العدد 19
فهرس المحتويات
1- تنويه القرآن بعلم داود وسليمان عليهما السلام
2- حديث القرآن عن الحج
3- الآثار المروية في صفة المعية
4- الأحاديث والآثار الواردة في التسليم في الصلاة
5- المُسْتَخْرَجات نشأتها وتطورها
6- أحكام السواك
7- دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية وصداها في المغرب
8- السلطة السياسية في النظام الإسلامي مفهومها، وأهميتها، وحكم إيجادها، وخصائصها
9- حقوق الإنسان في فلسفة الثورة الفرنسية
10- مصادر الحافظ ابن الفرضي في كتابه " تاريخ العلماء والرواة "
11- مختارات من روايات الشعبي التاريخية عن عصر الراشدين من كتابي تاريخ الرسل والملوك ووقعة صفين
12- ميزاب الكعبة المشرفة المؤرخ عام 1273هـ
13- التضامن العربي الأفريقي تجاه القضية الفلسطينية
14- إيصال مياه العيون إلى مدينة جدة منذ القرن العاشر حتى نهاية القرن الثالث عشر للهجرة
15- صيغة فُعْلَى في العربية
16- التداخل في اللغات دراسة لغوية قرآنية
17- من النباتات الطبيعية في سراة غامد دراسة لغوية وصفية
18- مقتضى الحال مفهومه وزواياه في ضوء أسلوب القرآن الكريم
19- ملامح تأثير الثقافة الإسلامية فى بلاد الملايو
20- تهمة الرواة بعض الشعراء الأعراب الذين عاصروا نشأة الإسلام بجفاء الدين ورقته
21- المسافة بين الشعر والفكر - أحمد جمال نموذجاً
22- شرح العلاّمة الأمير على نظم العلاّمة السُّجاعيّ في " لاسيَّمَا "
23- لباب الإعراب المانع من اللحن في السنة والكتاب
24- دفاعٌ عن المبني للمجهول في اللغة العربية(1/1)
تنويه القرآن بعلم داود وسليمان عليهما السلام
د. إبراهيم بن سعيد بن حمد الدوسري
قسم القرآن وعلومه، كلية أصول الدين
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ملخص البحث
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا بحث في التفسير الموضوعي يتناول دراسة النبيّين الكريمين داود وسليمان عليهما السلام لإبراز هدايات القرآن الكريم ودلالته من خلال علمهما الذي نوّه الله به في مواضع متعددة من القرآن الكريم، وقد عني هذا البحث بربط قصصهما بموضوعات السور التي ورد فيها ذكرهما عليهما السلام مع التركيز على محور العلم، ومن ثم ألقي الضوء على علومهما من خلال القرآن الكريم وصلة ذلك بشخصيتهما في دراسة تأصيلية تحليلية تعتمد على تدبر كلام الله تعالى والاطلاع على كتب التفاسير القديمة والحديثة والدراسات العلمية، دون التفات إلى الإسرائيليات وما شابهها، ثم انتهت هذه الدراسة - بحمد الله وتوفيقه - إلى نتائج قيمة تتصل بعلم الله تعالى، وتبرز أهمية العلم ومكانة هذين النبيين الكريمين وشرفهما، كما تضمنت الرد على اليهود وكل من طعن في نبوة داود وسليمان عليهما السلام أو تنقّص من قدرهما أو أطراهما، كما أكد البحث أن العلم من أبلغ المعجزات التي أُويدا بها، وغير ذلك من النتائج التي تضمنها هذا البحث، فهو يعتبر دراسة جديدة في موضوعه، إذ لم أقف على مؤلف خاص يعني بجانب علمهما مع ما حظيا به عليهما السلام من إشادة في ذلك، حتى أصبح العلم هو الصبغة الغالبة في قصصهما. والله أعلم.
(( (( ((
الحمد لله عالم الغيب والشهادة، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، أما بعد:(1/2)
فيقول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} (1) ويقول تعالى ذكرُه عنهما عليهما السلام: {وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (2) فنوّه الله بعلمهم في كتابه الكريم في تضاعيف قصصهم، وصرّف في مثانيه أنواع علومهم، ولقد انتدبنا الله في سياق قصصهما إلى التدبر والادّكار، فقال جلّ شأنه: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} (3) ، وعن مجاهد قال: قلت لابن عباس أنسجد في ص؟ ، فقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} (4) حتى أتى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (5) ، فقال: ((نبيكم (ممن أمر أن يُقتدى بهم)) (6) .
ولا جرم أن ما اشتمل عليه قصصهما في مجال العلم يعتبر سمة بارزة، فهو حقيق بالدراسة لتأصيل بعض الموضوعات الأساسية وإبراز هدايات القرآن الكريم في هذا الجانب المهم، وذلك ضرب من التفسير الموضوعي.
مواطن ورود قصصهما:
يسوق الله تعالى ذكره القصص في السور حسب موضوعها ومقاصدها، ويعتبر العلم من المحاور التي تدور عليها بعض السور، ومن الأغراض والقضايا التي تحفّل بها القرآن الكريم.
وقد ورد ذكر داود وسليمان عليهما السلام في تسع سور في المواضع التالية:
أرقام الآيات التي في سليمان عليه السلام
أرقام الآيات التي في داود عليه السلام
نوعها
اسم السورة
م
102
251
مدنية
البقرة
1
163
163
مدنية
النساء
2
-
78
مدنية
المائدة
3
84
84
مكية
الأنعام
4
-
55
مكية
الإسراء
5
78-82
78-79
مكية
الأنبياء
6
15-44
15-16
مكية
النمل
7
12-14
10-11
مكية
سبأ
8
30-40
17-30
مكية
ص
9
__________
(1) سورة النمل، الآية 15.
(2) الأنبياء، الآية 79.
(3) ص، الآية 29.
(4) الأنعام، الآية 84.
(5) الأنعام، الآية 90.
(6) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} 4/135.(1/3)
وقد وقع ترتيب تلكم السور حسب النزول كالتالي: سورة ص، ثم النمل، ثم الإسراء، ثم الأنعام، ثم سبأ، ثم الأنبياء، ثم البقرة، ثم النساء، ثم المائدة (1) .
وهذه السور على أربعة أقسام:
سورةٌ العلمُ أحد مقاصدها الأساسي، وأشير فيها إلى علم داود وسليمان عليهما السلام وهي سورة البقرة.
السور التي يعتبر العلم من أهم مقاصدها الأساسية، وفصّل فيها قصصهما أو أحدهما وهي سور الأنبياء والنمل وسبأ.
سورةٌ العلمُ ليس من مقاصدها الأساسية، وفصّل فيها قصصهما، وهي سورة ص.
السور التي ذُكرا فيها أو أحدهما على وجه الإيجاز ضمن النبيين أو لأغراض أخرى اقتضاها السياق، وهي سور النساء والمائدة والأنعام والإسراء.
وسألقي الضوء على الأقسام الثلاثة الأول، أما القسم الرابع فلا يستدعي ذلك؛ لأنه ليس على شرط هذا البحث.
القسم الأول/ سورة البقرة:
__________
(1) انظر الزركشي: البرهان 1/193.(1/4)
نصّ شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) على أنها اشتملت على ((تقرير أصول العلم وقواعد الدين)) (1) ، وبهذا تظهر المناسبة جلية بين السورة والآيتين التي ورد فيهما ذكر داود وسليمان وهما قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (2) ، وقوله تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} (3) ففي الآية الأولى تبرئة من الله تعالى لسليمان من السحر، فإن اليهود كانوا يقولون - افتراءً - ((هذا علم سليمان، وما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم)) (4) ، فمعنى الآية: واتبع اليهود ما كانت تتلوه الشياطين من كتب السحر والشعوذة على عهد ملك سليمان، وقوله جلّ وعلا: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} (5) لأن اليهود نسبته إلى السحر، ((ولكن لما كان السحر كفراً صار بمنزلة من نسبه إلى الكفر)) (6) .
وفي الآية الأخرى يمتن الله على داود بما آتاه وعلّمه، وقد استنبط الفخر الرازي (ت604 هـ) من هذه الآية أصلاً من أصول التعلم فقال: ((فإن: قيل إنه تعالى لما ذكر إنه آتاه الحكمة وكان المراد بالحكمة النبوة، فقد دخل العلم في ذلك، فلِم ذكره بعد {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} ؟.
قلنا: المقصود منه التنبيه على أن العبد قط لا ينتهي إلى حالة يستغني عن
__________
(1) دقائق التفسير 1/195.
(2) البقرة، الآية 102.
(3) البقرة، الآية 251.
(4) الزمخشري: الكشاف 1/301.
(5) انظر المصدر السابق، ابن عطية: المحرر 1/415، ابن العربي: أحكام القرآن 1/28.
(6) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 2/43.(1/5)
التعلّم، سواء كان نبياً أو لم يكن، ولهذا السبب قال لمحمد (: {وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (1)) ) (2) ، ولا يخفى أن قوله تعالى: {وَعَلَّمَهُ} يشير إلى أن المصدر الحقيقي للعلم هو من عند الله تعالى.
ولما كانت سورة البقرة سورة مدنية فقد تناولت ذكرهما عليهما السلام في قضايا تشريعية: السحر والقتال، وأيضاً وقع مثل ذلك في سورة المائدة، حيث ذكر داود في سياق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ يقول الله جلّ شأنه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} (3) .
القسم الثاني/ سورة الأنبياء:
وهي سورة مكيّة ركزت على الحساب والرسالة وما يتصل بذلك من قضايا العقيدة (4) ، وقد ورد ذكر العلم صريحاً في أولها ووسطها وآخرها دلالة على علم الله المحيط وقدرته جل وعلا على البعث والجزاء كما في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (5) ، وقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} (6) ، وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} (7) ، وقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ *إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} (8) .
__________
(1) طه، الآية 114.
(2) الرازي مفاتيح الغيب 6/204.
(3) الآيتان 78،79.
(4) انظر البقاعي: مصاعد النظر 2/286، سيد قطب: الظلال 4/2364، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/6.
(5) الآية 4.
(6) الآية 28.
(7) الآية 47.
(8) الآيتان 109،110.(1/6)
وقد ذكر الله فيها جملة من قصص الأنبياء عليهم السلام، فدلّت كل قصة على معنى أو أكثر مما اشتملت عليه السورة (1) ، ((وقد روعي في تخصيصهم بالذكر ما اشتهر به كل فرد منهم من المزية التي أنعم الله بها عليه)) (2) .
قال الله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (3) فافتتح قصصهما بالشهادة والعلم، واختتم بالعلم والحفظ، فلذلك جاء قصصها للدلالة على كمال علم الله، ثم في هذا القصص تنبيه على أن العلم من أفضل النعم وأشرفها حيث زينهما الله بالعلم والفهم (4) .
سورة النمل:
__________
(1) انظر البقاعي: مصاعد النظر 2/286.
(2) محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/115.
(3) الأنبياء، الآيات 78-82.
(4) الرازي: مفاتيح الغيب 22/195، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/115.(1/7)
وتسمى سورة سليمان (1) ، لما فيها من تفصيل لقصة سليمان في تسع وعشرين آية من ثلاث وتسعين آية عدد آي السورة، والمتدبر لآي هذه السورة تظهر له بوضوح قضية العلم واتخاذها مسلكاً لإبراز سعة علم الله في الأرض وفي السماء وفي العلن وفي الخفاء وفي الغيب والمستقبل، وما دلت عليه الآيات الكونية وعالم الحيوان من براهين ناطقة بلسان الحال والمقال على علم الله جل وعلا، ولذلك نص برهان الدين البقاعي (ت 885هـ) على أن ((المقصود الأعظم منها إظهار العلم والحكمة)) (2) ، وقد تنبه لذلك سيد قطب (ت 1387هـ) فقال: ((والتركيز في هذه السورة على العلم، علم الله المطلق بالظاهر والباطن، وعلمه بالغيب خاصة، وآياته الكونية التي يكشفها للناس، والعلم الذي وهبه لداود وسليمان، وتعليم سليمان منطق الطير وتنويهه بهذا التعليم، ومن ثم يجيء في مقدمة السورة: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (3) ، ويجيء في التعقيب: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ} (4) ، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ* وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (5) ، ويجيء في الختام: {سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} (6) ، ويجيء في قصة سليمان {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} (7) ، وفي قول سليمان: {يَا أَيُّهَا
__________
(1) انظر السخاوي:جمال القراء 1/37، السيوطي: الإتقان 1/156، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/215.
(2) مصاعد النظر 2/333.
(3) الآية 6.
(4) الآيتان 65،66.
(5) الآيتان 74،75.
(6) الآية 93.
(7) الآية 15.(1/8)
النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرَِ} (1) ، وفي قول الهدهد: {أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (2) ، وعندما يريد سليمان استحضار عرش الملكة، لا يقدر على إحضاره في غمضة عين عفريت من الجن، إنما يقدر على هذه: {الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} (3) .
وهكذا تبرز صفة العلم في جور السورة تظللها بشتى الظلال في سياقها كلها من المطلع إلى الختام، ويمضي سياق السورة كله في هذه الظل، حسب تتابعه الذي أسلفنا)) (4) .
ومن ثَمَّ جاءت قصة سليمان بن داود عليهما السلام في هذا السياق، وجميع موضوعاتها تدور في محور العلم ومجالاته المتعددة كما سيتضح خلال هذا البحث.
سورة سبأ:
قال تعالى في هذه السورة عن داود وسليمان عليهما السلام: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (5) .
__________
(1) الآية 16.
(2) الآية 25.
(3) الآية 40.
(4) سيد قطب: الظلال 5/2625.
(5) الآيات 10-14.(1/9)
تبدو ملامح العلم في هذه الآيات واضحة، حيث أشاد الله بفضله عليهما بما أفاء عليهما من صنوف النعم، نعمة النبوة والحكمة والعلم وغيرها (1) ، ومنها إِلاَنَة الحديد لداود وتعليمه صناعة الدروع، ذلك في المجال العسكري، أما في المجال المدني فقد سخر الله لسليمان النحاس ليصنع منه القدور الراسيات وغيرها (2) ، ثم ختم قصصهما برد علم الغيب إلى الله تعالى وحده.
وقد جاء ذلك منسجماً مع غرض مهم من أغراض هذه السورة، وهو تقرير إحاطة علم الله (3) ، وهو من أهم مقاصدها، إذ جاء في مطلعها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (4) كما ورد في آخرها: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (5) .
والمتدبر لكلام الله تعالى في قصة داود وسليمان في هذه الآيات يلحظ أنها ركزت على الجانب العملي الذي هو الترجمة الحقيقية للعلم، وسيأتي لذلك مزيد بسط عند الكلام على علومهما إن شاء الله تعالى.
القسم الثالث / سورة ص:
__________
(1) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1594، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 22/155.
(2) انظر الرازي: مفاتيح الغيب 25/250، محمد الغزالي: نحو تفسير موضوعي ص331.
(3) سيد: الظلال 5/2888، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 22/134، محمد الغزالي: نحو تفسير موضوعي ص331.
(4) الآيات 1-3.
(5) الآية 48.(1/10)
ويقال لها سورة داود (1) ، حيث استهل به قصص السورة في أنبياء بني إسرائيل، وبُسطت قصته أكثر من غيرها، وقد أشاد الله فيها بداود بما آتاه من الحكمة وفصل الخطاب، إذ يقول الله فيها: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} (2) وسيقت فيها قصة داود وسليمان لتسلية الرسول (عن تكذيب قومه وأمره بالصبر في قوله تعالى: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} ، واستطراد الثناء عليهما بجميل الصفات (3) .
وبعد هذه الجولة يمكننا أن نرصد أبعاد شخصية هذين النبيين الكريمين وعلمهما عليهما السلام من خلال آيات القرآن الكريم.
داود وسليمان عليهما السلام وعلمهما:
هما من ذرية إبراهيم عليه السلام، وقد أشار القرآن إلى ذلك في قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} (4) والضمير في {ذُرِّيَّتِهِ} جائز أن يعود إلى إبراهيم أو إلى نوح عليهما السلام (5) .
__________
(1) انظر ابن الجوزي: زاد المسير 7/96، السخاوي: جمال القراء 1/37، البقاعي: نظر الدرر 16/322، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/201.
(2) الآية 20، وسيأتي معنى هذه الآية عند الحديث عن علوم داود عليه السلام.
(3) انظر: محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/201.
(4) الأنعام، الآية 20.
(5) انظر: الزجاج: معاني القرآن 2/269، ابن عطية: المحرر الوجيز 5/269.(1/11)
وكان داود أحد جنود طالوت، وهو الذي قتل خصمهم جالوت كما قال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} (1) فاشتملت هذه الآية على ثلاث منح لداود: الملك أي: السلطان، والحكمة أي: النبوة، والعلم في قوله جل شأنه: {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} أي علمه صنع الدروع وغيرها (2) ، فكان أول نبي جمعت له النبوة والملك في بني إسرائيل (3) ، مع غزارة علم أشار الله إليها في قوله جلّ شأنه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} (4) .
هذا هو نبي الله داود كما في القرآن الكريم، وكما يعتقده المسلمون خلافاً لليهود إذا لا يعدّونه نبياً، وخلافاً لمن بالغ في تعظيمه حتى فضّله على أولي العزم كالداودة الذين يزعمون أنه أفضل الأنبياء والرسل (5) .
ثم ورث سليمان أباه داود عليهما السلام في العلم والملك (6) كما قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ} (7) ، وقال جلّ شأنه: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} (8) ، وكان سليمان أعظم ملكاً من أبيه وأقضى منه عليهما السلام (9) ، قال تعالى في سليمان عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (10) ، وأما القضاء فسيأتي الحديث عنه قريباً.
__________
(1) البقرة، الآية 251.
(2) انظر الطبري: جامع البيان 2/632، ابن عطية: المحرر الوجيز 2/271.
(3) انظر ابن كثير: البداية والنهاية 2/10، التحرير والتنوير 17/114.
(4) النمل، الآية 15، انظر الزمخشري: الكشاف 3/139 في تفسيرها.
(5) انظر: انستاس ماري: الداودة، مجلة المشرق، العدد 2/يناير/1903م، ص:60-67.
(6) الطبري: جامع البيان 19/141.
(7) ص، الآية 30.
(8) النمل، الآية 16.
(9) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 13/164.
(10) ص، الآية 35.(1/12)
فذلكما النبيان - الكريمان -وإن كانا دون درجة أولي العزم الخمسة لكنهما من جملة الأنبياء الذين امتدحهم الله في القرآن الكريم مدحاً عظيماً (1) ، ولا التفات لما رُميا به مما لا يليق بأفناء الناس فكيف بأنبياء الله؟! .
لقد امتزجت تلكم الهبات الربانية - النبوة والعلم والملك - فأفرزت بفضل الله شخصيتين مكتملتي المواهب سجلت في القرآن الكريم فحقت أخذ العبرة منها.
وفيما يلي ألقي الضوء على علمهما عليهما السلام وصلته بشخصيتهما الكريمتين:
القضاء:
قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} (2) ، الضمير فى {وَآتَيْنَاهُ} راجع إلى داود عليه السلام، وهو يدل على أن الذي أوتيه من الحكمة وفصل الخطاب من طريق الوحي، وسيأتي الحديث عن الحكمة في آخر البحث، وأما قوله تعالى: {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} فالفصل: ((تمييز الشيء من الشيء وإبانته عنه)) (3) ، ((والخَطب والمخاطبة والتخاطب المراجعة في الكلام)) (4) ، ومعنى الآية: إصابة القضاء، وهو قول ابن عباس (ت68 هـ) رضى الله عنهما ومجاهد (ت 104هـ) وغيرهما، ويدخل في ذلك من قال: إن معناه: تكليف المدّعى البينة، واليمين على من أنكر، وإنما كان فصل الخطاب قضاء لأن به يفصل بين الخصومة، والخصام نوع من الخطاب (5) ، وقال آخرون: معنى الآية فصاحة الكلام، وسيأتي هذا المعنى مفصلاً في المبحث التالي.
__________
(1) انظر عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن 6/567.
(2) ص، الآية 20.
(3) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (فصل) 4/505.
(4) الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (خطب) 150.
(5) انظر البخاري: صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} 4/134، الطبري 23/139، ابن عطية: المحرر الوجيز 12/437، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 15/162، الآلوسي: روح المعاني 23/177.(1/13)
واختار ابن العربي القول بأنه علم القضاء، ثم قال: ((فأما علم القضاء - فلعمر إلهك - إنه لنوع من العلم مجرّد، وفصل منه مؤكد غير معرفة الأحكام ... )) (1)
ويؤيد القول بأنه علم القضاء سياق الآيات بعدها، حيث أردفها جل شأنه بحادثة من أقضيته، وهي قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ * يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ} (2) ، لا خلاف بين أهل التأويل أن هؤلاء الخصم إنما كانوا ملائكة (3) .
__________
(1) أحكام القرآن 4/1627.
(2) ص، الآيات 21-26.
(3) ابن عطية: المحرر 12/437.(1/14)
وقوله: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} يقول: ((دخلوا عليه من غير باب المحراب، والمحراب مقدّم كل مجلس وبيت وأشرفه)) (1) وقوله: {وَلاَ تُشْطِطْ} يقول: ((لا تجر ولا تسرف في حكمك)) (2) ، وقوله: {إِنَّ هَذَا أَخِي} يعني الأخوة في الدين (3) ، والنعجة هي المرأة (4) ، {أَكْفِلْنِيهَا} أي ضمها إليّ (5) ، {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} : ((غلبني في الخصومة أي كان أقوى على الاحتجاج مني)) (6) ، قوله تعالى {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} : ((يقول: وعلم داود أنما ابتليناه)) (7) ، وأكثر العلماء على أن الركوع في قوله تعالى: {وَخَرَّ رَاكِعًا} هو السجود (8) ، وقوله تعالى: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى} ((يقول: وإن له عندنا للقربة منا يوم القيامة)) (9) .
وقد حكيت في هذه القصة أقاويل وصور مأخوذة من الإسرائيليات لا تليق بنبي الله داود الذي رفع الله مكانته وأذاع فضله عليه السلام، ومن خلال تدبر كلام الله لهذا النبأ، وتأمل ما صح من الروايات في تفسير هذه القصة ظهر لي أن الله أرسل ملكين لداود عليه السلام فاختصموا إليه في نازلة قد وقع هو في نحوها، فحكم بحكم هو واقع عليه في نازلته، ولما شعر وفهم المراد خرّ ساجداً فغفر الله له، وذلك أنه عليه السلام سأل رجلاً أن يطلق له امرأته ليتزوجها كما كان ذلك جائزاً في صدر الإسلام، فنبهه الله تعالى على ذلك وعاتبه بهذا المثل يشعره أنه كان الأليق بمقامه ألاّ يتشاغل بهذا الأمر وإن كان مباحاً في دينهم.
__________
(1) الطبري: جامع البيان 23/141.
(2) المصدر السابق 23/142.
(3) ابن عطية: المحرر 12/443.
(4) انظر البخاري: صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} 4/135.
(5) انظر المصدر السابق.
(6) الزجاج: معاني القرآن.
(7) الطبري: جامع البيان 22/145.
(8) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4/99.
(9) الطبري: جامع البيان 22/145.(1/15)
هذا خلاصة ما وقفت عليه مما صح ومما اعتمده كبار الأئمة، فأما غير هذا فلا ينبغي الاجتراء عليه (1) والله أعلم.
وفيما أخبر الله به عن نبيه داود عليه السلام من إيتائه إصابة القضاء تنويه صريح بما أنعم الله عليه من هذا العلم، ومن ثَمَّ صدّقه بما ساقه جل وعز من نبأ الخصم، فلقد أبان عما كان يتمتع به عليه السلام من حلم على الخصوم بعد ما تسوّروا المحراب، وقالوا له لا تُجر في الحكم، كما أفصح ذلكم النبأ عن مظهر من مظاهر العدل في قضاء داود عليه السلام، فقد حكم بينهما بالعدل، ثم حذرهما من الظلم منتهزاً فرص الهداية لئلا يفوت وعظ النفوس وتوجيهها وهي متهيئة للاستجابة فحثهما على أن يكونا من الصالحين، مع ما تضمنه ذلك من تسلية للمظلوم (2) .
أما ما قاله بعض الناس إن داود عليه السلام حكم في القضية قبل أن يستمع حجة الخصم الآخر، وأن هذه كانت خطيئته فإنه قول ضعيف لا يعوّل عليه، وذلك مما لا يجوز عند أحد ولا في ملة من الملل، فكيف بمن امتدحه الله بإصابة القضاء؟! (3) .
__________
(1) انظر المصدر السابق 22/146، النحاس: معاني القرآن 6/101، وإعراب القرآن 3/461، الزمخشري: الكشاف 3/366، ابن عطية: المحرر 12/439، القرطبي 15/175، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/237.
(2) انظر الزمخشري: الكشاف 3/371، ابن عطية: المحرر 12/446، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/239.
(3) انظر ابن عطية: المحرر 12/446، ابن العربي: أحكام القرآن 4/1637، الآلوسي: روح المعاني 23/181.(1/16)
وتبرز هذه الصفة - وهي سمة العدل والإنصاف - عند سليمان بن داود عليهما السلام في قضية الهدهد حينما توعده في قوله: {لأَعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} (1) فلم يقض في شأنه قضاءً نهائياً قبل أن يستمع منه ويستبين عذره، وحينما أخبره بنبأ سبأ لم يتسرّع أيضاً بل: {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (2) .
__________
(1) النمل، الآية 21.
(2) النمل، الآية 27، وانظر ابن العربي: أحكام القرآن 3/1458، عبد الرحمن السعدي: تفسير الكريم الرحمن 6/573، سيد قطب: في ظلال القرآن 5/2638.(1/17)
ومن أبرز الأقضية التي أبانت عن مظهر مشرق من مظاهر حكم كل من داود وسليمان عليهما السلام ما قصه جل شأنه في قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (1) فتضمنت هاتان الآيتان التنويه بعلم داود وسليمان عليهما السلام والإشادة بقضائهما واجتهادهما من خلال حكمهما في الحرث وهو الزرع، وقيل الكَرْم، حين دخلت فيه غنم القوم الآخرين من غير أهل الحرث ليلاً - وذلك معنى النفش: وهو الرعي ليلاً - فرعته وأفسدته، فرأى داود عليه السلام أن يدفع الغنم إلى أصحاب الحرث لسبب اقتضى عنده ترجيح ذلك، ولعلّه أن ثمن ذلك الغنم يساوي ثمن ما أتلف من ذلك الحرث، فكان ذلك عدلاً في تعويض ما أتلف، وأما حكم سليمان فرأى أن تدفع الغنم لأصحاب الحرث عاماً كاملاً كيما ينتفعوا من ألبانها وأصوافها ونسلها، ويدفع الحرث إلى أصحاب الغنم ليقوموا بعمارته، فإذا كَمُل الحرث وعاد إلى حالته الأولى رُدّ إلى كل فريق ماله، فرجع داود إلى حكم سليمان لأنه أرفق، وإن كان قضاء داود متوجهاً، إذ الأصل في الغُرْم أن يكون تعويضاً ناجزاً، وفي قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} دليل على أن الأصوب كان مع سليمان، إذ أحرز أن يبقي ملك كل فريق على متاعه، كما تضمن مع العدل والتعويض البناء والتعمير، وفي قوله تعالى: {وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} دليل أن اجتهاد كل منهم كان على الصواب، فهو احتراس من أن يفهم أن حكم داود عليه السلام كان جوراً (2)
__________
(1) الأنبياء، الآيتان 78،79.
(2) انظر الطبري: جامع البيان 17/51، الزمخشري: الكشاف 2/581، ابن عطية: المحرر الوجيز 10/176، ابن العربي: أحكام0. القرآن 3/1266، سيد قطب: في ظلال القرآن 4/2389، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/116.(1/18)
وفي هذه القصة إشارة إلى لون من ألوان اجتهادهما على أساس من العدل ودقة بالغة في فقه القضاء، كما دلت على تعدد طريق القضاء بالحق والتفاضل بين مراتب الاجتهاد (1) .
((قال جمهور الأمة: أن حكمهما كان باجتهاد)) (2) ، ولذلك جوّز المحققون ذلك على الأنبياء (3) ، والفرق بينهم وبين غيرهم من المجتهدين أنهم معصومون عن الغلط مؤيدون من الله عز وجل،والوحي من ورائهم تأييدا وتصويبا (4) ، فلهذا عُدّ من علوم داود وسليمان العلم بطريق الاجتهاد، وهو نوع من العلوم المكتسبة غير العلم اللدني (5) .
وفي هذه القصة دلالة على أن الفطنة والفهم موهبة من الله لا تتوقف على كبر سن ولا صغره (6) وقريب من هذه الحكومة ما جاء في الصحيحين أن رسول الله (قال: ((كانت امرأتان معهما ابنهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود عليه السلام، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه، فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى)) (7) .
الفصاحة:
__________
(1) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/115.
(2) ابن عطية: المحرر الوجيز 10/178.
(3) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 11/309، الآلوسي: روح المعاني 17/74، محمد
الأمين: أضواء البيان 4/597.
(4) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 11/309، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 5/351، ابن حجر: فتح الباري 13/222.
(5) انظر الآلوسي: روح المعاني 17/75.
(6) انظر ابن حجر: فتح الباري 13/221.
(7) صحيح البخاري، كتاب الفرائض، باب إذا ادّعت المرأة ابناً 8/12، صحيح مسلم، باب بيان اختلاف المجتهدين 3/1344، رقم الحديث 1720، واللفظ للبخاري.(1/19)
قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} (1) ، سبقت الإشارة إلى هذه الآية في المبحث السابق، والمعنى الآخر في {َفَصْلَ الْخِطَابِ} أن الله آتى داود عليه السلام بلاغة القول، فكان كلامه فصلاً يعبر عن المعنى بأوضح عبارة، لا يأخذه في ذلك حصر ولا ضعف، ولا يحتاج سامعه إلى زيادة تبيان، وهذا القول هو الذي يعطيه لفظ الآية، ويدخل فيه من قال إنه علم القضاء، فكلامه عليه السلام في القضايا والخصومات والمحاورة والمخاطبة والمشورات كله من فصل الخطاب، واختار هذا القول جماعة من المحققين (2) .
وتلكم البلاغة التي أوتيها عليه السلام كانت على اللغة العبرية، ويدخل فيها الزبور ((المسمى عند اليهود بالمزامير فهو مَثَلٌ في بلاغة القول في لغتهم)) (3) .
وروى ابن جرير بإسناد صحيح عن الشَّعبي أن فصل الخطاب قوله: ((أما بعد)) (4) ، وينبغي أن يحمل ذلك على أنه قالها بلسانه بمعناها في اللغة العبرية (5) ، وذلك داخل في القول المذكور آنفاً، فمن فصل الخطاب قوله: ((أما بعد)) (6) .
__________
(1) ص، الآية 20.
(2) انظر الطبري: جامع البيان 23/140، الزمخشري: الكشاف 3/365، ابن عطية: المحرر الوجيز 12/434، مفاتيح الغيب: الرازي 13/187، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/229.
(3) محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/229.
(4) انظر الطبري: جامع البيان 23/140، ابن حجر: فتح الباري 13/211.
(5) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1629، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 23/229.
(6) انظر الزمخشري: الكشاف 3/365.(1/20)
وورث سليمان داود عليهما السلام في فصاحته، ومن أبلغ كلامه تلكم الوثيقة التي أرسلها إلى ملكة سبأ، وهي قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (1) قال ابن كثير (ت774 هـ) : ((وهذا الكتاب في غاية البلاغة والوجازة والفصاحة، فإنه حصّل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها)) (2) ، وبنحو ذلك وصفه غير واحد من المفسرين (3) ، ولهذا وصفته الملكة بأنه كتاب كريم لحسن مضمونه وبلاغته وإصابته المعنى (4) إذ يقول الله تعالى عنها: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} (5) واستظهر غير واحد من المفسرين أن الكتاب هو ما نص الله عليه باللغة العربية وبهذا الترتيب (6) ، وحينئذ يكون اسمه عليه السلام عنواناً للكتاب بأعلاه أو جانبه أو بظاهره على حسب طريقة الرسائل الملكية في ذلك العهد (7) .
وقيل إنه كُتب على لغة سليمان، فيكون هذا النص الكريم ترجمة إلى اللغة العربية الفصحى بتضمين دقيق لما اشتملت عليه اللغة التي أنشئ بها من بلاغة (8) . والله أعلم.
صنائع الحديد والنحاس وغيرهما:
__________
(1) النمل، الآيتان 30،31.
(2) تفسير القرآن العظيم 6/199.
(3) انظر الزمخشري: الكشاف 3/146، ابن عطية: المحرر الوجيز 11/201 وغيرهما.
(4) انظر الزمخشري: الكشاف 3/146، ابن العربي: أحكام القرآن 3/1459.
(5) النمل، الآية 29.
(6) انظر ابن عطية: المحرر الوجيز 11/201، أبا حيان: البحر 7/72، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/199.
(7) انظر المصادر السابقة، الآلوسي: روح المعاني 19/195، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/259.
(8) انظر أباحيان: البحر 7/73، الآلوسي: روح المعاني 19/194، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/259.(1/21)
قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} (1) ، وقال جلّ شأنه: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} (2) .
الضمير في {وَعَلَّمْنَاهُ} ، {وَأَلَنَّا لَهُ} راجع إلى داود عليه السلام، والمراد باللبوس في الآية: الدروع (3) ، وسميت لبوساً لأنها تلبس كالثوب (4) ، والدرع ((يلبس عادة على ثوب من النسيج المبطن يشبه الوسادة تحت حلقات المعدن أو صفحات رقيقة)) (5) ، والبأس: القتال (6) .
وتضمنت الآيتان الأخريان مادة الدروع وهي الحديد، ووصفها بأنها سابغات: ((وهي التوامّ الكوامل من الدروع)) (7) ، قال قتادة (ت 118هـ) : ((كانت الدروع قبل داود صفائح، وهو أول من سردها وحلّقها)) (8) ، ((والسرد خرز ما يخشن ويغلظ كنسيج الدروع)) (9) والتقدير: الإحكام (10) ، والمعنى: أحْكَم نسجها فيما يجمع بين الخفة والحصانة، لأنها لمّا كانت صفائح كانت ثقالاً تعيق المقاتل عن سرعة الحركة، وأمر بالتقدير لئلا يؤدي سردها إلى أن تكون ضعيفة لا تقوى على الدفاع (11) .
__________
(1) الأنبياء، الآية 80.
(2) سبأ، الآيتان 10،11.
(3) الطبري: جامع البيان 16/54.
(4) انظر ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (لبس) 5/230.
(5) صلاح عاشور: تاريخ الدروع وتطورها، مجلة الجندي المسلم، العدد 31، ص30.
(6) الطبري: جامع البيان 16/55.
(7) المصدر السابق 22/66.
(8) المصدر السابق 16/55.
(9) الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (سرد) 230.
(10) انظر المصدر السابق مادة (حكم) 396.
(11) انظر ابن عطية: المحرر الوجيز 12/147.(1/22)
وهذا الفضل الذي أنعم الله به على داود سماه الله علماً وزاده شرفاً بأن تولى الله جلّ وعلا تعليمه، وفي ذلك ((دليل على تعلم أهل الفصل الصنائع، وأن التحرف بها لا ينقص من مناصبهم؛ بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم، إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال الخلي عن الامتنان)) (1) ، كما تدل الآيات على أن العلم وفضله وما يتصل به لا يقتصر على الجانب الشرعي فحسب، المهم أن يكون لله جلّ وعلا، وأن يورث صاحبه الإنابة لله تعالى ويتضح ذلك في سورة سبأ من مناسبة قصة داود عليه السلام للآية التي قُبيلها وهي قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} (2) ، وكذلك في ختم قصة داود في سورة سبأ بقوله جلّ شأنه: {وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (3) ، وكذلك في ختم آية الأنبياء: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (4) ، وذلك بتوظيف هذه النعمة فيما يرضي الله ويقتضي شكره، والجهاد في سبيله، ولقد انتفعت البشرية من هذه الدروع وسارت في تطويرها جنباً إلى جنب مع تطور الأسلحة حتى العصر الحديث (5) لكنه لم يكن متصلاً بالله، فلذلك انحرف من مساره الصحيح حتى أدى به إلى أن يكون البشر أنفسهم دروعاً للمنشآت العسكرية وغيرها!! فأين ذلك من الحكمة الإلهية: {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} (6) ؟ .
__________
(1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/267.
(2) الآية 9.
(3) الآية 11.
(4) الآية 80.
(5) انظر هاني أبوغريبة: تاريخ الدروع، مجلة تاريخ العرب والعالم، العدد 107-110،
ص46-56.
(6) الأنبياء، الآية 80.(1/23)
ولئن نوّه الله بعلم داود في هذا المجال فإنه قد أشاد بعمله، فقال جلّ وعلا: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} (1) ، ووصفه في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ} (2) قال ابن كثير (ت774 هـ) : ((الأيد القوة في العلم والعمل)) (3) ، وقد دلت الآيات والأحاديث على أنه كان موصوفاً بخلال لم يشغله مُلك ولا علم ولا صنعة عن التحلي بها، ومنها ما يلي:
أنه كان موصوفاً بفرط شجاعته (4) ، فهو الذي قتل الطاغية جالوت كما سبق، وكان ((لا يفر إذا لاقى)) (5) .
ورعه وعفّته، فكان: ((لا يأكل إلا من عمل يده)) (6) ، قال ابن حجر (ت852 هـ) : ((والذي يظهر أن الذي كان يعمله داود بيده هو نسج الدروع، وأَلاَن الله له الحديد فكان ينسج الدروع ويبيعها ولا يأكل إلا من ثمن ذلك مع كونه كان من كبار الملوك)) (7) .
نسكه وعبادته، فقد روى مسلم (ت261 هـ) عن الرسول (أنه قال في داود عليه السلام: ((كان أعبد الناس)) (8) ، وروى البخاري (ت256 هـ) مرفوعاً: ((أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه)) (9) .
وثمة صفات أخرى تضمنها البحث، فالتوازن والاعتدال في العلم والعبادة والعمل سنة الأنبياء وسمة العلماء.
__________
(1) سبأ، الآية 13.
(2) ص، الآية 17.
(3) تفسير القرآن العظيم 7/49.
(4) ابن حجر: فتح الباري 13/211.
(5) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} 4/134.
(6) المصدر السابق 4/134.
(7) ابن حجر: الفتح 13/29.
(8) صحيح مسلم، باب النهي عن صوم الدهر 2/813، رقم الحديث 182.
(9) صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب: أحب الصلاة إلى الله.." 4/134.(1/24)
وإذا كان داود عليه السلام أُلين له الحديد، وطوّعه في الصناعة الحربية فإن ابنه نبي الله سليمان عليه السلام قد أسال الله له عين النحاس، واتجة إلى الصناعة المدنية، ((وسُخر له أهل الصنائع والإبداع)) (1) ، قال تعالى: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} (2) ، {أَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} ، ((يقول: وأذبنا له عين النحاس، وأجريناها له)) (3) ، وقيل: القطر: الفلزّ كله: النحاس والحديد وغيرهما، وعلى الأول جمهور المفسرين واللغويين، وقيل أذبنا له معدن النحاس على نحو ما كان الحديد يلين لداود، فلذلك سماه عين القطر باسم ما آله إليه، فالعين على هذا القول ليست حقيقة ولكنها مستعارة، والذي تشهد به الآثار أنه على الحقيقة كعيون الماء معجزة لنبيه عليه السلام (4) .
__________
(1) محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/114.
(2) سبأ، الآيتان 12،13.
(3) الطبري: جامع البيان 22/69
(4) انظر المصدر السابق، الزمخشري: الكشاف 22/282، ابن عطية: المحرر 12/149، السيوطي: الدر المنثور 6/677، الآلوسي: روح المعاني 22/117، محمد الطاهر: التحرير 22/159.(1/25)
وفي قوله جلّ شأنه: {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} معجزة أخرى، حيث سخر له الجن استجابةً لدعائه، وذلك في قوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} (1) ، وقال جلّ شأنه: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (2) ، فهذه خِصِّيصة لسليمان عليه السلام، فقد روى البخاري (ت256هـ) عن النبي (قال: ((إن عفريتاً من الجن تفلّت البارحة ليقطع عليّ صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فرددته خاسئاً..)) (3) ، فهذا التسخير من الله وحده وله المنّة، وليس كما يعتقده اليهود أن هذا التسخير ما تم له إلا بعلم السحر (4) .
ثم أخبر الله تعالى ذكره عن بعض ما يعمله الجن لسليمان عليه السلام، فقال جلّ ذكره: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} ، المحاريب: القصور، هذا هو الراجح في الآية (5) .
__________
(1) ص، الآيات 35-38.
(2) الأنبياء، الآية 82.
(3) صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى {ووهبنا لداود سليمان..} 4/135.
(4) انظر الزمخشري: الكشاف 1/301.
(5) انظر الزمخشري: الكشاف 22/282، ابن عطية: المحرر 12/150، ابن منظور: لسان العرب، مادة (حرب) 1/306، الآلوسي: روح المعاني 22/117، محمد الطاهر: التحرير 22/160.(1/26)
التماثيل: الصّور من النحاس وغيره، وكان هذا من الجائز في ذلك الشرع، ثم نسخ بعض أنواعه بشرع سيدنا محمد (على تفصيل من حيث الحرمة والكراهية والإباحة في أنواعها (1) .
والجِفَان: جمع جَفنة، وهي القَصعة العظيمة، شبهت بالجابية، وهي البِركة التي يجبى إليها الماء (2) .
والقِدْر: اسم لما يطبخ فيه، والراسيات: الثابتات، لا يُزَلن عن أماكنهن لعظمهن ولتداول الطبخ فيهن صباح مساء (3) .
إن الله سخر لنبيه الكريم تلكم البدائع من الحضارة والصنائع فسخرها عليه السلام في الدعوة إلى الله وتعظيمه، وقد تجلّى ذلك في القصر الذي أمر ملكة بلقيس أن تدخله ((ليزيدها استعظاماً لأمره وتحقيقاً لنبوته وثباتاً على الدين)) (4) ، حيث يقول الله تعالى: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5) .
__________
(1) انظر الطبري: جامع البيان 22/70، ابن عطية: المحرر 12/150، ابن العربي: أحكام القرآن 4/1600، القرطبي: الجامع 14/273.
(2) انظر الطبري: جامع البيان 22/71، ابن عطية: المحرر 12/152، اللسان، مادة (جبي) 14/128، (جفن) : 13/89.
(3) انظر الطبري: جامع البيان 22/71، الأصفهاني: المفردات، مادة (قدر) ص396، محمد الطاهر: التحرير 22/163.
(4) الزمخشري: الكشاف 3/150.
(5) النمل، الآية 44.(1/27)
فبنى هذا القصر من زجاج مُمَلّس، وأجرى من تحته الماء، وجعل الزجاج شفافاً يُرى ما وراءه (1) ، فتحقق لسليمان عليه السلام ما أراده من هدايتها وإعلان إسلامها: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وبعد؛ فما أبلغ قول الله في سليمان وداود عليهما السلام،حيث يقول جلّ شأنه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} (2) ، فلم يعطف {وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ} بالفاء ولكن عطفه بالواو، ((إشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم وشيء من مواجبه، فأضمر ذلك ثم عطف عليه التحميد، كأنه قال: ولقد آتيناهما علماً فعملا به وعلّماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا: الحمد لله)) (3) .
حُسْن الصوت:
__________
(1) انظر الطبري: جامع البيان 22/168، الزجاج: معاني القرآن 4/122، الزمخشري: الكشاف 3/150.
(2) النمل، الآية 15.
(3) الزمخشري: الكشاف 3/139.(1/28)
قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} (1) ، اختلف المفسرون في المراد بالفضل المذكور في هذه الآية على أقوال كثيرة، فمنهم من عمّم ذلك على مجموع ما آتاه الله من النبوة والملك والصوت الحسن والعلم وعمل الدروع.. وغير ذلك (2) ، ومنهم من خصّه بنوع من هذه الأنواع (3) ، ومنهم من خصّه بالصوت الحسن وبذلك قطع ابن العربي (4) (ت543 هـ) ، ولعله اختار هذا القول نظراً إلى السياق، لأن الله تعالى أتبعه بقوله: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} ، قال الزجّاج (ت311 هـ) : ((المعنى فقلنا يا جبال أوبي معه)) (5) ، وقال العُكبري (ت616هـ) : ((أي وقلنا يا جبال، ويجوز أن يكون تفسيراً للفضل)) (6) ، أوّبي: أي رجّعي معه التسبيح (7) ، قال كثير من العلماء إن داود كان ذا صوتٍ حسن، فكان إذا رجع التسبيح والزبور بصوته الشجيّ رجّعت الجبال والطير مثل تسبيحه طرباً لصوته (8) ، وفي الصحيحين أن رسول الله (سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل، فوقف فاستمع لقراءته، ثم قال: ((لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)) (9) ، والمراد بالمزمار: الصوت
__________
(1) سبأ، الآية 10.
(2) انظر ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 6/485، محمد الأمين: أضواء البيان 6/618.
(3) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1594، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/264
(4) أحكام القرآن 4/1595.
(5) معاني القرآن 4/243.
(6) إملاء ما منّ به الرحمن 2/195.
(7) الزمخشري: الكشاف 3/281.
(8) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 4/1596، الرازي: مفاتيح الغيب 13/185، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/485، عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن 6/264.
(9) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة 6/112، ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين وقصرها 1/546، رقم الحديث (235،236) .(1/29)
الحسن، وأصله الآلة المعروفة، وأطلق اسمها على الصوت للمشابهة، ونص غير واحد على أن المقصود بآل داود: داود نفسه، وإليه المنتهى في حسن الصوت، ولم يعرف من أقاربه أنه كان أعطي من حسن الصوت ما أعطي، ف (آل) هنا مقحمة (1) ، ولا يبعد أن يكون آل داود قد أورثوا هذه الهبة، وإنما خُصّ داود عليه السلام من بينهم بتسبيح الجبال معه والطير، كما قال تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} (2) ، وقال تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} (3) ، وهذا التسخير معجزة من الله لنبيه داود عليه السلام، وتسبيح الجبال والطير معه تسبيح حقيقي مسموع، لا يجوز صرفه عن ظاهره إلا بدليل يعوّل عليه (4) ، وقد أشارت الآيات إلى أمرين:
أولاهما: أن وقت التسبيح بالعشي والإشراق، والعشي: من وقت العصر إلى الليل، والإشراق بالغداة وقت الضحى (5) .
ثانيهما: أن ذلك مقصور على الجبال والطير فقط، فكان ((إذا سّبح أجابته الجبال واجتمعت إليه الطير فسبحت معه، واجتماعها إليه كأن حشرها)) (6) .
وكذلك الصوت الحسن الذي امتن الله به على داود موهبة كريمة من الله تعالى، ونص بعض المفسرين على أنه من العلم الذي أشار الله إليه في قوله تعالى: {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} (7) ، وأطلق بعضهم عليه علم الألحان (8) .
__________
(1) انظر ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث، مادة (زمر) 2/312، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/265، ابن حجر: فتح الباري 19/112.
(2) الأنبياء الآية 79.
(3) ص، الآيتان 18،19.
(4) انظر الآلوسى روح المعانى 22/112، محمد الأمين: أضواء البيان 4/672.
(5) انظر الطبرى: جامع البيان22/137.
(6) المصدر السابق 22/138.
(7) البقرة، الآية 251.
(8) الرازي: مفاتيح الغيب 3/204 أبوحيّان: البحر 2/268.(1/30)
قال ابن العربي (ت543 هـ) عند تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً} (1) : ((والأصوات الحسنة نعمة من الله تعالى وزيادة في الخلق ومنّة، وأحق ما لبست هذه الحُلّة النفيسة والموهبة الكريمة كتاب الله، فنعم الله إذا صرفت في الطاعة فقد قضى بها حق النعمة)) (2) ، وتحسين الصوت بالقراءة أمر متفق على استحبابه، وأما الألحان فوقع بين السلف اختلاف في جواز القراءة بها، قال ابن حجر (ت852 هـ) : ((والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسناً فليحسنه ما استطاع ... ومن جملة تحسينه أن يُراعى فيه قوانين النغم، فإن الحسن الصوت يزداد حسناً بذلك وإن خرج منها أثّر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يف تحسين الصوت بقبح الأداء، ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام؛ لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء، فإن وجد من يراعيهما معاً فلا شك في أنه أرجح من غيره؛ لأنه يأتي بالمطلوب مع تحسين الصوت، ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء)) (3) .
__________
(1) سبأ، الآية 10.
(2) أحكام القرآن 4/1597.
(3) فتح البارى 19/87.(1/31)
وعلماء التجويد والقراءات لا يعتدون بعلم الألحان، وإنما يشتغل به من يتخذون القرآن الكريم حرفة لإحياء الليالي والمآتم ونحوها، وما ذكره ابن حجر (ت852 هـ) وغيره من الأئمة المعتبرين من الجواز في ذلك إنما مرادهم التلحين البسيط الذي لا يؤثر على الأداء الصحيح، وهذا هو محل الخلاف، وما حرره ابن حجر لا مزيد عليه – رحمه الله -، أم التلحين الموسيقي الذي ابتلي به بعض الناس ممن لا يُعتبرون من علماء التجويد ولا القراءات فلا يختلف في تحريمه؛ لأن الأداء الصحيح متوقف على مقدار معين في الحركات ومقادير الغنن والمدود، وكذلك التلحين يتعين له مقدار من الصوت لا يتم إلا به، فلا يمكن اجتماعهما في القرآن الكريم المنزل للإعجاز (1) .
وقد ذُكر أن داود عليه السلام له معرفة بالنغم والعزف، وأن المزامير ما صنعت إلا على صوته، ولم يثبت في ذلك نقل صحيح يُعوّل عليه (2) ، والصواب تنزيهه عن ذلك، بل آتاه الله تعالى الصوت الحسن هبة إلهية إذ يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً} (3) .
منطق الطير:
قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} (4) ، منطق الطير: معرفة دلالات أصوات الطيور من صفير ونعيق وغيرهما على ما في إدراكها وإرادتها (5) .
__________
(1) انظر ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون 426، ابن الجزري: النشر 1/212.
(2) انظر أبا حيان: البحر 2/269، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 7/238.
(3) سبأ، الآية 10.
(4) النمل، الآية 16.
(5) انظر الزمخشري: الكشاف 3/140، ابن العربي: أحكام القرآن 3/1448، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 22/237.(1/32)
وقوله جل وعزّ عن سليمان عليه السلام {عُلّمْنَا} يدل على أن هذا العلم أوتيه سليمان من طريق الوحي معجزة له ودلالة على صدق نبوته عليه السلام، وهذا شيء لم يعطه أحد من البشر قبله (1) .
وذهب بعض العلماء إلى أن الضمير في {عُلّمْنَا} راجع إلى داود وسليمان، ومن ثَم عدّوا ذلك من علم داود أيضاً، والأولى الاقتصار على ظاهر القرآن، وأن ذلك مما خص به سليمان وحده (2) .
وذهبت فرقة إلى أن هذا العلم لسليمان كان في جميع الحيوان، والصواب أنه لم يثبت من ذلك إلا منطق الطير، وأما ما ذكره الله عن النملة في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} (3) فليس فيه ما يدل على الاطراد كفَهْمِ منطق الطير، فالوقوف على ما جاء به النص الكريم أسلم (4) ، والله أعلم.
__________
(1) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، محمد الطاهر: التحرير 22/236.
(2) انظر الآلوسي: روح المعاني 19/172.
(3) النمل، الآيتان 18،19.
(4) انظر ابن عطية: المحرر 11/182، ابن العربي: أحكام القرآن 3/1449، الآلوسي: روح المعاني 19/172،175، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 22/237.(1/33)
ولئن اختلف العلماء في الطيور وسائر الحيوانات والحشرات هل لها لغات وأفهام وعقول (1) ؟ فقد أثبتت الدراسات الحديثة في القرنين الأخيرين أن لكل جماعة لغة يتفاهم بها أفرادها حسب مراداتهم ومدركاتهم، وذلك مظهر حي ووجه من وجوه الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، لكن يجب التنبه إلى أن ما توصل إليه بعض العلماء في هذا المجال يظل معتمداً على المراقبة والاجتهاد، وحبيس الظن والحدس، ولا يمكن أن يرتقي إلى العلم اللدني الذي تفضل الله به على نبيه سليمان عليه السلام على وجه الخارقة والمعجزة (2) خلافاً للمتفلسفة الذين ((لم يُقرّوا بأن الأنبياء يعلمون ما يعلمونه بخبر يأتيهم من الله، لا بخبر ملك ولا غيره، بل زعموا أنهم يعلمونه بقوة عقلية، لكونهم أكمل من غيرهم في قوة الحدس، ويسمون ذلك القوة القدسية)) (3) .
__________
(1) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 3/1449، الآلوسي: روح المعاني 19/172.
(2) انظر سيد قطب: الظلال 5/2634، عبد الحميد طهماز: المعجزة والإعجاز في سورة النمل ص52، أمين محمد عثمان: حياة الحيوان، مجلة الوعي الإسلامي ص 65، العدد 348، شعبان 1415هـ.
(3) ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل 1/179.(1/34)
لا ريب أن قصة سليمان عليه السلام مع هذه الكائنات تنويه صريح بعلمه وقد تضمنت أنموذجاً فريداً للعالم الشاكر المتواضع في شخصية سليمان عليه السلام: أما شكره فقد تمثل في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} (1) ، وقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} (2) ، وقوله بعد أن سمع كلام النملة: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} (3) ، فهذه الجمل متضمنة شكر الله على ما وهبه من العلم، ومعنى {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} : وفقني لملازمة شكر نعمتك (4) .
وقد وقع منه مثل ذلك لما رأى عرش ملكة بلقيس مستقراً عنده، ((جعل يشكر نعمة ربه بعبارة فيها تعليم للناس، وهي عرضة للاقتداء بها والاقتباس منها)) (5) ، {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (6) ، ((يقول: ليختبرني ويمتحنني أأشكر ذلك من فعله عليّ، أم أكفر نعمته عليّ بترك الشكر له)) (7) .
وأما تواضعه فقد جاء في مطلع القصة في قوله وقول أبيه عليهما السلام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} (8) فقد أشار قولهما إلى اعتقادهما أن في عباد الله من يفضلهم في العلم (9) .
__________
(1) النمل، الآية 16.
(2) النمل، الآية 16.
(3) النمل، الآية 19.
(4) انظر الزمخشري: الكشاف 3/140، 142، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 22/236،244.
(5) ابن عطية: المحرر الوجيز 11/210.
(6) النمل، الآية 40.
(7) الطبري: جامع بيان 22/165.
(8) النمل، الآية 15.
(9) انظر الزمخشري: الكشاف 3/140، الآلوسي: روح المعاني 19/171.(1/35)
كما جاء فيما ذكره الله عن الهدهد في قوله: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} ، قال الزمخشري (ت538 هـ) : ((ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام على ما أُوتي من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمّة والإحاطة بالمعلومات الكثيرة ابتلاء له في علمه وتنبيهاً على أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علماً بما لم يحط به لتتحاقر إليه نفسه، ويتصاغر إليه علمه، ويكون لطفاً له في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء وأعظم بها فتنة)) (1) .
وفي هاتين الخصلتين تنويه بشرف العلم؛ لأنه استدعى الشكر الذي هو من أجلّ الطاعات، وأورث أهله التواضع.
__________
(1) الكشاف 3/143.(1/36)
وثمة صفات أخرى وأمور مهمة في العلم اشتمل عليها منطق النملة والهدهد في قول الله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ * وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لأَُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ * أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ* قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (1) .
__________
(1) النمل، الآيات 17-26.(1/37)
لقد دلت تلكم الآيات على أن علم نبي الله سليمان عليه السلام يظل محدوداً بالنسبة لعلم الله الذي أحصى كل شيء علماً، فقد جاء عن كل من النملة والهدهد ما يفيد ذلك، وهما من أضعف الخلق، ومعنى {وَهُمْ لاَ يَشْعُرونَ} : ((وهم لا يعلمون)) (1) ، ومعنى {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} : ((أحطت بعلم ما لم تحط به أنت يا سليمان)) (2) ، ومن ثَمَّ أخبر الهدهد - فيما ذكره الله عنه - بعلم الله بكل شيء ما خفي وما ظهر وهو عال على خلقه مستو على عرشه، لهذا كان ((إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة وفي قعور البحار ورؤوس الآكام وبطون الأودية وفي كل موضع، كما يعلم علم ما في السموات السبع وما فوق العرش، أحاط بكل شيء علماً، فلا تسقط ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات البر والبحر ولا رطب ولا يابس إلا قد عرف ذلك كله وأحصاه، فلا تعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره)) (3) .
__________
(1) الطبري: جامع البيان 22/142.
(2) المصدر السابق 22/143.
(3) ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل 2/35.(1/38)
وفيما ذكره الله عن الهدهد ((رد على من قال إن الأنبياء تعلم الغيب)) (1) ، وفيه إبطال لمن زعم أن الجن تعلم الغيب، ففي الآيات السابقة أشار الله إلى الجن وأنهم ضمن جنود سليمان عليه السلام، ومع هذا غاب عنهم خبر الهدهد والنملة، وقد كان فشا أن الجن تعلم الغيب فكذبهم الله ببرهان عملي في سليمان نفسه عليه السلام، وذلك في قوله الله جلّ شأنه: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ (2) فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} (3) المعنى لأنهم لو كانوا يعلمون ما غاب عنهم ما عملوا مسخرين، إنما عملوا وهم يظنون أنه حي يقف على عملهم)) (4) .
هذا وقد تضمنت آيات سورة النمل السابقة آداب جمة، منها:
الدلالة على شرف العلم وفخره وأناقة محله، وذلك في قول الله تعالى:: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} ، وفي ((هذا دليل على أن الصغير يقول للكبير والمتعلم للعالم عندي ما ليس عندك إذا تحقق ذلك وتيقنه)) (5) .
__________
(1) القرطبي: الجامع 13/181.
(2) " المنسأة: العصا "، الزجاج: معاني القرآن 4/247.
(3) سبأ، الآية 14.
(4) الزجاج: معاني القرآن 4/247.
(5) ابن العربي: أحكام القرآن 3/1456.(1/39)
كما تضمن قوله {أَلاَّ يَسْجُدُوا} على قراءة الكسائي (1) - تقديرها ألا يا هؤلاء اسجدوا (2) - أسلوباً تعليمياً في استغلال المواقف في الحث على التوجيه، فهو أدعى للقبول والاستجابة، قال برهان الدين البقاعي (ت885 هـ) : ((بدئ بأداة الاستفتاح تنبيهاً لهم على عظم المقام لئلا يفوت الوعظ أحداً منهم بمصادفته غافلاً، ثم نادى لمثل ذلك وحذف المنادى إيذانا بالاكتفاء بالإشارة لضيق الحال خوفاً من المبادرة بالنكال عن استيفاء العبارة التي كان حقها ألا يا هؤلاء اسجدوا لله، أي لتخلصوا من أسر الشيطان، فإن السجود مرضاة للرحمن ... )) (3) .
وثمة أحكام وآداب اشتملت عليها الآيات سبق الحديث عنها في مواضعها من هذا البحث.
حكمة داود وسليمان عليهما السلام:
وهي مما أفاض الله على جميع أنبيائه عليهم السلام، إذ يقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} (4) ، وقال تعالى: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (5) ، كما خصّ بالذكر بعض أنبيائه، ومنهم داود عليه السلام، إذ يقول الله تعالى فيه: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} (6) ، {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} (7) .
__________
(1) انظر ابن مجاهد السبعة 480.
(2) مكي: الكشف عن وجوه القراءات السبع 2/158.
(3) نظم الدرر 14/153.
(4) آل عمران، الآية 81.
(5) النساء، الآية 54.
(6) البقرة، الآية 251.
(7) ص، الآية 20.(1/40)
والمقصود بالحكمة في الآيات الآنفة النبوة، وهي داخلة في المعنى العام للحكمة، وهو إصابة الحق بالعلم والعقل والعمل به (1) ، فالحكمة من المعاني الجامعة، وما سبق في هذا البحث من علم داود وسليمان عليهما السلام يعتبر من الحكمة، ومن أروع الصور التي بانت فيها حكمتهما ذلكم الملك الواسع الذي استكمل فيه تمام الحكمة، فلم يبلغ أحد من أنبياء بني إسرائيل ما بلغ ملكهما (2) ، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله تعالى عن داود: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} (3) ، وقال تعالى عن سليمان: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (4) ، وإنما بلغا ذلك بما وهبهما الله من العلم السني الذي قام عليه ملكهما وانتظمت به حضارتهما
الفذة، التي تعتبر مثلاً للحضارة الحقة بجميع أبعادها.
وفي قصة سليمان عليه السلام صفحات من تلكم الحضارة النيّرة والحكمة الباهرة، ومنها ما يلي:
__________
(1) انظر الطبري: جامع البيان 2/632، 23/139، ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (حكم) 2/91، الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (حكم) 127، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/476، 7/51.
(2) انظر الطبري: جامع البيان 23/139، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 3/164، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/50، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 17/114.
(3) ص، الآية 20.
(4) ص، الآية 35.(1/41)
* شفقة الراعي وجنوده على الرعية، وذلك في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} (1) ، ((تعني أنهم لو شعروا لم يفعلوا)) (2) ، ((وهذا تنويه برأفته وعدله الشامل لكل مخلوق لا فساد منه، أجراه الله على نملة ليعلم شرف العدل، ولا يحتقر مواضعه، وأن ولي الأمر إذا عدل سرى عدله في سائر الأشياء وظهرت آثاره فيها)) (3) .
* ومنها تفقد الراعي أحوال رعيته، وذلك في قوله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} (4) ، وفي ذلك ما يدل على اليقظة والمحافظة على الرعية، فإذا كان هذا في شأن الطير فكيف بشأن الناس وعظائم الملك (5) ، إذا لا يخفى دور ذلك في صلاح الأحوال وإحكام النظام.
كانت تلك بعض ملامح سياسته الداخلية، وقد أشرت فيما سبق إلى ما كان يقوم به من صنائع وأبنية وغيرها.
__________
(1) النمل، الآية 18.
(2) الزمخشري: الكشاف 3/142.
(3) محمد الطاهر: التحرير والتنوير 9/243.
(4) النمل، الآية 20.
(5) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 3/1454.(1/42)
وأما سياسته الخارجية فقد تجلت بعض جوانبها في قصته مع ملكة سبأ، وقد تركزت حكمته عليه السلام في جميع مراحلها في تفعيل العلم الصحيح لأنه أمضى من قوة السلاح وغيره، فإنه لما جاء الهدهد بخبر قوم سبأ تثبّت عليه السلام أولاً من صحة الخبر، ولم يستفزه طمع ولم يسيطر عليه غضب، ((وإنما طلب الانتهاء إلى ما أخبر وتحصيل علم ما غاب من ذلك حتى يغيره بالحق ويرده إلى الله تعالى)) (1) {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} (2) ، وقد سبق الحديث عما اشتمل عليه هذا الكتاب من قول الحكمة في مبحث الفصاحة.
فلما استشارت الملكة ملأها {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} (3) ، فأحست منهم الميل إلى المحاربة ورأت أن تستخدم مالها بدلاً من القوة، إذ قالت: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (4) فتبين له قصدها من الهدية أن تصانعه لتصرفه عمّا تضمنه كتابه بالرشوة (5) ، فأجابهم بقوله: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} (6) ، قال الزمخشري
__________
(1) المصدر السابق 3/1458.
(2) النمل، الآية 27.
(3) النمل، الآية 33.
(4) النمل، الآية 35.
(5) انظر ابن العربي: أحكام القرآن 3/1460، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/268.
(6) النمل، الآية 36.(1/43)
(ت538 هـ) : ((بل أنتم قوم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا، فلذلك تفرحون بما تزادون به ويهدي إليكم؛ لأن ذلك مبلغ همتكم.. فإن قلت فما وجه الإضراب؟ ، قلت: لما أنكر عليهم الإمداد وعلل إنكاره، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه، وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا ولا فرح إلا أن يهدي إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها)) (1) .
فلما ارتحلت ملكة سبأ إلى سليمان عليه السلام طائعة واستبان له ما لهذه المرأة من حصافة ورجاحة عقل اتخذ أسلوب الحكمة في دعوتها إلى الإيمان بالله تعالى، قال ابن زيد:
((أعلم الله سليمان أنها ستأتيه فقال: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِين} (2) حتى يعاتبها، وكانت الملوك يتعاتبون بالعلم)) (3) ، وأراد سليمان عليه السلام أن يبين لملائه أنه يتأتى بالحكمة والعلم ما لا يتأتى بالقوة، فطلب منهم ذلك ليكون مثلاً لتغلب العلم على القوة (4) {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} (5) ، وفي هذا تنبيه على الذي عنده علم من الكتاب - وهو رجل من أهل الحكمة - اقتدر على ذلك وتغلب على العفريت مع ما فيه من شدة بقوة العلم وليس بالشدة (6) .
__________
(1) الكشاف 3/148.
(2) النمل، الآية 38
(3) الطبري: جامع البيان 19/160.
(4) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/271.
(5) النمل، الآيتان 39،40.
(6) انظر البقاعي: نظم الدرر 14/164، محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/271.(1/44)
قال تعالى: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ الا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ} (1) ، وهكذا نجد أن سليمان عليه السلام أعمل حكمته فيما تعرفه وهو عرشها، حيث أراها ما وهبه الله من قدرة عظيمة في إحضار العرش والتصرف فيه مع عجزها عن السيطرة عليه، والعلم المذكور في الآية ((علم الحكمة الذي علمه الله سليمان ورجال مملكته وتشاركهم بعض أهل سبأ في بعضه، فقد كانوا أهل معرفة أنشأوا بها حضارة مبهتة)) (2) .
ثم ترقّى بها إلى ما لا تعلم {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ} (3) ليثبت لها أن العبادة من دون الله تصدّ عن استكمال العلم وتحقق الرشد، فإنها لما رأت الصرح انبهرت بما شاهدت ولم تعرف حقيقته {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} (4) ، ومن ثَمَّ أعلنت إسلامها لما رأت من عظمة سلطانه وما آتاه الله تعالى وجلالة ما هو فيه، وأقرت بنبوته (5) {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (6)
__________
(1) النمل، الآيات 41-43.
(2) محمد الطاهر: التحرير والتنوير 19/274.
(3) النمل، الآية 44، وقد سبق التعليق على معاني هذه الآية في آخر مبحث الصنائع.
(4) النمل، الآية 44.
(5) انظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/206.
(6) النمل، الآية 44.
المصادر والمراجع
ابن الأثير، المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، بيروت.
الآلوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، الطبعة (4) 1405هـ، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
أمين محمد عثمان، حياة الحيوان، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 348، 1415هـ.
انستاس ماري الكرملي، الداودة، مجلة المشرق، 2/يناير /1903م.
البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، استانبول،1981م.
البقاعي، إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، الطبعة (2) ، 1413هـ، القاهرة، دار الكتاب الإسلامي.
ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، درء تعارض العقل والنقل، تحقيق د. محمد رشاد سالم، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1399هـ.
ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، دقائق التفسير، تحقيق د. محمد السيد الجليند، الطبعة (2) 1404هـ، بيروت، مؤسسة علوم القرآن.
ابن الجزري، محمد بن محمد الدمشقي، النشر في القراءات العشر، إشراف علي الضباع، بيروت، دار الكتب العلمية.
ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد، زاد المسير في علم التفسير، الطبعة (3) 1404هـ، بيروت، المكتب الإسلامي.
ابن حجر، أحمد بن علي بن محمد، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق طه عبد الرءوف وزميليه، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، 1398هـ.
أبو حيان، محمد بن يوسف، البحر المحيط، الطبعة (2) 1403هـ، بيروت دار الفكر.
ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون، بيروت، مؤسسة الأعلمي.
الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، بيروت، دار الفكر.
الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، ضبط محمد سيد كيلاني، بيروت دار المعرفة.
الزجاج، إبراهيم بن السّري، معاني القرآن، تحقيق د. عبد الجليل عبده شلبي، بيروت، دار عالم الكتب، 1408هـ.
الزركشي، محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة (2) ، 1391هـ.
الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق التنزيل، بيروت، دار المعرفة.
السخاوي، علي بن محمد، جمال القراء، تحقيق د. علي البواب، مكة المكرمة، مكتبة التراث، 1408هـ.
سيد قطب، في ظلال القرآن، الطبعة (7) 1398هـ، بيروت، دار الشروق.
السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، الرياض، مكتبة الباز، 1417هـ.
السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير المأثور، بيروت، دار الفكر، 1403هـ.
صلاح عاشور، تاريخ الدروع وتطورها، مجلة الجندي المسلم، العدد (31) ، 1404هـ.
الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبعة (3) 1388هـ، القاهرة، مصطفى الحلبي.
عبد الحميد محمود طهماز، المعجزة والإعجاز في سورة النمل، دمشق (دار القلم) ، بيروت (دار المنارة) 1407هـ.
عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، إشراف محمد زهري النجار، الرياض، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، 1404هـ.
ابن العربي، محمد بن عبد الله، أحكام القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، بيروت، دار المعرفة.
ابن عطية، عبد الحق بن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق عبد الله الأنصاري وزملائه، الدوحة 1398هـ.
العكبري، عبد الله بن الحسين، إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب، بيروت، دار الكتب العلمية، 1399هـ.
ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد
هارون، الطبعة (3) 1402هـ، القاهرة، الخانجي.
ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، الطبعة (5) 1404هـ، بيروت، مكتبة المعارف.
ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، تحقيق عبد العزيز غنيم وزميليه، القاهرة، الشعب.
القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
ابن مجاهد، أحمد بن موسى، السبعة، الطبعة (2) 1400هـ، القاهرة، دار المعارف.
مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية.
محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الرياض، 1403هـ.
محمد الطاهر بن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، تونس، الدار التونسية، 1984م.
محمد الغزالي، نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم، الطبعة (3) 1417هـ، القاهرة، دار الشروق.
مكي بن أبي طالب، الكشف عن وجوه القراءات السبع، تحقيق د. محي الدين رمضان، الطبعة (2) 1401هـ، بيروت، مؤسسة الرسالة.
ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر.
النحاس، أحمد بن محمد، إعراب القرآن، تحقيق د. زهير غازي زاهد، الطبعة (2) 1405هـ، عالم الكتب.
النحاس، أحمد بن محمد، معاني القرآن الكريم، تحقيق محمد علي الصابوني، مكة المكرمة، مركز إحياء التراث، 1408هـ.
هاني أبو غريبة، تاريخ الدروع، مجلة تاريخ العرب والعالم، الأعداد 107-110، محرم - ربيع الثاني 1408هـ (كذا في المجلة) ص46-56.(1/45)
(( (( ((
الخاتمة:
بعون الله وفضله تمّ تأمل قصص داود وسليمان عليهما السلام في القرآن الكريم وإلقاء الضوء على علمهم، ومن أهم النتائج التي انتهى إليها البحث ما يلي:
* سعة علم الله وإحاطته بكل شيء، فهو جلّ جلاله عال على خلقه مستوٍ على عرشه ولا يخفى عليه شيء، وأنه لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه، ومن زعم أن غيره كذلك فقد ضلّ ضلالاً بعيداً.
* إظهار علم الله وحكمته من أهم مقاصد سور القرآن الكريم.
* من أهم مقاصد قصص داود وسليمان عليهما السلام في القرآن الكريم تقرير علم الله جلّ وعلا.
* شرف العلم ونفاسته، وأناقة محلّه وفخر حملته، وأنه أغلى من المال وأكرم من السلطان.
* لا يتم العلم إلا بالعلم، وأن شرف العالم في التحلي بآدابه.
* منزلة داود وسليمان عليهما السلام في النبوة والعلم والملك، والرد على اليهود في الطعن في نبوتهما.
* الرد على من غلا فيهما أو في أحدهما من حيث علم الغيب أو الأفضلية على أولي العزم وسائر الأنبياء والرسل.
* تبرئتهما عليهما السلام مما نسب إليهما من اتخاذ المعازف وعلم السحر وغير ذلك مما رُميا به من اليهود.
* أن القرآن الكريم هو أحسن القصص وأصدقه، وأما ما ورد من الإسرائيليات فأكثره مبدل أو مزيد أو منقوص أو محرف ... ، فينبغي أخذ الحيطة في ذلك.
* أن العلم من أبلغ المعجزات التي أُيدا بها على وجه الخارقة، ومن علمهم ما هو عن طريق الاجتهاد كما في مبحث القضاء.
* ما توصل إليه العلماء من لغة الحيوان ونحو ذلك مبني على المراقبة والحدس، أما الأنبياء فإنهم يعلمون ذلك بوحي من الله.
* بيان ما ورثه سليمان من داود عليهما السلام من العلم، وإبراز ذلك من خلال علم القضاء والفصاحة والصناعة، وكذلك الحكمة.
* التحرف بالصناعة لا ينقص من قدر المرء، بل ذلك زيادة في الفضل والفضائل.(1/46)
* أن العلم وفضله وما يتصل بذلك لا يقتصر على المجالات الشرعية فحسب، بل العبرة بما كان لله، وبما يورثه من خشية لله.
* الإيمان بالله طريق للانتفاع بجميع العلوم وتوظيفها في نصرة الإيمان ونهضة الأمة.
* الكفر ظلمة تحجب عن استكمال العلم وتحقق الرشد في الدارين.
وثمة نتائج أخرى تضمنها البحث في التفسير وغيره، ومن أهم ما تجدر العناية به العلم في ضوء قصص الأنبياء، فكما أن في كل قصة عبرة فكذلك في كل قصة علم، وما هذا البحث إلا حلقة من سلسلة حلقات ينبغي أن تتواصل على أيدي الباحثين لإبراز هدايات القرآن الكريم ودلالته.
وبعد: فإن هذا البحث جهد مقل، فما كان فيه من صواب فمن فضل الله وتوفيقه، وما كان فيه من زلل أو تفريط فمن تقصيري، وأستغفر الله..
اللهم ارحمنا بالقرآن، والحمد لله في الأولى والآخرة.
الهوامش والتعليقات(1/47)
حديث القرآن عن الحج
د. إبراهيم بن سليمان آل هويمل
استاذ مشارك بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ملخص البحث
إن حج بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام الخمسة العظام التي أمرنا بها في محكم القرآن وصريح السنة، جاء الحديث عنه في القرآن الكريم في آيات كثيرة لا عن وجوبه والأمر به فحسب، بل وعن مكانه، وآدابه وعلى من يجب وغير ذلك من الأحكام المترتبة عليه، كما سنقف عليه - إن شاء الله - في الآيات التالية، مما يدل دلالة ظاهرة على أن المتدبر لآيات القرآن الكريم يجد وفاءه لحاجات البشر، وشموله لكل شيء، وأنه المعجزة العظمى فهو لا يتحدث عن الحج حديثاً عاماً، بل حديثاً دقيقاً شاملاً.
لذا أحببت أن أجمع الآيات في هذا الموضوع، وأبين هذه الأحكام التي ذكرها القرآن، ليقف القارئ على شيء من بيان القرآن ووفائه بحاجات البشر، وهذا الذي قمت به جهد مقل، وترجع أهمية هذا البحث إلى ما يلي:
كونه بحثاً قرآنياً يعيش الباحث فيه مع آيات القرآن الكريم.
أنه يحث يتعلق بركن من أركان الإسلام.
حاجة البشر إلى القرآن وتعاليمه، والنهل من معينه الصافي فهو يهدي للتي هي أقوم.
وتظهر أهمية هذا الموضوع بتكرر الحج في كل عام وكثرة زائريه، حيث يقدَم إليه في كل عام من لم يزره قبل ممّن هو بحاجة إلى بيان أحكام هذه العبادة.
وفي نهاية هذا البحث الذي ذكرت فيه حديث القرآن عن فريضة الحج ومكانته ومنافعه، وأحكامه وتوصلت منه إلى ما يلي:
عظم مكانة الحج ومنزلته في الدين.
أن الحج عبادة لله، فرضت على هذه الأمة وعلى غيرها.
الاهتمام بشأن البيت العتيق والعناية به.
وعيد من لم يحج وهو مستطيع بالكفر.
أن معظم مسائل الحج مذكورة في القرآن الكريم.
ضرورة التزام الحاج بآذاب الحج وتحليه بها.
(( (( ((
مقدمة: ...(1/48)
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (وعلى آله وصحبه.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (1) .
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} (2) .
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} (3) .
أما بعد:
فإن حج بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام الخمسة العظام التي اُمرنا بها في محكم القرآن وصريح السنة.
هذا الركن جاء الحديث عنه في القرآن الكريم في آيات كثيرة لا عن وجوبه والأمر به فحسب، بل وعن مكانه، وآدابه وعلى من يجب وغير ذلك من الأحكام المترتبة عليه، كما سنقف عليه - إن شاء الله - في الآيات التالية، مما يدل دلالة ظاهرة على أن المتدبر لآيات القرآن الكريم يجد وفاءه لحاجات البشر، وشموله لكل شيء، وأنه المعجزة العظمى فهو لا يتحدث عن الحج حديثاً عاماً كما يخطر على بال بعض الخلق، بل حديثاً دقيقاً شاملاً.
لذا أحببت أن اجمع الآيات في هذا الموضوع، وأبين هذه الأحكام التي ذكرها القرآن، ليقف القارىء على شيء من بيان القرآن ووفائه بحاجات البشر، وهذا الذي قمت به جهد مقل، وأسأل الله الغفران والتجاوز عن السهو والتقصير. والحمد لله رب العالمين.
أهمية الموضوع:
كونه بحثاً قرآنياً يعيش الباحث فيه مع آيات القرآن الكريم.
أنه بحث يتعلق بركن من أركان الإسلام - الحج -
__________
(1) سورة آل عمران (102)
(2) سورة النساء (1)
(3) سورة الأحزاب (70-71)(1/49)
حاجة البشر إلى القرآن وتعاليمه، والنهل من معينه الصافي فهو يهدي للتي هي أقوم.
وتظهر أهمية هذا الموضوع بتكرار الحج في كل عام وكثرة زائريه، حيث يقدم إليه في كل عام من لم يزره قبل مما هو بحاجة إلى بيان أحكام هذه العبادة.
المنهج الذي سرت عليه في كتابة البحث:
استقراء الآيات حول الموضوع، وجمعها.
ترتيب الآيات على المباحث المناسبة لها.
دراسة هذه الآيات حسب ما يقتضيه الموضوع. دراسة مختصرة مقتصراً على بيان ما نصت عليه الآية فقط، معرضاً عن ذكر الخلاف بين العلماء.
وكانت الدراسة في هذا الموضوع حسب الخطة التالية وتتكون الدراسة مما يلي:
المقدمة: وفيها أهمية الموضوع ومنهجي في دراسته وخطة البحث.
المبحث الأول: تعريف الحج لغة واصطلاحاً.
المبحث الثاني: مكانة الحج في القرآن الكريم.
المبحث الثالث: فرض الحج. وتحته ثلاث مطالب:
ابتدأ فرض الحج
على من يجب الحج.
أوجه اليسر التي نص عليها القرآن في أداء هذه العبادة.
المبحث الرابع: آثار الحج ومنافعه.
المبحث الخامس: فقه الحج في القرآن الكريم.
المبحث السادس: آداب تتعلق بالحج.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج.
المبحث الأول: تعريف الحج في اللغة:
قال ابن فارس: (الحاء والجيم أصول أربعة - فالأول القصد، وكل قصدٍ حج. قال:
وأشهدُ من عوفٍ حُلولاً كثيرةً ... ... يحجون سِبّ الزبرقانِ المزعفرا (1)
ثم اختص بهذا الاسم القصدُ إلى بيت الله الحرام للنسك، والحجيج: الحاج) (2) .
__________
(1) الحلول جمع حال - ومعنى يحجون: يقصدون، والسب: العمامة، والمزعفر: المصبوغ بالزعفران، يعني أنهم يقصدونه في أمورهم. والبيت للمخبل السعدي، كما في اللسان (حجج) انظر مذاهب الأخيار في أحكام الحج والاعتمار - لأبي محمد بيبا بن فاليد،ص 19، والمغني 5/5.
(2) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، كتاب الحاء 2/29.(1/50)
وقال في المفردات: (أصل الحج القصد للزيارة) (1) .
وقال في مختار الصحاح: (الحج في الأصل القصد، وفي العرف قصد مكة للنسك، وبابه ردّ ... والحج بالكسر الاسم، والحجة بالكسر أيضاً، المرة الواحدة، وهي من الشواذ لأن القياس الفتح) (2) .
وعلى هذا فمعنى الحج في اللغة: هو القصد، ولا شك أن الحج أمر عظيم، عظيم في نفسه، وعظيم في مكانه، وعظيم في زمانه، وعظيم في أعماله.
أما عِظَمُه في نفسه، فكونه أحد أركان الإسلام.
وأما في مكانه، فهو في أقدس البقاع وأطهرها.
وأما في زمانه، فهو في الأشهر الحرم.
وأما في أعماله، فمن طواف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة ووقوف بعرفات، ومبيت بمزدلفة …… إلى غير ذلك من أعماله العظيمة.
- نطق لفظة الحج:
في حاء الحج لغتان: الفتح والكسر، وقد قرئى في القرآن الكريم بهما في قوله تعالى: {ولله على الناس حِج البيت من استطاع إليه سبيلاً} (3) .
فقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، بالكسر.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وابن عامر: بالفتح (4) .
- تعريف الحج في الاصطلاح:
قال ابن قدامة: (اسم لأفعال مخصوصة) (5) .
وقال غيره: (اسم لأفعال مخصوصة في زمن مخصوص ومكان مخصوص على وجه مخصوص) (6) .
وقال في المفردات: (خص في تعارُفِ الشرع بقصد بيت الله تعالى إقامة للنسك) (7) .
وقال الشيخ ابن عثيمين: (التعبد لله - عز وجل - بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول الله () (8) .
ومن مجمل هذه التعريفات وغييرها يمكن أن يقال:
__________
(1) المفردات، كتاب الحاء، ص 107.
(2) الرازي، مختار الصحاح (حجج) ص 122
(3) سورة آل عمران (97)
(4) ابن مجاهد - السبعة، ص 214.
(5) ابن قدامه - المغني 5/5.
(6) مذاهب الأخبار، ص 19.
(7) المفرادات، كتاب الحاء، ص 107
(8) ابن عثيمين - الشرح الممتع، 7/7.(1/51)
هو قصد بيت الله الحرام تعبداً لله - عز وجل - لأداء أفعال مخصوصة في زمن مخصوص.
المبحث الثاني: مكانة الحج في القرآن الكريم:
لهذه الشعيرة، ولهذا الركن العظيم منزلته الكبيرة في القرآن الكريم، والحديث عنه تارة بالأمر به، وتارة بالأمر بإتمامه، وتارة ببيان مكانه، وأخرى بتطهير هذا المكان، وتارة ببيان زمانه وغير ذلك من الأساليب مما يدل على عناية القرآن بشأن الحج.
وقد برزت في آيات القرآن صور هذا الإهتمام بشأنه وإظهار مكانته العظمى ومن ذلك.
1 - كونه عبادة خالصة لله - عز وجل - يقول تعالى: {ولله على الناس حج البيت......} (1) .
ويقول: {وأتموا الحج والعمرة لله} (2) .
أي أن تخلصوهما للعبادة ولا تشوبوهما بشيء من الأغراض الدنيوية (3) .
فالحج كما أراده الله فريضة تُفرد لله بالإخلاص والقصد، وهذا ظاهر من قول المتلبس به [لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك
لبيك.........] وإذا كان الإخلاص مطلباً في كل عبادة لله عز وجل. فهو في هذا الركن أظهر فهو عبادة بدنية ماليه، يفارق فيها الحاج أهله وماله ووطنه ويتحمل في سبيلها الصعاب، كل ذلك استجابة لله عز وجل واقتداء برسوله (وامتثالاً لأمره، فلا يتحمل الحاج كل هذا إلا لله عز وجل لا يقصد به رياءً أو سمعة ولذا كان الإخلاص في أداء هذه العبادة أظهر منه في غيرها من العبادات إذ يخرج الحاج عن مألوفه في كثير من أعماله، ويحرم عليه ما كان حلالاً له، ومع ذلك يلتزم بهذه الأوامر امتثالاً لأمر الله جل وعلا.
2 - تعليق الكفر على تركه:
قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (14) .
قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: أي ومن جحد فريضة الحج فقد كفر والله غني عنه (4) .
__________
(1) سورة آل عمران (97) .
(2) سورة البقرة (196)
(3) انظر تفسير أبي السعود، 1/242.
(4) ابن كثير - تفسير القرآن العظيم، 1/386.(1/52)
فبين القرآن الكريم أن ترك الحج وجحده كفر.
ولذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهودياً أو نصرانياً) (1) .
ولذا قال تعالى: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} .
قال ابن سعدي رحمه الله: (فمن أذعن لذلك وقام به فهو من المهتدين المؤمنين، ومن كفر، فلم يلتزم حج بيته، فهو خارج عن الدين، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) (2) .
وقال السيوطي في الإكليل عند ذكره لهذه الآية:
(واستدل بظاهرها ابن حبيب على أن من ترك الحج وإن لم ينكره كفر) (3) .
وقال القاسمي: (هذه الآية الكريمة حازت من فنون الاعتبارات المعربة عن كمال الاعتناء بأمر الحج والتشديد على تاركه مالا مزيد عليه، فمنها: الاتيان باللام وعلى في قوله: ولله على الناس حج البيت، يعني أنه حق واجب لله في رقاب الناس لا ينفكون عن أدائه والخروج عن عهدته.
ومنها: أنه ذكر الناس ثم أبدل منه من استطاع إليه سبيلا.
وفيه ضربان.... ثم ذكرهما.
ومنها قوله: ومن كفر مكان من لم يحج تغليظاً على تارك الحج.
ومنها: ذكر الاستغناء عنه، وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان) (4) .
ولا شك أن هذا من عظم هذه العبادة، وعلو منزلتها في الدين، ورفعة مكانتها، ولو لم تكن كذلك لما ترتب الكفر على تاركها مع القدرة على الإتيان بها.
3 - اشتراك الشرائع السابقة فيه:
وقد أخبر النبي (بأن الأنبياء قد قصدوه، فقال: (ما من نبي إلا وقد قصد البيت إلا ما كان من هود وصالح.....) كما في سنن البيهقي (5/177) ، ومع توالي السنين انهدم فجدده إبراهيم وإسماعيل كما في قوله: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت} (5) .
__________
(1) المرجع السابق، وقال: اسناده صحيح إلى عمر.
(2) ابن سعدي، تفسير كلام المنان، 1/403.
(3) السيوطي، الأكليل، ص 71.
(4) القاسمي، محاسن التأويل، 4/909.
(5) سورة الحج (26) .(1/53)
ومعنى بوأنا أخبرنا بموضعه الذي كان موجوداً فيه.
وأخبر أنه أقامه، فقال: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا} (1) .
وغيرها من الآيات الدالة على أنه كان موجوداً ومحجوجاً مقصوداً ولذا كان البيت معظماً عند العرب، بل تعده فخرها وعزها.
وقد ورد في التاريخ ما أحدثوا في الحج من البدع والمنكرات مما ليس موجوداً في الدين كالطواف عراة والوقوف في مزدلفة بدلاً من عرفه وغير ذلك، حتى حج الرسول (في السنة العاشرة وأعاد مناسك الحج إلى ما كانت عليه في عهد إبراهيم عليه السلام.
4 - تطهير مكانه من الشرك:
كما قال تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} . فتطهير تلك البقعة المباركة من آثار الشرك والمشركين وتحريمها عليهم، وتحريم دخولهم ومرورهم بحماها فيه من تعظيم هذه العبادة ما لا يخفى، ليقوم بها المسلمون في أمن، ولتكون خالصة لهم. ولذا أرسل الرسول (أبا بكر وعلي وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم في السنة التاسعة من الهجرة وأمرهم بأن ينادوا [ألا لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان] (2) .
فنادوا بذلك في أيام الحج، وعرف الناس جميعاً هذا الأمر، فلم يطف بالبيت عريان بعد هذا النداء، ولم يحج المشركون في عامهم القابل وما بعده، ولذا حج رسولنا (سنة عشر للهجرة.
فكون هذه العبادة تؤدى في هذه البقعة المقدسة الطاهرة وتهيأة هذا المكان لها على هذه الصفة، مما يزيد في مكانتها في النفوس، ويبين عظم منزلتها في الدين.
5 - ومن مكانة الحج في القرآن العظيم أن توعد من أحدث في مكانه ظلماً بالعذاب الأليم. كما في قوله تعالى: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب
__________
(1) سورة البقرة (127)
(2) أخرجه البخاري، ح/369، 1622، والإمام مسلم 8/146(1/54)
أليم} (1) .
ولا يغيب عن ذهن القارىء ما حصل لأصحاب الفيل عندما هموا بفعل المناكر في الحرم، فأنزل الله عليهم عذاباً شديداً، وجعل هذه الآيات التي تتلى إلى قيام الساعة مذكرة ومحذرة من عمل كذلك، بل حتى العزم بفعل السيئة، بل ما هو أقل من ذلك كاحتكار الطعام، وشتم الخادم، وغير ذلك (2) من الأمور التي تكدر صفو الحج.
6 - شرف مكانه - وهو شرف البيت وأهميته.
وذلك كما في قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} (3) .
وقوله تعالى: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} (4) .
وغيرها من الآيات التي تدل على العناية والإهتمام بالبيت العتيق، وتبين مكانته.
والبيت هو الكعبة المشرفة الذي ورد الأمر بتطهيره والإهتمام به وله منزلته في النفوس، ومكانته فيها، لذا تتجه قلوب العباد إليه، وهممهم تتعلق به فهو قبلتهم يتوجهون إليه في صلاتهم. وقد ورد في دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} (5) فاستجاب الله دعاءه ولاشك أن هذا من شرف هذا البيت حيث أمر الناس بقصده والتوجه إليه. ووعدهم برزقهم وجلب الثمرات والخيرات لهم، لا يخاف القادم إليه من جوع لكونه في أرض غير ذي زرع، أو يخاف من ظمأ فقد أجرى الله ماء زمزم لتكون ريّا وطعماً لزائري البيت الحرام.
المبحث الثالث: فرض الحج:
المطلب الأول: ابتدأ فرض الحج:
__________
(1) سورة الحج (25)
(2) انظر للإستزادة: تفسير ابن أبي حاتم 8/2483-2485.
(3) سورة البقرة (125)
(4) سورة آل عمران (97)
(5) سورة إبراهيم (37)(1/55)
إن المتأمل في كتاب الله عز وجل يجد أن أول ما فرض الحج في زمن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق} (1) .
يقول الإمام الشنقيطي رحمه الله:
(الأذان في اللغة: الإعلام …… والرجال في الآية: جمع راجل، وهو الماشي على رجليه، والضامر: البعير ونحوه. المهزول الذي أتعبه السفر، وقوله (يأتين) : يعني الضوامر المعبر عنها بلفظ كل ضامر …… والفج: الطريق، وجمعه فجاج …… والعميق: البعيد …… ثم قال والخطاب في قوله {وأذن في الناس} لإبراهيم كما هو ظاهر من السياق، وهو قول الجمهور …… أي وأمرنا إبراهيم أن اذن في الناس بالحج: أي أعلمهم، وناد فيهم بالحج: أي بأن الله أوجب عليهم حج بيته الحرام. ثم قال: وذكر المفسرون أنه لما أمره ربه، أن يؤذن في الناس بالحج قال: يارب: كيف أبلغ الناس، وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: نادِ وعلينا البلاغ. فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل: على الصفا، وقيل: على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك) (2) .
وقال ابن كثير رحمه الله:
بعد ذكره لكلام المفسرين السابق: (هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف والله أعلم) (3) .
وهذا النداء بعد أن أمره الله عز وجل ببناء البيت وتطهيره وتهيئته لحجاجه والطائفين به والمعتكفين فيه.
أما عن البناء فقد قال تعالى مخبراً عن أقدميته:
__________
(1) سورة الحج (27)
(2) الشنقيطي، أضواء البيان 5/65-66.
(3) ابن كثير، تفسير القرآن الكريم، 3/216.(1/56)
{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين} (1) .
وهذ يؤيد من قال إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أول من بنى البيت العتيق وذلك كما في قوله تعالى:
{وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمن والركع السجود} (2) .
ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: بيت المقدس. قلت: كم بينهما؟ قال: اربعون سنة (3) .
وسواء ابتدأ إبراهيم عليه الصلاة والسلام بناءه أو عهد إليه تجديد البناء بعد اندثاره فقد عهد إلى إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود.
فهذا ما يتعلق بفرض الحج على العموم.
أما ما يتعلق بفرضية الحج على هذه الأمة وإيجابه عليها فهذا يؤخذ من قوله تعالى:
{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} (4) .
ومن هذه الاية علم وجوب الحج.
قال ابن كثير رحمه الله:
هذه آية وجوب الحج عند الجمهور (5) .
وإذا كانت هذه الاية آية وجوب الحج فلا بُدّ من النظر في تاريخ نزولها ليعلم تاريخ فرض الحج متى هو:
إن المتأمل في نزول القرآن يجد أن صدر سورة آل عمران نزل في السنة التاسعة وهي سنة الوفود (6) .
يقول ابن تيمية:
" وآية آل عمران نزلت بعد ذلك، سنة تسع أو عشر، وفيها فرض الحج " (7) .
ويقول ابن عثيمين:
__________
(1) سورة آل عمران (96)
(2) سورة الحج (26)
(3) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء. انظر فتح الباري 6/407 ح /3366.
(4) سورة آل عمران (97)
(5) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1/502.
(6) ينظر أسباب النزول للواحدي ص 53، وسيرة ابن هشام 2/204-210.
(7) ابن تيمية، الفتاوي 26/7.(1/57)
" وأما فرض الحج فالصواب: أنه في السنة التاسعة، ولم يفرضه الله تعالى قبل ذلك، لأن فرضه قبل ذلك ينافي الحكمة، وذلك أن قريشاً منعت الرسول (من العمرة، فمن الممكن والمتوقع أن تمنعه من الحج ومكة قبل الفتح بلاد كفر، ولكن تحررت من الكفر بعد الفتح، وصار إيجاب الحج على الناس موافقاً للحكمة" (1) .
وإنما أخر النبي (الحج إلى العاشرة لكثرة الوفود عليه في السنة التاسعة الذين جاءوا إليه ليتفقهوا في الدين، وأيضاً أخر الحج من أجل أن يتمحض حجه للمسلمين فقط فإنه أذن في التاسعة ألاّ يحج بعد العام مشرك (2) .
كل هذا يدل على أن الحج إنما فرض في السنة التاسعة والحق أن هناك آيات قرآنية نزلت قبل هذه الآية وفيها ذكر الحج والأمر بإتمامه كما في قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} (3) .
وهذه الآية نزلت في السنة السادسة من الهجرة عام الحديبية، وفيها الأمر بإتمام الحج والعمرة.
وإذا علمنا أن هذه الآية نزلت متقدمة على الاية السابقة فإن الأمر لا يخلو من:
1 - أن يكون فرض الحج بهذه الآية. وهذا رأي بعض أهل العلم وهو قول مرجوح لما تقدم.
2 - إن الآية إنما أمر فيها بإتمامهما لمن شرع فيهما، لم يأمر فيها بابتداء الحج والعمرة، والنبي (اعتمر عمرة الحديبية قبل أن تنزل هذه الآية، ولم يكن فرض عليه لا حج ولا عمرة، ثم لما صده المشركون أنزل الله هذه الآية، فأمر فيها بإتمام الحج والعمرة وبين حكم المحصر الذي تعذر عليه الإتمام (4) .
وبعد هذا يترجح ما ذهب إليه الجمهور وهو أن الحج إنما فرض في السنة التاسعة من الهجرة، ولذا أمر الرسول (أبا بكر أن يحج بالناس وأمر علياً أن يؤذن في الناس، ويعلمهم بتطهير البيت من البدع وما أحدث في الحج من المنكرات التي تخالف مناسكه، ليصفو الحج من قابل للمسلمين.
__________
(1) ابن عثيمين، الشرح الممتع، 7/17.
(2) المراجع السابقة.
(3) سورة البقرة (196)
(4) ابن تيمية، الفتاوي، 26/7-8.(1/58)
المطلب الثاني: على من يجب الحج:
تقدم أن الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، وتبين لنا أنه فرض في السنة التاسعة من الهجرة على الصحيح من أقوال أهل العلم ومع أنه الركن الخامس إلا أنه يختلف عن بقية أركان الإسلام فهو لا يجب على المسلم إلا إذا توفر شرطه وهو المذكور في قوله تعال: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} .
فالشرط هنا هو الاستطاعة فإذا حصلت الاستطاعة وجب الحج وإذا فقدت الاستطاعة سقط وجوب الحج، وهذا من رحمة الله بعباده وتيسيره لهم، (ولهذا أتي بهذا اللفظ {من استطاع إليه سبيلاً} الذي يمكن تطبيقه على جميع المركوبات الحادثة والتي ستحدث) (1) في هذا العصر أو غيره من العصور.
والاستطاعة فسرها رسولنا (لما سئل عنها بقوله الزاد والراحلة. فقد أخرج الحاكم بسنده عن أنس رضي الله عنه عن النبي (في قوله تبارك وتعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال: قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة.
ثم قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. . . ووافقه الذهبي (2) ، والحديث وإن كان الصحيح أنه عن الحسن مرسلاً، فالزاد والراحلة من الاستطاعة. وليست هي الاستطاعة وحدها.
وقد فصل الفقهاء. . في المراد بالزاد والراحلة.
فإذا قدر على الوصول إليه يأي مركوب يناسبه، وزاد يتزوده فهو مستطيع.
وبقية التفصيل في الاستطاعة وصفة الزاد، ومن يكفي، وما المدة التي يكفي فيها، وكذلك التفصيل في الراحلة وغير ذلك مبحوث في موضعه من كتب الفروع.
أما بقية الشروط كالإسلام والحرية والبلوغ وغيرها فلم يرد لها ذكر في القرآن الكريم.
المطلب الثالث: أوجه اليسر:
__________
(1) ابن سعدي، تفسير كلام المنان، 1/403.
(2) الحاكم، المستدرك، 1/442.(1/59)
لقد اختار الله لنا الإسلام ورضيه لنا ديناً، وفضله على جميع الأديان، وجعله ديناً ميسراً وسهلاً ولا حرج فيه ولا مشقة كما قال تعالى:
{وما جعل عليكم في الدين من حرج} وكما في قوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} والآيات في هذا الموضوع كثيرة جداً، والحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، يمتاز بهذه الصفة العظيمة صفة التيسير وعدم الحرج، ولقد بين لنا القرآن الكريم أوجه اليسر في أداء هذه العبادة العظيمة. وذلك فيما يلي:
1- كونه على المستطيع:
وذلك في قوله تعالى: {من استطاع إليه سبيلاً} وقد تقدم الحديث عن هذا فيمن يجب عليه الحج فعلم الله سبحانه وتعالى الذي أحاط بكل شيء علماً أن هناك من المسلمين من لا يستطيع الوصول إلى هذا البيت العتيق، إما لبعد فنأى به مسكنه عنه، أو لفقر لا يستطيع الوصول إليه، أو لمرض أو لسبب من الأسباب المانعة، فخفف الله عنهم هذا الركن.
ويدخل في هذا الجانب أيضاً، وإن لم ينص عليه في القرآن الكريم أن جعل الحج مرة واحدة في العمر، يدل لذلك حديث الرسول (حين سئل عن الحج أفي كل عام؟ قال
(الحج مرة فمن زاد فهو تطوع) (1) .
2- ومن أوجه التيسير ما في قوله تعالى:
{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} (2) .
أي من نفر من منى وخرج منها قبل غروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة، فلا إثم عليه، وهذا تخفيف من الله تعالى على عباده في إباحة التعجل، فمنهم من لا يستطيع البقاء، ومنهم من لا يتحمل المبيت في منى إلى غير ذلك، ولقد ظهر هذا الأمر جلياً في هذا العصر، وخاصة مع بعد الديار وصعوبة الوصول إليها إلا عن طريق الطيران الذي لا يتحكم الإنسان فيه.
__________
(1) الإمام أحمد، المسند، 1/290، والحاكم، المستدرك، 1/441، وقال اسناده صحيح وأقره الذهبي.
(2) سورة البقرة (203)(1/60)
ولا شك أن هذا من التيسير المصاحب لهذه العبادة العظيمة.
أما أوجه اليسر التي أشارت إليها السنة المطهرة فكثيرة جداً.
من الوقوف بعرفة ولو ساعة من ليل أو نهار إلى تمديد وقت الرمي، إلى رفع الحرج عن أصحاب الأعذار وعدم مبيتهم في منى، إلى التخيير في الأعمال أيام العيد إلى غير ذلك.
المبحث الرابع: آثار الحج ومنافعه:
للحج آثار ومنافع عظيمة أشار القرآن الكريم إلى كثير منها، ومن هذه الآثار والفوائد.
- حصول المنافع:
وذلك في قوله تعالى:
{وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم} (1) .
وهذه المنافع متعددة منها المنافع الدينية ومنها المنافع الدنيوية.
أما المنافع الدينية فمنها:
أ - العبادات الفاضلة والعبادات التي لا تكون إلا في الحرم من طواف وسعي ووقوف في المزدلفة ورمي للجمار وإراقة دماء الهدي في الحرم، والمبيت في منى وهذه لا تكون إلا في الحرم، ووقوف في عرفة وهو موقف عظيم.
ومن منافعه عظم المكان حيث تضاعف فيه الحسنة.
ومن المنافع الدينية أيضاً ما ذكر بعد هذه الاية وهو قوله تعالى:
{ويذكروا اسم الله. . .} وذكر اسم الله من أعظم الذكر ولا شك أن الذكر من أعظم المنافع الدينية التي يزداد بها العبد حسنات ويكفر به عنه من السيئات ما لا
يخفى، ويدخل في هذا الذكر التسمية عند ذبح الهدي.
ب- المنافع الدنيوية، ومنها التجارة.
وذلك في قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم. . .} (2)
في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت: {ليس عليكم جناح....} (3) .
قال القاسمي:
__________
(1) سورة الحج (27-28)
(2) سورة البقرة (198)
(3) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب التجارة.. ح/904.(1/61)
(ففي الآية الترخيص لمن حج في التجارةونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق - وهو المراد بالفضل هنا -..... أي لا أثم عليكم في أن تبتغوا في مواسم الحج رزقاً ونفعاً وهو الربح في التجارة مع سفركم لتأدية ما أفترضه عليكم من الحج (1) ، ولاشك أن هذا من أعظم المنافع الدنيوية.
- ومن المنافع الدنيوية أيضاً:
الأكل من الهدي، وذلك كما في قوله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} .
فقوله (فكلوا منها) أي من لحم الهدي، وقد ثبت أن رسول الله (لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ، فأكل من لحمها، وحسا من مرقها (2) .
ولا شك أن هذا من المنافع لهم، وإن المتأمل في مشروع توزيع لحوم الهدي والأضاحي على الدول والمسلمين المحتاجين في هذا العصر ليدرك تماماً هذه المنفعة الدنيوية، إذ يتزود الحاج لطعامه من هديه، ويُزود غيره من هذا الهدي.
هذه أهم المنافع التي ورد لها ذكر في القرآن العظيم، وأما إذا نظر إلى منافعه عموماً فهي كثيرة جداً.
المبحث الخامس: فقه الحج في القرآن:
إن القرآن العظيم هو المصدر الأول من مصادر التشريع، ومنه استنبط العلماء الأحكام، ومنها ما نص عليه القرآن، وفصل في أحكامه، ومنها ما أجمل فيه وجاء التفصيل من سنة الرسول (.
والحج من تلكم الأحكام التي تحدث القرآن على حكمه وفرضه كما تقدم قريباً. ولم يكن حديث القرآن عن فقه الحج حديثاً مفصلاً تفصيلاً دقيقاً، كما هو مفصل في كتب الفروع، من شروطه، وأركانه، وواجباته، وسننه، وما إلى ذلك. وإنما جاء حديث القرآن عن الحج مجملاً ذاكراً للقواعد الكلية، والمسائل العامة التي أخذ الفقهاء – رحمهم الله - منها تلك التفصيلات.
__________
(1) القاسمي، محاسن التأويل، 3/396.
(2) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الحج، ح /147.(1/62)
أ - ما ذكر في القرآن من أركان الحج:
إن المتتبع لآيات القرآن يجد أنه أشار إلى كثير من هذه الأركان، وورد ذكرها في آياته.
وقد حدد الفقهاء هذه الأركان وهي:
1 - الإحرام.
2 - الوقوف بعرفه.
3 - الطواف.
4- السعي.
1 - الإحرام: وقد تحدث القرآن الكريم عنه وذلك
في قوله تعالى: {غير محلي الصيد وأنتم حرم} (1) .
وفي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} (2) .
وفي قوله تعالى: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} (3) .
ففي هذا الآيات الثلاث ما يشير إلى التلبس بالإحرام وهو نية الدخول في النسك، ولذلك قال النبي (: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى) (4) .
وهذا ما عليه كثير من العلماء، وهو ما دل عليه القرآن حيث بين أن المتلبس بالإحرام عليه أن يتجنب أشياء مخصوصة بينت الآيات السابقة شيئاً منها.
ولاشك أن الإحرام هو الركن الأول للحج فإذا نوى الحاج الدخول في النسك فقد تلبس به، وحرم عليه أشياء كثيرة، منها ما بين القرآن ومنها ما بين في السنة.
2 - ومن أركان الحج التي ورد ذكرها في القرآن: الوقوف بعرفه.
وذلك في قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات} .
ولذا قال النبي (الحج عرفه فمن أدرك عرفه فقد أدرك الحج (5) .
فقوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات} يدل على أن الوقوف بعرفة لابد منه وأنه أمر مسلم به.
يقول ابن المنذر:
(أجمعوا على أن الوقوف بعرفه فرض لا حج لمن فاته الوقوف بها) (6) .
والمراد بالفرض هنا أنه ركن.
3 - ومن أركان الحج التي ورد ذكرها في القرآن الكريم: الطواف.
__________
(1) سورة المائدة (1)
(2) سورة المائدة (95)
(3) سورة المائدة (96)
(4) أخرجه البخاري في بدء الوحي، حديث رقم (1) ومسلم في الاماره 3/1515.
(5) أخرجه أحمد في المسند، 4/309 - 335، والحاكم في المستدرك، 1/464 وصححه.
(6) ابن المنذر، الإجماع، ص 64.(1/63)
وذلك في قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطفوا بالبيت العتيق} (1) .
قال الشنقيطي:
(دلت الآية الكريمة، على لزوم طوام الإفاضة وأنه لاصحة للحج بدونه) (2) .
وقال في موضع آخر: (..... أما طواف الإفاضة فهو ركن من أركان الحج بإجماع العلماء) (3) .
4 - ومن أركان الحج التي ورد ذكرها في القرآن الكريم: السعي.
وذلك في قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما.....} (4) وهناك خلاف في السعي هل هو ركن أم لا، والصحيح أنه ركن كما دل على ذلك فعل النبي (.
ب - ما ذكر في القرآن من مسائل الحج:
أشار القرآن إلى بعض مسائل الحج وأعماله وواجباته وسننه.
ومما أشار إليه القرآن مايلي:
1- الحلق أو التقصير:
لقوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون} (5) .
والحلق أو التقصير واجب من واجبات الحج (6) .
والحلق أفضل من التقصير لما تقدم في الآية، وقد دعا الرسول (للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة واحدة (7) .
وأما التفصيل في الحلق أو التقصير فلم يتعرض له القرآن بشيء، وإنما أخذ ذلك من فعل الرسول (وأصحابه رضي الله عنهم وهل يحلق نفسه أم يحلقه غيره؟ وهل يجزىء حلق بعض الرأس أم لا بد من تعميم الرأس بالحلق إلى غير ذلك مما يتعلق بالحلق من المسائل مما هو مفصل في كتب الفقهاء.
2 - الهدي:
والهدي هو ما يهدى إلى الحرم.
__________
(1) سورة الحج (29)
(2) الشنقيطي، اضواء االبيان، 5/687.
(3) الشنقيطي، أضواء البيان، 5/213.
(4) سورة البقرة (158) .
(5) سورة الفتح (27)
(6) ابن عثيمين، الشرح الممتع، 4/427.
(7) أخرجه البخاري في الحج، ح / 1728، ومسلم في الحج، ح /1302.(1/64)
قال تعالى: {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كامله ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} (1) .
والهدي يكون على المتمتع والقارن وهو دم نسك واجب.
قال الشنقيطي رحمه الله في بيان الهدي الواجب:
(.... الأول هدي التمتع، ويدخل فيه القران لأن الصحابة رضي الله عنهم جاء عنهم التصريح بأن اسم التمتع في الآية صادق بالقران كما قدمناه واضحاً عن ابن عمر، وعمران ابن حصين، وغيرهما، والصحابة هم أعلم الناس بلغة العرب وبدلالة
القرآن) (2) .
قال ابن المنذر:
(وأجمعوا على أن من أهلّ بعمرة في أشهر الحج من أهل الآفاق من الميقات وقدم مكة ففرغ منها، فأقام بها فحج من عامه أنه متمتع وعليه الهدي إن وجد وإلا فالصيام) (3) .
والهدي يكون من الأبل أو البقر أو الغنم وتفصيل ذلك وأيها أفضل ومتى ينحر أو يذبح وفي أي مكان..... ليس هذا محل بحثه، إنما هو في كتب الأحكام.
أما إذا عجز عن الهدي فقد بينت الآية الكريمة حكم ذلك بقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كامله} .
فلا خلاف أن المتمتع إذا عجز عن الهدي انتقل إلى الصيام وأما متى يصوم هذه الأيام الثلاثة في الحج فقد أطال العلماء الحديث فيها وذهب كل منهم مذهبه، وتفصيل ذلك في كتب الفروع.
3 - الوقوف بمزدلفة:
وذلك كما في قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين} (4) .
__________
(1) سورة البقرة (196)
(2) الشنقيطي، اضواء البيان، 5/503.
(3) ابن المنذر، الإجماع، ص 64
(4) سورة البقرة (198)(1/65)
والمشعر الحرام هو المزدلفه كلها كما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (1) ويدل عليه حديث الرسول (وقفت هنا وجمع كلها موقف (2) .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
(في هذه الآية دلالة على أمور..... الثاني: الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام، وهو المزدلفة، وذلك أيضاً معروف، يكون ليلة النحر بائتا بها، وبعد صلاة الفجر، يقف في المزدلفة داعياً حتى يسفر جداً.
ثم قال: (الرابع والخامس: أن عرفات ومزدلفه كلاهما من مشاعر الحج المقصود فعلها وإظهارها) (3) .
والوقوف بمزدلفة من واجبات الحج، كما هو مذهب الإمام أحمد وغيره (4) .
والمسألة فيها أقوال لأهل العلم يرجع إليها في مظانها (5) .
وهذه الاية دلت على أن الوقوف بالمشعر الحرام - وهو المزدلفة - يكون بعد الوقوف بعرفه كما هو ظاهر من قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام} .
ودلت أيضاً على أن الوقوف بالمزدلفة من شعائر الله ومن معالم الحج الظاهرة.
4 - الصلاة عند مقام إبراهيم:
وذلك لقوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (6) .
هذا المقام كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقوم عليه أثناء بناء الكعبة، وقد ظهرت آثار قدمه على ذلك المقام، وأصبح ذلك الحجر آية من آيات الله.
يقول أبوطالب:
وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة ... ... على قدميه حافياً غير ناعلِ (7)
فجعله الله آية من آياته وأمر المصلين أن يصلوا خلفه.
__________
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/242.
(2) أخرجه مسلم في الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، ح /1218، 1490.
(3) ابن سعدي، تفسير كلام المنان، 1/246.
(4) ابن عثيمين، الشرح الممتع، 7/420.
(5) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/242
(6) سورة البقرة (125)
(7) سيرة ابن هشام 1/286-288(1/66)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن جعغر بن محمد عن أبيه أنه سمع جابراً يحدث عن حجة النبي (قال: لما طاف النبي (قال له عمر رضي الله عنه هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: نعم. قال: أفلا نتخذه مصلى. فأنزل الله تعالى:
{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (1) . وهذا يدل على أن مقام إبراهيم هو الحجر المعروف الآن مقابل باب الكعبة.
والصلاة خلفه من سنن الطواف، فإذا انتهى من طوافه سن له أن يصلي ركعتين خلف المقام لفعل النبي (وسواء كان قريباً من المقام أو بعيداً عنه.
وهنا مسألة ينبغي أن يُتَنبه لها، وهي ما يحدث عند المقام من الزحام الشديد من أجل الصلاة عنده.
فإن السنة تتحقق ولو صلى بعيداً عنه من جهة المسعى أو بعده أيضاً، وخاصة أن المحافظة على ذات العبادة أولى من المحافظة على مكانها (2) .
ويقرأ في هاتين الركعتين بما جاءت به السنة وهو أنه يقرأ في الأولى ب (قل يا أيها الكافرون) والثانية ب (قل هو الله أحد) (3) .
5 - فدية من ارتكب محظوراً:
وذلك بقوله تعالى: {........ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} (4) .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية:
__________
(1) ابن أبي حاتم، تفسير القرآن العظيم، 1/226
(2) ينظر الشرح الممتع، 7/302.
(3) أخرجه الإمام مسلم، ح /1218.
(4) سورة البقرة (196) .(1/67)
(.... وهذا من محظورات الإحرام، إزالة الشعر بحلق أو بغيره لأن المعنى واحد من الرأس أو من البدن، لأن المقصود من ذلك حصول الشعث، والمنع من الترفه بإزالته وهو موجود في بقية الشعر، وقاس كثير من العلماء على إزالة الشعر، تقليم الأظافر بجامع الترفه، ويستمر المنع مما ذكر حتى يبلغ الهدي محله، وهو يوم النحر..... فإذا حصل العذر بأن كان به أذى من مرض ينتفع بحلق رأسه له، أو قروح، أو قمل ونحو ذلك، فإنه يحل له أن يحلق رأسه، ولكن يكون عليه فدية، من صيام ثلاثة أيام،أو إطعام ستة مساكين أو نسك ما يجزيء في أضحية،فهو مخير، والنسك أفضل، فالصدقة فالصيام، ومثل هذا كل ما كان في معنى ذلك، من تقليم الأظافر، أو تغطية الرأس، أو لبس المخيط، أو الطيب، فإنه يجوز عند الضرورة، مع وجوب الفدية المذكورة، لأن القصد من الجميع إزالة ما به يترفه) (1) .
6- ما ذكر في القرآن من محظورات الإحرام:
أ - الصيد:
كما في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} (2) .
وقال أيضاً: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} (3) .
وقال أيضاً: {غير محلي الصيد وأنتم حرم} (4)
وقد أجمع العلماء على أن المحرم لا يجوز له قتل صيد البر (5) .
والمراد بقتل الصيد: كل فعل يفيت الروح سواء كان بالذبح أو النحر أو الرمي أو الرضخ أو الخنق أو غير ذلك مما يقتل، وسواء كان القتل مباشراً أو بسبب (6) .
فالمحرم إذا تلبس بالنسك حرم عليه صيد البر أو الإعانة عليه لدلالة هذه الآيات. قال ابن كثير رحمه الله:
__________
(1) ابن سعدي، تفسير كلام المنان، 1/240.
(2) سورة المائدة (95)
(3) سورة المائدة (96) .
(4) سورة المائدة (1)
(5) ابن المنذر، الإجماع، ص 55.
(6) بيبا بن فاليد، مذاهب الأخبار، ض 198.(1/68)
(وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام، ونهي عن تعاطيه فيه وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول، ولو ما تولد منه ومن غيره) (1) .
والذي يحرم على المحرم قتله هو صيد البر فقط، لدلالة الآيات السابقة. أما صيد البحر فلا يحرم قتله، وذلك لقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم
وللسيارة} (2) .
وقد أجمع العلماء على أن صيد البحر للمحرم، مباح اصطياده وأكله وبيعه وشراؤه (3) .
ب - ما يترتب على الصيد:
قال تعالى: {ومن قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام} (4) .
قال ابن سعدي رحمه الله:
(وهذا كله تعظيم لهذا النسك العظيم، أنه يحرم على المحرم قتل وصيد ما كان حلالاً له قبل الإحرام، وقوله: {ومن قتله منكم متعمداً} قتل صيداً عمداً (ف) عليه {جزاء مثل ما قتل من النعم} أي الابل أوالبقر أو الغنم، فينظر ما يشبهه من ذلك، فيجب عليه مثله، يذبحه ويتصدق به..... فإن لم يشبهه شيئاً، ففيه قيمته....) (5) .
وقد أجمع العلماء على أن المحرم إذا قتل صيداً، عامداً لقتله ذاكراً لإحرامه، أن عليه الجزاء (6) .
فذكر في هذه الآية الكريمة جزاء الصيد إجمالاً، ومن يحكم به ومكانه.
أما التفصيل فقد تناوله العلماء من خلال كتب الأحكام وشروح الآية والأحاديث الواردة في ذلك (7) .
7 - حكم المحصر:
__________
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/98.
(2) سورة المائدة (96) .
(3) ابن المنذر، الإجماع، ص 59، وابن قدامه، المغني، 3/344.
(4) سورة المائدة (95)
(5) ابن سعدي، تفسير كلام المنان، 2 / 344.
(6) ابن المنذر، الإجماع، ص 58.
(7) ابن عثيمين، الشرح الممتع، 7/196 فما بعد، بيبا بن فاليد، مذاهب الأخبار، ص 224 فما بعد.(1/69)
وذلك في قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} . والاحصار: من حصره إذا منعه، فالاحصار بمعنى المنع، وذلك بأن يحصل للإنسان مانع يمنعه من اتمام النسك من عدو أو غيره.فعليه الهدي كما هو نص الآية: {فما استيسر من الهدي} .
وهذا ما فعله رسولنا (في الحديبية حيث أمر أصحابه أن ينحروا (1) ويحلقوا أو يقصروا لقوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} .
أما ما يتعلق بنوع الحصر والتفصيل في ذلك وما يتعلق بهذه المسألة من أحكام فلم تتعرض له الآية، وإنما أخذ ذلك من سيرة الرسول (في غزوة الحديبية.
هذا مجمل لما ذكر في القرآن الكريم من أحكام الحج.
المبحث السادس: آداب تتعلق بالحج:
لقد تحدث القرآن الكريم عن هذه العبادة من حيث فرضها ومكانها وزمانها وأركانها، وتحدث أيضاً عن المحافظة عليها من الشوائب والنواقص.
وجاء الحديث عن هذه الآداب في مواطن وآيات متفرقة في القرآن الكريم، منها ما يتعلق بذات العبادة، ومنها ما يتعلق بمكانها وزمانها.
أما ما يتعلق بمكانها فقد تقدمت الإشارة إلى وجوب تطهيره من الشرك والمشركين.
وأما ما يتعلق بزمانه فمن ذلك قوله تعالى:
{الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} (2) .
1 - اجتناب الرفث:
والرفث الجماع كما قال تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} (3)
قال ابن كثير رحمه الله:
(وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك وكذلك التكلم به بحضرة النساء) (4) .
وقال ابن تيميه رحمه الله:
__________
(1) أخرجه البخاري في الشروط، ح / 2731 -2732.
(2) سورة البقرة (197)
(3) سورة البقرة (187)
(4) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/236.(1/70)
(فالرفث اسم للجماع قولاً وعملاً. . . وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث، فلهذا ميز بينه وبين الفسوق (1) .
وثبت عن الرسول (أنه قال: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) (2) .
قال ابن تيميه. . . وينبغي للمحرم ألا يتكلم إلا بما يعنيه، وكان شريح إذا أحرم كأنه الحية الصماء) (3) .
2 - اجتناب الفسوق:
كما في الآية السابقة.
والفسوق هي المعاصي كلها (4) .
ويدخل في ذلك دخولاً أوليا ارتكاب ما نهى الله عنه في حال الإحرام من قتل الصيد وحلق الشعر وتقليم الأظافر وغير ذلك من محظورات الإحرام.
ولاشك أن هذا الأدب من أعظم ميزات المتلبس بهذه العبادة – الحج – لكونه ترك أهله وماله وولده ووطنه منقاداً لأمر الله طائعاً ذليلاً مبتعداً عن معاصي الله ولذا جاء الأجر المترتب على ترك هذه الخصلة – الفسوق – بالجزاء العظيم وهو تكفير السيئات جميعاً كما في الحديث المتقدم.
3- اجتناب الجدال:
وذلك كما في الآية السابقة: {ولا جدال في الحج} .
وسواء كان بمعنى قطع التنازع في مناسك الحج لأن الله قد أوضحه وبينه وقطع المراء فيه كما كانوا في الجاهلية يتمارون فيه.
أو كان المعنى المراد بالجدال المخاصمة وأن لا يماري الحاج أحداً حتى يغضبه، وخاصة إذا كان الجدال بغير علم، أو يكون الجدال في الحق بعدما تبين.
ولذا ورد عن الرسول (: (من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه) (5) .
4 - ومن الآداب التي أمر بها القرآن الكريم – الإكثار من ذكر الله:
__________
(1) ابن تيمية، الفتاوي، 26/108.
(2) أخرجه البخاري في الحج باب فضل الحج المبرور، 3/382 ح /1521.
(3) ابن تيمية، الفتاوي، 26/108.
(4) المرجع السابق، وابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/237.
(5) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم،1/238 ونسبه لعبد بن حميد.(1/71)
كما قال تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً} (1) .
ففي هذه الآيات الأمر للحاج أن يذكر الله عز وجل عند المشعر الحرام وهو مزدلفة، وأن يستغفر الله عز وجل من جميع الذنوب والمعاصي وأن يبطلوا ما كانوا عليه في الجاهلية من إنشاد الأشعار وذكر مفاخر الآباء والأجداد، ويحلوا مكانه ذكر الله وأن يكون ذكر الله أكثر وأعظم من ذكرهم لآبائهم ومفاخر أجدادهم.
ثم أمرهم جل وعلا (بذكره في الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد، لميزتها وشرفها، وكون بقية المناسك تفعل بها ويكون الناس أضيافاً لله فيها، ولهذا حرم صيامها، فللذكر فيها مزية ليست لغيرها، ولهذا قال النبي ((أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله) (2) .
ويدخل في هذا الذكر التكبير عند رمي الجمار، والتكبير المقيد بعد الصلوات، والتكبير المطلق، وغير ذلك من أنواع الذكر.
5- التزود بالتقوى:
كما في قوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} .
