأخوين، ونحو ذلك. وإنما هو مفعول معه؛؛ لأنك وضعت الواو مكان مع، أي: استوى الماءُ معَ الخشبةِ.
النوع الخامس: منصوب، لأنه مفعول مطلق وهو المصدر، وإنما سمي مفعولاً مطلقاً؛ لأنه هو المفعول الذي أحدثه الفاعل وأوجده بعينه بخلاف سائر المفعولات (126) . وإنما سمي مصدراً؛ لأن الأفعال تصدر عنه (127) ، فشبه بمصدر الإبل وهو الماء الذي تصدر عنه الإبل وتذره (128) .
وحد المصدر: كل اسم دل على معنى في زمان مجهول، تقول: ضربت ضرباً، وجلست جلسة، ومن ذلك قولهم: أهلاً وسهلاً ومرحباً، فإنها منصوبة بتقدير أفعال ليست من لفظ المصادر.
المعنى: أتيت (129) أهلاً لا عَزَباً (130) ، وأتيت مكاناً سهلاً لا حَزناً (131) ، وأتيت مرحباً لا مضيقاً، ومنه أيضاً قولهم: لقيته عِياناً، ولقيته فجأة، وأخذته سماعاً.
النوع السادس: منصوب، لأنه مفعول فيه: وهو الظرف، والظرف: الوعاء من الأزمنة والأمكنة، فأما الأزمنة فنحو قوله: قمت وقتاً من الأوقات، وسهرت ليلة من الليالي، وفي الحديث: " زُرْغِبّاً تَزْدَدَ حُبّاً " (132) .(3/67)
وأما الأمكنة فالجهات الست وما في معناها، والجهات: خلف وقدام وفوق وتحت ويمين وشمال وأمام، وما في معناها (133) ، فكنحو، وعند، ووسط، تقول: مررت نحو (134) زيد، وقمت عندك، وجلست وسط الدار، ونحو ذلك.
النوع السابع: منصوب بالحال والحال صفة مذكورة تجيء بعد كلام تام معرفة، كقولك جاء زيد راكباً، أي في حال ركوبه، ومنه هذا زيد قائماً، أي: في حال قيامه، وفي القرآن:} وَهَذا بَعْلِي شَيْخاً} (135) ، ومن ذلك قوله تعالى:} وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّ قاً} (136) ، وعلامة الحال أن يكون موضوعاً لجواب كيف، فإذا قيل لك: كيف جاء زيد؟ تقول: جاء راكباً، ونحو ذلك.
النوع الثامن: منصوب بالتمييز ولا يكون التمييز إلا بعد كلام مجهول مبهم، تقول: امتلأ الإناء عسلاً، وتصبب زيد عرقاً، وقال تعالى:} وَضَاقَ بِهِمْ ذرْعاً} (137) ، ومنه قولهم: هو أحسنُ الناس ِ وجهاً وأ} رفهم أباً، قال الله تعالى:} أنَا أكْثَرُ مِنْكَ مَالاً، وَأعَزُّ نَفَراً} (138) ، ومنه قولهم: لله دره رجلاً، ودلوي مملوءة عسلاً، وقال تعالى:} مِلْءُ الأرْض ِ ذهَباً} (139) ، ومنه قولهم: ما في السماء قدرُ راحةٍ سحاباً، وعندي قَفِيْزَان (140) بُراً وعندي منوان (141) عسلاً، وعندي (142) ذراعان قَزّاً، وعندي عشرون درهماً، ومنه ثلاثة عشر رجلاً، قال تعالى:} أحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} (143) } وَكَفَى بِاللهِ وَلِيّاً} (144) } وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيْراً} (145) .(3/68)
النوع التاسع: منصوب بالاستثناء ومعنى الاستثناء: إخراج الشيء مما دخل فيه، تقول: جاء القومُ إلا زيداً وقال تعالى:} فَشَرِبُوا مِنْهُ إلا قَلِيْلاً} (146) ، وتقول: ما جاء أحد إلا زيداً، وكذا الحكم في بقية أدوات الاستثناء، نحو: سوى، وسواء، وخلا، وعدا، وحاشا، وغير (147) ولكن يكون ما بعد هذه الأدوات مجروراً (148) بالإضافة، تقول: جاءني القوم غير زيدٍ وسوى زيدٍ.. إلى آخره.
ويجوز نصب ما بعد خلا وعدا وحاشا، ولا يجوز فيما بعد (غير) إلا على التفصيل المذكور فيها.
النوع العاشر: منصوب بالنداء: وحروف النداء خمسة، هي: يا، وأيا، وهيا، وأي، والألف (149) ، وقد تحذف الهمزة تخفيفاً، تقول، يا رجلاً خذ بيدي. ويا طالعاً جبلاً، ويا عبد الله (150) .
قال تعالى:} يَا أهْلَ الكِتَابِ} (151) وإذا كان المنادى مفرداً علماً أو نكرة مقصودة بني على الضم (152) وجوبا (153) نحو: يا زيد ويا رجل، ولا تدخل (يا) على مافيه الألف واللام، فلا يقال: يا الرحمن، ولا يا الرجل.
ويرخم المنادى إذا كان مفرداً علماً زائداً على ثلاثة أحرف، نحو قولك في حارث: يا حار، وفي جعفر، يا جعف كما قرأ (154) عبد الله بن مسعود (155) :} وَقَالُوْا يَا مَالِ} (156) يريدون (157) : يا مالك، ومنه قولهم (158) في طلحة: يا طلحَ بفتح الحاء على لغة من ينتظر، وهي الفصحى وفي فاطمة: يا فاطمَ (159) وفي منديل يا مندِ، وفي مروان يا مروَ (160) ، والله أعلم.
النوع الحادي عشر: منصوب ب (لا) نحو لا غلامَ رجل قائم، ها هنا في نفي الجنس، ولا رجلَ في الدار، ولا إلهَ إلا الله.
وإذا فصلت بين (لا) وما تعمل فيه فليس إلا الرفع، نحو: لا في الدار رجل، ولا عندي غلام (161) ، قال تعالى:} لا فِيْهَا غَوْلٌ} (162) والله أعلم.(3/69)
النوع الثاني عشر (163) : منصوب بالإغراء والتحذير تقول في الإغراء: عليك زيداً، على معنى احْفَظه، قال تعالى:} يَا أيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا عَلَيْكُمْ أنْفُسَكُمْ} (164) ، وحروف الإغراء: عليك، ودونك (165) ، وأما التحذير، فكقولك: الأسد الأسد، ... ... 1 خَلِّ الطريق............................................. (166)
قال الله تعالى:} نَاقَة َاللهِ وَسُقْيَاهَا} (167) ، أي احذورا ناقة الله ولا تمسوها بسوء، وفي الحديث: " إيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَن " (168) .
النوع الثالث عشر: منصوب بفعل مضمر نحو قولهم: امرأعمل لنفسه، تقديره: رحم الله امرأ، ومنه قوله تعالى:} قُلْ بَلْ مِلَّة إبْرَاهِيْمَ حَنِيْفاً} (169) أي: اتبع ملة إبراهيم، وقال تعالى:} وَنُوْحاً إذ ْ نَادَى مِنْ قَبْلُ} (170) أي: واذكر نوحاً، ومنه أيضاً قولهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر (171) ، (معناه: إن كان خيراً فجزاؤه خير) (172) - ومنه قوله تعالى:} انْتَهُوْا خَيْراً لَكُمْ} (173) ، تقديره: انتهوا يكون خيراً لكم (174) ، والعرب لفصاحتها تنصب الأسماء كثيراً بأفعال مضمرة (175) .
النوع الرابع عشر: منصوب بفعل التعجب نحو: ما أحسن زيداً، ولا يكون لصيغة فعل التعجب مستقبل ولا مصدر ولا فاعل ولا يتصرف، والله أعلم.
النوع الخامس عشر: منصوب ب (أن) المخففة وأخواتها (176) نحو: أرجو أن تعطيني وأن تخرج، ونحو} وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيْعَ إيْمَانَكُمْ} (177) وتسمى هذه اللام لام الجحود، لأنها لا تقع إلا بعد النفي، ومنه قول الشاعر:
2 لا تَنْهَ عَنْ خُلُق ٍ وَتَأتِيَ مِثْلَه [عَارٌ عَلَيْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيْمُ] (178)(3/70)
(فقوله (تأتي) منصوب بأن مقدرة، أي: وأن تأتي مثله، وقوله تعالى:} لَيْسَ لكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوْبَ عَلَيْهِم} ) (179) ، ومنه قوله تعالى:} ولا تَطْغَوْا فِيْهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (180) وقوله:} يَا لَيْتَنِيْ كُنْتُ مَعَهُمْ فَأفُوْزَ فَوْزاً عَظِيْماً} (181) ، وقوله تعالى} لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوْتُوْا} (182) فهذه وأمثالها كلها منصوبة بإضمار (أن) وعلامة صحة الجواب الفاء (183) والله أعلم.
الباب الرابع: في المجرورات والمجزومات معاً
أما المجرورات فأنواعها أربعة:
النوع الأول: مجرور بالحروف الجارة
وهي: من، وإلى، وعن، وعلى، وحتى، ومذ، وفي، ورب، والباء، والكاف، واللام.
فأما (إلى) فأصلها لانتهاء الغاية، تقول: خرجت من الكوفة إلى البصرة (184) ، وقد تقع بمعنى (مع) (185) .
وأما (عن) فللتعدي والانحطاط، تقول: رميت عن القوس (186) .
وأما (على) فللاستعلاء، تقول: جلس الأمير على السرير، ووجب المال على زيد، وقد تقع بمعنى (مع) .
وأما (حتى) فلها ثلاث خصال؛ الغاية، والعطف، والابتداء، تقول في الغاية: [أكلت السمكة حتى رأسِها بالجر] (187) أكلت السمكة حتى رأسَها بالفتح، وأكلت السمكة حتى رأسُها بالرفع أي حتى رأسها مأكول فرأسها (188) مرفوع بالابتداء.
وأما (رُبَّ) فللتقليل، نحو: رُبَّ رجلٍ لقيته (189) .
وأما (مِن) فهي لابتداء الغاية، نحو: خرجت من الدار، وهي ضد (إلى) (190) .
وقد تقع بمعنى التبعيض كقولك: أخذت من المال أي: بعضه، والفرق بين (من) و (عن) أن (عن) تدل على الانقطاع. بخلاف (من) ، تقول: رجعت [عنه إليه] (191) .
وأما (في) فأصلها التوعية، نحو: الدرهم في الكيس. وقد تقع بمعنى (على) كقوله تعالى} ولأ ُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذوْع النَّخْل ِ} (192) ؛ لأن الجذوع بمنزلة القبور (193) .(3/71)
وأما (مذ) فأصله (194) (منذ) (195) وكلاهما يجر إذا وقعا بمعنى ابتداء الغاية، كقولك: ما رميت مذ يوم الجمعة ومنذ (196) يوم الجمعة، أي: من يوم الجمعة.
وأما (الكاف) فهي للتشبيه، تقول: زيد كعمرو، أي: مثل عمرو، وقد تقع زائدة، كقوله تعالى:} لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (197) .
وأما (اللام) فأصلها التمليك والاستحقاق، تقول: المال لزيد، والحمد لله، وقد تقع بمعنى (عند) كقوله تعالى:} أقِم ِالصَّلاة َ لِدُلُوْكِ الشَّمْس ِ} (198) أي عنده.
وأما (الباء) فأصلها للإلصاق (199) ، كقولك: كتبت بالقلم (200) ، ومررت بزيد (201) وقد تقع بمعنى (مع) كقوله تعالى:} وقَدْ دَخَلُوْا بِالكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوْا بِه} (202) .
وأما (خلا) و (عدا) و (حاشا) في الاستثناء فإن منهم من جعلها حروفاً تجر ما بعدها كما مر في النواصب (203) .
النوع الثاني: مجرور بحروف القسم
وهي ثلاثة: الواو، الباء، والتاء.
فالباء، كقولك (204) : بالله لأفعلن كذا، والواو كقوله تعالى:} وَالعَصْرِ إنَّ الإنْسَانَ لَفِيْ خُسْرٍ} (205) والتاء كقوله تعالى:} وَتَاللهِ لأكِيْدَنَّ أصْنَامَكُم} (206) .
واعلم أنه يقال في القسم: ايمن (207) الله، وايم (208) الله، ولَعَمْرُالله، كلها مرفوعة بالابتداء وخبرها محذوف التقدير: ايمن الله حلفي، ولَعَمْرُ الله قسمي، والعمر: البقاء، ولكن يستعمل في القسم بفتح العين.
والحروف التي تصل القسم بالجواب الذي هو المقسم عليه، خمسة: (إنَّ) المشددة المكسورة، واللام المفتوحة، و (ما) و (إنْ) الساكنة، و (لا) .(3/72)
قال الله تعالى:} والعَصْرِ إنَّ الإنْسَانَ لَفِيْ خُسْر} (209) ، وقال:} فَوَرَبَّكَ لَنَسْألَنَّهُم} (210) وقال تعالى:} وَالنَّجِْم إذا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} (211) ، وقال تعالى:} تَاللهِ إنْ كُنَّا لَفِيْ ضَلالٍ مُبِيْن ٍ} (212) ، وقال تعالى:} وَأقْسَمُوْا بِاللهِ جَهْدَ أيْمَانِهِمْ، لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوْتُ} (213) .
ثم لا يخفى أن هذه الحروف قد تحذف تخفيفاً، فيقال: والله قد جاءني زيد، أي لقد جاءني، وقال تعالى في جواب القسم:} والشَّمْس ِ وَضُحَاهَا ... قَدْ أفْلَحَ} (214) ، أي: لقد أفلح.
وقد يحذف الجواب بالكلية كقوله تعالى:} ق~. والقُرْآن ِ المَجِيْدِ بَلْ عَجِبُوْا} (215) معناه: ق، والقرآن المجيد لتبعثن، وكذلك:} ص~ والقُرْآن ِ ذِيْ الذ ِّكْر} (216) ، وكذلك:} والنَّازِعَاتِ غَرْقاً} (217) ، والله أعلم.
النوع الثالث: مجرور بالإضافة إلى الظروف، وكذلك الأسماء المخصوصة (218) بالجهات الست (219)
التي هي: أعلى، وفوق، وتحت، وأسفل، وقبل، وقدام، وأمام، ومقابل، وتلقاء، وحذاء، وإذا، وجاه، وتجاه وحيال، وخلف، وبعد، ووراء، ويمين، وشمال، وكالأسماء الأخر الشائعة في الحالات كلها، ك (عندي، ولدى، ولدن ومع، وبين، ووسط، وطرف، وشطر، ونصف، وبعض، وكل، ونحو، وغير، ودون، وسواء، ومثل، ونظير، وذو وذا، وذات، وذوات) ونحو ذلك (220) .
تقول: فوق السرير زيد، وتحت السرير عمرو، وأمام الفرس أسد، وعند زيد.. إلى آخره، فقولك: فوق السرير زيد (فوق) ظرف، و (السرير) مجرور ب (فوق) ، و (زيد) مرفوع بالابتداء، وخبره: فوق السرير، مقدم عليه (221) ، وكذا القول في بقية الظروف والحروف الجارة.
النوع الرابع: مجرور بالإضافة إلى الأسماء المحضة
كقولك: دار زيد، وغلام عمرو، يُريد (222) : الدار لزيد، والغلام لعمرو، وتسمَّى هذه الإضافة إضافة الكل.(3/73)
وأما الإضافة بمعنى (من) ، فتسمى إضافة البعض، كقولك: ثوب خزّ، وخاتم فضة (223) .
ومن هذا النوع الإضافة إلى الفاعل، نحو قولك: الحسن الوجه، والكريم الأب، تريد حسنُُ وجهه، وكريم أبوه.
ومنه أيضاً الإضافة إلى المفعول كقولك: الضاربا زيدٍ، والراكبو الفرس، تريد: الضاربانِ زيداً، والراكبون الفرس قال تعالى:} والمُقِيْمِيْ الصَّلاةِ} (224) .
فرع: لا يضاف الشيء إلى وصفه، فلا يقال: زيدُُ القائم، وعمروُُ الخارجِ، وقد يضاف على قلة (225) ، كقوله: مسجدُ الجامعِ، وقال (226) تعالى:} ذلِكَ الدِّيْنُ القَيِّم ُ} (227) ، وقال تعالى:} عِلْمَ اليَقِيْن ِ} (228) . والله أعلم
وأما المجزومات فنوعان:
الأول: مجزوم بحروف الجزم، وهي خمس: لَمْ، لَمَّا، ولا، في النهي، واللام في الأمر، وإن في الشرط والجزاء.
تقول: لم يضرب زيد، بمعنى ما ضرب، وكذلك: لما يضرب، وتقول: لا تفعل، تنهى المخاطب عن ذلك الفعل، وقال تعالى:} لا تَقُمْ فِيْهِ أبَداً} (229) ، وقال تعالى:} لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْم ٍ} (230) ، وتقول في اللام المكسورة في الأمر للغائب: لينفق فلان، قال تعالى:} لِيُنْفِقْ ذوْ سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (231) .
ثم لا يخفى أنه إذا تقدم هذه اللام حرف عطف جاز تسكينها (232) ، قال تعالى:
} وَلْيَتَّق اللهَ رَبَّهُ} (233) ، وتقول في الأمر المخاطب بغير اللام: اذهب واضرب لكن الصحيح أن هذا مبني على الوقف وليس بمجزوم (234) .
وقد جاءت (235) اللام في الأمر للمخاطب في قوله تعالى:} فَبِذلِكَ فَلْتَفْرَحُوْا} (236) .
على قراءة، من قرأها بالتاء الفوقية (237) .
وأما (إنْ) في الشرط والجزاء، فنحو قوله تعالى:} إنْ تَتَقُوْا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً) (238)
أصلة (تتقون) ، حذفت النون للشرط، وجزم (يجعل) بالجزاء، وتقول: إن تكرمني أكرمك.(3/74)
لا (239) يخفى أنه إذا كان الشرط والجزاء ماضيين جاز فيهما ترك الجزم، نحو، إن ضربتني ضربتك، وإذا كان الجواب مستقبلاً والشرط ماضياً جاز فيه الجزم وتركه (240) .
فرع: وقد يقع الفعل المستقبل في الجواب موقع الصفة والحال (241) ، كقوله تعالى:
} أنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة ً مِنَ السَّمَاءِ تَكُوْنُ لَنَا عِيْداً} (242) ، فقوله (تكون) صفة للمائدة (243) ، وكذلك نحو قوله تعالى:} فَهَبْ لِيْ مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِيْ وَيَرِثُ..} (244) فيرثني ويرث، صفتان للولي على قراءة من رفعهما (245) .
النوع الثاني: مجزوم بالأسماء التي تتضمن معنى الشرط، وهي تسعة، مَنْ، وَمَا، وأي، وأين، ومتى، وحيثما وإذما، وأنّى، ومهما.
تقول: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (246) ، وقال تعالى:} مَا نَنْسَخ مِنْ آيَةٍ أو نُنْسِهَا، نَأتِ بِخَيْر ٍ مِنْهَا} (247) ، وتقول: أيكم يأتني أكرمه (248) ، وتقول: أين تذهب أذهب، وتقول: متى تخرج أخرج، وتقول: حيثما تكن أكن وإذ ما تكن أكن، وأنّى (249) تفعل أفعل، ومهما تفعل أفعل.
فرع: إذا دخلت الفاء في جواب الشرط ارتفع الفعل المضارع بعده على إضمار مبتدأ، تقول: من يأتني فأكرمه، أي: فأنا أكرمه، وقال تعالى:} وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْه} (250) .} وَمَنْ كَفَرَ فَأمَتِّعُهُ قَلِيْلاً} (251) . أي: فأنا أمتعه، والله أعلم (252) .
الباب الخامس: في التوابع
وأنواعها خمسة:
النوع الأول: تابع بالنعت.
وهو على خمسة أقسام:
الحلية، والفعل، والغريزة، والنسب، والوصف بأسماء الأجناس ب (ذو) .(3/75)
فالحلية كقولك: رجل طويل وأسود ونحوها: والفعل كقولك: رجل قائم، وكاتب، وخياط. والغريزة كقولك: رجل كريم وظريف، وفطن، ونحوها. والنسب كقولك: بصري، هاشمي، قرشي، ونحوها. والوصف بأسماء الأجناس ب (ذو) كقولك: جاءني رجل ذو مال، ورأيت رجلاً ذا مال، ومررت برجل ذي مال (253) .
فهذه الصفات كلها تتبع الموصوف في إعرابه، وتعريفه، وتنكيره، وتأنيثه، وتذكيره، وإفراده وتثنيته، وجمعه تقول: جاءني رجلٌ كريمٌ، والرجلُ الكريمُ، وامرأةٌ كريمةٌ، ورجلان كريمان، ورجال كرام.
فرع: إذا تقدم صفة النكرة على الموصوف نصبتها على الحال، نحو: جاءني ظريفاً رجل (254) .
النوع الثاني: تابع بالبدل وهو يجري مجرى الحال، فيتبع إعراب ما قبله، إلا أن البدل لا يكون إلا اسماً، وعلامة البدل أنه يجوز إسقاط ما قبله وإقامة الثاني مقام الأول، كما تقول: جاءني زيد أخوك، فيجوز أن تسقط زيداً، فتقول: جاءني أخوك.
والبدل على أربعة أقسام:
بدل الكل، وبدل البعض (255) ، وبدل الاشتمال، وبدل الغلط. فأما بدل الكل من الكل فهو كقولك: جاءني زيد أخوك وقال تعالى:} اهْدِنَا الصِّرَاط َ المُسْتَقِيْمَ صِرَاطَ الَّذِيْنَ} (256) .
وأما بدل البعض، فقولك: ضربت زيداً رأسه، وقال تعالى:} وللهِ عَلى النَاس حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيْلاً} (257) ، ف} مَن ِ اسْتَطاعَ} بدل من (النَّاسِ) ؛ لأن المستطيع بعض الناس لا كلهم.
وأما بدل الاشتمال، وهو أن يكون معنى الكلام الأول مشتملاً على الثاني، كقولك: سلب زيد عقله، وقال تعالى:} قُتِلَ أصْحَابُ الأخْدُوْدِ النَّار ِ} (258) ، فالأخدود مشتمل على النار.(3/76)
وأما بدل الغلط، ولا يوجد ذلك في القرآن الكريم بل ولا في الشعر، وإنما يقع في أثناء كلام الناس، كقولك: مررت برجلٍ بحمار ٍ (259) ، كأنك تريد أن تقول: مررت برجلٍ وبحمار ٍ (259) ثم تذكرت فقلت: بحمار (259) ، ولا يصح في مثل هذا أن تقول بل حمار (260) .
قاعدة: تبدل المعرفة من النكرة كقوله تعالى:} وإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ صِرَاطِ اللهِ} (261) وعكسه (262) ، كقوله تعالى:} لنَسْفَعاً بِالنَاصِيَةِ نَاصِيَةٍ} (263) .
النوع الثالث: تابع بعطف البيان:
وهو أن تضع الاسم الذي ليس بحلية ولا فعل ولا نسب مكان الصفة، كقولك: جاءني زيدٌ أخوك، ورأيت أبا عبد الله محمداً، ومررت بصاحبِك زيدٍ، فتبين الاسم الأول عن غيره بالاسم الثاني كما تبين بالصفة. والله أعلم.
النوع الرابع: تابع بالتأكيد
والتوكيد أيضاً يجري مجرى الصفة في الإيضاح والإتباع، وفائدته تخصيص المخبر
عنه، كما إذا قلت جاءني زيد، فربما توهم المخاطب أن أمر زيد جاءك دون نفسه، فإذا قلت: جاء زيدٌ نفسُه أو عينُه خصصت المجيء ب (زيد) .
وأسماء (264) التوكيد سبعة (265) وهي:
النفس، والعين، وكل، وأجمعون، وأبصعُون، وأبتعون، وأكتعون (266) .
تقول: جاءني زيدٌ نفسُه، ورأيت الفرسَ عينَه، وقال تعالى:} فَسَجَدَ المَلائِكَة ُ كُلُّهُمْ أجْمَعُوْن} (267) وتقول: جاء القومُ كلُّهم أبصعون.
والبَصْع: الجمع (268) .
وتقول: جاء القوم كلهم أبتعون، مشتق من (البتع) الذي هو القوة والشدة، ولا يستعمل أكتع (269) وأبصع وأبتع إلا بعد كل وأجمع (270) كما ذكرنا، وتقول: جاءني النسوة كلُّهن، جُمَعُ كُتَعُ بُصَعُ بُتَعُ.(3/77)
فرع: وتؤكد التثنية ب (كلا) وتكون مع غير المضمر بالألف أبداً على صورة [واحدة] (271) ، تقول: جاءني كلا الرجلين، ومررت بكلا الرجلين، ورأيت كلا الرجلين، وأما مع المضمر فترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء كسائر التثنية، فتقول: جاءني كلاهما، ورأيت كليهما، ومررت بكليهما، وفي المؤنث تقول: كلتا المرأتين بتاء زائدة.
فائدة: قد يؤكد الاسم بتكرير اللفظ، كقولهم: هذا رجل رجل، ومنه: الله أكبر الله أكبر، وقال الشاعر:
3 أنَا أبُوْ النَّجْم وشِعِْري شِعِْري (272)
والله تعالى أعلم.
النوع الخامس: تابع بالعطف
وحروف العطف عشرة:
الواو، والفاء، وثُمَّ (273) ، وأم، وأو، ولا، وبلْ، وحتى، ولكن، وإمَّا (بكسر الهمزة) .
فأما (الواو) فهي للجمع والاشتراك، ولا توجب الترتيب على الأصح، تقول جاءني زيدٌ وعمروٌ، ألا ترى أن (الواو) جمع بينهما في المجيء (274) .
وأما (الفاء) فتكون للترتيب والتعقيب، تقول: جاءني زيدٌ فعمروٌ، فهي تدل على أن عمرا جاء بعد زيد.
وأما (ثُمّ) فهي كالفاء إلا أنها أكثر مهلة، تقول: جاءني زيدٌ ثمَّ عمروٌ.
وأما (لا) فمعناها إخراج الثاني مما دخل في الأول، تقول: جاءني زيد لا عمرو، ألا ترى أنك أخرجت عمراً ب (لا) عن المجيء.
وأما (بلْ) فهي للإضراب عن الأول والإثبات للثاني، تقول: ما جاءني زيد بل عمرو.
وأما (لكن) المخففة فمعناها الاستدراك (275) بعد النفي، تقول: ما جاءني زيد لكن عمرو، وإن شئت أدخلت الواو فيه قال الله تعالى:} مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أبَا أحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ولَكِنْ رَسُوْلَ اللهِ { (276) ، [فرسول الله] (277) معطوف على (أبا) .
وأما (أو) فتكون تارة للشك، وتارة للتخيير، وتارة للإباحة، تقول في الشك، جاءني زيد أو عمرو، وفي التخيير: كل السمك أو اشرب اللبن، فليس له أن يجمع بينهما، وتقول في الإباحة: كل اللحم أو الثريد، فله الجمع بينهما.(3/78)
وأما (أم) فهي عديلة الاستفهام عما وقع فيه الشك، تقول: أزيد في الدار أم عمرو، وقال تعالى:} أهُمْ خَيْرٌ أمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} (278) وتقول في التسوية بين الشيئين: سواء عليه أقام أم قعد، وقال تعالى:} سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أأنَذرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} (279) .
وأما (إمَّا) - بكسر الهمزة - فتجري مجرى (أو) في الشك وغيره، إلا أنها تأتي قبل الاسمين فتؤذن بالشك في أول الكلام، ولذلك كررت (280) ، تقول: رأيت إما زيداً وإما عمراً، قال (281) تعالى:} إمَّا شَاكِراً وإمَّا كَفُْوراً} (282) بخلاف (أمَّا) بفتح الهمزة فإنها وإن كانت من حروف العطف فلابد لها من جواب لما فيها من معنى الشرط، تقول: أمَّا زيدٌ فقائم، وقال تعالى:} وأمَّا ثَمُوْدُ فُهَدَيْنَاهُمْ} (283) ، وإن كررت فإنما هي لعطف كلام على كلام (284) بالواو، كقوله (285) تعالى:} فَأمَّا اليَتِيْمَ فَلا تَقْهَرْ وَأمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (286) .
وعاشر الحروف (حتى) ، وتكون ناصبة، تقول: أكلتُ السمكة َ حتى رأسَها - بالنصب، وتكون لانتهاء الغاية وغير ذلك ذكرناه في مبحث الحروف من أصول الفقه (287) والله أعلم.
فرع: لا يعطف اسم على اسم إلا إذا اتفقا في الفعل، نحو: قام زيدٌ وعمروٌ، فإن اختلفا لم يجز العطف، فلا يقال: ماتَ زيدٌ والشمسُ، إذ الشمس (288) لا توصف بالموت، وكذلك لا يعطف الفعل على الفعل، إلا إذا اتفقا، فلا يقال: قام ويقعد وأما قوله تعالى:} إنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا وَيَصُدُّوْنَ عَنْ سَبِيْل ِ اللهِ} (289) ، فالواو ليست للعطف وإنما هي واو الحال، المعنى: إن الذين كفروا فيما مضى وهم الآن يصدون عن سبيل الله (290) .(3/79)
قالوا: ولا يجوز عطف الفعل على الاسم، وأما قوله تعالى:} أوَ لَمْ يَرَوْا إلَى الطَّيْر ِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} (291) ، فتقديره: صافات وقابضات؛ لأن الفعل المستقبل يضارع اسم الفاعل في المعنى؛ لاشتراكهما في الحال (292) . ولذلك سمي مضارعاً، يعني مشابهاً، فتقول: رأيت زيداً يصلي ورأيت زيداً مصلياً بمعنى واحد، والله أعلم.
الباب السادس: في بيان الأربعة أبواب الخارجة عن الإعراب
وهي: باب العدد، وباب الجمع، وباب التصغير، وباب النسب.
وقد ذكرناها في أربعة فصول:
الفصل الأول في بيان العدد:
أعلم أن للعدد أربع مراتب: آحاد، وعشرات، ومئات، وألوف، وما جاوزها فهو مكرر.
والآحاد: ما دون العشرة عندهم، وعدد المذكر يكون بالهاء من الثلاثة إلى العشرة، وعدد المؤنث يكون بغير الهاء من الثلاثة إلى العشرة، فيقال: ثلاثة رجال (293) ، وخمس نسوة، وعشرة أبواب، قال الله تعالى:} سَبْعَ لَيَال ٍ وَثَمَانِيَة َ أيَّام ٍحُسُوْماً} (294) .
وأما من [الثلاثة إلى العشرة] (295) ، فيضاف إلى جمع القلة، نحو: أفْعِلَةٍ، وأفْعُلٍ، [وأفْعَالٍ] (296) ، ثم فِعْلَةٍ.
فتزن جمع الجمع بهذا الميزان، تقول: خمسة أكلب، وثلاثة أجمال، وسبعة أرغفة وعشرة صبية (297) .
واعلم أن الواحد والاثنين لا يضافان إلى المعدود، ولكن يجعلان صفة له، فتقول في المذكر: جاءني رجل واحد ورجلان اثنان، وفي المؤنث: امرأة واحدة (298) ، وامرأتان اثنتان.
وأما [ما فوق العشرة إلى تسعة عشر] (299) فتجعل العددين اسماً واحداً وتبنيهما على الفتح في كل حال إلا (300) اثنى عشر رجلاً، فإن اثنى تختلف (301) للزوم التثنيه له، تقول: أحد عشر رجلاً، وإذا عددت المذكر ألحقت الهاء بأول العدد وأسقطتها من الثاني، فتقول: ثلاثة عشر رجلاً، وخمسة عشر غلاماً، وتسعة عشر ثوباً.(3/80)
وإذا عددت المؤنث أسقط الهاء من الأول وألحقها بالثاني على عكس المذكر، فتقول: ثلاث عشرة امرأة، وخمس عشرة جارية، وتسع عشرة سنة، فإذا بلغت العشرين استوى المذكر والمؤنث في العقود، نحو: عشرون رجلاً وعشرون امرأة، وكذلك ثلاثون وأربعون إلى المائة.
فرع: إذا جاوز العدد العشرة إلى المائة توحد المعدود ونصب على التمييز، نحو} أحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} (302) وخمسون رجلاً، وتسعون نعجة، وأما قوله تعالى:} اثْنَتَي عَشْرَة َ أسْبَاطاً} (303) فبدل (304) من اثنتي عشرة أو عطف بيان فإذا بلغ العدد مائة أضيف إلى واحد، فكان شائعاً في الجنس، كقولك: مائة درهم، وكذلك مائتا درهم وثلاثمائة إلى تسعمائة، فلا يقال: ثلاثة مائة، لأن المائة مؤنثة.
فإذا بلغ العدد الألف حكمت عليه حكم الواحد المذكر (305) ، فتقول: ثلاثة آلاف، وأربعة آلاف، إلى عشرة آلاف، كما يقال: ثلاثمائة، والله تعالى أعلم.
الفصل الثاني: في بيان الجمع
اعلم أن جميع الأسماء على ثلاثة أضرب:
أحدها: بزيادة الحروف مثل: رجل ورجال، وحمْل وأحْمَال، ومسلم ومسلمين.
الثاني: بنقصان الحروف، مثال (306) : كتاب وكُتُب، وراكِب ورَكْب، وصبور، وصُبْرٍ، ونَخْلةٍ ونَخْلٍ وثمرةٍ وثمرٍ، ونَحْلةٍ ونَحْلٍ، الفرق بين الواحد والجمع ثبوت تاء التأنيث وحذفها.
الثالث: بتغيير الحركة، نحو: جُوالَِق وجَوالِق، الواحد مضموم، والجمع مفتوح (307) .
واعلم أن كل جمع لم يسلم فيه بناء مفرد (308) واحده يسمى جمع التكسير، نحو: رجل ورجال، وبيت وأبيات.
فرع: أبنية الجموع القليلة على أربعة أقسام:
الأول: أفعُل (309) ، وهي جمع فعْل وفِعَال، تقول: كَلْب وأكْلُب (310) ، وذِرَاع وأذْرُع.
القسم الثاني: أفْعَال، جمع فَعَل، وفَعِل، وفَعُل (311) ، وفِعَل، نحو: جمل وأجمال، وفخذ وأفخاذ، وعضد وأعضاد، وعِنَبٍ وأعْنَاب.(3/81)
الثالث (312) : أفْعِلة، وهي جمع فَعَال، وفُعَال، وفِعَال، وفَعِيل، تقول: متاع وأمتعة، وغراب، وأغربة ومثال وأمثلة، ورغيف وأرغفة.
الرابع: فِعْلة، جمع فُعَال، وفعيل، نحو (313) : غُلام وغِلْمَةٍ، وصَبيٍّ، وصِبْيَة.
فهذه أبنية جموع القلة من الثلاثة إلى العشرة (314) ، تقول: رأيتُ ثلاثة َ أكلبٍ، وأربعةَ أجمالٍ، وخمسة أغربةٍ وعشرةَ صبيةٍ.
وأما أبنية الجموع الكثيرة فهي ثمانية أقسام (315) :
الأول: فُعُول: وهو جمع فَعْل، وفَعَل، [وفَعِل] (316) مثاله: قَلْب وقُلُوب، وأسَد وأسُوْد، ونَمِر ونُمُور.
الثاني: فِعَال: جمع فَعَل، وفَعُل، وفَعْل، ونحو ذلك، مثاله: جَمَل وجِمَال، وضَبُع وضِبَاع، وبَحْر وبِحَار
الثالث: فُعُل، جمع فَعِيْل، وفَعِيْلة، وفُعُوْل، ونحو: نَذِير ونُذُر، وصَحِيْفَة وصُحُف، ورَسُول ورُسُل.
الرابع: فُِعَل بكسر الفاء وبضمها نحو: نِعْمَة ونِعَم، ومِحْنة ومِحَن، وغُرفَة وغُرَف، وكُبْرى وكُبَر قال تعالى:} إنَّهَا لإحْدَى الكُبَر} (317) .
الخامس: فُعْل، جمع أحْمَرْ وحَمْرَاء، وأصْفَرْ وصَفْرَاء، تقول في جمع ذلك: حُمْر وصُفْر.
السادس: فُِعلان بضم الفاء وبكسرها جمع فَعَل نحو: حِلْفَان وجُِرْدَان (318) وغِلْمَان وصِبْيَان.
السابع: ما يكون بالتاء، تقول في شَجَرَة شَجَرَات، وفي جمع جِفْنَة جَفَنَات، وفي جمع رَوْضَة رَوْضَات وصَحْفَة صَحفات، وسُرَادُقَات، ورَمَضَانَات وسُؤَالات وجَمَادَات، وتقول أيضاً في جمع صحِيفة صحائف وفي جمع رسالة رسائل، وفي جمع مِئْزَر مآزر، وفي جمع مِلْحَفَة مَلاحِف، وفي جمع الضفدع ضَفادع، وفي جمع الخُنْفُس خنافس.
الثامن: فَواعِل، جمع فَاعِل، تقول، ناظر ونواظر، وحاجر وحواجز.
خاتمة: في جموع الصفات:(3/82)
الفاعل يجمع على الفاعِلين في الأغلب، والفُعَّال، والفَعَلة، تقول: كافر، وكافرون [وكفار] (319) وكفرة والله أعلم
الفصل الثالث: في بيان التصغير وأبنية (320) التصغير ثلاثة، فعيل، نحو، فليس، وفعيعل نحو: دريهم، وفعيعيل نحو: دنينير.
وتصغير الأسماء على خمسة أنواع:
تصغير الثلاثي، وتصغير الرباعي، وتصغير الخماسي، وتصغير المبهمات، وتصغير جمع التكسير.
النوع الأول: تصغير الثلاثي، نحو عَبْد وعُبَيْد، وقَمَر وقُمَيْر، وفي فَتى فُتَيّ، وفي ظَبي ظُبَيّ، وفي جَدِي جُدَيّ.
وإذا كان الاسم مؤنثاً على أكثر من ثلاثة أحرف لم تدخل الهاء في التصغير، فلا يقال في عقرب: عُقيربة، وإنما يقال عُقَيرب (321) .
الثاني: تصغير الرباعي، تقول في جعفر: جُعيفر، وفي فِلفل فُليفل.
الثالث: تصغير الخماسي نحو قولك في سفرجل: سُفَيْرج بحذف الآخر، وفي مصباح مُصيبيح، وفي قنديل قُنيديل وفي عصفور عُصيفير، وفي سكين سُكَيْكين، وفي سلطان سُلَيْطين، وفي حضرموت حُضَيْرموت، وفي بعلبك بُعيلَبك، ونحو ذلك (322) .
الرابع: تصغير المبهمات، تقول في ذا، وهذا، ذ َيَّا وهَذ َيَّا للمذكر. وللمؤنث: تَيَّا وهَاتَيَّا، وفي التثنية هَذ َيَّان وهَاتَيَّان، وقس على ذلك (323) .
ولا تصغر المضمرات من الأسماء البتة، نحو: أنت وهو، وأمس، وغدا، والبارحة، وعند، وأين، ومتى، وكيف وأسماء أيام الأسبوع، وشهور السنة لا يصغر شيء منها (324) . والله أعلم.
النوع الخامس: تصغير جموع التكسير نحو: كلاب، وجمال، فتقول: أجَيْمِل وأكَيْلِب (325) وتقول في جمع: مساجد، ومصابيح، مُسَيْجدات، ومُصَيْبحات (326) ، وفي تصغير (327) السنين والأرَضين: سُنَيات وأرَيْضات (328) . والله أعلم.
الفصل الرابع: في بيان النسب إذا نسبت شيئاً إلى شيء زدت في آخره ياء مثقلاً. والنسب على وجهين: مسموع ومقيس.(3/83)
فالمسموع: نحو قولهم في النسبة [إلى] (329) العالية علوي (330) ، (وإلىالشتاء شَتوي (331) ، وإلى الزوج زوجاني) (332) ، وإلى الرب رباني، وإلى اللحية لحياني (333) ، وإلى الرازي رازيّ، وإلى الطائي طائي (334) ، وإلى اليمن يماني بغير تشديد (335) .
وأما المقيس: فكقولهم في النسبة إلى زيد زيدي، وإلى خالد خالدي، وإلى أسد أسدي، وفي النسبة إلى النمر نمري وإلى الشعر شعري، وإلى ثعلب ثعلبي.
وتقول في النسبة إلى الرحا رحَوي، وإلى القفا قفوي (336) ، وتقول في النسبة إلى نحو: حنيفة حَنَفِي، وإلى ربيعة رَبَعِي (337) ، وإلى جُهينة جُهَني (338) ، وتقول في النسبة إلى عيسى عِيْسَوي، وإلى موسى مُوْسَوي - وإلى الدنيا دُنْيوي (339) ، وتقول في النسبة إلى طلحة طلحي، وإلى الكوفة كوفي، وإلى البصرة بصري، وتقول في عماد الدين وفخر الدولة وتاج الملك، عمادي وفخري وتاجي، وتقول في النسبة إلى أبي بكر بكري، وإلى الزبير زبيري (340) ، وإلى حضرموت حضرمي (341) ، والله أعلم.
• • •
خاتمة الكتاب:
وهي حاوية (342) لجميع ما في الكتاب، لأنه كله يرجع إليها لمن حسن تأمله.
اعلم يا أخي أن كلام العرب كله يدور على ثلاثة أقطاب، وهي: الفاعلية، والمفعولية، والإضافة، ورتبة الفاعل (التقدم، ورتبة المفعول التأخير، والمضاف يكون بينهما، واستحق الفاعل) (343) الضمة؛ لأنها أخت الواو وهي من الشفة والمضاف الكسرة؛ لأنها أخت الياء وهي من وسط الحلق (344) ، واستحق المفعول الفتحة لأنها أخت الألف وهي من أقصى الحلق (345) .
مثال كون المضاف واسطة: ضرب غلامُ زيدٍ جارية َ بكرٍ، والله أعلم.
القطب الأول: الفاعلية: وكل مرفوع عائد إليها إما لكونه، فاعلاً، أو مشابهاً للفاعل (346) .(3/84)
والفاعل هو: كل اسم اسند إليه الفعل نحو قولك: قام زيد، وطاب الخبز، ولم يقم عمرو، ودخل في ذلك مفعول مالم يسم فاعله؛ لأنه أقيم مقام الفاعل، ولذلك ارتفع (347) كما يرتفع الفاعل، كقولك: ضُِربَ عمرو (348) ، وسِيْقَ البعير، ونحوهما.
ودخل في ذلك أيضاً المبتدأ؛ لأنه خبر عنه كالفاعل، نحو: قَامَ زيدٌ، وخَرَجَ عمروٌ، إلا أن خبر المبتدأ يكون بعده، عكس الفاعل، فتقول: زيدٌ قائمٌ، وعمروٌ خارجٌ.
ودخل فيه أيضاً اسم (كان) وأخواتها، نحو قولك: كان زيد قائماً، يعني فيما مضى، (فأقمت (كان) مقام قولك فيما مضى) (349) ، فأعملت عمل الأفعال، فرفع المبتدأ بها، ونصب الخبر، فقيل: كانَ زيدٌ قائماً، كما قيل: ضرب زيد عمراً؛ لأنها فعل مثل (350) (ضرب) وإن كانت تدل على الزمان دون المعنى، و (ضرب) يدل على المعنى (351) والزمان معاً.
ودخل في ذلك أيضاً خبر (إن) وأخواتها نحو: إن زيداً قائم؛ لأن الاسم يشبه المفعول، والخبر الفاعل، وقال بعضهم غير ذلك (352) .
القطب الثاني: المفعولية: وكل منصوب عائد إليها إما لكونه مفعولاً أو مشابهاً للمفعول أو مشابهاً للمشابه للمفعول.
فأما المفعول فيكون على خمسة أقسام:
الأول: مفعول به، وهو ما وقع به الفعل المسند إلى الفاعل، نحو: ضربت زيداً.
الثاني: مفعول فيه، (وهو ما وقع الفعل فيه) (353) ، ويسمى ظرفاً، نحو: سرت اليوم، وجلست عندك، وهو منصوب بنزع الخافض (354) .
الثالث: المفعول له، وهو ما وقع الفعل لأجله ولسببه، نحو قولك: جئتك ابتغاء الخير، وهربت خوف الأسد.
الرابع: مفعول معه، وهو ما اجتمع مع الفاعل على الفعل، نحو قولك: استوى الماء والخشبة.
الخامس: مفعول مطلق، وهو المصدر، وسمي مصدراً مطلقاً؛ لأنه هو المفعول الحقيقي الذي أحدثه الفاعل وأوجده بعينه، كالماء الذي يصدر عنه الإبل.(3/85)
ومن المنصوب العائد إلى المفعولية التعجب، كقولك: ما أحسن زيداً، ففي (أحسن) ضمير يعود إلى (ما) ، ومحل (ما) مرفوع بالابتداء.
ومنه أيضاً المنادى، نحو: يا عبد الله، ويا رجلاً عاقلاً، وهما منصوبان بفعل مضمر يقوم مقامه (355) ، التقدير: أنادي عبدَالله، وأدعو رجلاً عاقلا، وما كان من المنادى مفرد (356) ، فمبني على الضم، نحو: يا زيدُ، وبيانه أن حق المنادى أن يكون ضميراً كالمخاطب، فقولك: يازيدُ، تقديره: ياك، فلما وضع الاسم المتمكن موضع الكاف بني على الضم نظير حروف الغاية، نحو قولك: من قبل ومن بعد، ومنه أيضاً الإغراء والتحذير، نحو قولك للرجل: الطريق الأسدَ (357) الأسدَ، ومنه قوله تعالى:
} نَاقَة َاللهِ وَسُقْيَاهَا} (358) ، تقدير ذلك: خَلِّ الطريقَ (359) ، واحذر الأسدَ، واحذروا ناقة َ الله وسقياها.
ومنه أيضاً المستثنى، نحو: جاء القوم إلا زيداً، (أي: أستثني زيداً) (360) فهو ملحق بالتمييز؛ لأنك أخرجته من القوم وصار بالاستثناء مميزاً عنهم.
وأما المشابه للمفعول، فكخبر (كان) وأخواتها، واسم (إن) وأخواتها، كما مرّ.
ومنه التمييز كقولك: فلانة أحسن الناس وجهاً، (فالوجه مشابه للمفعول) (361) ، وكذلك نحو: عشرون درهماً مشابه (362) للضاربين زيداً، ويقال للتمييز مفعول فيه.
ومنها أيضاً الحال، نحو قولك: جئت راكباً، مشابه للمفعول فيه من أجل أن المختار في الظروف الفتح، لكن لا يخفى أن الحال أضعف نصباً من المفعول؛ لأن العامل فيها الفعل الذي لا يتعدى إلى مفعول به، ويقال للحال مفعولاً عليه.(3/86)
وأما المشابه للمشابه للمفعول، فكقولك في نفي النكرة: لا رجلَ في الدار، العامل في (الرجل) (لا) وهي ملحقة ب (أنَّ) ؛ لأنها نقيضتها، وذلك لأن حرف (لا) يقتضي النفي، وحرف (أنّ) يقتضي الإثبات، فوجب أن تنصب الأسماء كما تنصبها، وإنما بُني الاسم مع (لا) ؛ لأنه جواب كقول القائل: هل من رجل في الدار، فتقول: لا من رجل في الدار، فلما حذف (من) تضمن الكلام معنى الحرف، والحروف كلها مبنية، وقيل (الرجل) مع حرف (لا) مشبه ب (خمسَة عشر) و (حضرَ موت) ونحوها، ولهذه العلة امتنع من التنوين، وهذا القسم يعود إلى المفعول به فافهم (363) .
القطب الثالث: الإضافة: وكل مجرور عائد إليها، والإضافة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: إضافة اسم إلى اسم، نحو: ذا زيد، وغلام عمرو.
والثاني: إضافة ظرف إلى اسم، نحو: عند ربِّك، وتحت زيدٍ، وفوق سطحٍ، ويوم الجمعةِ.
والثالث: إضافة معنى إلى اسم، وذلك لا يحصل إلا بحروف المعاني، نحو: جئت من البصرة إلى الكوفةِ، وفي الدارِ زيد، وعلى السطح ِ عمرو، ومع زيدٍ سيف؛ ف (من) لابتداء الغاية، و (إلى) انتهائها (364) ، و (في) للظرف، و (على) للاستعلاء، و (مع) للمصاحبة.
هذا قياس جميع أبواب النحو، فامتحن بذلك ما شئت من أبواب النحو تجده راجعاً إلى هذه الخاتمة، والله تعالى (365) أعلم.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم (366) على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة المباركة في يوم الثلاثاء المبارك سابع شهر جمادى الآخر، سنة ست وثلاثين من الهجرة النبوية (367) ، على يد الفقير، أحمد بن علي العطيوي الشعرواي خرقة وتلميذاً ووطناً، غفر الله له ولوالديه ولمن دعا له بالمغفرة، ولسائر المسلمين والمسلمات آمين، اللهم آمين (368) .
الهوامش والتعليقات(3/87)
لطائف المنن والأخلاق، للشعراني: 1/32.
المصدر السابق: 1/5، 32.
انظر: معجم المؤلفين، لعمر كحالة: 4/218، الأعلام للزركلي: 4/331.
انظر السابق.
انظر: لطائف المنن: 1/32 - 33.
انظر: مقدمة محققي كتاب: الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية للشعراني:8.
انظر: شذرات الذهب، للحنبلي: 8/372 - 373.
انظر: الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار، للشعراني: 1/114.
انظر: لطائف المنن: 1/33.
انظر: لطائف المنن: 1/34 - 35، 49، والكواكب السائرة في أعيان المئة العاشرة للغزي: 3/176 - 177 شذرات الذهب: 8/372 - 373.
انظر: شذرات الذهب: 8/374.
الكواكب السائرة: 3/177.
انظر: مقدمة كتاب: أسرار أركان الإسلام: 19.
هدية العارفين للبغدادي: 5/641.
انظر: شذرات الذهب: 8/373، هدية العارفين: 5/641، الأعلام: 4/331.
انظر: شذرات الذهب: 4/374، هدية العارفين: 5/641.
ما بين القوسين سقط من (ب) .
في (أ) : الحمد لله، وقد أثبت ما في (ب) للتوافق في العطف بين أحمد، وأشهد.
تكرر رسمها في هذا الموضع والمواضع التي تليه من (ب) : الفقهاء، وهو تحريف، وما أثبته من (أ) ، وهو المراد لأن مصطلح الفقراء يتداوله المتصوفة كثيراً، ولأنهم هم الذين لا يعتنون بإصلاح اللسان.
هو علي بن عبد الله … بن هرمز، أبو الحسن الشاذلي المغربي، وشاذلة قرية من أفريقية، شيخ الطائفة الشاذلية من المتصوفة، وصاحب الأوراد المسماة (حزب الشاذلي) ، له رسالة: الأمين، والسر الجليل في خواص حسبنا الله ونعم الوكيل، ولابن تيمية رد على حزبه، توفي في صحراء عيذاب في طريقه إلى الحج، ودفن هناك في ذي القعدة سنة 656هـ.
انظر: الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار 20/4، والأعلام: 5/120.
النص من قوله: (كما عليه..: في نفوسهم) غير واضح في (ب) .
في (ب) : الاثنا.
سقطت من (ب) .(3/88)
في (ب) : وهو
حد الاسم عند جمهور النجاة: مادل على معنى في نفسه، ولم يقترن بزمان.
وماذكره المصنف قريب من حد الأخفش الذي ذكره الزجاجي، وهو علامة من علامات الاسم.
انظر الأصول في النحو: 1/36، 37، الإيضاح في علل النحو للزجاجي: 49 شرح المفصل: 1/22، شرح ابن عقيل: 1/15، 16، 21، الهمع: 1/7، 11.
الرفع والنصب والجر أنواع الإعراب وألقابه، وأضاف النحاة - عدا الكوفيين والمازني - الجزم، وأما حركاته فهي الضمة والفتحة والكسرة، وللجزم السكون.
انظر شرح الجمل لابن عصفور: 1/104 - 105، الهمع: 1/64 - 66.
ما بين المعكوفين زيادة يقتضيها السياق، أضافها أحد الشراح في هامش الكتاب.
يرى النحاة أن الضم والفتح والكسر بالنسبة للبناء ألقاب؛ لأنها ألقاب الحركات في نفسها، وأضافوا الوقف إذا خلى آخر الكلمة من الحركة.
ما بين القوسين سقط من (ب) .
أضاف النحاة اسماً سادساً هو: هنو، يكنى به عما يستقبح ذكره أو يستعاب.
وأنكر الفراء مجيئه على الإتمام فيأتي على لغة القصر فقط، يقال: هن بالحركات.
انظر: شرح المفصل: 1/51، وشرح ابن عقيل: 1/49.
سقطت من (ب) .
حركت نون المثنى، لالتقاء الساكنين خصت بالكسر لوجهين.
أحدهما أن الأصل في التقاء الساكنين أن يحرك أحدهما بالكسر، والآخر: للفرق بينهما وبين نون الجمع - المحرك بالفتح.
وهناك أقوال أخرى، انظر شرح المفصل: 4/141، شرح الجمل: 1/150، وشرح التسهيل لابن مالك: 1/72 والأشباه والنظائر: 1/194.
ما بين المعكوفين زيادة يستقيم بها النص، لأن الكلمات: عصا، وقفا، ورحى، وهدى التنوين يدخل عليها لأنها منصرفة، أما حبلى فغير منصرفة.
في (ب) : فالأمثال.
الدخان من الآية: 41.
الأحقاف، من الآية: 31.
لأنها معربة.
سقطت من (ب) .
انظر الخلاف في حد الممنوع من الصرف في شرح المفصل: 1/58، الهمع: 1/76.
في ب: (وصف) .(3/89)
في (أ) و (ب) : (بعدها) ، والصحيح ما أثبت.
ورد البيتان في أسرار العربية للأنباري: 307 وفي ألفية ابن مالك، انظر شرح ابن عقيل: 2/321.
في ب: فكل ما يجتمع.
بشرط ألا يقبل هذا الوزن التاء، وأن تكون الوصفية أصلية لا عارضة.
انظر: شرح الجمل: 2/210، والهمع: 1/100.
اختلف النحاة في شرط ما جاء صفة في آخره ألف ونون زائدتان، على ثلاثة آراء.
الأول: أن يكون مؤنثه على فعلى، وهو ما ذهب إليه المصنف.
الثاني: ألا يكون مؤنثه على فعلانه.
الثالث: جمع بين الرأيين.
انظر ما ينصرف ومالا ينصرف: 46، أوضح المسالك: 4/118، الهمع: 1/96 حاشية الصبان 3/174.
يريد أن ألفاظ العدد المعدولة عن (فعال) و (مفعل) والمسموع منها من واحد إلى أربعة باتفاق يقال
فيها: أحاد وموحد وهو قليل وثناء ومثنى، وثلاث ومثلث، ورباع ومربع. وأضاف بعضهم خماس ومخمس وعشار ومعشر.
واختلف فيما عدا ذلك بين السماع والقياس، فذهب البصريون إلى أنه لا يقاس عليها وأجازه الكوفيون والزجاج وأجاز بعضهم القياس على (فعال) دون (مفعل) .
انظر الخلاف بالتفصيل في: ما ينصرف وما لا ينصرف: 59، وشرح الجمل: 2/219، أوضح المسالك: 4/122 الهمع: 1/83.
ومما منع من الصرف للعدل والوصف: أخر على وزن فعل، جمع أخرى مؤنث آخر وذلك في حال تنكيره فقط، أما في حال تعريفه فينصرف لذا لم يذكره المصنف لأنه في معرض الحديث عما لا ينصرف في النكرة والمعرفة.
انظر ما ينصرف وما لا ينصرف: 54، شرح المفصل: 1/62، أوضح المسالك: 4/123.
فاطر، من الآية: 1، وقوله تعالى: (مثنى وثلاث ورباع) زيادة من القرآن الكريم يقتضيها السياق، لأنها موضع الشاهد.
ذهب المصنف إلى أن مانع الصرف مع ألفي التأنيث المقصورة أو الممدودة علتان، وهذا مخالف لما ذهب إليه جمهور النحاة في أن العلة واحدة، وهي: ما فيه ألف التأنيث مطلقاً، مقصورة كانت أو ممدودة.(3/90)
انظر ما ينصرف وما لا ينصرف: 6 37، شرح المفصل: 1/59، شرح الجمل: 2/215 الهمع: 1/78.
في (أ) : (ألف) بالرفع، والصحيح ما أثبت من (ب) .
اتفق النحاة على أن إحدى العلتين الجمع، واختلفوا في العلة الثانية على ثلاثة آراء:
الأول: خروجه عن صيغ الآحاد العربية، وهو مذهب أبي علي، ورجحه ابن مالك.
الثاني: تكرار الجمع، اختاره ابن الحاجب، وبه قال المصنف.
الثالث: جمع بين الرأيين السابقين، وهو قول ابن يعيش.
انظر: شرح المفصل: 1/63، شرح الكافية: 1/54، وشرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ 850، حاشية الصبان: 3/183.
في (أ) و (ب) : (أساوير) ، والصحيح ما أثبته، انظر: اللسان (سور) ومصادر أخرى.
ذكر اللغويون أن أعاريب جمع أعراب وعرب، وعليه لعل الهاء في (جمعها) تعود على جمع مفرد أعاريب وهو (أعراب) .
انظر التهذيب (عرب) : 2/360، والصحاح، واللسان: (عرب)
في (ب) : (العلمية) .
ما بين القوسين سقط من (ب) .
من زفر الحمل: أي حمله، والزُّفْر: السيد الشجاع، وبه سمي الرجل زُفَر، لقوته في حمل الأشياء، اللسان (زفر) .
أضاف بعض النحويين إلى هذه الأقسام الستة قسماً سابعاً، وهو: ما كان المانع من صرفه مع العلمية ألف الإلحاق المقصورة مختوماً بها، نحو عَلْقى، وأرْطى علمين.
انظر: أوضح المسالك: 4/128، حاشية الصبان: 3/198.
حكم المصنف على كل ما جاء علماً ثلاثياً ساكن الوسط بحكم واحد وهو: جواز الصرف ومنعه مخالفاً بذلك جمهور النحاة فيما جاء علماً ثلاثياً ساكن الوسط أعجمياً إذ ذهبوا إلى صرفه.
قال سيبويه "وأما نوح وهود ولوط فتنصرف على كل حال لخفتها" الكتاب:3/35، 240، 241 وأما العلم الثلاثي الساكن الوسط المؤنث، نحو: دَعْد وهِنْد ففيه مذاهب:(3/91)
- الأول: يجوز المنع والصرف، قال أبو علي " فترك الصرف لاجتماع التأنيث والتعريف، والصرف لأن الاسم على غاية الخفة فقاومت الخفة أحد السببين " الإيضاح العضدي: 307، هو رأي سيبويه والجمهور، وقد جود سيبويه المنع ووافقه ابن جني وابن هشام والسيوطي....
- الثاني: يجب المنع، وهو قول الزجاج، قال: " أما ما قالوه من أنه لا ينصرف فحق صواب وأما إجازتهم صرفه.. وهذا خطأ " ما ينصرف وما لا ينصرف: 68.
وانظر أوضح المسالك: 4/125، الهمع: 1/104، 108، حاشية الصبان: 3/191.
لاجتماع علتى التعريف والتأنيث.
لأن الإضافة والألف واللام من خصائص الاسم فيبتعد بهما عن الأفعال.
ذهب أكثر النحويين المتقدمين كسيبويه والزجاجي والفارسي وغيرهم إلى أن أقسام المعرفة خمسة، وهي كما ذكرها المصنف، ولكن النحويين أدخلوا الاسم الموصول تحت قسم المبهم، أما المصنف فلم يشر للاسم الموصول في ذكره لأنواع المعارف، وكأنه بذلك يتبع ابن بابشاذ الذي جعل المعارف خمسة ليس منها الاسم الموصول.
وقيل: المعارف ستة، وقيل: سبعة على خلاف.
وقد أغفل المصنف المنادى، لأن النكرة المقصودة تتعرف بالنداء، فهي إذاً من أنواع المعارف.
انظر الكتاب: 2/5، الجمل: 178، الإيضاح العضدي: 289، شرح المقدمة المحسبة لابن بابشاذ 1/170، شرح التسهيل: 1/115، 116، الهمع:1/190.
أعطى المصنف تقسيماً للعلم بحسب معناه، وأضاف النحاة لهذا التقسيم: اللقب، وهو ما أشعر بمدح أو ذم وللعلم تقسيمات كثيرة بثها النحاة في مؤلفاتهم.
انظر شرح ابن عقيل: 1/119، والهمع: 1/245
ما بين المعكوفين زيادة من (ب) يقتضيها السياق.
في (أ) : (شُمَيْسَة، أريضة، دويرة) بدون واو.
انظر المذكر والمؤنث لأبي بكر الأنباري: 1/213، اللسان: (أرض) (شمس) .(3/92)
والثدي، والمنكِب، والكُوع، والشفر (حرف الجفن) ، والحِجَاج (العظم المشرف على غار العين) ، والمأق (طرف العين الذي يلي الأنف وهو مخرج الدمع من العين) ….وغير ذلك.
انظر المذكر والمؤنث 1/: 335 343.
هناك من الأعضاء ما ليس له ثان، ومع ذلك هو مؤنث، نحو الكَبِد، والكَِرش انظر: المذكر والمؤنث 1/: 348، 381.
العِذار: الشعر النابت على جانبي اللحية. اللسان (عذر) .
انظر حالات جواز إلحاق التاء للفعل مع الفاعل المؤنث وغيره بالتفصيل في شرح ابن عقيل 1/477 483.
في حد الفاعل عند المؤلف أمران:
الأول: أنه اكتفى بالقول أنه الاسم المسند إليه الفعل دون ذكر المشتقات الأخرى، لأن الفعل هو الأصل، والمشتقات فرع عنه بدليل أنها عملت لمشابهتها له.
الثاني: أنه سار على مذهب البصريين في منع تقديم الفاعل على الفعل.
انظر: الكتاب: 1/33، وشرح المفصل: 1/74، وشرح الجمل: 1/157، الارتشاف: 179، الهمع: 2/253.
القمر، الآية: 41.
يجب تقديم الفاعل على المفعول إذا خيف اللبس، وذلك إذا خفي الإعراب فيهما ولم توجد قرينة يتبين أحدهما من الآخر، هذا موضع من مواضع الوجوب مثل له المصنف.
وانظر المواضع الأخرى بالتفصيل في شرح ابن عقيل: 1/487 489.
المائدة من الآية: 23.
المؤمنون، الآية: 1.
الأنبياء، من الآية: 3.
أخذ المصنف بوجه الرفع لقوله (الذين) من الآية، على أنه مبتدأ مؤخر، والجملة قبله خبر مقدم، وقد عزى هذا التوجيه للكسائي، وفي رفعه وجوه أخرى، وجاز فيه النصب والجر.
انظر هذه الوجوه بالتفصيل في: البيان: 2/158، شرح التسهيل: 2/116، البحر: 6/297، الدر المصون: 8/132
في (أ) و (ب) : (متعدي) ، والصحيح ما أثبت.
الفجر، من الآية: 23.
في العبارة اضطراب، وتوجيهه من أحد وجهين:
الأول: لعلة اضطراب في النسخ، وعبارة المصنف في الأصل: " وقائم رفع بالابتداء"(3/93)
وعليه يكون قد سار على مذهب الأخفش والزمخشري وابن يعيش في أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء.
الثاني: أن المؤلف بعبارته لا يريد العامل في المبتدأ والخبر، إنما مراده، الموضع الإعرابي ل (زيد) و (قائم) .
انظر: شرح المفصل: 1/85، الارتشاف: 2/28، الهمع: 2/8.
النور، من الآية: 1.
ما بين القوسين سقط من (ب) .
يوسف، من الآية: 18 ومواضع أخرى.
بهذين الشاهدين القرآنيين جمع المصنف بين حذف المبتدأ جوازاً كما في الشاهد الأول لوجود دليل يدل عليه وبين حذفه وجوباً كما في الثاني لكون الخبر مصدراً نائباً مناب الفعل
انظر هذه المواضع بالتفصيل في: شرح قطر الندى: 125، وشرح ابن عقيل: 1/255.
في (أ) : (وعمر) .
ما بين القوسين سقط من (ب) .
ذهب المصنف مذهب الكوفيين في أن المبتدأ مرفوع بالخبر، أو بالراجع إليه من جملة الخبر، وذهب البصريون إلى أن المبتدأ مرفوع بالابتداء.
ويجوز في (زيد) من زيد ضربته ... الرفع والنصب، والمختار الرفع انظر الإنصاف: 1/ 49.
انظر: الإنصاف:1/549، وشرح المفصل:2/32، شرح ابن عقيل:1/528، الهمع:5/157.
النور، من الآية: 1
النازعات، من الآية: 27.
في (أ) : (ونحوها) .
وهو رأي البصريين، وذهب الكوفيون إلى إلغاء شبه (ما) ب (ليس) .
انظر المسألة بالتفصيل في الإنصاف: 1/165.
يوسف، من الآية: 31
المجادلة، من الآية: 2
أجاز يونس والشلوبين النصب مع (إلا) مطلقاً.
وقد اقتصر المصنف على ذكر شرط واحد لإعمال (ما) عمل (ليس) ، واشترط النحاة لإعمالها هذا العمل أربعة شروط وبعضهم ستة.