قال ابن كثير رحمه الله:
(لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الآخرة وهو استصحاب التقوى إليها كما قال: (وريشا ولباس التقوى ذلك خير) لما ذكر اللباس الحسي نبه مرشداً إلى اللباس المعنوي وهو الخشوع والطاعة والتقوى وذكر أنه خير من هذا وأنفع) (3)
__________
(1) سورة البقرة (198-200) .
(2) ابن سعدي، تفسير كلام المنان، 1/249، والحديث رواه مسلم في صحيحه 3/153.
(3) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/239
المصادر والمراجع
1 - القرآن الكريم.
2 - ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: أسعد محمد الطيب، مكة المكرمة، مكتبة نزار مصطفى الباز ط 1 - 1417هـ
3 - ابن حنبل، الإمام أحمد بن حنبل، المسند، لبنان المكتب الإسلامي.
4 - ابن قدامة، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد، المغني، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، القاهرة، هجر، 1418هـ.
5 - ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار الفكر.
6 - ابن منظور - لسان العرب - بيروت.
7 - الرازي، محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح، بيروت، دار الكتب العلمية.
8 - الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات، دار المعرفة، بيروت.
9 - ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصطفى البابي الحلبي، 1390.
10 - ابن مجاهد، كتاب السبعة، دار المعارف، القاهرة.
11- ابن عثيمين، محمد بن صالح، الشرح الممتع، مؤسسة آسام.
12- ابن تيمية، مجموع الفتاوى، عالم الكتب، الرياض.
13- ابن المنذر، الإجماع، دار طيبة، الرياض.
14- ابن هشام، السيرة النبوية، توزيع الإدارات العلمية والإفتاء - الرياض.
15- البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح بشرح فتح الباري، توزيع إدارات البحوث.
16- السعدي، عبد الرحمن بن ناصر، تفسير كلام المنان، تحقيق: محمد النجار، المؤسسة السعدية.
17- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الإكليل في استنباط التنزيل، تحقيق: سيف الدين عبد القادر، بيروت، دار الكتب العلمية، 1401هـ.
18- الشنقيطي، محمد الأمين، أضواء البيان.
19- العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري. تصحيح وتحقيق: سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - نشر إدارات البحوث العلمية والإفتاء.
20- القاسمي، محمد جمال الدين، محاسن التأويل، تصحيح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العلمية.
21- الحاكم النيسابوري، المستدرك، مكتبة المعارف، الرياض.
22- مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العلمية، عيسى البابي الحلبي.
23- مذاهب الأخيار في أحكام الحج والاعتمار، بيبابن فاليد سيدي، دار الهلال، الرياض.
24-الواحدي، أسباب النزول، دار الكتب العلمية.(1/72)
ولاشك أن الحاج عليه أن يتقي الله ربه وأن تكون التقوى شعاره في حياته عامة وفي حجه خاصة فهو - أي الحج - عبادة لله إذا أديت كما أمر الله بها، وكما أداها رسولنا (حصل الأجر المترتب على ذلك، ولا يحصل ذلك إلاّ بالتقوى ولذا نص العلماء على هذا الأمر في كل ما يتعلق بالحج من نفقة طيبة ورفقة صالحة والتزام بالمناسك واجتناب للنواهي وغير ذلك مما يزيد الحاج تقوى وعملاً صالحاً.
(( (( ((
الخاتمة:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبتوفيقه وهدايته كتبت هذه الصفات وبعد.
في نهاية هذا البحث الذي ذكرت فيه حديث القرآن عن فريضة الحج ومكانته ومنافعه، وأحكامه وتوصلت منه إلى ما يلي:
عظم مكانة الحج ومنزلته في الدين.
أن الحج عبادة لله، فرضت على هذه الأمة وعلى غيرها.
الإهتمام بشأن البيت العتيق والعناية به.
وعيد من لم يحج وهو قادر بالكفر.
أن معظم مسائل الحج مذكورة في القرآن الكريم.
ضرورة التزام الحاج بآداب الحج وتحليه بها.
هذا وأسأل الله العلي العظيم للجميع العلم النافع والعمل الصالح إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد.
الهوامش والتعليقات(1/73)
الآثار المروية في صفة المعية
د. محمد بن خليفة التميمي
الأستاذ المشارك بقسم العقيدة - الجامعة الإسلامية بالمدينة
ملخص البحث
تضمن البحث موضوع صفة المعية، وتقرير معتقد أهل السنة والجماعة في المسألة، وذلك من خلال جمع الآثار المتعلقة بها، وبيان ما تضمنته من تقرير لإثبات هذه الصفة، والمعنى المراد منها، مع ذكر أقوال المخالفين في المسألة، والشبه التي تعلقوا بها والرد عليها؛ وقد اشتمل البحث على مقدمة وأربعة مطالب وخاتمة:
وقد احتوت المقدمة على بيان أهمية الموضوع، وأسباب الكتابة فيه، والخطة التي سرت عليها.
وتضمن المطلب الأول: ذكر آيات المعية وبيان أقسامها.
وأما المطلب الثاني: ففي ذكر أقوال العلماء في تفسير آيات المعية.
وكان المطلب الثالث: في ذكر الآثار الواردة في الجمع بين صفتي العلو والمعية.
والمطلب الرابع: في أقوال الناس في صفة المعية.
وختمت البحث بخاتمة ذكرت فيها نتائج البحث.
والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(( (( ((
مقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وحجته على عباده، وخِيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد:
فإن الإيمان بأسماء الله وصفاته داخل في الإيمان بالله عز وجل، ذلك أن الإيمان بالله إنما يتحقق بأمرين هما:
أولاً: توحيد الله في أسمائه وصفاته وأفعاله وهذا ما يسمى بالتوحيد العلمي الخبري.
ثانياً: توحيد الله في عبادته وحده لا شريك له، وهذا ما يسمى بالتوحيد الإرادي الطلبي.(1/74)
وكلا التوحيدين لابد لتحقيقهما من الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله ش وفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم؛ حتى تسلم للمسلم عقيدته التي هي مصدر فلاحه وسبب سعادته في الدنيا والآخرة.
هذا وإن العلم بأسماء الله وصفاته وأفعاله أجل العلوم وأشرفها وأعظمها، بل هو أصلها كلها، فعلى أساس العلم الصحيح بالله وبأسمائه وصفاته يقوم الإيمان الصحيح وتنبني مطالب الرسالة جميعها، فهذا التوحيد أساس الهداية والإيمان وأصل الدين الذي يقوم عليه، ولذلك فإنه لا يتصور إيمان صحيح ممن لا يعرف ربه، فهذه المعرفة لازمة لانعقاد أصل الإيمان، وهي مهمة جداً للمؤمن لشدة حاجته إليها لسلامة قلبه وصلاح معتقده واستقامة عمله؛ وهي التي توجب للعبد التمييز بين الإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، والإثبات والتعطيل، وتنزيه الرب عما لا يليق به، ووصفه بما هو أهله من الجلال والإكرام؛ وذلك يتم كما هو معلوم بتدبر كلام الله تعالى وما تعرَّف به سبحانه إلى عباده على ألسنة رسله من أسمائه وصفاته وأفعاله، وما نزه نفسه عنه مما لا ينبغي له ولا يليق به سبحانه.
ولما كانت صفة المعية إحدى الصفات الثابتة لله تعالى كما دلت على ذلك الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية؛ فقد أحببت أن أجمع النصوص المروية في ذلك لتقرير هذه الصفة ولتوضيح المسائل المتعلقة بها من جهة، والرد على شبهات المخالفين التي أثيرت حولها من جهة أخرى.
ومما دفعني للكتابة في هذا الموضوع ما أسمعه من بعض الشبه التي تثار بين الحين والآخر حول آيات المعية من قبل أتباع أهل الكلام الذين لا يعتمدون في هذا الباب أصلاً على النصوص الشرعية، ولكنهم حاولوا التمسك بآيات المعية في إنكارهم وردهم لصفة العلو زعماً منهم أن آيات المعية تدل على أن الله بذاته في كل مكان.(1/75)
وقد لبَّسوا بذلك على بعض من ليس له بصيرة ولا علم بالمأثور عن السلف في هذه المسألة، فظنوا أن هناك تعارضا بين النصوص؛ أو أن النصوص تشهد بصحة قول أهل الكلام وزعمهم الفاسد.
فإزالة لتلك الشبه، ودفعاً لها، وإحقاقاً للحق الذي هو أحق أن يتبع، أدلي بدلوي وأقدم هذه الخدمة للحق وطالبيه، والتي تتمثل في جمع شتات الآثار والمباحث والقضايا المتعلقة بهذه المسألة، ليسهل على طلاب العلم الإطلاع عليها بأيسر طريق وأقل مؤنة.
وقد سرت في هذا البحث وفق الخطة التالية:
المقدمة.
المطلب الأول: آيات المعية.
المطلب الثاني: أقوال العلماء في تفسير آيات المعية العامة.
المطلب الثالث: أقوال العلماء التي تجمع بين صفتي العلو والمعية.
المطلب الرابع: أقوال الناس في صفة المعية.
وختمت البحث بخاتمة. ذكرت فيها نتائج البحث.
وقد ركزت في ثنايا بحثي هذا على تتبع الآثار الواردة عن سلف هذه الأمة في هذه المسألة واستخراجها من كتب المأثور، وترتيبها الترتيب الزمني حسب وفاياتهم، ومع ما في هذا العمل من الجهد والتعب الذي يستدعيه التنقيب في ثنايا كتب المأثور عن هذه الأقوال إلا أن الفائدة الحاصلة من وراء ذلك أعظم وأكبر، وذلك من وجهين:
الأول: بيان الحق في هذه المسألة من خلال ذكر أقوال الأئمة في مسألة المعية، بحيث يقف القارئ الكريم على أقوال الأئمة من علماء هذه الأمة في صفة المعية وتفسيرهم للآيات والنصوص الواردة فيها وبيان فهمهم لها.
ففي هذا الصنيع تجلية للحق وإعانة لطالبيه على فهمه والتمسك به.
والثاني: إيضاح بطلان أقوال المخالفين وبيان مخالفتها لقول السلف وأنها أقوال لا أساس لها لا من النصوص الشرعية ولا من أقوال الأئمة الذين يقتدى بهم ويستأنس بأقوالهم.
فأصحاب الأقوال الباطلة أسسوا بنيانهم على جرف هار، ودعاوى زائفة إذا ما سلِّط عليها الحق اتضح بطلانها وانكشف فسادها.(1/76)
فأرجو من الله عز وجل أن أكون قد وفقت في تحقيق المقصود من هذا البحث، وأن ينفع به قارئيه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
المطلب الأول: آيات المعية.
وردت صفة المعية في القرآن لمعنيين هما:
المعنى الأول: المعية العامة.
وقد وردت في مواضع من القرآن الكريم وهي:
الموضع الأول: في سورة الحديد (الآية 4) قال تعالى س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ش.
الموضع الثاني: في سورة المجادلة (الآية 7) قال تعالى س ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ش.
الموضع الثالث: في سورة النساء (الآية 108) قال تعالى س يستخفون من الناس ولايستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالايرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً ش.
وهذا النوع من أنواع المعية المراد به أن الله مع جميع الخلق بعلمه فهو مطلع على خلقه شهيد عليهم وعالم بهم؛ وسميت عامة لأنها تعم جميع الخلق.
المعنى الثاني: المعية الخاصة.
وقد وردت في القرآن الكريم في مواطن كثيرة أورد منها على سبيل المثال لا الحصر الآيات التالية: قال تعالى س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش الآية (128) من سورة النحل. وقال تعالى س إن الله مع الصابرين ش الآية (153) من سورة البقرة، وقال تعالى س ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ش الآية (40) من سورة التوبة، وهذه هي المعية الخاصة ومن لازمها النصر والتأييد، وسميت خاصة لأنها تخص أنبياء الله وأولياءه دون غيرهم من الخلق.(1/77)
ومما ورد في السنة بهذا الخصوص حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي ش ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني)) (1) .
وبناءً على هذا التقسيم للمعية الوارد في النصوص، نص عدد من أهل العلم على ذلك في كتبهم وممن ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: ((ولفظ (مع) جائت في القرآن عامة وخاصة، فالعامة في هذه الآية (يقصد آية الحديد) وفي آية المجادلة فافتتح الكلام بالعلم وختمه بالعلم، ولهذا قال ابن عباس والضحاك وسفيان الثوري وأحمد بن حبل: هو معهم بعلمه.
وأما ((المعية الخاصة)) ففي قوله تعالى: س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش وقوله تعالى لموسى: س إنني معكما أسمع وأرى ش وقال تعالى: س إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ش يعني النبي ش وأبا بكر رضي الله عنه، فهو مع موسى وهارون دون فرعون، ومع محمد وصاحبه دون أبي جهل وغيره من أعدائه، ومع الذين اتقوا والذين هم محسنون دون الظالمين المعتدين)) (2) .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (( ... فمعية الله تعالى مع عبده نوعان عامة وخاصة وقد اشتمل القرآن على النوعين وليس ذلك بطريق الاشتراك اللفظي بل حقيقتها ما تقدم من الصحبة اللائقة)) (3) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى س ويحذركم الله نفسه ش ص 1551 رقم 7405.
ومسلم في صحيحه كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى رقم 2675.
(2) مجموع الفتاوى 11/249-250.
(3) مختصر الصواعق 2/266.(1/78)
وقال في موضع آخر: (( ... فمن المعية الخاصة قوله س إن الله مع الصابرين ش، س إن الله مع المحسنين ش، س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش، س واعلموا أن الله مع المتقين ش (1) ، س لا تحزن إن الله معنا ش، ومن العامة س وهو معكم أينما كنتم ش، وقوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش الآية)) (2) .
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: ((ومعيته مع أهل طاعته خاصة فهو سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ... ))
فالمعية العامة تقتضي التحذير من علمه واطلاعه وقدرته وبطشه وانتقامه.
والمعية الخاصة تقتضي حسن الظن بإجابته ورضاه وحفظه وصيانته)) (3) .
وقال الشوكاني رحمه الله في شرح حديث ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني)) .
قال: ((فيه تصريح بأن الله تعالى مع عباده عند ذكرهم له، ومن مقتضى ذلك أن ينظر إليه برحمته، ويمده بتوفيقه وتسديده، فإن قلت: هو مع جميع عباده كما قال سبحانه وتعالى س وهو معكم أينما كنتم ش، وقوله جلّ ذكره س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش الآية.
قلت: هذه معية عامة، وتلك معية خاصة حاصلة للذاكر على الخصوص بعد دخوله مع أهل المعية العامة، وذلك يقتضي مزيد العناية ووفور الإكرام له والتفضل عليه، ومن هذه المعية الخاصة ما ورد في كتابه العزيز من كونه مع الصابرين، وكونه مع الذين اتقوا، وما ورد هذا المورد في الكتاب العزيز أو السنة، فلا منافاة بين إثبات المعية الخاصة وإثبات المعية العامة)) (4) .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: ((معية الله التي ذكرها في كتابه نوعان:
معية العلم والاحاطة وهي المعية العامة، فإنه مع عباده أينما كانوا.
__________
(1) البقرة 194.
(2) مختصر الصواعق 2/266-267.
(3) فتح الباري لابن رجب 2/334.
(4) تحفة الذاكرين ص 11.(1/79)
ومعية خاصة، وهي معيته مع خواص خلقه، بالنصرة والعطف والتأييد)) (1) .
هذه بعض النقول أوردتها على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر لإثبات أصالة هذا التقسيم وأخذ المحققين من العلماء به وهناك نقول أخرى عن جمع أخر من العلماء كلهم قالوا بهذا التقسيم للمعية تركتها خشية الإطالة وإنما أردت بهذا التنبيه على ورود هذا التقسيم في كلام أهل العلم.
المطلب الثاني: أقوال العلماء في تفسير آيات المعية العامة.
تتابع أهل السنة قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل على تفسير آيات المعية بأنها معية العلم والاطلاع، والنقول التي سأوردها في هذا المطلب شملت عددا من أعلام الأمة وأئمتها بما في ذلك القرون المفضلة، وأئمة الفقه والحديث والتفسير (2) .
فكيف تطيب نفس مسلم بترك أقوال هؤلاء إلى قول من لا يحتج بقوله.
وقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع علماء السلف على تفسيرهم لآيات المعية العامة بأن المراد بها معية العلم، وسأورد لك هنا ما وقفت عليه من آثار في تفسير تلك الآيات ليتضح لك حقيقة قولهم في المسألة.
والمقصود مما سأورده من آثار هو تفنيد تلك الدعوى التي تمسك بها المخالفون لاعتقاد السلف في هذه المسألة ومسألة العلو التي لها ارتباط وثيق بمسألة المعية فأوردوا حولها دعوى هي أوهى من بيت العنكبوت، وهي زعمهم أن أيات المعية العامة المراد بها أن الله معنا بذاته في كل مكان تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن ص 14
(2) سأورد في هذا المطلب أقوال بعض الأشاعرة وغيرهم، لكونهم وافقوا الحق في هذه المسألة ولا يفهم من هذا اعتبارهم من أهل السنة على المعنى الخاص، والاستشهاد بأقوال هؤلاء سار عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية، والذهبي في كتابيه العلو والعرش، وغيرهم من الأئمة.(1/80)
وسيجد القارئ لهذا المطلب أن تفسيرهم ذاك لم يقل به أحد من السلف ولا الأئمة المعتبرين، بل ولا حتى جمع من قدماء الأشاعرة وعلى رأسهم أبو الحسن الأشعري الذي ينتسبون إليه، فالأشعري وقدماء أصحابه وافقوا السلف في تفسيرهم لآيات المعية العامة بأنها معية العلم والاطلاع.
فأصحاب هذه الدعوى مخصومون بما سنورده من آثار من أوجه عديدة.
منها أن هذا المدعي إن كان حمله تعصبه لمذهب معين أوطائفة معينة على ماقال، مثل أن ينتسب إلى أحد المذاهب الأربعة، أو العقيدة الأشعرية، فإن كان ممن ينتسب إلى أحد من أصحاب المذاهب الفقهية المتعارف عليها بين المسلمين فسيجد من النقول عن أولئك الأئمة وكبار تلاميذهم والعلماء المنتسبين إليهم ما يثبت له أنه مخالف لهم في الاعتقاد وإن كان يزعم أنه من أتباعهم في الفروع الفقهية، ومن ثَمَّ يدرك حقيقة الانفصال الواقع بين أئمة المذاهب الفقهية وتلاميذهم والأئمة المبرزين في مذاهبهم وبين المتأخرين ممن يزعمون أنهم من أتباعهم في الأساس وهوالمعتقد الذي هو أهم بكثير من تقليدهم في الفروع الفقهية فأين هذا الاتباع المزعوم؟!! ولو أن هؤلاء تجردوا من التعصب والهوى ونظروا بعين الحق والإنصاف لعلموا يقينا أنهم مخالفون لهم لا أتباعا لهم.
وإن كان هذا المتعصب ينتسب إلى الأشعرية، فسيدرك من خلال ماأوردناه من آثار عن متقدمي الأشاعرة، أنهم لايوافقون المتأخرين على دعواهم، وأن تلك الدعوى إنما هي عقيدة باطلة تلقاها المتأخرون - الذين كانوا جهمية خلّص في هذا الباب - عن قدماء الجهمية والمعتزلة.
فبعد ذلك لا تبقى حجة أو بالأحرى دعوى لمدع في التفسير الباطل الذي ذهبوا إليه وهذا أوان الشروع في إيراد الآثار وأولها:
1 - قول ابن عباس رضي الله عنه:
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله س هو معكم أينما كنتم ش قال: ((عالم بكم أينما كنتم)) (1) .
__________
(1) أورده السيوطي في الدر المنثور 6/171.(1/81)
2 - قول الضحاك بن مزاحم رحمه الله (1) (بعد المائة)
عن مقاتل بن حيان عن الضحاك في قوله عز وجل س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ش قال: ((هو فوق العرش وعلمه معهم أينما كانوا)) (2) .
3 - قول مقاتل بن حيان رحمه الله (3) (قبل 150 هـ)
__________
(1) الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو محمد، أو أبو القاسم، الخراساني، من أئمة المفسرين، صدوق كثير الإرسال، من الخامسة، مات بعد المائة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. التقريب (ص459) .
(2) ووصله كل من أحمد في السنة (ص71) . وعنه أبو داود في المسائل (ص263) .
وابن أبي حاتم كما في مجموع الفتاوى (5/495) .
وابن جرير في تفسيره (28/12-13) .
وعبد الله بن أحمد في السنة 1/304 رقم 592، ورقم 595.
والآجري في الشريعة (3/1079، رقم655) .
وابن بطة في الإبانة (-تتمة الرد على الجهمية-) (3/152-153، برقم109) .
واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/400، برقم670) عن مقاتل.
وابن أبي يعلى في الطبقات (1/252) .
والبيهقي في الأسماء والصفات (2/341-342، رقم909) .
وأورده ابن عبد البر في التمهيد 7/139.
وأورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص113) .
وابن تيمية في شرح حديث النزول (ص126) .
وأورده الذهبي في العلو (ص98-99) وقال: (أخرجه أبو أحمد العسال، وأبو عبد الله بن بطة، وأبو عمر بن عبد البر بإسناد جيد، ومقاتل ثقة إمام) اهـ، وفي العرش 2/155 رقم 136، 137.
وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص131، وص257) ، وأورده أيضاً كما في مختصر الصواعق (2/112) وقال: (وصح عن الضحاك) .
(3) مقاتل بن حيان النبطي، أبو بسطام البلخي الخزاز، مولى بكر بن وائل، صدوق فاضل، أخطأ الأزدي في زعمه أن وكيعاً كذبه، وإنما كذب مقاتل بن سليمان الأزدي، من السادسة، مات قبل الخمسين ومائة بأرض الهند، أخرج له مسلم، والأربعة. تهذيب التهذيب (10/277) ، التقريب (968) .(1/82)
قال في قوله تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش قال: ((هو على العرش ولا يخل شيء من علمه)) (1) .
4 - قول أبي حنيفة رحمه الله (150 هـ)
قال نعيم بن حماد: سمعت نوح بن أبي مريم يقول: كنا عند أبي حنيفة رحمه الله أول ما ظهر، (أي أمر الجهم بن صفوان) إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهما، فدخلت الكوفة، فأظنني أقل ما رأيت عليها عشرة ألاف من الناس، تدعو إلى رأيها، فقيل لها إن رجلا هاهنا قد نظر في المعقول يقال له أبو حنيفة، فأتته وقالت: أنت الذي تعلم الناس المسائل وقد تركت دينك، أين إلهك الذي تعبده؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابا أن الله في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى س وهو معكم ش قال: ((هو كما تكتب إلى الرجل إني معك وأنت غائب عنه)) (2) .
5 - قول سفيان الثوري رحمه الله (161 هـ)
عن معدان، قال سألت سفيان الثوري عن قول الله عز وجل س وهو معكم أينما كنتم ش قال: ((علمه)) (3)
__________
(1) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/400، برقم670) .
وأورده الذهبي في العلو (ص102) ، وفي الأربعين (ص64، برقم47) ، وفي العرش 2/184 رقم 159، 2/191 رقم 165.
(2) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/383) .
وأورده الذهبي في العلو (ص101) ، وفي العرش 2/174 رقم151.
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص137-138) ، وإسناده ضعيف جدا لأن نوح ابن أبي مريم كذاب وضاع.
(3) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص8) .
وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/306-307، ح597) .
والآجري في الشريعة (3/1078، برقم654) .
وابن بطة في الإبانة (-تتمة الرد على الجهمية -) ، (3/154-155، ح111) .
واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/401، ح672) .
والبيهقي في الأسماء والصفات (2/341، رقم908) .
وابن عبد البر في التمهيد (7/139) و (7/142) .
وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص115-116، برقم94) ، و (ص113، برقم89) .
وأورده الذهبي في العلو (ص103) ، وفي الأربعين (ص63-64، برقم46) ، وفي سير أعلام النبلاء (7/274) ، وفي العرش 2/183 رقم 158.(1/83)
6 - قول الإمام مالك رحمه الله (179 هـ)
قال عبد الله بن أحمد حدثني أبي رحمه الله قال حدثنا سريج بن النعمان أخبرني عبد الله ابن نافع قال: كان مالك بن أنس رحمه الله يقول: ((من قال القرآن مخلوق يوجع ضرباً ويحبس حتى يموت)) ، وقال مالك رحمه الله: ((الله عز وجل في السماء، وعلمه في كل مكان)) وتلا هذه الآية س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ش وعظم عليه الكلام في هذا واستشنعه (1) .
7 - قول نعيم بن حماد الخزاعي (2) رحمه الله (228 هـ)
__________
(1) أخرجه أبو داود في مسائل الإمام أحمد (ص263) ، ط: دار المعرفة.
وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/106-107، برقم11، و1/280، برقم532) .
والآجري في الشريعة (3/1076-1077، برقم652-653) .
وابن بطة في الإبانة (-تتمة الرد على الجهمية-) ، (3/153، ح110) .
وابن منده في التوحيد (3/307، برقم893) .
واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/401) .
وابن عبد البر في التمهيد (7/138) .
والقاضي عياض في ترتيب المدارك (2/43) .
وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/183) ، وفي درء تعارض العقل والنقل (6/262) ، وقال: (كل هذه الأسانيد صحيحة) .
وأورده الذهبي في العلو (ص103) ، وفي سير أعلام النبلاء (8/101) ، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص59، برقم39) و (ص63، برقم45) ، وفي العرش 2/178 رقم 155. وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (2/213) وقال: (ذكره الطلمنكي وابن عبد البر وعبد الله بن أحمد وغيرهم) .
وصححه الألباني في مختصر العلو (ص140) .
(2) نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي، أبو عبد الله المروزي، نزيل مصر، صدوق يخطىء
كثيرًا، فقيه عارف بالفرائض، من العاشرة، مات سنة (228هـ) على الصحيح، أخرج له البخاري مقرونا، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة. التقريب (1006) .(1/84)
قال أحمد بن منصور الرمادي سمعت نعيم بن حماد الخزاعي في قوله س وهو معكم ش: ((أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه، ألا ترى قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش الآية، أراد أنه لا يخفى عليه خافية)) (1) .
8 - قول علي بن المديني (234 هـ)
سئل عن قوله تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش فقال: اقرأ ما قبله س ألم تر أن الله يعلم ش (2) .
9 - قول إسحاق بن راهويه (238 هـ)
قال حرب بن إسماعيل: قلت لإسحاق بن راهويه في قول الله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش كيف تقول فيه؟ قال: ((حيث ما كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو بائن من خلقه)) (3) .
10 - قول الإمام أحمد رحمه الله (241 هـ)
__________
(1) أخرجه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/146، برقم106) .
وأورده الذهبي في العلو (ص126) ، وفي سير أعلام النبلاء (10/611) ، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص64، برقم48) ، وفي العرش 2/238 رقم 208.
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص221) .
وقال الألباني في مختصر العلو (ص184) : (السند صحيح) .
(2) أورده الذهبي في العلو، انظر المختصر ص 188-189.
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش ص 234.
(3) أورده ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/161، برقم118) .
أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء (11/370) ، وفي العرش 2/245 رقم 217.
وأورده في العلو (ص131) وعزاه للخلال في السنة.
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص226) .
وقال الألباني في مختصر العلو (191، ح233) : (قلت: وأخرجه الهروي أيضا في ذم الكلام (6/120/1) عن حرب به نحوه) .(1/85)
قال أبو طالب سألت أحمد بن حنبل عن رجل قال: إن الله معنا، وتلا س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش. قال: ((قد تجهم هذا، يأخذون بآخر الآية، ويدعون أولها هلا قرأت عليه س ألم تر أن الله يعلم ش فالعلم معهم، وقال في سورة (ق) س ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش فعلمه معهم)) (1) .
قال المروزي: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل، إن رجلاً قال: أقول كما قال الله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم ش، أقول هذا ولا أجاوزه إلى غيره. فقال أبو عبد الله: ((هذا كلام الجهمية)) . قلت: فكيف نقول؟ قال: ((س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ش علمه في كل مكان وعلمه معهم)) ثم قال: ((أول الآية يدل على أنه علمه)) (2) .
قال حنبل: قلت لأبي عبد الله ما معنى قوله س وهو معكم ش، س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش؟ . قال: ((علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة)) (3)
__________
(1) رواه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/159-160، برقم116) .
وأورده بنحوه القاضي في إبطال التأويلات (2/289، برقم286) .
وأورده الذهبي في العلو (ص130) ، وفي الأربعين (ص64-65، برقم49) .
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص200-201) .
(2) رواه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/160-161، برقم117) .
وأورده الذهبي في العلو (ص130) .
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (201) .
(3) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/402، برقم675) .
وأورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص116، برقم95) .
وأورده الذهبي في العلو (ص130) ، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص65، برقم 50) ، وفي العرش 2/245 رقم 218، 219، 220
وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/496) .
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (200) وعزاه للالكائي.
وانظر مختصر الصواعق (2/213) ، وقال ابن القيم: (أراد أحمد بنفي الصفة نفي الكيفية
والتشبيه، وبنفي الحد حد يدركه العباد ويحدونه) .
وانظر في مسألة الحد نقض تأسيس الجهمية (2/162) .(1/86)
قال أحمد بن جعفر الفارسي الإصطخري: قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل:
((هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروقها، المعروفين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي ش إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها، فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق)) .
ثم ساق الإمام أحمد أقوالهم في العقيدة إلى أن قال: ((وخلق سبع سموات بعضها فوق بعض، وسبع أراضين بعضها أسفل من بعض، وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام، والماء فوق السماء العليا السابعة، وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء، والله عز وجل على العرش، والكرسي موضع قدميه، وهو يعلم ما في السموات والأرضين السبع وما بينهما، وما تحت الثرى، وما في قعر البحار، ومنبت كل شعرة وشجرة، وكل زرع وكل نبات، ومسقط كل ورقة، وعددكل كلمة، وعدد الحصى والرمل والتراب، ومثاقيل الجبال، وأعمال العباد وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم، ويعلم كل شيء، وهو على العرش فوق السماء السابعة، ودونه حجب من نور ونار وظلمة وما هو أعلم به.
فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز وجل س ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش وبقوله س وهو معكم أينما كنتم ش وبقوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش إلى قوله س وهو معهم أينما كانواش ونحو هذا من متشابه القرآن فقل: إنما يعني بذلك العلم، لأن الله تعالى على العرش فوق السماء السابعة العليا ويعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان)) (1) .
__________
(1) طبقات الحنابلة 1/24.(1/87)
11 - قول عبد الله بن مسلم بن قتيبة (1) رحمه الله (276 هـ)
قال الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب ((تأويل مختلف الحديث)) له: ((نحن نقول في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش إنه معهم يعلم ما هم عليه، كما تقول للرجل وجّهته إلى بلد شاسع، احذر التقصير فإني معك، تريد أنه لا يخفى عليَّ تقصيرك، وكيف يسوغ لأحد أن يقول: إنه سبحانه بكل مكان على الحلول فيه مع قوله س الرحمن على العرش استوى ش ومع قوله س إليه يصعد الكلم الطيب ش كيف يصعد إليه شيء هو معه، وكيف تعرج الملائكة إليه وهي معه، ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم، وما ركبت عليه خِلَقُهم من معرفة الخالق لعلموا أن الله هو العلي وهو الأعلى، وأن الأيدي ترتفع بالدعاء إليه، والأمم كلها عجميها وعربيها، تقول: إن الله في السماء. ما تركت على فطرها)) (2) .
12 - قول الإمام الدارمي (3) رحمه الله (280 هـ)
قال في كتابه ((الرد على الجهمية)) باب - استواء الرب تبارك وتعالى على العرش، وارتفاعه إلى السماء وبينونته من الخلق:
__________
(1) عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد، الإمام الحافظ الأديب، من المصنفين المكثرين، ولد ببغداد سنة (213هـ) ، وتوفي بها سنة (276هـ) ، من كتبه: المعارف، وأدب الكاتب، وتأويل مختلف الحديث، وغيرها. تاريخ بغداد (10/170) ، السير (13/296) .
(2) انظر كتاب تأويل مختلف الحديث (ص182-183) .
والعرش للذهبي 2/271 رقم 236.
(3) عثمان بن سعيد بن خالد، أبو سعيد، التميمي السجستاني، الدارمي نسبة إلى بني دارم، إمام علامة حافظ، مات سنة (280هـ) وقد جاوز الثمانين. طبقات الحنابلة (1/221) ، السير (13/319) .(1/88)
((فاحتج بعضهم فيه بكلمة زندقة استوحش من ذكرها وتستر آخر من زندقة صاحبه فقال: قال تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكبر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ش قلنا: هذه الآية لنا عليكم لا لكم، إنما يعني أنه حاضر كل نجوى، ومع كل أحد من فوق العرش بعلمه، لأن علمه بهم محيط، وبصره فيهم نافذ، لا يحجبه شيء عن علمه وبصره، ولا يتوارون منه بشيء، وهو بكماله فوق العرش بائن من خلقه س يعلم السر وأخفى ش، أقرب إلى أحدهم من فوق العرش من حبل الوريد، قادر على أن يكون له ذلك، لأنه لا يبعد عن شيء ولا يخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض، فهو كذلك رابعهم، وخامسهم، وسادسهم، لا أنه معهم بنفسه في الأرض كما ادعيتم، وكذلك فسرته العلماء)) (1) .
13 - قول محمد بن عثمان بن أبي شيبة (2) رحمه الله (297 هـ)
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة، في كتاب “ العرش ” له: ((ذكروا أن الجهمية يقولون: إن ليس بين الله وبين خلقه حجاب، وأنكروا العرش، وأن يكون الله فوقه، وقالوا إنه في كل مكان)) وذكر أشياء إلى أن قال: ((فسرت العلماء س هو معكم ش يعني بعلمه، توافرت الأخبار أن الله خلق العرش فاستوى عليه بذاته فهو فوق العرش بذاته، متخلصا من خلقه بائنا منهم)) (3) .
14 - قول محمد بن جرير الطبري رحمه الله (310 هـ)
__________
(1) الرد على الجهمية ص 268-269 (ضمن عقائد السلف) .
(2) أبو جعفر، محمد بن عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي، العبسي مولاهم، الكوفي، الحافظ، المسند البارع، محدث الكوفة، جمع وصنف وكان من أوعية العلم، بصيرا بالحديث والرجال، توفي سنة (297هـ) . تاريخ بغداد (3/42-47) ، سير أعلام النبلاء (14/21) .
(3) انظر العرش لابن أبي شيبة. ص (276-292)
وأورده الذهبي في العرش 2/264 رقم 233.(1/89)
قال في تفسير قوله تعالى س يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش: ((يقول: هو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم، يعلمكم ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سبع سمواته)) (1) .
وقال في تفسير قوله تعالى س ألم تر أن الله يعلم ما في السموات والأرض. . . ش الآية: ((وعنى بقوله س هو رابعهم ش بمعنى مشاهدهم بعلمه وهو على عرشه)) (2) .
15 - قول أبي الحسن الأشعري (3) رحمه الله (324 هـ)
قال في “ رسالة إلى أهل الثغر ”: ((. . . وأنه يعلم السر وأخفى من السر، ولا يغيب عنه شيء في السموات والأرض حتى كأنه حاضر مع كل شيء، وقد دل الله عز وجل على ذلك في قوله س وهو معكم أينما كنتم ش وفسَّر ذلك أهل العلم بالتأويل أن علمه محيط بهم حيث كانوا)) (4) .
16 - قول أبي بكر الآجري (5) رحمه الله (360 هـ)
قال الإمام أبو بكر الآجري الحافظ، في كتاب “ الشريعة ” له: - باب في التحذير من مذهب الحلولية:
__________
(1) انظر: تفسير الطبري 27/216
(2) انظر: تفسير الطبري 28/12.
(3) أبو الحسن، علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري، كان في أول أمره معتزلياً، ثم تاب من الإعتزال، وأخذ بقول الكلابية، ثم رجع إلى معتقد أهل السنة في مجمل المسائل، توفي سنة (324هـ) . انظر تاريخ بغداد (11/346) ، سير أعلام النبلاء (15/85) .
(4) انظر رسالة إلى أهل الثغر ص 234
(5) محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر الآجري، فقيه، شافعي، محدث، بغدادي، توفي سنة (306هـ) وله تصانيف كثيرة منها: أخلاق حملة القرآن، وأخلاق العلماء، وكتاب الشريعة، وغيرها. تاريخ بغداد (2/243) ، السير (16/133) .(1/90)
((الذي يذهب إليه أهل العلم، أن الله عز وجل على عرشه، فوق سمواته، وعلمه محيط بكل شيء، قد أحاط علمه بجميع ما خلق في السموات العلى، وبجميع ما في سبع أراضين، يرفع إليه أعمال العباد.
فإن قال قائل: إيش يكون معنى قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش الآية التي احتجوا بها؟. قيل له: علمه، والله عز وجل على عرشه، وعلمه محيط بهم، كذا فسره أهل العلم، والآية يدل أولها وآخرها على أنه العلم، وهو على عرشه، فهذا قول المسلمين)) (1) .
17 - قول ابن بطة العكبري (2) رحمه الله (387 هـ)
قال الإمام الزاهد أبو عبد الله بن بطة العكبري، في كتاب “ الإبانة ”:
- باب الإيمان بأن الله على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه محيط بخلقه - أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين، أن الله على عرشه، فوق سمواته، بائن من خلقه (3) .
فأما قوله س وهو معكم ش، فهو كما قالت العلماء: علمه.
وأما قوله س وهو الله في السموات وفي الأرض ش معناه: أنه هو الله في السموات، وهو الله في الأرض، وتصديقه في كتاب الله س وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ش، واحتج الجهمي بقوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش، فقال: إن الله معنا وفينا، وقد فسر العلماء أن ذلك علمه، ثم قال في آخرها س إن الله بكل شيء عليمش)) (4)
__________
(1) انظر الشريعة للآجري (3/1075-1076)
وانظر مختصر الصواعق (2/214) .
وأورده الذهبي في العرش 2/309 رقم 252.
(2) عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري أبو عبد الله، ابن بطة الحنبلي مصنف كتاب الإبانة المشهور، إمام قدوة عابد، فقيه محدث، مات سنة (387هـ) وله أربع وثمانون سنة. طبقات الحنابلة (2/114) ، السير (16/529) .
(3) انظر الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/136) .
وانظر مختصر الصواعق (2/214) .
(4) انظر كتاب الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/143-145) .
وأورده الذهبي في العرش 2/325 رقم 259.(1/91)
18 - قول الثعلبي (1) رحمه الله (427 هـ)
قال في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش (2) : ((في العلم)) (3) .
19 - قول الإمام أبي عمر الطلمنكي (4) رحمه الله (429 هـ)
قال في كتابه “ الوصول إلى علم الأصول ”: ((وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى س وهو معكم أينما كنتم ش ونحو ذلك من القرآن أن ذلك علمه، وأن الله فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء)) (5) .
20 - قول أبي زكريا يحي بن عمار (6) رحمه الله (442 هـ)
__________
(1) أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق النيسابوري الثعلبي، صاحب التفسير المشهور وعالم
بالعربية، حافظ ثقة، مات سنة (427هـ) . الأنساب (3/129) ، السير (17/435) .
(2) الآية 7 من سورة المجادلة.
(3) أورده الذهبي في كتاب العرش 2/368 برقم 281 وعزاه لتفسير الثعلبي المسمى الكشف والبيان في تفسير القرآن وهو مخطوط.
(4) أحمد بن محمد بن عبد الله، أبو عمر، المعافري، الأندلسي، الطلمنكي، بحر من بحور العلم، إمام مقرىء، محدث مفسر. مات سنة (429هـ) وقد قارب التسعين. السير (17/566) ، طبقات المفسرين للداودي (1/77) .
(5) انظر: تلبيس الجهمية لابن تيمية 2/38.
ودرء تعارض العقل والنقل 6/250-251.
والعلو للذهبي 264.
وإجتماع الجيوش الإسلامية ص 142.
(6) أبو زكريا، يحي بن عمار، الشيباني، السجستاني، الواعظ، نزيل هراة، كان بارعاً في التفسير والسنة، توفي سنة (422هـ) . العبر (3/151) ، شذرات الذهب (2/226) .(1/92)
قال الإمام أبو زكريا يحي بن عمار السجستاني، في رسالته: ((لا نقول كما قال الجهمية، إنه مداخل للأمكنة، وممازج لكل شيء ولا نعلم أين هو؛ بل هو بذاته على العرش، وعلمه محيط بكل شيء، وعلمه، وسمعه، وبصره، وقدرته، مدركة لكل شيء، وهو معنى قوله س وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش، وهو بذاته على عرشه كما قال سبحانه وكما قال نبيه ش)) (1) .
21 - قول البيهقي رحمه الله (458 هـ)
قال الإمام أبو بكر بن الحسين البيهقي في كتاب “ الاعتقاد ”:
((وفي كثير من الآيات دلالة على إبطال قول من زعم من الجهمية أن الله بذاته في كل مكان. وقوله س وهو معكم أينما كنتم ش إنما أراد به بعلمه لا بذاته)) (2) .
22 - قول الإمام ابن عبد البر رحمه الله (463 هـ)
قال: ((وأما احتجاجهم بقوله عز وجل س ما يكون من نجوى ثلاثة. . . ش الآية، فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية، لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله)) (3) .
23 - قول البغوي رحمه الله (510 هـ)
قال في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش: ((في العلم)) (4) .
__________
(1) أورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/191) ،
وأورده الذهبي في العلو (177-178) ، وفي كتاب العرش 2/348 رقم 266.
وأورده ابن القيم مختصرا في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص279) .
(2) الإعتقاد للبيهقي (ص112-115) .
وأورده الذهبي في العلو (ص 184185) . وفي العرش 2/355 رقم 271.
(3) التمهيد (7/138-139) والذهبي في العرش 2/356 رقم 272.
(4) تفسير البغوي (4/307) . وأورده الذهبي في العرش)) 2/368 رقم 280/5.(1/93)
24 - قول قوّام السنة أبي القاسم الأصبهاني (1) رحمه الله (535 هـ)
قال: ((فإن قيل: قد تأولتم قوله عز وجل س وهو معكم أينما كنتم ش وحملتموه على العلم. قلنا: ما تأولنا ذلك، وإنما الآية دلت على أن المراد بذلك العلم، لأنه قال في آخرها س إن الله بكل شيء عليم ش)) (2) .
25 - قول أبي محمد اليمني (3) رحمه الله (من علماء القرن السادس الهجري)
قال رحمه الله: ((وربما نقول ثاني اثنين وثالث ثلاثة ورابع أربعة وأكثر من ذلك، بمعنى العلم والحفظ لا بمعنى الشريك لأنه يقول وقوله الحق س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ش أي عليم بهم وحفيظ لهم أينما كانوا، لا بمعنى التشريك)) (4) .
26 - قول ابن كثير رحمه الله (774 هـ)
قال في تفسير قوله تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة. . . ش الآية:
((أي مطلع عليهم يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم، ورسله أيضاً مع ذلك تكتب ما يتناجون به مع علم الله به وسمعه له كما قال تعالى س أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ش. ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن مراد بهذه الآية معية علمه تعالى ولا شك في إرادة ذلك)) (5) .
27 - قول الشوكاني رحمه الله (1250هـ)
__________
(1) إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي، القرشي، التيمي، أبو القاسم، الأصبهاني، الملقب بقوّام السنة، من أعلام الحفاظ، كان إماماً في التفسير والحديث واللغة، صاحب كتاب "الحجة في بيان المحجة"، توفي سنة (535 هـ) . شذرات الذهب 4/105، الأعلام 1/323.
(2) انظر: الحجة في بيان المحجة 2/291.
(3) أبومحمد اليمني من علماء القرن السادس الهجري وهو صاحب كتاب عقائد الثلاث وسبعين فرقة لايعرف عنه إلا هذا راجع القسم الدراسي من الكتاب المحقق 1/1-7.
(4) عقائد الثلاث وسبعين فرقة 2/523-524.
(5) انظر: تفسير ابن كثير 4/322.(1/94)
قال في تفسير قوله تعالى س وهو معكم أينما كنتم ش: ((أي بقدرته وسلطانه وعلمه)) (1) .
وقال في تفسير قوله تعالى س ما يكون من نجوى ثلاثة. . . ش الآية:
((مستأنفة لتقرير سمو علمه وإحاطته بكل المعلومات. . . ومعنى س أينما كنتم ش إحاطة علمه بكل تناج يكون منهم في أي مكان من الأمكنة)) (2) .
قال الشوكاني رحمه الله في شرح حديث ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني)) (3) .
قال: ((فيه تصريح بأن الله تعالى مع عباده عند ذكرهم له، ومن مقتضى ذلك أن ينظر إليه برحمته، ويمده بتوفيقه وتسديده، فإن قلت: هو مع جميع عباده كما قال سبحانه وتعالى س وهو معكم أينما كنتم ش، وقوله جلّ ذكره س ما يكون من نجولى ثلاثة إلا هو رابعهمش الآية.
قلت: هذه معية عامة، وتلك معية خاصة حاصلة للذاكر على الخصوص بعد دخوله مع أهل المعية العامة، وذلك يقتضي مزيد العناية ووفور الاكرام له والتفضل عليه، ومن هذه المعية الخاصة ما ورد في كتابه العزيز من كونه مع الصابرين، وكونه مع الذين اتقوا، وما ورد هذا المورد في الكتاب العزيز أو السنة، فلا منافاة بين إثبات المعية الخاصة وإثبات المعية العامة)) (4) .
المطلب الثالث: الآثار والأقوال المروية عن العلماء في الجمع بين صفتي العلو والمعية:
مما يؤكد تفسير السلف لآيات المعية العامة بأنها معية العلم والاطلاع ما ورد عن جمع من العلماء من أقوال جمع فيها بين إثبات المعية وإثبات صفة العلو لله عز وجل فبينوا بذلك عدم التعارض بين نصوص المعية والنصوص التي جاء فيها إثبات علو الله سبحانه على خلقه.
__________
(1) انظر: فتح القدير 5/166.
(2) انظر: فتح القدير 5/187
(3) تقدم تخريجه
(4) تحفة الذاكرين ص 11.(1/95)
ودعوى التعارض بين نصوص المعية ونصوص العلو، من الشبه التي تمسَّك بها المبتدعة أيضاً في هذا الباب، فبإيراد هذه الآثار عن سلف الأمة من الصحابة ومن بعدهم والذين أمرنا بالتزام فهمهم تزول أي دعوى للتعارض بين نصوص القرآن والسنة. فيما جاء فيهما من إثبات العلو الله عز وجل على خلقه وما جاء فيهما من إثبات معية الله لخلقه بعلمه.
وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه النقول تبطل وبشكل صريح دعوى القائلين بأن الله بذاته في كل مكان وأنه حال في خلقه، فدعواهم لا مستند لها من الكتاب أو السنة أو قول أحد من سلف الأمة وأئمتها
وإليك الآثار الواردة في ذلك مرتبة ترتيباً زمانياً:
1 - قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((ما بين السماء القصوى والكرسي خمسمائة عام، ويبن الكرسي والماء كذلك، والعرش فوق الماء والله فوق العرش، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم)) (1) .
__________
(1) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/395396، ح 659)
والبيهقي في الأسماء والصفات (2/186187) .
والدارمي في الرد على الجهمية (ص275 -ضمن عقائد السلف-) .
وابن خزيمة في التوحيد (1/242-243، ح149) .
والطبراني في الكبير (9/228) .
وأبو الشيخ في العظمة (2/688-689، ح279) .
وابن عبد البر في التمهيد (7/) .
وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص104-105، ح75) .
وأورده الذهبي في العلو (ص64) ، وعزاه لعبد الله بن الإمام أحمد في السنة، وأبي بكر بن المنذر، وأبي أحمد العسال، وأبي القاسم الطبراني، وأبي الشيخ، واللالكائي، وأبي عمر الطلمنكي، وأبي عمر بن عبد البر، وقال: (وإسناده صحيح) .
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص122) ، وفي مختصر الصواعق (2/210) .
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/86) ، وعزاه للطبراني وقال: (رجاله رجال الصحيح) .(1/96)
2 - قول كعب الأحبار رحمه الله (1)
قال: ((قال الله في التوراة: أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق خلقي، وأنا على عرشي، أدبر أمر عبادي، ولا يخفى علي شيء في السماء، ولا في الأرض)) (2) .
3 - قول عبد الله بن المبارك رحمه الله (181 هـ)
ثبت عن علي بن الحسن بن شقيق، شيخ البخاري، قال: قلت لعبد الله ابن المبارك كيف نعرف ربنا؟ قال: ((في السماء السابعة على عرشه)) .
وفي لفظ ((على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض)) .
وقال أيضاً: ((سألت ابن المبارك: كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا؟ . قال: ((على السماء السابعة، على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض)) (3)
__________
(1) كعب بن مانع الحِميري، أبو إسحاق، أسلم في خلافة الصديق رضي الله عنه، ومات في خلافة عثمان رضي الله عنه، وقد جاوز المائة،. انظر الكاشف (3/9) ، التقريب (ص812) .
(2) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (2/625-626، ح244) .
وابن بطة في الإبانة -الرد على الجهمية-، (3/185-186، برقم137) .
وأبو نعيم في الحلية (6/7) .
وأورده القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (ق149/ب) وعزاه لابن بطة في الإبانة.
وأورده الجيلاني في الغنية لطالبي طريق الحق (1/57) .
وأورده الذهبي في العلو (ص92) ، وقال: (رواته ثقات) ، وفي الأربعين (ص45) ، وفي العرش 2/143 رقم 121.
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص129، و260) ، وقال قبله: (وروى أبو نعيم بإسناد صحيح عن كعب) وذكره.
وأورده ابن القيم كذلك كما في مختصر الصواعق (2/373) وعزاه لأبي الشيخ وابن بطة وغيرهما بإسناد صحيح.
وصححه الألباني في مختصر العلو (ص128) .
(3) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص8) .
والدارمي في الرد على المريسي (ص103) ، والرد على الجهمية (ص50) .
وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/111، ح22) ، و (1/174-175، ح216) .
وابن بطة في الإبانة (3/155-156، ح112) .
وابن منده في التوحيد (3/308، برقم899) .
والصابوني في عقيدة السلف (ص20، برقم28) .
والبيهقي في الأسماء والصفات (2/336، رقم903) .
وابن عبد البر في التمهيد (7/142) .
وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص117-118، ح99، 100) .
وأورده ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/264) ، وعزاه للبخاري في خلق أفعال العباد.
وأورده كذلك في الفتوى الحموية (ص91) وقال: (وروى عبد الله بن الإمام أحمد وغيره بأسانيد صحيحة عن ابن المبارك) ، وأورده في نقض تأسيس الجهمية (2/525) .
وأورده الذهبي في العلو (ص110) ، وفي سير أعلام النبلاء (8/402) ، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص40، برقم10) وفي العرش 2/187 رقم 161، 162
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص134-135) وقال: (روى الدارمي، والحاكم
والبيهقي، وغيرهم، بأصح إسناد إلى علي بن الحسين بن شقيق) وذكره، وفي (ص213-214) وقال: (وقد صح عنه صحة قريبة من التواتر) ، وعزاه للبيهقي، والحاكم، والدارمي.
وأورده أيضاً كما في مختصر الصواعق (2/212) .(1/97)
4 - قول أبي يوسف (1) صاحب أبي حنيفة رحمه الله (182 هـ)
جاء بشر بن الوليد إلى أبي يوسف فقال له: ((تنهاني عن الكلام وبشر المريسي، وعلي الأحول، وفلان يتكلمون، فقال: وما يقولون؟ قال: يقولون: إن الله في كل مكان. فبعث أبو يوسف فقال: علي بهم، فانتهوا إليهم، وقد قام بشر، فجيء بعلي الأحول والشيخ -يعني الآخر، فنظر أبو يوسف إلى الشيخ وقال: لو أن فيك موضع أدب لأوجعتك، فأمر به إلى الحبس، وضرب عليا الأحول وطوَّف به)) (2) .
5 - قول علي بن عاصم الواسطي (3) رحمه الله (201هـ)
__________
(1) يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، القاضي، أبو يوسف الكوفي، صاحب الإمام أبي
حنيفة، المجتهد، العلامة، المحدث، أفقه أهل الرأي بعد أبي حنيفة، ولد سنة (113هـ) ، وتوفي سنة (182هـ) . تاريخ بغداد (14/242) ، السير (8/535) .
(2) أورد القصة ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/45) ، وفي نقض تأسيس الجهمية (2/525-526) ، وعزاها لابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية، وساق الأثر بسنده.
وأوردها الذهبي في العلو (ص112) .
وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص222) ، وقال: (وهي قصة مشهورة ذكرها
عبد الرحمن بن أبي حاتم) .
وأوردها أيضاً كما في مختصر الصواعق (2/212) وقال: (وبشر لم ينكر أن الله أفضل من العرش، وإنما أنكر ما أنكرته المعطلة أن ذاته تعالى فوق العرش) .
وأوردها شارح الطحاوية (ص323) .
(3) علي بن عاصم بن صهيب الواسطي التيمي مولاهم، صدوق يخطىء ويصر، رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة إحدى ومائتين، وقد جاوز التسعين. التقريب (ص699) ، تاريخ بغداد (11/446) .(1/98)
وقال يحي بن علي بن عاصم (1) : ((كنت عند أبي، فاستأذن عليه المريسي، فقلت له: يأبه مثل هذا يدخل عليك! فقال: وماله؟ ؛ قلت: إنه يقول إن القرآن مخلوق، ويزعم أن الله معه في الأرض، وكلاما ذكرته، فما رأيته اشتد عليه مثل ما اشتد عليه في القرآن أنه مخلوق، وأنه معه في الأرض)) (2) .
6 - قول أصبغ بن الفرج المالكي (3) رحمه الله (225 هـ)
((وهو مستو على عرشه وبكل مكان علمه وإحاطته)) (4)
7 - قول بشر الحافي (5) رحمه الله (227 هـ)
((والإيمان بأن الله على عرشه كما شاء، وأنه عالم بكل مكان، وأن الله يقول، ويخلق، فقوله كن ليس بمخلوق)) (6) .
8 - قول حماد بن هنَّاد (7) رحمه الله (230 هـ)
__________
(1) يحي بن علي بن عاصم الواسطي، روى عن أبيه. انظر الثقات لابن حبان (9/258) .
(2) أورده الذهبي في العلو (ص116) ، وفي العرش
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص216-217) وعزاه لابن أبي حاتم.
(3) أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع،، فقيه من كبار المالكية بمصر، قال ابن الماجشون: (ما أخرجت مصر مثل أصبغ وكان كاتب ابن وهب) ، توفي سنة (225هـ) . وفيات الأعيان 1/79، الأعلام 1/333.
(4) انظر: إجتماع الجيوش الإسلامية ص 142.
تهذيب سنن أبي داود 7/102.
(5) بشر بن الحارث بن عبد الرحمن، أبو نصر المروزي البغدادي الحافي، إمام، ورع، زاهد، مات سنة سبع وعشرين ومائتين، وله خمس وسبعون سنة. تاريخ بغداد (7/67) ، السير (10/469) .
(6) أوردها الذهبي في العلو (ص127) ، وفي الأربعين (ص43) .وفي العرش 2/244 رقم 216.
(7) هكذا أورده الذهبي في العلو، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية، وقال محققه: (لم أقف على ترجمته بهذا الإسم، فلعلها محرفة عن محمد بن سعيد بن هنَّاد البوشنجي، وترجمته في الأنساب 2/259، والكاشف 3/42.(1/99)
قال: ((هذا ما رأينا عليه أهل الأمصار وما دلت عليه مذاهبهم فيه، وإيضاح مناهج العلماء وطرق الفقهاء، وصفة السنة وأهلها أن الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وعلمه وقدرته وسلطانه بكل مكان)) (1) .
9 - قول أحمد بن نصر الخزاعي (2) الشهيد رحمه الله (231 هـ)
قال إبراهيم الحربي فيما صح عنه: قال أحمد بن نصر وسئل عن علم الله فقال: ((علم الله معنا وهو على عرشه)) (3) .
10 - قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (241 هـ)
قال يوسف بن موسى القطان: وقيل لأبي عبد الله: الله فوق السماء السابعة على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه وقدرته بكل مكان. قال: ((نعم)) (4) .
قال أحمد بن حنبل رحمه الله في كتاب ((الرد على الجهمية)) مما جمعه ورواه عبد الله ابنه عنه:
((باب بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش، قلت لهم: أنكرتم أن يكون الله على العرش، وقد قال س الرحمن على العرش استوى ش؟
فقالوا: هو تحت الأرض السابعة، كما هو على العرش، وفي السموات والأرض.
__________
(1) انظر العلو للذهبي ص 151
وإجتماع الجيوش الإسلامية ص242.
(2) أحمد بن نصر بن مالك، الخزاعي، أبو عبد الله، ثقة، قتل شهيداً في خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن سنة (231 هـ) . سير أعلام النبلاء (11/166) ، تهذيب التهذيب (1/87) .
(3) أورده الذهبي في العلو ص 128.
(4) أخرجه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/159، ح115) .
واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/401-402، برقم674) .
وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/421) .
وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص116، برقم96) .
والذهبي في العلو (130) .، وفي العرش (2/248، برقم 221)
وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص200) وعزاه للخلال في كتاب السنة له.(1/100)
فقلنا: قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظمة الرب شيء، أجسامكم وأجوافكم والأماكن القذرة ليس فيها من عظمته شيء، وقد أخبرنا عز وجل أنه في السماء فقال تعالى س أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ش س إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ش، س إني متوفيك ورافعك إلي ش، س بل رفعه الله إليه ش، س يخافون ربهم من فوقهم ش، فقد أخبرنا سبحانه أنه في السماء)) (1) .
11 - قول الحارث بن أسد المحاسبي (2) (243هـ)
قال: ((وأما قوله تعالى س الرحمن على العرش استوى ش سوهو القاهر فوق عباده ش س ءأمنتم من في السماء ش س إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً ش س إليه يصعد الكلم الطيب ش هذا يوجب أنه فوق العرش فوق الأشياء كلها متنزه عن الدخول في خلقه لايخفى عليه منهم خافية لأنه أبان في هذه الآيات أنه أراد أنه بنفسه فوق عباده؛ لأنه قال: س ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ش يعني فوق العرش، والعرش على السماء لأن من قد كان فوق كل شيء على السماء، في السماء وقد قال س فسيحوا في الأرض ش يعني علي الأرض لايريد الدخول في جوفها. . . .)) (3) .
__________
(1) انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل (ص92-93، -ضمن عقائد السلف) .
وأورده الذهبي في العرش (2/250251 برقم 224.)
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص201-202) .
(2) الحارث بن أسد المحاسبي البغدادي أبو عبد الله عاش في بغداد اشتهر بالتصوف وألف فيه كتبا أشهرها الرعاية لحقوق الله ورسالة المسترشدين توفي سنة 243 هـ تاريخ بغداد 8/211 السير 12/110.
(3) انظر مجموع الفتاوى (5 /69)
واجتماع الجيوش الإسلامية ص272.(1/101)
12 - قول عبد الوهاب بن الحكم الورَّاق (1) (251هـ)
قال عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق لما روى حديث ابن عباس ما بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة ألاف نور، وهو فوق ذلك قال: ((من زعم أن الله ههنا فهو جهمي خبيث، إن الله فوق العرش، وعلمه محيط بالدنيا والآخرة)) (2) .
13 - قول يحي بن معاذ الرازي (3) رحمه الله (258هـ)
قال: ((الله تعالى على العرش، بائن من الخلق، قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، ولا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء ضليل هالك مرتاب، يمزج الله بخلقه ويخلط الذات بالأقذار والأنتان)) (4) .
14 - قول محمد بن يحي الذهلي (5) رحمه الله (258هـ)
__________
(1) عبد الوهاب بن عبد الحكم بن نافع النسائي، ثم البغدادي، أبو الحسن الوراق، صحب الإمام أحمد وسمع منه، وكان صالحاً، ورعاً، زاهداً، توفي سنة (251هـ) على القول الراجح. طبقات الحنابلة (1/209-212) ، التقريب (ص633) .
(2) أورده الذهبي في العلو (ص142) ، وفي العرش)) 2/253 رقم 226.
وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص232) ، وقال: (صح ذلك عنه، حكاه عنه محمد بن أحمد ابن عثمان -يعني الذهبي- في رسالته الفوقية وقال: ثقة حافظ، روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي، مات سنة خمسين ومائتين) اهـ.
(3) يحي بن معاذ الرازي، أبو زكريا، الواعظ، ذكره أبو القاسم القشيري في الرسالة وعده من جملة المشايخ، توفي سنة (258 هـ) بنيسابور. وفيات الأعيان 6/165.
(4) انظر: مجموع الفتاوى 5/49
واجتماع الجيوش الإسلامية ص270.
(5) محمد بن يحي بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري الزهري، ثقة، حافظ، جليل، من الحادية عشرة، مات ستة (258هـ) على الصحيح وله ست وثمانون سنة. التقريب (ص907) ، السير (12/273) .(1/102)
سئل محمد بن يحي عن حديث عبد الله بن معاوية عن النبي ش: ((ليعلم العبد أن الله معه حيث ما كان)) (1) ، فقال: ((يريد أن الله علمه محيط بكل مكان والله على العرش)) (2) .
15 - قول المزني (3) رحمه الله (264هـ)
قال ((الحمد لله أحق من ذكر وأولى من شكر. . . إلى أن قال. . . علا على عرشه في مجده بذاته، وهو دان بعلمه من خلقه، أحاط علمه بالأمور. . .)) (4) .
16 - قول أبي حاتم الرازي (277هـ) وأبي زرعة الرازي (264هـ) رحمهما الله
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبا حاتم وأبا زرعة الرازيين رحمهما الله عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك، فقالا: ((أدركنا العلماء في جميع الأمصار، حجازاً، وعراقاً، ومصراً، وشاماً، ويمناً، وكان من مذهبهم أن الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف، أحاط بكل شيء علماً)) (5)
__________
(1) رواه الطبراني في الصغير ص 115، وقال الألباني: (إسناده صحيح) ، انظر: سلسة الأحاديث الصحيحة رقم (1046) .
(2) أورده الذهبي في العلو ص 136.
(3) إسماعيل بن يحي بن إسماعيل المزني، أبو إبراهيم، المصري، تلميذ الشافعي، إمام، علامة، فقيه، كان زاهدا، عالما، مجتهدا، قوي الحجة، توفي سنة (264هـ) . السير (12/492) .
(4) انظر: شرح السنة. للمزني ص75
شرح العقيدة الواسطية ص134.
والأربعين في صفات رب العالمين رقم 51.
ومختصر الصواعق 2/262-279.
(5) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/176-179، برقم321) ، وقد ذكر الاعتقاد بتمامه والنص المذكور هنا تجده في (ص177) ،
والذهبي في سير أعلام النبلاء (13/84) بالسند المذكور هنا، وأخرجه في العلو (ص137-138) وقد ساقها بأسانيد ثلاثة، وأخرجه في العرش 2/257 رقم 228.
وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص125، برقم110) ،
وأورده ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/257) .
قال الألباني في مختصر العلو (ص204-205) : (قلت: هذا صحيح ثابت عن أبي زرعة وأبي حاتم رحمة الله عليهما. . .) إلى أن قال: (ورسالة بن أبي حاتم محفوظة في المجموع (11) في الظاهرية في آخر كتاب (زهد الثمانية من التابعين) .
وقد طبعت ضمن " روائع التراث " تحقيق محمد عزيز شمس، ونشرته الدار السلفية بالهند. انظر (ص19-26) .(1/103)
17 - عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله (280هـ)
قال في كتابه “ النقض على بشر المريسي ”: ((قد اتفقت الكلمة من المسلمين، أن الله بكماله فوق عرشه، فوق سمواته)) (1) .
وقال أيضاً في موضع آخر من الكتاب: ((وقال أهل السنة: إن الله بكماله فوق عرشه، يعلم ويسمع من فوق العرش، لا يخفى عليه خافية من خلقه، ولا يحجبهم عنه شيء)) (2) .
18 - قول زكريا بن يحي الساجي (3) رحمه الله (307هـ)
قال: ((القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث، إن الله تعالى على عرشه، في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء)) (4) .
19 - قول الحسن بن علي بن خلف البربهاري (5) رحمه الله (329 هـ)
__________
(1) انظر الرد على بشر المريسي (ص408 -ضمن عقائد السلف -) ،
وأورده الذهبي في السير (13/325) ،
وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص228) ،
وانظر مختصر الصواعق (2/213) .
(2) انظر الرد على بشر المريسي (ص438 -ضمن عقائد السلف -) مع تقديم وتأخير وانظر: ((الرد على الجهمية)) ص 268 (ضمن عقائد السلف) والعرش للذهبي 2/260 رقم 230.
(3) زكريا بن يحي بن عبد الرحمن بن محمد بن عدي الضبي البصري الساجي، أبو يحي، محدث البصرة في عصره، وكان من الحفاظ الثقات، كان مولده (220هـ) وتوفي سنة (307هـ) . طبقات الشافعية (2/226) ، البداية (11/131) .
(4) أورده ابن تيمية في نقض تأسيس الجهمية (2/527528)
والذهبي في العلو (ص150) وفي العرش (2/278 رقم 240.)
وابن القيم في اجتماع الجيوش الأسلامية (ص 245246)
(5) الحسن بن علي بن خلف، البربهاري، الإمام، الحافظ، رأس الحنابلة في بغداد، وكان معروفاً بشدته في السنة، توفي رحمه الله سنة (329 هـ) .طبقات الحنابلة 2/18-45.(1/104)
((وهو جل ثناؤه واحد ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، ربنا أول بلا متى وآخر بلا منتهى، يعلم السر وأخفى، وعلى عرشه استوى، وعلمه بكل مكان، لايخلو من علمه مكان)) (1) .
20 - قول علي بن مهدي الطبري (2) رحمه الله
قيل لعلي بن مهدي ما تقولون في قوله س وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ش؟ ، قال: ((إن بعض القراء يجعل الوقف س في السموات ش، ثم يبتديء س وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ش، وكيف ما كان، ولو أن قائلاً قال: فلان بالشام والعراق ملك، يدل على أن ملكه بالشام والعراق لا أن ذاته فيهما)) (3) .
21 - قول ابن أبي زيد القيرواني (4) رحمه الله (386هـ)
قال الإمام أبو محمد بن أبي زيد المالكي المغربي في رسالته في مذهب مالك، أولها: ((وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وأنه في كل مكان بعلمه)) (5)
__________
(1) انظر: شرح السنة للبربهاري ص 71.
(2) علي بن محمد بن مهدي الطبري، أبو الحسن صحب أبا الحسن الأشعري بالبصرة، ألف كتاب (تأويل الأحاديث المشكلات الواردة في الصفات) . انظر تبيين كذب المفتري (ص195-196) .
(3) أورد هذا الكلام ابن تيمية في نقض تأسيس الجهمية (2/335-337) .
والذهبي في العرش 2/322 رقم 256.
(4) أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن النفزي، القيرواني، المالكي، فقيه، مفسر، مشارك، له مصنفات كثيرة منها، كتاب النوادر والزيادات، ومختصر المدونة، وكتاب الرسالة، وإعجاز القرآن، توفي سنة (386هـ) . السير (17/10) ، شذرات الذهب (3/131) .
(5) انظر رسالة القيرواني (ص4) ، باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات، ط: مطبعة مصطفى الحلبي، الطبعة الثانية (1368هـ) ،
وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/189) .
أورده الذهبي في العلو (ص171) ، وفي العرش 2/341 رقم 263.
وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (2/134) وقال: (فصرح به أبو محمد بن أبي زيد في ثلاثة مواضع من كتبه أشهرها الرسالة، وفي كتاب جامع النوادر، وفي كتاب الآداب) .(1/105)
وقال في كتابه المفرد في السنة: ((وأنه فوق سمواته على عرشه دون أرضه وأنه في كل مكان بعلمه)) (1) .
22 - قول محمد بن عبد الله ابن أبي زمنين (2) رحمه الله (399هـ)
قال محمد بن عبد الله ((ومن قول أهل السنة إن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ثم استوى عليه كيف شاء كما أخبر عن نفسه في قوله س الرحمن على العرش استوى ش ... فسبحان من بعد فلا يرى، وقرب بعلمه وقدرته فسمع النجوى)) (3) .
23 - قول أبي بكر الباقلاني (4) رحمه الله (403هـ)
قال أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني في كتاب ((الإبانة)) : ((فإن قيل: هل تقولون إنه في كل مكان؟ ؛
__________
(1) اجتماع الجيوش الإسلامية ص 151.
(2) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى المري الأندلسي المالكي المعروف بابن زمنين محدث فقيه أصولي مفسر صوفي أديب شاعر ولد سنة 324 هـ وتوفي سنة 399 هـ من أشهر مؤلفاته أصول السنة الوافي بالوفيات 2/321، شذرات الذهب 3/156.
(3) رياض الجنة بتخريج أصول السنة ص 88.
(4) محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، البصري، ثم البغدادي، أبو بكر، ابن الباقلاني، صاحب التصانيف، مات سنة (403هـ) .قال عنه الذهبي: ((الذي ليس في متكلمي الأشاعرة أفضل منه، لا قبله ولا بعده)) تاريخ بغداد (5/379) ، السير (17/190) .(1/106)
قيل له: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه، كما أخبر في كتابه وقال س الرحمن على العرش استوى ش، وقال س إليه يصعد الكلم الطيب ش، وقال س أأمنتم من في السماء ش، ولو كان في كل مكان، لكان في بطن الإنسان، وفمه، والحشوش، ولوجب أن يزيد بزيادات الأماكن، إذا خلق منها ما لم يكن، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا، وإلى يميننا، وشمالنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله)) (1) .
24 - قول أبي بكر محمد بن موهب المالكي (2) رحمه الله (406 هـ)
قال رحمه الله (( ... فلذلك قال الشيخ أبو محمد (3) : ((إنه فوق عرشه)) ثم بين أن علوه فوق عرشه، إنما هو بذاته، لأنه تعالى بائن عن جميع خلقه بلا كيف، وهو في كل مكان بعلمه لا بذاته)) (4) .
25 - قول اللالكائي (5) رحمه الله (418هـ)
__________
(1) هذا الكلام ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/98-99) ، وقد نقله الذهبي في العرش 2/338 رقم 261. ومختصراً في سير أعلام النبلاء (17/558-559) .
(2) محمد بن موهب، التجيبي، أبو بكر، الحصَّار، المعروف بالقبري، كان من العلماء الزهَّاد
الفضلاء، له مؤلفات كثيرة في العقائد، توفي بقرطبة سنة (406 هـ) . ترتيب المدارك 7/188.
(3) يريد الإمام أبا محمد بن أبي زيد القيرواني، وذلك في شرحه على الرسالة.
(4) أورده الذهبي في العلو ص 192.
وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 156.
(5) هبة الله بن الحسن بن منصور، الطبري، أبو القاسم، اللالكائي، نسبته إلى بيع اللوالك،
-وهي التي تلبس في الأرجل-، الشافعي، إمام حافظ، مجود، صاحب شرح أصول اعتقاد أهل السنة، توفي سنة (418هـ) . تاريخ بغداد (14/70) ، السير (17/419) .(1/107)
قال الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن الشافعي، في كتاب شرح أصول السنة له: ((سياق ما روي في قوله س الرحمن على العرش استوى ش، وأن الله على عرشه في السماء، قال عزوجل س إليه يصعد الكلم الطيب ش، وقال س أأمنتم من في السماء ش، وقال س وهو القاهر فوق عباده ش، قال: فدلت هذه الآيات أنه في السماء وعلمه محيط بكل مكان)) (1) .
26 - قول معمر بن أحمد الأصبهاني (2) رحمه الله (428هـ)
قال رحمه الله في رسالته إلى بعض أصحابه: ((وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والإستواء معقول والكيف مجهول وأنه عز وجل بائن من خلقه والخلق بائنون منه بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة)) (3) .
27 - قول أبي نصر السجزي (4) رحمه الله (444هـ)
قال الإمام أبو نصر السجزي الحافظ، في كتاب ((الإبانة)) له: ((وأئمتنا الثوري، ومالك، وابن عيينة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وابن المبارك، وفضيل بن عياض، وأحمد، وإسحاق، متفقون على أن الله فوق عرشه بذاته، وأن علمه بكل مكان)) (5)
__________
(1) انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/387-388) .
وأورده الذهبي في العرش 2/344 رقم 264.
(2) أبو منصور معمر بن أحمد بن محمد الأصبهاني كان كبير الصوفية في أصبهان وروى عن الطبراني المحدث توفي سنة 428 هـ شذرات الذهب 3/311.
(3) أورده ابن تيمية في القتاوى 5/61.
والذهبي في العلو ص 262.
وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 276.
(4) عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي الوائلي، أبو نصر، محدث، حافظ، صنف، وخرج، وعالماً بالأصول والفروع، توفي في الحرم سنة (444هـ) . تذكرة الحفاظ (3/1118) ، السير (17/654)
(5) أورده ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/250) ،
وفي نقض تأسيس الجهمية (2/38، 416-417) ، وفي مجموع الفتاوى (5/190) ،
والذهبي في العلو (ص172) ، وفي سير أعلام النبلاء (17/656) ، وفي كتاب العرش)) 2/342 رقم 263/3، و2/353 رقم 270.
وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص246) ، وأورده أيضاً كما في مختصر الصواعق (2/214) .(1/108)
28 - قول أبي إسماعيل الأنصاري (1) رحمه الله (481هـ)
قال الإمام أبو إسماعيل الأنصاري في كتاب ((الصفات)) له: - باب اثبات استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة، بائناً من خلقه، من الكتاب والسنة -. فذكر رحمه الله دلالات ذلك من الكتاب والسنة -إلى أن قال-: ((في أخبار شتى أن الله عزوجل في السماء السابعة على العرش بنفسه، وهو ينظر كيف تعملون، علمه، وقدرته، واستماعه، ونظره، ورحمته، في كل مكان)) (2) .
29 - قول أبي الحسن الكرجي (3) رحمه الله (491هـ)
قال الإمام أبو الحسن الكرجي في عقيدته المعروفة التي أولها:
محاسن جسمي بدلت بالمعايب ... ... وشيب فَوْدي شيب وصل الحبائب
إلى أن قال:
وأفضل زاد في المعاد عقيدة ... على منهج في الصدق والصبر لاحب
عقائدهم أن الإ له بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب
وأن استواء الرب يعقل كونه ... ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب (4)
30 - قول عبد القادر الجيلي (5) رحمه الله (561 هـ)
__________
(1) عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري، أبو إسماعيل الهروي، شيخ خراسان، إمام قدوة، حافظ
كبير، توفي سنة (481هـ) وله أربع وثمانون سنة ونيف. الأنساب (1/367) ، السير (18/503) .
(2) أورده الذهبي في العلو (ص189) . وفي العرش 2/365 رقم 279.
(3) مكي بن محمد بن علاَّن، أبو الحسن الكرجي، المعتمد، المعروف بالسّلار، الشيخ الجليل، المسند، المعمر، مات بأصبهان سنة (491هـ) . السير (19/71) ، شذرات الذهب (3/397) .
(4) أورده الذهبي في العرش 2/368 رقم 282.
(5) عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيلي، أبو محمد الحنبلي، شيخ بغداد،
الإمام، الزاهد، العارف، القدوة، ولد سنة (471هـ) وتوفي سنة (561هـ) . ذيل طبقات الحنابلة (1/290) ، السير (20/439) .(1/109)
قال الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، في كتاب ((الغنية)) له: ((وهو بجهة (1) العلو مستو على العرش، محتو على الملك، محيط علمه بالأشياء، س إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ش، س يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ش، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال إنه في السماء على العرش كما قال س الرحمن على العرش استوى ش، وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش، وكونه سبحانه وتعالى على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف)) (2) .
31 - قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (728 هـ)
__________
(1) لفظ ((الجهة)) من الألفاظ المجملة التي لم ترد في النصوص لا نفياً ولا إثباتاً وهذا النوع من الألفاظ يقول فيه شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والمقصود هنا أن الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة، لما فيها من لبس الحق بالباطل، مع وقوع الاشتباه والاختلاف والفتنة، بخلاف الألفاظ المأثورة، والألفاظ التي بينت معانيها، فإن ما كان مأثوراً حصلت به الألفة، وما كان معروفاً حصلت به المعرفة)) . درء تعارض العقل والنقل 1/271.
(2) انظر كتاب الغنية لطالبي طريق الحق لعبد القادر الجيلاني (1/54-57) ، ط: الحلبي،
وطبقات الحنابلة (1/296) .
ومجموع الفتاوى (5/85) .
والعلو للذهبي (ص193) . والعرش 2/369 رقم 282.
واجتماع الجيوش الإسلامية (ص277) .(1/110)
(( ... وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله: الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله ش، وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سمواته على عرشه، عليٌّ على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون كما جمع بين ذلك في قوله س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش (1)) ) (2) .
32 - قول محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي رحمه الله (748 هـ)
صنف الإمام الذهبي كتاب العلو وكتاب العرش في إثبات علو الله على عرشه، وأنه مع خلقه بعلمه، وساق فيه الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم إلى قريب من زمانه، وحكى الإجماع عن كثير منهم على أن الله تعالى فوق عرشه، ومع الخلق بعلمه. ومما قاله في أثناء كتابه العلو ((ويدل على أن الباري تبارك وتعالى عالٍ على الأشياء، فوق عرشه المجيد، غير حالٍ بالأمكنة قوله تعالى س وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم ش (3)) ) (4) .
33 - قول الإمام شمس الدين ابن القيم رحمه الله (751 هـ)
صنف الإمام ابن القيم كتابه إجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية لبيان مسألة علو الله على عرشه ومعيته لخلقه، فساق الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أكابر العلماء إلى قريب من زمانه، وحكى الإجماع عن كثير منهم على ذلك، كما اشتمل كتابه الصواعق المرسلة، وقصيدته الكافية الشافية على فصول كثيرة في تقرير هذه المسألة.
34 - قول ابن رجب الحنبلي رحمه الله (795 هـ)
__________
(1) الآية 4 من سورة الحديد.
(2) انظر: المجموع 3/142.
(3) الآية 255 من سورة البقرة.
(4) انظر: العلو ص83.(1/111)
وقد ردّ ابن رجب رحمه الله تعالى على الذين فسروا المعية بتفسير لا يليق بالله عز وجل وهم الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان، وهم الحلولية من الجهمية ومن نحا نحوهم.
فقال رحمه الله تعالى: ((ولم يكن أصحاب النبي ش يفهمون من هذه النصوص غير المعنى الصحيح المراد بها، يستفيدون بذلك معرفة عظمة الله وجلاله واطلاعه على عباده وإحاطته بهم وقربه من عابديه وإجابته لدعائهم، فيزدادون به خشية لله وتعظيماً وإجلالاً ومهابة ومراقبة واستحياء ويعبدونه كأنهم يرونه، ثم حدث بعدهم من قل ورعه وانتكس فهمه وقصده، وضعفت عظمة الله وهيبته في صدره وأراد أن يرى الناس امتيازه عليهم بدقة الفهم وقوة النظر، فزعم أن هذه النصوص تدل على أن الله بذاته في كل مكان كما حكى ذلك طوائف من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم، تعالى عما يقولون علواً كبيراً.
وهذا شئ ما خطر لمن كان قبلهم من الصحابة رضي الله عنهم، وهؤلاء ممن يتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وقد حذر النبي ش منهم في حديث عائشة المتفق عليه.
وتعلقوا أيضاً بما فهموه بفهمهم القاصر مع قصدهم الفاسد بآيات في كتاب الله تعالى مثل قوله تعالى س وهو معكم أينما كنتم ش وقوله: س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش.
فقال من قال من علماء السلف حينئذ إنما أراد أنه معهم بعلمه وقصدوا بذلك إبطال ما قال أولئك مما لم يكن أحد قبلهم قاله ولا فهمه من القرآن.
وحكى ابن عبد البر وغيره إجماع العلماء من الصحابة والتابعين في تأويل قوله تعالى س وهو معكم أينما كنتم ش أن المراد علمه، وكل هذا قصدوا به رد قول من قال إنه تعالى بذاته في كل مكان)) (1) .
35 - قول صديق حسن خان رحمه الله (1307 هـ)
__________
(1) فتح الباري لابن رجب 2/331-332.(1/112)
((وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وهذه سنة رسول الله ش، وهذا كلام الصحابة والتابعين، وسائر الأئمة، قد دل ذلك بما هو نص أو ظاهرٌ، في أن الله سبحانه فوق العرش، فوق السموات، استوى على عرشه، بائن من خلقه، … وهو معهم أينما كانوا. قال نعيم بن حماد لما سئل عن معنى هذه الآية س وهو معكم أينما كنتم ش معناها: (أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه) وليس معناه أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق ... -إلى أن قال: ... فكل ما في الكتاب والسنة من الادلة الدالة على قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه عليٌّ في دنوِّه وقريب في عُلوِّه، والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً)) (1) .
المطلب الرابع: أقوال الناس في صفة المعية:
من المعلوم أن لمسألة المعية اتصالها الوثيق بمسألة العلو، فما نشأ من أقوال في مسألة العلو ترتب عليها في المقابل أقوال من جنسها في مسألة المعية.
وقد افترق الناس في هذا المقام على أربعة أقوال هي:
القول الأول: قول أهل السنة والجماعة.
يقولون: إن الله فوق سمواته، عالٍ على خلقه، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه؛ كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.
القول الثاني: قول معطلة الجهمية ونفاتهم.
__________
(1) قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر لصديق حسن خان ص 50-51.(1/113)
وهم الذين يقولون: لا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له، ولا محايث له؛ وهم بقولهم هذا قد نفوا الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود منهما (1) ، وبالغوا في نفي التشبيه؛ حتى أدى بهم ذلك إلى نفي وجوده بالكلية، وذلك خشية منهم أن يشبهوه، فهم قالوا بهذه المقالة هرباً منهم -على حد زعمهم- من إثبات الجهة، والمكان، والحيِّز؛ فإن فيها كما يدَّعون تجسيماً، وهو تشبيه، فقالوا: يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات، فنحن نسد الباب بالكلية.
وقد استند أصحاب هذا القول في قولهم هذا على حجج، زعموا أنها عقلية، أسسوها وابتدعوها وجعلوها مقدمة على كل نص، وليس لهؤلاء أي دليل من القرآن أو السنة على صحة قولهم هذا، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
((وجميع أهل البدع قد يتمسكون بنصوص، كالخوارج، والشيعة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم، إلا الجهمية، فإنهم ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه في النفي)) (2) .
القول الثالث: قول حلولية الجهمية.
وهم الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان.
وهذا قول النجارية (3) ، وكثير من الجهمية عبَّادهم، وصوفيتهم، وعوامهم.
__________
(1) مجموع الفتاوى 5 / 122، وتأويل مشكل الحديث لابن فورك ص 63، والاقتصاد في الاعتقاد ص 29، 34
(2) مجموع الفتاوى 5/122.
(3) هم أتباع حسين بن محمد بن عبد الله بن النجار، وقد كان أكثر معتزلة الري ومن حولها على مذهبه، وقد نقل الشهرستاني في “ الملل والنحل ” (1/113، 114) عن الكعبي قوله: (إن النجار كان يقول: إن البارئ بكل مكان وجوداً، لا على معنى العلم والقدرة) .
انظر: مقالات الإسلاميين 1/135-137، 283-285، والفرق بين الفرق ص126، 127، وأصول الدين للبغدادي ص334، والتبصير في الدين ص101، 102، 103.(1/114)
ويقولون: إنه عين وجود المخلوقات. كما يقوله أهل وحدة الوجود القائلون بأن الوجود واحد، ومن يكون قوله مركباً من الحلول والاتحاد.
وهم يحتجون بنصوص المعية والقرب ويتأولون نصوص العلو والاستواء، وكل نص يحتجون به حجة عليهم (1) .
القول الرابع: قول طوائف من أهل الكلام والتصوف.
ويقولون إن الله بذاته فوق العرش وهو بذاته في كل مكان وهؤلاء يقولون: إنا نقر بهذه النصوص ولا نصرف واحداً منها عن ظاهره؛ وهذا قول طوائف ذكرهم الأشعري في مقالات الإسلاميين، وهو موجود في كلام طائفة من السَّالمية والصوفية، ويشبه هذا ما في كلام أبي طالب المكي، وابن برجان وغيرهما، مع ما في كلام أكثرهم من التناقض.
وهذا الصنف وإن كان أقرب إلى التمسك بالنصوص، وأبعد عن مخالفتها من الصنفين الثاني والثالث، فإن الصنف الثاني لم يتبع شيئاً من النصوص بل خالفها كلها. والصنف الثالث ترك النصوص الكثيرة المحكمة المبينة وتعلق بنصوص قليلة اشتبهت عليه معانيها.
وأما هذا الصنف، فيقول أنا اتبعت النصوص كلها؛ لكنه غالط أيضاً؛ فكل من قال: إن الله بذاته في كل مكان، فهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده؛ ولصريح المعقول والأدلة الكثيرة.
وهؤلاء يقولون أقوالاً متناقضة، يقولون: إنه فوق العرش. ويقولون: نصيب العرش منه كنصيب قلب العارف؛ كما يذكر مثل ذلك أبو طالب وغيره ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان؛ وما يتبع ذلك.
فإن قالوا: إن العرش كذلك، نقضوا قولهم: إنه نفسه فوق العرش. وإن قالوا بحلوله بذاته في قلوب العارفين؛ كان ذلك قولاً بالحلول خاصة.
وقد وقع طائفة من الصوفية -حتى صاحب منازل السائرين في توحيده المذكور في آخر المنازل- في مثل هذا الحلول (2) .
__________
(1) مجموع الفتاوى 5 / 123.
(2) انظر: مجموع الفتاوى 5/124-126.(1/115)
وبناءً على هذه الأقوال اختلفت مواقف الناس في صفة المعية على النحو التالي:
القول الأول: قول أهل السنة والجماعة.
أثبتوا علو الله على خلقه وأنه مستو على عرشه بائن من خلقه وهم بائنون منه وقالوا إن معية الله المقصود منها أن الله عالم بخلقه مطلع عليهم لا يخفى عليه شيء من أمرهم.
((وهم بهذا أثبتوا وآمنوا بجميع ما جاء به الكتاب والسنة، من غير تحريف للكلم عن مواضعه، أثبتوا أن الله فوق سمواته على عرشه؛ بائن من خلقه وهم بائنون منه.
وهو أيضاً مع العباد عموماً بعلمه، ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية، وهو أيضاً قريب مجيب؛ ففي آية النجوى دلالة على أنه عالم بهم)) (1) .
وقد رد أهل السنة على زعم من قال إن المراد بها معية الذات وأبطلوا هذا الزعم من وجوه عديدة منها:
أولاً: أن نصوص المعية الواردة في القرآن والسنة دل سياقها على أن المقصود بها معية العلم والإطلاع أو النصرة والتأييد.
ثانيا: أن كلمة (مع) في حال إطلاقها تفيد مطلق المصاحبة ثم إن سياق الكلام يحدد نوع المصاحبة، ونصوص المعية حددت نوعين من المصاحبة هما:
1. معية العلم
2. معية النصرة والتأييد
ثالثاً: إن جميع علماء السلف وأئمة السنة الذين نقل عنهم تفسير آيات المعية لم يفسروها بمعية الذات فهذا التفسير لم ينقل إلا عن المبتدعة من أهل الكلام
رابعاً: النصوص الشرعية في إثبات علو الله واستوائه على عرشه كثيرة جداً وتشهد بفساد زعم من قال إن المقصود بالمعية معية الذات.
القول الثاني: من نفى عن الله الوصفين المتقابلين:
وهؤلاء يقولون: ليس فوق العالم شيء، ولا فوق العرش شيء، ويقولون: ليس هو داخلا فيه (أي العالم) ولا خارجاً عنه، ولا حالاً فيه، وليس في مكان من الأمكنة.
__________
(1) مجموع الفتاوى 5/126.(1/116)
وهذا قول الجهمية والمعتزلة وطوائف من متأخري الأشعرية، والفلاسفة النفاة، والقرامطة الباطنية (1) .
وهؤلاء لما نفوا عن الله تبارك وتعالى الوصفين جميعاً فقالوا إنه لا داخل العالم ولا خارجه وشبهوه بالمعدوم لم يكن لهم قول معين في صفة المعية لأن مذهبهم قائم على نفي جميع الصفات عن الله عز وجل.
القول الثالث: من فسر المعية بأن الله بذاته في كل مكان، وأنه حال في خلقه.
وهم حلولية الجهمية واحتجوا لقولهم هذا بنصوص "المعية" و"القرب" الواردة في القرآن الكريم مثل قوله تعالى س ألم تر أن الله يعلم مافي السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ش (2) ، وقوله تعالى س يستخفون من الناس ولايستخفون من الله وهو معهم ش (3) ، وقوله تعالى س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منه وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش (4) ، وقوله تعالى س إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ش (5) ، وقوله تعالى س ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش (6) ، وقوله تعالى س وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ش (7) ، وقوله تعالى س وهو الله في السموات وفي الأرض ش (8) .
وقد زعم حلولية الجهمية أن المراد بهذه النصوص معية الذات وقرب الذات، فلذلك قالوا: إن الله بذاته في كل مكان.
الرد عليهم:
__________
(1) انظر: نقض تأسيس الجهمية 1/6، 7، مختصر الصواعق 1/237، الاقتصاد في الاعتقاد ص34، تأويل مشكل الحديث ص63، 64، مجموع الفتاوى 2/297-298 (5/122-124) .
(2) المجادلة 7
(3) النساء 108
(4) الحديد 4
(5) التوبة 40
(6) ق 16
(7) الزخرف 84
(8) الأنعام 3(1/117)
قد أبطل علماء السلف زعم هؤلاء الجهمية واستدلالهم بهذه الآيات وبينوا أن كل نص يحتجون به هو في الحقيقة حجة عليهم، فنصوص المعية التي استدلوا بها لا تدل بأي حال من الأحوال على ما زعمه هؤلاء، ((وذلك لأن كلمة (مع) في لغة العرب لا تقتضي أن يكون أحد الشيئين مختلطاً بالآخر، وهي إذا اطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى)) (1) .
((ولفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع واقتضت في كل موضع أموراً لم تقتضها في الموضع الآخر، وذلك بحسب اختلاف دلالتها في كل موضع)) (2) ، وهي قد وردت في القرآن بمعنيين هما:
المعنى الأول: المعية العامة.
وحكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع على خلقه شهيد عليهم، ومهيمن وعالم بهم (3) ، وهذه المعية هي المرادة بقوله تعالى س ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ش فالله سبحانه وتعالى قد افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم ولذلك أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم تفسير القرآن على أن تفسير الآية هو أنه معهم بعلمه، وقد نقل هذا الإجماع ابن عبد البر (4) ، وأبو عمرو الطلمنكي، وابن تيمية (5) ، وابن القيم (6) .
وعلى هذا فلا حجة للمخالفين في ظاهر هذه الآية.
__________
(1) مجموع الفتاوى 5/103
(2) انظر مجموع الفتاوى 5/104
(3) مجموع الفتاوى 5/103
(4) التمهيد (7/138) .
(5) مجموع الفتاوى (5/193) ، و (5/519) ، و (11/249-250) .
(6) اجتماع الجيوش الإسلامية (ص44) .(1/118)
وكذلك أيضاً ما جاء في قوله تعالى س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش.
فظاهر الآية دال على أن المراد بهذه المعية هو علم الله تبارك وتعالى واطلاعه على خلقه، فقد أخبر الله تعالى في هذه الآية بأنه فوق العرش يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا، فجمع تعالى في هذه الآية بين العلو والمعية، فليس بين الاثنين تناقض البتة، وهو كقوله ش في حديث الأوعال: ((والله فوق العرش يعلم ما أنتم عليه)) (1)
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/207) .
وأبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في الجهمية (5/93، برقم4723) .
وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب سورة الحاقة (5/424-425، برقم3320) .
وأخرجه ابن ماجه في سننه المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية (1/69) .
والدارمي في الرد على بشر المريسي (ص448) .
وابن أبي عاصم في السنة (1/253) ،.
وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/234-235، ح144) .
والآجري في الشريعة (3/1089-1090، ح665) .
وابن منده في التوحيد (1/117) .
واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/390) .
والذهبي في العلو (ص49) .
ومدار الحديث من جميع طرقه على ((عبد الله بن عميرة)) ، وعبد الله فيه جهالة، ولذلك قال الألباني في تخريج السنة (1/254) : (إسناده ضعيف، وعبد الله بن عميرة، قال الذهبي: فيه جهالة، وقال البخاري: لا نعلم له سماعاً من الأحنف بن قيس) . انتهى كلامه.
ولكن الجوزقاني صرح في الأباطيل (1/79) بصحة الحديث وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (3/192) حيث قال: (إن هذا الحديث قد رواه إمام الأئمة ابن خزيمة في كتاب التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بما نقله العدل عن العدل موصولا إلى النبي ش، والإثبات مقدم على النفي، والبخاري إنما نفى معرفة سماعه من الأحنف ولم ينف معرفة الناس بهذا، فإذا عرف غيره كإمام الأئمة ابن خزيمة ما ثبت به الإسناد، كانت معرفته وإثباته مقدما على نفي غيره وعدم معرفته) . انتهى كلامه. وكذلك مال تلميذه ابن القيم إلى تصحيحه. انظر تهذيب السنن (7/92-93) .(1/119)
المعنى الثاني: المعية الخاصة.
وهي معية الاطلاع والنصرة والتأييد، وسميت خاصة لأنها تخص أنبياء الله وأولياءه مثل قوله تعالى س إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ش (1) ، وقوله تعالى س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش (2)
فهذه المعية على ظاهرها وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد.
ولفظ المعية على كلا الاستعمالين ليس مقتضاه أن تكون ذات الرب عزوجل مختلطة بالخلق، ولو كان معنى المعية أنه بذاته في كل مكان لتناقض الخبر العام والخبر الخاص، ولكن المعنى أنه مع هؤلاء بنصره وتأييده دون أولئك (3) .
وأما استدلالهم بقوله تعالى س ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش (4) ، فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (إن هذه الآية لا تخلو إما أن يراد بها قربه سبحانه أو قرب ملائكته كما قد اختلف الناس في ذلك فإن أريد بها قرب الملائكة: فدليل ذلك من الآية قوله س ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ش ففسر ذلك القرب الذي هو حين يتلقى المتلقيان، فيكون الله سبحانه قد أخبر بعلمه هو سبحانه بما في نفس الإنسان، س ونعلم ما توسوس به نفسه ش وأخبر بقرب الملائكة الكرام الكاتبين منه، س ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ش وعلى هذا التفسير تكون هذه الآية مثل قوله تعالى س أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ش (5) .
أما إذا كان المراد بالقرب في الآية قربه سبحانه، فإن ظاهر السياق في الآية دل على أن المراد بقربه هنا قربه بعلمه، وذلك لورود لفظ العلم في سياق الآية س ونعلم ما توسوس به نفسه ش) (6) .
__________
(1) التوبة 40
(2) النحل 128
(3) مجموع الفتاوى (11/250) ، و (5/104) .
(4) ق 16.
(5) الزخرف 80
(6) الفتاوى (6/19-20) .(1/120)
وأما استدلالهم بقوله تعالى س وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ش (1) ، فمعنى الآية: أي هو إله من في السموات وإله من في الأرض، قال ابن عبد البر:
(فوجب حمل هذه الآية على المعنى الصحيح المجتمع عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذلك قال أهل العلم بالتفسير) (2) .
وقال الآجري: (وقوله عزوجل س وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ش فمعناه: أنه جل ذكره إله من في السموات وإله من في الأرض، وهو الإله يعبد في السموات، وهو الإله يعبد في الأرض، هكذا فسره العلماء) (3) .
وروى الآجري بسنده في تفسيره هذه الآية عن قتادة قوله: (هو إله يعبد في السماء، وإله يعبد في الأرض) (4) .
وأما استدلالهم بقوله تعالى س وهو الله في السموات وفي الأرض ش (5) فقد فسرها أئمة العلم كالإمام أحمد وغيره أنه المعبود في السموات والأرض (6) .
وقال الآجري: (وعند أهل العلم من أهل الحق س وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ش هو كما قال الحق س يعلم سركم ش فما جاءت به السنن أن الله عزوجل على عرشه، وعلمه محيط بجميع خلقه، يعلم ما يسرون وما يعلنون، ويعلم الجهر من القول ويعلم ما يكتمون) (7) .
مع العلم أن هؤلاء الذين زعموا أن الله في كل مكان يقول أكثرهم بضد ذلك، فهم في حال نظرهم في الشبه الكلامية يقولون إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته.
كما هو قول أصحاب المذهب الأول، وفي تعبدهم يقولون هو في كل مكان.
__________
(1) الزخرف 84.
(2) التمهيد (7/134) .
(3) الشريعة (ص297) .
(4) الشريعة (ص298) .
(5) الأنعام 3.
(6) الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد (ص92-93) ، ومجموع الفتاوى (11/250) .
(7) الشريعة(1/121)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وكثير منهم يجمع بين القولين؛ ففي حال نظره وبحثه يقول بسلب الوصفين المتقابلين كليهما، فيقول: لا هو داخل العالم ولا خارجه، وفي حال تعبده وتألهه يقول: بأنه في كل مكان لا يخلو منه شئ)) (1) .
وقال أيضاً: ((وجماع الأمر في ذلك أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه، وقصد اتباع الحق، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه، والإلحاد في أسماء الله وآياته.
ولا يحسب الحاسب أن شيئاً من ذلك يناقض بعضه بعضاً ألبتة؛ مثل أن يقول قائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله س وهو معكم أينما كنتم ش.
وقوله ش: ((إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه)) (2) ونحو ذلك فإن هذا غلط.
وذلك أن الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة، كما جمع الله بينهما في قوله سبحانه س هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ش (3) .
فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا، كما قال النبي ش في حديث الأوعال: ((والله فوق العرش ويعلم ما أنتم عليه)) (4) (5) .
__________
(1) نقض تأسيس الجهمية 1/7.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه ص 238 كتاب العمل في الصلاة باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة رقم 1213 (ط دار السلام) .
ومسلم في صحيحه 5/38 كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن البصاق في المسجدفي الصلاة وغيرها.
(3) الحديد 4.
(4) تقدم تخريجه قريبا.
(5) انظر مختصر الصواعق 2/266-267.(1/122)
وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس في اللغة ظاهرها إلا المقارنة المطلقة، من غير وجوب مماسةأو محاذاة عن يمين أو شمال؛ فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى. فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا أو والنجم معنا. ويقال: هذا المتاع معي لمجامعته لك؛ وإن كان فوق رأسك. فالله مع خلقه حقيقة، وهو فوق عرشه حقيقة.
ثم هذه (المعية) تختلف أحكامها بحسب الموارد فلما قال: س يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ش إلى قوله س وهو معكم أينما كنتم ش دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم؛ شهيد عليكم ومهيمن عالم بكم. وهذا معنى قول السلف: إنه معهم بعلمه، وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته.
وكذلك في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش إلى قوله س هو معهم أينما كانوا ش (1) الآية.
ولما قال النبي ش لصاحبه في الغار س لا تحزن إن الله معنا ش (2) كان هذا أيضا حقا على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الاطلاع، والنصر والتأييد.
وكذلك قوله تعالى س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش (3) كذلك قوله لموسى وهارون س إنني معكما أسمع وأرى ش (4) هنا المعية على ظاهرها، وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد.
وقد يدخل على الصبي من يخيفه فيبكى فيشرف عليه أبوه من فوق السقف فيقول: لا تخف؛ أنا معك أوأنا هنا، أو أنا حاضر ونحو ذلك. ينبهه على المعية الموجبة بحكم الحال دفع المكروه؛ ففرق بين المعية ومقتضاها؛ وربما صار مقتضاها من معناها؛ فيختلف باختلاف المواضع (5) .
__________
(1) المجادلة 7.
(2) التوبة 40.
(3) النحل 128.
(4) طه 46.
(5) انظر مختصر الصواعق 2/265.(1/123)
فلفظ (المعية) قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع، يقتضي في كل موضع أموراً لا يقتضيها في الموضع الآخر؛ فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها -وإن امتاز كل موضع بخاصية- فعلى التقدير ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب عزوجل مختلطة بالخلق. حتى يقال قد صرفت عن ظاهرها (1) .
ونظيرها من بعض الوجوه (الربوبية، والعبودية) فإنهما وإن اشتركتا في أصل الربوبية والعبودية فلما قال س رب العالمين رب موسى وهارون ش (2) كانت ربوبية موسى وهارون لها اختصاص زائد على الربوبية العامة للخلق، فإن من أعطاه الله من الكمال أكثر مما أعطى غيره فقد ربه ورباه ربوبية وتربية أكمل من غيره.
وكذلك قوله س عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً ش (3) وس سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً ش (4) .
فإن العبد تارة يعنى به المعبد فيعم الخلق، كما في قوله س إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً ش (5) ، وتارة يعني به العابد فيخص؛ ثم يختلفون، فمن كان أعبد علما وحالا كانت عبوديته أكمل، فكانت الإضافة في حقه أكمل، مع أنها حقيقة في جميع المواضع.
ومثل هذه الألفاظ يسميها بعض الناس (مشككة) لتشكك المستمع فيها، هل هي من قبيل الأسماء المتواطئة أو من قبيل المشتركة في اللفظ فقط، والمحققون يعلمون أنها ليست خارجة عن جنس المتواطئة؛ إذ واضع اللغة إنما وضع اللفظ بإزاء القدر المشترك، وإن كانت نوعا مختصاً من المتواطئة فلا بأس بتخصيصها بلفظ.
ومن علم أن (المعية) تضاف إلى نوع من أنواع المخلوقات - كإضافة الربوبية مثلاً -
وأن الاستواء على الشيء ليس إلا للعرش، وأن الله يوصف بالعلو والفوقية الحقيقية، ولا يوصف بالسفول ولا بالتحتية قط، لا حقيقة ولا مجازاً علم أن القرآن على ماهو عليه من غير تحريف.
__________
(1) انظر مختصر الصواعق 2/266.
(2) الأعراف 121-122.
(3) الإنسان 6.
(4) الإسراء 1.
(5) مريم 93.(1/124)
ثم من توهم أن يكون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب - إن نقله عن غيره - وضال - إن اعتقده في ربه - وما سمعنا أحداً يفهم هذا من اللفظ، ولا رأينا أحداً نقله عن واحد، ولو سئل سائر المسلمين هل تفهمون من قول الله ورسوله ((إن الله في السماء)) أن السماء تحويه لبادر كل أحد منهم إلى أن يقول هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا)) (1) .
القول الرابع: وهو قول من يقول أن الله بذاته فوق العرش وهو بذاته في كل مكان.
وهذا هو قول جماعة من أهل الكلام والتصوف كأبي معاذ التومنى (2) ، وزهير الأثري (3) ، وأصحابهما (4) ، وهو موجود في كلام السالمية (5) كأبي طالب المكي (6)
__________
(1) مجموع الفتاوى 5/102-106، وانظر أيضا نفس المرجع 3/142.
(2) أبو معاذ التومني من أئمة المرجئة ورأس فرقة التومنية منها.
انظر ترجمته ومذهبه في مقالات الأشعري (1/204، 326) ، (2/232) ، والملل والنحل (1/128) .
(3) زهير الأثري، ولم أقف على ترجمته، وقد تكلم الأشعري عن آرائه بالتفصيل في المقالات (1/326) .
(4) انظر نقض التأسيس الجهمية (1/6) ، والفتاوى (2/299) ، ومقالات الإسلاميين (1/326) .
(5) هم أتباع أبي عبد الله محمد بن أحمد بن سالم المتوفى سنة (297هـ) وابنه الحسن أحمد بن محمد بن سالم المتوفى سنة (350هـ) ، وقد تتلمذ أحمد بن محمد بن سالم على سهل بن عبد الله التستري، ويجمع السالمية بين كلام أهل السنة وكلام المعتزلة مع ميل إلى التشبيه ونزعة صوفية اتحادية، انظر شذرات الذهب (3/36) ، وطبقات الصوفية (ص414-416) ، والفرق بين الفرق (ص157-202) .
(6) أبو طالب، محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي، صوفي نشأ واشتهر بمكة، وهو صاحب كتاب "قوت القلوب" في التصوف وهو من أكبر رجال السالمية، قال عنه الخطيب البغدادي: (ذكر فيه أشياء مستشنعة في الصفات) ، توفي سنة (386هـ) .
انظر ترجمته في تاريخ بغداد (3/89) ، وميزان الاعتدال (3/655) ، ولسان الميزان (5/300) .(1/125)
وأتباعه كأبي الحكم برجان (1) وأمثاله ما يشير إلى نحو هذا، كما يوجد في كلامهم ما يناقض هذا (2) فهم يقولون بأن الله في كل مكان، وإنه مع ذلك مستو على عرشه وإنه يرى بالأبصار بلا كيف، وإنه موجود الذات بكل مكان، وأنه ليس بجسم ولا محدود ولا يجوز عليه الحلول ولا المماسة، ويزعمون أنه يجيء يوم القيامة كما قال تعالى س وجاء ربك ش (3) ، وقولهم هذا يشبه قول بعض مثبتة الجسم الذين يقولون إنه لا نهاية له (4) .
والفرق بين هذا القول وقول الجهمية: بأن الله في كل مكان هو أن هؤلاء يثبتون العلو ونوعا من الحلول، أما الجهمية فلا يثبتون العلو على مقصود هؤلاء من الاستواء على العرش والمباينة.
ويزعم أصحاب هذا القول أنهم بقولهم هذا قد اتبعوا النصوص كلها سواء كانت نصوص علو أو معية أو قرب.
الرد عليهم:
إنهم بقولهم هذا جمعوا بين كلام أهل السنة وكلام الجهمية، ولذلك كان قولهم ظاهر الخطأ وغاية في التناقض.
أما بيان خطئه فهو يكمن في أن كل من قال بأن الله بذاته في كل مكان فهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الامة وأئمتها مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده، ولصريح المعقول وللأدلة الكثيرة، فالقرآن الكريم مملوء بالآيات التي تنص على علو الله بذاته فوق خلقه واستوائه على عرشه وبينونته من خلقه، كما أن السنة قد تحدثت عن هذا المعنى في كثير من الأحاديث، كقصة المعراج وصعود الملائكة ونزولها من عند الله وعروج الروح إليه واستوائه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، فكل هذه الأدلة تبين بطلان هذا القول ومخالفته.
__________
(1) أبو الحكم، عبد السلام بن عبد الرحمن بن محمد اللخمي الإشبيلي، متصوف، توفي سنة (536هـ) بمراكش.
انظر ترجمته في لسان الميزان (4/13-14) ، فوات الوفيات (1/569) ، الاعلام (4/129) .
(2) مجموع الفتاوى (2/299) .
(3) الفجر 22
(4) نقض تأسيس الجهمية (2/6) .(1/126)
وأما استدلال هؤلاء بنصوص المعية والقرب، فقد بينا خطأ هذا الاستدلال وبطلانه عند الرد على مذهب حلولية الجهمية، وقد بينا أنه ليس للمخالفين أي متمسك في جعلها لمعية الذات أو قرب الذات.
أما بيان تناقض هذا القول: فهو واضح من أقوالهم، فإنهم يجمعون بين أقوال متناقضة، فتارة يقولون إنه بذاته فوق العرش، وتارة يقولون إنه فوق العرش ونصيب العرش فيه كنصيب قلب العارف -كما يذكر ذلك أبو طالب المكي وغيره-، ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان وما يتبع ذلك، فإن قالوا: إن العرش كذلك فقد نقضوا قولهم بأنه بنفسه فوق العرش.
وإن قالوا بحلول ذاته في قلوب العارفين، كان ذلك قولا بالحلول الخاص، وهذا ما وقع فيه طائفة من الصوفية ومنهم صاحب منازل السائرين (1) .
(( (( ((
الخاتمة:
بعد هذا العرض للآثار الواردة في صفة المعية ولبعض المسائل المتعلقة بها أعرض أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث فأقول:
أولاً: اتضح جلياً من خلال استقراء النصوص أن المعية تنقسم إلى قسمين هما:
1- المعية العامة: والمراد بها معية العلم والاطلاع، وسميت عامة لأنها تعم الخلق جميعاً مؤمنهم وكافرهم، وبرهم وفاجرهم.
2- المعية الخاصة: والمراد بها معية النصرة والتأييد وسميت خاصة لأنها خاصة بأهل الإيمان.
ثانياً: تبين للقاريء الكريم إجماع السلف على تفسير آيات المعية العامة بأن المراد بها أن الله مع جميع الخلق بعلمه فهو مطلع على خلقه شهيد عليهم وعالم بهم، وقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع علماء السلف على تفسيرهم لآيات المعية العامة بذلك كما تقدم ذكره في المطلب الثاني.
__________
(1) مجموع الفتاوى (5/122-131) .(1/127)
ثالثاً: بإجماع السلف على تفسير المعية العامة بمعية العلم، لايبقى حجة لمدع بوجود تعارض بين آيات المعية وآيات العلو، وقد خصصت مطلباً أوردت فيه عدداً من النقول عن العلماء جاء فيها الجمع بين إثبات العلو وإثبات المعية موافقة لما نصت عليه إحدى آيات المعية، وهي الآية الرابعة من سورة الحديد.
رابعاً: إن القول بمعية الذات لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولم يقل به أحد من السلف، وأول من عرف عنه القول بذلك هم الجهمية والمعتزلة، وعنهم أخذ المتأخرون من الأشاعرة هذا القول، ومن أراد أن يعرف مصداق هذا فعليه بمطالعة كتاب الرد على بشر المريسي للدارمي المتوفى سنة ثمانين ومأتين، الذي ذكر هذا القول عن بشر وشيوخه، حيث قال: ((وزعمت أنت والمضلون من زعمائك أنه في كل مكان ... )) انظر الرد على بشر المريسي ضمن عقائد السلف ص (454) وقد كان ذلك قبل أن تظهر الأشعرية والماتريدية.
خامساً: إن ماينادي به متأخرو الأشاعرة من القول بأن الله في كل مكان واحتجاجهم على ذلك بآيات المعية، يناقض ما كان عليه أوائل الأشاعرة، والذين تقدم ذكر بعض أقوالهم وإقرارهم بعلو الله وتفسيرهم لنصوص المعية بما عليه قول أهل السنة، وردهم لزعم من قال بأن الله في كل مكان (1) .
سادساً: إن استدلال هؤلاء المعطلة بنصوص المعية على زعمهم الباطل، لا يتفق مع أصلهم الذي أصلوه في هذا الباب وهو عدم احتجاجهم بنصوص القرآن والسنة، واعتمادهم على عقولهم، وصنيعهم هنا يصدق عليه قول شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: ((وكثير ممن يكون قد وضع دينه برأيه وذوقه يحتج من القرآن بما يتأوله على غير تأويله، ويجعل ذلك حجة لاعمدة، وعمدته في الباطن على رأيه كالجهمية والمعتزلة في الصفات والأفعال..)) النبوات ص [129]
__________
(1) كأمثال أبي الحسن الأشعري وعلي بن مهدي الطبري والباقلاني والبيهقي وغيرهم.(1/128)
وفي الختام فهذا جهدي أقدمه لإخواني القراء، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمني وأستغفر الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الهوامش والتعليقات(1/129)
الأحاديث والآثار الواردة في التسليم
في الصلاة
د. محمد عبد الله ولد كريم
الأستاذ المساعد بقسم الكتاب والسنة بكلية الدعوة وأصول الدين
بجامعة أم القرى
ملخص البحث
تهدف الدراسة إلى إبراز موضوع مُهِمٍّ، من مواضيع الأحكام؛ يهمُّ كلَّ مسلم، كَثُر فيه الخلاف نتيجة لتعارض الأحاديث، وهو موضوع الأحاديث والآثار الواردة في التسليم في الصلاة.
وقد أحببتُ الإسهام فيه، فتتبعت أطرافه ودرسته دراسة نقدية حديثية شملت عددا من الأحاديث والآثار بلغت سبعةً وأربعين حديثا وأثرا مصنفة على ثلاثة فصول، تليها الخاتمة وفيها أهم النتائج، كما ذيَّلْتُ الخاتمة بذكر المصادر التي رجعت إليها لتوثيق البحث.
وأرجو أن أكون أسهمت من خلال هذا العمل في خدمة السنة المطهرة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
• • •
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أرسله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102] . {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء: 1] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب: 70 - 71] .
أما بعد:(1/130)
فإن السنة النبوية كانت ولا تزال محل اهتمام العلماء وطلبة العلم، ولا غرو في ذلك فهي صادرة عن الرسول الأمين الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ومصدر ثانٍ لتشريع الأحكام بعد كتاب الله عزوجل، وهي التي تبين مجمله وتخصص عامه وتقيد مطلقه. وقد برز هذا الاهتمام في حرص المسلمين عامة وعلمائهم خاصة على حفظها في الصدور وكتابتها في السطور وتلقيها خلفا عن سلف بالنقل الأمين والرواية الموثوقة والسند المتصل الذي هو من خصائص الأمة المحمدية، وذلك لتمييز الصحيح من الضعيف والثابت من الموضوع خوفا من الوقوع في الكذب المقرون بالوعيد وتثبتا من نسبة قول أو فعل أو إقرار على أمر إلى رسول الله ش.
ونظرا لما تقدم، فإني أحاول هنا أن أتشبه بذلك السلف تشبه المقل بالمكثرين الأثرياء، والضعيف بالأقوياء، وذلك بالبحث في موضوع من مواضيع السنة المطهرة وهو "الأحاديث والآثار الواردة في التسليم في الصلاة "دراسة حديثية نقدية.
وتشتمل خطة البحث على مقدمة تحوي مبحثين وثلاثة فصول وخاتمة وفيها خلاصة البحث ونتائجه.
المبحث الأول: سبب اختيار الموضوع
يرجع سبب اختياري لهذا الموضوع لعدة أسباب، أهمها: أن هذا الموضوع لم أجد مَن بَحَثَهُ وخصه بالكتابة فيه على أهميته، وهو من المسائل التي تعارضت فيها الأحاديث وحصل فيها الخلاف، وقد حاولت بحث كل الأحاديث التي استدل بها كل فريق، وأُبَيِّن الراجح منها، بناء على قواعد الجرح والتعديل، والهدف من ذلك هو الوصول إلى الحق إن شاء الله.
المبحث الثاني: بيان منهجي في البحث
أسوق الحديث أوالأحاديث الواردة في كل فصل، وأتتبع جميع الطرق، وأذكر درجة كل طريق بمفرده، فإذا كان الحديث مخرَّجا في جامع الترمذي مثلا أتكلم على رجاله وأبين درجته من خلال الإسناد، وهكذا إلى آخر البحث.(1/131)
أما طريقي في الكلام على الرواة فإنه إذا كان الراوي ثقة غير متكلم فيه أو فيه كلام مرجوح فأكتفي فيه بما ذكر الحافظ في التقريب، وأحيل على أماكن ترجمته من كتب الرجال تسهيلا لمن أراد الوقوف على حاله.
وإذا كان مختلفا فيه فإني أذكر غالب أقوال النقاد حوله، وإذا تكرر لا أترجم له إلا مرة واحدة ولا أترجم للصحابة المشهورين.
ثم بعد ذلك أخرِّج الحديث من الكتب التي أخرجته، وأذكر درجة الإسناد على ضوء القواعد الحديثية من الصحة أو الحسن أو الضعف، وفي الغالب أستند في الحكم على أقوال الأئمة السابقين، وإذا لم أجد لهم حكما في الموضوع نظرت في دراسات المعاصرين وأَسْتَأْنِسُ بها في الحكم، وإذا لم أجد ما يستأنس به نظرت في الإسناد واجتهدت، وقلت: الحديث من خلال الإسناد صحيح أوحسن أو ضعيف، وأرجو أن أكون وفقت في ذلك الاجتهاد.
الفصل الأول
أفردته للأحاديث الواردة في التسليمة الواحدة وصدَّرتُه بحديث عائشة؛ لأنه يعتبر أهم حديث في الباب، ثم أَتْبَعْتُ الأحاديث بالآثار الواردة في الباب. وقد بينت في هذا الفصل أن التسليمة الواحدة أحاديثها ضعيفة وقليلة، ولكن وردت آثار عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا يسلمون تسليمة واحدة، وقد ذكرت ما توصلت إليه في ذلك مستضيئا بما ترجح لي من أقوال أهل العلم، ثم رقمت الأحاديث والآثار ترقيما تسلسليا.
أحاديث التسليمة الواحدة
1- حديث عائشة أخرجه الترمذي فقال:(1/132)
حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري (1) حدثنا عمرو بن أبي سلمة أبو حفص التنيسي (2)
__________
(1) محمد بن يحيى النيسابوري هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري، ثقة حافظ جليل، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئة على الصحيح، وله ثمانون سنة. التقريب: 512وانظر التهذيب: 9/ 511، وتهذيب الكمال: 26/617.
(2) عمرو بن أبي سلمة التنيسي بمثناة ونون ثقيلة بعدها تحتانية ثم مهملة أبو حفص الدمشقي مولى بني هاشم، صدوق له أوهام، من كبار العاشرة، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين. التقريب: 422. وقال في التهذيب: ضعفه ابن معين وقال: أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به، وذكره ابن حبان في الثقات وضعفه الساجي وقال: أحمد روى عن زهير أحاديث بواطل كأنه سمعها من صدقة بن
عبد الله فغلط فقَلَبَها عن زهير. وساق الساجي منها حديثه عن زهير عن هشام عن أبيه عن عائشة كان رسول الله ش يسلم تسليمة. التهذيب: 8/ 83 وتهذيب الكمال: 22/ 51.(1/133)
عن زهير بن محمد (1)
__________
(1) زهير بن محمد التميمي أبو المنذر الخراساني، سكن الشام ثم الحجاز، رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها. قال البخاري عن أحمد: كأن زهيرا الذي يروي عنه الشاميون آخر. وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه. من السابعة، مات سنة اثنتين وستين ومئة. التقريب: 217. أقول: اختلفت أقوال النقاد في هذا الرجل فقد قال فيه أحمد في رواية حنبل: ثقة.وفي رواية المروذي: ليس به بأس. وفي رواية الجوزجاني: مستقيم الحديث. وفي رواية الميموني: مقارب الحديث. وقال البخاري عن أحمد: كأن الذي روى عنه أهل الشام زهيرٌ آخر. فقلب اسمه. وقال الأثرم: سمعت أباعبد الله، وذكر رواية الشاميين عن زهير بن محمد قال: يروون عنه أحاديث مناكير. ثم قال لي: ترى هذا زهير بن محمد الذي يروي عنه أصحابنا. ثم قال: أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة صحاح. وأما أحاديث أبي حفص ذاك التنيسي عنه فتلك بواطيل موضوعة أو نحو هذا فأما بواطيل فقد قاله أما ابن معين فمرة وثقه ومرة ضعفه وقال العجلي: جائز الحديث، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وفي حفظه سوء، وكأن حديثه بالشام، أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه، فما حدث من حفظه ففيه أغاليط، وما حدث من كتبه فهو صالح. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: وصالح بن محمد البغدادي ثقة صدوق، زاد عثمان: وله أغاليط كثيرة. وقال البخاري: ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح. وأما النسائي فمرة ضعفه ومرة قال: ليس بالقوي ومرة أخرى قال: ليس به بأس. وعند عمرو بن أبي سلمة مناكير. وقال يعقوب بن شيبة: صدوق صالح الحديث. وقال ابن عدي: ولعل أهل الشام أخطأوا عليه فإنه إن حدث عنه أهل العراق فروايتهم عنه شبه مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به. تهذيب الكمال: 9/ 414. وقال الذهبي: 1/ 327: ثقة يغرب ويأتي بمناكير ونقل في الميزان:
2/ الترجمة 2918 عن ابن عبد البر تضعيفه فقال: زهير بن محمد ضعيف عند الجميع. فقال: قلت: كلا، بل خرّج له البخاري ومسلم. قلت: وهذا مصير منه إلى توثيقه.ولكن الذي يترجح من أقوال النقاد أن رواية أهل الشام عنه ضعيفة، وعلى الأخص رواية عمرو بن أبي سلمة عنه. وأن رواية أهل العراق عنه مستقيمة، وانظر: تهذيب التهذيب: 3/ 348.(1/134)
عن هشام بن عروة (1) عن أبيه (2)
__________
(1) هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، ثقة فقيه ربما دلس من الخامسة، مات سنة خمس أو ست وأربعين ومئة، وله سبع وثمانون سنة. التقريب: 573. وانظر التهذيب: 11/ 48 -51. وتهذيبب الكمال: 3/ 232
(2) عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي أبو عبد الله المدني ثقة فقيه مشهور من الثالثة مات سنة أربع وتسعين على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عثمان. التقريب: 389. وانظر: التهذيب:
7/ 180 - 185 وتهذيب الكمال: 20/ 11.وطبقات ابن سعد: 5/ 178 - 182.(1/135)
عن عائشة: " أن رسول الله ش كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن شيئا" (1)
__________
(1) والحديث أخرجه الترمذي في جامعه: 2/ 90 بالسند السابق وقال: وحديث عائشة لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. قال محمد بن إسماعيل: زهير بن محمد أهل الشام يروون عنه مناكير ورواية أهل العراق عنه أشبه وأصح. قال محمد: وقال أحمد بن حنبل: كأن زهير بن محمد الذي كان وقع عندهم ليس هو هذا الذي يروى عنه بالعراق، كأنه رجل آخر قلبوا اسمه. قال أبو عيسى: وقد قال به بعض أهل العلم في التسليم في الصلاة. وأصح الروايات عن النبي ش تسليمتين وعليه أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ش والتابعين ومن بعدهم. ورأى قوم من أصحاب النبي ش وغيرهم تسليمة واحدة في المكتوبة. قال الشافعي: إن شاء سلم تسليمة واحدة وإن شاء سلم تسليمتين. ورواه الحاكم في المستدرك: 1/ 230 من طريق أحمد بن عيسى التنيسي ثنا عمرو بن أبي سلمة ثنا زهير بن محمد المكي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي ش كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن قليلا شيئا ". وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 254 عن الحاكم من طريق أحمد بن عيسى التنيسي ثنا عمرو بن أبي سلمة ثنا زهير بن محمد المكي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي ش قال:....ثم قال: تفرد به زهير بن محمد.
تنبيهان:
1- قول الترمذي: (أصح الروايات....تسليمتين) علق عليه الشيخ أحمد شاكر: كذا في م - وله وجه من العربية يتأول. وفي باقي الأصول تسليمتان.
2- أحمد بن عيسى التنيسي الذي يروي عن عمرو بن أبي سلمة قال فيه ابن حبان: يروي عن المجاهيل الأشياء المناكير وعن المشاهير الأشياء المقلوبة لا يجوز عندي الاحتجاج بما انفرد به من الأخبار. المجروحين: 1/ 146. وقال فيه ابن طاهر: كذاب يضع الحديث. وقال ابن عدي: له مناكير. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. الميزان: 1/ 126. ورواه من وجه آخر: ليس بمرفوع فقال.(1/136)
ورواه وهيب (1) بن خالد عن عبيد الله (2) بن عمر عن القاسم (3) عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسلم تسليمة واحدة. قد اتفق الشيخان على الاحتجاج بعمرو بن أبي سلمة وزهير بن محمد. وساقه البيهقي من طريق آخر عن عائشة موقوفا فقال: أخبرنا
__________
(1) وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة ثبت لكنه تغير قليلا بآخرة، من السابعة، مات سنة خمس وستين (ومئة) وقيل بعدها. التقريب: 586 والتهذيب: 11/ 169. وتهذيب الكمال: 11/ 164 وطبقات ابن سعد: 7/ 287.
(2) عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أبو عثمان ثقة ثبت قدمه أحمد ابن صالح على: مالك في نافع، وقدمه ابن معين في: القاسم عن عائشة على الزهري عن عروة، عنها. من الخامسة، مات سنة بضع وأربعين ومئة. التقريب: 373. والتهذيب: 7/ 38.
(3) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، ثقة أحد الفقهاء بالمدينة قال أيوب: ما رأيت أفضل منه من كبار الثالثة، مات سنة ست ومئة على الصحيح. التقريب: 451. والتهذيب: 8/ 333.(1/137)
أبو عبد الله الحافظ (يعني الحاكم) وساق بسنده إلى عبد الوهاب بن عبد المجيد (1) ثنا عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسلم في الصلاة تسليمةواحدة قبل وجهها. السلام عليكم " (2) .
ورواه الدارقطني بسنده إلى محمد بن مسلم بن وارة (3) عن عمرو بن أبي سلمة عن زهير ابن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (4) .
ورواه ابن ماجه في سننه فقال:
__________
(1) عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي أبو محمد البصري: ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين. من الثامنة. مات سنة أربع وتسعين ومئة عن نحو ثمانين سنة. التقريب: 368 والتهذيب 6/ 449. وتهذيب الكمال: 18/503.
(2) هذا الأثر رواه البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 255. وقد حكم عليه بالوقف كما هي الحال في سابقه. قال أبو عبد الله: تابعه " يعني عبد الوهاب بن عبد المجيد" وهيب ويحيى بن سعيد عن عبيد الله عن القاسم. وقال الدرواردي عن عبد الله عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه.قال الشيخ: والعدد أولى بالحفظ من الواحد. والحديث إسناده صحيح مع الوقف.
(3) محمد بن مسلم بن عثمان بن عبد الله الرازي المعروف بابن وارة بفتح الراء المخففة، ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات سنة سبعين ومئتين. وقيل: قبلها. التقريب: 507. والتهذيب: 9/ 451. وتهذيب الكمال: 26/ 444.
(4) هذه الرواية رواها الدارقطني في سننه: 1/ 357. وهي ضعيفة من أجل زهير بن محمد والراوي عنه عمرو بن أبي سلمة.(1/138)
حدثنا هشام (1) بن عمار ثنا عبد الملك (2) بن محمد الصنعاني ثنا زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (أن رسول الله ش كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه) (3) .
ورواه ابن حبان في صحيحه فقال: أخبرنا الحسن بن سفيان (4) قال: حدثنا ابن أبي السري (5) .
__________
(1) هشام بن عمار بن نصير - بنون مصغر- السلمي الدمشقي الخطيب، صدوق مقرئ. كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح. من كبار العاشرة. مات سنة خمس وأربعين ومئتين على الصحيح. وله اثنتان وتسعون سنة. التقريب: 573. والتهذيب: 11/ 51 - 54. وتهذيب الكمال: 30 / 242.
(2) عبد الملك بن محمد الحميري البرسمي بفتح الموحدة والمهملة بينهما راء ساكنة، من أهل صنعاء دمشق. لين الحديث. من التاسعة. التقريب: 365. وقال الذهبي: ليس بحجة.الكاشف: 2/ الترجمة 3523. وقال ابن حبان: كان ممن يجيب في كل ما يسأل حتى تفرد عن الثقات بالموضوعات لا يجوز الاحتجاج بروايته. المجروحين: 2/ 136
(3) رواه ابن ماجه في سننه: 1/ 297. وهو حديث ضعيف.
(4) الحسن بن سفيان الشيباني النسوي. قال الذهبي عنه: هو الحافظ الكبير صاحب المسند تفقه على أبي ثور وكان يفتى بمذهبه. وسمع من أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والكبار، وكان ثقة حجة واسع الرحلة. قال الحاكم: كان محدث خراسان في عصره مقدما في التثبت والكثرة والفهم والأدب والفقه. توفي في رمضان سنة ثلاث وثلاثمائة ومئة. العبر: 1/ 445 وتذكرة الحفاظ: 703.
(5) محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي مولاهم العسقلاني المعروف بابن أبي السري. صدوق عارف له أوهام كثيرة من العاشرة. مات سنة ثمان وثلاثين ومئتين. التقريب: 504. والتهذيب: 9/424. وتهذيب الكمال: 26/355.(1/139)
قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي ش (كان يسلم تسليمة واحدة عن يمينه يميل بها وجهه إلى القبلة) (1) .
ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار فقال: حدثنا ابن أبي داود (2) وأحمد بن
عبد الله بن عبد الرحيم البرقي (3) ، قالا: ثنا عمرو بن أبي سلمة قال: ثنا زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ش (كان يسلم تسليمة واحدة) (4) .
__________
(1) الحديث رواه ابن حبان في صحيحه: 3/ 224. وهذه الرواية ضعيفة من أجل زهير بن محمد والراوي عنه عمرو ابن أبي سلمة.
(2) ابن أبي داود: هو أحمد بن داود بن موسى السدوسي،يكنى أباعبد الله أحد مشائخ أبي جعفر الطحاوي الذين روى عنهم وكتب وحدَّث. وذكره ابن يونس في الغرباء وقال: بصري قدم إلى مصر وأقام بها. توفي بمصر ليلة الجمعة لثمان عشرة خلت من صفر سنة اثنتين وثمانين ومئتين. وكان ثقة. قلت: كان يعرف بالمكي.وكثيرا ما يقول أبو جعفر في روايته: حدثنا أحمد بن داود المكي. وروى عنه الطبراني أيضا. مغاني الأخيار: 1/ 26.
(3) أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيد بن أبي زرعة البرقي. مولى بني زهرة. يكنى أبابكر. أحد مشائخ أبي جعفر الطحاوي الذين روى عنهم وكتب وحدَّث. قال ابن يونس: حدث بالمغازي عن عبد الملك بن هشام وحدث عن عمرو بن أبي سلمة وسعيد بن أبي مريم وأسد بن موسى وأبي صالح كاتب الليث وغيرهم. وكان ثقة ثبتا. توفي في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من رمضان سنة سبعين ومئتين. ضربته دابة في سوق الدواب فمات من يومه. مغاني الأخيار: 1/ 28.
(4) والحديث أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 270. رواية ضعيفة من أجل زهير بن محمد وعنه عمرو ابن أبي سلمة.(1/140)
قلت: هذا الحديث صححه الحاكم كما سبق. ويفهم من كلام الشوكاني عدم تضعيفه، فقد قال بعد نقل أقوال من ضعَّفه: وزهير لا ينتهي إلى هذه الدرجة في الضعف فقد قال أحمد: إنه مستقيم الحديث. وقال صالح بن محمد: إنه ثقة صدوق. وقال موسى ابن هارون: أرجو أنه صدوق. وقال الدارمي: ثقة له أغاليط كثيرة. ووثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وفي حفظه سوء.
وقد أخرج له الشيخان، ولكنه روى الترمذي عن البخاري عن أحمد بن حنبل أنه قال: كأن زهير بن محمد هذا ليس هو الذي يروى عنه بالعراق وكأنه رجل آخر قلبوا
اسمه. وقال الحاكم: رواه وهيب عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة موقوفا (1) ، وهذا إسناد صحيح.
ورواه بقي بن مخلد في مسنده من رواية عاصم عن هشام بن عروة مرفوعا. وهاتان الطريقان فيهما متابعة لزهير فيقوى حديثه. قال الحافظ ابن حجر: وعاصم عندي هو ابن عمر، وهو ضعيف، ووهم من زعم أنه ابن سليمان الأحول (2) .
__________
(1) في النيل: 2/ 337 مرفوعا. وفي التلخيص: 1/ 270 موقوفا. وهي الصواب. والحاكم في المستدرك:1/231
(2) التلخيص: 1/ 270. ...(1/141)
وروى ابن حبان في صحيحه عن عائشة من وجه آخر شيئاً من هذا أخرجه من طريق قتادة (1) عن زرارة (2) بن أوفى عن سعد (3) بن هشام عن عائشة قالت: كان رسول الله ش إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة فيحمد الله ويذكره ويدعو ثم ينهض ولايسلم ثم يصلي التاسعة ويذكر الله ويدعو ثم يسلم تسليمة يسمعناه) (4) .
ورواه أحمد في المسند من طريق بهز (5) بن حكيم وقال مرة: أنا قال: سمعت زرارة ابن أوفى يقول سألت عائشة عن صلاة رسول الله ش بالليل فقالت: كان يصلي العشاء ثم يصلي بعدها ركعتين ثم ينام فإذا استيقظ وعنده وضوءه مغطى وسواكه، استاك ثم توضأ فقام فصلى ثماني ركعات يقرأ فيهن بفاتحة الكتاب وماشاء من القرآن.
وقال مرة: ماشاء الله من القرآن فلا يقعد في شيء منهن إلا في الثامنة فإنه يقعد فيها فيتشهد ثم يقوم ولايسلم فيصلي ركعة واحدة ثم يجلس فيتشهد ويدعو ثم يسلم تسليمة واحدة السلام عليكم يرفع بها صوته حتى يوقظنا ... ) (6) .
__________
(1) قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري، ثقة ثبت يقال: ولد أكمه، وهو رأس الطبقة الرابعة، مات سنة بضع عشرة و (مئة) . التقريب: 453 وتهذيب الكمال: 23/498.
(2) زرارة بن أوفى العامري الحرشي بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة أبو حاجب البصري قاضيها، ثقة عابد من الثالثة مات فجأة في الصلاة سنة ثلاث وتسعين. التقريب: 215 وتهذيب الكمال: 9/ 939.
(3) سعد بن هشام بن عامر الأنصاري المدني ثقة من الثالثة استشهد بأرض الهند. التقريب: 232 والتهذيب: 3/483 وتهذيب الكمال: 10/307.
(4) ابن حبان: 4/ 72. ...
(5) بهز بن حكيم بن معاوية القشيري أبو عبد الملك، صدوق، من السادسة، مات قبل المئتين. التقريب: 128 والتهذيب: 1/ 498 وتهذيب الكمال: 4/ 259.
(6) المسند لأحمد: 6/236. ...(1/142)
أقول: الحديث الأول عزاه الحافظ لابن حبان ولأبي العباس السراج في مسنده وساق متنه وقال: إسناده على شرط مسلم ولم يستدركه الحاكم مع أنه أخرج حديث زهير بن محمد عن هشام (1) ، وهاتان الروايتان الأولى منهما في سندها سعد بن هشام بين زرارة وعائشة أم المؤمنين والرواية بهذه الزيادة هي الأصح كما قال الدارقطني في العلل (2) .
بل قال المزي في تهذيب الكمال: إنها المحفوظة (3) . وبناءً عليه فالرواية التي لم يرد في سندها سعد بن هشام مرجوحة بل شاذة والله أعلم.
والحديث صححه الشيخ ناصر (4) .
وقال الشوكاني -معقبا علىكلام الحافظ ابن حجر السابق-: وقد قدمنا أنه أخرج له البخاري أيضا فهو على شرطهما لا على شرط مسلم فقط. ثم قال: وبما ذكرنا تعرف عدم صحة قول العقيلي: ولا يصح في تسليمة واحدة شيء.
وكذا قول ابن القيم: إنه لم يثبت عنه ذلك من وجه صحيح (5) .
كما صحَّحه الشيخ أحمد شاكر مع محاولة الجمع بينه وبين بقية الأحاديث فقد قال: والذي أراه أن حديث عائشة حديث صحيح، وأن التسليمة الواحدة كانت منه ش في بعض الأحيان في صلاة الليل، وأن الذين رووا عنه التسليمتين إنما يحكون التسليم الذي رأوه في صلاة المسجد وفي الجماعة، وبهذا نجمع بين الروايتين (6) .
__________
(1) التلخيص: 1/ 270.
(2) العلل للدارقطني، مخطوطة الحرم: 5/ 263. ...
(3) تهذيب الكمال: 9/ 340. ...
(4) إرواء الغليل: 2/ 32. ...
(5) نيل الأوطار: 2/ 338.
(6) تعليق أحمد شاكر على سنن الترمذي: 2/ 92.(1/143)
وأما الذين ضعَّفوه فهم كُثُرٌ. قال الدارقطني في العلل: رفعه زهير بن محمد عن هشام عن أبيه عنها: " أي عائشة " عمرو بن أبي سلمة وعبد الملك الصنعاني وخالفهما الوليد فوقفه عليه (1) . وقال عقبه: قال الوليد: فقلت لزهير: أبلغك عن النبي ش قال: نعم أخبرني يحيى ابن سعيد الأنصاري أن رسول الله ش. فتبين أن الرواية المرفوعة وهم. وكذا رجح رواية الوقف الترمذي والبزار وأبو حاتم. وقال في المرفوع: إنه منكر. وقال ابن عبد البر: لا يصح مرفوعا (2) .
وقال الطحاوي (3) : هذا حديث أصله موقوف على عائشة رضي الله عنها. هكذا رواه الحفاظ. وزهير بن محمد وإن كان رجلا ثقة فإن رواية عمرو بن أبي سلمة عنه تضعف جدا.
وقال ابن عبد البر (4) : روي عن النبي ش أنه كان يسلم من الصلاة تسليمة واحدة من حديث سعد بن أبي وقاص وعائشة وأنس بن مالك وكلها معلولة الأسانيد لا يثبتها أهل العلم بالحديث ... إلى أن قال: وأما حديث عائشة فانفرد به زهير بن محمد لم يروه مرفوعا غيره. وهو ضعيف لا يحتج بما انفرد به.
وزاد في الاستذكار: وذكر يحيى بن معين هذا الحديث فقال: عمرو بن أبي سلمة وزهير بن محمد ضعيفان لا حجة فيهما (5) .
وقال البغوي: عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أنه يُسلم تسليمتين إحداهما عن يمينه والأخرى عن شماله.
وذهب قوم إلى أنه يسلم تسليمة واحدة. روي ذلك عن سعيد بن جبير.
كما روي عن عائشة أن رسول الله ش كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن شيئا. وفي إسناده مقال. وأصح الروايات تسليمتين (6)
__________
(1) انظر: العلل للدارقطني: 5/ 133 مخطوطة الحرم قال الدارقطني: ومن رفعه فقد وهم. ...
(2) التلخيص: 1/ 270.
(3) شرح معاني الآثار: 1/ 270.
(4) التمهيد لابن عبد البر: 16/188.
(5) الاستذكار: 4/ 295.
(6) شرح السنة للبغوي: 3/ 207.(1/144)
وقال النووي: هو حديث ضعيف، ضعفه الجمهور، ولا يقبل تصحيح الحاكم له (1) . وقال في المجموع: اتفق أصحابنا في كتب المذهب على تضعيفه (2) . ونقل عنه الزيلعي (3) : وليس في الاقتصار على تسليمة واحدة شيء ثابت. وقال العقيلي: ولا يصح في تسليمة واحدة شيء (4) . كما نقل الشوكاني (5) عن ابن القيم قوله: إنه لم يثبت عنه " ش" ذلك من وجه صحيح. وقال: والحق ما ذهب إليه الأولون؛ لكثرة الأحاديث الواردة بالتسليمتين وصحة بعضها وحسن بعضها واشتمالها على الزيادة، وكونها مثبتة، بخلاف الأحاديث الواردة بالتسليمة الواحدة فإنها مع قلتها ضعيفة لا تنهض للاحتجاج، ولو سلم انتهاضها لم تصلح لمعارضة أحاديث التسليمتين (6) .
2- وحديث سهل بن سعد الساعدي.
أخرجه ابن ماجه في سننه فقال:
__________
(1) خلاصة الأحكام: 1/ 445.
(2) المجموع: 3/ 480.
(3) نصب الراية: 1/ 433.
(4) نقله الحافظ في التلخيص: 1/ 270.
(5) نيل الأوطار: 2/ 338.
(6) المصدر السابق.(1/145)
حدثنا أبو مصعب (1) المدني أحمد بن أبي بكر ثنا عبد المهيمن (2) بن عباس (3) بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه (4)
__________
(1) أبو مصعب المدني هو: أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف أبو مصعب الزهري المدني الفقيه، صدوق. عابه أبو خيثمة للفتوى بالرأي، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين (ومئتين) وقد نيف على التسعين. التقريب: 78 والتهذيب: 1/ 20. وقال الذهبي في الميزان: 1/ 84 عنه: هو الفقيه صاحب مالك ثقة حجة، ما أدري ما معنى قول أبي خيثمة لابنه أحمد: لا تكتب عن أبي مصعب، واكتب عمن شئت. قال الحافظ ابن حجر تعليقا على قول الذهبي هذا. ويحتمل أن يكون مراد أبي خيثمة دخوله في القضاء أو إكثاره من الفتوى بالرأي التهذيب: 1/ 20. وتهذيب الكمال: 1/ 278.
(2) عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي المدني ضعيف من الثامنة، مات بعد السبعين ومئة. التقريب: 366. وعبد المهيمن هذا قال فيه البخاري: منكر الحديث.وقال النسائي: ليس بثقة.وقال ابن حبان: لما فحش الوهم في روايته بطل الاحتجاج به. وقال ابن الجنيد: ضعيف الحديث. وقال النسائي في موضع آخر: متروك الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال: عنده نسخة عن أبيه عن جده فيها مناكير. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال مرة: ضعيف. وقال أبو نعيم: روى عن آبائه أحاديث منكرة لا شيء. التهذيب: 6/ 432. وتهذيب الكمال: 18 / 440. وطبقات ابن سعد: 5/ 421. والكاشف: 2/ الترجمة 3542.
(3) عباس بن سهل بن سعد الساعدي،ثقة، من الرابعة، مات في حدود العشرين (ومئة) . وقيل: قبل ذلك. التقريب: 293 والتهذيب: 5/ 118.
(4) سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبو العباس، له ولأبيه صحبة مشهور، مات سنة ثمان وثمانين.وقيل بعدها وقد جاز المائة. التقريب: 257. والتهذيب:
4/ 252(1/146)
عن جده أن رسول الله ش [سلَّمَ تسليمة واحدة تلقاء وجهه] (1) .
3- وحديث سلمة بن الأكوع أخرجه ابن ماجه فقال:
حدثنا محمد (2) بن الحارث المصري ثنا يحيى (3) بن راشد عن يزيد (4) مولى سلمة ابن الأكوع عن سلمة قال: رأيت رسول الله ش صلى فسلم مرة واحدة تلقاء وجهه (5) .
4- وحديث أنس أخرجه البيهقي في سننه فقال:
__________
(1) والحديث رواه ابن ماجه في سننه: 1/ 297 بالإسناد المتقدم، وفيه عبد المهيمن قال فيه البخاري: منكر الحديث. والحديث ضعفه النووي في الخلاصة.: 1/ 446.
(2) محمد بن الحارث بن راشد بن طارق الأموي المصري المؤذن، صدوق يغرب، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين (ومئتين) . التقريب: 472. والتهذيب: 9/ 104. وتهذيب الكمال: 25/ 28. والثقات لابن حبان: 9/ 86. والخلاصة للخزرجي: 2/ الترجمة 6126.
(3) يحيى بن راشد المازني أبو سعيد البصري، البِرَّاء، بموحدة وراء مشددة ومد، ضعيف. من الثامنة. التقريب: 590. قال الدوري عن يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال أبو زرعة: شيخ لين الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، في حديثه إنكار، وأرجو أن لا يكون ممن يكذب. وذكره ابن حبان في الثقات.وقال: يخطئ ويخالف. التهذيب: 11/ 206. وتهذيب الكمال: 31/ 299. وتاريخ الدوري: 2/ 642. وتاريخ البخاري: 8/ الترجمة 2971.
(4) يزيد بن أبي عبيد الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع ثقة من الرابعة، مات سنة بضع وأربعين
" ومئة ". التقريب: 603.وثقه أبو داود وذكره ابن حبان في الثقات. التهذيب: 11/ 349.
(5) رواه ابن ماجه في سننه بالإسناد السابق: 1/ 297، وساقه البيهقي في السنن الكبرى:
2/ 255 بسنده إلى يعقوب بن سفيان، ثنا محمد بن الحارث القرشي مؤذن مسجد مصر ثنا يحيى بن راشد عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع به، وساقه في معرفة السنن والآثار: 2/ 98. والحديث ضعفه النووي في الخلاصة 1/ 446.(1/147)
أخبرناه أبو عبد الله (1) الحافظ ثنا أبو بكر (2) بن إسحاق، أنبأ أبو المثنى (3) ، ثنا عبد الله (4)
__________
(1) أبو عبد الله هو: محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري الحاكم أبو عبد الله الحافظ صاحب التصانيف، إمام، صدوق، لكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة، ويكثر من ذلك، فما أدري هل خفيت عليه فما هو ممن يجهل ذلك، وإن علم فهذه خيانة عظيمة، ثم هو شيعي، مشهور بذلك من غير تعرض للشيخين، وقد قال ابن طاهر: سألت أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري عن الحاكم أبي عبد الله فقال: إمام في الحديث رافضي خبيث، قال الذهبي معقبا على هذا الكلام: الله يحب الإنصاف ماالرجل برافضي بل شيعي. أما صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فأمر مجمع عليه. الميزان: 3/ الترجمة 7804. وقال في العبر: 2/ 211: انتهت إليه رئاسة الفن بخراسان لا بل في الدنيا، وكان فيه تشيع وحط من معاوية. وهو ثقة حجة.
(2) أبو بكر بن إسحاق هو: أحمد بن إسحاق بن أيوب النيسابوري المعروف بالصبغي " بكسر الصاد المهملة وإسكان الباء الموحدة والغين المعجمة" كان واسع العلم إماما في الفقه والحديث والأصول ذا تصانيف. ولد في رجب سنة ثمان وخمسين ومئتين.وتوفي في شعبان سنة أربعين وثلاثمئة. طبقات الشافعية لابن هداية الله الحسيني: 69. والذهبي في السير 15/ 483. والعبر 2/ 63. والسبكي في الطبقات الكبرى 3/ 9.
(3) أبو المثنى هو، معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري أبو المثنى البصري القاضي ثقة متقن من كبار التاسعة، مات سنة ست وتسعين (ومئة) . التقريب: 536 والتهذيب 10/ 194. وتهذيب الكمال: 28 / 132. والسير: 9/ 54. والكاشف: 3/ الترجمة 5602.
(4) عبد الله بن عبد الوهاب الحجي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة أبو محمد البصري ثقة من العاشرة، مات سنة ثمان وعشرين ومئتين وقيل سنة سبع وعشرين ومئتين. التقريب 312. قال الحسين بن الحسن الرازي عن يحيى بن معين وأبي داود وأبي حاتم: ثقة. التهذيب: 5/ 304 - 305 وتهذيب الكمال: 15/ 246 وطبقات ابن سعد: 7/ 307.(1/148)
بن عبد الوهاب الحجي، ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن حميد (1) عن أنس رضي الله عنه أن النبي ش " كان يسلم تسليمة واحدة" (2) 5/ حديث آخر عن أنس رواه ابن أبي شيبة في المصنف.
__________
(1) حميد بن أبي حميد الطويل أبو عبيدة البصري،اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال. ثقة مدلس وعابه زائدة؛ لدخوله في شيء من أمر الأمراء، من الخامسة، مات سنة اثنتين، ويقال: ثلاث وأربعين (ومئة) وهو قائم يصلي، وله خمس وسبعون سنة. التقريب: 181. وحميد وثقه ابن معين والعجلي وأبو حاتم وابن خراش. وقال في موضع آخر: في حديثه عن أنس شيء يقال: إن عامة حديثه عن أنس إنما سمعه من ثابت. وقال حماد بن سلمة: لم يدع حميد لثابت علما إلا وعاه وسمعه منه. وقال شعبة: لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثا والباقي سمعها من ثابت أو ثبته فيها ثابت. وقال أبو أحمد بن عدي: له أحاديث كثيرة مستقيمة فأغنى لكثرة حديثه أن أذكر له شيئا من حديثه، وقد حدث عنه الأئمة. وأما ما ذكر عنه أنه لم يسمع من أنس إلا مقدار ما ذكر، وسمع الباقي من ثابت عنه فإن تلك الأحاديث يميزها من كان يتهمه أنها عن ثابت عنه؛ لأنه قد روى عن أنس، وقد روى عن ثابت عن أنس أحاديث فأكثر ما في بابه أن الذي رواه عن أنس البعض مما دلسه عن أنس، وقد سمعه من ثابت، وقد دلس جماعة من الرواة عن مشائخ قد رأوهم. تهذيب الكمال: 7/ 355. التهذيب: 3/ 38- 40. طبقات ابن سعد: 7/ 252.
(2) الحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 255 وفي معرفة السنن والآثار: 3/ 97،وهو حديث قال فيه الحافظ: رجاله ثقات. الدراية: 1/159. وقال فيه الشيخ ناصر: صحيح الإسناد. إرواء الغليل: 2/ 34.(1/149)
فقال: حدثنا يونس (1) بن محمد قال: حدثنا جرير (2) بن حازم عن أيوب (3) عن أنس أن النبي ش " سلم تسليمة " (4) .
__________
(1) يونس بن محمد بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة ثبت من صغار التاسعة مات سنة سبع ومئتين. التقريب: 614 والتهذيب: 11/ 447. وتهذيب الكمال: 32/ 540. وطبقات ابن سعد: 7/ 337.
(2) جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي، أبو النضر البصري، والد وهب، ثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، وهو من السادسة، مات سنة سبعبن
(ومئة) بعدما اختلط، لكن لم يحدث في حال اختلاطه. التقريب: 138 والتهذيب: 2/ 69- 72. ومقدمة الفتح: 394 - 395. وطبقات ابن سعد: 7/ 258.
(3) أيوب بن أبي تميمة: الكيساني السختياني، بفتح المهملة ثم بعدها معجمة ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون، أبو بكر البصري، ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة، وله خمس وستون سنة. التقريب: 117. له ترجمة في التهذيب 1/ 397 وتهذيب الكمال: 3/ 457.
(4) الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301. وقد قال عنه ابن عبد البر: لم يسمع أيوب من أنس ولا رآه. قال أبو بكر البزار وغيره: لا يصح عن النبي ش في التسليمة الواحدة شيء. يعني من جهة الإسناد. التمهيد: 16/ 189. وكذا قال في الاستذكار: 4/ 296. وقال الشيخ ناصر: رجاله ثقات كلهم إلا أنه منقطع فإن أيوب لم يسمع من أنس شيئا. الإرواء: 2/ 34.(1/150)
6/ وحديث سمرة بن جندب رواه ابن عدي في الكامل فقال: حدثني الساجي (1) ثنا أبو كامل (2) الجحدري ثنا روح (3) بن عطاء بن أبي ميمونة قال: حدثني أبي (4) وحفص (5)
__________
(1) زكريا بن يحيى الساجي البصري، ثقة فقيه، من الثانية عشرة، مات سنة بضع وثلاثمائة. التقريب: 216. وقال الذهبي: الإمام الحافظ محدث البصرة. جمع وصنف، روى عنه أبو أحمد بن عدي والإسماعيلي، مات سنة سبع وثلاثمئة، وقد قارب التسعين. تذكرة الحفاظ: 109. العبر: 1/ 452.
(2) أبو كامل الجحدري هو: فضيل بن حسين بن طلحة أبو كامل ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة سبع وثلاثين ومئتين، وله أكثر من ثمانين سنة، وهو أوثق من عمه كامل بن طلحة. التقريب: 447. وانظر التهذيب: 8/ 290.
(3) روح بن عطاء بن أبي ميمونة من أهل البصرة، يروي عن شعبة، روى عنه أهل البصرة، كان يخطئ ويهم كثيرا حتى ظهر في حديثه المقلوبات من حديث الثقات، لا يعجبني الاحتجَاج بخبره إذا انفرد، تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. المجروحين: 1/ 300. وقال الذهبي: روى عن أبيه والحسن. ضعفه ابن معين وقال أحمد: منكر الحديث. روى عن الحسن عن سمرة (كان رسول الله صلىالله عليه وسلم يسلم في الصلاة تسليمة قبالة وجهه) الميزان: 2/ 60.
(4) عطاء بن أبي ميمونة البصري أبو معاذ، واسم أبي ميمونة منيع، ثقة، رمي بالقدر، من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة. التقريب: 392. وقال الذهبي: روى عن عمران بن حصين ولم يدركه وروى عن جابر بن سمرة وأنس وعنه شعبة وحماد بن سلمة، وثقه ابن معين وقال: هو وابنه قدريان. وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال الجوزقاني: كان رأسا في القدر. قال الذهبي: قلت: بل قدري صغير،وحديثه في الصحيحين. الميزان: 3/ 76. والكاشف: 2/ 24 وتهذيب التهذيب: 7/ 215.
(5) حفص بن سليمان المنقري التميمي البصري، ثقة، من السابعة، مات سنة ثلاثين ومئة. التقريب: 172. وانظر التهذيب: 2/ 402.(1/151)
المنقري عن الحسن (1) عن سمرة أن رسول الله ش " كان يسلم تسليمة تلقاء وجهه" (2) .
وقد رويت عن الصحابة في هذا الباب آثار منها:
__________
(1) الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه يسار بالتحتانية والمهملة الأنصاري مولاهم. ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرا ويدلس. قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز. ويقول: حدثنا وخطبنا، يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة. وهو رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة عشر ومئة. وقد قارب التسعين. التقريب: 160.
قلت: لقد تباينت آراء العلماء في سماع الحسن من سمرة بن جندب وغيره من الصحابة، فمنهم من أثبت السماع ومنهم من نفاه. قال ابن أبي حاتم: لم يسمع من جندب. قال عبد الغني في الكمال: وقدصح أن الحسن قال: حدثنا جندب. وهو صريح في السماع، وهو أولى من قول ابن ابي حاتم. وأما سماعه من سمرة ففيه ثلاثة مذاهب: الصحيح سماعه منه مطلقا.
وقال الحافظ: سمع الحسن من أبي هريرة في الجملة. وقصته في هذا شبيهة بقصته في سمرة سواء. التهذيب: 1/ 347
وقال القاضي ابن العربي: لم يسمع الحسن من أبي هريرة ولكن منقطع الحسن كمتصله لجلالته وثقته وأنه لا يقبل إلا ماصح نقله وممن يقبل خبره. العارضة 12/ 182. وممن نص على عدم سماع الحسن من أبي هريرة عبد الله بن الإمام أحمد في المسند 2/ 362. وفي جامع التحصيل ص 90، والتهذيب لابن حجر 1/ 347. عن ابن معين إذا روى الحسن ومحمد - يعني ابن سيرين - عن رجل فسمياه فهو ثقة.
(2) الحديث رواه ابن عدي في الكامل: 5/ 2005. وكذلك أورده الذهبي في الميزان: 3/ 76. وهو حديث ضعيف، ضعفه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام. انظر: نصب الراية: 1/ 434.(1/152)
7/ ما رواه عبد الرزاق (1) عن جعفر (2) بن سليمان قال:
أخبرني الصلت (3) بن دينار. قال: سمعت الحسن يقول: (كان رسول الله ش وأبو بكر وعمر وعثمان يسلمون تسليمة واحدة. قال الصلت: وصليت خلف عمر بن عبد العزيز فسلم واحدة) (4)
__________
(1) عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ مصنف شهير، عمي في آخر عمره، فتغير، وكان يتشيع، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة (ومئتين) ، وله خمس وثمانون. التقريب: 354 والتهذيب: 6/ 210.
(2) جعفر بن سليمان الضبعي، بضم المعجمة وفتح الموحدة، أبو سليمان البصري، صدوق زاهد، لكنه كان يتشيع، من الثامنة، مات سنة ثمان وسبعين ومئة. التقريب: 140. التهذيب: 2/ 95.
(3) الصلت بن دينار الأزدي الهنائي، البصري، أبو شعيب المجنون، مشهور بكنيته، متروك، ناصبي، من السادسة. التقريب: 277 والتهذيب: 4/ 434 وتهذيب الكمال: 13/ 21.
(4) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (3145) وابن عبد البر في الاستذكار: 4/ 296. ونص على
إرساله. ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 272. وهو ضعيف جدا من خلال الإسناد. وأورده الحافظ في المطالب العالية: 1/ 228.(1/153)
8/ ومنها ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج (1) قال: أخبرني نافع (2) وسألته كيف كان ابن عمر يسلم إذا كان إمامكم؟ قال: عن يمينه واحدة السلام عليكم) (3) .
9/ وقال عبد الرزاق عن معمر (4) عن رجل (5) من عبد القيس عن نافع عن ابن عمر مثله قال معمر: وكان الحسن (6) والزهري (7) يفعلان مثل فعل ابن عمر (8) .
__________
(1) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل، وكان يرسل ويدلس، من السادسة، مات سنة خمسين ومئة أو بعدها، وقد جاز السبعين. وقيل: جاز المئة. ولم يثبت. التقريب: 2/ 363. التهذيب: 6/ 402
(2) نافع أبو عبد الله المدني، مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه، مشهور، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومئة. أو بعد ذلك. التقريب: 559. التهذيب: 10 / 412.
(3) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: (3142) وابن أبي شيبة في المصنف 1/ 300. وهو من خلال الإسناد صحيح
(4) معمر بن راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، وكذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين (ومئة) وهو ابن ثمان وخمسين سنة. التقريب: 541. التهذيب: 10 / 234. الميزان: 4/ 154.
(5) رجل من عبد القيس، مجهول.
(6) الحسن هو ابن أبي الحسن، لم يدركه معمر. قال عبد الرزاق عن معمر طلبت العلم سنة مات الحسن. التهذيب: 10/ 244.
(7) محمد بن شهاب هو محمد بن مسلم بن شهاب بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أبو بكر الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة خمس وعشرين (ومئة) . وقيل قبل ذلك بستة أو ستين. التقريب: 506.التهذيب: 9/ 445.
(8) هذا الأثر لم أطلع عليه في غير مصنف عبد الرزاق رقم (3143) ، وفيه مجهول، وكذلك معمر لم يدرك الحسن، وعليه فهو ضعيف.(1/154)
10/ وقال عبد الرزاق عن هشام (1) بن حسان: أن الحسن وابن سيرين (2) كانا يُسَلِّمَانِ في الصلاة واحدة (3) .
11/ عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء (4) : كيف تصنع إذا صليت لنفسك؟ قال: أسلم عن يماني قط (5) .
__________
(1) هشام بن حسان الأزدي القردوسي بالقاف وضم الدال أبو عبد الله البصري، ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال؛ لأنه قيل: كان يرسل عنهما، من السادسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين (ومئة) . التقريب: 572. التهذيب: 11/ 34 وميزان الاعتدال: 4/ 295 والكامل لابن عدي: 2570 والعبر: 1/ 160.
(2) محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة، ثقة ثبت، عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة، مات سنة عشر ومئة. التقريب: 483. التهذيب: 9/ 214.
(3) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (3144) ، وهذا الأثر أرى أنه كسابقه في الضعف قال أبو داود: تكلموا في حديثه عن الحسن وعطاء؛ لأنه كان يرسل وكانوا يرون أنه أخذ كتب حوشب. التهذيب: 11/ 37. ورواه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301.
(4) عطاء: هو ابن أبي رباح بفتح الراء الموحدة، واسم أبي رباح: أسلم القرشي مولاهم المكي. ثقة فاضل، لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومئة. التقريب: 391 والتهذيب: 7/ 199.
(5) رواه عبد الرزاق رقم (3146) وهو صحيح إلى عطاء.(1/155)
12/ ومنها ما رواه الحارث (1) بن أبي سامة قال: حدثنا محمد (2) بن عمر ثنا سعيد (3) ابن مسلم بن بانك عن أبي مالك (4) الحميري عن عطاء (5) بن يسار أن رسول الله ش سلَّم عن يمينه تسليمة واحدة) (6) .
13/ قال الحارث: حدثنا محمد بن عمر ثنا داود (7) بن خالد وابن أبي سبرة (8)
__________
(1) الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي صاحب المسند، سمع علي بن عاصم ويزيد بن هارون، وكان حافظا عارفا بالحديث. عالي الإسناد بالمرة، تُكلم فيه بلا حجة. قال الدارقطني: اختلف فيه، وهو عندي صدوق. وقال ابن حزم: ضعيف. ولينه بعض البغاددة لكونه يأخذ على الرواية.، مات سنة اثنتين وثمانين ومئتين. ميزان الاعتدال: 1/ 442 وتاريخ بغداد: 8/ 218 والأنساب: 3/ 78 والسير: 13/ 388 والعبر: 2/ 68 والثقات: 8/ 183.
(2) محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي المدني القاضي، نزبيل بغداد، متروك مع سعة علمه، من التاسعة. التقريب: 298 والتهذيب: 9/ 363.
(3) سعيد بن مسلم بن بانك بموحدة ونون مفتوحة المدني. أبو مصعب. ثقة من السادسة. التقريب 241. وانظر التهذيب: 4/ 82.
(4) أبو مالك الحميري، لم أعرفه.
(5) عطاء بن يسار الهلالي أبو محمد المدني، مولى ميمونة، ثقة فاضل، صاحب مواعظ،وعبادة. من صغار الثانية، مات سنة أربع وتسعين وقيل بعد ذلك. التقريب: 392 وتهذيب التهذيب: 7/ 217.
(6) رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده. انظر البغية: 1/ 291. وذكره البصيري في الإتحاف: 4/ 421. وقال فيه الواقدي: وهو ضعيف. وذكره الحافط في المطالب العالية: 1/ 129. وعزاه للحارث. قلت: وهو مرسل ضعيف جدا؛ لأن الواقدي متروك.
(7) داود بن خالد بن دينار المدني صدوق، من السابعة. التقريب: 198 والتهذيب: 3/ 182.
(8) ابن أبي سبرة هو أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة المدني القاضي الفقيه، روى عبد الله وصالح أبناء أحمد عن أبيهما قال: كان يضع الحديث.
وقال أبو داود: كان مفتي أهل المدينة. وروى عباس عن ابن معين قال: قدم هاهنا فاجتمعوا فقال: عندي سبعون ألف حديث إن أخذتم عني كما أخذ عني ابن جريج وإلا فلا. وقال النسائي:
متروك. وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. التاريح الكبير: 9/ 9. الميزان: 4/ 503.(1/156)
وسليمان (1) بن بلال وعلي (2) بن عمر بن عطاء جميعا عن عمر بن عطاء (3) عن عكرمة (4) عن ابن عباس أنه سلم واحدة تجاه القبلة (5) .
14/ وقال الحارث: حدثنا محمد بن عمر ثنا عبد الرحمن (6) بن عبد العزيز سمع الزهري يقول: رأيت قبيصة (7) بن ذؤيب إذا سلم سلم واحدة تجاه القبلة
__________
(1) سليمان بن بلال التيمي مولاهم أبو محمد المدني. ثقة من الثامنة. مات سنة سبع وسبعين ومئة. التقريب: 250 والتهذيب: 4/ 175.
(2) علي بن عمر بن عطاء، لم أعرفه.
(3) عمر بن عطاء بن وراز. بفتح الواو والراء الخفيفة، آخره زاي. حجازي، ضعيف، من السادسة. التقريب: 416 والتهذيب: 7/ 483.
(4) عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس أصله بربري، ثقة ثبت عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر ولا ثبت عنه بدعة. من الثالثة.مات سنة أربع ومئة. وقيل بعد ذلك. التقريب: 397.
(5) الأثر رواه الحارث بن أبي أسامة. انظر بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: 1/ 292. وعزاه المحقق إلى البصيري في الإتحاف: 4/ 422. وقال: ضعيف لضعف الواقدي؛ لأنه متروك.
(6) عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان بن حنيف الأنصاري الأوسي أبو محمد المدني الأُمَامِي بالضم، صدوق يخطئ، من الثامنة. مات سنة اثنتين وستين ومئة، وهو ابن بضع وسبعين. التقريب: 345. التهذيب: 6/ 220.
(7) قبيصة بن ذؤيب بالمعجمة مصغرا ابن حلحلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة الخزاعي أبو سعيد أو أبو إسحاق المدني، نزيل دمشق من أولاد الصحابة، وله رؤية، مات سنة بضع وثمانين. التقريب: 453.(1/157)
15/ قال الزهري: فذكرت ذلك لعبد الله (1) بن موهب قال: سألت قبيصة عن ذلك فقال: رأيت زيد بن ثابت (يسلم واحدة تجاه القبلة) (2) .
16/ وقال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو خالد (3) الأحمر عن حميد قال: كان أنس يسلم واحدة (4) .
__________
(1) عبد الله بن موهب الشامي أبو خالد قاضي فلسطين لعمر بن عبد العزيز، ثقة لكن لم يسمع من تميم الداري، من الثالثة. التقريب: 325. التهذيب: 6/ 47.
(2) أخرجه الحارث بن أبي أسامة. انظر: البغية 1/ 293. وذكره البصيري في الإتحاف: 4/ 422 وذكره الحافظ في المطالب العالية: 1/ 130. وعزاه للحارث. والأثر ضعيف جداً لضعف الواقدي؛ لأنه متروك.
(3) أبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان الأزدي أبو خالد الأحمر الكوفي، صدوق يخطئ، من الثامنة. مات سنة تسعين ومئة. أو قبلها، وله بضع وسبعون. التقريب: 250 والتهذيب: 4/ 181. وتهذيب الكمال: 11/ 394.
(4) رواه ابن أبي شيبة: 1/ 301. والأثر أرى أنه ضعيف؛ لأن سليمان بن حيان صدوق يخطئ، وحميد اختُلف في سماعه من أنس ولعله يرتقي بالمنابع والشاهد.(1/158)
17/ وروى أبو خالد عن سعيد (1) بن مرزبان قال: صليت خلف ابن أبي ليلى (2) فسلم واحدة (3) .
18/ وقال ابن أبي شيبة: حدثنا يزيد (4) بن الزبرقان أن أباوائل (5) كان يسلم تسليمة واحدة (6) .
__________
(1) سعيد المرزبان العبسي مولاهم، أبو سعد البقال الكوفي الأعور، ضعيف مدلس، مات بعد الأربعين ومئة، من الخامسة. التقريب: 241 ووثَّقه أبو أسامة. وقال أبو حاتم: يحتج بحديثه. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وقال في موضع آخر: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. وقال ابن عدي: حدث عنه شعبة والثوري وابن عيينة وغيرهم من ثقات الناس. وله من الحديث شيء صالح، وهو من جملة ضعفاء الكوفة الذين يجمع حديثهم ولا يترك. التهذيب: 4/ 79 وتهذيب الكمال: 11/ 52.
(2) عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني، ثم الكوفي، ثقة، من الثانية. اختلف في سماعه من عمر مات بوقعة الجماجم سنة ثلاث وثمانين. وقيل: إنه غرق. التقريب: 349 والتهذيب: 6/260 وتهذيب الكمال: 17/ 372.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301. والأثر فيه سليمان بن حيان، صدوق يخطئ، ولم أجد له متابعا وعليه يكون الأثر ضعيفا.
(4) يزيد بن الزبرقان: لم أجده.
(5) أبو وائل شقيق بن سلمة الكوفي: مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة. التقريب: 268 والتهذيب: 4/ 361 وتهذيب الكمال: 12/ 448.
(6) الأثر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 301. وابن عبد البر في الاستذكار: 4/ 296. وفيه يزيد ابن الزبرقان: لم أجده.(1/159)
19/ وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع (1) عن يزيد (2) بن أدهم قال: رأيت أنسا والحسن وأبالعالية (3) وأبا رجاء (4) يسلمون تسليمة (5) .
__________
(1) وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي بضم الراء وهمزة ثم مهملة أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة، مات في آخر سنة ست وأول سنة سبع وتسعين ومئة، وله سبعون سنة. التقريب:581. التهذيب: 11/ 123.
(2) كذا حصل في المصنف: 1/ 301، والصواب:يزيد بن درهم أبو العلاء عن أنس، وثقه
الفلاس. وقال ابن معين: ليس بشيء. عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا يزيد بن درهم سمعت أنسا {وجعلنا بينهم موبقا} قال: نهر في جهنم من قيح ودم. الميزان: 4/ 421 واللسان:
6/ 285. وقال الحافظ: ذكره ابن حبان في الثقات فقال: كان يخطئ كثيرا روى عنه وكيع، وذكره الساجي والعقيلي وابن الجارود في الضعفاء.
(3) أبو العالية هو رويفع بالتصغير بن مهران أبو العالية الرياحي بكسر الراء والتحتانية، ثقة كثير الإرسال، من الثانية، مات سنة تسعين، وقيل: ثلاث وتسعين. وقيل: بعد ذلك. التقريب: 210. التهذيب:3/284.
(4) أبو رجاء هومحمد بن سيف الأزدي الحراني بضم المهملة وتشديد الدال أبو رجاء البصري ثقة، من السادسة. التقريب: 483.
(5) الأثر رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 10 / 301. ومن خلال الإسناد أرى أنه حسن لغيره.(1/160)
20/ وقال وكيع عن سليمان (1) بن زيد قال: رأيت ابن أبي أوفى (2) يسلم تسليمة (3) .
21/ وقال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى (4) بن سعيد القطان عن وفاء (5) أن سعيد (6) ابن جبير كان يسلم تسليمة (7) .
__________
(1) سليمان بن زيد أبو إدام المحاربي عن ابن أبي أوفى كذبه ابن معين. ديوان الضعفاء: 131. وقال في الميزان (2/ 208) عن يحيى: ليس بثقة. وقال مرة: لا يساوي حديثه فلسا. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: لا يحتج به.
(2) عبد الله بن أبي أوفى " واسمه علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي أبو معاوية. وقيل أبو إبراهيم. وقيل: أبو محمد بايع تحت الشجرة وهو آخر الصحابة بالكوفة. تجريد أسماء الصحابة: 4/38 معرفة الصحابة: 1592.
(3) رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301 وهو ضعيف لضعف سليمان بن زيد.
(4) يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة متقن حافظ إمام قدوة، من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة، وله ثمان وسبعون. التقريب: 591 والتهذيب: 11/ 216 وتهذيب الكمال: 31/ 329.
(5) وفاء: بكسر أوله وقاف: ابن إياس الأسدي أبو يزيد الكوفي، لين الحديث من السادسة. التقريب: 581 والتهذيب: 11/122.
(6) سعيد بن جبير الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه من الثالثة، قتل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين، ولم يكمل الخمسين. التقريب: 234 والتهذيب: 4/ 11.
(7) الأثر رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301. وهو ضعيف لضعف وفاء بن إياس.(1/161)
22/ وقال ابن أبي شيبة: حدثنا مصعب (1) بن المقدام قال: أنا إسرائيل (2) عن عمران (3) بن مسلم عن سويد (4) أنه كان يسلم تسليمة واحدة (5) .
23/ وقال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل (6) بن قيس أنه كان يسلم تسليمة (7) .
الفصل الثاني
__________
(1) مصعب بن المقدام الخثعمي مولاهم أبو عبد الله الكوفي، صدوق له أوهام، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين. التقريب: 533 والتهذيب: 10 / 165.
(2) إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني أبو يوسف الكوفي، ثقة تُكُلم فيه بلا حجة، من السابعة، مات سنة ستين ومئة. وقيل: بعدها. التقريب: 104 والتهذيب: 1/ 262 وتهذيب الكمال: 2/ 515.
(3) عمران بن مسلم الجعفي الكوفي الأعمى ثقة، من السادسة. التقريب: 430 والتهذيب: 8 /139 وتهذيب الكمال:22/354.
(4) سويد بن غفلة بفتح المعجمة والفاء أبو أمية الجعفي مخضرم من كبار التابعين قدم المدينة يوم دفن رسول الله ش، وكان مسلما في حياته، ثم نزل الكوفة، ومات سنة ثمانين، وله مئة وثلاثون سنة. التقريب: 260 والتهذيب: 4/ 278 وتهذيب الكمال: 12/ 265 وطبقات ابن سعد: 6/ 68 وتاريخ ابن معين: 2/ 244.
(5) الأثر رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301 وابن عبد البر في الاستذكار: 4/ 296، وهو من خلال إسناده حسن.
(6) إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت الأنصاري أبو مصعب عن أبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري. قال البخاري والدارقطني: منكر الحديث. وقال النسائي وغيره: ضعيف. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه منكر. الميزان: 1/ 245 واللسان: 1/ 429 والضعفاء للعقيلي: 1/ 91. والكامل لابن عدي: 1/ 296 والمجروحين: 1/ 120
(7) الأثر رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 301، وهو صحيح إلى إسماعيل.(1/162)
وقد خصَّصتُه للأحاديث الواردة في التسليمتين، وهي كثيرة، وفيها الصحيح والحسن والضعيف، وما كان منها في الصحيحين فإني لا أتكلم على إسناده؛ لعدم الحاجة إلى ذلك. أما ما لم يكن فيهما أو في أحدهما، فإني أتكلم على إسناده، وقد سلكت فيه نفس المسلك في الكلام على الرواة على ما تقدم في الفصل الأول، وقد صدرتُه بحديث عبد الله بن مسعود أصله في صحيح مسلم.
فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن أبي عمر أن أميرا كان بمكة يسلم تسليمتين فقال عبد الله (يعني ابن مسعود) : أنى علقها (1) ؟ فإن رسول الله ش كان يفعله".
__________
(1) من أين تعلمها وممن أخذها؟ . النهاية: 3/ 288.(1/163)
وقال أحمد (1) بن حنبل: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة (2) عن الحكم (3) عن مجاهد (4) عن ابن عمر عن عبد الله قال: سمعته مرة رفعه ثم تركه، رأى أميرا أو رجلا سلم تسليمتين فقال: أنى عقلها (5) .
ورواه البيهقي في السنن الكبرى. وقال: رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن يحيى بن سعيد القطان، إلا أنه قال: أنى علقها. وقال: ولهذا الحديث شواهد عن
عبد الله ابن مسعود عن النبي ش (6) .
ورواه أصحاب السنن وغيرهم.
__________
(1) أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي نزيل بغداد، أبو عبد الله أحد الأئمة، ثقة حافظ فقيه حجة، وهو رأس الطبقة العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين (ومئتين) ، وله سبع وسبعون. التقريب: 84.
(2) شعبة هو ابن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري، ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث. وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة، وكان عابدا، من السابعة، مات سنة ستين (ومئة) . التقريب: 266 والتهذيب 4/ 338.
(3) الحكم بن عتبة بالمثناة ثم الموحدة مصغرا، أبو محمد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه، إلا أنه ربما دلس، من الخامسة، مات سنة ثلاث عشرة ومئة، أو بعدها. وله نيف وستون. التقريب: 175 والتهذيب 2/ 432.
(4) مجاهد بن جبر أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي ثقة إمام في التفسير وفي العلم. من الثالثة. مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومئة. التقريب: 520.
(5) مسلم في كتاب المساجد، باب السلام للتحليل في الصلاة، حديث (117) .
(6) البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 251.(1/164)
24/ قال الإمام النسائي: أخبرنا محمد (1) بن المثنى قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا زهير (2) عن أبي إسحاق (3)
__________
(1) محمد بن المثنى بن عبيد العنزي، بفتح النون والزاي، أبو موسى البصري، المعروف بالزمن، مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت، من العاشرة، وكان هو وبندار فرسي رهان، وماتا في سنة واحدة. التقريب: 505 والتهذيب: 9/ 425 وتهذيب الكمال: 26/ 359 والكاشف: 3/ الترجمة 5215 وتاريخ البخاري الصغير: 2/ 396 والجرح والتعديل: 8/ 409 والثقات لابن حبان: 9/ 111.
(2) زهير بن معاوية بن حديج أبو خيثمة الجعفي الكوفي، نزيل الجزيرة، ثقة ثبت إلا أن سماعه من أبي إسحاق بآخرة، من السابعة، مات سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وسبعين (ومئة) ، وكان مولده سنة مئة. التقريب: 218. قلت: تكلموا في روايته عن أبي إسحاق وهنا يروي عنه. قال أحمد: في حديثه عن أبي إسحاق لين سمع منه بآخرة. وقال أبو زرعة: ثقة إلا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط. التهذيب: 3/ 351 وتهذيب الكمال: 9/ 420 وطبقات ابن سعد:
6/ 376. والكاشف: 1/ 327 والجرح والتعديل: 3/ الترجمة 2674 والميزان: 2/ الترجمة 2921 والسير: 8/ 61. وتذكرة الحفاظ: 1/ 233.
(3) أبو إسحاق السبيعي هوعمرو بن عبد الله بن عبيد، ويقال: ابن علي. ويقال: ابن أبي شعيرة الهمداني: ثقة مكثر عابد، من الثالثة. اختلط بآخرة، مات سنة تسع وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك. التقريب: 423. قال الذهبي: هومن أئمة التابعين بالكوفة وأثباتهم، إلا أنه شاخ ونسي ولم يختلط. وقد سمع منه سفيان بن عيينة،وقد تغير قليلا. وقال الفسوي: فقال بعض أهل العلم: كان قد اختلط وإنما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه. الميزان: 3/ الترجمة: 6393 والكاشف:
2/ 82.(1/165)
عن عبد الرحمن (1) بن الأسود
عن الأسود (2) وعلقمة (3) عن عبد الله قال: 0 رأيت رسول الله ش يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود ويسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده، ورايت أبابكر وعمر رضي الله عنهما يفعلان ذلك) (4) .
__________
(1) عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث بن عبد مناف بن زهرة الزهري ولد على عهد النبي ش، ومات أبوه في ذلك الزمان فَعُدَّ لذلك من الصحابة. وقال العجلي: من كبار التابعين. التقريب: 336 والكاشف:1/ 621. وتجريد أسماء الصحابة للذهبي: 1/ 343 وقال: لا تصح له رؤية. قلت: لكن ترجمه الحافظ في الإصابة القسم الأول: 4/ 151 (5072) وقال: مات أبوه قبل الهجرة كيف لا تصح له رؤية فإن أباه الأسود كان من المستهزئين، وقد مات قبل الهجرة.
(2) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمرو أو أبو عبد الرحمن مخضرم ثقة مكثر فقيه من الثانية، مات سنة أربع أو خمس وسبعين. التقريب: 111 والتهذيب: 1/ 342.
(3) علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي ثقة ثبت فقيه عابد من الثانية، مات بعد الستين. وقيل بعد السبعين. التقريب 397 والتهذيب 7/ 276.
(4) والحديث أخرجه النسائي في سننه الصغرى: 3/ 63. وفي سننه الكبرى: 1/ 392. وأبو يعلى الموصلي (5313) وأحمد (3660) والطيالسي في مسنده. انظر منحة المعبود: 469 والطبراني في الكبير (10172) والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 252. وزاد: وكان أبو الحسن الدارقطني - رحمه الله - يستحسن هذه الرواية ويقول: هي أحسنها إسنادا كلهم من طريق زهير عن أبي إسحاق. قلت: وكلام الدارقطني السابق هو في السنن: 1/ 357 بعد روايته للحديث، والحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن زهيرا يروي عن أبي إسحاق بعد الاختلاط.(1/166)
ورواه الترمذي من طريق أبي الأحوص: فقال: حدثنا عبد الرحمن (1) بن مهدي أخبرنا سفيان (2) عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص (3) عن عبد الله عن النبي ش " أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله" (4)
__________
(1) عبد الرحمن بن مهدي العنبري أبو سعيد، البصري ثقة ثبت حافظ، عارف بالرجال والحديث، مات سنة ثمان وسبعين ومئة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. التقريب: 350 والتهذيب: 6/ 279. وتهذيب الكمال: 17/ 430 وطبقات ابن سعد: 7/ 297.
(2) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام من رؤوس الطبقة السابعة، وكان يدلس، مات سنة إحدى وستين ومئة، وله أربع وستون سنة. التقريب: 244. والتهذيب: 4/ 111 وتهذيب الكمال: 11/ 154 وطبقات ابن سعد: 6/ 371 وتاريخ بغداد: 9/ 151 وتهذيب الأسماء واللغات: 1/ 222.
(3) أبو الأحوص هو عوف بن مالك بن نضلة الجشمي أبو الأحوص الكوفي مشهور بكنيته، ثقة من الثالثة، قتل في ولاية الحجاج على العراق. التقريب: 433 والتهذيب: 8/ 169 وتهذيب الكمال: 22/ 443 وطبقات ابن سعد: 4/ 280 وتاريخ البخاري الكبير: 7/ الترجمة 256 والصغير: 1/ 39 - 125 والجرح والتعديل: 7/ الترجمة 61. والكاشف: 2/ الترجمة 4377.
(4) الحديث في سنن الترمذي: 2/ 89. وقال: حسن صحيح وأبي داود رقم (996) عن أبي الأحوص عن عبد الله.وقال: قال إسرائيل عن أبي الأحوص والأسود عن عبد الله أن النبي ش "كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده. السلام عليكم ورحمة الله. السلام عليكم ورحمة الله " قال أبو داود: هذا لفظ سفيان وحديث إسرائيل عن أبي إسحاق لم يفسره. قال أبو داود: ورواه زهير عن أبي إسحاق ويحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي الأحوص عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله. قال أبو داود: شعبة كان ينكر هذا الحديث، حديث أبي إسحاق أن يكون مرفوعا , ورواه النسائي في سننه الصغرى: 3/ 63 والكبرى: 1/ 394. وأحمد في المسند (3699) وابن الجارود في المنتقى: 1/ 191 وابن حيان في صحيحه: 3/ 222. والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 267 وعبد الرزاق في المصنف (3130) والطبراني في الكبير (10173) من طرق عن سفيان به، والبغوي في شرح السنة: 1/ 204، ونقل تصحيح الترمذي كلهم من طريق سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص ورواه البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 251 من طريق بن واقد عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود وأبي الأحوص به. والطبراني في الكبير (10176) من طريق يزيد بن هارون عن عبد الملك بن الحسين عن أبي إسحاق عن الأسود وعلقمة ومسروق وعبيدة السلماني عن عبد الله. والحديث صحيح.(1/167)
وقال عقبه: حديث ابن مسعود حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أصحاب النبي ش ومَنْ بعدهم. وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق.
وروي من طريق أخرى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود، ولكنها ضعيفة.
قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن جابر (1) عن أبي الضحى (2) عن مسروق (3) عن عبد الله قال: ما نسيت فيما نسيت أن رسول الله ش كان يسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى - أو نرى - بياض خديه) (4)
__________
(1) جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله الكوفي، ضعيف، رافضي. من الخامسة. مات سنة سبع وعشرين ومئة. وقيل سنة اثنتين وثلاثين. التقريب: 137. وقال الذهبي: جابر بن يزيد مشهور عالم قد وثقه شعبة والثوري وغيرهما. وقال أبو داود: ليس عندي بالقوي.وقال النسائي: متروك. وكذبه بعضهم. وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. المغني: 1/ 126. وقال ابن حبان: كان سبئيًّا من أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان يقول: إن عليا عليه السلام يرجع إلى الدنيا. ونقل عن أبي حنيفة أنه قال: ما رأيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي، ماأتيته بشيء قط من رأْيٍ إلا جاءني فيه بحديث. المجروحين: 1/ 208 والتهذيب: 2/ 46.
(2) مسلم بن صبيح بالتصغير الهمداني أبو الضحى الكوفي العطار مشهور بكنيته، ثقة فاضل، من الرابعة. مات سنة مائة. التقريب: 530 والتهذيب: 10/132.
(3) مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني، الوادعي أبو عائشة الكوفي، ثقة فقيه عابد. مخضرم. من الثانية، مات سنة اثنتين، ويقال: سنة ثلاث وستين. التقريب: 528 والتهذيب: 10/109.
(4) والحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند: 6/ 234. والطبراني في الكبير (10178) من طريق أبي نعيم عن سفيان عن جابر بهذا الإسناد. وأخرجه أيضاً (10180) من طريق الأعمش و (10181) من طريق إبراهيم عن أبي الضحى و (10183) من طريق المغيرة عن أبي الضحى و (10184) ومن طريق خالد الحذاء عن أبي الضحى. وأخرجه أيضا (10182) من طريق الشعبي عن أبي الضحى به. وأخرجه الطبراني أيضا (10185) و (10186) . وابن حبان: 3/223. والبيهقي في السنن الكبرى: 3/223. من طريق الشعبي عن مسروق به وأخرجه الطبراني في الكبير (10187) . و (10188) من طريقين عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود مختصرا. وأيضا (10189) ومن طريق هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله. والحديث من هذا الطريق ضعيف.(1/168)
ورواه الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة.
فقال: حدثنا يحيى (1) بن إسحاق أخبرنا ابن لهيعة (2) عن محمد (3) بن عبد الله ابن مالك عن سهل بن سعد الأنصاري عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ش كان يسلم في صلاته عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خديه) (4) .
25/ وحديث وائل بن جحر رواه أبو داود الطيالسي فقال:
__________
(1) يحيى بن إسحاق السيلحيني بمهملة ممالة وقد تصير ألفا ساكنة وفتح اللام وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم نون. أبو زكريا أو أبو بكر. نزيل بغداد صدوق من كبار العاشرة. مات سنة عشر ومئتين. التقريب: 587. قال أحمد: شيخ صالح ثقة صدوق. وقال ابن معين: صدوق. وقال ابن سعد: ثقة حافظ لحديثه. التهذيب: 11/ 176 وتهذيب الكمال: 31/ 194.
(2) عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء: ابن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي، صدوق من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون، مات سنة أربع وسبعين ومئة، وقد ناف على الثمانين. التقريب: 319 قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وإتقانه وضبطه. قال الذهبي عقب هذا الكلام: قلت: العمل على تضعيف حديثه. الكاشف: 2/ 122. وتهذيب الكمال: 15 / 487. وطبقات ابن سعد: 7/ 516. وتاريخ الدوري: 2/ 327. وتاريخ البخاري الكبير: 5/ الترجمة 574 والصغير: 2/ 207-245. والمعرفة ليعقوب: 1/ 185 - 164 - 165
(3) محمد بن عبد الله بن مالك الداري المدني عن أم سلمة وسهل بن سعد ومحمد بن عمرو بن عطاء. وعنه ابن لهيعة وعطاف بن خالد وغيرهما. وذكره ابن حبان في الثقات.وقال: عداده في أهل المدينة. تعجيل المنفعة: 367. والثقات لابن حبان: 5/ 361.
(4) الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند (3933) ، وهو في أصله صحيح، ولكنه هنا ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة.(1/169)
حدثنا المسعودي (1) عن عبد الجبار (2) بن وائل قال: حدثني بعض أهل بيتي عن أبي " أنه صلى مع النبي ش فسلم عن يمينه وعن شماله) (3) .
وأخرجه أبو داود السجستاني بزيادة: وبركاته. فقال:
__________
(1) المسعودي هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي المسعودي، صدوق اختلط قبل موته وضابطه: أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، من السابعة، مات سنة ستين. وقيل سنة خمس وستين ومئة. التقريب: 344. والتهذيب: 6/ 212 -213. وتهذيب الكمال: 16/ 393. وتاريخ بغداد: 10 /218 - 222
(2) عبد الجبار بن وائل بن حجر بضم المهملة وسكون الجيم، ثقة، لكنه أرسل عن أبيه، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة ومئة. التقريب: 332. والتهذيب: 6/ 105. وتهذيب الكمال: 16/ 393. وطبقات ابن سعد: 6/ 312
(3) سيأتي تخريجه إن شاء الله.(1/170)
حدثنا عبدة (1) بن عبد الله حدثنا يحيى بن آدم (2) حدثنا موسى (3) بن قيس الحضرمي عن سلمة (4) بن كهيل عن علقمة (5) بن وائل عن أبيه قال: صليت مع النبي ش (فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) (6)
__________
(1) عبدة بن عبد الله الصفار الخزاعي أبو سهل البصري، كوفي الأصل، ثقة، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين (ومئتين، وقيل قبل ذلك) . التقريب: 369 والتهذيب: 6/ 460. وتهذيب الكمال: 18/ 537.
(2) يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، أبو زكريا، مولى بني أمية، ثقة حافظ فاضل، من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث (ومئتين) . التقريب: 587. والتهذيب: 11/ 175. وتهذيب الكمال: 31 / 188. وطبقات ابن سعد: 6/ 402.
(3) موسى بن قيس الحضرمي أبو محمد الفراء الكوفي، يلقب عصفور الجنة، صدوق رمي بالتشيع، من السادسة. التقريب: 553. والتهذيب: 10/ 366. وقد وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال أحمد: لا أعلم إلا خيرا. وقال العقيلي: هو من الغلاة في الرفض. وتهذيب الكمال: 29 / 134. وطبقات ابن سعد: 6/ 367.
(4) سلمة بن كهيل الحضرمي، أبو يحيى الكوفي، ثقة، من الرابعة، مات سنة ثلاث وعشرين ومئة على أكثر الأقوال. التقريب: 248. والتهذيب: 4/ 155. وتهذيب الكمال: 11/ 313. وطبقات ابن سعد: 6/ 316.
(5) علقمة بن وائل بن حجر، بضم المهملة، وسكون الجيم. الحضرمي، الكوفي، صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه. التقريب: 397. وقال في التهذيب: 7/ 280: روى عن أبيه والمغيرة بن شعبة وطارق بن سويد علىخلاف فيه. وذكره ابن حبان في الثقات: 5/ 209. وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.وحكى العسكري عن ابن معين أنه قال: علقمة بن أبي وائل عن أبيه مرسل. ولم يحك المزي خلافا في سماعه من أبيه. تهذيب الكمال: 20 / 312.
(6) الحديث أخرجه الطيالسي بالإسناد الأول. انظر منحة المعبود: 1/ 104. ورواه أبو داود بالإسناد الثاني (997) والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 269. والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 254 والدولابي في الكنى: 1/ 196. قلت: والزيادة الواردة في الإسناد الاتي صححها الأئمة. قال النووي في الخلاصة: 1/ 444: رواه أبو داود بإسناد صحيح، وكذا قال في المجموع: 3/ 479. والحافظ في بلوغ المرام: 64 وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام. كما ذكر الشيخ ناصر في الإرواء: 2/ 32. وأقر تصحيحه. وقد اختلف حكم الحافظ عليه: فمرة صححه كما قدمنا. ومرة أعله بالانقطاع. قال في التلخيص: 1/ 171: وحديث وائل بن حجر رواه أبو داود والطبراني من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه، ولم يسمع منه. قال الصنعاني: نسبه المصنف في التلخيص إلى عبد الجبار بن وائل. وقال: لم يسمع من أبيه فأعله بالانقطاع. وهنا أي في بلوغ المرام قال: صحيح. وراجعنا سنن أبي داود فرأيناه رواه علقمة بن وائل عن أبيه، وقد صح سماع علقمة عن أبيه، خالف في التلخيص. وحديث التسليمتين رواه خمسة عشر من الصحابة بأحاديث مختلفة فيها صحيح وحسن وضعيف ومتروك، وكلها بدون زيادة وبركاته إلا في رواية وائل بن حجر هذه، ورواية ابن مسعود عند ابن ماجه وعند ابن حبان ومع صحة إسناد حديث وائل كما قال الحافظ في بلوغ المرام: يتعين قبول زيادته؛ إذ هي زيادة عدل وعدم ذكرها في رواية غيره ليست رواية لعدمها، وقد عرفت أن الوارد زيادة " وبركاته " وقد صحت ولا عذر عن القول بها. وقال به جماعة من العلماء. وقول ابن الصلاح: إنها لم تثبت قد تعجب منه الحافظ. وقال: هي ثابتة عند ابن حبان في صحيحه، وعند أبي داود وعند ابن ماجه. وقال في تلقيح الأفكار تخريج الأذكار للحافظ ابن حجر لما ذكر النووي أن زيادة وبركاته زيادة فردة ساق الحافظ طرقا عدة لزيادة وبركاته ثم قال: فهذه عدة طرق تثبت بها وبركاته بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ أنها رواية فردة. سبل السلام: 1/ 395. وانظر النيل: 2/ 334. وعون المعبود: 3/ 219 - 220.(1/171)
26/ وحديث سعدبن أبي وقاص أخرجه مسلم في صحيحه فقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو عامر العقدي حدثنا محمد بن جعفر عن إسماعيل ابن محمد عن عامر بن سعد عن أبيه قال: كنت أرى رسول الله ش يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده) (1) .
__________
(1) مسلم في كتاب المساجد، باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها، حديث 119/ 582. ورواه الدارمي في سننه: 1/ 222. والشافعي في مسنده: 1/ 98. والنسائي في سننه الصغرى: 3/ 61 وابن ماجه في سننه: 1/ 296 والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 267. والدارقطني في سننه: 1/ 356.والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 253. وابن حبان في صحيحه: 3/ 223. وابن خزيمة في صحيحه: 1/ 359. وقال هو وتلميذه ابن حبان، وكذلك البيهقي: إن إسماعيل ابن محمد ذكر هذا الحديث عند الزهري فقال: [هذا حديث لم أسمعه من حديث رسول الله ش قال إسماعيل: كل حديث النبي ش سمعته؟! قال: لا، قال: فالثلثين؟ قال: لا. قال: فالنصف.قال: لا. قال: فهو من النصف الذي لم تسمع] . وأورده ابن عبد البر في الاستذكار: 4/ 293 وأبو نعيم في الحلية في ترجمة عبد الله بن المبارك: 8/ 176(1/172)
27/ وحديث عمار بن ياسر رواه ابن ماجه في سننه فقال: حدثنا علي (1) ابن محمد ثنا يحيى بن آدم ثنا أبو بكر (2) بن عياش عن أبي إسحاق عن صلة (3) ابن زفر عن عمار بن ياسر قال: كان رسول الله ش (يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده السلام عليكم ورحمة الله) (4)
__________
(1) علي بن محمد بن إسحاق الطنافسي بفتح المهملة وتخفيف النون، وبعد الألف فاء، ثم مهملة، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث وقيل خمس وثلاثين (ومائتين) . التقريب: 405 والتهذيب: 7/ 378. وتهذيب الكمال: 2/ 120.
(2) أبو بكر بن عياش بتحتانية ومعجمة، بن سالم الأسدي المقرئ الحناط بمهملة ونون. مشهور بكنيته، والأصح أنها اسمه. وقيل: اسمه محمد. أو عبد الله أو سالم أو شعبة أو رؤبة. أو مسلم أو خداش أو مطرف أو حماد أو حبيب. عشرة أقوال. ثقة عابد، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح، من السابعة، مات سنة أربع وتسعين ومائة. وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين. وقد قارب المائة. وروايته في مقدمة صحيح مسلم. التقريب: 624 والتهذيب: 2/ 34. وترتيب ثقات العجلي:492. وتهذيب الكمال: 33/ 135.
(3) صلة بكسر أوله وفتح اللام الخفيفة بن زفر، بضم الزاي وفتح الفاء العبسي بالموحدة، أبو العلاء أو أبو بكر الكوفي، تابعي كبير، من الثانية، ثقة جليل، مات في حدود السبعين. التقريب: 278 والتهذيب: 4/ 437. وتهذيب الكمال: 13/ 233.
(4) والحديث رواه ابن ماجه: 1/ 296 بالسند المذكور، وكذلك الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 268. والدارقطني في سننه: 1/ 356. كلهم من رواية أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن صلة ابن زفر عن عمار بن ياسر قال: كان رسول الله ش يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله". هكذا هو في السنن عن عمار. قال الزيلعي تعليقا على هذه الرواية: وما وجدت ابن عساكر ذكره في الأطراف لكن ذكره في ترجمة صلة بن زفر عن حذيفة. ووجدت صاحب التنقيح عزاه لابن ماجه من حديث حذيفة ثم قال: ويوجد في بعض النسخ عوض حذيفة عمار بن ياسر. وهو وهم. وهذا الدارقطني ذكره عن عمار. نصب الراية: 1/ 431. والحديث حسن كما في الزوائد. انظر: سنن ابن ماجه:
1/ 296.(1/173)
28/ وحديث البراء بن عازب رواه ابن أبي شيبة فقال: حدثنا وكيع عن حريث (1) عن الشعبي (2) عن البراء بن عازب (أن النبي ش يسلم عن يمينه وعن شماله ويقول: السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده) (3) .
__________
(1) حريث بن أبي مطر الفزاري أبو عمرو بن عمرو الكوفي الحناط بالمهملة والنون: ضعيف، من السادسة. التقريب: 156. وقال في التهذيب: ضعفه ابن معين، وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه. وقال البخاري: فيه نظر. وقال مرة: ليس بالقوي عندهم. وقال النسائي
والدولابي: متروك. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الساجي: ضعيف الحديث عنده مناكير. وقال علي بن الجنيد والأزدي: متروك. وقال الحربي: ليس بحجة. وقال ابن حبان: كان ممن يخطئ. ولم يغلب خطؤه على صوابه، فيخرجه عن حيز العدالة، لكنه إذا انفرد بالشيء لا يحتج به. قال الآجري عن أبي داود: ضعيف. التهذيب: 2/ 234 وتهذيب الكمال: 5/ 562. وتاريخ يحيى برواية الدوري: 2/ 106.
(2) عامر بن شراحيل الشعبي أبو عمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل، من الثالثة، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه. مات بعد المائة، وله نحو الثمانين. التقريب: 287 والتهذيب: 5/ 65. وتهذيب الكمال: 14/ 28.
(3) الحديث رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 1/ 299. وأخرجه الدارقطني في السنن: 1/ 357 من نفس الطريق، وكذلك البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 252. والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 269. والحديث ضعيف لضعف حريث بن أبي مطر الفزاري.(1/174)
29/ وحديث عدي بن عمير أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار فقال: حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا يحيى (1) بن معين قال: ثنا المعتمر (2) بن سليمان قال: قرأت على الفضيل (3) : حدثني أبو حريز (4)
__________
(1) يحيى بن معين بن عون الغطفاني مولاهم، أبو زكريا البغدادي، ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل، من العاشرة، مات سنة ثلاث وثلاثين ومئتين بالمدينة المنورة، وله بضع وسبعون سنة. التقريب: 597 والتهذيب: 11/ 280. وتهذيب الكمال: 31/543. وطبقات ابن سعد: 7/ 354.
(2) المعتمر بن سليمان التيمي، أبو محمد البصري، يلقب بالطفيل، ثقة، من كبار التاسعة، مات سنة سبع وثمانين ومئة، وقد جاوز الثمانين. التقريب: 539 والتهذيب: 10 / 227 - 228. وتهذيب الكمال: 28 / 250.
(3) فضيل بن ميسرة، أبو معاذ البصري، صدوق، من السادسة. التقريب: 448 والتهذيب: 8/ 300 وتهذيب الكمال: 23/310.
(4) عبد الله بن حسين الأزدي، أبو حريز، بفتح المهملة وكسر الراء وآخره زاي، البصري، قاضي سجستان، صدوق يخطئ، من السادسة. التقريب: 300 والتهذيب: 5/ 187 وتهذيب الكمال: 14/ 420 وتاريخ البخاري الكبير: 5/ الترجمة 187(1/175)
أن قيس (1) بن أبي حازم حدثه أن عدي بن عميرة الحضرمي حدثه قال: كان رسول الله ش إذا سلم في الصلاة أقبل بوجهه عن يمينه حتى يرى بياض خده، ثم يسلم عن يساره، ويقبل بوجهه حتى يرى بياض خده الأيسر) (2)
__________
(1) قيس بن أبي حازم البجلي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من الثانية، مخضرم، ويقال له رؤبة، وهو الذي يقال: إنه اجتمع له أن يروي عن العشرة، مات بعد التسعين أو قبلها، وقد جاز المئة وتغير. التقريب: 456 والتهذيب: 8/ 386 وتهذيب الكمال: 24/10 وطبقات ابن سعد: 6/ 67 وتجريد أسماء الصحابة: 2/ 197.
(2) الحديث لم أطلع على من أخرجه غير الإمام الطحاوي فقد أخرجه في شرح معاني الآثار: 1/ 269. وعزاه الحافظ بن حجر في التلخيص لابن ماجه وحسن إسناده. التلخيص: 1/271. قلت: وليس هو في سنن ابن ماجه المطبوع، ولعل الحافظ اطلع على نسخة من ابن ماجه فيها هذا الحديث، والله أعلم. أما درجة الحديث فقد حسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني.(1/176)
30/ وحديث طلق بن علي: رواه الطحاوي من طريق علي (1) بن المديني ثنا ملازم (2) ابن عمرو، ثنا هوذة (3) بن قيس (4) بن طلق عن أبيه (5) عن جده طلق ابن علي قال: (كنا إذا صلينا مع رسول الله ش رأينا بياض خده الأيمن وبياض خده الأيسر) (6)
__________
(1) علي بن عبد الله بن جعفر السعدي مولاهم، أبو الحسن بن المديني، بصري، ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله، حتى قال البخاري: ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني، وقال فيه شيخه ابن عيينة: كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني. وقال النسائي: كأن الله خلقه للحديث، عابوا عليه إجابته في المحنة، لكنه تنصل وتاب، واعتذر بأنه كان خاف علىنفسه. من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين على الصحيح. التقريب 403. التهذيب: 7/ 347 وتهذيب الكمال: 21/ 5.
(2) ملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر أبو عمرو اليمامي، صدوق، من الثامنة. التقريب: 555 والتهذيب: 10 / 384 - 385 وتهذيب الكمال: 29 / 188 وتاريخ الدارمي: الترجمة 741. والتاريخ الكبير للبخاري: 8/ الترجمة 2215 والكنى للدولابي: 2/ 43 والجرح والتعديل: 8/ الترجمة 1989 وثقات ابن حبان: 9/ 195.
(3) هوذة بن قيس بن طلق اليمامي الحنفي عن أبيه عن جده، وعنه ابنه السري وملازم بن عمرو وغيرهما، وثقه ابن حبان. تعجيل المنفعة: 433.
(4) قيس بن طلق بن علي الحنفي، اليمامي، صدوق، من الثالثة، وهم من عده في الصحابة. التقريب: 457 والتهذيب: 8/ 398-399 وتهذيب الكمال: 24/ 56.
(5) طلق بن علي بن طلق بن عمرو، ويقال: ابن علي بن المنذر بن قيس بن عمرو، ويقال: هو طلق ابن قيس بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن عبد العنزي بن سحيم الحنفي السحيمي، يكنى أباعلي. مشهور، وله صحبة ووفادة ورواية. روى عنه ابنه قيس وابنته خلدة وعبد الله بن بدر وعبد الرحمن بن علي بن شيبان. الإصابة: 3/ 294.
(6) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 269 وعزاه الزيلعي في نصب الراية لأحمد والطبراني في الكبير. نصب الراية: 1/ 432. وكذلك الهيثمي في المجمع: 2/ 245. وقال: رجاله ثقات مع أن هوذة لم يوثقه غير ابن حبان.(1/177)
31/ وحديث المغيرة بن شعبة رواه الطبراني.
فقال: حدثنا الحسن (1) بن علي المعمري، حدَّثَنَا محمود (2) بن خالد الدمشقي قال: حدثنا أبي (3) .حدثنا عيسى (4)
__________
(1) الحسن بن علي بن شبيب المعمري الحافظ. قال الذهبي: تفرد برفع أحاديث تحتمل له. المغني: 1/ 162. وقال في الميزان: الحسن بن علي بن شبيب المعمري الحافظ واسع العلم والرحلة.سمع من علي ابن المديني وشيبان والطبقة وله غرائب وموقوفات يرفعها. قال الدارقطني: صدوق حافظ. وقال عبدان: ما رأيت في الدنيا صاحب حديث مثله. وقال البرديجي: ليس بعجب أن يتفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثا في كثرة ما كتب. وقال عبدان: سمعت فضلك الرازي وجعفر بن الجنيد يقولان: المعمري كذاب. ثم قال عبدان: حسداه لأنه كان رفيقهم فكان إذا كتب حديثا غريبا لا يفيدهما. وقد مات رحمه الله سنة خمس وتسعين ومائتين، وله اثنتان وثمانون سنة. الميزان: 1/ 504. وقال الحافظ في اللسان: 1/221-225: استقر الحال أخيرا على توثيقه.
(2) محمود بن خالد السلمي أبو علي الدمشقي: ثقة من صغار العاشرة، مات سنة تسع وأربعين ومائتين، وله ثلاث وسبعون. التقريب: 522. وفيه مات سنة سبع وأربعين، وهو خطأ. والتصويب من التهذيب: 10/ 61 وتهذيب الكمال: 27 / 295 والثقات: 9/ 202. والجرح والتعديل: 8/ الترجمة 1342. والكاشف: 3/ الترجمة 5411.
(3) خالد بن يزيد السلمي الدمشقي عن ليث بن أبي سليم وعيسى بن المسيب، وعنه دحيم وأحمد ابن بكرويه، وثق. الكاشف: 1/ 277. وقال الحافظ: ذكره ابن سميع في الطبقة السادسة، وذكره ابن حبان في الثقات. التهذيب: 3/ 130. وتهذيب الكمال: 8/ 213. والسير: 9/ 415.
(4) عيسى بن المسيب البجلي الكوفي عن الشعبي وغيره. قال يحيى والنسائي والدارقطني: ضعيف. وقال أبو حاتم وأبو زرعة: ليس بالقوي. وتكلم فيه ابن حبان وغيره. وضعفه أبو داود. الميزان: 3/ 323 وتعجيل المنفعة: 328.(1/178)
بن المسيب عن سليم (1) بن عبد الرحمن النخعي عن وراد (2) كاتب المغيرة بن شعبة أن معاوية كتب إلى المغيرة يسأله عن آخر ما كان يتكلم به رسول الله ش، فكتب إليه أنه يقول إذا سلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهوعلى كل شيء قدير.اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد بعد أن يسلم عن يمينه وعن شماله،وكان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر) (3) .
__________
(1) سليم بن عبد الرحمن النخعي الكوفي، أخو حصين، قيل: يكنى أباعبد الرحيم، صدوق، من السادسة، له عندهم حديث واحد. التقريب: 246. وانظر: التهذيب: 4/ 131 وتهذيب الكمال: 11/ 227.
(2) ورَّاد بتشديد الراء. الثقفي، أبو سعيد أو أبو الورد، الكوفي، كاتب المغيرة ومولاه، ثقة من الثالثة التقريب: 580. وانظر: التهذيب: 11/ 112 وتهذيب الكمال: 30/ 431.
(3) الحديث أخرجه الإمام الطبراني في معجمه الكبير: 20/ 393. وعزاه الحافظ في التلخيص: 1/ 271 للمعمري في اليوم والليلة وللطبراني. وقال: وفي إسناده نظر، ولعله يشير بذلك إلى عيسى بن المسيب، فلم أجد مَنْ وثَّقه.(1/179)
32/ وحديث واثلة بن الأسقع رواه الشافعي في مسنده.فقال: أخبرنا إبراهيم (1) يعني ابن محمد عن إسحاق (2) بن عبد الله عن عبد الوهاب (3) بن بخت عن واثلة بن الأسقع أن النبي ش (كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى خداه) (4) .
__________
(1) إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، أبو إسحاق المدني، متروك، من السابعة، مات سنة أربع وثمانين وقيل إحدى وتسعين ومائة. التقريب: 93 والتهذيب: 1/ 158 وتهذيب الكمال: 2/ 184.
(2) إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الأموي مولاهم المدني، متروك، من الرابعة، مات سنة أربع وأربعين ومئة. التقريب: 102 والتهذيب: 1/ 240 وتهذيب الكمال: 2/ 446.
(3) عبد الوهاب بن بخت بضم الموحدة وسكون المعجمة بعدها مثناة، المكي، سكن الشام ثم المدينة، ثقة، من الخامسة، مات سنة ثلاث عشرة. وقيل سنة إحدى عشرة ومائة. التقريب: 368. التهذيب: 6/ 446 وتهذيب الكمال: 18/ 488 والمجروحين لابن حبان: 2/ 146.
(4) الحديث أخرجه الشافعي في مسنده: 1/ 98. ومن طريقه البيهقي في المعرفة: 3/ 94. وذكره الزيلعي في نصب الراية: 1/ 432. ونسبه للبيهقي في المعرفة. والحديث ضعيف لضعف إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة.(1/180)
33/ وحديث يعقوب بن حصين، رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من طريق عبد الوهاب (1) بن مجاهد عن مجاهد عن يعقوب (2) بن الحصين قال: (كأني أنظر إلى خدي رسول الله ش في الصلاة وهو يسلم عن يمينه وعن شماله ويجهر بالتسليم) .
__________
(1) عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر، روى عنه العراقيون وأهل الحجاز، كان يروي عن أبيه ولم يره، ويجيب في كل ما يسأل وإن لم يحفظ، فاستحق الترك. كان الثوري يرميه بالكذب. وقال ابن معين: ليس بشيء. المجروحين: 2/ 146 والضعفاء للعقيلي: 3/ 71. وقال أحمد: ليس بشيء ضعيف. وقال البخاري: قال وكيع: يقولون: لم يسمع من أبيه. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. الميزان: 2/ الترجمة 5324 والكامل 1932.
(2) يعقوب بن الحصين قال ابن السكن: روي عنه حريث ليس بمشهور وساق ابن أبي خيثمة والبغوي وابن قانع وابن شاهين وابن السكن وغيرهم من رواية عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن يعقوب بن الحصين قال: كأني أنظر إلى خدي رسول الله ش وهو يسلم عن يمينه وعن شماله ويجهر بالتسليم. وذكر أبو عمر أنه تفرد به ابن مجاهد وهو ضعيف. وخرَّجه بقي بن مخلد. الإصابة: 6/ 352. وانظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم: 5/ 2815 ومعرفة الصحابة لابن قانع: 3/ 235. والاستعياب: 4/ 1585 وأسد الغابة: 5/ 530 والتجريد: 2/ 137. والحديث ضعيف جداً لضعف عبد الوهاب بن مجاهد.(1/181)
34/ وحديث أبي رثمة رواه الطحاوي فقال: حدثنا أحمد (1) بن عبد المؤمن الصوفي قال: ثنا أشعث (2) بن شعبة قال: ثنا المنهال (3) بن خليفة عن الأزرق (4) بن قيس قال: صلى بنا أبو رثمة، ثم حدثنا أن رسول الله ش (سلَّم في الصلاة عن
__________
(1) أحمد بن عبدا لمؤمن الصوفي هكذا نسبته في شرح معاني الآثار، وفي مغاني الأخبار: أحمد بن عبد المؤمن الخراساني المروزي، أحد مشائخ أبي جعفر الطحاوي الذين روى عنهم، وكتب وحدَّث. روى عن علي بن الحسن بن شقيق وأشعث بن شعبة، وغيرهما. قال ابن يونس: أحمد بن عبد المؤمن المروزي يكنى أباعبد الله، توفي بمصر يوم الخميس لثمان بقين من شوال سنة سبع وستين ومئتين، وكان ثقة. وقال ابن الجوزي: هو ثقة. مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار: 1/ 28.
(2) أشعث بن شعبة المصيصي أبو أحمد الخراساني. قال أبو زرعة: لين. وذكره ابن حبان في الثقات. وفي سؤالات الآجري عن أبي داود: أشعث ثقة. وقال الأزدي: ضعيف. التهذيب: 1/ 354. وقال الحافظ في التقريب: 79: مقبول. وقال الذهبي في الكاشف: 1/ 134: وُثِّقَ. لكن قال في ديوان الضعفاء: 24: ليس بالقوي وقال الخزرجي في الخلاصة: قال أبو زرعة: لين. ووثقه ابن حبان الخلاصة: 38.
(3) المنهال بن خليفة العجلي أبو قدامة الكوفي. ضعيف. التقريب: 547. قال ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: صالح يكتب حديثه. وقال أبو بشر الدولابي: ليس بالقوي. وقال البخاري: صالح فيه نظر. وفي موضع آخر: حديثه منكر. وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان يتفرد بالمناكير عن المشاهير لا يجوز الاحتجاج به. ووثقه البزار. التهذيب: 10 / 318 - 319.
(4) الأزرق بن قيس الحارثي البصري: ثقة، من الثالثة. مات بعد العشرين والمئة. التقريب: 97. والتهذيب: 1/ 200 وتهذيب الكمال: 2/ 318 والطبقات لابن سعد: 7/ 512 وتاريخ الدوري: 2/ 22.(1/182)
يمينه وعن يساره) (1) .
35/ وحديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم في الصحيح فقال:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: أخبرنا ابن أبي زائدة عن مسعر حدثني عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة قال: كنا إذا صلينا مع رسول الله ش قلنا السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله ش:علام تؤَمِّنُون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس، إنما يكفي أحدكم ان يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله) (2) .
36/ وحديث أعرابي عن النبي ش، رواه الإمام أحمد.
قال عبد الله: حدثني أبي ثنا عبد الصمد (3)
__________
(1) الحديث رواه الطحاوي في معاني الآثار بالإسناد المتقدم: 1/ 269. والحاكم في المستدرك: 1/ 270. وقال: على شرط مسلم. وتعقبه الذهبي بأن المنهال ضعفه ابن معين. وأشعث لين، والحديث منكر. والحديث بهذا الإسناد ضعيف جداً.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكوت في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام. 119 / 430. وأبو داود، حديث (998) في كتاب الصلاة، باب السلام. والنسائي في سننه الصغرى: 3/ 61 في كتاب الصلاة، باب موضع اليدين عند السلام، وأحمد في المسند: 5/ 86. وأبو عوانة في المسند: 2/ 238 - 239. والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 268. والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 253. في الصلاة، باب الاختيار أن يسلم تسليمتين. كلهم من حديث مسعر عن عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة.
(3) عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم، التنوري، بفتح المثناة وتثقيل النون المضمومة، أبو سهل البصري، صدوق ثبت في شعبة، من التاسعة. مات سنة سبع ومئتين. التقريب:356. وقال الذهبي: حجة. الكاشف: 1/ الترجمة 3376. وتهذيب التهذيب:
6/ 327 وتهذيب الكمال: 18/ 99.(1/183)
حدثني عمر (1) بن فروخ حدثني بسطام (2) .
عن أعرابي نضيفهم أنه صلى مع النبي ش فسلم تسليمتين) (3) .
__________
(1) عمر بن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة آخره معجمة، البصري بياع الأقتاب بقاف ومثناة، ويقال له صاحب الساج. بمهملة وجيم، صدوق ربما وهم، من السابعة. التقريب: 416 والتهذيب: 7/ 488 وتهذيب الكمال: 21/ 478.
(2) بسطام بن النضر الكوفي عن أعرابي. لأبيه صحبة، وعنه عمر بن فروخ، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحا، وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات. وهو مما فات الحسيني. قال الحافظ: وقد استدركه شيخنا الهيثمي ونقلته من خطه. وحديثه في مسند البصريين عن عبد الصمد بن عبد الوارث وأبي سعيد مولى بني هاشم جميعا عن عمر عنه. قال عبد الصمد في روايته عن أعرابي أنه صلى مع النبي ش. وقال أبو سعيد في روايته عن بسطام عن أعرابي عن أبيه. وقال البخاري: بسطام بن النضر، ويقال أبو النضر هو الكوفي. قال لنا موسى: عن عمر عن بسطام تضيفنا أعرابي فحدثنا عن أبيه. تعجيل المنفعة: 50. والجرح والتعديل: 2/ 414.
(3) الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند: 5/ 59 -60. وأورده الحافظ في تعجيل المنفعة كما تقدم. وأورده الهيثمي في المجمع: 2/ 145. وقال: رواه أحمد وفيه من لم يسم، وقال فيه عن أعرابي عن أبيه، والذي في المسند عن أعرابي تضيفهم، ولعل الصواب ما في مجمع الزوائد وتعجيل المنفعة عن أبيه.(1/184)
- وحديث أعرابي عن النبي ش، رواه الإمام أحمد فقال القطيعي: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو سعيد (1) ثنا عمر بن فروخ ثنا بسطام الكوفي قال: تضيفنا أعرابي (2) فحدث الأعرابي أنه صلى مع النبي الله عليه وسلم فسلم تسليمتين عن يمينه وعن شماله) (3) .
__________
(1) أبو سعيد هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصري، أبو سعيد، مولى بني هاشم، نزيل مكة، لقبه جردقة، بفتح الجيم والدال بينهما راء ساكنة ثم قاف، صدوق ربما أخطأ،من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومئة. التقريب: 344 والتهذيب: 6/ 209 وتهذيب الكمال: 7/ 217 والثقات لابن حيان: 8/ 374.
(2) أعرابي: لا يُعرف.
(3) الحديث رواه الإمام أحمد في المسند: 5/ 60. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: 2/ 145. وأورده الحافظ في تعجيل المنفعة، كما تقدم عنه في الحديث السابق. والحديث ضعيف؛ لأن فيه من لم يسم، وفيه بسطام لم يوثقه غير ابن حبان.(1/185)
37/ وحديث ابن عمر، رواه الشافعي في مسنده فقال: أخبرنا مسلم (1) بن خالد وعبد المجيد (2) عن ابن جريج عن عمرو (3) بن يحيى المازني عن محمد (4) ابن يحيى بن حبان، عن عمه واسع (5) بن حبان عن ابن عمر عن النبي ش (أنه كان يسلم عن يمينه وعن
__________
(1) مسلم بن خالد المخزومي مولاهم، المكي، المعروف بالزنجي، فقيه صدوق كثير الأوهام، من الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومئة أو بعدها. التقريب: 529. وقال علي بن المديني: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: ليس بذاك القوي منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به تعرف منه وتنكر. التهذيب:10/ 128-130 وتهذيب الكمال: 27/ 508 وطبقات ابن سعد: 5/ 499.
(2) عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد بفتح الراء، وتشديد الراء، صدوق يخطئ، وكان مرجئا أفرط ابن حبان فقال: متروك. من التاسعة، مات سنة ست ومائتين. التقريب: 361 والتهذيب: 6/ 381 وتهذيب الكمال: 18 / 271 والكاشف: 2/ الترجمة 3479 وديوان الضعفاء: الترجمة 2601 والمغني: 2/ الترجمة 3793 والميزان: 2/ الترجمة 5183.
(3) عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني، المدني، ثقة، من السادسة، مات بعد الثلاثين ومئة. التقريب: 428 والتهذيب: 8/ 118 وتهذيب الكمال: 22/ 295 والتاريخ الكبير للبخاري: 6/ الترجمة 2705 والكاشف: 2/ الترجمة 4317 والثقات لابن حبان: 7/ 215.
(4) محمد بن يحيى بن حبان بفتح المهملة وتشديد الموحدة ابن منقذ الأنصاري، المدني، ثقة فقيه، من الرابعة، مات سنة إحدى وعشرين ومئة. التقريب: 512 والتهذيب: 9/ 507 وتهذيب الكمال:26/ 605 والثقات لابن حبان: 5/ 376 والكاشف: 3/ الترجمة 5289.
(5) واسع بن حبان، بفتح المهملة ثم موحدة ثقيلة ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني، صحابي بن صحابي، وقيل: بل ثقة من الثانية. التقريب: 579 والتهذيب: 11/ 102 وطبقات ابن سعد: 6/ 318.(1/186)
يساره) (1) .
38/ وحديث أبي هريرة وأبي أسيد وأبي حميد: رواه الطحاوي من حديث محمد (2) بن عمرو بن عطاء عن عباس (3)
__________
(1) الحديث رواه الشافعي في مسنده: 1/ 99 والنسائي: 3/ 62. والطحاوي في شرح معاني الآثار:1/ 269. والبيهقي في السنن: 2/ 254. وفي معرفة السنن والآثار: 3/ 94. وأحمد في المسند: 10/حديث 6397. ولم يعزه النووي في المجموع: 3/ 479، وكذلك الزيلعي في نصب الراية: 1/ 433 إلا للبيهقي، مع أنه مخرَّج في غير السنن والمعرفة للبيهقي.
كما أن الحافظ نورالدين الهيثمي ذكره في مجمع الزوائد: 2/ 145. وعزاه للطبراني في الأوسط، مع أنه ليس من الزوائد، بل هو عند النسائي كما تقدم وهو حديث ضعيف لضعف مسلم بن خالد الزنجي وعبد المجيد بن العزيز بن أبي وراد وقد ورد في المسند عن روح بن عبادة عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن أبي يحي وصحح إسناد أحمد شعيب الأرنؤوط. انظر تعليقه على المسند: 10 / 454.
(2) محمد بن عمرو بن عطاء القرشي العامري، المدني، ثقة، من الثالثة، مات في حدود العشرين (ومئة) ووهم من قال: إن القطان تكلم فيه، أو أنه خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن، فإن ذلك هو ابن عمرو بن علقمة بن وقاص. التقريب: 499 والتهذيب: 9/ 373 وتهذيب الكمال: 26/ 210.
(3) عباس بن سهل بن سعد الساعدي، ثقة، من الرابعة، مات في حدود العشرين (ومئة) . وقيل قبل ذلك. التقريب: 293 والتهذيب: 5/ 118 وتهذيب الكمال: 14 / 212 وطبقات ابن سعد: 5/ 271 والثقات لابن حبان: 5/ 258 والكاشف: 2/ الترجمة 2618.
* تنبيه:غير مقنع: رافع رأسه حتى لا يكون أعلى من ظهره، ولا مصوبه أي: ولا خافضه حتى لا يكون أسفل من ظهره.(1/187)
بن سهل الساعدي، وكان في مجلس فيه أبوه، وكان من أصحاب النبي ش، وفي المجلس أبو هريرة رضي الله عنه، وأبو أسيد وأبو حميد الساعدي من الأنصار أنهم تذاكروا الصلاة فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله ش. فقالوا: وكيف؟ فقال: اتبعت ذلك من رسول الله ش فقالوا: فأرنا. قال: فقام يصلي وهم ينظرون فبدأ فكبر ورفع يديه نحو المنكبين، ثم كبر للركوع، ورفع يديه أيضا، ثم أمكن يديه من ركبتيه غير مقنع* رأسه ولا مصلوبه، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا ولك الحمد، ثم رفع يديه، ثم قال: الله أكبر فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد، ثم كبر فجلس فتورك إحدى رجليه، ونصب قدمه الأخرى ثم كبر فسجد، ثم كبر فقام، فلم يتورك، ثم عاد فركع الركعة الأخرى كذلك، ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام قام بتكبير، ثم ركع الركعتين، ثم سلم عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله، وسلم عن شماله أيضا السلام عليكم ورحمة الله) (1) .
39/ وحديث أوس بن أوس رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار فقال:
__________
(1) الحديث رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/260. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: 2/146. وعزاه للطبراني في الكبير وقال: رجاله موثقون.(1/188)
حدثنا نصر (1) بن مرزوق، ثنا أسد (2) بن موسى، ثنا قيس (3) بن الربيع عن عمير (4) بن عبد الله، عن عبد الملك (5) بن المغيرة الطائفي، عن أوس (6)
__________
(1) نصر بن مرزوق أبو الفتح المصري، روى عن الخطيب بن ناصح ووهب الله بن راشد ومحمد بن أسد وخالد بن نزار. قال ابن أبي حاتم: كتبنا عنه وهو صدوق. الجرح والتعديل: 8/ 472. وذكره ابن يونس في علماء مصر وقال: توفي في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين ومئتين. مغاني الأخيار للعيني: 3/ 978.
(2) أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي، أسد السنة، صدوق يغرب، وفيه نصب، من التاسعة، مات سنة اثنتي عشرة (ومئتين) . التقريب: 104 والتهذيب: 1/ 261 وتهذيب الكمال: 2/ 512 والميزان: 1/ 207.
(3) قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي، صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، من السابعة، مات سنة بضع وستين ومئة. التقريب: 457 والتهذيب: 8/ 391 وتهذيب الكمال: 24/ 25.
(4) عمير بن عبد الله بن بشر الخثعمي، ثقة، من السادسة. التقريب: 431 والتهذيب: 8/ 148. وتهذيب الكمال: 22/ 380 والتاريخ الكبير للبخاري: 6/ الترجمة 3261.
(5) عبد الملك بن المغيرة الطائفي مقبول، من الرابعة. التقريب: 365 والتهذيب: 6/ 411 وتهذيب الكمال: 18/ 270 والتاريخ الكبير للبخاري: 5/ الترجمة 1386 وتاريخه الصغير: 2/ 39.
(6) أوس بن أوس الثقفي. نقل عباس عن ابن معين أن أوس بن أوس الثقفي وأوس بن أبي أوس الثقفي واحد. وقيل إن ابن معين أخطأ في ذلك، وأن الصواب أنهما اثنان، وقد تبع ابن معين على ذلك أبو داود وغيره. والتحقيق أنهما اثنان. ومن قال: في أوس بن أوس أوأوس بن أبي أوس أخطأ. كما قيل في أوس بن أبي أوس أوس بن أوس، وهو خطأ. وأما أوس بن أبي أوس فاسم والده حذيفة. الإصابة: 1/ 81. ومعجم الصحابة لابن قانع: 1/ 26 والاستيعاب: 1/ 119 والتجريد: 1/302 وطبقات ابن سعد: 6/ 50.(1/189)
بن أوس، أوأوس ابن أويس، قال: أقمت عند رسول الله ش نصف شهر فرأيته يصلي ويسلم عن يمينه وعن شماله) (1) .
40/ وحديث أبي موسى الأشعري رواه ابن ماجه في سننه فقال:
حدثنا عبد الله (2) بن عامر بن زرارة ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن يزيد (3) بن أبي مريم عن أبي موسى قال: صلى بنا عليٌّ يوم الجمل صلاة ذكرنا صلاة رسول الله ش فإما أن نكون نسيناها، وإما أن نكون تركناها. فسلم عن يمينه وعن شماله) (4) .
__________
(1) الحديث رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 269، ورواه الطبراني في معجمه الكبير من طريق قيس بن الربيع عن عمير بن عبد الله الخثعمي عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن أوس بن أوس/ حديث 596. والحديث من خلال الإسناد يترجح ضعفه، والله أعلم.
(2) عبد الله بن عامر بن زرارة الحضرمي مولاهم، أبو محمد الكوفي، صدوق، من العاشرة مات سنة سبع وثلاثين ومئتين. التقريب: 308. وانظر التهذيب: 5/ 271 - 272 والكاشف: 2/ الترجمة 2824.
(3) يزيد بن أبي مريم، ويقال اسم أبيه ثابت، الأنصاري، أبو عبد الله الدمشقي، إمام الجامع، لا بأس به، من السادسة، مات سنة أربعين ومئة أو بعدها. التقريب: 605. وقال في التهذيب: وثقه ابن معين ودحيم وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال أبو حاتم: هو من ثقات أهل دمشق. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الدارقطني: ليس بذاك. التهذيب: 11/ 359 وتهذيب الكمال: 32/ 243 والميزان: 4/ الترجمة 9751.
(4) الحديث رواه ابن ماجه في سننه: (1/ 296) ، وكذلك الإمام أحمد في المسند: (4/392) من نفس الطريق. والطحاوي في شرح معاني الآثار: (1/ 267) . والحديث صححه الزيلعي في نصب الراية: (1/ 432) . وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وله شاهد من حديث جابر بن سمرة، رواه أبو داود والنسائي: مصباح الزجاجة: 1/ 113.(1/190)
41/ وحديث علي: رواه الذين رووا الذي قبله؛ لأنهما حديث واحد فيه عن أبي موسى قال: صلى بنا علي بن أبي طالب يوم الجمل صلاة ذكرنا بها صلاة رسول الله ش فإما أن نكون نسيناها أو تركناها على عمد، فكان يكبر في كل خفض ورفع ويسلم عن يمينه وعن شماله) (1) .
42/ وحديث أبي مالك الأشعري: رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار من طريق شهر (2) بن حوشب عن عبد الرحمن (3) ابن غنم قال: قال أبو مالك الأشعري لقومه: ألا أصلي لكم صلاة رسول الله ش؟ فذكر الصلاة وسلم عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هكذا كانت صلاة رسول الله ش) (4) .
__________
(1) سنن ابن ماجه: 1/ 296. ومسند أحمد: 4/ 392. ومعاني الآثار: 1/ 267. وقد تقدم الكلام على رجاله، وأنه حديث صحيح.
(2) شهر بن حوشب الأشعري الشامي، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن، صدوق كثير الإرسال والأوهام، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة ومئة. التقريب: 269. وقال الذهبي: قال النسائي: ليس بالقوي. ووثقه أحمد وابن معين. وقال أبو حاتم: ليس بدون أبي الزبير. الكاشف: 2/ الترجمة 2333 والتهذيب: 4/ 369 وتهذيب الكمال: 12/ 578.
(3) عبد الرحمن بن غنم، بفتح المعجمة وسكون النون الأشعري، مختلف في صحبته، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين، مات سنة ثمان وسبعين. التقريب: 348 وترتيب ثقات العجلي: 297. وانظر: تهذيب التهذيب: 6/ 250.
(4) الحديث أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 269، ورواه محمد بن الحسن في كتاب الحجة عن أبي مالك الأشعري قال: ألا أعلمكم صلاة رسول الله ش إنه كان يكبر إذا رفع وإذا وضع وكان يسلم عن يمينه وعن يساره وكان يليه الرجال ثم الصبيان ثم النساء) الحجة: / 142. والحديث فيه شهر بن حوشب وَثَّقَه أحمد وابن معين وحسن حديثه البخاري.(1/191)
43/ وحديث عقبة بن عامر رواه الحارث بن أبي أسامة فقال: حدثنا محمد بن عمر، ثنا عبد الله (1) بن سليمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي سعاد (2) الجهني عن عقبة بن عامر قال: رأيت رسول الله ش يسلم عن يمينه وعن يساره. السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله) (3) .
44/ وحديث جابر بن عبد الله ذكره الترمذي عقب حديث عبد الله بن مسعود في التسليمتين قال: وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر وجابر بن سمرة والبراء وأبي سعيد وعمار. ووائل بن حجر وعدي بن عميرة وجابر ابن عبد الله. سنن الترمذي:
2/ 90 وقال المباركفوري بعد تخريجه أحاديث هؤلاء الصحابة: وأما حديث جابرابن عبد الله فلينظر من أخرجه. تحفة الأحوذي: 2/ 186.
__________
(1) عبد الله بن سليمان لم أعثر له على ترجمة.
(2) أبو سعاد الجهني اسمه جابر بن أسامة الجهني. قال أبو نعيم: يعد في الحجازيين. وقيل: إنه قدم مصر وتوفي بها ويكنى أباسعاد. قاله أبو سعيد بن يونس. معرفة الصحابة: 542 والإصابة: 1/ 220 وأسد الغابة: 1/ 301.
(3) الحديث أورده الهيثمي في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: 1/ 291. وكذلك الحافظ في المطالب العالية: 1/ 228. والحديث فيه الواقدي، متروك.(1/192)
45/ وحديث عبد الله بن زيد رواه أبو عوانة (1) الإسفراييني في مسنده فقال: حدثني أبي (2) قال: ثنا أبو مروان (3)
__________
(1) هو: الحافظ الكبير يعقوب بن إسحاق بن يزيد الإسفراييني النيسابوري الأصل، صاحب المسند الصحيح المخرج على " صحيح مسلم "، وله زيادات. طوف الدنيا وعنى بهذا الشأن، وسمع الزعفراني والذهلي ويونس بن عبد الأعلى.ومنه أبو علي النيسابوري، وابن عدي والطبراني. قال الحاكم: من علماء الحديث وأثباتهم، مات سنة ست عشرة وثلاثمائة. طبقات الحفاظ للسيوطي: 327 وتذكرة الحفاظ: 3/ 779.
(2) أبوه هو الإمام الحافظ شيخ خراسان أبو يعقوب الإسفراييني.قال الحاكم: هو إسحاق بن موسى ابن عمران أحد أئمة الشافعية والرحالة في طلب الحديث. من رستاق إلى إسفرايين، تفقه عن المزني وسمع المبسوط من الربيع وكتب الحديث بخراسان والعراق والحجاز ومصر والشام، وله مصنفات كثيرة توفي في شهر رمضان سنة أربع وثمانين ومائيتن. قال الذهبي: كان من الأثبات وتخيل إلي أنه والد أبي عوانة لكن والد أبي عوانة اسمه إسحق بن إبراهيم بن يزيد الإسفراييني يروي عن إسحاق بن راهويه وابن حجر وأبي مروان العثماني، أكثر عنه ولده أبو عوانة في صحيحه ثم إني لم أظفر لأبي عوانة برواية عن إسحاق بن أبي عمران ولا ذكر الحاكم لوالد أبي عوانة ترجمة في تاريخه؛ فلهذا جوزت في البديهة أنهما واحد وكلاهما طبقة واحدة. السير: 13/ 456. وتعقب الذهبي السبكي فقال: وأما تفرقة شيخنا - يعني الذهبي - بيبن إسحاق بن موسى بن عمران وإسحاق بن أبي عمران فلا أحسبه إلا وهما. وما أرى إ‘لا أنهما واحد. طبقات الشافعية للسبكي: 2/ 258.
(3) أبو مروان هو محمد بن عثمان بن خالد الأموي أبو مروان العثماني المدني، نزيل مكة، صدوق يخطئ من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين. التقريب: 469. وثقه أبو حاتم وقال: صالح بن محمد ثقة صدوق إلا أنه يروي عن أبيه المناكير. قيل ما حاله؟ قفال لا نعرفه. لم أسمع أحدا يحدث عنه غير سلمة بن شبيب. وقال الحاكم في حديثه بعض المناكير. وذكره ابن حبان في الثقات. التهذيب: 9/ 336. وتهذيب الكمال: 26 / 81.(1/193)
قال: ثنا عبد العزيز (1) بن محمد عن عمرو بن يحيى المازني عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان قال: قلت لعبد الله بن زيد أخبرني عن صلاة رسول الله ش كيف كانت فذكر التكبير كلما وضع رأسه وكلما رفعه. وذكر السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه. السلام عليكم عن يساره) (2) .
46/ وحديث أزهر (3) بن منقذ رواه ابن مندة كما قال الحافظ في الإصابة:
__________
(1) عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي أبو محمد الجهني مولاهم المدني، صدوق، كان يحدث من كتب غيره فيخطئ. قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العمري منكر، من الثامنة، مات سنة ست أو سبع وثمانين ومائة. التقريب: 358. وقال المزِّي: قال الزبيري: كان مالك يوثق الدراوردي، وكذا وثقه ابن معين. وقال أبو زرعة: سيئ الحفظ فربما حدَّث من حفظه الشيء فيخطئ. وقال النسائي: ليس بالقوي. وفي موضع آخر: ليس به بأس وحديثه عن عبيد الله بن عمر منكر. تهذيب الكمال: 18/ 187. التهذيب: 6/ 353.
(2) الحديث رواه أبو عوانة في مسنده: 2/ 238. وأحمد في المسند: 9/ حديث 5402. والنسائي: 3/ 63. والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 268. والبيهقي في السنن: 2/254. وفي المعرفة: 2/ حديث 3844. من هذا الوجه وغيره عن محمد بن يحيى عن عمه واسع بن حبان أنه سأل عبد الله بن عمر عن صلاة رسول الله ش ... وقد قال الشافعي: أخبرنا الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن محمد ابن يحيى عن عمه واسع بن حبان قال مرة عن عبد الله بن عمر ومرة: عن عبد الله بن زيد. ترتيب مسند الشافعي: 1/ 99. ومن هذا الطريق رواه البيهقي في المعرفة: 2/ 3846. والحديث قال فيه شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي، رجاله ثقات، رجال الشيخين غير عبد العزيز بن محمد الدرواوردي من رجال مسلم. انظر تعليقه على المسند: حديث 5402.
(3) أزهر بن منقذ....(1/194)
1/ 28 فقد قال في ترجمة أزهر بن منقذ: قال أبو عمر: لم يحدث عنه إلا عمير (1) بن جابر. وقال ابن مندة: هو من أعراب البصرة. ثم روي من طريق عمير بن جابر قال: رأيت رسول الله ش وصليت خلفه فسمعته يفتتح القراءة بالحمد لله ويسلم تسليمتين.
قال ابن مندة: غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه.
قال الحافظ: قلت: وفي إسناده علي (2) بن قرين، وقد كذبه ابن معين وموسى ابن هارون وغيرهما.
الفصل الثالث
في الثلاث التسليمات
__________
(1) عمير بن جابر: لم أطلع له على ترجمة.
(2) علي بن قرين. قال العقيلي: كان يضع الحديث ببغداد. قال عثمان بن سعيد: قال: قال لي يحيى بن معين: لا تكتب عن علي بن قرين شيخ بغداد فإنه كذاب خبيث. الضعفاء للعقيلي: 3/ 249. وقال ابن عدي: كان يسرق الحديث، ونقل عن موسى بن هارون قوله: علي بن قرين بغدادي، كان كذابا، ونقل قول ابن معين السابق. الكامل: 1857. وقال الذهبي: كذبه غير واحد. وتركه أبو حاتم. المغني: 1/ 453 والميزان: 3/ الترجمة 5913 ولسان الميزان: 4/ 251. وهذا الحديث لا يعول عليه لضعفه.(1/195)
47/ وفيه حديث واحد عن سمرة بن جندب، رواه الدارقطني من طريق روح بن عطاء بن أبي ميمونة عن أبيه عن الحسن عن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله ش (يسلم واحدة في الصلاة قبل وجهه فإذا سلم عن يمينه سلم عن يساره) (1)
__________
(1) الحديث أخرجه الدارقطني في سننه: 1/ 358. وقد تقدم بهذا الإسناد من رواية ابن عدي في ترجمة عطاء بن أبي ميمونة قال ابنه روح: حدثني أبي وحفص المنقري عن الحسن عن سمرة أن رسول الله ش كان يسلم تسليمة تلقاء وجهه. وساق ابن عدي لعطاء بن أبي ميمونة عدة أحاديث منتقدة هذا منها، ثم قال: ولعطاء بن أبي ميمونة غير ما ذكرت من الحديث وممن يروي عنه. يكنيه بأبي معاذ ولا يسميه لضعفه، وهو معروف بالقدر، وابنه روح بن عطاء في أحاديثه بعض ما ينكر عليه. الكامل لابن عدي: 2005. والحديث ضعفه الزيلعي: 1/ 434. ونقل ذلك عن عبد الحق الإشبيلي في الأحكام، وذلك بالنظر لحال روح وأبيه ولكون الحسن لم يسمع من سمرة كما قال ابن معين. وقد ذهب بعضهم إلى أن فعل الثلاث التسليمات فيه جمع بين الروايات المختلفة. نقل ذلك الشوكاني في النيل: 2/ 334.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان. لعلاء الدين الفارسي (ت 739هـ) قدم له كمال يوسف الحوت. ط/ دار الباز بمكة المكرمة.
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصرالدين الألباني ط، المكتب الإسلامي.
الاستذكار لابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن عبد البر، (ت 463هـ) تحقيق عبد المعطي قلعجي ط/ مؤسسة الرسالة.
الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر، (ت852هـ) ط/ دار الكتب العلمية.
الأنساب للسمعاني، عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، (562هـ) . الطبعة الأولى بالهند.
التاريخ الصغير للبخاري، محمد بن إسماعيل، (ت256هـ) تحقيق: محمود إبراهيم زائد حلب.
التاريخ الكبير للبخاري، محمد بن إسماعيل، (ت 256هـ) ط/ دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان.
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، أحمد بن علي بن حجر، تصحيح عبد الله هاشم ط/ شركة الطباعة الفنية المتحدة بالقاهرة.
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، يوسف بن عبد الله بن عبد البر، (ت 463هـ) ط/ وزارة الأوقاف بالمغرب.
الثقات لابن حبان.محمد بن حبان البستي (ت 354هـ) . ط/ الطبعة الأولى - حيدرآباد - الدكن. الهند.
الجامع الصحيح، محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، (ت 279هـ) تحقيق أحمد محمد شاكر. الناشر / المكتبة الإسلامية.
الجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم (ت327هـ) .ط/ دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان.
الحجة على أهل المدينة، محمد بن الحسن الشيباني، (ت 189هـ) رتب أصوله وعلق عليه السيد / مهدي حسن الكيلاني. ط/ عالم الكتب.
الدراية في تخريج أحاديث الهداية، أحمد بن علي بن حجر، تصحيح عبد الله هاشم ط/ الفجالة.
السنن الكبرى للبيهقي، أحمد بن الحسين، (ت 458هـ) . تحقيق محمد عبد القادر عطاء ط/ دار الكتب العلمية.
الضعفاء الكبير للعقيلي، محمد بن عمرو بن موسى. تحقيق د/ عبد المعطي قلعجي ط/ دار الكتب العلمية.
العبر في خبر من غبر للإمام الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، (ت 748هـ) ط/ دار الباز. مكة المكرمة.
الكاشف للإمام الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، (ت 748هـ) تحقيق: د/ نور الدين عتر. ط/ دار النصر.
الكامل في ضعفاء الرجال، عبد الله بن علي الجرجاني (ت 365هـ) ط/ دار الفكر للطباعة والنشر.
الكنى للدولابي، محمد بن أحمد الدولابي (ت 310هـ) دار الباز للنشر. مكة المكرمة.
المجروحين لابن حبان.محمد بن حبان البستي (ت 354هـ) تحقيق: محمود إبراهيم زائد. ط/ دار الوعي بحلب.
المجموع في شرح المهذب، يحيى بن شرف النووي ط/ دار الفكر.
المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبد الله الحاكم، (ت 405هـ) ط/ مكتبة ومطابع النصر الحديثة.
المصنف لابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، (ت235هـ) تحقيق الأستاذ عامر العمري ط/ الدار السلفية - الهند.
المعجم الأوسط للطبراني، سليمان بن أحمد، (ت360هـ) . تحقيق د/ محمود الطحان. ط/ مكتبة المعارف - الرياض.
المعجم الكبير في أسامي شيوخ أبي بكر. لأحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي، (ت 425هـ) . تحقيق د/ بشار عواد. ط/ مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة.
المعجم الكبير للطبراني، سليمان بن أحمد، (ت360هـ) تحقيق / حمدي السلفي ط/ الدار العربية. بغداد.
الموطأ - مالك بن أنس، (ت 179هـ) ط/ دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.
بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، نورالدين علي بن أبي بكر الهيثمي، (807 هـ) . تحقيق د/ حسين أحمد صالح الباكري. ط/ مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية.
بلوغ المرام في أدلة الأحكام، أحمد بن علي بن حجر ط/ دار الفكر.
تاريخ الثقات، أحمد بن عبد الله العجلي، (ت 261 هـ) . ترتيب نورالدين علي الهيثمي (ت 807 هـ) تحقيق: د/ عبد المعطي قلعجي. ط / دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان.
تاريخ بغداد، أحمد بن علي بن ثابت، (ت 463هـ) . ط/ دار الكتاب العربي. بيروت - لبنان.
تجريد أسماء الصحابة، محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ) . الناشر: دار المعرفة.
تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، (ت 748هـ) ط/ دار إحياء التراث العربي. بيروت - لبنان.
تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأربعة، أحمد بن علي بن حجر، (ت852هـ) ط/ دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان.
تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر، (ت852هـ) . تحقييق محمد عوامة ط/ دار الرشيد - حلب.
تهذيب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر، (ت852هـ) ط/ دار صادر - بيروت - لبنان.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال، جمال الدين أبي الحجاج المزي، (ت 742هـ) تحقيق: د/ بشار عواد. ط/ مؤسسة الرسالة.
جامع الأصول في أحاديث الرسول. مجدالدين بن الأثير، (606هـ) . تحقيق عبد القادر الأرنؤوط. ط/ مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ودار البيان.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430هـ) ط، دار الكتاب العربي - بيروت.
خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الأحكام، يحيى بن شرف النووي، (ت 676هـ) . تحقيق حسين إسماعيل الجمل ط/ مؤسسة الرسالة.
سبل السلام شرح بلوغ المرام، محمد بن إسماعيل الصنعاني، (ت 1182هـ) صححه وعلق عليه: فواز أحمد زرملي وإبراهيم محمد الجمل. ط/ دار الريان للتراث.
سنن أبي داود،سليمان بن الأشعث، (ت 275هـ) . تحقيق عزت الدعاس ط/ دار الحديث - حمص - سوريا.
سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، (275هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ط/ دار إحياء التراث العربي.
سنن الدارمي. عبد الله بن بهرام الدارمي. ط/ دار الفكر.
سنن النسائي الصغرى. أحمد بن شعيب النسائي، (ت 303هـ) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. ط/ دارالبشائر الإسلامية.
سنن النسائي الكبرى. أحمد بن شعيب النسائي، (ت 303هـ) . تحقيق د/ عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن ط/ دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.
شرح السنة. الحسين بن مسعود الفراء البغوي، (ت 516هـ) . تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرنؤوط. ط/ المكتب الإسلامي.
شرح معاني الآثار للطحاوي، أحمد بن محمد الأزدي، (ت 321هـ) .تحقيق: محمد سيد جادالحق. ط/ الأنوار المحمدية.
صحيح ابن خزيمة، محمد بن إسحاق (ت 311هـ) . تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي. ط/ المكتب الإسلامي.
صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، (ت 256هـ) ط/ دار إحياء التراث العربي. بيروت - لبنان.
صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، (ت 261هـ) ط/ دار الحديث - القاهرة.
طبقات ابن سعد، محمد بن سعد (ت230هـ) . دار صادر.بيروت للطباعة والنشر.
طبقات الشافعية الكبرى، عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، (ت 771هـ) . تحقيق محمود طناحي وعبد الفتاح محمد الحلو. ط/ البابي الحلبي وشركاه.