انظر شرح المقدمة المحسبة لابن با بشاذ:2/324، ابن عقيل:1/303، الهمع:2/110.
القمر، من الآية: 50
في (أ) : (لما) ، وفي (ب) : (أيما) ، ولعل ما أثبته هو المراد، اعتماداً على ما سيرد لاحقاً.(3/94)
لم يرد خلاف بين النحاة فيما بين يدي من مصادر في إعمال هذه الحروف والظروف عدا (لولا) فقد اشتهر الخلاف في العامل في الاسم المرفوع بعدها، فذهب البصريون إلى أنه مرفوع بالابتداء وذهب الكوفيون إلى أنه مرفوع ب (لولا) .
انظر الخلاف مفصلاً في الإنصاف: 1/70.
في (أ) : (عمر) .
يبطل عمل (إن) وأخواتها بدخول (ما) عليها وتصبح حروف ابتداء عدا (ليت) فإنه يجوز فيها الإعمال والإهمال والإعمال أحسن.
انظر شرح المفصل: 8/54، 58، الجنى الداني: 380، والهمع: 2/189.
التوبة، من الآية: 60.
الذاريات، من الآية: 12.
في (ب) : (رأيت زيداً حيث ……) .
البقرة، من الآية: 125.
الليل، الآية: 1.
النصر، من الآية: 1. قال المصنف: والمعنى: إذا جيء، والصواب ما أثبت، لأنه يريد الاستقبال.
الأنفال، من الآية: 49.
(إذا) للاستقبال لا تخرج عنه، و (إذ) للمضي هو رأي الجمهور، وذهب جماعة منهم ابن مالك إلى أن (إذا) تخرج عن الاستقبال للمضي، و (إذ) تخرج للاستقبال، وكان رد الجمهور على حجج من أخرج (إذ) للاستقبال أنها من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة ما وقع.
انظر: المغني: 129، 113، الهمع: 3/179، 172.
وافق المصنف البصريين في أن هذه الحروف عملت فيما بعدها الرفع والنصب لشبهها بالأفعال، وقد فصل النحاة في وجوه هذا الشبه.
وذهب الكوفيون إلى أنها تعمل في الاسم النصب ولم تعمل في الخبر الرفع، بل هو مرفوع على حاله.
انظر شرح المفصل: 1/102، شرح الجمل: 1/422، شرح التسهيل: 2/5، 8.
اختلف النحاة في (كأن) أبسيطة هي أم مركبة؟ فذهب قلة من النحاة منهم أبو حيان إلى أنها بسيطة لا تركيب فيها، وقال بتركيبها أكثر النحويين، منهم الخليل وسيبويه والأخفش وجمهور البصريين، والفراء وغيرهم.
انظر: الكتاب: 2/171، شرح الكافية: 2/360، الجنى الداني: 581، المغني: 252، الهمع: 2/148، 151 152.(3/95)
في (أ) : إن في الدار زيداً ذاهب، وعليه يكون المتقدم معمول الخبر وليس الخبر.
التوبة، من الآية: 3.
ما بين المعكوفين سقط من النسختين، والعبارة مرادة بدليل وجودها في التقدير.
يقصد بالمرفوع في هذه الأمثلة: فاعل (نعم) ، و (بئس) إذا كان ظاهراً معرفاً ب (أل) أو مضافاً إلى ما فيه (أل) أو كان ضميراً مستتراً.
انظر: الجمل 1/600، الهمع: 5/29، 33.
الكهف، من الآية: 5، وهي شاهد على حذف المخصوص بالذم، و (كلمة) منصوبة على التمييز مفسرة لهذا المحذوف، والتقدير: كبرت الكلمة كلمة..
انظر: البحر: 6/97، والدر المصون: 7/440.
وهو قول سيبويه.
انظر الكتاب: 2/180، شرح التسهيل: 3/23، اللسان (حبب) .
النساء، من الآية: 84.
مريم، من الآية: 90.
جزء من حديث، نصه كاملاً: (كادت النميمة أن تكون سحراً، وكاد الفقرأن يكون كفراً) . قال ابن الجوزي: (هذا حديث لا يصح عن رسول الله () .
وقال المباركفوري: ضعيف جداً.
وقد أخرجه العُقيلي وابن الجوزي والشهاب القضاعي.
انظر الضعفاء للعُقيلي:4/206، والعلل المتناهية لابن الجوزي:2/805، مسند الشهاب القضاعي:1/342، وتحفة الأجوذي شرح سنن الترمذي للمباركفوري:7 /17، وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني:4/377.
يوسف، من الآية: 66.
الرعد، من الآيتين: 23، 24.
وانظر توجيه الآيتين في شرح الجمل: 2/464، الدر المصون: 7/44.
سقطت من (ب) .
سقطت من (ب) .
اقتصر المصنف هنا على أفعال القلوب التي تدل على اليقين وعلى الرجحان، وهو ما مثل به عليها، ولم يشر لأفعال التحويل مثل: صير، وجعل التي بمعنى صير واتخذ.. وغيرها من الأفعال التي تنصب مفعولين.
ما بين القوسين سقط من (ب) .
البقرة، من الآية: 19.
في (أ) : (فتكون لام السبب مقدراً) ، وفي (ب) : (فيكون لام السبب مقدرة) وما أثبته هو الصحيح.(3/96)
قيل: سمي مفعولاً مطلقاً لدلالته على زمان مطلق بخلاف الفعل الذي يدل على زمان معين
ومقيد، وقيل: سمي كذلك لعدم تقييده بحرف كالمفعول به، وله، وفيه، ومعه.
انظر: الأصول: 1/137، الإنصاف: 1/237، شرح الكافية: 2/192، الهمع: 3/94.
ذهب المصنف مذهب البصريين في أن المصدر أصل الاشتقاق، وخالف الكوفيين الذين ذهبوا إلى أن الأصل الفعل.
انظر المسألة بالتفصيل في الإنصاف: 1/235.
في (أ) : (يصدر.. ويذره) .
سقطت من (ب) .
العَزَب: الذي لا أهل له، اللسان (عزب) .
الحَزْن: ما غلظ من الأرض وكان وعراً، وهو ضد السهل، اللسان (حزن) .
قال ابن الجوزي عن هذا الحديث وأحاديث أخرى: (وهذه الأحاديث ليس فيها ما يثبت عن رسول الله () .
وأخرجه الحارث، والبزار، والطبراني، والحاكم، والشهاب القضاعي.
الغِبّ: الزيارة يوماً بعد يوم، وقيل: بعد يومين، وقيل: كل أسبوع، اللسان (غبب) وهو مثل يضرب في تكرر الزيارة وكثرتها فتؤدي إلى البغضاء والخصام، وأول من قال به: معاذ بن صِْرم الخُزاعي، وهو فارس خزاعة.
انظر العلل المتناهية:2/739743، وانظر مسند الحارث للحارث بن أبي أسامة:2/863، مسند البزار:9/381 المعجم الكبير للطبراني:4/21، المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد الله النيسابوري: 3/390، مسند الشهاب القضاعي: 1/366، وانظر المثل في مجمع الأمثال: 1/408.
في (أ) : (وما في معناه) .
في (أ) : (خلف) ، وأثبتها (نحو) استناداً لما تقدم في النسختين.
هود، من الآية: 72، وقد سقطت الواو من النسختين.
البقرة، من الآية: 91.
هود، من الآية: 77.
الكهف، من الآية: 34.
آل عمران، من الآية: 91.
مثنى، مفرده قفيز، وهو نوع من المكاييل، اللسان (قفز) .
مثنى، مفرده (منا) وهو نوع من الموازين، اللسان (مني) .
في (أ) : (عند) .
يوسف، من الآية: 4.
النساء، من الآية: 45.
الفرقان، من الآية: 31.(3/97)
البقرة، من الآية: 249.
أضاف النحاة أدوات أخر، نحو: ليس، ولا يكون، وعند بعضهم: بيد، ولا سيما.
انظر ذلك في شرح المفصل: 2/77، 78، 83 85، شرح الجمل: 2/248،249 الهمع: 3/282 291.
في (أ) (مجرور) بالرفع.
هذا على رأي سيبويه وجمهور البصريين، وحكى الكوفيون والأخفش: (آ) بالمد حرف من حروف النداء، وحكى الكوفيون أيضاً (آي) بالمد والسكون، وأجاز بعض النحويين أن ينادى ب (وا) في غير المندوب.
انظر: الجنى: 249، 346، 398، المغني: 29، 482، الهمع: 3/36.
يريد أن المنادي يكون منصوباً إذا كان نكره غير مقصورة أو شبيهاً بالمضاف أو مضافاً على حسب تمثيله.
آل عمران، من الآية: 64 ومواضع أخرى.
يريد: يبنى على ما يرفع به، ففي حال الإفراد وجمع التكسير وجمع المؤنث يبنى على الضم، والضم هو الأصل وغير الضم نائب عنه، وفي التثنية يبنى على الألف……. وهكذا.
سقطت من (ب) .
في (ب) : (قال) .
عبد الله بن مسعود بن غافل، أبو عبد الرحمن الهذلي المكي، أحد السابقين إلى الإسلام، صحابي جليل عرض القرآن على النبي (، كان إماماً في القرآن وترتيله وتحقيقه (ت:32هـ) .
انظر: الإصابة: 4/198، طبقات القراء: 1/458.
الزخرف، من الآية: 77.
قرأ الجمهور الآية: (يَا مَالِكُ) ، وقرأ علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وابن وثاب والأعمش: (يامال) على لغة من ينتظر الحرف، وقرأها أبو السرار الغنوي (يامالُ) بالبناء على الضم.
انظر: المحتسب: 2/257، الكشاف: 3/496، والبحر: 8/28.
في (أ) و (ب) : (يريدوا) والصواب ما أثبت.
في (أ) و (ب) : (قوله) ، ولعل الصواب ما أثبت.
في (أ) : (يا فطم) .(3/98)
يرخم العلم إذا كان زائداً على ثلاثة أحرف غير مختوم بتاء بحذف الحرف الأخير منه، كما في مالك وحارث وجعفر، وإذا كان مفرداً مختوماً بناء التأنيث فإنه يرخم بنفس الطريقة دون اشتراط في عدد الأحرف أو العلمية كما مثل المصنف: طلحة وفاطمة وغيرها.
ويرخم المنادى بحذف حرفين من آخره إذا كان ما قبل الأخير حرفاً ساكناً زائداً معتلاً وسبق بثلاثة أحرف فما فوقها نحو: منديل ومروان.
انظر شرح التسهيل: 3/421، أوضح المسالك: 4/581.
صرح المصنف لإعمال (لا) النافية للجنس عمل (إن) بشرط واحد، وهو عدم وجود الفاصل بينها وبين اسمها ويفهم الشرطان الآخران وهما الدلالة على نفي الجنس، وكون معموليها نكرتين من كلامه ومن أمثلته وشواهده وأضاف النحاة شروطاً أخرى لإعمالها نحو: عدم تكرارها.
انظر: الارتشاف: 2/164.
الصافات، من الآية: 47.
سقط هذا النوع بكامله من النسخة (ب) ، فأتت المنصوبات في هذه النسخة أربعة عشر نوعاً فقط.
المائدة من الآية: 105، والمعنى: احفظوا أو الزموا أنفسكم.
انظر الإملاء لأبي البقاء العكبري: 1/228، والدر المصون: 4/451.
تكررت (دونك) في (أ) .
اكتفى المصنف في التمثيل للإغراء بوجه واحد وهو: أسماء الأفعال؛ عليك بمعنى الزم، ودونك بمعنى خذ، ولم يشر للإغراء بالتكرار أوالعطف، نحو:أخاك أخاك، وأخاك والإحسان إليه.
انظر: أوضح المسالك: 4/79، 85، شرح ابن عقيل: 2/301، 303، الهمع: 3/28.
هذا المثال مأخوذ من قول جرير:
خَلِّ الطَّريْقَ لِمَنْ يَبْنِيْ المَنَارَ بِهِ وَابْرُزْ بِبَرْزَةَ حَيْثُ اضْطَرَّكَ القَدَرُ
ديوان جرير: 219 وانظر شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي: 1/223، الأمالي الشجرية: 2/97، شرح المفصل: 2/30، اللسان: (برز) .
الشمس، من الآية: 13.(3/99)
نصه كاملاً: " إيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَن. فقيل: وَمَا خَضْرَاءُ الدِّمَن؟ قال:المَرْأة ُ الحَسْنَاءُ فِيْ المَنْبَتِ السُّوْءِ "
وهو ضعيف جداً، قيل: كذ َّبه الإمام أحمد والنسائي وابن المديني وغيرهم. وأخرجه الشهاب.
ونسب إلى عمر رضي الله عنه موقوفاً، وذكر في كتب الأمثال، انظر مسند الشهاب القضاعي:2/96، مجمع الأمثال: 1/64، كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني: 1/272، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: 1/69.
وباستشهاد المصنف بهذا الحديث يكون قد مثل واستشهد لأسلوب التحذير بطرقه الثلاث وهي: إياك، والتكرار، والعطف
انظر: شرح المفصل: 2/25، الدر المصون: 11/24، أوضح المسالك: 4/76.
البقرة، من الآية: 135.
الأنبياء، من الآية: 76.
أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث واثلة بن الأسقع.... سمعت رسول الله (يقول: "إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي إن خيراً فخير، وإن شراً فشر".
وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث جندب بن سفيان قال: قال رسول الله (: "ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها إن خيراً فخير، وإن شراً فشر".
وورد في كتب النحو على أنه قول من أقوال العرب، ونصه عند سيبويه: "الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر".
انظر: الكتاب: 1/ 258، المعجم الكبير: 2/171، المعجم الأوسط: 8/44، 56.
وقد ورد القول في نسخة ب: إن خيراً فجزاؤه خير.
ما بين القوسين سقط من ب.
النساء، من الآية: 171.
في (ب) : (أي يكون خيراً) .
للنحاة في توجيه آيتي البقرة والنساء السابقتي الذكر خلاف كبير:
ففي آية البقرة وافق المصنف الخليل وسيبويه والفراء والأخفش ومكي في أن النصب بفعل مضمر، وقيل إضماره جوازاً قال الخليل: " وحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه في الكلام ولعلم المخاطب أنه محمول على أمر " الكتاب: 1/283.(3/100)
وأجاز آخرون أن يكون التقدير: بل نكون أهل ملة، ورده بعضهم.
وفي آية النساء نجد للمصنف توجيهاً آخر يوافق فيه الكسائي وأبا عبيدة في نصب (خيراً) بإضمار (كان) .
ويذهب الخليل وسيبويه والزمخشري والسمين إلى نصبه على أنه مفعول به لفعل مضمر وجوباً، وفي الآيتين توجيهات أخرى لا مجال لذكرها هنا.
انظر الكتاب: 1/257، 282، معاني القرآن للفراء: 1/72، 295، مجاز القرآن: 1/57، 143، معاني القرآن للأخفش: 1/150، مشكل إعراب القرآن: 1/73، 214، الكشاف: 1/314، 584، والدر المصون: 2/135، 4/164.
يريد بها (أنْ) المصدرية الناصبة للفعل المضارع وأخواتها: لن، إذن، كي.
و (أن) المخففة من (أنَّ) لا تنصب المضارع إلا إذا تلت (ظن) على الأرجح.
انظر أوضح المسالك: 4/157، الهمع: 4/89.
البقرة، من الآية: 143.
الشطر الثاني من البيت لم يرد في (أ) .
وقد اختلف في نسبة البيت، نسبه جماعة لأبي الأسود الدؤلي، وهو في ديوانه:165، ونسبه سيبويه في الكتاب: 1/42، وابن يعيش في شرح المفصل: 7/4 للأخطل، وليس في ديوانه، ونسبه السيرافي في شرح أبيات الكتاب: 2/188 لحسان بن ثابت، وليس في ديوانه، ونسبه النحاس في شرح أبيات سيبويه: 161 للأعشى، وليس في ديوانه، ونسبه الآمدي في المؤتلف والمختلف: 173، والمرزباني في معجم الشعراء: 410 للمتوكل الكناني الليثي، وهو في الأبيات المنسوبة إليه في شعره: 81، 284، ونسب لسابق البربري: وهو في شعره: 121، ونسب في الخزانة 3/618 للطرماح، وليس في ديوانه.
آل عمران، من الآية: 128.
ما بين القوسين سقط من (ب) .
طه، من الآية: 81.
والواو التي في بداية الآية سقطت من (أ) .
النساء، من الآية: 73.
فاطر، من الآية: 36.(3/101)
ذهب المصنف مذهب البصريين في أن المضارع منصوب ب (أن) المضمرة وجوباً بعد لام الجحود، وواو المعية وأو، وفاء السببية، وحتى، إلا أن الأخير لم يشر له المصنف.
وذهب الكوفيون إلى أن المضارع منصوب بلام الجحود نفسها وحتى، ومنصوب على الصرف بعد واو المعية. وعلى الخلاف بعد فاء السببية.
وفي المسألة آراء أخرى، انظر الخلاف مفصلاً في: الإنصاف: 2/555، 557، 575، 579، 593، 597 أوضح المسالك4/157، 170، 174، 177، 191، الهمع: 4/89،
108، 111، 116، 130، 136.
في ب: من البصرة إلى الكوفة.
وذلك عند الكوفيين وجماعة من البصريين، إذا ضممت شيئاً إلى شيء آخر مما لم يكن معه نحو قوله تعالى: "من أنصاري إلى الله" آل عمران 52. انظر: ارتشاف الضرب: 2/450، مغني اللبيب: 1/75.
قال الفراء في هذه الآية " المفسرون يقولون: من أنصاري مع الله، وهو وجه حسن" معاني القرآن: 1/218.
وقد ذكر النحويون ل (عن) في هذا المثال معنى آخر غير ما ذكر، وهو الاستعانة؛ لأنهم يقولون رميت بالقوس.الأزهية: 279، المغني: 1/147، 149.
زيادة يقتضيها السياق.
في ب: ومأكول رأسها.
أيد المصنف ما ذهب إليه أكثر النحاة من أنها لا تكون إلا للتقليل فقط، وانظر الآراء الأخرى في: ارتشاف الضرب: 2/455، المغني: 1/134.
انظر شرح المفصل لابن يعيش: 8/10، 14، 15، 41، 44.
سقط من أ، زيادة يقتضيها السياق من (ب) .
سورة طه، من الآية (71) .
تكون (في) بمعنى (على) عند الكوفيين، أما البصريون فيقولون أن (في) على بابها، لأنه إنما يصلب في عراضها لا عليها. معاني الحروف للرماني: 96.(3/102)
قال أبو حيان في هذه الآية: " لما كان الجذع مقراً للمصلوب واشتمل عليه اشتمال الظرف على المظروف عدى الفعل ب (في) التي للوعاء، وقيل نقر فرعون الخشب وصلبهم في داخله، فصار ظرفاً لهم حقيقة حتى يموتوا جوعاً وعطشاً " البحر المحيط: 6/261. وقال ابن يعيش: " لما كان الصلب بمعنى الاستقرار والتمكن عدى بفي كما يعدى الاستقرار ". شرح المفصل: 8/21، وانظر: فتح القدير للشوكاني:3/376.
في ب: فأصلها.
هذا مذهب الجمهور، انظر: رصف المباني: 387، الجنى الداني: 304- 305، المغني: 1/336.
وذهب ابن ملكون إلى أن (مذ) أصل؛ لأنه لا يتصرف في الحرف أو شبهه.
ب: ومذ.
سورة الشورى، من الآية: 11.
الكاف في هذه الآية زائدة عند أكثر العلماء، لتوكيد نفي المثل، انظر الآراء المختلفة في الكاف في: معاني الحروف للرماني: 48-49، سر صناعة الإعراب: 1/291، رصف المباني: 278، الجنى الداني: 87-90، المغني: 1/179.
سورة الإسراء، من الآية: 78.
ذكر النحاة أن اللام في الآية الكريمة بمعنى (بعد) ، وأن اللام التي بمعنى (عند) جاءت في نحو قوله تعالى: " بل كذبوا بالحق لما جاءهم " ص (5) . انظر الأزهية: 289، الجنى الداني: 101، ارتشاف الضرب: 2/434 المغني: 1/213
وفي تفسير القرطبي ما يشير إلى أنها بمعنى (عند) حيث قال: " ... فذكر الله تعالى الصلوات التي تكون في حالة الدلوك وعنده.. " الجامع لأحكام القرآن الكريم: 1/197.
وقيل: اللام للسببية؛ لأنها إنما تجب بزوال الشمس فيجب على المصلي إقامتها لأجل دلوك الشمس، تفسير النهر الماد من البحر المحيط: 6/69.
وجاء في فتح القدير: 3/250 ".. والمعنى: أقم الصلاة من وقت دلوك الشمس إلى غسق الليل.. " فتكون اللام بمعنى (من) .
لهذا اقتصر عليه سيبويه. الكتاب: 4/217، وانظر: الجني الداني: 36، المغني: 1/101.
الباء في هذا المثال للاستعانة، وهي الداخلة على آلة الفعل.(3/103)
انظر: سر الصناعة:1/23، رصف المباني:221، الجنى الداني:38، المغني:1/103.
الإلصاق في هذا المثال مجازي؛ إذ المراد: ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد.
انظر المصادر السابقة.
سورة المائدة، من الآية: 61.
لم يذكر المصنف من حروف الجر ما ذكره بعض النحاة وهي (كي) ، (متى) في لغة هذيل، و (لعل) في لغة عقيل، و (لولا) في بعض استعمالاتها، انظر: أوضح المسالك: 3/6-13 شرح ابن عقيل: 2/3-9 وانظر: باب المنصوبات النوع التاسع.
ب: كقوله.
سورة العصر، الآيتان: 1- 2.
سورة الأنبياء، من الآية: 57.
ذهب البصريون إلى أن (ايمن) اسم مفرد مشتق من اليمن والبركة، وهمزته همزة وصل مفتوحة، وذهب الكوفيون إلى أنه جمع يمين وهمزته همزة قطع. الإنصاف: 1/44، الأزهية:
20-21، شرح المفصل: 8/35- 36، رصف المباني:133، الجنى الداني: 133.
تصرف العرب في (أيمن) بأنواع التخفيف لكثرة استعمالهم لها، وهذه لغة من لغاتهم العشرين، وهي حذف النون وفتح الهمزة أو كسرها. شرح المفصل: 8/36، ارتشاف الضرب: 2/481، الجنى الداني: 541.
سورة العصر الآيتان: 1-2.
سورة الحجر، من الآية: 92.
سورة النجم، الآية: 1 ومن الآية: 2.
سورة الشعراء الآية: 97.
سورة النحل، من الآية: 38.
سورة الشمس، الآية: 1، ومن الآية: 9.
سورة ق الآية: 1، ومن الآية: 2.
سورة ص الآية: 1.
سورة النازعات، الآية: 1. وقد اختلف النحويون في جواب القسم في هذه الآيات فمنهم من أظهره ومنهم من قدره بتقديرات مختلفة منها التقدير المذكور في المتن وهو (لتبعثن) .
انظر: إعراب القرآن للنحاس: 4/219، 5/141، التبيان: 2/1096، 1173، 1269، الفريد: 4/149، 343 417.
ب: المخفوضة.
انظر شرح المفصل: 2/126 - 127.
المصدر السابق: 2/128 - 129.
ب: مقدما.
ب: وتريد.
أضاف بعض النحاة نوعاً ثالثاً من أنواع الإضافة، وهي أن تكون بمعنى (في) .(3/104)
انظر شرح الكافية: 1/272، الهمع: 4/267.
قال ابن مالك: " وقد أغفل النحويون التي بمعنى (في) ، وهي ثابتة في الكلام الفصيح بالنقل الصحيح.. " شرح التسهيل: 3/221.
وقد ذكر ابن الحاجب في كافيته: 121، أن تقدير (في) أقل من اللام أو من.
وإنما كان جر المضاف إليه بهذه الأحرف المقدرة وليس بالمضاف كما ذكر بعض النحاة، لأن كل واحد من المضاف والمضاف إليه اسم ليس له أن يعمل في الآخر، وحسن حذف هذه الأحرف لنيابة المضاف إليه عنها وصيرورته عوضاً عنها في اللفظ. شرح المفصل:2/117، الهمع: 4/265. وهذا النوع من الإضافة يسمى الإضافة المعنوية أو المحضة وهي التي تفيد التعريف أو التخصيص.
انظر: الأصول: 2/5-6، الخصائص: 3/26، شرح المفصل: 2/118.
سورة، الحج من الآية: 35.
وهذا هو النوع الثاني من أنواع الإضافة، وتسمى إضافة لفظية أو غير محضة، وهي التي تفيد التخفيف في اللفظ بحذف التنوين. انظر: الأصول: 2/6، شرح المفصل: 2/119، الهمع: 4/269.
أجاز المصنف هنا إضافة الصفة إلى الموصوف بقلة مؤيداً في ذلك مذهب الكوفيين وجماعة من النحاة الذين أجازوا هذه الإضافة من غير تأويل بشرط اختلاف اللفظين، أما جمهور البصريين فقد ذهبوا إلى أن ما ورد عن العرب من ألفاظ ظاهرها من إضافة الموصوف إلى صفته فهي على تأويل أنها صفة لموصوف محذوف؛ لأن الصفة والموصوف شيء واحد، وإضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز.
انظر: شرح المفصل: 3/10 11، ارتشاف الضرب: 2/506، الهمع: 4/276.
وقد سمى ابن مالك هذا النوع من الإضافة (شبيهة بالمحضة) ، فالإضافة عنده على ثلاثة أنواع.
انظر: شرح التسهيل: 3/225، 229، الهمع: 4/277.
وقال أبو حيان: " ولا أعلم له سلفاً في ذلك ". ارتشاف الضرب: 2/505.
كما ذهب أبو حيان إلى أن هذا النوع من الإضافة لا يتعدى السماع بل يحفظ ولا يقاس عليه. المصدر السابق: 2/506، وانظر: الهمع: 4/277.(3/105)
ب: قال.
سورة التوبة، من الآية: 36، ومواضع أخرى، في الأصل (وذلك) . والصواب ما أثبت كما جاء في المصحف وهنا لم يضف الموصوف إلى صفته.
سورة التكاثر من الآية: 5.
لم يذكر المصنف من أنواع الجر، الجر بالتبعية والمجاورة.
وما ذكر ظاهره إضافة الموصوف إلى صفته، والتأويل فيها على غير ذلك؛ إذ إن الصفة فيها لموصوف محذوف. انظر شرح المفصل: 3/10.
سورة التوبة، الآية: 108.
سورة الحجرات من الآية: 11.
سورة الطلاق من الآية: 7.
وذلك بعد الواو والفاء باتفاق بين النحاة، لشدة اتصالهما بما بعدهما لكونهما على حرف، وبعد (ثم) على خلاف بينهم لانفصالها عما يليها. انظر: المقتضب: 2/133 134، شرح التسهيل: 4/58 59، الارتشاف 2/541 الهمع: 4/307 308.
سورة البقرة، من الآيتين: 282، 283.
صحح مذهب البصريين القائل إن فعل الأمر للمواجه المعرى عن حرف المضارعة يكون مبنياً، في حين ذهب الكوفيون إلى أنه معرب مجزوم. الإنصاف: 2/524، وانظر: شرح التسهيل: 4/61.
ب: جاء.
سورة يونس، من الآية: 58.
قرأ عثمان بن عفان وأبي وأنس والحسن ... بالتاء على الخطاب، ورويت عن النبي (، وهي لغة لبعض العرب.
وقرأ الحسن بكسر اللام من (لتفرحوا) ، وسكنها بقية القراء.
انظر: البحر المحيط: 5/172، النشر في القراءات العشر: 2/285، إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر: 252.
سورة الأنفال من الآية: 29.
ب: ولا.
لعل المراد بقوله: (جاز فيهما ترك الجزم) ترك الجزم للفظهما لا محلهما بدليل عطف المضارع على محلهما بالجزم، ومعلوم أن الشرط والجزاء إذا كانا ماضيين فلا جزم لهما لفظاً لأن الجزم مختص بالمضارع، والضمير في قوله: (جاز فيه) يعود على المستقبل، لأنه هو الذي يجوز فيه الجزم وتركه لفظاً، انظر: الكتاب:3/66، 70- 71، المقتضب:2/68-70، شرح التسهيل: 4/77- 78، الارتشاف: 2/556، الهمع: 4/330.(3/106)
وذلك في جواب الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض، إذا لم يقصد الجواب والجزاء، والرفع على ثلاثة أشياء؛ الصفة، والحال، والقطع والاستئناف.
شرح المفصل: 7/50-51.
سورة المائدة: من الآية: 114.
وقد قرأها ابن مسعود (تكن) ، والأعمش (يكن) بالجزم علىجواب الطلب. معاني القرآن
1/325، مختصر شواذ ابن خالويه: 36، الفريد في إعراب القرآن المجيد للهمداني: 2/107.
وذلك في حال الرفع.
سورة مريم من الآيتين (5و6) .
قرأ أبو عمرو والكسائي من السبعة وغيرهما بجزم (يرثني ويرث) جواباً للطلب، وعطف عليه (ويرث) ، والباقون بالرفع على الصفة وهو أقوى من الأولى؛ لأنه سأل ولياً هذه صفته، والجزم لا يحصل بهذا المعنى.
انظر السبعة لابن مجاهد: 407، إعراب القرآن للنحاس: 3/6، الكشف لمكي:2/84، التبيان للعكبري: 2/866 البحر المحيط: 6/174.
ب: على قراءة رفعها.
سورة النساء، من الآية: 123.
سورة البقرة، من الآية: 106.
أ: يأتيني أكرمه، والصواب ما أثبت، وفي ب: يأتني أكرمته.
أ: وأيّا.
سورة المائدة، من الآية: 95.
سورة البقرة، من الآية: 126.
ب: والله تعالى أعلم.
انظر تفصيل هذه الأقسام الخمسة في: المقتضب: 1/26، المقتصد في شرح الإيضاح: 2/901، الارتشاف: 2/579، التصريح: 2/110.
ب: رجلا.
أجاز الأخفش والفارسي دخول (ال) على (كل) و (بعض) . الارتشاف: 2/515516 وقد أدخلها بعض النحاة عليهما كالمبرد في المتقتضب: 1/31، 3/243، وابن درستويه. تاج العروس (بعض) . وقد استعملها الزجاجي في جمله: 2324، فأدخل (ال) عليهما ثم اعتذر بأنه قالها مجازاً، وعلى استعمال الجماعة لها مسامحة وهو في الحقيقة غير جائز. انظر: البسيط في شرح الجمل: 1/400-401.
سورة الفاتحة الآية: 6، ومن الآية: 7.
سورة آل عمران، من الآية: 97.
سورة البروج، الآية: 4 ومن الآية: 5.
أ: بجمال.
ب: بحمار.(3/107)
وبدل الغلط أثبته سيبويه والمبرد وغيرهما من النحاة. انظر: الكتاب: 1/439، 2/16، 341، 3/87، المقتضب: 4/297، المقتصد: 2/935، شرح المفصل: 3/66، الارتشاف: 2/625، التصريح: 2/158159،الهمع 5/215
وأنكره قوم على الإطلاق. الهمع: 5/215.
وجعله بعضهم من أقسام البدل المباين، وليس قسماً برأسه. التصريح: 2/158-159.
سورة الشورى من الآيتين 52، 53.
ذهب الكوفيون والبغداديون إلى اشتراط وصف النكرة إذا أبدلت من المعرفة، أو تكون النكرة من لفظ الأول وتبعهم بعض النحاة، كالسهيلي وابن أبي الربيع، وأطلق الجمهور الجواز للسماع. شرح التسهيل: 3/331، الارتشاف: 2/620، الهمع: 5/218.
سورة العلق، من الآيتين: 15-16.
ب: وأما.
ب: فسبعة.
انظر الكتاب: 1/377، 2/116، شرح التسهيل: 3/291، الارتشاف: 2/610، الهمع: 5/199.
سورة الحجر الآية: 30، سورة ص الآية: 73.
البَصْع: الجمع، ويقال: مضى بِصْع من الليل بالكسر، وأبْصع: كلمة يؤكد بها، وبعضهم يقوله بالضاد المعجمة، وليس بالعالي. اللسان (بصع) .
أكتع: ردف لأجمع، وقيل كأجمع ليس بردف، وهو مأخوذ من قولهم: أتى عليه حول كتيع، أي: تام اللسان: (كتع) .
أجاز الكوفيون وابن كيسان تقديم (أكتع) عليهما، واستعمالها وحدها دونهما، وأجاز ابن كيسان أيضاً أن تبدأ بأيهن شئت من هذه التوابع بعد (أجمع) .
انظر: شرح المفصل: 3/46، الارتشاف: 2/611، الهمع: 5/201.
زيادة يقتضيها السياق.
البيت لأبي النجم العجلي في ديوانه: 99.
انظر: الخصائص 3/337، المنصف: 1/10، التخمير: 1/274، شرح المفصل1/98، الهمع: 1/207.
في (أ) و (ب) : ثم ومع. و (مع) ليست من حروف العطف، وهي زائدة على الحروف العشرة التي ذكرها المصنف.(3/108)
وهو مذهب الجمهور، انظر الكتاب:4/216، المقتضب:1/10، الأصول:2/55، وخالفهم في ذلك قطرب والربعي والفراء وثعلب وغلامه أبو عمر الزاهد، وهشام وأبو جعفر الدينوري حيث قالوا بإفادتها للترتيب. انظر: الارتشاف: 2/633، الجنى الداني: 158-159، المغني: 2/354، الهمع: 5/224.
في (أ) الاشتراك، وقد سقطت من ب.
سورة الأحزاب، الآية: 40.
سقطت من (أ) و (ب) ، وقد اختلف النحويون في دخول الواو على (لكنْ) .
انظر: نتائج الفكر للسهيلي: 257، الجنى الداني: 558، المغني: 1/293، الهمع: 5/263.
سورة الدخان، من الآية: 37.
سورة البقرة، من الآية: 6، سورة يس من الآية: 10، وقد سقط موضع الشاهد (أم لم تنذرهم) من (أ) .
انظر: الأصول: 2/56، شرح المفصل: 8/101.
ب: وقال.
سورة الإنسان، من الآية: 3.
سورة فصلت، من الآية: 17.
ب: الكلام.
في أ، ب: وكقوله، والصواب ما أثبت بحذف الواو.
سورة الضحى الآيتان: 10- 11.
(حتى) حرف عطف عند البصريين، أما الكوفيون فهي عندهم ليست بعاطفة، ويعربون ما بعدها على إضمار عامل، انظر الجنى الداني: 546، والباب الرابع من هذا الكتاب.
ب: والشمس.
سورة الحج، من الآية: 25.
وقيل الواو عاطفة، عطفت جملة على جملة، وقيل هو عطف على المعنى، والتقدير إن الكافرين والصادين عن المسجد الحرام. وقال الكوفيون: الواو زائدة، و (يصدون) خبر (إن) ، وقيل: الخبر محذوف.
انظر: إعراب القرآن للنحاس: 3/92، المشكل لمكي: 2/489، التبيان: 2/938، البحر المحيط: 6/362.
سورة الملك، من الآية: 19.
قال أبو حيان: " ومثل هذا العطف أي عطف الفعل على الاسم فصيح، وعكسه عطف الاسم على الفعل أيضاً جائز إلا عند السهيلي فإنه قبيح ". البحر المحيط: 8/302.
وانظر: الارتشاف: 2/664 665، وانظر رأي السهيلي في كتابه: نتائج الفكر: 319320.
أ: رجلا، والصواب ما أثبت.
سورة الحاقة، من الآية: 7.(3/109)
في المخطوط من العشرة إلى الألف، والصواب ما أثبت؛ لأن الأعداد من ثلاثة إلى عشرة هي التي تضاف إلى جمع القلة.
انظر: الكتاب: 1/206، 3/557، المقتضب: 2/156 158، شرح المفصل: 6/19، 25.
سقط هذا الوزن من (أ) و (ب) مع أنه قد ذُكِر مثال عليه عند التمثيل.
ويجوز إضافته إلى بناء الكثير إن لم يكن له بناء قلة.
انظر المقتضب: 2/156، 160-161، شرح المفصل: 6/25.
سقطت من ب.
في (أ) و (ب) . وأما العشرات فما فوقها إلى المائة، والصواب ما أثبت، انظر: الكتاب 1/206، المقتضب: 2/161.
أ، ب: إلى.
أ: تخلف.
سورة يوسف، من الآية: 4.
سورة الأعراف، من الآية: 160.
والتقدير: اثنتي عشرة أمة أو فرقة أسباطاً، فلا يكون (أسباطاً) تمييزاً؛ لأنه جمع، وتمييز ماعدا العشرة إنما يكون مفرداً، وقد حذف التمييز لدلالة الحال عليه.
انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج: 2/383، إعراب القرآن للنحاس: 2/156، التبيان: 1/599، الفريد: 2/373.
أ: بدل.
انظر: المقتضب: 2/169، شرح المفصل: 6/20.
ب: مثل.
انظر هذه الأضرب الثلاثة في: التكملة للفارسي: 398. والجوالق والجوالق: وعاء من الأوعية، أعجمي معرب، والجمع جوالق وجواليق. انظر: المعرب، 251، اللسان (جلق) .
سقطت من (ب) .
ب: أفعل وفعايل.
أ، ب: أكالب، والصواب ما أثبت.
سقط من ب.
ب: القسم الثالث.
ب: تقوم.
لكل قسم من هذه الاقسام الأربعة أمثلة أخرى، بعضها مطرد، وبعضها الآخر حفظ عن العرب. انظر: التكملة: 399، شرح الشافية، 2/91، الارتشاف:1/195.
حصر المصنف أبنية جموع الكثرة في ثمانية أقسام، في حين ذكر العلماء أقساماً أخرى تزيد عن الثمانية، كما ذكروا أيضاً أمثلة أخرى لكل بناء من الأبنية الثمانية غير ما ذكره المصنف. انظر المصادر السابقة.
زيادة يقتضيها السياق.
سورة المدثر، الآية: 35.
ب: جدران.
زيادة يقتضيها السياق.(3/110)
وفي ب: كافر وكافرون وكافر وكفرة.
أ، ب: والبنية.
لأن الحرف الرابع ينزل عندهم منزلة علم التأنيث لطول الاسم به. انظر: أسرار العربية للأنباري: 365 شرح المفصل: 5/128.
يصغر صدر المركب؛ لأنه عندهم بمنزلة المضاف، والآخر بمنزلة المضاف إليه، إذ كانا شيئين. انظر الكتاب: 3/475، شرح الشافية للرضي: 1/273.
حق اسم الإشارة ألا يصغر، لغلبة شبه الحرف عليه، ولأن أصله وهو (ذا) على حرفين، إلا أنه لما تصرف تصرف الأسماء المتمكنة فوصف ووصف به وثني وجمع وأنث أجرى مجراها في التصغير، وكذلك الأسماء الموصولة؛ لأن مجراهما في الإبهام واحد.
ولما كان تصغيرهما على خلاف الأصل خولف بتصغيرهما تصغير الأسماء المتمكنة، فلم تضم أوائلهما وزيد في الآخر ألف بدل الضمة، بعد أن كملوا لفظ (ذا) ثلاثة أحرف بزيادة الياء على آخره ثم أدخلت ياء التصغير ثالثة بعد الألف، وفتح ما قبلها فقلبت الألف ياء، فاجتمع ثلاث ياءات وفيه ثقل فحذفوا الياء الأولى.
انظر: التكملة للفارسي: 505، شرح المفصل: 5/139، شرح الشافية: 1/284.
انظر: الكتاب: 3/478 481.
ذهب الكوفيون والمازني والجرمي إلى جواز تصغير أيام الأسبوع وأسماء الشهور: شرح المفصل: 5 / 139، شرح الشافية: 1/293.
ب: أكيلب وأجيمل.
جمع التكسير على ضربين، جمع قلة وهو يصغر على لفظه.
وجمع كثرة، وهو إما أن يكون له من لفظه جمع قلة فيرد إليه ويصغر على لفظه كتصغير كلاب يرد إلى أكلب ويصغر على أكيلب، أو يرد جمع الكثرة إلى الواحد، ويصغر ذلك الواحد ثم يجمع بالواو والنون إن كان لمذكر عاقل ك (رُجَيْلون) وبالألف والتاء إن كان لمؤنث، أو لغير العاقل، ك (جُفَيْنات) و (دُرَيْهمات) .
وإن لم يكن لجمع الكثرة من لفظه جمع قلة فيرد إلى واحده ثم يصغر كالسابق.(3/111)
أما جمع السلامة فيصغر على لفظه سواء كان للمذكر أم للمؤنث، وكذلك أسماء الجموع تصغر على لفظها. وإنما لم يصغر جمع الكثرة على لفظه؛ لأن المقصود من تصغير الجمع تقليل العدد، وهو بناء يدل على الكثرة فلم يجز الجمع بينهما للتناقض والتضاد، بخلاف أسماء الجموع وجمع السلامة فهي مشتركة بين القلة والكثرة.
انظر: الكتاب: 3/490، التكملة: 502، شرح المفصل: 5/132، شرح الشافية: 1/266.
(327) ... ب: جمع.
(328) يصغران بهذه الصورة، لأن الواو والنون فيهما عوض من اللام الذاهبة في السنة، والتاء المقدرة في (أرض) ، فترجعان في التصغير فلا يبدل منهما، ويجمعان على القياس، وهو الجمع بالألف والتاء. انظر: الكتاب: 3/495، شرح الشافية: 1/271.
(329) سقط من أ، ب.
(330) كأنه منسوب إلى العلو، والقياس: عالِيّ أو عالوَيّ، شرح الشافية: 2/81.
(331) وقياسه (شتائي) على لفظه، الهمع: 6/173.
وقيل إن (شتاء) جمع (شَتْوة) ك (صِحَاف) جمع صَحْفة، والجمع في النسب يرد إلى واحده، فعلى هذا يكون (شَتْويّ) على القياس. انظر: شرح المفصل: 6/12، شرح الشافية: 2/82.
(332) ما بين القوسين سقط من ب.
(333) زادوا الألف والنون للمبالغة للدلالة على عظمها. شرح المفصل: 6/12، شرح الشافية: 2/84، الهمع 6/174.
(334) قال سيبويه: " ولا أراهم قالوا طائيّ إلا فراراً من طيْئي، وكان القياس طيئي، وتقديرها طيعيّ، ولكنهم جعلوا الألف مكان الياء " الكتاب: 3/371.
وذلك قصداً للتخفيف لكثرة استعمالهم إياه، شرح الشافية: 2/32.
(335) انظر: الكتاب: 3/337 338.
(336) إذا كانت الألف ثالثة قلبت واواً مطلقاً عن الياء كان أصلها أو عن الواو. انظر: الكتاب: 3/342، التكملة: 242.(3/112)
(337) على وزن (فَعِيلة) بفتح الفاء وكسر العين ينسب إليها على (فَعَلي) ، بفتح العين وحذف الياء والتاء بشرط صحة العين وعدم تضعيفها. انظر: الكتاب: 3/339، شرح الشافية: 2/20، الهمع: 6/162.
(338) على وزن (فُعَيلة) بضم الفاء وفتح العين ينسب إليها على (فُعَلي) بحذف الياء وتاء التأنيث كذلك بشرط عدم تضعيف العين فيها. انظر المصادر السابقة.
(339) ويجوز فيها أيضاً حذف الألف، وزيادة الألف قبل الواو في حالة قلبها واواً، نحو: دُنْييّ، ودُنْيَويّ، ودُنياوي وذلك لأن الألف وقعت رابعة في كلمة ثانيها حرف ساكن.
انظر: الكتاب: 3/353، التكملة: 242، شرح الشافية: 2/40.
(340) انظر: الكتاب: 3/375، المقتضب: 3/141، التكملة: 254، شرح المفصل: 6/8، شرح الشافية: 2/75.
(341) ... جميع أقسام المركبات ينسب إلى صدرها نحو: حضريّ في (حضر موت) و: بعليّ في (بعلبك) . وقد يجوز أن يُشتق منهما اسم يكون فيه من حروف الاسمين، نحو: حضرميّ، وقد ينسب إلى المركب من غير حذف إذا خف اللفظ نحو: بعلبكي.
انظر: الكتاب: 3/374، المقتضب: 3/143، شرح الشافية: 2/71.
(342) ب: ترجع.
(343) ما بين القوسين سقط من ب.
(344) لأن الكسرة متوسطة بين الثقل والخفة جعلت للمتوسط بين العمدة والفضلة. شرح التسهيل: 1/265.
(345) انظر: أسرار العربية: 51، شرح التسهيل: 1/265.
(346) اختلف في أصل المرفوعات، فقيل المبتدأ والخبر هما الأصل وغيرهما من المرفوعات محمول عليهما، ونسب إلى سيبويه وابن السراج، وقيل الفاعل هو الأصل ونسب إلى الخليل، وقيل كلاهما أصلان، ونسب إلى الأخفش وابن السراج واختاره الرضي.
انظر: شرح الكافية: 1/23، شرح المفصل: 1/73، الهمع: 2/3.
(347) ب: رفع.
(348) ب: زيد.
(349) ما بين القوسين سقط من ب.
(350) ب: مثل فعل.
(351) ب: المضي.(3/113)
(352) مذهب البصريين أن (إنّ) وأخواتها ترفع الخبر وتنصب الاسم، لأنها قويت مشابهتها للفعل فعملت عمله ليكون المرفوع مشبها بالفاعل والمنصوب مشبهاً بالمفعول، ومذهب الكوفيين أنها لا ترفع الخبر، بل هو باق على رفعه قبل دخولها. الإنصاف: 1/17، وانظر الهمع: 2/155.
لم يذكر المصنف جميع أنواع المرفوعات، وقد سبق أن ذكرها في الباب الثاني في المرفوعات وأنواعها.
(353) ما بين القوسين سقط من ب.
(354) أي يكون منتصباً على تقدير (في) . انظر: شرح المفصل: 2/41، الارتشاف: 2/22.
(355) وهو مذهب الجمهور، انظر الآراء الأخرى في الهمع: 3/33.
(356) ب: مفرداً.
(357) ب: والأسد.
(358) سورة الشمس، من الآية: 13.
(359) وهو جزء من بيت لجرير، وقد سبق تخريجه.
(360) ما بين القوسين سقط من ب.
(361) ما بين القوسين سقط من ب.
(362) أ: مشابها.
(363) هذا على مذهب أكثر البصريين في أن حركة الاسم المفرد حركة بناء، وذهب الكوفيون والجرمي والزجاج والسيرافي والرماني إلى انها فتحة إعراب، وحذف التنوين منه تخفيفاً، ولشبهه بالمركب. انظر أسرار العربية: 246 شرح المفصل:1/105 106، 2/101 104، شرح التسهيل: 2/58، الارتشاف: 2/164، مغني اللبيب: 1/238، الهمع: 2/199.
(364) ب: لانتهائها.
(365) سقط من ب.
(366) سقط من ب.
(367) يوجد في حاشية المخطوط تعليق على تاريخ الفراغ من النسخة، وهو (قف علىخطأ هذا التاريخ) مما يدل على أن السنة المئوية قد سقطت من تاريخ النسخ.
(368) في ب …. تم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه على يد أفقر العباد وأحوجهم إليه تعالى محمد أبو علي الشافعي مذهبا، الشاذلي طريقة غفر الله ذنوبه وستر عيوبه، ومثل ذلك للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه وسلم.(3/114)
وكان الفراغ منه في غرة ربيع الأول سنة 1278من هجرته صلى الله تعالى عليه وسلم.
المصادر والمراجع
(1) إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر، للشيخ أحمد الدمياطي، بيروت: دار الندوة الجديدة.
(2) ارتشاف الضرب من لسان العرب، لأبي حيان، تحقيق د. مصطفى أحمد النماس، ط: القاهرة: مطبعة المدني ط 1، 1409هـ.
(3) الأزهية في علم الحروف، للهروي، تحقيق: عبد المعين الملوحي، دمشق: مطبوعات مجمع اللغة العربية 1413هـ / 1993م.
(4) أسرار أركان الإسلام، للشعراني، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار التراث العربي، ط1: 1400هـ / 1980م
(5) أسرار العربية، لأبي البركات الأنباري، تحقيق: محمد بهجت البيطار، دمشق: مطبعة الترقي، 1377هـ 1957م.
(6) الأشباه والنظائر في النحو، للسيوطي بيروت:، ط دار الكتب العلمية، ط:1، 1405هـ.
(7) الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل عبد الموجود، والشيخ علي معوض، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1415هـ، 1995م.
(8) الأصول في النحو لابن السراج، تحقيق: د. عبد الحسين الفتلي، بيروت: ط مؤسسة الرسالة،ط: 1، 1405هـ
(9) إعراب القرآن، للنحاس، تحقيق: د. زهير غازي زاهد، بيروت: عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية 1405هـ، 1985م.
(10) الأعلام، لخير الدين الزركلي، ط: الثالثة.
(11) الأمالي الشجرية، لابن الشجري، تحقيق: د. محمود الطناحي، القاهرة: مطبعة المدني، ط:1، 1413هـ 1992م.
(12) إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن لأبي البقاء العكبري، بيروت: دار مكتب الهلال.
(13) الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، لأبي البركات الأنباري، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط دار إحياء التراث العربي وط: بيروت: دار الفكرالعربي.(3/115)
(14) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، لابن هشام، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت: طبعة دار الجيل، ط: 5 1399هـ / 1979م. و: ط صيدا، بيروت، المكتبة العصرية.
(15) الإيضاح العضدي، لأبي علي الفارسي، تحقيق د. حسن شاذلي فرهود، ط دار العلوم، ط: 2، 1408هـ.
(16) الإيضاح في علل النحو للزجاجي، تحقيق د. مازن المبارك، بيروت، دار النفائس، ط:4، 1402هـ:1982م.
(17) البحر المحيط، لأبي حيان، دار الفكر، ط: 2، 1398هـ / 1978م،: بيروت: دار الفكر، 1403هـ 1983م.
(18) البسيط في شرح جمل الزجاجي، لابن أبي الربيع، تحقيق: د. عياد الثبيتي، بيروت ط دار الغرب الإسلامي ط: 1، 1407هـ.
(19) البيان في غريب إعراب القرآن لأبي البركات الأنباري، تحقيق د. طه عبد الحميد طه، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1400هـ.
(20) تاج العروس من جواهر القاموس، للزبيدي، دار الفكر.
(21) التبيان في إعراب القرآن، للعكبري، تحقيق: علي محمد البجاوي، مصر، عيسى البابي الحلبي وشركاه.
(22) تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي. لمحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، بيروت: دار الكتب العلمية.
(23) التخمير (شرح المفصل) ، للخوارزمي، تحقيق: د. عبد الرحمن العثيمين، بيروت: دار الغرب الإسلامي ط: 1، 1990م.
(24) التصريح بمضمون التوضيح، للشيخ خالد الأزهري، دار إحياء الكتب العربية.
(25) التكملة، للفارسي، تحقيق: د. كاظم بحر المرجان، الجمهورية العراقية، 1401هـ / 1981م.
(26) تهذيب اللغة، للأزهري، تحقيق جماعة من العلماء، ط الدار المصرية للتأليف والترجمة.
(27) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، بيروت: دار الكتب العلمية، 1413هـ /1993م.
(28) الجمل في النحو، للزجاجي، تحقيق د. علي توفيق الحمد، بيروت، ط مؤسسة الرسالة ط:1، 1404هـ.
وطبعة الأردن: دار الأمل، ط: 2، 1405هـ / 1985م.(3/116)
(29) الجني الداني في حروف المعاني، تحقيق د. فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فاضل، حلب: المكتبة العربية 1393هـ / 1976م.
وطبعة أخرى بتحقيق: طه محسن، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 1396هـ / 1976م
(30) حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، ترتيب وضبط وتصحيح: مصطفى حسين أحمد، بيروت دار الفكر
(31) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب على شواهد الكافية لعبد القادر البغدادي، بيروت، دار صادر، ط: 1.
(32) الخصائص، لابن جني، تحقيق: محمد علي النجار، بيروت: دار الكتاب العربي.
(33) الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، للسمين الحلبي. تحقيق: د. أحمد الخراط، دمشق: ط دار القلم ط: 1، 1406هـ.
(34) ديوان الأخطل، شرح: راجي الأسمر، بيروت، دار الكتاب العربي، ط: 1، 1413هـ / 1992م.
(35) ديوان أبي الأسود الدؤلي، صنعه أبو سعيد السكري، تحقيق محمد حسن آل ياسين، بيروت، دار الكتاب الجديد ط: 1، 1974م.
(36) ديوان أبي النجم العجلي، صنعه وشرحه: علاء الدين أغا، الرياض: النادي الأدبي، 1401هـ / 1981م.
(37) ديوان الأعشى، بيروت، دار صادر.
(38) ديوان جرير، بيروت: دار صادر، دار بيروت، 1384هـ / 1964م.
(39) ديوان حسان بن ثابت، بيروت، دار صادر.
(40) ديوان الطرماح، تحقيق د. عزة حسن، بيروت، دار الشرق العربي، ط: 2، 1414هـ / 1994م.
(41) رصف المباني في شرح حروف المعاني، للمالقي، تحقيق: د. أحمد محمد الخراط، دمشق: دار القلم، ط: 2 1405هـ / 1985م.
(42) السبعة في القراءات، لابن مجاهد، تحقيق: د. شوقي ضيف، القاهرة: دار المعارف، ط: 2، 1980م.
(43) سر صناعة الإعراب، لابن جني، تحقيق: د. حسن هنداوي، دمشق: دار القلم، ط: 1، 1405هـ 1985م(3/117)
(44) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، للألباني، تخريج: محمد ناصر الدين الألباني، بيروت: دمشق، طبعة المكتب الإسلامي، ط: 5، 1405هـ / 1985م.
(45) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، بيروت: المكتب التجاري للطباعة والنشر.
(46) شرح أبيات سيبويه، لابن السيرافي، تحقيق: د. محمد علي سلطاني، دمشق، بيروت: ط دار المأمون للتراث 1979م.
(47) شرح التسهيل، لابن مالك، تحقيق د. عبد الرحمن السيد، د. محمد بدوي المختون، مصر: هجر، ط:1 1410هـ / 1990م.
(48) شرح جمل الزجاجي (الشرح الكبير) ، لابن عصفور، تحقيق: د. صاحب أبو جناح، العراق: مؤسسة دار الكتب
(49) شرح شافية ابن الحاجب، للرضي، تحقيق: محمد نور الحسن، محمد الزقزاق، محمد محيي الدين عبد الحميد بيروت: دار الكتب العلمية، 1395هـ/1975م.
(50) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مصر: مطبعة السعادة، ط: 14 1384هـ / 1964م.
(51) شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ لابن مالك، تحقيق: عدنان الدورى، بغداد، مطبعة العاني، 1397هـ 1977م.
(52) شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مصر: مطبعة السعادة ط: 11، 1383هـ / 1963م.
(53) شرح الكافية في النحو للرضي، بيروت: دار الكتب العلمية ط: 2، 1399هـ / 1979م.
(54) شرح المفصل، لابن يعيش، بيروت: عالم الكتب، ط القاهرة: مكتبة المتنبي.
(55) شرح المقدمة المحسبة، لابن بابشاذ، تحقيق: خالد عبد الكريم، الكويت: المطبعة العصرية، ط:1، 1976م.
(56) الشعر (شرح الأبيات المشكلة الإعراب) ، للفارسي، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي، القاهرة: مكتبة الخانجي ط: 1، 1408هـ / 1988م.
(57) شعر المتوكل الليثي، د. يحيى الجبوري، بغداد، مكتبة الاندلس.(3/118)
(58) الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، بيروت: دار العلم للملايين ط: 4، 1407هـ.
(59) الضعفاء لأبي جعفر محمد بن عمر بن موسى العُقيلي. تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط: 1، 1404هـ.
(60) الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار، لعبد الوهاب الشعراني، بيروت: دار الجيل ط: 1، 1408هـ / 1988م.
(61) العلل المتناهية لعبد الرحمن بن علي الجوزي. تحقيق: خليل الميس، بيروت: دار الكتب العلمية ط: 1، 1403هـ.
(62) غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري، عني بنشره، ج. برجستراسر، بيروت: دار الكتب العلمية ط: 2، 1400هـ.
(63) فتح القدير، للشوكاني، بيروت: دار إحياء التراث العربي.
(64) الفريد في إعراب القرآن المجيد، للهمداني، تحقيق: د. محمد حسن النمر، قطر: دار الثقافة، 1411هـ 1991م.
(65) الكافية في النحو، لابن الحاجب، تحقيق: د. طارق نجم عبد الله، جدة: مكتبة دار الوفاء، ط: 1، 1407هـ 1986م.
(66) الكتاب، لسيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، بيروت: عالم الكتب، ط:3، 1403هـ / 1983م.
(67) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري، ومعه حاشية الشريف علي الجرجاني.. بيروت: دار المعرفة.
(68) كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني الجراحي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط: 3، 1351هـ.
(69) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة، طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة في مطبعة البهية 1362هـ / 1943م.
(70) الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، لمكي القيسي، تحقيق: د. محيي الدين رمضان، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط: 2، 1401هـ/ 1981م.(3/119)
(71) الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة، للغزي، تحقيق: د. جبرائيل جبور، بيروت: محمد أمين دمج وشركاه.
(72) لسان العرب، لابن منظور، بيروت: دار صادر.
(73) لطائف المنن والأخلاق في بيان وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق (المنن الكبرى) ، للشعراني، 1311هـ 1893م.
(74) ما ينصرف وما لاينصرف، للزجاج، تحقيق د. هدى قراعة، القاهرة: مكتبة الخانجي، ط:2، 1414هـ 1994م.
(75) مجاز القرآن لأبي عبيد، تعليق محمد فؤاد سركين، مؤسسة الرسالة، ط: 2 1401هـ.
(76) مجمع الأمثال، للميداني، تعليق نعيم حسين زرزور، بيروت: دار الكتب العلمية ط: 1، بيروت 1408هـ.
(77) المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لابن جني، تحقيق: علي النجدي ناصف ود. عبد الحليم النجار ود. عبد الفتاح إسماعيل شلبي، القاهرة: ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي، 1386هـ.
(78) مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع، لابن خالويه، عنى بنشره: ج: برجستراسر القاهرة: مكتبة المتنبي.
(79) المذكر والمؤنث، لأبي بكر بن الأنباري، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، مصر: وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لجنة إحياء التراث، 1401هـ.
(80) المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت: دار الكتب العلمية.
(81) مسند البزار لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زبن الله، مكتبة العلوم والحكم، بيروت: ط: 1، 1409هـ.
(82) مسند الحارث للحارث بن أبي أسامة، تحقيق: د. حسين أحمد صالح البكري، المدينة المنورة: مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، 1413هـ.
(83) مسند الشهاب محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط: 2، 1407هـ.(3/120)
(84) مشكل إعراب القرآن، لمكي القيسي، تحقيق: ياسين السواسي، دمشق: دار المأمون للتراث، ط: 2.
(85) معاني الحروف، للرماني، تحقيق: د. عبد الفتاح شلبي، جدة: دار الشروق، ط: 2، 1401هـ / 1981م
(86) معاني القرآن، للفراء، تحقيق: محمد علي النجار، وأحمد يوسف نجاتي، بيروت: عالم الكتب، 1980م.
وط بيروت: عالم الكتب، ط: 3، 1403هـ.
(87) معاني القرآن، للأخفش، تحقيق: د. فائز فارس، ط: 2، 1401هـ.
(88) معاني القرآن وإعرابه، للزجاج، تحقيق: د. عبد الجليل عبده شلبي، بيروت: عالم الكتب، 1408هـ 1988م.
(89) المعجم الأوسط لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد الحسيني القاهرة: دار الحرمين، 1415هـ.
(90) المعجم الكبير للطبراني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، ط: 2، 1404هـ.
(91) المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، وضعه عدد من المستشرقين، نشر:د. أ. ي ونسنك، ليدن: مكتبة بريل 1936م.
(92) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وضعه: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت: دار الفكر.
(93) المعرَّب من الكلام الأعجمي، للجواليقي، تحقيق: د. ف. عبد الرحيم، دمشق: دار القلم، ط: 1، 1410هـ 1990م.
(94) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت: دار إحياء التراث العربي.
وطبعة أخرى بتحقيق د. مازن المبارك، ومحمد علي حمد الله، مراجعة: سعيد الأفغاني: بيروت، دار الفكر ط: 5، 1979م.
(95) المقتصد في شرح الإيضاح، للجرجاني، تحقيق: د. كاظم بحر المرجان، منشورات وزارة الثقافة والإعلام العراق: دار الرشيد، 1982م.
(96) المقتضب، للمبرد، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، بيروت: عالم الكتب.(3/121)
(97) المنصف، لابن جني، تحقيق: إبراهيم مصطفى، عبد الله أمين، مصر: مصطفى البابي الحلبي، 1373هـ 1954م.
(98) المؤتلف والمختلف للآمدي، تحقيق عبد الستار أحمد فراج: القاهرة دار إحياء الكتب العربية 1381هـ 1961م.
(99) نتائج الفكر في النحو، للسهيلي، تحقيق: د. محمد إبراهيم البنا، الرياض: دار الرياض.
(100) النشر في القراءات العشر، لابن الجزري، بيروت: دار الكتب العلمية.
(101) هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، لإسماعيل البغدادي، بيروت: ط مكتبة المثنى واستانبول: طبعة وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية، 1955م.
(102) همع الهوامع شرح جمع الجوامع للسيوطي، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، د. عبد العال سالم مكرم: الكويت: دار البحوث العلمية، 1394هـ / 1975م، وط: بيروت: مؤسسة الرسالة 1413هـ / 1992م.(3/122)
ملخص الدراسة
(دفاعٌ عن المبني للمجهول في اللغة العربية)
تفند هذه الدراسة خطأ الاعتقاد الشائع بأن اللغة العربية لا تسمح بذكر الفاعل في جملة المبني للمجهول. وتثبت الدراسة أن اللغة العربية في نسق تام مع الظواهر اللغوية الموجودة في لغات العالم في ما يخص صيغة المبني للمجهول؛ مثل استخدام حروف الجر في ذكر الفاعل وأغلبية عدم ذكر فاعل المبني للمجهول التي تجعل جملة المبني للمجهول الخالية من ذكر الفاعل هي السائدة، بل والطبيعية في لغات العالم. وتعد هذه الدراسة إسهاماً في دراسات اللغة العربية ودراسات المبني للمجهول بصفة عامة إذ كشفت عن تطورين جديدين في اللغة العربية. الأول بروز صيغة جديدة ومتميزة لجملة المبني للمجهول وذلك باستخدام الفعل تَمَّ مع المصدر. أما الإسهام الثاني فهو استخدام التمييز (تمييز الفاعل) للتعبير أو للدلالة على الفاعل في جملة المبني للمجهول.
نبذة مختصرة عن الباحث (باللغة العربية)
أحمد فتح الله التاروتي، دكتوراة من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجيلوس، سنة 1991م، في علم اللغويات التطبيقية، وعنوان أطروحة ألد كتوراة: "التعبير عن الزمن والهيئة في قواعد اللغة العربية ونصوصها" (Temporality in Arabic Grammar and Discourse) . يعمل أستاذ علم اللغويات التطبيقية المساعد في قسم اللغات الأجنبية، جامعة الملك فيصل، المملكة العربية السعودية. اهتماماته البحثية تتمحور حول التحليل اللغوي، تعلم وتعليم اللغات، بحوث الصف الدراسي، ودور اللغة في التربية والتعليم.(3/123)
العدد 20
فهرس المحتويات
1- معاني الركوع والسجود في القرآن المجيد
2- جزء فيه حديث أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيارهم خيارهم لأهله رواية ودراية
3- البيان والتبيين لضوابط ووسائل تمييز الرواة المهملين
4- صفة الرضا بين الإثبات والتعطيل وأثر الإيمان بها في حياة المسلم
5- مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات
6- الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع
7- قواعد مهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء الكتاب والسنة
8- حكم الأواني الذهبية والفضية وما مُوِّه بهما استعمالاً وبيعاً وشراء
9- نظرة فقهية للإرشاد الجيني
10- العَقْلُ عند الأصوليين عَرْضُُ ودراسة
11- المجاز عند الأصوليين بين المجيزين والمانعين
12- العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية في عهد الخليفة هارون الرشيد
13- الوجود الإسلامي في صقلية في عهد النورمان بين التسامح والاضطهاد
14- جهود الملك عبد العزيز في عمارة عين عرفة
15- خَلَلُ الأُصُولِ فِي مُعْجَمِ الجَمْهَرَة
16- الأبنية المختصة باسم أو صفة في كتاب سيبويه
17- القياس الشكلي
18- مفهوم المجاز بين ابن سينا وابن رشد
19- ظاهرة التَّلَطف في الأساليب العربية
20- صعوبات تعلم اللغة العربية لدى تلاميذ الطور الثاني من التعليم الأساسي في المناطق الناطقة بالبربرية والمناطق الناطقة بالعربية
21- المرأة الناقدة في الأدب العربي
22- كتاب الإغفال وهو المسائلُ المصلَحَةُ من كتاب (معاني القرآن وإعرابه) لأبي إسحاق الزَّجَّاج
23- كتاب الإغفال
24- دفاع عن كتاب الله - القرآن ... والضرورة الشعرية
25- محتويات الجزء الأول
26- محتويات الجزء الثاني(3/124)
معاني الركوع والسجود في القرآن المجيد
د. إبراهيم بن سعيد بن حمد الدوسري
الأستاذ المساعد في قسم القرآن وعلومه، كلية أصول الدين
الرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ملخص البحث
يتناول هذا البحث دراسة جميع ألفاظ الركوع والسجود في القرآن الكريم الواقعة في تسعة وأربعين موضعا من سوره المكية والمدنية.