غوث المكرود بتخريج منتقى ابن الجارود أبي إسحاق الحويني الأثري. الناشر/ دار الكتاب العربي.
كتاب الدعاء للطبراني، سليمان بن أحمد، (ت360هـ) تحقيق د/ محمد سعيد محمد حسن. ط/ دار البشائر.
لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر، (ت852هـ) ط/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. بيروت - لبنان.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. نورالدين علي بن أبي بكر الهيثمي، (807 هـ) ط/ دارالكتاب العربي. بيروت - لبنان.
مسند أبي عوانة، يعقوب بن إسحاق (ت 316) ، الناشر: دار المعرفة.
مسند أبي يعلى الموصلي، (ت 307هـ) . تحقيق وتعليق إرشاد الحق الأثري. ط/ دار القبلة بجدة.
مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241هـ) ، ط المكتب الإسلامي.
مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241هـ) ، مشرف التحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة.
مسند الشافعي، محمد بن إدريس (ت 204هـ) ، رتبه محمد عابد السندي، ط، دار الكتب العلمية.
مشكاة المصابيح - محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، (ت 737هـ) . تحقيق محمد ناصرالدين الألباني ط/ المكتب الإسلامي.
مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، أحمد بن أبي بكر البوصيري، (ت696هـ) . تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي. ط/ دارالعربية. بيروت - لبنان.
مصنف عبد الرزاق، عبد الرزاق بن همام الصنعاني، (ت 211هـ) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي. ط/ المجلس العلمي بكراتشي، باكستان.
معرفة السنن والآثار للبيهقي، أحمد بن الحسين، (ت 458هـ) تحقيق د/ عبد المعطي قلعجي. ط/ دار الوعي. دار الوفاء.
مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار، محمود بن أحمد موسى العيني، (ت 855هـ) . تحقيق: أسعد محمد الطيب. ط/ مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة - الرياض.
منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود، أحمد عبد الرحمن البنا، الناشر: المكتبة العلمية.
ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، (ت 748هـ) ط/ دار إحياء الكتب العربية.
نصب الراية لأحاديث الهداية، جمال الدين الزيلعي، (ت 762هـ) ط/ المكتبة الإسلامية.
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، محمد بن علي الشوكاني، (ت 1250هـ) ط/ البابي الحلبي بمصر.(1/196)
• • •
الخاتمة:
نسأل الله حسنها، وهي تشتمل على خلاصة البحث ونتائجه، وقد:
بينت فيها أن الأحاديث الواردة في التسليمة الواحدة قليلة وضعيفة، كما قال العلماء، لا تنهض للاحتجاج فكلها معلولة الأسانيد.
وأمثلها حديث عائشة، وقدرجح الحفاظ وقفه، ورأوا أن المرفوع منه منكر، ولم يصح مرفوعا، ولم يرفعه إلا زهير بن محمد عن هشام. وزهير ضعيف عند كثير من العلماء لا يحتج به، وخاصة في رواية الشاميين عنه.
قال العقيلي: ولا يصح في التسليمة الواحدة شيء. وقال ابن القيم: لم يثبت عنه ذلك - أي رسول الله ش - من وجه يثبت، وقد يتصور البعض فيما تقدم أن التسليمة الواحدة لا أصل لها، وهذا خطأ، فهي واردة عن رسول الله ش وعن سلف الأمة من الصحابة فمن بعدهم، ولكن التسليمة الثانية أرجح من حيث الدليلُ.
قال الإمام البيهقي: روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم سلموا تسليمة واحدة، وهو من الاختلاف المباح والاختصار على الجائز. وبالله التوفيق. السنن الكبرى: 2/ 255.
إن الأحاديث الواردة في التسليمتين رواها العدد الكثير من الصحابة عن رسول الله ش، وعمل بذلك أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو المذهب الراجح؛ لكثرة الأحاديث الواردة فيه؛ ولصحة بعضها وحسن بعضها، كما قدمنا في الدراسة حتى إن بعضهم أوجبها. فقد روى الطحاوي أن الحسن بن حي أوجب التسليمتين جميعا، وهي رواية عن أحمد بن حنبل. وبها قال بعض أصحاب مالك، ونقله ابن عبد البر عن بعض أهل الظاهر. انظر النيل: 2/ 333.
أما ثلاث تسليمات فلم ترد إلا في حديث ضعيف لا يعول عليه. أخرجه الدارقطني، وهو معلول بعلتين:
أ - الأولى: ضعف روح بن عطاء أحد رواته. قال فيه أحمد: منكر الحديث.
ب- والعلة الثانية: أن الحسن بن أبي الحسن لم يسمع من سمرة، كما قال ابن معين، وأيضاً تدليس الحسن.(1/197)
هذا ما توصلت إليه من خلال البحث في هذا الموضوع. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الهوامش والتعليقات(1/198)
المُسْتَخْرَجات
نشأتها وتطورها
د. موفق بن عبد اللَّه بن عبدِ القادر
جامعة أمِّ القرى - مكة المكرمة
ملخص البحث
لقد أبرز هذا البحث الوجه الحضاري للمُحَدِّثين في مَجال توثيق النُّصوصِ وضبطها، مِن خلال الابداع في التَّصنيف، وَتطرَّقَ إلى نشاة المُسْتَخْرَجات وتطورها، ولفت الانتباه إلى فنِّ الرِّواية عند المُسلمين وبراعتهم فيهِ، والصِّلة بينَ المُسْتَخرجات الحديثيَّةِ وعلم معاجم الشُّيُوخ والمشيخات.. وأثبت أنَّ هذين اللَّونين مِنَ المُصَنَّفات تفتقرُ إليهِ معظم الحضارات الماديَّةِ القديمة منها والحديثة.
مقدمة:
الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدِنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
أمَّا بعد:
فلقد اعتنى المُحَدِّثونَ في رواية النُّصوصِ شفهية كانت أو كِتابية عنايةً واسعةً، واستخدموا في سبيلِ المحافظةِ على سلامتها أساليب عديدة، ووضعوا شروطاً وألفاظاً لصيغ التَّحمل والأداء تميزت بالدِّقَّةِ والموضوعيَّة، إضافةً إلى التَّحري الدَّقيق لمعرفة رواة السُّننِ والمسانيدِ، فلم يتركوا الفرصة لِمُنْتَحِلٍ أن يَدُسَ في السُّنَّةِ ما ليس منها، أو أن يَدَّعي أحدٌ في المُصَنَّفاتِ ما ليس منها. .
ولقد تفنن المُحَدِّثونَ في روايتِهم للنُّصوصِ واتَّبعوا أساليب عديدة في تأليفاتهم مِن أجل الوصولِ إلى أدقِّ النُّصوصِ للرِّواياتِ وأسلمها، وَمِن الوسائل التي اتَّبعوها لتوثيق النُّصوص وضبطها التأليف في فَنِّ المُستَخْرَجات. .(1/199)
هذا وَإنَّ كافة المُعطيات المُتوفرة لدينا تشير إلى أنَّ هذا النَّوع مِنَ المُصَنَّفات قد نشأ وترعرعَ في بلدان الخِلافة الشَّرقيَّةِ، ولا غرو في ذلكَ، فأصحاب الصَّحيحين، والسُّنن الأربع هم مِن أهل تلك الدِّيار، وأوَّل مَن صَنَّفَ في المُسْتَخْرَجات هو أبو أحمدَ حُميدُ بن مَخْلَدِ بن قُتَيْبَةَ بن عبدِاللَّهِ الأزديُّ النَّسائيُّ، المعروف بابنِ زَنْجُويه، وهو لقبُ أبيهِ (ت251هـ) (1) ، صاحب كتاب ((الأموال)) ، قال الكَتَّانيُّ: وكتابه كالمُسْتَخْرَجِ على كتاب أبي عُبيدٍ، وقد شاركهُ في بعض شيوخهِ وزاد عليهِ زيادات (2) . . ونظرة سريعة إلى المُسْتَخْرَجات ومُصَنِّفيها تعطينا انطباعاً أنَّ هذا النَّوع مِنَ المُصَنَّفات يكاد أن يكون مَشْرِقيَّ المولِدِ والوفاة، ذلكَ أنَّ مَن صَنَّفَ في هذا النَّوع منَ الفنونِ مِن أهلِ المغربِ، وهما الإمامُ الحافظُ العَلاَّمةُ، شيخُ الأندلسِ، ومُسْنِدُها، أبو عبدِاللَّهِ محمدُ ابنُ عَبْدِالملكِ بن أيمن بن فَرَجٍ القُرْطُبِيُّ (ت330هـ) (3) ، قال الذَّهبيُّ: صَنَّفَ كتاباً في السُّننِ، خَرَّجَهُ على ((سُنن)) أبي داود (4) ، والإمامُ الحافظُ العَلاَّمةُ مُحَدِّثُ الأندلس، أبو محمدٍ، قاسمُ بن
__________
(1) ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء: 12/19.
(2) الرسالة المستطرفة: 47، وقد طبع كتاب الأموال لأبي عُبيد القاسم بن سلاَّم (ت224هـ) ، بتحقيق محمد خليل هرَّاس، منشورات مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، ودار الفكر للطباعة والنشر، الطبعة الثانية (1395هـ-1975م) . كما طبع كتاب الأموال لابن زنجويه بتحقيق الدكتور شاكر ذيب فياض، مطبوعات مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، الطبعة الأولى (1406هـ-1986م) .
(3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/241.
(4) سير أعلام النبلاء: 15/242، وانظر: تاريخ علماء الأندلس: 2/50-51، الرِّسالة المستطرفة: 30.(1/200)
أصْبَغ بن مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيُّ، مولى بني أُمَيَّةَ (ت340هـ) (1) ، قال الذَّهبيُّ: وَفاتَهُ السَّماع مِن أبي داودَ، فصَنَّفَ سُنناً على وَضْعِ سُننهِِ (2) . وقال الكَتَّانيُّ: ثُمَّ اختصر قاسمُ بن أصبغ كتابه وسمَّاهُ ((المُجتنى)) بالنُّون، فيه مِنَ الحديثِ المُسْنَدِ ألفٌ وأربعمائة وتسعونَ حديثاً، في سبعة أجزاء (3) ، قد صَنَّفا هذين الكتابين بعد أن رحلا إلى بلادِ المَشْرِقِ.
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 14/472.
(2) سير أعلام النبلاء: 14/473، وقال ابنُ فَرْحون: وصنَّفَ في الحديثِ مُصَنَّفاتٍ حَسَنَةٍ، منها: مُصَنَّفهُ المُخَرَّج على كتاب أبي داودَ.. الدِّيباج المُذْهَب: 2/146.
(3) الرسالة المستطرفة: 30.(1/201)
هذا ويُمكننا القول: إنَّ فَنَّ المُسْتَخْرَجاتِ ماهو إلاَّ لَون مِن ألوان فنِّ التَّخريج انتعش وازدهر في القرنِ الثَّالث، واستمر في التَّطورِ حتَّى نهاية القرن الخامس. . (1) حيثُ شح إن لم نقل انعدمَ التَّصنيف لهذا النَّمط مِن أنماط المُصَنَّفات. . ولمَّا كان هذا اللَّون من المُصَنَّفات هو نوعٌ مِن أنواعِ عِلْم رواية النُّصوصِ عند المُسلمينَ، الذي يتميَّز بالحيويَّة والنَّشاط، والذي يتطلَّب مِن مؤلِّفِهِ بَرَاعة الاقتباس مِنَ المُصنَّفات المتقدِّمَة عليهِ، وَأن يسوق المادة بمهارةٍ فائقةٍ، وعقلٍ رياضيٍّ لا يقبل غير الصَّواب، فقد امتدَّ تأثيرهُ على لونٍ آخرٍ مِن ألوانِ فنِّ الرِّوَاية وهو علم معاجم الشُّيُوخِ والمشيخات (2) الذي كان الوارث لهذا النَّوعِ مِنَ المُصَنَّفاتِ الحديثيَّةِ والذي استوعبَ مداهُ، واستطاع أنْ يقومَ مقامهُ في توثيق النُّصوصِ وضبطها عند المُحَدِّثينَ.
__________
(1) لم يذكر بعد هذا القرن تأليفات في المُستَخرجات على كتب الحديث، سوى المُسْتَخرج على المُسْتَدرك للحاكم النَّيْسابوري استخرجه الإمام أبو الفضل العراقيِّ (ت806هـ) .
(2) في كتابنا ((علم الأثبات ومعاجم الشُّيُوخِ والمَشيخَات وفَنُّ كتابة التَّراجم)) الذي تقوم على طباعته جامعة أمِّ القُرى قسمت معاجم الشُّيُوخ والمشيخات إلى ستِّ مدارس، وتحدَّثت عن الأساليب والمناهج المُتَّبعة في كُلِّ مدرسةٍ، والمرادُ هنا معاجم الشُّيُوخ التي تنتمي إلى مدرسة الرِّوَاية وَسِيَر الشُّيوخِ، تلك التي يركز فيها مُصَنِّفوها على مرويات الشُيوخِ، مع التَّركيز على تخريج المَرويات مِنَ المصادر الأخرى، إضافةً إلى حرصهم على الالتقاء مع أحد المُصَنِّفين، بأسلوب العُلُوِّ بالإسناد التي سيأتي بيانه.(1/202)
إنَّ بحثنا الموجز هذا على صغر حجمه قد استطاعَ أن يثبتَ مدى اتِّساع الأفقِ عند المُحَدِّثينَ، لا سيما في فنِّ الرِّوَاية القائم على التَّجربة الواقعيَّةِ، القائمة على الدِّقَّة في التَّحَمُّلِ والأداء، والبعيدة عن التَّعبيرات الأدبيَّة، والمقومات البلاغيَّةِ. . فهي أشبه بالعمليات الحِسابية التي لا تقبل غير الصَّواب. . وكيف انتقلت المادة العِلْميَّة للمُسْتَخْرَجات لتحتويها كتب المشيخات القائمة على نمطِ تتبعِ الأسانيد للرِّواية الواحدة، والتي تكثرُ مِنَ الرِّوَايات المُشاركَةِ لهذهِ الرِّواية، والتي أصبحت سِجِلاً أميناً وثائقياً للعديدِ مِنَ المصادر، وكيف أنَّ منهجها ينطوي على الذَّكاء المفرطِ، والقدرة العالية التي يتمتع بها المُصَنِّفُونَ لِمثل هذهِ المعاجم والمشيخاتِ التي تتميز بالدِّقَّة العجيبةِ ويسودها الانتظام في بيان الإسناد العالي وأقسامه المُختلفةِ. .(1/203)
وفي الختام أسأل اللَّه الكريم أن أكون قد وفِّقتُ في عرضي الموجز (1) هذا عن نشأة المُسْتَخرجات وتطورِها، إلى لَفَت الانتباه إلى فنِّ الرِّواية عند المُسلمينَ، وبراعتهم فيهِ، ومنهجم العظيمِ في توثيق النُّصوصِ وضبطها، الذي تميَّزَ بالابداعِ والأصالةِ، وهو يُمثلُ جزءاً أساسياً مِن تُراثنا الخالدِ الذي تفتقر إليه معظم الحضارات المادِّية القديمة منها والحديثة. . وَمِنَ اللَّهِ التَّوفيقَ وعليهِ التُّكلان، وهو حَسبنا فيما نكتبُ ونقول، وصلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ وسلَّم أجمعين.
... وكتبه أفقر العباد
موفق بن عبدِ اللَّهِ ...
المبحث الأوَّل: تعريف المُسْتَخْرَجات
قال الإمامُ العِراقيُّ:
واستخرجوا على الصَّحيحِ كَأبي
عَوَانةٍ ونحوهِ وَاجْتَنِب
عَزوكَ ألْفَاظ المتونِ
لَهُمَا إِذْ خَالفت لَفْظَاً ومعنى رُبَّمَا (2) .
المُسْتَخرجُ لغةً: اسم مفعولٍ مُشتقٌ مِنَ الفعلِ استخرج المزيد مِنَ الثُّلاثي خَرَجَ، والخُرُوج نقيض الدُّخولِ، وخارجُ كلَّ شيءٍ ظاهرهُ، والاستخراج كالاستنباط (3) ، واستَخْرَجْتُ الشَّيءَ مِنَ المَعْدَنِ خَلَّصْتُهُ مِنْ تُرَابِهِ (4) .
__________
(1) إنَّ الإيجاز والاختصار ترجع أسبابه إلى ظروف النَّشر في المَجلات التي تشترط أن لا يزيد البحث على أرقام محدودةٍ مِنَ الصَّفحات، وهذا يذكرني بقول الإمام ياقوت الحموي رحمه اللَّهُ تعالى: ((ثُمَّ اعلم أنَّ المُختصرَ لكتابٍ كمن أقدمَ على خَلْقٍ سَوِيٍّ، فقطعَ أطرافهُ فتركهُ أسْلَ اليدينِ، أبترَ الرجلينِ، أصلَمَ الأذنَينِ، أو كَمَن سلب امرأةً حُلِيها فتركها عاطلاً، أو كالذي سَلبَ الكَمِيّ سلاحهُ فتركهُ أعزلَ راجلاً.)) معجم البلدان: 1/14.
(2) التبصرة والتذكرة: 1/56.
(3) انظر: لسان العرب:2/249، 250مادة (خرج) .
(4) المصباح المنير: 1/166، وانظر: تاج العروس: 2/28-30مادة (خرج) .(1/204)
والمستخرج اصطلاحاً: هو كلُّ كتابٍ حديثيٍّ خُرِّجت أحاديثهُ وفق أحاديث أحد المُصَنَّفَاتِ بِأسانيد صاحبِ المُسْتَخْرَجِ، مِنْ غَيرِ طريقِ مُصَنِّفِ الكتاب المُسْتَخْرَجِ عليهِ، فيجتمعُ معهُ في شيخهِ، أو مَنْ فَوقهُ (1) .
شرح التَّعريف: هذا التَّعريف استنبطتهُ مِن وصفِ الإمام العراقي لموضوع المستخْرَجِ قال الإمامُ العراقيُّ: المُسْتَخْرَجُ موضوعهُ: أن يَأتي المُصَنِّفُ إلى كتابِ البُخَارِيِّ، أو مُسْلِمٍ فيُخَرِّجُ أحاديثهُ بأسانيد لِنَفْسِهِ مِنْ غَيرِ طَريقِ البُخَارِيِّ، أو مُسْلِمٍ، فَيجتمعُ إسناد المُصَنِّف مع إسناد البُخَاريِّ أو مُسْلِمٍ في شيخهِ، أو مَنْ فَوقهُ (2) .
قال الإمامُ السَّخاويُّ: والاستخراج: أن يَعْمَدَ حافظٌ إلى ((صحيح البُخاريِّ)) مثلاً فَيورد أحاديثهُ حديثاً حديثاً بأسانيدَ لِنَفْسِهِ غير مُلْتَزمٍ فيها ثِقَة الرُّواة، وَإنْ شذَّ بعضهم حيثُ جعلهُ شرطاً مِنْ غَيرِ طريقِ البُخَارِيِّ إلى أنْ يلتقي معهُ في شيخِهِ أو في شيخِ شيخهِ، هكذا ولو في الصَّحابيِّ، كما صَرَّحَ بهِ بعضُهُم.
لكن لا يَسُوغُ للمُخَرِّجِ العدول عن الطَّريقِ التي يقربُ اجتماعهُ مع مُصَنِّفِ الأصلِ فيها إلى البعيدَةِ إلاَّ لغرضٍ مِن عُلُوٍّ، أو زيادة حُكْمٍ مُهِمٍّ، أو نحو ذلكَ، ومُقتَضى الاكتفاء بالالتقاء في الصَّحابيِّ أنَّهُما لو اتَّفقا في الشَّيخِ مثلاً ولم يتَّحد سندهُ عندهُما، ثُمَّ اجتمعَ في الصَّحابيِّ إدخالهُ فيهِ، وإن صَرَّحَ بعضهُم بخلافهِ.
__________
(1) انظر: التبصرة والتذكرة، مع فتح الباقي: 1/56-57، فتح المغيث: 1/39، تدريب الراوي: 1/112، توضيح الأفكار: 1/69.
(2) التبصرة والتذكرة: 1/56-57(1/205)
ورُبَّما عَزَّ على الحافظِ وجود بعض الأحاديثِ فيتركهُ أصلاً، أو يُعَلِّقُهُ عن بعضِ رواتهِ، أو يُوردهُ مِن جِهَةِ مُصَنِّفِ الأصلِ (1) .
والكُتُبُ المُخَرَّجة لم يلتزم فيها موافقتها للكتب المُخَرَّجَةِ عليها في الألفاظِ، فحصلَ فيها تفاوت في اللَّفظِ والمعنى.
قال ابنُ الصَّلاح: صَنَّفَ على صحيح مُسْلِمٍ قومٌ مِنَ الحُفَّاظِ، وأدرَكوا الأسانيد العاليةَ، وفيهم مَنْ أدركَ بعضَ شُيوخِ مُسْلِم، فَخَرَّجُوا أحاديثهِ في تَصَانيفهم تلكَ فالتحقت بهِ في أنَّ لها سِمَة الصَّحيحِ وإنْ لم تَلتحق بهِ في خَصائِصِهِ جمع، ويُسْتَفادُ مِن مُخَرَّجَاتِهِم المَذكورة عُلُوّ الإسناد، وفوائد تنشأ مِن تكثيرِ الطُّرقِ، وَمِن زيادةِ ألفاظ مُفيدة، ثُمَّ إنَّهم لم يَلتزموا فيها المُوافقة في ألفاظ الأحاديث مِن غَير زيادةٍ ولا نَقصٍ لكَونهم يَروونها بأسانيدَ أُخر، فأوجبَ ذلكَ بعض التَّفاوت في بعضِ الألفاظ (2) .
فلا يجوز أن تنقل منها حديثاً وتقول: هو كذا فيهما إلاَّ أن تُقابله بِهِما، أو أن يَقُولَ المُصَنِّفُ أخرجاهُ بلفظهِ (3) .
المبحث الثَّاني: مِن صور المُسْتَخرَجات:
__________
(1) فتح المغيث: 1/39. وانظر: فتح الباقي على ألفية العراقي: 1/57، تدريب الراوي: 1/112،114.
(2) صيانة صحيح مسلم: 88، علوم الحديث لابن الصَّلاح: 19.
(3) تدريب الرَّاوي: 1/112-113، فتح المغيث: 1/40، توضيح الأفكار: 1/71.(1/206)
أ- قال البُخَارِيُّ: وقال خَارِجَةُ بنُ زَيدِ بنِ ثَابتٍ عن زيدِ بنِ ثَابتٍ ((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ اليَهُودَ، حَتَّى كَتَبْتُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُتُبَه، وَأَقْرَأتهُ كُتبهم إذَا كَتَبُوا إليهِ)) (1) .
وقد أخرجهُ البَرْقَانيُّ في ((مُسْتَخْرَجه)) موصولاً، قال: قَرَأتُ على أبي حَاتِمٍ محمدِ بن يَعْقُوبَ، أخبركم مُحمدُ بنُ عَبدِالرَّحمن السَّامِيُّ، حَدَّثنا خَلَفُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثنا ابنُ أبي الزِّنادِ، عن أبيهِ، عن خَارِجَةَ بن زيدٍ، عن أبيهِ، قَالَ: أَمَرَني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُود، فَما مَرَّ بِيَ نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((واللَّهِ إِنِّي لا آمِنُ اليَهُودَ عَلَى كِتَابي)) . قَالَ: فَلَمَّا تَعَلَّمْتُ كُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إلى يَهُود إذَا كَتَبَ إِلَيهِم، فَإذَا كَتَبُوا إليهِ، قَرَأْتُ لَهُ)) (2) .
وهكذا أوصلهُ البَرْقَانيُّ بسندهِ، فالتقى مع البخاريِّ في خارجة بن زيد.
__________
(1) فتح الباري: 13/185-186، برقم: (7195) ، في الأحكام، باب تَرجمة الحُكَّام، وهل يجوزُ تَرجمان واحد؟ قال الحافظ ابنُ حَجرٍ: (وهذا التَّعليق مِنَ الأحاديثِ التي لم يُخرجها البُخاريُّ إلاَّ مُعَلَّقةً، وقد وصلهُ مُطولاً في كتاب ((التاريخ)) عن إسماعيلَ بن أبي أويس، حدَّثني عبدُالرَّحمن بن أبي الزِّناد، عن أبيهِ، عن خارجةَ بن زيد بن ثابت ... ) . فتح الباري: 13/168.
(2) سير أعلام النُّبلاء: 17/467-468.(1/207)
ب- قال مُسلمٌ: حدَّثنا محمدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ نُميرٍ الهَمْدَانِيُّ، حَدَّثنا أبو خالدٍ (يعني سُليمان بن حَيَّانَ الأحمرَ) ، عن أبي مالكٍ الأشْجَعِيِّ، عن سعد ابن عُبَيْدَةَ، عن ابنِ عُمَرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسَةٍ.. الحديث)) (1) .
وقد روى أبو نُعيمٍ هذا الحديث في ((مُسْتَخْرَجِه)) بأسانيدَ لنفسهِ، مِن غيرِ
طريقِ صاحب الكتاب، واجتمعَ معهُ في شيخهِ عبدِاللَّهِ انِ نُمَيْر. فقال: حَدَّثنا أبوعمرو بن حمدان، ثنا الحَسَنُ بنُ سُفيانَ، وأبو عَليٍّ العلاء، قالا: ثنا مُحَمَّدُ بنُ عبدِاللَّهِ ابن نُمَيْرٍ.
وحَدَّثنا أبو بكرٍ محمدُ بنُ إبراهيمَ، وعبدُاللَّهِ بنُ مُحَمَّدٍ، قالا: ثنا أحمدُ ابنُ عَلِيِّ بن عيسى التَّميميُّ، قالا: ثنا مُحَمَّدُ بنُ عبدِاللَّهِ بنِ نُمَيْرٍ، ثنا أبو خالدٍ الأحمرُ، عن أبي مالكٍ الأشْجَعِيِّ، عن سعد بن عُبَيْدَةَ، عن ابنِ عُمَرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسَةٍ. .)) .
ثُمَّ قال: رواهُ مسلمٌ عن ابنِ نُمَيْرٍ (2) .
وهذهِ الطُّرُق جميها لا يخفى على المُتَخصصِ مافيها مِن الفوائد الإسناديَّة المُختلفة التي تُقوِّي رواية مُسْلِمٍ.
__________
(1) مسلم: 1/45، الإيمان باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، حديث رقم (19) .
(2) المسند المستخرج لأبي نُعيم: 1/109، برقم: (98) .(1/208)
ج- قال أبو عُبيدٍ القاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ في كتابهِ ((الأموال)) : حدَّثنا إسماعيلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَن سُهَيلِ بنِ أبي صَالِحٍ، عن عطاء بن يَزيدَ اللَّيْثِيِّ، عن تَميمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الدِّينُ النَّصيحَةُ)) ، قيلَ: لِمَنْ يَارَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِلأَئِمَّةِ وَلِجَمَاعَةِ المُسْلمينَ)) (1) .
وقد أخرجهُ ابنُ زَنجويه في كتابه ((الأموال)) الذي يُعَدُّ ((مُسْتَخْرَجَاً)) على كتاب ((الأموال)) لأبي عُبيدٍ. قال: أنا مُحمدُ بنُ يُوسُفَ، أنا سُفيانُ، قال: سَمِعْتُ سُهَيْلَ بنَ أبي صَالحٍ يَذْكُرُ عن عَطاء بنِ يَزيدَ اللَّيْثِيِّ، عن تَميمٍ الدَّارِيِّ قال: قالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّما الدِّينُ النَّصيحَةُ، إنَّما الدِّينُ النَّصيحَةُ، إنَّما الدِّينُ النَّصيحَةُ.)) ، قيلَ: لِمَنْ؟ قال: ((لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِلأَئِمَّةِ المؤمِنينَ وَعَامَّتِهِم)) (2) .
ويلاحظُ هنا أنَّ الإمام ابن زنجويه قد روى هذا الحديثَ بسندهِ والتقى معَ أبي عُبيد في سُهيلِ بن أبي صالحٍ، هذهِ واحدة، والثَّانية زيادة بعض الألفاظ، والمعاني التي وردت في رواية ابنِ زنجويه.
المبحث الثَّالث: أشهر المستخرجات:
أولاً: المستخرجات على صحيح البُخاري:
__________
(1) أخرجهُ أبو عُبيد القاسم بن سلاَّم في كتاب الأموال: 10، برقم: (1) . باب حقّ الإمام على الرَّعية، وحقّ الرَّعِيَّة على الإمام.
(2) الأموال لابن زنجويه: 1/61، برقم: (1) ، باب ما يجب على الإمامِ مِنَ النَّصيحَةِ لِرَعيَّتِهِ، وعلى الرَّعيَّةِ لإمامِهِم.(1/209)
1- المُسْتَخْرَج على صحيح البُخاريِّ: للإمامِ الحافظِ أبي العبَّاس محمد بن أحمد بن حَمدانَ بن ابن عليٍّ الحِيْرِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ (ت360هـ) (1) . قال الذَّهبيُّ: وقد سَمِعَ بمنصورة - وهي أمُّ بلاد بلاد خُوارزم - بعضَ ((صحيح البُخاري)) مِنَ الفَرَبْرِيِّ، فوجدهُ نازلاً، فَصَنَّفَ على مثالهِ مُسْتَخْرَجاً لهُ (2) .
2- المُسْتَخْرَج على صحيح البخاري: للحافظ الكبير الثَّبْت الجَوَّال الإمامِ أبي عليٍّ، الحُسينِ بن محمد بن أحمدَ بن محمد بن الحُسين بن عيسى بن ماسَرْجِس المَاسَرْجِسيِّ النَّيْسَابُورِيِّ (ت365هـ) (3) .
قال أبو عبدِاللَّهِ الحاكم في ((تاريخه)) : وخَرَّجَ على ((صحيح البُخاريِّ)) كتاباً، وعلى ((صحيح مسلمٍ)) (4) .
3- المُسْتَخْرَج على صحيح البُخَاريِّ: للإمامِ الحافظ الرَّحَّالِ النَّحْوِيِّ أبي محمدٍ، وأبي القاسمِ، عبدِالصَّمَدِ بن محمد بن حَيَّويه البُخَاريِّ (ت368هـ) (5) ، قال أبو عبدِاللَّهِ الحاكِمُ: استخرج على ((صحيح البُخاريِّ)) وجَوَّدهُ (6) .
__________
(1) ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 16/193، العبر: 2/322، شذرات الذهب: 3/38. وفيات (360هـ) . ويُنَبَّه أنَّ لهُ أخاً باسم ((أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان بن عليٍّ الحيريّ النَّيْسَابوريّ (ت376هـ) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/356، وهذا مِن المُتَّفق والمفترق.
(2) سير أعلام النبلاء: 16/195
(3) ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء: 16/287.
(4) الأنساب: 12/37 (المَاسَرْجِسيّ) ، سير أعلام النبلاء: 16/288.
(5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النُّبلاء: 16/291.
(6) سير أعلام النبلاء: 16/291، تذكرة الحفاظ: 3/956.(1/210)
4- المُسْتَخْرَج على صحيحِ البُخَاري: للإمامِ الحافظِ الحُجَّةِ الفقيهِ، شيخِ الإسلامِ، أبي بكرٍ أحمد بن إبراهيمَ بن إسماعيلَ الجُرْجَانِيِّ الإسْمَاعيليِّ الشَّافعيِّ (ت371هـ) (1) ، قال الذَّهبيُّ، وابنُ كثيرٍ: يقعُ في أربع مُجَلَّداتٍ (2) . وقد أُطلق عليهِ تسميات مُختلفةٍ، فمنهم مَنْ سَمَّاهُ ((الصَّحيح)) (3) ، ومنهم ((الصَّحيح على على شَرْطِ البُخَاريِّ)) (4) ، ومنهم مَن سمَّاه ((المُسْتَخْرَج على الصَّحيح)) (5) ، ومنهم مَن أطلق عليهِ ((المُسْتَخْرَج على الصَّحيحين)) (6) ، وقال السَّخاويُّ: استخرج على البُخاريِّ فقط (7) .
وقد ذَكرالمباركفوري في مقدمة ((تحفة الأحوذي)) أنَّ منه نُسخة مكتوبة بخط الحافظ ابن حجرٍ محفوظة في الخزانة الجرمنية، وأنَّ الحافظ اختصر هذا الكتاب ولخصه وسمَّاه ((المنتقى)) .
وقد استفاد الحافظ ابن حجرٍ من هذا الكتاب في شرحه للبخاري (8) .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/292.
(2) سير أعلام النُّبلاء: 16/293، البداية والنهاية: 11/298.
(3) تبيين كذب المفتري: 194، تذكرة الحفاظ: 3/949، الوافي بالوفيات: 6/213، وسمَّاه الحافظ ابنُ حجرٍ: ((صحيح الإسماعيليّ)) ، وقال: ((وهو مُسْتَخْرَج على صحيح البُخَاريِّ)) ، المعجم المفهرس لابن حجر. وذكره الحافظ ابن حجر في ((المجمع المؤسس)) : 1/331، برقم: (255) باسم ((مُسْتَخْرَج أبي بكرٍ أحمد بن إبراهيم الإسماعيليِّ الجُرْجَانيِّ)) .
(4) النجوم الزَّاهرة: 4/140.
(5) سير أعلام النبلاء: 16/293.
(6) تدريب الراوي: 1/111.
(7) فتح المغيث: 1/39.
(8) انظر: مقدمة تحفة الأحوذي: 1/330، معجم المصنفات الواردة في فتح الباري، برقم: (1168) .(1/211)
5- المستخرج على صحيح البخاري: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ الرَّحَّال، أبي أحمد محمد ابن أحمد بن حسين العبديِّ، الغِطْرِيفيِّ، الجُرْجَانِيِّ (ت377هـ) (1) ، قال الإمامُ السَّمْعَانِيُّ: صنَّفَ ((المُسْنَد الصَّحيح على كتاب البُخاريِّ)) (2) .
6- المُسْتَخرَج على صحيح البُخاريِّ (3) : للإمامِ الحافظِ، رئيس أصبهان، أبي عبدِاللَّهِ، محمد بن أحمد بن محمد بن عُصْم ابن أبي ذُهْلٍ العُصْمِيِّ الضَّبيِّ الهَرَوِيِّ (ت378هـ) .
7- المُسْتَخْرَج على صحيح البُخاري: للحافظ المُجَوِّدِ العلاَّمَةِ، مُحَدِّثِ أصبهَانَ، أبي أيوبَ، أحمدَ بنُ موسى بن مَرْدويه بن فُوْرَك الأصبهانيِّ (ت410هـ) (4) ، قال الذَّهبيُّ: وَمِن تَصانيفهِ كتاب ((المُسْتَخْرَج على صحيح البُخَارِيِّ)) ، بِعُلُوٍّ في كثيرٍ مِن أحاديثِ الكتابِ حتَّى كأنَّهُ لقي البُخارِيّ (5) .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/354.
(2) الأنساب: 9/159 (الغِطْرِيْفِيّ) ، وانظر: سير أعلام النبلاء: 16/355.
(3) قال الذَّهبيُّ: لابن أبي ذُهْلٍ ((صحيح)) جَرَّجهُ على ((صحيح البخاريِّ)) ، سير أعلام النبلاء: 16/381.
(4) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام التبلاء: 17/309.
(5) سير أعلام النبلاء: 17/310.(1/212)
8- المُسْتَخْرَج على البُخاريِّ: للإمامِ الحافظِ، الثِّقةِ العلاَّمةِ، أبي نُعيمٍ، أحمد ابن عبدِاللَّهِ بن إسحاقَ المِهْرَانِيِّ، الأصبهانيِّ، الصُّوفيِّ، الأحولِ (ت430هـ) (1) ، ذكره الذَهبيُّ في سير أعلام النبلاء (2) ، وذكرهُ ابن حجرٍ في ((المجمع المؤسس)) (3) ، ويُعدُ هذا الكتاب أحد المراجع التي أكثر الإمامُ ابن حجرٍ الاقتباس منها في كتابه ((فتح الباري)) (4) .
ثانياً: المستخرجات على صحيح مُسْلِمٍ:
1- المُسْتَخْرَج على صحيح مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ أبي بكرٍ، محمد ابن محمد بن رجاء الإسْفَرَايينِيِّ (ت286هـ) (5) ، قال ابنُ الصَّلاح وهو يتحدَّث على المُصَنَّفات على صحيح مُسْلِمٍ: ومنها ((المسند الصَّحيح)) .. المُصَنَّف على شرطِ مسلمٍ، وهو مُتقدِّمٌ يُشارك مُسْلِماً في أكثر شيوخه (6) .
2- المُسْتَخْرَجُ على صحيح مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ الحُجَّةِ، أبي الفَضْلِ، أحمدَ بن سَلَمَةَ النَّيْسَابُورِيِّ، البَزَّازِ، رفيق مُسْلِمٍ في الرِّحْلَةِ إلى بَلْخ وإلى البصرة (ت286هـ) (7) ، قال الذَّهبيُّ: لهُ مُسْتَخْرَجٌ كهيئة صحيح مُسْلِمٍ. قال الشَّيخ أبو القاسم النَّصْراباذي: رأيتُ أبا عليٍّ الثَّقَفِيّ في النَّومِ، فقال لي: عليكَ بصحيحِ أحمد بن سَلَمَةَ (8) .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/453.
(2) سير أعلام النبلاء: 19/306. وذكره أيضاً في تذكرة الحفاظ:4/1097، وذكره السُّبكي في طبقات الشَّافعية الكبرى: 4/22، وذكره غيرهم مِمَّن ترجم للإمام أبي نُعيم.
(3) 2/94، برقم: 623.
(4) انظر: معجم المصنفات الواردة في فتح الباري: (363-365) ، برقم: (1167) .
(5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 13/492.
(6) صيانة صحيح مسلم: 89.
(7) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 13/373.
(8) تذكرة الحفاظ: 2/637.(1/213)
3- المستخرج على صحيح مسلمٍ: للإمامِ الحافظِ الزَّاهدِ شيخ الإسلام، أبي جعفرٍ، أحمد بن حمدانَ بن عليٍّ الحِيْرِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ (ت311هـ) (1) .
قال الخطيب البغداديُّ: ولم يزل يطلب الصَّحيح على شرط مُسْلِمٍ حتَّى صَنَّفهُ (2) . وقال ابنُ الصَّلاح: ((المُخَرَّج على صحيح مسلم)) للعبد الصَّالح أبي جعفر أحمد بن حمدان (3) . . .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 14/299.
(2) تاريخ بغداد: 4:116.
(3) صيانة صحيح مسلم: 88، وقال الذَّهبيُّ: وصنَّفَ ((الصَّحيح المُسْتَخْرج على صحيح مُسلمٍ)) سير أعلام النبلاء: 16/299.(1/214)
4- المُسْتَخْرَج على صحيح مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ أبي عَوَانةَ يعقوب بن إسحاقَ بن إبراهيمَ بن يزيدَ النَّيْسَابُورِيِّ الأصلِ، الإسْفَرَايينِيِّ (ت316هـ) (1) ، قال ابنُ الصَّلاح: ومنها ((مختصر المُسْنَد الصَّحيح)) المُؤلَّف على كتاب مُسلمٍ تأليف الحافظ أبي عوانةَ يعقوب ابن إسحاقَ الإسفَرَايينيِّ، روى فيه عن يونس بن عبدِالأعلى، وغيرهِ مِن شيوخ مُسْلِمٍ (2) . وقال الإمامُ الكَتَّانيُّ: وفيه زيادات عدَّةٌ (3) .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء: 14/417.
(2) صيانة صحيح مسلم: 89. وقال الإمامُ الذَّهبيُّ: صاحب ((المسند الصَّحيح)) الذي خَرَّجهُ على ((صحيح مسلمٍ)) سير أعلام النبلاء: 14/417. وقال الإمامُ الكَتَّانيُّ: وفيه زيادات عدَّةٌ. الرسالة المستطرفة: 27
(3) الرسالة المستطرفة: 27، وسمَّاه الحافظ ابن حجرٍ في ((المجمع المؤسس)) : 2/226 (صحيح أبي عوانة)) ، وكذا ذكره الذَّهبي في عدَّة مواطن في ((سير أعلام النبلاء)) ، وقد طبع منه الجزء الأول، والثاني، والرابع، والخامس بدائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن في الهند. تحت عنوان ((مسند أبي عَوانة)) وهو مرتب على الأبواب. ويوجد مخطوطاً تحت عنوان ((المُسْنَد المُخَرَّج على كتاب مُسْنَدِ ابنِ الحَجَّاج)) انظر: تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين: 1/1/343.(1/215)
5- المُسْتَخْرَجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الكبيرِ، شيخِ الإسلامِ، أبي عِمرانَ، موسى ابن العبَّاسِ، الخُرَاسَانِيِّ، الجُوَيْنِيِّ (ت323هـ) (1) ، قال الحاكم النَّيْسَابُورِيُّ: خَرَّجَ على كتاب مُسْلِمٍ (2) .
6- المُسْتَخْرَجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ المُفيدِ، أبي مُحمَّدٍ أحمدَ بن محمد ابن إبراهيمَ الطُّوسِيِّ البَلاذُرِيِّ (ت339هـ) (3) ، قال الحاكمُ أبو عبدِاللَّهِ: وَحُكِيَ عن أبي مُحمدٍ البَلاذُرِيِّ أنَّهُ قال: لم تكن لي هِمَّة في سماعِ الحديثِ أكبر مِن التَّخريجِ على كتاب مُسْلِمٍ، فلمَّا انصرفتُ مِنَ الرِّحْلَةِ أخذتُ في التَّخْريجِ عليهِ، وأفنيتُ عُمري في جَمْعِهِ (4) .
7- المُستَخرجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظ العَلاَّمةِ مُحَدِّث الأندلس، أبي
محمدٍ، قاسم بن أصْبَغ بن محمدٍ القُرْطُبِيِّ، مولى بني أُمَيَّةَ (ت340هـ) (5) ، قال الذَّهبيُّ: وَفاتَهُ السَّماع مِن أبي داودَ، فصَنَّفَ سُنناً على وَضْعِ سُننهِ، وصحيح مُسلمٍ فاتهُ أيضاً فَخَرَّجَ صَحيحاً على هيئتهِ (6) .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/235.
(2) سير أعلام النبلاء: 15/235، وقال السَّمعاني: وصنَّفَ على كتاب مُسلِمِ بنِ الحَجَّاجِ. الأنساب: 3/385 (الجُوَيْنِيّ) . وقال الذَّهبيُّ: مؤلِّفُ ((المُسْنَد الصَّحيح)) الذي خَرَّجهُ كهيئة ((صحيح مُسْلِمٍ)) . سير أعلام النبلاء: 15/235.
(3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/36.
(4) الأنساب: 1/351 (البَلاذُرِيّ) .
(5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/472.
(6) سير أعلام النبلاء: 14/473، وقال ابنُ فَرْحون: وصنَّفَ في الحديثِ مُصَنَّفاتٍ حَسَنَةٍ، منها: مُصَنَّفهُ المُخَرَّج على كتاب أبي داودَ.. الدِّيباج المُذْهَب: 2/146.(1/216)
8- المُستخرَج على صحيح مُسلمٍ: للإمامِ الحافظِ الفقيهِ القدوةِ شيخِ الإسلامِ، أبي النَّضْرِ، محمد بن محمد بن يوسفَ، الطُّوسِيِّ، الشَّافعيِّ (ت344هـ) (1) ، قال الإمامُ الذَّهبيُّ: وَعَمِلَ مُسْتَخْرَجاً على صحيحِ مُسْلِمٍ (2) .
9- المُسْتَخْرَجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ المُتْقِنِ الحُجَّةِ، أبي عبدِاللَّهِ محمد ابن يعقوبَ بن يوسفَ الشَّيْبَانِيِّ النَّيْسَابُوريِّ، المعروف بابنِ الأَخْرَمِ، ويُعْرَفُ قديماً بابنِ الكِرْمَانِيِّ (ت344هـ) (3) ، قال الحَاكمُ: صَنَّفَ كتابَ ((المُسْتَخْرَج على الصَّحيحين)) ، وَصَنَّفَ ((المُسْند الكبير)) ، وسألهُ أبو العبَّاس السَّرَّاجُ أن يُخَرِّجَ لهُ كِتاباً على ((صحيح مُسلِمٍ)) فَفَعَلَ.
وسمعتُ أبا عَبداللَّهِ ابنَ يعقوبَ غيرَ مَرَّةٍ، يقولُ: ذَهبَ عُمري في جَمْع هذا الكتاب، يعني ((المُسْتَخْرَج)) على كتاب مُسْلِمٍ، وسمعتهُ تندَّمَ على تصنيفهِ ((المُخْتَصَر الصَّحيحِ المُتَّفق عليه)) ، ويقولُ: مِن حَقِّنا أن نَجْهَدَ في زيادة الصَّحيح (4) .
10- المُسْتَخْرَج على صحيح مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ المُفتي، شيخِ خُرَاسَانَ أبي الوَليدِ حَسَّانَ بنِ محمد بن أحمدَ بن هارونَ النَّيْسَابُوريِّ، الشَّافعيِّ (ت349هـ) (5) ، قال الحَاكِمُ: صَنَّفَ أبو الوليدِ ((المُسْتَخْرَج على صحيحِ مُسْلِمٍ)) (6) .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/490.
(2) سير أعلام النبلاء: 15/490.
(3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/466.
(4) سير أعلام النبلاء: 15/467-468.
(5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/492.
(6) سير أعلام النبلاء: 15/494.(1/217)
11- المُستَخرجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للحافظ المُجَوِّدِ، أبي سعيدٍ، أحمد بن محمد ابن سعيد بن إسماعيلَ الحِيْرِيِّ النَّيْسَابُوريِّ الشَّهيد (ت353هـ) (1) ، سمَّاهُ الذَّهبيُّ ((المستخرج على صحيح مُسْلِمٍ)) (2) .
12- المُسْتَخْرَج على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للعلاَّمةِ الحافظِ أبي حامدٍ، أحمدَ بنِ مُحمد بن شَارك، الهَرَوِيِّ، الشَّافعيِّ (ت358هـ) (3) ، قال السُّبْكِيُّ: وللحافظِ أبي حامدٍ الشَّارِكِيِّ كتاب ((المُخَرَّج على صحيحِ مُسْلِمٍ)) لم أقف عليهِ (4) .
13- المُسْتَخْرَج على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للحافظ الكبير الثَّبْت الجَوَّال الإمامِ أبي عليٍّ، الحُسينِ بن محمد بن أحمدَ بن محمد بن الحُسين بن عيسى بن ماسَرْجِس المَاسَرْجِسيِّ النَّيْسَابُورِيِّ (ت365هـ) (5) .
قال أبو عبدِاللَّهِ الحاكم في ((تاريخه)) : وخَرَّجَ على ((صحيح البُخاريِّ)) كتاباً، وعلى ((صحيح مسلمٍ)) (6) .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/29.
(2) سير أعلام النبلاء: 16/29. وسمَّاه في تذكرة الحفاظ: 3/920 ((الصَّحيح المُخَرَّج على كتاب مُسْلِمٍ)) .
(3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/273.
(4) طبقات الشَّافعية الكبرى: 3/45. وذكره ابنُ الصَّلاح في كتاب ((صيانة صحيح مُسلِمٍ)) : 89.
(5) ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء: 16/287.
(6) الأنساب: 12/37 (المَاسَرْجِسيّ) ، سير أعلام النبلاء: 16/288.(1/218)
14- المُستَخرجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ الصَّادِقِ، مُحَدِّثِ أصبهان، أبي محمد عبدِاللَّهِ بن محمد بن جعفر بن حَيَّانَ، المعروف بأبي الشَّيخ، (ت369هـ) (1) ، ذكره الإمامُ السَّمعانيُّ ضمن مروياته وسمَّاه ((المُسْنَد المُنْتَخَب على الأبواب المُسْتَخْرَج مِن كتاب مُسْلِمِ بنِ الحَجَّاج)) (2) ، وسمَّاهُ ابنُ الصَّلاح ((المُخَرَّج على مُسْلِمٍ)) .
15- المُسْتَخْرَجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ الحُجَّةِ الفقيهِ، شيخِ الإسلامِ، أبي بكرٍ أحمد بن إبراهيمَ بن إسماعيلَ الجُرْجَانِيِّ الإسْمَاعيليِّ الشَّافعيِّ (ت371هـ) (3) ، قال الخليليُّ: صَنَّفَ على كتاب مُسْلِمٍ، والبُخَارِيِّ (4) .وقال السَّخاويُّ: استخرج على البُخاريِّ فقط (5) .
16- المُسْتَخْرَج على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للمُحَدِّثِ الحافظِ الجَوَّالِ، أبي عبدِاللَّهِ، الحُسينِ ابن أحمدَ بن محمدٍ الشَّماخِيِّ، الهَرَوِيِّ، الصَّفَّار (ت372هـ) (6) ، قال الإمامُ البَرْقَانِيُّ: عندي عن الشَّماخيِّ رزمة، وكان قد أخرجَ كتاباً على ((صحيح مُسْلِمٍ)) ، ولا أُخَرِّجُ عنهُ في الصَّحيحِ حَرْفاً واحداً (7) . وقال الذَّهبيُّ: صاحبُ ((المُسْتَخْرَج على صحيح مُسْلِمٍ)) (8) . وقد تُكُلِّمَ فيهِ.
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: 16/276.
(2) المنتخب من معجم شيوخ الإمام أبي سعد السَّمعاني: 3/1473، برقم: (1005) ، صيانة صحيح مسلم: 161، شرح مسلم للنووي: 1/193-194، سير أعلام النبلاء: 19/419.
(3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/292.
(4) الإرشاد: 2/794، برقم: (685) .
(5) فتح المغيث: 1/39.
(6) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/360.
(7) تاريخ بغداد: 4/9.
(8) سير أعلام النبلاء: 16/360(1/219)
17- المُسْتَخْرَج على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، أبي بكرٍ، محمد بن عبدِاللَّهِ بن محمد بن زكريا الشَّيبانيِّ الخُرَاسَانيِّ الجَوْزَقِيِّ (ت388هـ) (1) ، قال أبي عبدِاللَّهِ الحاكمِ: صَنَّفَ المُسْنَد الصَّحيحَ على كتاب مُسْلِمٍ (2) . وذكر المُباركفوريّ أنَّ منه نُسخة مكتوبة بخط الحافظ ابن حجرٍ، موجودة في الخزانة الجرمنية، وأنَّ الحافظ ابن حجرٍ اختصر هذا الكتاب وسمَّاه ((المُنْتَقى)) (3) .
18- المُستَخرجُ على صَحيحِ مُسْلِمٍ: للإمامِ الحافظِ، الثِّقةِ العلاَّمةِ، أبي نُعيمٍ، أحمد ابن عبدِاللَّهِ بن إسحاقَ المِهْرَانِيِّ، الأصبهانيِّ، الصُّوفيِّ، الأحولِ (ت430هـ) (4) ، ذكره ابنُ الصَّلاح وسمَّاه ((المُسْنَد المُسْتَخْرَج على كتاب مُسْلِمٍ)) (5) .
ثالثاً: المُسْتَخْرَجَات على الصَّحِيحين:
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/493.
(2) الأنساب: 3/366 (الجَوْزَقِيّ) من قرى نَيْسَابُور، وكذا سماه ابنُ الصَّلاح في: صيانة صحيح مسلم: 90.
(3) انظر: مقدمة تحفة الأحوذي: 1/230.
(4) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/453.
(5) صيانة صحيح مُسْلِم: 90، وقد طبع تحت عنوان ((المُسْنَد المُسْتَخْرَج على صحيحِ مُسْلِمٍ)) ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م. بتحقيق محمد حسن.(1/220)
1- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمامِ الحافظِ المُتْقِنِ الحُجَّةِ، أبي عبدِاللَّهِ محمد بن يعقوبَ بن يوسفَ الشَّيْبَانِيِّ النَّيْسَابُوريِّ، المعروف بابنِ الأَخْرَمِ، ويُعْرَفُ قديماً بابنِ الكِرْمَانِيِّ (ت344هـ) (1) ، قال الحَاكمُ: صَنَّفَ كتابَ ((المُسْتَخْرَج على الصَّحيحين)) ، وَصَنَّفَ ((المُسْند الكبير)) ، وسألهُ أبو العبَّاس السَّرَّاجُ أن يُخَرِّجَ لهُ كِتاباً على ((صحيح مُسلِمٍ)) فَفَعَلَ.
وسمعتُ أبا عَبدِاللَّهِ ابنَ يعقوبَ غيرَ مَرَّةٍ، يقولُ: ذَهبَ عُمري في جَمْعِ هذا الكتاب، يعني ((المُسْتَخْرَج)) على كتاب مُسْلِمٍ، وسمعتهُ تندَّمَ على تصنيفهِ ((المُخْتَصَر الصَّحيحِ المُتَّفق عليه)) ، ويقولُ: مِن حَقِّنا أن نَجْهَدَ في زيادة الصَّحيح (2) .
2- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمام الحافظ أبي عليٍّ الحُسين ابن محمد بن أحمد المَاسَرْسَجِيِّ (ت365هـ) ، ذَكره الكَتَّانيُّ فيمن صَنَّفَ على كُلِّ منهما (3) . وقد تقدَّم أنَّهُ: خَرَّجَ على صحيح البُخاريِّ كتاباً، وعلى صحيحِ مُسْلِمٍ (4) . وهما كتابان مستقلاَّن، والمرادُ من قولنا المستخرج على الصَّحيحين ما اشتمل عليه البخاري ومسلم.
3- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمام الحافظ، المُعَمَّرِ الثِّقَةِ، شيخ الأهواز، أبي بَكْرٍ، أحمد بن عَبْدَانَ بن محمد بن الفَرَجِ، الشِّيْرَازِيِّ (ت388هـ) (5) ، ذَكره الكَتَّانيُّ فيمن صَنَّفَ على كُلِّ منهما (6) .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/466.
(2) سير أعلام النبلاء: 15/467-468.
(3) الرِّسالة المستطرفة: 29،30.
(4) سير أعلام النبلاء: 16/288، تذكرة الحفاظ:3/956.
(5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 16/489.
(6) الرِّسالة المستطرفة: 29،30.(1/221)
4- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمامِ الحافظ، العَلاَّمَةِ الثِّقَةِ، شيخِ الفُقهاءِ والمُحَدِّثينَ، أبي بَكْرٍ، أحمدَ بن محمد بن أحمد بن غَالبٍ، الخُوَارِزْمِيِّ، ثُمَّ البَرْقَانِيِّ، المتوفى ببغدادَ سنة (425هـ) (1) ، قال الخطيبُ البغداديُّ: وَصَنَّفَ مُسْنَداً ضَمَّنَهُ ما اشتملَ عليه صَحيح البُخاريّ ومُسْلِمٍ (2) .
5- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، أبي بكرٍ، أحمدَ بن عليِّ بن محمد بن إبراهيمَ بن مَنْجُويه، اليَزْدِيِّ، الأَصْبَهانِيِّ، نزيلِ نيسابور (ت428هـ) (3) ، قال الذَّهبيُّ: قد صَنَّفَ ابنُ مَنْجُويه على ((الصَّحيحين)) مُسْتَخْرَجاً، وعلى ((جامع)) أبي
عيسى، و ((سُنن)) أبي داودَ (4) .
6- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمامِ الحافظِ، الثِّقةِ العلاَّمةِ، أبي نُعيمٍ، أحمد بن عبدِاللَّهِ بن إسحاقَ المِهْرَانِيِّ، الأصبهانيِّ، الصُّوفيِّ، الأحولِ (ت430هـ) (5) ، ذكره الإمامُ الذَّهبيُّ، وسمَّاه ((المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين)) (6) .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/464.
(2) تاريخ بغداد: 4/374. وقال الكَتَّانيُّ: ((على كلِّ منهما)) الرسالة المستطرفة: 30. وأفاد منه الإمام ابنُ حجر في ((فتح الباري)) انظر: 2 / 424، 564، و 5 / 329 و 6 / 55، 12 / 309، 433، و13/210،514.
(3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/438.
(4) سير أعلام النبلاء: 17/440.
(5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/453.
(6) سير أعلام النبلاء: 17/455-456.(1/222)
7- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، شيخِ الحَرَمِ، أبي ذَرٍّ، عَبْدِ ابنِ أحمد بن محمد، المعروف ببلدهِ بابنِ السَّمَّاكِ، الأنصاريِّ، الخُرَاسَانيِّ، الهَرَوِيِّ، المَالِكِيِّ (ت434هـ) (1) ، قال القاضي عِياض: ولأبي بكر كتابه الكبير في المسند الصحيح المخرج على البخاري ومسلم (2) .
8- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، مُحَدِّث العراق، أبي محمدٍ، الحَسَنِ بن محمد بن الحَسن بن عليٍّ، البغداديِّ، الخَلاَّلِ (ت439هـ) (3) ، قال الخطيبُ البغداديُّ: وخَرَّجَ المُسْنَد على الصَّحيحينِ (4) .
9- المُسْتَخْرَجُ على الصَّحِيحين: للإمامِ المُحَدِّثِ الثِّقَةِ، أبي الحَسَنِ، أحمد بن محمد ابن أحمد بن منصورٍ، البغداديِّ العَتيقِيِّ، المُجَهِّزِ السَّفَّارِ (ت441هـ) ، قال ابنُ ماكولا: خَرَّجَ على الصَّحيحينِ (5) .
10- المُسْتَخْرَجُ عَلى الصَّحِحَين: للحافظِ العالمِ المُفيدِ، أبي مَسْعودٍ، سُليمانَ بنِ إبراهيم بن محمد بن سُليمانَ الأصْبَهَانِيِّ، المِلَنْجِيِّ (ت486) (6) ، قال السَّمعانيُّ: خَرَّجَ على الصَّحيحينِ (7) .
رابعاً: المُسْتَخْرَجَات على السُّنَنِ وَغَيرِها:
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/554.
(2) ترتيب المدارك: 4/697، وسمَّاه الحافظ الذَّهبيُّ: ((الصَّحيح المُسْنَد المُخَرَّج على الصَّحيحينِ)) سير أعلام النبلاء: 17/560.
(3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/593.
(4) تاريخ بغداد: 7/425، الأنساب: 5/218 (الخَلاَّل) ، سير أعلام النبلاء: 17/593.
(5) سير أعلام النبلاء: 17/603، الوافي بالوفيات: 7/379.
(6) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 19/21.
(7) سير أعلام النبلاء: 19/23.(1/223)
1- المُسْتَخْرَجُ على جامع التِّرْمِذِيِّ: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، أبي عليِّ، الحسنِ بن عليِّ ابن نَصْر بن منصورٍ، الطُّوسِيِّ، المعروف بمُكردش (ت312هـ) (1) ، ذكرَ الكَتَّانيُّ أنَّ لهُ مُسْتَخرجاً على التِّرْمِذِيِّ، وأضاف قائلاً: لقد شارك التِّرْمِذِيّ في كثيرٍ مِن شيوخهِ (2) .
2- المُسْتَخْرَجُ على جامع التِّرْمِذِيِّ: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، أبي بكرٍ، أحمدَ بن عليِّ ابن محمد بن إبراهيمَ بن مَنْجُويه، اليَزْدِيِّ، الأَصْبَهانِيِّ، نزيلِ نيسابور (ت428هـ) (3) ، قال الذَّهبيُّ: قد صَنَّفَ ابنُ مَنْجُويه مُسْتَخْرَجاً على ((جامع)) أبي عيسى (4) .
3- المُسْتَخْرَج على سُنن أبي داود: للإمامِ الحافظِ العَلاَّمةِ، شيخِ الأندلسِ، ومُسْنِدِها، أبي عبدِاللَّهِ محمد بن عبدِالملكِ بن أيمن بن فَرَجٍ القُرْطُبِيِّ (ت330هـ) (5) ، قال الذَّهبيُّ: صَنَّفَ كتاباً في السُّننِ، خَرَّجَهُ على ((سُنن)) أبي داود (6) .
4- المُسْتَخْرَج على سُنن أبي داود: للإمامِ الحافظِ المُجَوِّدِ، أبي بكرٍ، أحمدَ بن عليِّ ابن محمد بن إبراهيمَ بن مَنْجُويه، اليَزْدِيِّ، الأَصْبَهانِيِّ، نزيلِ نيسابور (ت428هـ) (7) ، قال الذَّهبيُّ: قد صَنَّفَ مُسْتَخْرَجاً على ((سُنن)) أبي داودَ (8) .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 14/287.
(2) الرسالة المستطرفة: 31.
(3) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/438.
(4) انظر: سير أعلام النبلاء: 17/440، الرسالة المستطرفة: 30
(5) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/241.
(6) سير أعلام النبلاء: 15/242، وانظر: تاريخ علماء الأندلس: 2/50-51، الرِّسالة المستطرفة: 30.
(7) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/438.
(8) أنظر: سير أعلام النبلاء: 17/440، الرسالة المستطرفة.(1/224)
5- المُسْتَخْرَج على سُنن أبي دَاودَ: للإمامِ الحافظ العَلاَّمةِ مُحَدِّث الأندلس، أبي محمدٍ، قاسم بن أصْبَغ بن محمدٍ القُرْطُبِيِّ، مولى بني أُمَيَّةَ (ت430هـ) (1) ، قال الذَّهبيُّ: وَفاتَهُ السَّماع مِن أبي داودَ، فصَنَّفَ سُنناً على وَضْعِ سُننهِِ (2) . قال الكَتَّانيُّ: ثُمَّ اختصر قاسمُ ابن أصبغ كتابه وسمَّاهُ ((المُجتنى)) بالنُّون، فيه مِنَ الحديثِ المُسْنَدِ ألفٌ وأربعمائة وتسعونَ حديثاً، في سبعة أجزاء (3) .
6- الأموال: لأبي أحمد حُميد بن مَخْلَد بن قُتَيْبَةَ بن عبدِاللَّهِ الأزديِّ النَّسائيِّ، المعروف بابنِ زَنْجُويه، وهو لقبُ أبيهِ (ت248، وقيل: 251هـ) (4) ، قال الكَتَّانيُّ: وكتابه كالمُسْتَخْرَجِ على كتاب أبي عُبيدٍ، وقد شاركهُ في بعض شيوخهِ وزاد عليهِ زيادات (5) .
7- المُنْتَقى: للإمامِ الحافظ العَلاَّمةِ مُحَدِّث الأندلس، أبي محمدٍ، قاسم بن أصْبَغ بن محمدٍ القُرْطُبِيِّ، مولى بني أُمَيَّةَ (ت340هـ) (6) ، قال الكَتَّانيُّ: وكتاب المُنْتَقَى لأبي محمد قاسم بن أصبغ، وهو على نحو كتاب المُنْتَقَى لابن الجارود (عبد اللَّه بن عليٍّ ت306، أو307هـ، وهو كالمُسْتَخْرَجِ على صحيح ابنِ خُزَيْمَةَ) ، وكان قد فاتهُ السَّماع منهُ ووجدهُ قد مات، فألَّفهُ على أبوابِ كتابهِ بأحاديثَ خرَّجَها عن شيوخهِ، قال أبو محمد ابن حزمٍ: وهو خير انتقاء منه (7) .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 14/472.
(2) سير أعلام النبلاء: 14/473، وقال ابنُ فَرْحون: وصنَّفَ في الحديثِ مُصَنَّفاتٍ حَسَنَةٍ، منها: مُصَنَّفهُ المُخَرَّج على كتاب أبي داودَ.. الدِّيباج المُذْهَب: 2/146.
(3) الرسالة المستطرفة: 30.
(4) ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء: 12/19.
(5) الرسالة المستطرفة: 47.
(6) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 15/472.
(7) الرسالة المستطرفة: 25.(1/225)
8- المُسْتَخْرَج على كتاب التَّوحيد لابن خُزَيمَةَ: للإمامِ الحافظِ، الثِّقةِ العلاَّمةِ، أبي نُعيمٍ، أحمد بن عبدِاللَّهِ بن إسحاقَ المِهْرَانِيِّ، الأصبهانيِّ، الصُّوفيِّ، الأحولِ (ت430هـ) (1) ، ذكره الإمامُ الإمامُ الكَتَّانيُّ (2) .
9- المُسْتَخْرَجُ على المُسْتَدْرَك للحاكم النَّيْسَابُوريِّ: للإمامِ أبي الفَضْلِ عَبْدِالرَّحيم ابنِ الحُسينِ بن عبدِالرَّحمن العِراقيِّ (806هـ) (3) ، قال الحافظ ابن حجرٍ في ترجمة العراقيِّ: ثُمَّ شَرَعَ في الإملاء من ((تخريج المُسْتَدْرَك)) ، فكتب منه قَدْر مُجَيْلَدة إلى أثناء كتاب الصَّلاة (4) .
وقال الكتَّانِيُّ: وأملى على المُسْتَدْرَكِ للحاكمِ مُسْتَخْرَجاً لم يَكْمل (5) .
__________
(1) ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/453.
(2) الرِّسالة المستطرفة: 31.
(3) ترجمته ومصادرها في: المجمع المؤسس: 2/176.
(4) المجمع المؤسس: 2/185،برقم: (753) ، ولحظ الألحاظ: 233، ويوجد ((سبعة مجالس من المُسْتَخْرَج على المُسْتَدْرك)) في ليدن بخطِّ اللبودي، وفي المكتبة البلدية بالأسكندرية: 2436، طبعهُ محمد عبد المنعم بن رشاد، بمكتبة السُّنَّة في القاهرة (1410هـ-1990م) ، في (132صفحة) ، انظر: المجمع المؤسس: 2/185 (حاشية رقم:753) .
(5) الرسالة المستطرفة: 31.(1/226)
قال الكَتَّانِيُّ رحمهُ اللَّهُ تعالى: وقد يطلق المُسْتَخْرَجُ عندهم على كتابٍ استخرجهُ مؤلِّفهُ، أي جمعهُ مِن كُتُبٍ مَخصوصةٍ، كَمُسْتَخْرَجِ الحافظِ أبي القاسمِ عبد الرَّحمن بن محمد ابن إسحاقَ بن محمد بن يحيى بن مَنْدَه العَبْدِيِّن مولاهم، الأصفهاني، المتوفى سنة (470هـ) ، واستخرجَهُ للنَّاسِ للتذكرةِ، وسمَّاهُ ((المُسْتَخْرَج مِن كُتُبِ النَّاسِ للتذكرةِ والمُسْتَطْرَفِ مِن أحوالِ النَّاسِ للمعرفةِ)) ، جمعَ فيهِ فأوعى. . وكثيراً ما ينقل عن مُسْتَخْرَجِهِ المذكور الحافظ ابن حجرٍ في كُتُبِهِ، فيقولُ: ذَكَرَ ابنُ مَنْدَه في مُسْتَخْرَجِهِ، وتارةً يقولُ: في تذكرتهِ، واللَّهُ أعلم (1) .
المبحث الرَّابع: الصِّلة بين التَّخريج والمُستخَرَّجات، ومعاجم الشُّيوخ والمشيخات
التخريج لُغةً: الخُرُوج نقيض الدُّخولِ، وخارج كلَّ شيءٍ ظاهرهُ، والاستخراج كالاستنباط (2) ، واستَخْرَجْتُ الشَّيءَ مِنَ المَعْدَنِ خَلَّصْتُهُ مِنْ تُرَابِهِ (3) .
التخريج إصطلاحاً: عَرَّفَ الإمامُ السَّخاويُّ التَّخريج بأنَّهُ: إخراج المُحَدِّث الأحاديثَ مِن بطونِ الأجزاء والمشيخات، ونحوها وسياقها مِن مَروياتِ نَفْسِهِ، أو بعض أصحابِ الكُتُبِ والدَّواوين، مع بيان البَدَل، والموافقة، ونحوهما. . وقد يتوسع في إطلاقهِ على مجَرَّد الإخراجِ (4) .
وَقالُ الإمام أبو بكر ابن ماكولا (ت629هـ) : خَرَّجَ الأحاديثَ تَخْريجاً أي أعدَّ أسانيدها حَسب أصول الرِّواية، وَخَرَّجَ لِفُلانٍ تَخْريجاً أي جَمَعَ أحاديثهُ مِنَ الكُتُبِ والسَّماعاتِ بأسانيدِها (5) .
__________
(1) الرسالة المُسْتطرفة: 31-32.
(2) انظر: لسان العرب:2/249، 250مادة (خرج) .
(3) المصباح المنير: 1/166، وانظر: تاج العروس: 2/28-30مادة (خرج) .
(4) فتح المغيث: 2/328.
(5) تكملة الإكمال: 1/40.(1/227)
وعلى هذا فإنَّ المُسْتَخْرَجَات ماهي إلاَّ لونٌ مِن ألوان التَّخريج.
إنَّ المَرويَّات التي ترويها العديد مِن معاجم الشيوخِ والمشيخات والتي قد تكونُ رواية لجزءٍ حديثيٍّ، أو لكتابٍ مشهورٍ، أو محاولة القُرب بالنِّسبة إلى روايةٍ مِن روايات الكتُبِ السِّتَّةِ، أو غيرِها مِن المُصَنَّفاتِ، هو ما كثُرَ اعتناء المتأخِّرينَ بهِ، ولقد حَرص المُحَدِّثون على العُلُوِّ في الإسناد، وهو الذي قَلَّ عدد رجاله بالنِّسبة إلى سند آخر يرد به ذلك الحديث بعددٍ أكثر، وينقسم إلى خمسة أقسام، واحد منها علو مطلق، والباقي علو نسبي وهي:
1- القرب من رَسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح، وهذا هو العلو المطلق، وهو أجل أقسام العلو.
2- القرب من إمام من أئمة الحديث، وإن كثر بعده العدد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل القرب من الأعمش، أو ابن جُرَيْجٍ، أو مالك، مع الصِّحة، ونظافة الإسناد.
3- القرب بالنسبة إلى رواية الكتب السِّتَّة أو غيرها من الكتب المعتمدة: وهو ماكثر اعتناء المتأخرين به من الموافقة، والأبدال والمساواة والمصافحة.
أ - فالموافقة: هي الوصول إلى شيخ أحد المُصَنِّفين من غير طريقه بعدد أقل مما لو روى من طريقه عنه.
ب- البدل: هو الوصول إلى شيخ شيخِ أحد المُصَنِّفين من غير طريق المصنّف المعَّين بل من طريق آخر أقل عدداً منهُ.
ج- المساواة: هي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المُصَنِّفين.
د- المصافحة: هي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد تلميذ أحد المُصنَنِّفين.
4- العلو بتقدم وفاة الراوي.(1/228)
5- العلو بتقدم الإسناد: أي بتقدم السماع من الشيخ، فمن سمع منه متقدماً كان أعلى مِمَّن سمع منه بعده (1) .
صورة السند العالي
إنَّ حرص المُحَدِّثين على رواية المُصَنَّفات والأجزاء الحديثية، وتخريجها في مُصَنَّفاتهم، ومحاولة رواية هذهِ النُّصوصِ في مشيخاتهم ومصَنَّفاتهم وبأسانيدَ عالية قد غدت ظاهرة واضحة لِمُعْظَمِ معاجمِ الشيوخِ والمشيخاتِ التي صُنِّفَت بعد القرن الخامس، الأمر الذي يجعلنا نقول: إنَّ هذا النَّوع مِنَ المُصَنَّفات قد أضحى هو البديل المناسب عن التصنيف في المُسْتَخْرَجات.
وقد وصَفَ الإمام السَّخاويُّ أُسلوبَ أصحاب المشيخات في روايتهم للمُصَنَّفات
قائلاً: وصنيع أصحاب المشيخات في إيرادِ الأحاديثِ المرويَّةِ عن شيوخهم هو مثل صنيع أصحابِ المُستَخْرجاتِ، وهو أن يَعْمَدَ حافظٌ إلى ((صحيحِ البُخارِيِّ)) مثلاً، فيورِدَ أحاديثهُ بأسانيدَ لِنَفْسِهِ غير مُلْتَزِمٍ فيها ثِقَة الرُّواة إلى أن يَلْتَقي معهُ في شيخِهِ، أو شيخ شيخهِ، وهكذا ولو في الصَّحابيِّ، وأصحاب المُسْتَخْرَجاتِ وأكثر المُخَرِّجينَ للمشيخات والمعاجمِ يورِدونَ الحديثَ بأسانيدِهِم، ثُمَّ يُصَرِّحونَ بعدَ انتهاء سياقهِ غالباً بعزوهِ إلى البخاريِّ، أو مُسْلِمٍ، أو إليهِما مَعَاً، مع اختلافٍ في الألفاظِ وغيرها، يُريدونَ أصلَه (2) .
__________
(1) انظر: علو الحديث لابن الصلاح: 381، التبصرة والتذكرة وفتح الباقي: 2/253، شرح النخبة: (ص:60) وما بعدها، تدريب الراوي: (2/161،170) ، فتح المغيث: (3/9-26) ، اختصار علوم الحديث: 161، وقد (جعل ابن طاهر وتبعه ابن دقيق العيد القسمين الرابع والخامس قسماً واحداً) . العراقي في التبصرة والتذكرة، وكذا فتح الباقي: 2/263، فتح المغيث: 3/22، تدريب الراوي: 2/169، وانظر الاقتراح لابن دقيق العيد: (301-308) .(1/229)
ولقد سلك المُحَدِّثون في بعضِ معاجم الشُّوخِ والمشيخات مسلكاً جديداً في روايتهم للنُّصوصِ المُتَقَدِّمةِ، أضحى البديل المُناسبَ للمُسْتَخْرَجات، ويرتبط معها بالرَّوابطِ العُضويَّةِ نفسها، وَتَمَثَّلَ هذا المَسْلَك في ابتكار أسلوب العُلُوِّ في الإسناد، وأقسامه المُختلفة، وتتبع الطُّرق المُختلفة للرِّواية الواحدة، وعلى ذلكَ قامت مناهج العديد من المعاجم والمشيخات التي صُنِّفت بعد القرن الخامس. . ولكي يأخذ القارئ فكرةً واضحةً عن علم التَّخريجِ، والصِّلة بينَ المُستَخْرَجات، ومعاجم الشُّيوخ والمشيخات، لابد أن نضرب لهُ أُنموذجاً واحداً يبين لنا الرَّوابط المشتركة بين هذهِ الفنين، ولنأخذ هذا المثال مِن خلال الترجمة (43) من تراجم كتاب:
إرشَادُ الطَّالبينَ إلى شُيُوخِ قَاضِي القُضَاةِ شَيخِ الإسلامِ أبي حَامِدٍ مُحَمَّدِ بْنِ عبدِالله بْنِ ظَهِيْرَةَ جَمال الدِّينِ المتوفَّى سنة (817هـ)
تخريجُ الإمامِ الحافظِ غَرْسِ الدِّينِ أبي الحَرَمِ خَليلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحيمِ بْنِ عَبْدِالرَّحمنِ الأَقْفَهْسِيِّ، المتوفَّى سنة (821هـ) (1) . {43}
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ عليِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِالسَّلاَمِ ابن أبي المَعَالي ابنِ أبي الخيِر بنِ ذَاكِرِ ابن أحمدَ بن الحَسَنِ بنِ شَهْرَيار، الكَازَرُونِيُّ الأصل، المَكِّيُّ، أبو عَبْدِاللهِ، جمالُ الدِّينِ، رئيسُ المُؤَذِّنينَ بالمَسْجِدِ الحَرَامِ.
وُلِدَ بِمَكَّةَ في شَهْرِ رَمَضَانَ، سنةَ إحدى عشرة وسبعمائة.
__________
(1) 134) فتح المغيث: (1/39-41) .
() الكتاب تحت الطبع وقد قمت بتحقيقه ودراسته ويقع في (3000صفحة) .(1/230)
وسمعَ من الإمامِ رَضِيِّ الدِّينِ الطَّبَرِيِّ ((عُلُوم الحديث)) (1) لابن الصَّلاَح (2) ، بإجازته من مؤلِّفِهِ، وغير ذلك، وحَدَّثَ.
سمعتُ منهُ، وكان عارفاً بعلم الميقات، وَأَلَّفَ في ذلك ((أرجوزة)) (3) .
ومات في شَوَّالٍ، سنة سبع وسبعين وسبعمائة، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى.
__________
(1) الكتاب مطبوع عدة طبعات، انظر: ثبت المصادر والمراجع.
(2) هو (الإمام الحافظ العلامة شيخ الإسلام، تقي الدين، أبوعمرو، عثمان بن عبد الرحمن ابن عثمان ابن موسى الكردي الشهرزوري، الموصلي الشافعي، صاحب ((علوم الحديث)) . توفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة) . ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 23/140، وانظر: مقدمة تحقيقنا لكتاب ((صيانة صحيح مسلم من الإخلال والخلل وحمياته من الإسقاط والسقط)) لابن الصلاح: (91-71) ، ومقدمة تحقيقنا لكتاب ((أدب المفتي والمستفتي)) لابن الصلاح: (11-20) .
(3) أولها: قال ابن عبد الله والسلام ** ... مؤذن الكعبة والمقام) . العقد الثمين: 2/70.(1/231)
أخبرني أبو عَبْدِاللهِ مُحَمَّدُ بن عَبْدِاللهِ بن عليِّ بن مُحَمَّدِ بن عَبْدالسَّلاَمِ المُؤَذِّن، وأبو العَبَّاس أحمدُ بن مُحَمَّدِ بن مُحَمَّدِ بن مُحَمَّدٍ القَسْطَلاَّنِيُّ، وأبو مُحَمَّدٍ عبدُاللَّهِ بن مُحَمَّدِ ابن مُحَمَّدِ بن سُلَيْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ (1) ، قِرَاءَةً عليهم وَأَنا أَسْمَعُ بالمَسْجِدِ الحَرَامِ، قالوا: أنا أبو أحمدَ إبراهيمُ بنُ مُحَمَّدٍ الإمامُ، قِرَاءَةً عليه وَنَحْنُ نَسْمَعُ قال: أنا عَمُّ أبي يعقوبُ (2) ابن أبي بكرٍ الطَّبَرِيُّ، قِرَاءَةً عليه وَأَنا أَسْمَعُ، قال: أنا أبو الفُتُوحِ نَصْرُ (3)
__________
(1) في الأصل في هذا الموضع ((النيسابوري)) وهو صواب فإنه ((نيسابوري الأصل، يعرف بالنَّشَاوِرِيَّ)) .
(2) هو (القاضي جمال الدين، أبوأحمد، يعقوب بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم المكي الطبري. سمع من يونس الهاشمي ((صحيح البخاري)) ، ومن زاهر ((جامع الترمذي)) ، ومن أبي الفتوح الحصري ((سنن أبي داود)) ، وغير ذلك.
توفي سنة خمس وستين وستمائة) . ترجمته في: ذيل التقييد: 2/312 (1700) ، العقد الثمين: 7/473.
(3) هو (الشيخ الإمام العالم الحافظ المتقن المقريء، برهان الدين، أبوالفتوح، نصر بن محمد بن علي ابن أبي الفرج، البغدادي الحنبلي، ابن الحصري.
توفي سنة تسع عشرة وستمائة، وقيل: سنة ثماني عشرة) . ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 22/163.(1/232)
ابن أبي الفرجِ بن عليِّ ابن الحُصْرِيِّ، قِرَاءَةً عليه وَأَنا أَسْمَعُ، قال: أنا أبو طَالِبٍ مُحَمَّدُ (1) بنُ مُحَمَّدِ ابن أبي زيدٍ العَلَوِيُّ البَصْرِيُّ، قِرَاءَةً عليه وَأَنا أَسْمَعُ، قال: أنا أبو عَلِيٍّ عليُّ (2) بن أحمدَ التُّسْتُرِيُّ، إجازةً إنْ لم يكن سماعاً، قال: أنا القاضي أبو عُمَرَ القاسمُ (3) ابن جعفرٍ الهَاشِمِيُّ، قال: أنا أبو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ (4)
__________
(1) هو (المولى الشريف، أبوطالب، محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن أبي زيد، العلوي الحسني، البصري، نقيب الطالبين ببلده. روى ((سنن أبي داود)) عن أبي علي علي بن أحمد التستري، توفي سنة ستين وخمسمائة) . ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 20/423.
(2) هو (الشيخ الجليل، أبوعلي، عليُّ بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن بحر التُّسْتَرِيُّ، ثُمَّ البصري السقطي، راوي ((سنن أبي داود)) ، عن القاضي أبي عمر الهاشمي. توفي سنة تسع وسبعين وأربعمائة بالبصرة) . ترجمته ومصادرها في: سيرأعلام: النبلاء:18/481.
(3) هو (الإمام الفقيه المعمرمسند العراق، القاضي أبوعمر، القاسم بن جعفربن عبد الواحدبن العباس ابن عبد الواحد الهاشمي العباسي البصري، راوية ((السنن)) لأبي داود، عن أبي علي اللؤلؤي. توفي سنة أربع عشرة وأربعمائة) . ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 17/225.
(4) هو (الإمام المحدث الصدوق، أبوعلي، محمد بن أحمد بن عمرو، البصري اللؤلؤي.
... قرأ كتاب ((السنن)) لأبي داود عشرين سنة، وكان يدعى وراق أبي داود.
والوراق في لغة أهل البصرة: القاريء للناس، توفي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة) . ترجمته ومصادرها في: الأنساب (اللؤلؤي) ، سير أعلام النبلاء: 15/307.(1/233)
بن أحمدَ بن عمرو اللُّؤلُؤيّ، قَثَنَا أبو دَاودَ سليمانُ (1) بن الأشعثِ الحافظُ، قَثَنَا هارونُ (2) بنُ عَبْدِاللَّهِ، قَثَنَا أبو دَاودَ (3) الطَّيَالِسِيُّ، عن إبراهيمَ بن سعدٍ (4) ، عن أبيه (5) ، عن أبي عُبيدة (6) بن مُحَمَّدِ بن عَمَّارِ بن ياسِرٍ، عن طَلْحَةَ (7) بن عَبْدِاللهِ بن عَوْفٍ، عن سعيدِ (8) بن زيدٍ رضي الله تعالى عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مالهِ فَهُوَ شَهيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمهِ، أو دُونَ دِينهِ، فَهُوَ شهيدٌ)) (9)
__________
(1) هو (سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد الأزدي، السجستاني، أبوداود، ثقة حافظ مصنف ((السنن)) وغيرها، من كبار العلماء، مات سنة خمس وسبعين ومائتين. ت س) التقريب 250، تهذيب التهذيب: 4/169.
(2) هو (هارون بن عبد الله بن مروان البغدادي، أبوموسى الحمال، بالمهملة، البزاز، ثقة، مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين. م4) . تهذيب التهذيب: 11/8.
(3) هو (سليمان بن داود بن الجارود، أبوداود الطيالسي البصري، ثقة حافظ غلط في أحاديث، مات سنة أربع ومائتين. خت م4) التقريب: 250.
(4) هو ((إبراهيم بن سعد بن إبراهيم)) .
(5) هو ((سعد بن إبراهيم بن سعد)) .
(6) هو (أبوعبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، أخو سلمة، وقيل: هو هو، مقبول، من الرابعة. 4) التقريب: 656، وفي ((الكاشف)) : 3/357 ((وثق)) .
(7) هو (طلحة بن عبد الله بن عوف الزهرى، المدني القاضي، يلقب طلحة الندى، ثقة مكثر فقيه، مات سنة سبع وتسعين. خ4) . التقريب: 282.
(8) هو (سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، أبوالأعور، أحد العشرة، مات سنة خمسين أو بعدها بسنة أو سنتين. ع) التقريب: 236.
(9) إسناده حسن، والحديث صحيح. أخرجه أبوداود: (5/128-129) في السنة، باب في قتال اللصوص، برقم: (4772) من الطريق الذي ذكره ابن ظهيرة، وأبوداود السجستاني يروي
((مسند الطيالسي)) ، والحديث في ((مسند)) الطيالسي: 1/236، برقم: (2050) (منحة المعبود) . وأخرجه الترمذي في ((الجامع)) : 4/30 في الديات، باب ماجاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، برقم: (1421) حدثنا عبد بن حميد قال: أخبرني يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي، به. وأخرجه ابن ماجه: 2/861 في الحدود، باب من قتل دون ماله فهو شهيد، برقم: (2580) حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، به. وأخرجه أحمد: (1/189-190) من طرق عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، به، مثله. والبخاري: 5/103 في المظالم، باب إثم من ظلم شيئاً من الأرض، برقم: (2452) حدثنا أبواليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري، قال: حدثني طلحة بن عبد الله أن عبد الرحمن بن عمرو ابن سهل أخبره أن سعيد بن زيد، به، مثله. وأخرجه البخاري: ==6/293 في بدء الخلق، باب ماجاء في سبع أرضين، برقم: (3198) حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبوأسامة، عن هشام، عن أبيه قال لي سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل، به، مثله. وأخرجه أحمد في ((المسند)) : 1/188 ثنا يحيى، عن هشام، وابن نمير، ثنا هشام، حدثني أبي، عن سعيد بن زيد، مثله. و: ((المسند)) 1/188 ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن عبد الرحمن بن سهل، به مثله. وأخرجه عبد بن حميد في ((المنتخب)) : 66، برقم: (105) حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، به. وأخرجه النسائي: 7/115 في تحريم الدم، باب من قتل دون ماله، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم وقتيبة واللفظ لإسحاق، قالا: أنبأنا سفيان، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله، به. و: 7/116 باب من قاتل دون أهله، وباب من قاتل دون دينه من طرق، عن إبراهيم ابن سعد، به. و: 7/115 أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عبدة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن طلحة، به. وأخرجه عبد بن حميد في ((المنتخب)) :66، برقم: (106) حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن أبي عبيدة بن محمد ابن عمار، عن طلحة بن عبد الله ابن عوف، به. وأخرجه أبويعلى في ((المسند)) : (2/248-253) برقم: (949-959) بطرق متعددة عن سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه. وأخرجه الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)) :
10 /81 أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، أخبرنا إسماعيل بن محمد المحاملي، حدثنا عبد الله بن أيوب المخرمي، حدثنا سفيان ابن عيينة، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله، به. وانظر: تحفة الأشراف: 4/5، برقم: (4456) ، (4/8-9) ، برقم: (4460) ، و (4461) وسيأتي في الترجمة رقم: (211) .(1/234)
*
وأخبرناه أعلى من هذه الرِّوَايَةِ بِدَرَجَةٍ الشيخُ أبو حَفْصٍ عمرُ ابن الحَسَنِ بن مَزِيْدٍ بن أُمَيْلَةَ، بقراءتي عليه بِظَاهِرِ دِمَشْقَ في الرِّحْلَةِ الأولى، قال: أنا أبو الحَسَنِ عليُّ بن أحمدَ ابن عَبْدِالوَاحِدِ المَقْدِسِيُّ، قِرَاءَةً عليه وَأَنا أَسْمَعُ، قال: أنا أبو حَفْصٍ عمرُ بن مُحَمَّدِ بن طَبَرْزَدَ الدَّرَقَزِيُّ قََِدمَ علينا، قال: أنا أبو البَدْرِ إبراهيمُ (1) بنُ مُحَمَّدِ ابن الكَرْخِيِّ (2) ، قال: أنا الحافظ أبو بَكْرٍ أحمدُ بن عليِّ بن ثابتٍ الخَطِيْب (3) ، قال: أنا القاضي أبو عُمَرَ القاسمُ بن جعفرٍ الهَاشِمِيُّ (4) ، فذكره. *
__________
(1) هو (الشيخ الفقيه العالم المسند، أبوالبدر، إبراهيم بن مُحَمَّد بن منصور بن عمر الكَرْخِيّ، له
((مشيخة)) مروية، توفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة) . ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 20/71.
(2) هذه النسبة إلى عدة مواضع اسمها الكرخ ... أبوالبدر ... كان يسكن كرخ بغداد.. وأصله من كرخ جدان.) الأنساب: (10/388، 394) ، وفي معجم البلدان: 4/449 (كرخ جُدَّان: بضم الجيم، وسمعت بعضهم يفتحها والضم أشهر، والدال مشددة، وآخره نون، وزعم بعض أهل الحديث: أن كرخ باجدا وكرخ جدان واحد، وليس بصحيح، فأمَّا باجدا: فهو كرخ سامرا، وأما كرخ جدان: فإنه بليدة في آخر ولاية العراق يناوح خانقين عن بعد، وهو الحد بين ولاية شهرزور والعراق) .
(3) ابن ظهيرة رحمه الله تعالى يروى هنا ((سنن أبي داود)) من طرق ((علي بن أحمد بن عبد الواحد المَقْدِسِيّ)) بسنده من طريق الخَطِيْب البَغْدَادِيّ.
(4) من طريقه روى الخَطِيْب البَغْدَادِيّ ((سنن أبي داود)) برواية مُحَمَّد بن أحمد اللؤلؤي في ((تاريخ بغداد)) (12 نصاً) .
انظر: ((موارد الخَطِيْب البَغْدَادِيّ في تاريخ بغداد)) : (ص 543) .(1/235)
وأخبرناه أعلى من هذه الرِّوَايَةِ بِدَرَجَةٍ، ومن الأولى بِدَرَجَتَيْنِ الشيخُ أبو الحَسَنِ مُحَمَّدُ ابن عمر بن الحَسَنِ بن حبيبٍ، قِرَاءَةً عليه وَأَنا أَسْمَعُ بالمَسْجِدِ الحَرَامِ قَدِمَ عَلَينا، قال: أنا أبو المَكَارِمِ مُحَمَّدُ (1) بن أحمدَ بن مُحَمَّدِ بن عَبْدالقَاهِرِ ابن النَّصِيْبِيِّ، قِرَاءَةً عليه وَأَنا أَسْمَعُ بِحَلَبَ، قال: أنا الحافظُ أبو الحَجَّاجِ يُوسُفُ بن خليلِ بن عَبْدِاللهِ الدِّمَشْقِيُّ، قال: أنا القاضي أبو المَكَارِمِ أحمدُ بن مُحَمَّدِ بن مُحَمَّدِ بن عَبْدِاللَّهِ اللَّبَّانُ الأَصْبَهَانِيُّ، بها، قال: أنا أبو عَلِيٍّ الحسنُ بن أحمدَ بن الحَسَنِ الحَدَّادُ، قال: أنا أبو نُعَيْمٍ أحمدُ بن عَبْدِاللَّهِ بن أحمدَ الحافظ، قَثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ جعفرٍ، قَثَنَا يُونُسُ (2) بن حبيبٍ، قيثنا أبو دَاودَ الطَّيَالِسِيُّ (3)
__________
(1) هو (الجليل الرئيس، تاج الدِّينِ، أبو المَكَارِمِِ، مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد بن عبد القاهر ابن هبة الله الحَلَبِيّ، المعروف بابن النَّصِيْبِيّ، حدث بكتاب ((المسند)) لأبي داود الطيالسي من أبي الحجاج يوسف بن خليل الحَلَبِيّ، توفي سنة خمس عشرة وسبعمائة) . ترجمته في: معجم الشيوخ للذهبي: 2/153، ذيل التقييد: 1/79 (68) ، الدرر الكامنة: 3/355، شذرات الذهب: 6/38.
(2) هو (المحدث الحجة، أبوبشر، يونس بن حبيب مولاهم الأَصْبَهَانِيّ، روى عن أبي داود الطيالسي ((مسنداً)) في مجلد كبير، توفي سنة سبع وستين ومائتين) . ترجمته ومصادرها في: سير أعلام النبلاء: 12/596.
(3) ابن ظهيرة يروى هنا ((مسند أبي داود الطيالسي)) .
انظر: فهرسة ابن خير: 141، صلة الخلف: 352، ((المنتخب من معجم شيوخ السمعاني)) برقم: (227) ، التقييد: 2/309، وانظر الترجمة رقم: (79) ، و (149) و (376) .(1/236)
، قَثَنَا إبراهيم بن سعدٍ، عن أبيه، عن أبي عُبَيْدَةَ بن مُحَمَّدِ بن عَمَّارِ بن ياسِرٍ، عن طَلْحَةَ بن عَبْدِاللهِ بن عَوْفٍ، عن سعيدِ بن زيدٍ رضي اللَّهُ تعالى عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالهِ فَهْوَ شَهيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دونَ أهلهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهيدٌ)) (1) . *
وأخبرناه أبو عُمَرَ مُحَمَّدُ بن أحمدَ بن أبي عمر، بقراءتي عليه، قال: أنا عَلِيُّ (2) ابن أبي العَبَّاس الحَنْبَلِيُّ، سماعاً، قال: أنا أبو عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ، قال: أنا هبةُ الله بن مُحَمَّدٍ، قال: أنا أبو عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ، قال: أنا أبو بَكْر ابن مالكٍ، قَثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ أحمدَ، قال: حَدَّثَنِي أبي، قَثَنَا سليمانُ ابن دَاودَ الهَاشِمِيُّ، قَثَنَا إبراهيمُ بن سَعْدٍ، عن أبيه، عن أبي عُبيدةَ ابن مُحَمَّدِ بن عَمَّارِ بن ياسِرٍ، عن طَلْحَة بن عَبْدِاللهِ بن عَوْفٍ، عن سعيدِ ابن زيدٍ رضي اللَّهُ تعالى عنه قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالهِ فَهُوَ شَهيد، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أهْلِهِ فَهُوَ شَهيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِيْنهِ فَهُوَ شَهيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهيد)) (3) .*
__________
(1) إسناده صحيح. أخرجه أبو دَاودَ الطيالسي في ((مسنده)) : 1/236، برقم: (2051) ، (منحة المعبود) .
(2) ابن ظهيرة يروي هنا من طريق علي بن أحمد بن عبد الواحد المَقْدِسِيّ السعدي الصَّالِحِيّ الحَنْبَلِيّ.
((مسند)) الإمام أحمد بن حنبل.
(3) مسند أحمد: 1/190.(1/237)
وأخبرناه القاضيان أبو عُمَرَ عَبْدُالعَزِيزِ بن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهيمَ الشَّافِعِيُّ، وأبو مُحَمَّدٍ عبدُاللَّهِ بنُ مُحَمَّدِ بن عَبْدِالمَلِكِ الحَنْبَلِيُّ، قِرَاءَةً عليهما وَأَنا أَسْمَعُ بالمَسْجِدِ الحَرَامِ، قالا: أنا أبو عَلِيٍّ الحسنُ بن عمر بن عيسى الكُرْدِيُّ، وزينبُ بنتُ أحمدَ بن عمرَ بن شُكر، سماعاً عليها، زاد الأول فقال: وأبو الحَسَنِ عليُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هارونَ، وأبو العَبَّاس أحمدُ ابن نِعْمَةَ الصَّالِحِيُّ، سماعاً أيضاً، قالوا: أنا عبدُاللَّهِ بنُ عُمَرَ البغداديُّ قَدِمَ عَلَينا، قال: أنا عَبْدُالأوَّلِ ابنُ عيسى، قال: أنا أبو الحَسَنِ عَبْدُالرَّحمنِ بن مُحَمَّدٍ الفقيهُ، قال: أنا عبدُاللَّهِ بنُ أحمدَ السَّرْخَسِيُّ، قال: أنا إبراهيمُ بنُ خُزَيْمٍ، قَثَنَا عَبْدُ بن حُمَيْدٍ (1) ، قَثَنَا يعقوبُ بن إبْرَاهيمَ (2) ، قَثَنَا أبي، عن أبيه، عن أبي عُبيدةَ بن مُحَمَّدِ بن عَمَّارٍ، عن طَلْحَةَ بن عَبْدِاللَّهِ ابن عَوْفٍ، عن سعيدِ بن زيدٍ، قال: سمعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ دينهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهيدٌ، وَمَن قُتِلَ دونَ أهْلِهِ فهو شَهيد)) (3) . *
__________
(1) ابن ظهيرة رحمه الله تعالى يروى هنا ((مسند عبد بن حميد)) المتوفى سنة (249هـ) . انظر الترجمة رقم: (15) ، و (57) .
(2) هو (يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، بن عَبْدالرَّحمنِ بن عوف الزُّهْرِيّ، أبويوسف المدني، نزيل بغداد، ثقة فاضل، مات سنة ثمان ومائتين. ع) التقريب:607.
(3) إسناده صحيح. أخرجه عبد بن حميد في ((المنتخب من مسند عبد بن حميد)) (ص:66) ،برقم: (106) . وأخرجه أحمد في ((المسند)) : 1/190 ثنا يعقوب، ثنا أبي، به.(1/238)
وأخبرناه أعلى من هذه الرِّوَايَة بِدَرَجَتَيْنِ مختصراً أبو عَبْدِاللهِ مُحَمَّدُ ابن أحمدَ بن إبْرَاهيمَ المَقْدِسِيُّ، بقراءتي عليه بِدِمَشْقَ في الرِّحْلَةِ الأولى، قال: أنا أبو الحَسَنِ عليُّ بن أحمدَ ابن البُخَارِيِّ، سماعاً، قال: أنا حنبلُ بن عَبْدِاللهِ المُكَبِّرُ، قال: أنا أبو القَاسِمِ ابن الحُصَيْنِ، قال: أَنَا الحَسَنُ بن عليٍّ الواعظ، قَثَنَا أبو بَكْرٍ أحمد بن جعفر القَطِيْعِيُّ، قَثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ أحمدَ ابن حَنْبَلٍ، قال: حَدَّثَنِي أبي (1) ، قَثَنَا سفيانُ، قال: هذا حفظناه عَن الزُّهْرِيِّ، عن طَلْحَةَ ابن [عبد الله] (2) بن عَوْفٍ، عن سعيدِ بن زيدٍ رضي اللَّهُ تعالى عنه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مالهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)) (3) . *
هذَا حَديثٌ صَحيحٌ أخرجهُ أصحابُ السُّنَنِ الأربعة في كُتُبِهِم.
فرواه أبو دَاودَ، عن: هارونَ بن عَبْدِاللَّهِ (4) كَمَا قَدَّمْنَاهُ عنه.
ورواه التِّرْمِذِيّ في ((جامعه)) عن: عبد بن حميد (5) ، فوافقناهُ بعُلُوٍّ.
ورواه النَّسَائِيّ، عن: مُحَمَّدِ بن رافعٍ، ومُحَمَّدِ بن إسْمَاعيلَ بنِ إبْرَاهيمَ، كِلاهما عن سليمانَ بن دَاودَ الهَاشِمِيِّ (6) .
فَوَقَعَ لنا بَدَلاً لهُ عالياً.
ورواه أيضاً عن: إسحاقَ بن إبْرَاهيمَ، وقُتَيْبَةَ بن سعيدٍ (7) .
__________
(1) ابن ظهيرة يروي هنا ((مسند)) الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
(2) في الأصل [عبيد الله] وفي ((مسند أحمد)) : ((عبد الله)) وكذا تقدمت روايته وتخريجه فلعل ماجاء في الأصل سبق قلم من الناسخ.
(3) إسناده صحيح. أخرجه أحمد في ((المسند)) : 1/187.
(4) سنن أبي داود: (5/128-129) ، برقم: (4772) .
(5) جامع التِّرْمِذِيّ: 4/30، برقم: (1421) .
(6) سنن النَّسَائِيّ الصغرى: 7/ 116.
(7) سنن النَّسَائِيّ الصغرى: 7/115.(1/239)
ورواه ابن ماجه، عن: هِشَامِ بن عَمَّارٍ (1) ، ثلاثتهم عن سفيانَ.
فَوَقَعَ لنا بَدَلاً لهما عالياً، وَلِلَّهِ الحَمْدُ. *
إنَّ المَرويات التي اشتملَ عليها هذا المعجم إنَّما هي إمَّا رواية لجزءٍ حديثييِّ، أو لكتابٍ مشهورٍ، أو محاولة القُرب بالنِّسْبَةِ إلى روايةٍ مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ، أو غيرِها مِنَ المُصَنَّفاتِ، وهو ما كثُرَ اعتناءُ المتأخِرونَ بهِ مِنَ الموافقةِ، والبدَلِ، والمُساواة، والمُصَافَحَةِ. . إنَّ حِرْصَ ابن ظهيرة، وغيره مِنَ المُصَنِّفين لمعاجم الشُّيُوخِ والمشيخات (2) في معاجمهِم على روايةِ العشراتِ مِنَ المُصَنَّفاتِ الحديثيَّةِ، والتَّاريخيَّةِ، وكتُبِ التَّراجم، والمعاجِمِ، والمشيخاتِ، وكُتُبِ الأَدَبِ، واللُّغَةِ، وغيرِ ذلكَ مِنَ المُصَنَّفاتِ المُتَعَدِّدَةِ الفنون. . . وقيامهم بِتَتَبُّعِ الطُّرُق المُختلفَةِ للرواية الواحدةِ، قد أبرزَ لنا جانِباً حضاريَّاً قائِمَاً بذاتِهِ يدُلُّ على الذَّكاءِ المُفْرِطِ، والفِكْرِ الرِّياضِيِّ الذي يتمتعُ بهِ المُحَدِّثونَ والمُصَنِّفونَ لهذا النَّوع مِنَ المعاجِمِ والمشيخاتِ، والقُدْرَة العاليةِ على رَبْطِ الأسانيدِ المُختَلِفَةِ بعضها ببعضٍ، والتي تتميَّزُ بالدِّقَّةِ العجيبَةِ، ويسودَها النِّظامُ الذي لا يقبلُ غير الصَّوابِ في بيانِ الإسنادِ العَالي وأقسامهِ المُختلفةِ.
المبحث الخامس: فوائد المستخرجات ومعاجم الشُّيوخ والمَشيخات
__________
(1) سنن ابن ماجه: 2/861، برقم: (2580) .
(2) وكذا بدرُ الدين ابن جماعة في ((مشيخته)) بتخريج علم الدين البِرْزَاليِّ، وطبع الكتاب بتحقيقنا، وكذا معظم المعاجم والمشيخات التي اعتنى مُصَنِّفوها بتتبع الروايات والتوسع في تخريجها مِن أكثر من مصدرٍ، وللمزيد من الفائدة يُراجع كتابنا ((عِلْمُ الأثباتِ ومعاجمُ الشُّيُوخِ والمشيخات وَفنُّ كتابة التَّراجم)) .(1/240)
إنَّ تتبعَ الطُّرق المختلفة للروايةِ الواحدةِ، ومحاولة ربط الأسانيد بعضها ببعضٍ، ومحاولة بيان الإسناد العالي وأقسامهِ المختلفةِ للرواياتِ ليسَ هو الغرض الوحيد للمُصَنِّفِينَ للمُسْتَخْرَجَاتِ، وَمعاجم الشُّيوخِ والمَشْيَخَاتِ (1) . . وإنَّما شَاركَتهُ أغراضٌ أُخرى مُتَعَدِّدة حاولَ المُصَنِّفُون مُعالجتها، بعضها يتعلَّقُ بالأسانيدِ، وبعضُها الآخرُ يتعلَّقُ بالمتونِ، ويُمكنني أن أُجْمِلَ بعضَ هذهِ الأغراض وفوائدها بما يأتي:
ا- عُلُو الأسنادِ: إنَّ علو الإسناد: هو قِلَّةُ الوسائِط في السَّنَدِ، أو قِدَمِ سَمَاع الرَّاوي، أو وفاته (2) ، وهو سُنَّةٌ مِن السُّنَنِ (3)
__________
(1) انظر فوائد معاجم الشُّيُوخ في كتابنا ((عِلْمُ الأثبات ومعاجمُ الشُّيُوخِ والمشيخات)) طبع جامعة أمِّ القرى. وينبه هنا أنَّ المقصود بمعاجم الشيوخ والمشيخات ليس على إطلاقها، بل مقيد بمدرسة المعاجم والمشيخات التي تنتمي إلى مدرسة تتبع الرواية الواحدة، واستخراجها من عدة مصادر، وربط الأسانيد بعضها ببعض.
(2) فتح المغيث: 3/5.
(3) من ذلكَ حديث أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنهُ في مجيء ضِمام بن ثَعْلَبَةَ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ليَسْمَعَ منهُ مُشَافَهَةً.. إذْ لو كانَ العُلُو غير مُسْتَحب لأ نكَرَ صلى الله عليه وسلم سؤالهُ عَمَّا أخبَرَ بهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك اقتصاره على خبرهِ لهُ.
انظر: معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري: 5، شرح مسلم للنوويِّ: 1/196، فتح الباري: 1/148،، فتح المغيث: 3/5، تدريب الراوي: 2/161.(1/241)
، ولذلِكَ استُحِبَّت الرِّحْلَة (1) . قال أحمدُ بنُ حَنبلٍ: طلبُ الإسناد العالي سُنَّة عَمَّن سَلَفَ، لأنَّ أصحابَ عبد الله كانوا يرحلونَ مِنَ الكوفةِ إلى المدينةِ فيتَعَلَّمونَ مِن عُمَرَ وَيَسْمعونَ منهُ (2) ، وعُلوه يُبعِدهُ مِن الخَللِ المُتَطَرِّقِ إلى كُلِّ رَاوٍ (3) .
__________
(1) انظر: الرحلة في طلب الحديث: (87-165) ، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السَّامع: 2/223، علوم الحديث لابن الصلاح:223.
(2) الجامع لآخلاق الراوي وآداب السامع: 1/123، الرحلة في طلب الحديث:98، علوم الحديث لابن الصلاح:231، فتح المغيث: 3/7، تدريب الراوي: 2/160.
(3) انظر: المحدث الفاصل: 216، الجامع لأخلاق الراوي: 1/116، علوم الحديث لابن الصلاح:231.(1/242)
ولذلكَ فإنَّ أصحابَ المُسْتَخْرَجات، ومعاجم الشُّيُوخِ قد حرصوا على هذهِ الفائدةِ في معظمِ مَرويَّاتهمِ، ومِن أمثلة ذلكَ ما أخرجهُ ابنُ ظهيرة في ترجمة شيخِهِ محمد بن أحمد ابن عبد الرحمن، مِن طريق سُليمان بنِ داودَ الهاشِمِيِّ، قثنا إبراهيم بن سَعْد، عن أبيهِ، عن عبدِاللهِ بنِ جَعفر ابنِ أبي طالبٍ رضي اللهُ تعالى عنهُما، قال: ((رأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ القِثَّاءَ بالرُّطَبِ)) ، ثُمَّ أتبعهُ بقولِهِ: ((وأخبرنا أعلا مِن هذهِ الروايةِ بِدَرَجتينِ معَ اتِّصَالِ السَّمَاعِ. . .)) (1) ، وذَكَرَ في ترجمة شيخِهِ محمد بن أحمد بن عبدِالعزيزِ حديث العِرْبَاض ابن سَاريَةُ رضي الله عنه عنهُ في مَوعظة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((فعليكُم بِسُنَّتي ... )) الحديث، ثُمَّ أتبعهُ بقولهِ: ((وأخبرنا أعلا مِن هذهِ الرواية بِدَرَجتينِ وأَتَمّ معَ اتِّصَالِ السَّماع. .)) ، وبعدَ أنْ ذَكَرَ الرواية بسندهِ، أتبعها بقولِهِ: ((وأخبرنا أعلا مِن هذهِ الرواية بِدَرَجَةٍ، وَمِنَ الأولى بثلاثِ دَرَجَاتٍ. .)) ، وبعدَ أن ذَكَرَ إسناده والرواية، عادَ فقال:
((وأخبرنا أعلا مِن هذِهِ الرواية بِدَرَجَةٍ، وَمِنَ الأولى بِأربع دَرَجاتٍ، وَمِنَ الثَّانيةِ بثلاثِ دَرَجَاتٍ. .)) (2) .
2- زيادة الثِّقَات: زيادةُ الثَّقاتَ، هو ما نراهُ زائِداً مِنَ الألفاظِ في رواية بعضِ الثِّقاتِ لحديثِ ما رواهُ الثِّقاتُ الآخرونَ لذلكَ الحديثِ، وتقَعُ هذهِ الزيادة في المَتْنِ بزيادةِ كلمةٍ، أو جُملةٍ، أو في الإسنادِ برفعِ موقوفٍ، أو وَصْلِ مُرْسَلٍ (3) .
__________
(1) الترجمة رقم: (7) .
(2) الترجمة رقم: (8) .
(3) المنهل الروي: 58، شرح نخبة الفِكَر لابنِ حَجَرٍ: 45، تيسير مصطلح الحديث للدكتور محمود الطَّحَّان: 137.(1/243)
وهو فَنٌ لطيفٌ يُسْتَحْسَنُ العِناية بهِ، ويُعْرَفُ بجمعِ الطُّرُقِ والأبوابِ (1) .
روى البُخَاريُّ بسندهِ عن محمد، عن شُعبة، عن سُليمان، عن إبراهيمَ، عن عَلْقَمَةَ، عن عبدِاللَّهِ قال: لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُم بِظُلْمٍ} قال أصحابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّنَا لَمْ يَظْلِم؟ فَاَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيم} (2) . قال الحافظ ابنُ حجرٍ: زادَ أبو نُعيمٍ في ((مُسْتَخْرَجِهِ)) من طريقِ سليمان بنِ حَرْبٍ، عن شُعْبَةَ بعد قولهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيم} : فطابت أنفسنا (3) .
ويُنَبَّهُ هُنا أنَّ صاحب المُستَخرج، أو المشيخةِ قد لا يُصَرِّحُ بالزِّيادات، وإنَّمَا يكتفي بِذِكْرِ الأسانيدِ المُخْتَلِفَةِ، والألفاظِ المُتَعَدِّدَةِ للرِّوايةِ الواحِدَةِ، تارِكاً أمر معرِفَةِ الزِّيادات إلى فِطنَةِ القارئ، ومعرفتِهِ بهذا الفَنِّ الجليلِ (4) .
3- القوة بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ: وفائِدتُهُ للتَّرْجيحِ عندَ المُعَارَضَةِ (5) .
وقد تَطَرَّقَ ابنُ ظهيرة لهذا الفنِّ في معجمه، ومثال ذلكَ ما رواهُ في ترجمةِ شيخِهِ محمدِ بنِ أحمدَ بنِ عبدِالرَّحمن حيثُ ذَكَرَ حديث كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ إذا سَافَرَ:
__________
(1) علوم الحديث لابن الصلاح: 77، فتح المفيث: 1/199، تدريب الراوي: 1/245.
(2) البخاري: 2/87، الإيمان، باب ظُلمٌ دُونَ ظُلم، برقم: (32) .
(3) فتح الباري: 2/88. وانظر مثالاً آخراً على زيادة الثِّقات التي وردت في مُستخرج الإسماعيلي، في فتح الباري: 2/93. وغير ذلك مِن الأمثلة التي طفح بها فتح الباري.
(4) انظر الترجمة رقم: (41) .
(5) انظر: صيانة صحيح مُسْلِم لابن الصلاح: 88، علوم الحديث لابن الصلاح: 19، تدريب الراوي: 1/15.(1/244)
((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعَثَاءِ السَّفَرِ. .)) الحديث (1) ، حيثُ تَطَرَّقَ إلى ألفاظِ الحديثِ وأسانيدِهِ، وذَكَرَ لفظَة ((وَمِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ)) ، وهذهِ اللفظة استشكلها بعضُ المُحَدِّثينَ وقالوا صوابها: ((الكَوْر بالرَّاء)) .
ومثالهُ ما جاء في ترجمة شيخِهِ مُحَمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ مُحَمَّدٍ حيثُ ذَكَرَ حديث: ((كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ ما يَكونُ في رَمَضَانَ. .)) الحديث (2) ، فتطَرَّقَ إلى أسانيدِهِ المُختَلِفَةِ، وما جاءَ في بعضِها مِن زياداتٍ على بعضِ الروايات واختلافِ ألفاظِهِ.
وفي ترجمة شيخهِ إبراهيمَ بنِ عدنانَ بنِ جَعْفَرٍ ذَكَرَ حديث: ((قالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ: أنا الرَّحْمنُ خَلَقْتُ الرَّحِمِ. .)) الحديث، ثُمَّ ذَكَرَ أسانيدَهُ المُخْتَلِفَة، وقال: قال البُخَاريُّ فيمَا نقلهُ عنهُ الحافِظُ المِزِّيُّ في ((الأطراف)) : وحديثُ مَعْمَرٍ خَطَأٌ. يعني في زيادةِ رَدَّاد بَيْنَ أبي سَلَمَةَ وأبيهِ. .)) (3) .
4- الزيادةٌ في قَدْرِ الصَّحيح: وذلكَ لِمَا يقعُ مِن ألفاظٍ زائِدَةٍ، وتَتِمَّاتٍ في بعضِ الأحاديثِ (4) . من ذلك مارواهُ البُخاريُّ: حدَّثنا مُعاذُ ابنُ فُضَالةَ، قال: حَدَّثنا هِشَامٌ، عن يحيى، عن مُحَمَّدِ بنِ إبراهيمَ بن الحارثِ، قال: حَدَّثني عيسى بنُ طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ مُعاويةَ يوماً فقال: مثلهُ إلى قولهِ: ((وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ)) .
__________
(1) الترجمة رقم: (14) .
(2) الترجمة رقم: (15) .
(3) الترجمة رقم: (184) .
(4) انظر: صيانة صحيح مُسْلِم لابن الصلاح: 88، علوم الحديث لابن الصلاح: 19، تدريب الراوي: 1/15.(1/245)
وَحدَّثنا إسحاقُ بنُ رَاهويه، قال: حَدَّثنا وَهْبُ بنُ جَريرٍ، قال: حَدَّثنا هِشَامٌ، عن يحيى. . .نحوه (1) . قال الحافظ ابنُ حجرٍ: وقد وقع لنا هذا الحديث مِن طُرقٍ عن هِشامٍ، منها للإسماعيليِّ مِن طريقِ مُعاذِ بن هشامٍ، عن أبيهِ، عن يحيى، حدَّثنا محمدُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا عيسى بن طلحةَ، قال: دخلنا على مُعاويةَ، فنادى مُنَادٍ بالصَّلاةِ، فقال: اللَّهُ أكبر اللَّهُ أكبر، فقال مُعاويةُ: اللّضهُ أكبر اللَّهُ أكبر، فقال: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّه، فقال مُعاويةُ: وَأنا أشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللَّه، فقال: أشهدُ أنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ، فقال مُعاويةُ: وأنا أشهدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللَّهِ، قال يحيى: فحدَّثني صاحِبٌ لنا: أنَّهُ لَمَّا قالَ: حَيَّ على الصَّلاةِ، قال: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ، ثُمَّ قال: هكذا سَمِعنا نبيكم. انتهى.
__________
(1) البخاري: 2/90، الإيمان، باب ما يقولُ إذا سمع المُنادي، برقم: (612) .(1/246)
فاشتمل هذا السِّياق على فوائدَ: أحدها تصريح يحيى بنُ أبي كثيرٍ بالسَّماعِ لهُ مِن محمد ابن إبراهيم، فَأَمِنَ ما يُخشى مِن تدليسهِ، ثانيها: بيان ما اختصر مِن رِوايتي البُخاريِّ، ثالثهما: أنَّ قولهُ في الرِّواية الأولى: أنَّهُ سمع مُعاوية يوماً فقال مثلهُ. فيه حَذْفٌ تقديرهُ أنَّهُ سَمِعَ مُعاويةَ يَسْمَعُ المؤذِّنَ يوماً فقال مثلهُ، رابعها: أنَّ الزِّيادةَ في رواية وَهْبِ ابنِ جَريرٍ لم ينفرد بها لِمُتابعة مُعاذ ابن هِشامٍ لهُ، خامسها: أنَّ قولهُ: قال يحيى. ليس تَعليقاً مِنَ البُخاريِّ كما زَعم بعضهم، بل هو عندهُ بإسناد إسحاق. وأبدى الحافظ فُطب الدِّين احتمالاً أنَّهُ عندهُ بإسنادينِ، ثُمَّ إنَّ إسحاق هذا لم يُنسب، وهو ابنُ راهويه، كذلكَ صَرَّحَ بهِ أبو نُعيمٍ في ((مُسْتَخْرَجِهِ)) ، وأخرجهُ مِن طريقِ عبدِاللَّهِ بن شيرويه عنهُ (1) .
5- تَمييزُ رواية المُخْتَلِط، وبيان زَمَنِها: وذلكَ أن تكونَ الرواية عَمَّن اختلطَ ولَم يتَبَيَّن هل سَماع ذلكَ الحديث في هذهِ الرواية قبلَ الاختِلاطِ أو بعدَهُ؟ فَتُبَيِّنهُ الطُّرُقُ الأُخرى، إمَّا تَصريحاً، أو بأن يأتي عنهُ مِن طَريقِ مَن لَم يَسْمَع مِنهُ إلاَّ قبلَ الاختلاط (2) .
6- التَّصريحُ بالسَّماعِ عندَ ورودِ عَنْعَنَة المُدَلِّسِ: إذ قد يأتي الحديثُ في رِوايةٍ عن مُدَلِّسٍ بالعَنْعَنَةِ، فتأتي الطُّرُقُ الأخرى بالتَّصْريحِ بالسَّماعِ (3) .
__________
(1) فتح الباري: 2/93. وهذا المثال فيه الكثير مِن الفوائد التي سيأتي ذِكرها، وبالتالي سأكتفي به عن إيراد المزيد مِنَ الأمثلة.
(2) انظر: النكت على ابنِ الصَّلاح: 1/322، تدريب الراوي: 1/116، توضيح الأفكار: 1/72.
(3) انظر: النكت على ابنِ الصَّلاح: 1/322، تدريب الراوي: 1/116، توضيح الأفكار: 1/72.(1/247)
روى البُخَارِيُّ بسندهِ، عن قَتَادَةَ، عن أنسٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه)) وذَكَرَ الحديث (1) . قال الحافظ ابنُ حجرٍ: وصَرَّح النَّسائيُّ والإسماعيليِّ بسماعِ قَتَادةَ لهُ مِن أنسٍ (2) .
7- التَّصريحُ بالأسماءِ المُبْهَمَةِ في الإسنادِ، أو المَتْنِ: كَحَدَّثَنا فُلان، أو رَجُل، أو فلان وغيره، أو غير واحدٍ، أو رأى رجُلاً، فتأتي الطُّرُقُ الأخرى فتُعَيِّنهُ (3) .
8- تَعْيينُ الأسماء المُهْمَلَة في الإسْنادِ، أو في المَتْنِ: كَأن يأتي في طَريقٍ مُحَمَّدٌ مِن غَيرِ ذِكْر ما يُمَيزهُ عن غَيرهِ مِنَ المُحَدِّثينَ، ويكونُ في مَشايخِ مَن رواهُ كذلكَ مَن يُشارِكُهُ في الاسمِ، فتأتي الطُّرُقُ الأخرى فتُمَيزُهُ عن غَيرهِ (4) .
9- التَّمييزُ للمَتْنِ المُحَال بهِ على المَتْنِ المُحال عليهِ: كَما وقعَ في كِتابِ مُسْلِمٍ، فإنَّهُ يُخَرِّجُ الحديثَ على لفظ بعضِ الرُّواةِ، ويُحيلُ بباقي ألفاظِ الرواة على ذلِكَ اللَّفظِ الذي يُورِدهُ فتارةً يقولُ: مثلهُ، فيحملُ على أنَّهُ نظيرٌ سواء. وتارةً يقولُ: نحوهُ أو مَعناهُ، فتوجد بينهُما مُخالفةٌ بالزِّيادةِ والنَّقْصِ، وفي ذلكَ مِنَ الفوائِدِ ما لا يَخْفى (5) .
__________
(1) البخاري: 1/72، في الإيمان، باب مَن كرهَ أن يعودَ في الكُفر كما يكرهُ أن يُلْقضى في النَّار مِنَ الإيمان، برقم: (21) .
(2) فتح الباري: 1/62.
(3) انظر: النكت على ابنِ الصَّلاح: 1/322، تدريب الراوي: 1/116، توضيح الأفكار: 1/72.
(4) انظر: النكت على ابنِ الصَّلاح: 1/322، تدريب الراوي: 1/116، توضيح الأفكار: 1/72.
(5) انظر: النكت على ابنِ الصَّلاح: (1/322-323) ، توضيح الأفكار: 1/72.(1/248)
10- تَعيينُ الإدْراج في الإسنادِ، أو في المَتْنِ: إذ قَد تأتي روايَةٌ فيها إدراجٌ، وهو ما كانت فيهِ زيادةٌ ليست منهُ (1) ، فتأتي الطُّرُقُ الأُخرى للرِّوايةِ فتكشفُ الإدْراج (2) .
11- وصلُ المُعَلَّقَات: قد تأتي روايةٌ فيها حديثٌ مُعَلَّقٌ، وهو ما حُذِفَ مِن مبدأ إسنادِهِ واحد فأكثَر (3) ، فتأتي بقيَّة الرواياتِ فتوصلها.
12- رفعُ الموقُوفِ: قد تأتي الرواية موقوفة على الصَّحابيِّ مِن قَولِهِ أو فِعْلِهِ، أو نحوهِما، فتأتي الطُّرُقُ الأُخرى للرِّوايةِ فَتُصَّرِّحُ بِرَفْعِها (4) .
13- بيانُ أحكامٍ فِقْهِيَّةٍ: قد تأتي رِوايةٌ مُختصَرةُ الألفاظِ، فتأتي بقيَّةُ الطُّرُقِ الأُخرى فتزيدُ فيها مِنَ الأحكامِ الفقهيَّةِ.
__________
(1) الباعث الحثيث: 74.
(2) انظر الإدراج في: الفصل للوصلِ المُدْرج في النَّقْلِ للخطيب البغداديِّ، طبع بتحقيق عبد السَّميع محمد الأنيس، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى (1418هـ -1997م) ، التبصرة والتذكرة، مع فتح الباقي: (1/246-252) ، نزهة النظر: 46، فتح المُغيث: (1/226-230) ، تدريب الراوي: (1/268-271) .
(3) فتح المغيث: 1/54، تدريب الراوي: 1/117، توضيح الأفكار: 1/134.
(4) انظر: التبصرة والتذكرة وفتح الباقي: 1/123، النكت على ابنِ الصَّلاح: 1/323، فتح المغيث: 1/103،توضيح الأفكار: (1/73،261) .(1/249)
مثالُ ذلكَ ماروى ابنُ ظهيرة في ترجمة شيخِهِ مُحَمَّدِ بنِ رَافِعٍ مِن حديثِ أنَسٍ رضي اللهُ تعالى عنهُ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَقَطَ مِن فَرَسٍ على شِقِّهِ الأيْمَنِ، فَدَخَلوا عليهِ يَعُودُونَهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلمَّا قضى الصَّلاة، قال: ((إِنَّما جُعِلَ الإِمامُ لِيُؤْتَمَّ بهِ..)) الحديث، ثُمَّ ذَكَرَ للرِّوايةِ طُرُقَاً أُخرى مِن رِوايةِ أنَسٍ فيها مَزيد مِنَ الفوائِدِ الفِقْهيَّةِ (1) .