وقد عني بجانب التفسير التحليلي المقارن، وذلك برصد معانيهما اللغوية والشرعية والمجازية، وحسبما اقتضته الآيات جرى تصنيفها إلى ثلاثة عشر موضوعا، ومن ثَمَّ دُرس كل موضوع في مبحث يتناول تلكم الآيات من خلال ما جاء في تفسيرها من نصوص الكتاب والسنة والآثار وأقاويل السلف والمفسرين، كما اقتضت الدراسة الاعتبار بالسياق وكذلك النظائر وسائر القرائن والدلائل من المكي والمدني والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك مما ينتهي بالبحث إلى الصحيح من الأقوال، وتعقّب المعاني الضعيفة وما لا يعوّل عليه، وهذا بالإضافة إلى توضيح ما جاور ألفاظ الركوع والسجود من المفردات الغريبة، مما يستلزمه البحث، وكذلك الإشارة إلى بعض المعاني البلاغية.
ويعتبر هذا البحث متصلا بعلم الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، وسلسلة ينبغي أن تتواصل على أيدي الباحثين، وإذا لم تستوعب مصادر الوجوه والنظائر ما في القرآن الكريم من المعاني فإن الدراسات في هذا الجانب المهم من علوم القرآن الكريم وتفسيره ضرورية لإبراز هدايات القرآن الكريم ودلالاته.
والله ولي التوفيق.
• • •
الحمد لله الذي دانت لعظمته العباد، وخضعت لعزته الرقاب، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما، أما بعد:(3/125)
فإن مما يثير التساؤل ورود صيغ الركوع والسجود في القرآن الكريم لمعان متعددة، واختلاف المفسرين رحمهم الله في تأويلها كذلك، فما معنى قوله تعالى لبني إسرائيل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} (البقرة /58) ؟ وهل المقصود في قوله تعالى في شأن داود عليه السلام {وَخَرَّ رَاكِعًا} (ص/24) الركوع الشرعي؟ وهل عفّر أبوي يوسف وأخوته وجوههم على الأرض سجدا ليوسف؟ وما كيفية سجود النجم والشجر وغيرهما؟ وهل هو حقيقة أو مجاز؟ كل ذلك يستدعي البحث والتدبر، مع ما للركوع والسجود من تاريخ عريق على اختلاف هيئاتها باختلاف الزمان وتعدد الأديان، ولا جرم أن أحدهما (1) كان أول تحية تلقاها البشر عند خلق العالم (2) ، وهما من أهم أركان الصلاة وأدلهما على العبودية لله رب العالمين.
تعريف الركوع والسجود:
معاني الركوع والسجود تدور على ثلاثة محاور، وهي:
المعاني اللغوية.
المعاني الشرعية.
المعاني المجازية.
المعنى اللغوي:
الركوع: يكون في القلب بالخضوع، وفي الجسد بالانحناء وطأطأة الرأس (3) .
والسجود: يشترك مع الركوع في معنييه، ويَفْضُلُ عليه بأنه يختص بوضع الجبهة على الأرض، ولا خضوع أعظم منه (4) والساجد أشد انحناء من الراكع (5) .(3/126)
المعنى الشرعي: الركوع والسجود من أهم أركان الصلاة وأفضلها كما في صحيح مسلم (ت261هـ) عن ابن مسعود (ت32هـ) رضي الله عنه موقوفا: ((إن أفضل الصلاة الركوع والسجود (1)) ) ، ((أما الركوع فهو أن يخفض المصلي رأسه بعد القَومة التي فيها القراءة حتى يطمئن ظهره راكعاً (2) ، قال أحمد بن حنبل (ت241هـ) : ((ينبغي له إذا ركع أن يلقم راحتيه ركبتيه ويُفرِّق بين أصابعه، ويعتمد على ضَبْعَيه (3) وساعديه، ويسوي ظهره، ولا يرفع رأسه ولا يُنكِّسه (4)) ) ، ((وكل قومة يتلوها الركوع والسجدتان من الصلوات كلها فهي ركعة، ويقال ركع المصلي ركعة وركعتين وثلاث ركعات)) (5) .
وأما السجود في الشرع فهو وضع الجباه على الأرض (6) ولا بد معه من الطمأنينة (7) ، وقد بينه الرسول (في الصلاة فيما رواه عنه ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما أن الرسول (قال: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة (وأشار بيده على أنفه) واليدين والركبتين وأطراف القدمين، ولا نكِفت الثياب ولا الشعر)) (8) .
الحقيقة والمجاز:
الحقيقة: ((اللفظ الدالّ على معنى بالوضع الذي وقع فيه ذلك التخاطب)) (9) .
والمجاز: ((اسم لما أُريد به غير ما وُضع له لمناسبة بينهما كتسمية الشجاع: أسدا)) (10)
وبين العلماء خلاف مشهور في وقوع المجاز في القرآن الكريم، بل وفي اللغة العربية، ومن نفاه يعتبر ما يُسمى مجازا - من الاستعارة والحذف والتعبير عن الكل بالجزء وغير ذلك - أسلوبا من أساليب اللغة، وذلك صيانة لكتاب الله تعالى من القول بجواز نفي ما أثبت، كنفي كثير من الصفات الثابتة لله جلّ وعلا في القرآن العظيم (11) .
على أن من أجرى المجاز من المحققين قصَره على النصّ، وذلك بالرجوع إلى أهل اللغة المعتبرين، إذ إن المجازات واردة على خلاف الأصل الذي هو الحقيقة (12) .(3/127)
وقد حاول الزمخشري (ت538هـ) أن يفرق بين الحقيقة والمجاز في الركوع والسجود، فقال رحمه الله: ((ومن المجاز لغبت (1) الأبل حتى ركعت، وهن رواكع إذا طأطت رءوسها وكبت على وجوهها … وركع الرجل انحطت حاله وافتقر (2)) ) وقال في مادة (سجد) : ((ومن المجاز شجر ساجد وسواجد وشجرة ساجدة: مائلة، والسفينة تسجد للرياح: تطيعها وتميل بميلها … وفلان ساجد المنخر إذا كان ذليلا خاضعا، وعين ساجدة: فاترة، وأسجَدت عينَها: غضَّتها … وسجد البعير وأسجد طأ من رأسه لراكبه (3)) ) ، واعتبار ماسبق من المجاز غير الدقيق، حيث اعتبرته أكثر المصادر الأخرى حقيقة (4) ، ولأنه كله يدل على الخضوع والانحناء، ((وإذا دار اللفظ بين احتمال المجاز واحتمال الحقيقة فاحتمال الحقيقة أرجح (5)) ) .
وقد استعمل الركوع والسجود في أساليب متعددة أصولها راجعة إلى ما أشرت إليه في المعاني اللغوية والشرعية، وهي:
أنه يقال للمصلي: راكع، ويقال له أيضا ساجد (6) .
ويقال للساجد راكع، وللراكع ساجد (7) .
وهذه الأساليب جميعها قد استعملت في القرآن الكريم على خلاف بين المفسرين في تأويلها، وللسياق والقرائن والدلائل اعتباراتها في ذلك، وإن كان أكثر هذا الاختلاف من قبيل التنوع لا التضاد.
دراسة الآيات:
وقعت ألفاظ الركوع والسجود في القرآن الكريم في تسعة وأربعين موضعا، وتنتظم موضوعاتها فيما يلي:
أولا سجود المخلوقات جميعها لله رب العالمين.
ثانيا- سجود الملائكة.
ثالثا- سجود النبيين عليهم الصلاة والسلام.
رابعا- الرُّكع السجود في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام.
خامسا- سجود أبوي يوسف وإخوته له.
سادسا- سجود السحرة من بني إسرائيل.
سابعا- أمر بني إسرائيل بأن يدخلوا القرية سجدا.
ثامنا- ذكر ركوع نبي الله داود عليه السلام.
تاسعا- سجود الصديقة مريم وركوعها.
عاشرا- سجود مؤمني أهل الكتاب.(3/128)
حادي عشر- سجود الرسول محمد (وأمته وركوعهم.
ثاني عشر- سجود الكفار وركوعهم.
ثالث عشر- أمر اليهود بالركوع.
أولا - سجود المخلوقات جميعها لله رب العالمين:
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (الرعد/15) .
وقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (النحل/48،49) .
وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (الحج/18) .
وقال الله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} (الرحمن/6) .
{بِالْغُدُوِّ} : أول النهار، {وَالْآصَالِ} آخره، وهو مابين العصر إلى مغرب الشمس (1) .
{يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ} بمعنى {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} ، فمعنى تتفيأ في هذه الآية: تتنقل وتتميل، فالظل يرجع من موضع إلى موضع، والمقصود ب {الْيَمِينِ} أول النهار، وب {وَالشَّمَائِلِ} أواخره (2) .
{دَاخِرُونَ} : صاغرون (3) .(3/129)
{وَالشَّجَرُ} : ما قام على ساق، وأما {وَالنَّجْمُ} فقد اختُلف فيه، ففسره ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما بالنبات الذي لا ساق له، واختاره ابن جرير (ت310هـ) ، وفسره مجاهد (ت104هـ) بنجم السماء، واختاره ابن كثير (ت774هـ) (1) ، وجمع الزجاج (ت311هـ) بين التفسيرين، فقال: ((ويجوز أن يكون النجم ههنا يعني به ما نبت على وجه الأرض وما طلع من نجوم السماء، يقال لكل ما طلع قد نَجَم (2) .
اشتملت هذه الآيات على سجود كل شئ لله تعالى، إذ يقول الله تعالى: {مِنْ شَيْءٍ} (النحل/48) ، ونصّ على بعضه لما فيه من الدلالات الظاهرة على وحدانية الله كالظل، ولأن بعضه قد عُبد من دون الله كالشمس والقمر (3) ، والأصناف المنصوص عليها في الآيات الأربع هي:
أهل السموات والأرض من العقلاء، كما يفيده التعبير ب {مَنْ} الواقعة على العقلاء. (الرعد/15، الحج/18) .
الملائكة (النحل/49) .
المؤمنون في قوله تعالى {وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ} (الحج/18) .
الكفار، إذ هم معدودون ضمن العقلاء المذكورون أولا، ونص عليهم أيضا في قوله تعالى: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} أي وكثير حق عليه العذاب سجد (4) ، وقيل: بل المعنى وكثير أبى السجود (5) .
كل مالا يعقل المعبر عنه ب ((ما)) . (النحل/48،49) .
الظلال. (الرعد/15، النحل/48) .
الشمس والقمر والنجوم. (الحج/18) .
الجبال والشجر. (الحج/18، الرحمن/6) .
الدوابّ. (النحل/49، الحج/18) .
وقد اختلف العلماء في سجود هذه الأصناف على ثلاثة أقوال:(3/130)
القول الأول: أنه السجود الشرعي، هو الوقوع على الأرض بقصد العبادة، واعتبروا من لم يسجد من أهل السموات والأرض كالكفار من العام المخصوص، واستدلوا بقوله تعالى: {وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} (الحج/18) على القول بأن بعض الناس غير داخل في هذا السجود (1) .
القول الثاني: أن المقصود المعنى اللغوي، وهو الخضوع والخشوع (2) .
وهذان القولان معتبران عند علماء التفسير، غير أن القول الأول يتعذر فيه السجود الشرعي في بعض الأصناف، وأما القول الثاني فيتعارض مع القاعدة الأصولية التي تنص على أن اللفظ إذا دار بين الحقيقة الشرعية واللغوية حمل على الشرعية، ولاشك أن الحقيقة الشرعية متحققة في بعض المخلوقات كالمؤمنين، ولولا إرادة ذلك لما أثبته لبعض الناس ونفاه عن بعضهم الآخر في قوله تعالى: {وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ} (الحج/18) (3) .
القول الثالث: أن السجود كل شئ مما يختص به حسب حاله، وهذا هو الراجح (4) ، وعليه فيكون السجود فيما سبق من الأصناف على النحو التالي:
الملائكة: سجودهم عبادة حقيقية، ويكون طوعا بلا خلاف (5) كما قال الرسول (: ((إني أرى مالا ترون وأسمع مالا تسمعون، أطَّت السماء (6) ، وحُقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله …)) (7) .
المؤمنون: سجودهم شرعي طوعا، وقيل إن الكره يكون في سجود عصاة المسلمين وأهل الكسل منهم، وهذا القول أجنبي عن المقصود بقوله تعالى: {طَوْعًا وَكَرْهًا} (8) . (الرعد/15) .
الكفار: لهم السجودان: أما الشرعي فيكون كرها، ويصدق على المنافقين منهم، كما قال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} (9) (التوبة/54) .(3/131)
وأما سجود الكافر خضوعاً على حسب ماهو في اللغة فلأنه منقاد لمشيئة الله وقدرته (1) ، وقال مجاهد (ت104هـ) : ((ظِل الكافر يسجد طوعا وهو كاره (( (2) ، وقال الزجاج (ت311هـ) : ((والكافر إن كفر بقلبه ولسانه وقصده فنفس جسمه وعظمه ولحمه وجميع الشجر والحيوان خاضعة لله ساجدة)) (3) .
سجود الموات والجماد المعبر عنه ب (مالا يعقل) : مامن حيوان ولا نبات ولا جماد إلا وهو مطيع لله خاشع له مسبح له كما أخبر الله تعالى عن السموات والأرض: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (فصلت/11) ، وقال جل شأنه في وصف الحجارة: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (البقرة/74) ، وغير ذلك من الشواهد، مما يدل على أن الله قد أودعها فهما وإدراكا، والخشية لا تكون إلا لما أعطاه الله مما يختبر به خشيته، فهو سجود طاعة، وعلينا التسليم لله، والإيمان بما أنزله من غير تطلّب كيفية السجود وفقهه، إلا ما جاء النص فيه مما سيأتي إن شاء الله قريبا، وهذا مذهب أهل السنة.
وقيل سجود الموات والنبات ونحوهما ظهور أثر الصنع فيها، على معنى أنه يدعو الغافلين إلى السجود عند التأمل والتدبر فيه وهذا مخالف لكثير من ظواهر الكتاب والسنة (4) .
الظلال: لها سجود خاص غير سجود الأشخاص، وقيل: إن المراد بالظلال الأشخاص، وهو ضعيف مخالف للتفسير ولظاهر الآيات (5) .(3/132)
وقد بين الله كيفية سجود الظلال في قوله تعالى: {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} (النحل/48) قال ابن جرير: ((وسجودها ميلانها ودورانها من جانب إلى جانب، وناحية إلى ناحية، كما قال ابن عباس: يقال من ذلك سجدت النخلة: إذا مالت، وسجد البعير وأُسجد: إذا أُميل للركوب (1)) ) ، ويتضمن ذلك خضوعها وانقيادها لأمر الله، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} (الفرقان/45،46) ولا يبعد أن يجعل الله للظلال عقولا تخشع بها وتدرك بها ونحن لا ندركها (2) .(3/133)
الشمس والقمر والنجوم: قال أبو العالية الرِّياحي (ت90هـ) : ((مافي السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع لله ساجدا حين يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له، فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه)) (1) ، فهذا سجود حقيقي (2) ، ويشهد له ما رواه أبو ذرّ (ت32هـ) رضي الله عنه أن النبي (قال يوماً: ((أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال ((إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة. فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت فترجع، فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع، فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك، تحت العرش. فيقال لها: ارتفعي، اصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها)) ، فقال الرسول (: ((أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين {لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} (3)) ) (الأنعام/158) .
فهذا نص صريح عن الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام في سجود الشمس يجب الإيمان به والتسليم به كما ورد، قال ابن العربي (ت543هـ) : ((أنكر قوم سجودها وهو صحيح ممكن)) (4) ، وقال ابن حَجَر (ت852هـ) : ((ويحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكّل بها من الملائكة أو تسجد بصورة الحال فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين)) (5) ، وما ذكره ابن حجر - عفا الله عنه - صرف لهذا النص عن ظاهره وحقيقته دون قرينة تصرفه إلى ما احتمله.(3/134)
الجبال والشجر: نصّت آية الحج/18 على أن الجبال والشجر تسجد لله، وكذلك نصت آية الرحمن/6 على الشجر، ومعنى ذلك أن الله قد أودعهما فَهماً وإدراكا، فهي تسجد سجوداً تعبدياً حقيقياً لا نعلم كيفيته (1) ، وقال ابن جرير الطبري
(ت310هـ) : ((سجود ذلك ظلاله حين تطلع عليه الشمس وحين تزول، إذا تحول ظل كل شئ فهو سجوده)) (2) ، والأظهر كما سبق أن للجبال والشجر ونحوهما سجوداً آخر خاصاً بها، ولظلالها سجوداً آخر خاصاً بها. وليس في آية الحج/18 ولا الرحمن/6 ذكر سجود الظلال، قال ابن كثير (ت774هـ) : ((وقال مجاهد أيضا: سجود كل شئ فيه، وذكر الجبال قال: سجودها فيها)) (3) .
ومما يدل على أن هذا السجود غير سجود الظلال ما جاء عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما، قال: ((كنت عند النبي (، فأتاه رجل فقال:إني رأيت البارحة، فيما يرى النائم، كأني أصلى إلى أصل شجرة، فقرأتُ السجدة فسجدتُّ فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها تقول: اللهم احطط عني بها وزرا، واكتب لي بها أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، قال ابن عباس: فرأيت النبي (قرأ السجدة فسجد، فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة)) (4) .
الدوابّ: عامّ في جميع الحيوانات المميِّزة وغير المميِّزة (5) ، وهي داخلة بحسب اختلاف أنواعها فيما تم توضيحه آنفا. والله أعلم.
إنه لا شيء أدل من السجود على الطاعة والخضوع، ولا جرم أن إخبار الله بسجود هذه المخلوقات له حث للناس على توحيده وطاعته والسجود له، ولهذا استُحب السجود في السور الثلاث الأُول التي أخبر الله فيها عن سجود أهل السموات والأرض (6) .
واختيار صيغة المضارع في الآيات السابقة دلالة على تجدد ذلكم السجود واستمراره.
ثانيا سجود الملائكة:
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم للملائكة نوعين من السجود: السجود لله تعالى طاعة وتعبدا، والسجود لآدم تكرمة وتحية.(3/135)
أسجود الملائكة لله تعالى:
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} . (الأعراف/206) .
ورد عن العلماء في معنى السجود ثلاثة أقوال:
1 السجود الشرعي، وهو وضع الجباه بالأرض (1) .
2 الصلاة (2) .
3 الخضوع والتذلل (3) .
والذي يظهر أن أصحها السجود الشرعي، لقول الرسول (: ((أطّت السماء وحُقّ لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله)) (4) ، ولهذا شُرع لِيُتشبه به بالملائكة في فعلهم (5) ، كما جاء في الحديث: ((ألا تصُفُّون كما تصُفّ الملائكة عند ربها؟)) فقلنا يا رسول الله وكيف تصفّ الملائكة عند ربها؟ قال يتمون الصفوف الأُول ويتراصون في الصفّ)) (6) ، والجمهور من العلماء على أن هذا أول مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم من حيث ترتيب السور (7) .
أما الخضوع فقد أغنى عنه في الآية قوله تعالى: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} ، وأما القول بأن معناه ((ولله يصلون)) فهو الذي فسر به ابن جرير (ت310هـ) هذه الآية، وهو لا يختلف عن القول الأول، لأن السجود جزء من الصلاة، ولأن للملائكة صلاة كما قال تعالى عنهم: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} (الصافات/165-166) ، والمقصود بذلك صلاتهم (8) .
ولا يخفى أن التعبير بصيغة المضارع في قوله تعالى {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} للدلالة على التجديد والاستمرار،وكذلك تقديم المعمول للدلالة على الاختصاص، أي ولا يسجدون لغيره، وفيه أيضا تعريض بالذين يسجدون لغير الله تعالى وتقدس (9) .
ب سجود الملائكة لآدم:
ورد سجود الملائكة لآدم في سبع سور من القرآن الكريم، وهي:(3/136)
1 قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} . (البقرة /34) .
2 قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ} . (الأعراف/11) .
3- قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} . (الحجر/28-31) .
4 قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} . (الإسراء/61) .
5 قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} . (الكهف/50) .
6 قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} . (طه/116) .
7 قوله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} . (ص/71-74) .
اشتملت هذه الآيات على فضيلة عظيمة لآدم حيث اسجد الله له ملائكته (1) ، وقد اختلف العلماء في كيفية هذا السجود على أربعة أقوال:(3/137)
أنه مجرد الخضوع، دون إيماء ولا انحناء ولا نحوهما، وهذا يرجع إلى أحد معاني السجود اللغوية، والمقصود إقرارهم لآدم بالفضل والقيام بمصالِحه (1) .
الإيماء والخضوع (2) .
الانحناء المساوي للركوع، وذلك بالتكفَّي والتعظيم، كسلام الأعاجم (3) .
أنه السجود المتعارف، وهو وضع الجبهة بالأرض (4) . وعزاه القرطبي (ت671هـ) إلى الجمهور (5) ، وهو الصواب ولا يُعكّر عليه أن السجود في الشريعة الإسلامية محرم، لأن ذلك خاص بآدم في العالم العلوي، وليس ذلك ضمن التكاليف المنوطة بأهل الأرض، فلا يقاس عليه (6) ، على أن هذا السجود كان جائزا قبل الإسلام كما سيأتي بيانه في السجود ليوسف عليه السلام.
وقد اتفق العلماء على أن سجود الملائكة لآدم سجود تحية لا عبادة تكريما لآدم
عليه السلام وإظهاراً لفضله (7) ، ولهذا اعترض إبليس على السجود كما أخبر الله تعالى عنه في قوله: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} (الإسراء/62) ، ولم يكن الأمر بالسجود له على أنه نُصب قبلة للساجدين كالكعبة للمسلمين، وذلك يقتضي أن تكون اللام بمعنى إلى في {لِآدَمَ} ، فيكون التقدير: اسجدوا إلى آدم، وذلك تكلف لا مُلجئ إليه (8) .(3/138)
ومما يدلّ على أن سجودهم كان على الجباه قوله تعالى: {فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (الحجر/29،ص/72) ، حيث أمرهم بالوقوع وهو السقوط (1) ، قال ابن جرير (ت310هـ) في تفسير هذه الجملة: ((يقول فاسجدوا له وخِرّوا له سجدا)) (2) ، ومن المرجحات لقول الجمهور أن الأصل في حكم اللفظ أن يكون محمولا على بابه وحقيقته (3) ، ولا شك أن هذا يتأكد إذا كان معه قرينة تدل عليه كما في هذا السجود، ولهذا قال ابن عطية (ت541هـ) : ((وهذه اللفظة [فَقَعُوا] تُقوّي أن سجود الملائكة إنما كان كالمعهود عندنا لا أنه خضوع وتسليم واشارة كما قال بعض الناس)) (4) ، لكنه - رحمه الله - ناقض نفسه في موضع آخر من تفسيره، فقال: وقوله تعالى: {فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} لا دليل فيه، لأن الجاثي على ركبتيه واقع (5) ، وما اعتلّ به منقوض بكلامه الآنف الذكر، كما أن الجثيّ لا يلزم منه الإنحناء (6) ، فهذه هيئة مغايرة للهيئات التي ذكرها العلماء في سجود الملائكة لآدم عليهم السلام. والله أعلم.
ثالثاً - سجود النبيين عليهم الصلاة والسلام:
قال الله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَانِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (مريم/58) .
{آيَاتُ الرَّحْمَنِ} : كلام الله المتضمن حججه ودلائله مما أنزله على أنبيائه في كتبهم (7) .
{خَرُّوا} : الخرور هو السقوط والهوي إلى الأرض (8) .
{وَبُكِيًّا} : بضم الباء وبكسرها لغتان مستفيضتان وقراءتان سبعيتان، جمع باك وهو فاعل على فُعول، كساجد وسُجود، لكن قلبت الواو ياء، فأدغمت نحو جاث وجثي (9) .(3/139)
وقوله تعالى: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} اشتمل على ثلاثة أمور: خرور وسجود وبكاء، فهو صريح في السجود المعروف على الجباه (1) ، ((فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا اقتداء بهم واتباعا لمنوالهم (2)) ) ، كما استُحب البكاء عند تلاوة القرآن (3) .
وقيل المقصود بالسجود في هذه الآية الصلاة، وقيل مجرد الخشوع، والخرور يأباهما (4) ، إلا إن القول الراجح _ وهو السجود على الوجه _ يتضمن الخشوع أيضا، ولذلك قال الطبري (ت310هـ) في تفسير هذه الآية: ((خروا لله سجدا استكانة وتذللا وخضوعا لأمره وانقيادا)) (5) .
رابعاً - الرُّكع السجود في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام:
قال الله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} . (البقرة/125) .
وقال الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (الحج/26) .
{وَعَهِدْنَا} : وأََمَرْنا (6) ، وعُدِّي ب {إِلى} لأنه في معنى أوحينا (7) .
{وَالْعَاكِفِينَ} : هم المقيمون بالبيت على سبيل الجوار فيه، ومنهم المعتكفون (8) .
{بَوَّأْنَا} : ((جعلنا مكان البيت مبؤا لإبراهيم، والمبؤ المنزل)) (9) .
{وَالْقَائِمِينَ} : أي في الصلاة (10) .(3/140)
{وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} : جماعة القوم الراكعين لله، وجماعة القوم الساجدين لله، وقد تعددت عبارات المفسرين في ذلك، فقال ابن جرير الطبري (ت310هـ) : ((يعني تعالى ذكره بقوله: {وَالرُّكَّعِ} جماعة القوم الراكعين فيه له، واحدهم راكع، وكذلك {السُّجُودِ} : هم جماعة القوم الساجدين فيه له، واحدهم ساجد: كما قال: رجل قاعد، ورجال قعود، ورجل جالس، ورجال جلوس، فكذلك ساجد ورجال سجود، وقيل: بل عنى بالركع السجود: المصلين)) ، ثم أسند عن عطاء (ت114هـ) قوله: ((إذا كان يصلى فهو من الركع السجود)) ، وأسند عن قتادة (ت118هـ) قوله: {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} : أهل الصلاة)) (1) ((وقال الحسن (ت110هـ) : هم جميع المؤمنين)) (2) وقال الفرّاء (ت207هـ) : ((يعني أهل الإسلام)) (3) وقال: الزَّجَّاج (ت311هـ) (( {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} : سائر من يصلي فيه من المسلمين)) (4) ، وهذا إختلاف تنوع وعبارة لا تناقض ولا تضاد فمنهم من فسرها بهيئات الصلاة بالنظر إلى الألفاظ المذكورة في الآيتين، وهي القيام والركوع والسجود، وهي أعظم أركان الصلاة (5) ، ومنهم من فسرها بالصلاة ((لأن القيام والركوع والسجود هيئات المصلي)) (6) ، ومنهم من حملها على سائر أهل الإسلام أتباع ملة إبراهيم عليه السلام، لأنه لا يركع ولا يسجد لله إلا المسلمون كما أنه لم تجتمع هذه الأركان الثلاثة: القيام والركوع والسجود في صلاة إلا في صلاة المسلمين (7) ، ولهذا ذُكر الركوع والسجود مع البيت لأن الصلاة إليه في غالب الأحوال (8) ، وهو قبلة المسلمين، وقد نص غير واحد من العلماء أن اليهود لا ركوع في صلاتهم، قال أبو حيان (ت754هـ) ((المشاهد من صلاة اليهود والنصارى خلوها من الركوع)) (9) ، وقال البقاعي (ت885هـ) : ((تتبعت التوراة فلم أره ذكر فيها الركوع)) (10) ، وقال في موضع آخر: ((سألت عن(3/141)
صلاة اليهود فأَخبرت أنه ليس فيها ركوع)) (1) .
والظاهر أن مراد العلماء من قولهم لا ركوع في صلاتهم أي مثل ركوعنا الشرعي المعروف، فقد ذكر الله عن داود عليه السلام أنه خر راكعا في قوله تعالى: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (ص/24) ، وقال جل شأنه عن مريم البتول: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (آل عمران/43) ، وسيأتي ذكر أقوال العلماء في هاتين الآيتين في موضعه من هذا البحث فالحاصل أن قوله تعالى: , {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} يدل على أن إبراهيم عليه السلام وكذلك الأمم من قبلنا كانوا مأمورين بالصلاة وبما اشتملت عليها من هيئات، لكنها ليست مماثلة لصلاتنا في الأوقات والهيئات (2) .
وقدم الركوع على السجود، كما تقدم القيام عليها باعتبار الزمان، وأما من حيث الأفضلية فإن السجود هو أفضل هيئات الصلاة على ما نص عليه جمع من الأئمة (3) ، وجنس الركوع والسجود أفضل من جنس القيام (4) ، وعن ابن مسعود (ت32هـ) رضي الله عنه موقوفا: ((إن أفضل الصلاة الركوع والسجود)) (5) .(3/142)
وقد اشتمل قول الله تعالى: {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} على جملة من الأسرار البلاغية لخَّصها الإمام اللغوي أبو حيان (ت754هـ) في قوله: ((وجُمعا جمع تكسير لمقابلتهما ما قبلهما من جمعي السلامة، فكان ذلك تنويعاً في الفصاحة أيضا، وخالف بين وزني تكسيرهما تنوعيا في الفصاحة أيضا، وكان آخرهما على (فُعول) لا على (فُعَّل) لأجل كونها فاصلة، والفواصل قبلها وبعدها آخرها قبله حرف مد ولين، وعُطفت تينك الصفتان لفرط التباين بينهما بأي تفسير فسرتهما مما سبق، ولم يُعطف السجود على والركع لأن المقصود بهما المصلون، والركع والسجود وإن اختلفت هيئاتهما فيشملها فعل واحد وهو الصلاة، فالمراد بالركع السجود المصلون، فناسب ألا يعطف لئلا يُتوهم أن كل واحد منهما عباده على حيالها وليستا مجتمعتين في عبادة واحدة وليس كذلك)) (1) .
خامساً - سجود أبوي يوسف وإخوته له:
قال تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} . (يوسف/4) .
وقال الله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} . (يوسف/100) .
السجود المذكور في الآية الأولى رؤيا منام، والمذكور في الآية الأخرى هو وقوعها، وأبواه: يعقوب عليه السلام وأم يوسف وقيل بل خالته، وظاهر القرآن أنها أمه (2) ، والذين خروا له سجدا أبواه، وذلك مصداق رؤيا الشمس والقمر، وإخوته الأحد عشر وذلك مصداق رؤيا الأحد عشر كوكبا.
{الْعَرْشِ} : سريره الذي يجلس عليه (3) .(3/143)
وقد اختلف العلماء في المقصود من السجود في قصة يوسف على النحو الذي في قصة سجود الملائكة لآدم، هل كان خضوعا مجردا؟ أو مع إيماء؟ أو كان انحناء كالركوع؟ أو هو السجود المتعارف عليه من وضع الجبة بالأرض (1) ؟
وأسباب هذا الاختلاف أن السجود لغير الله شرك محرم في دين الله في جميع الأزمان، فلذلك صرف لفظ السجود عن ظاهره وهو تعفير الجباه إلى ما دونه من التأويلات، والذي عليه الأكثر أن السجود على وجه التحية والتكرمة كان جائزا كسائر التحايا مما جرت عليه عادة الناس في التوقير والتقدير، لا على وجه العبودية، فكان السجود سائغا في الشرائع السابقة على هذا النحو، ولم يزل مباحا إلى أن جاء الإسلام فجعله مختصاً بالله تعالى وحده حماية لجناب التوحيد ومساواة بين الناس في العبودية والمخلوقية (2) ففي الحديث: ((لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي (، قال: ((ما هذا يا معاذ؟)) ، قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددتُّ في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله (: ((فلا تفعلوا …)) (3) وفي بعض طرقه: ونهى عن السجود للبشر، وأمر بالمصافحة (4) ، وعن أنس بن مالك (ت93هـ) قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: ((لا)) قال: أفيلتزمه ويقبله، قال: ((لا)) قال: أفيأخذ بيده ويصفحه؟ قال: ((نعم)) (5) .
وقد أجمع المفسرون أن سجود أبوي يوسف وإخوته على أي هيئة كان فإنما كان تحية لا عبادة (6) ، والأظهر أنه كان على الوجوه وليس انحناء ولا إيماء لقوله تعالى {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} (7) ، قال الجوهري (ت393هـ) : ((وخرَّ لله ساجدا يّخِرُّ خُرُورا أي: سقط)) (8) .(3/144)
وقيل الضمير في {لَهُ} لله عز وجل وهو قول مردود (1) ، ولا يلتئم مع السياق، ولا يتوافق مع الرؤيا (2) في قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (يوسف/4) .
وقال الزمخشري (ت538هـ) : ((وقيل معناه: وخروا لأجل يوسف سجدا لله شكرا وهذا أيضا فيه نَبْوة)) (3) .
وكل هذه التأويلات الضعيفة لأجل الخروج من أن يكون السجود لغير الله، ومن استبان له تاريخ السجود زالت عنه هذه الإشكالات.
وأما سجود الكواكب والشمس والقمر في رؤيا يوسف عليه السلام فالأصل في الكلام حمله على ظاهره وحقيقته، ولا مانع أن يراها ساجدة له،ولهذا عبر عنها بما هو خاص بالعقلاء فلم يقل: رأيتها ساجدة،ولكنه قال {سَاجِدِينَ} : إظهاراً لأثر الملابسة والمقاربة (4) ، وقد سبق الكلام عن سجود ما لا يعقل في أول البحث.
سادساً - سجود السحرة من بني إسرائيل:
قال تعالى: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} (الأعراف/120)
وقال تعالى: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} (الشعراء/45،46) .
وقال تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} (طه/70) .(3/145)
المراد بالسجود في هذه القصة السقوط على الوجوه لما عاينه السحرة من عظيم قدرة الله، وصدق نبوة موسى عليه السلام والتعبير بالإلقاء في الآيات الثلاث يفيد أنهم خروا لله تعالى متطارحين على الأرض مذعنين لله بالطاعة، وهو صريح في صفة سجودهم (1) ، وتساءل الزمخشري (ت538هـ) عن فاعل الإلقاء لو صرح به، فأجاب: ((هو الله عز وجل بما خولهم من التوفيق أو إيمانهم أو ما عينوا من المعجزة الباهرة، ولك أن لا تقدّر فاعلا، لأن ألقوا بمعنى خروا وسقطوا)) (2) وتعقّبه أبو حيان (ت754هـ) في القول الأخير فقال: ((… أما أنه لا يُقدّر فاعل فقول ذاهب عن الصواب)) (3) .
وأما من حمل السجود على الخضوع اللغوي دون خرور الوجوه فهو مخالف لظاهر الآيات وليس له قرينة تدل عليه، فلا يُعّول عليه (4) .
وأغرب من ذلك من جوّز أن يكون السجود دلالة على تغلب موسى على السحرة فسجدوا تعظيما له، وأشد غرابة منه تجويز أن يريدوا به تعظيم فرعون حيث جعلوا السجود مقدمة لقولهم {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} حذرا من بطشه (5) ، وينبغي أن ينزه كلام الله تعالى عن مثل هذه الأقوال الأجنبية.
سابعاً- أمر بني اسرائيل بأن يدخلوا القرية سجدا:
قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} (البقرة/58) .
وقال الله تعالى: {وَقُلْنَا لَهُمْ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} (النساء/154) .
وقال الله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} (الأعراف/161) .(3/146)
المراد بالقرية عند الجمهور مدينة بيت المقدس، وهي المذكورة في قوله تعالى {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (المائدة/21) ، فمكنهم الله من دخولها بعد خروجهم من التيه بقيادة يوشع بن نون عليه السلام، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطة شكرا لله وتواضعا (1) . و {الْبَابَ} أحد أبواب بيت المقدس (2) .
{وَقُولُوا حِطَّةٌ} : الصحيح أنهم أمروا أن يقولوا هذه الكلمة بحروفها لقول الرسول (: ((قيل لبني اسرائيل {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} ، فبدلوا، فدخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا حبة في شعيرة)) (3) ، ولهذا استنبط العلماء منه: ((أن الأقوال المنصوصة إذا تعبد بلفظها لا يجوز تغييرها)) (4) ، وتفسير {حِطَّةٌ} : اللهم حط عنا ذنوبنا (5) أمروا به في سجودهم، أي ادخلوا الباب سجدا قائلين في سجودكم حطة، فقدم وأخر في سورتي البقرة والأعراف في لفظتي {سُجَّدًا} {حِطَّةٌ} ليُحرز المجموع أن المراد بهذا القول أن يكون في حال السجود لا قبله ولا بعده (6) ، وقد اختلف العلماء في معنى {سُجَّدًا} فمنهم من حمل السجود على المعنى اللغوي وهو الخضوع والتواضع حسب (7) ، وهذا القول لا ينسجم مع نص الحديث السابق الذي يدل على أنهم خالفوا الهيئة المطلوبة، ودخلوا يزحفون على أستاههم.
ومنهم من حمله على معناه الشرعي، وهو وضع الجباه بالأرض (8) ، وهو متعذِّر، إلا على ضرب من التكلف (9) .(3/147)
ومنهم من حمله على الركوع، وهو تفسير ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما (1) ، وتفسير الصحابي مقدم على غيره (2) ، ثم إن تفسير {سُجَّدًا} ب ركعا هو الأظهر، وإنما عبر بالسجود ولم يعبر بالركوع، لأن السجود أدخل في الخضوع وأبلغ من الركوع، فلو عبر بالركوع لتوهم أن المراد الهيئة فقط دون الخشوع والخضوع لله، ولهذا عبر بعض العلماء في تفسيره ب ((ركعا خضعا)) (3) ، والقول بأنه المقصود في الآية الركوع هو بمعنى الانحناء، ولهذا قال الطبري (ت310هـ) : ((وأصل السجود: الانحناء لمن سجد له معظما بذلك، فكل منحن لشيء تعظيما فهو ساجد… فذلك تأويل ابن عباس قوله: {سُجَّدًا} : ركعا لأن الراكع منحن)) (4) ، وقال الزمخشري (ت538هـ) معبراً عن هذا القول: ((السجود أن ينحنوا ويتطامنوا داخلين ليكون دخولهم بخشوع وإخبات)) (5) . أما عدّ الانحناء دون خضوع قولا مستقلا فليس بشئ (6) .
ثامنا- ذكر ركوع نبي الله داود عليه السلام:
قال الله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (ص/24) .
ابتلي داود عليه السلام في حادثة، فأرسل الله إليه ملكين فاختصما إليه في نازلة قد وقع هو في نحوها، ومن ثَمَّ شعر وعلم أنه هو المراد (7) {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} ، أي رجع إلى رضى ربه بالتوبة (8) .
ومعنى {رَاكِعًا} في هذه الآية: السجود على الوجه، هذا هو قول جمهور المفسرين، حتى قال ابن العربي: ولا خلاف بين العلماء أن الركوع هاهنا هو السجود لأنه أخوه)) (9) ، والصواب أن الخلاف موجود كما سيأتي، وإن كان المعنى الراجح أنه هو السجود، ووجوه الترجيح مايلي:(3/148)
حديث الرسول (: ((أن النبي (سجد في ص، وقال: ((سجدها داود توبة ونسجدها شكرا)) (1) ، قال ابن تيمية (ت728هـ) : ((لا ريب أنه سجد كما ثبت بالسنة وإجماع المسلمين أنه سجد لله)) (2) ، واعتبر البقاعي (ت885هـ) هذا الحديث تفسير لهذه الآية، فقال: ((… ولأن النبي (فسره بالسجود)) (3) وذكر هذا الحديث، والصواب أن هذا ليس تفسيرا صريحا لهذه الآية، وإنما تضمن صفة سجود توبة داود، ولو كان تفسيرا للآية حقا لتعين المصير إليه في تفسيرها.
عن مجاهد (ت104هـ) قال: ((قلت لابن عباس أنسجد في ص؟ فقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} حتى أتى {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} فقال: ((نبيكم (ممن أمر أن يقتدى بهم)) (4) ، يشير ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما إلى قوله تعالى: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} قال ابن الجوزي (ت597هـ) : ((قال ابن عباس: أي ساجدا)) (5) ، ولم أقف على تفسير ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما لهذه الآية مسندا فيما اطلعت عليه.
وهذا الموضع من سورة ص من مواضع سجود التلاوة عند أكثر العلماء (6) .
اقتران لفظ الركوع في الآية ب {خرّ} ، والخرور هو السقوط والهوي إلى الأرض (7) ، فدل ذلك على أن المراد هو السجود على الوجه، ((وعبر بالركوع عن السجود ليُفهم أنه كان عن قيام)) (8) ، ولهذا كان سجود التلاوة قائما أفضل منه قاعدا ((إذ هو أكمل وأعظم خشوعا، لما فيه من هبوط رأسه وأعضائه الساجدة لله من القيام)) (9) .(3/149)
فكل هذه الدلائل تؤكد أن معنى {رَاكِعًا} في الآية: ساجدا، وقيل: معناه على ظاهره بمعنى الانحناء (1) ، وحاول بعضهم أن يجمع بين القولين بأن يكون ركع أولا ثم سجد بعد ذلك فيكون {خَرَّ} بمعنى سجد (2) ، أو أن الله سبحانه ذكر أول فعله وهو خروره راكعا، وإن كان الغرض منها الانتهاء به إلى السجود (3) ، وقيل بل معنى {رَاكِعًا} : ((مصليا)) على اعتبار أن الركوع يراد به الصلاة (4) ، والأَولى ما قدمته. والله أعلم.
تاسعاً - سجود الصديقة مريم وركوعها:
قال الله تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (آل عمران/43) .
((القنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع)) (5) ، ((وقيل لطول القيام في الصلاة قنوت)) (6) ، وهو المقصود في هذه الآية عند الجمهور (7) ، وذلك مناسب لقوله تعالى: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} (8) ، وقال سعيد بن جبير (ت95هـ) : ((أخلصي لربك)) (9) وبه تأوّل ابن جرير (ت310هـ) هذه الآية، فقال: ((فتأويل الآية إذا: يا مريم أخلصي عبادة ربك لوجهه خالصا)) (10) ، وهو مناسب للآية قبلها: {وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) } ، فإخلاص العبادة لله شكرا واعترافا يتسق مع ما خصها الله به من كراماته.
واختلف العلماء في المراد من السجود والركوع في هذه الآية، فمنهم من أجراهما على هيئات الصلاة المعهودة، ومنهم من حملهما أو أحدهما على الصلاة مطلقا، ومنهم من اعتد بأصل المعنى اللغوي _ وهو الخشوع _ فيهما أو في أحدهما (11) .(3/150)
وقد تقرر أن الأصل حمل الألفاظ على حقائقها الشرعية إلا أن تصرفها قرينة أو دلالة إلى أحد معانيها الأخرى، وعليه فإن معنى قوله تعالى: {وَاسْجُدِي} على ظاهره في معناه الشرعي (1) ، وخُص بالذكر وقدم على الركوع لشرفه وفضله على سائر هيئات الصلاة (2) ، أما الركوع فقد خلت منه صلاة اليهود والنصارى (3) ، فلهذا جاز حمله هنا على مطلق الصلاة أي صلي مع المصلين وقد تضمن ذلك الأمر بصلاتها مع جماعة، وتلك خِصِّيصة لها من بين نساء بني اسرائيل (4) ، والذين من قبلنا كانت لهم صلاة لكنها ليست مماثلة لصلاتنا في أوقاتها وهيئاتها (5) ، فلا يلزم أن يكون في صلاة من قبلنا ركوع مثل ركوعنا، وكذلك ما ذكر من السجود لا يلزم أن يكون على الصورة التي عليها شرعنا تماما، وإنما هو مطلق السجود (6) .
ومن العلماء من اعتد بالأصل اللغوي في هذه الآية، وهو الخشوع، أي اخشعي لله مع من خشع له من خلقه شكرا له على ما أكرمك به من الاصطفاء (7) ، وذلك يتضمن معنى آخر للآية بالإضافة إلى الصلاة، لأن قوله تعالى: {وَاسْجُدِي} قد أفاد معنى الصلاة إذ هو جزء منها.
ولما كان موضوع الآية في مقام الشكر على ما أنعم الله به على مريم من مزيد المواهب والعطايا (8) ((قال قوم: تأويلها اسجدي: أي صلي {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} : أي اشكري لله جل ثناؤه مع الشاكرين)) (9) ، نقل هذا التأويل اللغوي الحاذق ابن فارس
(ت395هـ) مستشهدا به على أنه يقال: ((للساجد شكراً: راكع)) (10) .
عاشراً - سجود مؤمني أهل الكتاب:
قال الله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (آل عمران/113) .(3/151)
وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (الإسراء/107_109) .
المراد ب {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} وأهل الكتاب من أسلم من اليهود والنصارى (1) .
{أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} : أي ((مستقيمة عادلة)) (2) .
والمتلوا في الآيتين: القرآن الكريم (3) ، وهو المراد بالوعد في قوله تعالى {إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} (4) .
{آنَاءَ اللَّيْلِ} : أي ساعاته (5) .
الأذقان: ((أسافل الوجوه، حيث يجتمع اللحيان، وهي أقرب ما في رأس الإنسان إلى الأرض، لا سيما عند سجوده)) (6) .
وقد خص الله بالتنويه من آمن من أهل الكتاب في هذه الآيات وفي غيرها لما لهم من سابق إيمان، وتصديق بما جاء به الرسول (ومتابعة له، ولذلك وعدهم الله بأن يؤتيهم أجرهم مرتين، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} (القصص/51-54) .
وامتدحهم الله بالسجود في آيتي آل عمران والإسراء فما معناه؟ وما كيفيته في تينك الآيتين؟.
أما قوله تعالى: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (آل عمران/ 113) : فللسجود في هذه الآية معنيان وجيهان:(3/152)
المعنى الأول: وهو يُصّلون، فالسجود اسم للصلاة، وإنما عبر عن الصلاة بالسجود لأنه أدخل في كمال الخضوع والخشوع والتضرع (1) ، ولأن التلاوة لا تكون في السجود (2) ، فهي على هذا جملة في موضع حال، أي يتلون آيات الله متلبسين بالصلاة (3) .
المعنى الثاني: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} في صلاتهم، وهم مع ذلك يسجدون فيها، فالسجود هو السجود المعروف في الصلاة)) (4) ، وهذا هو الظاهر من لفظ السجود (5) ، لأن الأصل في إطلاق الألفاظ الحقيقة الشرعية.
والمراد بالصلاة – في أولى أقوال العلماء في هذه الآية – صلاة العشاء (6) لقول ابن مسعود (ت32هـ) رضي الله عنه ((أخَّر رسول الله (صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة، قال: ((أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم)) ، قال: وأُنزل هؤلاء الآيات: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} حتى بلغ {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (7) .
وأما قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} فحمله الحسن (ت110هـ) على ظاهره وهو السجود على اللِّحى، وهذا القول لا يستقيم إلا إن كان المقصود بالذين أوتوا العلم السابقين ممن لم يدركوا الإسلام والقرآن وإنما عرفوه من خلال كتبهم، وكان كذلك سجودهم (8) .(3/153)
والأصح ما ذهب إليه ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنه، وتابعه عليه جماهير المفسرين، وهو السجود على الوجوه وذلك أن الآية اشتملت على الخرور والسجود، والآية التالية – وهو قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} – اشتملت على الخرور والبكاء، فأفادت الآية الأولى أن أول ما يَلقى الأرض من الذي يَخر قبل أن يصوِّب جبهتَه ذقنُه، ففيها تصوير لحال سجودهم، وفيها أن الخرور عبادة مقصودة يحبها الله، وقد يكون خرور بدون سجود، كما هو الحال في الآية التالية، فقد يبكي الخاشع مع خرور دون أن يصل إلى حدّ السجود، وهذه عبادة مقصودة أيضا، غير أن مجموع الآيتين أفاد الخرور للأذقان، والسجود على الوجوه والبكاء مع الخشوع، كما في قوله تعالى: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (1) (مريم/58) ، وآية الإسراء من مواضع سجود التلاوة المتفق عليها (2) .
وقيل: إن المقصود بالسجود في قوله تعالى: {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} ، {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} هو مجرد الخضوع والخشوع وهو قول ساقط لا يعوّل عليه (3) .
وفيما ذكره الله من سجود مؤمِني أهل الكتاب معان بلاغية، منها:
الجملة الاسمية في قوله تعالى: {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} تدل على الاستمرار، والضمير في {وَهُمْ} يدل على التوكيد، واختيار صيغة المضارع للدلالة على التجدد، وعطفت بالواو في {وَهُمْ} على ما قبلها من التلاوة لتشعر بأن تلك التلاوة كانت في صلاة (4)
التعبير باللام بدل ((على)) في قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} ، وهذه اللام تعرف بلام الاختصاص، وهي تدل على تمام السجود وتمكّن الوجوه من الأرض من قوة الرغبة في السجود لما فيه من استحضار الخضوع لله سبحانه (5) .(3/154)
جاء التعبير عن الخرور الأول بالاسم وعن الثاني بالفعل في قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} ، {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} ، وذلك لأن الفعل مشعر بالتجدد، والبكاء ناشئ عن التفكر، فهم دائما في فكرة وتذكر وخشوع، ولما كانت حالة السجود ليست تتجدد في كل وقت عبر فيها بالاسم (1) .
حادي عشر - سجود الرسول (وأمّته وركوعهم:
وقع الركوع والسجود فيما يتعلق بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وأمته في القرآن الكريم في ثلاثة عشر موضعا ما بين مكي ومدني وأمر ومدح وتشريع، ويمكن رصد معاني تلك الآيات ووجوهها من خلال تصنيفها على أربع مجموعات، وهي على النحو التالي:
أ - ما خوطب به الرسول (في ذلك.
ب- ما جاء في سجود أمته.
ج- الركوع مفرداً.
د- الركوع والسجود معاً.
وسألقي الضوء على كل وحدة على حدة للوصول إلى أصح الأقوال في كل آية من خلال ماصح من أسباب النزول والآثار والاعتبار بالسباق واللحاق، وكذلك النظائر وسائر القرائن والدلائل.
أ- ما خوطب به الرسول (في ذلك:
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ} . (الحجر/97- 98) .
وقال الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} . (الشعراء/217-219) .
وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) } . (ق/39-40) .(3/155)
وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} . (الإنسان/24-26) .
وقال الله تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} . (العلق/19) .
إن الناظر في هاته الآيات يلحظ أنها تضمنت تسلية الرسول (لما يلاقيه من مضايقة من قومه، وكان ذلك في العهد المكي ولهذا كانت جميعها مكية إلا سورة الإنسان فمختلف فيها (1) ، والأظهر أنها مكية، كما يبدو من أساليبها ومعانيها (2) ، على أنه من العلماء من قال بمدينتها إلا قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} إلخ (3) .
ولقد كان رسول الله (إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة (4) ، قال ابن الأثير (ت606هـ) في ((حزبه)) : ((أي إذا نزل به مهم أو أصابه غمّ)) (5) ، فهذا منه عليه الصلاة والسلام أخذٌ بهذه الآيات (6) ، لما يجده في الصلاة من أُنس بمناجاة ربه، وإنما عبر بالسجود عن الصلاة لأنه حالة القرب من الله فيها السجود، وهي أكرم حالات الصلاة عند الله وأقمنها بنيل رحمته ولذة مناجاته (7) .
فالمقصود من الأمر بالسجود في هذه الآيات بالجملة هو الصلاة، وليس السجود المجرّد من الصلاة، وتفصيل ذلك في كل آية كما يلي:
قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ} (الحجر/97-98) :
قال جمهور العلماء: وكن من المصلين (8) ، وعزاه ابن الجوزي (ت597هـ) إلى ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما (9) ، قال الطبري (ت310هـ) : ((وهذا نحو الخبر الذي رُوي عن رسول الله (: أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة)) (10) .(3/156)
وقيل: معنى الآية وكن من المتواضعين، ونسب ذلك إلى ابن عباس رضي الله عنهما أيضا (1) ، وذلك مبني على قوله تعالى قبله: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (الحجر/88) ، غير أن الألصق بالسياق قول الجمهور، وجمع بينهما البغوي (ت516هـ) في تفسيره: ((من المصلين المتواضعين)) (2) .
وخطَّأ ابن العربي (ت541هـ) من ظن أن المراد في الآية السجود نفسه (3) ، ولم أقف على نص - فيما اطلعت عليه - ذكر أن المراد من الآية السجود نفسه.
قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} (الشعراء/217-219) .(3/157)
جمعت هذه الآيات بين صلاة النبي (وحده وصلاته في الجماعة، والمعنى: ((يراك وحدك ويراك في الجماعة، وهذا قول الأكثرين)) (1) ، ((وهذا يجمع معنى العناية بالمسلمين تبعا للعناية برسولهم، فهذا من بركته (، وقد جمعها هذا التركيب العجيب الإيجاز)) (2) ، فمعنى {فِي السَّاجِدِينَ} : ((أي في أهل الصلاة، أي صلاتك مع المصلين)) (3) وقال بعضهم: معنى قوله تعالى {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} : أي تقلبك في صلاتك حين قيامك وحين ركوعك وسجودك، فالمقصود بالساجدين هو الرسول ((4) ، فهو من إطلاق الجمع وإرادة به المفرد، والمعنيان متقاربان، وكلاهما مروي عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما (5) ، إلا أن الأشمل هو القول الأول، ولذلك اختاره ابن جرير الطبري (ت310هـ) فقال رحمه الله: ((وأولى الأقوال في ذلك بتأويله قول من قال: تأويله: ويرى {تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} في صلاتهم معك، حين تقوم معهم وتركع وتسجد، لأن ذلك هو الظاهر من معناه)) (6) فالمقصود بالسجود في الآية الصلاة، غير أنه اختُلف في المراد بالساجدين بالتحديد، فمنهم من قال: هو الرسول (، ومنه من قال: عنى به أهل الصلاة من المؤمنين، وثمة أقوال أخرى في بيان المراد منهم، فقيل: جميع المؤمنين، وقيل جميع الناس، وقيل الأنبياء، وكلها أقوال أجنبية عن ألفاظ الآية المتضمنة بعض هيئات الصلاة (7) .
وتفسير مجاهد (ت104هـ) لهذه الآية نحو قول الجمهور، حيث قال رحمه الله:(3/158)
((يعني في المصلين، وكان يقال: يرى مَن خلفه في الصلاة)) (1) ، ويشهد لهذا ما جاء في الصحيحين أن الرسول (قال: ((أقيموا الصفوف فإني أراكم خلف ظهري)) (2) ، فمعنى التقلب عند مجاهد رحمه الله إبصار الساجدين، وليس هو هيئات الصلاة من قيام وركوع وسجود، ولهذا اعتبره ابن عطية (ت541هـ) معنى أجنبيا هنا (3) تبعا للطبري (ت310هـ) حيث قال: ((وكذلك أيضا في قول من قال: معناه تتقلب في إبصار الساجدين، وإن كان له وجه فليس ذلك الظاهر من معانيه)) (4) .
وهذه الآية شبيهة بآية الحجر - التي سبق الكلام عنها آنفا - في مقصدها ومعناها، حيث إن كلا منهما سُبقت ببيان موقف الكافرين من دعوة الرسول (، كما تضمنت كل منهما توجيه الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام بملازمة الصلاة، وفي الجمع في كل منهما في لفظ {السَّاجِدِينَ} إشارة إلى صلاة الجماعة (5) ، ولا سيما أن هذا التوجيه في السورتين سُبق بخفض الجناح للمؤمنين الذين بهم قوام صلاة الجماعة.
قوله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} (ق/39-40) :
{أَدْبَارَ} جمع دبُر، أي في أعقابه، وفي قراءة سبعية أخرى بكسر الهمزة مصدر أدبر يدبر إدبارا، والتقدير: وقت إدبار السجود (6) .(3/159)
أجمع أهل التأويل على أن التسبيح في قوله تعالى: {وَسَبِّحْ} معناه: صلّ (1) ، وقد سبق أن هذه السورة مكية، قال ابن كثير (ت774هـ) : ((وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتان: قبل طلوع الشمس في وقت الفجر، وقبل الغروب في وقت العصر وقيام الليل كان واجبا على النبي (وعلى أمته حولا ثم نسخ في حق الأمة وجوبُه، ثم بعد ذلك نسخ الله ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات)) (2) ، وفي الصحيحين: أن النبي (نظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون (3) في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (4) .
وقوله تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} : أي فصلّ له، ويجوز أن يكون ذلك صلاة الليل في أي وقت صلى، ومن العلماء من خصها بصلاة المغرب والعشاء، ومنهم من قصرها على العشاء (5) ، والأولى العموم، وهو قول مجاهد (ت104هـ) ، واختيار ابن جرير الطبري (ت310هـ) ، لأنه لم يَحدّ وقتا من الليل دون الوقت (6) ، وهو المناسب لوقت نزول السورة.
أما التسبيح أدبار السجود، فمن العلماء من أجرى التسبيح فيه على الصلاة، ومنهم من أبقاه على ظاهر معناه من أذكار التسبيح (7) ، وبذلك يتضح معنى السجود في هذه الآية، وتنتظم أقوال العلماء فيها في أربعة أقوال، وهي:
القول الأول: مارواه البخاري (ت256هـ) في صحيحه عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما أنه قال: ((أمره أن يسبح في أدبار الصلوات كلها يعني قوله: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} )) (8) .(3/160)
فالسجود هو جميع الصلوات المكتوبات (1) ، والتسبيح هو التسبيح باللسان، وقد ورد عن النبي (التسبيح في دبر كل صلاة ولم يذكر أنه تفسير للآية (2) ، وجاء ذلك في أحاديث كثيرة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: ((من سبّح الله في دُبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير - غُفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) (3) .
القول الثاني: أن المراد بقوله تعالى: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} هما الركعتان بعد المغرب فالسجود في هذه الآية معناه صلاة المغرب وسمي التسبيح صلاة، لأنه تنزيه لله عما لا يليق به، والصلاة تشتمل على ذلك، من ذكر وقرآن وتسبيح كلها تنزيه لله تعالى (4) أما سبب تسمية الصلاة سجودا فقد سبق ذلك في مقدمة البحث وتضاعيفه.
والقول بأنه الركعتان بعد صلاة المغرب مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين، منهم عمر (ت23هـ) وعلي (ت40هـ) وابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهم، ومجاهد (ت104هـ) والحسن (ت110هـ) وقتادة (ت118هـ) وغيرهم (5) وهو اختيار ابن جرير (ت310هـ) ، حيث قال رحمه الله: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، قول من قال. هما الركعتان بعد المغرب، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك)) (6) .
ورُوى ذلك مرفوعا، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال لي النبي (: ((يابن عباس ركعتان بعد المغرب أدبار السجود)) (7) ولو صح هذا الحديث لوجب المصير إليه، لكنه ضعيف كما نص عليه ابن حجر (8) (ت852هـ) .(3/161)
القول الثالث: أن المراد بقوله تعالى: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} النوافل بعد المفروضات، قاله ابن زيد (1) ، وقواه ابن جرير (ت310هـ) بقوله رحمه الله: ((لأن الله جل ثناؤه لم يخصص بذلك صلاة دون صلاة بل عمّ أدبار الصلوات كلها فقال: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} (2) .
القول الرابع: حمل الآية على ظاهرها، وهو ماذكره الجصاص في أحكامه: ((إذا وضعت جبهتك على الأرض أن تسبح ثلاثا)) (3) ، واعتباره قولا رابعا في جانب الأقوال السابقة فيه تجوّز إذ لم أعثر عليه في مصدر آخر، بل نصّ الآية يقتضي أن يكون عقب السجود، وليس في السجود نفسه.
ورجح بعض المحققين القول الأول (4) ، وهو الذي رواه البخاري (ت256هـ) عن ابن عباس رضي الله عنه (ت68هـ) رضي الله عنهما، وهو الموائم لوقت نزول السورة لأن صلاة المغرب لم تفرض بعد، فحَمْلُ التسبيح باللسان على عموم أدبار الصلوات هو الأولى، أما القول الثاني، وهو تخصيص ذلك بصلاة المغرب فقد تعقبّه الطبري (ت310هـ) بقوله رحمه الله: ((ولم تقم - بأنه معنيّ به دبر صلاة دون صلاة - حجة يجب التسليم لها من خبر ولا عقل)) (5) ، وأما القول الثالث فيمكن أن يُتعقب بأن بعض المفروضات لا نافلة بعدها. والله أعلم.
قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} (الإنسان/24-26) : قوله تعالى: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} : ((أي أول النهار وآخره)) (6) ، والمقصود استغراق جميع وقت النهار، وقيل: {بُكْرَةً} : صلاة الصبح، {وَأَصِيلًا} : صلاة الظهر والعصر (7) .(3/162)
والمقصود بالسجود في الآية الصلاة دون خلاف، إلا أن منهم من خصصها بصلاة المغرب والعشاء، والأولى العموم، إذ لم يرد خبر يجب التسليم به، ولا سيما أن هذه الآيات مكية، والظاهر أنها قبل فرض الصلوات الخمس كما سبق في الآية الماضية (1) .
واقتران التسبيح بالصلاة في هذه الآية والآيات التي سبق التعليق عليها فيه دلالة على أنهما مما يعين على الصبر المأمور به.
قوله تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق/19) : فسر أكثر أهل العلم السجود في هذه الآية بالأمر بالصلاة، أي صلّ لله (2) ، ويؤيده قوله تعالى قبل هذه الآية: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى} (الآية/9-10) ، وكذلك مارواه البخاري (ت256هـ) في صحيحه قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه، فبلغ النبي (، فقال: ((لو فعل لأخذته الملائكة)) (3) ، والظاهر أن هذه الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس، لأنها من أوائل ما نزل من المكي، وكان الإسراء وفرض الصلوات الخمس قبل الهجرة بعام، حيث كانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتان: قبل طلوع الشمس في وقت الفجر، وقبل الغروب في وقت العصر (4) .
وهذا القول هو الأظهر، وهذا يتفق مع معاني الآيات الآخرى الواردة في هذا الباب في حق الرسول (، حيث اتضح الراجح فيما سبق من الآيات من معاني السجود هو الصلاة. والله أعلم.
ومن العلماء من حمل السجود هنا على ظاهره (5) ، وهو السجود الشرعي، وهذا القول قريب من سابقه، لأن السجود جزء من الصلاة، وهذه الآية معدودة في سجدات التلاوة عند جماعة من أهل العلم (6) ، وذلك مرجح لهذا المعنى.
وقيل: بل المراد من السجود هنا الخضوع (7) ، وهو قول بعيد، لا يساعده أثر ولا نظر.
ب - ما جاء في سجود أمة محمد (:
قال الله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} (النساء/102) .(3/163)
وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (الفرقان/64) .
وقال الله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (السجدة/15) .
وقال الله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} (الزمر/9) .
تضمّنت الآية الأولى صلاة الخوف، وأما بقية الآيات فهي ثناء على المؤمنين بخصال أعمالهم وخيارها من الإيمان بالله والسجود لوجهه وقيام الليل في صلاتهم.
ولا بد من إلقاء الضوء على كل آية ليستبين المراد من السجود فيها أهو السجود الشرعي أم أن المقصود منه الصلاة أو صلاة بعينها، أم هو الركوع؟(3/164)
قوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} (النساء/102) قال ابن عطية ت541هـ) ((الضمير في {سَجَدُوا} للطائفة المصلية، والمعنى فإذا سجدوا معك الركعة الأولى فلينصرفوا، هذا على بعض الهيئات المروية، وقيل المعنى: فإذا سجدوا ركعة القضاء)) (1) ، فعلى المعنى الأول يكون المراد بالسجود ظاهره، وهو السجود الشرعي (2) ، وذلك أن هذه الطائفة إذا فرغت من سجدتي ركعتها التي صلت مع النبي (مضت إلى موقف أصحابها بإزاء العدو، وعليها بقية صلاتها (3) ، وعلى المعنى الثاني يكون المراد بالسجود الصلاة، ((تأويله فإذا صلوا ففرغوا من صلاتهم فليكونوا من ورائكم) (4) ، وهذا المعنى هو الراجح وعليه جمهور العلماء، وهو اختيار الطبري (ت310هـ) ، وبه أخذ مالك (ت179هـ) والشافعي (ت204هـ) وأحمد (5) (ت241هـ) وكون المراد بالسجود في الآية هو الصلاة لأنه أشد موافقة لسياق الآية، إذ يقول الله تعالى بعده: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} ، فدلّ ذلك على أن الطائفة الأخرى لم تشرع في الصلاة إلا بعد صلاة الطائفة الأولى ومفهومه أن الطائفة الأولى قد صلت جميع صلاتها (6) ، كما في صلاة الرسول (في غزوة ذات الرِّقاع ((أن طائفة صفّت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفُّوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم)) (7) ، قال مالك (ت179هـ) : ((وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف)) (8) .
وهذه الهيئة أحوط للصلاة، فإن كل طائفة تأتي بصلاتها متوالية (9) ، وهي أبلغ في حراسة العدو (10) .(3/165)
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (الفرقان/64) : المبيت: إدراك الليل (1) ، ومعنى {يَبِيتُونَ} في الآية: يصلون (2) ، والسجود والقيام على ظاهرهما (3) ، ((يراوحون بين سجود في صلاتهم وقيام)) (4) ، وفي ذكرهما دون سائر أفعال الصلاة تنويه بهما، وتقديم {سُجَّدًا} وإن كان فعله بعد القيام لفضل السجود، ولأجل فواصل آي السورة (5) ، والآية من الاحتباك، فذِكُر السجود دليل على الركوع، والقيام دليل على القعود، أي سجدا وركعا وقياما وقعودا (6) .
قال الفراء (ت207هـ) : ((جاء في التفسير أن من قرأ شيئا من القرآن في صلاة وإن قلّت فقد بات ساجدا وقائما، وذكر أنهما الركعتان بعد المغرب وبعد العشاء ركعتان)) (7) ، ومنهم من أدخل فريضة العشاء، وقيل الشفع والوتر (8) ، والأَولى أنه وصف لعباد الرحمن بإحياء الليل أو أكثره (9) .
قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (السجدة/15) :
اختلف في المراد بالسجود في هذه الآية، فذهب الجمهور إلى أن المعنى خروا سجدا لله على وجوههم (10) ، والخرور هو السقوط والهوي إلى الأرض كما سبق (11) ، وهذا السجود يتناول سجود التلاوة وسجود الصلاة فليس هو مختصا بسجود التلاوة، كما قرّره ابن تيمية (12) (ت728هـ) رحمه الله، لأن قوله تعالى في الآية {بِآيَاتِنَا} ليس يعني بها آيات السجود فقط بل جميع القرآن.
وقد أجمع العلماء على السجود في هذه الآية، تأسيا بمن أثنى الله عليهم في هذه الآية، خلافا لما يصنع الكفرة من الإعراض عند التذكير (13) .(3/166)
قال ابن عطية (ت541هـ) : ((وقال ابن عباس رضي الله عنهما: السجود هنا بمعنى الركوع، وقد رُوي عن ابن جُريج ومجاهد أن هذه الآية نزلت بسبب قوم من المنافقين كانوا إذا أقيمت الصلاة خرجوا من المسجد، فكأنّ الركوع يقصد من هذا، ويلزم على هذا أن تكون الآية مدنية، وأيضا فمن مذهب ابن عباس رضي الله عنهما أن القارئ للسجدة يركع، واستدل بقوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} )) (1) .
ولم أقف على قول ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما مسندا فيما فتشت فيه من المصادر، وما أورده من سبب نزول الآية ذكره الطبري (2) (ت310هـ) عن حجَّاج (ت206هـ) عن ابن جريج (ت150هـ) ، ولم يسنده أيضا، وحَمْل قول ابن عباس رضي الله عنهما عليه لا يتّجه، بل مقتضى سبب النزول هذا يفيد أن معنى السجود في الآية هو الصلاة، ولهذا قال الفراء (ت207هـ) : ((كان المنافقون إذا نودي بالصلاة، فإن خَفُوا عن أعين المسلمين تركوها، فأنزل الله: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا} ، إذا نودي إلى الصلاة أتوها فركعوا وسجدوا غير مستكبرين)) (3) ، ولخّص ابن الجوزي (ت597هـ) هذا القول ونصه: ((وقيل المعنى: إنما يؤمن بفرائضنا من الصلوات الخمس الذين إذا ذكروا بها بالأذان والإقامة خروا سجدا)) (4) ، وأما ما ذكره من مذهب ابن عباس رضي الله عنهما في سجود التلاوة واستدل به فدلالته غير ظاهرة في تفسير الآية، ولذلك لم يرتضه الآلوسي (5) (ت1270هـ) .
والراجح في تفسير الآية ماذهب إليه الجمهور، ولفظة {خر} تقتضي ذلك، ومن ثَمَّ كان هذا الموضع من عزائم السجود (6) والله أعلم.
قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} (الزمر/9) :
((القنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع)) (7)
و {آنَاءَ اللَّيْلِ} : ساعاته (8) .(3/167)
{يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} : أي ((يحذر عذاب الأخرة)) (1) .
وهذه الآية مثل الآية التي سبق الكلام عنها في سورة الفرقان قبل الآية السابقة، فالسجود على معناه الشرعي، والمعنى: ((أمن هو يقنت آناء الليل ساجدا طورا وقائما طورا، فهما حال من قانت)) (2) ، وما ذكر في آية الفرقان من التنويه بالسجود والقيام، وفضل السجود على القيام، والاحتباك يجري في هذه الآية كذلك.
ج- الركوع مفردا:
قال الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة/55) :
جاء في المراد بالركوع في هذه الآية ثلاثة أقوال: الخشوع، الصلاة، الركوع الشرعي، والذي جرى عليه كثير من المحققين أنه الخشوع، وهو أحد معاني الركوع المعتبرة التي سبق الكلام عنها في أول البحث، والمعنى أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة في حال الركوع وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله تعالى (3) ، وهذا كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (المؤمنون/60) .
والقول الآخر: أن المراد به الصلاة، ((ومعناها وصفهم بتكثير الصلاة، وخص الركوع بالذكر لكونه من أعظم أركان الصلاة)) (4) ، ولما كان يلزم في هذا القول تكرير الصلاة لقوله تعالى: {يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} قبله لزم توجيه ذلك فقيل: التكرير على سبيل التوكيد (5) ، وقيل الركوع صلاة التطوع (6) .(3/168)
والقول الثالث: أنه نفس الركوع، وهو الركوع الشرعي، والمعنى يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة (1) ، قيل: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب (ت40هـ) رضي الله عنه تصدق وهو راكع والصواب عند كثير من المحققين أن هذا المعنى غير مستقيم (2) ، وأن الخبر الوارد عن علي رضي الله عنه لا يصح منه شئ، قال ابن كثير (ت774هـ) : ((وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها)) (3) .
د- الركوع والسجود معا:
قال الله تعالى {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ} (التوبة/112) .
وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج/77) .
وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (الفتح/29) .
اجتمع وصف المؤمنين بالركوع والسجود في كل آية من الآيات السابقة، وتلك منقبة لهذه الأمة جعلت لها سمة من بين الأمم في الدنيا والأخرة، ومن ثم جاء التحريض عليها في تلك الآيات الكريمات.
قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُون َ} (التوبة/112) : {السَّائِحُونَ} : قال الزجاج: ((وقوله: {السَّائِحُونَ} في قول أهل اللغة والتفسير جميعا: الصائمون)) (4) ، وقيل المجاهدون، وقيل طلاب العلم وقيل المهاجرون (5) .(3/169)
والركوع والسجود في الآية على معناهما الشرعي (1) ، أي الراكعون في صلاتهم، الساجدون فيها (2) ، إذ لا تخلو الصلوات المفروضات من الركوع والسجود (3) ، ولذلك فسرهما بعضهم بالصلاة المفروضة (4) ، قال ابن عطية (ت341هـ) : ((ولكن لا يختلف في أن من يكثر من النوافل هو أدخل في الاسم وأغرق في الاتصاف)) (5) .
فتحصّل من ذلك أن في معنى الركوع والسجود في الآية ثلاث معان، وهي:
معناهما الشرعي.
الصلوات المفروضة.
الصلوات المفروضة والنوافل.
وجميعها معان متقاربة، وإنما خص الركوع والسجود من بين أفعال الصلاة لأن سائر أشكال المصلي موافق للعادة عداهما فبهما يتبين الفضل بين المصلي وغيره (6) ، ((وهذا الوصف يفيد التذكير بهذه الهيئة وتمثيلها للقارئ والسامع)) (7) لمكانتهما البالغتين في الصلاة حيث يكمن فيهما الخشوع والتذلل لله رب العالمين.
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} (الحج/77) :
الظاهر أن المراد بالركوع والسجود على الحقيقة الشرعية، أي اقصدوا بركوعكم وسجودكم وجه الله وحده (8) ، قال الفراء (ت207هـ) : ((وقوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} : كان الناس يسجدون بلا ركوع، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع قبل السجود)) (9) .
ومن العلماء من قال: إن معناهما صلوا، لأن الصلاة لا تكون إلا بالركوع والسجود، والمراد أن مجموعهما كذلك (10) ، وهو لا يختلف عن المعنى السابق.
قال البقاعي (ت885هـ) : ((وخُصّ هذين الركنين في التعبير عن الصلاة بهما لأنهما _ لمخالفتهما الهيئات المعتادة _ هما الدالان على الخضوع، فحسن التعبير بهما عنها جدا في السورة التي جمعت جميع الفرق الذين فيهم من يستقبح _ لما غلب عليه من العتو _ بعض الهيئات الدالة على ذلك)) (11) ، وسيأتي ذكر بعض هؤلاء المعاندين في المبحث الثاني.(3/170)
وقيل: المعنى ((اخضعوا لله تعالى وخُرُّوا له سجدا)) (1) وهذا القول لا يعوّل عليه، لأن فيه تفريقا بين معنيي الركوع والسجود بلا مستند، وفيه تكرار لقوله تعالى بعده: {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} ، الذي معناه: ((وذلوا لربكم واخضعوا له بالطاعة)) (2) .
ولعلّ الداعي إلى هذا القول الضعيف التأكيد على كون هذه الآية من مواضع سجدات التلاوة، حيث اختلف العلماء فيها، فذهب الشافعي (ت204هـ) وأحمد (ت241هـ) وآخرون إلى عدها من السجدات، وهذا يتمشى مع من قال أن الركوع والسجود على حقيقتهما الشرعية (3) ، وذهب أبو حنيفة (ت150هـ) ومالك (ت179هـ) إلى عدم عدها، وهذا يتمشى مع من حمل الآية على الصلاة حيث جمع فيها بين الركوع والسجود (4) ، والراجح عدّها ضمن سجدات التلاوة، لما رواه أحمد (ت241هـ) في مسنده عن عقبة بن عامر (ت58هـ) رضي الله عنه أنه قال: قلت يارسول الله: أَفُضِّلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال: ((نعم، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما)) (5) .
قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} . (الفتح/29) : تضمنت هذه الآية وصفا لجميع الصحابة رضي الله عنهم (6) ومعنى قوله تعالى: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} : أي ترى هاتين الحالتين كثيراً فيهم)) (7) ، فهما على معناهما الشرعي، ومن العلماء من فسرهما معا بالصلاة (8) ، فيتمحض الفعلان للصلاة، والمؤدى واحد، لأن الركوع والسجود لا يكونان إلا في صلاة، وهما أبين هيئات المصلي، والتعبير بالمضارع في {تَرَاهُمْ} يدل على استمرارهم على ذلك وكثرته منهم رضي الله عنهم (9) .(3/171)
وكذلك اختلفت عبارات السلف في قوله تعالى: {مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ، فمنهم من ذكر أنه السجود المعروف، ومنهم من عبر بالصلاة (1) ، ولا تضاد بينهما، ثم اختلفوا في {سِيمَاهُمْ} هل هي في الدنيا أو في الآخرة، والأولى العموم، كما قال الطبري (ت310هـ) : ((وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكرُه أخبرنا أن سيما هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في وجوههم من أثر السجود، ولم يخصّ ذلك على وقت دون وقت، وإذ كان ذلك كذلك، فذلك على كل الأوقات، فكان سيماهم الذي كانوا يعرفون به في الدنيا أثر الإسلام، وذلك خشوعه وهديه وزهده وسمته، وآثار أداء فرائضه وتطوّعه، وفي الآخرة ما أخبر أنهم يعرفون به، وذلك الغرّة في الوجه، والتحجيل في الأيدي والأرجل من أثر الوضوء، وبياض الوجوه من أثرالسجود)) (2) فلم تكن سيماهم حسية فحسب، وليس المراد أنهم يتكلفون إظهار ذلك على وجوههم، ولكنه يحصل من غير تعمّل ولا قصد رياء (3) .
ثاني عشر - سجود الكفار وركوعهم:
لقد انحى الله تعالى ذكره على الكافرين بالله الجاحدين لنعمه بأساليب متعددة في كتابه العظيم، إذ كان من حق الله عليهم الذي خلقهم وما يعملون أن يشكروا له ويسجدوا ويركعوا خشية وخضوعا، لقد استجابت سائر المخلوقات حتى ظل الكافر، الكل سجد تسبيحا لله واعترافا بفضله، فلماذا أبى الكافرون؟ إنه الاستنكاف والاستكبار عن الحق، أسوة بإبليس اللعين.
والقرآن الكريم يبين موقف الكافرين في ذلك في سبعة مواضع من السور المكية (4) ، وكلها بلفظ السجود إلا موضعا واحدا عبر فيه بالركوع، وقد تناولت تلكم الآيات جميع أحوالهم، فكما صورت عنادهم في الدنيا كشفت الحجاب عن عاقبتهم في الآخرة وهو يحاولون السجود فلا يستطيعون.
ويمكن أن تنتظم المواضع السبعة في مجموعتين، إحداهما فيما كان معدودا في سجدات التلاوة، والأخرى ماليس منها، وتفصيل ذلك فيما يلي:(3/172)
المجموعة الأولى:
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (الفرقان/60) .
قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (النمل/25-26) .
قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (فصلت/37) .
قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (النجم/62) .
قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (الانشقاق/20-21) .
تضمنت هذه الآيات ذم من سجد لغير الله أو امتنع عن السجود لغير الله، كما تضمنت أوامر صريحة ومطلقة بالسجود لله تعالى وحده، فسجدة الفرقان خبر مقرون بذم من أُمر بالسجود فلم يسجد، وكذلك سجدة النمل (1) ، وقرأ أبو جعفر (ت130هـ) والكسائي (ت189هـ) ويعقوب (ت205هـ) في رواية رُويس (ت238هـ) {أَلَّا يَسْجُدُوا} بتخفيف اللام على الأمر والمعنى ألا يا هؤلا اسجدو (2) ، وفي فصلت نهي وأمر صريحان: نهى عن السجود للشمس والقمر، وأمر بتخصيص السجود لله وحده، والنجم أمر صريح (3) ، والانشقاق تعجب يقتضي الأمر بالسجود (4) ، ولهذا شرع سجود التلاوة في المواضع الخمسة (5) - على اختلاف بين الفقهاء في بعضها - امتثالا لأمر الله ومخالفة للكافرين.(3/173)
وبناء على ما تقرر في أول البحث أن الأصل حمل الألفاظ على حقائقها الشرعية فإن المراد بالسجود في المواضع الخمسة هو السجود على الوجه، لكن اختلف المفسرون في بعضها، حيث حُمل بعضها على الصلاة، والبعض الآخر على الخضوع، وسألقي الضوء على كل موضع على حدة فيما يلي:
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (الفرقان/60) : الظاهر حمل السجود على معناه الشرعي المعروف، ومنهم من حمله على الصلاة (1) ، وليس ثمة ما يلجئ إلى ذلك، وقد ضعّفه ابن تيمية (2) ، ومنهم من حمله على سجود الاعتراف له بالوحدانية (3) ، وهو بمعنى الخضوع والخشوع، لأن مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة لا طائل تحتها (4) ، والأظهر أن هذا الموضع على معناه الشرعي، وأما مسألة مخاطبة الكفار بالفروع ففيها خلاف مشهور بين العلماء، وعلى القول بأنهم غير مخاطبين فإن ذلك يطّرد في بقية المواضع الخمسة، ولم يقل أحد بذلك، فبقي هذا الموضع على الأصل الشرعي، ومما يدل على ذلك أن العلماء اتفقوا على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجود عندها دون خلاف (5) ، وقال الضحاك (ت105هـ) : ((سجد رسول الله (وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعثمان بن مظعون وعمرو بن عنبسه، فرآهم المشركون فأخذوا في ناحية المسجد يستهزؤون فهذا المراد بقوله: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (6) (الفرقان/60) .(3/174)
قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (النمل/25-26) : قوله تعالى {أَلَّا} : سبق ذكر قراءة التخفيف ووجهها، وأما قراءة الباقين بتشديد ألّا فهي ((بمعنى: وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا لله)) (1) وهو موضع سجدة تلاوة على القراءتين خلافا للزجاج ومن تابعه حيث قصروا السجود على وجه التخفيف لأنه للأمر، والعمل على السجدة على القرائتين، لأن التشديد ذم للتارك للسجود، والله هو الحقيق بالسجود (2) ، قال ابن عطية (ت541هـ) : ((وتحتمل قراءة من شدد {أَلَّا} أن نجعلها بمعنى التحضيض، ويقدر هذا النداء بعدها، ويجئ في الكلام إضمار كبير، ولكنه متجه)) (3) ، ويؤيد هذا التوجيه قراءة الأعمش ((هلّا يسجدون)) (4) ، وهي قراءة شاذة لمخالفتها الرسم.
قوله تعالى {الْخَبْءَ} : ((المخبوء في السموات والأرض من غيث في السماء، ونبات في الأرض، ونحو ذلك)) (5) .
وقد جاءت هذه القصة في سياق قصة هدهد سليمان عن بلقيس ملكة سبأ، وكانت هي وقومها يعبدون الشمس ويسجدون لها وكانوا من الصابئة، وقيل: إنهم مجوس، وقيل غير ذلك (6) .
قال ابن تيمية: ((والشمس أعظم ما يرى في علم الشهادة، وأعمه نفعا وتأثيراً، فالنهي عن السجود لها نهي عما هو دونها بطريق الأولى من الكواكب والأشجار، وغير ذلك)) (7) .
ولم يقع بين العلماء اختلاف في تفسير السجود في هذه السورة فهو على أصله المعروف من السجود على الوجه (8) ، وقد سبق أنها من مواضع سجود التلاوة.(3/175)
قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (فصلت/37) : تدل هذه الآية على أن السجود للخالق لا للمخلوق مهما عظم قَدْرُه ونفعه، بل السجود لمن أبدعه وسخره فالشمس والقمر من أحسن الأجرام المشاهدة في العالم وأعمها نفعا، ومع هذا لم يؤذن بالسجود لهما، فغيرهما من المخلوقات من باب أولى (1) .
وفي هذا الموضع آية سجدة بلا خلاف (2) .
وجمهور العلماء على أن معنى السجود على ظاهره، وهو السجود على الوجه، وحمل بعضهم الأمر في قوله تعالى: {وَاسْجُدُوا لِلَّه} في هذه السورة على صلاة كسوف الشمس والقمر لما يظهر فيهما من التغيير والنقص المنزه عنه الخالق المعبود سبحانه وتعالى (3) ، وينبغي أن يكون هذا استنباطا فقهيا وليس تفسيرا للآية. والله أعلم.
قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (النجم/62) : جرى أكثر المفسرين على أن السجود على ظاهره الشرعي واختلفوا في المراد منه، فمنهم من حمله على سجود التلاوة، ومنهم من حمله على سجود الصلاة (4) ، واختار الأول ابن تيمية (5) (ت728هـ) واختار الثاني الطبري (6) (ت310هـ) ، والأظهر أنه سجود تلاوة، حيث جاء قبله قوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) } ، وهو القرآن الكريم من غير خلاف، حيث يقتضي أن سماعه سبب الأمر بالسجود (7) ، ولأن النبي (قرأ سورة النجم فسجد فيها، وسجد من كان معه، وليس هو سجود الصلاة (8) ، ولهذا اعتبر هذا الموضع سجدة في قول أكثر أهل العلم (9) .(3/176)
ومن العلماء من فسر الأمر بالسجود في هذه الآية بالصلاة المفروضة (1) ، لأنها شعار الإسلام (2) ، وحمله بعضهم على الأصل اللغوي وهو الخشوع والخضوع (3) ، والأولى تفسير الآية على الأصل الشرعي، إذ لا مانع منه.
وقوله تعالى: {وَاعْبُدُوا} هو من عطف العام على الخاص، واللام في {لِلَّهِ} لام الاختصاص، وتفيد اختصاص الله تعالى بذلك دون غيره (4) .
قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (الانشقاق/20-21) :
ورد في المراد من السجود في هذه الآية ثلاثة أقوال هي:
القول الأول: لا يصلون، وهو المنقول عن مفسري السلف كابن السائب رضي الله عنه وعطاء (5) (ت114هـ) .
الثاني: لا يخضعون ولا يستكينون، وهو قول الطبري (ت310هـ) والزمخشري
(ت538هـ) وآخرين، وعزاه أبو حيان (ت754هـ) والآلوسي (ت1270هـ) إلى قتادة (ت118هـ) ولم أقف عليه مسندا (6) .
الثالث: أنه سجود التلاوة، وهو السجود الشرعي، قال أبو حيان (ت754هـ) : ((وقال عكرمة: لا يباشرون بجباههم المصلى)) (7) .(3/177)
والحق أن لكل قول من هذه الأقوال الثلاثة وجهة واعتباراً، أما القول الأول فهو قول السلف، وعليه عامة العلماء، كما قال ابن تيمية (1) (ت728هـ) ، وذلك أن الصلاة تشتمل على تلاوة وسجود، وهو ما تضمنته الآية الكريمة التي نحن بصددها، قال ابن تيمية (ت728هـ) : ((وهذه الآية توجب على من قرئ عليه القرآن أن يسجد، فإن قرئ عليه خارج الصلاة فعليه أن يسجد قريبا إذا حضرت وقت الصلاة، فإنه ما من ساعة يقرأ عليه فيها القرآن إلا وهو وقت صلاة مفروضة، فعليه أن يصليها، إذ بينه وبين وقت الصلاة المفروضة أقل من نصف يوم، فإذا لم يصلّ فهو ممن إذا قرئ عليه القرآن لا يسجد، فإذا قرئ عليه القرآن في الصلاة فعليه أن يسجد سجدة يخرّ فيها من قيام، وسجدة يخر فيها من قعود …)) (2) .
وأما القول الثاني فقد اعتمده جبلان من جبال العلم والتفسير، وهما الطبري (ت310هـ) والزمخشري (ت538هـ) واختاره القاضي أبو يعلى (458هـ) ، قال: ((وقد احتج بها قوم على وجوب سجود التلاوة، وليس فيها دلالة على ذلك، وإنما المعنى لا يخشعون، ألا ترى أنه أضاف السجود إلى جميع القرآن، والسجود يختص بمواضع منه)) (3) والصواب أن فيها دلالة على ذلك حيث سجد فيها رسول الله (كما ثبت في صحيح مسلم ((أن أبا هريرة قرأ لهم إذا السماء انشقت فسجد فيها، فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله (سجد فيها)) (4) ، والسجود فيها قول جمهور العلماء كأبي حنيفة (ت150هـ) والشافعي (ت204هـ) وأحمد بن حنبل (ت241هـ) ، وهو قول ابن وهب (ت197هـ) من أصحاب مالك (ت179هـ) (5) .(3/178)
وأما القول الثالث: فهو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ، وتؤيد سجدة التلاوة، إذ الصحيح أن هذا الموضع منها، وقوله جل شأنه: {لَا يَسْجُدُونَ} دون يخضعون ودون يصلون يدل على أن السجود مقصود لنفسه (1) ، وعليه فإن المقصود بالقرآن في الآية آيات مخصوصة، وهذه منها (2) ، والظاهر أن المقصود جميع القرآن إذ لا دليل على التخصيص، وإنما خصت هذه بالسجود كسائر آيات السجود لأنها هي الآمرة بالسجود عند قراءة القرآن، فكان لها الحظ من الأمر بالسجود مع عموم كونها من القرآن الكريم (3) والأصل في تحديد سجدات التلاوة ما جاءت به السنة.
ولا يخفى ما فيه هذه الأقوال الثلاثة من تقارب وتجانس، إذ لا تناقض بينها فإن السجود أحد أفعال الصلاة، وهما يتناولان الخشوع كذلك، فلا فائدة من سجود ولا صلاة لا خشوع فيهما، وإذا كان السجود والصلاة ظاهرين ومن أفعال الجوارح فإن الخشوع باطن في القلب مؤثر على الجوارح، قال البقاعي (ت885هـ) : (( {لَا يَسْجُدُونَ} : أي يخضعون بالقلب ويتذللون للحق بالسجود اللغوي، فيسجدون بالقالب السجود الشرعي لتلاوته)) (4)
المجموعة الأخرى في سجود الكفار وركوعهم:
قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} (القلم/42-43) .
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (المرسلات/48) .
روي عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} يقول: يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا (5) .(3/179)
وهذا الذي روي عنه رضي الله عنه يعني أن الموضعين السابقين يختص الأمر فيهما بيوم القيامة، وذلك ظاهر من السياق في سورة القلم حيث صرح الله فيه بهذا اليوم، وفي الحديث الصحيح: ((يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا)) (1) ، فالساق هي ساق الرحمن عز وجل كما يليق بجلاله، يجب الإيمان بها من غير تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل، والسجود هو السجود المعروف على الوجه، باتفاق المفسرين (2) ولا سيما أنه جاء في بعض الروايات ((فيخرون سجدا)) (3) ، وهذا الأمر على جهة التوبيخ والعقوبة، لأن الآخرة ليست بدار عمل، وأنه لا تكليف فيها (4) ، وأما من ذهب إلى أن الأمر بذلك في الدنيا حتى لا يتعارض مع كون الآخرة دار تكليف فهو مخالف للجمهور (5) والسياق يأباه، والحديث الصحيح يرده.
وأما السجود في الموضع الثاني فجاء فيه ثلاثة معان: السجود الشرعي على الوجه، الصلوات المكتوبة، جميع الطاعات والمعنى متقارب (6) ، غير أن السجود الشرعي هو المتبادر، وإن كان يقتضي غيره، وإنما خص بالذكر لشرفه، ولأنه وقع به امتحانهم في الآخرة، ولهذا كان الإظهار في موضع الإضمار لزيادة التقرير (7) ، ووجه كونه الصلوات المكتوبة لأن السجود جزء منها، ولقوله تعالى: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ} ، قال سعيد بن جبير (ت95هـ) : ((المعنى: كانوا يسمعون النداء للصلاة وحي على الفلاح فلا يجيبون)) (8) ، ووجه معناه جميع الطاعات أنه على المعنى اللغوي الذي هو الخشوع، لأنهم كفار ومنافقون.(3/180)
هذا، وأمّا ما روي عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: (( {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} أنه حين يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون (1) ، ففي ثبوته عنه نظر، لأنه جاء من طريق عطية العوفي (ت110هـ) وإسناده متكلَّم فيه، وطريقه غير مرضية (2) ، ثم إن السياق في سورة المرسلات لا يتسق مع هذا التأويل، لأن قبله قوله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا} أي في الدنيا (3) ، ولهذا ذهب أكثر العلماء إلى أن الركوع المذكور في سورة المرسلات قيل لهم في الدنيا ومن ثم اختلفوا في معناه، فذهب مجاهد (ت104هـ) في آخرين إلى أن المعنى: ((إذا قيل لهم صلوا لا يصلون)) (4) وقال قتادة (ت118هـ) : إنه الركوع نفسه، وقال عند تفسيرها: ((عليكم بحسن الركوع)) (5) ، وذهب الطبري إلى أنه بمعنى الخضوع ونصه: ((وأولى الأقوال في ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم المجرمين أنهم كانوا له مخالفين في أمره ونهيه، لا يأتمرون بأمره ولا ينتهون عما نهاهم عنه)) (6) .
والأقوال الثلاثة كلها قريبة بعضها من بعض، فالركوع جزء من الصلاة، وإنما خص بالذكر لأن كثيرا من العرب كان يأنف من الركوع، وفي الحديث أن وفد ثقيف طلبوا من الرسول (أن لا ينحنوا في الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا خير في دين لا ركوع فيه)) (7) ، وعدّه بعضهم سببا لنزول هذه الآية (8) ، والصواب أنه بعد نزولها، لأن هذه السورة مكية، ووفد ثقيف كان بعد غزوة تبوك (9) ، ومع هذا فإن إبقاء الركوع على حقيقته الشرعية أولى، وأما من حمل الركوع على الخضوع فهو أعم وأشمل إذ الصلاة شعار الإسلام، والركوع مما يميز صلاة هذه الأمة عن غيرها من الأمم من اليهود والنصارى، كما سيأتي في المبحث التالي. والله أعلم.
ثالث عشر - أمر اليهود بالركوع:(3/181)
قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} . (البقرة/43) .
أمر الله بني اسرائيل بالركوع بعد قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ، لأن صلاتهم لا ركوع فيها، قال أبو حيان (ت754هـ) : ((المشاهد من صلاة اليهود والنصارى خلوها من الركوع، … ويحتمل أن يكون ترك الركوع مما غيرته اليهود والنصارى من معالم شريعتهم)) (1) ، وقال برهان الدين البقاعي (ت885هـ) : ((تتبعت التوراة فلم أره ذكر فيها الركوع)) (2) ، وقال في موضع آخر: ((سألت عن صلاة اليهود الآن فأُخبرت أنه ليس فيها ركوع)) (3) ، وصرح غير واحد من العلماء بأن صلاتهم لا ركوع فيها (4) ، وأثناء كتابة هذا البحث سألت من صلاة اليهود والنصارى فأُخبرت أنه ليس فيها ركوع ولا سجود، وإنما هو إيماء، ولا يبعد أن ذلك مما غيرته اليهود والنصارى في شرع الله.
وفي هذا الأمر تأكيد لليهود المخاطبين على الإتيان بصلاة المسلمين، كما تضمن قوله تعالى: {مَعَ الرَّاكِعِينَ} إيقاعها في جماعة (5) ، فالمقصود بالركوع في الآية الركوع المعهود لأن الأصل في إطلاق الشرع المعاني الشرعية (6) ، ويمكن أن يراد به الصلاة نفسها، فعبر عنها بفعل لازم من أفعالها، وهو الركوع، وذلك يدل على فريضته فيها (7) .(3/182)
ومن العلماء من حمل الركوع في الآية على المعنى اللغوي، وهو الخضوع لله بالطاعة، والدخول مع المسلمين في الإسلام والانقياد لما يلزمهم في دين الله (1) ، وهذا المعنى قوي اختاره ابن جرير الطبري (ت310هـ) ، وهو المناسب للسياق، فإن هذه الآيات افتتحت تذكر المنعم وذلك في قوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا} (البقرة/40) ثم اختتمت بالانقياد للمنعم والخضوع له تعالى، وما بينهما تكاليف اعتقادية وأهم الأفعال البدنية والمالية (2) ، ومما يؤيد هذا المعنى قوله تعالى بعده: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة/45) ، ولولا أن الأصل في إطلاق الشرع المعاني الشرعية لكان هذا المعنى وهو الخشوع مقدما على غيره، ولا يمنع أن يُراد بقوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} الخشوع وإنما اختير التعبير بالركوع للإيماء إلى ما سبقت الإشارة إليه من أن اليهود لا ركوع في صلاتهم ومن إيقاع الصلاة في جماعة.والله أعلم.
وأما قول ابن العربي (ت543هـ) في الآية: ((وقيل: إنه الانحناء لغةً وذلك يعم الركوع والسجود)) (3) فلم أقف عليه إلا عنده رحمه الله، وفيه شئ من البعد. والله أعلم.
جدول مواضع الركوع والسجود ومعانيهما:
تقريبا لمعاني الركوع والسجود وضعت هذا الجدول حسب ترتيب آي القرآن الكريم، وقد راعيت فيه مايلي:
استيفاء جميع الأقوال، والإحالة إلى مواضعها في الخانة الأخيرة من الجدول، لمعرفة الصحيح منها والضعيف.
ترتيب الأقوال حسب الأولوية.
العلامتان (**) في خانة أرقام الآيات تدل على أنها معدودة في سجدات التلاوة.(3/183)
الحرف (ك) أمام رقم الآية يدل على أنها مكية، والحرف (د) يدل على أنها مدنية، وقد اعتمدت في ذلك على الراجح من خلال الإتقان، والتحرير والتنوير وما ترجّح في أثناء البحث.
ما عليها تظليل فهي الآيات التي ورد فيها لفظ الركوع مجردا أو مع السجود.
وفي آخر الجدول بعض الإحصائيات التي قد يحتاج إليها.
م
السورة
الآية
رقمها
معاني الركوع والسجود
موضعها في البحث
1.
البقرة
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا (
د/34
السجود على الوجه.
الإنحناء المساوي للركوع.
الإيماء والخضوع.
مجرد الخضوع.
ثانيا
2.
البقرة
(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (
د/43
الركوع الشرعي.
الخضوع.
الصلاة.
مطلق الانحناء (الركوع والسجود) .
ثالث عشر
3.
البقرة
(فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا (
د/58
الركوع (الانحناء) .
السجود على الوجه.
الخضوع.
سابعا
4.
البقرة
(وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (
د/125
جماعة القوم الراكعين والساجدين لله تعالى.
المصلون.
جميع المؤمنين.
رابعا
5.
آل عمران
(يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (
د/43
(وَاسْجُدِي (المعنى الشرعي، (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (: صلي مع المصلين.
(وَاسْجُدِي (: المعنى الشرعي، (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (: اخشعي مع الخاشعين.
السجود والركوع جميعه على المعنى الشرعي.
السجود والركوع جميعه بمعنى الصلاة.
السجود والركوع جميعه بمعنى الخشوع.
(وَاسْجُدِي (: صلي،
(وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (: اشكري مع الشاكرين.
تاسعا
6.
آل عمران(3/184)
(مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (
د/113
السجود الشرعي في الصلاة.
الصلاة.
الخشوع.
عاشرا
7.
النساء
(فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ (
د/102
الصلاة.
السجود الشرعي في الصلاة.
حادي عشر
8.
النساء
(وَقُلْنَا لَهُمْ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا (
د/154
الركوع (الانحناء) .
السجود على الوجه.
الخضوع.
سابعا
9.
المائدة
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (
د/55
الخشوع.
الصلاة.
الركوع الشرعي في الصلاة.
حادي عشر
10.
الأعراف
(ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا (
ك/11
السجود على الوجه.
الانحناء المساوي للركوع.
الإيماء والخضوع.
مجرد الخضوع.
ثانيا
11.
الأعراف
(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (
ك/120
السجود على الوجه.
الخضوع.
سادسا
12.
الأعراف
(وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا (
ك/161
الركوع (الانحناء) .
السجود على الوجه.
الخضوع.
سابعا
13.
الأعراف
(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (
ك/206
**
السجود على الوجه.
الصلاة.
الخشوع.
ثانيا
14.
التوبة
(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ (
د/112
معناهما الشرعي.
المصلون الصلوات المفروضة.
المصلون الصلوات النوافل.
حادي عشر
15.
يوسف
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (
ك/4
مطلق السجود.
الخضوع.
خامسا
16.
يوسف
(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا (
ك/100
السجود على الوجه ليوسف تحية
الانحناء المساوي للركوع.(3/185)
الإيماء والخضوع.
السجود لله على الوجه.
مجرد الخضوع.
خامسا
17.
الرعد
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (
ك/15
**
سجود كل نوع على حسب حاله، وفيه تفصيل يراجع في موضعه.
الخضوع.
أولا
18.
الحجر
(فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (
ك/30
السجود على الوجه.
الانحناء المساوي للركوع.
الإيماء والخضوع.
مجرد الخضوع.
ثانيا
19.
الحجر
(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (
ك/98
الصلاة.
التواضع.
حادي عشر
20.
النحل
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (
ك/48
_49
**
سجود كل نوع حسب حاله وفيه تفصيل يراجع في موضعه.
الخضوع.
أولا
21.
الإسراء
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا (
ك/61
السجود على الوجه.
الانحناء المساوي للركوع.
الإيماء والخضوع.
مجرد الخضوع.
ثانيا
22.
الإسراء
(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (
ك/107
**
السجود على الوجه.
السجود على اللحى.
الخشوع.
عاشرا
23.
الكهف
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا (
ك/50
السجود على الوجه.
الانحناء المساوي للركوع.
الإيماء والخضوع.
مجرد الخضوع.
ثانيا
24.
مريم
(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَانِ خَرُّوا سُجَّدًا
وَبُكِيًّا (
ك/58
**
السجود على الوجه.
الصلاة.
الخشوع.
ثالثا
25.
طه
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا (
ك/70
السجود على الوجه.
الخضوع.(3/186)
سادسا
26.
طه
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا (
ك/116
السجود على الوجه.
الانحناء المساوي للركوع.
الإيماء والخضوع.
مجرد الخضوع.
ثانيا
27.
الحج
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ (
د/18
**
سجود كل نوع بحسَبه وفيه تفصيل يراجع في موضعه.
الخضوع.
أولا
28.
الحج
(وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (
د/26
جماعة القوم الراكعين والساجدين لله تعالى.
المصلون.
جميع المؤمنين.
رابعا
29.
الحج
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ (
د/77
**
معناهما الشرعي.
الصلاة.
الركوع بمعنى الخشوع والسجود بمعناه الشرعي.
حادي عشر
30.
الفرقان
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَانِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا (
ك/60
**
السجود الشرعي.
الخضوع.
الصلاة.
ثاني عشر
31.
الفرقان
(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (
ك/64
السجود الشرعي.
حادي عشر
32.
الشعراء
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (
ك/46
السجود على الوجه.
الخضوع.
سادسا
33.
الشعراء
(الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (
ك/218-219
الصلاة، والمراد بالساجدين:
هم أهل الصلاة من المؤمنين.
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم نفسه.
جميع المؤمنين.
جميع الناس.
الأنبياء.
حادي عشر
34.
النمل
(أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (
ك/25-26
**(3/187)
السجود على الوجه.
ثاني عشر
35.
السجدة
(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا (
ك/15
**
السجود الشرعي.
الركوع.
حادي عشر
36.
ص
(وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (
ك/24
**
السجود على الوجه.
الركوع (الانحناء) .
الصلاة.
ثامنا
37.
ص
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (
ك/72
السجود على الوجه.
الانحناء المساوي للركوع.
الإيماء والخضوع.
مجرد الخضوع.
ثانيا
38.
الزمر
(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا (
ك/9
السجود الشرعي.
حادي عشر
39.
فصلت
(لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (
ك/37
**
السجود على الوجه.
صلاة الكسوف.
ثاني عشر
40.
الفتح
(تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (
د/29
معانيها الشرعية.
الصلاة.
حادي عشر
41.
ق
(وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَالسُّجُودِ (
ك/40
الصلوات الخمس.
صلاة المغرب.
السجود الشرعي.
حادي عشر
42.
النجم
(فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (
ك/62
**
السجود على الوجه.
الخضوع.
الصلاة المفروضة.
ثاني عشر
43.
الرحمن
(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (
ك/6
سجود كل نوع حسب حاله، وفيه تفاصيل يراجع في موضعه.
الخضوع.
أولا
44.
القلم
(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (
ك/42
السجود على الوجه.
ثاني عشر
45.
القلم
(وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (
ك/43
السجود على الوجه.
الصلوات المفروضة.
جميع الطاعات.
ثاني عشر
46.
الإنسان(3/188)
(وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ (
ك/26
جميع الصلوات المفروضة.
صلاة المغرب والعشاء.
حادي عشر
47.
المرسلات
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (
ك/48
الركوع الشرعي.
الصلاة.
الخضوع.
السجود المذكور في الموضع الأول من سورة القلم/42.
ثاني عشر
48.
الانشقاق
(وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (
ك/21
**
السجود الشرعي.
الصلاة.
الخضوع.
ثاني عشر
49.
العلق
(وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (
ك/19
**
الصلاة.
السجود الشرعي.
الخشوع.
حادي عشر
أهم الإحصائيات من خلال الجدول السابق:
وقعت معاني الركوع والسجود في تسعة وأربعين موضعا، منها ثمانية مواضع ورد فيها الركوع.
بلغ عدد المكي خمسا وثلاثين موضعا، والمدني أربعة عشر موضعا، وورد في كل منهما ذكر الركوع والسجود غير أن الركوع لم يرد في المكي إلا مرة واحدة، وذلك في المرسلات.
أكثر المعاني دورا: المعنى الشرعي، الخضوع، الصلاة.
جاء المعنيان الركوع الشرعي والصلاة في كل موضع من مواضع الركوع الثمانية.
ورد معنى الصلاة في أربعة عشر موضعا، منها خمسة مواضع هي الراجحة في لفظ السجود، وموضع في سورة الإنسان لم يختلف فيه أنه بمعنى الصلاة وكذلك الذي في سورة ق فإن المعول عليه بمعنى الصلاة.
الخشوع والخضوع والتواضع كلها بمعنى، وقد وقعت في اثنين وثلاثين موضعا.
عدد سجدات التلاوة المتفق عليها والمختلف فيها خمس عشرة سجدة، وإليها الإشارة بالعلامتين.
• • •
خاتمة البحث:(3/189)
بعون الله وتوفيقه تمت دراسة جميع ألفاظ الركوع والسجود في القرآن الكريم، دراسة تحليلية مقارنة، وذلك برصد معانيهما اللغوية والشرعية والمجازية، وحسبما اقتضته الآيات جرى تصنيفها إلى ثلاثة عشر موضوعا، ومن ثَم دُّرس كل موضوع في مبحث يتناول تلكم الآيات من خلال ما جاء في تفسيرها من نصوص الكتاب والسنة والآثار وأقاويل السلف والمفسرين، كما اقتضت الدراسة الاعتبار بالسياق وكذلك النظائر وسائر القرائن والدلائل من المكي والمدني والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك مما ينتهى بالبحث إلى الصحيح من الأقوال، وتعقّب المعاني الضعيفة وما لا يعوّل عليه، وهذا بالإضافة إلى توضيح ما جاور ألفاظ الركوع والسجود من المفردات الغريبة، مما يستلزمه البحث، وكذلك الإشارة إلى بعض المعاني البلاغية.
وقد تضمن هذا البحث في ألفافه جملة من النتائج، منها مايلي:
أن معرفة أساليب العرب في كلامهم والحقائق الشرعية للألفاظ ودلالة السياق وتاريخ النزول من أهم أسس تفسير القرآن الكريم والعلم بمقاصده.
أنه ما من شيء إلا وهو يسجد لله، ومذهب أهل السنة إثبات ذلك لكل الخلائق والتسليم لله به، ومنه ما نعلم كيفيته، ومنه ما لا نعلم كيفية سجوده.
أن في سجود الموات والجماد وكذلك الملائكة حثا للناس على السجود لله وعدم مخالفته جل وعلا.
الركوع في القرآن يخص العقلاء، بينما السجود يتناول كل مخلوق.
أن من قبلنا كانت لهم صلاة، لكنها ليست مماثلة لصلاتنا في أوقاتها وركوعها وسجودها وهيئاتها، وأن اليهود والنصارى لا ركوع عندهم مثل ركوعنا.
أن السجود لغير الله على الأرض كان قبل الإسلام جائزاً لغير الله إذا كان على وجه التحية فقط، أما إذا كان على وجه العبادة فذلك لم تحلّه شريعة من الشرائع السماوية في أي زمن من الأزمان.(3/190)
أن الانحناء والإيماء على وجه التعظيم محرم في الشريعة الإسلامية، فيجب اجتناب هذه الهيئة التي شاع استعمالها عند بعض المسلمين.
معرفة تاريخ الركوع والسجود وتدرج التشريع في فرض الصلوات يرفع كثيرا من الإشكالات التي اختلف فيها بعض المفسرين.
اختلاف المفسرين في الركوع والسجود اختلاف تنوع لا تضاد، وبعض هذا الاختلاف إنما هو استطراد.
مدار تفسير الركوع والسجود على معناهما الشرعيين والخضوع والصلاة.
أن من أهم أسباب التنويه بالركوع والسجود والتعبير بهما لأن سائر أشكال المصلي موافق للعادة عداهما، فبهما يتبين الفضل بين المصلي وغيره، ولما يكمن فيهما من الخشوع والتذلل لله رب العالمين.
لما كان السجود أكمل هيئات الخشوع كان هو أفضل هيئات الصلاة.
جميع الآيات الخاصة بسجود الرسول صلى الله عليه وسلم مكية،وذلك لما يجده فيها من تسلية وعزاء مما يعتريه ويضيق به صدره الشريف من صد عن دعوته.
أمر الكفار بالركوع والسجود والصلاة يقتضي دعوتهم إلى الإسلام، وإنما خص الأمر بهذه الأفعال لأنها شعار الإسلام وعموده.
أن الآيات المعدودة في سجدات التلاوة فيها دلالة على أن المراد بلفظ السجود فيها هو السجود الشرعي على الوجه، وهذا في الغالب.
أهمية صلاة الجماعة، فقد جاء التعبير بالجمع في كثير من هيئات الصلاة إشارة إليها.
أن جميع الصلوات قبل الإسراء وبعده قد ورد ذكرها في القرآن الكريم، وكذلك النوافل بعد الصلوات الخمس.
بيان السنة للقرآن الكريم في هيئات الركوع والسجود وكذلك أعدادهما وأذكارهما وغير ذلك مما يتصل بالصلوات قد أوضحته السنة بأحسن بيان.(3/191)
وثمة نتائج أخرى حواها البحث في تضاعيفه، وإن من أهم ما تجدر العناية به دراسة ألفاظ القرآن الكريم وما فيها من الوجوه والنظائر، حيث إن المصادر التي تناولت مفردات الالفاظ والوجوه والنظائر لم تستوعب ما في القرآن الكريم من المعاني وربما غلب على بعضها الجمع، وما هذا البحث إلا إسهام ضئيل في بحر ذلكم العلم المحيط، الذي ينبغي أن يتواصل الباحثون في إثرائه لإبراز هدايات القرآن الكريم ودلالاته.
اللهم اغفر لي زلاتي، وتجاوز عن خطيئاتي، وارحمني بالقرآن.
والحمد لله رب العالمين.
الحواشي والتعليقات
() سيأتي ذكر الخلاف في موضعه من هذا البحث.
(2) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 1/422.
(3) انظر مادة (ركع) : الخليل بن أحمد: العين 1/200، الطبري: جامع البيان 1/257، ابن فارس: معجم مقاييس اللغة2/434، الجوهري: الصحاح 3/1222، ابن منظور: اللسان 8/133، النيسابوري: إيجاز البيان 1/96.
(4) انظر مادة (سجد) : الجوهري: الصحاح 2/483، ابن فارس معجم مقاييس اللغة 3/133، ابن منظور: اللسان 3/204 الزَّبيدي: تاج العروس 8/172.
(5) انظر الطبري: جامع البيان 1/300.
(6) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها 1/563، رقم الحديث 275.
(7) الأزهري: تهذيب اللغة 1/311.
(8) أي عضديه. انظر الفيروز آبادي: القاموس مادة (ضبع) 956.
(9) ابن قدامة: المغني 2/176.
(10) الأزهري: تهذيب اللغة 1/311.
(11) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/293، الزَّبيدي: تاج العروس 8/172.
(12) انظر ابن تيميّة: مجموع الفتاوى 22/570.
(13) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب السجود على الأنف، ومسلم في صحيحه باب أعضاء السجود 1/354 رقم الحديث 230، والكفت وهو الجمع كما في حاشية صحيح مسلم للنووي.
(14) العلوي اليمني: الطراز 1/47.
(15) الجرجاني: التعريفات 257.(3/192)
(16) انظر العلوي: الطراز 1/44، محمد الأمين: منع جواز المجاز (الرسالة الملحقة بآخر أضواء البيان) 10/6.
(17) انظر العلوي اليمني 1/86، السيوطي: المزهر 1/362.
(18) أي تعبت. انظر الزمخشري: أساس البلاغة، مادة (لغب) 2/345.
(19) المصدر السابق: مادة (ركع) 1/368.
(20) أساس البلاغة: مادة (سجد) 1/423.
(21) انظر مادة (ركع) : الجوهري: الصحاح 3/1222، ابن فارس: معجم مقاييس اللغة 2/434، ابن منظور: اللسان 8/133، ومادة (سجد) في المصادر المذكورة آنفا على الترتيب 2/283، 3/133، 3/204.
(22) السيوطي: المزهر 1/361.
(23) انظر مادة (ركع) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة 2/435، مادة (سجد) : الراغب الأصفهاني 224.
(24) انظر المصدرين السابقين، وابن العربي: أحكام القرآن 4/1639.
(25) انظر الطبري: جامع البيان 13/132، الراغب الأصفهاني: المفردات مادة (غدا) 358.
(26) انظر الطبري: جامع البيان 14/114، ابن عطية: المحرر الوجيز 8/430.
(27) انظر الطبري: جامع البيان 14/116.
(28) انظر المصدر السابق 27/116، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/476.
(29) معاني القرآن 5/96.
(30) انظر ابن عطية: المحرر 10/244، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/398.
(31) انظر الطبري: جامع البيان 17/130.
(32) انظر الفراء: معاني القرآن 2/219، المصدر السابق.
(33) انظر ابن عطية: المحرر 8/435، الآلوسي: روح المعاني 13/126، محمد الأمين: أضواء البيان 3/99.
(34) انظر المصادر السابقة.
(35) انظر ابن قُدامة: روضة الناظر، الآلوسي: روح المعاني 1/247، محمد الأمين: أضواء البيان 3/100، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/226.
(36) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/398 عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن 4/97 محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/226.(3/193)
(37) انظر الطبري: جامع البيان 13/131، ابن عطية: المحرر 8/151، محمد الأمين: الأضواء 3/99.
(38) ((الأطيط صوت اضطراب الرحل إذا كان عليه ثقل)) . عارضة الأحوذي 9/195.
(39) أخرجه الترمذي: ((أبواب الزهد)) باب في قول النبي (: ((لوتعلمون ما أعلم ……)) 9/194 وقال: ((هذا حديث حسن غريب)) ، وقال ابن العربي في العارضة (حاشية الترمذي) ((وهو صحيح)) ، وأخرجه ابن ماجه: ((كتاب الزهد)) ((باب الحزن والبكاء))
2/1402، والحاكم: ((كتاب التفسير)) ، ((تفسير سورة هل أتى على الإنسان)) ، وقال: ((صحيح الإسناد)) ، وسكت عنه الذهبي، وأخرجه أحمد في مسنده 5/173.
(40) انظر ابن عطية: المحرر 8/15.
(41) انظر الطبري: جامع البيان 13/131، المصدر السابق، محمد الأمين: الأضواء 3/99.
(42) انظر الزجاج: معاني القرآن 3/202، أبا حيان: البحر المحيط 5/378.
(43) الطبري: جامع البيان 13/131.
(44) معاني القرآن 3/202.
(45) انظر الزجاج: معاني القرآن 3/418، الأزهري تهذيب اللغة مادة (سجد) 10/572، معالم التنزيل 4/22 و 5/372 القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 9/302.
(46) انظر الزجاج: معاني القرآن 3/144، أبا حيان: البحر 5/378.
(47) جامع البيان 14/116.
(48) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 9/302، الآلوسي: روح المعاني 13/126، محمد الأمين: الأضواء 3/100.
(49) الطبري: جامع البيان 17/130، البغوي: معالم التنزيل 5/372، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/399.
(50) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 12/24، الآلوسي: روح المعاني 17/130.
(51) أخرجه مسلم في صحيحه، ((باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان)) 1/138 رقم الحديث 250، وأخرج البخاري نحوه في الصحيح، ((كتاب بدء الخلق)) ، ((باب صفة الشمس والقمر بحسبان)) 4/75.
(52) فتح الباري 13/19.
(53) المصدر السابق.(3/194)
(54) انظر الأزهري: تهذيب اللغة، مادة (سجد) 10/572، ابن الجوزي: زاد المسير 4/454.
(55) جامع البيان 17/130.
(56) تفسير القرآن العظيم 4/494، وعن مجاهد روايات أخرى انظرها في ابن عطية: المحرر 14/181.
(57) أخرجه الترمذي في ((أبواب الصلاة)) ، ((باب ما يقول في سجود القرآن)) 3/60، وقال: ((هذا حديث غريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من هذا الوجه)) ، وابن ماجة: ((كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها)) ، ((باب سجود القرآن)) 1/334 رقم الحديث 1053، والحاكم في المستدرك: ((كتاب الصلاة)) ، ((باب التأمين)) 1/219 وقال: ((هذا حديث صحيح رواته مكيون لم يذكر واحد منهم بجرح، وهو من شرط الصحيح ولم يخرجاه)) ، وقال الذهبي في التلخيص: ((صحيح ما في رواته مجروح)) ، وأخرجه البغوي في تفسيره معالم التنزيل 7/86.
(58) انظر الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (دبب) 164، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/399، ابن منظور: اللسان مادة (دبب) 1/370.
(59) انظر ابن قدامة: المغني 2/352.
(60) انظر أبا حيان: البحر 4/454، الشوكاني: فتح القدير 2/280، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 9/244.
(61) انظر الطبري: جامع البيان 9/168.
(62) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 7/356، الشوكاني: فتح القدير 2/280.
(63) سبق تخريجه.
(64) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 3/544، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 9/244.
(65) أخرجه مسلم في صحيحه، ((باب الأمر بالسكون في الصلاة…)) 1/322 رقم الحديث 119.
(66) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 7/357، ابن قدامة: المغني 2/352.
(67) انظر الطبري: جامع البيان 9/168، 23/111.
(68) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 9/244.
(69) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/107.(3/195)
(70) انظر الراغب: المفردات، مادة (سجد) 224 النيسابوري: إيجاز البيان 1/89، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/293.
(71) انظر ابن عطية: المحرر 1/244، أبا حيان: البحر 1/252.
(72) انظر البغوي: معالم التنزيل 1/81، ابن العربي: أحكام القرآن 1/16، ابن الجوزي: زاد المسير 1/64.
(73) انظر المصادر السابقة.
(74) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/293.
(75) انظر المصدر السابق، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 1/422.
(76) انظر الفراء: معاني القرآن 2/88 والمصدرين السابقين.
(77) انظر الجصاص: أحكام القرآن 1/32، الشوكاني: فتح القدير 1/66، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 1/422.
(78) انظر ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (وقع) 6/133، أبا حيان: البحر 5/453، الآلوسي: روح المعاني 4/45.
(79) جامع البيان 23/185.
(80) انظر الجصاص: أحكام القرآن 1/32.
(81) المحرر الوجيز 8/308.
(82) المصدر السابق 1/244.
(83) انظر ابن منظور: اللسان، مادة (جثا) 14/131.
(84) انظر الطبري: جامع البيان 16/97، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/238.
(85) انظر الجوهري: الصحاح، مادة (خرر) 2/643، أبا حيان: البحر 7/393.
(86) انظر الطبري: جامع البيان 16/98، ابن مجاهد: السبعة 407، الراغب: المفردات، مادة (بكى) 58.
(87) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/143، 151، الآلوسي: روح المعاني 16/108.
(88) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/238.
(89) انظر الآلوسي: روح المعاني 16/108.
(90) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 16/235، المصدر السابق.
(91) جامع البيان 16/97.
(92) المصدر السابق 1/538.
(93) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/248.
(94) انظر الطبري: جامع البيان 1/539.
(95) الزَّجَّاج: معاني القرآن 3/422.(3/196)
(96) انظر الطبري: جامع البيان 17/143، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/410.
(97) جامع البيان 1/541.
(98) أبو حيان: البحر 1/382.
(99) معاني القرآن 1/77.
(100) معاني القرآن 1/207.
(101) انظر ابن عطية: المحرر 10/262.
(102) انظر الزمخشري: الكشاف 1/310.
(103) انظر الآلوسي: روح المعاني 17/143.
(104) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/248.
(105) البحر المحيط 2/457.
(106) نظم الدرر 4/379.
(107) المصدر السابق 4/379.
(108) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 22/5، محمد رشيد: تفسير القرآن الحكيم 1/463.
(109) انظر روح المعاني: الآلوسي 1/136، 143.
(110) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/69، 80.
(111) سبق تخريجه في أول البحث.
(112) البحر المحيط 1/372.
(113) انظر الطبري: جامع البيان 12/67، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4/325.
(114) انظر الزمخشري: الكشاف 2/344.
(115) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 9/265، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 22/544، الآلوسي: روح المعاني 13/58.
(116) انظر الزمخشري: الكشاف 2/344، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/293، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4/335، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 13/56.
(117) أخرجه ابن ماجه: ((كتاب النكاح)) ، ((باب حق الزواج على المرأة)) 1/595 رقم الحديث 1852، وأحمد في مسنده 4/381.
(118) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/58.
(119) أخرجه الترمذي: ((أبواب الاستئذان)) ، ((باب ما جاء في المصافحة)) 10/191 (عارضة الأحوذي) ، وابن ماجه: ((كتاب الأدب)) ، ((باب المصافحة)) 2/1220، رقم الحديث 3702، وأحمد في مسنده 3/198.
(120) انظر ابن عطية: المحرر 8/80، القرطبي: الجامع 9/265.
(121) انظر الزمخشري: الكشاف 2/344.
(122) الصحاح: مادة (خرر) 2/643.
(123) انظر ابن عطية: المحرر 8/80.(3/197)
(124) انظر أبا حيان: البحر 5/348.
(125) الكشاف 2/344.
(126) انظر المصدر السابق، الرازي: مفاتيح الغيب 12/88، الآلوسي: روح المعاني 12/180، محمد رشيد: تفسير القرآن الحكيم 12/254.
(127) انظر الطبري: جامع البيان 9/22، 19/73، الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (لقي) 453، ابن عطية: المحرر 6/39.
(128) الكشاف 3/113.
(129) البحر المحيط 7/16.
(130) انظر الآلوسي: روح المعاني 9/26.
(131) جوّز هاتين الدلالتين محمد الطاهر صاحب التحرير والتنوير 16/262.
(132) انظر الزمخشري: الكشاف 1/283، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/139.
(133) انظر الطبري: جامع البيان 1/299، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/140.
(134) أخرجه البخاري في صحيحه: ((كتاب التفسير)) ، ((باب قوله حطة)) 1/197، ومسلم في كتاب التفسير 5/2312 رقم الحديث 1.
(135) فتح الباري 17/180.
(136) انظر ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (حطّ) 2/13، الراغب: المفردات، مادة (حطّ) 122.
(137) انظر الغرناطي: ملاك التأويل 1/205.
(138) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 3/94، أبا حيان: البحر 1/221، الآلوسي: روح المعاني 1/265.
(139) انظر أبا حيان: البحر 1/222، الآلوسي: روح المعاني 1/263.
(140) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 3/94، المصدرين السابقين.
(141) أخرجه الطبري في جامع البيان 1/299 والحاكم في المستدرك 1/262 وقال: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)) ، وسكت عنه الذهبي، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/172.
(142) انظر ابن تيمية: دقائق التفسير 1/111، الزركشي: البرهان في علوم القرآن 2/157.
(143) انظر النيسابوري: إيجاز البيان 1/100.
(144) جامع البيان 1/300.
(145) الكشاف 1/283.
(146) انظر الآلوسي: روح المعاني 1/265.(3/198)
(147) انظر الطبري: جامع البيان 23/146، ابن عطية: المحرر 12/439، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/237.
(148) انظر الطبري: جامع البيان 23/146.
(149) أحكام القرآن 4/1639.
(150) أخرجه النسائي في سننه: ((كتاب الصلاة)) ، ((باب سجود القرآن)) 2/159، والدارقطني في سننه أيضا 1/407وعبد الرازق في المصنف 3/338، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 3/221.
(151) مجموع الفتاوى 23/145.
(152) نظم الدرر 16/363.
(153) أخرجه البخاري في صحيحه: ((كتاب الأنبياء)) ، ((باب واذكر عبدنا داود)) 4/135.
(154) زاد المسير 7/122.
(155) انظر ابن قدامه: المغني 2/352، ابن حجر: فتح الباري 5/252.
(156) انظر الجوهري: الصحاح مادة (خرر) 2/643، أبا حيان: البحر 7/393، البقاعي: نظم الدرر 16/363.
(157) البقاعي: نظم الدرر 16/363.
(158) ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/173.
(159) انظر ابن عطية: المحرر 12/448، الآلوسي: روح المعاني 3/183، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/240.
(160) انظر أبا حيان: البحر 7/393، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/52، الآلوسي: روح المعاني 23/183.
(161) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/145.
(162) انظر الزمخشري: الكشاف 3/371، الآلوسي: روح المعاني 23/184.
(163) الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (قنت) 413.
(164) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (قنت) 5/31.
(165) انظر ابن عطية: المحرر 3/115.
(166) انظر الجصاص: أحكام القرآن 2/13، المصدر السابق.
(167) انظر الطبري: جامع البيان 3/265.
(168) المصدر السابق 3/266.
(169) انظر المصدر السابق، الزمخشري: الكشاف 1/429، أبا حيان: البحر 2/456، الآلوسي: روح المعاني 3/155.
(170) انظر النحاس: معاني القرآن 1/399، أبا حيان: البحر 2/456.
(171) انظر ابن عطية: المحرر 3/115.(3/199)
(172) انظر أبا حيان: البحر 2/457، البقاعي: نظم الدرر 4/373، 379.
(173) انظر المصدرين السابقين، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 4/244.
(174) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 22/5.
(175) انظر المصدر السابق 23/137.
(176) انظر الطبري: جامع البيان 3/266، الرازي: مفاتيح الغيب 3/48، الآلوسي: روح المعاني 3/157.
(177) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 3/48، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 3/244.
(178) معجم مقاييس اللغة، مادة (ركع) 2/435، وانظر أبا حيان: البحر 2/457.
(179) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (ركع) 2/435.
(180) انظر الطبري: جامع البيان 15/180، الزمخشري: الكشاف 1/456، أبا حيان: البحر 3/34، 6/88.
(181) انظر الزمخشري: الكشاف 1/456.
(182) انظر الطبري: 15/180، الزمخشري: الكشاف 2/469، أبا حيان: البحر 3/34، 6/88.
(183) انظر المصادر السابقة.
(184) ابن عطية: المحرر 3/276.
(185) المصدر السابق.
(186) انظر الفراء: معاني القرآن 1/231، الزجاج: معاني القرآن 1/459، البغوي: معالم التنزيل 2/93.
(187) انظر المصادر السابقة.
(188) انظر ابن عطية: المحرر 3/278، أبا حيان: البحر 3/35.
(189) انظر الطبري: جامع البيان 4/56.
(190) انظر أبا حيان: البحر 3/35.
(191) انظر الطبري: جامع البيان 4/56.
(192) أخرجه أحمد في مسنده 5/286 رقم 3760 وقال الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح، وأخرجه الطبري في جامع البيان 4/55.
(193) انظر الطبري: جامع البيان 15/180، ابن الجوزي: زاد المسير 5/97، أبا حيان: البحر 7/88، السيوطي: الدّرّ المنثور 5/346.
(194) انظر المصادر السابقة، الزجاج: معاني القرآن 3/264، الزمخشري: الكشاف 2/470، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/142.
(195) الجصاص: أحكام القرآن 3/209، ابن قدامة: المغني 2/357.(3/200)
(196) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 4/207، 15/70، الآلوسي: روح المعاني 4/34.
(197) انظر أبا حيان: البحر 3/34، الآلوسي: روح المعاني 15/34.
(198) انظر الزمخشري: الكشاف 2/470، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/158، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 15/234.
(199) انظر أبا حيان: البحر 6/89، الآلوسي: روح المعاني 15/190.
(200) انظر السيوطي: الإتقان 1/36.
(201) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 29/370.
(202) انظر السيوطي: الإتقان 1/36.
(203) أخرجه أبو داود في سننه: ((باب وقت قيام النبي (من الليل)) 2/78 وأحمد في مسنده 5/388 من حديث حذيفة: ((كان رسول الله (إذا حزبه أمر صلى)) ، قال المنذري (حاشيه سنن أبي داود 2/78) : ذكر ((بعضهم أنه رُوي مرسلا)) .
(204) النهاية 1/377.
(205) انظر ابن عطية: المحرر 8/361، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4/471.
(206) انظر ابن عطية: المحرر 8/361.
(207) انظر الطبري: جامع البيان 14/73، النحاس: معاني القرآن 4/47، ابن عطية المحرر الوجيز 8/361، ابن العربي: أحكام القرآن 3/1138، الآلوسي: روح المعاني 14/87، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 14/91.
(208) زاد المسير 4/423.
(209) جامع البيان 14/73، وقد سبق تخريج هذا الخبر آنفا.
(210) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 4/423.
(211) معالم التنزيل 4/397.
(212) أحكام القرآن 3/1138.
(213) ابن الجوزي: زاد المسير 6/148.
(214) محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/204.
(215) ابن عطية: المحرر 11/159.
(216) انظر الطبري: جامع البيان 19/124.
(217) انظر المصدر السابق.
(218) المصدر السابق 19/125.
(219) انظر المصدر السابق، ابن عطية: المحرر 11/159، الآلوسي: روح المعاني 19/137.
(220) تفسير مجاهد 2/467.
(221) أخرجه البخاري في صحيحه: ((كتاب الأذان)) ، ((باب تسوية الصفوف …)) 1/176.(3/201)
(222) انظر المحرر الوجيز 11/159.
(223) جامع البيان 19/125.
(224) انظر الآلوسي: روح المعاني 14/87، 19/137.
(225) انظر ابن مجاهد: السبعة 607، الأزهري: القراءات وعلل النحويين 2/643، العُكبري: إملاء ما منَّ به الرحمن 2/243، أبا حيان: البحر 8/130.