14- بيانُ عِلَّةٍ مِنَ العِلَلِ، سواءٌ في الإسنادِ، أو في المَتْنِ: قد يذكُرُ المُصَنِّفُ رواية فيها عِلَّةً مِنَ العِلَلِ، ثُمَّ يروي لها طُرُقاً أُخرى لِيُبَيِّنَ طبيعة الرِّواية الصَّحيحة، ومكان العِلَّة في الرواية المُعلَّةِ، وَمَن هو الراوي الذي تسببَ في هذهِ العِلَّة، ومثالُ ذلكَ ما رواهُ ابنُ ظَهيرَةَ في ترجمة شَيخِهِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَرَفَةَ، حيثُ ذَكَر مِن طريقِ مَالكِ بن أنَسٍ حديث ابن عُمَرَ رضي اللهُ عنهُ: ((اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ)) ، قالوا: والمُقَصِّرينَ يارسولَ اللهِ؟ ، قالَ: ((وَالمُقَصِّرينَ)) ، ثُمَّ أتبع هذهِ الرواية بذِكْرِ طُرقها المُختلفةِ عن مالكٍ لبيان الاختلاف عليهِ في ألفاظِ هذهِ الرواية (2) .
__________
(1) الترجمة رقم: (33) ، وغير ذلكَ مِنَ التراجم التي وَرَدت فيها روايات متعددة ذُكِر فيها مِنَ الفوائِد الفِقهيَّةِ ما لم تُذْكَر في الرواية الأولى، انظر التراجم: (43، 109) .
(2) انظر التَّرجمة رقم: (97) ، فتح الباري: 3/562.(1/250)
15- شَرحُ لفظٍ، أو بيانُ معْنَىً مِنَ المعاني: قد تأتي روايةٌ مِنَ الروايات تحتملُ أوجُهَاً مُخْتَلِفَة، فيتبعها المُصَنِّفُ برواياتٍ أُخر لِتُؤكِدُ وجهَاً مِنَ الوجوهِ، ومِن ذلكَ ماأخرجهُ ابنُ ظهيرة في ترجمة شيخهِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ ابنِ مَنْصُورٍ،حيثُ ذَكَرَ حديث حَريْز بن عُثمانَ أنَّهُ سألَ عَبْدَاللهِ بنَ بُسْرٍ صاحب رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، ورضِيَ عنهُ، قالَ: ((أَرَاَيْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ شَيْخَاً؟ . .)) الحديث، وأردفهُ برواية ((أَشَابَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟)) (1) .
16- بيانُ الاختلاف في الأسانيدِ: قد يذكُرُ المُصَنِّفُ روايةً مِنَ الرِّواياتِ، ثُمَّ يُتْبِعُها بذكرِ طُرُقٍ أُخرى لبيانِ الاختلافِ الواقِعِ في إسنادِ الروايةِ الأولى.
مِن ذلكَ ما جاءَ في ترجمة شيخِهِ عبد الرَّحمنِ بنِ أحمدَ بنِ عبدِالهادي، حيثُ روى مِن طرقهِ حديثَ عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه عنهُ، قال: ((عَلَّمَني رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا نَزَلَ بِيَ كَرْبٌ أنْ أَقولَ. . .)) الحديث، ثُمَّ أتبعهُ بِطُرُقٍ أُخرى عن عَلِيٍّ رضي الله عنه، وقال: ((وفي سَنَدِهِ اختلاف)) (2) .
وبعد فإنَّ مُحاولة الاستقراء للفوائِد الحديثيَّةِ التي يُمكننا استخلاصها مِن منهجِ المُحَدِّثينَ في تتبُّعِهِم للطَّرُقِ المُختلِفَةِ (3)
__________
(1) انظر الترجمة رقم: (109) ، و (381) ، والتَّعليق عليهِما.
(2) انظر: الترجمة رقم: (269) .
(3) ليس المرادُ بتتبع الطرق المختلفةِ أن يتغيَّر أصل السَّنَد وهو الصَّحابيّ، بل قد يُرادُ بهِ تتبع طرق الرواية إلى صحابيٍّ واحدٍ.
المصادر والمراجع
إرشاد الطَّالبينَ إلى شُيوخِ شَيخِ الإسلامِ قاضي القُضاة أبي حَامِدٍ مُحَمَّدِ بْنِ عبدِالله بْنِ ظَهِيْرَةَ جَمال الدِّينِ المتوفَّى سنة (817هـ) ، تخريج الإمامِ الحافظِ غَرْسِ الدِّينِ أبي الحَرَمِ خَليلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحيمِ بْنِ عَبْدِالرَّحمنِ الأَقْفَهْسِيِّ، المتوفَّى سنة (821هـ) ، دراسة وتحقيق الدكتور موفق بن عبدِاللَّه ابن عبدِالقادر، تحت الطبع.
الإعلان بالتَّوبيخ لِمَن ذم أهل التَّاريخ: للحافظ شمس الدِّين محمد ابن عبد الرَّحمن السَّخاوي (ت902هـ) ، تحقيق فرانزروزنثال، دار الكتب العلمية، بيروت.
الاقتراح في بيان الاصطلاح: للإمام تقي الدين محمد بن علي المعروف بابن دقيق العيد (ت702هـ) ، تحقيق ودراسة قحطان عبد الرَّحمن الدُّوري، مطبعة الإرشاد، بغداد 1402هـ-1982م.
الإكمال في رفع الإرتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكُنى والأنساب: للحافظ أبي نصر عليّ بن هبة الله بن جعفر المعروفغ بابن ماكولا (ت487هـ) ، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، والجزء السابع تحقيق نايف العباس، الناشر محمد أمين دمج، بيروت لبنان.
الأموال: للإمامِ الحافظ أبي عُبيد القاسم بن سلاَّم (ت224هـ) ، تحقيق محمد خليل هراس، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، دار الفكر، القاهرة، الطبعة الأولى 1395هـ-1975م.
الأموال: للإمام الحافظِ حميد بن زنجويه، تحقيق الدكتور شاكر ذيب فياض، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م.
الأنساب: للإمام أبي سعدٍ عبد الكريم بنِ محمدٍ السَّمعانيِّ (ت562هـ) ، تحقيق المعلمي اليماني، ومجموعة من الأساتذة، نشره أمين دمج، بيروت.
البداية والنهاية: للحافظ إسماعيل بن عمر الدِّمَشقيِّ، المعروف بابن كثير (ت774هـ) ، مكتبة المعارف، بيروت 1977م.
تاج العروس مِن جواهر القاموس: لأبي الفيض محمد مرتضى الزَّبيدي (ت1205هـ) ، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.
تاريخ بغداد: للإمام أبي بكرٍ أحمد بن عليِّ بن ثابتٍ الخطيب البغداديِّ (ت463هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت.
التبصرة والتذكرة: للإمام أبي الفضلِ عبد الرحيم بن الحسين بنِ عبد الرحمن العراقي (ت806هـ) ، تصدير محمد بن الحسين العراقي الحُسيني، طبع دار الكتب العلمية، بيروت.
تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف: للإمام أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزيِّ (ت742هـ) ، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، االهند، الطبعة الأولى 1384هـ - 1965م.
تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: لجلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطيِّ (ت911هـ) ، تحقيق عبد الوهاب عبد الطيف، دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الثانية (1385هـ - 1966م) .
تذكرة الحفاظ: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، الهند، الطبعة الرابعة (1390هـ-1970م) .
تقريب النَّواوي: ليحيى بن شرف النَّووي (ت676هـ) ، مع شرحه تدريب الراوي للسيوطي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1379هـ-1959م.
تقريب التهذيب: للإمام أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، حلب، الطبعة الأولى 1406هـ.
التَّقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصَّلاح: لنور الدِّين عبد الرَّحيم ابن الحُسين العراقي (ت806هـ) ، تحقيق عبد الرَّحمن محمد عُثمان، دار الفكر، بيروت، 1401هـ.
توضيح الأفكار: لمحمد بن إسماعيل الأمير الصَّنعاني (ت1182هـ) ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1366هـ.
الجامع: للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَةَ الترمذي (ت279هـ) ، حققه أحمد شاكر، وآخرون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، وأولاده، مصر، الطبعة الأولى 1356هـ.
الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريِّ (ت256هـ) ، المكتب الإسلامي، محمد أزدمير، تركيا إسطنبول (1979م) ، وانظر: “ فتح الباري ”.
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: للإمام أبي بكر أحمد بن عليٍّ الخطيب البغداديِّ (ت463 هـ) ، تحقيق الدكتور محمود الطحان، مكتبة المعارف 1403هـ - 1983م.
الجرح والتَّعديل: لعبد الرحمن بن محمد بن إدريس الشَّافعي، المعروف بابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) ، تحقيق عبد الرحمن ابن يحيى المعلمي اليماني، دائرة المعارف العثمانية، الهند، الطبعة الأولى 1371هـ-1952م.
الرِّحلة في طلب الحديث: لأبي بكر أحمد بن عليٍّ الخطيب البغدادي (ت463هـ) ، تحقيق نور الدين عتر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1395هـ.
الرِّسالة المُسْتَطْرَفة لبيان مَشهور كُتُبِ السُّنَّةِ المُشَرَّفَة: للعلاَّمَةِ محمد بن جعفر الكَتَّانيِّ (ت1345هـ) ، كتب مقدمتها ووضع فهارسها محمد المُنتصر بن محمد الزَّمزمي بن محمد بن جعفر الكَتَّاني، تصوير دار وهران للطباعة والنشر، استانبول، تركيا.
السنن: للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بَهرام الدارمي التَّميميِّ (ت255هـ) ، بعناية أحمد محمد دهمان دار الكتب العلمية، بيروت.
السنن: للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بَهرام الدارمي التَّميميِّ (ت255هـ) ، تحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني، حديث أكاديمي، باكستان (1404هـ-1984م.
السنن: للإمام أبي عبد الله محمد بن يزيد القَزويني، المعروف بابن ماجه
(ت275هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياءالكتب العربية 1372هـ-1952م.
السنن: للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتانيِّ (275هـ) ، تعليق عزت، وعادل السيد، الطبعة الأولى (1388هـ) ، نشر محمد علي السيد، حمص، سوريا.
السنن: للإمام أبي الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنيِّ البغدادي، (ت385هـ) ، تصحيح عبد الله هاشم يماني، دار المحاسن للطباعة القاهرة 1386هـ.
السنن: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النَّسائي (ت303هـ) ، دار الفكر،
بيروت، الطبعة الأولى 1346هـ-1930م.
سنن الترمذي = جامع الترمذي.
السُّنن الكبرى: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النَّسائي (ت303هـ) ، تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ-1991م.
السنن الكبرى: للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن عليٍّ البيهقيِّ (ت458هـ) ، مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند.
سير أعلام النبلاء: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748هـ) ، تحقيق مجموعة من الأساتذة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1402هـ-1982م.
الصِّحاح: لإسماعيل بن حمَّادٍ الجوهريِّ (ت393هـ) ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطَّار، القاهرة 1402هـ.
صحيح البخاري = فتح الباري.
صحيح ابن خُزَيمة: لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلَميِّ النَّيسابوريِّ (ت311هـ) ، تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1399هـ-1979م.
صحيح مسلم: للإمام أبي الحسن مُسْلِم بن الحَجَّاج بن مُسْلِمٍ القُشَيريِّ النَّيْسَابوريِّ (ت261هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1374هـ-1955م.
صيانة صحيح مُسْلِمٍ مِنَ الإخلالِ والغَلَطِ وَحِمَايتُهُ مِنَ الإسْقَاطِ والسَّقَطِ: للإمامِ الحافِظِ أبي عَمرو عُثمان بن عبد الرَّحمن المعروف بابن الصَّلاح الشَّهْرَزُورِيِّ (ت643هـ) ، تحقيق ودراسة الدكتور موفق بن عبدِاللَّهِ بن عبد القادر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية (1408هـ-1987م) .
طبقات الحُفَّاظ: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (911هـ) ، تحقيق علي محمد
عمر، مكتبة وهبة، القاهرة.
طبقات الفقهاء الشَّافعيين: لأسماعيل بن عمر الدِّمشقيّ، المعرف بابن كثير (ت774هـ) ، تحقيق الدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور محمد زينهم محمد عزب، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى 1413هـ-1993م.
طبقات المُحَدِّثينَ بأصبهان والواردينَ عليها: لأبي محمد عبد اللَّهِ ابن محمد بن جعفر بن حَيَّانَ (ت368هـ) ، تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1409هـ-1989م.
طبقات المفسرين: لشمس الدين محمد بن عليٍّ الداودي (ت954هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ-1983م.
العبر في خبر مَن غبر: للإمام محمد بن أحمد الذهبي (ت748هـ) ، تحقيق صلاح الدين المنجد، وفؤاد السيد، دائرة المطبوعات والنشر الكويت، الطبعة الأولى، 1960م.
عِلْمُ الأثبات ومعاجم الشُّيوخِ والمشيخات وفنُّ كتابة التَّراجم: للدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر، طبع معهد البحوث وإحياء التُّراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة.
علوم الحديث: للإمام أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشَّهْرَزُرِيِّ، المعروف بابن الصلاح (ت643هـ) ، تحقيق الدكتور نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت 1401هـ-1981م.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: للإمام أبي الفضل أحمد بن عليِّ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، طبع المطبعة السلفية، بمصر.
فتح الباقي على ألفية العراقي: للإمام زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري (ت928هـ) ، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، طبع مع ((التبصرة والتذكرة)) للإمام العراقي.
فتح المغيث شرح ألفية الحديث: للإمام أبي الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (ت902هـ) ، تحقيق عبد الرحمن ابن محمد بن عثمان، المكتبة السلفية، بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية 1388هـ-1968م.
الكفاية في علم الرواية: للإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، (463هـ) ، المكتبة العلمية، بيروت.
لسان العرب: لجمال الدين محمد بن مكرم، المعروف بابن منظور (ت771هـ) ، دار صادر بيروت.
لسان الميزان: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر (ت852هـ) ، مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة الأولى 1331هـ.
المجروحين من المحدِّثين والمتروكين: للإمام أبي حاتم محمد بن حِبَّان بن معاذ البُسْتيِّ التميميّ (ت354هـ) ، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، الطبعة الأولى (1395هـ-1975م.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للإمام أبي الحسن علي بن أبي بكر ابن عمر الهيثميِّ (ت807 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت الطبعة الثانية 1967م.
المَجْمَعُ المُؤَسِّس للمُعْجَمِ المُفَهْرِس - مشيخة الإمام العلاَّمة شهاب الدين أحمد بن عليِّ بن محمد بن محمد بن عليِّ بن أحمد، الشَّهير بابنِ حَجَرٍ العَسْقَلاَنِيِّ (ت852هـ) - تحقيق الدكتور يوسف عبد الرَّحمن مَرْعَشْلِي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ-1992م.
المحدِّث الفاصِل بين الراوي والواعي: للإمام أبي محمد الحسن ابن عبد الرحمن بن خلاَّد الرَّامَهُرْمُزِيِّ (ت360هـ) ، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1391هـ.
المستدرك على الصحيحين: للإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله ابن حمدويه، المعروف بالحاكم النيسابوري (ت405هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند.
المسند: للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت241هـ) ، المكتب الإسلامي، ودار صادر، بيروت، الطبعة ألأولى 1398هـ.
المسند: للإمام أبي بكر عبد الله بن الزبير الحُميديِّ (ت219هـ) ، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة.
المسند: للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الشافعي (ت204هـ) ، رتبه على الأبواب محمد بن عابد السندي (ت1257هـ) ، حققه يوسف علي الزواوي، وعزت العطار، دار الكتب العلمية، بيروت 1370هـ-1951م.
المُسْنَد المُسْتَخْرَج على صحيح الإمامِ مُسْلِمٍ: تصنيف الإمام الحافظ أبي نُعيم أحمد ابن عبد اللَّهِ الأصبهاني (ت430هـ) ، تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ-1996م.
المصباح المنير في غريب الشرح للرَّافعي: للإمام أبي العبَّاس أحمد ابن محمد بن علي المقرىء الفيوميِّ (ت770هـ) ، المكتبة العلمية، بيروت.
المصنَّف: للإمام أبي بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم، المعروف بابن أبي شيبة العبسيِّ (ت235هـ) ، بإشراف مختار أحمد الندوي، الدار السلفية، بومباي، الهند.
المصنف: لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت211هـ) ، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ-1983م.
معرفة علوم الحديث: للإمام الحاكم أبي عبد الله محمدِ بنِ عبد الله النيسابوريِّ (ت405هـ) ، تحقيق الأستاذ معظم حسين، المكتب التجاري، بيروت، الطبعة الثاتية 1977م.
الموطأ: للإمام أبي عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي (ت179هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1370هـ-1951م.
ميزان الاعتدال في نقد الرجال: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، دارالمعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1382هـ-1963م.
نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، المكتبة العلمية، المدينة المنورة، 1975م.
النكت على كتاب ابن الصلاح: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق الدكتور ربيع بن هادي عمير، المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م.
النهاية في غريب الحديث والأثر: لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد، المعروف بابن الأثير الجَزَرِيِّ (ت606هـ) ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
هدي الساري مقدمة فتح الباري: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، المطبعة السلفية، بمصر.(1/251)
للرِّوايةِ الواحدة قد تُخرجنا عن جادَّة الطَّريقِ في هذهِ المقدمة الموجزة، نظراً لاتِّساعِ أُفُق هذه المادة، وارتباطها ارتباطاً وثيقاً بفنِّ مُصطلحِ الحديثِ المتشَعب الجوانبِ، إضافةً إلى أنها تفتقرُ إلى تحليلٍ دقيقٍ وأمثلةٍ وافيةٍ تضيق بها هذهِ الصَّفحات التي أريد لها أن تكونَ مقدمة قصيرة تُعطي القارئ فكرة واضحة عن هذا النَّوع مِن المُصَنَّفاتِ. . وبعيداً عن الخوضِ في بحارِ عِلْمِ مُصْطَلَحِ الحَديثِ، وفَنِّ الرِّوايةِ وما يتعلَّقُ بها. .
الخاتمة:
يُعدُّ عِلْمُ رواية النُّصُوص مِنَ العُلُومِ التي تَمَيَّزَ بها المسلمون منذُ القِدَم، ووضعوا لها القواعِدَ والضَّوابطَ، سواءٌ في الرَّاوي، أو المَرْوي على حَدٍّ سواء، وبرزت أنواعٌ عديدةٌ مِنَ الفنون المُختلفة لخدمة عِلْمِ الرِّواية وما يتعلَّقُ بها، وَأُلِّفت ألوانٌ مُختلفةٌ مِنَ المُصَنَّفات اشتقَّت لنفسِها مسالكَ مُتعددة الجوانب، غير أنَّ روابطها العُضويَّة تتَّفقُ فيما بينها. .
وَمِن هذهِ المُصَنَّفات كُتُب المُسْتَخْرَجات، ومعاجم الشُّيُوخِ والمشيخات، وقد حاول بحثنا هذا أن يزيلَ النِّقاب عن هذين اللَّونينِ مِنَ المُصَنَّفات، وأن يجد الصِّلات المُشْتَرَكة التي تجمع بينهما، مُعتمداً في ذلكَ على المصادرِ الأصليَّةِ، إضافةً إلى العرض الموجز للمادة الذي يمتازُ بالفائدة والوضوح فقدَّمَ بذلكَ صورة مُتكاملة الجوانب عن هذين الفنَّين، الَّذَينِ تكاد تنفرد بهما الحضارة الإسلاميَّة عن بقيَّة الحضارات.. والتي لا تزالُ غير واضحة المعالمِ لدى الكثير مِنَ المُتَخصصينَ، كما يحتاجُ إليها عموم القُرَّاء والمبتدئون للاطلاعِ على الأبعادِ الحضاريَّةِ التي وصل إليها المُحَدِّثُونَ في فَنِّ توثيقِ النُّصوصِ وضبطها.
الهوامش والتعليقات(1/252)
أحكام السواك
د. عبد الله بن معتق السهلي
أستاذ مشارك بكلية الشريعة، بالجامعة الإسلامية - بالمدينة المنورة
ملخص البحث
السواك استعمال عود أو نحوه في الأسنان لإذهاب التغير ونحوه وله فوائد دينية وصحية وهو خصلة من خصال الفطرة واظب عليه النبي (ورغب فيه ويتأكد استعمال السواك عند الوضوء وعند الصلاة وعند القيام من النوم وعند دخول المنزل وعند تغير الفم واصفرار الأسنان، وهو سنة في كل وقت وعلى كل حال حتى للصائم قبل الزوال وبعده لعموم النصوص الواردة في الحث عليه من غير تخصيص وقت دون آخر، ويجوز أيضاً بحضرة الناس وفي المساجد لأنه (فعله ولم يختف به، وأفضل آلة السواك الأراك لما فيه من طيب وريح وتشعير يخرج بقايا الأطعمة ونحوها وينقي ما بين الأسنان، شهد لذلك علماء الطب بعد أن أجروا عليه بحوثاً أثبتت ذلك، واستعمال الفرشاة والمعجون من السواك، وهو يقوم مقام السواك في التنظيف وإزالة الرائحة والبخر، وكيفية الاستياك أن يمر السواك عرضاً في ظاهر الأسنان وباطنها، ويمره أيضاً على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه، ويجوز استعمال السواك الواحد لأكثر من شخص ويستحب غسل السواك قبل استعماله وكذلك عند الانتهاء منه.
ويكره جلاء الأسنان أو بردها بالحديد لأنه يضعف الأسنان ويفضي إلى انكسارها ويؤدي إلى تراكم الصفرة عليها.
(( (( ((
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (1) .
__________
(1) آية (101) من سورة آل عمران.(1/253)
{ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} (1) .
{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} (2) .
أما بعد: فإن الله تبارك وتعالى قد بين في كتابه الكريم وبين رسوله في سنته القواعد الصحيحة التي يجب على المسلم أن يسير عليها فقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب} (3) .
وقال (: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) (4) .
وإن من سنته (التي أمر بها وحض عليها السواك فقد بين (أنه من خصال الفطرة وأنه مطهرة للفم مرضاة للرب وهو من الطهارة الظاهرة والمسلم كما هو مأمور بالطهارة الباطنة وهى تطهير القلب وإخلاص العبادة لله مأمور بالطهارة الظاهرة وهى النظافة ودفع الأوساخ والأقذار ومن ذلك السواك فأحببت أن أفرد هذه الخصلة ببحث مستقل أبين فيه فضله وأحكامه لعل الله أن ينفع به.
خطة البحث:
قسمت البحث إلى مقدمة، وعشرة مباحث وخاتمة.
المقدمة: ذكرت فيها الافتتاحية، وخطة البحث ومنهجه.
المبحث الأول: في تعريف السواك لغةً واصطلاحاً.
المبحث الثاني: في مشروعية السواك وفضله.
المبحث الثالث: في أن السواك خصلة من خصال الفطرة.
المبحث الرابع: في حكم السواك.
المبحث الخامس: في أوقات تأكد السواك.
المبحث السادس: في حكم السواك للصائم.
المبحث السابع: في الاستياك أمام الناس.
المبحث الثامن: في آلة السواك.
__________
(1) آية (1) من سورة النساء.
(2) آية (70، 71) من سورة الأحزاب.
(3) آية (7) من سورة الحشر.
(4) أخرجه البخاري 6/116 في كتاب النكاح باب الترغيب في النكاح من حديث أنس، ومسلم 2/1020 في كتاب النكاح باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه.(1/254)
المبحث التاسع: في صفة الاستياك.
المبحث العاشر: في فوائد السواك.
الخاتمة: في أهم نتائج البحث.
منهج البحث:
سرت في إعداد هذا البحث على المنهج التالي:
1- ... جمعت المادة العلمية المتعلقة بالسواك.
2- ... درست المسائل الواردة في البحث دراسة موازنة، وحرصت على بيان المذاهب الأربعة في كل مسألة، وقد أذكر في المسألة أقوال بعض الصحابة والتابعين وغيرهم من الفقهاء كما أنني ذكرت قول الظاهرية في بعض المسائل مراعياً في ذلك الترتيب الزمني بين الفقهاء.
3- ... حرصاً مني على إخراج المسائل بأسلوب مبسط، يسهل معه معرفة الحكم في المسألة، صدرتها بالإجماع إن كانت من المسائل المجمع عليها، كما أنني إن رأيت الخلاف ليس قوياً في المسألة صدرت المسألة بقول أكثر أهل العلم وبعد ذلك أشير إلى القول المخالف ثم أذكر أدلة كل قول وما قد يرد عليه من نقاش إن وجد ثم الراجح في المسألة وقد أؤخر المناقشة مع الترجيح.
4- ... حرصت على نقل كل قول للفقهاء من مصادره الأصلية.
5- ... ذكرت أرقام الآيات القرآنية الواردة في البحث مع بيان أسماء سورها.
6- ... خرجت الأحاديث الواردة في البحث مبيناً الكتاب والباب والجزء والصفحة، فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما أو من أحدهما، وإن لم يكن فيهما أو في أحدهما اجتهدت في تخريجه من كتب السنة الأخرى مع ذكر درجة الحديث صحة أو ضعفاً معتمداً على الكتب التي تهتم بذلك.
7- ... بينت معاني الكلمات التي تحتاج إلى بيان.
8- ... لم أترجم للأعلام الواردة في البحث خشية الإطالة.
وضعت فهرساً للمصادر وآخر للموضوعات.
المبحث الأول: في تعريف السواك لغةً واصطلاحاً:(1/255)
تعريف السواك في اللغة: السِواك: بكسر السين، ويطلق السواك على الفعل وهو الاستياك، وعلى الآلة التي يستاك بها، ويقال في الآلة أيضاً مِسواك بكسر الميم، يقال ساك فاه يسوكه سوكاً، فإن قلت: استاك لم تذكر الفم.
والسواك مذكر نقله الأزهري عن العرب قال: وغلط الليث بن المظفر في قوله إنه مؤنث، وذكر صاحب المحكم أنه يؤنث ويذكر لغتان. قالوا: وجمعه سُوُك بضم السين والواو ككتاب وكُتُب ويخفف بإسكان الواو وربما همز فقيل سؤاك.
والسواك مشتق من ساك الشيء إذا دلكه.
وقيل إنه مشتق من التساوك يعني التمايل يقال جاءت الإبل تتساوك أي تتمايل في مشيتها.
والصحيح: أنه من ساك إذا دلك (1) .
السواك في اصطلاح الفقهاء: يطلق السواك على الفعل وهو الاستياك وعلى الآلة التي يستاك بها.
وقد عرف الفقهاء السواك بتعريفات متقاربة:
فعرفه الحنفية: أنه اسم لخشبة معينة للاستياك (2) .
وعرفه المالكية: أنه استعمال عود أو نحوه في الأسنان لاذهاب الصفرة والريح (3) .
وعرفه الشافعية والحنابلة: أنه استعمال عود أو نحوه في الأسنان لاذهاب التغير ونحوه (4) .
وأشمل هذه التعاريف: تعريف الشافعية والحنابلة فهو أعم من تعريف الحنفية الذين قصروه على كونه اسماً للخشب الذي يستاك به، وتعريف المالكية الذين حصروا استعماله على اذهاب الصفرة والريح.
المبحث الثاني: في مشروعية السواك وفضله:
__________
(1) انظر: الصحاح 4/1593، النهاية في غريب الحديث 2/425، تهذيب الأسماء واللغات 3/157، المصباح المنير 2/350، لسان العرب 10/446، القاموس المحيط 3/318، المعجم الوسيط 1/465.
(2) انظر: العناية شرح الهداية المطبوع مع شرح فتح القدير 1/24
(3) انظر: مواهب الجليل 1/264، أوجز المسالك إلى موطأ مالك 1/368.
(4) انظر: المجموع 1/270، مغني المحتاج 1/55، المبدع 1/68، كشاف القناع 1/70.(1/256)
الأصل في مشروعية السواك وفضله نصوص كثيرة من السنة منها:
1- ... حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (قال: (لولا أن أشق على أمتي
- أو على الناس- لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) (1) وفي رواية (عند كل وضوء) (2) .
2- ... حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ((كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك) (3) .
3- ... حديث حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي ((إذا قام من الليل يشوص (4) فاه بالسواك) (5) .
4- ... حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات عند النبي (ذات ليلة، فقام نبي الله (من آخر الليل، فخرج فنظر في السماء، ثم تلا الآية في آل عمران: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار} حتى بلغ {فقنا عذاب النار} (6) ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ، ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية، ثم رجع فتسوك فتوضأ، ثم قام فصلى (7) .
5- ... حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (: (أكثرت عليكم في السواك) (8) .
__________
(1) أخرجه البخاري 1/214 واللفظ له في كتاب الجمعة باب السواك يوم الجمعة، ومسلم 1/220 في كتاب الطهارة باب السواك.
(2) أخرج هذه الرواية البخاري 2/234 تعليقاً في كتاب الصيام باب السواك الرطب واليابس للصائم.
(3) أخرجه مسلم 1/220 في كتاب الطهارة باب السواك.
(4) يشوص: يدلك أسنانه وينقيها.
... انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/509، فتح الباري 1/356، النظم المستعذب
1/13.
(5) أخرجه البخاري 1/66 واللفظ له في كتاب الوضوء باب السواك، ومسلم 1/220 في كتاب الطهارة باب السواك.
(6) الآيتان (190، 191) من سورة آل عمران.
(7) أخرجه مسلم 1/221 في كتاب الطهارة باب السواك.
(8) أخرجه البخاري 2/234 في كتاب الجمعة باب السواك يوم الجمعة.(1/257)
6- ... حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: إن من نعم الله عليَّ أن رسول الله (توفى في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته: دخل عليَّ عبد الرحمن وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله (، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته فأشتد عليه، وقلت: ألِّينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته فأمرَّه (1) …) (2) الحديث.
7- ... حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي ((السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (3) .
فهذه الأحاديث وغيرها تدل على مشروعية السواك وفضله ولو لم يرد في السواك إلا أنه مرضاة للرب لكفى إذ المسلم مأمور بفعل ما يرضي ربه.
المبحث الثالث: في أن السواك خصلة من خصال الفطرة:
دل على أن السواك خصلة (4) من خصال الفطرة (5)
__________
(1) فأمَرَّه)) بفاء وفتح الميم وتشديد الراء، أي أمره على أسنانه فاستاك به.
انظر: فتح الباري 8/145.
(2) أخرجه البخاري 5/141-142 في كتاب المغازي باب مرض النبي ش ووفاته.
(3) أخرجه البخاري 2/234 تعليقاً بصيغة الجزم في كتاب الصيام باب السواك الرطب واليابس، قال النووي في المجموع 1/268 وتعليقاته بصيغة الجزم صحيحة، وأحمد في المسند 6/47، 62، 124، 238، والنسائي 1/101 في كتاب الطهارة باب الترغيب في السواك، وابن حبان 2/201، وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/105.
(4) الخصلة: مأخوذة من مادة (خصل) والخصلة: الفضيلة والرذيلة تكون في الإنسان وقد غلب على الفضيلة، وجمعها خصال.
... والخصلة: الخلة. تقول: في فلان خصلة حسنة، وخصلة قبيحة، وخصال وخصلات كريمة.
... انظر: الصحاح 4/1685، لسان العرب 11/206، تهذيب اللغة 7/140
(5) الفطرة:مأخوذة من الفطر وهو الشق طولاً. والفطرة الإبتداع والإختراع. والفطرة: الجبلة المقتضية لقبول الدين.
... قال ابن فارس: الفطرة هى مجموع الإستعدادات والميول والغرائز التي تولد مع الإنسان بمشيئة الله دون أن يكون لأحد دخل في إيجادها من البشر فهى غريزة وضعها الله في الإنسان.
... انظر: لسان العرب 5/55، 56، تاج العروس 13/322، معجم مقاييس اللغة 4/510، كتاب التعريفات 95.(1/258)
أحاديث منها:
1- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم (1) ، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء) (2) .
قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة (3) .
2- ... حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما أن رسول الله (قال: (من الفطرة: المضمضة، والإستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، والإستحداد (4) ، وغسل البراجم، والإنتضاح (5) ، والاختتان) (6) .
__________
(1) البراجم: هى العقد التي في ظهور الأصابع، يجتمع فيها الوسخ، الواحدة بُرجُمه بالضم. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/113، القاموس المحيط 4/79، فتح الباري 1/351.
(2) أي الإستنجاء. انظر: معالم السنن 1/46، شرح السنة 1/399، شرح صحيح مسلم 3/150.
(3) أخرجه مسلم 1/223 في كتاب الطهارة باب خصال الفطرة.
(4) المراد به حلق الشعر الذي حول ذكر الرجل، وحوالي فرج المرأة بالموسى.
... انظر: فتح الباري 10/343.
(5) المراد به الاستنجاء بالماء، وأصله من النضح وهو الماء القليل.
... انظر: معالم السنن 1/46، المجموع 1/285.
(6) أخرجه أبو داود في سننه 1/45-46 في الطهارة باب السواك من الفطرة، وابن ماجه 1/107 في الطهارة وسننها باب الفطرة واللفظ له، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/13.(1/259)
3- ... عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن. . .} الآية (1) . ابتلاه الله بالطهارة: خمس في الرأس، وخمس في الجسد، في الرأس قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء (2) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في كلامه على الفطرة في هذه الأحاديث: المراد أن هذه الأشياء إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها وحثهُم عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورة (3) .
وقال ابن القيم رحمه الله الفطرة: فطرتان: فطره تتعلق بالقلب وهى معرفة الله ومحبته وإيثاره على ماسواه. وفطرة عملية هى هذه الخصال.
فالأولى: تزكي الروح، وتطهر القلب.
والثانية: تطهر البدن. وكل منهما تمد الأخرى وتقويها (4) .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: إن الله جعل شرائع الفطرة على نوعين:
أحدهما يطهر القلب والروح، وهو الإيمان بالله وتوابعه: من خوفه ورجائه، ومحبته والإنابة إليه، قال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لايعلمون، منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين} (5) فهذه تزكي النفس، وتطهر القلب وتنميه، وتذهب عنه الآفات الرذيلة، وتحليه بالأخلاق الجميلة، وهى كلها ترجع إلى أصول الإيمان وأعمال القلوب.
__________
(1) آية (124) من سورة البقرة.
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/226 وصححه ووافقه الذهبي، وصحح سنده الحافظ ابن حجر في فتح الباري 10/337.
(3) انظر: فتح الباري 10/339.
(4) انظر: تحفة المودود في أحكام المولود ص161.
(5) الآيتان (30، 31) من سورة الروم.(1/260)
والثاني: مايعود إلى تطهير الظاهر ونظافته، ودفع الأوساخ والأقذار عنه، وهى هذه العشرة، وهى من محاسن الدين الإسلامي، إذ هى كلها تنظيف للأعضاء، وتكميل لها، لتتم صحتها وتكون مستعدة لكل مايراد منها (1) .
المبحث الرابع: في حكم السواك:
أكثر أهل العلم يرون أن السواك سنة وليس بواجب (2) .
وذهب داود إلى أن السواك واجب لكن لا تبطل الصلاة بتركه (3) .
وقال إسحاق بن راهويه: السواك واجب فإن تركه عامداً بطلت صلاته، وإن تركه ناسياً لم تبطل (4) .
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (قال: ((لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)) (5) .
وجه الدلالة من الحديث من وجهين:
الوجه الأول: ماذكره الإمام الشافعي أنه لو كان واجباً لأمرهم به شق أو لم يشق (6) .
الوجه الثاني: أن في قوله ((لأمرتهم)) دليل على أنه لم يأمرهم به (7) .
__________
(1) انظر: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ص47.
(2) انظر: بدائع الصنائع 1/69، حاشية ابن عابدين 1/113، الإختيار 1/9، المعونة 1/118، الكافي 1/142، الفواكه الدواني 2/290، الأم 1/20، الحاوي 1/82، المجموع 1/271، المغني 1/133، الإنصاف 1/128، المبدع 1/98.
(3) انظر: شرح الزرقاني على الموطأ 1/133، الحاوي 1/82، المغني 1/133،.
(4) وقد ضعف النووي هذا النقل عن إسحاق حيث قال في المجموع 1/271: وهذا النقل عن إسحاق غير معروف ولا يصح عنه.
(5) تقدم ص 239.
(6) انظر: الأم 1/20.
(7) انظر: الحاوي 1/84.(1/261)
2- ... حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (: ((عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء)) قال زكرياء: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة (1) .
وجه الدلالة من الحديث:
أن الرسول (وصف السواك بأنه من الفطرة، والفطرة من معانيها السنة فيكون السواك مسنوناً لا واجباً (2) .
3- ... ولأن السواك من النظافة وهي مندوب إليها (3) .
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
1- ... حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (قال: (لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) (4) .
وجه الدلالة من الحديث: أن الأمر على حقيقته وهو الوجوب (5) .
2- حديث أبي أمامة (أن رسول الله (قال: (تسوكوا؛ فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب…. .) (6) .
وجه الدلالة من الحديث: أن الأمر فيه للوجوب (7) . ...
3- ... حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي ش (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (8) .
وجه الدلالة من الحديث أن في ترك السواك إغضاباً للرب تبارك وتعالى أخذاً بمفهوم المخالفة ولا يكون ذلك إلا بترك ما أمر به على سبيل القطع والوجوب، وإلا لما كان غضب الله على ترك تلك السنة.
__________
(1) تقدم ص 240.
(2) انظر: المغني 1/134.
(3) انظر: المعونة 1/118.
(4) سبق ص 239.
(5) انظر: شرح الزرقاني على موطأ مالك 1/133، فتح الباري 2/375.
(6) أخرجه ابن ماجه 1/106 في كتاب الطهارة وسننها، باب السواك. وضعفه ابن حجر في التلخيص الحبير 1/60 وقال في فتح الباري 2/376: لا يثبت.
(7) انظر شرح الزرقاني على مؤطأ مالك 1/34
(8) تقدم تخريجه ص10.(1/262)
4- ... حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ش (كان لا يرقد ليلاً ولا نهاراً فيتيقظ إلا تسوك) (1) .
وجه الدلالة من الحديث أن فعل الرسول ش للسواك وعدم تركه والمبالغة فيه يدل على الوجوب.
وقد نوقشت هذه الأدلة بما يأتي:
1- ... حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ش قال: (لولا أن أشق. . .) أجيب عنه بما ذكره الحافظ ابن حجر في الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به (2) .
وما سبق من قول الشافعي أن الحديث فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجباً لأمرهم به شق عليهم أو لم يشق (3) .
قلت: ففي ذلك دلالة صريحة على أنه لم يأمرهم به.
2- حديث أبي أمامة ضعيف كما تقدم في تخريجه.
3- ... حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ش قال: (السواك مطهرة للفم. . . أجيب عنه بأنه استدلال بالمفهوم يعارضه الاستدلال بالمنطوق في قوله ش (لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم. . .) ومعلوم عند الأصوليين أن الاستدلال بالمنطوق مقدم على الاستدلال بالمفهوم (4) .
4- حديث عائشة رضي الله عنها كان النبي ش (لا يرقد ليلاً ولا نهاراً. . .) أجيب عن الاستدلال به، بأنه حديث ضعيف ضعفه الحافظ ابن حجر (5) .
والراجح أن السواك سنة مؤكدة وليس بواجب لحث النبي ش ومواظبته عليه وترغيبه فيه وتسميته من خصال الفطرة.
المبحث الخامس: في أوقات تأكد السواك:
تبين فيما سبق في المبحث الرابع أن السواك سنة مؤكدة حث النبي ش عليها بقوله وفعله وواظب عليها.
وفي هذا المبحث أبين الأوقات التي يتأكد فيها استحبابه:
__________
(1) أخرجه أبو داود 1/47 في كتاب الطهارة باب السواك لمن قام من الليل. وضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/63.
(2) انظر: فتح الباري 2/375.
(3) انظر: الأم 1/20.
(4) انظر: إرشاد الفحول 464.
(5) انظر: التلخيص الحبير 1/63(1/263)
اتفقت مصادر الفقهاء على تأكد استحباب السواك في حالات وانفرد بعضهم بذكر حالات لم يذكرها غيرهم وسأذكر أوقات تأكده عند كل أهل مذهب ومنها تتبين الأوقات التي اتفقوا على تأكد استحبابه فيها.
يتأكد استحباب السواك عند الحنفية في الأحوال الآتية:
عند الوضوء، وعند القيام للصلاة، وعند قراءة القرآن، وعند القيام من النوم، وأول مايدخل البيت وعند اجتماع الناس وعند تغير الفم وعند اصفرار الأسنان (1) .
ويتأكد استحبابه عند المالكية في الأحوال الآتية:
عند الوضوء، وعند الصلاة، وعند قراءة القرآن، وعند الإنتباه من النوم، وعند تغير الفم، وعند طول السكوت، وعند كثرة الكلام، وعند أكل مافيه رائحة (2) .
ويتأكد استحبابه عند الشافعية في الأحوال التالية: ...
عند الوضوء، وعند القيام للصلاة، وعند قراءة القرآن أو الحديث أو العلم الشرعي، أو ذكر الله تعالى، وعند القيام من النوم، وعند تغير الفم، ويتغير بنوم أو أكل أو جوع أو سكوت طويل أو كلام كثير أو نحو ذلك عند الاحتضار، وفي السحر، وعند الأكل، وبعد الوتر (3) .
ويتأكد استحبابه عند الحنابلة في الأحوال الآتية:
عند الوضوء، وعند الصلاة، وعند دخول المسجد، وعند قراءة القرآن، وعند الانتباه من النوم، وعند الغسل، وعند دخول البيت، وعند إطالة السكوت، وعند صفرة الأسنان، وعند خلو المعدة من الطعام (4) .
ومما تقدم يتبين أن الفقهاء متفقون على تأكد استحباب السواك في الحالات التالية:
__________
(1) انظر: بدائع الصنائع 1/19، شرح فتح القدير 1/24، حاشية ابن عابدين 1/113، 114.
(2) انظر: الكافي 1/171، مواهب الجليل 1/264، بلغة السالك 1/48، تنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة 1/484.
(3) انظر: الحاوي 1/85، المهذب 1/13، المجموع 1/272، 273، مغني المحتاج 1/56.
(4) انظر: المغني 1/134، المبدع 1/100، الفروع 1/125، 128، الروض المربع 1/19، 20.(1/264)
1- ... عند الوضوء. لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ش: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) (1) .
2- ... عند القيام للصلاة. لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ش قال: (لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) (2) .
3- ... عند القيام من النوم. لحديث حذيفة رضي الله عنه قال: (كان النبي ش إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) (3) .
4- ... عند دخول المنزل. لحديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي ش كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك) (4) .
عند تغير الفم واصفرار الأسنان. لحديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي ش قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (5) .
المبحث السادس: في حكم السواك للصائم:
لا خلاف بين الفقهاء في جواز السواك للصائم قبل الزوال (6) .
واختلفوا في حكمه بعد الزوال على قولين: ...
القول الأول: أن السواك جائز مطلقاً في أول النهار وآخره، وهو مروي عن عمر، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم والنخعي وابن سيرين وعروة (7) وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في رواية (8) واختيار النووي (9) وشيخ الإسلام ابن تيمية (10) وابن القيم (11) والشوكاني (12) .
__________
(1) تقدم ص 239.
(2) تقدم ص 239.
(3) تقدم ص 239.
(4) تقدم ص 239.
(5) تقدم ص 240.
(6) انظر: بدائع الصنائع 1/19، حاشية العدوي 1/392، المجموع 1/275، الإنصاف 1/119.
(7) انظر: المجموع 1/279، طرح التثريب 4/99، المغني 1/139.
(8) انظر: المبسوط 3/99، بدائع الصنائع 1/19، المدونة 1/179، حاشية الدسوقي 1/534، المغني 1/139، الإنصاف 1/118، شرح الزركشي 1/166
(9) انظر: المجموع 1/276.
(10) انظر: الاختيارات الفقهية 62.
(11) انظر: زاد المعاد 2/63.
(12) انظر: نيل الأوطار 1/107، 108.(1/265)
القول الثاني: أن السواك يكره للصائم بعد الزوال وهو مروي عن عطاء ومجاهد وإسحاق وأبي ثور (1) وهو قول الشافعي وأحمد في المشهور من المذهب (2) .
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
بعموم الأحاديث الواردة في السواك فإنها مطلقة لم تقيده بوقت دون وقت، ومن ذلك:
1- ... حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ش قال: (لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) (3) .
وجه الدلالة من الحديث: أنه يدخل في عمومه كل صلاة، صلاة الظهر والعصر والمغرب للصائم والمفطر (4) .
2- ... حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ش (إذا دخل بيته بدأ بالسواك) (5) .
وجه الدلالة من الحديث أنه عام في أي وقت دخل سواء كان صائماً أو غير صائم قبل الزوال أو بعد الزوال وعلى كل حال (6) .
3- ... وحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ش قال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (7) .
وجه الدلالة من الحديث أن فيه حثاً على السواك دون تقييد بزمن معين ويدخل فيه وقت مابعد الزوال.
4- ... حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله ش (مالا أحصى يتسوك وهو صائم) (8) .
__________
(1) انظر: المجموع 1/279، طرح التثريب 4/98، المغني 1/138.
(2) انظر: الأم 1/61، الحاوي 1/82، روضة الطالبين 1/167، المغني 1/138، المبدع 1/101، الإنصاف 1/117.
(3) تقدم ص 239.
(4) انظر: شرح فتح القدير 2/348، إحكام الأحكام 1/66.
(5) تقدم ص 239.
(6) انظر: فتح الباري 4/158.
(7) تقدم ص 240.
(8) أخرجه البخاري 2/234 تعليقاً في كتاب الصوم باب السواك الرطب واليابس، وأحمد 3/445، وأبو داود 2/768 في كتاب الصيام باب السواك للصائم، والترمذي 3/104 في كتاب الصوم باب السواك للصائم وقال: حديث حسن. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/62: إسناده حسن. وضعفه الألباني في إرواء الغليل 1/107.(1/266)
5- ... ماروى عن عبد الرحمن بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل أأتسوك وأنا صائم؟ قال: نعم، قلت: أي النهار؟ قال: غدوة أو عشية، قلت: إن الناس يكرهونه عشية، ويقولون: إن رسول الله ش قال: ((لخلوف (1) فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)) ، قال: سبحان الله لقد أمرهم رسول الله ش بالسواك حين أمرهم وهو يعلم أنه لابد أن يكون بفم الصائم خلوف وإن استاك وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمداً، مافي ذلك من الخير شيء بل فيه شر إلا من ابتلى ببلاء لا يجد منه بداً (2) .
استدل أصحاب القول الثاني بالأدلة التالية:
1- ... حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ش: (. . .والذي نفسي بيده لخلَوفَ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) (3) .
وجه الدلالة من الحديث: أن النبي ش قد بين أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، والسواك يقطع ذلك فوجب أن يكره (4) .
2- ... حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أن النبي ش قال: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كانتا نوراً بين عينيه يوم القيامه) (5) .
__________
(1) خُلوف بضم الخاء المعجمة: هو مايخالف بعد الطعام في الفم من ريح كريهة لخلاء المعدة من
الطعام. انظر: النظم المستعذب 1/13، المجموع 1/275، طرح التثريب 4/95
(2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 20/70 وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: إسناده جيد، وحسنه الألباني في إرواء الغليل 1/106
(3) أخرجه البخاري 2/226 في كتاب الصوم باب فضل الصوم، ومسلم 2/807 في كتاب الصيام باب فضل الصيام. .
(4) انظر: المهذب 1/13، المغني 1/139.
(5) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4/274 في الطهارة باب من كره السواك بالعشي، وضعفه وأقره النووي في المجموع 1/279، وضعفه الألباني في إرواء الغليل 1/106.(1/267)
3- ... ولأنه أثر عبادة مشهود له بالطيب فكره إزالته كدم الشهيد (1) .
وقد أجاب أصحاب القول الثاني عن أدلة أصحاب القول الأول:
بأنها عامة مخصوصة والمراد بها غير الصائم آخر النهار (2) .
وأجاب أصحاب القول الأول عن أدلة أصحاب القول الثاني بمايأتي:
1- ... إدعاء أن السواك يقطع خلوف فم الصائم رد عليه ابن القيم من ستة أوجه:
أ- ... أن المضمضة أبلغ من السواك في قطع خلوف الفم، وقد أجمع على مشروعيتها للصائم.
ب- أن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم.
ج- ... أن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم.
د- ... أن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله يوم القيامة.
هـ- ... أن الخلوف لا يزول بالسواك لأن سببه قائم وهو خلو المعدة من الطعام.
و ... أن النبي ش علم أمته مايستحب ومايكره لهم في الصيام، ولم يجعل السواك من المكروه (3) .
2- ... حديث خباب ابن الأرت رضي الله عنه حديث ضعيف كما تبين في تخريجه لا يحتج به.
3- ... قولهم إنه أثر عبادة مشهود له بالطيب فكره إزالته كدم الشهيد.
أجيب عنه: بأن أثر العبادة اللائق به الإخفاء بخلاف الشهيد، فإن غرض الشارع من بقاء دم الشهيد ليشهد له على خصمه يوم القيامة، وأيضاً فإن دم الشهيد قد جاء النص بعدم إزالته حيث أنه يبعث على ماقتل عليه اللون لون الدم والريح ريح مسك بخلاف إزالة رائحة الفم فإنه لم ينص على عدم إزالة أثره (4) .
والراجح: جواز استعمال السواك للصائم في كل وقت حتى بعد الزوال لعموم النصوص الواردة في الحث عليه من غير تخصيص وقت دون آخر.
__________
(1) انظر: المهذب 1/13، فتح العزيز 1/367، المغني 1/139.
(2) انظر المجموع 1/279.
(3) انظر: زاد المعاد 4/323، 324.
(4) انظر: المبسوط 3/99، شرح فتح القدير 2/349، حاشية العدوي ... 1/393.(1/268)
قال ابن القيم رحمه الله ولا صح عنه ش أنه نهى الصائم عن السواك أول النهار وآخره بل قد روى خلافه (1) .
وأفتى بهذا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ورجحه (2) .
ورجحه فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله (3) .
المبحث السابع: في الاستياك أمام الناس:
اختلف الفقهاء في حكم الاستياك أمام الناس على قولين:
القول الأول: أن السواك سنة على كل حال وخاصة عند الصلاة في المساجد وبحضرة الناس وهو قول جمهور الفقهاء (4) .
القول الثاني: عدم الاستياك في المساجد وأمام الناس وبه قال المالكية (5) .
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1- ... حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ش قال: (لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) (6) .
وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث دلالة على أن السواك سنة على كل حال وخاصة عند الصلاة وبما أن الصلوات المفروضة تقام في المساجد جماعة فإن السواك بحضرة الناس وفي المساجد من السنن المندوبه إذ المسلم مأمور في كل حال من أحوال التقرب إلى الله تعالى أن يكون في حالة كمال ونظافة إظهاراً لشرف العبادة (7) .
2- ... حديث أبي بردة، عن أبيه قال: (أتيت النبي ش فوجدته يستن (8)
__________
(1) انظر: زاد المعاد 2/63.
(2) انظر: كتاب الدعوة -الفتاوى 2/163، 164.
(3) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع 1/22، 24.
(4) انظر: حاشية ابن عابدين1/114، المجموع1/272، الإنصاف1/118، 119.
(5) انظر: مواهب الجليل 1/266.
(6) تقدم ص 239.
(7) انظر: إحكام الأحكام 2/65، 271، فتح الباري 2/376.
(8) يستن: يدلك أسنانه بالسواك.
انظر: معالم السنن 1/43، فتح الباري 2/375.(1/269)
بسواك بيده يقول أُعْ أُعْ (1) والسواك في فيه كأنه يتهوع) (2) .
وجه الدلالة من الحديث أنه يدل على تأكيد السواك وأنه لايختص بالأسنان، وأنه من باب التنظيف والتطيب لا من باب إزالة القاذورات لكونه ش لم يختف به ولهذا بوبوا لهذا الحديث باب استياك الإمام بحضرة رعيته (3) .
3- ... ماورد أن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه كان يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لايقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه (4) .
4- ... أن السواك من باب العبادات والقرب التي لا تخفى (5) .
واستدل أصحاب القول الثاني:
بأن السواك من باب إزالة القذر وأن ذا المروءة لا ينبغي له فعله أمام الناس (6) .
وقد أجيب عن هذا بأن في حديث أبي بردة عن أبيه دلالة على أن السواك مما لاينبغي إخفاؤه ويتركه الإمام بحضرة الرعايا ادخالاً له في باب العبادات والقربات (7) .
الراجح: أن السواك سنة على كل حال وخاصة عند الصلاة وبما أن الفروض الخمسة تقام جماعة في المساجد فإن السواك بحضرة الناس وفي المساجد يكون من السنن المندوبة لأن النبي ش أمر به وفعله ولم يختف به.
المبحث الثامن: آلة السواك:
__________
(1) أُعْ أُعْ: بضم الهمزة وسكون المهملة، حكاية لصوته إذا جعل السواك على طرف لسانه. والمراد بقوله: ((كأنه يتهوع: التهوع: التقيؤ، أي له صوت كصوت المتقيء)) . انظر: فتح الباري 1/356.
(2) أخرجه البخاري 1/66، واللفظ له في كتاب الوضوء باب السواك، ومسلم 1/220 كتاب الطهارة باب السواك.
(3) انظر: فتح الباري 1/356.
(4) أخرجه الترمذي 1/34 واللفظ له في كتاب الطهارة باب ماجاء في السواك وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود 1/40 في كتاب الطهارة باب السواك،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود1/12.
(5) انظر: إحكام الأحكام 1/71.
(6) انظر: مواهب الجليل 1/266.
(7) انظر: إحكام الاحكام 1/71، فتح الباري 1/356.(1/270)
يستحب أن يستاك بعود لين ينقي الفم، ولا يجرحه، ولا يضره، ولا يتفتت فيه كالأراك وجريد النخل والزيتون (1) .
وأفضل أنواع السواك الأراك لما فيه من طيب وريح وتشعير يخرج وينقي مابين الأسنان (2) ولحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (كنت أجتني لرسول الله ش سواكاً من الأراك. . .) (3) الحديث.
وقد قام علماء الطب الحديث باجراء أبحاث على الأراك وتوصلوا إلى النتائج الآتية:
1- ... يحتوي السواك على العفص (حمض تينيك) ولهذه المادة تأثير مضاد للتعفنات، كما أنه يعتبر مطهراً وله استعمالات مشهورة ضد نزيف الدم كما يطهر اللثة والأسنان ويشفي جروحها الصغيرة ويمنع نزف الدم منها.
2- ... يوجد في السواك مادة لها علاقة بالخردل وهى عبارة عن جليكوزيد وهذه المادة لها رائحة حادة وطعم حراق، وهو ما يشعر به الشخص الذي يستعمل السواك لأول مرة، وهذه المادة تساعد على الفتك بالجراثيم.
3- ... إن تركيب هذا النبات هو ألياف حاوية على بيكربونات الصوديوم، وبيكربونات الصوديوم هي المادة المفضلة لاستعمالها في المعجون السني (الصناعي) من قبل مجمع معالجة الأسنان التابع لجمعية طب الأسنان الأمريكية يستعمل كمادة سنية وحيدة تقي من العضويات المجهرية التي تفرز في الأسنان (4) .
__________
(1) انظر: حاشية ابن عابدين 1/115، الكافي 1/117، فتح العزيز 1/370، المغني 1/136.
(2) انظر: المصادر السابقة في هامش رقم (1) .
(3) أخرجه أبويعلي في مسنده 9/209، وأحمد في المسند المطبوع مع منتخب كنز العمال1/420، وأبو داود الطيالسي في مسنده ص47، وأبو نعيم في الحلية 1/127، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/289، وحسنه ابن حبان في صحيحه15/546، وحسنه الألباني في إرواء الغليل
1/104.
(4) انظر عن هذا السواك للدكتور محمد على البار ص153-156، استعمال السواك لنظافة الفم وصحته ص407،411، السواك والعناية بالأسنان ص45-47.(1/271)
4- ... إن السواك يحتوي على مادة تمنع تسوس الأسنان وقد ذكر ذلك أكثر من باحث في بحوث أعدت على الأراك وقد أكدوا على وجود مواد قاتلة للميكروبات في هذا السواك.
5- ... لو نظر إلى السواك لوجد أنه يتكون كيميائياً من ألياف السيليلوز وبعض الزيوت الطيارة وبه راتنج عطري وأملاح معدنية أهمها كلوريد الصوديوم وهو ملح الطعام وكلوريد البوتاسيوم وأكسالات الجير فلو نظر إلى تحليل السواك لوجد أنه فرشاة طبيعية قد زودت بأملاح معدنية ومواد عطرية تساعد على تنظيف الأسنان، أو بمعنى آخر كأنها فرشاة طبيعية زودها الله تعالى بمسحوق مطهر لتنظيف الأسنان ومنع تسوسها (1) .
وقد قامت عدة شركات بتحضير معاجين أسنان من جذور وعروق شجرة الأراك بدون إضافة أي مواد كيمياوية أخرى قد تكون لها بعض الآثار الجانبية الأخرى، فتأكد وجود مواد قاتلة لجراثيم الفم الضارة التي تسبب التهابات اللثة وتسوس الأسنان في هذه المعاجين المحضرة من الأراك هذا بعض ما ذكره علماء الطب الحديث ومن أراد التوسع عن هذا فليرجع إلى الكتب المؤلفة في هذا، وقد أشرت لبعضها كما هو مدون في الهوامش (2) .
__________
(1) انظر: المصادر السابقة في هامش رقم (105) .
(2) انظر: السواك للدكتور محمد علي البار ص156-160، الوقاية الصحية على ضوء الكتاب والسنة ص151.(1/272)
ثم بعد السواك بالأراك في الأفضلية السواك بجريد النخل (1) لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وفيه: ((أنها قالت: مر عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما وفي يده جريدة رطبة فنظر إليه النبي ش فظننت أن له بها حاجة فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه فاستن بها كأحسن ماكان مستناً ثم ناولنيها فسقطت يده أو سقطت من يده فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة)) (2) .
وعللوا لأفضلية السواك بالزيتون بأنه من شجرة مباركة (3) .
واستدلوا بأحاديث ضعيفة (4) .
واستعمال الفرشاة والمعجون من السواك ومن ميزات الفرشاة أنها يمكن أن ينظف بها الإنسان باطن الأسنان بسهولة ويسر وأن في المعجون مواد مطهرة ومنظفة (5) .
ويستحب أن لا يستاك بعود لين لا يقلع القلحة ولا يزيل الرائحة، ولا بعود يابس يجرح اللثة (6) .
ونقل كراهة الاستياك بالريحان والقصب لأنهما كما قيل يسببان بعض الأمراض (7) .
وذكر ابن قدامة رحمه الله كراهة الاستياك بأعواد الريحان والآس والأعواد الذكية (8) .
وذكر بعض العلماء أيضاً كراهة الاستياك بأعواد التبن والقصب والأشنان والحلفة، وكل ماجهل أصله من الأعواد (9) .
قال ابن القيم رحمه الله ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة فربما كانت سماً (10) .
الاستياك بالأصابع:
__________
(1) انظر: حاشية ابن عابدين 1/115، المجموع 1/282، المغني 1/136.
(2) أخرجه البخاري6/142في كتاب المغازي باب مرض النبي ش ووفاته.
(3) انظر: حاشية ابن عابدين 1/115.
(4) انظر: التلخيص الحبير 1/72.
(5) انظر: السواك للدكتور محمد على البار ص17.
(6) انظر: فتح العزيز 1/370.
(7) انظر: حاشية ابن عابدين 1/115.
(8) انظر: المغني 1/136، 137
(9) انظر: طرح التثريب 2/68، المبدع 1/102.
(10) انظر: الطب النبوي ص322.(1/273)
اتفق الفقهاء على أن الأصبع إن كانت لينة لم يحصل بها السواك (1) .
واختلفوا إن كانت خشنة أيحصل بها السواك أم لا؟
القول الأول: يحصل بها السواك وهو قول الأحناف والمالكية والحنابلة في رواية (2) وهو اختيار النووي (3) وابن قدامة (4) .
القول الثاني: لا يحصل بها السواك وهو قول الشافعية والحنابلة في المشهور من المذهب (5) .
استدل أصحاب القول الأول بالآتي:
1- ... حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار من بني عمرو بن عوف قال: يارسول الله إنك رغبتنا في السواك فهل دون ذلك؟ قال: (اصبعاك سواك عند وضوئك تمرها على أسنانك إنه لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له) (6) .
2- ... حديث أنس رضي الله عنه عن النبي ش (يجزي من السواك الأصابع) (7) .
3- ... حصول المقصود من السواك (8) .
واستدل أصحاب القول الثاني بالآتي:
1- ... أنه لم يرد به الشرع.
2- ... أنه لا يسمى سواكاً ولا يحصل به الإنقاء به حصوله بالعود (9) .
__________
(1) انظر: المجموع 1/282.
(2) انظر: شرح فتح القدير 1/22، حاشية ابن عابدين 1/115، التمهيد 7/202، مواهب الجليل 1/265، المغني 1/137، الإنصاف 1/118.
(3) انظر: المجموع 1/382.
(4) انظر: المغني 1/137.
(5) انظر: الحاوي 1/86، المهذب 1/14، المغني 1/137، المبدع 1/102
(6) أخرجه البيهقي في سننه 1/41 في كتاب الطهارة باب السواك بالأصابع، وقال الحافظ العراقي في طرح التثريب 2/68 هذا الحديث رجاله ثقات إلا أن الراوي له عن أنس بعض أهله غير مسمى.
(7) أخرجه البيهقي في سننه 1/40 في كتاب الصلاة باب السواك بالأصابع وضعفه وكذلك ضعفه النووي في المجموع 1/282.
(8) انظر: المجموع 1/282.
(9) انظر: المهذب 1/14، المغني 1/137.(1/274)
وقد اختار القول الأول النووي حيث قال والمختار الحصول، وأيده الحافظ العراقي، وقال ابن قدامة: والصحيح أنه يحصل به بقدر مايحصل من الإنقاء (1) .
والذي يظهر والله أعلم حصول السواك بالأصابع إذا لم يوجد غيرها، وقد قال الله عز وجل: {فاتقوا الله مااستطعتم} (2) ولقوله ش: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (3) .
وأقل ما في ذلك حصول الامتثال بفعل الاستياك وقد نص بعض الفقهاء على أن الأصلع الذي لا شعر له يستحب له عند التحلل من العمرة أو الحج أن يمر الموسى على رأسه (4) .
المبحث التاسع: في صفة السواك:
يستحب أن يبدأ في الاستياك بجانب فمه الأيمن (5) لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي ش يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله)) (6) وقياساً على الوضوء (7) .
وجمهور الفقهاء على استحباب السواك عرضاً (8) ، واستدلوا بأحاديث ضعيفة منها:
1- ... حديث ربيعة بن أكثم قال: (كان رسول الله ش يستاك عرضاً ويشرب مصاً ويقول هو أهنأ وأمرأ) (9) .
__________
(1) انظر: المجموع 1/282، طرح التثريب 2/68، المغني 1/137.
(2) من آية (16) من سورة التغابن.
(3) أخرجه البخاري 8/142 في كتاب الإعتصام بالسنة باب الإقتداء بسنن رسول الله ش من حديث أبي هريرة.
(4) انظر: المغني 5/306.
(5) انظر: حاشية ابن عابدين 1/114، المجموع 1/282، المغني 1/135
(6) أخرجه البخاري 2/50 واللفظ له في كتاب الوضوء باب التيمن في الوضوء والغسل، ومسلم1/226 في الطهارة باب التيمن في الطهور وغيره.
(7) انظر: المجموع 1/283
(8) انظر البناية شرح الهداية 1/143،153، الخرشي مع مختصر خليل 2/238، الوجيز 1/365، المبدع 1/102.
(9) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1/40 في الطهارة باب ماجاء في الاستياك عرضاً وقال: لا يحتج به وضعفه النووي في المجموع 1/280.(1/275)
2- ... حديث عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله ش: (إذا شربتم فاشربوا مصاً وإذا استكتم فاستاكوا عرضاً) (1) .
3- ... أنه يخشى في الاستياك طولاً إدماء اللثة وإفساد عمود الأسنان (2) .
وكيفية الاستياك: هو أن يستاك عرضاً في ظاهر الأسنان وباطنها ويمر السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه ويمره على سقف حلقه إمراراً خفيفاً (3) .
وذهب بعض الفقهاء كالغزنوي من الحنفية وإمام الحرمين والغزالي من الشافعية وبعض الحنابلة إلى أنه لا بأس أن يستاك طولاً وضعف هذا القول النووي وابن مفلح (4) .
ويستحب أن ينظف لسانه بالسواك بإمراره عليه (5) لما ثبت من حديث أبي بردة عن أبيه قال: (أتيت النبي ش فوجدته يستن بسواك بيده يقول أُعْ أُعْ والسواك في فيه كأنه يتهوع) (6) .
وفي رواية (وطرف السواك على لسانه يستن إلى مافوق) (7) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ويستفاد منه مشروعية السواك على اللسان طولاً (8) .
السواك هل الأولى أن يباشره المستاك بيمينه أو بشماله؟
قال ابن عابدين رحمه الله إن كان من باب التطهر استحب باليمين، وإن كان من باب إزالة الأذى فباليسرى، والظاهر الثاني (9) .
__________
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1/40 في كتاب الطهارة باب الإستياك عرضاً، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/65 وفيه: محمد بن خالد القرشي قال ابن القطان لايعرف،
قلت: وثقه ابن معين وابن حبان.
(2) انظر: المجموع 1/280، المبدع 1/102.
(3) انظر: الحاوي 1/85، المجموع 1/281
(4) انظر: حاشية ابن عابدين 1/114، المجموع 1/281، المبدع 1/102، الإنصاف
1/170.
(5) انظر: حاشية ابن عابدين 1/114، فتح الباري1/356، المقنع 1/102.
(6) سبق ص 248.
(7) أخرجه أحمد في المسند 4/417، وأخرجه مسلم 1/220 في الطهارة باب السواك بدون لفظ ((يستن إلى فوق)) .
(8) انظر: فتح الباري 1/356.
(9) انظر: حاشية ابن عابدين 1/114(1/276)
وذكر نحوه الحافظ العراقي رحمه الله (1) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الاستياك باليمين أم باليسرى؟ فذكر أن الأفضل الاستياك باليسرى، لأنه من باب إماطة الأذى، فهو كالاستنثار والامتخاط، ونحو ذلك مما فيه إزالة الأذى، وذلك باليسرى، كما أن إزالة النجاسات واجبها ومستحبها اليسرى. . . ثم ذكر أن السواك ليس من باب اكرام اليمين (2) .
ويستحب غسل السواك قبل استعماله وكذلك عند الانتهاء من استعماله (3) . لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله ش يعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به فأستاك، ثم أغسله ثم أدفعه إليه) (4) .
ويجوز أن يستعمل السواك الواحد لأكثر من شخص (5) .
لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله ش يستن وعنده رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فأوحى الله إليه في فضل السواك ((أن كبر)) أعط السواك أكبرهما) (6) .
قال الخطابي رحمه الله فيه: أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه على مايذهب إليه بعض من يتقزز إلا أن السنة فيه أن يغسله ثم يستعمله (7) .
__________
(1) انظر: طرح التثريب 2/71
(2) انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/158 وما بعدها.
(3) انظر: مواهب الجليل 1/226، مغني المحتاج 1/55، المبدع 1/102
(4) أخرجه أبو داود. انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري 1/41 باب غسل السواك. وقال النووي في المجموع 1/283 حديث حسن رواه أبو داود بإسناد جيد.
(5) انظر: المجموع 1/283، المبدع 1/102.
(6) أخرجه أبو داود 1/43 في كتاب الطهارة باب في الرجل يستاك بسواك غيره وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/12، وأخرج البخاري تعليقاً 1/314 في كتاب الوضوء باب دفع السواك إلى الأكبر نحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(7) انظر: معالم السنن 1/43، فتح الباري 1/356.(1/277)
يكره جلاء الأسنان بالحديد وبردها بالمبرد لأنه يضعف الاسنان ويفضي إلى انكسارها، ولأنه يخشنها فتتراكم الصفرة عليها (1) .
ينبغي لمن أسنانه مركبة أن يستعمل السّواك ليحصل أجر أمتثال السنة، ولا بأس أن ينزلها وينظفها، ويزيل ما عليها من أوساخ.
المبحث العاشر: في فوائد السواك:
إن أعظم فوائد السواك مانص عليه النبي ش في قوله: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (2) .
ومن الفوائد التي ذكرها أهل العلم للسواك أن المسلم مأمور في كل حال أن يكون على أحسن هيئة وأطيب ريح وخاصة عند أداء العبادة، وأن يحرص أن تكون حاله في غاية الكمال والنظافة لإظهار شرف وعظم هذه العبادة (3) .
ولما كانت الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم شرع السواك مطهرة للفم حتى لا تتأذى الملائكة الموكلون برصد أعمال بني آدم بالروائح الكريهة التي تنتج عن ترك السواك (4) ، وقد جاء في الأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك) (5) .
قال ابن القيم رحمه الله في السواك عدة منافع: يطيب الفم، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، ويجلو البصر، ويذهب بالحفر، ويصح المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، ويسهل مجاري الكلام، وينشط للقراءة والذكر والصلاة، ويطرد النوم، ويرضي الرب، ويعجب الملائكة، ويكثر الحسنات (6) .
ومن فوائد السواك أنه يدر البول، ويقطع الرطوبة، ويذهب الصفرة، ويسكن عروق الرأس، ووجع الأسنان، ويذكي الفطنة، ويضاعف الصلاة، ويسخط الشيطان، ويطيب النكهة، ويسهل خروج الروح (7) .
__________
(1) انظر المجموع 1/281
(2) سبق ص 240.
(3) انظر: إحكام الإحكام 1/65.
(4) انظر: طرح التثريب 2/66.
(5) أخرجه ابن ماجه 1/106 في كتاب الطهارة وسننها باب السواك، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/53.
(6) انظر: الطب النبوي ص322.
(7) انظر: حاشية ابن عابدين 1/115، المنهج السوي ص300.(1/278)
قال ابن عابدين قال في النهر: ومنافعه وصلت إلى نيف وثلاثين (1) .
ومن فوائد السواك أنه بمثابة العلاج للإقلاع عن بعض العادات السيئة مثل التدخين فالسواك مع طول مدة استعماله يصبح عادة فيكون سبباً في الإقلاع عن التدخين وكذلك عن الإقلاع عن مص الأصابع عند الصغار.
وللسواك فوائد أخرى ذكرها علماء الطب، وقد ذكرت شيئاً منها عند الكلام على الأراك في المبحث الثامن والكتب الطبية المؤلفة في السواك ذكرت له فوائد كثيرة وأسراراً طبية (2)
__________
(1) انظر: حاشية ابن عابدين 1/115
(2) انظر: عن فوائد السواك الطبية، السواك للبار، الوقاية الصحية على ضوء الكتاب والسنة، كتاب السواك فضله وفوائده.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
إحكام الأحكام، شرح عمدة الأحكام، لتقي الدين أبي الفتح الشهير بابن دقيق العيد، المتوفى سنة 702هـ، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
الإختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، اختارها: علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد البعلي، المتوفى سنة 803 هـ، تحقيق محمد حامد الفقي، الناشر: دار المعرفة بيروت.
الاختيار لتعليل المختار، تأليف: عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي، المتوفى سنة 683هـ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر: مكتبة محمد علي صبح وأولاده بميدان الأزهر بالقاهرة.
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني، المتوفى سنة 1255هـ، الناشر: دار المعرفة.
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، تأليف: محمد بن ناصرالدين الألباني، إشراف زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي.
استعمال السواك لنظافة الفم وصحته، تأليف: الدكتور محمد رجائي المصطيهي، أعمال المؤتمر الأول للطب الإسلامي، الكويت 1981م.
الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، المتوفى 204هـ، طبعة الشعب، القاهرة.
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد، علاء الدين أبي الحسن علي ابن سليمان المرداوي، المتوفى 885هـ، تحقيق: محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى سنة 1376هـ، بمطبعة السنة المحمدية، القاهرة.
أوجز المسالك إلى موطأ مالك، تأليف: محمد زكريا الكاندهلوي، الناشر: دار الفكر، بيروت، طبعة 1409هـ.
البحر الرائق شرح كنز الحقائق، لزين الدين الشهير بابن نجيم، المتوفى سنة 970هـ، الناشر: دار المعرفة، الطبعة الثانية.
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين بن مسعود الكاساني، المتوفى سنة 587هـ، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت.
بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، لأحمد بن محمد الصاوي، المتوفى 1241هـ، الناشر: دار المعرفة، ... بيروت، 1398هـ.
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار، تأليف: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، المتوفى
1376 هـ، طبع ونشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، 1405هـ.
تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد مرتضى الزبيدي، المتوفى1205هـ، الناشر: دار مكتب الحياة، بيروت.
تحفة المودود بأحكام المولود، لشمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، المتوفى 751هـ، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت.
التعريفات، للشريف علي بن محمد الجرجاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة 1408هـ.
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى 852هـ، الناشر: دار المعرفة، بيروت.
تلخيص المستدرك، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، المتوفى 848هـ، مطبوع بذيل المستدرك، الناشر: دار الباز للنشر والتوزيع، مكة.
تنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة، لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن خليل التنائي، تحقيق محمد عايش عبد العال، الطبعة الأولى 1409هـ.
تهذيب الأسماء واللغات، لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، المتوفى 676هـ، تحقيق: بشار عواد معروف، الناشر: دار الرسالة، الطبعة الأولى 1405هـ.
تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، المتوفى 370هـ، تحقيق: عبد السلام هارون، الناشر: الدار المصرية، طبعة دار القومية العربية ... 1384هـ.
حاشية الدسوقي، للشيخ محمد بن عرفة الدسوقي، الطبعة العاشرة، بمصر.
حاشية رد المحتار على الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين، لمحمد أمين الشهير بابن عابدين، المتوفى سنة 1252هـ مع التكملة لنجل المؤلف، الناشر: مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الثانية 1386هـ.
الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، المتوفى سنة 450هـ، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، المتوفى سنة 450هـ، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.
الخرشي على مختصر خليل، لمحمد بن عبد الله بن علي الخرشي، المتوفى سنة 1101هـ، الناشر: دار صادر، بيروت.
روضة الطالبين، لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، المتوفى سنة 676هـ، الناشر: المكتب الإسلامي.
الروض المربع شرح زاد المستقنع، لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي، المتوفى سنة 1051هـ، الطبعة الثانية سنة 1403هـ.
زاد المعاد في هدي خير العباد، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية، المتوفى سنة 751هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط، الطبعة السادسة 1404هـ.
سنن أبي داود، للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، المتوفى سنة 275هـ،
تحقيق: عزت عبيد الدعاس، طبع محمد على السيد،حمص.
سنن الترمذي ((الجامع الصحيح)) ، للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، المتوفى سنة 279هـ، تحقيق: أحمد شاكر ورفقاؤه، الناشر: محمد مصطفى البابي الحلبي، القاهرة.
السنن الكبرى، للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، المتوفى سنة 458هـ، الناشر: دار الفكر.
سنن النسائي، للحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، المتوفى سنة 303هـ، بشرح: جلال الدين السيوطي وحاشية السندي، الناشر: دار الفكر، بيروت.
سنن ابن ماجه، للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، المتوفى سنة 275هـ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر عيسى البابي.
السواك، تأليف: الدكتور محمد على البار، الناشر: دار المنارة للنشر والتوزيع، جدة، مكة.
السواك فضله وفوائده، تأليف: إبراهيم بن محمد الحسن.
السواك والعناية بالأسنان، تأليف: الدكتور عبد الله عبد الرزاق السعيد، الناشر: الدار السعودية، جده.
شرح الزرقاني، لمحمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، المتوفى1122هـ، الناشر: دار
المعرفة، بيروت 1398هـ.
شرح الزركشي على مختصر الخرقي، لشمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي، المتوفى سنة 772هـ، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، الناشر: مطابع العبيكان.
شرح السنة، لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي، المتوفى سنة 516هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وزهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، 1390هـ.
شرح صحيح مسلم، لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، المتوفى سنة 676هـ، الناشر: دار الفكر، بيروت.
شرح فتح القدير على الهداية، لكمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي، المتوفى سنة 681هـ، الناشر: دار الفكر، الطبعة الثانية عام 1397هـ.
الشرح الممتع على زاد المستقنع، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، اعتنى به جمعاً وترتيباً وتخريجاً الدكتور سليمان عبد الله أبا الخيل، والدكتور خالد علي المشيقع، الناشر: مؤسسة آسام.
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور
عطار، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت.
صحيح البخاري، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256هـ، تصحيح: محمد ذهني، طبعة بولاق، عام 1315هـ.
صحيح ابن حبان، للأمير علاءالدين علي بن بلبان الفارسي، المتوفى سنة 739هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثانية 1412هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.
صحيح سنن أبي داود، للشيخ محمد ناصرالدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1412هـ.
صحيح مسلم، للإمام مسلم بن الحجاج القشيري، المتوفى 261هـ، تحقيق: محمد فؤاد
عبد الباقي، الناشر: عيسى البابي الحلبي 1374هـ.
الطب النبوي، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير بابن القيم، المتوفى سنة 751هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، عالم الكتب بالرياض.
طرح التثريب في شرح التقريب، لزين الدين أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي، المتوفى سنة 806هـ، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني، المتوفى سنة 855هـ، الناشر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الأولى 1392هـ.
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، لتقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، المتوفى سنة 728هـ، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن القاسم النجدي الحنبلي، وساعده ابنه محمد، الطبعة الأولى 1398هـ.
فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852هـ، ترتيب: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر.
فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير، لأبي القاسم عبد الكريم محمد الرافعي، المتوفى سنة 623هـ، مطبوع مع المجموع، ومعهما التلخيص الحبير، الناشر: دار الفكر، بيروت.
الفروع، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي، المتوفى سنة 763هـ، الناشر: عالم الكتب، الطبعة الثانية 1388هـ.
الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني، للشيخ أحمد النظراوي المالكي، الناشر: دار الفكر، بيروت.
القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، المتوفى سنة 817هـ، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1407هـ.
الكافي في فقه أهل المدينة، لأبي عمرو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، المتوفى سنة 463هـ، تحقيق محمد بن محمد بن ولد ماريك الموريتاني، الناشر: المحقق عام 1399هـ.
كتاب الدعوة -الفتاوى-، سلسلة نصف سنوية، تصدر عن مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية، الطبعة الثانية 1414-1415هـ.
كشاف القناع من متن الإقناع، لمنصور بن يونس البهوتي، المتوفى 1052هـ، الناشر: عالم الكتب، بيروت، سنة 1403هـ.
لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، الناشر: دار صادر بيروت.
المبدع شرح المقنع، لأبي إسحاق محمد بن مفلح الحنبلي، المتوفى سنة 884هـ، الناشر: دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة 1318هـ.
المبسوط، لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي، المتوفى سنة 483هـ، الناشر: دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة 1398هـ.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، المتوفى سنة 807هـ، الناشر: مكتبة القدس بالقاهرة 1352هـ.
المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، المتوفى سنة 656هـ،
مع تكملتيه للسبكي والمطيعي، الناشر: دار الفكر.
المحلي، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، المتوفى سنة 456هـ، الناشر: دار الفكر بيروت.
مختصر سنن أبي داود، للحافظ عبد العظيم المنذري، المتوفى سنة 656هـ، الناشر: دار المعرفة، بيروت.
المدونة الكبرى، رواية سحنون بن سعيد عن أبي القاسم، عن الإمام مالك، ومعها مقدمات ابن رشد، الناشر: دار الفكر، بيروت 1398هـ.
المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم، المتوفى سنة 848هـ، الناشر: دار الباز للنشر والتوزيع، مكة.
مسند الإمام أحمد بن حنبل، وضعه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، المتوفى سنة 241هـ، الناشر المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة 1403هـ.
مسند الطيالسي، لسليمان بن داود بن الجارود الفارسي، المتوفى سنة 204هـ، الناشر: دار المعرفة.
مسند أبي يعلي، لأحمد بن علي بن المثنى، المتوفى سنة 307هـ، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر، دار المأمون للتراث.
المصباح المنير، لأحمد بن محمد بن علي المقرئ الفيومي، المتوفى سنة 770هـ، الناشر: المطبعة الأميرية ببولاق، مصر، الطبعة الأولي 1321هـ.
معالم السنن، لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، المتوفى سنة 388هـ، مطبوع بذيل سنن أبي داود، طبع محمد على السيد، حمص.
المعجم الكبير، للحافظ أبي القاسم سليمان الطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: مطبعة الوطن العربي، الطبعة الأولى 1400هـ.
معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا، الناشر: مؤسسة المعارف، بيروت 1406هـ.
المعجم الوسيط، قام بإخراج هذه الطبعة د/ إبراهيم أنيس، د/ عبد الحليم منتصر، د/عطية الصوالحي، وأشرف على الطبع حسن عطية، ومحمد شوقي أمين، الناشر: مطابع دار المعارف.
المعونة على مذهب عالم المدينة، للقاضي عبد الوهاب البغدادي، المتوفى سنة 422هـ، تحقيق حميش عبد الحق، الناشر: المكتبة التجارية، مكة المكرمة.
المغني، لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، المتوفى سنة 620هـ، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، والدكتور عبد الفتاح الحلو، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع.
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للشيخ محمد الشربيني الخطيب، الناشر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي، عام 1377هـ.
المقنع، لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة، المتوفى سنة 620هـ، المطبوع في أعلى المبدع شرح المقنع، الناشر: دار المعرفة، بيروت، عام 1398هـ.
المنهج السوي في الطب النبوي، للحافظ جلال الدين السيوطي، تحقيق حسن الأهدل، الطبعة الأولى 1406هـ، مكتبة الجيل.
مواهب الجليل لشرح مختصر سيدي خليل، لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحطاب، المتوفى سنة 924هـ، الطبعة الأولى 1329هـ، مطبعة السعادة، القاهرة.
النظم المستعذب بهامش المهذب، لمحمد بن أحمد بن بطال الركبي، الناشر: مطبعة عيسى الحلبي، القاهرة.
النهاية في غريب الحديث والأثر، لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن الأثير الجزري، المتوفى سنة 606هـ، تحقيق محمود بن محمد الطناحي، الناشر: المكتبة الإسلامية.
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، لمحمد بن علي الشوكاني، المتوفى سنة 1250هـ، الناشر: مكتبة الدعوة الإسلامية، شباب الأزهر.
الوجيز في فقه الإمام الشافعي، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، المتوفى سنة 505هـ، المطبوع مع فتح العزيز والمجموع، الناشر: دار الفكر.
الوقاية الصحية على ضوء الكتاب والسنة، تأليف لؤلؤة بنت صالح بن حسين آل علي، الناشر: دار ابن القيم، السعودية.(1/279)
(( (( ((
الخاتمة:
في ختام هذا البحث أشكر الله تبارك وتعالى على ما منَّ به عليَّ من إتمام هذا البحث وأختمه بذكر أهم ما توصلت إليه من نتائج وتتلخص في النقاط التالية:
1- مشروعية السواك وفضله.
2- أن السواك خصلة من خصال الفطرة.
3- أن السواك سنة مؤكدة وليس بواجب.
4- أن السواك مستحب في كل وقت ولكن يتأكد استحبابه عند الوضوء والصلاة والقيام من النوم، ودخول المنزل، وعند تغير الفم واصفرار الأسنان.
5- أن الراجح جواز استعمال السواك للصائم في كل وقت حتى بعد الزوال.
6- أن السواك سنة على كل حال بحضرة الناس وبغير حضرتهم.
7- أن السواك يحصل بكل عود لين ينقي الفم ولا يجرحه ولا يضره ولايتفتت كعود الآراك وعود جريد النخل وعود الزيتون وأن أفضل أنواع السواك الأراك.
8- أنه قد قام عدد من الشركات وعدد من الأطباء بتحضير معاجين أسنان من جذور شجرة الأراك بدون إضافة مواد كيماوية أخرى فوُجد أن عود الأراك فرشاة طبيعية قد زودت بأملاح معدنية ومواد عطرية تساعد على تنظيف الأسنان ومنع تسوسها.
9- أن استعمال الفرشاة والمعجون من السواك، ومن ميزات الفرشاة أنه يمكن أن ينظف الإنسان بها باطن الأسنان بسهولة ويسر وأن في المعجون مواد مطهرة ومنظفة.
10- كيفية السواك: هو أن يستاك عرضاً في ظاهر أسنانه وباطنها، ويمر السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه ويمر على سقف حلقه إمراراً خفيفاً.
11- استحباب غسل السواك قبل استعماله وكذلك عند الانتهاء منه.
12- انه يجوز استعمال السواك الواحد لأكثر من شخص.
13- يكره جلاء الأسنان بالحديد وبردها بالمبرد.
14- ينبغي لمن أسنانه مركبة أن يستعمل السواك ليحصل على أجر أمتثال السنة، ولا بأس أن ينزلها وينظفها أو يزيل ما عليها من أوساخ.
15- للسواك فوائد دينية وصحية.
الهوامش والتعليقات(1/280)
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية
وصداها في المغرب
حسن بن عبد الكريم الوراكلي
الأستاذ بقسم الدراسات العليا - كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى
ملخص البحث
تتألف هذه الدراسة من تمهيد وثلاثة مباحث.
عُني التمهيد بتحديد قيمة الدعوات الإصلاحية والأساليب التي تعتمدها في عمليتي (الاستئصال) و (الاستتباب) لتحقيق هدفها في التغيير.
وبعد أن حدد التمهيد قيمة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بما استأصله من (إكباب) في مفهوم العقيدة والعبادة والمعاملة واستنبتت من (استواء) في جميعها أشار إلى ما كان لها من أثر بعيد الغور في الجزيرة ثم في مختلف أقطار المسلمين.
ثم توجهت الدراسة لبلورة ذلك الأثر في أحد الأقطار الإسلامية وهو المغرب الأقصى، وذلك عبر مباحث ثلاثة رصدت في أولها (تواريخ وصول الدعوة إلى المغرب) ، واستجلت في ثانيها (ملابسات الوصول) ، وبلورت في ثالثها (أصداء الدعوة عند فئات ثلاثة) ، هي:
أ - ولاة الأمر والحكم.
ب - رجالات العلم والفكر.
ج - فئة المؤرخين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(( (( ((
تتحدد قيمة الدعوات الإصلاحية في ضوء ما يكون لها من (أثر) في بيئتها التي احتضنتها وفي عصرها الذي أظلها، ثم فيما يكون لها من امتداد في غير بيئتها وفي غير عصرها. و (الأثر) المشار إليه يتبدى، ومنذ بواكير أية دعوة إصلاحية، في (موقفين) منها يبدوان، لأول وهلة، متضادين متنافرين، لأن أحدهما يحتفي بها وينافح عنها في حين يصد الثاني عنها ويتربص بها الدوائر؛ غير أن من يستبطن الحوافز المحركة للموقفين يستكشف (توحدهما) في النظرة التقديرية لأثرها بصرف النظر عما يراد لها من مد عند أحدهما، ومن جزر عند الآخر!(1/281)
وتتحدد مقصدية الدعوات الإصلاحية في ضوء ما يكون لها من قدرة على (التمحور) حول (الإنسان) ، أيا كان لونه ولسانه، وأياً كان مكانه وزمانه، بما تستأصل من شر في نفسه، وإكباب في فكره، وبما تستنبت من خير في وجدانه، واستواء في سلوكه. وبهذا تؤهله للوفاء بحمل الأمانة العظيمة والنهوض بها في نطاق الخلافة التي طوقه بها رب العالمين.
أما الأساليب التي تعتمدها تلك الدعوات في عملتي (الاستئصال) و (الاستنبات) فهي قد تتخذ لها صوراً شتى يمليها (مصدر) الدعوة حيناً، ويقتضيها (الظرف العام) آخر، ويستلزمها (الموقف الخاص) ثالثاً، غير أن ما ينتظمها جميعها هو خيط (التغيير) ، تغيير ما بالنفس استصلاحاً لحالها واستثماراً لبذرة (الاستواء) في خويصتها، وكذلك، وبذات الوقت، في تواصلها بأنفس الآخرين. وهي، أي الدعوات الإصلاحية، تلحم، بفضل ما تحققه من (تغيير) في الذات (الخاصة) وفي الذات (العامة) بين الوجدان الفردي والوجدان الجماعي، فتخلق بذلك الأجواء العقلية والنفسية السليمة لاستعادة الأمة (روحها) واسترداد (ذاكرتها) ممثلتين في قيمتها العقلية، ومثلها الروحية، وتجاربها التاريخية، وتلك أولى خطواتها على طريق الوعي اللاحب الذي لا عوج فيه ولا أمت (1) .
وفق هذا وذاك، ومن منطلق معرفتنا بسمتي (الإصلاح) و (التغيير) اللتين وسمتا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية نستطيع القول بأن قيمة هذه الدعوة تحددت بما كان لها من أثر بعيد الغور في بيئتها، عصرها وبعد عصرها إلى يوم الناس هذا وإلى ما شاء الله تعالى، وذلك بما استأصلت من (إكباب) في مفهوم العقيدة، والعبادة، والمعاملة عند الناس، واستنبتت من (استواء) فيها جميعها.
__________
(1) انظر، كتابنا (المسلمون وأسئلة الهوية) ص 123.(1/282)
وليس من شأننا، هنا، أن نفيض في التأريخ لهذه الدعوة (1) ، كما أنه ليس من شأننا، هنا، أن نبسط القول في مكوناتها وأدبياتها.
غير أنه لا بأس، حتى نتمثل طبيعة (المناخ) التصوري الذي انطلقت بين أحنائه الدعوة وتشكلت المواقف منها، أن نذكر بأبرز مظهر له وهو الذي كان يتمثل فيما أصاب عقيدة التوحيد من اختلال واهتراء أفرغاها من مضمونها الهادي الباني، فانعكس أثر ذلك على (حملتها) في حالة (الإكباب) التي تلبستهم في مجموع ما يأتون به من أفعال ويذرون من أمور، وكذلك في حالة (الشلل) الذي أصاب منهم الفكر والوجدان معاً ففقدوا، بسببه، القدرة على الإبداع والإبتكار في أي مجال من مجالات الحياة مادية وغير مادية ليكتفوا ب (الإجترار) و (التكرار) في كل باب طرقوه وفي كل مجال ولجوه. وكان من آثار اختلال العقيدة عندهم أن أخلدوا إلى الأرض، واتبعوا أهواءهم، واستسلموا عن طواعية، وفي خنوع مزر، لسلطان (الخوف) من (المجهول) ، ومن (الآخر) مما أتاح للشعوذة أن تبيض وتفرخ، ويمد متزعموها أياديهم في حياة أتباعهم من عامة الناس وخاصتهم، يصرفون أمورها وفق أهوائهم ومآربهم، مكرسين بذلك ألواناً من الحوادث والبدع، والضلالات والمنكرات في العقائد، والعبادات، والمعاملات ما فتئت تنأى بأصحابها وبمجتمعاتهم عن روح الإسلام شيئاً فشيئاً حتى غار، أو كاد، ماؤه، ونضب، أو كاد، معينه!
__________
(1) أنجزت في ذلك دراسات كثيرة تناولت حياة الشيخ وسيرته بجميع جوانبها، كما عنيت بالدعوة ومبادئها وآثارها داخل الجزيرة وخارجها. وأعدت في ذلك رسائل ماجستير ودكتوراه في الجامعات السعودية وغيرها.(1/283)
ففي نجد (كان الشرك إذ ذاك قد فشى ( ... ) وكثر الإعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور، والبناء عليها، والتبرك بها، والنذر لها، والاستعادة بالجن والنذر لهم، ووضع الطعام وجعله لهم في زوايا البيوت لشفاء مرضاهم ونفعهم والحلف بغير الله وغير ذلك من الشرك الأكبر والأصغر) (1) .
ولم تشذ عن مثل هذا (المناخ) غير نجد من بلاد (المسلمين) ، ونمثل لها ببلاد التكرور في غرب افريقيا، حيث وجد فيها الشيخ ابن فودي (ت 1817 م) (من أنواع الكفر والفسوق والعصيان أموراً فظيعة وأحوالاً شنيعة طبقت هذه البلاد وملأتها حتى لا يكاد يوجد في هذه البلاد من صح إيمانه وتعبد إلا النادر القليل، ولا يوجد في غالبهم من يعرف التوحيد، ويحسن الوضوء والصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات، فمنهم كفار يعبدون الأشجار والأحجار والجن ( ... ) ومنهم قوم يقرون بالكلمة ويصلون ويصومون ويزكون من غير استكمال شروط، بل يأتون ذلك كله بالرسم والعلامة مع أنهم يخلطون هذه الأعمال بأعمال الكفر الذي ورثوه من آبائهم وأجدادهم ( ... ) ومنهم قوم يقرون بالتوحيد، ويصلون ويزكون من غير استكمال شروط كما مر مع أنهم مقيمون على عوائد رديئة وبدع شيطانية، ومنهم منهمكون في المعاصي الجاهلية متأنسين بها، جارين فيها مجرى المباحات حتى كأنها لم يرد فيها نهي، وهي خصال كثيرة أقاموا عليها، وهؤلاء أكثر عامة الفلانيين وبعض مسلمي السودانيين) (2) .
__________
(1) انظر، (عنوان المجد في تاريخ نجد) ج1 ص 33.
(2) انظر، إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور ص 82، 83، 84.(1/284)
وكان لابد لمثل هذا الإختلال الذي أصاب عقيدة المسلمين أن تنعكس آثاره السلبية على مختلف جوانب حياتهم الإجتماعية، والعلمية، والسياسية، وهو ما صوره لنا أحد رحالة القرن الثامن عشر الميلادي الغربيين، وكان جاب أقطاراً من العالم الإسلامي فوجده (قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ، ومن التدني والإنحطاط أعمق دركة، فاربد جوه، وطبقت الظلمة كل صقع من أصقاعه ورجاء من أرجائه وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب، وتلاشى ما كان باقياً من آثار التهذيب العربي، واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات، وماتت الفضيلة في الناس وساد الجهل، وانطفأت قبسات العلم الضئيلة ( ... ) وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال) (1) .
ذلك هو (المناخ) الذي كان يسود العالم الإسلامي في أقصاه إلى أقصاه.
وهذا المناخ الذي أفرز في قطر منه، هو بلاد نجد، الدعوة السلفية الإصلاحية التي صدع بها الشيخ محمد ابن عبد الوهاب كان حقيقاً أن يفرز مثلها في بقية أقطار العالم الإسلامي أو، على الأقل، أن يفسح لأصدائها أن تتردد بين جنباته، وهذا ما أثبته تاريخ هذه الدعوة حين تخطت حدود نجد إلى أجزاء أخرى من الجزيرة، وخاصة المدينتين المقدستين مكة المكرمة وطيبة الطيبة، ومنها اتخذت طريقها إلى أقطار قريبة مثل السودان والهند، وأخرى نائية مثل ليبيا وبلاد التكرور.
على أننا، هنا، لن نتتبع ما كان لهذه الدعوة من آثار في الأقطار المذكورة، وإنما يهمنا منها، أي الدعوة، ما تعلق بقطر آخر هو المغرب الأقصى؛ غير أننا قبل أن نرصد أصداءها في هذا القطر يحسن بنا أن نعني بتحديد (تواريخ) وصولها إليه، واستجلاء ملابساته.
ومجموع ذلك هو ما سنجتهد لبلورته في الفقرات التالية:
أ - تواريخ وصولها:
__________
(1) انظر، حاضر العالم الإسلامي ص 81.(1/285)
متى ترددت أصداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في المغرب؟ ومن حاملو أخبارها وأدبياتها الأول إلى هذا القطر النائي عن مكان ظهورها؟ أكانوا من المغاربة أنفسهم؟ أم كانوا من أهل الجزيرة؟ وهل كانوا من أشياعهم أو كانوا من المناهضين لها؟
بالنظر إلى ما نتوفر عليه من معلومات مستقاة من كتب التاريخ والتراجم ومن نصوص وثائق ورسائل تتعلق بالدعوة، يمكن القول بأن وصول أخبار هذه الدعوة وأدبياتها إلى المغرب تم على مراحل، كانت بواكيرها، فيما نقدر، في العقود الأولى من النص الثاني من القرن الثامن عشر، أي بعد نشأة الدعوة بعقدين أو يزيد قليلاً، وكانت أواخرها في العقد السابع من القرن التاسع عشر، وهو العقد الذي وصل فيه إلى المغرب أبو الحسن علي بن طاهر الوتري المدني، وألف، خلاله، رسالته في نقد الدعوة.
ويمكن تصنيف المراحل آنفة الذكر على النحو التالي:
1 - مرحلة الرواية الشفوية.
وقد تزامنت مع عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1171 - 1204 هـ / 1757 - 1790 م) . ومع أن الدعوة لم تستطع أن تغادر مهدها إلا بعد فترة غير قصيرة من ميلادها إلا أن ذلك لم يكن ليحول دون تسرب أخبارها ومقولاتها إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في مواسم الحج. ومع أن رحلات الحج المغربية المكتوبة في تلك الفترة يلوذ بعضها بالصمت إزاء الدعوة الجديدة، ويكتفي بعضها بالإشارة السريعة إليها فإن هذا ليس يمنع أن يكون غير أصحاب الرحلات المدونة من الحجاج نقلوا بالرواية الشفوية بعض أخبار الدعوة وبعض مقولاتها وتحدثوا بهذه وتلك بعد عودتهم إلى بلدانهم. ولعلنا أن نستأنس في دعم هذا بما عرف عن سلطان المغرب يومئذ سيدي محمد بن عبد الله من تعلق بالعقيدة الحنبلية حمله على مهاجمة كتب الأشاعرة ومحاربة بعض الزوايا.
2 - مرحلة الرواية المكتوبة.(1/286)
وفيها وصلت أخبار الدعوة ومقولاتها عن طريق الوثائق والوسائل، فبينما توالت الرواية الشفوية من قبل الحجاج في نقل ما تعرفه الدعوة الناشئة من وقائع، وما تشيعه من مبادئ، وما تواجهه من عراقيل، وجدنا بعض الحجاج، وخاصة العلماء منهم، يعودون إلى المغرب وهم يحملون معهم وثائق ورسائل تتضمن مبادئ الدعوة وتشرح أهدافها. ومن أولئك الحجاج الفقيه أحمد بن عبد السلام بناني الذي ذكر في كتابه (القيوضات الوهبية) أنه حمل معه بعد عودته من الحج عام 1803 م رسالتين تتعلقان بالدعوة الوهابية. وذكر كذلك أن الكبرى من الرسالتين تقع في نحو كراسة والصغرى في نحو ورقتين، كما ذكر أن الرسالتين وقعتا معاً بيد (الإمام الأوحد عالم السلاطين وسلطان العلماء أمير المؤمنين سيدنا سليمان ابن مولانا محمد) (1) .
3 - مرحلة الرواية (الرسمية) .
ونعني بها رسالة الإمام سعود بن عبد العزيز التي وصلت المغرب سنة 1811 م متضمنة مبادئ الدعوة وغاياتها. وفي المصادر (2) التاريخية أن هذه: الرسالة بعثت في أصلها إلى علماء تونس، وحول هؤلاء نسخة منها إلى علماء المغرب للنظر فيها والرد عليها. وهذا نص الناصري في الموضوع (ولما استولى ابن سعود على الحرمين الشريفين بعث كتبه إلى الآفاق كالعراق والشام ومصر والمغرب، يدعو الناس إلى اتباع مذهبه والتمسك بدعوته. ولما وصل كتابه إلى تونس بعث مفتيها نسخة منه إلى علماء فاس ... ) (3) .
__________
(1) مخطوط الخزانة العامة بالرباط. ك (3125) .
(2) مثل (الترجمانة الكبرى) للزياني، و (تاريخ الضعيف الرباطي) ، ومعجم عبد الحفيظ الفاسي، وتاريخ الجبرتي، و (الجيش العرمرم) لأكسنوس، و (الإستقصا) للناصري، و (الفيوضات الوهبية) لبناني، ص 93.
(3) مثل رسالة الإمام سعود بن عبد العزيز، ونصوص الردود المغربية عليها وبعض الرسائل الأخرى.(1/287)
ويغلب على الظن أن هذه الرسالة نفسها، أو رسالة أخرى بمعناها، وجهت من قبل الإمام سعود إلى سلطان المغرب المولى سليمان.
ويقوي هذا عندنا أمران:
أولاهما: أن الإمام سعود بن عبد العزيز اهتم، بعد أن تغلب على الحجاز والحرمين الشريفين، بالكتابة في شأن الدعوة السلفية التي قام بنصرتها وقاتل حتى أظهرها، يشرح مبادئها ويوضح أسسها لأولياء الأمر في مختلف الأقطار الإسلامية. ولسنا نجد تعليلاً لإغفاله المغرب مع العلم بأنه كان أكثر الأقطار استعداداً للتجاوب مع الدعوة الجديدة لاعتبارات نشير إليها في موضعها من البحث.
وثانيهما: أن السلطان المولى سليمان لو لم يكن تلقى من الإمام سعود رسالة رسمية في الموضوع لما أمر بكتابة جواب عنها على لسانه وكلف ولده الأمير إبراهيم بحمله إلى الأمير سعود بن عبد العزيز. وهذا، كما يقول صاحب الإستقصا (يقتضي أن كتاب ابن سعود ورد على السلطان المولى سليمان بالقصد الأول لا أن نسخة منه وردت بواسطة علماء تونس، والله تعالى أعلم) (1) .
4 - مرحلة الرواية (المناهضة) رواحت بين القول والكتابة، وأبرز من ساهم فيها أبو الحسن علي بن طاهر الوتري، وهو ذو نزعة صوفية متعصبة، كان قدم من الحجاز بلاده إلى المغرب حيث أقام في (فاس) و (مراكش) نحو عشر سنوات من آخر القرن الثالث عشر الهجري، يتحدث عن الدعوة حديث المنتقد لها ولصاحبها مما ضمنه رسالته التي ألفها خلال تلك الفترة بعنوان (ما أبرزته الأقدار في نصرة ذوي المناقب والأسرار) (2) .
__________
(1) عنوانها (ما أبرزته الأقدار في نصرة ذوي المناقب والأسرار) وقد حققها وقدم لها بدراسة الدكتور محمد العماري.
(2) انظر الإسقتصا، 8: 66.
(10م) انظر، الفيوضات الوهبية.(1/288)
والخلاصة أن الدعوة وصلت عبر الرواية الشفوية أولاً، ثم المكتوبة ثانياً، تارة، من قبل (المعتقدين) ، وأخرى، من قبل (المنتقدين) ، وكان من هؤلاء وأولئك أهل الجزيرة، ولاة أمر وعلماء، مثلما كان منهم مغاربة، علماء وغير علماء، واستغرق ذلك عقوداً من القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين.
ب - ملابسات الوصول:
حين يستعرض المرء أوضاع المغرب السياسية، والاجتماعية، والفكرية خلال الفترات التي وصلت فيه أخبار الدعوة وأدبياتها إلى المغرب يستطيع أن يستخلص منها جملة (ملابسات) ، كان بعضها يفسح لها، وبعضها يذودها، وبعضها يسعف بيد ويعرقل بأخرى.
أما التي كانت تفسح فتمثل في:
1 - تولي عرش المغرب، أثناء وصول الدعوة، ملكين عرفا بنزعتهما السلفية، أولهما الملك سيدي محمد بن عبد الله (ت 1204 هـ) وثانيهما ولده السلطان المولى سليمان (ت 1238 هـ) . فأما عن هذه النزعة السلفية عند الأول فيصورها لنا صاحب الإستقصا في حديثه عن مآثر هذا السلطان وسيرته حيث قال عنه (وكان السلطان سيدي محمد بن عبد الله رحمه الله ينهى عن قراءة كتب التوحيد المؤسسة على القواعد الكلامية المحررة على مذهب الأشعرية، وكان يحض الناس على مذهب السلف من الإكتفاء بالإعتقاد المأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة بلا تأويل) (1) .
__________
(1) انظر، الإستقصا، 8: 67.
(11م) انظر، الترجمانة ص 67.(1/289)
وكان مما يتري عنده هذه النزعة عنايته البالغة بالحديث، وقد ذكر الناصري في (الإستقصا) كذلك أسماء العلماء (الذين كانوا يسردون له كتب الحديث ويخوضون في معانيها) ، كما ذكر أنه (جلب من بلاد المشرق كتباً نفيسة من كتب الحديث لم تكن بالمغرب مثل مسند الإمام أحمد ومسند أبي حنيفة وغيرهما) ، وألف في الحديث كتباً منها، كتاب (مساند الأئمة الأربعة) (1) . وأما عن النزعة المذكورة عند المولى سليمان فقد كان ورثها، فيما يبدو، عن والده، ورسخها لديه اهتمامه بالأصلين، ينتقي لتلاوة القرآن (الأساتيذ ومشايخ القراء ( ... ) ويجمع أنجب العلماء لسرد الحديث الشريف وتفهمه والمذاكرة فيه على مر الليالي والأيام ( ... ) ويشاركهم بغزارة علمه وحسن تفهمه) (2) .
وقد كشفت عن هذه النزعة عنده، وفي وضوح وجلاء، رسالته التي وجهها إلى الأمة يحذرها من الخروج عن السنة والتغالي في البدعة.
وفيها وفي صاحبها يقول أحد شعراء العصر:
نصر الشريعة ناصحاً حتى غدا
نهج الهداية واضحاً للمقتدي
وحبا الأنام بخطبة غراء قد
لانت لرقتها قساوة جلمد
يا حسنها من خطبة أحيا بها
ما مات من سنن الشيوخ المجد
نصح الورى نصحاً بليغاً شرحه
ينسي فحول العلم كل مجلد
2 - استقلال الكيان السياسي للمغرب عن الباب العالي كان يتيح له من اتخاذ المواقف والقرارات مالم يكن متاحاً لغيره من الدول الإسلامية، بما فيها دول الجوار، الدائرة في فلك السلطة العثمانية التي كانت، كما هو معروف، تناصب الدعوة والقائمين عليه العداء، وهو ما يفسر الموقف المناهض للدعوة من قبل بعض العلماء في بعض تلك الأقطار مثل موقف مفتي تونس عمر المحجوب.
__________
(1) انظر، الإستقصا، 8: 12.
(2) انظر، الجيش العرمرم، ص 120.(1/290)
وإذا كان لنا أن نرى في استقلال المغرب عن سلطة آل عثمان عاملاً سياسياً خول ولاة الأمر فيه حق الإفصاح عن تجاوبهم مع مبادىء الدعوة ومساندتهم للقائمين على نصرتها بالجزيرة فإن البعض قد يرى في هذا وذاك غاية سياسية تتمثل في تحالف ملوك المغرب وأمراء آل سعود في الجزيرة لمواجهة الخلافة العثمانية.
ونضيف إلى هذين العاملين اللذين كانا لهما أثر في فسح الطريق للدعوة في المغرب عاملين آخرين كان لهما بدورهما ما يماثل ذلك الأثر أو يعمق مجراه. وهذان العاملان هما:
1 - غناء التراث المغربي من رصيد الخطاب السني السلفي. ونمثل لهذا بما ألفه علماء الأندلس والمغرب في محاربة البدع والحوادث والنهي عنها ونصرة السنة ومذهب السلف والذب عنهما، ومن ذلك (كتاب البدع والنهي عنها) لابن وضاح القرطبي (ت 287هـ) و (كتاب الحوادث والبدع) لأبي بكر الطرطوشي (ت 520 هـ) وكتاب (الإعتصام) لأبي إسحاق الشاطبي (ت 790 هـ) . وهذا الكتاب بالذات ذو شأن بالغ الأهمية فيما كشف عنه من الآثار العميقة للبدع في تردي الأمة وفيما أوضحه من الآثار البعيدة لمذهب السنة في انبعاثها. ومن هنا اعتبر الشيخ رشيد رضا كتاب الإعتصام دعوة (لإحياء السنة وإصلاح شؤون الأخلاق والإجتماع) واعتبر الشاطبي بكتابه هذا وكتابه الثاني “ الموافقات ” (من أعظم المجددين في الإسلام) (1) .
ومن ذلك الرصيد آثار أبي الحسن علي بن عبد الحق الزرويلي المعروف بأبي الحسن الصغير (ت 719 هـ) ، وكان في المغرب مثل الشيخ ابن تيمية في المشرق. ومنه أيضاً آثار أبي عبد الله محمد بن أحمد المسناوي الدلائي من أعلام العلماء في القرن الحادي عشر والثاني، وأهمها كتابه (جهد المقل القاصر) انتصر فيه لمذهب السلف ولشيخ الإسلام ابن تيمية.
__________
(1) انظر الإستقصا، 8: 66، 68.(1/291)
2 - قيام حركتين سنيتين سلفيتين على غرار حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أقطار قريبة من المغرب، وانتقال أخبارهما إليه، وتردد أصدائهما في أنحائه. والحركتان هما:
1 - حركة الشيخ أبي عبد الله محمد علي السنوسي (ت 1276 هـ) . وكان تلقى العلم بحلقاته العامرة في جامع القرويين بفاس، ثم رحل إلى بلاد المشرق للطلب والتحصيل. وألقى عصا التسيار في الحجاز حيث قيض له أن يجتمع في مكة، بعد أن دخلها الأمير سعود ابن عبد العزيز ونشر بها دعوة الشيخ، بعدد من أبناء الشيخ وتلاميذه فأعجب بها وتأثر بمبادئها، وأعلن دعوته للإصلاح الديني وفق مذهب أهل السنة والجماعة مسترشداً في ذلك بمنهج الأصلين وهديهما (1) .
2 - حركة الشيخ أبي محمد عثمان بن محمد المعروف بابن فودي (ت 817 هـ) وقد كانت بلاده التكرور، على ما أسلفنا الإشارة، مسرحاً للبدع والضلالات في العقيدة والعبادة ف (قام هذا الشيخ يدعو إلى الله وينصح العباد في دين الله، ويهدم العوائد الرديئة، ويخمد البدع الشيطانية، ويحيي السنة المحمدية، ويعلم الناس فروض الأعيان، ويدلهم على الله ويرشدهم إلى طاعته، ويكشف لهم ظلم الجهالات، ويزيل لهم الإشكالات ( ... ) فسارع إليه الموفقون وحمد إليه السعداء المهتدون، فجعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وترادفت إليه الوفود أمواجاً) (2) . وقد أشاد أحد شعرائهم بحركة الشيخ ابن فودي وجهاده في إحياء السنة وإماتة البدعة ببلاد التكرور والسودان بعامة، فقال:
عثمان من قد جاءنا في ظلمة
فأزاح عنا كل أسود دجدج
بشرى لأمة أحمد ببلادنا السودان في هذا الزمان المبهج
كم سنة أحييتها وضلالة
__________
(1) انظر الشيخ السنوسي ودعوته (حاضر العالم الإسلامي) و (المغرب العربي الكبير في العصر الحديث) و (المغرب العربي الكبير في العصر الحديث) و (النهضات الحديثة في جزيرة العرب) .
(2) انظر، إنفاق الميسور ص 82.(1/292)
أخمدتها جمراً ذكا بتأجج
فابيض وجه الدين بعد محاقه
واسود وجه الكفر بعد تبلج
فالسنة الغراء صبح ينجلي
والبدعة السوداء ليل يدج
طمست معالمها وأخلق ثوبها
والدين في درع يميس مدبج
وتفجرت للدين من بركاته
عين الحياة تذل ماء الحشرج (1)
...
وقد انتهت أخبار حركة الشيخ عثمان بن فودي وجهاده إلى سلطان المغرب المولى سليمان يرحمه الله فسارع بالكتابة إليه معرباً عن إعجابه بدعوته ومفصحاً عن محبته له.
ونقتطف من رسالة المولى سليمان إلى الشيخ ابن فودي ما يدل على انتشار دعوة هذا الشيخ الشنية السلفية في بلاد السودان والمغرب ( ... إلى السيد الذي فشا في أقطار السودان عدله، واشتهر في الآفاق المغربية ديانته وفضله، العلامة النبيه، العديم في زمانه الشبيه، ذي النورين العلم والعمل، اللذين هما منتهى الأمل، السيد عثمان بن محمد بن عثمان بن صالح الفلاني، نفع الله بعلومه القاصي والداني، وسلام منا عليه ما اشتد شوقنا إليه، ورحمة من الله تغشاه، حتى لا يخشى إلا الله {والله أحق أن تخشاه} . وبعد، فقد بلغنا من الثناء عليك والتعريف بأحوالك وأفعالك وأقوالك ما أوجب محبتنا لك، وتسليمنا عليك ( ... ) أخبرنا بما قمت به من الأمر الواجب، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي له نصب الرسول والأمير والوزير والحاجب حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وترادفت عليك وفود الإسلام أمواجاً ( ... ) وهذا من أعظم منح الله، وأتم النعم، كما يشهد الحديث ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) (2) .
وأما ماذاد الدعوة وصدها فيمكن تمثله في عاملين إثنين:
أولهما انتشار الزوايا، وتعدد الطرق الصوفية، واتساع نفوذها في المجتمع، واشتداد سلطتها عليه. وقد اكتسبت ذلك بمرور الأعوام، وسيطرة الجهالة على العقول، وهيمنة الشعوذة على النفوس.
__________
(1) نفسه، ص 83.
(2) نفسه، ص 295 - 296.(1/293)
ومن أحسن ما وقع لنا في تصوير ذلك قول صاحب كتاب (تعظيم المنة بنصرة السنة) المؤرخ الشهير أحمد الناصري:
(قد ظهرت ببلاد المغرب وغيرها منذ أعصار متطاولة لاسيما في المائة العاشرة وما بعدها بدعة قبيحة وهي اجتماع طائفة من العامة على شيخ من الشيوخ الذين عاصروهم أو تقدموهم من يشار إليهم بالولاية والخصوصية، ويخصونه بمزيد من المحبة والتعظيم، ويتمسكون بخدمته والتقرب إليه قدراً زائداً على غيره من الشيوخ، بحيث يرتسم في خيال جلهم أن كل المشايخ أو جلهم دونه في المنزلة عند الله تعالى، ويقولون ((نحن أتباع سيدي فلان، وخدام الدار الفلانية)) لا يحولون عن ذلك ولا يزولون خلفاً عن سلف، وينادون باسمه ويستغيثون به ويفزعون في مهمتهم إليه معتقدين أن التقرب إليه نافع والإنحراف عنه قيد شبر ضار، مع أن النافع والضار هو الله سبحانه.
وإذا ذكر لهم شيخ آخر أو دعوا إليه حاصوا حيصة حمر الوحش من غير تبصر في أحواله، هل يستحق ذلك التعظيم أم لا. فصار الأمر عصيباً وصارت الأمة بذلك طرائق قدداً، ففي كل بلد أو قرية عدة طوائف، وهذا لم يكن معروفاً في سلف الأمة الذين هم القدوة لمن بعدهم، وغرض الشارع إنما هو في الإجتماع وتمام الألفة واتحاد الوجهة) (1) .
ثانيهما الجمود الفكري الذي ساد الحياة العلمية فوقف بأصحابها، من علماء وطلبة، عند الحدود التي رسمها أصحاب المختصرات وحال بينهم وبين الإنتفاع من الأصول (المبسوطة المعاني، الواضحة الأدلة) (2) .
وكان للسلطان سيدي محمد بن عبد الله جهود مشكورة في النهي عن اعتماد المختصرات في الأحكام وما إليها والحض على الرجوع إلى المصادر والأمهات، كما كانت له مثل تلك الجهود في الحث على ترك كتب التوحيد المؤسسة على القواعد الكلامية وفق المذهب الأشعري والإكتفاء بالإعتقاد المأخوذ من الكتاب والسنة بلا تأويل.
__________
(1) انظر، (تعظيم المنة) ص 67.
(2) انظر، الإستقصا، 8: 67.(1/294)
غير أن هذه الجهود وتلك اصطدمت بالجمود الفكري والتعصب المذهبي عند الفقهاء والعلماء، وما أحدثته من أثر في أوساط هؤلاء وأولئك سرعان ما زال بوفاة السلطان المذكور (1) .
على أن هذين العاملين إذا كانا في حدي ذاتيهما من أشد العوائق التي عثرت مسيرة الدعوة في المغرب؛ بل وفي غيره من الأقطار الإسلامية؛ بل وفي عقر دارها فإنهما كانا، وفي نفس الوقت، مما عمق الوعي عند طائفة من أبناء الأمة المتنورين بإيجابيات مبادىء الدعوة المستمدة من الكتاب والسنة وغاياتها في تحرير العقل المسلم من قيود الشعوذة وتطهيره من أوضار الخرافة.
وقد انعكس ذلك على مواقفهم من الدعوة وكتاباتهم عنها، وهو مدار حديثنا في الفقرة الثالثة من هذا البحث.
ج - أصداء الوصول:
وقد ترددت بواكيرها في المغرب، كما ألمحنا، في غضون النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري. وسنعني بتتبع هذه الأصداء ورصدها في آثار:
1 - ولاة الأمر والحكم:
ويأتي في مقدمتهم السلطان سيدي محمد بن عبد الله الذي انتهت الأصداء الأولى للدعوة إلى المغرب في فترة حكمه. وقد كان له في إحياء السنة وإماتة البدعة جهود تمثلت في إعتنائه بكتب الحديث، إلى جانب الأصل الأول، وهي مرجعية الحركة السلفية، كما تمثلت في دعوته لنبذ العقيدة الأشعرية واستبدالها بالإعتقاد المأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة بلا تأويل.
وكان يقول في تعليل ذلك بأن (طريقة الحنابلة في الإعتقاد سهلة المرام، منزهة عن التخيلات والأوهام، موافقة لاعتقاد الأئمة كما سبق مع السلف الصالح من الأنام) (2) .
ووضع في ذلك رسالة نبه فيها إلى ما شاع بين العوام (من عموم الجهل بالتوحيد وأصول الشريعة وفروعها حتى ارتكبوا أموراً تقارب الكفر أو هي الكفر بعينه) .
__________
(1) نفسه، 8: 67.
(2) نفسه، 8: 66.(1/295)
وتحدث الشيخ عبد الحفيظ الفاسي عن شغف السلطان سيدي محمد بن عبد الله بمذهب السلف وحرصه على التمكين له، فقال بأنه نصر مذهب السلف في العقائد (وصرح في أول كتابه “ الفتوحات الكبرى ” بكونه مالكي المذهب حنبلي العقيدة، وافتتح كتابه بعقيدة الرسالة على مذهب السلف، وعقد في آخره باباً بين فيه وجه كونه حنبلي العقيدة ونصره. ولم يزل معلناً بذلك في مؤلفاته ورسائله ومجالسه العلمية) (1) .
ونهج السلطان المولى سليمان نهج والده في الدعوة إلى مذهب السلف ومحاربة أهل الإبتداع والضلال. وإليه، كما أسلفنا، وجه الإمام سعود بن عبد العزيز بعد افتتاحه الحجاز وتطهيره مما كان فيه من البدع، رسالته التي شرح فيها مبادىء دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب وغاياتها.
وقد تولى الرد على رسالة الإمام سعود بأمر من السلطان المولى سليمان وعلى لسانه أحد مرموقي علماء البلاط السليماني وأدبائه، وهو حمدون بن الحاج السلمي.
وصاغ هذا الرد في قصيد في تسعة وتسعين ومائة بيت، تتخللها تعليقات وشروحات نثرية من بحر البسيط وقافية الميم افتتحه بالتعبير عن شوقه للمواطن المجازية حيث تربة رسول الله ش المزرية بالمسك:
حق الهناء لكم جيران ذي سلم
وبارق واللوى وألبان والعلم
قدستم أنفسنا أهيل كاظمة
وساكني المنحني وألواد من أضم
هل المقدس غير واد فاطمة
وهل طوى غير ذي طوى من الحرم
أراك يا وادي الأراك مقتطعاً
من جنة الخلد في وسم وفي نسم
وكيف لا ورسول الله تربته
هناك مزرية بالمسك والزهم
وثنى على هذا بالصلاة على رسول الله ش، ثم تخلص لموضع رده، بعد الإشارة إلى جهود الأمير سعود بن عبد العزيز في نشر ألوية الأمن ببلاد الحجاز، وإماتة البدع وإحياء السنن:
لا شيء يمنع من حج ومعتمر
وزورة تكمل المأمول من حرم
إذ عاد درب الحجاز اليوم سالكه
__________
(1) انظر، تعاليق عبد الحفظ الفاسي في آخر كتابه (الآيات البينات) ص 301.(1/296)
أهنا وآمن من حمامة الحرم
مذ لاح فيها (سعود) ماحيا بدعاً
قد أحدثتها ملوك العرب والعجم
(سعود) بعد سلام الله شاعك من
غرب يسير لشرق ضائع النسم
هذا كتاب إليك من محب أتى
وصموا بها الدعوة. وختم مشيداً بسيرة الأمير سعود في القول والفعل رواية عن الواردين على مغناه من الحجاج المغاربة:
وأنك الرجل المحمود سيرته
في القول والفعل والمحسود في الشيم
بل لم أزل سائلاً للواردين على
مغناك حتى استبان كل منكتم
من أنك الزاهر الزاهي بزهده في
دنيا، وما هذه الدنيا سوى حلم
وأنك الباهر الباهي بعفته
مقفيا ما أتي النون والقلم
وإن بدت منك شدة بأول ما
بدوت ها أنت باد وافي الرحم
فكنت كالقلق البادي بأول ما
بدا به خيط أسود مرى طسم
الحمد لله رب العالمين على
ما عم من ضوئك الهادي لكل عمي
وليس من المستغرب في شيء أن يأتي هذا الرد، على ما فيه من وجهات نظر مخالفة في بعض ما قررته الدعوة وفي بعض ما أشاعه عنها مناوئوها من نظر مخالفة في بعض ما قررته الدعوة وفي بعض ما أشاعه عنها مناوئوها من أكاذيب، طافحاً بمشاعر الإعجاب بها والتقدير للقائمين عليها فإن صاحبه هو ذلكم السلطان العالم ذو النزعة السلفية الإصلاحية التي انعكست آثارها على كثير من مواقفه وآثاره، فهي التي دفعت به إلى إنكار بدع المتفقرة المتصوفة من أصحاب الزوايا، ومنع إقامة مواسم (الأولياء) عند أضرحتهم، وكانت كعبة المبتدعة والفساق، والأمر بهدم القبة المبنية على قبر والده، وإزاحة النقير المثبت عليه.
وقد صدرت عنه خطب ورسائل حث فيها على نبذ البدع والتمسك بالسنن، ومن أشهرها رسالته التي وجهها إلى الأمة عن طريق خطباء المساجد يخطبون بها في الجمع على سائر المنابر.
ولا بأس أن نسوق لكم من هذه الخطبة الجليلة فقرة تدل على بقيتها فيما حوته من إرشاد للناس لإتباع السنن ومجانبة البدع:(1/297)
(أما بعد، أيها الناس شرح الله لقبول النصيحة صدوركم، وأصلح بعنايته أموركم، واستعمل فيما يرضيه أمركم ومأموركم. فإن الله قد استرعانا جماعتكم وأوجب لنا طاعتكم، وحذرنا إضاعتكم. {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} سيما فيما أمر الله به ورسوله، أو هو محرم بالكتاب والسنة النبوية، وإجماع الأمة المحمدية {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} . ولهذا نرثي لغفلتكم، أو عدم إحساسكم، ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم، فألقوا لأمر الله آذانكم، وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم، وطهروا من دنس البدع إيمانكم واخلصوا لله إسراركم وإعلانكم، واعلموا أن الله بفضله أوضح لكم طرق السنة لتسلكوها، وصرح بذم اللهو والشهوات لتملكوها، وكلفكم لينظر عملكم، فاسمعوا قوله في ذلك وأطيعوه، واعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون، والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون، وافترقوا أوزاعاً، وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعاً، فيما هو حرام كتاباً وسنة وإجماعاً، وتسموا فقرا، وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سقراً {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً} ، وكل ذلك بدعة شنيعة، وفعلة فظيعة، وسبة وضيعة، وسنة مخالفة لأحكام الشريعة، وتلبيس وضلال، وتدليس شيطاني، وخبال زينه الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتاً وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأوقاتاً) (1) .
__________
(1) انظر، (الترجمانة) ص 467.(1/298)
وهذه النزعة السلفية الإصلاحية عند السلطان المولى سليمان هي التي ألبت عليه مشايخ الزوايا فأقدوا نار الفتن في كافة المغرب بتمردهم على سلطته وبما عضدوا من الخارجين عليه. ولولا ذلك لعمت دعوته السلفية الإصلاحية أرجاء المغرب كله.
وهذه النزعة السلفية الإصلاحية عند السلطان المولى سليمان هي دفعت به إلى التجاوب، بجدية وإيجابية، وبصدق وإخلاص، مع دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب السلفية، ومن بعدها، مع دعوة الشيخ ابن الفودي على ما تقدمت به الإشارة. ولاشك أن ما كان يعرف المغرب، على عهده، من انتشار البدع، وفساد العقائد. وانطماس معالم السنن، كل أولئك كان، كذلك، مما زاد في احتفائه بالدعوة بعد أن استقصى أخبارها، وتحرى مضامينها فيما حمله إليه الحجاج عبر الرواية الشفوية وفيما وقع له من رسائل ووثائق حولها.
ويظهر أن السلطان المولى سليمان لم يكتف بهذا الرد على رسالة الإمام سعود فعقب عليها برسالة ثانية تولى تحريرها أحد أبرز علماء المغرب يومئذ، وهو العلامة الطيب بن عبد المجيد بن كيران، ومن ديباجة هذه الرسالة قوله يخاطب الإمام سعود:
(من ملكه الله أزمة العرب وقيادها، فأحسن سياستها، وأصلح سيرتها، ومهد بلادها، وتيسر وصول الحجاج والعمار والزوار إلى نيل الأوطار والآراب، فأضبح وقد أحرز بذلك الثناء والثواب، وحصل به في الدارين أفضل جزاء وحسن مآب..) . ثم عقب بالثناء على شخصية الأمير، والتنويه بجهوده في محاربة البدع ومناصرة السنن، فقال:(1/299)
(وبعد فإنا نحمد إليكم الله الذي هداكم وهدى بكم، فلقد سرنا ما بلغنا عنكم من سيرتكم، وشيمكم، وأحوالكم من الزهد في الدنيا، وإحياء رسوم الدين، والحض على طريق السلف الصالح وسنن المهتدين، والحمل على إخلاص التوحيد لرب العالمين، وقطع البدع والضلالات، التي هي منشأ زيغ العقائد وكثرة الجهالات. وما برحنا نسمع عنكم ما قد أصبتم فيه كل الإصابة، ووافقتم فيه كتب العلماء ومذاهب السلف والصحابة، كما لا يخفى على (من مارس) موطأ الإمام مالك وما في الصحيحين، وطالع مسند الإمام الأوحد الزاهد أحمد بن حنبل أمير المؤمنين في الحديث بلامين) (1) .
ومن منطلق أن (مذهبنا - بعبارته - معشر المالكية مبني على ما أنتم عليه من سد الذرائع وإبطال البدع والمحدثات) شرع يعرض وجهة النظر فيما أثارته دعوة الشيخ من قضايا مثل قضية التكفير بذنب، والإستغاثة، والشفاعة، والدعاء عند القبر الشريف، وتقبيل المعظم شرعاً وغير ذلك.
وقد تحدثت المصادر التاريخية أن السلطان المولى سليمان كلف ولده الأمير إبراهيم بحمل رده على رسالة الإمام سعود إليه، فتوجه به صحبه وفد من كبار علماء المغرب في ركب الحاج عام 1226 هـ.
وقد وردت الإشارة بذلك في الرد الأول:
بعثت حجاج بيت الله قائدها
شوق يقود بلا سوق ولا خطم
وفيهم فلذة غراء من كبدي
أقمت خلفا في نيل مغتنم
كما وردت ضمن الرد الثاني في قوله مخاطباً الأمير سعود (اتضح لدينا قصدكم وخلوص طويتكم في الذب عند الدين، ولحقنا احتياطتكموحياطتكم للمسلمين ومنعكم الجار وإن جار ( ... ) وجهناهم - أي الحجاج - وأحللنا ولدنا وسطهم في هذه السنة ملتمسين أجر تلك الخطى وأن يحط بها عنا الوزر والخطا ... ) .
2 - رجالات العلم والفكر:
ويمكن تصنيفهم من حيث موقفهم من الدعوة إلى فريقين:
__________
(1) مخطوطة الخزانة العامة.(1/300)
أولهما الفريق الذي تجاوب مع الدعوة وساندها. ويمكن أن نعد في طليعتهم السلطان سيدي محمد والسلطان المولى سليمان بوصفيهما عالمين. ونذكر منهم أبا الفيض حمدون بن الحاج السلمي (ت 1232 هـ) كاتب الرد الأول، والطيب بن عبد المجيد بن كيران كاتب الرد الثاني، والعباس بن كيران، والأمين بن جعفر الحسني الرتبي، وعبد الخالق الودي، ومحمد بن إبراهيم الزداغي المراكشي، وهو الذي تولى مساءلة الأمير سعود ومحاورته في مضامين الدعوة، وشهد، وكذلك رفاقه، أنهم ما رأوا منه (ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الإستقامة، والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المناكر المحرمة، وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام التي كانت تفعل بهما جهاراً بلا إنكار) (1) .
ونذكر من العلماء المتجاوبين مع الدعوة أبا عبد الله محمد بن أحمد أكنسوس (ت 1294 هـ) . فقد دافع عن حمدون ابن الحاج، وهو كاتب رد الولى سليمان، وكان، بسبب هذا الرد، هدفاً للمناهضين للدعوة من العلماء، فبرأه مما رماه به أحدهم، وهو الزياني في (الترجمانة الكبرى وذكر أن السلطان المولى سليمان اختاره لكتابة الرد لسعة علمه وبراعة إنشائه وأنه ليس في علماء الوقت من يحسن الجواب عن ذلك الكتاب غيره ورأى أكنسوس في دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب صورة من السلفية السنية الحنبلية كما تمثلها ابن حزم وابن تيمية.
__________
(1) انظر، الجيش العرمرم 1: 287.(1/301)
ومن أشهر العلماء الذين تمثلوا مبادئ الدعوة السنية، وتجاوبوا مع توجهاتها الإصلاحية في حركتهم السلفية التغييرية أبو سالم عبد الله بن إدريس السنوسي الذي حج وتحمل عمن لقي من المحدثين كمحمد نذير حسين الهندي وأمثاله، فلما رجع إلى المغرب تصدر لنشر مذهب السلف في العقائد داعياً إلى وجوب التمسك بالأصلين ونبذ ما سواهما. وقد وجد السنوسي في رعاية السلطان المولى الحسن الأول خير مشجع له على الدعوة الفكرية السلفية السنية.
يقول الشيخ عبد الحفيظ الفاسي:
(وفد على السلطان المقدس المولى الحسن رحمه الله تعالى فقربه وأدناه وأمره بحضور مجالسه الحديثية فأعلن بمحضره وجوب الرجوع للكتاب والسنة ونبذ ما سواهما من الآراء والأقيسة، ونصر مذهب السلف في العقائد. واشتد الجدال بينه وبين من كان يحضر من العلماء في ذلك المجلس كل فريق يؤيد مذهبه ومعتقده إلا أن السلطان لم يكن يعمل بأقوال العلماء فيه ككونه معتزلياً وخارجياً وبدعياً؛ بل كان في الحقيقة ناصراً له بما كان يخصه به من العطايا والصلات زيادة على سهمه معه في جوائزه المعتدة. وبسبب تعضيد السلطان له بعطاياه ثابر على مذهبه طول حياته فنشره في كافة أنحاء المغرب وتلقاه عنه كثير من مستلقي الأفكار منذ أوائل هذا القرن إلى أن توفى منتصفه رحمه الله تعالى) (1) .
أما الفريق الثاني فقد عادى الدعوة وناهضها. ولم يكن الدافع واحداً عند الذين اتخذوا هذا الموقف المعادي والمناهض للدعوة. فبعضهم اتخذه متأثراً بما كان يشيعه أعداء الدعوة عنها من أباطيل وأكاذيب وجهلاً بمبادئها وأهدافها، وبعضهم اتخذه تعصباً لمذهبه في الإعتقاد، وبعضهم اتخذه دفاعاً عن نزعته الصوفية الإبتداعية وانتمائه الطرقي.
__________
(1) انظر، (المعجم) لعبد الحفيظ الفاسي ص 87.(1/302)
ومن هؤلاء المناهضين للدعوة الزياني، وهو صاحب فكر خرافي قبوري، فقد اعتبرها (من طوائف أهل البدع) وذكر أن القائم عليها (يخيف أهل الحرمين ويمنع زيارة الأنبياء والتوسل بهم إلى رب السماوات، وينهى عن قراءة دلائل الخيرات والدعاء بمقامات الأولياء أهل الكرامات) (1) . وعده مبتدعاً ضالاً. واتهم كاتب الرد السلطاني على رسالة الأمير سعود أنه فعله من تلقاء نفسه. ورد على ذلك المؤرخ أكنسوس بقوله (والذي أوقع الزياني في أمثال هذه في كثير من المواضع في كتابه هذا – يعني (الترجمانة) - وفي غيره من التقاييد التي نجس بها هذه الدولة الطاهرة إنما أداه إلى ذلك الجهل المركب فإنه أحد الأصول التي هي أصول الكفر) (2) . وكان أيضاً من المناهضين للدعوة كذلك أحمد عبد السلام بناني، وقد ألف كتاباً في الرد على مبادئها، سماه (الفيوضات الوهبية) وقد دعا فيه السلطان إلى وجوب محاربة الدعوة وأصحابها، وتحامل على كاتب الرد السلطاني حمدون بن الحاج. وضمن كتابه ردوداً متهافتة لا تعتمد على حجة ولا كتاب منير.
وإلى جانب العلماء المغاربة الذين ناهضوا الدعوة، للأسباب المشار إليها آنفاً، وجدنا أحد علماء الحجاز يحل بالمغرب في العقد التاسع من القرن الثاني عشر الهجري، ويقيم في فاس ومراكش نحو عشر سنوات يؤلف أثناءها رسالة في انتقاد الدعوة ومهاجمتها.
وهذا العالم هو أبو الحسن علي بن طاهر الوتري المدني الحنفي، ورسالته هي التي سماها (ما أبرزته الأقدار في نصرة ذوي المناقب والأسرار) .
ومن الواضح من عنوان الرسالة أن دواعي تأليفها نابعة من تعصبه للطرق والزوايا الصوفية المبتدعة. أما هدفه من تأليفها في المغرب خاصة فهو كما ذكر محقق الرسالة المؤرخ المقتدر الدكتور محمد العماري يتمثل في (خلق حاجز وقائي ضد أي تسرب للسلفية السنية للمغرب) .
__________
(1) انظر، (الترجمانة) ص 83.
(2) انظر، الجيش العرمرم، 1: 290 وما بعدها.(1/303)
ونالت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من اهتمام المفكرين المغاربة، على اختلاف نزعاتهم، حظاً ملحوظاً فيما كتبوه عن التيارات السلفية في المغرب الحديث. ونمثل لذلك بما كتبه الدكتور محمد عزيز الحبابي عن فكرة الإصلاح الديني في تصور الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأوضح وسائلها في تحقيق الإصلاح بما استهدفه من تحرير الدين من الدجل والعقيدة من الشعوذة.
ونقتطف من كلامه في ذلك الفقرة التالية:
(كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هو أيضاً، مجتهداً، رمى إلى تحقيق ما سعى إليه من سبقه من “ السلف الصالح ” أي إلى تحرير الدين (ومعه المتدينون) من الشبهات والمستحدثات التي تنحرف عن جوهر العقيدة والتشريع (إنحراف قد يزرع الحيرة والفوضى بين الناس) ، وعن الفضائل والمعايير التي يقوم عليها المجتمع. فابن عبد الوهاب، من هذا الجانب، قد فضح التدجيل على الدين (الإسلام التاريخي) ، فكان عمله محرراً) (1) .
(اعتمدت الوهابية الإصلاح الديني، واستعملت ما توفر لها من وسائل فرضتها ظروف المجتمع الذي عاش فيه محمد بن عبد الوهاب، فحاربت الإستغاثة بالموتى، والتبرك بالشجر، وتقديس الحجر (نوع من الطوطيمية البدائية) . وكما أن التقدمية تدعو الملتزمين إلى الإندماج في صفوف الطبقة المحرومة، كان ابن عبد الوهاب إلى جانب المستضعفين والفقراء، يحيا، ويعادي مستغليهم. تضايق هؤلاء من مواقفه وتآمروا على اغتياله. ولما سلم من مكرهم لم يخف بطشهم ومكائدهم، فواصل عمله والمستضعفين معه، يحاربون البدع والخرافات بنفس الإيمان الذي يحاربون به الظلم والفقر. وعندما انتشرت السلفية الوهابية ووعاها الناس اضطرت أن تبحث عن أداة تنفذ بها برنامجها الإصلاحي والسياسي، فتحالفت مع الأمير ابن سعود، بعد أن إقتنع هذا الأخير بصلاحية الإتجاه الوهابي ومبادئه:
__________
(1) انظر، (الحركة السلفية في المغرب العربي) ، ص 62.(1/304)
- “ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ” (تجنيد جميع الأفراد لتطهير المجتمع) .
- “ استقامة الشرائع ” (حتى لا تكون فتنة ولا فوضى ويجب احترام الدستور) .
- “ الجهاد في سبيل الله ” (حروب دفاعية عن النفس، وعن الوطن) (1) .
ويعنى دارس آخر هو الدكتور محمد الكتاني ببلورة موقع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تاريخ الدعوة السلفية فيقرر بأنه يعتبر أول من وضع كتاباً مذهبياً لمجال هذه الدعوة. وفي ذلك يقول:
(والملاحظ - على العموم - أنه في تحديد مجال الدعوة لا نقف على شيء مضبوط فيما يخص هذا التحديد ولاسيما في العهود التي سبقت ظهور حركة محمد بن عبد الوهاب - أو على الأقل هذا ما انتهيت إليه أنا في بحثي وفيما بين يدي من مراجع - أما ابن عبد الوهاب فيمكن أن يعتبر أول من وضع ما يمكن أن يسمى دستوراً لهذه الحركة وبالتعبير العصري أول من وضع كتاباً مذهبياً لمجال هذه الحركة فيما رآه هو مجالاً لها، وكتابه في مضمونه العام يحدد موقفه من العقيدة، حيث إنها - وكما أشرنا قبل - أهم نقطة احتد فيها الصراع بين السلفية وما سواها من المذاهب - فنص على اتباع مذهب السنة والجماعة، واتباع طريقتهم في إثبات صفات الله على ظاهرها بدون تأويل واعتقاد حقائقها، وتفويض أمرها إلى الله على طريقة قول مالك في رده على من سأله: كيف استوى على العرش؟ حيث رد: الإستواء معلوم والكيف مجهول، والسؤال عن ذلك بدعة) (2) .
أما الدكتور محمد العابد الجابري فيعتبر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بداية “ التنوير ” بالعالم العربي في العصر الحديث وليس الثورة الفرنسية. يقول:
__________
(1) نفسه، ص 64.
(2) نفسه، ص 263.(1/305)
( ... الحقيقة التي يمدنا بها التاريخ، تاريخ العالم العربي في القرن الماضي والعقود الأولى من هذا القرن هي أن الحركة التي كان لها صدى واسع في جميع أقطار العالم العربي، وكان لها حضور فعلي في كثير منها هي الحركة الوهابية التي قامت قبل الثورة الفرنسية بإثنين وأربعين سنة ( ... ) ولا نبالغ إذا قلنا - وهذا على سبيل التوضيح فقط - إن تأثير الحركة الوهابية في العالم العربي زمن الثورة الفرنسية كان يضاهي تأثير هذه الثورة الفرنسية في الأقطار الأوروبية، بل ربما كان أقوى، فقد ظهرت حركات مماثلة تشكل نوعاً من الامتداد لها في أقطار عربية كثيرة: في اليمن قام الإمام الشوكاني (1758 - 1843) على رأس دعوة مشابهة لدعوة ابن عبد الوهاب.
وفي المغرب الأقصى تبنت الدولة الدعوة الوهابية إيديولوجية لها منذ أيام الثورة الفرنسية إلى أواخر القرن الماضي حينما أخذت الوهابية فيه تتطور إلى سلفية جديدة. وبين المغرب واليمن كان حضور الوهابية متعدد الأشكال: السنوسية في ليبيا وقد انتشرت رواياها في كل من السودان ومصر وبلاد العرب فضلاً عن برقة وطرابلس. ولم تخل مصر نفسها من تأثير الوهابية إذ كان لها حضور ما في فكر محمد عبده فضلاً عن خصومه المتزمتين ... ) (32 م) .
3 - المؤرخون:
وكان للدعوة في آثار هؤلاء كذلك أصداء دلت على اهتمامهم بتبع أخبارها والتعرف على مبادئها كما دلت، في الوقت نفسه، على موقفهم منها.(1/306)
ونمثل للمؤرخين بأبي عبد الله محمد أكسنوس، فقد احتفظ لنا في كتابه (الجيش العرمرم الخماسي في دولة أولاد مولانا على السجلماسي) بمعلومات موثقة عن تصورات الدعوة وعن شخصية حاميها الأمير سعود بن عبد العزيز. أما عن شخصية هذا الأمير فقد نقل إلينا أكسنوس ما تحدث به إليه العلماء الذين رافقوا الأمير إبراهيم إلى الحج. ومجمل ذلك إلتزامه بظاهر الشريعة ومحافظته على شعائر الدين. واستقامته وتواضعه. وهذا نص المؤرخ أكسنوس:
(حدث كل واحد منهم أنهم ما رأوا من ذلك السلطان سعود ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الإستقامة، والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المناكر المحرمة وتنقية الحرمين الشريفين من القذارات والآثام التي كانت تفعل بها جهاراً بلا إنكار. وذكروا أن حاله كحال أحد من الناس لا تميزه من غيره بزي ولا لباس ولا مركوب، وإنه لما اجتمع بالشريف الخليفة مولانا إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب لأهل البيت الشريف، وجلس معه كجلوس هؤلاء المذكورين وغيرهم من خاصة مولانا إبراهيم) (1) .
كما روى لنا أكسنوس في تاريخه نص المحاورة التي دارت بين العلماء المغاربة والأمير سعود. وكانت محاورها تتركز على قضايا (الاستواء الذاتي) و (حياة النبي ش في قبره) و (زيارته ش) .
وهذه القضايا هي التي كان خصوم الدعوة يثيرون حولها الشبهات والترهات، ويعزونها للدعوة والقائمين عليها.
وهذا نص (المحاورة) كما اتفق به خبر العلماء الذين سمعوها وشاركوا فيها:
__________
(1) انظر، الجيش العرمرم، 1: 293.(1/307)
(وكان الذي تولى الكلام معه هو القاضي ابن إبراهيم الزداغي، وكان من جملة ما قال لهم ((إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية، فأي شيء رأيتمونا خالفنا فيه السنة؟ وأي شيء سمعتموه عنا قبل رؤيتكم لنا؟)) فقال له القاضي المذكور: ((بلغنا أنكم تقولون بالإستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى)) ، فقال لهم: ((معاذ الله، إنما نقول كما قال مالك الإستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة انتهى، فهل في هذا مخالفة؟)) فقالوا له: ((لا، وبمثل هذا نقول نحن أيضاً)) ، ثم قال له القاضي: ((وبلغنا عنكم أنكم تقولون بعدم حياة النبي وإخوانه من الأنبياء عليهم السلام في قبورهم)) ، فلما سمع ذكر النبي ش إرتعد ورفع صوته بالصلاة والتسليم عليه، وقال: ((معاذ الله تعالى (بل) نقول إنه ش حي في قبره، وكذلك غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء)) ، ثم قال له القاضي: ((وبلغنا أنكم تمنعون من زيارته ش وزيارة الأموات قاطبة مع ثبوتها في الصحاح التي لا يمكن إنكارها)) ، فقال له: ((معاذ الله أن ننكر ما ثبت في شرعنا، وهل منعناكم أنتم منها لما عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها وآدابها، وإنما نمنع منها العامة الذين يشركون العبودية بالألوهية ويطلبون من الأموات أن تقضي لهم أغراضهم التي لا يقضيها إلا الربوبية، وإنما سبيل الزيارة الإعتبار بحال الموتى وتذكار مصير الزائر إلى مثل ما صار إليه المزور، ثم يدعو له بالمغفرة ويستشفع به إلى الله تعالى، ويسأل الله تعالى المنفرد بالإعطاء والمنع بجاه ذلك الميت إن كان ممن يليق أن يستشفع به، هذا قول إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ولما كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سداً للذريعة، فأي مخالفة للسنة في هذا القدر؟)) (1) .
__________
(1) نفسه، 1: 293.(1/308)
ونختم حديثنا عن أصداء الدعوة في أعمال المؤرخين المغاربة بمثال نستقيه من كتاب الفقيه العلامة محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الذي سماه (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي) فقد عقد فيه باباً ترجم فيه بالعلماء الحنابلة وجعل مسك ختامهم ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وقد بلور فيها جوانب شخصيته العلمية، والعقدية، والفقهية، والنفسية كما بلور فيها مبادىء مذهبه وأهدافه.
وهذه مقتطفات من الترجمة المذكورة:
( ... انتقل للبصرة لإتمام دروسه فبرع في علوم الدين واللسان، وفاق الأقران ... ) .
(عقيدته السنة الخالصة على مذهب السلف المتمسكين بمحض القرآن والسنة، لا يخوض التأويل والفلسفة ولا يدخلهما في عقيدته) .
(وفي الفروع مذهبه حنبلي غير جامد على تقليد الإمام أحمد ولا من دونه، بل إذا وجد دليلاً أخذ به، فهو مستقل الفكر في العقيدة والفروع معاً) .
(وكان قوي الحال، ذا نفوذ شخصي وتأثير نفسي على أتباعه، يتفانون في إمتثال أوامره، غير هياب ولا وجل) .
وعند مبادىء دعوة الشيخ قال الثعالبي: (ومن جملة مبادئهم التمسك بالسنة، وإلزام الناس بصلاة الجماعة، وترك الخمر وإقامة الحد على متعاطيها ومنعها في مملكتهم؟ بل منع شرب الدخان ونحوه مما هو من المشبهات. ومذهب أحمد مبني على سد الذرائع كما لا يخفى..) .
وعن المظاهر الشركية التي حاربتها الدعوة ذكر: (نبذ التعلق بالقبور، وعدم نسبة التأثير في الكون للمقبور؛ بل منع التوسل بالمخلوق، وهدم الأضرحة التي تشييدها سبب هذه الفكرة ... ) .
وأنهى الثعالبي ترجمته للشيخ بالإشارة إلى شهرته التي طبقت العالم الإسلامي بوصفه (من الزعماء المؤسسين للمذاهب الكبرى والمغيرين بفكرهم أفكار الأمم) (1)
__________
(1) انظر، الفكر السامي، 4: 197.
المصادر والمراجع
1 - إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور، محمد بلو بن عثمان فودي، تحقيق بهيجة الشاذلي، معهد الدراسات الإفريقية - الرباط (1996 م) .
2 - الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الشيخ أبو العباس أحمد بن خالد الناصري، تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب - الدار البيضاء (1956 م) .
3 - الآيات البينات في شرح وتخريج الأحاديث المسلسلات، عبد الحفيظ الفاسي، المطبعة الوطنية - الرباط.
4 - الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور براً وبحرا، أبو القاسم الزياني، تحقيق عبد الكريم الفيلالي، وزارة الأنباء - الرباط (1567 م) .
5 - تعظيم المنة، أبو العباس أحمد بن خالد الناصري.
6 - الجيش العرمرم الخماسي في دولة أولاد مولانا علي السجلماسي محمد أكنسوس، طبعة حجرية - فاس (1336 هـ) .
7 - حاضر العالم الإسلامي.
8 - رسالة حمدون بن الحاج السلمي، نشرها بعنوان (الرد المغربي على الرسالة المنسوبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب) ، الأستاذ أحمد العراقي، مجلة المناهل.
9 - رسالة الطيب بن عبد المجيد بن كيران (مصورة خاصة) .
10 - رسالة الوتري في محاكمة السلفية الوهابية بالمغرب، د/ محمد العمري، مجلة كلية الآداب - فاس. عدد خاص (دراسات في تاريخ المغرب) (1406 هـ - 1985 م) .
11 - السلفية وإشكالية المفهوم، د/ محمد الكتاني، ضمن كتاب (الحركة السلفية في المغرب
العربي) ، منشورات جمعية المحيط الثقافية والجمعية المغربية للتضامن الإسلامي، ط1 - الرباط (1989 م) .
12 - السلفية رجعية أم تقدمية؟ د/ محمد عزيز الحبابي، ضمن كتاب (الحركة السلفية في المغرب العربي) .
13 - عنوان المجد في تاريخ نجد، الشيخ عثمان بن عبد الله بن بشر النجدي الحنبلي، تحقيق عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، مطبوعات دارة الملك عبد العزيز رقم 27 (1402 هـ) .
14 - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، ط. إدارة المعارف - الرباط - فاس (1340 - 1345 هـ) .
15 - الفيوضات الوهبية، أحمد عبد السلام بناني (مخطوط) .
16 - ما أبرزته الأقدار في نصرة ذوي المناقب والأسرار، أبو الحسن علي بن طاهر الوتري، تحقيق محمد العماري، مجلة كلية الآداب - فاس - عدد خاص بتاريخ المغرب (1406 هـ) .
17 - المسلمون وأسئلة الهوية، حسن الوراكلي.(1/309)
والواضح من هذه المقتطفات أن الثعالبي كان على معرفة معمقة بشخصية الشيخ محمد ابن عبد الوهاب وسيرته، كما كان على معرفة معمقة أيضاً بدعوته وتاريخها ومبادئها، وهذا ما جعله يهتم بالكتابة عن الدعوة وصاحبها في عملين آخرين له، هما (برهان الحق) و (بيان مذهب الوهابية) .
وبعد:
فإن صاحبنا الثعالبي أشار في آخر الباب الذي أفرده بتراجم السادة الحنابلة إلى قلة ما جمع من تراجمهم، فاعتذر لهم عن ذلك.
وإني أستعير منه، ببعض التصرف، عبارته عن ذلك وبها أختم شاكراً لكم حسن إصغائكم:
(ذلك جهد المقل القاصر ... ولعلماء نجد الأماثل اعتذاري) والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً.
الهوامش والتعليقات(1/310)
السلطة السياسية في النظام الإسلامي
مفهومها، وأهميتها، وحكم إيجادها، وخصائصها
د. أحمد العوضي
أستاذ مساعد في قسم الشريعة - كلية الآداب - جامعة مؤتة - الأردن
ملخص البحث
تبحث هذه الدراسة في السلطة السياسية في النظام الإسلامي، فتوضح مفهوم السلطة في اللغة العربية، والقرآن الكريم والسنة النبوية، ومفهوم السلطة السياسية في الاصطلاح الوضعي.
كذلك، توضح أهمية وجود السلطة السياسية في المجتمع، وحكم إيجادها في المجتمع الإسلامي، وأبرز خصائصها في النظام الإسلامي.
وقد تضمنت هذه الدراسة بيان أهم الاستنتاجات التي توصل إليها الباحث.
• • •
المقدمة:
لقد كثرت الدراسات في الفقه الدستوري الوضعي حول السلطة السياسية فبيَّنت مفهومها وأهميتها وخصائصها، وذلك من جملة مباحث كثيرة تتشكل من مجموعها نظرية الدولة في الفقه الدستوري الوضعي.
ولعل السلطة السياسية في الإسلام لم تحظ بدراسات معاصرة متخصصة على غرار تلك الدراسات التي حظيت بها السلطة السياسية في الفقه الوضعي. وذلك على الرغم من الثروة الفقهية الرائعة التي تركها فقهاؤنا - رحمهم الله -، في هذا الجانب، من خلال بحوثهم المطولة في الإمامة، التي شكلت أهم البحوث الرئيسية في كتب العقائد وعلم الكلام.
لذلك رأيت أن أخصص دراسة حول السلطة السياسية في الإسلام، من حيث مفهومها وأهميتها وحكم إيجادها وخصائصها، وأرجو أن تكون هذه الدراسة نافعة في مجالها، غير خالية من جديد.
وقد جعلتها في خمسة مطالب وخاتمة، على النحو الآتي:
المطلب الأول: مفهوم السلطة في اللغة العربية والقرآن والسنة.
المطلب الثاني: السلطة السياسية في الاصطلاح.
المطلب الثالث: أهمية السلطة السياسية العليا في المجتمع الإسلامي.
المطلب الرابع: حكم إيجاد السلطة السياسية في الإسلام.
المطلب الخامس: خصائص السلطة السياسية في الإسلام.(1/311)
الخاتمة: وتشتمل على أبرز الاستنتاجات في هذه الدراسة.
المطلب الأول: مفهوم السلطة في اللغة والقرآن والسنة.
أولاً: السلطة في اللغة:
السلطة اسم من السلطان. والسلطان: الوالي، وجمعه سلاطين. والسلطان: صاحب الحجة، أو صاحب الشدة والحدة والسطوة، أو صاحب القدرة. والسلطان: من السليط، والسليط: ما يضاء به (1) .
وبالرجوع إلى لسان العرب (2) وتاج العروس (3) وهما من أوسع معاجم اللغة، وجدت أربعة معان اشتقت منها كلمة “ سلطان ”، وهذه المعاني هي:
1 - الحجة والبرهان، ولا يجمع بهذا المعنى؛ لأنه يعامل معاملة المصدر. وسمي الخليفة سلطاناً لأنه ذو حجة بها تقتنع الرعية، ولها تخضع.
2 - الشدة والحدة والسطوة، فسلطان كل شيءٍ حدته وشدته وسطوته. وسمي الوالي سلطاناً، لما يتمتع به من شدة وحدة وسطوة.
3 - القدرة، فمن جعلت له قدرة، فهو في اللغة ذو سلطان. كقولك: قد جعلت له سلطاناً على أخذ حقي من فلان: أي قدرة.
4 - السليط، وهو ما يضاء به، والسلطان، كالمصباح يضيء الأرض، ويستنير به الناس.
ويمكن القول أن حقيقة السلطة في اللغة القدرة والسطوة.
ثانياً: السلطة في القرآن الكريم:
__________
(1) ابن منظور، جمال الدين، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1413 هـ - 1993 م، ج6، ص 326. والزبيدي، محمد مرتضي، تاج العروس من جواهر القاموس، دار الفكر بيروت، دراسة وتحقيق علي يسري، ج10، ص 292 - 293.
(2) ابن منظور، لسان العرب، ج6، ص 326، مصدر سابق.
(3) الزبيدي، تاج العروس، ج10، ص 292 - 293، مصدر سابق.(1/312)
لم ترد كلمة “ سلطة ” في القرآن الكريم، ولكن ورد بعض مشتقات الفعل “ سَلَطَ ” من ذلك: الفعل الماضي “ سلِّط ”، والفعل المضارع “ يسلِّط ”، والاسم“ سلطان ”، فوردت كلمة “ سلّط ” في الآية القرآنية الكريمة: {ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم} (1) ، ولم ترد في غير هذا الموطن. ووردت كلمة “ يسلط ” في الآية القرآنية الكريمة: {ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير} (2) . ولم ترد في غير هذا الموطن، ووردت كلمة “ سلطان ” في سبعة وثلاثين موطناً.
وبالرجوع إلى كتب التفسير وجدت للسلطان في القرآن الكريم معنيين:
الأول: الحجة القوية القاطعة، وهي ما أطلق عليها القرآن “ برهاناً ” في عدة مواطن، منها: قال تعالى: {تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (3) وقال تعالى: {أم اتخذوا من دون الله آلهة قل هاتوا برهانكم} (4) .
وقد جاء هذا المعنى موافقاً للمعنى اللغوي، من حيث كون القوة في الإثبات هي حقيقة الحجة.
ومن الآيات القرآنية التي ورد فيها لفظ السلطان بمعنى البرهان ما يأتي:
1 - قال تعالى: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} (5) .
وقال تعالى: {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين} (6) .
وقال تعالى على لسان سليمان في توعده للهدهد {لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين} (7) .
الثاني: القدرة القاهرة، والقوة الغالبة، أي السيطرة.
وجاء هذا المعنى الثاني موافقاً للمعنى اللغوي من حيث كون القوة المادية هي أبرز مظاهر السلطة.
__________
(1) سورة النساء، الآية (90) .
(2) سورة الحشر، الآية (6) .
(3) سورة البقرة، الآية (111) .
(4) سورة الأنبياء، الآية (64) .
(5) سورة النجم، الآية (23) .
(6) سورة المؤمنون، الآية (45) .
(7) سورة النمل، الآية (21) .(1/313)
وقد درج المفسرون على تفسير كلمة “ سلطان ” بالحجة، ولكن في بعض الآيات فسرها بعض المفسرين بالقدرة والقوة، دون أن ينكروا تفسيرها بالحجة، فجعلوها تحتمل المعنيين، فمن المواطن التي فسروا “ السلطان ” فيها “ بالقوة ” ما يأتي:
1 - قال تعالى: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً} (1) .
قال الطبري: (( ... فقال بعضهم: معنى ذلك: واجعل لي مُلْكاً ناصراً ينصرني على من ناوأني وعزاً أقيم به دينك وأدفع به عنه من أراده بسوء.... وقال آخرون بل عنى بذلك حجة بيِّنة)) (2) وعدَّ القول الأول أولى الأقوال.
وقال ابن الجوزي: ((وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه التسليط على الكافرين بالسيف. والثاني: أنه الحجة البينة ... والثالث: المُلْك العزيز، الذي يقهر به العصاة)) (3) وقال الزمخشري: ((غلبة وتسلطاً، أو حجة واضحة)) (4) .
2 - وقال تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} (5) . أي بقوة تسيطرون بها على قوانين السماء والأرض وسمعتهما لتنفذوا منهما.
قال الزمخشري: ((يعني بقوة وقهر وغلبة، وأنى لكم ذلك)) (6) .
__________
(1) سورة الإسراء، الآية (80) .
(2) الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار الفكر، بيروت، 1415هـ - 1995 م، المجلد 9، جزء 15، ص 188.
(3) الجوزي، عبد الرحمن بن علي، زاد المسير في علم التفسير، دار الفكر، بيروت، ط1، 1407 هـ، 1987 م، ج5، ص 56.
(4) الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ومعه حاشية الجرجاني، وكتاب الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال، لابن المنير، الإسكندراني، دار الفكر، ط1، 1397 هـ - 1977 م، ج1، ص 552.
(5) سورة الرحمن، الآية (33) .
(6) الزمخشري، ج4، ص 47، مصدر سابق.(1/314)
وقال الرازي: ((لا تنفذون إلا بقوة، وليس لكم قوة)) (1) .
وقال ابن عاشور: ((السلطان القدرة)) (2) .
3 - وقال تعالى على لسان من يؤتى يوم القيامة كتابه بشماله: {هلك عني سلطانية} (3) .
قال الشوكاني: (( ... يعني سلطاني الذي في الدنيا، أي الملك)) (4) .
وقال ابن عاشور: ((ومعنى هلاك السلطان هنا عدم الانتفاع به يومئذ، فهو هلاك مجازي)) (5) .
وقال الطبري: ((ذهبت عني حجتي وضلت، فلا حجة لي أحتج بها ... وقال آخرون: عنى بالسلطان في هذا الموضع الملك)) (6) ، يقصد القوة.
فتدل أقوال المفسرين السابقة على أن لفظ “ السلطان ” ورد في القرآن بمعنى القوة، وعلى القول الآخر من أقوال المفسرين بأن السلطان في القرآن الحجة والبرهان، نقول أن الحجة والبرهان سُمِّيا كذلك لقوة دلالتهما في الإثبات، فمرجع معنى كلمة السلطان في القرآن إلى القوة والشدة. وقد سبق أن السلطة لغة مشتقة من السلطان، فتكون السلطة واردة في القرآن بمعناها وهو القدرة والسيطرة.
ثالثاً: السلطة في السنة النبوية:
ورد لفظ “ السلطان ” في السنة النبوية بمعنى الإمام. والبيت والحجة، فمن ذلك:
__________
(1) الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير ومفاتيح الغيب، دار الفكر، بيروت، 1414هـ - 1995م، ج29، ص 114.
(2) ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، دون ناشر ج27، ص 259.
(3) سورة الحاقة، الآية (29) .
(4) الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في التفسير، عالم الكتب، دون ناشر، ج5، ص 285.
(5) ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج29، ص 136، مصدر سابق.
(6) الطبري، محمد بن جرير جامع البيان، عن تأويل آي القرآن، دار الفكر، بيروت، 1415هـ - 1995 م، مجلد 4، جزء 29، ص 77، 78، مصدر سابق.(1/315)
1 - قول النبي ش: ((من خرج عن السلطان شبراً مات ميتة الجاهلية)) (1) والسلطان هنا ظاهر في أن معناه الإمام: وقد أطلق الحنفية لقب “ السلطان ” على “ الوالي الذي لا والي فوقه ” (2) ، والبعض أطلقه على من تحت سلطته ملوك (3) فيكون السلطان في السنة النبوية وارداً بمعنى صاحب السلطة العليا في الدولة.
ونحن هنا نميز بين مصطلح السلطة العليا في الدولة ومصطلح السيادة، فإن السيادة هي الاختصاص بالأمر والنهي اللذين لا يعارضان، وهي في الإسلام لله وحده، بينما السلطة في الإسلام للأمة.
2 - عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ش: ((ولا يومنَّ الرجل الرجل في سلطانه)) (4) .
قال البغوي: ((“ سلطانه ” هنا معناها “ بيته ”)) (5) .
__________
(1) البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، عالم الكتب، بيروت، د ت، ج9، كتاب الأحكام، ص 59.
(2) البابرتي، أكمل الدين محمد بن محمود شرح العناية على الهداية، مع شرح فتح القدير لابن الهمام، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د ت، ج2، ص 26.
(3) السيوطي، جلال الدين، حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، دار إحياء التراث العربي، ط 1976 م، ج2، ص 125، والكتاني، عبد الحي، التراتيب الإدارية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د ت، ج 1، ص 14.
(4) صحيح / مسلم، صحيح، كتاب المساجد، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت، ج2، ص 270.
(5) البغوي، الحسين بن مسعود، شرح السنة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1412 هـ - 1992 م، ج2، ص 398.(1/316)
3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ش: ((صاحب الدين له سلطان على صاحبه حتى يقضيه)) (1) . والسلطان هنا معناها “ الحجة ”.
المطلب الثاني: السلطة السياسية في الاصطلاح:
تمهيد: مصطلح “ السلطة السياسية ” بهذا التركيب لم يُعرف في الفقه الإسلامي، ولكن عرف مضمونه، والفقه الإسلامي أسبق إلى التشريع في مجال السلطة السياسية من الفقه الدستوري الوضعي، ولبيان ذلك إن السلطة العامة العليا في حقيقتها هي السيطرة، أي القدرة على الإلزام التي يتمتع بها صاحب الولاية العامة العليا وهو الإمام، وهذه القدرة شرعت في الإسلام للإمام في مجال التشريع والتنفيذ على حد سواء، ففي مجال التشريع والقضاء، شرع للإمام المجتهد أن يتخير من الآراء الخلافية في شؤون التشريع، وما تبناه يلزم القضاة أن يتركوا اجتهادهم - إن كانوا مجتهدين - فيه إلى اجتهاده، وقد قرر الفقهاء قاعدة تدخل في مجالها هذه الحالة، نصها: ((حكم الحاكم يقطع النزاع)) (2) . لكن إذا لم يكن الإمام مجتهداً فيجب عليه أن يعين من أهل الاجتهاد من يكتفي بهم الاستنباط الأحكام الشرعية ويقرر تنفيذ ما أوصله إليه اجتهادهم.
ويمكن أن يجعل الأمر لاجتهاد القضاة، إن كانوا بلغوا رتبة الاجتهاد، أو أن يقيدهم بمذهب فقهي يعتمدونه في فصل الخصومات، ورأيه في ذلك كله ملزم.
__________
(1) ضعيف / ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني، تحقيق صدقي العطار، دار الفكر، بيروت، 1415هـ - 1995 م، ج2، ص 13، حديث رقم 2425 - والحديث ضعيف، في إسناده حسين بن قيس المعروف بحنش.
(2) القرافي، أحمد بن إدريس، الفروق، دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1354هـ - ج2، ص 103، الفرق 77.(1/317)
وفي مجال التنفيذ، الإمام يترأس جميع موظفي السلطة التنفيذية، سواء في ذلك وزير التفويض ووزراء التنفيذ والأمراء على الولايات وقادة الجيوش ورؤساء مديرو - الإدارات المختلفة في الدولة، وقادة الأجهزة الأمنية على اختلافهم (1) .
وقد عرف الإسلام السلطة السياسية العليا منذ أقام الرسول ش الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، في اليوم الأول من وصوله مهاجراً إليها.
تعريف السلطة السياسية العليا:
عرفت السلطة في الفقه الدستوري الوضعي تعريفين: تعريفاً معنوياً، وتعريفاً مادياً.
1 - التعريف المعنوي: هي ((القوة والقدرة على السيطرة التي يمارسها الحاكم أو مجموع الحكام على المحكومين)) (2) وتتمثل ((في إصدار القواعد القانونية الملزمة للأفراد وفي إمكانية فرض هذه القواعد على الأفراد باستخدام القوة المادية)) (3) .
2 - التعريف المادي: وعرفت السلطة السياسية العليا في الفقه الدستوري الوضعي تعريفاً مادياً، هو: ((أجهزة الدولة التي تقوم بممارسة السلطة بمعناها المعنوي. أي ما يطلق عليه عادة لفظ “ الحكومة ” وأجهزتها التنفيذية)) (4) .
مناقشة:
تعريف السلطة بالقوة تعريف مسلم في الجملة، ذلك أن السيطرة ثمرة القوة، فبالقوة يكتسب صاحب الولاية صفة “ السيطرة ” التي هي: الإلزام النافذ، بالقوة، دون نظر إلى رضا الملزَم، ومظهر السيطرة هو نفاذ مقتضيات الولاية.
فلا غنى لصاحب الولاية عن القوة، لتكون له السيطرة، التي تنفذ بها مقتضيات ولايته، فالقوة هي جوهر السلطة السياسية في الدولة.
__________
(1) خلاف، عبد الوهاب، السياسة الشرعية، أو نظم الدولة الإسلامية، المطبعة السلفية، القاهرة، 1350 هـ، ص 50.
(2) عبد الهادي، ماهر، السلطة السياسية في نظرية الدولة، دار النهضة العربية، القاهرة، ط2، 1984 م، ص 39.
(3) المرجع السابق، ص 39.
(4) المرجع السابق، ص 39.(1/318)
ولو عرَّف السلطة بالسيطرة لكان التعريف أدق.
ويؤخذ عليه من وجهة النظر الإسلامية أنه قال: ((التي يمارسها الحاكم أو مجموع الحكام)) . وهذا يصح في النظام غير الإسلامي عندما تكون السلطة التنفيذية في الدولة متمثلة في مجلس حاكم أو جمعية حاكمة، أو مجلس وزراء، فإن من النظم الديمقراطية البرلمانية ما تكون السلطة السياسية فيها لمجلس الوزراء، فلا يكون لرئيس الدولة دور فاعل في ميدان السلطة التنفيذية، ذلك أنه يمارس سلطانه بواسطة وزرائه (1) ، فلا يحتل مركز الصدارة من الناحية الواقعية في مجال ممارسة شؤون الحكم والسياسة (2) .
ولا يصح التعريف من وجهة النظر الإسلامية، ذلك أنه في النظام الإسلامي يتولى الإمام رسم السياسة العامة في الدولة، والإشراف على تنفيذها بنفسه، فهو رجل الحكم والسياسة الأول في الدولة ومن سواه، إما أن يكونوا منفذين تحت يده، أو مفوضين من قِبَله، ومكلفين بالتقيد بسياسته.
لكن إذا فرغ منصب الإمام بسبب وفاة أو عجز أو غير ذلك، فهل يتولى السلطة مؤقتاً نائب الإمام أو مجلس جماعي؟ لعل في الأمر سعة والله أعلم.
ومن جهة أخرى تفترق السلطة السياسية العليا في الدولة الإسلامية، من حيث الصلاحيات التشريعية عنها في الفقه الدستوري الوضعي، فواضع التشريع في الفقه الوضعي هو السلطة التشريعية، المتمثلة في مجلس النواب، بينما في النظام الإسلامي المشرع الله، لذلك ينحصر دور السلطة التشريعية في تفهم نصوص المشرع – الله وحده - واستنباط التشريعات في صورتها القانونية من تلك النصوص، ليتم إلزام المحكومين بالتقيد بها. ولذلك يمكن أن تعرف السلطة السياسية بتعريف غير هذا التعريف.
__________
(1) متولي، عبد الحميد، القانون الدستوري والأنظمة، منشأة المعارف، الإسكندرية، ط6، 1976 م، ص 295.
(2) خليل، محسن، النظم السياسية والقانون الدستوري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1971 م، ص 282.(1/319)
تعريف السلطة السياسية في الفقه الإسلامي:
أولاً: التعريف المعنوي:
السلطة السياسية العليا، هي: السيطرة العليا العامة في الدولة.
وهذه السيطرة يمارسها وفق النظرية الإسلامية في الدولة الخليفة أو من يفوضه الخليفة.
ثانياً: التعريف المادي:
المؤسسة المختصة بممارسة السيطرة العليا العامة في الدولة:
وفي النظام الإسلامي يوجد مؤسسة واحدة تمارس السلطة العليا في الدولة، هي مؤسسة “ الخلافة ” وصاحبها الخليفة، ويتفرع عنها مؤسسة أخرى هي وزارة التفويض، وصاحبها وزير التفويض.
ووزير التفويض كما عرفه الفراء (1) ، والماوردي (2) : ((من يفوض إليه الإمام تدبير الأمور برأيه وإمضائها على اجتهاده)) . وعرفه ابن جماعة (3) بأنه: من ((يفوض إليه الإمام أو السلطان جميع الأمور المتعلقة به، يدبرها برأيه ويمضيها على اجتهاده)) وهو ملزم بمطالعة الإمام في الخطير من الأمور دون اليسير، فإن شاء الإمام أمضاه، وإن شاء رده (4) .
المطلب الثالث: أهمية السلطة السياسية في المجتمع الإسلامي:
الإسلام دين هداية: هداية في التصور والاعتقاد، وهداية في تقويم السلوك الإنساني وتنظيم العلاقات الإنسانية، فهو عقيدة ونظام.
والتشريع جزءٌ تكويني في حقيقته، ولذلك لا محل في الفكر الإسلامي لمبدأ “ فصل الدين عن الحياة ”، أو ما يسمى “ فصل الدين عن الدولة ”.
__________
(1) الفراء، أبو يعلى، الأحكام السلطانية، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الفكر، ط3، 1394هـ، ص 29.
(2) الماوردي، علي بن محمد، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت، ص 25.
(3) ابن جماعة، بدر الدين، تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، تحقيق فؤاد عبد المنعم، رئاسة المحاكم الشرعية، قطر، ط2، 1407 هـ، ص 77.
(4) المرجع السابق، ص 77.(1/320)
كذلك، الإسلام لا يعرف في جانب العقيدة التجريدات الذهنية، ولا التأملات الفلسفية ولا الترف الفكري، ذلك أن العقيدة الإسلامية عقيدة واقعية، أنزلت لتعالج بمقرراتها، وبما ينبثق عنها من تشريع، واقع الحياة البشرية، الفكري والسلوكي معاً فهي عقيدة الفكرة والحركة، لا عقيدة العزلة، عقيدة تقويم الواقع، لا عقيدة التسليم له. فالعقيدة الإسلامية تُصلح الأفكار، والتشريع الإسلامي يقوِّم السلوك وينظم العلاقات، ومن هنا فالعقيدة في الإسلام سلوكية، والسلوك في الإسلام عقدي.
ولكن الإيمان الذي تصنعه العقيدة الإسلامية في نفس المسلم قد يضعف، فيضعف الالتزام بأحكام التشريع، لذلك، لا غنى للمسلمين عن سلطة سياسية عليا فيهم، تحمل العقيدة وتحميها، وتتفهم التشريع الإسلامي وتنفذه، وتنظم سلوك الأمة في المجتمع على أساسه، وقد صرح الغزالي بضرورة إيجاد السلطة السياسية العليا في الدولة، فقال: ((فبان أن السلطان ضروري في نظام الدنيا، ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين، ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الآخرة)) (1) .
هذا، وضرورة السلطة السياسية في نظرية الدولة في الإسلام تنشأ عن أهمية الغاية التي تمثل الباعث على تشريعها، وهو تحقيق مصالح إنسانية كبرى، والناس قد يُبَطئون في تحقيق مصالحهم، أو يفرطون، فتلحقهم بذلك مفاسد، فيصبح من الضروري وجود سلطة سياسية عامة عليا، يكون صلب وظيفتها ((حمل الناس على مراشدهم)) (2) ، وأساس عملها ((السياسة لاستصلاح الخلق، وإرشادهم إلى الطريق المستقيم)) (3) .
__________
(1) الغزالي، محمد بن محمد، الاقتصاد في الاعتقاد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، د ت، ص 186، 187.
(2) الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 5، مصدر سابق.
(3) الغزالي، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت، د ت، ج1، ص 12.(1/321)
هذا، وإن من أهداف الإسلام بناء العقلية الإنسانية على أساس الهداية العقدية الإسلامية، وتنظيم العلاقات الفردية والدولية على أساس من هداية الإسلام التشريعية، إذ دون ذلك لا يقوم العدل، ولا يستقر الأمن، فلا يسعد الناس، ولا تتحقق كرامتهم.
والتشريع الإسلامي أساسه التقييد المانع من العدوان، والتنظيم الواقي من الفوضى، والنفس الإنسانية غالباً ما تكره التقييد والنظام إلا إذا كانت مصلحتها فيهما عاجلة، ولذلك، لزم وجود سلطة تُلزم بالقيود من يتشوف إلى التفلت، وتُكره على التقيُّد بالنظام من يكرهه، لكي يسعد الجميع وتتحقق الكرامة والأمن للجميع.
ومن جهة أخرى، يمثل النظام الإسلامي العدل، وكثير من الناس لا يذعنون للعدل، فلزم إكراههم على الإذعان إليه، والصغار ولو كرهاً أمامه، إذا لم يذعنوا له طوعاً، وهنا نتذكر مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النظام السياسي الإسلامي، فإنه إحدى الوظائف السياسية الرئيسية للسلطة السياسية في الدولة الإسلامية، قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (1) وقال تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} (2) . غير أن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يؤتي أكله إذا لم تقم به جهة مسيطرة، فلزم لتحقيق ذلك إيجاد سلطة سياسية عامة عليا في المجتمع
المسلم، تتكفل بمالا يُكلف به الأفراد أو لا يطيقونه من أشكال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك، مثلاً: تنفيذ العقوبات الشرعية على مستحقيها.
ومن جهة ثالثة، إن التوحيد الذي هو أُسُّ العقيدة الإسلامية، يقتضي من الأمة المسلمة تحقيق مظاهره في واقع حياتها.
وأهم مظهرين تقتضي العقيدة الإسلامية وجودهما في حياة الأمة المسلمة، هما:
__________
(1) سورة آل عمران، الآية (104) .
(2) سورة الحج، الآية (41) .(1/322)
المظهر الأول: النظام “ التشريع ” القانوني الإسلامي:
إن التوحيد في العقيدة الإسلامية يقتضي التوحيد في التشريع، بأن يكون المشرع في المجتمع الإسلامي هو الله وحده، وذلك بأن يكون المرجع التشريعي الوحيد هو الإرادة التشريعية الإلهية لا غير، وهي متمثلة بالوحي “ القرآن والسنة ”، قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر} (1) وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} (2) . وقال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} (3) . والرد إلى الله والرسول، يكون بالرد إلى القرآن والسنة: ((فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر)) (4) .
المظهر الثاني: التوحيد على سلطة سياسية عامة واحدة.
إن الأمة المسلمة مالم تتوحد سياسياً، تكون قد فرطت بتكليف إلهي تقتضيه عقيدتها، فينعكس ذلك سلباً على كمال اتصافها بالحفاظ على مظاهر هذه العقيدة.
__________
(1) سورة الأعراف، الآية (54) .
(2) سورة النساء، الآية (65) .
(3) سورة النساء، الآية (59) .
(4) ابن كثير، عماد الدين إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، دار الفيحاء، دمشق، ودار السلام، الرياض، ط1، 1414 هـ - 1994 م، ج1، ص 69.(1/323)
وأخذاً من هذه الحقيقة للعقيدة الإسلامية يمكن القول إن السلطة السياسية في المجتمع المسلم، ووحدتها، وكون التشريع الذي تحكم به هو التشريع الإسلامي لا غير هي مظاهر تقتضيها العقيدة الإسلامية، باعتبارها عقيدة ذات أثر سلوكي في جميع جوانب الحياة، سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... وقد لا يتيسر للأمة في زمان ما أو قطر ما أن تأتي بكل ما أمرت به فيجب عليها أن تقصد الكمال ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ومالا تستطيعه لا تكلفة، وما لا يدرك كله ولا يترك جله.
المطلب الرابع: حكم إيجاد السلطة السياسية في الإسلام:
المسلمون متفقون سوى النجدات من الخوارج، وهشام الفوطي من المعتزلة (1) على أن إيجاد السلطة السياسية واجب على المسلمين.
لكن الشيعة يجعلونها حقاً لأئمتهم خاصة، بناءاً على نظرية النص لديهم ويرون بطلانها إذا خرجت عن النص وعن أئمتهم.
وقد نسب إلى أبي بكر الأصم القول بعدم الوجوب، ومن عبارات العلماء الذين نقلوا الاتفاق، ما يأتي:
1 - قال ابن حزم: ((اتفق جميع أهل السنة والمرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيها أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أى بها رسول الله، حاشا النجدات من الخوارج، فإنهم
قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم ... وقول هذه الفرقة ساقط، يكفي للرد عليه وإبطاله إجماع كل من ذكرنا)) (2) .
__________
(1) فيما سيأتي بعض أقوال العلماء الذين نقلوا الاتفاق، وذكروا من شذ وخالف.
(2) ابن حزم، أبو علي محمد، الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة محمد علي صبيح، القاهرة، د ت، ج4، ص 120.(1/324)
2 - وقال الجويني: ((اتفق المنتمون إلى الإسلام على تفرق المذاهب وتباين المطالب على ثبوت الإمامة، ثم أطبقوا على أن سبيل إثباتها النص أو الاختيار)) (1) .
3 - وقال ابن خلدون: ((إن نصب الإمام واجب، قد عُرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين؛ لأن أصحاب رسول الله ش عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كل عصر من بعد ذلك، ولم يُترك الناس فوضى في عصر من الأعصار واستقر ذلك إجماعاً دالاً على وجوب نصب الإمام)) (2) .
4 - وقال الماوردي: ((الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها واجب بالإجماع، وإن شذ عنهم الأصم)) (3) .
5 - وطريق الوجوب عند أهل السنة السمع، قال ابن الهمام: ((ونصب الإمام واجب سمعاً لا عقلاً)) (4) .
هذه النصوص تعاضدت في نقل اتفاق الأمة المسلمة على وجوب إيجاد السلطة السياسية في المجتمع الإسلامي، وهو اتفاق لا يقدح فيه مخالفة النجدات ولا مخالفة هشام الفوطي، ذلك أنه خلاف لا ينبني على دليل مسلَّم، ويعارض رأياً يستند إلى نصوص تشريعية، ولا يصح معارضة استدلال يستند إلى نص باستدلال يستند إلى نظر مجرد، وعلى الرغم من ذلك سنبين خطأ مذهبهم.
أولاً: النجدات: استدل النجدات بأدلة عقلية من أظهرها:
__________
(1) الجويني، أبو المعالي عبد الملك، غياث الأمم في الثبات الظُّلم، الشؤون الدينية، قطر، ط1، 1400 هـ، ص 54.
(2) ابن خلدون، عبد الرحمن، المقدمة، دار الفكر، بيروت، ط1، 1401 هـ - 1981 م، ط2، 1400 هـ - 1988 م، هـ1، 239.
(3) الماوردي، الأحكام السلطانية الولايات الدينية، ص 4، مصدر سابق.
(4) ابن الهمام، الكمال، المسايرة في علم الكلام والعقائد والتوحيد المنجية في الآخرة، المطبعة المحمودية، القاهرة، ط2، ص 156.(1/325)
1 - نصب الإمام يثير الفتنة، لتنازع الناس بسبب ذلك (1) وما يثير الفتنة يكون غير واجب. وقالوا بعدم الوجوب ولم يقولوا بالتحريم، لاحتمال أن يتفق الناس على تنصيب إمام دون حصول فتنة (2) .
2 - العربان في البوادي تنتظم أمورهم الدينية والدنيوية مع عدم وجود سلطان له فيهم الرياسة، فلا حاجة لنصب إمام، فلا يكون واجباً (3) .
3 - الانتفاع بالإمام يحصل بالوصول إليه، وآحاد الناس لا يستطيعون الوصول إليه، فلا يتحقق الانتفاع العام به، فلا يكون نصبه واجباً (4) .
وهذه أدلة لا تصمد أمام النقد، أما قولهم: نصب الإمام يثير الفتنة، يرد عليه بأن الفتنة في عدم نصب الإمام أعظم وأدوم، وعلى التسليم بأن نصب الإمام يثير فتنة، يكون ترك الفتنة الأشد إلى الفتنة الأخف واجباً، فيكون نصب إمام واجباً.
وأما قولهم أن العربان تنتظم أمورهم دون سلطان يترأسهم ويدبر أمورهم، فغير مسلم، فإن أعمال الغزو والسلب والنهب في البوادي لعلها أكثر وأخطر منها في الحاضرة وذلك لأن سيطرة السلطان عليهم أخف.
وأما قولهم أن آحاد الناس لا يصلون إلى السلطان، فلا ينتفعون به، فيمكن الرد عليه بأن الإسلام يفرض على السلطان أن يوصل النفع إلى مستحقه، وأن يمكِّن كل ذي حاجة من الوصول إليه أو إلى نوابه، كل في مكانه واختصاصه.
ثانياً: هشام الفوطي:
__________
(1) الإيجي، عضد الدين، المواقف، شرح الشريف الجرجاني، مطبعة السعادة، ط1، 1907 م، ج8، ص 349.
(2) التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر، شرح مقاصد الطالبين في علوم أصول الدين، للتفتازاني نفسه، مطبعة دار الطباعة، الاستانة، 1277 هـ، ص 203.
(3) الإيجي، المواقف، ج8، ص 347، مصدر سابق.
(4) المصدر السابق، 8، 347.(1/326)
ذهب هشام الفوطي إلى أن نصب الإمام واجب عند ظهور العدل ولا يجب عند ظهور الفتن (1) استدل بأن نصب الإمام حال الفتنة يزيد في الفتنة، فلا يجب (2) .
ويرد عليه بأن هذه دعوى تعارض دلالات النصوص التشريعية المطلقة الدالة على وجوب نصب إمام، دون تفريق بين حال العدل وحال ظهور الفتن.
ويمكن أن يرد عليه أيضاً بأن عدم نصب إمام من أخطر أسباب الفتنة، قال الإمام أحمد: ((الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس)) (3) وقال التفتازاني: ((عند فساد الزمان واختلاف الآراء واستيلاء الظلمة، احتياج الناس إلى الإمام أشد وانقيادهم له أسهل)) (4) .
ثالثاً: أبو بكر الأصم:
نسب إلى أبي بكر الأصم أنه كان يقول بعدم وجوب الإمامة وذلك أخذاً من قوله: ((لو أنصف الناس بعضهم بعضاً، وزال التظالم وما يوجب إقامة الحد لاستغنى الناس عن الإمام (5) .
__________
(1) البغدادي، عبد القاهر بن طاهر، أصول الدين دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط1، د ت، ص 271. والشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، نهاية الإقدام في علم الكلام، مكتبة المتنبي، القاهرة، ص 481. والتفتازاني، شرح مقاصد الطالبين، ص 200، مصدر سابق.
(2) البغدادي، عبد القاهر بن طاهر، أصول الدين، ص 272، مصدر سابق.
(3) الفراء، الأحكام السلطانية، ص 3، مصدر سابق.
(4) التفتازاني، سعد الدين، شرح العقائد النسفية للنسفي، مصطفى البابي الحلبي، د ت، ص 139.
(5) التفتازاني، شرح مقاصد الطالبين، ص 200، مصدر سابق، والبغدادي، أصول الدين ص 271، مصدر سابق، والشهرستاني، نهاية الإقدام، ص 481، مصدر سابق.(1/327)
ونحن لا نسلم هذه النسبة إلى أبي بكر الأصم، فإن عبارته لا تفيد ذلك، فقد علّق القول بعدم الوجوب على وجود التناصف، وهو ما جعل البعض ينسب إليه القول بوجوب نصب الإمام في حال عدم التناصف (1) .
ولكن ما دام التناصف دون سلطة سياسية غير ممكن في الواقع وإن كان ممكناً عقلاً لا نستطيع أن ننسب إلى الأصم القول بعدم وجوب نصب إمام، وهذا ما فهمه القاضي عبد الجبار المعتزلي وصرح به إذ علق على عبارة الأصم قائلاً: ((والمعلوم من حال الناس خلاف ذلك، فإذن عُلم من قوله أن إقامة الإمام واجب)) (2) .
وعلى هذا يمكن القول بعدم وجود دليل يسلم من الطعون للقائلين بعدم وجوب نصب إمام، وهم النجدات من الخوارج، ولا لمن قال بعدم وجوبه حال الفتن، وهو هشام الفوطي، ولا لمن قال بعدم وجوبه حال تناصف الناس، وهو الأصم، على التسليم بأن عبارته تفيد ذلك.
وهنا يمكن الاستدلال بإجماع الصحابة رضي الله عنهم على وجوب نصب إمام؛ إذ لم ينقل أن أحداً منهم ذهب إلى عدم وجوب نصب إمام. قال الجويني: ((وأما أصحاب رسول الله ش فقد رأوا البدار إلى نصب الإمام حقاً، فتركوا لسبب التشاغل به تجهيز رسول الله ش ودفنه مخافة أن تتغشاهم هاجمة محنة)) (3) .
__________
(1) الإيجي، المواقف، ج8، ص 345، مصدر سابق، التفتازاني، شرح مقاصد الطالبين، ص 200، مصدر سابق، والرازي، فخر الدين بن محمد بن عمر، الأربعين في أصول الدين، حيد آباد، 1353 هـ، ط1، ص 427.
(2) الهمذاني، عبد الجبار بن أحمد، المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق عبد الحليم محمود وسليمان دنيا، 1966 م، ج20، قسم1، ص 48.
(3) الجويني، غيان الأمم، ص 54، مصدر سابق.(1/328)
وقد صرحت السنة النبوية بتحريم أن يبيت المسلمون ليلتين وليس لهم إمام فقد قال ش: ((لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين وليس في عنقه بيعة إمام (1) . والحديث ظاهر في تحريم المبيت ليلتين دون بيعة لإمام، ويدل دلالة نصية (2) على وجوب تنصيب إمام.
ومما سبق يتبين أن إيجاد سلطة سياسية في المجتمع الإسلامي واجب. وكون مشروعية إيجاد السلطة السياسية من رتبة الواجب يدل على أهميتها، وأنها من المقاصد التي لا تستغني الأمة عن تحقيقها، فهي التي تنهض بالمصالح العامة في المجتمع، وتتكفل برعاية مصالح الأفراد وحقوقهم وحمايتها، لذلك كانت السلطة السياسية في الإسلام من المقاصد التي لا يفضلها غيرها من المقاصد السياسية.
هذا، والذي يدرك المهام الجسام التي تنوء بها السلطة السياسية يدرك أهمية هذه السلطة، ولذلك، فإن السلطة السياسية قضية سياسية أساسية في الإسلام، فبوجودها توجد الدولة، وبانتفائها تنتفي الدولة، ودون الدولة لا تحمى عقيدة الإسلام، ولا تظهر شريعته.
المطلب الخامس: خصائص السلطة السياسية في الإسلام:
أبرز خصائص السلطة السياسية ما يأتي:
أولاً: اعتمادها على القوة المسيطرة - أي القوة القاهرة -:
إن القوة المسيطرة ضرورية للسلطة السياسية في المجتمع إذ دون ذلك لا يستتب الأمن، ولا يستقر النظام، ولا يذعن الناس للقانون الذي ما وجدت السلطة إلا لتنفذه، وتحقق مصالح الناس على أساسه.
__________
(1) القشيري، مسلم بن الحجاج، الصحيح بشرح النووي، دار الفكر العربي، 1983 م، ج8، ص 138.
(2) دلالة الظاهر: هي ما يتبادر من معنى اللفظ بمجرد قراءاته دون اعتماد دليل خارجي، ودلالة النص، هي: دلالة اللفظ على معناه المقصود من سوقه أصالة مع احتمال التأويل. الدريني، فتحي، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، الشركة المتحدة، د ت، ص 43، ص 51.(1/329)
ودون سلطة سياسية تمسك القوة في المجتمع لا تقوم الدولة، ذلك أن القوة هي الوسيلة الملزمة للأفراد الحاملة لهم على الامتثال للنظام التشريعي في المجتمع فحاجة السلطة السياسية للقوة تنشأ من كون عمل السلطة في حقيقته يقوم على الإكراه على امتثال القانون، وإجبار الفرد على عمل مالا يرغب وتقييد حريته، لذلك، لا يكون للسلطة معنى إلا إذا اقترنت بقوة مسيطرة (1) .
ثانياً: انفرادها بحيازة القوة القاهرة:
لا يكفي للسلطة السياسية أن تحوز القوة المسيطرة، فلابد من أن تنفرد بحيازة هذه القوة، بحيث لا يكون في المجتمع قوة تدانيها، فإن وجود جهة في المجتمع تحوز قوة تنافس قوة السلطة السياسية من شأنه أن يهدد السلطة السياسية نفسها، ذلك، أن أية جهة لاسيما التنظيمات إذا حازت السلاح تتجرأ على مخالفة النظام وعصيان السلطة والخروج عن طاعتها، بل والخروج عليها للإطاحة بها.
وفي الإسلام لا تأبى قواعد الشريعة أن يكون من صلاحيات السلطة السياسية في المجتمع تجريد المواطنين من أي نوع من أنواع الأسلحة التي قد تستخدم في تهديد الأمن، أو في معارضة السلطة السياسية، بل ولا أجد ما يمنع شرعاً السلطة السياسية في الدولة الإسلامية من سن القوانين التي تحضر اقتناء أسلحة معينة بالاسم أو النوع أو الصفة، وحضر الاتجار بها، وقد وجدنا فقهاءنا تعرضوا لحكم بيع الأسلحة في أوقات الفتنة وذهبوا في ذلك إلى التحريم، لما في ذلك من الإعانة على المعصية (2) فإن امتلاك الأسلحة من قِبَل أية جهة في المجتمع قد يغريها باقتراف العصيان أو سلوك مسالك الفتنة وتهديد الأمن والاستقرار في الدولة.
__________
(1) عبد الهادي، ماهر، السلطة السياسية في نظرية الدولة، ص 62، مرجع سابق.
(2) ابن قاسم، عبد الرحمن بن محمد، حاشية الروض المربع، شرح زاد المستنقع، ط1، 1398 م، ج4، ص 374.(1/330)
هذا، وإن أظهر ما يميز السلطة السياسية عن أي تنظيم سياسي أو اجتماعي في الدولة امتلاك السلطة القوة المسيطرة، وحقها في حظر حيازة أي سلاح من قِبَل أي تنظيم سياسي أو اجتماعي في الدولة، وحقها في استخدام أي إجراء مشروع وقائي أو علاجي يكفل خلو الدولة من قوة منافسة لقوة السلطة السياسية.
وقد لاحظ الفقهاء المسلمون أهمية القوة المادية بالنسبة للسلطة السياسية في الدولة الإسلامية، فحرصوا على توافرها لها منذ لحظة انعقاد البيعة، وذلك إذا لم تتوافر قاهرة مسيطرة، من جيش وشرطة يكونان رهن أمر الإمام، فاشترطوا في المبايعين حتى تنعقد الإمامة بمبايعتهم أن يكونوا من أهل الشوكة، ويقصدون بالشوكة، أي القوة، فمن نصوصهم في ذلك:
1 - قال ابن تيمية: ((الإمامة تثبت عندهم - أهل السنة - بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إماماً حتى يوافق أهل الشوكة، الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فالإمامة ملك وسلطان، والملك لا يصير مُلْكاً بموافقة واحد واثنين ولا أربعة، إلا أن تكون موافقة هؤلاء تقتضي موافقة غيرهم، بحيث يصير ملكاً بذلك، ... ولو قُدِّر أن عمر وطائفة معه بايعوا أبا بكر وامتنع سائر الصحابة عن البيعة لم يصر إماماً بذلك، وإنما صار إماماً بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة، ولهذا لم يضر تخلف سعد بن عبادة؛ لأن ذلك لا يقدح في مقصود الولاية، فإن المقصود حصول القدرة والسلطان اللذين بهما تحصل مصالح الأمة، وذلك قد حصل بموافقة الجمهور على ذلك، فمن قال: يصير إماماً بموافقة واحد واثنين وأربعة، وليسوا هم أهل القدرة والشوكة فقد غلط، كما أن من ظن أن تخلف الواحد والاثنين والعشرة يضر فقد غلط)) (1) .
__________
(1) ابن تيمية، تقي الدين، منهاج السنة النبوية، دار الكتب العلمية، بيروت، وبهامشه صريح المعقول، ج1، ص 142.(1/331)
فابن تيمية في هذا النص يقرر أهمية اتصاف المبايعين بالشوكة، أي القوة، كي تنعقد البيعة بمبايعتهم، إذ دون ذلك لا يذعن الناس للنظام، ولا تستقر الأوضاع السياسية في الدولة، ولا تخضع الأقلية لرأي الأغلبية. وعلى هذا المعنى جاء قول الشهرستاني:
((ولو عقد واحد ولم يسمع من الباقين نكير كفى ذلك)) (1) ، وقول النووي: ((تنعقد الإمامة ببيعة واحد انحصر الحل والعقد فيه)) (2) ، لأنه يكون حينئذ صاحب الشوكة في الدولة، وكذا لو كان أهل الحل والعقد عدداً قليلاً، ولكنهم أهل شوكة، وقد علل الرملي ذلك، فقال: ((لأن الأمر ينتظم بهم ويتبعهم سائر الناس)) (3) .
2 - وقال الغزالي: ((والذي نختاره أنه يكتفى بشخص واحد يعقد البيعة للإمام، مهما كان ذلك الواحد مطاعاً ذا شوكة لا تطال، ومهما إذا مال إلى جانب مال بسببه الجماهير، ولم يخالفه إلا من لا يُكترَث بمخالفته، فالشخص الواحد المتبوع المطاع، بهذه الصفة يكفي، إذ في موافقته موافقة الجماهير، فإن لم يحصل هذا الغرض إلا لشخص واحد أو ثلاثة فلابد من اتفاقهم، وليس المقصود أعيان المبايعين، إنما الغرض قيام شوكة الإمام بالأتباع والأشياع، وذلك يحصل بكل مستول مطاع، ونحن نقول: لما بايع عمر أبا بكر لم تنعقد البيعة له بمجرد بيعته، ولكن بتتابع الأيدي إلى البيعة، بسبب مبادرته، ولو لم يبايعوه لما انعقدت الإمامة، فإن شرط ابتداء الانعقاد قيام الشوكة وإنصراف القلوب إلى المشايعة ومطابقة البواطن على المبايعة)) (4) .
__________
(1) الشهرستاني، نهاية الأقدام، ص 416، مصدر سابق.
(2) الرملي، محمد بن أحمد، نهاية المحتاج في شرح ألفاظ المنهاج، دار الفكر، الطبعة الأخيرة، 1984م، ج7، ص 180.
(3) المصدر السابق.
(4) الغزالي، محمد بن محمد، فضائح الباطنية، تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الكتب الثقافية، الكويت، د ت، ص 176.(1/332)
3 - وقال الجويني: ((إن بايع رجل واحد، مرموق، كثير الأتباع والأشياع، مطاع في قومه، وكانت منعته تقيد استتباب الأمن واستقرار السلطة، انعقدت بيعة. وقد يبايع رجال لا تفيد مبايعتهم شوكة ومنة قهرية، فلست أرى للإمامة استقراراً)) (1) .
والشوكة فيما مضى كانت تحصل بالقوة الناشئة من الكثرة العددية، من قبل أشياع وأتباع المبايعين، وذلك لعدم وجود قوة عسكرية ضاربة تقدم الولاء للسلطان على الولاء للقبيلة، وإنما كانت الجيوش من أبناء القبائل الذين يغلب عليهم الولاء للقبيلة على الولاء للسلطان، ولذلك كان شرط البيعة اتصاف من يعقد البيعة من أهل الحل والعقد للإمام بالشوكة، ولعل شوكة قريش آنذاك كانت علة اشتراط القرشية في الإمام وهو ما قرره ابن خلدون (2) ، فإن قريشاً كانت تمثل بكثرتها قوة ضاربة يحصل بها الاستقرار للإمام إذا كان من قريش، وتُخشى معارضتها إذا جُعلت الإمامة في غيرها، فإن الناس كانوا ينقادون لها، ولكنها قد لا تنقاد لغيرها، وبإنتهاء شوكتها انتهت القرشية شرطاً من شروط استحقاق الإمامة - والله أعلم -.
وإن عبارات العلماء السابقين لتدل على أهمية تفرد السلطة السياسية في المجتمع بالقوة القاهرة، إذ دون قوة قاهرة لا يحترم في المجتمع نظام، وتنزع من قلوب المتمردين والمجرمين المهابة من السلطة الحاكمة.
وتنبه هنا إلى أن الإسلام يجعل أهمية كبرى لرضا الأمة قاطبة أو رضا الأغلبية منهم بأفراد السلطة السياسية، وذلك لتكون الأمة ذاتها قوة في يد أشخاص السلطة السياسية يستعين بهم لبسط سلطان وممارسة اختصاصاته.
ثالثاً: عامة عليا:
__________
(1) الجويني، غياث الأمم، ص 75، مصدر سابق.
(2) ابن خلدون، المقدمة، ص 243، مصدر سابق.(1/333)
ومعنى كون السلطة السياسية سلطة عامة أي أن سيطرتها تمتد إلى الأفراد والهيئات والمؤسسات كافة التابعة للدولة، فإذا وجدت سلطةمماثلة لها، تعددت السلطات السياسية في المجتمع، فيفسد المعنى الحقيقي للسلطة السياسية وهو الحكم المسيطر المتفرد في المجتمع، وبذلك تفقد الدولة مضمونها السيادي الداخلي المتمثل بواحدية السلطة العامة فيها، فتعم الفوضى ويختل الأمن، وينهدم الاستقرار.
ولكيلا تتعدد السلطات السياسية الحاكمة في الدولة شرع في الإسلام قتل من بويع بالإمامة بعد حصول بيعة شرعية لإمام موجود. فقد قال ش: ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما)) (1) ، وذلك لأنه سيمثل من حيث الواقع سلطة سياسية، ولو لم تكن سلطته شرعية، ويريد أن تكون سلطته هي العليا والعامة في الدولة، ومع وجود سلطتين يفقد المجتمع الأمن والاستقرار السياسي، فلابد أن تكون السلطة السياسية في المجتمع واحدة عامة عليا، ذلك أن السلطات السياسية متى تعددت فقدت كل منها مضمونها، كلياً أو جزئياً.
ومن أجل تحقيق وحدة السلطة السياسية في المجتمع الإسلامي، واستقرارها، جاء ((الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين)) (2) ، كما سبق.
رابعاً: قابليتها لأن تتفرع عنها سلطات وأجهزة للحكم والإدارة:
__________
(1) القشيري، مسلم بن الحجاج، الصحيح بشرح النووي، الدار الثقافية العربية، بيروت، ط1، 1349 هـ - 1930 م، ج12، ص 242.
(2) النووي، محيي الدين، شرح صحيح مسلم، الدار الثقافية العربية، بيروت، ط1، 1349 هـ - 1930 م، ج12، 241، مصدر سابق.(1/334)
وهذا يكون بحسب حاجة الأمة، ومتطلبات العصر. ويكون لها تجاه ما تفرع عنها من الأجهزة والإدارات والمؤسسات حق الإشراف عليها وتحديد صلاحياتها والتعديل فيها بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة للأمة، فإن ((تصرف الإمام على الرعية منوط بمصلحتها)) (1)
__________
(1) ابن نجيم، زين العابدين إبراهيم، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1985 م، ص 123، والسيوطي، جلال الدين، الأشباه والنظائر، مصطفى البابي الحلبي، د ت، ص 121.
المصادر والمراجع
1 - الإيجي، عضد الدين، المواقف، شرح الشريف الجرجاني، مطبعة السعادة، ط1، 1907 م.
2 - البابرتي، أكمل الدين محمد بن محمود شرح العناية على الهداية، مع شرح فتح القدير لابن الهمام، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د ت.
3 - البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، عالم الكتب، بيروت، د ت.
4 - البغدادي، عبد القاهر بن طاهر، أصول الدين، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط1، د ت.
5 - البغوي، الحسين بن مسعود، شرح السنة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1412 هـ - 1992 م، ج2، ص 398.
6 - التفتازاني سعد الدين شرح العقائد النسفية للنسفي، مصطفى البابي الحلبي، د ت.
7 - التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر، شرح مقاصد الطالبين في علوم أصول
الدين، للتفتازاني نفسه، مطبعة دار الطباعة، الاستانة، 1277 هـ.
8 - ابن تيمية، تقي الدين، منهاج السنة النبوية، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت وبهامشه صريح المعقول.
9 - ابن جماعة، بدر الدين، تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، تحقيق فؤاد عبد المنعم، رئاسة المحاكم الشرعية، قطر، ط2، 1407 هـ.
الجوزي، عبد الرحمن بن علي، زاد المسير في علم التفسير، دار الفكر، بيروت، ط1، 1407هـ - 1987 م.
10 - الجوزي، عبد الرحمن بن علي، زاد المسير في علم التفسير، دار الفكر، بيروت، ط1، 1407 هـ - 1987 م.
11 - الجويني، أبو المعالي عبد الملك، غياث الأمم في الثبات الظُّلم، الشؤون الدينية، قطر، ط1، 1400 هـ.
12 - ابن حزم، أبو علي محمد، الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة محمد علي صبيح، القاهرة، د ت.
13 - خلاف، عبد الوهاب، السياسة الشرعية، أو نظم الدولة الإسلامية، المطبعة السلفية، القاهرة، 1350 هـ.
14 - ابن خلدون، عبد الرحمن، المقدمة، دار الفكر، بيروت، ط1، 1401 هـ - 1981 م، ط2، 1400 هـ - 1988 م.
15 - خليل، محسن، النظم السياسية والقانون الدستوري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1971 م.
16 - الدريني، فتحي، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، الشركة المتحدة، د ت.
17 - الرازي، فخر الدين بن محمد بن عمر، الأربعين في أصول الدين، حيدر آباد، ط1، 1353هـ.
18 - الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير ومفاتيح الغيب، دار الفكر، بيروت، 1415 هـ - 1995 م.
19 - الرملي، محمد بن أحمد، نهاية المحتاج في شرح ألفاظ المنهاج، دار الفكر، الطبعة الأخيرة، 1984 م.
20 - الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القابوس، دراسة وتحقيق علي يسري، دار الفكر، بيروت، دت.
21 - الزمخشري، محمود بن عمر، الكاشف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ومعه حاشية الجرجاني، وكتاب الإنصاف فيما تضمنه الكاشف من الإعتزال، لإبن المنير، الإسكندراني، دار الفكر، ط1، 1397 هـ - 1977 م.
22 - السيوطي، جلال الدين، الأشباه والنظائر، مصطفى البابي الحلبي، د ت.
23 - السيوطي، جلال الدين، حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، دار إحياء التراث العربي، ط 1976 م.
24 - الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، نهاية الإقدام في علم الكلام، مكتبه المتنبي، القاهرة.
25 - الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في التفسير، عالم الكتب، دون ناشر.
26 - الطبري، محمدبن جرير، جامع البيان عن تأويل أي القرآن، دار الفكر، بيروت، 1415 هـ، 1995 م.
27 - ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، دون ناشر.
28 - عبد الهادي، ماهر، السلطة السياسية في نظرية الدولة، دار النهضة العربية، القاهرة، ط2، 1984 م.
29 - الغزالي، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت، د ت.
30 - الغزالي، محمد بن محمد، الاقتصاد في الاعتقاد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، د ت.
31 - الغزالي، محمد بن محمد، فضائح الباطنية، تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار الكتب الثقافية، الكويت، د ت.
32 - الفراء، أبو يعلى، الأحكام السلطانية، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الفكر، ط3، 1394 هـ.
33 - القرافي، أحمد بن إدريس، الفروق، دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1354 هـ.
34 - ابن قاسم، عبد الرحمن بن محمد، حاشية الروض المربع، شرح زاد المستنقع، ط1، 1398م.
35 - والكتاني، عبد الحي، التراتيب الإدارية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د ت.
36 - ابن كثير، عماد الدين إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، دار الفيحاء، دمشق، ودار السلام، الرياض، ط1، 1414 هـ، 1994 م.
37 - القشيري، مسلم بن الحجاج، الصحيح بشرح النووي، الدار الثقافية العربية، بيروت، ط1، 1349 هـ - 1930 م، ودار الفكر العربي، 1983 م.
38 - ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، السنن، تحقيق صدقي العطار، دار الفكر، بيروت، 1415 هـ - 1995 م.
39 - الماوردي، علي بن محمد، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت.
40 - متولي، عبد الحميد، القانون الدستوري والأنظمة، منشأة المعارف، الإسكندرية، ط6، 1976 م.
41 - مسلم، صحيح مسلم، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت.
42 - ابن منظور، جمال الدين، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1413هـ - 1993 م.
43 - ابن نجيم، زين العابدين إبراهيم، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1985 م.
44 - النووي، محيي الدين، شرح صحيح مسلم، الدار الثقافية العربية، بيروت، ط1، 1349هـ - 1930 م.
45 - الهمذاني، عبد الجبار بن أحمد، المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق عبد الحليم محمود وسليمان دنيا، 1966 م.
46 - ابن الهمام، الكمال، المسايرة في علم الكلام والعقائد والتوحيد المنجية في الآخرة، المطبعة المحمودية، القاهرة، ط2.(1/335)
كذلك لها حق إلغاء بعض الأجهزة أو الإدارات أو المؤسسات التي يظهر لها أنها استنفذت أغراضها المقصودة من إنشائها.
الهوامش والتعليقات(1/336)
حقوق الإنسان في فلسفة
الثورة الفرنسية
د. أحمد باسل نور الدين الرفاعي
أستاذ مساعد - كلية الحقوق - جامعة مؤتة
ملخص البحث
تحاول هذه الدراسة جلاء البنية العميقة للنظام الجديد الذي أقامته الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر. إنها تحاول اكتناه الأساس المبتكر لحقوق الإنسان، ثم استشراف المآل الحتميّ الذي تؤول إليه هذه الحقوق عملياً بحكم الأساس ذاته الذي تنطلق منه. ولقد قادتنا التحليلات إلى أن النظام الجديد الذي أقامته ثورة 1789 م هو في جوهره ذات النظام القديم الذي هدمته، نظام السلطة المطلقة أو نظام القوة الذي أخذ مع الثورة صورةً “ جديدة ” يتربّع فيها الفرد، كل فرد من أفراد الجماعة السياسية، على عرش القوة ويصبح هو الحقيقة الأساسية في النظام الجديد. إن هذا النظام يقوم على سيادة الإرادة الفردية وقرينتها سيادة الإرادة العامة. ومع هذه السيادة المزدوجة لا يبقى للقانون حقيقة مستقلة بل يصبح الوسيلة التي تبتكرها القوة لتحقيق مآربها. وهكذا يدخل الفرد والجماعة في طور الالتحام الجوهري والطوعي مع السلطة التي هي هنا أعلى درجات القوة؛ وهو طور خطير بالنسبة إلى الوضع الحقيقي والنهائي لحقوق الإنسان. إننا أمام دكتاتورية لم يقم لها من قبل نظير في التاريخ: دكتاتورية الدولة المرتكزة على الطابع المطلق للحرية الفردية وعلى الديمقراطية وسيادة الأمة والتي تحقق أغراضها
بالقانون.
• • •
المقدمة:(1/337)
يرتبط الوضع الذي تأخذه حقوق الإنسان بنوع العلاقات القائمة بين مكوِّنات المجتمع السياسي الثلاثة، الفرد والجماعة والسلطة؛ وهي علاقات تحدِّدها، في مجتمع سياسي معيَّن، الأسسُ التي يقوم عليها. ولا يمكن أبداً أن تأخذ حقوق الإنسان وضعاً معيناً، إيجابياً أو سلبياً، بمعزل عن طبيعة الدولة؛ فوضعها في نظام ثيوقراطي (1) غير وضعها في نظام ديمقراطي (2) ؛ ووضعها في دولة قانونية غير وضعها في دولة تسيطر فيها إرادة القابضين على السلطة.
وعلى الصعيد الدولي ترتبط حقوق الإنسان بطبيعة المجتمع الدولي ونظامه القانوني؛ فمصيرها في المجتمع الدولي التقليدي القائم على مبدأ سيادة الدولة غير مصيرها في مجتمع دولي ينطوي نظامه القانوني على طبيعة دستورية تقرِّب الدولة من شخص القانون
الداخلي. وعلى سبيل المثال فإن الفرد يتمتع في نظام السوق الأوروبية المشتركة بشخصية قانونية دولية لا يتمتع بها في نظام الأمم المتحدة؛ ونظام السوق يزوِّده بالقدرة القانونية التي يدافع بها عن حقوقه دفاعاً مباشراً على الصعيد الدولي.(1/338)
لقد قدّمت الثورة الفرنسية التي نشبت في العام 1789 م والتي هي ثمرة المذهب الفردي إنموذجاً للمجتمع السياسي قائماً على تمجيد الفرد وتكريس الحرية والمساواة وبالتالي على سلطة الأمة؛ وكانت بذلك انتقاضاً على حق الملوك المقدس، الذي أحلّت محله حق الفرد، وعلى سلطانهم المطلق الذي أحلّت محله سلطان الأمة. وسوف نرى أن قيمتها العميقة ليست في مجرد تكريس الحرية والمساواة بل في إعطاء الحرية والمساواة مضموناً مبتكراً أصبحت معه الدولة صورة الإنسان الحر الذي يتمتع بكينونة مطلقة تخوِّله أن يفعل ما يشاء بالطريقة التي يشاء. ولاشك في أنها قد أقامت إنموذجاً للدولة لا عهد للإنسانية به من قبل؛ بل إنها قد افتتحت عالماً جديداً من الفكر والأخلاق والقانون والتنظيم السياسي والدولي. وإذا كانت جذورها أوروبية فإنها، من حيث أنها تؤصِّل نظام المجتمع السياسي ونظام حقوق الإنسان في الطبيعة الإنسانية الواحدة التي لا تختلف بين شعب وشعب ولا بين عصر وعصر، قد كانت إيذاناً بتغيرات عميقة، فكرية وأخلاقية وقانونية وسياسية، على صعيد العالم كله. وقد سرت آثارها في أوروبا ثم امتدت إلى سائر المجتمعات التي غزتها أوروبة ووقعت تحت هيمنتها السياسية والثقافية. وهكذا ظهرت نتائج الثورة الفرنسية على صعيد المجتمعات الوطنية وأنظمتها القانونية وعلى صعيد المجتمع الدولي ونظامه القانوني، وأصبح نظام حقوق الإنسان متأثراً على الصعيدين بهذه النتائج. ونستطيع أن نقول إن تاريخ حقوق الإنسان قد دخل منذ العام 1789 م عصر ما بعد الثورة الفرنسية التي أرادت أن تكون بداية جديدة للتاريخ الإنساني فألغت التقويم الميلادي وجعلت العام 1792 م هو السنة الأولى من التقويم الجمهوري أو الثوري.(1/339)
فأهمية دراسة حقوق الإنسان في فلسفة الثورة الفرنسية ليست منحصرة زمانياً ولا مكانياً، لأن الثورة الفرنسية ليست في جوهرها حقبة ماضية من التاريخ ولا حركة محصورة جغرافياً؛ فهي أهمية تتجاوز زمان الحدث ومكانه وتتصل بتداعياته المستمرة على صعيد العالم كله. وبتعبير أدق فإن نظام حقوق الإنسان الذي جاءت به الثورة الفرنسية ينطوي على أهمية تعليمية متجددة بالنسبة لأية محاولة لخدمة حقوق الإنسان وتوفير ضمانات ازدهارها. وهو كذلك، وهذا هو الأخطر، يطرح على العالم العربي والإسلامي تحدّياً لنظام حقوق الإنسان القائم في تراثه وحضارته والمتناقض معه تناقضاً جذرياً ليس في نطاق هذه الدراسة أن تتصدى له. وسوف يثبت هذا البحث أن نظام حقوق الإنسان الذي ولد مع إعلان 1789 م يحمل في طياته تهديداً خطيراً لحقوق الإنسان، وإنْ كانت واجهته البراقة تخفي هذا التهديد تحت ثوب قشيب من تمجيد حرية الفرد. وهذه الحقيقة قمينة بأن تستحث الفكر الإسلامي على استجلاء الأسس العميقة التي يطرحها الإسلام لحقوق الإنسان والتي تمثِّل النقيض الجذريّ لفلسفة الثورة الفرنسية.
خطة البحث:
تدور هذه الدراسة حول ثلاثة محاور هي الفرد والسلطة والقانون. ذلك أن الفرد، في فلسفة الثورة الفرنسية، هو الحقيقة الأساسية أو الأولى؛ إنه جوهر الدولة التي ليس لها أصل تتأصل فيه وراء الحقيقة الفردية المطلقة. فكان لابد إذن من أن نبدأ بالفرد لفحص مضامين هذه الفردية المطلقة التي هي روح عصر التنوير (القرن الثامن عشر) والتي تشبّع بها الجيل الذي فجّر الثورة في أواخر هذا العصر أي في العام(1/340)
1789 م. وقد قادتنا هذه المضامين نفسها إلى الحقيقة العميقة للعلاقة بين الفرد والسلطة، تلك الحقيقة التي هي شيء آخر غير ما يبدو من ظاهر هذه العلاقة أي شيء آخر غير التأصيل الكلاسيكي البسيط للسلطة في الفرد. وهكذا خلصنا إلى الطبيعة النهائية للسلطة وإلى منطق التطور الحتمي الذي تفرزه طبيعتها هذه. أما المحور الثالث أي القانون فقد كان الانتقال إليه طبيعياً ومنطقياً بعد الفراغ من محوري الفرد والسلطة؛ فالفرد، لا القانون، كان هو الحقيقة الأولى في تكوين الدولة التي أقامتها الثورة؛ وقد استتبعت أولوية الفرد المطلقة نتائج خطيرة تتصل بما يسمى سيادة القانون وبالقيمة الحقيقية للضمانات القانونية لحقوق الإنسان.
المبحث الأول: الهوية الأوروبية للثورة الفرنسية:
المطلب الأول: صلة الثورة بالمذهب الفردي.(1/341)
الثورة الفرنسية التي قامت في 1789 م هي، كما يقول لويس كاقاريه Louis Cavar'e، وليدة المذهب الفردي L’individualisme (1) . إنها التجلِّي الأقوى للروح الفردية التي حرّكا العالم الأوروبي منذ عصر النهضة La Renaissance والتي نمت منذ ذلك الحين في اتجاهين: اتجاه صاعد نحو جعل الفرد هو الحقيقة الجوهرية بل المطلقة، واتجاه ممتدّ في دائرة الجمهور. وقد وصل الاتجاهان إلى الذروة في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي صادقت عليه الجمعية الوطنية الفرنسية في 26 آب 1789 م. فالحرية التي يولد الناس عليها، كما تقول المادة الأولى من الإعلان، هي حرية مطلقة لا قيد عليها إلاّ القيد الذي يجعل الناس سواسيةً في التمتع بها. وفي المناقشات التي جرت في الجمعية الوطنية الفرنسية حول حرية الفكر انتصرت الروح الليبرالية (2) التي عبَّر عنها ميرابو Mirabeau، خطيب الثورة الفرنسية الشهير، أقوى تعبير. فلا توجد في نظره حقيقة خارجية، حقيقة مستقلة عن الوعي أو سابقة للتصوّر؛ إنما الحقيقة بنت الوعي، إنها ما يراه الفرد في داخل وعيه ويعتقده الحقيقة؛ ولذا فالآراء كلها، صحيحها وزائفها، ذات قيمة متساوية (3) . فحرية الفكر في إعلان 1789 م هي إذن حرية مطلقة؛ إنها سيادة العقل الفردي La Souverainete de La raison individuelle التي نادى بها من قبل الفيلسوف الانكليزي جون لوك John Locke (1632 - 1704) الذي يعتبر (واضع أسس فلسفة حقوق الإنسان) (4) . وبديهي أن هذا المفهوم الليبرالي للحقيقة ينطوي على نفي كل معيار موضوعي للسلوك الفردي؛ فالخطأ، كما يقول ميرابو، له حق مساوٍ لما للصواب من حق (5) . لا يجوز إذن للقانون أن يتدخَّل في مجال الحرية الفردية؛ لا يجوز له أن يفرض على الفرد واجبات مسبقة تقيِّد حريته المطلقة. ولهذا كان إعلانُ 1789 إعلانَ حقوق ولم يكن إعلان حقوق وواجبات. وجدير بالذكر أن الجمعية الوطنية(1/342)
كانت تتنازعها في هذا الصدد فكرتان تذهب إحداهما إلى إصدار إعلان لجملة متوازنة من الحقوق والواجبات بينما تذهب الأخرى إلى الاكتفاء بإعلان حقوق؛ وظهر ذلك في صياغتين للإعلان أعدّهما مكتبان متفرِّعان من الجمعية الوطنية؛ وفي لحظة معينة كادت تنتصر النزعة المعتدلة المتوازنة وكاد يصدر إعلان ذو طبيعة مزدوجة، لكن النزعة الفردية غلبت في النهاية وحدّدت طبيعة الاعلان (1) . إننا هنا أمام تعبير صريح عن النظرية الغربية الليبرالية للقانون: الفرد سيِّد مطلق، إنه إلهُ نفسِه وخالق تصرّفاته، ووظيفة القانون أن يضع الحدود التي تحمي الحرية الفردية المطلقة وتكفل تمتع الجميع بها على قدم المساواة. ومن الطبيعي إذن أن تكون سلطة الأمة في إعلان 1789 سلطة مطلقة؛ وهو ما نجده واضحاً في المادة الثالثة منه: ((السلطة تكمن جوهرياً في الأمّة)) ؛ فالنص يجعل الأمة كائناً سياسياً قائماً بذاته، يستمدّ سلطته من نفسه لا من خارج، أي هو يجعلها كائناً مطلقاً. إنّ آباء الثورة الفرنسية، أعضاء الجمعية الوطنية، وهم في غالبيتهم تلاميذ مدرسة جان جاك روسو Jean Jacques Rousseau (1712 - 1778) يكرِّسون هكذا نظريته حول سيادة الإرادة العامة La Souverainete de La Volonte generale. فالإرادة العامة، عند روسو، هي دائماً في الاتجاه الصحيح، لأن ما هي عليه فعلياً هو نفسه ما ينبغي أن تكون عليه؛ إنها قانون نفسها ولا يوجد أي قانون أساسي ملزم لها حتى ولو كان العقد الاجتماعي الذي هو سبب وجودها؛ إنها إرادة مطلقة (2) . ونستطيع بسهولة البادهة أن نربط بين نظرية ميرابو التي مفادها سيادة العقل الفردي وبين نظرية روسو حول سيادة الارادة العامة؛ فكما أن الحقيقة هي بنت الوعي الفردي فإن القانون هو وليد الارادة العامة التي يكشف عنها صندوق الاقتراع والتي هي وحدها مصدر الحقيقة القانونية ومعيارها. وتتجلّى هذه الليبرالية عند سييس(1/343)
Sieyes تلميذ روسو وعضو الجمعية الوطنية: فهو يعرِّف الأمة بأنها مطلقة وذات سيادة؛ وإذ لاشيء يقيِّدها فإنها دائماً بالنسبة إلى نفسها في حالة الطبيعة (1) . وقد ساهم سييس بفكره في التمهيد للثورة (2) ثم أصبح هو وميرابو أكبر زعيمين لها في مراحلها الأولى (3) ، وكان تأثيرهما عميقاً في مجرى الثورة وفي مضمون إعلان الحقوق؛ وسييس الذي وصف بأنه روح الجمعية الوطنية هو الذي حملها على تسمية نفسها “ الجمعية التأسيسية ” (4) . ورغم أنه في الأصل من رجال الدين فقد دعا إلى هيمنة الدولة على الدين (5) ؛ وهو أمر له دلالته على الطبيعة المطلقة للدولة عنده. وممّا يشير إلى تأثير فكر روسو وسييس على أعضاء الجمعية الوطنية التي أعدّت الاعلان ليكون ديباجة للدستور أن الجمعية الوطنية كانت منقسمة إلى حزبين: حزب الدستوريين الذي كان يدعو إلى سيادة مقيَّدة، وحزب الثوريين الذي كان يمثِّل الروح الليبرالية ويدعو إلى سيادة غير مقيَّدة؛ وممّا له دلالته في هذا الصدد أن حزب اليسار في الجمعية الوطنية كان يقول بإمكان التضحية بالدستور نفسه لمصلحة الثورة رغم أنه صادر باسم الأمة (6) . وهكذا فإن الدستور الذي تضعه الأمة ليقيِّد الحكام لن يقيِّد الأمة نفسها التي تستطيع دائماً، كما يقول سييس، أن تنقض الأشكال الدستورية وتبدِّلها.(1/344)
وهكذا فإن الثورة الفرنسية التي قامت ضد السلطان المطلق للملوك قد أحلّت (المواطن الحديث) الذي ولد مع إعلان 1789 م محل الملك في التمتع بالسلطان المطلق، مع فارق خطير هو أن المواطن الحديث يستمدّ سلطته السياسية من نفسه أو فرديته المطلقة بينما كان الملك يستمدّها من نظرية التفويض الالهي. وبتعبير أكثر دقة فإن عمل الثورة الأساسي الذي عبَّر عنه إعلان الحقوق هو نقل السيادة من الملك إلى الأمة مع تجريد السيادة من كل ما كان يمكن أن يشوبها، بحكم سندها القانوني القديم (نظرية التفويض الالهي) ، من تأثير للدين أو للضمير، أي مع جعلها إرادة بحتة. إن المجتمع الدمقراطي الذي ولد مع إعلان 1789 م هو مجتمع من الآلهة، لأن أفراده ينحون منحى الآلهة في تقرير الحقيقة وفي اتخاذ القرار. ونستطيع في ضور ما تقدّم أن نرى مدى دقة الوصف الذي يقدِّمه جابرييل كوميايره Gabriel Compayre لحقوق الإنسان التي أعلنتها الثورة: إن المؤسِّسين (ويقصد بهم أعضاء الجمعية الوطنية أو التأسيسية كما سمّت نفسها لاحقاً) يخلعون على حقوق الإنسان الخصائص التي كان يُعترف بها قديماً لحقوق الملوك (1) . إن هذا التشبيه يصف نصف الحقيقة؛ أما الحقيقة الكاملة فهي أن ثورة 1789 م قد أحلّت الإنسان محل الله بواقع مضمونها الفكري. وحقَّ إذن لجماعة الدول الأوروبية المسيحية أن تصرخ محذِّرة: ((إنها قضية حياة أو موت للحضارة، لسلام أوروبا والمجتمع المدني)) (2) . لقد قال أعضاء الجمعية الوطنية في مقدمة إعلانهم إنهم اجتمعوا في حضرة الكائن الأعلى (Sous les auspices de l’Etre supreme) ؛ فهل كان الكائن الأعلى في أذهانهم هو الله أم الأمة أم الإنسان؟!(1/345)
نشبت الثورة الفرنسية في أواخر عصر التنوير (القرن الثامن عشر) ، ولهيبها لم يكن إلاّ وهج أنوار ذلك العصر؛ وهي أنوار سطعت في مختلف أقطار أوروبا فأصبحت مهيَّأةً كفرنسا للتغير العميق القادم؛ وإذا كان سيل الثورة الهادر قد تفجّر في فرنسا فإنه لم يكن إلاّ ذروة تيار عقلي اكتسح سائر القارة الأوروبية. لقد كانت مناقشات حقوق الإنسان، التي جرت داخل الجمعية الوطنية، (متأثرة إلى حد كبير بأفكار فلاسفة التنوير) (1) . ويجدر بنا الإشارة إلى أن تلك الثورة الثقافية الأوروبية اتي نجمت على يد فلاسفة التنوير (روسو ومونتسكيو وفولتير في فرنسا، كانت في ألمانيا، جيفرسون في أمريكا، على سبيل المثال) قد تجاوزت دائرة النخبة المفكرة وأسفرت عن ظهور جيل يؤمن بالإنسان بل يمجِّده ويعتبره الحقيقة الأساسية ويؤمن بالقدرة الهائلة للعقل الإنساني (2) . لقد أصبح المذهب الفردي آنذاك هو مذهب الإنسان الأوروبي بعامة. ويتبين لنا من ذلك أن الجمعية الوطنية الفرنسية كانت في إنجازاتها الفكرية والقانونية مدعومة بتيار عام يجمع حولها الأمة الفرنسية بفئاتها المختلفة ويدفعها إلى النجاح في تحقيق رسالتها التحررية. كانت الثورة إذن في جوهرها ثورة عقلية، ثورة العقل الأوروبي على النظام القديم الذي كان الإنسان فيه يرسف في قيود الخضوع، خضوعه للملكية المطلقة وخضوعه للكنيسة؛ وكلتاهما سلطتان مطلقتان سيطرتا على الشعوب الأوروبية خلال قرون عديدة. وقد سمِّيتْ “ ثورة الفقهاء ” revolution des juristes؛ وهي تسمية تشير بلا ريب إلى أنها كانت في مرحلتها الأصلية حدثاً قانونياً حاسماً، وإلى أن العنف طارئ عليها. والكيفية التي وقع بها ذلك الحدث الفذّ تستوجب الوقوف عندها قليلاً لما تحمله من دلالة بالغة الأهمية:(1/346)
كان البرلمان الفرنسي في عهد الملكية طبقي التكوين أي مكوَّناً من ممثلي ثلاث طبقات هي طبقة رجال الدين بالدرجة الأولى وطبقة النبلاء الارستقراطية الاقطاعية بالدرجة الثانية وطبقة العامة أو الطبقة الثالثة التي هي الشعب ومن ينتمي إليه من الفئات البرجوازية من التجار والصناعيين وأصحاب المهن الحرة، وهي فئات كانت تتطلع إلى إعلان الحريات وممارستها في إطار ديمقراطي يضمن بقاءها (1) . والطبقة الثالثة كانت هي الطبقة المسحوقة وصاحبة المصلحة في الثورة. قال عنها سييس: ما هي الطبقة الثالثة؟ وأجاب: كل شيء؛ وتساءل: ما وضعها في النظام السياسي حتى الآن؟ وأجاب: لا شيء؛ وتساءل أيضاً: ماذا تطلب؟ وأجاب: أن تصبح شيئاً؟ وأضاف: الطبقة الثالثة هي أمة كاملة (2) . وقد أجريت انتخابات آخر برلمان في عهد ما قبل الثورة، بأمر من الملك لويس السادس عشر، في إبريل (نيسان) 1789. (وفي اجتماع 6 مايو 1789 قرر نواب “ الطبقة الثالثة ” أن يكون اسمهم الجديد “ جمعية العموم ” أو “ مجلس العموم ” Commune أسوة بمجلس العموم البريطاني، بدلاً من “ الطبقة الثالثة ”. ولكنهم عادوا في اجتماع 17 يونيو 1789 ورفضوا مبدأ الفصل بين طبقات المجتمع وأعلنوا أن اسم البرلمان الجديد ليس “ مجلس الطبقات ” Etats Generaux ولكن “ الجمعية الوطنية ” Assemblee Nationale) (3) . ومن المناسب أن نلحظ أن عدد نواب الطبقة الثالثة كان في يوم افتتاح البرلمان، 4 مايو (مايس) 1789، خمسمائة وخمسين بينهم أكثر من ثلثمائة من رجال القانون من المحامين والقضاة (وكأنهم يمثلون تمثيلاً صادقاً مجيء حكم القانون) (4) . وفي 6 تموز عيّنت الجمعية الوطنية لجنة من أعضائها لوضع دستور للبلاد (5) . أي أنها بعد أن ولدت بإرادتها الذاتية أخذت تفرض نفسها ومنطقها الجديد على النظام القائم. (وهكذا بدت الملكية منذ ذلك الحين مقيَّدة فعلياً بوجود “ الجمعية(1/347)
الوطنية ”) (1) . وقد مضت الجمعية الوطنية تناقش مشروع إعلان حقوق الإنسان والمواطن؛ وكانت مناقشته سجال أفكار استمر إلى 26 آب 1789 حيث صادقت الجمعية على الإعلان الذي أُعِدَّ ليكون مقدمة للدستور. وبعد صدور الإعلان بدأت مناقشات الدستور.
وينبغي أن نلحظ على هذه الأحداث أنه إذا كانت انتخابات مجلس الطبقات قد جرت بإرادة الملك لويس السادس عشر فإن إرادة أخرى، إرادة الأمة الفرنسية ممثلةً في نواب الطبقة الأكبر أي الطبقة الثالثة، هي التي فرضت وجود الجمعية الوطنية وأسستْ برلماناً دمج طوائف الأمة المختلفة في جسد وطني واحد. لقد ولد (البرلمان الحديث) بنفسه وفرض نفسه فرضاً على النظام القائم، وكان ميلاده يعبِّر بوضوح عن حلول الحق الطبيعي، حق الفرد والأمة، محل الحق الالهي وحقوق الألقاب الارستقراطية المتوارثة أو المصطنعة. وهذا الانبثاق الطبيعي للجمعية الوطنية وما اقترن به من التفاف الأمة، وبخاصة عموم الشعب الفرنسي، حولها هما اللذان يفسِّران بلا ريب قدرتها على
أن تصمد وتمضي قدماً في طريق التغيير. لقد أثبتت الأحداث اللاحقة أن هذا البرلمان الحقيقي هو قوة لا تقاومُ لأن وراءه سنداً من الحق الطبيعي للإنسان وسنداً من إرادة الأمة. إن نظرية الحق الالهي سقطت لأن النظرية الديمقراطية القائمة على المذهب الفردي قد دقّت ساعتها إذ سطعت في عقول الناس واختمرت في ضمائرهم. لقد كانت نواة الثورة الفرنسية أولئك النواب الثلاثمائة من رجال القانون، ولقد كانت تلك النواة تحمل من القابلية للصمود والتغلّب قَدْرَ ما تحمل من قوة الفكرة الجديدة.(1/348)
وكما سميِّت الثورةُ الفرنسية “ ثورة الفقهاء ” فإنها وُصِفَتْ بأنها ثورة أوروبية. كتب جوريس Jaures يقول: ((لا توجد ثورة فرنسية بالمعنى الدقيق للكلمة، بل توجد ثورة أوروبية على رأسها فرنسا)) (1) . بل وصفها بعضهم بأنها ثورة أطلسية revolution atlantique أو غربية (2) .
ولابد من الإشارة في هذا الصدد إلى الوشيجة العميقة بين إعلان الحقوق الفرنسي وإعلانات الحقوق الأمريكية التي توّجت كفاح المستعمرات الأمريكية الثلاثة عشرة للاستقلال عن التاج البريطاني في الربع الأخير من القرن الثامن عشر. من هذه الإعلانات إعلان الحقوق الذي أعتمدته دولة فرجينيا مقدمةً لدستورها في 12 حزيران 1776. وقد نصت المادة الأولى منه على أن البشر متساوون بطبيعتهم في الحرية والاستقلال وأنهم يتمتعون بحقوق طبيعية غير قابلة للتنازل؛ وقد تكامل هذا المبدأ الأساسي الأول مع مبدأ السيادة الوطنية والنظام الانتخابي ومبدأ فصل السلطات. على أن أكبر تلك الإعلانات بلاشك هو إعلان الاستقلال الصادر في 4 تموز 1776، تلك الوثيقة التاريخية التي أعدّها الزعيم والمفكر الأمريكي الكبير توماس جيفرسون. ويتلخص ذلك الإعلان التاريخي في أن الحرية والمساواة حقان طبيعيان وأن المجتمع السياسي تكوّن بالاتفاق بين الأفراد لتأمين حرياتهم، وهو كما رأينا في إعلان فرجينيا يؤكد على سيادة الشعب. وكان جيفرسون يسعى إلى تضمين وثيقة الاستقلال مشروعه لمنع استيراد العبيد ومكافحة تجارة الرقيق، لكن المعارضة الشديدة التي لقيها أدّت إلى حذفه من الوثيقة. وكان يكافح أيضاً لتأمين الحرية الدينية وإنهاء الاضطهاد الذي كانت تمارسه الكنيسة، ووضع قانونه الخاص بالفصل بين الدولة والكنيسة (3) . وبعد برهة من الزمن لا تتجاوز ثلاثة عشر عاماً صدر الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن متضمناً المباديء ذاتها. فقد نصت المادة الأولى على مبدأ الحرية الطبيعية ومبدأ(1/349)
المساواة، وترجمتها المادة الثالثة بالنص على مبدأ سيادة الأمة، وجاءت المادة السادسة عشرة للتوّج هذه المباديء الثلاثة بمبدأ الفصل بين السلطات؛ وكما رأينا في إعلان الاستقلال الأمريكي الصادر في 1776 فإن إعلان الحقوق الفرنسي نصّ على أن هدف المجتمع السياسي هو الحفاظ على حقوق الإنسان الطبيعية.
الثورتان رضعتا إذن لبان الأفكار ذاتها، والثورة الفرنسية سلكت طريقاً ارتادته قبلها الثورة الأمريكية. والأجدر أن نقول إن الثورتين قد خرجتا من أصول ثقافية مشتركة. ويكفي في الإشارة إلى ما بين الثورتين من نسب فكري عميق أن نذكر أن أعداء جيفرسون، وهو من كبار رجال معركة الاستقلال والديمقراطية الأمريكية، قد اتهموه بأنه “ آلة في يد فرنسا ” و “ أداة روبسييير ” و “ والملحد اليعقوبي ” و “ قاتل الملوك ” (1) . ونادي اليعاقبة هو الجناح المتطرف في الثورة الفرنسية، ومن أعضائه روبسييير.
المطلب الثاني: الخلفية التاريخية للثورة الفرنسية.
لا يمكن فصل عصر التنوير عما سبقه من عصور، بل هو ثمرة تطور عقلي عميق حصل للشعوب الأوروبية خلال تاريخها الطويل. وإذا كان عصر التنوير يبدو لنا وثيق الصلة بعصر النهضة الأوروبية فإنه متصل بما سبقها من مراحل التطور العميق والبطىء. وإذا كانت الثورة الفرنسية هي بنت المذهب الفردي الذي سطعت أنواره في القرن الثامن عشر فإن معرفة مضامين التطور العقلي الذي أفضى إليه تتيح لنا أن نصل إلى الكنه العميق للأساس الجديد المزدوج للدولة أي الحرية الفردية وسلطة الأمة وأن نستشرف، من هناك أي من حيث نرى كنه هذا الأساس، مستقبل العلاقة بين الإنسان والدولة ومستقبل حقوق الإنسان والمواطن.(1/350)
نستطيع أن نرى بذرة المذهب الفردي في نظرية القانون الطبيعي كما صاغها الفقيه والمفكر الروماني الشهير شيشرون Ciceron (106 - 43ق. م) . ونظرية القانون الطبيعي ظهرت أول مرة على يد فلاسفة الاغريق المتأخرين وبخاصةٍ الرواقيين stoiciens في أواخر العصر الاغريقي عندما أخذ الفكر السياسي يتحرّر من طغيان فكرة الدولة ويرى للفرد وجوداً ذاتياً مستقلاً عن الدولة أي وجوداً طبيعياً غير وجوده السياسي، (مناقضاً بذلك تعاليم أرسطو) (1) . وشيشرون الذي هو أحد أبرز فقهاء الرومان المتأثرين بفلسفة الرواقيين ذهب إلى وجود قانون طبيعي منتشر في جميع البشر وإلى أن الناس أحرار بخضوعهم لهذا القانون وإلى أنهم في ضوئه متساوون؛ وإنما هم متساوون في تكوينهم النفسي وفي كونهم كائنات عاقلة وفي تمييزهم المشترك بين الخير والشر. وفي تحديد مصدر هذا القانون الطبيعي قال شيشرون إنه نابع من العناية الربانية ومن الطبيعة البشرية العاقلة؛ أنه قانون العقل الصحيح. لكنه قال أيضاً إن الإنسان هو المصدر الأول لفكرة العدل، وأرجع القوانين إلى التمييز المتأصل في طبيعته بين الخير والشر. وهكذا يبدو الميل عند شيشرون إلى اعتبار العقل مرجعاً أصلياً لمعرفة القانون الطبيعي، رغم المسحة الميتافيزيقية (2) التي يخلعها على هذا القانون. وكما تلقّى فقهاء الرومان فكرة القانون الطبيعي من فلاسفة الاغريق فإن الأوروبيين تلقَّوا من شيشرون نظريته في القانون الطبيعي وأصبحت عندهم على مدى قرون سلاحاً لمقارعة الاستبداد والدعوة إلى الحرية والمساواة. وإذا كان واضحاً أن هذه النظرية قد وجهت الفكر الأوروبي نحو تدعيم حرية الفرد وذاتيته المستقلة فإننا نستطيع أن نقول إنها أسهمت في دفع هذا الفكر في الاتجاه المؤدي إلى تكريس سيادة العقل الفردي.(1/351)
هذا الاتجاه إلى تكريس سيادة العقل سوف يتلقى في القرن الخامس الميلادي دفعة قوية على يد القديس أوغسطين Saint Augustin صاحب (مدينة الله La Cite de Dieu) و (سلطة النوع الإنساني - L’autorite du genre humain) والذي عرّف الوجود بأنه ظاهرة وعي Phenomene do la Conscience. وواضح أن القديس أوغسطين أعطى الوعي أولوية تجعل منه، وهو من أوائل فلاسفة المسيحية الكبار، رائد المذهب العقلاني في التاريخ الأوروبي. إنه، كما يقول كوستاس يايويانوّ Kostas Papoiannou (1) ، الجدّ الأعلى لهيجل Hegel. وهيجل (1770 - 1831 م) هو الذي قال إن الدولة هي التجسيد الواقعي للفكرة المطلقة. وفي قلب العصر الوسيط تطالعنا في أوساط رهبان الكنيسة النزعات التي سوف تطبع العصر الحديث، وهي العقلانية والليبرالية والفردية التي حاولت الكنيسة دون جدوى قمعها والتي نجم عنها في أوساط الرهبان تصوّر للأخلاق متحرر من القانون الديني. وتسلمنا هذه المرحلة القلقة من مراحل العصر الوسيط إلى رمز كبير من رموز الكاثوليكية في القرن الثالث عشر (أواخر العصر الوسيط) ، إلى القديس توماس الاكويني Saint Thomas D'Aquin (1226 - 1274 م) الذي يعرِّف الإنسان بأنه من الناحية الجوهرية عقل L’homme est essentiellement raison والذي يكرِّس الفرد على ما هو عليه في واقعه المحسوس. وقد قيل إنه أبو الفلسفة الحديثة (2) . وتتجاوب رؤيته للسلطة السياسية مع رؤيته هذه للإنسان: فالسلطة التي هي حق إلهي طبيعي، مفوَّضة إلى الشعب، بمعنى أن الشعب يختص بتعيين الحكام من وسطه؛ وهكذا يعرِّف رئيس الدولة بأنه نائب الجماعة Vicaire de la multitude (3) . ونستطيع أن نلحظ الدلالة الخطيرة والمثيرة التي ينطوي عليها مذهبه: فإذا كان الإنسان جوهراً عقلياً فإن السلطة الطبيعية للجماعة هي في التحليل الأخير سلطة قائمة بذاتها أي مطلقة. إن مذهب القديس توماس الاكويني(1/352)
يحمل هكذا بذرة الفصل بين السلطتين الزمنية والروحية، تماماً كما هو يسلم الفرد إلى واقعه المحسوس. إننا أمام الامارات الأولى لسقوط الميتافيزيقيا من حياة المجتمع المدني. أليس مثيراً جداً أن نرى عند هذا الذي كرّسته الكنيسة الكاثوليكية فيما بعد أباً من آبائها الارهاصات غير المباشرة للحركة العقلية التي قادت إلى الثورة الفرنسية؟!