(226) انظر الجصاص: أحكام القرآن 3/410، ابن عطية: المحرر 13/571.
(227) تفسير القرآن العظيم 7/386.
(228) قال ابن الأثير في النهاية مادة (ضمم) 3/101: ((يُروى بالتشديد والتخفيف فالتشديد معناه: لا ينضم بعضكم إلى بعض وتزدحمون وقت النظر إليه، … ومعنى التخفيف: لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض، والضيم: الظلم)) .
(229) أخرجه البخاري: ((كتاب التفسير)) ، ((سورة ق)) 6/48 ومسلم: ((باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما)) 2/439 رقم الحديث 633.
(230) انظر الطبري: جامع البيان 26/180، ابن الجوزي: زاد المسير 8/23.
(231) انظر الطبري: جامع البيان 26/180.
(232) بل رُوي عن أبي الأحوص أنه قال في جميع التسبيح المذكور في الآيتين هو التسبيح باللسان. انظر ابن الجوزي: زاد المسير 8/24.
(233) أخرجه البخاري: ((كتاب التفسير)) ، ((سورة ق)) 6/48.
(234) انظر الطبري: جامع البيان: 26/180.
(235) انظر الجصاص: أحكام القرآن 3/410.
(236) أخرجه مسلم في صحيحه: ((باب استحباب الذكر بعد الصلاة)) 1/418 رقم الحديث 597.
(237) انظر الجصاص: أحكام القرآن 3/410، محمد الأمين: أضواء البيان 3/203.
(238) انظر الطبري: جامع البيان 26/180، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/387، السيوطي: الدر المنثور 7/610.
(239) جامع البيان 26/182.
(240) المصدر السابق 26/181.
(241) انظر فتح الباري 18/228.
(242) انظر الطبري: جامع البيان 26/182، ابن الجوزي: زاد المسير 8/24.
(243) جامع البيان 26/182.
(244) 3/410.(3/202)
(245) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1728، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/387.
(246) جامع البيان 26/182.
(247) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 8/319.
(248) انظر الطبري: جامع البيان 29/225، الزمخشري: الكشاف 4/272، ابن عطية: المحرر 15/251، الرازي: مفاتيح الغيب 29/259، الآلوسي: روح المعاني 29/166.
(249) انظر المصادر السابقة.
(250) انظر الزمخشري: الكشاف 4/272، البغوي: معالم التنزيل 8/481، الرازي: مفاتيح الغيب 30/26، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 8/460.
(251) أخرجه في ((كتاب التفسير)) ، سورة العلق 5/88.
(252) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/386، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 30/443.
(253) انظر الرازي: مفاتيح الغيب، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 9/128، الآلوسي: روح المعاني 30/188.
(254) انظر ابن عطية: المحرر 15/517، ابن العربي: أحكام القرآن 4/1958، ابن قدامة: المغني 2/357.
(255) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 30/26.
(256) المحرر الوجيز 4/212.
(257) انظر البقاعي: نظم الدرر 5/381.
(258) انظر الطبري: جامع البيان 5/253، ابن قدامة: المغني 3/301.
(259) الطبري: جامع البيان 5/251.
(260) انظر المصدر السابق 5/258، ابن قدامة: المغني 3/310، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 5/372، ابن حجر: فتح الباري 5/101، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 5/186.
(261) انظر البغوي: معالم التنزيل 2/278، ابن قدامة: المغني 3/302.
(262) أخرجه البخاري: ((كتاب المغازي)) ، ((باب غزوة ذات الرقاع)) 5/52، ومسلم: ((باب صلاة الخوف)) 1/575 رقم الحديث 842.
(263) ذكره البخاري بعد الحديث السابق.
(264) انظر البغوي: معالم التنزيل 2/278، ابن قدامة: المغني 3/302.
(265) انظر البغوي: معالم التنزيل 2/278، ابن حجر: فتح الباري 5/101.(3/203)
(266) انظر الزجاج: معاني القرآن 4/75.
(267) انظر الطبري: جامع البيان 19/35، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/70.
(268) انظر البغوي: معالم التنزيل 6/294، البقاعي: نظم الدرر 13/422.
(269) الطبري: جامع البيان 19/35.
(270) انظر أبا حيان: البحر 6/513، البقاعي: نظم الدرر 13/422.
(271) انظر البقاعي: نظم الدرر 16/466.
(272) انظر الفراء: معاني القرآن 2/272.
(273) انظر ابن عطية: المحرر 11/68، الرازي: مفاتيح الغيب 19/108، الآلوسي: روح المعاني 9/45.
(274) انظر المصادر السابقة.
(275) انظر الطبري: جامع البيان 21/99، البغوي: معالم التنزيل 6/303، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/99.
(276) انظر سجود النبيين عليهم السلام.
(277) انظر مجموع الفتاوى 23/140 وما بعدها.
(278) انظر ابن عطية المحرر 11/539، ابن قدامة: المغني 2/357، ابن حجر: فتح الباري 51/251.
(279) المحرر 11/540.
(280) انظر جامع البيان 21/98.
(281) معاني القرآن 2/331.
(282) زاد المسير 6/337.
(283) روح المعاني 21/131.
(284) انظر أبا حيان: البحر 7/202.
(285) الراغب الأصفهاني المفردات، مادة ((قنت)) 413.
(286) انظر الطبري: جامع البيان 23/202.
(287) انظر المصدر السابق.
(288) المصدر السابق.
(289) انظر الزمخشري: الكشاف 1/624، ابن الجوزي: زاد المسير 2/384، أبا حيان: البحر 3/514، سليمان الجمل: حاشية الجمل على الجلالين 1/503، الآلوسي: روح المعاني 6/167، محمد رشيد: تفسير القرآن الحكيم 6/442، عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن 2/310، تحقيق محمود شاكر وأحمد شاكر لجامع البيان 10/427، وقال: ((وهذا هو الصواب المحض إن شاء الله)) .
(290) ابن عطية: المحرر 4/490.
(291) انظر أبا حيان: البحر 3/514.(3/204)
(292) انظر البغوي: معالم التنزيل 3/73، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 6/222.
(293) انظر الزمخشري: الكشاف 1/624، العكبري: إملاء ما منَّ به الرحمن 1/219.
(294) انظر ابن عطية المحرر 4/491، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 3/129، محمد رشيد: تفسير القرآن الحكيم 6/442 محمد الطاهر: التحرير والتنوير 6/240.
(295) تفسير القرآن العظيم 3/130.
(296) معاني القرآن 2/472.
(297) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 3/506.
(298) انظر الآلوسي: روح المعاني 11/31.
(299) انظر الطبري: جامع البيان 11/39.
(300) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 11/41.
(301) انظر الطبري: جامع البيان 11/39، الآلوسي: روح المعاني 11/31.
(302) المحرر 7/56.
(303) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 11/210.
(304) محمد رشيد: تفسير القرآن الحكيم 11/54.
(305) انظر الزجاج: معاني القرآن 3/439، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/139، الآلوسي: روح المعاني 21/208.
(306) معاني القرآن 2/231.
(307) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 5/454، الآلوسي: روح المعاني 17/207.
(308) نظم الدرر 13/99.
(309) الآلوسي: روح المعاني 17/208.
(310) الطبري: جامع البيان 17/204.
(311) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 3/1304، ابن الجوزي: زاد المسير 5/540، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/139.
(312) انظر المصادر السابقة، وابن قدامة: المغني 2/356.
(313) المسند 28/593 رقم 17364 بإشراف د. عبد الله التركي، وفيه ابن لهيعة، وتتبع شواهده ابن كثير في تفسيره 5/400، ثم قال: ((فهذه شواهد يشدّ بعضها بعضا)) .
(314) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 5/446.
(315) ابن عطية: المحرر 13/474.
(316) انظر البغوي: معالم التنزيل 7/324، الآلوسي: روح المعاني 26/124.
(317) انظر أبا حيان: البحر 8/102، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 26/205.(3/205)
(318) انظر الطبري: جامع البيان 26/110.
(319) المصدر السابق 26/112.
(320) انظر الآلوسي: روح المعاني 26/125، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 26/206.
(321) انظر السيوطي: الإتقان 1/25.
(322) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/138.
(323) انظر ابن مجاهد: السبعة 480، الأزهري: علل القراءات 2/487، ابن الجزري: النشر2/337.
(324) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/139.
(325) انظر المصدر السابق، أبا حيان: البحر 8/448.
(326) انظر ابن قدامة: المغني 2/357.
(327) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4/176، البقاعي: نظم الدرر 13/416.
(328) انظر مجموع الفتاوى 23/139.
(329) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/62.
(330) انظر المصدر السابق.
(331) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/129.
(332) أبو حيان: البحر 6/509، وهو أيضا في الرازي: مفاتيح الغيب 19/106.
(333) الطبري: جامع البيان 19/149.
(334) انظر الزجاج: معاني القرآن 4/116، الأزهري: علل القراءات 2/487، الزمخشري: الكشاف 3/145، القرطبي: أحكام القرآن 13/187، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/256.
(335) المحرر 11/196.
(336) المصدر السابق.
(337) الطبري: جامع البيان 19/150.
(338) انظر الزمخشري: الكشاف 3/144، ابن عطية: المحرر 11/193، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/197، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/251، 24/299.
(339) مجموع الفتاوى 23/146.
(340) انظر أبا السعود: إرشاد العقل السليم 6/282.
(341) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/146، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/170.
(342) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1664، ابن قدامة: المغني 2/357.
(343) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 15/365، ابن حجر: فتح الباري 5/227.
(344) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 8/86.(3/206)
(345) انظر مجموع الفتاوى 23/157.
(346) انظر جامع البيان 27/84.
(347) انظر المصدر السابق 23/82، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/140.
(348) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1735، ابن عطية: المحرر 14/136.
(349) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/157، ابن حجر: فتح الباري 5/252.
(350) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 8/86، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4/176.
(351) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 27/161.
(352) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/443، المصدر السابق.
(353) انظر الجمل: حاشية الجمل 4/240.
(354) انظر البغوي: معالم التنزيل 8/376، ابن الجوزي: زاد المسير 9/68، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/151.
(355) انظر الطبري: جامع البيان 30/125، الزمخشري: الكشاف 4/236، ابن الجوزي: زاد المسير 9/69، أبا حيان: البحر 8/448، الآلوسي: روح المعاني 30/83.
(356) البحر 8/448، وهو في الرازي: مفاتيح الغيب 30/113، والجمل: حاشية الجمل على الجلالين 4/512، والآلوسي: روح المعاني 30/83.
(357) مجموع الفتاوى 23/151.
(358) المصدر السابق 23/153.
(359) نقله عنه ابن الجوزي: زاد المسير 9/69.
(360) أخرجه مسلم في باب سجود التلاوة 1/406 رقم الحديث 578.
(361) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1911، ابن قدامة: المغني 2/353، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/153.
(362) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/155.
(363) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 30/113.
(364) انظر ابن تيمية: مجموع الفتاوى 23/154.
(365) نظم الدرر 21/349.
(366) الطبري:جامع البيان 29/244، ابن الجوزي: زاد المسير 8/452، وسيأتي قريبا الإشارة إلى مدى صحة هذا الخبر.(3/207)
(367) أخرجه البخاري في صحيحه: ((كتاب التفسير)) ، ((سورة ن والقلم)) 6/72، وهو في صحيح مسلم بنحوه: ((باب معرفة طريق الرؤية)) 1/168، رقم الحديث 183.
(368) انظر الجمل: حاشية الجمل 4/390.
(369) انظر الطبري: جامع البيان 29/39.
(370) انظر ابن عطية: المحرر 15/51، ابن العربي: أحكام القرآن 4/1902، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 8/225.
(371) انظر أبا حيان: البحر 8/315.
(372) انظر ابن عطية: المحرر 15/51، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 18/251، أبا حيان: البحر 8/317، الجمل: حاشية الجمل 4/390.
(373) انظر الآلوسي: روح المعاني 29/36.
(374) ابن عطية: المحرر 15/51، أبو حيان: البحر 8/317.
(375) سبقت الإحالة إلى مصادره.
(376) انظر محمد حسين: التفسير والمفسرون 1/80.
(377) انظر الطبري: جامع البيان 29/245، أبا حيان: البحر 8/408، البقاعي: نظم الدرر 21/185.
(378) تفسير مجاهد 2/718، الفراء: معاني القرآن 3/48، الطبري: جامع البيان 29/245.
(379) انظر الطبري: جامع البيان 29/245، ابن عطية: المحرر 15/273.
(380) الطبري: جامع البيان 29/246.
(381) أخرجه أحمد في مسنده 29/438 رقم 17913 إشراف د. عبد الله التركي.
(382) انظر الزمخشري: الكشاف 4/205، ابن الجوزي: زاد المسير 8/452.
(383) انظر ابن القيم: زاد المعاد 3/498.
(384) البحر2/457.
(385) نظم الدرر 4/374.
(386) المصدر السابق 4/379.
(387) انظر الجصاص: أحكام القرآن 1/32، البغوي: معالم التنزيل 1/88، أبا حيان: البحر 1/81، النيسابوري: إيجاز البيان 1/96، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 1/473.
(388) انظر المصادر السابقة.
(389) انظر الآلوسي: روح المعاني 1/247.
(390) انظر الجصاص: أحكام القرآن 1/32، أبا حيان: البحر 1/181، عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن 1/81.(3/208)
(391) انظر الطبري: جامع البيان 1/257، الزمخشري: الكشاف 1/277.
(392) انظر أبا حيان: البحر 1/181.
(393) أحكام القرآن 1/21.
المصادر والمراجع
ابن الأثير، المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، بيروت.
أحمد بن حنبل، المسند، محقق بإشراف د. عبد الله التركي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1413هـ، ونسخة أخرى بتحقيق أحمد شاكر، مصر، دار المعارف 1377هـ، ونسخة أخرى طبعة المكتب الإسلامي وإليها الإحالة عند الإطلاق.
الأزهري، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، ج1 تحقيق عبد السلام محمد هارون، ج10 تحقيق علي حسن هلالي، الدار المصرية.
الأزهري، محمد بن أحمد، علل القراءات، تحقيق نوال الحلوة، الرياض، 1411هـ.
الآلوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، الطبعة (4) 1405 هـ، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، استانبول،1981م.
البغوي، الحسين بن مسعود، معالم التنزيل، تحقيق محمد النمر وزملائه، الرياض، دار طيبة، 1409هـ.
البقاعي، إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، الطبعة (2) ، 1413هـ، القاهرة، دار الكتاب الإسلامي.
الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، (مع عارضة الأحوذي) ، دار الكتاب العربي.
ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، درء تعارض العقل والنقل، تحقيق د. محمد رشاد سالم، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1399هـ.
ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، دقائق التفسير، تحقيق د. محمد السيد الجليند، الطبعة (2) 1404هـ، بيروت مؤسسة علوم القرآن.
ابن تيمية، أحمد عبد الحليم، مجموع الفتاوى، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكة المكرمة، الرئاسة العامة لشؤون الحرمين، 1404هـ.(3/209)
الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، تحقيق إبراهيم الإبياري، الطبعة (2) 1413هـ،
بيروت، دار الكتاب العربي.
ابن الجزري، محمد بن محمد الدمشقي، النشر في القراءات العشر، إشراف علي الضباع، بيروت، دار الكتب العلمية.
الجصاص، أحمد بن علي، أحكام القرآن، بيروت، دار الكتاب العربي.
الجَمَل، حاشية الجَمَل على الجلالين، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد، زاد المسير في علم التفسير، الطبعة (3) 1404هـ، بيروت، المكتب الإسلامي.
الجوهري، اسماعيل بن حمّاد الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة (3) 1404هـ، بيروت، دار العلم للملايين.
الحاكم، المستدرك على الصحيحين، بإشراف د. يوسف المرعشلي، بيروت، دار المعرفة، ومعه التلخيص للذهبي.
ابن حجر، أحمد بن علي بن محمد، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق طه عبد الرءوف وزميليه، القاهرة مكتبة الكليات الأزهرية، 1398هـ.
أبوحيان، محمد بن يوسف، البحر المحيط، الطبعة (2) 1403هـ، بيروت دار الفكر.
الخليل بن أحمد، كتاب العين، تحقيق د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1408هـ
الدارقطني، علي بن عمر، السنن، تحقيق عبد الله هاشم، القاهرة.
أبو داود، سليمان بن الأشعث، بيروت، دار الحديث، 1388هـ.
الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، بيروت، دار الفكر.
الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، ضبط محمد سيد كيلاني، بيروت دار المعرفة.
الزبيدي، محمد مرتضى تاج العروس، ج5، ج8 تحقيق د. عبد العزيز مطر، مطبعة حكومة الكويت، 1390هـ.
الزجاج، إبراهيم بن السّري، معاني القرآن، تحقيق د. عبد الجليل عبده شلبي، بيروت، دار عالم الكتب، 1408هـ.(3/210)
الزركشي، محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، الطبعة (2) ، 1391هـ.
الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق التنزيل، بيروت، دار المعرفة.
الزمخشري، محمود بن عمر، أساس البلاغة، الطبعة (3) 1985م، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
السخاوي، علي بن محمد، جمال القراء، تحقيق د. علي البواب، مكة المكرمة، مكتبة التراث، 1408هـ.
أبو السعود، محمد بن محمد، إرشاد العقل السليم، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
سيد قطب، في ظلال القرآن، الطبعة (7) 1398هـ، بيروت، دار الشروق.
السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، الرياض، مكتبة الباز، 1417هـ.
السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير المأثور، بيروت، دار الفكر، 1403هـ.
السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، المزهر في علوم اللغة، تحقيق محمد أبو الفضل وزميليه، الطبعة (3) ، القاهرة دار التراث.
الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير، دار الفكر، 1401هـ.
الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبعة (3) 1388هـ، القاهرة، مصطفى الحلبي وإلى هذه النسخة الإحالة عند الإطلاق.
نسخة أخرى لجامع البيان، بتحقيق محمود أحمد شاكر، وعند الإحالة إليها تقيد بهذا التحقيق.
عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، إشراف محمد زهري النجار، الرياض الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، 1404هـ.
عبد الرزاق بن همام، المصنف، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، االطبعة (2) ، 1403هـ بيروت، المكتب الإسلامي.
ابن العربي، محمد بن عبد الله، أحكام القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، بيروت، دار المعرفة.
ابن العربي، محمد بن عبد الله، عارضة الأحوذي، دار الكتاب العربي.(3/211)
ابن عطية، عبد الحق بن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق عبد الله الأنصاري وزملائه، الدوحة 1398هـ.
العكبري، عبد الله بن الحسين، إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب، بيروت، دار الكتب العلمية، 1399هـ.
العلوي، يحيى بن حمزة، الطراز المتضمن لأسرار البلاغة، الرياض، مكتبة المعارف، 1400هـ.
الغرناطي، أحمد بن إبراهيم بن الزبير، ملاك التأويل، تحقيق د. سعيد الفلّاح، دار الغرب الإسلامي، 1403هـ.
ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، الطبعة (3) 1402هـ، القاهرة الخانجي.
الفراء، يحيى بن زياد، معاني القرآن، الطبعة (2) 1980م، بيروت، عالم الكتب.
الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، ط (2) 1407هـ، بيروت، مؤسسة الرسالة.
ابن القيم، محمد بن أبي بكر، زاد المعاد، تحقيق شعيب وعبد القادر ابنا الأرنؤوط، الطبعة (3) ، 1406هـ، بيروت مؤسسة الرسالة.
ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، الطبعة (5) 1404هـ، بيروت، مكتبة المعارف.
ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، تحقيق عبد العزيز غنيم وزميليه، القاهرة، الشعب.
ابن قدامة، أحمد بن محمد، المغني، تحقيق د. عبد الله التركي، د. عبد الفتاح الحلو، القاهرة، هجر للطباعة 1406هـ.
ابن قدامة: أحمد بن محمد، روضة الناظر، الطبعة (2) 1404هـ، الرياض، مكتبة المعارف.
القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
ابن ماجة، محمد بن يزيد، السنن، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، المكتبة العلمية.
ابن مجاهد، أحمد بن موسى، السبعة، الطبعة (2) 1400هـ، القاهرة، دار المعارف.
مجاهد بن جبر، تفسير مجاهد، تحقيق عبد الرحمن الطاهر، بيروت، المنشورات العلمية.(3/212)
مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية.
محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الرياض، 1403هـ.
محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون، الطبعة الثانية 1396هـ، مصر.
محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم، بيروت، دار المعرفة 1414هـ.
محمد الطاهر بن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، تونس، الدار التونسية، 1984م.
محمد ناصر الدين الألباني، صحيح الجامع الصغير، المكتب الإسلامي 1388هـ.
مكي بن أبي طالب، الكشف عن وجوه القراءات السبع، تحقيق د. محي الدين رمضان، الطبعة (2) 1401هـ، بيروت مؤسسة الرسالة.
ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر.
النحاس، أحمد بن محمد، إعراب القرآن، تحقيق د. زهير غازي زاهد، الطبعة (2) 1405هـ، عالم الكتب.
النحاس، أحمد بن محمد، معاني القرآن الكريم، تحقيق محمد علي الصابوني، مكة المكرمة، مركز إحياء التراث 1408هـ.
النسائي، أحمد بن شعيب، السنن، بيروت، دار الكتاب العربي.
النيسابوري، محمود بن أبي الحسن بن الحسين إيجاز البيان عن معاني القرآن، تحقيق د. علي العبيد، الرياض، مكتبة التوبة، 1418هـ.(3/213)
جزء فيه حديث رسول الله (
((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيارهم خيارهم لأهله))
رواية ودراية
د. عبد الرحمن بن محمد بن شريف
مدرس الحديث بقسم أصول الدين - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة قطر - الدوحة
ملخص البحث
تُعدُّ كتابة الأجزاء الحديثية أُسلوباً مِنَ أساليب التَّصنيف التي اتبعها المُحدِّثون مِن أجل أبراز هدف مِن الأهداف التي يهدف المُحَدِّثُ إلى إبرازها وإظهار نفعها للناس، ولقد تفنن المُحَدِّثون في التأليف في هذا المجال، وبحثنا هذا حاول أن يُبرزَ للقراء أهمية الأخلاق في الإسلام، ومدى عناية القرءان الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة المطهرة بمبدأ الأخلاق، كما أنَّ أسلوبَ تخريج الحديث وتتبع طرقه المختلفة، وشواهده المتعددة، قد أبرزت الجانب الموضوعيّ لدى المحدِّثين في إثبات صحة النُّصوص وتوثيقها..
• • •
المقدّمة:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدِ الأوَّلين والآخرين سيِّدِنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم. أمَّا بعد: فقد أفرد كثير من العلماء أجزاءً حديثيَّة تهدف إلى تحقيق غرض من الأغراض العلميِّةِ مثل: ((جزء الأستاذ أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد ابن محمدٍ القطان الطبري المتوفى سنة (478) ، ذكر فيه مارواه أبو حنيفة عن الصحابة)) .
وجزء فيه قول النبيِّ (( (نضَّرَ اللهُ امراً سَمِعَ مقالتي فَأداها)) للإمامِ أبي عمرو أحمد ابن محمدِ بن إبراهيم بن حكيم المديني، المتوفى سنة (333هـ) . (1)
كما ألَّف الحافظ ابن حجر ((جزء في طرق حديث لاتسبُّوا أصحابي)) (2)
وغير ذلك من الأجزاء الحديثية المتعددة الأغراض والتي خدم فيها أصحابها سنة الرسول (.
ورغبة مني في خدمة سنة رسول الله (فقد اخترت:
جزء فيه حديث رسو ل الله (: ((أَكْمَلُ الْمؤْمِنِينَ إِيماناً أحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَخِيارُهُمْ خِيارُهُمْ لأَهْلِهِ)) . رواية ودراية(3/214)
إنَّ هنالك أكثر من سبب دفعني لاختيار شرح وتخريج هذا الحديث المبارك، ومن هذه الأسباب:
1- أهمية الأخلاق ومنزلتها من الدِّين، وحاجة المسلمين في أيامنا هذه للعودة إلى هذا النبع الصافي لينهلوا من مورده العذب ويقتبسوا من الخلق الإسلاميِّ الرفيع، ليعودوا إلى عزهم ومجدهم ويتقدَّموا كما تقدَّمَ السلف الصالح وسادوا الأمم التي عاصروها بحسن خلقهم وطيبِ معدنهم.
2- الفوائد الحديثيَّةِ المتعددة الجوانب التي يستفيدها المشتغل بالسنة وعلومها من خلال تخريج هذا الحديث وتتبع طرقه المختلفةِ، ودراسة الأسانيد المتنوعة وترجمة رجال هذه الطرق عند الضرورة، والحكم على الأسانيد والروايات.
3- رغبة مني في جعل هذه المادة العلميَّة الدقيقة في متناول طلاب الحديث النَّبويِّ الشَّريف، وتبسيط هذه المادة ليتمكنوا من دراستها والاستفادة منها.
أما مباحث الموضوع فهي على النحو الآتي: المقدمة وتناولت فيها الحديث عن أهمية الكتابة في الأجزاء الحديثية التي انقطع التأليف فيها منذ زمنٍ ليس بالقصير، واهتمام القرءان الكريم والسُّنَّة النَّبوية بالأخلاق الإسلامية وضرورة تربية المسلم نفسه على حُسن الخلق.
المبحث الأوَّل: تخريج روايات الحديث وتتبع طرقه المختلفة.
المبحث الثَّاني: شرح الحديث وبيان أهمية الأخلاق، وأن تستمد أخلاق المسلمين على ما ورد في الكتاب والسُّنَّة دون الجاجة إلى الأخذ من الأمم الأخرى، ذلك أنَّ رسولنا (إنَّما بُعث لإكمال مكارم الأخلاق.
ولقد حرصتُ على الاختصار في شرح الحديث، وذلك أنَّ الحديث عن الأخلاق في الإسلام حديثٌ ذو شُجون، وقد أُلِّفت حولهُ مًصَنَّفات يطول ذِكْرها، وبحثنا هذا مرهون نشره برقم محدد مِن الأوراق.(3/215)
وفي ختام هذا البحث لا يسعني سوى أن أتقدَّم بخالص الشكر وأصدق الدعوات لجامعة أم القرى بمكة المكرمة، متمثلة بمجلة جامعة أم القرى، ومدير تحريرها سعادة الدكتور سليمان بن إبراهيم العايد، على حُسن اللقاء مع عنايته بهذا البحث إضافة إلى السّرعة والدِّقَّة في الانجاز، وهذا ما تحتاجه معظم المؤسسات في وقتنا الحاضر ...
ولا أنسى بالشكر والعرفان أخاً عزيزاً وهو سعادة الدكتور موفق بن عبد اللَّه بن عبد القادر، الأستاذ المشارك بجامعة أمِّ القرى الذي ساهم في إخراج هذا البحث، سواء بقراءته، أو إبداء نصحٍ ومشورة، رغم كثرة أشغاله.. فله من اللَّه الأجر والمثوبة، ومني التَّقدير والاحترام.
والله أسأل التوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم إنه نعم المولى ونعم النصير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المبحث الأوَّل:
تخريج روايات الحديث والكلام على أسانيدِها.
يُعدُّ علم تخريج الحديث النَّبوي الشَّريف مِنَ العلومِ التي شغلت حيِّزاً واسعاً في مجال علم الحديث النَّبويِّ الشَّريف، ولمَّا أن حديثنا المراد تخريجه مِنَ الأحاديث التي عدَّها بعض العلماء مِنَ الأحاديث المتواترة نظراً لكثرة طُرقه، لذا فإنِّي قد حرصتُ على تتبع طرق هذا الحديث، مع بيان درجة كلّ طريق قدر الإمكان.. ذلك أنَّ التَّخريج ليس هو غاية في حدِّ ذاته، وإنَّما المراد منه بيان درجة الحديث عند الضَّرورة..(3/216)
إنَّ دعوى استيعاب كافة الطُّرق لهذا الحديث قد تجد أحياناً ما يُخالفها، وذلك لأنَّ معاني هذا الحديث قد ذُكِرَت في العديدِ مِنَ الأحاديثِ، وبعضهم يعدُّ تلك الأحاديث تابعة لهذا الحديث، أو شاهدة لهُ، وإن جاءت مِن طريقٍ آخر، عن الصَّحابيِّ الواحد، أو عن صحابيٍّ آخر، واختلاف وجهات النَّظر في هذا المجال مقبولة، كما أنَّ ذِكر الطُّرق المتكلَّم في صِحَّتها قد لا تُغني مِنَ الحقِّ شيئاً، لذا فإنِّي قد استوعبتُ معظم طُرق هذا الحديث مِن وجهة نظري، يُضاف إلى هذا أنَّ ذِكْري للشواهد والمتابعات للرِّوايات هدفها تقوية الطُّرق لهذا الحديث أحياناً.
إنَّ الهدف مِن هذا التَّخريج هو المزيد مِن الفوائد لطلبة العلم، للأخذِ بالأسلوب العِلميّ في طرق التَّخريج، وبيان درجة الحديث عند الحاجة.
والله أسأل التَّوفيق والسَّداد.
1- عن عبد الله بنِ عَمْروِ بنِ العاص (، أنَّ رسولَ الله (، لم يَكُنْ فاحِشَاً، وَلامُتَفَحِشَاً، وَكَانَ يَقُولُ: ((مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنِكُمْ أَخْلاقاً.)) .
2- عن أبي هُرَيْرَةَ (قال: قال رسولُ الله (: ((أَكْمَلُ الْمؤْمِنينَ إِيْماناً أحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَخِيارُهُمْ خِيارُهُمْ لأَهْلِهِ)) .
3- عن أنسِ بنِ مالكٍ (قالَ: قالَ رسولُ الله (: ((أَكْمَلُ النَّاسِ إِيماناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وإِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ دَرَجَةَ الصَّومِ والصَّلاةِ)) .
4- عن عائِشَةَ رضي الله عنها، قالت: قالَ رَسُولُ اللهِ (: ((إنَّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ.)) .
5- عن عُمَيْرِ بنِ قَتَادَةَ اللَّيْثِيّ (، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يارَسُولَ اللهِ أَيُّ الصَلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((طُولُ القُنوتِ)) . قَالَ: أَيُّ الصَدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((جُهْدُ المُقِلِّ)) . قَالَ: أَيُّ المُؤْمِنينَ أَكْمَلُ؟ قَالَ: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) .(3/217)
6- عن جابر بن عبد الله (قالَ: قَالَ رسُولُ الله (: ((أكْمَلُ المُؤْمنينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) .
7- عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (( (أَكْمَلُ المُؤْمِنينَ إِيماناً أَحَاسِنُهُمْ أَخْلاقَاً الموطؤونَ أكْنافاً، الَّذينَ يَأْلِفونَ وَيُؤْلَفونْ، وَلا خَيرَ فيمَنْ لا يأْلَف ولايُؤْلَفْ.)) .
8- عن أبي ذَرٍّ (، قالَ: قُلتُ: ((يارسولَ اللهِ أَيُّ المُؤْمنينَ أكْمَل إِيمانَاً؟ قالَ: أَحْسَنَهُمْ خُلُقَاً.)) .
9- عن عَمْرو بنِ عَبْسَةَ (، قال: قُلتُ: يارسولَ اللهِ أَيُّ الإيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((خُلُقٌ حَسنٌ.)) .
10- عن عبد الله بن عمر (: قال: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ (، فَجاءَهُ رَجلٌ مِنَ الأنصَارِ فَسَلَّمَ على النَّبِيِّ (، ثُمَّ قالَ: يارَسولَ اللهِ أيُّ المؤْمِنينَ أفضَلُ؟ قالَ: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) قالَ: فايُّ المؤمنيَن أَكْيَسُ؟ قالَ: ((أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْراً، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْداداً، اُولئِكَ الأَكْياسُ.)) .
11- عن جابر بن سَمُرَةَ (، قال: كُنْتُ في مَجْلِسٍ فيه النَّبيٌّ (، قال: وأبي سَمُرَةُ جَالٍسٌ أمامي فقال رسولُ اللهِ (: ((إِنَّ الفُحشَ والتَّفَحُشَ لَيْسا مِنِ الإسلامِ، وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسلاماً أحْسَنُهُمُ إِسلاماً.)) .
12- عن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ رضي الله عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ (: ((إنَّ أَحَبَكُم إلَيَّ وأَقْرَبَكُم مِنِّي في الآخِرَةِ مَحَاسِنَكُم أخْلاَقَاً، وإنَّ أبغَضَكُم إلَيَّ وَاَبْعَدَكُم مِنِّي في الآخِرَةِ مَسَاوِئكم أخلاقَاً، الثَّرْثَارونَ المُتَفَيْهِقُونَ المُتَشَدِّقُونَ.)) .
13- عن ابنِ عباسٍ رضي اللَّهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلَّم: ((خِيَارُكُم أحاسِنُكُم أخلاقاً)) .(3/218)
14- عن أبي كَبْشَةَ رضي اللَّهُ عنهُ قال: سمِعْتُ رسولَ اللَّهِ (: ((خِيارُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ.)) .
15- عن عبدِاللَّه بنِ مسعودٍ رضي اللَّهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ (: ((ألا أُنبئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قالوا: بلى، قال: خِيارُكُم أَحاسِنُكُمْ أخلاقاً، أحسِبُهُ قال: المُوطَّؤنَ أكْنَافَاً.)) .
1) - عن عبد الله بنِ عَمْروِ بنِ العاص (، أنَّ رسولَ الله (، لم يَكُنْ فاحِشَاً، وَلامُتَفَحِشَاً، وَكَانَ يَقُولُ: ((مِنْ خِيَارِكُم أحَاسِنِكُمْ أَخْلاقاً.)) .
التَّخْريج: أخرجه: أخرجه أحمد في ((المسند)) : 2/161 قال: ((ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمشُ، عن شَقيق، عن مسروق عن عبد الله بنِ عَمْروِ بنِ العاصِ)) الحديث (واللفظ له) .
... وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المُصَنَّف)) : 8/514، وأحمد في ((المسند)) : 2/193، ومُسْلِم: 4/1810، في الفضائل باب كثرة حيائه (، وابن ماجه: 1/636، في النكاح، باب حسن المعاشرة، برقم: (1978) ، والخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (24) ، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) :10/192، وفي ((الأربعون الصغرى)) ، برقم: (107) ، كلهم من طرق عن الأعمش، بهذا الإسناد.
... وأخرجه أحمد في ((المسند)) :2/192، والطيالسي في ((المسند)) ، برقم: (2246) ، والبُخَارِيّ، برقم: (3559) ، في المناقب، باب صفة النبي (، و (3759) ، باب مناقب عبد الله بن مسعود (، و (6029) ، في الأدب، باب لم يكن النبي (، فاحشاً ولامتفحشاً، و (6035) ، في الأدب، باب حسن الخلق والسخاء ومايكره من البخل.
والتِّرْمِذِيّ، برقم: (1975) ، في البر والصلة، باب ماجاء في الفحش والتفحش، والخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) برقم: (23) ، والبيهقي في ((الأربعون الصغرى)) ، برقم: (107) ، من طُرقٍ عن الأعمش، عن أبي وائلٍ شَقيقِ بنِ سَلَمَةَ، بهذا الإسناد.(3/219)
.. وأخرجه البُخَارِيّ في ((الأدب المفرد)) ، برقم: (271) ، وابن حِبَّان في ((الصحيح)) ، كما في ((الإحسان)) : 2/226 برقم: (478) ، و:14/354، برقم: (6442) ، والبغوي في ((شرح السنة)) ، برقم: (3666) ، محمد بن كثير العبدي، عن سفيان الثَّوري، عن الأعمش، بهذا الإسناد.
... وانظر: ((تحفة الأشراف)) : (6/383 - 384) ، برقم: (8933) ، و (8934) .
... وذكر السيوطي في ((الجامع الصغير- مع فيض القدير)) ، من حديث عبدِالله بن عَمْروٍ ((أفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)) وعزاه للطبراني، ورمز لصحته، وقال المُناويُّ في ((فيض القدير)) : ((إسناده حسن ذكره الهيثميُّ.)) فيض القدير: (2/48-49) .
2) - عن أبي هُرَيْرَةَ (قال: قال رسولُ الله (: ((أَكْمَلُ الْمؤْمِنينَ إِيْماناً أحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَخِيارُهُمْ خِيارُهُمْ لأَهْلِهِ)) .
التَّخْريج: أخرجه أحمد في ((المسند)) : 2/250 قال: ((ثنا ابنُ إدريس، قال: سمعتُ محمدَ بنَ عَمْرو، عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قالَ رسولُ اللهِ ()) الحديث.
... وأخرجه أحمد في ((المسند)) : 2/472 عن يحيى بن سعيد، عن محمدِ بنِ عَمْرو، قال: ثنا أبو سلمة، به.
... وأخرجه ابن حِبَّان في ((صحيحه)) كما في ((الإحسان)) : 2/227، برقم: (479) من طريق إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا ابنُ إدريس، به.
... وأخرجه الآجُرِّيُّ في ((الشريعة)) : (ص: 115) ، عن الفريابيِّ، عن إسحاق بن إبراهيم، بهذا الإسناد.(3/220)
.. وأخرجه ابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)) 8/515، وفي ((الإيمان)) : (17) ، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) برقم: (1291) عن حفص ابن غِياث، وأخرجه ابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)) : 11/27، وفي ((الإيمان)) : (18) عن محمد بن بِشْر، وأحمد في ((المسند)) : 2/472، ومن طريقه أبو داود في ((السُّنَن)) برقم: (4682) في السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، عن يحيى بن سعيد، وهنَّاد في ((الزهد)) : 2/592، برقم: (1252) ، والتِّرْمِذِيّ برقم: (1162) في الرضاع، باب ماجاء في حق المرأة على زوجها، من طريق عبدة بن سليمان، والخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) برقم (17) من طريق يزيد ابن هارون، والطحاوي في ((مشكل الآثار)) : 11/261، برقم: (4431) ، والحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) :1/3 من طريق عبد الوَّهَّاب بن عطاء، وأبو نُعيم في ((الحلية)) : 9/248، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) ، برقم: (27) والبغوي في ((شرح السنة)) ، برقم: (2341) و (3495) ، من طريق يعلى بن عبيد، وأخرجه ابن حِبَّان في ((صحيحه)) كما في ((الإحسان)) : 9/483، برقم: (4176) ، والمروزي في ((تعظيم قَدْر الصلاة)) : 1/441، برقم: (452) ، من طريق يزيد بن زُرَيع، كلهم عن محمد بن عَمْرو.
... وانظر: ((تحفة الأشراف)) : 11/13، برقم: (15059) .
... وهذا إسناد حسن لأنَّ مداره على ((محمد بن عَمْرو بن علقمة ابن وقاص الليثي المدني، مات سنة خمس وأربعين ومائة على الصحيح قال الحافظ: صدوق له أوهام. ع)) التقريب: 449 0
... وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال) : 3/673 ((شيخ مشهور حسن الحديث.. قد أخرج له الشيخان متابعة.)) .
... وقال التِّرْمِذِيّ: ((حسنٌ صحيح)) .
... قلت: هو صحيح لما يأتي.(3/221)
.. وقال الحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) : 1/3 ((هذا حديث صحيح لم يُخرَّ_ج في الصحيحين وهو صحيح على شرط مُسْلِم بن الحجاج)) . قلت: ذكر الحافظ ابن حَجَرٍ أنه ((روى له البُخَارِيّ مقروناً بغيره، ومُسْلِم في المتابعات.)) تهذيب التهذيب: 9/376
... وأ خرجه ابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)) : (6/516، و:11/27) ، وفي ((الإيمان)) : (20) وأحمد في ((المسند)) : 2/527، والدارمي في ((السُّنَن)) : 2/323، في كتاب الرقاق، باب ماجاء في حسن الخلق والحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) : 1/3، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) ، برقم: (26) ، ورقم: (7976) ، من طريق أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرىء عن سعيد بن أبي أيوب، والخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (14) ، عن أحمد بن منصور الرمادي، والطبراني في ((مكارم الأخلاق)) برقم: (9) ، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) ، برقم: (7977) ، والخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) : 2 /110، من طريق سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، وأخرجه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) : 11/260، برقم: (443) ، من طريق أنس بن عياض الليثي، وأخرجه البيهقي في ((السُّنَن الكبرى)) :10/192، من طريق يحيى ابن أبي أيوب كلهم عن محمد ابن عَجْلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح، عن أبي هُرَيْرَةَ. وهذا إسناد فيه ((محمد بن عَجْلان المدني صدوق إلاّ أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هُرَيْرَةَ مات سنة ثمان وأربعين ومائة. خت م4.)) التقريب: 496، وذكره الذهبي والمقدسي، والحلبي، في المدلسين وجعله الحافظ ابن حَجَرٍ في المرتبة الثالثة في ((طبقات المدلسين)) (1) .(3/222)
.. قال ابن حِبَّان: ((يروي عن أبيه، وسعيد المَقْبُرِيّ، روى عنه الثوري، ومالك، عنده صحيفة عن سعيد المَقْبُرِيّ بعضها عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ، وبعضها عن أبي هُرَيْرَةَ نفسه، قال يحيى القطان: سمعت محمد ابن عَجْلان يقول: كان سعيد يحَدَّثَ عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، وعن أبي هُرَيْرَةَ، فاختلط علَيَّ فجعلتها كلها عن أبي هُرَيْرَةَ.
... وقد سمع سعيد المَقْبُرِيّ من أبي هُرَيْرَةَ، وسمع عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، فلمَّا اختلط على ابن عَجْلان صحيفته، ولم يميِّز بينهما اختلط فيها وجعلها كلها عن أبي هُرَيْرَةَ، وليس هذا بوهن يوهن الانسان به، لأنَّ الصحيفة كلها في نفسها صحيحة فما قال ابن عَجْلان: عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، فذاك ممَّا حمل عنه قديماً قبل اختلاط صحيفته عليه، وما قال: عن سعيد عن أبي هُرَيْرَةَ، فبعضها متصل صحيح، وبعضها منقطع لأَنَّهُ أسقط أباه منها، فلا يجب عند الاحتياط إلاّ بما يروي الثقات المتقنون عنه، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، وإنما كان يوهن أمره ويضعف لو قال في الكُلِّ: سعيد، عن أبي هُرَيْرَةَ. فإنه لو قال ذلك لكان كاذباً في البعض، لأنَّ الكل لم يسمعه سعيد، عن أبي هُرَيْرَةَ، فلو قال ذلك لكان الاحتجاج به ساقطاً على حسب ماذكرناه.)) (1) . قلت: وبناء على ماذُكِر يتبين لنا أنَ إطلاق القول ((اختلطت عليه أحاديث أبي هُرَيْرَةَ)) يحتاج إلى تقييد بروايته عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، وبروايته عن سعيد المَقْبُرِيّ، عن أبي هُرَيْرَةَ.. هذه واحدة. والثانية: أن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة وليس هذا بوهن يوهن الانسان به كما قال ابن حِبَّان. والثالثة: إنَّ الرواية عن محمد بن عَجْلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيْرَةَ، وليست من روايته عن سعيد المَقْبُرِيّ عن أبي هُرَيْرَةَ، ولا من روايته عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ. والرابعة: إنَّ ابن عَجْلان(3/223)
قد توبع في هذه الرواية، وهو ((إمام صدوق مشهور، قال الحاكم: أخرج له مُسْلِم في كتابه ثلاثة عشر حديثاً كلَّها شواهد.)) كما قال الذهبي في ((الميزان)) (1) وقال الحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) :1 /3 بعد أن روى الحديث من رواية محمد بن عَمْرو، عن أبي سلمة عن أبي هُرَيْرَةَ: ((هذا حديث صحيح لم يُخرج في الصحيحين، وهو صحيح على شرط مُسْلِم بن الحجاج، فقد استشهد بأحاديث للقعقاع، عن أبي صالح عن أبي هُرَيْرَةَ، ومحمد بن عَمْرو، وقد احتج بمجمد بن عَجْلان)) .
... قلت: محمد بن عَجْلان أخرج له البُخَارِيّ تعليقاً، وأخرج له مُسْلِم في المتابعات، ولم يحتج به (2) .
... وأخرجه ابن حِبَّان في ((صحيحه)) كما في ((موارد الضمآن)) : 318، برقم: (1311) من طريق عَمْرو بن أبي عَمْرو عن المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب، عن أبي هُرَيْرَةَ، الحديث (3) .
... وهذا إسناد رجاله ثقات، إلاّ أنَّ فيه ((المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب بن الحارث المخزومي، صدوق كثير التَّدْليس والإرسال، من الرابعة. ر4)) التقريب: 534.
... قلت: لم يذكره الحافظ ابن حَجَرٍ في ((تعريف أهل التقديس)) في طبقات المدلِّسين، كما لم يذكره أحد في المُدلِّسين غير أنه عرف بالإرسال.. وذكر البُخَارِيّ في ((التاريخ الأوسط)) : 1/17 حديثاً من طريق محمد بن عبد الله، عن المطلب، عن أبي هُرَيْرَةَ ((دخلت على رُقيَّةَ بنت رسول الله ( ... )) قال البُخَارِيّ: ((ولايعرف للمطلب سماع من أبي هريرة ولا لمحمدٍ، عن المطلِّبِ، ولا تقوم الحجَّة.))
... وقال أبو حاتمٍ الرازيُّ في ((المراسيل)) : 209 ((عن أبي هريرة مرسلاً)) ، وانظر: المراسيل لابن أبي حاتم:210.(3/224)
.. وأخرجه المروزي في ((تعظيم قَدْر الصلاة)) :1/442، برقم: (454) ، قال: حَدَّثَنا يحيى بن عثمان بن صالح السهمي ثنا أبي، ثنا ابن لَهيْعَةَ، حَدَّثَني عيسى بن سيلان، عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قال رسول الله (: ((أكملُ المؤمنينَ إيماناً أحاسِنُهُم أخلاقاً، وإنَّ المرءَ ليكونُ مؤمناً، وإنَّ في خُلُقِهِ شيئاً، فينقُصُ ذلكَ مِنْ إيمانه.)) .
... وهذا إسنادٌ فيه (يحيى بن عثمان بن صالح السَّهميُّ مولاهم، المصريُّ، صدوق رمي بالتَّشَيُّع، وليَّنهُ بَعضُهُم لكونهِ حَدَّثَ من غير أصله، مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين. ق.) التقريب: 594.
وفيه (عبد الله بن لَهيْعَةَ بن عقبة الحضرميّ، أبو عبد الرحمن المصريّ، صدوق، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك، وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مُسْلِم بعض شىء مقرون، مات سنة أربع وسبعين ومائة. م د ت ق.) التقريب: 319.
... وفيه (عيسى بن سِيلان، اختلف في اسمه قيل هو جابر بن سِيلان، وقيل عبد ربه، وثقه ابن حِبَّان، وقال ابن حَجَرٍ: مقبول من الثالثة. د) . ترجمته في: تهذيب التهذيب: 2/40، التقريب: 136.
... وأخرجه ابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)) : (11/46-47) ، برقم: (10484) ، وفي ((الإيمان) : 42، برقم: (125) عن ابن عليَّة، عن يونس، عن الحسن، قال: قال رسول الله (.
... وهذا مرسل صحيح الإسناد.
... وأخرجه الخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) برقم: (15) قال: ((حَدَّثَنا أحمد بن عبد الخالق بكرخ سُرَّ مَنْ رَأى، ثنا أبوخَلَفٍ الَحرِيريُّ عن يونسَ، عن ابن سيرينَ، عن أبي هُرَيْرَةَ.)) الحديث.
... وهذا إسنادٌ فيه عبد الله بن عيسى بن خالد الخزاز، بمعجمات، أبوخلف، ضعيف من التاسعة. رس.)) . التقريب: 217.
... قال الحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) : 1/3 ((وقد روي هذا الحديث عن محمد بن سيرين، عن أبي هُرَيْرَةَ، وشعيب بن الحَبْحَابِ، عن أنس)) .(3/225)
وأخرج البزار، كما في ((كشف الأستار)) : 2/406، برقم: (1971) ، من طريق محمد بنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ إبراهيمَ عن أبي سَلَمَةَ، عن أبي هُريرةَ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليهِ وسلم: ((خِيارُكُمْ أطوَلُكُم أعماراً وَأحسنُكُمْ أخْلاَقاً.)) .
قال البزارُ: لا نعلمهُ بهذا اللفظِ بإسنادٍ أحسن من هذا الإسناد.
وذكرهُ الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) : 8/22، وقال: وفيه ابنُ إسحاق، وهو مُدَلِّس.
وأخرج الطَّبرانيُّ في ((المعجم الصَّغير)) : 2/25، من طريق صالح المُرِّيِّ، عن سعيد الجريريِّ، عن أبي عُثمانَ النَّهْدِيِّ، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليهِ وسلَّم: ((إنَّ أحبكُم إلَيَّ أحاسِنُكُم أخلاقاً، الموطَّؤنَ أكنافاً، الذينَ يألفونَ ويؤلفونَ، وإنَّ أبغضكم إليَّ المشَّاؤونَ بالنَّميمةِ المفرقونَ بينَ الأحِبَّةِ، الملتمسونَ للبراء العيب.)) . قال الطبرانيُّ: لم يروه عن الجريريِّ إلاَّ صالح المرِّيِّ.
وذكره الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) : 6/21 وقال: رواهُ الطبرانيُّ في الصغير، والأوسط، وفيه صالح بن بَشير المرِّيّ وهو ضعيف.
3) - عن أنسِ بنِ مالكٍ (قالَ: قالَ رسولُ الله (: ((أَكْمَلُ النَّاسِ إِيماناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وإِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ دَرَجَةَ الصَّومِ والصَّلاةِ)) .
التَّخْريج: أخرجه أبو يعلى في ((المسند)) : 7/184، برقم: (4166) قال: ((حَدَّثَنا محمد بن المثنى أبو موسى، حَدَّثَنا زكريا بن يحيى الطائي أبو مالك، حَدَّثَنا شعيب بن الحبحاب، عن أنسٍ)) الحديث.
... وأورده الحافظ ابن حَجَرٍ في ((المطالب العالية)) : 2/388، برقم: (2541) قال البوصيري: ((رواه أبو يعلى ورواته ثقات)) .(3/226)
.. وأخرجه: البزار كما في ((كشف الأستار)) : 1/27، برقم: (35) من طريق محمد بن المثنى، بهذا الإسناد. وقال: ((وهذا لانعلم رواه هكذا إلاّ زكريا، وحَدَّثَناه وهب ابن يحيى بن زمام القيسي)) .
... وأخرجه: أبو يعلى في ((المسند)) : 7/237، برقم: (424) : قال: (حَدَّثَنا أبو عبيدة بن فضيل بن عياض، حَدَّثَنا أبو سعيدٍ مولى بني هاشمٍ، حَدَّثَنا زَرْبِيُّ أبو يحيى قال: سَمِعتُ أنسَ بنَ مالكٍ يقولُ: قالَ رسولُ الله (: (( (أَكْمَلُ المؤْمنينَ إيماناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً)) .
وهذا إسنادٌ ضعيف فيه ((زَرْبيُّ، بفتح أوله وسكون الراء بعدها موحدة، ثم مثناة، ثم شدة، ابن عبد الله الأزديُّ مولاهم، أبو يحيى البصريُّ، إمام مسجد هشام بن حسان، ضعيف ت ق)) التقريب: 215.
و ((عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصري، أبو سعيد، مولى بني هاشم، نزيل مكة، صدوق ربما أخطأ مات سنة سبع وتسعين ومائة. خ صد س ق)) التقريب: 344. وقال الذهبي في ((الكاشف)) : 2/171 ((ثقة)) . وانظر ترجمته في: تهذيب التهذيب: (7/209-210) .
وأخرج البزار كما في ((كشف الأستار)) : 2/406، برقم: (1970) من طريق سالم ابن نوحٍ، ثنا سُهيلُ بنُ أبي حَزم، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ (: ((ألا أُنَبئُكُمْ بِخِيارِكُم؟ قالوا: بَلَى، قَالَ: أَحَاسِنُكُم أخلاقاً، أو قَالَ: أَحْسَنُكُمْ خُلُقَاً.)) . قال البزارُ: لا نعلمُ رواهُ عن ثابتٍ، عن أنسٍ إلاَّ سُهيل. قال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) : 8/22 وفيه سهيل بن أبي حزمٍ وثقه ابنُ مَعين، وضَعفه جماعة.
وقال الحافظ في التقريب: ((ضعيف)) .
4) - عن عائِشَةَ رضي الله عنها، قالت: قالَ رَسُولُ اللهِ (،: ((إنَّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ.)) .(3/227)
التَّخْريج: أخرجه أحمد في ((المسند)) : 6/47 قال: ((ثنا إسماعيل، ثنا خالد الحذَّاء، عن أبي قِلابة، عن عائشةَ، رضي الله عنها)) الحديث.
... وأخرجه أحمد في ((المسند)) : 6/99، وابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)) : (8/515، و:11/27) ، وفي ((الإيمان)) برقم: (19) ، والتِّرْمِذِيّ، برقم: (2612) ، في الإيمان، باب ماجاء في استكمال الإيمان ونقصانه، والنَّسائي في عُشرة، باب لطف الرجل أهله، برقم: (272) ((من السنن الكبرى)) ، وابن السُّنِّي في ((عمل اليوم والليلة)) ، برقم: (228) ، والحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) : 1/53، من طريق خالد الحذاء، عن أبي قِلابَةَ، عن عائشةَ. (1)
... قال أبوعيسى: ((هذا حديث صحيح، ولانعرفُ لأبي قِلاَبَةَ سماعاً من عائشة.)) (2) .
... وقال الحاكم: ((رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات على شرط الشيخين، ولم يُخَرِّجاه بهذا اللفظ)) . وتعقبه الذهبي فقال: ((فيه انقطاع)) .
... وقد نبه الحاكمُ إلى هذا الانقطاعِ في ((المُسْتَدْرَك)) : 1/3 فقال:
(( ... وراه ابن عُلَيَّةَ، عن خالد الحذَّاء، عن أبي قلابة، عن عائشة، وأنا أخشى أنَّ أبا قِلابةَ لم يسمعه عن عائشة)) .
... قلت: أبو قِلابَةَ هو ((عبد الله بن زيد الجَرْمِيُّ البصريُّ، قال ابن حَجَرٍ: ثقة، فاضل، كثير الإرسال.. مات بالشام هارباً من القضاء، سنة أربع ومائة، وقيل بعدها. ع.)) (3)
... قال الذهبي في ((الميزان)) : ((..ثقة في نفسه، إلاّ أنه يُدلِّس عَمَّن لحقهم، وعَمَّن لم يلحقهم، وكان له صحف يُحَدِّثُ منها ويُدَلِّس.)) (4) .
وتابع الذهبي على وصفه بالتَّدْليس العلائيُّ في ((جامع التحصيل)) ، والحلبي في ((التبيين)) (5) ، وابن حَجَرٍ في ((تعريف أهل التقديس)) . (6)
... قلت: إنَّ الذهبي هنا يُطلق التَّدْليس على الإرسال: وهو رواية الراوي عمَّن لم يعاصره ولم يدركه.(3/228)
.. والتَّدْليس: هو أن يروي الراوي عمَّن لقيه، أو عاصره مالم يسمع منه، ولايقول في ذلك: حَدَّثَنا، ولا أخبرنا وما أشبههما، بل يقول: قال فلان، أو عن فلان، ونحو ذلك.
... وقد قيد الحافظ ابن حَجَرٍ التَّدْليس بقسم اللقاء وجعل المعاصرة إرسالاً خفيَّاً، قال: والذي يظهر لي من تصرفات الحذاق منهم أنَّ التَّدْليس مختص باللقي، فقد أطبقوا على أنَّ رواية المُخَضْرَمِيَن مثل: قيس ابن أبي حازم، وأبي عثمان النَّهدي وغيرهما عن النبيِّ (، من قبيل الإرسال.
... أي لوكان مجرد المعاصرة يُكتفى به في التَّدْليس لكان هؤلاء من المدلِّسين، لأَنَّهُم عاصروا النبي (قطعاً، وعلى هذا مشى الخطيب البغدادي، والعلائي، وقال: وعليه جمهور العلماء.
... قال ابن حَجَرٍ: والتحقيق فيه التفصيل وهو: أنَّ مَن ذُكِرَ بالتَّدْليس، أو الإرسال، إذا ذَكَرَ بالصيغة الموهمة عمَّن لقيه فهو تدليس، أو عمَّن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي، أو عمَّن لم يُدركه فهو مطلق الإرسال (1) .
قال أبو حاتمٍ: ((وأبو قلابة لايعرفُ له تدليس)) (2) ، وقال أبو زُرْعة: أبو قِلابَةَ عن عليٍّ مرسل، وقال يحيى بن معين: أبو قلابة عن النعمان ابن بشير مرسل. (3)
... وقال الذهبي بعد أن نقل قول أبي حاتم: ((معنى هذا أنه إذا روى شيئاً عن عمرَ، أو أبي هُرَيْرَةَ مثلاً مرسلاً لا يدري مَنِ الذي حَدَّثَهُ به، بخلاف تدليس الحَسنِ البصريّ، فإنه كان يأخُذُ عن كلِّ ضرب، ثم يُسقطهم كعلي بن زيد تلميذه.)) (4) وقال ابن حَجَرٍ مُعَلِّقاً على قول أبي حاتمٍ: ((وهذا ممَّا يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقاء في التَّدْليس لا الاكتفاء بالمعاصرة.)) (5) فوصف الذهبي أبي قلابة بالتَّدْليس فيه توسع لأَنَّهُ أدخل الإرسال في التَّدْليس، لذا فإن الحافظ ابن حَجَرٍ اكتفى بوصفه في التقريب بأنه: ((كثير الإرسال)) .(3/229)
.. أمَّا سماعه من عائشة، رضي الله عنها فقال العلائي: ((وبخط الضياء أنه لم يسمع من أبي ثعلبة، الخشنيّ، ولايعرف له سماع من عائشة رضي الله عنها.
... قلت: روايته عن عائشة في صحيح مُسْلِم، وكأنَّه على قاعدته.)) (1)
والرواية في ((صحيح مُسْلِم)) : قال: ((وحَدَّثَنا عليُّ بنُ حَجَرٍ السَّعدي، ويعقوب بنُ إبراهيم الدَّوْرَقِيُّ، قال ابنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ، عن أيُّوبَ، عن القا سمِ وأبي قلابَةَ، عن عائشةَ، قالت: كان رسولُ اللهِ (، يَبْعَث بِالهدي، أفْتِلُ قَلاَئِدَهَا بِيَديَّ، ثُمَّ لايُمْسِكُ عن شيءٍ، ولايُمسكُ عنهُ الحلالَ.)) (2)
... وأخرجه البُخَارِيّ في ((التاريخ الكبير)) : 2/272، في ترجمة (الحارث بن عبد الرحمن) ، برقم: (2433) ، قال: (.. وقال أبو الأصبغ: حَدَّثَنا محمد ابن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الحارث بن عبد الرحمن ابن مغيرة بن أبي ذباب، عن أبي سلمة، عن عائشة، عن النبي (قال: ((أكملكم إِيمَاناً، أَحْسَنُكُمْ خُلُقَاً.)) قال أبو عبد الله: حَدَّثَني صاحب لنا عن أبي الأصبغ.) .
... وأخرجه الخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (44) ، حَدَّثَنا التُّرْفُقِيُّ، حَدَّثَنا أحمد بن خالد الوهبيُّ، ثنا محمد بن إسحاق، عن الحارث ابن عبد الرحمن، بهذا الإسناد.
وفيه محمد بن إسحاق بن يسار المطَّلبي مولاهم، قال ابن حَجَرٍ: ((صدوق يُدَلِّس.. مات سنة خمسين ومائة، ويقال بعدها. خت م4)) ، التقريب: 467، فالإسناد حسن لو سَلِمَ من تدليس ابن إسحاق.
... وأخرجه الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)) : 7/212 من طريق جعفر بن حم بن حفص النخشبي، حَدَّثَنا محمد بن أيوب القعنبيِّ، حَدَّثَنا أفلح بن حُميد، عن القاسم ابن محمد، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (: ((إنَّ خِياركم أَحْسنكم أخلاقا وألطفكم بأهله.)) . الحديث.(3/230)
.. وقد ترجم الخطيب البغدادي لجعفر بن حم بن حفص، أبي محمد النخشبي في ((تاريخ بغداد)) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
... وقال: ((قدم بغداد حاجاً، وحَدَّثَ بها، عن محمد بن أيوب الرازيِّ، روى عنه علي بن عمر السُّكَّرِيُّ - قَدِمَ علينا حاجاً سنة عشرين وثلاثمائة - حَدَّثَنا أبومحمد جعفر بن حم ... )) الحديث.
... ويلاحظ على إسناد هذا الحديث قوله: ((حَدَّثَنا محمد بن أيوب القعنبي، حَدَّثَنا أفلح بن حميد..)) . فإنَ محمد بن أيوب لم يُنْسَب بالقعنبيِّ وإنما بالرازي (1) ، هذه واحدة.
... والثانية: أن محمد بن أيوب الرازي لم يرو عن أفلح بن حميد، وإنَّما روى عن عبد الله بن مَسْلِمةَ القَعْنَبِيِّ، وروى القعنبيُّ عن أفلح بن حُميد. (2)
وعلى هذا فيحتمل أن يكون قد سقط من ((تاريخ بغداد)) : ((عن)) القَعْنَبِيِّ.
وهذا إسنادٌ جيدٌ إن سَلِمَ جعفر بن محمد بن حم من الوهم، أو من الجرح.
5) - عن عُمَيْرِ بنِ قَتَادَةَ اللَّيْثيّ (، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يارَسُولَ اللهِ أَيُّ الصَلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((طُولُ القُنوتِ)) . قَالَ: أَيُّ الصَدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((جُهْدُ المُقِلِّ)) . قَالَ: أَيُّ المُؤْمِنينَ أَكْمَلُ؟ قَالَ: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) .
التَّخْريج: أخرجه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) : (2/173-174) ، برقم: (911) ، قال: (حَدَّثَنا حوثرة بن الأشرس سويد أبو حاتم صاحب الطعام، عن عبد الله ابن عبيد بن عُمَير الليثي، عن أبيه، عن جده.) الحديث.
... وأخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) : (7/425-426) ، برقم: (1083) ، و7/122، برقم: (09712) ، من طريق سويد أبي حاتم، يهذا الإسناد.
... وأخرجه البيهقي أيضاً في ((شعب الإيمان)) : 7/123، برقم: (9713) ، من طريق عبد الله بن عبيد بن عُمَير، عن أبيه، عن النبي (، مرسلاً.(3/231)
.. وأخرجه الخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (16) ، قال: حَدَّثَنا عبد الله بن أحمد الدَّورَقِيُّ، ثنا أبو سلمة المِنْقَرِيُّ، ثنا سويد أبو حاتم صاحب الطعام، بهذا الإسناد.
... وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) :17، برقم: (103) ، قالَ: حَدَّثَنا عبدُالله ابنُ أحمدَ، وجعفَرُ بنُ مُحمدٍ الفِرْيابيُّ والحُسينُ بنُ إسحاقَ التُّسْتَريُ، قالوا: ثنا حَوْثَرَةُ بنُ أَشْرَسٍ، ثنا سويد أبوحاتم صاحب الطعام، بهذا الإسناد.
... وأخرجه أبونعيم في ((الحلية)) :3/357 من طريق حوثرة بن أشرس، أخبرني سويد أبو حاتم، بهذا الإسناد.
... قال أبونعيم: ((هذا حديث تفرد به سويد، موصولاً عن عبد الله، ورواه صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عبد الله، عن أبيه، من دون جده.)) .
... قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) :1/158 (رواه الطبراني في ((الأوسط)) ، وفيه سويد أبوحاتم اختلف في ثقته وضعفه) .
... قلت: مدار هذا الحديث على ((سويد بن إبراهيم الجحدري، أبوحاتم الحنَّاط، البصري، ويقال له صاحب الطعام، صدوق سيء الحفظ له أغلاط، وقد أفحش ابن حِبَّان فيه القول، مات سنة سبع وستين ومائتين. بخ)) ، التقريب: 260.
... وذكر هـ ابن عدي في ((الكامل)) : ((3/1257-1259) ، وساق له عدة أحايث، وقال: ((..ولسويد غير ماذكرت من الحديث عن قتادة، وعن غيره، بعضها مسقيمة، وبعضها لايتابعه أحدٌ عليها، وإنما يخلط على قتادة، ويأتي بأحاديث عنه لايأتي به أحدٌ عنه غيره، وهو إلى الضعف أقرب)) .
... قلت: الحديث هنا عن غير قتادة، كما أنَّ الحديث له شواهد كثيرة يتقوى بها.
... وللحديث علَّة أخرى، وهي رواية ((عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، عن أبيه، عن جده.)) .
... فقد ذكر البُخَارِيّ في ((التاريخ الكبير)) : 5/455، عن ابن جُرَيْج، أن عبد الله- مات سنة ثلاث عشرة ومائة- لم يسمع من أبيه شيئاًولايذكره)) .(3/232)
.. قال ابن قُطْلُوبُغا: ((وعندي في ذلك نظر، فقد حَدَّثَ عمَّن مات قبل أبيه.)) (1) .