أمّا في القرن التالي، الرابع عشر، حيث بدأت تختمر الخمائر الأولى للنهضة الأوروبية، فقد اهتزت البنية العقلية التقليدية تحت ضربات المذهب الاسمي nominalisme الذي شكّك في الحقائق المجرّدة واستبدل بها الحقائق المستمدة من الطبيعة الحسيّة. وظهرت حينئذ الدعوة إلى الفصل بين السلطتين الروحية والزمنية (1) ، وهو الفصل الذي سوف تضع الثورة الفرنسية بعد أربعة قرون أساسه الايديولوجي في إعلان 1789 م. ونستطيع في ضوء هذه المعطيات أن ندرك كنه الاتجاه الإنساني Humanisme الذي أفرزه هذا التطور العقلي على مدى قرون والذي هو روح عصر النهضة الممتد بين أواخر الربع الأول من القرن الرابع عشر وأواسط القرن السادس عشر: إنه الاتجاه إلى تكريس الوعي الفردي تكريساً يعطيه الصفة المطلقة ويوحِّده مع الطبيعة الحسيّة؛ إنه الاتجاه إلى جعل الأنا الفردية إليهاً أرضياً يرى الحقيقة من خلال واقعه المادي المحض؛ إنه الاتجاه إلى إنزال (المطلق) من علوِّه الميتافيزيقي وجعله في هذه الإنسانية التي وصفها الفيلسوف الألماني فيورباخ Feuerbach بأنها الإنسانية التي تتغذى من نفسها، من لحمها ودمها (2) . هذا الاتجاه الذي يخرج الفرد من حالة الخضوع للمبدأ الميتافيزيقي وللسلطة الروحية التي تحكم باسمه ويدفعه إلى حالة الحرية المطلقة حيث يتحد مع العالم المادي يقود طبيعياً إلى نتيجة حتمية هي خضوع الفرد للدولة بوصفها واقعاً مادياً ضخماً ومسيطراً؛ وهو خضوع طوعي يجعله والدولة شيئاً واحداً ويخلع على الدولة صفة(1/353)
المطلق. أي أن الفرد والدولة يصبحان صورتين للقوة مندمجتين أولاهما في أخراهما، على أن أولاهما قوة خاضعة إلى حدّ التلاشي في الأخرى بينما الأخرى قوة مسيطرة إلى حدّ أن تكون إلهاً للأولى. لقد عرّف المفكر الألماني Treitschke الدولة بأنها قوة l”Etat est force (1) ، وعرّف هيجل الدولة بأنها المطلق، وفي نظر الفقيه الفرنسي العميد ديكي Duguit فإن جوهر الدولة يكمن في فرق القوة بين الحكام والمحكومين (2) ؛ أما كانت Kant فقد فقد أصلّ القانون، الذي هو نظام حياة الدولة، في القوة. ومن هنا قول الفقيه الألماني إهرنك Ihering إن غياب القوة المادية هو الخطيئة القاتلة للدولة (3) . وهو خطيئتها القاتلة لأن القوة المادية ليست أداةً لقمع حالات الخروج على نظام الدولة فحسب، ولكنها القاعدة العامة لنظام الدولة واكسير حياتها.(1/354)
ونستطيع أيضاً أن نرى ما في تيار الإنسانية هذا من قوة اندفاع نحو تحطيم القوالب التقليدية للعقل والحياة والدولة: إنه تيار يتغذى على تكريس إرادة القوة في الفرد والدولة على السواء. وقد وصل هذا التيار مع رينيه ديكارت Rene Descartes في القرن السادس عشر إلى لحظة التحطيم الجذري لهذه القوالب التقليدية عندما أطلق قولته المشهورة: ((أنا أفكِّر، إذن أنا موجود)) ؛ وهكذا هدم ديكارت جميع الحقائق أو، وفق لغته، أحلام العالم الموضوعي ونهضت من بين ركام الحقائق المنهارة هذه الأنا التي تتكلم في فراغ مطلق وتقرِّر الحقائق كما يقرِّرها إله. وواضح أن أولوية الأنا عند ديكارت تتجاوب مع أولوية الوعي عند القديس أوغسطين وواضح أيضاً أن اعتباره الحقيقة فكرة العقل ذاتها يتجاوب مع قول القديس توماس الاكويني إن الإنسان هو جوهرياً عقل. وهكذا فإن العصور القديمة والوسطى والحديثة تلتقي على أمر جامع هو تأليه الإنسان أو بالأحرى تأليه الأنا الفردية La divinisation du moi؛ وهو، كما رأينا آنفاً، الطريق الذي يوصل طبيعياً إلى تأليه الدولة. وليس هذا التأليه للإنسان فكرة مستقرة في العقل الباطن الأوروبي فحسب، بل هو فكرة واعية وجدت تعبيرها الصريح في البيئة المسيحية في العصر الوسيط حيث ظهر تعريف للإنسان بأنه إله ثانٍ L’homme est un second dieu (1) . لقد قدّم ديكارت لأوروبا أساساً جديداً للفكر والحياة حينما هدم جذرياً ثنائية العقل والحقيقة وحرّر الإنسان الأوروبي من ربقتها ومما تنطوي عليه من قيود للفكر والسلوك؛ إن صيحته المشهورة الآتية من أعماق الحضارة الأوروبية المسيحية تعلن نهاية النظام القديم وتفتتح عهد الإنسان الحرّ والدولة الحرة: عهد الإنسان الذي (يقرِّر) الحقيقة بوعيه الفردي البحت و (يبتكر) تصرفاته بإرادته الفردية البحتة، وعهد الدولة صاحبة السلطة العليا المطلقة أي الدولة ذات السيادة؛ إنها بشارة(1/355)
إلى أوروبا بالدخول في عصرها الحديث، عصر الدول القوية وحركة التوسع الأوروبي. وإذا كان ديكارت قد حرّر العقل نهائياً من قوالب بنيته التقليدية وأطلق حيويته الحرة فإنه قد ضمن بذلك لمنهجه أن يصل في تأثيره إلى الدرجة التي يشير إليها لويس كارديه Louis Gardet بقوله إنه بلغ حدّ توجيه منطق الرجل العادي (1) . ونستطيع إذن أن نؤرخ بهذه اللحظة الفاصلة من تاريخ أوروبا بدء مسيرتها نحو الديمقراطية الحديثة، حيث بزغ فجر إيمان جديد، إيمان الفرد بنفسه إيماناً جعله في وعي حقيقةً مطلقة؛ وتلك هي المسيرة الطويلة التي سوف تتوِّجها الثورة الفرنسية في 1789 م. ولا ريب في أن نموّ هذا الإيمان الجديد يبدِّد تدريجياً في وعي الفرد والجماعة صورة صاحب السيادة بوصفه حقيقةً مستقلة عن الجماعة بحيث يصبح صاحب السيادة هو الجماعة نفسها وتصبح هي مصدر السلطة والقانون. ونستطيع أن نرى هذا التحوّل العميق عندما نقارن بين مفهوم جون لوك وبين مفهوم جان جاك روسو لصاحب السيادة في نظريتيهما عن العقد الاجتماعي. فالعقد الاجتماعي عند لوك ينعقد بين طرفين أحدهما الجماعة والثاني فرد يصبح بمقتضى العقد صاحب السيادة؛ وهذا العقد ينشئ حقوقاً وواجبات متبادلةً بين طرفيه بحيث تكون سلطة صاحب السيادة نسبية خاضعة لشروط معينة تتحكم في نشوئها وفي بقائها. أما العقد الاجتماعي عند روسو فإنه عقد تبرمه الجماعة مع نفسها وتصبح بمقتضاه هي صاحبة السيادة وتكون سلطتها بطبيعة الحال مطلقة؛ إن حصيلة العقد الاجتماعي هي ما أسماه روسو سيادة الإرادة العامة (2) . إنَّ انهيار ثنائية العقل والحقيقة على يد ديكارت، أي صيرورة الحقيقة فكرة العقل ذاتها، قد أذن بانهيار ثنائية الإنسان والدولة وصيرورة الفرد، وبالتالي الأمة، جوهر الدولة وحقيقتها النهائية. وإن هذه الأحادية العقلية والسياسية التي هي روح العصر الحديث هي الطور الأخير الذي أصبحت تسير نحوه(1/356)
الدولة سيراً تصاعدت قوته خلال عصر التنوير حيث ظهر جيل جديد متشبع بالمذهب الفردي. وفي طورها الأخير هذا تنقطع الدولة الحديثة عن جذورها الميتافيزيقية ولا يبقى للسلطة الروحية وجود في حياة المجتمع السياسي الذي يصفه كانت بأنه جذوره من نفسه؛ فمحلَّ سيادة الملك المستندة إلى نظرية الحق الإلهي سوف تحلّ سيادة الأمة التي تجد سندها في نفسها أي في الحق الطبيعي المطلق الذي يُحِلّ الفرد لا محل الملك فحسب بل محلّ الله ويجعل سيادة الإرادة العامة التي تحدث عنها روسو بديلاً عن الإرادة الإلهية المطلقة. إن هذا الطور الأخير هو طور علمانية الدولة La Laicite de L’Etat (1) التي سوف تكرِّسها الثورة الفرنسية في إعلان 1789 م والتي أقامها ميرابو في مناقشات الجمعية الوطنية على أساسٍ من الطبيعة المطلقة للوعي الفردي. وفي هذا الصدد يقول Gabriel Compayre إنه ((لا يوجد ظلّ للميتافيزيقيا في إعلان معتقد سياسي)) ، مدافعاً عن إعلان الحقوق ضدّ أولئك الذين كانوا يحتجّون على عقلانيته المطلقة أو طابعه المادي (2) . وإذا كانت الفلسفة الحديثة، وعلى رأسها ديكارت، قد بذرت بذور الإيمان الجديد الذي أشرنا إليه والذي قاد إلى هذا التحوّل العميق في طبيعة الدولة، أي بذرة الوعي الفردي المطلق، في أرض خصبة صالحة للإنبات بحكم تطوّرها التاريخي فإن جان جاك روسو ومن بعده تلميذه سييس قد تعهّدا هذه البذرة بالرعاية وأعطياها ثمرتها السياسية الكاملة: فالأول حرّر الإرادة العامة من كل قانون أساسي بل من العقد الاجتماعي الذي هو مصدرها وجعلها مطلقة تستطيع فعل أي شيء، والثاني اعتبر الأمة كائناً مطلقاً لا يقع عليه أي إلزام وافترض أنها، بالنسبة إلى ذاتها، في حالة الطبيعة دائماً؛ وبهذا التعليم أثارا حركة عقلية عامة قادت إلى الثورة الفرنسية.
المبحث الثاني: الفرد والدولة:
المطلب الأول: ماهية الحرية الفردية في إعلان 1789 م(1/357)
تحتلّ الحرية الفردية مركز الدائرة في النظام السياسي الذي أقامته الثورة الفرنسية للمجتمع السياسي.
تنص المادة الأولى من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي صادقت عليه الجمعية الوطنية الفرنسية في 26 آب 1789 م على أن الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الحقوق ويبقون كذلك، وتسلِّط المادتان الرابعة والخامسة ضوءً قوياً على مضمون المادة الأولى يكشف حقيقة هذه الحرية التي يتمتع بها الإنسان بمقتضى إنسانيته نفسها وبمجرّد واقعة ميلاده ذاتها. فالمادة الرابعة تعرِّف هذه الحرية الطبيعية بأنها قدرة الفرد على القيام بكل مالا يلحق ضرراً بالآخرين؛ وهكذا، كما تقول المادة، فإنه لا حدود لممارسة الحقوق الطبيعية لكل إنسان إلاّ تلك التي تؤمِّن للأعضاء الآخرين للمجتمع التمتع بهذه الحقوق نفسها؛ وتسند المادة إلى القانون وحده تحديد هذه الحدود. وواضح إذن أن الحرية التي يكرِّسها الإعلان هي في ذاتها حرية مطلقة، حرية الفرد في أن يفعل ما يشاء ويدع ما يشاء؛ إنها ليست خاضعة لقانون سابق أي لمعيار أخلاقي يضبطها ويحدِّد لها مسالكها، والقانون الوحيد الذي يضبطها لا شأن له بمضمونها الداخلي وإنما هو يضبط علاقاتها الخارجية مع حريات الآخرين حتى لا تفتئت عليها وتبقى حرية كل فرد مطلقة في عالمها الداخلي؛ ونصّ المادة الرابعة يُشعِرُ بوضوح بنفي أي معيار لضبط الحرية الفردية غير القانون الوضعي الذي يتولّى وحده تعيين الحدود الفاصلة بين الحريات الفردية؛ وينبني على هذا النفي نتيجة خطيرة بيّنتها المادة الخامسة هي أن كل مالا يحرمه القانون لا يمكن منعه وما لا يأمر به القانون لا يمكن إجبار أحد على فعله. فالقانون هو إذن خادم للحرية الفردية لا حاكمُ عليها، إنه مأمور لا آمر، مأمور بأن يؤدّي في خدمتها مهمة ليس له أن يتجاوزها، وهذه المهمة المحصورة قد بيّنتها المادة الخامسة: (ليس للقانون الحق في أن يمنع غير الأعمال الضارة(1/358)
بالمجتمع) .
ولا نستطيع أن نُغفِل التناقض الظاهر والجذري بين هذا المفهوم الليبرالي للحرية وبين مفهوم الحرية في نظرية القانون الطبيعي التي انطلق منها المذهب الفردي، وهو المذهب الذي على أساسٍ منه قامت الثورة الفرنسية. فالخضوع للقانون هو قوام الحرية عند شيشرون الذي كانت نظريته في القانون الطبيعي منطلقاً لتطور فكري وسياسي دام قروناً في أوروبا؛ وموقف شيشرون في هذا الشأن موقف جذري إذ يقول: ((إننا عبيد للقانون لكي نكون أحراراً)) ؛ وبديهي أن القانون الذي يعنيه هو القانون الطبيعي أي القانون القائم بنفسه السابق للإرادة والذي يقرِّر للإرادة ما ينبغي أن تتَّجه إليه؛ والحرية التي يعنيها هي إذن حرية أخلاقية قائمة على ثنائية المثال المجرَّد والإرادة البشرية. وهكذا نستطيع أن نرى أن المذهب الفردي في طوره النهائي الذي أفرز الثورة الفرنسية قد تنكَّر لأصله التاريخي الذي انحدر منه بأن جرَّد الحرية من طابعها المعياري وأفقدها عمقها الأخلاقي وجعلها إرادة محضة بعد أن كان جوهرها القانون.(1/359)
ينبغي إذن تعريف الحرية التي كرّسها الاعلان بأنها إرادة النفس الحسّيّة بالمعنى المطلق لهذا التعبير. وهكذا نصل إلى الفلسفة النهائية لواضعي الاعلان: حقيقة الإنسان تكمن في نفسه الحسّيّة: أي أن جوهر الإنسان هو المادة، والروح ليست حقيقة مستقلة عن الجسد. وقد رأينا آنفاً أن الذين أخذوا على الإعلان عقلانيته المطلقة قد وصموه أيضاً بالمادية. ويمكن أن نرى أن الثورة الفرنسية (1789) والثورة البلشفية التي نشبت في روسيا في 1917 تشتركان في رؤيتهما المادية للإنسان وأنهما في هذه الرؤية المشتركة ثمرة تطور عقليّ متشابه مرّت به عائلة الشعوب الأوروبية. الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع السياسي هو، في فلسفة الثورة الفرنسية، حيوان سياسي؛ وفي هذا يلتقي فكر الثورة مع الفكر الاغريقي القديم. والحقيقة القانونية التي تقرِّرها الإرادة العامة، كما تنص عليه المادة السادسة من الإعلان، تتجذَّر إذن في غرائز هذا الحيوان السياسي. ولا محل إذن للدين في حياة المجتمع السياسي الذي أقامته الثورة. ومن سوء الفهم بل من السطحية أن نتوهم أن علمانية الدولة التي كرّسها الإعلان تقتصر على فصل الدولة عن الكنيسة؛ إنها لا تطرد السلطة الروحية وحدها من حياة المجتمع السياسي بل تطرد معها وقبلها الحقيقة الدينية نفسها إذ هي تقوم على إنكار أن يكون لأية حقيقة وجود خارجي مستقل عن الوعي وعلى اعتبار الحقيقة بنت الوعي الفردي. وفي الحساب الأخير فإن الحقيقة الدينية تتجذر، رغم ما يبدو في هذا القول من غرابة شديدة، في الغريزة الحيوانية، شأنها في هذا شأن الحقيقة القانونية. لسنا هنا بعيدين عن هيجل الذي عاصر الثورة الفرنسية
والذي يصل عنده تكريس الغريزة الحيوانية في الإنسان إلى درجة التقديس: فالله، كما يقول، تجسّد في المادة ثم في الغريزة الحيوانية للإنسان ومازال يواصل من خلالها عمله(1/360)
الخلاّق (1) . وإذا كان ديكارت قد هدم هدماً جذرياً وصريحاً ثنائية العقل والحقيقة وافتتح الطريق المباشر إلى الديمقراطية الحديثة وإلى الثورة الفرنسية، كما رأينا، فإن هيجل قد أماط اللثام عن المغزى النهائي لهذه الأحادية التي أقامها ديكارت: فالله والإنسان هما عند هيجل حقيقة واحدة تكمن في الغريزة الحسيّة وتتجسّد في الدولة التي هي المطلق. فلسفة الثورة التي عبّر عنها الإعلان كانت إذن فلسفة الحادية وإن كان لم تصرّح بالالحاد. وترينا المعطيات السابقة المتعلقة بالهوية الأوروبية للثورة أن إلحادها كان ذا جذور تاريخية عميقة. والنظام الجديد الذي كان الالحاد هو النسغ الذي يمشي في مفاصله الكبرى (الفرد، الارادة العامة، القانون) لم يكن فيه مكان لصوت يتكلم عن خلود الروح ووجود الله ويدعو إلى الفضيلة. لم يكن فيها مكان لرجل مثل روبسييير Maximilien Rebspierre (1758 - 1794) الذي كان يرى أن الدين (لبنة هامة في بنيان المواطنة) (2) . كان روبسييير من أعضاء الجمعية التأسيسية و (لم يكن هناك من يجادل في زعامته للثوار) بعد موت ميرابوا وكانت الجماهير مفتونة به، وعند حلّ الجمعية التأسيسية كانت شعبيته قد بلغت مداها و (سمّاه الناس رجل الساعة) وفي لحظة من تاريخ الثورة (أصبح مطلق اليد في فرنسا) (3) . قال في تقريره المؤرخ في 5 فبراير / شباط 1794: (ما هو هدفنا؟ أن ننعم في هدوء بالحرية والمساواة وبعهد العدالة الأبدية المنقوشة قوانينه، لا على الرخام أو الحجر، بل في قلب كل رجل، حتى العبد الذي ينسى أن له حقوقاً والطاغية الذي ينكر هذه الحقوق) . وقال أيضاً في نفس التقرير:(1/361)
(نحن نريد أن نحقق عهود الطبيعة لبني الإنسان) (1) . لكن دعوته الصريحة إلى إدخال الدين في حياة الدولة جاءت في تقريره المشهور الذي كتبه في 7 مايو / مارس 1794 وسمّاه تقريراً عن العلاقة بين الدين والأفكار والمبادىء الجمهورية واستعرض فيه التقدم من حكم الجريمة إلى حكم الفضيلة قائلاً: (من ذا الذي فوّضكم أن تعلنوا للناس أنه ليس هناك شيء إلهي؟ وماذا يستفيد الإنسان لو اقتنع بأن قوة عمياء تسيطر على مقدّراته وتضرب عشوائياً في كل اتجاه: آناً بالفضيلة وآناً بالجريمة؟ أو أن روح الإنسان مجرد بخار خفيف يتبدّد عند فتحة القبر؟ وهل فكرة تلاشي الإنسان ستوحي له بأشياء أشدّ نقاءً من فكرة خلوده؟ ... هل ستزيد من صلابته في مواجهة الطغيان أو تعمِّق احتقاره للملذات أو للموت؟ ... حتى القول بوجود الله وخلود الروح سيكون أجمل ما ابتكره عقل الإنسان.... والخلاصة: يجب أن يعلن المؤتمر الوطني أن الشعب الفرنسي يعترف بوجود الكائن الاسمي وبخلود الروح ويجيز ديانة مقامة من الدولة على هذا الأساس) (2) . كان رجل مثل هذا خطراً على النظام الجديد يوشك أن يصيبه في مقتل لاسيما أنه راح يندِّد بالالحاد؛ فكان لابد من التخلص منه، وقد تم إعدامه على المقصلة في 27 يوليو / تموز 1794. ولو قدّر له أن يبقى لتغير وجه فرنسا الجديدة ومن ورائها وجه التاريخ الحديث والمعاصر الذي حدّدت الثورة الفرنسية اتجاهه.
المطلب الثاني: من حرية الفرد إلى طغيان الدولة.(1/362)
الوحدة التكوينية للمجتمع السياسي الجديد، أي الفرد، لها إذن صفتان: فهي تتصف في ظاهرها بالقوة من حيث أن ماهيتها إرادة مطلقة تقرر الحقيقة وتقرر شكل السلوك كما تشاء؛ وهي تتصف في حقيقتها العميقة بالضعف من حيث أنها تحيا تحت استبداد الغريزة الحسية أي تحيا في استسلام للواقع المادي ولاسيما للدولة التي هي أقوى صور هذا الواقع وأشدّها تأثيراً على الفرد من حيث امتلاك الدولة لأدوات السيطرة التي لا تتوفر لسواها. إن الحرية الفردية المطلقة في إعلان 1789 هي في التحليل الأخير عبودية الفرد للدولة أو بالأحرى للسلطة السياسية. وينبغي أن نضيف أن هذه العبودية ليست عبودية قسرية، بل هي عبودية طوعية واستسلام رضائي تلقائي يصل في تطوره إلى أن يكون قاعدة تفكير الفرد وتصرّفه داخل الدولة. وبتعبير أدق فإن الإعلان الذي يقيم نظرياً ثلاث صور من السيادة، سيادة الإرادة الفردية وسيادة الإرادة العامة وسيادة الدولة، يقود عملياً إلى تكريس سيادة واحدة هي سيادة الدولة أو سلطتها العليا المطلقة بينما تتحول الأخريان إلى عبودية طوعية للدولة؛ إنه يقيم دكتاتورية الدولة أو طغيان السلطة على أساس من ارتضاء الجميع بمقتضى حريتهم المطلقة أن يكونوا عبيداً للسلطة. وهكذا يبدو حق مقاومة الطغيان الذي قررته المادة الثانية من الإعلان حقاً نظرياً لا بسبب العجز عن مقاومة الطغيان بل بسبب أخطر وأعمق هو الفقدان الفعلي والتدريجي لإرادة مقاومة الطغيان والتحوّل إلى الوداعة السلبية اللامسؤولة والمتعامية عن خطايا السلطة ثم التحوّل أخيراً إلى موقف تبريري يسبغ الشرعية على كل وضع فعلي تصنعه السلطة. إن الإرادة العامة التي أسند إليها جان جاك روسو إيجاد القانون وأجاز لها نقض أي قانون أساسي ثم أجاز لها سييس من بعده نقض كافة الأشكال الدستورية يؤول أمرها من الناحية العملية إلى الرضا بكل انتهاك تقترفه السلطة للدستور أو القانون. إن الإرادة(1/363)
العامة تنتقل هكذا من السيادة (العزيزة) التي تفرض ما تشاء إلى السيادة (الذليلة) التي ترضى كل ما يفرض عليها.
هذا المآل الحتمي الذي تؤول إليه عملياً الوحدة التكوينية للمجتمع السياسي،
الفرد، أي الفقدان الفعلي للذاتية المستقلة والذوبان الفعلي في السلطة، يترافق
ويتكامل مع الوضع الذي تؤول إليه السلطة ذاتها في صيرورة حتمية تنطلق من ذات المنطلق أي من الطبيعة المطلقة للحرية الفردية. فكما أن جوهر الحرية الفردية هو الإرادة لا القانون كما رأينا من قبل (المبحث الثاني - المطلب الأول: “ ماهية الحرية الفردية في إعلان 1789 ”؛ ما قلناه عنها في ضوء نظرية القانون الطبيعي) وكما أن القانون يستمد بالتالي أصل وجوده من الإرادة العامة المطلقة فإن السلطة التي تنبثق من هذه الأخيرة هي جوهرياً إرادة لا قانون، أي أن شرعيتها الدستورية التي تستند إليها وصبغتها القانونية التي تصبغ تصرفاتها تخفيان طبيعة مطلقة تجعل استقامتها على طريق الدستور والقانون متوقفة على إرادتها الحرة وتجعل انحرافها قابلية جوهرية تكمن في طبيعتها لا إمكانية عرضية تعتور عملها.
وهكذا، من جهة وأخرى، أي مع استسلام الفرد ومع طغيان السلطة، وكلاهما جوهري أصيل، تصبح الحقوق والحريات حصوناً بلا أبواب تمنع اقتحامها. فالفرد يؤول أمره إلى أن يفقد حريته الداخلية كلما أوغل في التمتع بحريته المطلقة حتى يصبح هو والسلطة شيئاً واحداً ويفقد حيالها كل استقلال حقيقي يكفل تحرّكه للدفاع عن الحقوق والحريات وعن القانون الذي يكفلها، وربما التمس من القانون نفسه تبريرات لتصرفات السلطة اللاقانونية. والسلطة الديمقراطية يؤول أمرها إلى أن تفقد كل خضوع حقيقي للقانون وتصبح قوة بحتة تختفي وراء ثوب القانون، قوة قانونية المظهر سياسية الجوهر تضرب في كل اتجاه وتذهب آناً مع الحقوق والحريات وآناً ضدها وتتخذ من القانون نفسه ذرائع لتصرفاتها اللاقانونية.(1/364)
لقد اعتبر إعلان حقوق الإنسان والمواطن وثيقة ميلاد المواطن الحديث. لكن أليس هو، بفتحه الباب عملياً لطغيان السلطة من ناحية ولانحلال الإرادة العامة من ناحية
أخرى، وثيقة إعدام الحريات تحت شعار تمجيدها؟!
والمسار الفعلي الذي اتخذته الثورة الفرنسية يقدِّم الجواب على هذا التساؤل، فقد انتهى إلى خروجها على منطق إعلان الحقوق نفسه. بل إن المرحلة الأولى من تاريخها قد انطوت على ما ينذر بهذا المصير. فقد رأينا من قبل (المبحث الأول - المطلب الأول: صلة الثورة بالمذهب الفردي) أن حزب اليسار في الجمعية الوطنية، الجيروند les Jirondins، ذهب إلى إمكانية التضحية بالدستور لمصلحة الثورة، رغم أنه صادر باسم الأمة. ولاشك في أن هذا الموقف يفتح الباب لانحراف السلطة إذا لم تكن الإرادة العامة على درجة من اليقظة تكفي لصيانة خياراتها الدستورية. وقد سارت الثورة بعد ذلك بتأثير هذه الليبرالية المتطرفة في طريق الانفصال عن إرادة الأمة: تمثل هذا الانفصال في حلّ الجمعية الوطنية التي على يدها قامت الثورة والتي بفضلها اندمجت طبقات المجتمع الفرنسي الثلاثة الممثلة في مجلس الطبقات في كيان واحد هو الأمة الفرنسية التي كانت الجمعية الوطنية مرآاتها الصادقة؛ وتمثل هذا الانفصال أيضاً في إقامة الكوميون الثوري La Commune الذي حكم الحياة السياسية نحو عامين هما عهد الإرهاب والمذابح والاعدامات بالجملة؛ وزاد دخول الشارع الفرنسي طرفاً في الأحداث من إشاعة الفوضى وتضييع صوت الإرادة العامة؛ ويكفي للتدليل على تنكّر الثورة لأصلها الذي قامت عليه أن المؤتمر الوطني الذي حاكم الملك قد رفض مبدأ الرجوع إلى الأمة إدانة الملك بعد أن طالب الجيروند Les Jirondins، وهم من أعضاء الجمعية الوطنية، بعرض الأمر على الاستفتاء العام على أساس أن ذات الملك مصونة بموجب دستور 1791 وأن الشعب وحده يملك تجريد الملك من حصانته الدستورية (1) .(1/365)
وكما انفصلت سلطة الثورة
عن القاعدة التي انطلقت منها أي إرادة الأمة وراحت تتصرف حسب رؤى المسيطرين عليها ونوازعهم فإنها على الصعيد الخارجي نكصت عن رسالتها التحريرية. ففي 19 نوفيمبر / تشرين الثاني 1792 أصدرت الثورة مرسومها العالمي الذي تمدّ فيه يد الإخاء والمساعدة إلى كافة الشعوب التي تريد استرداد حريتها (1) ؛ ولكنها بعد برهة قصيرة وقبل انتهاء العام نفسه نقضت عهدها إذ رجعت إلى السياسة الاستعمارية القديمة (2) . لقد داس نابليون بونابرت، وهو من جيل الثورة، على إعلان الحقوق والحريات الصادر في 1789 وعلى منشور المؤتمر الوطني الصادر في 1792 والذي يعلن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وسطورهما لم تزل نديّة، عندما احتل مصر في العام 1798 ودنَّس بسنابك خيله الأزهر الشريف وقتل علماء مصر (3) . فأين كانت الأمة الفرنسية التي وقفت وراء الجمعية الوطنية ووراء الإعلان الذي صادقت عليه في 26 آب 1789 وقفة أجبرت الملك نفسه على التراجع خوفاً من سوء العواقب التي تترتب على رفضه المصادقة على الإعلان؟! وما الذي يفسِّر تصويت البرلمان الفرنسي في 1830 بالموافقة على احتلال الجزائر؟! أليس مجرى الأحداث قد انتهى إلى انحلال الإرادة العامة حيال سلطة فارقت قاعدتها الديمقراطية وتحوّلت إلى سلطة دكتاتورية في الداخل واستعمارية على الصعيد الدولي؟!
المطلب الثالث: موقع القانون وقيمة الضمانات القانونية للحقوق والحريات.(1/366)
يحدِّد الإعلان دور القانون باسلوب يثير الاستغراب. فللقانون حدود ينبغي له ألاّ يتجاوزها: ((أليس للقانون الحق في أن يمنع غير الأعمال الضارة بالمجتمع)) - المادة الخامسة. هذا النص يتكامل مع نص المادة السادسة التي تقول إن القانون هو التعبير عن الإرادة العامة. وهكذا فإن الإعلان يجعل القانون خاضعاً في الأصل لمعيار تفرضه عليه الإرادة، بدلاً من أن يكون هو المعيار الأول الذي يعيِّن للإرادة اتجاهها وخياراتها. القانون في الديمقراطية الليبرالية الحديثة التي افتتح الإعلان عهدها هو من الناحية الأساسية القانون المحكوم لا الحاكم، القانون الذي لا يتمتع بالسلطة الأولى بل يأخذ موقعه تحت الإرادة العامة التي تتمتع، هي، بالسلطة الأولى أو العليا، أي هو النظام الذي تضعه القوة لتحقق به مآربها. وكون القوة هي قوة الجماعة، لا قوة فرد أو طبقة أو طائفة، لا يعطي القانون وصفاً آخر، فالقوة هي القوة. ومن الناحية الجوهرية، إذن، فإن موقع القانون هو نفسُه في النظام القديم الذي قوّضته الثورة وفي النظام الجديد الذي أقامته. بل إن موقع القانون قد أصبح مطبوعاً أكثر من ذي قبل بطابع التبعية في النظام الجديد الذي حرّر القوة تحريراً كاملاً إذ فصل السلطة عن جذورها الميتافيزيقية وردّها جوهرياً إلى الأمة (المادة الثالثة من الإعلان) . وهكذا تتبدّد فكرة سيادة القانون أو أولوية القانون التي تتغنّى بها الديمقراطيات الليبرالية الحديثة ولا يبقى منها إلاّ شعار وهميّ بغير محتوىً حقيقي. وإذا جاز لنا أن نتحدث عن أولوية القانون في النظرية الليبرالية فإنما هي أولوية نسبية لا مطلقة؛ وهذه الأولوية هي بلاشك شيء آخر غير السيادة التي هي أولوية مطلقة ولا يمكن تصوّرها غير ذلك. ولاشك في أن الاكتفاء بالنظر إلى الوجه القانوني المباشر للديمقراطية الليبرالية الحديثة وعدم إمعان النظر فيما وراء هذا الوجه الظاهر من سلطان(1/367)
مطلق للإرادة هو الذي يفسِّر وقوع الكثيرين تحت وهم سيادة القانون. بتعبير آخر فإن سيادة الأمة التي نصت عليها المادة الثالثة من الإعلان، أو سيادة الإرادة العامة بتعبير جان جاك روسو، تنقض سيادة القانون وتحيلها وهماً خطيراً لأنه يُلْبِسُ حكم القوةِ ثوبَ القانون. وسيادة الدولة التي ترتكز على سيادة الأمة تتناقض تناقضاً أشدّ وأكثر جذريّة مع سيادة القانون لأنها في التحليل الأخير هي السلطة العليا للحكّام أنفسهم. وقد أشار شارل روسو Charles Ruosses في تحليله لظاهرة الدولة إلى هذا التناقض قائلاً إن السيادة فكرة مضادَّة بعمق للقانون notion foncierement anti-juridique (1)(1/368)
مصادر الحافظ ابن الفرضي
في كتابه
" تاريخ العلماء والرواة "
د. حمد بن صالح السحيباني
الأستاذ المشارك في قسم التاريخ والحضارة بكلية العلوم الاجتماعية
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ملخص البحث
تناولت هذه الدراسة القضايا التالية:
أولاً: بدأت بمقدمة مختصرة عن كتب التراجم والرجال حتى عصر ظهور هذا الكتاب، ثم تناولت التعريف بالمؤلف وطلبه العلم بالأندلس، ثم رحلته إلى المشرق، وأهم مؤلفاته الموجودة والمفقودة، والوظائف التي تقلدها، ثم وفاته.
ثانياً: كتاب تاريخ العلماء، وأسماؤه وسبب تأليفه، وما يحويه من مادة علمية، والمنهج الذي سار عليه المؤلف، وزمن تأليفه ثم جاء الحديث عن مصادره على النحو التالي:
أولاً: المصادر المكتوبة وتضم الأقسام التالية:
أ - المؤلفات والكتب التاريخية.
ب - الاستكباب ويعني بها تلك الرسائل والكتب التي كان يرسلها مستفسراً من خلالها عن بعض القضايا حول الأشخاص الذين يترجم لهم.
ج - اللوحات والوثائق المادية وأهم هذا النوع اللوحات الموجودة على القبور، وكذلك وثائق المبايعات.
ثانياً: مصادر المعاينة والمشاهدة: كان هذا النوع من المصادر مهماً عند ابن الفرضي وذلك لأنه عاصر وعايش عدداً من العلماء الذين كتب عنهم، كما احتك ببعضهم في المناسبات والمنتديات المختلفة، وبالتالي أصبح شاهد عيان لكثير من القضايا التي تحدث عنها حيث قام برصد كل ما شاهده وعايشه حول بعض الأشخاص ثم ضمنه كتابه.
ثالثاً: المصادر الشفهية:
شكلت الرواية الشفهية التي سمعها ابن الفرضي من أفواه الرجال حيزاً مهماً بين مصادره في كتابه تاريخ العلماء.(1/369)
وبعد ذلك جاء الحديث عن حاسة النقد التاريخي عند ابن الفرضي وأثرها على موقفه من مصادره حيث عالجت هذه الفقرة كيف كان ابن الفرضي العالم، الحافظ الراوية، المحدث الفقيه، القاضي، يتعامل مع مصادره المختلفة حسبما يقتضيه المنهج العلمي من المناقشة أو التحليل، وأخيراً جاءت خاتمة البحث مُبرزاً فيها أهم استنتاجات هذه الدراسة.. والله أعلم.
المقدمة:
اهتم المؤرخون والكتاب المسلمون بكتب التراجم وتاريخ الرجال، حيث ظهر هذا النمط من الكتابة التاريخية منذ وقت مبكر في تاريخ المسلمين، بل إنه كان وليدًا لحركة التدوين التاريخي عندهم، وينقسم هذا النوع من الكتابة إلى أنماط مختلفة فمنه ما يهتم برجال فترة معينة أو بلدٍ معينٍ، ومنه ما يكون خاصاً بتراجم أرباب الصنعة الواحدة أو الفن الواحد، وهكذا ظهرت كتب تأريخ القضاء، والفقهاء، والأدباء، والأطباء، والنحاة، وغيرهم، وقد كان علماء الحديث هم أول من اهتم بتراجم رجال الحديث وعلماء السنة، وقد تميز هذا النوع من كتب الرجال بالدقة والاقتضاب حيث عني أصحابها بالحديث عن السيرة الذاتية لهؤلاء الرجال مع ذكر عدالتهم، ونزعتهم العلمية، ومصنفاتهم، وشيوخهم (1) .
__________
(1) أكرم العمري: موارد الخطيب البغدادي ص 171.(1/370)
ويعد كتاب تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس لمؤلفه الحافظ ابن الفرضي من كتب الرجال التي تحدثت عن علماء بلد معين في فترة محددة، حيث عُني هذا الكتاب بنخبة من علماء المجتمع الإسلامي بالأندلس منذ أن دخلها الإسلام وحتى نهاية القرن الرابع الهجري، وبالرغم من كون هذا الكتاب يمثل المحاولة الأولى لهذا النمط من الكتابة التاريخية بالأندلس إلا أنه جاء ضافياً ومهماً في موضوعه، ولهذا عد الدكتور حسين مؤنس ابن الفرضي شيخ أصحاب معاجم التراجم الأندلسية ومقرر أصول هذا الفن الذي اتصل في الأندلس والمغرب بعد ذلك قروناً طويلة (1) ، كما عده المستشرق الأسباني انخيل حنثالث بالنثيا بأنه أقدم معجم رجال بين أيدينا (2) ، وقد لقي هذا الكتاب قبولاً عند عدد من مؤرخي وكتاب الأندلس كالحميدي (3) ، وابن عميرة (4) ، وغيرهم، وغير الأندلسيين كالذهبي (5) ، ولعل هذا التميز الذي حظي به هذا الكتاب وتلك المنزلة العالية التي تبوأها من الأسباب القوية التي جعلت شيخ مؤرخي الأندلس أبا مروان بن حيان
يقول عن مؤلفه ابن الفرضي: (لم ير مثله بقرطبة في سعة الرواية، وحفظ الحديث، ومعرفة الرجال …) (6) .
__________
(1) المؤرخون والجغرافيون ص 99.
(2) تاريخ الفكر الأندلسي ص 271، ولا شك أنه يقصد أقدم معجم رجال في الأندلس، أما في المشرق فهناك: التاريخ ليحيى بن معين (ت 233هـ) ، التاريخ الكبير للبخاري (ت 256) ، الطبقات الكبرى لابن سعد (ت230هـ) ، الطبقات لخليفة بن خياط (ت 240هـ) ، التاريخ لابن أبي خيثمة (ت 279) وغيرها.
(3) جذوة المقتبس ص 238.
(4) بغية الملتمس ص 322.
(5) سير أعلام النبلاء ج 17 ص178.
(6) ابن بشكوال: الصلة ص 252، (نقلاً عن ابن حيان) ، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 3 ص 1076 (نقلاً عن ابن حيان) .(1/371)
ولا شك أن هذا القبول الذي لقيه هذا الكتاب يرجع لعدد من عوامل النجاح كان من أهمها أن مؤلفه اتكأ على قاعدة مهمة من مصادر المعلومات حين تدوينه لمادته العلمية حيث تعددت وتنوعت هذه القاعدة مما أضفى على الكتاب عددا من السمات العلمية الجيدة كالعمق، والدقة، وسعة الاطلاع، مع الشمولية، والإحاطة بالجزئيات الصغيرة التي تهم أولئك العلماء. وهكذا أصبحت مصادر ابن الفرضي في هذا الكتاب وموارده من الموضوعات المهمة والجديرة بالوقوف عندها للتعريف بها والتعرف على أنواعها، ومعرفة منهج ابن الفرضي في التعامل معها، ومدى ما وفرته للمؤلف من مادة علمية خصبة أثرت الكتاب وجعلت المؤلف يتحرك أثناء تأليفه باتجاهات متعددة، وهذا ما سوف تحاول هذه الدراسة - بعون الله - بيانه ومعالجته خدمة لهذا الكتاب المهم أولاً، ثم لإبراز جهود مؤلفه ذلكم العالم الأندلسي الذي يعد من أوائل من خاض تجربة التأليف في هذا الميدان بالأندلس، وأخيراً خدمة للمكتبة الأندلسية والمهتمين بها من الباحثين، ومن الله أستمد العون وأرجو التوفيق والسداد.
أولاً: ابن الفرضي.
اسمه ومولده ونشأته:
هو أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي المعروف بابن الفرضي (1) .
__________
(1) الحميدي: جذوة المقتبس ص 237، ابن بشكوال: الصلة ص 251، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 322، الذهبي: سير أعلام النبلاء ص 178.(1/372)
ولد بقرطبة في ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة (1) ، وبها طلب العلم أول حياته على عدد من العلماء يكثر تعدادهم كما يقول ابن بشكوال (2) وكان من أهمهم عبد الله بن إسماعيل بن حرب بن خير المتوفى سنة ثمانين وثلاثمائة، وقد ذكر ابن الفرضي أنه سمع منه وكتب عنه وأجاز له كل ما رواه (3) .
ومنهم عبد الله بن محمد ابن القاسم بن حزم بن خلف الثغري المتوفى سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة؛ إذ يذكر ابن الفرضي أنه أخذ عنه ما لم يكن عند شيوخه وذلك حينما نُفي من " قلعة أيوب " (4) إلى قرطبة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، وكان مما أخذه عنه كتاب معاني القرآن للزجاج، حيث قرأ عليه الكتاب من أوله إلى آخره (5) .
__________
(1) ابن بشكوال: الصلة ص 253، ابن خلكان: وقيات الأعيان ج3 ص106، المقري: نفح الطيب ج2 ص127، وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر – أحد تلاميذه – أن بينهما في السن نحو خمس عشرة سنة، والصحيح سبع عشرة سنة لأن ابن عبد البر ولد في ربيع الأول سنة ثمان وستين وثلاثمائة كما كتب ذلك بيده (ابن بشكوال: الصلة ص 252 و 679)
(2) الصلة ص251.
(3) تاريخ العلماء: ترجمة 748.
(4) قلعة أيوب (calatayud)) نسبت إلى أيوب بن حبيب ثاني ولاة الأندلس الذي جدد بناءها، وهي تابعة للثغر الأعلى، وتقع غربي مدينة سرقسطة على بعد خمسين ميلا. (ابن غالب: فرحة الأنفس ص 19، البكري: جغرافية الأندلس ص 91، الإدريسي: صفة المغرب ص 190) .
(5) تاريخ العلماء ترجمة 753، وقد ذكر ابن الفرضي أنه قدم عليهم في قرطبة حينما نفي من بلدة قلعة أيوب بسبب تشدده في الإنكار على بعض خواص السلطان، كما يذكر أن شيخه هذا رحل إلى المشرق وتزود بالعلوم على علماء بغداد، والكوفة، والشام، وتوفي بقلعة أيوب سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وهو ابن ثلاث وستين سنة (تاريخ العلماء ترجمة 352) .(1/373)
وقد أخذ بعض علوم اللغة عن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم المعروف بابن القوطية، المتوفى سنة سبع وستين وثلاثمائة حيث ذكر أنه تردد عليه أيام اهتمامه بعلم العربية فأسمعه كتاب الكامل لمحمد بن يزيد المبرّد إذ كان يرويه عن سعيد بن جابر (1) .
كما تردد على الحافظ محمد بن أحمد بن يحيى ابن مفرج أحد علماء الأندلس ومحدثيها حيث أجازه في جميع ما رواه غير مرة وكتب له ذلك بخطه (2) ، كما ذكر أنه أخذ كتاب السنن لابن السكن، والتفسير المنسوب إلى ابن عباس من أبي عبد الله محمد ابن سعدون المعروف بابن الزنوني والمتوفى ببطليوس (3) فجأة في جمادى الأولى سنة ثنتين وتسعين وثلاثمائة (4) .
__________
(1) تاريخ العلماء ترجمة 1318.
(2) المصدر السابق ترجمة 1360.
(3) بطليوس: ((Bada luzتقع على نهر وادي يانه شمال شرق مدينة أشبيلية على بعد 185 ميلا، بنيت على يد الثائر عبد الرحمن بن مروام الجليقي عام 261 هـ. (البكري: المسالك والممالك ج2 ص906، سحر عبد العزيز سالم: تاريخ بطليوس الإسلامية ج1 ص 137 140) .
(4) المصدر السابق ترجمة 1388.(1/374)
أما صحيح البخاري فقد قرأه على أبي عبد الله محمد بن يحيى ابن زكريا المعروف بابن برطال المتوفى سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وقد بيّن بأن مجلسه مع هذا الشيخ كان من أجلّ المجالس العلمية التي شهدها بالأندلس حيث سمع معه صحيح البخاري عدد من الشيوخ والكهول، وقد أجازه في جميع ما رواه عنه (1) . كما سمع موطأ مالك، وكتب التفسير لعبد الله بن نافع بن يحيى بن عبد الله الليثي المتوفى سنة سبع وستين وثلاثمائة (2) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1390. ويبدو أن هذا الارتياح الذي أبداه ابن الفرضي إزاء هذا الشيخ يرجع إلى عدد من الأسباب منها غزارة علم ابن برطال فقد طلب العلم بقرطبة ثم رحل إلى المشرق حيث تنقل بين عدد كثير من علمائه مما أكسبه علماً جماً، ومنها أيضاً ما يتصف به هذا العالم من صفات طيبة حيث كان وقوراً حليماً متواضعاً ظاهره كباطنه (المصدر السابق ترجمة 1390) .
(2) المصدر السابق ترجمة 1390.(1/375)
ولم يقتصر ابن الفرضي على علماء قرطبة، بل إنه رحل إلى عدد من المدن الأندلسية للاستزادة من طلب العلم، فقد ذكر أنه في سنة ثنتين وسبعين وثلاثمائة كان بأشبيلية يتلقى العلم من أبي محمد الباجي (1) ، وفي السنة التالية انتقل إلى شذونه (2) حيث طلب العلم على ابن أبي الحزم طود بن قاسم بن أبي الفتح المتوفى سنه ست وثمانين وثلاثمائة (3) وفي البيرة (4) قرأ تفسير القرآن ليحيى بن سلام على أبي الحسن علي بن عمر بن حفص بن عمرو الخولاني المتوفى سنة أربع وثمانين وثلاثمائة (5) ، كما ذكر بأنه لقي أبا الحسن مجاهد ابن أصبغ ابن حسان بقرية وركر - بين بجانه (6) والمريه - وقرأ عليه كتبه الثلاثة طبقات الزمان، وفساد الزمان، والناسخ والمنسوخ هذا بالإضافة إلى كتاب شرح غريب الموطأ لابن حبيب - رحمه الله - (7) ، وبالإضافة إلى هؤلاء فقد سمع ابن الفرضي ببجانه من أبي عبد الله محمود بن حكم المتوفى سنة أربع وتسعين وثلاثمائة (8) وفي طليطلة من أبي
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 726.
(2) مدينة شذونة (SIDONIA) تقع إلى الجنوب من قرطبة، وبينها وبين ميناء مالقة ثمانية وعشرون ميلا، وكانت حاضرة كرة ريه. (ابن غالب: فرحة الأنفس ص 294، الحميري: الروض المعطار ص31) .
(3) المصدر السابق ترجمة 626.
(4) ألبيرة (ELVIRA) : كرة كبيرة ومدن متصلة تقع شرق قرطبة، بنيت مدينتها في عهد عبد الرحمن الداخل بينها وبين غرناطة ستة أميال، وهي كثيرة الأنهار والأشجار والثمار. (ابن الخطيب: الاحاطة ج1 ص99 – 100، الحميري: الروض المعطار ص 28 ت 29)
(5) المصدر السابق ترجمة 930.
(6) بجانة (BECHINA) من مدن الأندلس الجنوبية في كورة البيرة بينها وبين غرناطة مائة ميل، ولا تبعد عن البحر الرومي سوى ستة أميال. (الإدريسي: نزهة المشتاق ص 200، ياقوت: معجم البلدان ج1 ص339) .
(7) المصدر السابق ترجمة 1468.
(8) المصدر السابق ترجمة 1414.(1/376)
الفرج عبدوس بن محمد بن عبدوس المتوفى سنة تسعين وثلاثمائة (1) ، وفي قلسانه (2) سمع من أبي عمرو يوسف بن محمد الهمداني المتوفى سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. حيث أجاز له جميع ما رواه (3) .
وكان يكرر الرحلة إلى البلد الواحد أكثر من مرة حينما يجد فيها ضالته من أهل العلم، فقد ذكر أنه سمع من عبد الله بن محمد بن علي الباجي في قرطبة كثيراً ثم رحل إليه بأشبيلية رحلتين سنة ثلاث وتسعين وأربع وتسعين (4) ، كما ذكر أنه تردد على شيخه عبد السلام بن السمح بن نايل الهواري في مدينة الزهراء (5) ، وأنه قرأ عليه مجموعة من الكتب (6) .
رحلته إلى المشرق:
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1003.
(2) قلسانه Calsena)) بالسين والشين من كورة شذونة، وهي مدينة سهلية على وادي لك وتشتهر بصناعة الثياب. (الحميري: الروض المعطار ص 466، سحر عبد العزيز سالم: تاريخ بطليوس ص324 حاشية 87) .
(3) المصدر السابق ترجمة 1636.
(4) المصدر السابق ترجمة 741.
(5) الزهراء: تقع شمال غرب مدينة قرطبة، وعلى بعد حوالي ستة أميال، وقد شرع الخليفة عبد الرحمن الناصر في بنائها في شهر المحرم سنة 325 هـ؛ حيث عهد إلى ابنه الحكم بالإشراف
على البناء، وقد استمر البناء إلى عهد الحكم، لكن الزهراء لم تعمر طويلا؛ حيث إنه لما تغلب المنصور ابن أبي عامر على السلطة نقل قاعدة الحكم منها إلى الزاهرة وقد قام البربر بتخريبها أثناء الفتنة البربرية. (ابن غالب: فرحة الأنفس ص31 34، الحميري: الروض المعطار ص 8 2 32، المقري: نفح الطيب ج2 ص65 67، السيد عبد العزيز سالم: تاريخ المسلمين
ص 407 411) .
(6) المصدر السابق ترجمة 857.(1/377)
حينما شعر ابن الفرضي بأنه قد أخذ ما عند علماء الأندلس من علوم ومعارف رحل إلى المشرق في سنة ثنتين وثمانين وثلاثمائة حيث حج وأخذ العلم عن أبي يعقوب يوسف بن أحمد ابن الدخيل المكي (1) وأبي الحسن علي بن عبد الله بن جهضم (2) وغيرهما (3) ، ثم رحل إلى مصر حيث أخذ عن أبي بكر أحمد بن محمد بن اسماعيل البنا، وأبي بكر الخطيبي، وأبي الفتح ابن سْيُبخت، وأبي محمد الحسن بن إسماعيل الضراب وغيرهم (4) وفي طريق عودته مر بالقيروان حيث أخذ العلم عن أبي محمد بن أبي زيد الفقيه وأبي جعفر أحمد بن دحمون، وأحمد بن نصر الدّاودي وغيرهم (5) .
__________
(1) هو يوسف بن أحمد بن يوسف بن الدخيل الصيدلاني المكي، سمع منه ابن الفرضي بمكة المكرمة، توفي سنة 388هـ. (ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 1378،الحميدي: جذوة المقتبس ص254، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 334، ابن بشكوال: الصلة ص25) .
(2) هو علي بن عبد الله بن الحسين بن جهضم الهمداني الزاهد، شيخ الصوفية بالحرم المكي، قال عنه الذهبي: (إنه متهم بوضع الحديث، وقد عده ابن الفرضي من شيوخه بمكة، توفي بمكة سنة 414هـ) . (تاريخ العلماء ترجمة 808 (ابن بشكوال: الصلة ص 252) .
(3) الحميدي: جذوة المقتبس ص 237، ابن بشكوال: الصلة ص 252، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 321.
(4) الحميدي: جذوة المقتبس ص 237، ابن بشكوال: الصلة ص 252، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 222.
(5) ابن بشكوال: الصلة ص 252، ابن عميرة: بغية الملتمس ص322.(1/378)
ولم يذكر المؤرخون مدة هذه الرحلة، كما لم يذكروا تاريخاً محدداً لعودته منها، لكنه يستوحى من بعض النصوص التي ذكرها ابن الفرضي أن رحلته استغرقت حوالي ثلاث سنين فقد بدأها سنة إحدى وثمانين،كما ذكر أنه كان خلال عامي اثنتين وثمانين وثلاث وثمانين بالمشرق (1) . أما عودته فكانت في مستهل سنة أربع وثمانين وثلاثمائة كما يفهم هذا من قوله: (وتوفي بقرطبة - عفا الله عنه - يعني إسماعيل بن إسحاق - ليلة السبت آخر يوم من صفر سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وشهدت جنازته) (2) .
وبالإضافة إلى هؤلاء العلماء فقد ذكر ابن الفرضي في مواضع كثيرة من كتابه عدداً من الشيوخ الذين أفاد منهم في طلب العلم إذ تجاوز عددهم خمسة وأربعين عالما ويدرك من يستقريء تاريخ مشواره العلمي الحقائق التالية:
__________
(1) تاريخ العلماء والرواة ترجمة 275، 753، 1468.
(2) المصدر السابق ترجمة 221(1/379)
أنه لم يكن يحتقر عالما، أو يستهين بأحد يتوقع أنه قد يفيده بشيء من العلم مهما كان علمه أو مكانته؛ ولهذا تنقل بين عدد من المدن الأندلسية، ومكة، ومصر، والقيروان بحثا عن علمائها، حيث كان لا يقلل من شأن أحد، فقد جلس إلى أبي محمد عبد الله بن محمد بن ربيع المتوفى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وكذلك إلى رشيد بن فتح المتوفى سنة ست وتسعين وثلاثمائة، ولم يأخذ عن كل واحد منهما سوى حديث واحد فقط (1) كما سمع من محمد بن أحمد بن مسور على الرغم من كونه قليل العلم (2) ، بل إنه كان يجلس لأخذ بعض الحكايات، كما فعل مع محمد بن عبد الله بن محمد بن ذي النون المتوفى سنة ست وتسعين وثلاثمائة (3) ، وكذلك مع محمد بن أحمد المعافري (4) بل إنه كان يأخذ حتى من بعض الكذابين وذوي الاتجاه المنحرف حينما يتوقع أن لديهم علما ينفعه، فقد قال عن على بن معاذ بن موسى الرعيني: (سمعت أنا منه، وكان يكذب، وقفت على ذلك منه وعلمته..) (5) كما ذكر أنه قد أخذ عن رشيد بن فتح الدجاج وكان يتهم بمذهب (6)
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 756، 439.
(2) المصدر السابق ترجمة 1326.
(3) المصدر السابق ترجمة 1383.
(4) المصدر السابق 1356.
(5) المصدر السابق ترجمة 932.
(6) المقصود بابن مسرة: محمد بن عبد الله بن مسرة القرطبي، رحل إلى المشرق في أواخر أيام الأمير
عبد الله بن محمد ثم عاد إلى الأندلس حيث توفي هناك سنة 319 هـ، أما المذهب العقدي له فيقوم على أسس اعتزالية حيث أكد ذلك ابن الفرضي، وأوضحها ابن حزم في كتابه الفصل، كما شرحها ابن حيان بقوله: (فقال – ابن مسرة – بإنفاذ الوعد والوعيد، وضعف أحاديث الشفاعة، وباعد عن التجاوز والرحمة) . (ابن الفرضي:تاريخ العلماء ترجمة 50،ابن حزم: الفصل ج4 ص198، ابن حيان: المقتبس تحقيق شالميتا ص21.) كما يوجد عند ابن مسرة ميل واضح نحو الأخذ بعقائد غلاة الباطنية والصوفية، وأقوال الفلاسفة في الصفات الإلهية وغيرها من الشطحات العقدية. (انظر في تفصيلات ذلك كلا من: ابن عميرة: بغية الملتمس ص88، ابن خاقان: مطمح الأنفس ص286 ت 287، ابن حزم: الفصل ص 79، 198 ت 199، ابن صاعد: طبقات الأمم ص72)(1/380)
ابن مسرة (1) .
أن مشاربه الفكرية قد تعددت،فبالرغم من كونه مالكي المذهب إلا أنه كان يأخذ العلم من أصحاب المذاهب الأخرى فقد أخذ العلم من علي بن محمد بن بشر من أهل أنطاكية على الرغم من نزعته الشافعية (2) ، كما كانت له اهتمامات باللغة العربية وعلومها فقد ذكر أنه انقطع فيما بين سنتي ست وستين وتسع وستين وثلاثمائة عن طلب العلم الشرعي حيث كرس كل جهوده للنظر في اللغة العربية وعن هذا يقول: (ثم شغلني النظر في العربية عن مواصلة الطلب إلى سنة تسع وستين، ومن هذا التأريخ اتصل سماعي من الشيوخ) (3) ويبدو أن النزعة الأدبية لديه، إلى جانب إدراكه لأهمية اللغة قد جعلته يولي اللغة العربية وآدابها اهتماما خاصا أثناء مشواره العلمي، فقد ذكر أنه كان يأخذ علم اللغة من محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بابن القوطية، وأنه قرأ عليه كتاب الكامل للمبرد (4) ، كما سمع من شاعر وقته يحيى بن هذيل بن عبد الملك بن هذيل المتوفى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة الشعر وكتب من حديثه وشعره، كما أجاز له روايته وديوان شعره (5) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 439.
(2) المصدر السابق ترجمة 934
(3) المصدر السابق ترجمة 190
(4) المصدر السابق ترجمة 1318
(5) المصدر السابق ترجمة 1602.(1/381)
كما كان يتحمل في سبيل الحصول على العلم المشقة والمتاعب النفسية من بعض الشيوخ الذين كانوا صعبي المراس، فقد ذكر عن شيخه خلف بن محمد الخولاني أنه كان عسرا في الإسماع، ممتنعا إلا من يسيره، نكر الخلق حرج الصدر لكن لما كان عنده فوائد فقد كان يصبر على الاختلاف إليه (1) ، كما بين أن رشيد بن فتح الدّجّاج كان يأبى الإسماع إلا في اليسير ممن يستحبه، وأنه لم يكتب عنه سوى حديث واحد (2) ، وقد لقي هذه المعاناة - أيضا - من شيخه عبد الله بن محمد بن ربيع المتوفى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة حيث كان رجلا منقبضا ملازما للبادية أكثر وقته يأبى من الإسماع، ولهذا لم يكتب عنه ابن الفرضي سوى حديث واحد (3) وهكذا تعددت المشارب الثقافية التي استقى منها ابن الفرضي ثقافته وعلومه، كما تعددت المدارس والاتجاهات الفكرية التي تردد عليها، وهذا بلا شك مما أكسبه علما غزيرا متنوعا، مكنه من التعرف على تجارب كثيرة، كان لها أثر كبير في صقل مواهبه، وتنمية قدراته العلمية.
علمه ومؤلفاته:
أولاً: علمه:
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 415
(2) المصدر السابق ترجمة 439.
(3) المصدر السابق ترجمة 756.(1/382)
أجمع المؤرخون والكتاب على أن ابن الفرضي كان واسع الثقافة، غزير العلم حافظا للحديث ورجاله، فقد قال عنه الحميدي بأنه كان: (حافظا متقنا عالما ذا حظ من الأدب وافر) (1) كما قال عنه تلميذه أبو عمر بن عبد البر: (كان فقيها عالما في جميع فنون العلم في الحديث وعلم الرجال، وله تواليف حسان … أخذت منه عن أكثر شيوخه، وأدرك من الشيوخ ما لم أدرك …) (2) أما ابن حيان فقد وصفه بالأديب الراوية الفقيه الفصيح الذي لم ير مثله بقرطبة من سعة الرواية وحفظ الحديث ومعرفة الرجال والافتنان بالعلوم (3) ، كما قال عنه أبو عبد الله الخولاني بأنه كان من أهل العلم جليلا ومقدما في الأدب (4) ووصفه كل من ابن بشكوال (5) وابن عميرة (6) بالحافظ العالم، أما الإمام الذهبي فقد سماه بالحافظ الإمام الحجة البارع الثقة (7) ولعل الإجازات العلمية الكثيرة التي حصل عليها من علماء كثيرين دليل واضح يؤكد سعة علمه، ومن الذين أجازوه عبد الله بن محمد الثغري (8) . ويدرك من يستقرئ ما خلّفه من تراث أن رواية الحديث وعلم الرجال كانت من أولى اهتماماته العلمية، ولهذا حدث عنه عدد من العلماء منهم أبو عمر بن عبد البر حيث أثنى على حسن صحبته (9) كما أخذ عنه أبو عبد الله الخولاني (10) ومحمد بن إسماعيل من أهل أستجه (11)
__________
(1) جذوة المقتبس ص 537.
(2) الصلة: ابن بشكوال ص 252، 253.
(3) المصدر السابق ص 253 (نقلا عن ابن حيان) .
(4) المصدر السابق ص 252
(5) ابن بشكوال: الصلة ص 252، 253.
(6) بغية الملتمس ص 321
(7) تذكرة الحفاظ ج3 ص1076، سير أعلام النبلاء ج17 ص177.
(8) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 753
(9) ابن بشكوال: الصلة ص 252.
(10) المصدر السابق ص 252.
(11) أستجه: (Ectja) تقع على نهر شنيل على بعد حوالي 35 ميلا تقريبا من قرطبة إلى الجنوب الغربي منها، وهي مدينة حسنة البناء بها أسواق عامرة ومتاجر قائمة تشتهر بكثرة البساتين والزروع والثمار. (الإدريسي: نزهة المشتاق ج2 ص 572، ياقوت: معجم البلدان ج1 ص174، الحميري: الروض المعطار ص 53)(1/383)
، وكان شيخا فاضلا ذكر ابن الفرضي أنه كثيرا ما يسأله عن معاني في الحديث تشكل عليه (1) ، كما كتب عنه عبد الله بن شعيب بن أبي شعيب من أهل (2) أشبونة (3) .
ولا شك أن إلمامه الجيد باللغة العربية وعلومها،إلى جانب نزعته الأدبية مكنه من استيعاب كل ما يقرأ أو يسمع - هذا فضلا عن استطاعته تبليغ ما يريد بأسلوب جيد وفصاحة مطبوعة، ولهذا كان عند حديثه قلما يلحن في جميع كلامه مع حضور الشاهد
والمثل، كما يقول ابن بشكوال (4) .
وقد بدت نزعته الأدبية واضحة في نتاجه العلمي، ولهذا وصفه ابن حيان (5) بالأديب الفصيح، كما وصفه ابن بسام بأنه شاعر مقل حسن النظام، مقترن الكلام، هو في العلماء أدخل منه في الشعراء (6) وقد روى عنه أبو عمر بن عبد البر شعرا ومنه:
أسير الخطايا عند بابك واقف
على وجل مما به أنت عارف
يخاف ذنوبا لم يغب عنك غيبها
ويرجوك فيها فهو راج وخائف (7)
كما روى الحميدي قصيدة قالها وهو في طريقه إلى المشرق، وكتب بها إلى أهله ومنها:
مضت لي شهور منذ غبتم ثلاثة
وما خلتني أبقى إذا غبتم شهرا
وما لي حياة بعدكم استلذها
ولو كان هذا لم أكن في الهوى حُرّا
ولم يُسلَني طول التنائي هواكُمُ
بلى زادني وجدا وجدّد لي ذكرى (8)
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1376
(2) أشبونة: (OSUNA) إحدى كور أستجه بينهما مسافة نصف يوم وهي حصن كثير السكان. (الحميري: الروض المعطار ص60)
(3) المصدر السابق ترجمة 755.
(4) الصلة ص 253.
(5) ابن بشكوال: الصلة ص 253 (نقلا عن ابن حيان) .
(6) الذخيرة ق1 ج2 ص 614.
(7) ابن بشكوال: الصلة ص 255 (نقلا عن ابن حيان) ، الذهبي: سير أعلام النبلاء ج17 ص180، تذكرة الحفاظ ج3 ص1078
(8) الحميدي: جذوة المقتبس ص 238، 239، ابن بشكوال: الصلة ص 255، ابن بسام: الذخيرة ق 1 ج2 ص615، ابن عميرة: بغية الملتمس ص323(1/384)
كما ذكر الحميدي أن أبا بكر علي بن أحمد الفقيه أنشده قول ابن الفرضي:
إن الذي أصبحت طوع يمينه
إن لم يكن قمرا فليس بدونه
ذُلّي له في الحبّ من سلطانه
وسقام جفني من سقام جفونه (1)
وقد ذكر ابن بشكوال أن ابن الفرضي لما عاد إلى قرطبة من المشرق كان قد جمع علما كثيرا في فنون العلم (2) ، كما ذكر ابن حيان أن رحلته إلى المشرق قد أكسبته علما حيث أخذ عن شيوخ عدة فتوسع جدا وكان جماعا للكتب فجمع منها أكثر ما جمع أحد من عظماء البلد (3) .
ولا شك أن هذا النبوغ العلمي المتعدد النزعات هو الذي أهله لأن يطلب منه أهل مصر الإقامة عندهم لكنه قال لهم: (من المروءة النزاع إلى الوطن) (4) كما أهله لقراءة الكتب في عهد العامريين، وأن يتولى قضاء مدينة بلنسية في عهد الخليفة محمد بن عبد الجبار المهدي (5) .
ثانياً: مؤلفاته:
ذكر المؤرخون أن ابن الفرضي لما عاد من رحلته إلى المشرق شرع في التأليف، فصنف عددا من الكتب في فنون مختلفة، وأنها كانت ذات قيمة علمية، وتدل بوضوح على غزارة علمه، وسعة مداركه وقدراته العلمية لا سيما في علمي الحديث وتاريخ الرجال، ولكي تتضح الصورة في هذه القضية لابد من التعريف بهذه المؤلفات، حيث قسمتها إلى قسمين هما:
أولاً: الكتب المفقودة (6) :
1 - المؤتلف والمختلف:
__________
(1) جذوة المقتبس ص 239.
(2) ابن بشكوال: الصلة ص 252.
(3) ابن بشكوال: الصلة ص 253 (نقلا عن ابن حيان) .
(4) ابن سعيد: المغرب ج1 ص104 (نقلا عن الحجارى) .
(5) الحميدي: جذوة المقتبس ص 237.
(6) حينما نقول مفقودة فإننا لا نقطع بفقدها لكن ذلك بحدود علمنا.(1/385)
أشار إلى هذا الكتاب كل من الحميدي (1) ، وابن عميرة (2) ، والذهبي (3) ، كما ذكره ابن حزم (4) وعده من الأعمال الكبيرة التي قدمها الأندلسيون وتفوقوا بها على أهل المشرق، وأنه في أسماء الرجال وأن الحافظ عبد الغني (5) الأزدي لم يبلغ عند هذا المعنى إلا كتابين، وبلغ أبو الوليد نحو الثلاثين، كما وضّح ابن حزم أنه لا يعلم مثله في فنه البتة.
__________
(1) جذوة المقتبس ص 237
(2) بغية الملتمس ص322.
(3) سير أعلام النبلاء ج17 ص 178، تذكرة الحفاظ ج3 ص1077.
(4) رسائل ابن حزم (تحقيق إحسان عباس) ج2 ص180.
(5) هو أبو محمد الحافظ الحجة عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان الأزدي محدث الديار المصرية ولد سنة 332 هـ، قال عنه أبو الوليد الباجي: عبد الغني بن سعيد حافظ متقن عاش في مصر أيام العبيديين، وكان يداريهم ولهذا رفض بعض العلماء الأخذ عنه، توفي سنة تسع وأربعمائة، من مؤلفاته كتاب العلم، المؤتلف والمختلف وكتاب أوهام المدخل إلى الصحيح. (الأزدي: الأنساب ج 1 ص 198، أبو الفدا: المختصر في أخبار البشر ج2 ص158، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 3 تذكرة الحفاظ ج 3 تذكرة الحفاظ ج 3 تذكرة الحفاظ ج 3 سير أعلام النبلاء ج7 ص268 ت 269، تذكرة الحفاظ ج3 ص1047) .(1/386)
وقد ذكره ابن بشكوال بقوله: (وجمع في المؤتلف والمختلف كتابا حسنا) (1) . هكذا أشاد هذان المؤرخان بهذا الكتاب، ولكن نظرا لكونه مفقودا ولم يصل إلينا منه شيء فإنه من الصعب التعريف به وبمنهجه، ومحتواه، ولكن ومن استقراء ما ذكره لنا ابن حزم من وصف مقتضب عن الكتاب، حيث ربط المحتوى بما ألفه عبد الغني الأزدي في كتابه المؤتلف والمختلف (2) ، وبعد الاطلاع على هذا الكتاب يتبين لنا أن موضوعه يعنى بذكر الأسماء المؤتلفة باللفظ، أو المتقاربة والمختلفة في المعنى مثل بَرَكة وبُركة، وبَحَر بَحُر وغيرها (3) .
هذا عن موضوع الكتاب، أما المحتوى فقد ذكر ابن حزم أن الحافظ المصري لم يبلغ سوى كتابين بينما بلغ ابن الفرضي نحو ثلاثين كتابا، وعلى هذا يكون هذا الكتاب يحوي مادة علمية ضخمة تبلغ حوالي أربعة عشر ضعفا لما ذكره سابقه، ولا يستبعد أن تكون الظروف السياسية السيئة التي كانت سببا لنهاية المؤلف كانت - أيضا - سببا لنهاية الكتاب حيث لم يبق منه سوى ذكره، بل إن عدم اعتماد المؤرخين القدامى عليه كمصدر لهم في موضوعه يؤكد الجزم بفقده.
2 - مُشتَبِه النسبة:
__________
(1) ابن بشكوال: الصلة ص 252.
(2) هذا الكتاب موجود وقد طبع في مجلد واحد مع كتاب مشتبه النسبة بعناية وتصحيح محمد بن محي الدين الجعفري، الطبعة الأولى بالهند، سنة 1320هـ
(3) انظر في تفصيلات ذلك عبد الغني الأزدي المؤتلف والمختلف ص 13، 15.(1/387)
أشار إلى هذا الكتاب كل من ابن بشكوال (1) ، والذهبي (2) ، وابن خلكان (3) ، والمقري (4) إلا أنه كسابقه لم يمكن التعرف على محتواه، وذلك بسبب عدم وصوله إلينا حيث لم يمكن التعرف سوى على اسمه، ولكن بمقارنة هذا العنوان بكتب الرجال والأنساب ندرك أن المقصود به الحديث عن الرجال الذين يشتبه في نسبتهم في الخط ويفترق في اللفظ والمعنى، وقد وضح هذا الأمر عبد الغني الأزدي في كتابه الذي يحمل هذا العنوان حيث قال: (أما بعد فإني لما صنفت كتابي في مؤتلف أسماء المحدثين ومختلفها، فنظرت فإذا من ينسب منهم إلى قبيلة أو بلدة، أو صنيعة قد يقع فيها من التصحيف والتحريف مثلما يقع في الأسماء والكنى التي حواها كتاب المؤتلف والمختلف … وألفت كتابا في المنسوب منهم إلى قبيلة أو بلدة، أو صنيعة يشتبه في انتسابه في الخط ويفترق في اللفظ والمعنى …) (5) .
هكذا يبدو لنا من خلال ما ذكره الأزدي معاصر ابن الفرضي أن كتاب مشتبه النسبة يُعنَى ببيان حقيقة أنساب الرجال الذين قد تتفق أو تشتبه أسماؤهم، أو أنسابهم في الخط، وتختلف في المعنى، وكان أول من ألف في هذا الفن الخطيب البغدادي
كتابه الموسوم ب " تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه من بوادر التصحيف والوهم " (6) .
3 - أخبار شعراء الأندلس:
__________
(1) الصلة ص252.
(2) سير أعلام النبلاء ج17 ص138، وتذكرة الحفاظ ج1 ص1077.
(3) وفيات الأعيان ج3 ص 104.
(4) نفح الطيب ج2 ص127.
(5) الأزدي: مشتبه النسبة ص2.
(6) أكرم العمري: موارد الخطيب المبغدادي ص 70.(1/388)
أشار ابن بشكوال إلى أن هذا الكتاب حفيلا في أخبار شعراء الأندلس (1) ، كما ذكره الذهبي (2) حيث قال: (له تصنيف مفرد في شعراء أهل الأندلس (3) وقد عده كل من ابن خلكان (4) ، والمقري (5) بأنه من مؤلفات ابن الفرضي المهمة أما ابن حيان فقد اعتمد عليه أكثر من مرة حين حديثه عن الشعراء والأدباء بالأندلس حيث قال حين حديثه عن أبي عبد الله محمد بن سعيد الزمالي: (وقرأت في كتاب أبي الوليد ابن الفرضي المؤلف في طبقات أهل الدولة والأدب بالأندلس …) (6) كما قال حين حديثه عن عامر ابن عامر بن كليب بن ثعلبة الجذامي: (وقد ذكر أبو الوليد الراوية عامر بن عامر هذا فيمن ذكره من أدباء الأشراف بقرطبة في كتابه المؤلف في الأدباء والعلماء فقال…) (7) . وهكذا توالت نقول ابن حيان من هذا الكتاب فيما يخص الأدباء والشعراء (8) ، ويستوحى من استقراء هذه النصوص ما يلي:
أن ابن حيان قد اطلع على الكتاب أثناء كتابته للمقتبس بدليل أنه نقل منه نصوصا كثيرة عن الشخص الواحد كما هو الحال عند حديثه عن هاشم بن عبد العزيز وفرج بن سلام (9) .
__________
(1) الصلة ص252
(2) سير أعلام النبلاء ج17 ص178.
(3) تذكرة الحفاظ ج3 ص177
(4) وفيات الأعيان ج3 ص104.
(5) نفح الطيب ج2 ص129.
(6) المقتبس (تحقيق مكي) ص 33.
(7) المصدر السابق ص 157.
(8) انظر نقولاته عن عدد من الأشخاص في ص 163 – 168، 179، 189، 200، 254.
(9) المصدر السابق ص 163 – 168.(1/389)
أن هذا الكتاب يعنى بالأدباء والشعراء فابن الفرضي حينما يتحدث عن الرجال كان ينطلق في حديثه من خلال هذه النزعة فقد قال عن فرج بن سلام: (هذا أحد أكابر الأدباء … وكان ذا عناية شديدة بعلم اللغة ورواية الشعر …) (1) كما قال عن سلمان بن وانشوس: (ومن أدباء الأشراف …) (2) أما أبو عبد الله محمد بن سعيد الموسى الزجالي فقال عنه: (كان يلقب بالأصمعي لعنايته بالأدب وحفظ اللغة) (3) .
يبدو أن هذا الكتاب لم يطلق عليه مؤلفه اسما معينا ولهذا اجتهد المؤرخون والكتاب في تسميته، كما يبدو أنه كان كتابا موسوعيا في بابه إذ أن النقول التي وصلت إلينا منه توحي بسعته، وتشعب موضوعاته الأدبية، كما أن مؤلفه قد قسمه حسب المستوى الاجتماعي لكل أديب أو شاعر فمن الأدباء الأشراف ذكر الوزير أبا غالب تمام ابن أحمد بن غالب، وسلمان بن وانشوس (4) ، ومن أدباء بني مروان أبا محمد القاسم ابن محمد (5) ومن الأدباء الوزراء هاشم بن عبد العزيز (6) . وهكذا جاءت تقسيمات ابن الفرضي لأولئك الأدباء حسب طبقاتهم ومكانتهم الاجتماعية، وهذا ما يوحي به عنوان الكتاب الذي أشار إليه ابن حيان.
كما يستوحى مما وصل إلينا من نقول إجادة ابن الفرضي للغة العربية وأنه يملك أسلوبا أدبيا متميزا بالطراوة والحبك، ولعل هذا من العوامل التي جعلت ابن بشكوال يصف هذا الكتاب بأنه كان حفيلا بأخبار شعراء الأندلس (7) ، كما قال عنه الذهبي: بأنه تصنيف مفرد (8) ، وهذا مما يؤكد أن النزعة الأدبية كانت قوية لدى ابن الفرضي حيث لم تؤثر عليها النزعات العلمية الأخرى، بل إن هذه النزعات قد تضافرت جميعا في تكوين وصقل شخصيته العلمية.
__________
(1) المصدر السابق ص 164.
(2) المصدر السابق ص 189.
(3) المصدر السابق ص 33.
(4) المصدر السابق ص 189.
(5) المصدر السابق ص 200.
(6) المصدر السابق ص 169.
(7) سير أعلام النبلاء ج17 ص178.
(8) تذكرة الحفاظ ج3 ص1077.(1/390)
4 - كتاب النحويين:
أشار إلى هذا الكتاب ابن الفرضي في كتابه تاريخ العلماء والرواة وذلك حينما تحدث عن ترجمة عباس بن ناصح الثقفي حيث قال عن هذا الأديب الشاعر اللغوي: (وقد ذكرت الخبر بتمامه في كتابي المؤلف في النحويين) (1) . هكذا أشار ابن الفرضي أنه ألف كتابا عن النحويين، ولعل مما يعزز هذا الأمر ما ذكره عن نفسه من أنه انشغل بدراسة العربية - وهو يعني النحو - نحو ثلاث سنوات (2) ، لكن المصادر الأخرى التي بين أيدينا لا تذكر شيئاً عن هذا الكتاب حتى السيوطي الذي اعتمد في كتابه بغية الوعاة على كتاب ابن الفرضي تاريخ العلماء لم يشر إلى كتاب النحويين (3) وبهذا يبدو لنا أن هذا الكتاب إما أن يكون فقد في وقت مبكر وبعد وفاة المؤلف مباشرة، أو أن ما أشار إليه ابن الفرضي كان مشروعا لم يكتمل ومن ثم لم ير النور.
وبالإضافة إلى هذه المؤلفات فقد ذكر في مقدمة كتابه تاريخ العلماء والرواة للعلم قوله: (كانت نيتنا قديما أن نؤلف في ذلك كتابا موعبا على المدن يشتمل على الأخبار والحكايات، وأملنا جمع الكتاب الذي تقدم ذكره على البلدان ويستقصي ما اختصرناه في كتابنا هذا من الحكايات والأخبار أن تأخرت بنا مدة …) (4) وقد أكد هذا الأمر حينما ترجم لقاسم بن أصبغ حيث ذكر عددا من شيوخه ثم قال: (في عدد سواها كثير مما أذكرهم في الكتاب الكبير الذي أُؤمل جمعه على المدن، وأتقصاهم فيه - إن شاء الله- …) (5) . ويبدو أن هذا الكتاب لم يتح للمؤلف تأليفه إذ لا ذكر له عند غيره ممن تحدثوا عن ابن الفرضي أو تراثه الفكري.
__________
(1) تاريخ العلماء والرواة ترجمة 881.
(2) المصدر السابق ترجمة 1597.
(3) بغية الوعاة ج1 ص 3، 4.
(4) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ص 9 _ 10
(5) المصدر السابق ص 1070(1/391)
وبالإضافة إلى ما سبق، فقد ذكر إسماعيل باشا مصنفا آخر لابن الفرضي في ذيل كشف الظنون هو (الإعلام بأعلام الأندلس من العلماء والمثقفين والفقهاء والندماء ومن قدمها من العرفاء) (1) .
كان هذا عرضا لمؤلفات ابن الفرضي التي لم نتمكن من الاطلاع عليها، أو الوقوف على شيء منها سوى ما ذكره هو عنها، أو ذكره بعض المؤرخين المعاصرين لها، وكل ذلك كان بإشارات مقتضبة، ولكن ومن خلال تلكم الإشارات فقد بدت لنا القضايا التالية:
أن ابن الفرضي كان عالما من علماء الأندلس المشهورين، ويدل على هذا اهتمام المؤرخين والكتاب بمؤلفاته الآنفة الذكر، حيث أشادوا بما اطلعوا عليه منها كابن حزم، وابن بشكوال، والذهبي وغيرهم.
أن تنوع هذه المؤلفات في مادتها العلمية يدل على أن ابن الفرضي كان ملما بأكثر من علم وفن فهو إلى جانب اهتمامه بالحديث ورجاله، فقد كانت له اهتماماته باللغة والشعر والأدب وغيرها من العلوم كما كان حسن البلاغة والخط (2) .
أن عدم اطلاع المؤرخين والكتاب المعاصرين لابن الفرضي على بعض مؤلفاته أو نقلهم منها، يدل على أنها قد فقدت منذ وقت مبكر، ولا يستبعد أن تكون أحداث الفتنة البربرية التي قضت على المؤلف هي التي قضت على بعض كتبه - أيضا-.
ثانياً: الكتب الموجودة:
لم تصل إلينا من مؤلفات ابن الفرضي سوى كتابين هما:
1 - كتاب الألقاب:
__________
(1) كشف الظنون ج1 ص 102، هداية العارفين ج1 ص 449.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء ج17 ص179.(1/392)
هذا الكتاب لم يشر إليه أحد من المؤرخين والكتاب الذين تحدثوا عن تراث ومؤلفات ابن الفرضي وهو يعنى بالأشخاص الذين اشتهروا بألقابهم دون أسمائهم وقد رتبه على حروف المعجم حسب الأبجدية المشرقية، حيث ضم عددا كبيرا من ألقاب الرجال والنساء، أما منهجه فإنه يذكر أولا اللقب ثم يذكر اسم صاحبه بعده ومن الأمثلة على ذلك: (الفاروق: عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -) (1) ، و (الصماء: ابنة بسر المازنية اسمها بهية) (2) ، وحينما يتكرر اللقب لأكثر من شخص فإنه يكرر اللقب ثم يعرف بالشخص المعني؛ مثل (شعبة) أورده ثلاث مرات وعرف بثلاثة أشخاص كلهم يحملون هذا اللقب (3) .
أما مصادره فإنه غالبا يذكرها إما بعد المعلومة مباشرة حيث يسبقها بكلمة (ذكره فلان) ؛ ومن الأمثلة على ذلك: أنه حينما تحدث عن مشخصة قال: (لقب للحسين بن إبراهيم ذكره الحاكم) (4) ، وقد يذكر المصدر قبل المعلومة: ومثال ذلك قوله: (سفينة مولى أم سلمة، قال الواقدي: اسمه مهران) (5) .
وقد تعددت وتنوعت مصادره، كما اختلف منهجه في التعامل معها حسب قوتها وضعفها، وكان أحيانا يذكر السند متصلا إلى الرسول - ش - وربما ذكر المنزلة العلمية والشيوخ الذين أخذ عنهم إن كان المتحدث عنه من المحدثين أو طلاب العلم (6) .
__________
(1) ابن الفرضي: الألقاب ص 159.
(2) المصدر السابق ص 111.
(3) المصدر السابق ص 110.
(4) المصدر السابق ص 197.
(5) المصدر السابق ص 87.
(6) انظر على سبيل المثال: صاعقة في ص 112، وص 67، 68 وغيرها.(1/393)
وكان من أهم مصادره في هذا الكتاب شيخه الحافظ عبد الغني الأزدي (1) ومحمد ابن أحمد بن يحيى ابن مفرج (2) ومحمد بن يحيى بن الخراز (3) وأبو محمد بن الضرار (4) وخلف بن قاسم (5) وغيرهم.
كما اعتمد على عدد من الكتب والمؤلفات التاريخية أو كتب الرجال ومنها مؤلفات الواقدي (ت 207هـ) (6) ، ومحمد بن يحيى بن حبان (ت 356هـ) (7) ، والبخاري (ت 256هـ) (8) ، وغيرهم.
وقد قام الدكتور محمد زينهم محمد عزب بتحقيق ونشر منتخب من هذا الكتاب معتمدا في ذلك على نسخة مختصرة للكتاب (9) كتبت بمدينة بجاية سنة إحدى وخمسين وستمائة، أما الكتاب كاملا فلم أتمكن من الوقوف على شيء من نسخه.
2 - كتاب تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس:
هذا الكتب سيأتي الحديث عنه مفصلا.
ولم تكن جهود ابن الفرضي في ميدان الكتاب قاصرة على التأليف فحسب، بل قد كان له اهتمام بالكتب واقتنائها، حيث جمع منها أكثر مما جمعه غيره من عظماء البلد (10) .
وظائفه:
__________
(1) الألقاب: ص 52، 54، 58، وغيرها.
(2) المصدر السابق ص30، 40، 62، 73، 104، 196.
(3) المصدر السابق ص 113.
(4) المصدر السابق ص 28.
(5) المصدر السابق ص 73، 146.
(6) المصدر السابق ص 91،92.
(7) المصدر السابق ص 172.
(8) المصدر السابق ص 189.
(9) تم نشر هذا الكتاب سنة 1988م بعد تحقيقه وبدون تقديم أو دراسة للكتاب.
(10) ابن بشكوال: الصلة ص 253، والذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 ص 1077، سير أعلام النبلاء ج17 ص 179.(1/394)
انشغل ابن الفرضي في مستهل حياته بطلب العلم متنقلا بين عدد من المدن الأندلسية، كما رحل إلى المغرب ومصر والحجاز؛ لهذا الغرض حيث كان طلب العلم والحرص على التحصيل هاجسا ملازما له في حله وترحاله، وحينما حصل ما يؤمله في هذا الميدان، وأروأ ظمأه من أنهار العلم وأبحره المختلفة، مما جعله أهلا لنيل الوظائف الرسمية، حيث تقلد قراءة الكتب بعهد العامريين، كما استقضاه الخليفة محمد بن عبد الجبار المهدي بكورة بلنسية (1) كما ذكر الحجاري أنه ولي في الفتنة قضاء مدينة أستجه (2) .
ولم يذكر المؤرخون أنه تقلد سوى هذه المناصب ويبدو أن انشغاله في أول حياته بطلب العلم، ثم وفاته المبكرة كانا السبب في كونه مقلا في هذا الميدان على الرغم من كونه أحد علماء الأندلس وحفاظها المشهورين.
وفاته:
__________
(1) ابن بشكوال: الصلة ص 253 سير أعلام النبلاء ج17 ص 179.
(2) ابن سعيد: المغرب ج1 ص104 (نقلا عن الحجاري)(1/395)
ذكر ابن حيان أن ابن الفرضي قتل في قرطبة يوم الاثنين لست خلون من شوال سنة ثلاث وأربعمائة وذلك حينما اجتاح البربر قرطبة ووري متغيرا من غير غسل، ولا كفن، ولا صلاة في مقبرة مُؤمَّرة بعد أيام من قتله (1) كما أكد تلميذه أبو عمر بن عبد البر أنه قتله البربر في سنة الفتنة وبقي في داره ثلاثة أيام مقتولا (2) وقد أجمع عدد من المؤرخين على أن ابن الفرضي قتله البربر لكنهم لم يحددوا تاريخ قتله، فابن حزم قال: (إنه قتله البربر يوم الدخلة وبقي في مصرعه حتى تغير وكفنه ابنه في نطع) (3) أما الحميدي (4) وابن عميرة (5) فقالا إنه قتل مظلوما في الفتنة لما دخل البربر قرطبة سنة أربعمائة وقد قال بهذا ابن سعيد (6) .
هكذا تباينت آراء المؤرخين حول تحديد سنة مقتل ابن الفرضي ولكنهم أجمعوا على أنه قتل مظلوما خلال الفتنة البربرية التي عصفت بقرطبة في مستهل القرن الخامس الهجري.
__________
(1) ابن بشكوال: الصلة ص 253 (نقلا عن ابن حيان، وقد قال بهذا الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 3 ص 1079، سير أعلام النبلاء ج17 ص176، ابن خلكان: وفيات الأعيان ج3 ص106، المقري: نفح الطيب ج2 ص130.
(2) المصدر السابق ص 254.
(3) المصدر السابق ص 254 (نقلا عن ابن حزم) .
(4) جذوة المقتبس ص238.
(5) بغية الملتمس ص322
(6) المغرب ج2 ص104.(1/396)
وقد تناقل المؤرخون عنه قصة تؤكد حرصه - رحمه الله تعالى - على أن الموت شهيدا في سبيل الله كان هاجسا ملازما له طوال حياته، فقد قال الحميدي حدثنا علي بن أحمد الحافظ، أخبرني أبو الوليد بن الفرضي قال: تعلقت بأستار الكعبة، وسألت الله - تعالى - الشهادة ثم فكرت في هول القتل، فندمت وهممت أن أرجع فأستقيل الله ذلك فاستحييت، قال الحافظ علي: فأخبرني من رآه بين القتلى، ودنا منه، فسمعه يقول بصوت ضعيف: (لايكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) كأنه يعيد على نفسه الحديث الوارد في ذلك، قال: ثم قضى نحبه على إثر ذلك -رحمه الله- (1) .
ثانياً: كتاب تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس:
__________
(1) جذوة المقتبس ص238، وابن بشكوال: الصلة ص 254، ابن عميرة: بغية الملتمس ص322، وقد رواه عن أبي محمد بن حزم، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 ص1077، سير أعلام النبلاء ج17 ص179.(1/397)
هذا الكتاب سماه الحميدي (1) ، وابن بسام (2) ، وابن عميرة (3) (تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس) . أما ابن بشكوال (4) وابن خلكان (5) ، والمقري (6) فأطلقوا عليه (تاريخ علماء الأندلس) ، بينما سماه الذهبي (7) . (تاريخ الأندلسيين) ، و (تاريخ الأندلس) (8) أما القاضي عياض فسماه (رجال الأندلس) (9) ، وقد طبع هذا الكتاب أكثر من مرة، حيث كانت الطبعة الأولى تحت عنوان (تاريخ علماء الأندلس) نشره فرانسيسكو كوديرا (FRANCISCUS CODERA) بمدينة مدريد سنة 1891م، ثم أعيد طبع هذه النسخة سنة 1966م نشر الدار المصرية للتأليف والترجمة، كما قام الدكتور إبراهيم الأبياري بتحقيق هذا الكتاب ونشره سنة 1403 هـ 1983 م تحت هذا العنوان، كذلك حققته أيضا روحية عبد الرحمن السويفي ونشرته دار الكتب العلمية ببيروت سنة (1417 هـ 1997 م) .
أما تحت عنوان (تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس) فقد نشره السيد عزت العطار الحسيني سنة (1373 هـ 1954 م) وكل هذه الطبعات قد اعتمدت على نسخة واحدة كتبت سنة 596 هـ بخط أحمد بن إبراهيم بن أحمد الصدفي.
وقد كانت جهود هؤلاء المحققين والناشرين منحصرة في إخراج النص دون تقديم دراسة عن المؤلف والكتاب سوى ما يذكرونه في تصديرهم للكتاب عدا إبراهيم الأبياري الذي قدم تعريفاً للكتاب، والمؤلف في صفحات محدودة.
أما سبب اختلاف التسمية لهذا الكتاب فيبدو أن ذلك يعود إلى أن المؤلف لم يسم كتابه، وإنما اكتفى بذكر ما قاله عنه في مقدمته، ولهذا اجتهد من اطلع عليه بعد المؤلف في اختيار عنوان له حسبما يوحي بذلك محتواه، وما ذكره عنه المؤلف في مقدمته.
__________
(1) جذوة المقتبس ص 236.
(2) الذخيرة ق1 ج2 ص 616.
(3) بغية الملتمس ص 322.
(4) الصلة ص 252.
(5) وفيات الأعيان ج3 ص105
(6) نفح الطيب ج2 ص 139.
(7) سير أعلام النبلاء ج17 ص176
(8) تذكرة الحفاظ ج3 1076.
(9) ترتيب المدارك ج2 ص130.(1/398)
وهذا الكتاب هو الكتاب الثاني من مؤلفات ابن الفرضي التي وصلت إلينا وسوف تتناول هذه الدراسة - إن شاء الله تعالى - التعرف على مصادره وأقسامه، ومنهج ابن الفرضي في التعامل معها واستقاء المعلومات منها، ومدى تكاملها في تكوين مادته العلمية، ولكن قبل هذا لابد من التعريف بالكتاب وسبب تأليفه ومنهجه.
سبب تأليف الكتاب:
ذكر ابن الفرضي أن السبب في تأليفه لكتاب تاريخ العلماء والرواة للعلم هو جمع فقهاء الأندلس، وعلمائها، ورواتها، وأهل العناية بها في كتاب مختصر على حروف المعجم، وقد بين في مقدمة هذا الكتاب أنه كان ينوي تأليف كتاب موعب على المدن يشتمل على الأخبار، والحكايات لكنه عاقته عوائق عن بلوغ المراد فيه فجمع هذا الكتاب مختصرا (1) .
ويبدو أن ابن الفرضي قد شعر بالرضى عما أنجز في هذا الكتاب وأنه قد تحقق له الكثير مما كان يهدف إليه ويريده، فقد قال حينما أثنى على عبد الرحمن بن الزامر: (وقلما كتبت بالأندلس عن أحد إلا وقد كتب عنه) (2) وقد وضح ذلك في مقدمته حينما قال: (ولم أزل مهتماً بهذا الفن معتنياً به، مولعاً بجمعه والبحث عنه ومسائلة الشيوخ عما لم أعلم منه: حتى اجتمع لي من ذلك -بحمد الله وعونه- ما أملته، وتقيد في كتابي هذا من التسمية ما لم أعلمه يقيد في كتاب ألف في معناه في الأندلس قبله) (3) وهذا الشعور بالرضا والذي أبداه ابن الفرضي، كان معاصره الحميدي (ت 488هـ) على عكسه حينما ألف كتابه جذوة المقتبس حيث اعترف بالتقصير ورغب في إعادة النظر فيما كتبه لتلافي ما فيه من قصور (4) .
__________
(1) تاريخ العلماء ورواة العلم ص 8-9.
(2) المصدر السابق ترجمة 801.
(3) المصدر السابق ص9.
(4) جذوة المقتبس ص 3-4.(1/399)
هذا هو السبب في تأليف ابن الفرضي لكتابه تاريخ العلماء والرواة كما وضحه في مقدمة الكتاب وهو رغبته الذاتية في خدمة العلم، والعلماء في تأليف كتاب مختصر على حروف المعجم يجمع شتات فئة معينة من علماء الأندلس ومفكريها، فلم يكن وراء هذا التأليف دوافع خارجية أو كان يقصد الحصول على أي مردود مادي، أو أدبي، بل كان هدفه سامياً وغايته نبيلة، وهو بهذا النهج يخالف شيخه أبا عبد الله محمد بن حارث الخشني الذي ألف كتابه قضاة قرطبة استجابة لأمر الأمير الحكم المسنتصر بالله حينما كان ولياً للعهد (1) . ولهذا لقي كتاب ابن الفرضي قبولاً عند عدد من علماء المسلمين ومؤرخيهم ومنهم أبو عبد الله الحميدي (2) ، وابن عميرة (3) ، والذهبي (4) والذي عرَّف بابن الفرضي من خلال هذا الكتاب، وهذا يدل على ذيوعه وانتشاره بين الناس، كما أشاد به ابن بشكوال حينما قال إن ابن الفرضي: (بلغ فيه النهاية والغاية من الحفل والإتقان) (5) .
ويبدو أن إعجاب ابن بشكوال بهذا الكتاب ومنهجه ومادته دفعه إلى أن يؤلف كتاب الصلة على غراره حيث قال حينما تحدث عن ابن الفرضي: (وهو صاحب تاريخ علماء الأندلس الذي وصلناه بكتابنا هذا) (6) بل إنه صرح في مقدمة كتابه أن إقدامه على تأليف هذا الكتاب كان استجابة لرغبة بعض علماء الأندلس الذين طلبوا منه أن يصل لهم كتاب القاضي ابن الفرضي وأن يبتديء من حيث انتهى كتابه وأين وصل تأليفه متصلاً إلى وقتنا يقول ابن بشكوال: (فسارعت إلى ما سألوا، وشرعت في ابتدائه على ما أحبوا، ورتبته على حروف المعجم ككتاب ابن الفرضي، وعلى رسمه، وطريقته … كالذي صنع هو رحمه الله) (7) .
__________
(1) الخشني: قضاة قرطبة ص1.
(2) جذوة المقتبس ص 238.
(3) بغية الملتمس ص 322.
(4) سير أعلام النبلاء ج17 ص 178.
(5) الصلة ص 252.
(6) الصلة ص 251.
(7) المصدر السابق ص 1-2.(1/400)
بل إن الإعجاب بهذا المؤلف لم يتوقف عند ابن بشكوال بل تجاوزه إلى غيره من علماء الأندلس فقد ألف ابن الأبار المتوفى سنة (658هـ) كتابه (التكملة لكتاب الصلة) كما ألف أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي المتوفى سنة (708 هـ) كتابه
(ذيل الصلة) ، وقد تأثر هؤلاء المؤلفون بمنهج ابن الفرضي، كما عدوا ما قاموا به من عمل في هذا الميدان تكملة لما بدأه سلفهم ابن الفرضي رحمه الله (1) .
المحتوى والمنهج:
بين ابن الفرضي في مقدمة الكتاب أن مؤلّفه يضم عدداً كبيراً من فقهاء الأندلس وعلمائها، ورواتها، وأهل العناية بالعلم منهم مرتبين على حروف المعجم (2) ثم بين بعد ذلك أنه حاول ما أمكنه أن يعرض (أسماء الرجال، وكناهم وأنسابهم، ومن كان يغلب عليه حفظ الرأي منهم، ومن كان الحديث والرواية أملك به وأغلب عليه ومن كانت له إلى المشرق رحلة، وعمن روى، ومن أجل من لقي؟ ومن بلغ منهم مبلغ الأخذ عنه، ومن كان يشاور في الأحكام ويستفتى، ومن ولي منهم خطة القضاء، والمولد والوفاة) (3) .
__________
(1) حاجي خليفة: كشف الظنون ج1 ص285 إلى 286.
(2) تاريخ العلماء والرواة ص 8.
(3) المصدر السابق ص 9.(1/401)
هذه هي القاعدة والمنهج التي كان ابن الفرضي يسير عليها حين ترجمته لأولئك العلماء، ولا شك أنها ترصد معلومات مهمة عن كل عالم، وهذا النهج في التأليف هو ما اعتاده كثير من المؤلفين المعاصرين أو اللاحقين لابن الفرضي والذين عنوا بالترجمة للرجال والمحدثين والفقهاء سواء من المشارقة أو المغاربة والأندلسيين، فمن المعاصرين الحافظ أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني (ت 446هـ) في كتابه الإرشاد في معرفة علماء الحديث (1) ، ومن اللاحقين أبو الحسن النباهي (ت ق 8هـ) في كتابه المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا والمعروف بتاريخ قضاة الأندلس (2) كما نهج هذا النهج الإمام الذهبي (ت748هـ) في كتابيه تذكرة الحفاظ، وسير أعلام النبلاء لمن هم بمستوى ومنزلة علماء ابن الفرضي، ولعل أقرب المؤلفين لمنهج ابن الفرضي ابن بشكوال في صلته، ويبدو هذا واضحاً في معظم التراجم التي تحدث عنها (3) ، وكذلك القاضي عياض في ترتيب المدارك (4) لكن هؤلاء جميعاً خالفوا ابن الفرضي في الاختصار،
__________
(1) أبو يعلى القزويني: الإرشاد ص 155-156.
(2) خصص المؤلف هذا الكتاب لخطة القضاء وسير بعض القضاة في الأندلس وكان حين حديثه عن القضاة يعرف بالشخص ومولده، ووفاته، وشيوخه، وطلبة العلم وغيرها من القضايا التي يذكرها ابن الفرضي، انظر مثلاً ما قاله عن القاضي ابن منظور ص 154-155،والقاضي ابن زرب ص 77-82 وغيرها،لكنه كان يبسط القول فيهم بخلاف ابن الفرضي الذي كان يجنح غالباً إلى الاختصار
(3) انظر على سبيل المثال ترجمة رقم 469، 598، 571، كذلك في ترجمته لابن الفرضي رقم 273 وغيرها.
(4) انظر على سبيل المثال ترجمته لعبد الملك ابن زونان ج2 ص 20-21، وابن وافد ج2 ص668، محمد بن عبد الله بن عبد البر ج2 ص419 وغيرهم، وبالإضافة إلى ما سبق فإن القاضي عياض يبين النزعة المذهبية لهؤلاء العلماء ومدى قربهم وعلاقتهم بالمذهب المالكي(1/402)
حيث جاء حديثهم أكثر تفصيلاً وبسطاً منه، إذ التزم جانب الاختصار، فلم يدخل في تفصيلات تخرجه عن هذا النهج الذي بينه في مقدمته.
أما المنهج الذي سار عليه ابن الفرضي في ذكر أولئك العلماء فقد ذكرهم مرتبين حسب حروف المعجم بغض النظر عن أي اعتبار آخر، كالمكانة العلمية، أو المنزلة الاجتماعية، أو الترتيب الزمني أو غيرها، وهذا النهج في التأليف لم يكن ابتكاراً خاصاً به، بل عمل به عدد من الكتاب والمؤلفين مثل الإمام البخاري (ت 256هـ) في كتابه التاريخ الكبير، وابن أبي حاتم (ت 327هـ) في الجرح والتعديل، وابن حبان (ت 354هـ) في كتابيه الثقات، والمجروحين، وغيرهم، وقد سار على هذا النهج عدد من المؤلفين الذين جاؤوا بعد ابن الفرضي مثل ابن بشكوال في الصلة، والحميدي في جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، وابن عميرة في كتابه بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، بل إن ابن الأبار المتوفى سنة (658هـ) ألف كتاباً أسماه بالمعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي علي الصدفي.(1/403)
وقد رتب ابن الفرضي مؤلفه حسب حروف الهجاء إذ بدأ بحرف الألف وانتهى بحرف الياء حسب الأبجدية المشرقية (1) حيث ذكر تحت كل حرف أسماء العلماء من أهل الأندلس مرتبين حسب الحرف الأول من الاسم فقط، ففي حرف الألف بدأ بإبراهيم وانتهى بأيوب وهكذا، وحينما ينتهي من ذكر الرجال في كل حرف يذكر الأفراد، والغرباء من الحرف المتقدم وهذا المنهج هو المعمول به عند الأندلس في تلك الفترة (2) .
__________
(1) هناك منهجان في ترتيب حروف الهجاء هما الأبجدية المشرقية، والأبجدية المغربية وتتفقان في ترتيب الحروف الأولى من الألف إلى الزاي ثم تختلفان حيث تأتي الحروف حسب الأبجدية المشرقية كما يلي: س، ش، ص، ض، ط، ظ، ع، غ، ف، ق، ك، ل، م، ن، هـ، و، ي. أما ترتيب أهل المغرب فجاء بعد حرف الزاي على النحو التالي: ط، ظ، ك، ل، م، ن، ص، ض، ع، غ، ف، ق، س، ش، هـ، و، ي. وقد أشار كل من: أبو الوليد الباجي وابن عبد الملك المراكشي إلى أن المنهج المشرقي في ترتيب الحروف هو المعمول به في الأندلس آنذاك. (أبو الوليد الباجي: التعديل والتجريح ج1 ص273، ابن عبد الملك المراكشي: الذيل والتكملة ج1 ق1 ص9) .
(2) أبو الوليد الباجي: التعديل والتجريح ج1 ص273، ابن عبد الملك المراكشي: الذيل والتكملة ج1 ق1 ص9.(1/404)
أما وقت تأليف الكتاب فلم يذكر ابن الفرضي تاريخاً محدداً لذلك، لكن الذي يبدو أنه شرع بتأليفه منذ وقت مبكر من حياته حيث ساق بعض الروايات التي توحي بأنه قد بدأ بذلك منذ سنة سبع وسبعين وثلاثمائة (1) ورايات أخرى يستوحى منها - أيضا - أنه حينما كان بمصر أثناء رحلته العلمية كان يجمع مادته العلمية (2) وكذلك حينما كان بالقيروان (3) وهناك روايات أخرى تدل على أنه كان في نهاية القرن الرابع يشتغل في تأليف هذا الكتاب، ومن ذلك قوله حينما تحدث عن سعيد بن موسى الغساني: (قُتل بمعترك الماشة، قرب مدينة بلغى يوم الخميس لعشر بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة) (4) .
وهكذا يبدو لنا أن تأليف هذا الكتاب قد استغرق أكثر من ثلاث وعشرين سنة وتفسير ذلك أن ابن الفرضي قد شرع في جمع مادته العلمية مبكراً، وكان يودع ذلك في كراريس، أو مذكرات خاصة، فلما أكتملت مادته العلمية أخذ بجمعها وتأليفها في كتاب واحد وكان هذا في آخر عمره رحمه الله.
مصادره:
اهتم الكتاب والمؤرخون القدامى باختيار مصادرهم، والتي كانوا يعدونها مرآة صادقة لمستوى ثقافتهم، فضلاً عن كونها معياراً مهماً للحكم على أي مؤلف أو كتاب يظهر للناس، فما آفة الأخبار إلا رواتها، وقد استشعر هذه الأهمية ابن الفرضي، ولعل مما ساعده على إدراك هذه المسئولية كونه ينتمي إلى مدرسة أهل الحديث التي تعنى بعلم الجرح والتعديل، ولهذا اهتم بمصادره حيث عني باختيارها، وذلك إدراكاً منه لأهمية المصدر في تأكيد أو نفي الأخبار والروايات التي يدرجها في كتابه، كما عني بالتعامل معها وحرص على فهمها واستيعاب ما تشير أو تهدف إليه قبل أن يسوق روايتها للقاريء.
__________
(1) ابن الفرضي: تاريخ العلماء والرواة ترجمة 856.
(2) المصدر السابق ترجمة 464، 633، 915.
(3) المصدر السابق ترجمة 1097.
(4) المصدر السابق ترجمة 534.(1/405)
وقد جاءت المصادر التي اعتمد عليها ابن الفرضي في هذا الكتاب متنوعة، ومتعددة الاتجاهات والمستوى؛ حيث بين ذلك في المقدمة حينما قال: (ولم أزل مهتماً بهذا الفن معتنياً به، مولعاً بجمعه والبحث عنه، ومسائلة الشيوخ عما لم أعلم منه، حتى اجتمع لي من ذلك - بحمد الله وعونه - ما أملت، وتقيد في كتابي هذا من التسمية ما لم أعلمه يقيد في كتاب ألف في معناه في الأندلس قبله) (1) .
إن هذه الكلمات التي قالها ابن الفرضي في مقدمة كتابه عن مصادره هي في حقيقة الأمر منهج سار عليه في التعامل مع مصادره مما يدل على أنه كان مهتماً بها، متحرياً الدقة والضبط في الأخذ منها، مع ميله إلى الاختصار حتى لا يطول مؤلفه بسبب كثرة الأسانيد التي يستقيها من مصادره المكتوبة، وقد وضح ذلك بقوله: (وتركنا تكرار الأسانيد مخافة أن نقع فيما رغبنا عنه - من الإطالة - وبيناها في صدر الكتاب، فما كان في كتابنا هذا عن أحمد دون أن ننسبه فهو أحمد بن محمد بن عبد البر أخبرنا به عنه محمد ابن رفاعة - الشيخ الصالح - في تاريخه وما كان فيه عن محمد - دون أن ينسب - فهو محمد بن حارث القروي أخذته من كتابه، وبعضه بخطه، وما كان فيه عن أبي سعيد فهو: أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس ابن عبد الأعلى المصري خرجته من تاريخه: في أهل مصر والمغرب، أخذ ذلك من كتاب أنفذه إليه أمير المؤمنين الحكم بن عبد الرحمن المستنصر بالله - رحمه الله- وفيه عن غير ذلك ما أخبرنا به يحيى بن مالك العائدي عن أبي صالح أحمد بن عبد الرحمن بن أبي صالح الحراني الحافظ عن أبي سعيد ومنه: ما أخبرني به أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى القاضي عن أبي سعيد وقد بينت ذلك في موضعه.
وما جاء في كتابي هذا، عن محمد بن أحمد فهو: محمد بن أحمد بن يحيى القاضي هو: ابن مفرج، أخذته من كتاب مختصر كان جمعه للإمام المستنصر بالله رحمه الله.
__________
(1) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ص 9.(1/406)
وما كان فيه عن الرازي فإن العائذي، أخبرنا به عنه وما كان فيه عن غير هؤلاء فقد ذكرت من حدثني به وعمن أخذته إلا أن يكون مما قرب عهده، وأدركته بسني، وقيدته بخطي وحفظي، وأخذته عن ثقة من أصحابي، فلم أحتج إلى تسميته (1) .
ومن خلال استقراء هذه المقدمة، وبعد تتبعنا لما جمعه من معلومات، وأخبار في ثنايا كتابه، يتبين لنا أن مصادر ابن الفرضي كانت متعددة، ومتنوعة، وأنه لم يكن يغفل أي مصدر يظن أنه يخدمه أو يوفر له معلومة، أو خبرا مهما، ولهذا كانت موارده عديدة، ومصادر المعلومات لديه كثيرة، وقد جاءت على النحو التالي:
أولاً: المصادر المكتوبة.
ثانياً: مصادر المعاينة، والمعايشة، والمشاهدة.
ثالثا: المصادر الشفوية - السماع والمشافهة.
وكان لكل نوع من هذه المصادر طرقه، وأساليبه، ووسائله المتعددة، حيث حاول المؤلف الإفادة منها جميعاً في جمع مادته العلمية حسب الفرص المتاحة لكل نوع من هذه المصادر خاصة، وقد كانت المصادر المكتوبة تضم الأقسام التالية:
أ - المؤلفات والكتب التاريخية.
ب - الاستكتاب.
ج - اللوحات والوثائق المادية.
أ: المؤلفات والكتب التاريخية:
يقصد بالمؤلفات والكتب التاريخية مؤلفات المؤرخين وعلماء الرجال الذين سبقوا ابن الفرضي، وكان لمؤلفاتهم علاقة قوية بموضوعه، وتمكن من الاطلاع عليها، وهذا النوع من المصادر شكل جزءاً كبيراً من مصادره في كتابه تاريخ العلماء، كما يستوحى ذلك من مقدمته، ويبدو واضحاً لمن يقرأ الكتاب، وكان من أهم من أفاد منهم في هذا المجال ما يلي:
__________
(1) تاريخ العلماء والرواة للعلم ص 9 – 10.(1/407)
أبو عبد الله محمد بن حارث بن راشد الخشني القيرواني، عاش السنوات الأولى من حياته بالقيروان ثم رحل إلى الأندلس صغيراً وعمره دون الثانية عشرة وبها طلب العلم،وقد وصفه ابن الفرضي بالعلم والقدرة على الفتيا (1) ، كما أشاد به عدد من المؤرخين إذا قال عنه الحميدي: (محمد بن حارث من أهل العمل والفضل) (2) وأثنى عليه الذهبي (3) وابن عميرة (4) وغيرهم.
__________
(1) تاريخ العلماء والرواة ترجمة 1400.
(2) جذوة المقتبس ص 49.
(3) تذكرة الحفاظ ج3 ص 1001.
(4) بغية الملتمس ص 61.(1/408)
له عدد من المؤلفات، فقد أشار الحميدي إلى أنه جمع كتاباً في (أخبار القضاة بالأندلس) وكتاباً في (أخبار الفقهاء والمحدثين) وكتاباً في (الاتفاق والاختلاف لمالك بن أنس وأصحابه) (1) . كما قال ابن الفرضي بلغني أن الخشني (صنف للمستنصر مائة ديوان، وقد جمع له من رجال الأندلس كتاباً قد كتبنا منه في هذا الكتاب - يعني تاريخ العلماء - ما نسبناه إليه) (2) . وكتاب الخشني هذا غير موجود الآن، ولكن ابن الفرضي أعتمد عليه كثيراً، إذ نبه إلى أنه أخذ منه عشرات المرات في كتابه، وقد تفاوتت نقولاته منه، فأحياناً يذكر الخبر ثم يعقبه بقوله قاله أو ذكره ابن حارث (3) ، وأحياناً يقول: (قال ابن حارث) (4) أو في كتاب ابن حارث (5) أو ذكر ابن حارث في كتابه (6) ، ثم يذكر بعد ذلك نصاً أو خبراً لابن حارث، وقد يقول قرأت ذلك من كتاب ابن حارث بخطه (7) ، أو ذكره ابن سعدان عن ابن حارث (8) ، أو ذكره ابن حارث عن ابن سعدان (9) ، هكذا تعددت طرق إحالات ابن الفرضي على ابن حارث بحسب اطلاعه عليها في كتابه، ولا شك أن هذا التعدد يدل على دقته في التعامل مع مصادره، وبالرغم من كون ابن الفرضي قد نقل كثيراً من الخشني إلا أنه فيما يبدو لم يكن يأخذ بما يذكره، أو يقول به مطلقاً، بل ربما كان قوله مرجوحاً أحياناً، أو قد يحتاج إلى دليل، والأدلة على ذلك كثيرة ومنها أنه حينما ذكر قول الخشني في عبد الله بن مسرّة ذكر معه أقوال عدد من المؤرخين بعضهم يعد من المجاهيل حيث قال: (وقرأت في بعض الكتب أن عبد الله بن مسرة رحل إلى
__________
(1) جذوة المقتبس ص 49.
(2) تاريخ العلماء والرواة ترجمة 1400.
(3) المصدر السابق ترجمة 651، 649.
(4) المصدر السابق ترجمة 661، 652.
(5) المصدر السابق ترجمة 664.
(6) المصدر السابق ترجمة 687.
(7) المصدر السابق تراجم 449، 456، 819، 826.
(8) المصدر السابق ترجمة 379.
(9) المصدر السابق ترجمة 382.(1/409)
المشرق) (1) ومن الأدلة - أيضاً - قوله حينما تحدث عن يحيى بن معمر بن عمران بن منير: (وحكى ابن حارث: أن الأمير عبد الرحمن استقضاه مرة ثانية، وهو صحيح والدليل عليه: أن يحيى بن معمر صلى بالناس صلاة الكسوف بقرطبة سنة ثمان عشرة في مسجد أبي عثمان وهو قاض) (2) هذا وقد أفاد ابن الفرضي من الخشني كثيراً، وفي مواضع متعددة شملت السير الذاتية، والنزعات العلمية، وتاريخ المولد والوفاة، والشيوخ، والرحلات العلمية، وغيرها من جزئيات تاريخ علماء المسلمين بالأندلس (3) .
أبو القاسم خالد بن سعد أحد أئمة الحديث بالأندلس روى عن عدد من العلماء مثل محمد بن عمر بن لبابة، وأحمد بن خالد بن يزيد، ومحمد بن فطيس وغيرهم كما روى عنه جماعة (4) توفي سنة (352 هـ) (5) .
__________
(1) تاريخ العلماء والرواة ترجمة 652.
(2) المصدر السابق ترجمة 1555.
(3) انظر على سبيل المثال ترجمة 9، 20، 24، 72، 104،126،210،233،301،332، 338،344،362،379،386،423،479،643،778، وغيرها.
(4) الحميدي: جذوة المقتبس ترجمة 409، ابن عميرة: بغية الملتمس ترجمة 695.
(5) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 398.(1/410)
وقد ذكر ابن الفرضي أن خالد بن سعد من الذين اعتمد على كتابتهم كثيرا، حيث قال في مقدمة الكتاب: (وما كان فيه عن خالد فهو خالد بن سعد أخبرنا به عنه إسماعيل ابن إسحاق الحافظ (1) في تاريخه) (2) ،كما ذكر حينما تحدث عن خالد بن سعد أن له كتابا في رجال الأندلس ألفه للمستنصر بالله - رحمه الله - وقد أخذه ابن الفرضي عن إسماعيل بن إسحاق؛ حيث قال: (وقد كتبنا منه في كتابنا هذا ما نسبناه إليه) (3) ، وقد بين ابن الفرضي أن خالد بن سعد لم يكن يتورع عن أعراض الناس، بل كان ينال منها حتى اشتهر بهذا الأمر، وأنه أخبره بذلك غير واحد ممن عرف ذلك منه (4) ، لكن هذا المأخذ لم يمنعه من الأخذ منه، وقد تفاوتت نقولاته عنه، وكذلك إحالته عليه، فعلى الرغم من كونه في الغالب يقول: ذكر خالد (5)
__________
(1) هو إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم بن زياد بن أسود بن نافع بن معاوية يعرف بابن الطحان كان عالما بالآثار والسنن حافظا للحديث وأسماء الرجال من أقران ومعاصري ابن الفرضي، ذكر ابن الفرضي أنه يقضي أكثر وقته في التصنيف بالحديث والتاريخ، كما ذكر أنه نقل عنه في كتاب تاريخ العلماء كثيرا بل إن كلما جاء في كتابه عن خالد بن سعد فعنه كتب، توفي بقرطبة سنة 384 هـ. (ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 221، ابن فرحون: الديباج المذهب ج1 ص290 291، الذهبي: سير أعلام النبلاء ج16 ص 502 503)
(2) تاريخ العلماء والرواة ص 10.
(3) ابن الفرضي ترجمة 398.
(4) المصدر السابق ترجمة 398.
(5) المصدر السابق ترجمة 3، 4، 26، 28، 30، 31، 34، 60، 66، 70، 88،
112، 114، 116، 210، 215، 218، 225، 271، 273، 427، 443، 589، 591، 816، 1001(1/411)
، أو قال خالد (1) مختصراً الإسناد، ثم يذكر خبرا أو نصا، إلا أنه أحيانا كان يستخدم صيغًا متصلة الإسناد؛ كقوله: (أخبرني إسماعيل قال: سمعت خالد بن سعد يقول.) (2) وقوله: أخبرني إسماعيل قال: قال خالد بن سعد …) (3) ، و (أخبرني إسماعيل قال: قال أخبرني خالد) (4) ، و (أخبرني إسماعيل قال: حدثني خالد …) (5) ، أو (قال لنا إسماعيل قال لي خالد …) (6) .
وقد أخذ ابن الفرضي من خالد بن سعد معلومات كثيرة، وفي قضايا مختلفة، لكن الغالب منها كان يتعلق بالسير والرحلات العلمية، أو السماع والشيوخ (7) ، وهذا مما يدل على أن هذا المصدر كان مهتما بهذا الجانب، وأن مؤلفه قد أولى تلك القضايا عناية خاصة، ولهذا جاء حديثه عنها مهما لابن الفرضي. ومع أن ابن الفرضي قد عد كتابات خالد بن سعد من مصادره المهمة، إلا أنه لم يكن يُسلم بكل ما ذكره، بل ربما رد أقواله، ومن ذلك أن خالد بن سعد قد حكم على سعيد بن جابر الأشبيلي بالكذب لكن ابن الفرضي لما ذكر هذا القول قال: (لم يكن سعيد بن جابر - إن شاء الله - كما قال خالد، فقد رأيت أصول أسمعته، ووقع إليّ كثير منها، فرأيتها تدل على تحري الرواية، وورع في السماع وصدق) (8) ، ولم يكتف بذلك، بل ساق أدلة أخرى ومنها قوله: (وقد حدثني العباس بن أصبغ قال: سمعت محمد بن قاسم يثني على سعيد بن جابر ويقول: كان صاحبنا عند النسائي ووصفه بالصدق) (9) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 18، 57، 158، 226، 284، 441، 448.
(2) المصدر السابق ترجمة 427.
(3) المصدر السابق ترجمة 494، 629.
(4) المصدر السابق ترجمة 816، 1408.
(5) المصدر السابق ترجمة 1001.
(6) المصدر السابق ترجمة 1408.
(7) المصدر السابق ترجمة 215، 218، 225، 248، 254، 271، 277، 441، 629، 616، 926 وغيرها.
(8) المصدر السابق ترجمة 494.
(9) المصدر السابق ترجمة 494.(1/412)
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرج القاضي من شيوخ ابن الفرضي الذين أكثر عنهم، سمع بقرطبة من قاسم بن أصبغ ومحمد بن عبد الله بن دليم، والخشني وغيرهم، رحل إلى المشرق سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة فسمع بمكة، والمدينة النبوية، وجدة، واليمن، وعدن، ثم دخل الشام فسمع ببيت المقدس وغيرها من مدن الشام، ثم عاد إلى الأندلس سنة خمس وأربعين فاتصل بأمير المؤمنين المستنصر بالله حيث ألف له عددا من الدواوين، كما استقضاه على أستجه، ثم ريه (1) ، وقد ذكر ابن الفرضي أن عدد الشيوخ الذين لقيهم أبو عبد الله بن مفرج وروى عنهم في جميع الأمصار التي دخلها مع ما كتب عنه بالأندلس مئتا شيخ وشيخا، توفي - رحمه الله تعالى - ليلة الجمعة لأحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثمانين وثلاثمائة (2) .
__________
(1) ريَّه: (rejio) يحدها من الجنوب البحر الرومي وألبيرة من الغرب، وهي متصلة بكورتي الجزيرة الخضراء وأستجه، نزلها جند الأردن وهي طثيرة الخيرات. (ابن غالب: فرحة الأنفس ص25 – 26، الحميري: الروض المعطار ص 279 – 280) .
(2) ابن الفرضي: تاريخ العلماء والرواة ترجمة 1360، الحميدي جذوة المقتبس ص 40، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 49، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 ص 1007.(1/413)
ذكر ابن الفرضي أنه أفاد من ابن مفرج في كتاب مختصر كان قد جمعه للإمام المستنصر بالله (1) - رحمه الله - وقد أشار إلى ذلك الذهبي (2) ،،ومما أهله لأن يأخذ منه ابن الفرضي كثيرا كونه عالما بالرجال وأحوالهم (3) ، قال عنه الحميدي: (القاضي أبو عبد الله …حافظ جليل مصنف) (4) ، كما وصفه أبو عمر أحمد بن محمد بن عفيف بأنه من (أعنى الناس بالعلم، وأحفظهم للحديث، ما رأيت مثله في هذا الفن) (5) ، وبالإضافة إلى ذلك فقد ذكر الذهبي أن له مصنفات في الفقه وفقه التابعين، حيث صنف كتابا في فقه الحسن البصري في سبع مجلدات، وفقه الزهري في عدة أجزاء، كما جمع مسند قاسم بن أصبغ في مجلدات (6) ولم تكن إفادة ابن الفرضى قاصرة على هذه المؤلفات، بل أفاد منه عن طريق السماع مدة طويلة، يقول عن ذلك: (وآليت الاختلاف إليه، والسماع منه من سنة ست وستين إلى أن اعتل علته التي توفي بها سنة 380 هـ وأجاز لي جميع ما رواه غير مرة وكتب لي ذلك بخطه ولأخي) (7) .
__________
(1) تاريخ العلماء والرواة ص 10
(2) تذكرة الحفاظ ج3 ص 1008.
(3) المصدر السابق ج3 ص 1008.
(4) جذوة المقتبس ص 40.
(5) الذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 ص1008.
(6) تذكرة الحفاظ ج3 ص1008.
(7) تاريخ العلماء ترجمة 1360.(1/414)
هكذا تعددت طرق أخذ ابن الفرضي من أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مفرج، والذي يهمنا هنا ما أخذه عنه بواسطة كتبه ومؤلفاته التي أجازها له حيث وضح ذلك بقوله: (ذكره محمد بن أحمد في كتابه، أو كذا وجدته بخطه، أو من كتاب محمد بن أحمد، أوفي كتاب محمد بن أحمد وغيرها من العبارات التي تدل على أخذه من مؤلفاته مباشرة، ويبدو أن تلك المؤلفات كانت كبيرة غزيرة المعلومات، ولهذا جاءت إفادته منها متنوعة وشاملة لمعظم جوانب سير الرجال، حيث أفاد منه فيما يتعلق بالسير العلمية والشيوخ (1) والمولد (2) والوفاة (3) والنظم والجوانب الحضارية (4) والصفات الذاتية والأخلاق (5) والأنساب (6) والرحلات والأسفار (7) ، وكان أحيانا يجمع بين قوله له مشافهة وما كتبه من مؤلفاته، ويوضح ذلك بقوله: قاله محمد، أو وجدت ذلك بخطه (8) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 8، 60، 87، 156، 227، 234، 324، 290، 351، 369، 557، 776، 947، 967
(2) المصدر السابق ترجمة 469.
(3) المصدر السابق ترجمة 57، 83، 212، 231، 334، 351، 370، 387، 42، 481، 949.
(4) المصدر السابق ترجمة 358، 595.
(5) المصدر السابق ترجمة 385، 411، 577، 960.
(6) المصدر السابق ترجمة 1104.
(7) المصدر السابق ترجمة 1020.
(8) المصدر السابق ترجمة 61.(1/415)
وبالإضافة إلى ذلك فقد روى عنه عددا من الأحاديث والآثار بسند متصل؛ فمن الأحاديث قوله: (أخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى قال: نا ابن الأعرابي قال: نا عباس الدوري قال: نا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قاضي الأندلس قال: حدثني أبو الزاهرية حُدير بن كريب قال حدثني كثير بن مرة الحضرمي أنه سمع أبا الدرداء سأل رسول الله - ش - أفي كل صلاة قراءة؟ قال: نعم. فقال رجل من الأنصار: رحبت هذه. فقال لي رسول الله - ش - وكنت من أدنى القوم إليه: ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم) (1) . ومن الآثار قوله: (أخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى قال: نا ابن فراس قال: حدثنا محمد بن علي الصائغ قال: سعيد بن منصور قال: نا هشيم قال: نا عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة الحسني عن أبن عباس: أن آية من كتاب الله سرقها الشيطان: (بسم الله الرحمن الرحيم) (2) .
هكذا تعددت، وتنوعت إفادات ابن الفرضي من شيخه ابن القاضي، كما تنوعت طرق الأخذ منه، ويبدو أن هذا المؤلف كان محل ثقة عند ابن الفرضي إذ كان يقدم قوله على قول خالد بن سعد ومن ذلك أنه لما ذكر قول خالد في وفاة عبيدون بن الحارث الجهني وأن ذلك كان سنة خمس وعشرين وثلاثمائة ذكر قول محمد بن أحمد بأنه كان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، ثم قال وهو أصح عندي إن شاء الله (3) .
أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى المصري الصدفي المعروف بابن يونس، سماه الذهبي بالحافظ، وذكر أنه ما ارتحل ولا سمع بغير مصر، وكان إماما بصيرا بالرجال ولد سنة إحدى وثمانين ومئتين، وتوفي في جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وثلاثمائة عن ستة وستين عاما (4) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 464.
(2) المصدر السابق ترجمة 383.
(3) المصدر السابق ترجمة 1001.
(4) ابن خلكان: وفيات الأعيان ج3 ص137، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 ص 898 – 899، سير أعلام النبلاء ج5 ص578.(1/416)
وقد ألف كتابا سماه علماء مصر (1) ، ذكر الذهبي أنه اختصر هذا الكتاب، وأنه أفاد منه بعض الغرائب (2) .
وهذا الكتاب من المصادر التي اعتمد عليها ابن الفرضي حيث بين أن المؤلف أرسل كتابه إلى أمير المؤمنين الحكم المستنصر بالله مما أتاح له فرصة الاطلاع عليه، كما بين أنه أخذ من أبي سعيد من غير هذا الكتاب وذلك ما أخبره به عنه يحيى بن مالك العائذي عن أبي صالح أحمد بن عبد الرحمن بن أبي صالح الحراني الحافظ عن أبي سعيد أو ما أخبره به أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى القاضي عن أبي سعيد، وقد بين ذلك في موضعه (3) .