... قلت: روى عن عائشة، ماتت سنة سبع وخمسين، وابن عباس مات ثمان وستين ... وقد ولد أبوه عبيد بن عمير بن قتادة في زمن النبي (، وقيل: رأى النبي (.. ومات قبل ابن عمر، وتوفي ابن عمرسنة ثلاث وسبعين في آخرها أو أول التي تليها. (2)
... وقال الحافظ ابن حَجَرٍ: ((روى أبو يعلى في مسنده من طريق عبد الله بن عبيد ابن عمير الليثي، عن أبيه، قال: أتيت إلى عمر (وهو يعطي النَّاس، فقلت: يابن الخطاب، أعطني فإنَّ أبي استشهد مع النبيِّ (. فأقبل إليَّ وضمَّني إليه ثمَّ قال ... فذكر قصة..)) قال ابن حَجَرٍ: ((فإن صح هذا فحديث عبيد بن عُمير، عن أبيه مرسل.)) . (3)
... وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) : 17 (105) ، من طريق بكر بن خُنيْس، عن أبي بدر، عن عبدِاللَّه بنِ عُبيد بن عُمير، به، قال الطبراني: ((أبو بدر هو عندي بشَّار ابن الحكم، صاحب ثابت البُناني.)) .
قلت: وبشَّار بن الحكم الضَّبِيّ: ضعيف كما في ((لسان الميزان)) : 2/16. وأخرجه أيضاً أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) : 3 /357 من طريق بكر بن خُنَيْسٍ، عن عبد الله ابن أبي بدر، عن عبد الله بن عبيد ابن عمير عن أبيه، عن جده، في حديث جاء فيه: قلت: يارسول الله مالإيمان؟ قال: ((السماحةُ والصبر.)) ، قلت: فأيُّ المؤمنين أفضلُ إيماناً؟ قال: ((أحسنُهُمْ خُلُقَاً)) الحديث.
... وقال أبو نعيم: ((غريب من حديث عبد الله بن عمير لم نكتبه بهذا التمام إلاَّ من هذا الوجه.)) . قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 5/23 ((وفيه بكر بن خُنَيس وهو ضعيف.)) .
6) - عن جابر بن عبد الله (قالَ: قَالَ رسُولُ الله (: ((أكْمَلُ المُؤْمنينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) .(3/233)
التَّخْريج: أخرجه البزار كما في ((كشف الأستار)) :1/27، برقم: (34) ، قال: ((حَدَّثَنا إبراهيم بنُ سعيدٍ الجوهريُّ، ثنا معلَّى بن منصور، ثنا أبو أيوبُ، عن محمد بنِ المُنْكَدرِ، عن جابرٍ.)) الحديث.
... قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 1/58 ((رواه البزار، وفيه أبو أيوب، عن محمد ابن المنكدر، ولاأعرفه.)) .
... قلت: أبو أيوب الراوي عن محمد بن المنكدر هو ((سليمان بن بلال التَّيميُّ، مولاهم، أبو محمد، وأبو أيوب، المدني قال ابن حَجَرٍ: ثقة، مات سنة سبع وسبعين ومائة. ع.)) . (1)
... ترجمته في: تهذيب الكمال: 11/372، تهذيب التهذيب: 4/304، التقريب:250.
... وأخرجه الطبراني في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (6) قال: ثنا عَمْرو (2) بن حفص السَّدوسيُّ، ثنا عاصم بن عليٍّ ثنا أبو معشَرٍ، عن محمد بن المنكدرِ، عن جابرٍ، قال: قال رسولُ الله (: ((ألا أُخبرُكُمْ بخِيارِكُمْ؟ قالوا: بلى. قال: أحْسنُكُمْ أخلاقَاً.)) .
... وهذا إسناد فيه (عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب الواسطي.. صدوق، ربما وهم، مات سنة إحدى وعشرين ومائتين. خ ت ق) . التقريب:286.
... وفيه (نجيح بن عبد الرحمن السندي، المدني، أبو مَعْشر، مشهور بكنيته، ضعيف، أسنَّ واختلط، مات سنة سبعين ومائة. 4.) التقريب:559.
... وأخرجه ابن أبي شَيْيَةَ في ((الإيمان)) :14، برقم: (43) ، قال: حَدَّثَنا حسين بن عليٍّ، عن زائدةَ، عن هشامٍ، عن الحسنِ، عن جابرِ بن عبد الله أنه قال: قيل يارسول الله، أيُّ الإيمان أفضل؟ قالَ: ((الصَبْرُ والسَّماحةُ)) ، قيلَ: فَأَيُّ المؤمنينَ أَكْمَلْ، قَالَ: ((أحسنُهُمْ خُلُقَاً.)) .
... ومن طريق أبي بكر بن أبي شَيْيَةَ أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) : 7/122، برقم: (9710) .
هذا إسناد رجاله ثقات، ولاضرر من عنعنة الحسن البصري، عن جابرٍ، فإنَّ الحسن البصريَّ يروي عن جابرٍ، إمَّا سَماع وإمَّا وجادة. (3)(3/234)
قال ابن حَجَرٍ في ((المطالب العالية)) ، برقم: (3122) : ((إسناده حسن)) . قلت: تحسين الحافظ ابن حجر على مذهب مَن يرى جواز الرواية بالوجادة، وبالتالي لا تضر عنعنة الحسن البصري.
... وأخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) :7/426، برقم: (10838) ، من طريق إبراهيم بن أدهم، عن هشام بن حسَّان عن الحسن، قال: قال رسولُ اللهِ (، الحديث.
... قلت: رجاله ثقات غير أنَّه مرسل.
وأخرجه وكيع في ((الزهد)) : 3/728، برقم: (420) عن مبارك، وربيع، عن الحسن، قال: قال رسول الله (: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً.)) .
... وهذا إسناد فيه مبارك بن فضالة صدوق، يرسل، ويدلس.
... والربيع بن صبيح، صدوق سيىء الحفظ. كما في ترجمتهما في ((التقريب)) .
... وأخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) : 7/122، يرقم: (9709) ، موقوفاً على الحسن. وفي إسناده: عبد الله بن الجرَّاح بن سعيد، وثقه النَّسائي، وابن حِبَّان، وقال: مستقيم الحديث، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال أبو حاتم: كثير الخطأ ومحله الصِّدقُ. وروى عنه. كما في: ((تهذيب الكمال)) .
7) - عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (( (أَكْمَلُ المُؤْمِنينَ إِيماناً أَحَاسِنُهُمْ أَخْلاقَاً الموطؤونَ أكْنافاً، الَّذينَ يَأْلِفونَ وَيُؤْلَفونْ، وَلاخَيرَ فيمَنْ لا يأْلَف ولايُؤْلَفْ.)) .
التَّخْريج: أخرجه الطبراني في ((المعجم الصَّغير)) : 2/118، قال: (حَدَّثَنا ابن أبي داود، حَدَّثَنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، حَدَّثَنا يعقوب بن أبي عبَّاد القلزميُّ، حَدَّثَنا محمد بن عُيَيْنةَ، عن محمد ابن عَمْرو بن علقمة، عن أبي سَلَمَةَ بنِ عبدِالرَّحمن، عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ (، قال: قال رسولُ الله (.) الحديث.
... قال الطبراني: ((لم يروه عن محمد بن عيينة أخي سفيان إلاَّ يعقوب.)) .(3/235)
.. ويعقوب ابن أبي عباد هو ((يعقوب بن إسحاق ابن أبي عبَّاد العبديُّ المكيُّ البصريُّ، ثمَّ القَلْزُمِيُّ، بصريٌّ، أقام بمكة مدة، وقدم مصر، وكان بالقَلْزُم -بين مصر ومكة، وهي من بلاد مصر- وسكنها، فنسب إليها، حَدَّثَ، وكان ثقة وبالقَلْزُم كانت وفاته، نحو سنة عشرين ومائتين.)) (1) ، قال الشيخ الألباني: ((فثبت الإسناد، والحمد لله.)) (2) .
8) - عن أبي ذَرٍّ (، قالَ: قُلتُ: ((يارسولَ اللهِ أَيُّ المُؤْمنينَ أكْمَل إِيمانَاً؟ قالَ: أَحْسَنَهُمْ خُلُقَاً.)) .
التَّخْريج: أخرجه الخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (12) ، قال: (حَدَّثَنا عليُّ ابنُ داودَ القَنْطَريُّ، ثنا سعيدُ بنُ سابقٍ الرَّشيديُّ، ثنا بشرُ ابنُ خَيثمةَ، عن إسماعيل بن أبي زيادٍ، عن أبي سُليمانَ الفِلَسطينيِّ، عن القاسمِ بنِ أبي بكرٍ، عن أبي إدريس الخولانيِّ، عن أبي ذَرٍّ..) الحديث.
... وهذا إسنادٌ مُظلمٌ فيه ((إسماعيل بن زياد، أو ابن أبي زياد، الكوفيّ، قاضي الموصل، متروك كذَّبوه، من الثامنة. ق)) التقريب:107.
... وأخرجه ابن حِبَّان في: ((صحيحه)) ، كما في: ((الإحسان)) : (2/76-79) ، برقم: (361) ، قال: (أخبرنا الحسن بن سفيان الفلسطيني، والحسن بن عبد الله القطان بالرقة، وابن قتيبة، واللفظ للحسن، قالوا: حَدَّثَنا إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، قال: حَدَّثَني أبي، عن جدي، عن أبي إدريس الخولانيِّ، عن أبي ذرٍّ.) ، وذَكَرَ حديثاً طويلاً وفيه: (قال: قلت: يارسول الله، فَأَيُّ المؤمنين أكملُ إيماناً؟
... قالَ: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) (3) ، وأورده ابن حِبَّان في ((المجروحين)) : (3/129-130) ، في ترجمة (يحيى بن سعيد الشهيد) .
... وهذا إسنادٌ فيه: إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني الدمشقي، قال أبو حاتمٍ: كذاب، وكذبه أبو زُرعةَ، وهو صاحب حديث أبي ذرٍّ الطويل انفرد به، عن أبيه، عن جده.(3/236)
.. قال الطبراني: لم يرو هذا عن يحيى إلاّ ولدُه وهم ثقات، وذكره ابن حِبَّان في الثقات، وغيره، وأخرج حديثه في الأنواع وقال الذهبي: أحد المتروكين الذين مشَّاهم ابن حِبَّان فلم يُصِب مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين. (1)
... وأخرجه بطوله أبو نُعيم في ((حلية الأولياء)) : (1/166-168) من طريق جعفر الفريابي، وأحمد بن أنس بن مالك عن إبراهيم بن هشام، بهذا الإسناد.
... وأخرج بعض ألفاظه الطبراني في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (1) ، وفي ((المعجم الكبير)) : (2/157158) برقم: (1651) ، تحت باب ((ومن غرائب مسند أبي ذرٍّ رحمه الله)) ، قال الطبراني: حَدَّثَنا أحمد ابن أنس بن مالك الدمشقيّ المقرىء، ثنا إبراهيم بن هشام ابن يحيى، بهذا الإسناد.
... قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 4/216 ((رواه الطبراني، وفيه إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، وثقه ابن حِبَّان، وضعفه أبو حاتم، وأبو زُرْعَة.)) .
... وأخرجه القضاعي في: ((مسندالشهاب)) : 1/378، برقم: (651) ، و: (1/431-432) ، برقم (740) ، و: 2/39 برقم: (837) ، من طريق جعفر بن محمدالفريابي، عن إبراهيم بن هشام، به.
... وأخرجه ابن ماجه في ((السنن)) : 2/1410، في الزهد، باب الورع والتقوى، برقم: (4218) ، قال: (حَدَّثَنا عبد الله بن محمد بن رُمحٍ، ثنا عبد الله بن وهب، عن الماضي ابن محمد، عن علي بن سليمان، عن القاسم بن محمد، عن أبي إدريسَ الخولانيِّ، عن أبي ذرٍّ، قال: قال رسولُ اللهِ (: ((لاعقلَ كالتّدَبيرِ، وَلاوَرَعَ كَالْكَفِّ، وَلاحسَبَ كَحُسْنِ الخُلُقِ.)) .
... قال البوصيري: ((في إسناده القاسم بن محمد المصري، وهو ضعيف.)) (2) .
... وأخرجه ابن عدي في ((الكامل)) : 7/2699 من طريق يحيى ابن سعد (3) الكوفي البصري السعدي، ثنا ابن جريج عن عطاء، عن عبيد ابن عُمير، عن أبي ذرٍّ.
... وأخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) :1/168، والبيهقي في ((السنن)) : 9/4 من طريق يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد.(3/237)
.. وأورده ابن حِبَّان في ((المجروحين)) : (3/129-130) في ترجمة يحيى بن سعيد، وقال: ((شيخ يروي عن ابن جريج المقلوبات، وعن غيره من الثقات الملزقات، لايحل الاحتجاج به إذا انفرد ... )) .
... وقال ابن عدي في ((الكامل)) : 7/2699 ((.. وروى هذا الحديث الحسن بن إبراهيم البياضي، ومحمد بن غالب تمتام قالا: ثنا يحيى بن سعد السعدي، عن ابن جريج، عن عطاء، فذكر هذا الحديث بإسناده، وقولهما: يحيى بن سعد، هو الصواب.
... وهذا حديث منكر من هذا الطريق عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذرٍّ.
... وهذا الحديث ليس له من الطرق إلاّ من رواية أبي إدريس الخولاني، والقاسم بن محمد، عن أبي ذرٍّ، والثالث حديث ابن جريج، وهذا أنكر الروايات. ويحيى بن سعد هذا يعرف بهذا الحديث.)) .
... وأخرجه أحمد في ((المسند)) : (5/178و179) ، والنسائي في الاستعاذة في ((السنن الكبرى)) ، كما في ((تحفة الأشراف)) : 9/180، والبزار، كما في ((كشف الأستار)) : (1/93-94) ، برقم: (160) ، من طريق المسعودي عن أبي عمر الشامي، عن عبيد بن الخشخاش - بمعجمات، وقيل بمهملات - عن أبي ذرٍّ.
... قال البزار: (لم أره بتمامه. وعند النسائي طرف منه.) .
... وقال أيضاً: (لانعلمه بهذا اللفظ، إلاّ عن أبي ذر، ولانعلم روى عنه عبيد إلاّ هذا.) .
... وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 1/160: (فيه المسعودي، وهو ثقة، لكنه اختلط.) .
... قلت: هذا إسناد ضعيف فيه المسعودي، هو (عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفيُّ، المسعوديُّ صدوق، اختلط قبل موته، وضابطه: أنَّ من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، مات سنة ستين، وقيل سنة خمس وستين. خت 4.) التقريب: 344.
و (أبو عمر الدمشقي، وقيل: أبو عَمْرو، قال الدارقطني: متروك، وقال ابن حَجَرٍ: ضعيف، من السادسة. س.) تهذيب التهذيب: 12/175، التقريب: 660.(3/238)
.. و (عبيد بن الخَشْخَاش: قال البُخَارِيّ: لم يذكر سماعاً من أبي ذرٍّ، وقال الدارقُطْنِيُّ: متروك، وذكره ابن حِبَّان في الثقات وقال ابن حَجَرٍ: ليِّن من الثالثة. س) . ترحمته في: تهذيب التهذيب: 7/64، التقريب: 376.
9) - عن عَمْرو بنِ عَبْسَةَ (، قال: قُلتُ: يارسولَ اللهِ أَيُّ الإيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((خُلُقٌ حَسنٌ.)) .
... التخريج: أخرجه الخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق)) ، برقم: (13) ، قال: (حَدَّثَنا أبو الفضل أحمدُ بنُ عِصمةَ النَّيْسابوريُّ ثنا أسحاقُ بنُ راهوية، ثنا يَعلى ابنُ عُبيدٍ، ثنا الحجاجُ ابنُ دينارٍ، عن محمدِ بنِ ذَكْوانَ، عن شهرِ بنِ حَوشَبٍ عن عَمْرو بنِ عبْسَةَ.) الحديث.
... هذا إسناد فيه أحمد بن عصمة النيسابوري أبو الفضل شيخ الخَرَائِطِيّ قال الذهبي: متهم هالك، روى خبراً موضوعاً هو آفته.
وقال ابن حَجَرٍ: روى عنه الخَرَائِطِيّ في كتاب ((مكارم الأخلاق)) حديثاً منكراً. (1)
... وفيه (محمد بن ذكوان البصري، الأزدي الجهضمي مولاهم: ضعيف، من السابعة. ق.) التقريب:477.
... وفيه (شهر بن حَوْشَب الأشعري الشامي، صدوق كثير الإرسال، والأوهام، مات سنة اثنتي عشرة ومائة. بخ م4.) التقريب:269.
... وأخرج أحمد في ((المسند)) : 4/385 عن ابن نُميرٍ، ثنا حَجَّاج -يعني ابن دينار، عن محمد بن ذكوان عن شهر بن حوشب، عن عَمْرو ابن عبسة، قال: أتيت النبيَّ (، فقلت: يارسولَ الله مَنْ تَبِعَكَ على هذا الأمْرِ؟
... قالَ: ((حُرٌّ وَعَبْدٌ)) ... الحديث، وجاء فيه: قلتُ: أيُّ الإيمان أَفْضَلُ؟ قال: ((خُلُقٌ حَسَنٌ)) ..وفيه: قلتُ: فأيُّ الجهادِ أفضلُ؟ قال: ((مَنْ عُقِر جَوادُهُ، وأُهْريِقَ دَمُهُ.)) .(3/239)
.. وأخرج، ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شَيْيَةَ، ثنا يعلى بن عُبيدٍ، ثنا حجَّاج بن دينار، عن محمد بن ذَكوانَ، عن شَهْرِ بنِ حوشب، عن عَمْرو بن عبسةَ، قال: أتيتُ النَّبِيَّ (، فقلت: يارسول الله، أيُّ الجهادِ أفضلُ؟ قال: ((مَنْ أُهْريقَ دَمُهُ، وَعُقِرَ جَوادُهُ.)) . (1)
... وفي الزوائد: إسناده ضعيف، لضعف محمد بن ذكوان، وذكره الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : (1/60-61) وقال: (رواه الطبراني، في الكبير، وفيه شهر بن حوشب.) .
... وأخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) : 6/242، برقم: (8014، و8015) ، من طريق الحجاج بن دينار، به.
10) - عن عبد الله بن عمر (: قال: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ (، فَجاءَهُ رَجلٌ مِنَ الأنصَارِ فَسَلَّمَ على النَّبِيِّ (، ثُمَّ قالَ: يارَسولَ اللهِ أيُّ المؤْمِنينَ أفضَلُ؟ قالَ: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً.)) قالَ: فايُّ المؤمنيَن أَكْيَسُ؟ قالَ: ((أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْراً، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْداداً، اُولئِكَ الأَكْياسُ.)) .
... التخريج: أخرجه ابن ماجه: 2/1423 في الزهد، باب ذِكر الموت والاستعداد له، برقم: (4259) قال: حَدَّثَنا الزبير بن بكَّار، ثنا أنس بن عياض، ثنا نافع بن عبد الله، عن فَرْوةَ بن قيس، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر، الحديث.
... وهذا إسناد فيه ((نافع بن عبد الله، أو ابن كثير، مجهول من السابعة. ق.)) التقريب: 558.
... و (فروة بن قيس، حجازي، مجهول، من السابعة. ق.) التقريب: 445.
... وفي الزوائد: (فروة بن قيس مجهول، وكذلك الراوي عنه، وخبره باطل، قاله الذهبي.) (2)(3/240)
.. وأخرجه: البزار كما في ((كشف الأستار)) : (2/268-269) ، برقم: (1676) ، والحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) (4/540-541) ، من طريق أبي الجماهر محمد ابن عثمان الدمشقيِّ، حَدَّثَني الهيثم ابن حُمَيدٍ أخبرني أبو مَعْبَدٍ حفص بن غيلان، عن عطاء ابن أبي رباح، قال: كنت مع عبد الله بن عمر ... الحديث.
... قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.)) ، وقال الذهبي: ((صحيح)) .
... وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 5/317 ((روى ابن ماجه بعضه، رواه البزار، ورجاله ثقات.)) .
... وأخرجه ابن حِبَّان في ((المجروحين)) : 2/67 في ترجمة (عبيد الله ابن سعيد بن كثير) ، وقال: (يروي عن أبيه، عن الثقات الأشياء المقلوبات، لايُشبه حديثه حديث الثقات.
... روى عن أبيه، عن مالك بن أنسٍ، عن عمِّهِ أبي سُهيل بن مالك، عن عطاء بن رباح، عن ابن عمر قال رجلٌ: يارسول اللهِ أيُّ المُسْلِمينَ أفضل؟ قال: أحسنهم خلقاً.....)) فذكر حديثاً طويلاً، ليس من حديث مالكٍ، ولا من حديث أبي سُهيلٍ ولا من حديث ابن عمر....) .
... وأخرجه البيهقيُّ في ((الزهد الكبير)) : (الورقة:52ب) ، من طرق عبيد الله بن سعيد بن كثير، بهذا الإسناد.
... وأخرجه الطبراني في ((المعجم الصغير)) : (209) ، وفيه مُعلَّى الكندي ذكره البُخَارِيّ في ((التاريخ الكبير)) : 7/394 وقال: (عن محمد ابن عبد الرحمن، روى عنه الأعمش، يعد في الكوفيين، منقطع.) ، وذكره ابن أبي حاتم في: ((الجرح والتعديل)) : 8/330، ولم يذكر فيه جرحاً ولاتعديلاً، وذكره ابن حِبَّان في ((الثقات)) : 7/492.
... وقال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) :10/309 ((رواه الطبراني في الصغير وإسناده حسن.)) .
... وأخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) : 8/333، من طريق جعفر الفريابي، ثنا سليمان بن عبد الرحمن، ثنا خالد بن يزيد، عن أبيه، عن عطاء بن أبي رباح، به.(3/241)
11- عن جابر بن سَمُرَةَ (، قال: كُنْتُ في مَجْلِسٍ فيه النَّبيٌّ (، قال: وأبي سَمُرَةُ جَالٍسٌ أمامي فقال رسولُ اللهِ (( (إِنَّ الفُحشَ والتَّفَحُشَ لَيْسا مِن الإسلامِ، وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسلاماً أحْسَنُهُمُ إِسلاماً.)) .
التَّخْريج: أخرجه أحمد في ((المسند)) : 5/89، وعبد الله ابنه في زوائده على ((المسند)) : 5/89 قال عبد الله: (حَدَّثَني أبي ثنا عبد الله بن محمد، وسمعته أنا من عبد الله ابن محمد، ثنا أبو أسامة، عن زكريا بن سِياه أبي يحيى، عن عمران بن رباح عن عليِّ بن عمارة، عن جابر بن سمرة. الحديث.
... وأخرجه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) ، برقم: (239) ، حدثنا الحسن بن الصبَّاح، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا بن سِياه به.
... وعزاه الحافظ العراقي في تخريجه لأحاديث ((الإحياء)) : 3/166 إلى أحمد، وابن أبي الدنيا في الصمت، وقال: ((إسناده صحيح)) .
... وأخرجه ابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)) : 8/514، ومن طريقه
... أخرجه عبد الله في زائده على ((المسند)) :5/99، وأبو يعلى في ((المسند)) : 13/458، برقم: (7468) ، والطبراني في ((المعجم الكبير)) : 2، برقم: (2072) .
... وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على ((المسند)) : 2/99 من طريق عبد الله ابن محمد بن نمير، ويوسف الصفار مولى بني أمية.
... وأخرجه البُخَارِيّ في ((التاريخ الكبير)) : 6/291 من طريق عبد الله العبسيِّ، جميعهم حَدَّثَنا أبو أسامة، به.
... وذكره الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 8/25 وقال: ((رواه الطبراني، واللفظ له، وأحمد، وابنه، وقال:....، وأبو يعلى بنحوه ورجاله ثقات.)) .
... وهذا إسناد فيه: (أبو أسامة حمَّاد بن أسامة القرشي، مولاهم الكوفيّ، مشهور بكنيته، قال ابن حَجَرٍ: ثقة، ثبتٌ، ربما دلَّسَ، وكان بأَخَرَةٍ يُحَدِّثَ من كتب غيره، مات سنة إحدىومائتين. ع) التقريب:177(3/242)
.. قلت: إنَّ من اتهم أبا أسامة بتتبع كتب الرواة ونسخها، وأنَّه كان من أسرق الناس لحديث جبير هو سفيان بن وكيع (1) اتهمه أبو زُرعة بالكذب، وكان يتلقن، ويحَدَّثَ بأحاديث ليست من حديثه، وكان له ورَّاق سوء، أدخل عليه كثيراً ممَّا ليس من حديثه، ونُصح فلم ينتصح، فاستحق الترك.
... وقد أورد الذهبي رحمه الله كلام سفيان بن وكيع في أبي أسامة، في ((ميزان الاعتدال)) (2) ثم قال: ((أبو أسامة لم أورده لشىء فيه، ولكن ليُعْرَفَ أنَّ هذا القول باطل، قد روى عنه أحمد، وعليّ، وابن معين، وابن راهويه، وقال أحمد: ثقة، من أعلم الناس بأمور الناس وأخبارهم بالكوفة، وما كان رواه عن هشام، وما كان أثبته، لا يكاد يخطئ.)) .
... وقال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (3) : ((كان ثقة، مأموناً، كثير الحديث، يُدَلِّسُ ويبيِّنُ تدليسه.)) .
... لذا لم يذكره أحدٌ في المدلِّسين (4) سوى ابن حَجَرٍ في التقريب.
... وفيه: (عمران بن مُسْلِم بن رِياح، بكسر الراء، بعدها تحتانية، الثقفيُّ الكوفيُّ، وقد ينسب إلى جدِّهِ، مقبول، من السادسة. بخ.) ، التقريب:430 وفيه: علي بن عمارة ذكره البُخَارِيّ في ((التاريخ الكبير)) : 6/291، وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) : 6/197، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، ووثقه ابن حِبَّان في ((الثقات)) : 5/163،والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 8/25.
12- عن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ رضي الله عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ (: ((إنَّ أَحَبَكُم إلَيَّ وأَقْرَبَكُم مِنِّي في الآخِرَةِ مَحَاسِنَكُم أخْلاَقَاً، وإنَّ أبغَضَكُم إلَيَّ وَاَبْعَدَكُم مِنِّي في الآخِرَةِ مَسَاوِئكم أخلاقَاً، الثَّرْثَارونَ المُتَفَيْهِقُونَ المُتَشَدِّقُونَ (5) .)) .
أخرجهُ أحمد: في ((المسند)) : 1/193، قال: حدَّثنا محمد بنُ أبي عَدِيٍّ، عن داودَ، عن مَكحولٍ، عن أبي ثَعْلَبَةَ.(3/243)
وهذا إسنادٌ رجالهُ رجال الصَّحيح، غير أنَّ مكحولاً الشَّاميّ لم يسمع من أبي ثعلبة الخُشَنِيِّ، وداود هو ابنُ أبي هند.
وأخرجه ابنُ أبي شيبة في ((المصنَّف)) : 8/515، عن حفص بن غِياث، عن داود بن أبي هند. والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) : 1/22 برقم: (19) ، والبهيقيُّ في ((شعب الإيمان)) : 6/234، برقم: (7989) ، من طريق عليِّ بن عاصم، عن داود بن أبي هند، وعلي بن عاصم (صدوق يُخطئ وَيُصر، ورُمِيَ بالتَّشيُّع) ، كما في التقريب.
وأخرجه الطبرانيُّ في ((الكبير)) : 22/ (588) ، وفي ((مسند الشَّاميين)) (3490) ، من طريق وهيب بن خالد، عن داود بن أبي هِند، عن مكحول، به.
وأخرجه أحمد: في ((المسند)) : 4/194، عن يزيد بن هارون، وأبو نُعيم في ((حلية الأولياء)) : 3/97، و5/177 والبغوي في ((شرح السُّنَّة)) (3295) ، والبيهقي في ((شعب الإيمان) : 6/234، وفي ((السنن الكبرى)) : 10/193-194 من طرقٍ عن يزيد ابن هارون، عن داود بن أبي هند، عن مكحول، به
وأخرجه ابن حِبَّان، كما في ((الإحسان)) : 2/231-232، من طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند، عن مكحول، به
وذكره الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) : 8/21، وقال: رواه أحمد، والطبرانيُّ، ورجاله رجال الصَّحيح.، ومثله قال المنذريُّ في ((الترغيب والتَّرهيب)) : 3/261.
13- عن ابنِ عباسٍ رضي اللَّهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلَّم: ((خِيَارُكُم أحاسِنُكُم أخلاقاً)) .(3/244)
التخريج: أخرجه عبد بن حميد في ((المسند)) ، برقم: (627) ، والخرائطيُّ في: ((مكارم الأخلاق)) : 1/25، برقم: (21) والحارث في ((مسنده)) : 1/314، من طريق طلحة ابن عمرو بن عثمان، عن ابن عباس. وطلحة ابن عمرو متروك، كما في ((التقريب)) . وأخرجه البيهقيُّ في ((شعب الإيمان)) : 6/234، من طريق زَمْعَة بن صالح، عن سلمة بن وَهران، عن عِكْرِمَةَ عن ابن عباسٍ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((خياركم أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤن أكنافاً، وإنَّ شراركم الثَّرثارونَ المتفيهقونَ المتشدِّقُونَ)) . وَزَمْعَةُ ابنُ الجَنَدِيُّ ضعيف، كما في ((التقريب)) .
14- عن أبي كَبْشَةَ رضي اللَّهُ عنهُ قال: سمِعْتُ رسولَ اللَّهِ (: ((خِيارُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ.)) .
التخريج: أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) : 22 (854) ، وفي ((مسند الشَّاميين)) ، من طريق إسماعيل ابن عيَّاش ثنا عمر بن رُؤْبة، قال: سمعتُ أبا كَبْشَةَ يقول. وذكره الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) : 4/303، وقال: فيه عمر بن رؤبة وثقه ابنُ حِبان وغيره، وضعفه جماعة. وفي ((التقريب)) : صدوق.
15- عن عبدِاللَّه بنِ مسعودٍ رضي اللَّهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللَّهِ (: ((ألا أُنبئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قالوا: بلى، قال: خِيارُكُم أَحاسِنُكُمْ أخلاقاً، أحسِبُهُ قال: المُوطَّؤنَ (1) أكْنَافَاً.)) .
التخريج: أخرجه: البزار، كما في ((كشف الأستار)) : 2/405-406، برقم: (1969) من طريق صدقة بن موسى عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبدِاللَّهِ. قال البزار: لا نعلمه يُروى عن عبدِاللَّهِ إلاَّ بهذا الإسناد.
وذكره الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) : 8/21، وقال: رواه الطبرانيُّ، والبزار، وفي إسنادهِ صدقة بن موسى، وهو ضعيف، وفي إسناد الطبراني عبد اللَّه الرَّماديّ ولم أعرفه.
المبحث الثاني: شرح الحديث(3/245)
.. هذا الحديث النبوي الشريف من الأحاديث المتواترة، فقد ذكره كل من ألَّف في الأحاديث المتواترة، كالسيوطي، والكَّتَّاني وغيرهما، وهو يمثل جانباً مهماً من جوانب النظام الأخلاقي في الإسلام.
... والخُلُق بضمتين، لغة: الطبع والسَّجية (1) .
... واصطلاحاً: هو حالٌ للنفْس راسخةٌ تصدر عنها الأفعالُ من خيرٍ أو شرٍّ، من غير حاجةٍ إلى فكرٍ ورَويَّةٍ. (2)
... أهميَّة الأخلاق: تحتل الأخلاق في الإسلام منزلة عظيمة وذلك من وجوهٍ كثيرةٍ منها:
أولاً: تعليل الرسالة بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارم الأخلاق، جاء في الحديث الشريف عن النَّبيِّ (: ((إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِمَ مكارمَ الأخلاقِ)) (3) .
ثانياً: تعريف الدين بحُسنِ الخلقِ… ... كما ورد أنَّ رجلاً جاء إلى النَّبيِّ (فقال: يارسولَ الله مالدِّين؟ فقال الرسول (: ((حسن الخلق)) (4) .
... وهذا يعني أنَّ حسن الخلقِ ركن الإسلام العظيم الذي لا قيام للدين بدونه، كالوقوف في عرفات بالنسبة للحج، فقد جاء في الحديث الشريف ((الحج عرفة)) (5) أي أن ركن الحج العظيم الذي لايكون الحج إلاّ به الوقوف في عرفات.
ثالثاً: من أكثر مايرجح كفة الحسنات يوم الحساب حسن الخلق، جاء في الحديث الشريف عن النبي (( (أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق)) .
رابعاً: المؤمنون يتفاضلون في الإيمان، وأفضلهم فيه إيماناً أحسنهم أخلاقاً، جاء في الحديث: قيل: يارسول الله أيُّ المؤمنين أفضل إيماناً؟ قال: ((أحسنهم خلقاً)) .
خامساً: إنَّ المؤمنين يتفاوتون في الظفر بحب رسول الله (وقربهم منه يوم القيامة، وأكثر المسلمين ظفراً بحب رسول الله (والقرب منه أولئك المؤمنون الذين حسنت أخلاقهم حتى صاروا فيها أحسن من غيرهم جاء في الحديث الشريف ((إنَّ أحبكم إليَّ وأقربكم مني مَجلساً يوم القيامةِ أحاسنكم أخلاقاً.)) .(3/246)
سادساً: أنَّ حسن الخلق أمر لازم وشرط لا بد منه للنجاة من النار والفوز بالجنان، وأن التفريط بهذا الشرط لايغني عنه حتى الصلاة والصيام، جاء في الحديث أنَّ بعض المسلمين قال لرسول الله (إنَّ فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((لاخير فيها هي من أهل النار.)) (1)
سابعاً: أنَّ النبي (كان يدعو ربه بأن يُحسن خلقه - وهو ذو الأخلاق الحسنة - وأن يهديه لأحسنها، فقد كان يقول في دعائه: ((اللهم حَسَّنْتَ خَلْقِي، فَحَسِّن خُلُقِي.)) (2) ، ويقول: ((اللهم اهدني لأحسن الأخلاق فإنه لايهدي لأحسنها إلاَّ أنت واصرف عني سيئها فإنه لايصرف سيئها إلاَّ أنت.)) (3) ، ومعلوم أن رسول الله (لايدعو إلاَّ بما يحبه الله ويقربه منه.
ثامناً: مدح الله تعالى رسوله الكريم (بحسن الخلق، فقد جاء في القرءان الكريم {وَإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} (4) والله تعالى لايمدح رسوله إلاَّ بالشىء العظيم مما يدل إلى عظيم منزلة الأخلاق في الإسلام.
تاسعاً: كثرة الآيات القرءانية المتعلقة بموضوع الأخلاق..فهي تشبه أمور العقيدة من جهة عناية القرءان بها في السور المكية والمدنية على حد سواء (5) . إنَّ الإسلام دين قام على توحيد الله تعالى وإخلاص العمل لوجهه الكريم، هذا وإنَّ العبادات التي شرعها الله تعالى واعتبرت أركاناً في الإسلام ليست شعائراً مبهمة من النوع الذي يربط الانسان بالغيوب المجهولة، ويكلفه بأداء أعمالٍ غامضة، وحركاتٍ لامعنى لها، إن الفرائض التي ألزم الإسلام بها المسلمين إنما هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاقٍ صحيحةٍ، وأن يظل مستمسكاً بهذه الأخلاق مهما تغيرت أمامه الظروف.(3/247)
.. فالصلاة الواجبة عندما أمر الله بها أبان الحكمة من إقامتها فقال: {وأقِم الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ.} (1) . فالابعاد عن الرذائل والتطهير من سوء القول والعمل هو حقبقة الصلاة..والزكاة المفروضة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب، بل هي أولاً، غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات قال تعالى {خًذْ مِنْ أموالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (2) ، وكذلك شرع الإسلام الصَّوم فلم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من الأطعمة والأشربة، بل اعتبره خطوة لتعويد النفس على التخلص من شهواتها المحظورة ونزواتها المنكورة، ويذكرنا القرءان بثمرة الصوم بقوله {كُتِبَ عليكُمُ الصِّيامُ كما كُتُبَ على الذين من قبلِكُمْ لعلَّكُمْ تتَّقون} (3) ، وقد يحسبُ الانسان أنَّ السفرَ إلى البقاع المقدَّسةِ للحجِّ أو العمرةِ رحلة مجردة من المعاني الخلقيَّةِ، وهذا خطأٌ لأنَّ الله تعالى قال {الحجُّ أشهُرٌ معلوماتٌ، فَمَنْ فَرَضَ فيهِنَّ الحجَّ فَلا رَفَثَ، وَلا فُسُوقَ، ولاجِدالَ في الحَجِّ وما تفعلوا من خيرٍ يعلمهُ اللهُ، وتزودوا فإنَّ خيرَ الزادِ التَّقْوَى واتَّقُونِ يآأولي الأَلْبَاب} (4) .
... بهذا العرض المُجمَلِ لبعض العبادات التي اشتهر بها الإسلام وعُرِفت على أنها أركانه الأصلية نستبين منه متانة الأوامر التي تربط الدين بالخُلُقِ إنها عبادات مُتباينة في مظهرها، ولكنها تلتقي عند الغاية التي رسمها الرسول (في قوله: ((إنَّما بُعِثتُ لأُتممَ مكارمَ الأخلاق)) (5) ، فالصلاة والصيام والزكاة والحجّ، وما أشبه هذه الطاعات من تعاليم الإسلام هي المدارج للكمال المنشود، فإذا لم يستفد المرء منها مايزكي قلبه وينقي لُبَّه، ويهذب صلته باللهِ وبالناسٍ، فقد هوى (6) .(3/248)
ولقد أوصى القرءانُ الكريم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بجملةٍ مِنَ الآداب بمثل قولهِ تعالى: {خُذْ بِالعَفْوِ وَأْمُر بالعُرفِ وأعرِض عن الجاهلينَ} (1) ، وقوله: {إنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وإيتاءِ ذي القُرْبَى وَيَنْهَى عَن الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ والبَغْي} (2) ، وقوله: {واصبر على ما أصابَكَ إنَّ ذلك مِن عزمِ الأمور} (3) ، وقوله: {وَلِمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزْمِ الأُمور} (4) ، وقوله: {فاعف عنهم واصفح إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحسنين} (5) ، وقوله: {وَليعفوا وليصفحوا ألا تُحبُّونَ أنْ يُغفر لكم} (6) ، وقوله: {ادفع بالتي هي أحسن فإذَا الذي بينَكَ وبينَهُ عَداوةٌ كأنَّهُ وَلِيٌّ حَميم} (7) ، وقولهُ: {والكاظمينَ الغَيظَ والعافينَ عنِ النَّاسِ واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسنين} (8) ، وقولهُ: {اجتنبوا كثيراً مِنَ الظنّ إنَّ بعض الظَّنِّ إثْمٌ ولا تَجسسوا ولا يَغْتَبْ بَعضُكُم بعضاً} (9) ، وقوله: {والعصر إنَّ الإنسانَ لَفي خُسْر إلاَّ الَّذينَ آمنوا وتواصوا بالحقِّ وتواصوا بالصَّبْر} (10) ، إنَّ أمثال هذهِ التَّوجيهات في القرءان الكريم والتي تدعوا إلى مكارم الأخلاق كثيرة، ولقد عَمِلَ بها رسولُ اللَّهِ (حتَّى وصفت عائشةُ أم المؤمنين رضي اللَّهُ عنها خُلُق رسول اللَّهِ (فقالت: ((كانَ خُلُقُهُ القرءان)) (11) .(3/249)
ولقد كان (: أحلَم النَّاس، وأشجع النَّاسِ، وأعفّ النَّاس، لم تمس يده يد امرأة لا يملك رقمها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه، وكان أسخى النَّاس، لا يبيتُ عنده دينار ولا دِرهم وإن فضل منه شيء ولم يجد مَن يُعطيه وفجأه الليل لم يأوِ إلى منزلهِ حتَّى يتبرأ منهُ إلى مَن يَحتاج إليهِ، ولا يأخذ ممَّا آتاهُ اللَّه إلاَّ قوت عامه فقط مِن أيسرِ ما يجد مِنَ التَّمرِ والشَّعيرِ ويضع سائر ذلكَ في سبيلِ اللَّهِ تعالى، لا يُسأل شيئاً إلاَّ أعطاه، ثُمَّ يعودُ على قوت عامه فيؤثر منه حتى إنَّهُ رُبما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء، وكان يخصفُ النَّعل ويرقع الثَّوبَ ويخدم في مهنة أهلهِ، ويقطع اللحم معهنَّ، وكانَ أشدّ النَّاس حياء لا يثبت بصره في وجه أحد، ويجيبُ دعوة العبد والحُرّ، ويقبل الهدية ولو أنَّها جرعة لبن أو فخِذ أرنب ويُكافئ عليها ويأكلها ولا يأكل الصَّدقة، ولا يستكبر عن إجابة الأَمَة والمسكين، يغضب لربهِ ولا يغضب لنفسهِ، وينفد الحق وإن عاد عليهِ بالضَّرر أو على أصحابهِ، وعرض عليه الانتصار بالمشركينَ على المشركين وهو في قلة وحاجةٍ إلى إنسانٍ واحدٍ يزيده في عدد مَن معه فأبى وقال: ((أن لا أستنصرُ بمشركٍ)) ، ... وكان يعصبُ الحجر على بطنه مرَّة مِنَ الجوعِ ومرة يأكل ما حضره ولا يرد ما وجد ولا يتورع عن مطعمٍ حلال وإن وجد تمراً دون خبز أكله، وإن وجد شواء أكله، وإن وجد خبز بُرٍّ أو شعيرٍ أكله، وإن وجد حُلواً أو عسلاً أكله ... يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويَشهد الجنازة ويمشي وحده بين أعدائهِ بلا حارسٍ، أشد الناس تواضعاً وأسكنهم في غير كبرٍ، وأبلغهم في غير تطويلٍ، وأحسنهم بِشراً، لا يهولهُ شيء من أمور الدُّنيا..يحبُّ الطِّيبَ ويكره الرائحة الرديئة، ويُجالس الفقراء، ويواكل المساكين، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ويتألفُ أهل الشَّرف بالبر لهم، يصل ذوي رَحِمهُ مِن غير أن يؤثرهم على مَن هو(3/250)
أفضل منهم، لا يجفو على أحدٍ، يقبل معذرة المُعتذِر إليهِ، يمزح ولا يقولُ إلاَّ حقَّاً، يضحكُ مِن غير قَهقهة، يرى اللعب المُباحَ فلا يُنكرهُ، يُسابق أهلهُ، وترفع الأصوات عليه فيصبر ... (1) .
... هذا وإنَّ عناية الإسلام بالمرأة، ووصيته بحسن رعايتها، والإحسان إليها قد بلغ مرتبة عظيمة لم تصل إليها أرقى الأنظمة الأرضية التي تدَّعي أنها تحافظ على حقوق الانسان عامةً، والمرأة خاصةً، ولقد أوصى الله تعالى بالنساء خيراً فقال: {وَعاشِروهُنَّ بالمَعْروفِ} (2) .
وعن أبي هريرة (قال: قال رسول الله (: ((استوصوا بالنِّساءِ خَيرأً.)) (3) ، وقال (: ((لايفْرِكْ مؤمِنٌ مؤمنةً إنْ كَرِهَ منها خُلُقَاً رَضِيَ منها آخَرَ)) ، أو قالَ: ((غَيْرَهُ)) . (4)
... وعن عمرو بن الأحوص الجُشَميِّ (أنه سمع رسول الله (يقول في حَجَّةِ الوداع: ((ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنَّما هُنَّ عَوَانٍ عِندَكُمْ ليس تملكون منهنَّ شيئاً غير ذلكَ، إلاَّ أن يأتين بفاحشةٍ مُبَيِّنَةٍ، فإن فعلنَ فأهجروهنَّ في المضاجعِ، واضربوهنَّ ضرباً غيرَ مُبَرِحٍ، فإن أطعنكُم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلاً، ألا إنَّ لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فحقُّكُمْ عليهنَّ ألاَّ يوطِئنَ فُرُشَكُم مَن تكرهونَ، ولايأْذَنَّ في بيوتِكمْ لمن تكرهون، ألا وحَقُهُنَّ عليكم أن تُحسنوا إليهِنَّ في كِسوتِهِنَّ وطعامهِنَّ.)) . (5) وعن معاوية ابن حَيدَةَ (قال: قلت: يارسول اللهِ ماحقُ زوجةِ أحدِنا عليهِ؟ قالَ: ((أنْ تُطْعِمَها إذا طَعِمْتَ وتكسوها إذا اكتَسيْتَ، ولاتضربِ الوجهَ، ولا تُقَبِّحْ، ولاتَهْجُرْ إلاَّ في البيتِ.)) . (6)(3/251)
.. إنَّ الحديث عن اهتمام الإسلام بالمرأة طويل، ولقد أفرد معظم من ألّفَ في السنن، والمصنَّفات الحديثيَّةِ، أبواباً في عشرة النساء وملاطفة البناتِ، والإحسان إليهنَّ والشفقةِ عليهنَّ، والوصية بالنساء، ولولا خشية الإطالة، والخروجِ عن أصل بحثي هذا المتضمن العناية بالصنعة الحديثيَّةِ، لأطلت واسترسلت في شرح هذا الحديث المبارك.. ولكني أكتفي بهذه الإشارات سائلاً العليَّ القديرَ أن يلهمني الصواب في القول والعمل، إنه هو السميع العليم، وصلى الله على سيدِنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
• • •
الخاتمة:
... مما سبق يتضح مايلي:
* أهمية الأخلاق في حياة المسلم وأنَّ حُسن الأخلاق والمعاملة الطَّيِّيبة للآخرين دليل على سلامة عقيدة المسلم، وقوَّة إيمانه.
* إنَّ النِّظام الأخلاقيّ في الإسلام مستمدٌ من كتاب اللَّهِ تعالى، وسُنَّةِ نبيه (، ولا يجوز للمسلمِ أن يقتبس الأخلاق والسلوكَ مِن مصادرَ أُخرى.
* إنَّ المُصَنَّفات في مَجال التَّربية، والسّلوك عند المسلمين، ولا سيما المُحدِّثين منهم قد أخذت أنماطاً متعددة، فمنهم مَن صَنَّف في أخلاق النَّبيِّ (، ومنهم مَن صَنَّفَ في مكارم الأخلاق ومعاليها، ومنهم مَن ألَّفَ في مساوئ الأخلاق، ومنهم مَن صَنَّف في المحاسنِ والأضداد، وَمِنهم مَن صَنَّفَ في أخلاق الأتقياء والنَّجاة مِنَ الأشرار، ومنهم مَن كتبَ في أخلاقِ الملوك ومنهم مَن كَتَبَ في عِشرَة النِّساء، ومنهم مَن كتب عن خُلُقِ المُسْلِمِ، ناهيكَ عن كتبِ السُّلوكِ والآدابِ، والتَّرغيب والتَّرْهيبِ والتي لم يَخل منها عصر مِن العُصور.
* عناية المحدثين بهذا الحديث حيث تعددت المصادر التي أخرجته.
* تعدد طرق هذا الحديث، وأنّهُ قد بلغ مرتبة التواتر على اصطلاح بعض المُحَدِّثين.(3/252)
* إنَّ دِراسة أسانيد هذا الحديث وطرقها والحُكم عليها يصلح أن يكون أنموذجاً يستفيد منهُ طلبة الحديث لدراسة فنّ التَّخريج ودراسة الأسانيد، والحُكم على الرُّواة.
الحواشي والتعليقات
(1) طبع بتحقيق بدر البدر، دار ابن حزم (1415-1944م) .
(2) ضبطه وعلق عليه مشهور حسن محمود سلمان، دار عمَّار (1408هـ -1988م) .
(3) انظر: التأنيس بشرح منظومة الذهبي في أهل التَّدْليس: 55، قصيدة المقدسي في المدلِّسين: 38، التبيين لأسماء المدلِّسين، لسبط ابن العجمي: 55، تعريف أهل التقديس لابن حجر: 106.
(4) الثقات لابن حِبَّان: (7/386- 387) .
(5) ميزان الاعتدال: 3/644.
(6) انظر ترجمته ومصادرها في: تهذيب الكمال: (26/101- 108) ، تهذيب التهذيب: (9/341 - 342) .
(7) هذا الحديث لم يُذكر في ((الإحسان في تقريب صحيح ابن حِبَّان)) للأمير علاء الدين ابن بَلْبان الفارسي المتوفى سنة 739، وهذه فائدة نافعة.
(8) انظر: ((تحفة الأشراف)) :11/440، برقم: (16195) .
(9) جامع التِّرْمِذِيّ:5/9
(10) التقريب: 304.
(11) ميزان الاعتدال (2/425- 426) .
(12) ص:65.
(13) ص:39
(14) انظر: الكفاية:384، التمهيد:1/15، إرشاد الطالبين:1/205، تعريف أهل التقديس:11، فتح المغيث:1/169 تدريب الراوي:1/224، توضيح الأفكار:1/347، التدليس في الحديث: (206-207) .
(15) الجرح والتعديل:2/58
(16) انظر: المراسيل:110، جامع التحصيل:257.
(17) سير أعلام النبلاء:4/473.
(18) تهذيب التهذيب:5/226
(19) جامع التحصيل:257، برقم:362(3/253)
وقد وضح مُسْلِم قاعدته في مقدمة صحيحه فقال: (( ... أن القول الشائع عليه بين أهل العلم بالأخبار والروابات قديماً وحديثاً: أنَّ كل رجلٍ ثقة روى عن مثله حديثاً، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعاً كانا في عصرواحد وإن لم يأت في خبرٍ قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالروايةثابتة، والحجة بها لازمة إلاَّ أن يكون هنالك دلالة بيِّنة أنَّ هذا الراوي لم يلق مَن روى عنه، أو لم يسمع منه شيئاً، فأمَّا والأمر مبهم على الإمكان الذي فسَّرنا، فالرواية على السماع أبداً حتى تكون الدلالة التي بيَّنا....)) صحيح مُسْلِم: (1/29-30) ، فمُسْلِم رحمه الله تعالى يشترط المعاصرة مع إمكان اللقاء أو السماع، دون التحقق من وقوعه.. مادام الراوي ثقة، ولايُعرف أنه مدلس.
... واشترط بعض المحدِّثين ثبوت السماع أو اللقاء في الجملة لا في كل حديث: منهم أبو عبد الله البُخَارِيّ، وعلي بن المديني، وغيرهما.
قال ابنُ رُشَيْدٍ: ((وهو الصحيح من مذاهب المحدثين الذي يعضده النظر، فلا يحُمل منه على الاتصال إلا ماكان بين متعاصِرَين يُعلم أنهما قد التقيا من دهرهما مرة فصاعداً، ومالم يعرف ذلك فلا تقوم الحجة منه إلا بما شُهد له لفظ السماع أو التحديث، أو ماأشبههما من الألفاظ الصريحة إذا أخبر بها العدل عن العدل....)) السنن الأبين: (31-32) ، وانظر: معرفة علوم الحديث:34، والكفاية:291، والتمهيد: (1/12-13) ، وعلوم الحديث لابن الصلاح:152، والنكت على ابن الصلاح لابن حجر: 2/584
... ولعلَّ صنيع مُسْلِم رحمه الله تعالى في إيراده حديث أبي قلابة عن عائشة مقروناً، وكذلك إيراده للحديث من طرق أخرى يؤكد فيها صحة الحديث، وصحة سماع أبي قلابة عن عائشة، رضي الله عنها. والله تعالى أعلم.(3/254)
(20) مُسْلِم: 2/958، في الحج، باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لايريد الذهاب بنفسه، واستحباب تقليده وفتل القلائد وأنَّ باعثه لايصير محرماً، ولايحرم عليه شيء بذلك: برقم: (363) ويلاحظ أنَّ الرواية هنا جعلها مُسْلِم من المتابعات، كما أنه قرن أبا قلابة مع القاسم، كما كرر الرواية عن الأسود، عن عائشة، مُسْلِم: (2/958-959) .
(21) وهو ((الحافظ، المحدِّث، الثقة، أبو عبد الله، محمدُ بن أيوب بن يحيى بن ضُريس، البجليُّ الرازيُّ. توفِّي سنة أربعٍ وتسعين ومائتين بالرَّي.)) .
ترجمته في: الجرح والتعديل: 7/198، سير أعلام النبلاء: 13/449، تذكرة الحفاظ: 2/643، شذرات الذهب: 2/216.
(22) انظر ترجمة (أفلح بن حُميد بن نافع الأنصاري) في تهذيب الكمال:3/321
(23) من روى عن أبيه، عن جده: (354-355) .
(24) ترجمته ومصادرها في: تهذيب الكمال: (19/223-225) .
(25) تهذيب التهذيب: (8/148-149) .
(26) جاء قي حاشية ((مجمع الزوائد)) :1/58 ((أبو أيوب هذا هو سليمان بن بلال مدني ثقة مشهور، والحديث صحيح)) .
(27) كذا في الأصل، وصوابه ((عمر بن حفص)) ، كما ورد اسمه في عدد من الأحاديث في كتاب ((الدعاء)) للطبراني، وقال الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)) : (11/216-217) ((عمر بن حفص، أبو بكر السدوسيُّ.. كان ثقة.. مات سنة ثلاثٍ وتسعين - ومائتين -) .
(28) (قال ابن أبي حاتمٍ: سألت أبي سمع الحسن من جابر؟ قال: ماأرى، ولكن هشام بن حسان يقول عن الحسن:ثنا جابر، وأنا أنكر هذا، إنما الحسن عن جابر كتاب، مع أنَّه أدرك == == جابراُ..) ، انظر: تهذيب التهذيب: 2/267، وهنالك عدد كبير من المحدثين أجازوا الوجادة، (وعن الشافعي، وطائفة من نُظَّار أصحابه جوازه، وقطع بعض المحقيقين من الشافعيين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة.(3/255)
انظر: علوم الحديث، ومحاسن الاصطلاح: 292، المحدِّث الفاصل: (287، 500) ، معرفة علوم الحديث:110 فتح المغيث: 2/135، شرح الكوكب المنير:2/526، 527، جمع الجوامع:2/105، توثيق النصوص وضبطها عند المحدِّثين: (49-53) .
(29) ترجمته في: الجرح: 4/203 قال ابن أبي حاتم ((محله الصدق، لابأس به.)) ، ثقات ابن حِبَّان: 9/285، الأنساب: (10/216- 217) (القَلْزُم) ، وعند ياقوت في معجم البلدان:4/156 (القُلْزُم) بضم القاف.
(30) سلسلة الأحاديث الصحيحة: 2/389، برقم: 751.
(31) ولعلَّ من المفيد أن يراجع نص الحديث ليتمكن الباحث من المقارنة بين ألفاظه في المصادر التي أخرجته، ونص الحديث: عن أبي ذرٍّ قال: ((دخلت المَسجدَ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، جالسٌ وحدَهُ. قال: ((ياأبا ذَرٍّ إنَّ للمسجِدِ تحيَّةً، وإنَّ تحيتَهُ رَكعَتانِ فقُمْ فاركَعهُما)) . قال: فقمت، فركعتهما، ثم عُدتُ فجلست إليه، فقلت: يارسول الله، إنك أمرتني بالصلاةِ، فما الصلاةُ؟ قالَ: ((خيرُ موضوع، استكثر أو اسْتَقِلَّ)) قال: قلتُ: يارسولَ الله، أيُّ العملِ أفضلُ؟ قال: ((إيمانٌ بالله، وجهادٌ في سبيل اللهِ)) . قال: قلتُ: يارسول اللهِ، فأيُّ المؤمنينَ أكملُ إيماناً؟ قال: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً)) . انظر نص الحديث بطوله في ((الإحسان)) : (2/76-79) ، برقم: (361) .
(32) ترجمته في الجرح والتعديل: (2/142- 143) ، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي:1/59، برقم: (133) ، ميزان الاعتدال: (1/72-73) ، و:4/378، لسان الميزان: (1/122-123) .
(33) قلت: ذَكر الذَّهبيُّ في ((ميزان الاعتدال)) : 4/533 (أبو سُليمان الفِلِسْطينيُّ، عن القاسم بن محمد، وعنه إسماعيل بن أبي زياد) .
قال البخاري: حديث طويل منكر في القصص.
... قلت: (رواه عنه الماضي بن محمد.) .(3/256)
.. قلت: لم يذكر الحافظ المزي في ((تهذيب الكمال)) ، ولا الحافظ ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) ، أنَّ علي بن سليمان، يُكنى بأبي سليمان، ولم يذكروا أنَّهُ فلسطيني، وجاء في ترجمته: كما في ((تهذيب الكمال)) : 20/454 (يُقال: إنَّهُ دمشقيّ صار إلى مصر.) ، كما أنَّ أبا سليمان الفلسطيني، لم يذكر في رجال ابن ماجه، فلعله هو نفسه، أو أنَّه من المُتَّفق والمفترق. واللَّهُ تعالى أعلم.
(34) في الكامل ((يحيى بن سعد)) وفي المجروحين ((يحيى بن سعيد)) ، وقال ابن حجرٍ: ((ورجح ابن عدي أنه ابن سعد وليس سعيد.)) لسان الميزان:6/257.
(35) ترجمته في: ميزان الاعتدال: 1/119، لسان الميزان: (1/220-221)
(36) ابن ماجه:2/934 في الجهاد، باب القتال في شسبيل الله سبحانه وتعالى، برقم: (2794) .
(37) انظر: (الورقة:287ب)
(38) انظر ترجمة سفيان بن وكيع في: ((تهذيب التهذيب)) : (4/123-125) .
(39) 1/588، وانظر: تهذيب التهذيب:3/3
(40) طبقات ابن سعد:6/395
(41) انظر: ((التَّدْليس في الحديث)) للدكتور مسفر بن غرم الله الدميني: (259-260) .
(42) وقوله: محاسنكم: قال السِّنديُّ: جمع مَحسن بفتح الميم، وهذا لأنَّ القرب بقدر المناسبة، وهو صلى الله عليه وسلم معلوم بحُسن الخُلُقٍ، فيكون القرب إليه بذلك، والبعد عنه بخلافه.
وقوله: الثَّرثارون: هم الذين يُكثرون الكلام تكلفاً وخروجاً عن الحقِّ، والثرثرة: كثرة الكلام وترديده.
وقوله: المتفيقهون: أي الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم، مِنَ الفَهْقِ: وهو الامتلاء والاتساع، بلا احتياط، قيل: أراد به المستهزئ بالنَّاسِ، وقيل: هم الذين يتكلمون مِلء أفواههم تفاصحاً وتعظيماً لنطقهم.
وقوله: المتشدقون: هم المتوسعون في الكلام.
انظر: النهاية لابن الأثير: 2/353 (شدق) ، و3/483 (فَهق) .
(43) الموطَّؤنَ أكنافاً: هم الذينَ جوانبهم وطيئة مذللة يتمكن فيها مَن يُصاحبهم ولا يتأذى.(3/257)
(44) المصباح المنير:1/189، مجمل اللغة:1/300، لسان العرب، مادة (خلق) ، المعجم الوسيط:1/252
(45) إحياء علوم الدين:3/46، التعريفات للجرجاني:101
(46) أخرجه مالك، برقم: (8) ، والبخاري في ((الأدب المفرد)) : (ص:4) ، والحاكم في ((المستدرك)) : 2/613 وصححه. من حديث أبي هريرة.
(47) سيأتي تخريجه بالتفصيل، وكافة الأحاديث التي في هذه المقدمة والتي سيأتي تخريجها سوف لن أخرجها في هذا الموضع.
(48) أخرجه أحمد: 4/309، والحميدي (899) ، والترمذي (889) و (890) ، وأبو داود (1949) ، والحاكم: 1/464 وصححه من حديث عبد الرحمن بن يعمر الدِّيْلِيِّ.
(49) أخرجه البيهقي، والطبراني، من حديث أبي هريرة، كنز العمال: 9/186 (25615) .
(50) أخرجه أبو يعلى في ((المسند)) : 1/243، و1/249، والطيالسي: 1/656، وأحمد: 1/403، وصححه ابن حبان، كما في الإحسان: 3/239 (959) ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) : 10/173: رواه أحمد، وأبو يعلى، ورجالهما رجال الصحيح، غير عوسجة بن الرماح، وهو ثقة.
(51) أخرجه أحمد: 1/102، من حديث عليٍّ رضي الله عنه.
(52) سورة القلم، الآية: 4.
(53) أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان: (81 -82) .
(54) العنكبوت، الآية:45
(55) التوبة الآية:103
(56) البقرة الآية:183
(57) البقرة الآية: 197
(58) مسند أحمد:2/381، ومالك في ((الموطأ)) :2/902، وهو حسن بمجموع طرقه.
(59) انظر مقدمة كتاب ((خلق المسلم)) للشيخ محمد الغزالي رحمه الله تبارك وتعالى.
(60) سورة الأعراف الآية: 199.
(61) سورة النحل الآية: 90.
(62) سورة لقمان الآية: 17.
(63) سورة الشورى الآية: 43.
(64) سورة المائدة الآية: 13.
(65) سورة النور الآية: 22.
(66) سورة فصلت الآية: 34.
(67) سورة آل عمران الآية: 134.
(68) سورة الحجرات الآية: 12.
(69) سورة العصر الآية: (1-3) .
(70) أخرجه مسلم.(3/258)
(71) إحياء علوم الدين: 2/389-393، وقد قام الإمام العراقي رحمه الله تعالى بتخريج هذه الأحاديث والحكم عليها، ولا يتسع المجال لذكر هذه التخريجات.
(72) النساء آية:19
(73) متفق عليه.
(74) أخرجه مسلم، برقم: (1469) ، من رواية أبي هريرة، وقوله: ((يَفْرِكْ)) أي يَبْغِض.
(75) أخرجه الترمذي، برقم: (1163) ، وقال: حديث حسن صحيح.
(76) أخرجه أحمد:4/446،447،و5/3، وأبو داود، برقم: (2142) ، وابن ماجه، برقم: (1850) ، وإسناده حسن.
المصادر والمراجع
الآحاد والمثاني: للإمام أبي بكر أحمد بن عمرو بن الضحاك الشيباني، المعروف بابن أبي عاصم (ت287هـ) تحقيق الدكتور باسم فيصل أحمد الجوابرة، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى (1411هـ-1991م) .
الآداب: للإمام أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) ، تحقيق محمد عبد القادر عطا، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1406هـ- 1986م) .
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: للإمام أبي الحسن علي ابن بَلبان الفارسي (ت 739هـ) ، تحقيق وتخريج الأستاذ شعيب الأرناؤط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى (1408هـ -1988م) .
إحياء علوم الدِّين: للإمام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزَّالي (ت405هـ) ، طبع مصطفى البابي الحلبي مصر، الطبعة الأولى، (1358هـ-1939م) .
أخلاق النبيِّ صلى الله عليه وسلم: لأبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني، المعروف بأبي الشيخ (ت369هـ) ، تحقيق أحمد محمد مرسي، مكتبة النهضة العربية، القاهرة 1972م.
الأدب المفرد: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريِّ (ت256هـ) ، نشره قصي محب الدين الخطيب الطبعة الثانية القاهرة 1379هـ
أصول الدعوة: تأليف الدكتور عبد الكريم زيدان، مكتبة القدس، ودار الوفاء، الطبعة الخامسة (1412هـ-1992م) .
الإيمان: للإمام أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت235هـ) ، تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، دار الأرقم، الكويت.(3/259)
بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن: لأحمد ابن عبد الرحمن البنا الساعاتي (ت1377هـ) ، دار الأنوار للطباعة، القاهرة، الطبعة الأولى (1369-1950) .
التاريخ الكبير: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ، تحقيق مجموعة من العلماء، نشرته دار المعارف العثمانية بالهند سنة1360هـ، صورته دار الكتب العلمية بيروت.
التأنيس بشرح منظومة الذهبي في أهل التدليس: للشيخ عبد العزيز الغماري، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى (1404هـ) .
التبيين لأسماء المدلِّسين: للإمام برهان الدين بن محمد، المعروف بسِبْط ابن العجمي (ت841هـ) ، تحقيق يحيى شفيق، دار الكتب العلمية بيروت.
تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف: للإمام أبي الحجَّاج يوسف ابن عبد الرحمن المزِّيِّ (ت742هـ) ، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، الهند، الطبعة الأولى (1384هـ-1965م) .
تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ) ، تحقيق عبد الوهَّاب عبد اللطيف، دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الثانية (1385هـ-1966م) .
تعريف أهل التقديس: للإمام أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852 هـ) ، تحقيق الدكتور عبد الغفار البغدادي والأستاذ محمد أحمد عبد العزيز، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1405هـ) .
تعظيم قَدْر الصلاة: للإمام أبي عبد الله محمد بن نصر بن الحجَّاج المروزيَّ، تحقيق الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، مكتبة الدار بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى (1406هـ) .
تقريب التهذيب: للإمام أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا حلب، الطبعة الأولى 1406هـ.
تهذيب التهذيب: للإمام أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن 1325هـ.(3/260)
تهذيب الكمال: للإمام أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزِّيِّ (ت742هـ) ، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف طبع مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الثانية 1403هـ.
جامع التحصيل في أحكام المراسيل: للإمام صلاح الدين أبي سعيدٍ خليل بن كَيْكَلْدي العلائي (ت761هـ) ، تحقيق الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الأولى (1398هـ-1978م) طبع وزارة الأوقاف العراقية.
الجامع: للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَةَ الترمذي (ت279هـ) ، حققه أحمد شاكر، وآخرون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، وأولاده، مصر، الطبعة الأولى 1356هـ.
الجرح والتعديل: للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس ابن المنذر الشافعيِّ المعروف بابن أبي حاتم (ت327هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، الطبعة الأولى (1371هـ-1952م) .
حلية الأولياء وزينة الأصفياء: للإمام أبي نُعَيْم أحمد بن عبد الله الأصفهانيِّ (ت430هـ) ، مطبعة الخانجي، مصر الطبعة الأولى (1352هـ-1933م) .
خُلُق المسلم: للشيخ محمد الغزالي دار القلم، دمشق، الطبعة الرابعة (1403هـ-1983م) .
خير الكلام قي القراءة خلف الإمام: للإمام أبي عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة، الطبعة الثانية (1405هـ -1985م) .
دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) ، تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1405هـ-1985م) .
الزهد: للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي (ت241هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة الأولى (1403هـ-1983م) .
الزهد: للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِستاني (ت275هـ) ، تحقيق ضياء الحسن السلفي، الدار السلفية الهند الطبعة الأولى (1413هـ-1992م) .(3/261)
الزهد: للإمام عبد الله بن المبارك المروزيِّ (ت181هـ) ، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية بيروت.
الزهد: للإمام هنَّاد بن السري الكوفيِّ التميميِّ (ت243هـ) ، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت، الطبعة الأولى (1406هـ-1985م) .
الزهد: للإمام وكيع بن الجرَّاح (197هـ) ، تحقيق عبد الرحمن ابن عبد الجبار الفريوائي، مكتبة الدار المدينة المنورة، الطبعة الأولى (1404هـ-1984م) .
سلسلة الأحاديث الصحيحة: للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة (1405هـ-1985م) .
سلسلة الأحاديث الضعيفة: للمحدِّث محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت.
السنن: للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بَهرام الدارمي التَّميميِّ (ت255هـ) ، بعناية أحمد محمد دهمان دار الكتب العلمية، بيروت.
السنن: للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بَهرام الدارمي التَّميميِّ (ت255هـ) ، تحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني، حديث أكاديمي، باكستان (1404هـ-1984م) .
السنن: للإمام أبي عبد الله محمد بن يزيد القَزويني، المعروف بابن ماجه (ت275هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياءالكتب العربية (1372هـ-1952م) .
السنن: للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتانيِّ (275هـ) ، تعليق عزت، وعادل السيد، الطبعة الأولى (1388هـ) ، نشر محمد علي السيد، حمص، سوريا.
السنن: للإمام أبي الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنيِّ البغدادي، (ت385هـ) ، تصحيح عبد الله هاشم يماني، دار المحاسن للطباعة القاهرة 1386هـ.
السنن: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النَّسائي (ت303هـ) ، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى (1346هـ-1930م) .
السنن الكبرى: للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن عليٍّ البيهقيِّ (ت458هـ) ، مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند.(3/262)
السُّنَّة: للإمام أبي بكر أحمد بن عمرو بن الضحَّاك بن مَخْلَدٍ الشيباني، المعروف بابن أبي عاصم (ت287هـ) تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية (1405هـ-1985م) .
سير أعلام النبلاء: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748هـ) ، تحقيق مجموعة من الأساتذة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى (1402هـ-1982م) .
شرح السُّنَّة: للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغويِّ (ت516هـ) ، تحقيق شعيب الأرناؤط، وزهير شاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى (1394هـ-1974م) .
شرح مشكل الآثار: للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321هـ) ، تحقيق شعيب الأرناؤط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى (1415هـ1994م) .
شرح معاني الآثار: للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321هـ) ، تحقيق محمد زهدي النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1403هـ -1987م) .
الشريعة: للإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجُّرِّيِّ (ت360هـ) ، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1403هـ-1983م) .
شعب الإيمان: للإمام أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) ، تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1410هـ- 1990م) .
الشمائل المحمَّديَّة: للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى ابن سَوْرَةَ الترمذي (ت279هـ) ، حققه عزت عبيد الدعاس، دار الندوة الجديدة، بيروت (1406-1985م) .
صحيح ابن خُزَيمة: لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلَميِّ النَّيسابوريِّ (ت311هـ) ، تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى (1399هـ-1979م) .
صحيح أبي عوانة: للإمام أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني (ت316هـ) ، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند، الطبعة الأولى (1362هـ-1942م) .(3/263)
صحيح مسلم: للإمام أبي الحسن مُسْلِم بن الحَجَّاج بن مُسْلِمٍ القُشَيريِّ النَّيْسَابوريِّ (ت261هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى (1374هـ-1955م) .
الضعفاء الصغير: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريِّ (ت256هـ) ، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، الطبعة الأولى 1396هـ. وينظر طبعة بوران الضَّنَّاوي.
الضعفاء الكبير: للإمام أبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العُقيلي (ت322هـ) ، تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى (1404هـ-1984م) .
علل الحديث: للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر الشافعيّ ِ، المعروف بابن أبي حاتم (ت327هـ) ، تحقيق محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، (1405هـ-1985م) .
عمل اليوم والليلة: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن عليٍّ النَّسائي (ت303هـ) ، تحقيق الدكتور فاروق حمادة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية (1406هـ-1985م) .
عمل اليوم والليلة: للإمام أبي بكرٍ أحمد بن محمد بن إسحاق الدِّينَوَرِيِّ، المعروف بابن السُنِّيِّ (ت364هـ) ، تحقيق بشير محمد عيون، مكتبة دار البيان، دمشق، الطبعة الأولى (1407هـ-1987م) .
فتح الباري شرح صحيح البخاري: للإمام أبي الفضل أحمد ابن عليِّ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، طبع المطبعة السلفية، بمصر.
فتح المغيث شرح ألفية الحديث: للإمام أبي الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (ت902هـ) ، تحقيق عبد الرحمن بن محمد ابن عثمان، المكتبة السلفية، بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية (1388هـ-1968م) .
الكاشف في معرفة مَن له رواية في الكتب الستة: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، تحقيق عزت علي عيد عطية، وموسى محمد علي الموسى، دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الأولى (1392هـ-1972م) .(3/264)
الكامل في ضعفاء الرجال: للإمام أبي أحمد عبد الله بن عَدي الجرجانيِّ (ت365هـ) ، تحقيق لجنة من المختصين، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى (1404هـ-1984م) .
كشف الأستار عن زوائد البزَّار: للإمام نور الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) ، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية (1404هـ-1984م) .
كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: للبرهان فوري علاء الدين علي التقي بن حسام الدين (ت975هـ) ، تحقيق حسن رزوق، وآخرون، مؤسسة الرسالة، الطبعة الخامسة (1401هـ-1981م) .
لسان العرب: لجمال الدين محمد بن مكرم، المعروف بابن منظور (ت771هـ) ، دار صادر بيروت.
لسان الميزان: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر (ت852هـ) ، مجلس دائرة المعارف النظامية الهند، الطبعة الأولى 1331هـ.
المجروحين من المحدِّثين والمتروكين: للإمام أبي حاتم محمد بن حِبَّان بن معاذ البُسْتيِّ التميميّ (ت354هـ) تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، الطبعة الأولى (1395هـ-1975م) .
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للإمام أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عمر الهيثميِّ (ت807 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت الطبعة الثانية 1967م.
المراسيل: للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِستانيِّ (275هـ) ، تحقيق الأستاذ شعيب الأرناؤط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى (1408هـ-1988م) .
المراسيل: للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الشافعيِّ المعروف بابن أبي حاتم (ت327هـ) ، بعناية شكر الله بن نعمة الله قوجاني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1397هـ.
المستدرك على الصحيحين: للإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن حمدويه، المعروف بالحاكم النيسابوري (ت405هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند.
المسند: للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت241هـ) ، المكتب الإسلامي، ودار صادر بيروت، الطبعة ألأولى 1398هـ.(3/265)
المسند: للإمام أبي يعلى أحمد بن عليِّ بن المثنى الموصليِّ (ت307هـ) ، تحقيق الأستاذ حسين أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، وبيروت، الطبعة الأولى (1404هـ-1984م) .
المسند: للإمام أبي بكر عبد الله بن الزبير الحُميديِّ (ت219هـ) ، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة.
المسند: للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الشافعي (ت204هـ) ، رتبه على الأبواب محمد بن عابد السندي (ت1257هـ) ، حققه يوسف علي الزواوي، وعزت العطار، دار الكتب العلمية، بيروت (1370هـ-1951م) .
مسند الشهاب: للإمام أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي (ت454هـ) ، تحقيق حمدي عبد المجيد السَّلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى (1405هـ-1985م) .
مسند الطيالسي: للإمام أبي داود سليمان بن داود بن الجارود الفارسي (ت 204هـ) ، دار المعرفة، بيروت.
مصباح الزجاجة في زوائد بن ماجه: لشهاب الدين أحمد بن أبي بكر الكِنانيِّ البوصيريِّ (ت840هـ) ، تحقيق كمال يوسف الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، دار الجنان، بيروت، الطبعة الأولى (1406هـ -1986م) .
المصنَّف: للإمام أبي بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم، المعروف بابن أبي شيبة العبسيِّ (ت235هـ) ، بإشراف مختار أحمد الندوي، الدار السلفية، بومباي، الهند.
المصنف: لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت211هـ) ، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الثانية (1403هـ-1983م) .
المعجم الأوسط: للإمام أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبرانيِّ (ت360هـ) : تحقيق الدكتور محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1405هـ.
المعجم الصغير: للإمام أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبرانيِّ (ت360هـ) ، دار الكتب العلمية بيروت (1403هـ-1983م) .(3/266)
المعجم الكبير: للإمام أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبرانيِّ (ت360هـ) ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، طبع وزارة الأوقاف العراقية، الطبعة الثانية، مزيدة ومنقحة.
المنتخب من المسند: للإمام أبي محمد عبد بن حُميد بن نصر الكسِّيِّ (ت249هـ) ، تحقيق صبحي السامرَّائي ومحمود محمد خليل الصعيدي، مكتبة السنة، القاهرة، الطبعة الأولى (1408هـ-1988م) .
الموطأ: للإمام أبي عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي (ت179هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة (1370هـ-1951م) .
ميزان الاعتدال في نقد الرجال: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، دارالمعرفة، بيروت، الطبعة الأولى (1382هـ-1963م) .
نصب الراية لأحاديث الهداية: للإمام جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي (ت762هـ) ، المجلس العلمي الهند، مطبعة دار المأمون، دمشق (1357هـ-1938م) .
النهاية في غريب الحديث والأثر: لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد، المعروف بابن الأثير الجَزَرِيِّ (ت606هـ) ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.(3/267)
البيان والتبيين
لضوابط ووسائل تمييز الرواة المهملين
د. محمد بن تركي التركي
أستاذ الحديث المساعد، بقسم الثقافة الإسلامية
كلية التربية - جامعة الملك سعود
ملخص البحث
يقوم هذا البحث على معالجة أمر يعترض الباحثين كثيراً، ألا وهو ورود بعض الرواة في الأسانيد مهملين، كأن يذكر باسمه الأول، أو كنيته أو غير ذلك، مع وجود غيره ممن يشترك معه في الاسم والطبقة، ومن ثم لا يستطيع الباحث معرفة المراد بسهولة.
وقد حاولت في هذا البحث استخراج القواعد والوسائل التي تعين على تمييز الراوي المهمل، وتحديده، ومن المراد به إذا ورد في هذا الإسناد أو ذاك.
وقدمت لذلك بمقدمة موجزة، ثم ذكرت تعريف المهمل، والمبهم، والفرق بينهما، ثم ذكرت ما توصلت إليه من هذه الوسائل، مستعيناً بعدد من كتب المصطلح، والشروح الحديثية، وكتب الرجال وغيرها.
وقد بلغ عددها حوالي عشر وسائل وضوابط كلية، ويندرج تحت بعضها عدة وسائل فرعية.
وخلاصة ما ذكرته أنه يمكن تمييز المهمل عن طريق عدة وسائل، فمنها: أن يعرف المهمل عن طريق الراوي عنه. كأن يكون مشهوراً بالرواية عنه، أو مختصاً به، أو لا يروي عن غيره، وغير ذلك.
ومنها أن يُعرف المهمل عن طريق شيخه، وفيه عدة وسائل تندرج تحته.
كما يعرف المهمل عن طريق التخريج، أو طبقته، أو بلده، أو غير ذلك من طرق أخرى مذكورة بالتفصيل مع أدلتها والأمثلة عليها في ثنايا البحث.
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدمة:
... إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون (.(3/268)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم الَّذِيْ خَلَقَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرَاً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِيْ تَسَآلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً (.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدَاً يُصْلِح لَكُمْ أَعْمَالَكُم وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً (.
أما بعد:
فإن تمييز الراوي المهمل الذي يرد في بعض الأسانيد، أمر ليس باليسير، وقد يستغرق من الباحث وقتاً طويلاً لتحديد هذا الراوي وتعيينه، وقد لا يُوفق كل باحث لهذا الأمر.
ولما نظرت في كتب المصطلح، لم أر من وضع قواعد ووسائل متكاملة تعين في تمييز الرواة المهملين، وإنما وجدت فوائد قليلة ومنثورة في بعض هذه الكتب وغيرها، تبعاً لبعض الحالات المشكلة من ذلك، ومن ثم التصدي لحلها، كما سيأتي بالتفصيل.
كما لم أر من أفرد هذه القواعد والوسائل ببحث مستقل يجمعها.
لذا فقد استعنت بالله وبدأت بالكتابة في هذا الموضوع، وحاولت أن ألم شتاته، وأجمع ما تفرق منه مستعيناً – بعد الله–بما وجدته في كتب المصطلح، والرجال، والشروح الحديثية، وغيرها، وبما طبقه علماء الحديث عملياً لتعيين الرواة المهملين.
وفي الختام فهذا جهد متواضع، في موضع مهم وشائك، أرجو أن أكون قد وفيته حقه من الدراسة والبحث، وأن تكون النتائج التي توصلت إليها صائبة، أو قريبة من الصواب، وميسرة للباحثين تعيين وتحديد الرواة المهملين.
وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكون ذا فائدة لطلاب علم السنة النبوية وأعتذر عما فيه من قصور وخلل؛ فهذا مما لا ينفك عنه بشر.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(3/269)
المبحث الأول: تعريف المهمل والفرق بينه وبين المبهم
تعريف المهمل:
المهمل هو: من لم يتميز عن غيره. سواءً ذُكر باسمه أو كنيته أو لقبه، وذلك لوجود من يشاركه في هذا الاسم أو الكنية أو اللقب.
فإن كان لا يشترك معه غيره في أحد هذه الأمور فحينئذ لا يعتبر مهملاً.
ومثاله: أن الإمام البخاري – رحمه الله – له أكثر من شيخ اسمه إسحاق، ونجده في بعض الأحيان يقول: حدثنا إسحاق ولا ينسبه. فهنا نقول إن إسحاق ورد مهملاً.
وكما لو وجدنا إسناداً ورد فيه ذكر سفيان غير منسوب، فهنا لا ندري هل المراد به الثوري أو ابن عيينة (1) ، أو ورد فيه حماد غير منسوب، فلا ندري هل هو ابن سلمة أو ابن زيد، وهكذا.
ومن أبرز من عُرف من المتقدمين اعتناؤه بهذا النوع من علم الرجال الإمام الحافظ الخطيب البغدادي (ت 4639هـ) وأبو علي الجياني الأندلسي (ت498هـ) .
فالأول ألف في بيان المهملين من الرواة عموماً كتاباً عُرف باسم: "المكمل في بيان المهمل" (2) .
ولكن للأسف فهذا الكتاب يعتبر حتى الآن في عداد الكتب المفقودة (3) .
والثاني ألف في بيان المهملين في أسانيد صحيح البخاري بخصوصه، وذلك في باب مستقل في كتابه الماتع: «تقييد المهمل وتمييز المشكل» (4) .
وعلى هذين المؤلفين عوّل من جاء بعدهما، مع الإضافة أو التعقيب، كما يُعرف من مراجعة المؤلفات المتأخرة عنهما في الرجال أو الشروح الحديثية.
تعريف المبهم:
المبهم هو: من لم يتعين اسمه.
كأن يقول أحد الرواة: حدثني رجل. أو: حدثني صاحب لي. أو نحو ذلك.
ومنه يتبين الفرق واضحاً بين المهمل والمبهم.
فالمهمل ذُكر اسمه لكنه التبس مع غيره، وأما المبهم فلم يُذكر اسمه أصلاً.
وقد ألف في المبهمات غير واحد من العلماء.(3/270)
ومن أشهر ما طُبع من هذه المؤلفات: كتاب الخطيب البغدادي: «الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة» وكتاب ابن طاهر المقدسي: «إيضاح الإشكال» ، وكتاب ابن بشكوال: «غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة» ، وكتاب النووي «الإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات» (1) ، وكتاب العراقي: «المستفاد من مبهمات المتن والإسناد» ، وغيرها.
وهناك أمور أخرى تتعلق بالمبهم، ليس هنا مجال ذكرها، وهي موجودة في كتب المصطلح.
المبحث الثاني: ضوابط ووسائل تمييز الرواة المهملين
تقدم القول بأني لم أقف في كتب المصطلح أو الرجال على من أفرد هذه القواعد بمبحث خاص، ولم أجد ضوابط كافية في تمييز الرواة المهملين عموماً، إلا من فوائد قليلة منثورة مفرقة (2) .
ومن خلال تتبعي لهذه الكتب، وقراءتي لبعض كتب شروح الحديث وغيرها، أمكنني التوصل إلى ما يلي:
يمكن تمييز الرواة المهملين من خلال عدة أمور:
1- عن طريق معرفة تلميذ الراوي المهمل.
فإذا كان هذا الراوي المهمل يروي عنه راوٍ ما، ولا يروي عن غيره، ممن شاركه في الاسم، فهذا أمره واضح وبيّن.
ومثاله: إذا روى الحميدي عن سفيان مهملاً، فمعلوم أنه يعني ابن عيينة، لأنه لا يروي عن الثوري، وكذا الإمام أحمد وغيرهما ممن لا يروي إلا عن ابن عيينة.
ولذا كان من المهم تتبع تلاميذ الرواة المهملين، لكونه أحد الطرق في التمييز بينهم.
ومما ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام أن كثيراً من المبتدئين من طلاب العلم يعتمدون في حصر الرواة عن راوٍ ما على كتاب تهذيب الكمال، وهذا ليس بصحيح، فلم يستوعب المزي جميع الرواة عن المترجم، بل ولم يشترط ذلك، ولذا ينبغي على الباحث أن لا يعتمد في نفي رواية راوٍ ما عن آخر لعدم ذكره ضمن الرواة عنه في تهذيب الكمال، وكذا الحال في شيوخ المترجم.
2- عن طريق معرفة شيخ الراوي المهمل. وهذا كالمتقدم.(3/271)
ومثاله: أن يكون الثوري يروي عن شيخ لا يروي عنه ابن عيينة، فهذا أمره واضح بين أيضاً. ومنه يتبين أيضاً أهمية محاولة استيعاب شيوخ الرواة المهملين.
3- عن طريق النظر في علاقة الرواة عن هذا الراوي المهمل، ويتضمن ذلك عدة أمور:
أ – فقد يكون التلميذ مختصاً بأحد الراويين المهملين دون الآخر، كأن يكون من المكثرين عنه، أو يكون راويته أو مشهوراً بصحبته، أو نحو ذلك، فهذا إذا أطلق اسم شيخه مهملاً حُمل على من كان مكثراً عنه، أو ممن كان معدوداً في أصحابه.
وهذه قاعدة معروفة عند العلماء، وعمل بها عدد من الأئمة:
قال الرامهرمزي: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، رويا جميعاً عن الأعمش وغيره، وروى عنهما الوليد بن مسلم وغيره. وحضرت القاسم المطرز، فحدثنا عن أبي همام أو غيره، عن الوليد، عن سفيان حديثاً. فقال له أبو طالب بن نصر: من سفيان هذا؟. فقال المطرز: هذا الثوري. فقال له أبو طالب: بل هو ابن عيينة. قال من أين قلت؟. قال: لأن الوليد روى عن الثوري أحاديث معدودة محفوظة، وهو مليء بابن عيينة، وسفيان الثوري أكبر وأقدم وابن عيينة أسند (1) .
وقد سئل المزي فيما إذا ورد حديث لعبد الرزاق عن سفيان عن الأعمش، أي السفيانين هو؟ وإن كان أكثر روايته عن الثوري، فهل يُكتفى بذلك، أم يحتاج إلى زيادة بيان؟ .
فأجاب بقوله: أما سفيان الذي روى عنه عبد الرزاق، فهو الثوري؛ لأنه أخص به من ابن عيينة، ولأنه إذا روى عن ابن عيينة ينسبه، وإذا روى عن الثوري فتارة ينسبه وتارة لا ينسبه، وحين لا ينسبه إما يكتفي بكونه روى له عن شيخ لم يرو عنه ابن عيينة، فيكتفي بذلك تمييزاً، وهو الأكثر، وإما يكتفي بشهرته واختصاصه به.
وهذه القاعدة جارية في غالب من يروي عن سميَّين أو يروي عنه سميّان (2) .(3/272)
وقال الحافظ ابن حجر في أحد روايات وكيع عند البخاري عن سفيان مهملاً: سفيان هو الثوري؛ لأن وكيعاً مشهور بالرواية عنه، ولو كان ابن عيينة لنسبه؛ لأن القاعدة في كل من روى عن مُتَفقي الاسم أن يحمل من أهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه، كما قدمناه قبل هذا، وهكذا نقول هنا؛ لأن وكيعاً قليل الرواية عن ابن عيينة بخلاف الثوري (1) .
وقال الحافظ أيضاً: إن أبا نعيم مشهور بالرواية عن الثوري، معروف بملازمته، وروايته عن ابن عيينة قليلة، وإذا أطلق اسم شيخه حُمل على من هو أشهر بصحبته، وروايته عنه أكثر … وهذه قاعدة مطردة عند المحدثين في مثل هذا … الخ (2) .
وقال الحافظ أيضاً: المهمل إنما يُحمل على من يكون لمن أهمله به اختصاص (3) .
وقال أيضاً: القاعدة في المتفق إذا وقع مهملاً أن يُحمل على من للراوي عنه اختصاص (4) ، كما ذكره الخطيب في كتابه «المكمل في بيان المهمل» (5) .
وقال أيضاً في رواية لأبي نعيم عن سفيان: أبو نعيم وإن كان روى عن سفيان بن عيينة، لكنه إذا روى عنه ينسبه وإذا روى عن الثوري ينسبه تارة ولا ينسبه أخرى، فإذا لم ينسب سفيان فهو الثوري؛ لأن الإطلاق ينصرف إلى من يكون المطلق أشد له ملازمة وأكثر عنه رواية، وأبو نعيم معروف بالرواية عن الثوري، قليل الرواية عن ابن عيينة (6) .
ب أو يكون عُرف من عادة أحد الرواة أنه إذا أطلق اسم شيخه مهملاً فيعني به أحدهما دون الآخر. ويُعرف هذا بالاستقراء أو بتصريح من الراوي نفسه.
ومثاله ما ذكره الرامهرمزي وغيره في الحمادين.
قال الرامهرمزي: إذا قال عارم: حدثنا حماد، فهو حماد بن زيد، وكذلك سليمان بن حرب، وإذا قال التبوذكي: حدثنا حماد فهو حماد بن سلمة، وكذلك الحجاج بن منهال. وإذا قال عفان: حدثنا حماد، أمكن أن يكون أحدهما (7) .
وروى الذهلي عن عفان، قال: إذا قلت لكم: حدثنا حماد، ولم أنسبه فهو ابن سلمة (8) .(3/273)
وقال المزي: إلا أن عفان لا يروي عن حماد بن زيد إلا وينسبه في روايته عنه، وقد يروي عن حماد بن سلمة فلا ينسبه، وكذلك حجاج بن منهال، وهُدْبَة بن خالد، وأما سليمان بن حرب فعلى العكس من ذلك، وكذلك عارم (1) .
وسئل المزي عن قول النسائي في مواضع: أخبرنا محمد بن منصور، أخبرنا سفيان، عن الزهري، وللنسائي شيخان كلٌ منهما محمد بن منصور، ويروي عن ابن عيينة، أحدهما أبو عبد الله الجواّز، والثاني أبو جعفر الطوسي العابد، فمن الذي عناه النسائي منهما؟.
فأجاب بقوله: أما محمد بن منصور الذي يروي عنه النسائي ولا ينسبه، فهو المكي، لا الطوسي، وقد روى النسائي عن الطوسي عن أبي المنذر إسماعيل بن عمر، والحسن بن موسى الأشيب، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، وينسبه في عامة ذلك ولا أعلمه روى عنه عن ابن عيينة شيئاً (2) .
وقال الحاكم: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وأبو إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني، وأبو إسحاق إسماعيل بن رجاء الزبيدي، وأبو إسحاق إبراهيم بن مسلم الهجري، قد رووا كلهم عن عبد الله بن أبي أوفى، وقد روى عنهم الثوري وشعبة. وينبغي لصاحب الحديث أن يعرف الغالب على روايات كل منهم، فيتميز حديث هذا من ذلك. والسبيل إلى معرفته أن الثوري وشعبة إذا رويا عن أبي إسحاق السبيعي لا يزيدان على أبي إسحاق فقط … وإذا رويا عن أبي إسحاق الشيباني فإنهما يذكران الشيباني في أكثر الروايات… وأما الزبيدي فإنهما في أكثر الروايات يسميانه ولا يُكنّيانه، إنما يقولان: إسماعيل بن رجاء … الخ (3) .
وقال الجياني – بعد ذكره لإخراج البخاري عن إسحاق مهملاً - قال: والأشبه عندي أنه إسحاق بن منصور فإن البخاري إذا حدّث عنه كثيراً ما يبهمه ولا ينسبه (4) .
وأخرج الجياني عن ابن السكن قال: (كل ما في كتاب البخاري مما يقول فيه: «حدثنا محمد قال: حدثنا عبد الله» فهو محمد بن مقاتل المروزي عن عبد الله بن المبارك.(3/274)
وما كان فيه «حدثنا محمد» عن أهل العراق، مثل: أبي معاوية، وعبدة، ويزيد بن هارون، ومروان الفزاري. فهو محمد بن سلام البيكندي.
وما كان فيه: «حدثنا عبد الله» غير منسوب، فهو عبد الله بن محمد الجعفي المسندي، وهو مولى البخاري من فوق.
وما كان فيه: «عن يحيى» غير منسوب، فهو يحيى بن موسى البلخي المعروف بخَتّ.
وسائر شيوخه فقد نسبهم، غير أصحاب ابن المبارك، فهم جماعة.
وما كان فيه: «عن إسحاق» غير منسوب، فهو إسحاق بن راهويه) انتهى (1) .
وقال الحافظ ابن حجر: ومن عادة البخاري إذا أطلق الرواية عن علي، إنما يقصد به علي بن المديني (2) .
وقال الحافظ أيضاً: تقرر أن البخاري حيث يطلق محمد لا يريد إلا الذهلي، أو ابن سلام، ويُعرف تعيين أحدهما من معرفة من يروي عنه (3) .
وفي سؤال للحافظ ابن حجر عن رواية للبخاري عن عبد الله بن محمد، قال: وقول الشيخ في عبد الله بن محمد: إنه المسندي، صواب. وقوله في مواضع أخرى: إنه ابن أبي شيبة، لا يظهر، بل الظاهر أن الصواب اطراد صنيع البخاري في ذلك، فحيث يطلق عبد الله بن محمد، فهو المسندي. وقد عُثِر على أنه إذا روى عن ابن أبي شيبة لا يسمي أباه، بل يقول: عبد الله بن أبي شيبة… وقد جزم المزي في عدة أحاديث يقول فيها البخاري: «حدثنا محمد بن عبد الله» بأنه الجعفي وهو المسندي، ولم يقل في واحد منها أنه ابن أبي شيبة، وكذا صنع أبو نعيم في مستخرجه (4) .
وقال الحافظ أيضاً: والذي استقريته أن البخاري إذا أطلق محمد بن يوسف لا يريد إلا الفريابي… وإذا روى عن محمد بن يوسف البيكندي نسبه (5) .
ج أن يكون بين تلميذ هذا الراوي المهمل وبين شيخه صلة قرابة ونسب.
وهذا لم أر من نص عليه، ولكن عادة تُحمل رواية الراوي عن قريبه أكثر من غيره لما بينهما من الصلة والتي عادة تكون أكثر من غيره، إلا إن وُجِدت قرينة تدل على خلافه.(3/275)
ومثاله رواية عمار بن محمد ابن أخت سفيان الثوري، لو وجد له رواية عن ابن عيينة أيضاً، فتُحمل روايته عن سفيان مهملاً إذا عُدمت المرجحات الأخرى على أنه يعني الثوري.
4- عن طريق معرفة أوطان الرواة.
فرواية الراوي عن أهل بلده عادة أكثر من غيرهم.
ومثاله: إذا روى أحد الرواة عن سفيان مهملاً، وكان هذا الراوي من أهل مكة مثلاً، ولم يكن هناك ثمة مرجحات أخرى فيترجح أنه يعني ابن عيينة.
قال السخاوي في بيانه لطرق التمييز بين المهملين: أو بكونه كما أشير إليه في معرفة أوطان الرواة بلدي شيخه أو الراوي عنه، إن لم يُعرف بالرحلة، فإن ذلك وبالذي قبله يغلب على الظن بتبيين المهمل (1) .
وقال سلمة بن سليمان: إذا قيل عبد الله بمكة فهو ابن الزبير، أو بالمدينة فابن عمر، أو بالكوفة فابن مسعود أو بالبصرة فابن عباس، أو بخراسان فابن المبارك (2) .
وقد يكون الراوي معروفاً بالرواية عن أهل بلد دون غيرهم، وإن لم يكن هو من أهل ذلك البلد.
قال أبو الوليد الباجي – عند ذكره لرواية محمد بن أبان عند البخاري، وكان شيخه من البصريين – قال: والأظهر عندي أن المذكور في جامع البخاري هو الواسطي، ومحمد ابن أبان البلخي يروي عن الكوفيين …، والواسطي يروي عن البصريين (3) .
5- عن طريق معرفة طبقة الراوي، وتاريخ ولادته ووفاته.
فرواية الراوي عادة أكثر ما تكون عن شيوخه الكبار، وقد يروي عن صغار شيوخه، وأحياناً يروي عن أقرانه وقد يروي في حالات عن تلميذه ومن في طبقته.
فمعرفة طبقة الرواة عن هذا المهمل ضروري لمعرفته.
قال الرامهرمزي: حماد بن سلمة وحماد بن زيد، رويا عن ثابت، وداو د، وأيوب، والتيمي، وروى عنهما أهل عصر سنة ثلاثين، وابن سلمة أكبر وأقدم؛ مات حماد بن سلمة في ذي الحجة سنة سبع وستين ومائة، ومات حماد بن زيد في شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومائة (4) .(3/276)
وقال الذهبي: ويقع هذا الاشتراك سواء في السفيانين، فأصحاب سفيان الثوري كبار قدماء، وأصحاب ابن عيينة صغار لم يدركوا الثوري، وذلك أبين، فمتى رأيت القديم قد روى، فقال: حدثنا سفيان، وأبهم، فهو الثوري، وهم: كوكيع وابن مهدي، والفريابي، وأبي نعيم. فإن روى واحد منهم عن ابن عيينة بينه، فأما الذي لم يلحق الثوري، وأدرك ابن عيينة فلا يحتاج أن ينسبه لعدم الالتباس، فعليك بمعرفة طبقات الناس (1) .
6- عن طريق النظر في كيفية تحديث الراوي المهمل عن شيخه.
ويتضمن هذا عدة صور:
أ – فقد يكون من عادة الراوي المهمل استخدام صيغة واحدة من صيغ التحديث، لا يستعمل غيرها.
وقد عُرف عن بعض الرواة أنهم يقتصرون على صيغة واحدة فقط، فلو وجدنا أحد المهملين ذكر صيغة أخرى لترجح أنه غير الأول، وهكذا.
ففي الحمادين مثلاً، عُرف أن من عادة حماد بن سلمة أنه يقول: أخبرنا، ولا يقول: حدثنا.
فلو وجدنا رواية لحماد مهملاً، وكانت صيغة التحديث: «حدثنا» ولم نجد مرجحات أخرى، لترجح أن حماد هو ابن زيد لأن ابن سلمة لا يقول هذه الصيغة في الغالب.
وقد كانت هذه عادة عدد من الأئمة، أنهم كانوا يقولون: أخبرنا، ولا يقولون: حدثنا.
قال الخطيب: وكان حماد بن سلمة، وهشيم بن بشير، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرزاق بن همام، ويزيد بن هارون ويحيى بن يحيى النيسابوري، وإسحاق بن راهويه، وعمرو بن عون، وأبو مسعود أحمد بن الفرات، ومحمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس، يقولون في غالب حديثهم الذي يروونه: «أخبرنا» ، ولا يكادون يقولون: «حدثنا» (2) .
وقال نعيم بن حماد: ما رأيت ابن المبارك يقول قط: «حدثنا» ، كأنه يرى «أخبرنا» أوسع (3) . وقال أبو حاتم: لم أسمع عبيد الله بن موسى يقول: «حدثنا» ، كان يقول: «أخبرنا» (4) .
ولذا فقد طبق هذه القاعدة الحافظ ابن حجر على كثير من الرواة المهملين.(3/277)
فقد أخرج البخاري حديثاً، فقال فيه: حدثنا إسحاق، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم (1) .
قال الحافظ ابن حجر: إسحاق، هو ابن إبراهيم، المعروف بابن راهويه، وإنما جزمت بذلك مع تجويز أبي علي الجياني أن يكون هو، أو إسحاق بن منصور؛ لتعبيره بقوله: «أخبرنا يعقوب بن إبراهيم» ، لأن هذه العبارة يعتمدها إسحاق بن راهويه، كما عُرف بالاستقراء من عادته أنه لا يقول إلا: «أخبرنا» ولا يقول: «حدثنا» ، وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من مسند إسحاق بن راهويه، وقال: أخرجه البخاري عن إسحاق انتهى (2) .
وأخرج البخاري حديثاً آخر، وقال فيه: حدثنا إسحاق، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم (3) .
فقال الحافظ ابن حجر: التعبير بالإخبار قرينة في كون إسحاق هو ابن راهويه؛ لأنه لا يُعبر عن شيوخه إلا بذلك (4) .
وأخرج البخاري عن إسحاق قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم (5) .
فقال الحافظ ابن حجر: إسحاق نسبه الأصيلي وابن السكن: «ابن منصور» ، وقد أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن يعقوب أيضاً، ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج، لكن يرجح كونه «ابن منصور» أن ابن راهويه لا يُعبر عن مشايخه إلا بصيغة: «أخبرنا» (6) .
وقال البخاري: حدثني إسحاق، حدثنا عبد الصمد (7) .
قال الحافظ ابن حجر: إسحاق، هو ابن منصور، وتردد أبو علي الجياني بينه وبين إسحاق بن راهويه، وإنما جزمت به لقوله: «حدثنا عبد الصمد» فإن إسحاق لا يقول إلا «أخبرنا» (8) .
وأخرج البخاري حديثاً فقال: حدثنا محمد، أنبأنا أبو معاوية (9) .
فرجح الحافظ ابن حجر أنه محمد بن سلام، وقال: ويؤيده أنه عبر بقوله «أنبأنا أبو معاوية» ، ولو كان ابن المثنى لقال: «حدثنا» لما عُرف من عادة كل منهما (10) .
وبنحو ما تقدم سار الحافظ على هذا الترجيح في عدد من المواضع في الفتح (11) .(3/278)
وقال الحافظ أيضاً: إن إسحاق إذا جاء في البخاري غير منسوب احتمل أن يكون ابن منصور، واحتمل أن يكون ابن راهويه، ويتميز بأن يُنظر في الصيغة، فإن كانت «أخبرنا» تعين أن يكون ابن راهويه، وإلا فهو ابن منصور، فقد أورد البخاري عن إسحاق بن إبراهيم عن يعقوب بن إبراهيم عدة أحاديث، ومعبراً بصيغة أخبرنا، وينسب إسحاق فيها فُيحمل ما أطلقه عليه، مع قرينة الإتيان بصيغة أخبرنا (1) .
ب – وقد يُعرف عن بعض المحدثين – ممن قد يرد مهملاً – أنهم إذا رووا عن الضعفاء فإنهم لا يذكرونهم بأسمائهم المشهورة، وإنما بكناهم، أو العكس، فإن كان مشهوراً بكنيته ذكره باسمه، لكي لا يُعرف.
فلو اشتبه علينا تحديد أحد المهملين، وكان أحدهما ممن يكني في روايته عن الضعفاء، وأما الآخر فلا، ووجدنا هذا المهمل يروي عن هذا الضعيف باسمه الصريح، لترجح لدينا أنه الآخر الذي لا يكني في روايته عن الضعفاء، وهكذا.
وينطبق هذا على السفيانين، فقد عُرف عن الثوري أنه إذا حدّث عن الضعفاء كنّاهم.
قال الحاكم: مذهب سفيان بن سعيد أن يُكني المجروحين من المحدثين إذا روى عنهم، مثل: بَحر السّقّاء، فيقول: حدثنا أبو الفضل، والصلت بن دينار، يقول: حدثنا أبو شعيب، والكلبي، يقول: حدثنا أبو النضر، وسليمان بن أرقم، يقول: حدثنا أبو معاذ (2) .
وقال يعقوب بن سفيان عن عبيدة بن معتب الضبي: وحديثه لا يسوى شيئاً، وكان الثوري إذا حدّث عنه كنّاه، قال أبو عبد الكريم: ولا يكاد سفيان يُكني رجلاً إلا وفيه ضعف، يكره أن يُظهر اسمه فينفر منه الناس (3) .
وقال يعقوب بن سفيان: سليمان بن قسيم أبو الصباح ضعيف، وكان سفيان يكنيه لكي يدلسه؛ قال: حدثني أبو الصباح بن قسيم (4) .
وقال البخاري: حبيب بن أبي الأشرس … كان الثوري يروي عنه ولا ينسبه (5) .
قلت: وحبيب هذا قال عنه البخاري: منكر الحديث (6) .(3/279)
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن محمد الطنافسي، قال: سألت وكيعاً عن حديث من حديث ليث بن أبي سليم، فقال: كان سفيان لا يُسمي ليثاً (1) .
قلت: يعني أنه يذكره بكنيته؛ لأنه ضعيف (2) .
وقال شعبة: إذا حدثكم سفيان عن رجل لا تعرفوه فلا تكتبوا؛ فإنما يحدثكم عن مثل أبي شعيب المجنون (3) .
وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن الصلت بن دينار، فقال: ترك الناس حديثه، متروك، ونهاني أن أكتب من حديثه شيئاً، وقال: سفيان الثوري يكنيه أبا شعيب (4) .
وقال الآجري: سألت أبا داود عن عبد القدوس الشامي، فقال: ليس بشيء، وابنه شرٌ منه، روى عنه سفيان الثوري فقال: حدثنا أبو سعيد (5) .
وقال عمرو بن علي: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن الحسن بن دينار، وكان سفيان الثوري يقول: أبو سعيد السليطي (6) .
وقال عمرو بن علي: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وكان سفيان إذا حدث عنه قال: حدثنا أبو عباد (7) .
ونقل الزركشي في كلامه عن التدليس عن ابن السمعاني قال: ومنه (يعني التدليس) تغيير الأسامي بالكنى، والكنى بالأسامي لئلا يُعرفوا، وقد فعله سفيان الثوري (8) .
وروى البيهقي في المدخل عن محمد بن رافع، قال: قلت لأبي عامر: كان الثوري يُدلس؟ قال: لا. قلت: أليس إذا دخل كورة يعلم أن أهلها لا يكتبون حديث رجل، قال: حدثني رجل. وإذا عُرف الرجل بالاسم كنّاه، وإذا عُرف بالكنية سمّاه؟ قال: هذا تزيين ليس بتدليس (9) .
وقال الذهبي في ترجمة الثوري: وكان يُدلس في روايته، وربما دلّس عن الضعفاء، وكان سفيان ابن عيينة مُدلساً ولكن ما عُرف له تدليس عن ضعيف (10) .(3/280)
وبناءً على ما تقدم فلو وجدنا رواية ذُكر فيها سفيان مهملاً، وكانت هذه الرواية عن أحد المجروحين ممن اشترك الثوري وابن عيينة في الرواية عنهم، وعُدمت المرجحات الأخرى، فحينئذ يمكننا الترجيح بالنظر في تسمية شيخهما، فإن كان ذُكر باسمه ترجح أن سفيان هو ابن عيينة، وإن وجدناه مذكوراً بكنيته فيترجح هنا أن سفيان هو الثوري، وهكذا.
ج – وقد يُعرف عن أحد الرواة المهملين أنه مختص بأحد شيوخه ممن اشترك هو وغيره في الرواية عنهم.
فهنا يحمل هذا الراوي المهمل على من كان له اختصاص بهذا الشيخ.
ومثاله: إذا وجدنا رواية لسفيان مهملاً، واتحد الراوي عنهما، وكان شيخ سفيان هو عمرو بن دينار مثلاً وهو من شيوخهما معاً، وعُدمت المرجحات الأخرى. فهنا نُرجح أن سفيان هو ابن عيينة؛ لأن ابن عيينة مشهور بالرواية عن عمرو، ومعدود من أخص أصحابه به، دون الثوري.
د- ومنها أن يُعرف عن الراوي المهمل أنه مثلاً لا يملي الحديث، أو أنه أملى أحاديث معدودة، أو لإناس محدودين كما كان يفعل سفيان الثوري.
قال ابن معين: كان سفيان الثوري لا يملي الحديث، إنما أملى عليهم حديثين؛ حديث الدجال، وحديث خطبة ابن مسعود. قيل له: فأهل اليمن؟ قال: قد أملى على أهل اليمن؛ كانوا عنده ضعافاً فأملى عليهم (1) .
ويمكننا الاستفادة من النص السابق فيما لو وجدنا حديثاً، ورد فيه اسم سفيان مهملاً، ولم يترجح لنا تحديد أي السفيانين هو، ووجدنا الراوي عن سفيان يقول: حدثنا سفيان إملاءً، فإن كان هذا الراوي من غير أهل اليمن، ولم يكن الحديث من الحديثين المذكورين، فهنا يترجح أن سفيان هو ابن عيينة، لأن الثوري لم يكن من عادته إملاء الحديث، وهكذا.
هـ – وقد يُعرف عن بعض المحدثين أنهم إذا كان الراوي مشهوراً بلقب، وكان لا يرضاه فإنهم لا يسمونه به وإن اشتهر به. ومن هؤلاء سفيان الثوري.(3/281)
قال الحاكم عند كلامه على الألقاب: إن فيهم – يعني المحدثين – جماعة لا يُعرفون إلا بها، ثم منهم جماعة غلبت عليهم الألقاب وأظهروا الكراهية لها، فكان سفيان الثوري إذا روى عن مسلم البَطين يجمع يديه ويقول: مسلم، ولا يقول: البطين (1) .
وعلى هذا فلو وجدنا رواية لسفيان مهملاً وكانت عن مسلم البطين، ووجدنا اسم مسلم مقروناً بلقبه، فهنا يغلب على الظن أن سفيان هو ابن عيينة؛ لأن الثوري عُرف عنه أنه لا يذكره بلقبه.
و وقد يُعرف عن أحد الرواة – ممن قد يرد مهملاً – أنه لا يُحدِّث أهل البدع، أو لا يروي عنهم، ونحو ذلك، فهذا أيضاً يفيد في تحديد الراوي المهمل أحياناً.
وممن عُرف عنه أنه امتنع عن الرواية عن المبتدعة، ومنع الرواية عنهم: الإمام مالك، وابن عيينة، والحميدي وغيرهم (2) .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا صالح، حدثنا علي، قال: سمعت سفيان – يعني ابن عيينة – وسئل عن عبد الرحمن بن إسحاق فقال: عبد الرحمن بن إسحاق كان قدرياً، فنفاه أهل المدينة، فجاءنا هاهنا فلم نجالسه (3) .
وأخرج الخطيب من طريق سويد بن سعيد قال: قيل لسفيان بن عيينة: لم أقللت الرواية عن سعيد بن أبي عروبة؟ قال: وكيف لا أقل الرواية عنه وسمعته يقول: هو رأيي ورأي الحسن ورأي قتادة، يعني القدر (4) .
وأخرج العقيلي عن ابن عيينة أنه قال: كان الفضل بن عيسى الرقاشي قدرياً، وكان أهلاً أن لا يُروى عنه (5) .
وفي المقابل ذُكر أن الثوري ممن ذهب إلى قبول أخبار أهل الأهواء الذين لا يُعرف منهم استحلال الكذب (6) .
وعلى هذا فلو وجدنا رواية لسفيان مهملاً، وعُدمت المرجحات الأخرى، ثم وجدنا شيخ سفيان من أهل البدع، فحينئذ يمكن أن نقول أن سفيان هنا هو الثوري؛ لأن ابن عيينة عُرف عنه أنه امتنع من الرواية عن المبتدعة.
ز- وقد يُعرف عن الراوي المهمل أنه لم يرو عن شيخ من شيوخه إلا أحاديث معدودة، أو محددة.(3/282)
كأن نعرف أن الثوري مثلاً لم يرو عن أحد شيوخه – ممن اشترك مع ابن عيينة في الرواية عنهم – إلا حديثاً واحداً فهنا يُحمل سفيان إذا ورد مهملاً على أنه ابن عيينة.
ومن النصوص التي وقفت عليها في ذلك وكان الشيخ ممن اشتركا في الرواية عنه ما يلي:
قال أحمد بن محمد الصفار: قال سفيان بن عيينة: لم أسمع من زياد بن علاقة إلا هذه الأربعة أحاديث، ثم حدث بحديث جرير: «بايعت النبي (على النصح» ، وحديث المغيرة: «قام النبي (حتى تورمت قدماه» ، وحديث زياد بن علاقة عن عمه قطبة بن مالك: «صليت خلف النبي (الفجر» ، وحديث أسامة بن شريك: حضرت الأعراب رسول الله (فجعلوا يسألونه فقال: «لا حرج» (1) .
فمن خلال النص السابق لو وجدنا رواية لسفيان مهملاً، وكان شيخه فيها زياد بن علاقة، فحينئذ ننظر في الحديث فإن كان من هذه الأربعة المذكورة، احتمل أن يكون ابن عيينة، وإن كان غيرها ترجح أنه الثوري، وهكذا.
وقال الإمام أحمد: لم يسمع سفيان – يعني ابن عيينة – من خالد بن سلمة إلا هذا الحديث، وذكره (2) .
وخالد بن سلمة من المذكورين في شيوخهما معاً، فلو وجدنا رواية لسفيان عن خالد، ولم يتبين لنا من هو سفيان فنرجح أنه الثوري، إلا أن يكون الحديث هو نفس الحديث المذكور.
ح – وقد يعرف عن أحد الرواة أنه لا يحدث بحضرة الآخر ممن يشاركه في الاسم.
ومثاله ما أخرجه غير واحد عن الحسن بن قتيبة قال: قال سفيان الثوري لسفيان بن عيينة: مالك لا تُحدث؟ فقال: أما وأنت حيّ فلا (3) .
فهنا لو وجدنا رواية لسفيان مهملاً، وعدمنا المرجحات الأخرى، وتبين لنا أن الراوي روى هذه الرواية بوجود السفيانين معاً، لرجحنا أن المراد هو الثوري، للنص المتقدم.
7- عن طريق النظر في الأسانيد القريبة من هذا الإسناد الوارد فيه هذا المهمل.(3/283)
فقد يرد فيها منسوباً. كأن يسوق أحد المصنفين إسناداً من الأسانيد، ويرد فيه من رواية راوٍ ما عن سفيان مهملاً ثم يسوق بعده إسناداً آخر، وفيه نفس الراوي السابق، لكنه أورد اسم سفيان منسوباً، فهنا يحمل سفيان الوارد في الإسناد الأول على أنه هو المنسوب في الإسناد الثاني، وخاصة لو جاء شيخ سفيان في الإسنادين واحداً.
وقد استدل بهذه الطريقة على تعيين المهمل غير واحد من العلماء:
فقد أورد الحافظ الجياني روايتين للبخاري عن محمد عن سريج بن النعمان، ثم أورد رواية ثالثة قال البخاري فيها: محمد بن رافع عن سريج بن النعمان.
فقال الجياني: والأشبه عندي أن يُحمل ما أهمل البخاري من نسبة محمد في الحديثين المتقدمين على ما بيّن في الموضع الثالث، فنقول: إن محمداً هذا هو ابن رافع النيسابوري، لا سيما والأحاديث الثلاثة من نسخة واحدة… وهي كلها في معنى الحج (1) .
وفي موضع آخر ذكر رواية البخاري عن محمد عن عبد الأعلى.
فقال الجياني: ولعله محمد بن المثنى الزمن؛ فقد قال بعد هذا بيسير: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى … الخ (2) .
وعندما روى النخشبي حديثاً في تخريجه لفوائد الحنائي، جاء فيه رواية سعيد اللخمي عن حماد عن عمرو بن دينار وذكر حديثاً.
فقال النخشبي: هكذا رواه حماد بن سلمة، وفي الأصل: «حماد» غير منسوب، وإنما عرفنا أنه حماد بن سلمة. لا حماد بن زيد؛ لأن قبله حديثاً عن سعيد عن حماد عن سماك، ولم يرو حماد بن زيد عن سماك، وإنما روى عنه حماد بن سلمة، وبعده حديث آخر عن سعيد عن حماد عن قيس بن سعد المدني. وحماد بن سلمة هو الذي روى عن قيس بن سعد المدني، دون حماد بن زيد، على أن الحديث مشهور عن حماد بن زيد ... الخ (3) .(3/284)
وقال الحافظ ابن حجر في ترجيحه لنسبة أحد الرواة: ومما يدل على أنه هو أن البخاري قال في باب صلاة القاعد: «حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا روح بن عبادة» ، وقال بعده سواء: «وحدثنا إسحاق، حدثنا عبد الصمد» ، فهذه قرينة في أنه هو ابن منصور (1) .
8 – عن طريق تخريج طرق الحديث.
فقد يرد هذا المهمل في بعض طرق الحديث منسوباً.
قال السخاوي: ويزول الإشكال عند أهل المعرفة بالنظر في الروايات، فكثيراً ما يأتي مميزاً في بعضها (2) .
ويترجح تعيين الراوي المهمل عن طريق التخريج إذا جاء من رواية الراوي عنه في إسناد آخر منسوباً، فهنا يترجح أن يكون هو، وأما إن جاء من رواية راوٍ آخر عن هذا المهمل، فهنا لا يصلح الترجيح؛ لاحتمال أن يكون الراوي الآخر قد رواه أيضاً.
ومثاله: لو وجدنا رواية لسفيان مهملاً، وكان الراوي عنه أبو نعيم مثلاً، ثم وجدنا رواية أخرى لأبي نعيم وصرح فيها بتسمية سفيان وأنه الثوري، فهذه قرينة قوية في أن سفيان الوارد في الإسناد الأول هو الثوري، وأما إن وجدنا رواية أخرى وذكر اسم سفيان منسوباً، ولم تكن من رواية أبي نعيم، فهنا لا يصلح الترجيح؛ لاحتمال أن يكون ابن عيينة رواه أيضاً.
ولكن إن وجدنا أكثر طرق الحديث ذُكر فيها اسم سفيان منسوباً، ووجدنا طريقاً واحداً فقط ذكر فيه مهملاً، فهنا قد نرجح بأنه هو الوارد منسوباً في الطرق الأخرى، ولكن لا نجزم بهذا.
وقد يبقى الإشكال، أو يزداد؛ إذا تبين أن كلا الراويين يرويان الحديث نفسه.
9- وإذا لم يتضح المراد من الطرق السابقة جميعاً، فهنا يُحمل الأمر على الأقدم منهما والأشهر.
ففي السفيانين، يحمل على أنه الثوري، وفي الحمادين يحمل على أنه ابن سلمة.
وذلك ما يفهم من إطلاقات المحدثين، فدائماً ما يطلقون سفيان مهملاً، ويعنون به الثوري (3) .
وإلى هذا أشار الذهبي في كلامه عن الحمادين.(3/285)
قال الذهبي: فإن عري السند من القرائن – وذلك قليل – لم نقطع به أنه ابن زيد، ولا ابن سلمة، بل نتوقف، أو نقدره ابن سلمة (1) .
فقوله: «ونقدره ابن سلمة» ، دلالة على أنه هو المراد إذا أطلق غالباً، والله أعلم.
وقال الحافظ ابن حجر في أحد روايات البخاري عن علي: الأرجح أنه ابن المديني؛ لأن العادة أن الإطلاق إنما ينصرف لمن يكون أشهر، وابن المديني أشهر من اللبقي (2) .
وسئل المزي عن عمرو بن خالد، الذي ذكره مسلم في مقدمة صحيحه، هل هو الواسطي، أو الأعشى؟ .
فأجاب بقوله: أما عمرو بن خالد الذي ذكره مسلم في مقدمة كتابه، فهو الواسطي؛ لأنه المشهور دون الأعشى، وقد ذكره مسلم في معرض ضرب المثل، وإنما يُضرب المثل بالمشهور دون المغمور (3) .
10- ومما ينبغي التنبيه إليه إنه قد يهمل نسب الراوي إذا كان يؤمن أن يلتبس بغيره.
كأن يكون مشهوراً وليس في طبقته من يوافق اسمه وشهرته، أو يكون اسمه فرداً، أو نحو ذلك.
قال الخطيب: جماعة من المحدثين يُقتصر في الرواية عنهم على ذكر أسمائهم دون أنسابهم؛ إذا كان أمرهم لا يُشكل. ومنزلتهم من العلم لا تُجهل، فمنهم: أيوب بن أبي تميمة السختياني، ويونس بن عبيد، وسعيد بن أبي عروبة وهشام بن أبي عبد الله، ومالك بن أنس، وليث بن سعد، ونحوهم من أهل طبقتهم. وأما ممن كان بعدهم، فعبد الله بن المبارك يروي عنه عامة أصحابه فيسمونه، ولا ينسبونه.
وقال أيضاً: وربما لم يُنسب المحدث إذا كان اسمه مفرداً عن أهل طبقته؛ لحصول الأمان من دخول الوهم في تسميته وذلك مثل: قتادة بن دعامة السدوسي، ومسعر بن كدام الهلالي…، وهكذا من كان مشهوراً بنسبته إلى أبيه، أو قبيلته، فقد اكتفى في كثير من الروايات عنه بذكر ما اشتهر به، وإن لم يُسم هو فيه، وذلك نحو الرواية عن ابن عون، وابن جريج وابن لهيعة…، وكنحو الرواية عن الشعبي، والنخعي، والزهري ... الخ (4) .(3/286)
هذا ما تيسر لي جمعه وتحريره في بيان هذه القواعد والوسائل، أرجو أن أكون قد وفقت في عرضها وتوضيحها، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
• • •
خاتمة البحث:
وفي ختام هذا البحث أحمد الله عز وجل أن هيأ لي إتمامه على هذا الوجه، وأسأله أن يكون فيه فائدة لي وللمشتغلين بعلوم السنة النبوية، وأن تكون النتائج التي توصلت إليها صائبة أو قريبة من الصواب، كما أسأله عز وجل أن ينفعني به في الدنيا والآخرة.
ويحسن بي في نهاية المطاف أن أسجل أهم نتائج هذا البحث، ومنها ما يلي:
إن تمييز وتعيين الراوي المهمل أمر ليس باليسير، وقد يأخذ من الباحث وقتاً طويلاً، وقد حاولت في هذا البحث أن أبين بعض القواعد التي تعين على تيسير هذا الأمر قدر الإمكان.
إن الراوي المهمل إذا ذكر فإنما ينصرف إلى الأشهر غالباً، فإذا أطلق سفيان فيراد به الثوري، وإذا أطلق حماد فيراد به ابن سلمة، وهكذا، وهذا ما يُفهم من صنيع كثير من الأئمة.
إن الراوي إذا أطلق اسم شيخه مهملاً، فينصرف إلى من له به اختصاص وملازمة.
إنه يمكن تعيين الراوي المهمل أحياناً بالنظر في صيغة تحديثه، حيث عرف عن بعض الأئمة ممن قد يردون مهملين أنهم يقتصرون على صيغة واحدة دون غيرها.
إن الثوري إذا حدث عن الضعفاء فلا يذكرهم بأسمائهم وإنما بكناهم.
إلى غير ذلك من الوسائل والقواعد المذكورة في ثنايا البحث.
هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحواشي والتعليقات
() وقد كتب فيهما بحثاً طويلاً بعنوان «تمييز السفيانين عند ورودهما في الروايات مهملين» لعل الله أن ييسر نشره قريباً.
(2) ذكره له غير واحد من العلماء، انظر المعجم المفهرس ص156، المجمع المؤسس 2/308، صلة الخلف ص410.(3/287)
(3) ذكر الشيخ الألباني – رحمه الله – في فهرس الظاهرية ص268، ضمن مؤلفات الخطيب: «قطعة في ما أبهم من الأسماء» ثم علق عليها بقوله: للمؤلف كتاب المكمل في بيان المهمل … فأنا أظن هذه القطعة من مختصر هذا الكتاب. والله أعلم.
قلت: ذكر الشيخ أن القطعة في ما أبهم من الأسماء، وليس ما أهمل، والخطيب له مؤلف في المبهمات، وستأتي الإشارة إليه، ولعل هذه القطعة منه، والله أعلم.
(4) وقد حقق هذا الباب بخصوصه فضيلة الشيخ د. عبد الله بن حمود التويجري في رسالته للماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
كما طبع هذا الباب مستقلاً باسم: «التعريف بشيوخ حدّث عنهم محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه وأهمل أنسابهم وذكر ما يُعرفون به من قبائلهم وبلدانهم» بتحقيق محمد السعيد زغلول.
ثم طبع هذا الباب أيضاً في المغرب، وصدر عن وزارة الأوقاف المغربية في مجلدين.
أما بقية الكتاب فقد حققه مجموعة من الباحثين في جامعة الإمام، وجامعة الملك سعود كرسائل ماجستير، ولم يطبع منها شيء حتى الآن، سوى جزء واحد، وهو المطبوع باسم: «التنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيحين من قبل الرواة قسم البخاري» ، وهو بتحقيق محمد صادق آيدن، وصدر عن دار اللواء بالرياض.
(5) وهذا الكتاب مطبوع في آخر كتاب الخطيب المتقدم، وإنما ذكرت ذلك لأني قد وجدت بعض طلبة العلم يظن أنه لا زال مخطوطاً.
(6) انظر: المحدث الفاصل (ص279) ، وما بعدها، علوم الحديث لابن الصلاح (ص328) ، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/72، إرشاد طلاب الحقائق 2/738، التقريب والتيسير للنووي (ص99) ، تهذيب الكمال 7/269، سير أعلام النبلاء 7/464، المقنع في علوم الحديث 2/621، فتح المغيث 3/255، تدريب الراوي 2/830.
(7) المحدث الفاصل ص 285، رقم (87) .
وما ذكره أبو طالب ليس بصحيح، وقد فصلت ذلك في بحث لي بعنوان: «تمييز السفيانين عند ورودهما في الروايات مهملين» في ترجمة الوليد بن مسلم.(3/288)
(8) انظر طبقات الشافعية للسبكي 10/406، 407.
(9) فتح الباري 1/246، حديث رقم (111) .
(10) فتح الباري 10/87، حديث رقم (5617) .
(11) فتح الباري 13/312، حديث رقم (7317) .
(12) وقع في المطبوع: «على من الراوي عنه باختصاص» ولعل الصواب ما أثبته، والمطبوعة كثيرة الأخطاء.
(13) الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة ص55.
(14) الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة ص56.
(15) المحدث الفاصل ص284، رقم (84) .
(16) تدريب الراوي 2/830.
(17) تهذيب الكمال 7/269، ونقله الذهبي في السير 7/465، وزاد فيه قليلاً.
(18) انظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 10/406، 408.
(19) معرفة علوم الحديث ص230، 231.
(20) التعريف بشيوخ حدّث عنهم محمد بن إسماعيل البخاري وأهمل أنسابهم (ص43) .
(21) التعريف بشيوخ حدث عنهم البخاري (ص106) .
(22) فتح الباري 4/512 (2259) .
(23) فتح الباري 6/225، حديث رقم (3089) .
(24) الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة ص55.
(25) الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة ص57.
(26) فتح المغيث 3/257.
(27) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/73، فتح المغيث 3/256.
(28) التعديل والتجريح 2/620.
(29) المحدث الفاصل ص284، رقم (85) .
(30) سير أعلام النبلاء 7/466.
(31) الجامع لأخلاق الراوي 2/50، الكفاية ص284، 285.
(32) الكفاية (ص285) .
(33) الكفاية (ص285) .
(34) صحيح البخاري (مع الفتح) 6/566، كتاب أحاديث الأنبياء، باب نزول عيسى، رقم 3448.
(35) فتح الباري 6/566.
(36) صحيح البخاري (مع الفتح) 3/72، كتاب التهجد، باب صلاة النوافل جماعة، رقم 1185.
(37) فتح الباري 3/74.
(38) صحيح البخاري (مع الفتح) 4/84، كتاب جزاء الصيد، باب حج الصبيان، رقم 1857.
(39) فتح الباري 4/85.
(40) صحيح البخاري (مع الفتح) 13/46، كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع جبريل، رقم 7485.
(41) فتح الباري 13/ 470.(3/289)
(42) صحيح البخاري (مع الفتح) 13/370، كتاب التوحيد، رقم 7376.
(43) فتح الباري 13/372.
(44) انظر فتح الباري 2/125 (622، 623) ، 4/255 (1974) ، 4/572 (2312) ، 13/283 (7290) ، هدي الساري ص239، 240.
(45) الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة ص58.
(46) سؤالات السجزي للحاكم ص88، رقم 51.
(47) المعرفة والتاريخ 3/146.
(48) المعرفة والتاريخ 3/65.
(49) التاريخ الصغير 2/89.
(50) التاريخ الكبير 2/313.
(51) الجرح والتعديل 1/73.
(52) انظر التقريب (5685) .
(53) سؤالات الآجري 2/143، الضعفاء للعقيلي 2/210.
(54) الضعفاء الكبير للعقيلي 2/210.
(55) سؤالات الآجري 1/329 (556) .
(56) الضعفاء الكبير للعقيلي 1/222.
(57) الضعفاء الكبير للعقيلي 2/258.
(58) النكت على مقدمة ابن الصلاح 2/99.
(59) تدريب الراوي 1/265.
(60) سير أعلام النبلاء 7/242.
(61) تاريخ ابن معين برواية الدوري 2/213.
(62) معرفة علوم الحديث ص210.
(63) انظر شرح علل الترمذي 1/356.
(64) الجرح والتعديل 1/47.
(65) الكفاية ص 123، 124.
(66) الضعفاء الكبير 3/443.
(67) انظر الكفاية في علم الرواية ص 120.
(68) تاريخ ابن أبي خيثمة ص417 – 419.
(69) العلل 1/452 (1026) .
(70) أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص352، رقم 286، وابن المقرئ في معجمه ص151، رقم 444. والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي 1/318، والقاضي عياض في الإلماع ص199، من طرق عن الحسن بن قتيبة به.
(71) التعريف بشيوخ حدث عنهم البخاري (ص79) .
(72) المصدر السابق (ص 74) .
(73) فوائد أبي القاسم الحنائي الجزئي الثالث، ص34، 35، رقم 24.
(74) هدي الساري (ص241) .
(75) فتح المغيث 3/256، 257.
(76) والأمثلة على ذلك كثيرة جداً يصعب حصرها، فكثيراً ما يطلق أحدهم سفيان، ويتبين أنه الثوري.(3/290)
انظر مثلاً: الجرح والتعديل 2/124، 294، 3/201، 239، 514، 527، 560، 475، 4/70، 184، 6/273، سنن النسائي 4/131، تحفة الأشراف 5/204، سير أعلام النبلاء 9/403، وغيرها كثير كما تقدم. وفي الجرح 6/269 (1485) ساق ابن أبي حاتم الرواة عن المترجم فقال: وسفيان، وشعبة، وابن عيينة.
وكل هذا يدل على أن إطلاق اسم سفيان على الثوري اصطلاح معروف عندهم، والله أعلم.
(77) سير أعلام النبلاء 7/464.
(78) فتح الباري 4/512 (2259) .
(79) انظر طبقات الشافعية للسبكي 10/407.
(80) الجامع لأخلاق الراوي 2/72، 73.
لمصادر والمراجع
الأجوبة الواردة على الأسئلة الوافدة، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق أبي يحيى الفيشاوي، دار الصحابة. طنطا، الطبعة الأولى 1412هـ.
أخبار المكيين من تاريخ ابن أبي خيثمة: أحمد بن زهير (ت279) تحقيق إسماعيل حسن حسين، دار الوطن. الرياض، الطبعة الأولى 1418هـ.
إرشاد طلاب الحقائق، للإمام النووي: أبي زكريا يحيى بن شرف (ت 676) ، تحقيق عبد الباري السلفي، مكتبة الإيمان، المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1408هـ.
الإلماع إلى معرفة الرواية وتقييد السماع، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي (544) ، تحقيق السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، الطبعة الأولى 1398هـ.
التاريخ، للإمام يحيى بن معين (ت233) ، برواية الدوري، تحقيق د. أحمد نور سيف، مركز البحث العلمي، جامعة الملك عبد العزيز، الطبعة الأولى 1399هـ – 1979م.- تاريخ ابن أبي خيثمة: انظر: أخبار المكيين من تاريخ ابن أبي خيثمة.
التاريخ الأوسط (المطبوع باسم الصغير) ، للإمام البخاري: محمد بن إسماعيل (ت256) ، تحقيق محمود زايد، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ.- التاريخ الصغير، للبخاري، انظر: التاريخ الأوسط.
التاريخ الكبير، للإمام البخاري، محمد بن إسماعيل (ت256) ، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت.(3/291)
تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، للحافظ المزي: يوسف بن عبد الرحمن (ت742) ، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، الهند، الطبعة الثانية 1403هـ.
تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، للحافظ السيوطي (ت911) ، تحقيق نظر الفريابي، مكتبة الكوثر، الرياض. الطبعة الثانية 1415هـ.
التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، لأبي الوليد الباجي (ت474) ، تحقيق د. أبو لبابة الطاهر حسين، دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى 1406هـ.
التعريف بشيوخ حدّث عنهم محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه وأهمل أنسابهم وذكر ما يعرفون به من قبائلهم وبلدانهم، لأبي علي الحسين بن محمد الجياني الغساني (ت498) ، وهو جزء من كتابه تقييد المهمل، تحقيق أبي هاجر السيد زغلول، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1418هـ.
التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير، للنووي يحيى بن شرف الشافعي (ت676) تحقيق عبد الله البارودي، دار الجنان، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ.
تقريب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، الطبعة الأولى 1406هـ – 1986م.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للمزي: يوسف بن عبد الرحمن (ت842) ، تحقيق بشار عواد، مؤسسة الرسالة. بيروت، الطبعة الأولى.
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي: أحمد بن علي (ت463) تحقيق محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1403هـ.
الجرح والتعديل، للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327) ، تحقيق عبد الرحمن المعلمي، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية، الطبعة الأولى 1372هـ – 1953م.
سنن النسائي الصغرى (المجتبى) ، للإمام النسائي (ت303) باعتناء عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية. بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ – 1986م.(3/292)
سؤالات مسعود السجزي للحاكم النيسابوري، تحقيق موفق عبد القادر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ 1988م.
سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، محمد بن أحمد (ت748) ، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة. بيروت، الطبعة الأولى.
شرح علل الترمذي، لابن رجب الحنبلي (ت795) ، تحقيق د. همام سعيد، مكتبة المنار، الأردن، الطبعة الأولى 1407هـ.
صحيح البخاري، المطبوع مع فتح الباري، انظر: فتح الباري.
صلة الخلف بموصول السلف، لمحمد بن سليمان الروداني (ت1094) ، تحقيق د. محمد الحجي، دار الغرب الإسلامي. بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ.
طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي، عبد الوهاب بن علي (ت771) ، تحقيق محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو، مطبعة عيسى الحلبي، الطبعة الأولى 1383هـ.
الضعفاء الكبير، لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي (ت322) ، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية. بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ.
العلل ومعرفة الرجال، للإمام أحمد بن حنبل (ت241) ، تحقيق وصي الله عباس، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ – 1988م.
علوم الحديث، للإمام ابن الصلاح: عثمان بن عبد الرحمن (ت643) ، تحقيق د. نور الدين عتر، المكتبة العلمية. بيروت، الطبعة الأولى 1401هـ.
الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي: أحمد بن علي (ت462) ، مصورة عن الطبعة الهندية، المكتبة العلمية. المدينة النبوية.
فتح الباري، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية، القاهرة، الطبعة الثانية 1400هـ.
فتح المغيث، شرح ألفية الحديث، للسخاوي: محمد بن عبد الرحمن (ت902) تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة النبوية، الطبعة الثانية 1388هـ.
فوائد أبي القاسم الحنائي (459) ، تخريج النخشبي، مصورة عن مخطوطة الظاهرية، إعداد محمود الحداد، دار تيسير السنة، الطبعة الأولى 1411هـ.(3/293)
المجمع المؤسس للمعجم المفهرس، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق د. يوسف المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ.
المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للرامهرمزي: الحسن بن عبد الرحمن (ت360) تحقيق محمد عجاج الخطيب. دار الفكر، الطبعة الثالثة 1404هـ.
المعجم المفهرس….، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق محمد شكور المياديني، مؤسسة الرسالة. بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ.
المعجم، لابن المقرئ (ت381) تحقيق أبي عبد الرحمن عادل بن سعد، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1419هـ.
المعرفة والتاريخ، للفسوي، يعقوب بن سفيان (ت277) ، تحقيق د. أكرم العمري، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1401هـ – 1981م.
المقنع في علوم الحديث، لابن الملقن: عمر بن علي (ت804) ، تحقيق عبد الله الجديع، دار فواز للنشر والتوزيع. الأحساء، الطبعة الأولى 1413هـ.
هدي الساري، مقدمة فتح الباري، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية، القاهرة، الطبعة الثانية 1400هـ.(3/294)
صفة الرضا بين الإثبات والتعطيل
وأثر الإيمان بها في حياة المسلم
د. سالم بن محمد القرني
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة وأصول الدين - جامعة الملك خالد
ملخص البحث
اشتمل البحث على: مقدمة: فيها أهميته، وسبب اختياره، والخطة التي سرتُ عليها فيه.
ثُمَّ تسعة مباحث؛ بينت في الأول معنى الرضا في اللغة والشرع.
وفي الثاني: قاعدة جامعة في إثبات الأسماء والصفات، والأسس التي يقوم عليها هذا التوحيد عند السلف، رحمه الله
وفي الثالث: ذكرت الأدلة على إثبات صفة الرضا لله - تعالى -، من القرآن، والسنة، والأثر، ودلالة العقل عليها
وفي الرابع: بينت اعتقاد السلف - أهل السنة والجماعة - في صفة الرضا.
وفي الخامس: بينت أن صفة الرضا ذاتية لاتنفك عن الله - تعالى -، وفعلية اختيارية، تتعلق بمشيئته وإرادته.
وفي السادس: أن صفة الرضا لله غير مخلوقة، وأن من قال إنها مخلوقة فقد خالف الحق والصواب.
وفي السابع: ناقشت المخالفين لدلالة القرآن والسنة والأثر والعقل في صفة الرضا، من الجهمية، والمعتزلة ومن وافقهم، ورددت قولهم في أنها مخلوقة منفصلة عن الله.
وقول الكلابية وموافقيهم من السالمية، في زعمهم أنها صفة ذات لا صفة فعل، وأنها لولا كانت صفة فعل لكانت مخلوقة.
كما بينت الجواب عن شبهة التجسيم، وذكرت الردود العامة على من نفى صفة الرضا عن الله - تعالى -.
وفي الثامن: أوضحت أثر الإيمان بصفة الرضا في حياة المسلم، وثمرته، ومنزلته، وفضله، وما يترتب على ذلك في الآخرة من التنعم برضا الله - تعالى -، وأنه أكبر من كل نعيم، وأن أثره في القبول أكبر من كل أثر.
وفي التاسع: ذكرتُ بعض أسباب تحقق الرضا للمؤمن من الحمد، والشكر، والشوق إلى لقاء الله، والمبادرة إلى طاعاته، وإن اكتنفها مشقة، وخوف، أو نحو ذلك.
ثُمَّ ختمتُ البحث بذكر نتائجه على وجه الاختصار.
والله الموفق،،،
• • •
المقدمة:(3/295)
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً - أمَّا بعد:
فلقد امتن الله عزّوجلّ على عباده أعظم منة، فأرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين، تلوا عليهم آياته، وبصروهم بسبل مرضاته، وكان خاتمهم وآخرهم وسيدهم ولا فخر محمد (الذي هدى أمته إلى الصراط المستقيم الذي لا عوج فيها فلم يكن للعباد غنية عن هذه النعمة؛ لأنهم لولاها لوكلوا إلى عقولهم وأهوائهم، فضلوا وأضلوا، وما أمكن أحد من الخلق أن يعلم التحريم من التحليل، ولا الغيب من الشهادة، ولا عرف ثواباً ولا عقاباً، ولا بعثاً ولا حساباً، ولا تميز حق من باطل ولا كفر من إيمان ولا عبادة لإبليس من عبادة الرحمن فيكون الخلق عبثاً لا حكمة وراءه ولا معنى وهذا ما يتنزه عنه الحكيم الخبير {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (1) .
فلم يدع العليم الخبير تقويم السلوك لعقل الإنسان المجرد وإنَّما جعله أداة يعقل بها مراده به سبحانه وتعالى فهو تبع لوحي الله وتشريعه، ليس له حق الابتداء على الخالق، وإنشاء الأحكام والتشريع.
فكانت أمة محمد (- أتباعه وأصحابه ومن سار على نهجه - خير أمة في عقيدتها وسلوكها وتفكيرها، في عملها وأدائها لواجباتها، في ترابطها وتضامنها، في انضباطها وأمنها، وتسليمها لأمر الله وسنة نبيه محمد (، فأسست بنيانها على تقوى من الله.(3/296)
{أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في دار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين} (1) ، {أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} (2) .
عرفت أمة محمد – (- ربها بأسمائه وصفاته وأفعاله، بتعليم ربها سبحانه ومعلمها وهاديها ونبيها عليه الصلاة والسلام. ثُمَّ عملت بأمره واجتنبت نهيه، فكانت خير أمة أخرجت للناس: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْء َامَنَ أَهْلُ الْكتابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (3) .
إن الفلاح كل الفلاح معرفة الله بأسمائه وصفاته، وتوحيده وحده لا شريك له في عبادته ولا في ملكه ولا في أمره له الخلق وحده، وله الأمر وحده، فله العبادة وحده.
وبهذا تكون النجاة من الهلاك والضياع والدمار المادي والمعنوي.
ولقد علق ربنا سبحانه وتعالى فلاح العباد وفوزهم بطاعة الرسول – (-: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَي اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولائِكَ هُمُ الْفَآئِزُونَ} (4) .(3/297)
عرفوا الله واتبعوا أمره؛ يبتغون بذلك رضوانه، فكانوا مثلاً يحتذى به، وقدوة صالحة لكل الأمم قبلهم وبعدهم: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمَا} (1) .
أمَّا من خالف سنة المصطفى - (- في القول والفعل، فيما يعقل ويعلم، وفيما يعمل؛ فإنه لا حياة له في الدنياعلى الحقيقة، ومآله في الآخرة الإهانة والفضيحة: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (2) ، {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} (3) ، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (4) .
فهما طريقان لا ثالث لهما: اتباع للرسول وطاعته، أو اتباع للهوى، فمن لم يتبع الرسول اتبع الهوى ولابد: {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (5) ، فاتباع محض العقول دون ماجاء به الرسول اتباع للهوى وعدول عن الصراط المستقيم.(3/298)
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1)
فالصراط المستقيم واحد، والحيد عنه يكون إلى سبل متشعبة ترجع إلى اتباع الهوى باتباع الشيطان ولقد صور ذلك رسول الله - (- فيما رواه عنه ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: خط لنا رسول الله - (- خطاً، ثُمَّ قال: {هذا سبيل الله} ثُمَّ خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثُمَّ قال: {هذه سبل متفرقة، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه} ثُمَّ قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} (2) (3) .
وكان الصحابة والتابعون والسلف الصالح على منهج الهدى واتباع الرسول - (-.
ثُمَّ خلف من بعدهم خلف لم يقنعوا بوحي الله وتشريعه، ورأوا أن هناك حاجة إلى ما زعموا من تصحيح وزيادة وحذف فأعملوا عقولهم، وأخضعوا الوحي لها، فتشعبت السبل بالناس، ووقع ما خاف من وقوعه النبي - (- كما قال: {إنَّما أخاف على أمتي الأئمة المضلين} (4) .
وكما قال: {إن مِمَّا أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى} (5) .
فوقع الاختلاف، وحصل الجدل بالباطل، وزين ذلك إبليس في أعين كثير من الناس، وحسبوه عين العقل والاستقامة.
ولما كانت مسائل الأسماء والصفات من أعظم مطالب الدين، وأشرف علوم الأولين والآخرين، وأدقها في عقول أكثر العالمين - كان من أعظم ما حصل فيه الاختلاف ما أحدثته المبتدعة من الخوض في ذات الله وأسمائه وصفاته.(3/299)
ومن أبين ذلك ما أحدثته الجهمية (1) من وصف الباري سبحانه بالنقائص، وتعطيل صفات الكمال التي أثبتها لنفسه وأثبتها له أعلم الخلق به رسول الله - (-، فاعتقدوا أن صفات الله ليست على الحقيقة، بل هي مجاز، وأراد مؤسس منهجهم إبطال الرسالة، كما يتضح ذلك من قوله: { ... لو وجدت سبيلاً إلى حكها لحككتها من المصاحف} يقصد: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2) .
وتأثر كثير من المسلمين بذلك، وخاضوا في ذلك، فتفرقت الكلمة، وأعجب كل حزب برأيه، فظهر من نفى أسماء الله - تعالى - وصفاته، وظهر من نفى صفاته مع إثبات أسمائه، وظهر من أثبت الأسماء وبعض الصفات، وكان التأويل المذموم، وانحرف كثير من الناس بهذه الطرق والمناهج المبتدعة، وما يزال التأثر بها قوياً، رأينا أثره، ولمسنا نتائج التساهل به عند بعض المتعلمين، خاصة في هذا العصر الذي اختلطت فيه الثقافات، وكثرت وسائل النشر لهذه الاعتقادات وأصبح الحق فيه عند بعض الناس غريباً، واستعمل العقل في كثير من العلوم بعيداً عن الوحي، وقلت منزلة وعظمة أسماء الله وصفاته، التي تزيد الإيمان وتشعر العبد بعظمة الخالق الديان، وأنه الواحد الفرد الصمد، الذي تصمد إليه كل الخلائق هو وحده - سبحانه - المتصرف في هذا الكون، له الكمال المطلق في ذاته وصفاته.
ولكن ضعف هذا الاعتقاد في نفوس كثير من المسلمين، الذين تأثروا بالفلسفات الغربية الحديثة والقديمة، وأصبحوا في حاجة إلى معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، كما يستحق - سبحانه - لتنتظم حياتهم وتصح عبوديتهم له، وطاعتهم لشرعه، ولاشك أن من لم يعظم ويثبت صفاته - سبحانه - على ما يليق به إثباتاً صادقاً يستشعر فيه عظمة الله - تعالى - فإنه سيقصر في امتثال شرعه والعمل بأحكامه.(3/300)
فالجهم بن صفوان (1) المنكر لصفات الله، لما أنكرها وأنكر أسماءه - سبحانه - ضعف يقينه بالله، حتى شك في وجوده، وذكر أنه بقي أربعين يوماً لايصلي حتى يثبت أن له رباً يعبده (2) .
فلا عبادة صحيحة ولا عمل بشرعه إلاَّ بإثبات ربوبية الله - سبحانه - وعظمته وكماله بأسمائه وصفاته.
ويهدف هذا البحث في صفة الرضا إلى طريقة إثبات هذه الصفة، والتعريف بها؛ من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
وإلى كشف الزيف الذي تلبست به في كثير من كتب أهل الكلام.
كما يهدف تجلية القاعدة الضابطة في إثبات هذه الصفة، كغيرها من صفات الله - عز وجل - الموضوعة حماية للعقول والقلوب من الانحراف في توحيد الأسماء والصفات: أهم مباحث الاعتقاد المصحح لسير العباد على منهج شرع الله القويم.
فهذا هو المنهج الذي كان عليه السلف الصالح، والأئمة الحنفاء، وسار عليه أتباعهم بإحسان من بعدهم، وإن من مهمات هذا البحث بيان فساد الانحرافات التي شط أصحابها عن منهج أهل السنة والجماعة في صفة الرضا، بل وعن منهج القرآن والسنة من قبل ومن بعد.
وبيان معرفة هل صفة الرضا من الصفات الذاتية أم من الصفات الفعلية.
ثُمَّ أثر الإيمان بثبوت هذه الصفة لله على سلوك العبد، والتزامه شرع الله تعالى وسنة نبيه - (-.
ولهذا كله عزمت أن أذكر مذهب السلف ومن اتبعهم بإحسان - رحمة الله عليهم - في صفة الرضا؛ ليسلك سبيلهم من أحب الاقتداء بهم والكون معهم في الدار الآخرة، إذ كان كل تابع في الدنيا مع متبوعه في الآخرة، وسالك حيث سلك موعوداً بما وعد به متبوعه من خير أو شر، دل على هذا قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (3) .
فكذلك كل من اتبع إماماً في الدنيا في سنة أو بدعة أو خير أو شر كان معه في الآخرة.(3/301)
فمن أحب الكون مع السلف الصالح في الآخرة، وأن يكون موعوداً بما وعدوا به من الجنات والرضوان، فليتبعهم بإحسان: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأولائِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} (1) ، {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2) .
ومن اتبع غير سبيلهم دخل في عموم قوله تعالى: {لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا، وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيرًا} (3) .
وقد جعلت عنوانه {صفة الرضا بين الإثبات والتعطيل وأثر الإيمان بها في حياة المسلم وبعد مماته} وكان بعد هذه المقدمة في عدة مباحث:
المبحث الأول: في تعريف الرضا في اللغة والشرع.
المبحث الثاني: قاعدة في إثبات الأسماء والصفات.
المبحث الثالث: في إثبات صفة الرضا.
أ) - بالقرآن الكريم.
ب) - بالسنة النبوية.
ج) - بالأثر.
د) - بالعقل.
المبحث الرابع: في فضل صفة الرضا.
المبحث الخامس: صفة الرضا غير مخلوقة.
المبحث السادس: صفة الرضا ذاتية فعلية.(3/302)
المبحث السابع: في مناقشة المعطلة لصفة الرضا.
المبحث الثامن: في أثر الإيمان بصفة الرضا في حياة المسلم وبعد مماته.
المبحث التاسع: في بعض أسباب حصول الرضا.
ثُمَّ الخاتمة.
وقد خرجت الأحاديث، وعرفت بالأعلام غير الصحابة والمشهورين، والفرق والملل، ووضعت فهارس عامة للآيات والأحاديث والآثار والأشعار والمراجع ومباحث الكتاب.
وحسبي أني اجتهدت في بيان الحق لرضا ربي ورب الخلق، وأسأل الله لي ولوالدي المغفرة والرضوان، وإخلاص النية في الابتداء وحسن العمل وحسن المآل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه الكرام.
المبحث الأول: الرضا في اللغة والشرع
الرضا: مقصور، مصدر رضي يرضى، وهو ضد السخط، والسخط: الكراهية للشيء وعدم الرضا به (1) .
والرضا من صفات القلب والذات، ومن صفات الأفعال (2) ، ورضي عنه وعليه، ورضيت الشيء ارتضيه، فهو مرضي ومرضو (3) .
والرضا متضمن معنى الحب والإقبال، ويعدى ب على حملاً للشيء على نقيضه (4) .
وفي التنزيل {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ"} (5) ، ومعناه: رضي عنهم أنفسهم، ورضي أفعالهم، ورضوا عن ربهم وعن ماجازاهم به (6) .
وأرضاه أعطاه ما يرضى به، عكس ترضَّاه: أي طلب رضاه (7) .
والرِّضوان بالكسر، والرُّضوان بالضم، والمرضاة مثله مصدر (8) .
ويمد الرضاء إذا كان بمعنى المراضاة، ويقصر إذا كان مصدر رضي يرضى فيكون مصدراً محضاً (9) .(3/303)
وقد جاءت نصوص إثبات صفة الرضا لله - تعالى - في النصوص الشرعية بصيغة الماضي، كما في قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (1) ، وقوله: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (2) . وقوله: {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} (3) ، {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (4) ، وقوله: {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} (5) ، {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} (6) .
وجاء إثباتها بصيغة المضارع كما في قوله تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (7) ، وقوله سبحانه: {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (8) ، وقوله: {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} (9) ، وقوله: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} (10) ، وقوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (11) وغيرها، وقوله (: {إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ... } (12) .
وجاء إثباتها بالمصدر، كما في قوله: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} (13) ، وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) } (14) ، وقوله: {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَآءَ مَرْضَاتِي} (15) . وقوله: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} (16) ، وقوله سبحانه: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَ! نٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} (17) وغيرهما، وفي الحديث: { ... أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً} (18) ، وفيه: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك} (19) .(3/304)
ومعنى الرضا مفهوم معلوم، وكيفيته مجهولة، والإيمان برضا الله واجب على ما يليق به - سبحانه وتعالى -.
قال الإمام الطبري في تفسيره: {واختلف في معنى الرضا من الله - جلّ وعزّ -، فقال بعضهم:الرضا منه بالشيء: القبول له والمدح والثناء.
قالوا: فهو قابل الإيمان، ومزك له، ومثن على المؤمن بالإيمان، وواصف الإيمان بأنه نور وهدى وفضل.
وقال آخرون: معنى الرضا من الله - جلّ وعز - معنى مفهوم، هو خلاف السخط، وهو صفة من صفاته على ما يعقل من معاني الرضا، الذي هو خلاف السخط، وليس ذلك بالمدح؛ لأن المدح والثناء قول، وإنَّما يثنى ويمدح ما قدر رُضِي.
قالوا: {فالرضا معنى، والثناء والمدح معنى ليس به} (1) .
والصحيح القول الثاني؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - عظيم، ومهما تخيل العبد من معاني العظمة فالله أعظم مِمَّا قد يتخيل، وكذلك صفته، ولو تخيل الإنسان عظمة صفات الله، فصفاته - سبحانه - أعظم مِمَّا قد يتخيل وكمالها أكبر مِمَّا قد يتخيل من الكمال، فله الكمال المطلق، وصفاته كمال مطلق - سبحانه وتعالى -.
قال ابن تيمية - رحمه الله -: {من تصور شيئاً اعتقد أنه حقيقة الرب فالله بخلاف ذلك} (2) .
والله أعلم بحقيقة رضاه سبحانه، بل بحقيقة كل صفاته؛ لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين - سبحانه وتعالى - إنَّما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فكذلك إثبات صفاته إنَّما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد ولا تكييف؛ وهو إثبات على الحقيقة.
فالرضا صفته - سبحانه - معلوم معناها، نثبتها على مراده - سبحانه - على الحقيقة، ولانعلم لأحد ممن تقدم أو تأخر أنه يتكلف أو يقصد إلى قول من عنده في صفة الرضا، أو غيرها من الصفات، أو في تفسير كتاب الله، أو معاني حديث رسول الله - (-، أو زيادة على ما في النص أو نقصان منه.(3/305)
قال ابن خزيمة: {إن الأخبار في صفات الله موافقة لكتاب الله - تعالى - نقلها الخلف عن السلف قرناً بعد قرن، من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا، على سبيل الصفات لله - تعالى - والمعرفة والإيمان به والتسليم لما أخبر الله - تعالى - في تنزيله ونبيه الرسول - (- عن كتابه، مع اجتناب التأويل والجحود وترك التمثيل والتكييف} (1) .
المبحث الثاني: قاعدة في إثبات الصفات
الأصل الذي تقوم عليه هذه الدراسة هو الوحي المنزل على محمد - (- فقد جاء معرفاً للعباد برب العباد والأصل في توحيد الصفات هو: {أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله نفياً وإثباتاً، فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه عن نفسه} (2) .
وقد كان السلف - رحمهم الله تعالى - على هذه القاعدة العظيمة وهذا الأصل الشريف، فيثبتون لله ما أثبته من الصفات، من غير تكييف ولا تمثيل، وينفون عنه ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير إلحاد، لا في أسمائه، ولا في صفاته، عملاً بقول الله - تعالى - في ذم الملحدين في أسمائه بقوله: {وَلِلَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3) وذم الملحدين في آياته بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيءَايَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيءَامِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (4) .
وهذه الطريق هي الطريق المثلى، فهي تتضمن إثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات، إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل، كما في قوله - سبحانه وتعالى -:(3/306)
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (1) ، فقوله - سبحانه -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} نفي ورد للتمثيل والتشبيه وقوله - عزّوجل -: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} مناقض للإلحاد والتعطيل (2) .
فهذا المذهب يقوم على أسس سليمة هي:
1) - أن أسماء الله وصفاته توقيفية، فما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله - (- وجب إثباته وما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله وجب نفيه، أمَّا ما لم يرد فيه نفي ولا إثبات، كالعرض (3) ، والجسم (4) والجوهر (5) . فيتوقفون فيه: لايثبتونه ولاينفونه.
2) - أن ما وصف الله به نفسه فهو حق على حقيقته، ليس فيه لغز ولا أجاج، بل معناه يعرف حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه، فهم يثبتون ألفاظ الصفات ومعانيها التي تدل عليها هذه الألفاظ.
وبهذا الاعتبار فليس ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله، أو بعضه من المتشابه الذي لايعلم تأويله إلاَّ الله ويجب تفويض معناه إليه؛ لأن هذا معناه جعل أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لايُفهم، والله تعالى قد أمرنا بتدبر القرآن كله، وحضنا على عقْلِه وفهمه فكيف يجوز مع ذلك أن يُراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته؛ لأن هذا معناه أنه أمرنا باعتقاد ما لم يوضحّه لنا - تعالى الله عن ذلك -، فمعاني الصفات معلومة عند السلف وكيفيّتها مجهولة والإيمان بها واجب، والسؤال عن كيفيتها بدعة.
وعلى هذا فألفاظ الصفات من قبيل المحكم، وليست من المتشابه، فإن معناها واضح ومعروف في لغة العرب التي نزل بها القرآن، وأمَّا كيفيتها فمما استأثر الله - تعالى - بعلمه، ومن نسب إلى السلف إدخال أسماء الله وصفاته أو بعضها في المتشابه، وأنهم يفوضون معناها فقد كذب عليهم.(3/307)
3) - أنهم يثبتون لله الصفات إثباتاً بلا تمثيل، فلايمثلونها بصفات خلقه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ} ؛ ولأن العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، والله تعالى - لا يَعْلَمُ كيفية ذاته إلاَّ هو فالكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن لله ذاتاً لاتشبه الذوات، فكذلك له صفات لاتشبه الصفات.
4) - وكما أنهم يثبتون لله الصفات التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسوله، من غير أن يشبهوها بصفات خلقه فهم كذلك ينزهون الله عن النقائص والعيوب، تنزيهاً لايفضي بهم إلى نفي صفاته وأسمائه الحسنى بتأويل معانيها أو تحريف ألفاظها عن مدلولها؛ كما يفعله المؤوّلة، فمذهبهم في ذلك وسط بين التمثيل والتعطيل، فتجنبوا التعطيل في مقام النفي والتنزيه، وتجنبوا التشبيه في مقام إثبات الصفات فسلموا من الإفراط والتفريط، ومن الغلو والتقصير: (الغلو للمشبهة والتقصير للمعطلة) .
5) - طريقتهم فيما يثبتونه لله من الصفات وما ينفونه عنه من النقائص هي: الإجمال في النفي، والتفصيل في الإثبات، دل على ذلك الكتاب والسنة، كما في قوله - تعالى -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (1) فأجمل في النفي، وهو قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، وفصّل في الإثبات، وهو قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ، وكما ذكر في آية الكرسي، وسورة الإخلاص، وغيرهما.(3/308)
ثُمَّ إنه يجب أن يُعلم أن النفي الوارد في هذا الباب ليس هو النفي المحض (1) ، وإنَّما هو النفي الذي يتضمن إثبات الكمال؛ لأن النفي المحض لا مدح فيه؛ لأنه عَدَمٌ محض والعدمُ ليس بشيء، ولذلك فكل النفي الذي جاء في هذا الباب فهو لإثبات ضده من الكمال، كقوله تعالى: {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (2) أي لكمال عدله، وقوله تعالى: {وَلاَ يئُودُهُ حِفْظُهُمَا} (3) أي لكمال قوته واقتداره، {لاَ تَأْخُذُهُ , سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} لكمال قيّوميته، والله أعلم.
فهذه القاعدة التي تقوم على هذه الدعائم العظيمة: الإثبات المفصل، والنفي المجمل، وعدم التكييف والتمثيل، أو التأويل والتحريف، لمفضي إلى التعطيل، هي: القاعدة السليمة السديدة، التي تدل على علم السلف - رحمهم الله – بحقيقة ما وصف الله به نفسه في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله - (-.
فكانوا أعرف الناس بربهم - سبحانه -، وأعلمهم بما يستحقه - سبحانه - من كمال، وأكثرهم تنزيهاً له عما لايليق به - عزّوجل - فلم يعطلوه من أسمائه وصفاته، أو يكيفوها أو يمثلوها بصفات خلقه، أو يؤولوا نصوصها بغير المعنى المراد تأويلاً أو تحريفاً يفضي إلى تعطيلها أو تعطيل معانيها.
فكانوا أقرب الناس معرفة بمعاني الصفات، وأبعدهم عن الخوض فيما لم يحيطوا به علماً مِمَّا أخبر الله - تعالى - عنه من الغيب، فكما أنهم لم يحيطوا بذات الله علماً، لم يكونوا يحيطوا بصفاته علماً: إذ الكلام في الصفات كالكلام في الذات، أو كما قال السلف: {القول في الصفات كالقول في الذات} (4) .
فكما أن له ذاتاً لاتماثل الذوات، فكذلك له صفات لاتماثل الصفات، إلاَّ أن صفاته كانت دليل المعرفة به - سبحانه -فهي معلومة المعاني مجهولة الكيف.(3/309)
فالرضا: صفة الله على الحقيقة، ولها معنى يميزها عن غيرها من الصفات، تعرف العرب ذلك من كلامها، كما قال ابن عباس - رضي الله عنه -: {التفسير على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لايعذر أحد بجهله وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لايعلمه إلاَّ الله، من ادعى علمه فهو كاذب} (1) .
فكيفية صفة الرضا وغيرها من الصفات لايعملها إلاَّ الله، ومن ادعى علم ذلك فهو كاذب.
أمَّا معناها فذلك مِمَّا يعلمه العباد من لغة العرب.
وهذا معنى ما يروى عن أم سلمة (2) أنها قالت في قول الله -تعالى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (3) : {الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود له كفر} (4) .
وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن (5) : {الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة ومن الرسول البلاغ، وعلينا التصديق} (6) .
وقال مالك (7) لمن سأل عن كيفية الاستواء: {الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وأحسبك رجل سوء، وأمر به فخرج} (8) .
فكيفية الصفات - ومنها كيفية صفة الرضا - مجهولة للعباد، مع العلم بمعانيها من لسان العرب ولغتها، فالإيمان بالصفة - كما أخبر الله بها مع الجهل بكيفيتها - واجب؛ لأنه من الإيمان بربوبية الله - تعالى - كما قال الرسول - (-: {رضيتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً} (9) .(3/310)
وهذا هو المذهب الأسلم الأعلم الأحكم، وهو مذهب السلف -رحمهم الله- الذي حكاه الإمام أبو عثمان الصابوني (1) رحمه الله-عنهم بقوله: {ويعرفون ربهم - عزّوجل - بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله - (-على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه ويثبتون له - جلّ جلاله - منها ما أثبت لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله - (- ولايعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه} (2) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: {إن سلف الأمة وأئمتها كانوا على الإيمان الذي بعث الله به نبيه - (-يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل} (3)
وقال - رحمه الله-: {ويقولون ماجاءت به النصوص النبوية، ودلت عليه العقول الزكية الصريحة، فلا ينفون عن الله - تعالى - صفات الكمال - سبحانه وتعالى -} (4) .
المبحث الثالث: الأدلة على ثبوت صفة الرضا لله تعالى
وصف الله تعالى نفسه بأكمل الأوصاف، وأعظمها، وأجلها في كتابه، وعلى لسان رسوله، ومن صفاته التي وصف بها نفسه: صفة الرضا، وقد ثبتت صفة الرضا لله بالقرآن، والسنة، والأثر، والعقل، وإليك بعض تلك الأدلة:
أولاً: من القرآن الكريم:
وصف الله نفسه بالرضا في آيات كثيرة من كتابه الكريم المنزل على رسوله محمد - (- منها: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (5) .
وقوله - عزّوجل -: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (6) .(3/311)
وقال - سبحانه -: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1) .
وقال - تعالى -: {يَوْمَئِذٍ لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} (2) .
وقال - عزّوجل -: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (3) .
وقال - تعالى -: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَ! نَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولائِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيْمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولائِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (4) .
وقال: {وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَامُوسَى، قَالَ هُمْ أُولآءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (5) .
وقال - سبحانه -: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (6) .(3/312)
وقال - عزّوجل -: {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} (1) .
وقال - تعالى -: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} (2) .
وقال - سبحانه -: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (3) .
وقال - تعالى -: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (4) .
وقال - عزّوجل -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَيُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (5) .
وقال - تعالى -: {قُلْ أَؤُنَبئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَ! جٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ} (6) .(3/313)
وقال - سبحانه -: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1) .
وقال - سبحانه وتعالى -: {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (2) .
وقال - عزّوجل -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفُ بِالْعِبَادِ} (3) .
وقال - تعالى -: {لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحِ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (4) .
ثانياً: من السنة:
عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - قال: قال النبي - (-: {إن الله يقول لأهل الجَنَّة: يا أهل الجَنَّة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لانرضى يارب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك. فيقولون: يارب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً} (5) .
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - (-: {إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها} (6) .(3/314)
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: فقدت رسول الله - (- ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: {اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك} (1) .
وعن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - (- أنه قال: {عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط} (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - (- قال: {إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لايلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لايلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم} (3) .
وعن بلال بن الحارث المزني قال: قال رسول الله - (-: {إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله - عزّوجل - له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله - عزّوجل - عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه} (4) .
ثالثاً: من الأثر:
وفي الأثر أن أبا بكر - رضي الله - عنه كان يقول في دعائه: {أسألك تمام النعمة في الأشياء كلها، والشكر لك عليها حتى ترضى، وبعد الرضى ... } (5) .
قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - في معنى قول الله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} (6) : {لما حجب قوم بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضا} (7) .(3/315)
وذهب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل - رضي الله عنه - إلى أن الله - عزّوجل - يغضب ويرضى، وأن له غضب ورضى، وقرأ أحمد قوله - عزّوجل -: {وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} (1) { ... والغضب والرضا صفتان له من صفات نفسه، لم يزل غاضباً على ما سبق في علمه أنه يكون ممن يعصيه، ولم يزل راضياً على ما سبق في علمه أنه يكون مِمَّا يرضيه} (2) .
رابعاً: دلالة المعقول على صفة الرضا، وذلك من وجهين:
الأول: إن الرضا صفة كمال، ونفيها نقص، والله - سبحانه وتعالى - لاتضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه كما قال - سبحانه -: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (3) ، فإن الله لا مثل له، بل له المثل الأعلى؛ كما أخبرنا بذلك في قوله - سبحانه -: {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (4) ، وقال - سبحانه -: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (5) .
فلايجوز أن يشترك هو والمخلوق في قياس تمثيل، ولا في قياس شمول تستوي أفراده، ولكن يستعمل في حقه المثل الأعلى؛ وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كمال وهو يليق بالله فالله أولى به، وكل ما تنزه عنه المخلوق من نقص فالله أولى بالتنزه عنه (6) ، فإذا كان اتصاف المخلوق بالرضا كمال ونفيه عنه نقص، فالله - سبحانه وتعالى - أولى أن يتصف بالكمال ولايعطل منه؛ لأن تعطيل الكمال عنه وصف له بالنقص.(3/316)
إذن فالله موصوف بالرضا، وهو كمال في حقه - سبحانه -، بل صفة الرضا في حقه - سبحانه - أكمل من صفة الرضا في حق المخلوق، بل رضا الله - سبحانه وتعالى - لايماثل رضا المخلوق، فإذا كان المخلوق منزهاً عن مماثلة المخلوق مع الموافقة في الاسم أو اللفظ فالخالق -سبحانه- أولى أن ينزه عن مماثلة المخلوق وإن حصلت موافقة في اللفظ
إذن فالله - سبحانه وتعالى - متصف بصفة الرضا، وهي صفة كمال لاتماثل صفات المخلوقين، ونفيها عنه نقص ولايجوز أن يوصف بالنقص، أو يعطل من الكمال.
الثاني: الله - سبحانه وتعالى - وصف نفسه بالرضا في آيات كثيرة، وكذلك وصفه بها الرسول - (- كما تقدم وهي صفة كمال لائقة به - سبحانه -، فيكون نفيها تعطيلاً وردّاً للنصوص الشرعية وإلحاداً في آيات الله - سبحانه - كما قال - سبحانه -: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيءَايَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} (1) وإلحاد في أسمائه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) وتعطيل ما أودع الله ورسوله في كلامهما من إثبات صفة الرضا بالمعنى اللائق به - سبحانه - تكذيب لهما، وتعطيل لما يستحقه الرب - سبحانه - من الكمال (3) ، والجحود بها كفر؛ لأنه رد لخبر الله وكفر بكلامه - سبحانه -، ومن كفر بحرف متفق عليه فهو كافر.
قال الشافعي: {لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه، لايسع أحداً من خلق الله - تعالى - قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله - (- القول بها، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله - تعالى -، فأمَّا قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لايدرك بالعقل، ولا بالرؤية ولا بالفكر} (4) .
المبحث الرابع: القول الحق في صفة الرضا(3/317)
يعتقد السلف - رحمهم الله تعالى - أن لله - تعالى - صفة الرضا، وهي قائمة به غير بائنة عنه (1) ، لا ابتداء لاتصافه بها، ولا انتهاء، فهو يرضى متى شاء، كيف شاء - سبحانه وتعالى -، فلاتقوم بنفسها؛ لأن الصفة لاتقوم إلاَّ بالذات الموصوفة بها، كما أن الذات لابد لها من صفة تميزها عن الذوات.
وكما أن جميع صفات الله غير مخلوقة فكذلك صفة الرضا غير مخلوقة، وأمَّا أثرها وهو ما يحصل للعبد من النعمة اندفاع النقمة، فذاك مخلوق منفصل عن ذاته - سبحانه وتعالى -.
وقد يسمى الأثر باسم الصفة (2) .
وهي على ما يليق به - سبحانه وتعالى -، فكما أن له - سبحانه - ذاتاً على الحقيقة فله صفة على الحقيقة وكما أن ذاته - سبحانه وتعالى - ليست كذوات خلقه، فكذلك صفته ليست كصفات خلقه.
فرضاه - سبحانه وتعالى - ليس كرضا المخلوقين (3) .
ولايصح أن يقاس رضا الله -تعالى- على رضا المخلوقين، فإذا كان الراضي ليس كالراضي، فإن الرضا ليس كالرضا.
فلايصح أن يدخل رضى الله مع رضا المخلوق في قياس تمثيل، ولا قياس تستوي جميع أفراده فالله - سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (4) لا في ذاته، ولا في صفاته - سبحانه - {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} وله المثل الأعلى.
فالله - سبحانه - حينما وصف نفسه بالرضا ووصف بعض المخلوقين بالرضا فليس الرضا كالرضا كما أنه ليس الراضي كالراضي، فرضاه - سبحانه - على ما يليق به رضاً يختص به ورضا المخلوق على ما يليق به، ولايلزم من تواطئ الصفتين أو اشتراكهما في الاسم العام المشترك في المعنى العام:التماثل والتشابه، فرضا الله - سبحانه - وإن أشبه رضى المخلوق من وجه فإنه مخالف له من وجه آخر.
إن شابهه في اللفظ والمعنى العام، فإنه لايماثله في الحقيقة، فحقيقة رضا الله ليست كحقيقة رضا المخلوق، فكما أن حقيقة ذات الله - سبحانه وتعالى - ليست كحقيقة الذوات فكذلك صفته.(3/318)
وصفة الرضا صفة ذاتية قائمة به - سبحانه وتعالى (1) - لاتنفك عنه.
ولا منتهى لرضاه - سبحانه -، والرضا أحب إليه من الغضب (2) .
كما أنها صفة فعل كما في قوله - تعالى -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (3) تقوم بمشيئته وقدرته، فهي صفة فعل اختيارية (4) .
وصفات الذات وصفات الأفعال كلها كمال مطلق لله، عالية وعلية وعظيمة، وإن كان بعضهم يرى أن صفات الأفعال أدنى من صفات الذات (5) .
والأدلة من الكتاب والسنة السابقة تدل على أنه يحصل أثر صفة الرضا في وقت دون وقت، وأنه قد يحل رضوانه ثُمَّ يسخط، كما يحل السخط ثُمَّ يرضى، وقد يحل الرضا أبداً، كما في حال أهل الجَنَّة في حديث البخاري ومسلم السابق، وفيه: {أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً} .
وقول الله - تعالى -: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (6) بين أنه - سبحانه - رضي الله عنهم ذلك الوقت؛ لأن حرف إذ ظرف لما مضى من الزمان، فعلم أنه ذاك الوقت رضي عنهم بسبب ذلك العمل وأثابهم عليه، وكما يقال: المسبب لايكون قبل سببه، والمؤقت بوقت قبل وقته.
وإذا كان راضياً عنهم من جهة، فهذا الرضا الخاص الحاصل بالبيعة لم يكن إلاَّ حينئذٍ، كما في الحديث السابق. { ... أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً} (7) .
قال ابن تيمية - رحمه الله -: {والرضا مستلزم الإرادة، وإن لم يكن هو عين الإرادة ... ورضاه الذي يتضمن محبته ومشيئته} (8) .
المبحث الخامس: صفة الرضا فعلية اختيارية
ومعتقد أهل السنة والجماعة أن الله - سبحانه وتعالى - موصوف بالصفات الاختيارية؛ كالرضا، والكلام، والغضب. والسخط، والإتيان، والنزول، وغيرها من صفاته - سبحانه وتعالى - التي تقوم بمشيئته واختياره.(3/319)
ومعنى تعلقها بمشيئته واختياره: أنه تعالى يرضى ويتكلم، ويأتي وينزل ويغضب ويسخط إذا شاء متى شاء فإن شاء غضب، وإن شاء رضي، وإن شاء لم يرض، وإن شاء تكلم، وإن شاء سكت (1) .
والآيات والأحاديث السابقة دالة على أن صفة الرضا مع أنها صفة ذاتية فهي كذلك صفة فعلية اختيارية لتعلقها بمشيئته وإرادته - سبحانه وتعالى - مثل:
1 - قوله - عزّوجل -: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (2) .
2 - وقوله - سبحانه -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (3) مع قوله - سبحانه - عن موسى - عليه السلام -: {قَالَ هُمْ أُولآءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (4) .
3 - وقوله - تعالى -: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (5) مع قوله -عزّ من قائل -: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (6) .
وكان النبي - (- يقول في دعائه: {اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وبرضاك من سخطك ... } .
قال الجزري في النهاية: {بدأ بالمعافاة ثُمَّ بالرضا ... لأنها من صفات الأفعال....} (7) .
المبحث السادس: صفة الرضا غير مخلوقة(3/320)
لاشك أن الله موصوف بالرضا، ورضاه - تعالى - صفة من صفاته غير مخلوقة (1) ، ومن المهم أن أشير إلى قضية مهمة في هذا قل ذكرها، هي: أن الكلام في أن الصفات مخلوقة أو غير مخلوقة: كلام حادث لم يكن في صدر الإسلام؛ لأنه من المسلم عند الصحابة والتابعين ومن اتبعهم: أن صفات الله غير مخلوقة، فلذلك ما كانوا ليخوضوا في ذلك.
فصفة الرضا غير مخلوقة، وما قيل عنها إنها مخلوقة إلاَّ بعد ظهور الجهمية وأمثالها ممن قال بذلك، فاضطر السلف - رحمهم الله - إلى المناقشة والرد على هؤلاء المبتدعة؛ لأن حقيقة قول من قال: إنها مخلوقة هو إنكار صفة الله- تعالى - وتعطيلها. لكنهم لما علموا أن قولهم رد للنصوص الشرعية، وتكذيب لها، قالوا: هي مخلوقة.
فلا يعقل أبداً أن يقال: إن صفة الرضا الثابتة بقول الله - تعالى -: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} (2) مخلوقة، فاللغة لا تساعد من قال ذلك، بل وكل الأدلة الدالة على معاني الألفاظ العقليَّة والنقلية تمنع ذلك.
وإضافة صفة الرضا إلى نفسه - سبحانه وتعالى - في آيات كثيرة تدل على اتصافه بها، وأنها غير مخلوقة، مثل:
1 - قوله - سبحانه -: {لَّقَدّ رَضي الله عَن المُؤمِنينَ إذ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (3) ، فل يصح أن يقال: لقد خلق رضاه عن المؤمنين، فلا دليل على ذلك، ولا يعقل.
2 - قوله - سبحانه -: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (4) .
3 - وقوله - عزّوجل -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (5) .(3/321)
وغير ذلك من الآيات السابقة وغيرها الدالة على أن صفة الرضا غير مخلوقة؛ بل هي تابعة للذات الموصوفة فذاته - سبحانه - متفق على أنها غير مخلوقة؛ فكذلك صفته، فلايتصف بصفة مخلوقة.
ومِمَّا يدل على أنها غير مخلوقة: استعاذة النبي - (- بها فقد كان من دعائه واستعاذته - (-: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك} .
فأثبت النبي - (- شرعية الاستعاذة بصفة الرضا، فلو كانت مخلوقة لكانت الاستعاذة بها شركاً؛ لأنها استعاذة بمخلوق، ومعلوم أن الاستعاذة بغير الله - تعالى - وأسمائه وصفاته شرك، فكيف يصح أن يعلِّم النبي - (- أمته ما هو شرك ظاهر، وهو الذي جاء هم بالتوحيد الخالص، ونهاهم عن الشرك؟ بل وكانت رسالته ورسالة الأنبياء قبله: الدعوة إلى التوحيد، والنهي عن الشرك.
فدل هذا على أن صفة الرضا غير مخلوقة، بل وكل صفاته، فالاستعاذة بالرضا استعاذة بصفته -سبحانه وتعالى- إذ رضاه - تعالى - صفته التي يرضى بها عمن يشاء من عباده، وأمَّا المخلوق فهو أثر تلك الصفة من النعم ودفع النقم فذلك منفصل عن ذاته - سبحانه وتعالى - وإن سمي باسم الصفة (1) .
فيجب التفريق بين الرضا صفة الله - تعالى -، وما سواه مِمَّا يحصل من أثره.
والعقل الصريح المعافى من الشبهات والشهوات يدرك أن الرضا لو كان مخلوقاً فلايخلو من أحد حالين:
الحال الأولى: أن يكون مخلوقاً قائماً بذات الله.
الحال الثانية: أن يكون مخلوقاً منفصلاً عن الله بائناً عنه.
وكلا الحالين باطل، بل كفر شنيع.
أمَّا الأول: فيلزم منه أن يقوم المخلوق بالخالق، وهذا باطل في قول أهل السنة والجماعة، وعامة أهل البدع، فإن الله بائن من خلقه - سبحانه - مستغن عنهم من جميع الوجوه.(3/322)
أمَّا في الحال الثانية فيلزم منه تعطيل الله - تعالى - من صفة الرضا؛ لأن الصفة لاتقوم إلاَّ بالموصوف- كما سبق - فإن قامت بغيره كان وصفاً لغيره، ولابد أن يوصف بها ذات أخرى، وهذا معناه أن الرب - سبحانه وتعالى- لم يتصف بصفة الكمال صفة الرضا، وهذا تنقص لله وهو كفر بيّن.
وإذا علمت بأن الصفة لاتقوم بنفسها بل تقوم بغيرها ففي هذه الحال: إمَّا أن تكون صفة للخالق - سبحانه - قائمة به وإمَّا أن تكون صفة للمخلوق قائمة به ولابد، فالحياة والمحبة والإرادة والعلم والرضا والقدرة وغيرها من الصفات إذا أضيفت لشيء كانت وصفاً له تابعة لمن قامت به.
فإذا أضيفت إلى الخالق - سبحانه - فهي صفات له قائمة به غير مخلوقة؛ لأنه الخالق - سبحانه - لكل شيء وإذا أضيفت إلى المخلوق فهي صفات له قائمة به مخلوقة؛ لأنه مخلوق.
فلما أضاف لنفسه رضا، ووصف نفسه به؛ كان رضاه غير مخلوق؛ لأنه تابع له، فذاته غير مخلوقة، وكذلك صفته، إذ يتنزه عند أهل السنة والجماعة عن الاتصاف بمخلوق، كما أن أهل البدع ينزهونه عن قيام الحوادث به فيلزمهم ذلك: القول بأن الله متصف بالرضا والرضا غير مخلوق.
المبحث السابع: مناقشة المخالفين للحق في صفة الرضا
تمهيد:
تستوقف المؤمن المتدبر لكتاب الله آيات إثبات صفة الرضا لله - سبحانه وتعالى -، بل وتدفعه إلى زيادة الإيمان بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - (- رسولاً ونبياً، فيرغبه ذلك في امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والاستقامة على شرع الله، والاهتداء بهدي رسول الله - (-.
ولكن في نفس الوقت يعجب كل العجب ممن يتأول هذه الصفة أو يعطلها، زاعماً أن ذلك هو الحق، وقد اشتبه عليه الحق بالباطل، فانقلبت لديه المفاهيم، فسوى بين المختلفات، وفرق بين المتماثلات.
ولقد تبين لي بعد البحث والتأمل: أن ذلك يسبب قسوة في القلب، وبعداً عن الحق.(3/323)
بل إن المتأمل في كلام المعطلة والمؤولة للصفات أو بعضها ومنها الرضا، ليجد أن العقل إذا لم يخضع للنصوص من الكتاب والسنة فيثبت ما أثبتت وينفي ما نفت، فإنه يزيغ عن الحق، ويبعد عن الهدى، ويفقد الاطمئنان، ولايذوق طعم الإيمان، كما يذوقه المؤمنون الصادقون الذين آمنوا بالله رباً، آمنوا بربوبية الله، آمنوا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا آمنوا بأن له - سبحانه - ذاتاً لاتماثل الذوات، وأن له أسماء وصفات لاتماثل سائر الصفات.
ولقد أدرك كثير من المعطلة للصفات والمؤولة لها أنهم أخطأوا الطريق الصحيح ولكن متى في أواخر الأعمار فقال بعضهم لما وصل إلى الحيرة في هل الصفات زائدة على الذات أم لا؟ وهل الفعل مقارن للذات أو متأخر عنها؟ قال: من الذي وصل إلى هذا الباب؟ أو ذاق من هذا الشراب؟ ثُمَّ أنشد:
نهاية إقدام العقول عقال
وغاية سعى العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا (1)
ثُمَّ قال: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولاتروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2) . {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (3) وأقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (4) ، {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (5) . ثُمَّ قال: {ومن جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي} (6) .
وذكر الآخر أنه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلاَّ الحيرة والندم، حيث قال:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها
وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أرَ إلاَّ واضعاً كف حائر
على ذقن أو قارعاً سن نادم (7)(3/324)
وقال الثالث: {لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني (1) وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي، أو قال على عقيدة عجائز نيسابور} (2) وغير هؤلاء كثير ممن أدرك ما وقع فيه من الخطأ والانحراف عن طريق الكتاب والسنة في هذا الباب.
موقف المعطلة من صفة الرضا ومناقشتهم:
وقد خالف الحق وجانب الصواب، وعارض الأدلة من الكتاب والسنة في صفة الرضا: المعطلة من الجهمية والمعتزلة (3) ، ومن وافقهم، فقالوا: إن الرضا لايقوم بالله - سبحانه -، بل هو مخلوق، فرضاه عن المؤمنين ثوابه والثواب مخلوق (4)
والجواب عن ذلك - مع ما سبق - من وجوه:
أحدها: أن هذا مفارقة للحق وأهله، من السلف، والأئمة، وأهل الفقه، والحديث، وجميع المثبتة للصفات (5) .
ثانيها: أن الذي عليه جماهير المسلمين من السلف والخلف: أن الخلق غير المخلوق، فالخلق فعل الخالق والمخلوق مفعوله، ولهذا كان رسول الله - (- يستعيذ بأفعال الرب وصفاته كما سبق في قوله - (-: {أعوذ برضاك من سخطك} فاستعاذ برضاه والاستعاذة لاتكون إلاَّ بالله أو بصفته (6) .
ثالثها: أن الاستعاذة كما في الحديث السابق لم تكن بمخلوق؛ لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك، والرسول - (- إنَّما جاء يدعو إلى توحيد الله - سبحانه -، وعدم الإشراك معه، أو به غيره، بل هي رسالة الرسل جميعاً - كما سيأتي - فدل ذلك أن لله صفات، ومنها الرضا، وأنها غير مخلوقة، بل هي صفة ذاتية فعلية اختيارية، تقوم بمشيئته وقدرته.
رابعاً: ما ذكره الخلال (7) في عقيدة الإمام أحمد بن حنبل، وهو: أن أصحاب الإمام أنكروا على من يقول: {إن الرضى مخلوق} ، وقالوا من قال ذلك لزمه أن رضا الله على الأنبياء والمؤمنين يفنى حتى لايكون راضياً (8) .(3/325)
قلتُ: فالذي يفنى ويموت هو المخلوق، ولايبقى غير الخالق - سبحانه - بذاته وصفاته، وقد وصف نفسه بالرضا وذاته غير مخلوقة - فهو الخالق - فكذلك صفته؛ لأن الصفة تابعة للموصوف، والقول في الصفة كالقول في الذات.
مناقشة الكلابية ومن وافقهم:
أمَّا الكلابية (1) وموافقهم من السالمية (2) وغيرهم، فيقولون: تقوم بذاته بغير مشيئته وقدرته.
أمَّا ما يكون بمشيئته وقدرته، فلايكون إلاَّ مخلوقاً منفصلاً عنه (3) .
فيقولون: الرضا قائم بذاته، وليس فعلا له.
وشبهتهم: أنه متصف بالصفات التي ليس له عليها قدرة، ولاتكون بمشيئته.
وأن ما يكون بمشيئته فإنه حادث، والرب - تعالى - لاتقوم به الحوادث.
ويسمون الصفات الاختيارية بمسألة حلول الحوادث، فإنه إذا رضي عن عبده بمشيئته وقدرته، كان ذلك الرضا حادثاً
فلو اتصف الرب به لقامت به الحوادث فهو حادث، قالوا: ولأن كونه قابلاً لتلك الصفة: إن كان من لوازم ذاته كان قابلاً لها في الأزل، فيلزم جواز وجودها في الأزل، والحوادث لاتكون في الأزل؛ لأن ذلك يقتضي وجود حوادث لا أول لها وذلك محال (4) .
1 - قلتُ: يقال لهم: والرضا صفة كمال لا صفة نقص، ومن رضي بمشيئته أكمل ممن لايرضى بمشيئته، فكيف يتصف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق؟ .
2 - فضلاء المشاركين لهم في هذا القول كالفخر الرازي (5) ، وسيف الدين الآمدي (6) وغيرهما معترفون بأنه ليس لهم حجة عقلية على نفي الصفات الاختيارية (7) .
والأمر كذلك، فليس لهم دليل نقلي أو عقلي على ما قالوه، بل النص والعقل يدلان على خلاف ما قالوا، كما في الأدلة التي ذكرناها سابقاً.
3 - أن قولهم هذا يدل على جهلهم بالفرق بين صفة الله التي هي الرضا وبين أثرها الذي قد يسمى باسم الصفة.(3/326)
فالصفة تابعة للذات غير مخلوقة، أمَّا أثرها فهو مخلوق، وفرق بينهما، فالأثر غير الصفة، والصفة غير الأثر وإن سمي باسمها، فيقال للمرضي به رضا، وللمأمور به أمراً، وللمرحوم رحمة ... لكن يقال له: هذا كله ليس هو حقيقة الصفة عند الإطلاق (1) .
وبهذا يتبين خطأ قول من قال: {الرضا إمَّا ثوابه فيكون صفة فعل، وإمَّا ثناؤه فهو صفة ذات} (2) .
4 - أن الفعل نوعان: متعد ولازم، وفعل الرضا متعدٍ، وكلا الفعلين حاصل بمشيئته وقدرته والله متصف به (3) وفي الحديث: {فيسألونه الرضا، فيقول: رضاي أحلكم داري وأنا لكم كرامتي فسلوني، فيسألونه الرضا، فيشهدهم الرضا} (4)
شبهة التجسيم والجواب عنها:
ما من ناف لشيء من الأسماء والصفات إلاَّ ويزعم أنه قد قام عنده دليل العقل على أنه يدل على التجسيم، فيكون متشابهاً، فيلزم حينئذٍ أن تكون جميع الأسماء، والصفات متشابهات، وحينئذٍ فيلزم التعطيل المحض، وأن يفهم من الأسماء والصفات معنى، ولايميز بين معنى القدير والسميع والبصير والمؤمن والمتكبر والباري، ولا بين معنى الإرادة والرضا والعفو والغفران والخلق والاستواء ونحوها (5) .
فإن قال أهل الشبهة: لايعقل رضا إلاَّ ما يقوم بقلب هو جسم.
قيل لهم: ونحن لانعقل علماً إلاَّ ما هو قائم بجسم، ولا إرادة إلاَّ ما هو قائم بجسم، ولا سمعاً، ولا بصراً، إلاَّ ما هو قائم بجسم، فلم فرقتم بين المتماثلين، وقلتم إن هذه يُمكن قيامها بغير جسم، والرضا لايُمكن قيامه إلاَّ بجسم وهما في المعقول سواء؟ .
فإن كان ما تثبتونه مماثلاً لصفات العبد؛ لزمكم التمثيل في الجميع، وإن كنتم تثبتونه على الوجه اللائق بجلال الله - تعالى - من غير مماثلة بصفات المخلوقين فاثبتوا الجميع على هذا الوجه، ولا فرق بين صفة وصفة في الإثبات (6) .
من الردود على من نفى صفة الرضا:(3/327)
وقيل لهم أيضاً: من نفى صفة الرضا أو غيرها من الصفات فراراً بزعمه من التشبيه والتركيب والتجسيم؛ فإنه يلزمه فيما أثبته نظير ما ألزمه لغيره فيما نفاه هو، فإن كان ممن يثبت بعض الصفات كالحياة والعلم والإرادة وغيرها كالأشعرية ومن وافقهم على مذهبهم.
يُمكن منازعته بما أثبته، وذلك بأنه يلزمه أن يثبت صفة الرضا كما أثبت العلم والحياة والإرادة وغيرها، فلا فرق بينهما (1) .
فالقول في بعض كالقول في البعض الآخر.
فإذا كان يقول: إن الله متصف بصفة العلم، أو الإرادة، أو القدرة، أو غيرها، ولايلزم من ذلك تشبيه، ولا تجسيم ولا تركيب فيلزمه أن يثبت الرضا وغيرها مِمَّا نفى، ولايلزم من إثباتها تشبيه، ولا تجسيم، ولا تركيب.
وإن كان ممن ينفي الصفات، ويثبت الأسماء، فكذلك نقول له: يلزمك أن تثبت صفة الرضا، وغيرها، كما أثبت الأسماء.
فإن قلت: أثبت الأسماء، ولا يُلزم من إثباتها تشبيه، ولا تجسيم.
قلنا لك: فأثبت الصفات أيضاً، فإثباتها لا يلزم منه تشبيه ولا تجسيم، فالقول في بعض كالقول في البعض الآخر (2) 2 - وإذا قال: الرضا وغيرها من الصفات من صفات الأجسام، ولا نرى ما هو متصف بها إلاَّ ما هو جسم، قلنا له: وكذلك الإرادة التي تثبتها، والعلم، والسمع، والبصر، وغيرها، لانرى في الشاهد ما هو موصوف بها إلاَّ جسماً.
فإن نفيت ما نفيت لكونك لا تعلمه إلاَّ صفة لما هو جسم؛ فانف الباقي؛ لأنك لاتجده في الشاهد إلاَّ لما هو جسم، بل والأسماء، بل وكل شيء، لأنك لا تجد متصفاً به، أو مسمى به، أو ما هو موجود إلاَّ جسماً.
فالقول في بعض كالقول في البعض الآخر.
وإن قال: أنا أثبت العلم والإرادة والحياة والحياة ونحوها على ما يليق بالله، فله إرادة لا تشبه إرادة المخلوق، وله علم لا يشبه علم المخلوق، وله سمع لا يشبه سمع المخلوقين - وهكذا -.(3/328)
قلنا له: وكذلك له رضا ومحبة ورحمة لاتشبه رضا المخلوق أو محبته أو رحمته، فإن أثبت ما أثبت لكونها لا تماثل صفات المخلوقين؛ فقل مثل ذلك في الرضا، ونحوها من الصفات التي نفيتها (1) ، فيلزمكم فيما نفيتم من الرضا ونحوها نظير ما أثبتموه من الإرادة والعلم وغيرهما.
فإمَّا أن تعطلوا الجميع، وهذا ممتنع، وإمَّا أن تمثلوه بالمخلوقات، وهو ممتنع، وإمَّا أن تثبتوا الجميع على وجه يختص به لا يماثله فيه غيره.
وحينئذٍ لا فرق بين صفة وصفة من حيث الإثبات، فإثبات إحداهما ونفي الأخرى فراراً من التشبيه والتجسيم قول باطل يلزم منه التفريق بين المتماثلات، والتناقض في المقالتين (2) .
ويقال لهم كذلك: ما مرادكم بالجسم؟ أتريدون بالجسم البدن المكون من المادة والصورة؟ ، فهذا لايطلق على الله - تعالى - أو تريدون ما يسمى بأسماء، ويوصف بصفات، فالله - عزّوجل - وصف نفسه بالرضا وغيرها من الصفات ووصفه بها أعلم الخلق به محمد - (-.
فإن قال: إن العقل يدل على إثبات العلم، والإرادة، والحياة، والسمع، والبصر، والقدرة، والكلام دون الرضا وغيرها من الصفات.
قلنا: الجواب عن ذلك من وجوه:
الأول: أن دلالة العقل على ما تقول لايستلزم عدم الدليل على إثبات الرضا، وغيرها من الصفات.
فلو أن العقل لم يثبت ما نفيته فإنه لاينفيه، وليس لك أن تنفيه بغير دليل؛ لأن النافي عليه الدليل على ما نفاه، كما أن على المثبت الدليل على ما أثبته، فيجب إثبات ما نفيته لثبوته بالدليل السمعي، مثل قوله - تعالى -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} (3) .
الثاني: أنه يُمكن إقامة الدليل العقلي الذي أثبت به ما أثبت على إثبات صفة الرضا وغيرها مِمَّا نفيت، فإذا دلّ الدليل العقلي على إثبات الإرادة والسمع والبصر وغيرها مِمَّا أثبت وهو سالم عن المعارض فإنه يثبت أيضاً صفة الرضا وغيرها مِمَّا نفيت من غير دليل سمعي ولا عقلي.(3/329)
الثالث: السمع دل على صفة الرضا، مثل قوله - تعالى -: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (1) ، وقوله: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (2) ، وغيرهما.
وقوله - (- السابق: {إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها} والعقل لاينفي هذه الأدلة وغيرها، مِمَّا يدل على صفة الرضا، فيجب العمل بالدليل السالم عن المعارض (3) .
الرابع: إن الرجوع إلى العقل في الإثبات والنفي مخالف لما كان عليه سلف الأمة، وأئمتها، من الصحابة، والتابعين ومن تبعهم، فما منهم أحد رجع إلى العقل في ذلك؛ وإنَّما يرجعون إلى كتاب الله وسنة نبيه محمد - (-، فما أثبته الله لنفسه أو أثبته له أعلم الخلق به - (- أثبتوه، وما نفاه عن نفسه في كتابه، أو نفاه عنه الرسول - (- نفوه، مع إثباتهم ما أثبته، إثباتاً بلا تمثيل، ونفياً بلا تعطيل.
وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: {وصفاته منه وله ولانتعدى القرآن والحديث} (4) .
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -: {حرام على العقول أن تمثل الله - تعالى -، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الظنون أن تقطع، وعلى النفوس أن تفكر، وعلى الضمائر أن تعمق، وعلى الخواطر أن تحيط، وعلى العقول أن تعقل إلاَّ ما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه - (-} (5) .
وبعضهم يرى أن الرضى والسخط والكراهة المراد بها أمره ونهيه، أو ثوابه وعقابه.
أي أن الرضا هو الأمر، أو هو الثواب، والسخط هو العقاب.
وهذا مذهب الأشاعرة (6) .
وهذا تأويل، وتكلف، لم يدل عليه دليل لا سمعي ولا عقلي، إنَّما هو تحريف للكلم عن مواضعه.
والواجب على المسلم الإيمان بصفات الله التي وصف بها نفسه، من غير تأويل، ولا تمثيل، ولا تعطيل.(3/330)