هكذا تنوعت الطرق التي أفاد بواسطتها ابن الفرضي من أبي سعيد، وقد التزم في تعامله مع المعلومات التي استقاها من أبي سعيد بالدقة في الإحالة إليها؛ حيث كان يوضح طريق ما استقاه من أبي سعيد بقوله: ذكره أبو سعيد (4) ، أو قال أبو سعيد، ثم يذكر قولا له (5) ، أو في كتاب أبي سعيد (6) ، أو من كتابه (7) ،كما أنه أحيانا يبين المصدر الذي أخذ منه ابن سعيد مثل قوله: قال أبو سعيد: ذكره الخشني (8) ، وقوله قال أبو سعيد ذكره ابن عفير في أخبار الأندلس (9) .
__________
(1) ابن خلكان: وفيات الأعيان ج3 ص137، الذهبي سير أعلام النبلاء ج5 ص579.
(2) سير أعلام النبلاء ج15 ص579.
(3) تاريخ العلماء ص 10.
(4) المصدر السابق ترجمة 2، 6، 7، 14، 78، 100، 627، 636، 970.
(5) المصدر السابق ترجمة 595، 825، 646، 936، 941، 1289.
(6) المصدر السابق ترجمة 661.
(7) المصدر السابق ترجمة814.
(8) المصدر السابق ترجمة 239.
(9) المصدر السابق ترجمة 587.(1/417)
وحينما يكون الخبر أخذه عن طريق يحيى العائذي، فإنه يوضح ذلك بقوله: (وأخبرنا يحيى بن مالك العائذي قال: نا أبو صالح قال: نا أبو سعيد …) (1) ، ثم يذكر الخبر بعد ذلك، أو (حدثنا أبو زكريا العائذي قال: حدثنا أبو صالح الحراني قال: نا أبو سعيد الصدفي) (2) ، أو (أخبرنا العائذي قال: نا أبو صالح الحراني قال: نا أبو سعيد الصدفي في تاريخ المصريين قال …) (3) ، ثم يذكر الخبر، أو من كتاب أبي سعيد أخبرني به العائذي (4) ، وقد سلك نفس المنهج مع محمد بن أحمد القاضي حيث يقول: (وأخبرني محمد بن أخمد الحافظ قال: قال لنا أبو سعيد …) (5) ، ثم يذكر الخبر، أو ذكره أبو سعيد أخبرني بذلك عنه محمد بن أحمد القاضي (6) ، أو (أخبرنا القاضي محمد ابن أحمد قال: نا عبد الرحمن بن أحمد بن يونس،) (7) ثم يذكر الخبر، أو (أخبرني محمد بن أحمد عن أبي سعيد قال (8) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 323.
(2) المصدر السابق ترجمة 383، 915.
(3) المصدر السابق ترجمة 633.
(4) المصدر السابق ترجمة 785.
(5) المصدر السابق ترجمة 21، 391، 586.
(6) المصدر السابق ترجمة 55.
(7) المصدر السابق ترجمة 323، 915، 1456.
(8) المصدر السابق ترجمة 773، 1500.(1/418)
هكذا تعددت صيغ الرواية عند ابن الفرضي فيما أخذه عن أبي سعيد، ولا شك أن إلمامه بعلم الحديث ومناهجه، هي التي جعلته يملك هذه الطرق، وتلك الأساليب في التعامل مع الرواية التاريخية، وقد أفاد ابن الفرضي من أبي سعيد معلومات تتعلق بالنسب (1) ، والمولد، والنشأة (2) ، والشيوخ، وطلب العلم والرحلات العلمية (3) ، والسماع من الشيوخ (4) وكذلك الوفاة، مكانها وتاريخها (5) .
ومما تميز به هذا المصدر من مصادر ابن الفرضي عن غيره من المصادر التاريخية أنه أورد تراجم مطولة لعدد من ولاة الأندلس، وعلمائه؛ مثل حنش بن عبد الله الصنعاني (6) والسمح بن مالك الخولاني (7) ، وعبد العزيز بن موسى بن نصير (8) ، وعبد الله بن يزيد الحبلي (9) وغيرهم من القادة والعلماء المتقدمين، حيث يعد ما ذكره ابن الفرضي عنهم إضافة مهمة لهؤلاء الأشخاص الذين تعاني المصادر التاريخية من شح واضح في أخبارهم.
الرازي
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 59.
(2) المصدر السابق ترجمة 936.
(3) المصدر السابق ترجمة 610، 1289، 1529.
(4) المصدر السابق ترجمة 78، 100، 312، 437، 461، 785، 1456، 1500.
(5) المصدر السابق ترجمة 7، 14، 18، 21، 55، 78، 269، 297، 335، 595، 627، 661، 941، 1049، 1500.
(6) المصدر السابق ترجمة 391.
(7) المصدر السابق ترجمة 586.
(8) المصدر السابق ترجمة 825، 915.
(9) المصدر السابق ترجمة 633.(1/419)
قال ابن الفرضي حينما تحدث عن مصادره في كتابه هذا: (وما كان فيه عن الرازي فإن العائذي أخبرنا به عنه) (1) لكنه لم يذكر اسم هذا المؤرخ الذي أفاد منه هل هو أبوبكر أحمد بن محمد الرازي أو ابنه عيسى بن أحمد بن محمد الرازي وكلاهما ممن اهتم بالتاريخ الأندلسي، وعاصر ابن الفرضي، أما أحمد فهو: أبوبكر أحمد بن محمد بن موسى بن بشير الرازي والمولود بالأندلس سنة 274 هـ حيث سمع من قاسم بن أصبغ وأحمد بن خالد وغيرهما، وكان كثير الرواية حافظا للأخبار (2) ، وله مؤلفات كثيرة في أخبار الأندلس وتواريخ دول الملوك فيها ومنها أخبار ملوك الأندلس، وهو كتاب كبير اعتمد عليه عدد من المؤرخين كابن حيان، وابن الأبار، وابن سعيد،وغيرهم وكتاب في صفة قرطبة وخططها ومنازل الأعيان فيها، وكتاب ثالث اسمه الاستيعاب عن أنساب مشاهير أهل الأندلس، وكتاب رابع في جغرافية الأندلس، وخامس في أعيان الموالي بالأندلس (3) وقد فقدت هذه المؤلفات ولم يبق منها سوى ما نقله لنا عدد من المؤرخين اللاحقين له.
وأما عيسى فهو: ابن أحمد بن محمد الرازي المذكور أولاً (وقد انشغل بكتابة التاريخ حيث ألف كتابا اسمه (الحجاب للخلفاء بالأندلس) (4) ، كما ألف كتابا آخر في تاريخ الأندلس ويرى الدكتور محمود علي مكي أنه قد يكون أكمل بهذا الكتاب كتاب والده أحمد (5) .
وما ذكره ابن الفرضي في مقدمة كتابه عن المصادر، وكذلك إحالاته على الرازي في ثنايا كتابه، لم تصرح هل المقصود أحمد أم ابنه عيسى؟
__________
(1) تاريخ العلماء ص10.
(2) المصدر السابق ترجمة 137، الحميدي: جذوة المقتبس رقم 147، الضبي: بغية الملتمس ص 20، المقري: نفح الطيب ج3 ص54
(3) ابن حيان: المقتبس (تحقيق محمود علي مكي) حاشية 463.
(4) ابن الأبار: الحلة السيراء ج1 ص138.
(5) ابن حيان: المقتبس (تحقيق محمود علي مكي) حاشية 463.(1/420)
كما لا يوجد من خلال الإحالات ما يدل صراحة على أي منهما على وجه التحديد، ولكن ومن خلال استقرائنا لما كُتب عن الرجلين، وما ذكره ابن الفرضي في إحالاته على الرازي يمكن أن نرجح أن يكون المقصود به هو الأب أحمد بن محمد، وقد بدا لنا هذا الترجيح من خلال المؤشرات التالية:
أن الأب أحمد بن محمد كان أشهر من ابنه عيسى؛ إذ أنه علم من أعلام التاريخ الأندلسي، فلعل ابن الفرضي اكتفى بشهرته عن التصريح باسمه، كما يفعل بعض المؤرخين ومن بينهم ابن حيان، وابن الأبار؛ إذ كانا أحيانا يكتفيان بقول: قال الرازي مع أنهما يقصدان أحمد وليس عيسى، كما يبدو هذا واضحا من خلال ما يذكرانه من أخبار.
من خلال تتبعنا للروايات التي ذكرها ابن الفرضي عن الرازي نجد أنها كلها لم تتجاوز في إطارها الزمني سنة 344هـ وهو تاريخ وفاة أحمد، فلو كان المعني بالأمر أو بعضه الابن عيسى لامتد الإطار الزمني إلى نهاية العقد الثامن من القرن الرابع الهجري إذ أن عيسى عاش تلك الفترة؛ حيث كانت وفاته سنة 379 هـ.
أن كثيرا من تراث أحمد بن محمد التاريخي أقرب إلى موضوع صاحبنا ابن الفرضي في هذا الكتاب؛ فهو يعنى بالمشاهير والأعيان الذين كان العلماء أحدى فئاتهم، وعناوين مؤلفاته من الأدلة الواضحة في هذا المجال.
ثمة إشارات ذكرها ابن الفرضي توحي بأن المقصود بالرازي عنده هو أحمد؛ مثل قوله في ترجمته لأحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مروان ذكره الرازي في تاريخ الملوك (1) وكذلك حين حديثه عن شمر بن ذي الجوشن الكلاعي؛ حيث قال: ذكره الرازي في تاريخ الملوك …) (2) .
__________
(1) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 106.
(2) المصدر السابق ترجمة 594.(1/421)
هناك بعض النصوص التاريخية التي اقتبسها ابن حيان من أخمد بن محمد الرازي، كما ذكرها ابن الفرضي ونسبها إلى الرازي وبمقارنتها ببعضها يتبين أنها نص واحد، اقتبست من مصدر واحد مما يرجح أن المقصود عند ابن الفرضي هوأحمد بن محمد ومن هذا قول ابن الفرضي قال الرازي: (ولي الأمير محمد بن عبد الرحمن يوم الخميس لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين …) (1) وكذلك قوله: (قال الرازي: توفي سعيد بن محمد بن بشير المعافري القاضي سنة عشرة ومائتين …) (2) وقد ذكر ابن حيان هذين النصين ونسبهما إلى أحمد الرازي (3) .
__________
(1) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ص 13.
(2) المصدر السابق ترجمة 473.
(3) انظر النص الأول في ص 102 والنص الثاني ص 78، المقتبس (تحقيق مكي)(1/422)
وعلى أية حال فإن إفادات ابن الفرضي من الرازي جاءت أقل من سابقيه إذ أن معظم نقولاته عنه كانت فيما يتعلق بتحديد سنة الوفاة للأشخاص، وهذه تكررت عشرات المرات في ثنايا كتابه (1) وفيما عدا ذلك فقد كانت إفادته منه محدودة، كذكر نسب بعض الأشخاص (2) ، أو ذكر أحداث وفيات بعضهم (3) ، وكان ابن الفرضي يذكر الرواية عن الرازي مختصرا الإسناد إذ لم يكن يذكر حتى العائذي إلا نادرا (4) ، على الرغم من كونه الواسطة بينهما كما ذكر ذلك في المقدمة، ولا أستبعد أن تكون هذه المحدودية في الإفادة من الرازي كان مبعثها سببان الأول كون مؤلفات الرازي مؤلفات تاريخية عامة تعنى بالدول وأحداثها أكثر من عنايتها بالأشخاص وعلمهم وهذا الأخير هو ما كان يبحث عنه ابن الفرضي.
أما السبب الثاني فهو أن الرازي كانت اهتماماته ومنهجه أقرب إلى المؤرخين منه إلى علماء الحديث وبالتالي ربما كانت معاييره العلمية وحديثه عن الرجال أقل من معايير ابن الفرضي ولهذا لم يكن ابن الفرضي يقتنع بما ذكره الرازي.
__________
(1) انظر على سبيل المثال ترجمة 19، 69، 72، 77، 82، 101، 102، 104، 106، 107، 110، 120، 250، 268، 473، 499، 539، 569، 586، 604، 659، 663، 785، 791، 825، 898، 1005، 1114.
(2) ابن الفرضي تاريخ العلماء ترجمة 631، 659.
(3) المصدر السابق ترجمة 825، 1045.
(4) المصدر السابق ترجمة 594.(1/423)
أبو عبد الملك أحمد بن محمد بن عبد البر من موالي بني أمية سمع عددًا من علماء الأندلس مثل قاسم بن أصبغ، ومحمد بن قاسم، وأحمد بن خالد وغيرهم، وقد برز في علم الحديث كما كان فقيها، توفي سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة (1) .
ذكر ابن الفرضي أنه أفاد من أحمد بن عبد البر حيث قال: (وما كان في كتابنا هذا عن أحمد - دون أن ننسبه - فهو: أحمد بن محمد بن عبد البر أخبرنا به عنه محمد بن رفاعة - الشيخ الصالح - في تاريخه) (2) ، كما ذكر أن له كتابا مؤلفا في الفقهاء بقرطبة وأنه استعان به في كتابه (3) .
وقد أفاد ابن الفرضي من ابن عبد البر في مواضع كثيرة وكان يحيل إليه ما يأخذه منه بصيغ مختلفة، وكان كثيرا ما يختصر الإسناد حسب المنهج الذي ذكره في مقدمة الكتاب؛ حيث يقول ذكره أحمد (4) ولكنه أحيانا يصل الإسناد ومن ذلك قوله: قال أحمد قال محمد بن وضاح (5) ، وقوله: (أخبرنا محمد بن رفاعة قال: نا أحمد بن عبد البر) (6) ، أو قال أحمد:حدثت عن ابن وضاح (7) ، وغيرها من الروايات التي ذكر أسانيدها متصلة، كما كان أحيانا يقول: من كتاب محمد بخطه (8) ، وقرأت بخط أحمد بن محمد بن عبد البر (9) .
__________
(1) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 120، ابن الأبار: الحلة السيراء ج1 ص207 _208، وقد ذكر ابن الأبار أ، ابن عبد البر كان متصلا بعبد الله بن عبد الرحمن الناصر فلما أتهم عبد الله بمحاولة خلع أبيه واغتياله قبض على ابن عبد البر معه وأودع السجن حتى توفي وقبل خُنق في السجن.
(2) المصدر السابق ص 9.
(3) المصدر السابق ترجمة 120.
(4) المصدر السابق ترجمة 11، 12، 71، 80، 95، 97، 109، 126، 128، 326، 337، 440، 468، 637، 672، 1000.
(5) المصدر السابق ترجمة 431.
(6) المصدر السابق ترجمة 466.
(7) المصدر السابق ترجمة 816.
(8) المصدر السابق ترجمة 351، 837.
(9) المصدر السابق ترجمة 1415.(1/424)
هكذا تعددت طرق ابن الفرضي في الرواية عن ابن عبد البر، وكانت إفاداته منه متعددة، ومتعلقة بقضايا تاريخية مهمة، تتصل بتاريخ الرجال والنظم، ولعل أهم ما يتعلق بتاريخ الرجال ذلك الوصف الدقيق لحال بعض الرجال ومن ذلك قوله عن مسلم بن أحمد ابن أبي عبيدة الليثي: (قال أحمد بن عبد البر: وكان أبو عبيدة من أصدق أهل زمانه؛ سمعت عبد الله بن حنين يقول: كان أن يخر من السماء إلى الأرض أهون عليه من أن يكذب، وكان عالما …) (1) ، كما قال في وصف الناحية العلمية عند محمد بن وضاح - أحد معاصريه - (وكان ابن وضاح كثيرا ما يقول: ليس هذا من كلام النبي - ش - في شيء وهو ثابت من كلامه - ش -، وله خطأ كثير محفوظ عنه، وأشياء كان يغلط فيها ويصحفها، وكان لا علم عنده بالفقه ولا بالعربية) (2) .
كذلك وصفه لحلقات العلم وما يدور فيها بين الشيخ والطلاب ومن ذلك قوله: (أخبرنا محمد بن رفاعة قال: نا أحمد بن عبد البر قال: نا محمد بن قاسم قال: شهدت محمد بن وضاح وعنده زنباع، وقد أملى ابن وضاح أحاديث على من كان عنده وزنباع يتشاغل عن ذلك ويتحدث مع من كان يجاوره، فلما أكثر من الحديث، وتشاغل عما كان يمليه الشيخ قال له ابن وضاح: يا مشاوم وخرج عليه، تدع أن تكتب سنن النبي - عليه السلام - وتشتغل بالحديث، فقال له: أصلحك الله لم أشتغل عما أمليته، وقد حفظته، وكان ابن وضاح أملى اثني عشر حديثاً فحفظها زنباع ونصها كما أملاها ابن وضاح فعجب منه وكان يدنيه بعد ذلك) (3) ، ولم يكن هذا النص هو الوحيد بل لقد روى لنا ابن الفرضي عن ابن عبد البر نصوصاً أخرى تدل على دقة رصده واستيعابه لما يكتب، واهتمامه بالقضايا العلمية (4) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1420.
(2) المصدر السابق ترجمة 1136.
(3) المصدر السابق ترجمة 466.
(4) انظر على سبيل المثال ترجمة 247، 288، 486، 542، 637.(1/425)
وبالإضافة إلى ذلك، فقد ترك لنا ابن عبد البر معلومات مهمة لبعض الشخصيات الأندلسية ومنها عبد الملك بن حبيب، وبقي بن مخلد، حيث خلف لنا وصفاً دقيقاً لمشهد جنازته، ودفنه، وحالة الناس آنذاك (1) ، كما حظي تاريخ وفيات الرجال بنصيب كبير من قبل ابن عبد البر (2) .
وقد كانت له وقفات مهمة عند بعض الخطط والنظم، ومن ذلك وصفه لمسؤوليات صاحب السوق، حيث قال حينما تحدث عن حسين بن عاصم الثقفي: (وولي السوق في أيام الأمير محمد، وكان شديداً على أهلها في القيم، يضرب على ذلك ضرباً مبرحا ينكر عليه فكأنه سقط بذلك عن أن يروي الناس عنه) (3) ، كذلك ذكر عزوف الناس الصالحين عن تولي خطة القضاء، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره عن زياد بن عبد الرحمن اللخمي حينما حاول الأمير هشام بن الحكم توليته على القضاء (فخرج هاربا بنفسه فقال هشام: ليت الناس كزياد) (4) .
ومن وقفاته في هذا الميدان وقفة مهمة تتعلق بنظم التربية والتعليم حيث ذكر أن بكر ابن عبد الله الكلاعي كان (مؤدباً لأولاد الخلفاء - رحمهم الله - في النحو والشعر) (5) ، وهذا مما يدل على عناية الخلفاء بتعليم أولادهم النحو والشعر لأهميتها في تقويم ألسنتهم والمحافظة على ملكتهم اللغوية في بيئة تعج باللكنات الأجنبية.
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 283، 816.
(2) المصدر السابق ترجمة 11، 12، 31، 51، 75، 103، 161 وغيرها.
(3) المصدر السابق ترجمة 351.
(4) المصدر السابق ترجمة 458.
(5) المصدر السابق ترجمة 288.(1/426)
وكان ابن الفرضي يذكر الخبر عن ابن عبد البر بسند متصل، أو مختصر، كما تبين ذلك من بعض الأمثلة، كما كان أحياناً يذكر معه خالد بن سعد حيث يقول بعد أن يسوق الخبر: قال أحمد وخالد (1) ، كما كان أحياناً بيبن المصدر الذي استقى منه ابن عبد البر معلوماته، ومن الأمثلة على ذلك قوله: (قال أحمد هو زياد بن عبد الرحمن بن زياد بن عبد الرحمن بن زهير وزياد الثاني هو الداخل بالأندلس قاله أحمد بن محمد الرازي) (2) ، فأحمد هنا هو أحمد بن عبد البر وقد بين ابن الفرضي أنه استقى معلوماته السابقة من الرازي، ويبدو أن ما ذكره ابن عبد البر أدناه هو نص ما قاله الرازي.
كانت هذه نماذج وأمثلة لما أفاده ابن الفرضي من كتابات أحمد بن عبد البر، وبالرغم من محدوديتها بالنسبة لسابقيه إلا أنها كانت ذات دلالات جيدة، لما فيها من معلومات مهمة ربما انفرد بها ابن عبد البر عمن سواه. ويبدو أن السبب في ذلك يعود لكون ابن عبد البر محدثاً ثم مؤرخاً، وبالتالي فهو يملك إمكانات كلتا المدرستين مما أهله لأن تكون كتاباته مهمة في بابها ويتأكد هذا الأمر إذا تذكرنا أن مدرسة المحدثين آنذاك كان لها منهج مستقل ومعالم واضحة في ميدان دراستها، وهذا مما جعلها تؤثر على الفكر الإسلامي حيث أثر منهج المحدثين على العلوم الإسلامية الأخرى ومنها التأليف التاريخي (3) .
كان هذا عرضاً لمصادر ابن الفرضي التاريخية المكتوبة، والتي ذكرها في مقدمة كتابه، وهي بلا شك مصادر مهمة يعد أصحابها من كبار علماء، ومؤرخي الأندلس آنذاك، وقد بدا هذا الأمر واضحاً على مادته العلمية التي استقاها منها وأثبتها في كتابه.
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 13، 15، 95، 97 وغيرها.
(2) المصدر السابق ترجمة 458.
(3) انظر في تفصيلات ذلك شرف الدين الراجحي: مصطلح الحديث وأثره على الدرس اللغوي عند العرب ص83.(1/427)
وبالإضافة إلى هؤلاء فقد أخذ ابن الفرضي عن عدد من الكتاب والمؤرخين الذين لم يذكرهم في مقدمة كتابه لكنه أشار إليهم في ثناياه ومنهم يحيى بن مالك بن عائذ بن كيسان بن معن والمعروف بالعائذي (1) ، المولود سنة ثلاثمائة والمتوفى بقرطبة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، وقد رحل إلى المشرق سنة سبع وأربعين فحج سنة ثمان وأربعين، ثم انتقل إلى بغداد، حيث يذكر ابن الفرضي أنه حدثه أنه سمع ببغداد من سبعمائة رجل ونيف، وقد تردد بالمشرق نحو من اثنتين وعشرين سنة، كما كتب عن طبقات المحدثين، ثم عاد إلى الأندلس سنة تسع وستين وثلاثمائة (2) .
ويذكر ابن الفرضي أنه كان ذا علم جم، اذ أنه لما قدم الأندلس سمع منه ضروب من الناس، وطبقات مختلفة من طلاب العلم، وأبناء الملوك، وجماعة من الشيوخ والكهول، كما ذكر أنه كان يملي في المسجد الجامع كل يوم جمعة، وأنه سمعه يقول: (لو عددت أيام مشيي بالمشرق وعددت كتبي التي كتبت هناك بخطي لكانت كتبي أكثر من أيامي بها) (3) .
__________
(1) وقد أخذ منه ابن الفرضي غير ما روى عن أبي سعيد والرازي.
(2) ابن الفرضي، تاريخ العلماء ترجمة 1599، الحميدي: جذوة المقتبس ص 356 –357، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 507-508، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 ص 1003-1004، سير أعلام النبلاء ج16 ص421-422.
(3) تاريخ العلماء ترجمة 1599.(1/428)
ولاشك أن هذا المستوى العلمي الجيد الذي حظي به ابن عائذ هو الذي جعله مصدراً مهماً من مصادر ابن الفرضي، حيث أخذ عنه جزءاً من تاريخ ابن سعيد، وكذلك ما رواه عن الرازي، حيث بين أن العائذي هو الذي أخبر به عنه (1) ، بل ذكر ابن الفرضي أن الأمر تجاوز ذلك حيث قال: (روى لنا من الأخبار والحكايات مالم يكن عند غيره، ولا أدخله أحداً الأندلس قبله …) (2) ، ولعل مما شجع ابن الفرضي على كثرة الأخذ منه ما كان يتسم به صاحبنا من كونه حليماً، كريماً، جواباً، شريف النفس مع سلامة دينه وحسن يقينه (3) .
ويبدو أن العائذي لم يكن مصدراً لتلقي المعلومات فحسب، بل كان أيضاً شيخاً ومستشاراً لما يشكل على ابن الفرضي في بعض القضايا التي تتعلق بعدالة الرجال، فحينما تحدث ابن الفرضي عن طاهر بن حزم قال: (وكان ورعاً فاضلاً ذاكرت به العائذي فأثنى عليه وأخبرني ببعض أمره) (4) ، وحينما يروي عنه يقول قال لي أبو ذكريا يحيى بن مالك بن عائذ (5) ، أو قال أبو زكريا، ومن القضايا التي أخذها عنه غير ما كان عن الرازي، وابن سعيد، قضية مقتل طاهر بن حزم (6) ، ووصفه لعيسى بن دينار (7) كذلك تفسير قوله تعالى: {فاصفح الصفح الجميل} (8) ، حيث روى تفسيرها مسندا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه (9) ، كذلك روى عن الإمام أحمد بسند متصل رأيه في معاوية بن صالح (10) ، كما روى عنه أخباراً أخرى في قضايا مختلفة (11) .
__________
(1) المصدر السابق ص10.
(2) المصدر السابق ترجمة 1599.
(3) المصدر السابق ترجمة 1599.
(4) المصدر السابق ترجمة 620.
(5) المصدر السابق ترجمة 620.
(6) المصدر السابق ترجمة 620.
(7) المصدر السابق ترجمة 975.
(8) سورة الحجر آية (85)
(9) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 985.
(10) المصدر السابق ترجمة 1445.
(11) المصدر السابق إنظر مثلاً ترجمة 1055، 1206، 1238، 1442.(1/429)
كذلك أخذ ابن الفرضي من شيخه عبد الله بن محمد بن القاسم الثغري (1) ، ومن ذلك ما رواه بسند متصل عن فرات بن محمد أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أرسل عشرة من التابعين إلى أهل أفريقية ليفقهوهم (2) ، كذلك روي عنه أنه رأى قبر حنش بن عبد الله الصنعاني بسرقسطة عند باب اليهود غربي المدينة (3) كما روى عنه أخباراً كثيرة تتعلق بالسير العلمية لعدد من الرجال، وكان منهجه في الروايات التي يأخذها من الثغري أن يذكرها بسند متصل، ومن الأمثلة على ذلك قوله: (أخبرني عبد الله بن محمد بن القاسم الثغري - رحمه الله - قال: نا تميم بن محمد الأفريقي قال: قال أبي سهل بن محمد الوراق الأندلسي كان رجلاً صالحاً حسن الضبط لكتبه، سمعنا منه، وخرج إلى سوسة فسكنها وتوفي بها سنة ست وثلاثمائة) (4) .
__________
(1) هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم بن خلف الثغري، من أهل قلعة أيوب،
أحد علماء الأندلس المشهورين، رحل إلى المشرق سنة خمسين وثلاثمائة، حيث سمع ببغداد، والكوفة، ثم رحل إلى الشام، ثم عاد إلى الأندلس فاستقضاه الحكم المستنصر بالله، وكان فقيهاً فاضلاً، ورعاً، صلباً في الحق، وقد أخذ عنه ابن القرضي كتاب معاني القرآن للزجاج، كما أخذ عنه علماً كثيراً، توفي لثلاث بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة. (ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 753، الحميدي: جذوة المقتبس ص 537، ابن عميرة: بغية الملتمس ص 334) .
(2) المصدر السابق ترجمة 1383.
(3) المصدر السابق ترجمة 391.
(4) المصدر السابق ترجمة 574، ولمزيد من الأمثلة انظر تراجم 127، 283، 391، 945، 1124، 816، 1063، 1104، 1105، 1124، 1518.(1/430)
كما أفاد ابن الفرضي من إبراهيم بن محمد الباجي - أحد علماء باجة (1) - كثيراً من الأخبار والمعلومات المتعلقة ببعض علماء مدينة باجة الذين ذكرهم ابن الفرضي ضمن كتابه، ومنهم اسحاق بن عبد ربه (2) وتمام بن غالب (3) ، وخلف بن جامع بن حاجب (4) وإسماعيل بن إبراهيم بن اسحاق (5) وغيرهم.
وهكذا نرى حرص ابن الفرضي على الدقة في اختيار مصادره، حيث أخذ من الباجي ما يتعلق بتاريخ علماء مدينته إذ هو الأقرب إليهم والمطلع على أخبارهم فهو بهذا المنهج لجأ إلى أصحاب الاختصاص فضلاً عن المطلعين وشهود العيان.
كذلك أخذ ابن الفرضي من اسماعيل بن اسحاق بن زياد بن أسود والمعروف بابن الطحان المتوفى بقرطبة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وهو أحد علماء الأندلس المهتمين بالحديث والآثار وأسماء الرجال وأخبار المحدثين (6) ، كما ذكر ابن الفرضي أنه كان أكثر وقته يصنف الحديث والتاريخ وأن له عدداً من المصنفات وقد نقل عنه وسمع منه كثيرا، كما كان يملي عليه، هذا عدا ما أخذه عنه عن خالد بن سعد (7) .
__________
(1) باجة: يذكر الحميري أن معنى باجة في كلام العجم الصلح، وهناك ثلاث مدن تحمل هذا الاسم في أفريقيا والصين والأندلس،أما وباجة الندلس فهي من أقدم المدن هناك بنيت في أيام الأقاصرة وبينها وبين قرطبة مائة فرسخ نزلها جند مصر. (الحميري: الروض المعطار ص75) .
(2) المصدر السابق ترجمة 226.
(3) المصدر السابق ترجمة 303.
(4) المصدر السابق ترجمة 409.
(5) المصدر السابق ترجمة 613.
(6) المصدر السابق ترجمة 221.
(7) المصدر السابق ترجمة 221.(1/431)
ونظراً لكون اسماعيل بن إسحاق قد عاش بعض عمره في مدينة أستجة، فقد أخذ عنه ابن الفرضي بعض ما يتعلق بتاريخ علمائها من أمثال إبراهيم بن حزم (1) ، وأحمد بن محمد بن مسونة (2) ، وحسان بن عبد الله بن حسان (3) وغيرهم، وهذا مما يؤكد حرص ابن الفرضي على تحري الدقة في مصادره وأخذ المعلومات من مظانها القريبة.
وبالإضافة إلى ما سبق فقد أخذ ابن الفرضي من إسماعيل وبسند متصل كثيراً من الأخبار المتعلقة بعلماء أندلسيين آخرين، ومن ذلك وصايا بقي بن مخلد لمالك بن يحيى القرشي حينما ولي احدى الولايات (4) ، كما روى عنه مشافهة بعض الأخبار التي سوف نذكرها في الفقرة الخاصة بها - إن شاء الله تعالى -.
وكان إسحاق بن سلمة بن لبيب بن بدر القيني أحد علماء ريّة ممن أفاد من كتبهم ابن الفرضي، إذ كان القيني حافظاً لأخبار أهل الأندلس معتنياً بها، حيث جمع كتاباً في أخبار الأندلس أمره بجمعه المستنصر بالله (5) ، وقد جاءت نقولات ابن الفرضي عن القيني في مواضع مختلفة من كتابه (6) .
ومن الذين أفاد منهم ابن الفرضي عبيد الله بن الوليد بن محمد المعيطي أحد علماء قرطبة، سمع من عدد من علمائها كما كان عالماً بالفتيا حافظاً للأخبار والأشعار، توفي سنة ثمان وسبعين وثلاث مائة (7) .
وقد جاءت إفادات ابن الفرضي من المعيطي، كإفاداته من الرازي مقتصرة في معظمها على تاريخ سني الوفيات للرجال، إلا أن أخذه عن المعيطي كان أقل من الرازي (8) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 35.
(2) المصدر السابق ترجمة 125.
(3) المصدر السابق ترجمة 360.
(4) المصدر السابق ترجمة 194.
(5) المصدر السابق ترجمة 238.
(6) انظر ترجمة 15، 130، 139، 141، 175، 316، 419، 513، 615، 795، 882.
(7) المصدر السابق ترجمة 769.
(8) انظر ترجمة 118، 124، 143، 235، 1000، 1011، 1246.(1/432)
كذلك أخذ ابن الفرضي من كتابات ابن سعدان (1) التي حبسها بعد موته، ويبدو أنها كانت مؤلفات متعددة تمكن من الاطلاع عليها جميعها، كما توحي بذلك إحالاته عليها حيث قال حين حديثه عند عبد الله بن عباس الخشني: (سمع من محمد بن فطيس رأيت سماعه عليه في بعض كتب ابن سعدان) (2) ، لكنه لم يصرح سوى بمؤلف واحد هو كتاب فقهاء ريّة حيث قال حينما تحدث عن كل من عمر ابن يحيى (3) ، وليث بن سباع المزحجي (4) : ذكره ابن سعدان في فقهاء ريّة، وبالإضافة إلى ذلك فقد كان يقول ذكره ابن سعدان دون تحديد المصدر (5) ، وبالرغم من تعدد مؤلفات ابن سعدان، وكون ابن الفرضي قد اطلع عليها فإن إفادته منها كانت محدودة، ويبدو أن السبب في ذلك هو كون ابن سعدان لم يحدث وإنما كان منشغلاً بالكتابة والنسخ.
__________
(1) هو أبو محمد بن سعدان بن عبد الوراث بن محمد بن يزيد، مولى الإمام عبد الرحمن بن معاوية، أحد علماء قرطبة، سمع من عدد من علمائها، وكان جيد الضبط عالماً بالحديث، وقد حبس كتبه وكانت موقوفة عند محمد بن محمد بن أبي دليم حيث أخذ منها ابن الفرضي، توفي سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، (ابن الفرضي: ترجمة 1072) .
(2) المصدر السابق ترجمة 701.
(3) المصدر السابق ترجمة 959.
(4) المصدر السابق ترجمة 1091.
(5) المصدر السابق ترجمة 520، 522، 572، 940.(1/433)
وكان التراث التاريخي للحكم المستنصر بالله (1) ، من المصادر المهمة التي اعتمد عليها ابن الفرضي، وقد جاء هذا التراث على قسمين:
__________
(1) هو أبو العباس المستنصر بالله الحكم بن عبد الرحمن بن محمد الناصر الأموي المرواني، بويع بعد وفاة أبيه سنة خمسين وثلاثمائة، وكان حسن السيرة جامعاً للعلم مكرماً للأفاضل، ذا نهمة مفرطة في العلم، عاكفاً على المطالعة، جمع من الكتب مالم يجمعه أحد من الملوك، كما اشتهر بأنه ألف كتباً في التاريخ، توفي في شهر صفر سنة ست وستين وثلاثمائة. (الحميدي: جذوة المقتبس ص13، الذهبي: سير أعلام النبلاء ج8 ص269 –271، ابن خلدون: العبر ج4 ص144، المقري: نفح الطيب ج1 ص382 – 383، أزهار الرياض ج2 ص286–294، عبد القادر ذنون طه: نشأة تدوين التاريخ العربي في الأندلس ص13) .(1/434)
القسم الأول منه، ما كان من تأليف الحكم المستنصر وبخطه، وقد بين ذلك ابن الفرضي حين الإحالة عليه بقوله كتبت ذلك كله من خط المستنصر بالله، أو وجدته بخط المستنصر بالله (1) أمير المؤمنين (2) ، وكذا قوله:قرأت ذلك بخط المستنصر بالله (3) ، وكان أحياناً يحدد الكتاب كقوله: قرأت بخط المستنصر بالله في كتاب القضاء (4) ، أو فيه ذكر القضاة بالأندلس (5) ، ويبدو أن بعض هذه الاقتباسات كانت من تعليقات وإضافات الحكم على بعض الكتب التي اطلع عليها، إذ يذكر الذهبي أنه: (قلما تجد له كتاباً إلا وله فيه قراءة أو نظر من أي فن كان ويكتب فيه نسب المؤلف ومولده ووفاته، ويأتي من ذلك بغرائب لا تكاد توجد) (6) ، كما يؤيد هذا الأمر ما ذكره ابن الفرضي في بعض إحالاته ومن ذلك قوله حينما تحدث عن عبد الله بن المغلس - أحد علماء وشقة (7) - (وقرأت بخط المستنصر - رحمه الله - ملحقاً في كتاب ابن حارث) (8) ، وقوله: (وقرأت في كتاب دفعه إلى أحمد بن عبد الرحيم كان فيه إلحاق بخط أمير المؤمنين المستنصر بالله - رحمه الله - …) (9) ، ومن نماذج نقوله من الحكم المستنصر قوله عن موسى بن هارون: (ولي القضاء بعد عبد الله بن
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1462.
(2) المصدر السابق ترجمة 310، 392.
(3) المصدر السابق ترجمة 444، 771، 1062، 1197.
(4) المصدر السابق ترجمة 954، 1124.
(5) المصدر السابق ترجمة 1432، 1607.
(6) سير أعلام النبلاء ج8 ص270.
(7) وشقة (UESCA) تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة سرقسطة وبينهما خمسون ميلا، وهي مدينة كبيرة حصينة، وقد حاصرها المسلمون حين فتح الأندلس حصارا طويلا استمر سبعة أعوام حتى استسلم أهلها. (ابن الكردبوس: تاريخ الأندلس ص74 حاشية 3، الحميري: الروض المعطار ص 612) .
(8) ابن الفرض: تاريخ العلماء ترجمة 683.
(9) المصدر السابق ترجمة 1432، وقد ورد في ترجمة 1607 قريباً من هذا الكلام.(1/435)
الحسن المعروف بابن السندي، وكان قد سمع الحديث، وكانت له عناية ورحلة وسماع بمكة ومصر، وانصرف من رحلته فلزم قرطبة يطلب العلم ويسمع إلى أن استقضى وذلك سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، كتبت ذلك كله من خط المستنصر بالله- رحمه الله -) (1) .
أما القسم الثاني من تراث الحكم المستنصر بالله فيشمل تلك المصنفات التي أمر الحكم بتأليفها، فألفها عدد من الكتاب والمؤرخين تلبية لتلك الرغبة، ومن ذلك ما ألفه محمد بن الحارث الخشني حيث يذكر ابن الفرضي أنه ألف للمستنصر كتباً كثيرة بلغت مائة ديوان، كما جمع له في رجال الأندلس كتاباً أخذ منه ابن الفرضي حين تأليفه لكتابه (2) ، كما ألف كل من محمد بن أحمد مجموعاً في التاريخ للمستنصر بالله، وخالد ابن سعد ألف له كتاباً في رجال الأندلس (3) ، وقد أفاد من هذه المؤلفات جميعها كما وضحنا ذلك حين حديثنا عن كل واحد منهم.
ويستوحى من خلال استقرائنا لما نقله ابن الفرضي من كتابات الحكم المستنصر أنه كان ذا ملكة علمية وتاريخية جيدة، وأنه كان من مشاهير علماء الأندلس آنذاك، وقد أدرك هذه الحقيقة ابن الآبار، ولهذا قال: (عجباً لابن الفرضي، وابن بشكوال، كيف لم يذكراه) (4) ، كما قال عنه الذهبي: (غزر علمه، ودق نظره، وكان له يد بيضاء في معرفة الرجال والأنساب والأخبار) (5) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1462.
(2) المصدر السابق ترجمة 1400.
(3) المصدر السابق ترجمة 398.
(4) الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 3 سير أعلام النبلاء ج8 ص 270 (نقلاً عن الذهبي) .
(5) سير أعلام النبلاء ج8 ص 270.(1/436)
كما كانت لابن الفرضي بعض النقولات من كتاب محمد بن حسن الزبيدي (1) والمعروف بطبقات النحويين واللغويين، وذلك فيما يتعلق ببعض العلماء الذين كانت لديهم نزعة علمية في مجال اللغة العربية حيث يعزو إليه بقوله: ذكره (2) محمد بن حسن الزبيدي أو من كتاب الزبيدي (3) ، أو ذكرنا ذلك من كتاب (4) محمد بن حسن الزبيدي، ومن أمثلة ما نقله منه قوله عن إبراهيم بن عبد الله المعافري (وكان مع رواياته للحديث حافظاً اللغة،بصيراً بالشعر مطبوعاً فيه) (5) ، كما قال عن بكر بن خاطب المرادي (كان ذا علم بالعربية والعروض والحساب، وله تأليف في النحو) (6) .
كذلك أخذ ابن الفرضي من كتابات أبيه ومن ذلك ما ذكره حين حديثه عن مولده حيث قال: (ومولدي سنة أحدى وخمسين وثلاثمائة … ليلة الثلاثاء لتسعة أيام بقيت من ذي القعدة، وجدت ذلك بخط أبي رحمه الله) (7) ، ومنه قوله: (وجدت بخط أبي - رحمه الله- على بعض ما كتبه مات أبي - يعني يوسف بن نصر - رحمة الله عليه ومغفرته - لعشرة بقين من محرم سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة) (8) .
__________
(1) هو إمام النحو أبو بكر محمد بن حسن بن عبد الله الزبيدي، من أهل أشبيلية، سكن قرطبة، وقد برز في اللغة والأشعار، كما كان واحداً عصره في علم النحو واللغة، استأدبه المستنصر بالله لابنه هشام، كما تولى أحكام القضاء والشرطة، سمع منه عدد من العلماء، توفي في أشبيلية سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، (ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 1375، الحميدي: جذوة المقتبس ص46-49، ابن عميرة: بغية الملتمس ص66، ابن سعيد: المغرب ج1.ص250، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج3 سير أعلام النبلاء ج1 ص41) .
(2) المصدر السابق ترجمة 14، 647.
(3) المصدر السابق ترجمة 634.
(4) المصدر السابق ترجمة 41.
(5) المصدر السابق ترجمة 41.
(6) المصدر السابق ترجمة 292.
(7) المصدر السابق ترجمة 990.
(8) المصدر السابق ترجمة 1628.(1/437)
وبالإضافة إلى هذه الكتب والمؤلفات التاريخية الأندلسية التي اعتمد عليها ابن الفرضي، فقد أخذ - أيضاً - من بعض كتابات مؤرخي المشرق حيث ذكرهم من بين مصادره، وكان من أهمهم خليفة بن خياط (ت40هـ) (1) والواقدي (ت207هـ) (2)
__________
(1) هو أبو عمرو خليفة بن خياط، الإمام الحافظ العلامة الإخباري، وصاحب التاريخ وكتاب الطبقات، وهو نسابة صدوق عالم بالسير والأيام والرجال، توفي سنة أربعين للهجرة، (البخاري: التاريخ الكبير ج3 ص 191، ابن خلكان: وفيات الأعيان ج2 ص243 – 244، الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 2 ص436، سير أعلام النبلاء ج11 ص471 – 472) .
(2) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، ولد بعد العشرين ومائة، وطلب العلم على صغار التابعين، أخذ علماء الجرح والتعديل أنه خلط الغث بالثمين، والخرز بالدر الثمين، لكنهم قالوا لا يستغنى عنه في المغازي وايام الصحابة وأخبارهم، له مؤلفات تاريخية مهمة، توفي سنة سبع ومائتين.
(البخاري: التاريخ الكبير ج1 ص178، ابن الأثير: الكامل ج6 ص385، ابن خلكان: وفيات الأعيان ج1 ص506، الذهبي: سير أعلام النبلاء ج9 ص454 – 460) .(1/438)
وعبد الغني بن سعيد الأزدي (ت409هـ) (1) ، وأحمد بن محمد بن إسماعيل بن المهندس (ت385هـ) (2) ، والإمام البخاري (ت 256هـ) (3) ، وكان اعتماده على هؤلاء المؤرخين حين الحديث عن الشخصيات المشرقية والتي لها علاقة بالمغرب مثل موسى بن نصير (4) ، وابنه عبد العزيز وغيرهما (5) من أهل المشرق.
كان هذا عرضاً لمصادر ابن الفرضي المكتوبة، والتي اعتمد عليها بنسب متفاوتة في كتابه تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، وقد بدا لنا من خلال هذا العرض ما يلي:
- أن هذه المصادر كانت كثيرة ومتنوعة، وأن ابن الفرضي قد أحسن اختيارها أذ إنها تعد من أفضل ما كتب عن تاريخ الأندلس في تلك الفترة، وأن معظمها كان لعلماء يعدون من كبار علماء الأندلس آنذاك.
__________
(1) هو أبو محمد عبد الغني بن سعيد علي بن سعيد الأسدي، المصري الإمام الحافظ، صاحب كتاب المؤتلف والمختلف أخذ عليه اتصاله بالدولة العبيدية، لكن الذهبي قال إن سبب ذلك مداراته لهم لأنه لو خرج عليهم لقتلوه، توفي سنة تسع وأربعمائة (ابن خلكان: وفيات الأعيان ج3 ص223 – 224، أبو الفدا: المختصر ج2 ص1578، الذهبي: سير أعلام النبلاء ج17 ص268 – 270)
(2) هو أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل البنا ابن المهندس، محدث مصر، كان ثقة، خيراً، تقياً، روى عنه عدد من العلماء، وهو أحد شيوخ ابن الفرضي بمصر، توفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة. (الذهبي: سير أعلام النبلاء ج 16 ص 462، ابن العماد الحنبلي: سذارات الذهب ج3 ص113) .
(3) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 773، وقد أخذ من كتاب التاريخ.
(4) المصدر السابق ترجمة 1456.
(5) المصدر السابق ترجمة 825.(1/439)
- حسن اختيار ابن الفرضي لمصادره حيث كان يعتمد على مصادر متخصصة علمياً أو جغرافياً حسب الأشخاص المتحدث عنهم فالمهتمون بالحديث يرجع فيهم إلى كتب الرجال، وذوي الأدب واللغة إلى من اهتموا بهذا الأمر وهكذا، بل إنه ربما اختار مصدرًا دقيقًا لتحديد جزئية من تاريخ الأشخاص كاعتماده على الأسدي في تحديد سنة الوفاة،كذلك اعتماده على الرازي فيما يتعلق بالعلماء الذين جاؤوا من مصر وهكذا.
- أنه كان لديه همة قوية، ونفس واسع في تتبع المصادر والحصول على ما يريد منها مع الدقة والأمانة في الرصد والنقل، ولهذا تراه كثيراً ما يقول: رواه فلان عن فلان، أو عن فلان، وذكر بعضه فلان، أو وجدت بعضه عند فلان، وغيرها من العبارات التي تؤكد طول نفسه، وأمانته في الرصد والنقل.
- نقده لما ينقل فقد كان لا يأخذ كل ما تذكره المصادر التاريخية على أنه قضايا مسلم بها لا تحتمل الخطأ أو التحريف والزلل، ولهذا نقد بعض ما ذكرته مصادره، كما سيبدو هذا واضحاً في آخر هذا البحث -إن شاء الله تعالى -.
ب - الاستكتاب:
من المعلوم أن المكاتبة من أساليب التحمل والأداء عند علماء المسلمين، وقد نهج هذا الأسلوب علماء الحديث وبعض المؤرخين المسلمين كالطبري -رحمه الله- في تاريخه فقد حصل على جزء كبير من مادته العلمية بواسطة الاستكتاب (1) .
__________
(1) انظر مثلاً تاريخ الأمم والملوك ج3 ص388، 391، 397، 400، 401، حيث أورد رواياته عن السري عن شعيب عن سيف بن عمر وهي بهذه الصيغة: كتب إلي السري، وقد روى عنه الطبري في تاريخه مائتين وأربعين قطعة وغالبها بهذا الإسناد (كتب إلي السري عن شعيب عن سيف) (محمد السلمي: منهج كتابة التاريخ الإسلامي ص465)(1/440)
وقد كانت المكاتبة والاستكتاب من الوسائل المهمة التي نهجها ابن الفرضي في جمع مادته العلمية، ذلك أنه وبالرغم من كثرة المصادر المكتوبة التي اعتمد عليها فإنه لم يجد فيها كل ما يريد من معلومات وأخبار، كما أنه لم يستطع الإحاطة بكل ما حوله، أو استيعابه، بل حتى تصور بعض الجزئيات لاسيما وأن موضوعه متشعب إذ هو متعلق بجزئيات دقيقة من سير مئات الأفراد الذين ربما كان بعضهم في عداد المجاهيل، ولهذه الأسباب وغيرها نهج ابن الفرضي أسلوباً آخر في جمع مادته العلمية وهو المكاتبة والاستكتاب، حرصاً منه على الحصول على بعض الجزئيات التي لم يتمكن من الوصول إليها عبر المصادر المكتوبة، أو المسموعة، أو المشاهدة.
ومن خلال استقرائنا لما خلفه ابن الفرضي يتبين لنا أنه كانت له أساليبه، وطرقه المتعددة في الحصول على مادته العلمية عبر هذا النوع من المصادر، ومن أهمها ما يلي:
أنه كان يرسل كتباً متضمنة بعض الأسئلة والاستفسارات حول قضية معينة إلى أشخاص بعيدين عنه فيأتيه الرد مكتوباً متضمناً الجواب على سؤاله أو أسئلته، ومن ذلك قوله حينما تحدث عن الحكم بن إبراهيم بن محمد بن عابس المرادي حيث قال: (كتب إليّ يخبرني أن مولده سنة اثنتي عشرة، وأنه سمع بسرقسطة من أيوب بن معاوية، ومحمد ابن عبد الرحمن الزيادي بوشقة من عبد الله بن الحسن بن السندي …) (1) . وكذلك قوله: (وكتب إلي بخط يده - يعني عبد الرحمن التجيبي - يذكر أنه ولد يوم السبت للنصف من شهر ربيع الأول سنة ثلاثمائة) (2) ، ومن ذلك قوله: (وأخبرنا الحسن بن إسماعيل، وكتب لي بخطه قال: نا عمر بن الربيع بن سلمان قال: حدثني أحمد بن إبراهيم قال: أنشدني طالب بن عصمة الأندلسي يمدح مالك بن أنس:
إمام الورى في الهدى والسمت مالك
وفي الفقه والآثار ما إن يُداركُ
فآراؤه في الفقه يسطع نورها
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 374.
(2) المصدر السابق ترجمة 811.(1/441)
وتسهل في إيضاحهن المسالك
وآثاره بهدى العباد وميضها
لعمري: كم تهدي النجوم الشوابك
له من ذرى العلم السنام وشلوه
وفي سائر الناس الشظى والسنابك (1)
وقد تكررت (2) هذه العبارة بصيغ متقاربة توحي كلها بأن ابن الفرضي كان يكاتب بعض الأشخاص بحثاً عن مادته العلمية، فيكتبون إليه بما طلب عن حياتهم الشخصية أو غيرها.
يبدو أن ابن الفرضي لم يكتف بالإجابة الشفوية بل كان يجمع بينهما وبين الإجابة الخطية ومن الأمثلة على ذلك قوله حينما تحدث عن وفاة عبد الله بن إدريس إذ قال: (قاله سليمان بن أيوب وكتبه لي بخطه) (3) ، وكذلك قوله: (قال لي سليمان بن أيوب: توفي سنة سبع وعشرين وثلاث مائة وكتبه لي سليمان) (4) ، أو قد يطلب ابن الفرضي أن يملي عليه صاحب الشأن مثل قوله: (أملي علي نسبه) (5) يعني يحيى ابن هذيل.
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 623.
(2) انظر على سبيل المثال التراجم 1388، 770، 724.
(3) المصدر السابق ترجمة 766.
(4) المصدر السابق ترجمة 1226.
(5) المصدر السابق ترجمة 1602.(1/442)
كان ابن الفرضي يكاتب مع أشخاصٍ آخرين بحثاً عن مسألة علمية، أو سؤال عن قضية معينة، وكانت الإجابات ترد عليهم بصيغة الجمع من صاحب الشأن، وقد أورد ابن الفرضي نماذج عديدة لهذا الأسلوب من الاستكتاب مثل قوله: (كتب إلينا الحكم بن محمد المرادي يخبرنا أنه سمع من أيوب بن سلمان بن معاوية …) (1) ، وقوله: (توفي ثمان وثلاثين وثلاثمائة - يعني حسن بن عبد الله التميمي- كتب إلينا بذلك وليد بن عبد الملك القاضي) (2) ، وقوله: (وقال أبو العباس بن وليد بن عبد الملك في كتابه إلينا عميرة محمد بن مروان … مولى مروان بن الحكم) (3) ، وقد أورد ابن الفرضي نماذج كثيرة لهذا النوع من الاستكتاب، وهذا مما يدل على حرصه في البحث عن مادته العلمية، ودقته في رصدها (4) .
كانت هذه أهم الطرق التي نهجها ابن الفرضي في استكتابه لعدد من الأشخاص من أجل الحصول على بعض الثغرات المتعلقة بمادته العلمية، ولا شك أن هذا الأسلوب في جمع مادته العلمية يؤكد حرصه الشديد على تتبع ضالته حسب مظانها ومواقعها؛ مهما كانت الوسائل والمتاعب الناتجة عن ذلك.
ج - اللوحات والوثائق المادية:
يعتبر هذا النوع من المصادر المهمة، وذلك لأن الكاتب أو المؤرخ حينما يعتمد عليها في أخذ مادته العلمية لا يتعامل مع مجهول بل إنه أمام دليل مادي يدل ضمناً أو صراحة على ما يريد الباحث أو المؤرخ، وهذه الدلالة تكون غالباً حسب ظاهرها غير قابلة للتأويل، أو التحريف أو غيرها من آفات نقل الأخبار، ولهذا عد كثير من الكتاب هذا النوع بأنه من أهم أنواع المصادر، وذلك لأنه شاهد ثابت لا يمكن أن يتأثر بآفات النقل والرواية.
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 282.
(2) المصدر السابق ترجمة 344.
(3) المصدر السابق ترجمة 969.
(4) انظر على سبيل المثال ترجمة 582، 607، 497، 962.(1/443)
ولما كان ابن الفرضي قد عاصر كثيراً من الرجال الذين كتب عنهم كما أنهم - أيضاً - قد نشأوا وعاشوا في بلاد الأندلس فإنه بهذا يكون قد عايش الإطارين الزماني والمكاني لموضوع كتابه، وهذا مكنه من الاطلاع، ومشاهدة بعض الوثائق المادية التي أعانته في الحصول على بعض ما يريد، وقد كانت اللوحات المكتوبة على القبور من أهم هذا النوع حيث حددت له سني وفيات عدد من العلماء وهو مهم عنده إذ يتوقف عليه قضايا هامة في الرواية والسماع عند المحدثين، ذلك أن معرفة وفاة الشيخ تبين مدى إمكانية معاصرة الرجال، ومقابلتهم لبعضهم.
ويبدو أن كتابة تاريخ الوفاة على القبور كانت من العادات المعمول بها عند مسلمي الأندلس آنذاك، ولهذا أفاد منها ابن الفرضي كثيراً، حيث يذكر ذلك بعد ذكره لسنة الوفاة إذ يقول: (قرأت تاريخ وفاته مكتوباً على قبره) (1) ، أو يقول: (قرأت تاريخ وفاته في لوح على قبره) (2) ، أو: (قرأت هذا التاريخ من لوح مكتوب على قبره) (3) ، بل قد يكون نقله أكثر من هذا مثل قوله حينما ذكر وفاة محمد بن أحمد التراس: (قرأت على قبره مكتوباً توفي محمد بن أحمد التراس ليلة الجمعة، ودفن يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة) (4) ، كما أنه قد يجمع بين الرواية الشفوية، وخبر الوثيقة المادي فهو حينما ذكر وفاة علي بن عبد القادر القلاعي قال: (أخبرني بذلك الباجي، وقرأته مكتوباً على قبره) (5) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 304، 821.
(2) المصدر السابق ترجمة 500.
(3) المصدر السابق ترجمة 153.
(4) المصدر السابق ترجمة 920.
(5) المصدر السابق ترجمة 920.(1/444)
وبالإضافة إلى اللوحات على القبور فإن ابن الفرضي قد أفاد أيضاً من بعض الوثائق المادية الأخرى مثل وثائق المبايعات ومن ذلك قوله عن محارب بن قطن: (ورأيت شهادته في وثيقة تاريخها للنصف من ربيع الأول سنة أحدى وثمانين ومائتين) (1) ، وهو حينما ذكر هذه الوثيقة يرد بها على خالد بن سعيد الذي ذكر بأن وفاة محارب كانت سنة ست وخمسين ومائتين (2) ، وهكذا اعتمد ابن الفرضي ما جاء في تلك الوثيقة وقدمه على ما ذكره خالد لأنها في نظرة أدق وأوثق، ومن الأمثلة على ذلك -أيضاً- قوله حين حديثه عن إبراهيم بن علي الصوفي - أحد الغرباء الذين قدموا إلى الأندلس -: (وكان أبو اسحاق هذا - يعني إبراهيم - أحد من له الإجابات الظاهرة … حدثنا عنه سهل بن إبراهيم بصك كتبه لي بخطه) (3) .
وبالرغم من محدودية هذا النوع من المصادر عند ابن الفرضي إلا أنها كانت مصدراً مهماً لوضوحه ودقة دلالته، فضلاً عن سرعة الوصول إليه.
ثانياً: مصادر المعاينة والمعايشة والمشاهدة:
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1407.
(2) المصدر السابق ترجمة 1407.
(3) المصدر السابق ترجمة 50.(1/445)
إن معاصرة ومعايشة ابن الفرضي لعدد من العلماء الذين كتب عنهم مكنته من الاحتكاك بهم والعيش معهم ومخالطتهم، إما في المنتديات والمناسبات الاجتماعية، أو في حلقات الدروس وأماكن طلب العلم، أو في غيرها من المواقع، وهذا ما جعله شاهد عيان لكثير من القضايا التي تحدث عنها عند عدد من العلماء سواء أكانت مشاهدته تتعلق بالصفات النفسية أو الخلقية، أو الاجتماعية، أو المواهب والصفات الخلقية، أو المشاهد والتجمعات البشرية في المناسبات المختلقة حيث قام برصد كل هذه المشاهدات ثم تدوينها ضمن حديثه عن أصحابها، وقد كان هذا النوع من المصادر موضع اعتبار عند ابن الفرضي حيث كان يعده من مصادره المهمة وذكره كما يذكر غيره من أنواع المصادر فهو يقول عن حكم بن محمد المقري: (وشهدته يقرأ ويقرئ..) (1) .
وكانت الصفات الخَلْقية والخُلُقيّة من أهم ما رصده أثناء معايشته ومشاهدته لعدد من العلماء حيث دونها ضمن كتاباته عنهم فقد قال مثلاً عن محمد بن إبراهيم القرشي: (جالسته فرأيته نبيلاً …) (2) ، كما قال عن محمد بن يحيى بن رطال: (وكان شيخاً مسمتاً جميلاً، وقوراً، حليماً، متواضعاً كثير الصيام … وكان باطنه كظاهره سلامة ونزاهة …) (3) ، وقريباً من ذلك قوله عن محمد بن إسحاق بن السليم إذ قال عنه: (وكان لين الكلمة سهل الخلق متواضعاً) (4) ، وعن محمد بن إسحاق بن مسرة قال: (وكان قادراً، خيراً، عفيفاً ضابطاً لنفسه، متسمناً وقوراً، ما رأيت في أصحابنا مثله ليناً وطهارة، وأدباً) (5) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 377.
(2) المصدر السابق ترجمة 1342.
(3) المصدر السابق ترجمة 1390.
(4) المصدر السابق ترجمة 1319.
(5) المصدر السابق ترجمة 1380.(1/446)
ولم تكن الصفات الحسنة هي التي كان يرصدها بل تجاوز ذلك إلى الصفات السيئة، ومن ذلك قوله عن محمد بن أحمد بن أصبغ: (وكان كثير الملق، شديد التعظيم لأهل الدنيا مفرطاً في ذلك) (1) .
أما سعيد بن محمد بن مسلمة بن تبرى فقال عنه: (وكان شديد الأذى بلسانه بذيئاً ثلابة يتوقاه الناس على أعراضهم) (2) ، كما قال عن محمد بن يبقى بن مسلم: (وكانت منه سلامة تجوز عليه بها مالا يجوز على أهل اليقظة من قبول المدح مواجهة واستحسان الاطراء - عفا الله عنا وعنه -) (3) .
كانت هذه نماذج لما رصده ابن الفرضي لبعض الصفات الخُلُقيّة عند بعض علماء الأندلس ومن يستقرئ ما ذكره يجد أنه كان ذا ملكة قوية، وحس مرهف، مكنه من رصد كل ما شاهده بدقة متناهية.
كما كانت الصفات الجسمية من ضمن ما رصده أثناء معايشته ومشاهدته لعدد من العلماء، ومن ذلك قوله عن أصبغ بن قاسم: (وكان وسيماً جسيماً) (4) ، وعن محمد ابن محمد بن أبي دليم: (وكان ضرورة لا يطأ النساء، ولم يتداوى قط ولا احتجم) (5) ، كما قال عن سعيد بن حمدون الصوفي: (وكان أعور) (6) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1382.
(2) المصدر السابق ترجمة 525.
(3) المصدر السابق ترجمة 1363.
(4) المصدر السابق ترجمة 255.
(5) المصدر السابق ترجمة 1336.
(6) المصدر السابق ترجمة 525.(1/447)
كما استبان لابن الفرضي من خلال معايشته ولقاءاته شيء من المواهب والنزعات العلمية، أو العقدية عند بعض الرجال، فمن ذلك قوله عن عبد الله بن محمد الثغري: (وكان فقيهاً فاضلاً، ديناً ورعاً، صليباً في الحق، لا يخاف في الله لومة لائم، ما كنا نشبهه إلا بسفيان الثوري في زمانه …) (1) ، ومن ذلك قوله عن محمد بن عيسى المعافري: (سمعته يخطب مراراً، وكان يتقعّر في خطبته، وتكلف في الاسجاع، وكان مع ذلك يدعي ارتجالها، وكان شعره ضرباً من خطبه جالسته وكان لا يحدث) (2) ، كذلك قال عن محمد ابن عبد الله المعلم: (وكان شيخاً تائهاً لا معرفة عنده، وقد كتب عنه قوم حدثهم عن جده، ولو أراد أن يحدثهم عن نوح لفعل) (3) كما وصف خلف بن محمد الخولاني (بأنه كان ضعيف الكتابة) (4) ، وقال عن شيخه عبد الله بن محمد التجيبي المتوفى سنة 390هـ: (وكان ضعيف الخط ربما أخل بالهجاء) (5) ، هكذا استطاع ابن الفرضي التعرف على صفات الرجال ونزعاتهم العلمية حيث وقف على الكثير منها بنفسه أثناء معايشته لهم، وهذا مما أعطى كتاباته قيمة علمية لاسيما حينما تقارن بكتب التراجم التي جاءت بعدها.
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 753.
(2) المصدر السابق ترجمة 1359.
(3) المصدر السابق ترجمة 1373.
(4) المصدر السابق ترجمة 415.
(5) المصدر السابق ترجمة 757.(1/448)
كذلك أفاد من معايشته لبعض الأشخاص التعرف على نزعاتهم العقدية، فقد اتهم محمد بن عبد الله القيسي بالانتماء إلى مذهب ابن مسرة لكن ابن الفرضي رد هذه التهمة بقوله: (وقد كان ظاهره ظاهر إيمان وسلامة) (1) ، وهذا الحكم عليه إنما صدر من ابن الفرضي بعد معايشته لهذا الرجل وتعرفه على نزعاته العقدية.. كذلك أفاد من مجالسته لبعض العلماء الاطلاع على الوجاهة العلمية لبعضهم ومن ذلك مشاهدته للرسائل التي كانت تصل للفقيه يوسف بن يحيى الأزدي حيث قال: (فرأيته قد جاءته كتب كثيرة نحو المائة كتاب من جماعة من أهل مصر بعضهم يسأله الإجازة، وبعضهم يسأله في كتابه الرجوع إليهم) (2) .
وكان ابن الفرضي يحرص على حضور المناسبات الاجتماعية ولعل من أبرز ما دونه حول هذا الموضوع حضوره لمناسبات الجنائز حيث استطاع من خلال هذا الحضور رصد بعض المعلومات المهمة عن بعض الأشخاص، ومن ذلك عمر المتوفى، وقدره العلمي والاجتماعي، ومن صلى عليه، ومتى، وأين دفن، يقول عن حضوره لجنازة إسماعيل بن اسحاق المعروف بابن الطحان: (توفي - عفا الله عنه - ليلة السبت ودفن يوم السبت بعد صلاة العصر في مقبرة قريش آخر يوم من صفر سنة اربع وثمانين وثلاثمائة، وصلى عليه قاضي الجماعة محمد بن يحيى بن زكريا التميمي، وشهدت جنازته وشهدها معنا ألوفُ من المسلمين، وكان الثناء عليه حسناً جداً) (3) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1366.
(2) المصدر السابق ترجمة 1615.
(3) المصدر السابق ترجمة 221.(1/449)
كما قال عن خلصة ببن موسى الزاهد (وتوفي - رحمه الله - ليلة الأربعاء لخمس بقين من رجب سنة ست وسبعين وثلاثمائة، ودفن في مقبرة الربض، وصلى عليه محمد بن يبقى القاضي وشهدت جنازته، ولا أعلمني شهدت أعظم حفلاً منها، ولم يكن من أهل العلم) (1) كذلك قال بعد أن ذكر المعلومات المهمة عن وفاة عبد الله بن محمد بن عبد الله (شهدت موته - رحمه الله - وغسله، ودفنه) (2) ، كما بين أنه شهد جنازة محمد بن يبقى بن زرب وأنه شهدها جماعة من المسلمين وأن الثناء عليه كان حسناً.
وبهذا العرض استبان لنا أن ابن الفرضي قد سخر كل إمكاناته بل كل أحاسيسه ومداركه من أجل رصد تاريخ كثير من الرجال الذين عايشهم، ثم تدوينها ضمن سجلهم لتبقى جزءاً مهماً من تاريخهم لها أهميتها باعتبارها صادرة من شاهد عيان عايشها، بل ربما شارك في بعض أحداثها كما أتيحت له فرصة السؤال عما يشكل عليه في بعض الأشخاص (3) .
ثالثاً: المصادر الشفهية:
لما كان ابن الفرضي قد عاصر جمعاً كبيراً من الشخصيات العلمية الأندلسية التي كتب عنها سواء أكانوا من شيوخه، أو زملائه وأقرانه، أو طلابه وتلاميذه، أو غيرهم ممن احتك بهم وتحدث إليهم، وتحدثوا له، فإنه قد أفاد منهم في جمع مادته العلمية عن طريق الرواية الشفهية التي سمعها منهم.
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 422.
(2) المصدر السابق ترجمة 770.
(3) المصدر السابق ترجمة 1415.(1/450)
هكذا اتسعت دائرة المصادر الشفوية عند ابن الفرضي وقد وضح ذلك بعدة صيغ وعبارات مثل قوله: سمعت، أو قال لي، أو أخبرني بذلك فلان، وهذه العبارات كلها تدل على السماع والمشافهة، وسنذكر فيما يلي نماذج لهذا النوع من مصادر ابن الفرضي، فأما سمعت فقد وردت كثيراً في كتابه حيث استخدمها في رواياته ومقتبساته من شيوخه وأقرانه ومعاصريه، وكان كثيراً ما يذكرها حينما يُقوّم الرجال والرواة أو يتحدث عن صفات الرجال ومن ذلك قوله: (سمعت أبا بكر بن أصبغ يثني عليه، ويشهد له بالسماع - يعني عبد الله بن داود -) (1) و (سمعت عبيد الله بن الوليد بن المعيطي يثني عليه ويصفه بالمروءة وسمعت اسماعيل يثني عليه أيضاً - يعني عيسى بن خلف الخولاني -) (2) ، وكذلك (سمعت محمد بن يحيى بن عبد العزيز يقول: كان محمد بن أيمن إماماً روى الناس عنه كثيراً ومنها قوله: سمعت أبا محمد الباجي يقول فيه - يعني ابن دليم - من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة - إن شاء الله - فلينظر إلى ابن أبي دليم، وسمعت محمد ابن يحيى بن عبد العزيز - رحمه الله - يقول: كل من أصحابنا كانت له صبوة ما خلا محمد بن محمد بن أبي دليم فإن عرفته من صغره زاهداً) (3) ، وقد تكررت هذه العبارة عند ابن الفرضي كثيراً حينما يتحدث عن صفات الرجال سواء في المدح، أو القدح، وهذا مما يدل على حرصه في التوثق من مصادره لا سيما فيما يتعلق بجرح الرجال أو تعديلهم (4) لأنه فيما يبدو كان يعد هذا المصدر من أوثق المصادر لديه، ومن ذلك قوله حين حديثه عن أصبغ بن خليل كان معادياً للآثار، شديد التعصب للرأي، سمعت محمد بن أحمد بن يحيى يقول: سمعت قاسم بن أصبغ يقول: (سمعت أصبغ ابن خليل يقول: لأن يكون في
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 739.
(2) المصدر السابق ترجمة 987.
(3) المصدر السابق ترجمة 1336.
(4) انظر على سبيل المثال تراجم 1635، 1377، 1375، 1566، 1366، 888.(1/451)
تابوتي رأس خنزير أحب إلي من أن يكون فيه مسند (1) ابن أبي شيبة) (2) ، وكذلك قوله عن عبد الملك بن هذيل: (سمعت محمد بن أحمد يسئ القول فيه فينسبه إلى الضعف) (3) ، كما روى لنا عن طريق السماع شمائل بعض الأشخاص ومن ذلك قوله عن محارب بن الحكم الاسكافي سمعت إسماعيل يقول فيه:
(أنه مجاب الدعوة وخرج إلى أرض الحرب مجاهداً في غزوة … فمنحه الله الشهادة …) (4) .
وكان أحياناً لا يحدد مصدر سماعه مثل قوله سمعت بعض أصحاب خالد يقول: (أن أمير المؤمنين المستنصر بالله كان يقول: إذا فاخرنا أهل المشرق بيحيى بن معين فاخرناهم بخالد بن سعد) (5) .
__________
(1) ابن أبي شيبة: هو الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة المتوفى سنة 235هـ. (الذهبي: تذكرة الحفاظ ج2 ص234، 433) ، أما أصبغ بن خليل فهو أبو القاسم من أهل قرطبة كان حافظاً للرأي على مذهب مالك وأصحابه متعصباً له، توفي سنة 237هـ وقد دارت الفتيا عليه بالأندلس خمسين سنة وقد ذكر ابن الفرضي أنه بلغ به التعصب لمذهب مالك أن أفتعل حديثاً في ترك رفع اليدين في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام (ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 247) ، ومسند بن أبي شيبة هو أحد الكتب التي أدخلها بقي بن مخلد إلى الأندلس لكن المتعصبين من فقهاء المالكية وقفوا ضد هذا الكتاب وغيره بسبب موقفهم من بقي بن مخلد، ويذكر ابن الفرضي أن قاسم بن أصبغ كان يدعو على أصبغ بن خليل ويقول: (هو الذي حرمني أن أسمع من بقي بن مخلد، يحض أبي على نهيي عن السماع منه والاختلاف إليه وكان لنا جاراً) (تاريخ العلماء ترجمة 247) .
(2) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 247.
(3) المصدر السابق ترجمة 822.
(4) المصدر السابق ترجمة 1470.
(5) المصدر السابق ترجمة 398.(1/452)
ولم يكن ابن الفرضي يقصر هذا السماع على الشيوخ أو طلاب العلم بل إنه ربما أخذه من غيرهم كقوله: (سمعت بعضهم يذكره) (1) ، أو قوله: (سمعت أبي يصفه بالذكاء) (2) ، أو (سمعت هذا الخبر من أبي - رحمه الله -) (3) .
وأما قال لي فإن هذه العبارة توحي بأن القول خاص بابن الفرضي مما قد يجعله ينفرد بها عن غيره من الرواة بخلاف سمعت فإنه قد يكون شاركه أحد فيه، وقد أورد ابن الفرضي هذه العبارة كثيراً وكانت في الغالب إجابة لسؤال وجهه ابن الفرضي لشخص ما يسأله عن معلومة تتعلق بشخص معين لاسيما في تحديد سنة الوفاة أو المولد حيث يقول: قال لي فلان ولدت (4) ، أو (قال لي ابنه أو صديقه أو غيرهما توفي فلان) (5) ، كما نلاحظ أن هذه العبارة وردت إجابة على سؤال وجهه ابن الفرضي لأحد الذين قدموا من رحلتهم العلمية إلى المشرق، وكان يتوقع أن لديهم إجابة على أشكال معين لديه (6) .
كذلك وردت هذه العبارة إجابة على سؤال في تعديل الرجال، أو جرحهم مثل قوله عن محمد بن عيسى بن رفاعة: (قال لي محمد بن أحمد هو كذاب …) (7) ، وقوله عن محمد بن جنادة الأشبيلي: (قال لي العباس بن أصبغ: سمعت محمد بن قاسم يثني على محمد بن جناده …) (8) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1306.
(2) المصدر السابق ترجمة 1285.
(3) المصدر السابق ترجمة 881.
(4) انظر على سبيل المثال تراجم 742، 885، 455، 221، 1320.
(5) انظر مثلاً ترجمة 10، 1069، 1272، 1205، 1231، 1189.
(6) انظراً مثلا ترجمة 50، 1391، 1403، 1364، 250.
(7) المصدر السابق ترجمة 1245.
(8) المصدر السابق ترجمة 1150.(1/453)
وهذا المنهج في تلقي المعلومات له ميزة عن غيره إذا أنه ربما حصلت فيه محاورة بين القائل والمستمع يتم من خلالها الحصول على مزيد من المعلومات، ومن ذلك قوله: (قال لي العباس بن أصبغ: قال لنا محمد بن عبد الملك بن أيمن كان يحيى بن قاسم بن هلال أحد العباد المجتهدين،كان يصوم حتى يحتضر، وهو صاحب الشجرة. قلت للعباس: ما معنى الشجرة؟ قال: كانت في داره شجرة تسجد لسجوده، إذا سجد …) (1) .
ومن الأمثلة على ذلك ما قيل لابن الفرضي عن عبد الله الزجالي من مدح وتزكيته وأن عائذاً قال له ما أعرف أحداً يصلح للقضاء غيره فذكر هذا الأمر لسليمان بن أيوب فقال له: (كان أولى بالقضاء من ابن أبي عيسى: ومن منذر ومن غيرهما، ثم قال لي: هذا الذكر يغار له الناس) (2) .
كذلك استخدم ابن الفرضي عبارة أخبرني، أو أخبرنا ومعظم الروايات التي ساقاها هنا مصدرها أحد قرابة المتحدث عنهم، وهي متعلقة بتاريخ وفاته (3) ، وهذا يدل على حرصه في أخذ المعلومات والأخبار من مصادرها القريبة والمطلعة، وهكذا نرى أن الصيغ التي استخدمها ابن الفرضي في نقل معلوماته في كتابه تاريخ العلماء هي الصيغ المستخدمة عند المحدثين مما يؤكد أثر ثقافته في العلوم الشرعية على ثقافته العامة واتجاهات التأليف الأخرى لديه لا سيما في ميدان التأريخ.
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1565.
(2) المصدر السابق ترجمة 732.
(3) انظر تراجم 270، 306، 327، 130، 887، 738، 451، 366.(1/454)
كما أورد ابن الفرضي بعد هذه العبارة أخباراً أخرى تتعلق بالمولد (1) ، أو الإجازة (2) ، أو الثناء على الرجال (3) أو غيرها، وكان ابن الفرضي يحدد مكان تلقيه الخبر الشفوي مثل قوله حينما ذكر وفاة أبي الفرج عبدوس بن محمد بن عبدوس: (أخبرني بوفاته عبيد بن محمد الشيخ الصالح نعاه إليّ في داره) (4) .
كان هذا عرضاً لمصادر ابن الفرضي الشفوية، وقد بدا لنا من خلال استقراء نصوصها ما يلي:
- أن مصدر الرواية الشفوية عند ابن الفرضي كانوا إما شيوخه غالباً أو أقرانه ومعاصريه من أقارب المتحدث عنهم، وكان أشهر من روى عنهم من شيوخه يحيى بن مالك العائذي، ومحمد بن أحمد بن محمد بن مفرج، وأحمد بن عبد الله بن عبد البصير، وخطاب بن مسلمة بن بتري، وسهل بن إبراهيم بن سهل أبو القاسم، وعبد الله بن محمد ابن القاسم الثغري، وقاسم بن محمد بن أصبغ، ومجاهد بن أصبغ البجاني، ومحمد بن عمرو الأسدي، ومحمد بن محمد بن أبي دليم، ويحيى بن هذيل بن عبد الملك، وعباس ابن أصبغ الحجازي، وعبد الله بن محمد الباجي وغيرهم.
- أن ابن الفرضي كان أحياناً لا يحدد مصدر تلقيه الخبر الشفوي بل يقول أخبرني بذلك من كتب عنه أوسمع منه أو بعض أقاربه وغيرها من العبارات، بل أنه ربما كان أكثر تعميماً حين يقول ويحكي أنه … (5) ، كما أنه قد يجمع بين صيغتي أداء الخبر كأن يقول: وأخبرني وسمعت فلانا (6) ، وقد يجمع بين الرواية الشفوية والمكتوبة (7) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 12.
(2) المصدر السابق ترجمة 798.
(3) المصدر السابق ترجمة 739.
(4) المصدر السابق ترجمة 1003.
(5) المصدر السابق ترجمة 365.
(6) المصدر السابق ترجمة 398، 588، 591.
(7) المصدر السابق ترجمة 586، 595.(1/455)
- مما يميز هذا النوع من المصادر أن ابن الفرضي لا يتعامل مع مصادر جامدة، بل إنه يتعامل مع رجال قد استوعبوا ما يقولون، وعايشوه كما عايشوا من ينقلون إليه الخبر، ولهذا سنحت فرصة للسؤال والمناقشة بين الطرفين لما قد يشكل حول الخبر المنقول، ومن الأمثلة على ذلك قوله حينما تحدث عن خالد بن سعد: (وكان إسماعيل يرفع به جداً … وسألت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى القاضي عن خالد هل كان بحيث يضعه إسماعيل من العلم بالحديث؟ فقال لي: أعور بين عميان…) (1) ، وكذلك قوله عن مسلمة بن القاسم: (وسمعت من ينسبه إلى الكذب وسألت محمد بن أحمد بن يحيى القاضي عنه فقال لي لم يكن كذاباً، ولكن كان ضعيف العقل) (2) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 398.
(2) المصدر السابق ترجمة 1423.(1/456)
بل إن المصادر الشفوية ربما كانت معينة في تفسير وكشف غموض بعض ما يرد في المصادر المكتوبة، ومن الأمثلة على ذلك قول ابن الفرضي عن مروان بن عبد الملك الفخار: (وقرأت بخط أحمد بن محمد بن عبد البر قال: قال لي أحمد بن خالد: كان مروان الفخار ساكناً بأقريطش (1) وكان أصله من هنا، كان جاراً لبقي بن مخلد، قال: وكان له عشرين جارية تساوي كل جارية خمسمائة دينار: ولقد كانت له صبية تخرج إلى الفرن، وكانت ربما تأتيني بهدية يبعثها إلي فلقد كنت أتمنى أن تكون لي … ولقد قال لي: أن لي اليوم عشرين سنة ما أبيت إلا في ثيابي بعمامتي كما تراني وما أمس واحدة منهم، قلت لأحمد ابن كم؟ قال ابن ستين أو أكثر منها، قلت لأحمد: فعلى مروان كانت تدور فتيا أهل أقريطش؟ ، قال لي نعم، قلت له: وكان يحسن الفتيا؟ قال: كذا قال: ولقد جادلني يوماً في مسألة وكان فيها المخطئ، …) (2) .
وبهذا يتبين لنا أن المصادر الشفوية كانت من المصادر المهمة عند ابن الفرضي، بل إنه وبحكم معايشته لكثير من رواتها وأحداثها أفاد منها كثيراً، ولعل جرأة ابن الفرضي ومكانته العلمية فضلاً عن مواهبه العلمية والثقافة مما ساعده على ذلك ومكنه من السؤال عما أشكل والتحري عن الراوي والمروي عنه. ...
__________
(1) أقريطش: جزيرة في بحر الروم بها مدن كثيرة طولها اثنان وسبعون ميلاً وعرضها خمسون ميلاً، وكانت مأوى للفارين من الأندلس أيام الفتن والأزمات السياسية، فقد لجأ إليها عدد من العلماء أثناء فتنة الربض، ولهذا اشتهرت بعلمائها، وهي خصبة التربة. (الأدريسي: نزهة المشتاق ص 193، الحميري: الروض المعطار ص51.
(2) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 415.(1/457)
كان هذا عرضاً لمصادر ابن الفرضي وطرق تلقيه الأخبار حين تدوين كتابه تاريخ علماء الأندلس، وبالإضافة إلى هذه المصادر التي صرح بها وذكرها، فقد اعتمد أيضاً على مصادر أخرى غير محددة أو منسوبة إلى شخص معين مثل قوله: ذكر أو أخبرني بعض أصحابنا (1) ، أو بعض أهله (2) ، أو أهل موضعه (3) أو من أثق به (4) أو أهل العلم (5) ، أو غير واحد (6) ، أو جماعة (7) ، أو بعض الشيوخ (8) ، أو بعض من كتب عنه (9) ، أو كتب عنه وسمع منه (10) ، أو من سمع (11) وغيرها من العبارات التي توحي بأخذ ابن الفرضي من مصدره مباشرة، لكنه لم يحدده باسمه إما لدواعي الاختصار، وهو منهج عمل به كثيراً في التعامل مع مصادره وأسانيدها، وقد يكون الغرض كثرة من تلقى عنهم الخبر بدرجة أن الرواية أصبحت متواترة لديه مما جعله لا يرى حاجة إلى تحديد مصدرها، بل إن هذا الشعور جعله أحياناً لا يحدد مصدره، بل يقول فيما بلغني (12) أو ويحكى (13) ، وهكذا تبدو لنا دقة ابن الفرضي في التعامل مع مصادره، حيث كان ينسب الأقوال إلى أصحابها، بل إنه كان حينما يسمع الخبر من مصادر متعددة يوضح ذلك حيث ينسب كل جزئية إلى قائلها ومن ذلك قوله حينما تحدث عن عبد الرحمن بن صفوان: (ذكر بعض أمره خالد، وبعضه من كتاب ابن حارث، وكتبت نسبه من كتاب محمد بن أحمد (14) .
__________
(1) المصدر السابق تراجم 23، 67، 150، 187، 223.
(2) المصدر السابق ترجمة 33، 36، 327.
(3) المصدر السابق تراجم 375، 1002، 1485.
(4) المصدر السابق ترجمة 29.
(5) المصدر السابق ترجمة 1432.
(6) المصدر السابق ترجمة 7، 223.
(7) المصدر السابق ترجمة 110.
(8) المصدر السابق ترجمة 108، 310.
(9) المصدر السابق ترجمة 143، 253، 3840.
(10) المصدر السابق ترجمة 341.
(11) المصدر السابق ترجمة 341، 767.
(12) المصدر السابق ترجمة 148.
(13) المصدر السابق ترجمة 365.
(14) المصدر السابق ترجمة 786.(1/458)
حاسة النقد التاريخي عند ابن الفرضي وأثرها على موقفه من مصادره:
إن ابن الفرضي العالم، الحافظ، الراوية، المحدث، الفقيه، القاضي، الناقد قد تعامل مع مصادره المختلفة حسبما يقتضيه المنهج العلمي لمن هو بمثل هذا المستوى من النضج العلمي، إذ أن هذه المزايا العلمية، وتلك المواهب، والقدرات الشخصية قد مكنته من الإحاطة بمصادره والتعامل معها بصدق وأمانة، حيث ينسب الروايات والأخبار إلى مصادرها، أو قائليها في الأعم الغالب، كما أنه - أحياناً - لا يكتفي بالنقل بل يناقش، ويحلل بعض الروايات معتمداً في ذلك على الدليل والحجة سواء أكانت نقلية، أو استنباطية، ويدرك من يتتبع هذا المنهج التحليلي عند ابن الفرضي أن حاسة النقد التاريخي كانت لديه قوية، وقد بدا هذا واضحاً خلال تعامله مع مصادره إذ لم يكن يقبل كل ما ذكرته المصادر على أنه قضايا مسلم بها، بل كان يحلل ويناقش، كما كان ينتقد ويرد بعض الروايات والأخبار، ومن خلال تتبعنا لهذا المنهج بدت لنا القضايا التالية:(1/459)
- أنه يحلل ويناقش بعض الروايات والأحاديث التي يسوقها والتي قد يبدو عليها الضعف أو الاختلاق، ويبين رأيه فيها، ومن ذلك قوله: (أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي دليم ومحمد ابن يحيى بن عبد العزيز قالا: نا أحمد بن خالد قال: نا محمد بن وضاح قال: نا آدم بن أبي إياس العسقلاني قال: نا أبو محمد قتيبة عن أبيه عن شيبان عن أبي طبية الجرجاني قال: قال رسول الله ش من رابط بعسقلان ليلة، ثم مات بعد ذلك بستين سنة مات شهيداً، وإن مات في أرض الشرك) (1) ، وقد علق ابن الفرضي على هذا الحديث بقوله: (قال عبد الله ابن محمد - يعني نفسه-: وهذا الحديث منكر جداً) (2) .كما روى عن محمد بن منصور المرادي الأندلسي قوله: (أخبرنا أبو زكريا العائذي قال: نا الحسن بن رشيق قال: نا أبو بكر محمد بن منصور المرادي الأندلسي قال: نا أبو إسماعيل الأيلي حفص بن عمر، قال: حدثني ثور بن يزيد عن يزيد بن مرثد، عن أبي رهم قال: سمعت رسول الله ش يقول: " إذا رجع أحدكم من سفره فليرجع إلى أهله بهدية فإن لم يجد إلا أن يلقى في مخلاته حجراً أو حزمة حطب فإن ذلك مما يعجبهم " (3) .
وقد علق على هذا الحديث بقوله: قال عبد الله بن محمد - يعني نفسه-، وهذا الحديث باطل (4) . لكنه لم يوضح سبب رد الحديث هل هو لعلة في الإسناد أو المتن، ويبدو أنه هنا اكتفى بمنهج بعض المؤرخين بينما يقتضي منهج أهل الحديث ذكر السبب والعلة حتى يقبل كلامه ويؤخذ بما قاله.
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 431.
(2) المصدر السابق ترجمة 431.
(3) المصدر السابق ترجمة 1206.
(4) المصدر السابق ترجمة 1206.(1/460)
كما روى بعض الأحاديث التي لم تصح عن الرسول ش، وقد بين رأيه فيها، ومن ذلك ما رواه محمد بن عبد الله المطماطي البزار: (أخبرنا أصبغ بن عبد الله، قال: قال لنا ابو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان لمالكي: وممن روى عن مالك من أهل الأندلس محمد ابن عبد الله المطماطي، أجاز لي محمد بن عمر الأندلسي عنه، عن مالك، عن ربيعة، عن أنس، عن النبي ش: " من لم يعدني في رمدي، لم أحب أن يعدني في علتي " كذا قال ابن شعبان، وحدثنا به من طرف عن محمد بن عبد الله المطماطي هذا، عن عبد العزيز بن يحيى، عن مالك. وهذا حديث منكر لا يثبت من غير طريق مالك، فكيف لمالك؟ !) ، ثم دعم رأيه هذا بقول شيخه محمد بن أحمد بن يحيى بأنه روايته عن مالك غير مقبولة ولا ممكنة (1) .
وكذلك الحديث الذي رواه محمد بن ميسور: (أخبرني أبو ثابت قال: أملى علينا خالد بن سعد قال: كتب إلي محمد بن منصور الرجل الصالح بخط يده، وقال في كتابه: كتبت إليك يا أخي أكرمك الله بطاعته، ومن قدس الله، ومسرى نبيه ش قال: حدثني غسان القاضي القلزم، قال: حدثني أبي، قال: نا محمد بن عزيز الأيلي، قال: نا يعقوب ابن أبي الجهم ابن سوار الأسدي، قال: نا عمرو ابن جرير، عن عبد العزيز يعني: ابن زياد، عن أنس قال: بينما نحن عند النبي ش إذا عطس عثمان رضي الله عنه ثلاث عطسات متواليات: فقال النبي ش: " يا عثمان: الا أبشرك، هذا جبريل يخبرني عن الله تبارك وتعالى: ما من مؤمن يعطس ثلاث عطسات متواليات إلا كان الإيمان ثابت في قلبه " وقد بين ابن الفرضي رأيه بهذا الحديث حيث قال: قال عبد الله: هذا حديث منكر لا أصل له) (2) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1097.
(2) المصدر السابق ترجمة 1256.(1/461)
ومن ذلك أيضاً أخبرنا أحمد بن خالد، قال: نا يزيد بن عمر الأندلسي، قال: نا ابن العرابي أحمد بن محمد بن بشر بمكة، قال: نا الزعفراني، عن سفيان بن عيبنة، عن الزبيري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر، قال: حضرت رويفع ابن ثابت الأنصاري: وهو يسأل رسول الله ش عن الفتنة، وكيف هو ناج منها؟ فقال له رسول الله ش: " يا رويفع: إلزم الجبال والقفار، فإنه أسلم لدينك ودنياك … بل الحياة فعليك: بسكنى مدينة برقة (1) ، إنها ستفتح عليكم وغيرها: من مدائن المغرب " وفي الخبر: " مدينة في الإسلام بعض الأرض المقدسة ساكنها سعيد وميتها - في آخر الزمان - عريق، فقال عبد الله بن عمر: فما زلت أجعل ذلك من بالي، من أجل هذا الحديث حتى فتح الله على المسلمين مصر والمغرب، فسأل رويفع عمر بن الخطاب أن يوفده إلى المغرب فولاه برقة، فلم يزل بها حتى مات فيها، وقبره بها رحمه الله "، وقد بين ابن الفرض رأيه في هذا الحديث بقوله: قال عبد الله - يعني نفسه- أن هذا الحديث باطل، ولا سيما بهذا الإسناد (2) .
كانت هذه نماذج لوقفات ابن الفرضي عند بعض الأحاديث التي أوردها حيث بيّنَ رأيه في صحتها.
__________
(1) برقة: مدينة أفريقية تقع في المغرب الأدنى بينها وبين البحر ستة أميال، ولهذا قيل عنها إنها برية بحرية، وهي أول مدينة ينزلها القادم من مصر إلى القيروان. (الحميري: الروض المعطار ص91) .
(2) المصدر السابق ترجمة 1609.(1/462)
- وقد كان للروايات التاريخية نصيبها من المناقشة والتحليل حيث وقف عند بعضها مناقشاً ومحللا معتمداً في ذلك على حاسته التاريخية، ومن الأمثلة أنه حينما تحدث عن محمد بن عيسى بن رفاعة الخولاني ذكر أنه ينسب إلى الكذب، وأن محمد بن أحمد قد قال له: إنه كذاب (1) ، ولم يكتف ابن الفرضي بهذا الحكم: بل أعقب ذلك بذكر الدليل وهو أن الخولاني حينما قدم إلى قرطبة أخرج كتاباً مُختلقاً من حديث سفيان بن عيينة جله سفيان عن الزهري عن أنس عن النبي ش، وليس لسفيان عن الزهري عن أنس من المسند إلا ستة أحاديث أو سبعة، وهكذا افتضح أمره وشُهر بالكذب كما يقول ابن الفرضي (2) ، ومن ذلك قوله: أخبرني إسماعيل قال: قال خالد بن سعد: ذكرت في كتابي مناقب الناس، ومحاسنهم إلا رجلين محمد بن وليد القرطبي، وسعيد بن جابر الأشبيلي فإني صرحت عليهما بالكذب وكانا كذابين (3) ، لكن ابن الفرضي لم يأخذ بقول خالد على الرغم من كونه من مصادره المهمة بل إنه رأى مناقشة روايته هذه حيث علق على ذلك بقوله: (ولم يكن سعيد ابن جابر - إن شاء الله - كما قال خالد قد رأيتُ أصول أسمعته، ووقع إلي كثير منها فرأيتُها نزل على تحري الرواية وورع في السماع وصدق) (4) ، ولم يكتف ابن الفرضي بهذا بل ساق أدلة أخرى ومنها قوله: (وقد حدثني العباس ابن أصبغ قال: سمعت محمد بن قاسم يثني على سعيد بن جابر ويقول: كان صاحبنا عند النسائي ووصفه بالصدق قال لي عباس ومحمد بن قاسم: بعثني إلى سعيد ابن جابر لما كنت أسمع من ثنائه عليه) (5) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1245.
(2) المصدر السابق ترجمة 1245.
(3) المصدر السابق ترجمة 494.
(4) المصدر السابق ترجمة 494.
(5) المصدر السابق ترجمة 494.(1/463)
وحينما تحدث عن عبيد الله بن عمر بن أحمد القيسي الشافعي قال: (سمعت محمد بن أحمد بن يحيى ينسبه إلى الكذب، ووقفت على بعض ذلك في تاريخ أبي زرعة الدمشقي من أصوله، وقع إلي وقرأته على أبي عبد الله بن مفرج فرأيته قد أدعى روايته عن رجل من أهل دمشق يقال له بكر بن شعيب زعم أنه حدثه عن أبي زرعة، وكان أبو عبد الله قد لقي هذا الرجل وكتب عنه، وحكى أنه لم تكن له سن يجوز أن يحدث بها عن أبي زرعة) (1) ، ولم يكتف ابن الفرضي بهذه الأدلة بل إنه أضاف دليلاً آخر وهو قوله:
(وكان عبيد الله قد بشر -أي كشط- إسناداً في آخر الكتاب وكتب مكانه هذا الرجل) (2) .
ولما تحدث عن يحيى بن معمر بن عمران وذكر سيرته قال: ذكر ذلك أحمد ولم يذكر أن يحيى بن معمر استقضي مرة ثانية، لكن ابن الفرضي وضح ذلك حيث ذكر رواية عن ابن حارث أن الأمير عبد الرحمن استقضاه مرة ثانية، وبين أن هذا الرأي هو الصحيح والدليل عليه أن يحيى بن معمر صلى بالناس صلاة الخسوف بقرطبة سنة ثمان عشرة في مسجد أبي عثمان وهو قاض (3) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 771.
(2) المصدر السابق ترجمة 771.
(3) المصدر السابق ترجمة 1555.(1/464)
وكان ابن الفرضي يذكر أحياناً الرواية الراجحة لديه دون أن يذكر الدليل أو سبب الترجيح، فحينما تحدث عن وفاة عبيدون بن محمد الجهني قال: (وتوفي ليومين مضيا من شوال سنة خمس وعشرين وثلاثمائة من كتاب خالد، وفي كتاب محمد بن أحمد توفي في شوال سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وهو أصح إن شاء الله) (1) ، هكذا رجح رواية محمد ابن أحمد على ما ذكره خالد دون أن يذكر سبباً أو دليلاً يدعم ما قاله، ولم يكن الترجيح بين الروايات سواءً بدليل أو بدونه منهجاً دائماً عند ابن الفرضي، بل إنه كان أحياناً يذكر الروايات التاريخية وأقوال المؤرخين المتباينة في القضية الواحدة ويتوقف عن ترجيح رواية على أخرى، وذلك حينما لا يملك الحجة البينة أو لا يتضح له الحق والصواب والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة منها: (أخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى قال: نا ابن فراس قال: حدثنا محمد بن علي الصائغ قال: نا سعيد بن منصور قال: نا هشيم قال: نا عبد الرحمن بن يحيى عن حبان بن أبي جبلة الحسني عن أبي عباس: أن آية من كتاب الله سرقها الشيطان: [بسم الله الرحمن الرحيم] .
وأخبرنا خلف بن القاسم قال: نا علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي قال: بمكة قال: نا محمد بن سليمان بن فارس قال: نا محمد بن إسماعيل البخاري قال: نا ابن أبي مريم قال: نا بكر سمع عبد الله بن زجر عن حبان بن أبي جبلة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (لا تسلموا على شربة الخمر) (2) ، ولم يبين ابن الفرضي حكم هذين الحديثين.
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1001.
(2) المصدر السابق ترجمة 383.(1/465)
ومنها ما ذكره عن عبد الله بن مسرة بن نجيح حيث قال: وأخبرني إسماعيل قال: أخبرني خالد قال: كان محمد بن إبراهيم بن حيون يشهد على عبد الله بالقدر، ويقول لي: كان يحزن فيه - أي يكتمه - ثم عقب على ذلك ابن الفرضي بقوله: (كان عبد الله بن مسرة فيما أخبرني من أثق به فاضلاً، ديناً، طويل الصلاة) (1) ، هكذا أورد ابن الفرضي هاتين الروايتين دون أن يذكر رأيه في الصحيح والمقبول منها، وقد تكرر هذا الموقف منه كثيراً وفي عدد من الروايات التاريخية (2) .
وهذا المنهج - في الحقيقة- لا يعد قصوراً في شخصية ابن الفرضي، بل هو نهج سار عليه كبار المؤرخين والكتاب وعلماء الرجال، والجرح والتعديل، وهو ما يسمى عندهم بالتوقف في المسائل التي لا يملكون دليلاً قوياً أو بينة واضحة في القول بها، أو الحكم عليها.
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 652.
(2) إنظر على سبيل المثال ترجمة 586، 646، 652، 382، 391، 396.(1/466)
وعلى الرغم من كون ابن الفرضي محدثاً وناقداً (1) ، ومهتماً بمصادره ومن يأخذ عنه، فإنه كان أحياناً يأخذ من المجاهيل ويذكر بعض الرؤى والحكايات التي قد يبدو الضعف عليها سنداً أو متناً، فمن أمثلة أخذه من المجاهيل قوله: أخبرنا إسماعيل قال: نا خالد قال: حدثنا بن البابا والأعناقي قال: نا أبان بن عيسى بن دينار عن أبيه قال: قال لي عامر: قال مالك: (قل هو الله أحد) من المعوذات، قال: الأعناقي: عامر هذا كان عندنا معلماً بقرطبة روى عنه عيسى بن دينار (2) ، وقوله: كان معلماً يشعر بأنه معلم والمعلم هو معلم الصبيان، كما أن هذا الراوي مجهول النسب غير معروف بحمل العلم وروايته، كما أنه ليس من المعروفين بالرواية عن مالك ابن أنس -رحمه الله - حيث ترجم له ابن الفرضي بقوله: عامر المعلم من أهل قرطبة (3) ولم يزد على، وهذا يدل على أنه يأخذ عن المجاهيل غير المعروفين بالرواية والنقل.
كما روى بعض الحكايات والرؤى عن بعض من ترجم لهم فمن الرؤى ما رواه عبد الله بن محمد بن علي القيسى (أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي قال: نا أحمد بن خالد قال: ذكر لنا ابن وضاح عن أبي محمد الخشاب السرقسطي صاحبه، وكان نعم الرجل مؤتمناً على ما يقول أنه رأى في منامه النبي ش يمشي في طريق، وأبو بكر خلفه وعمر خلف أبي بكر، ومالك ابن أنس خلف عمر، وسحنون خلف مالك، قال ابن وضاح: فذكرته لسحنون فسر بذلك) (4) .
__________
(1) ابن بشكوال: الصلة ص 253.
(2) المصدر السابق ترجمة 629.
(3) المصدر السابق ترجمة 629.
(4) المصدر السابق ترجمة 640.(1/467)
كذلك من الرؤى ما ذكره ميكايل بن هارون الباهلي (أخبرني سهل بن إبراهيم قال: حدثني أبي قال: حدثني رجل سماه كان قيماً في المسجد الجامع باستجة قال: كنت جالساً في مجلس ميكايل بن هارون إذ وقف علينا رجل فقال: أيكم مكايل بن هارون فأشرنا له إليه، فقال: أتاني الليلة آت في منامي فقال لي بشر مكايل بن هارون بالجنة، أو قال: قل لمكايل أنه من أهل الجنة) (1) .
أما الحكايات فمنها ما رواه عن أبي العجنس: (قرأت بخط محمد بن أحمد الذهري الزاهد: قال لنا محمد بن وضاح: كان أبو العجنس رجل يسكن غدير بني ثعلبة يقال: إنه كانت له في رمضان ثلاث أكلات: من سبعة أيام إلى سبعة أيام، ثم أكلة الفطر، وهو الذي مر به الحكم بن هشام، فسلم عليه وأشار بالخيزران -: وكان على سقف له يبنى - فرد عليه أبو العجنس وأشار بالأطر له، فكلم بذلك فقال: أشار إلي بالخيزران فأشرت إليه بالاطرلة) (2) .
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1490.
(2) المصدر السابق ترجمة 911.(1/468)
ويبدو أن الكم الهائل من المادة العلمية التي جمعها، بالإضافة إلى تناثر جزئياتها، وكثرة تفصيلاتها الدقيقة، مع تعدد موارده ومصادره، واتساع إطارها الزماني جعلته أحياناً يفقد حاسته التاريخية مما أوقعه في بعض الأخطاء العلمية أو التناقض فيما يذكره من معلومات أو أخبار، فمن الأخطاء التاريخية قوله: ((وأخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى قال: محمد بن محمد بن معروف النيسابوري قال: نا عبد الرحمن بن الفضل الفارسي قال: نا محمد بن إسماعيل البخاري قال: نا يحيى بن بكير عن الليث قال: وفي سنة اثنتين وعشرين ومائة قتل عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أمير الأندلس)) (1) ، وهو بهذا القول الذي رواه بإسناده عن البخاري يناقض نفسه حيث ذكر حين ترجمته لعبد الرحمن الغافقي إنه توفي سنة خمس عشرة ومائة (2) ، كما يخالف إجماع المؤرخين المسلمين الذين ذكروا أن وفاته كانت في أعقاب هزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء سنة 114هـ (3) .
كما ذكر أن وفاة عبد الملك ابن قطن سنة خمس وعشرين ومائة (4) ، وهذا التحديد غير متفق مع ما ذكره المؤرخون من أن وفاة هذا الوالي كانت في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين ومائة كما ذكره ابن عذاري (5) ، وابن الأثير (6) ، والمقري (7) .
ولم تكن هذه التجاوزات والأخطاء قاصرة على تحديد سني الوفيات، بل تجاوزتها إلى بعض الأحداث التاريخية المشهورة ومنها قوله عن نهاية عبد العزيز بن موسى ابن نصير:
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 773.
(2) المصدر السابق ترجمة 772.
(3) المقري: نفح الطيب جزء 3 ص 16 (نقلاً عن ابن حيان) ، ابن خلدون: العبر: ج4 ص258، وقد ذكر كل من ابن الأثير: الكامل ج5 ص174 – 175، وابن عذاري: البيان المغرب ج1 ص 51، ج2 ص28، أن ذلك كان في سنة خمس عشرة ومائة
(4) ابن الفرضي: تاريخ العلماء ترجمة 814.
(5) البيان المغرب ج2 ص 231، 132.
(6) الكامل ج5 ص 252.
(7) نفح الطيب ج 3 ص 19.(1/469)
(وكان أبوه قد استخلفه على الأندلس فأقام واليها إلى أن كتب سليمان بن عبد الملك هنالك فقتلوه، وأتوه برأسه (1) . هكذا حمل الخليفة سليمان بن عبد الملك مسئولية مقتل عبد العزيز بن نصير مع أن هذه القضية قد رفضها المؤرخون سلفاً وخلفاً ولم يقل بها سوى فئة من مؤرخي الأندلس المتأخرين، وممن رفضها من المؤرخين ابن عبد الحكم (2) ، وابن القوطية (3) ، وصاحب أخبار مجموعة (4) ، والحميدي (5) ، والضبي (6) ، وغيرهم، كما ذكر بأن عودة موسى بن نصير من الأندلس إلى المشرق كانت سنة أربع وتسعين (7) ، بينما الذي ذكره المؤرخون (8) أن ذلك كان في ذي الحجة سنة خمس وتسعين.
كذلك لم يسلم ابن الفرضي من بعض التناقض بين بعض الروايات التي ذكرها، ومن الأمثلة على ذلك قوله: بأن محارب بن قطن بن عبد الواحد توفي سنة ست وخمسين ومائتين، كذا قال إسماعيل عن كتاب خالد (9) ، لكنه يناقض هذا القول بعد ذلك حيث قال: (ورأيت شهادته في وثيقة تاريخها للنصف من ربيع الأول سنة احدى وثمانين ومائتين (10) ، هكذا يبدو عدم صحة الرواية الأولى لكن ابن الفرضي أوردها ولم يحاول ردها وبيان خطأها لأن ما ذكره في الرواية الثانية دليل مادي يعد أقوى من قول إسماعيل عن خالد.
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 825.
(2) فتوح أفريقيا والأندلس ص85.
(3) تاريخ افتتاح الأندلس ص36.
(4) أخبار مجموعة ص19.
(5) جذوة المقتبس ص271.
(6) بغية الملتمس ص273.
(7) المصدر السابق ترجمة 1456.
(8) ابن عبد الحكم: فتوح أفريقيا والأندلس ص 81 – 82، مؤلف مجهول: أخبار مجموعة ص 27، المقري ج 1 ص277، كما قال بهذا صاحب كناب الإمامة والسياسة ج2 ص86.
(9) المصدر السابق ترجمة 1407.
(10) المصدر السابق ترجمة 1407.(1/470)
كذلك قال عن عفير بن مسعود ابن عفير وعاش إلى أن بلغ المائة وتوفي رحمه الله سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان مولده سنة عشرين ومائتين، ذكره محمد بن حسن (1)
__________
(1) المصدر السابق ترجمة 1008.
المصادر والمراجع
ابن الأبار: أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي المعروف بابن الأبار (ت 658 هـ) . - الحلة السيراء، تحقيق حسين مؤنس، نشر الشركة العربية للطباعة والنشر ط / الأولى 1963م - التكملة لكتاب الصلة، نشر وتصحيح السيد عزت العطار الحسيني 1375هـ.
ابن الأثير: أبو الحسن علي بن محمد الشيباني (ت 630 هـ) . - الكامل في التاريخ، نشر دار صادر بيروت 1385 هـ.
الادريسي: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس (ق 6 هـ) . - صفة المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس (مأخوذة من كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) ط/ لندن 1968م.
بالنثيا: أنخل جنثالت. - تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة حسين مؤنس، القاهرة 1955 م.
البخاري: محمد بن إسماعيل (ت256 هـ) . - التاريخ الكبير. نشر دائرة المعرف العثمانية حيدر آباد (سنة 1358 هـ) .
الأزدي: أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي (ت 409 هـ) . - المؤتلف والمختلف في أسماء نقلة الحديث.
- مشتبه النسبة (وقد طبع هذان الكتابان في مجلد واحد، الطبعة الأولى بالهند سنة 1320 هـ بعناية محمد محيي الدين الجعفري.
الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف (ت474 هـ) . - التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح تحقيق أبو لبابة حسين، نشر دار اللواء بالرياض 1406 هـ.
ابن بسام: أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني (ت 542 هـ) . - الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة بيروت، ط / الثانية 1399 هـ.
ابن بشكوال: أبو القاسم خلف بن عبد الملك (ت 578 هـ) - كتاب الصلة، المكتبة الأندلسية، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966م.
البكري: عبد الله بن عبد العزيز البكري (487 هـ) . - جغرافية الأندلس وأوروبا، من كتاب المسالك والممالك، تحقيق عبد الرحمن الحجي، بيروت 1378 هـ.
حاجي خليفة: مصطفى بن عبد الله (ت 1068 هـ) . - كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون، تحقيق شرف الدين يالنقايا، نشر دار العلوم الحديثة بيروت.
ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت 456 هـ) . - الفصل في الملل والأهواء والنحل، الطبعة الثانية بيروت، دار المعرفة 1395 هـ.
الحموي: أبو عبد الله ياقوت عبد الله (ت 626 هـ) . - معجم البلدان نشر دار صادر بيروت.
الحميدي: أبو عبد الله بن أبي نصر (ت 488 هـ) . - جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، تحقيق إبراهيم الأبياري الطبعة الثانية 1403 هـ.
الحميري: محمد بن عبد المنعم (ت 900 هـ) . - الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق إحسان عباس، نشر مكتبة لبنان بيروت ط / الثانية 1984 م.
ابن حيان: أبو مروان حيان بن خلف بن حيان (ت 469 هـ) - المقتبس في أخبار بلد الأندلس، تحقيق شالميتا بالتعاون مع آخرين، نشر المعهد الإسلامي العربي في مدريد 1979 م. - المقتبس من أنباء أهل الأندلس، تحقيق الدكتور محمود علي مكي، طبع دار الكتاب اللبناني بيروت 1393 هـ
ابن خاقان: أبو نصر الفتح بن محمد بن عبد الله القيسي (ت 526 هـ) - مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس، تحقيق محمد علي شوالة، الطبعة الأولى بيروت، مؤسسة الرسالة 1403 هـ.
ابن خلدون: أبو زيد عبد الرحمن بن محمد (ت 808 هـ) - العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى 1401 هـ.
ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد (ت 681 هـ) . - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق الدكتور إحسان عباس ط / دار صادر بيروت.
الذهبي: أبو عبد الله شمس الدين الذهبي (ت 748 هـ) . - تذكرة الحفاظ، الطبعة الثالثة مطبعة دائرة المعارف بحيدر آباد سنة 1376هـ. - سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي،نشر جامعة الإمام الطبعة الأولى 1405 هـ.
الراجحي: شرف الدين. - مصطلح الحديث وأثره على الدرس اللغوي عند العرب، نشر مؤسسة الرسالة بيروت، ط1 سنة 1983م.
سالم: السيد عبد العزيز. - تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس من الفتح العربي حتى سقوط الخلافة بقرطبة، نشر مؤسسة شباب الجامعة بالأسكندرية 1999 م.
سالم: سحر عبد العزيز. - تاريخ بطليوس الإسلامية وغرب الأندلس في العصر الأموي، نشر مؤسسة شباب الجامعة بالأسكندرية.
ابن سعيد المغربي: علي بن موسى بن محمد (ت 685 هـ) . - المُغرِب في حلي المغرب، تحقيق شوقي ضيف، نشر دار المعارف بمصر.
السلمي: محمد بن صامل. - منهج كتابة التاريخ الإسلامي، نشر دار طيبة بالرياض 1406هـ.
السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) - بغية الوعاة في طبقات النحويين والنحاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر المكتبة العصرية بيروت.
ابن صاعد الأندلسي: أبو القاسم صاعد بن أحمد بن عبد الرحمن (ت 462 هـ) - طبقات الأمم، تحقيق حياة علوان، الطبعة الأولى، نشر الطليعة بيروت 1985م.
الضبي: أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي (ت 599 هـ) . - بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس علمائها وأمرائها وشعرائها وذوي النباهة فيها ممن دخل إليها أو خرج عنها، طبع في مدينة مجريط سنة 1884م.
الطبري: محمد بن جرير (ت 310هـ) . - تاريخ الأمم والملوك، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، بيروت.
طه: عبد الواحد ذنون. - نشأة تدوين التاريخ العربي في الأندلس، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1988م.
ابن عبد الحكم: أبو القاسم عبد الصمد بن عبد الله (ت 257 هـ) . - فتوح أفريقية والأندلس، تحقيق عبد الله أنيس الطباع، نشر دار الكتاب اللبناني بيروت 1964 م
ابن عذاري: أبو عبد الله محمد المراكشي (ت بعد 712 هـ) . - البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ومراجعة ج. س كولان وأ. ليفي بروفنسال. دار الثقافة بيروت الطبعة الثالثة 1983م.
ابن العماد الحنبلي: أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد (ت 1089هـ) . - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، نشر دار إحياء التراث العربي بيروت.
العمري: أكرم ضياء. - موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، الطبعة الثانية دار طيبة الرياض 1405 هـ.
عياض: القاضي أبو الفضل بن موسى اليحصى السبتي (ت 544 هـ) - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، تحقيق أحمد بكير محمود، نشر مكتبة الحياة بيروت.
ابن غالب: محمد أيوب (ت ق6 هـ) . - فرحة الأنفس في تاريخ الأندلس، نشر قطعة منه وحققها لطفي عبد البديع، نشر ط / مطبعة 1956 م.
أبو الفداء: إسماعيل بن محمد بن عمر (ت732 هـ) . - المختصر في أخبار البشر، دار الكتاب اللبناني بيروت 1960 م.
ابن فرحون: إبراهيم بن علي بن محمد (ت 799 هـ) . - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تحقيق الدكتور محمد الحميدي أبو النور، نشر دار التراث للطبع والنشر.
ابن الفرضي: أبو الوليد عبد الله بن محمد (ت403 هـ) . - الألقاب، تقديم وتحقيق وتعليق محمد زينهم محمد عزب نشر دار الجيل بيروت الطبعة الأولى 1412 هـ. - تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، تحقيق عزت العطار الحسيني، الطبعة الثانية 1408 هـ، مكتبة الخانجي بالقاهرة.
ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 هـ) وقد نسب إليه الكتاب التالي. الإمامة والسياسة، تحقيق محمد الزيني، نشر مؤسسة الحلبي.
القزويني: أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد (ت446 هـ) . - الإرشاد في معرفة علماء الحديث، تحقيق الدكتور محمد سعيد بن عمر إدريس، نشر مكتبة الرشد بالرياض سنة 1409 هـ.
ابن القوطية: أبو بكر محمد بن عمر (ت 367 هـ) . - تاريخ افتتاح الأندلس تحقيق إبراهيم الأبياري، الطبعة الأولى 1402 هـ.
ابن الكردبوس: أبو مروان عبد الملك بن الكردبوس التوزري (ت ق8) . - تاريخ الأندلس لابن الكردبوس، ووصفة لابن الشباط، تحقيق الدكتور أحمد مختار العبادي، نشر معهد الدراسات الإسلامية بمدريد 1971 م.
مؤنس: حسين. - تاريخ الجغرافيا والجغرافيين في الأندلس ط2 /1406 هـ، نشر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
مجهول: أخبار مجموعة في فتح الأندلس وذكر أمرائها، تحقيق إبراهيم الأبياري الطبعة الأولى 1401 هـ.
ابن عبد الملك المراكشي: محمد بن محمد بن عبد الملك (703هـ) - الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، السفر الأول، تحقيق محمد بن شريفة، نشر دار الثقافة بيروت.
المقري: أبو العباس أحمد بن محمد التلمساني (ت 1041 هـ) . - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب، تحقيق الدكتور: إحسان عباس، دار صادر بيروت 1388هـ.أزهار الرياض في أخبار
عياض، تحقيق وتعليق مصطفى السقا وآخرين، نشر صندوق إحياء التراث الإسلامي سنة 1398 هـ.(1/471)
يعني الزبيدي، وهكذا يبدو لنا أن عفيرا قد بلغ سبعاً وتسعين عاماً حسب قولي ابن الفرضي وليس كما قرر بأنه قد بلغ مائة عام.
وبهذا العرض يتبين لنا أن ابن الفرضي وعلى الرغم من قوة الحس التاريخي لديه فإنه قد وقع في بعض الأخطاء التاريخية، أو التناقض بين بعض ما ذكره من أقوال أو روايات استقاها من مصادره، إلا أنها كانت قليلة إذا ما قورنت بكثرة ما جمعه من مادة علمية ومن مصادر وموارد مختلفة.
الخاتمة:
بعد هذه الجولة بين مصادر الحافظ ابن الفرضي في كتابه تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، والتي استقى مادته العلمية في هذا الكتاب بدت لنا القضايا والاستنتاجات التالية:
- أن القدرات والمواهب الشخصية التي تمتع بها ابن الفرضي قد ساعدته كثيرا على نضج شخصيته العلمية، فهو حافظ ومحدث وناقد وفقيه وراوية؛ وقد كان لهذا النضج العلمي أثره الواضح في قدرته على الاستيعاب ومن ثم الإحاطة بما يرى أو يسمع أو يقرأ.
- أن تعدد المشارب الفكرية عند ابن الفرضي قد أثرت على شخصيته العلمية، فبالرغم من كونه مالكي المذهب، إلا إنه لم يبق أسيرا لمذهبه بل كان يأخذ من أصحاب المذاهب والاتجاهات الفكرية الأخرى حسب حاجته وهذا التوجه إضافة إلى نزعته الأدبية واللغوية قد جعلته يملك وسائل وأساليب أعانته كثيرا على تعدد مصادره وفهمها.
- أن من يقرأ مقدمة ابن الفرضي لكتابه تاريخ العلماء يدرك اهتمامه الواضح بالتوثيق والمصادر، وأنه كان يستشعر أن آفة الأخبار رواتها كما كان يعدها مرآة صادقة لما يحويه كتابه في ثناياه من معلومات رأى أنها مهمة في بابها وموضوعها.
- كما بدا لنا من خلال استقراء مقدمة هذا الكتاب وبعد الاطلاع على ما جمعه من معلومات وأخبار في ثنايا كتابه، أن مصادره كانت متعددة ومتنوعة، وأنه لم يكن يغفل أي مصدر يظن أنه يخدمه أو يوفر له مادة علمية؛ ولهذا جاءت مصادره متنوعة ما بين مشاهد ومسموع، ومقروء أو مستنبط.(1/472)
- أن المصادر المكتوبة كانت تمثل حيزا كبيرا من بين مصادره وكان من أهمها المؤلفات التاريخية والتي أحسن اختيارها إذ جاء معظمها لعلماء يعدون من كبار علماء الأندلس آنذاك.
- وكانت المكاتبة والاستكتاب رافدا مهما لمصادره التاريخية لاسيما في الجزئيات الدقيقة من سير الأفراد حيث كان يصل إلى هذا النوع من مصادره عن طريق الرسائل التي يضمنها بعض الأسئلة والاستفسارات حول قضية معينة فيأتيه الرد مكتوبا متضمنا الجواب على سؤاله أو أسئلته.
- كما اعتمد ابن الفرضي على اللوحات والوثائق المادية في جمع مادته العلمية مثل اللوحات على القبور ووثائق المبايعات، وبالرغم من محدودية هذا النوع من المصادر عند ابن الفرضي إلا أنه كان مصدرا مهما لديه؛ وذلك لوضوحه ودقة دلالته فضلا عن سرعة الوصول إليه.
- أن إلمام ابن الفرضي بعلم الجرح والتعديل قد جعل المعاينة والمعايشة والمشاهدة من مصادره الرئيسة؛ ذلك أنه من خلال هذا العلم قام برصد صفات وقدرات ومواهب من التقى بهم أو عايشهم من أولئك الرجال، ثم ضمنها كتابه لتكون مادة علمية مهمة في كتابه.
- كانت الرواية الشفوية مصدرا مهما عند ابن الفرضي ومما ساعده كثيرا على الإفادة من هذا النوع من المصادر معايشته لكثير من رواتها وأحداثها، هذا فضلا عما يتمتع به ابن الفرضي من مواهب علمية وقدرات شخصية مكنته من السؤال عما أشكل عليه والتحري عن الراوي والمروي عنه حيث كانت لدى ابن الفرضي همة قوية ونفس واسع في تتبع هذا النوع من المصادر مع الدقة والأمانة في الرصد والنقل
- أن قوة حاسة النقد التاريخي عند ابن الفرضي قد أثرت على تعامله مع مصادره؛ إذ إنه لم يكن يأخذ كل ما تذكره مصادره على أنها قضايا مسلم بها لا تحتمل الخطأ والتحريف والزلل، بل كان يحلل ويناقش بعض الروايات كما نقد بعض ما ذكرته مصادره مما أكسب شخصيته العلمية الاستقلالية بالرأي والتحرر من كبوات وأوهام بعض المصادر.(1/473)
- على الرغم من كون ابن الفرضي محدثا وناقدا وحافظا ومهتما بمصادره ومن يأخذ عنه فإنه كان أحيانا يأخذ من مصادر مجهولة، كما كان أحيانا يذكر بعض الروايات التي لا تتكئ على أسس علمية أو منهجية بل ربما كان مصدرها الرؤى المنامية أو حكايات الناس، وهذا بلا شك مما أوقعه في بعض المزالق العلمية.
- كان هذا أبرز ما توصل إليه هذا البحث من استنتاجات وقد بدت تفصيلاتها مع غيرها في ثنايا هذه الدراسة والحمد لله أولا وآخرًا.
الهوامش والتعليقات(1/474)
مختارات من روايات الشعبي التاريخية عن عصر الراشدين من كتابي تاريخ الرسل والملوك ووقعة صفين
د. فوزي محمد ساعاتي
أستاذ مشارك بقسم التاريخ - كلية الشريعة - جامعة أم القرى
ملخص البحث
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين محمد ش وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين ومن سار على نهجه ولزم سنته إلى يوم الدين وبعد:
فهذا تلخيص لبحث (مختارات من روايات الشعبي التاريخية عن عصر الراشدين من كتابي وقعة صفين وتاريخ الرسل والملوك) .
وقد جاءت خطة البحث في مقدمة وتمهيد ثم المرويات، تحدثت في المقدمة عن أهمية دراسة الروايات التاريخية وتمحيصها على طريقة منهج المحدثين.
أما التمهيد تحدثت فيه عن مولد الشعبي ونسبه ونشأته وشيوخه وتلاميذه ووفاته.
وأما المرويات فقد اشتملت على أربعة مباحث:
المبحث الأول: في خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنه.
المبحث الثاني: في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
المبحث الثالث: في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
المبحث الرابع: في خلافة على بن أبى طالب رضي الله عنه.
الخاتمة.
المقدمة:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
إن دراسة الروايات التاريخية ورواتها هو خدمة لتاريخ هذه الأمة عن طريق معرفة أصول الروايات وميول رواتها.
وهذا بدوره يؤدى إلى اسقاط الكثير من الروايات التي نسجها رواة ذو ميول وأهواء وأغراض متعددة، وخلطوها بالروايات التي يمكن الوثوق بها.
فجاء بعدهم خلَف أخذوا هذه الروايات على علاتها على أنها مادة تاريخنا.
- روايات تاريخية موثوقة ومن أجل ذلك كثرت المناداة من أجل العمل بكل دأب على نقد وتمحيص الروايات لتمييز الغث من الثمين.(1/475)
وموضوع هذا البحث هو محاولة للمساهمة في إعادة صياغة تاريخ هذه الأمة بدراسة مختارات من روايات الشعبي التاريخية عن عصر الراشدين من كتابي وقعة صفين وتاريخ الرسل والملوك - أما بقية المرويات في عصر ماقبل الراشدين وما بعده فلكل عصر له دراسة وبحث مستقل -.
وقد وقع اختيارى على كتاب "وقعة صفين" لنصر بن مزاحم لأنه أقدم نص معروف عن "وقعة صفين" وآثارها الدينية والسياسية. وفيه تفاصيل أشمل عن هذه الوقعة. وكذلك التاريخ المشهور بكتاب تاريخ الرسل والملوك لمحمد ابن جرير الطبري فقد حوى مادة غزيرة أوردها دون نقد أو تمحيص. وقد أشار (الطبرى) في مقدمة الكتاب إلى أن فيه مما ليس له وجه من الصحة وأن ذلك مرجعه إلى من نقلوا الخبر.
ولهذا فالمرويات فيهما تحتاج إلى دراسة لبيان مدى التزامها بايراد الحقائق دون ما تحريف أو تزييف وأيضا المساهمة في تنبيه ذهن القارئ إلى مكمن الخلل في الروايات الواردة في هذين المؤلفين. إضافة إلى التيسير على الباحثين - وخاصة المعنيين بالدراسات التاريخية - في الافادة من هذين المؤلفين. فهذا كله مما رغبنى في اختيار هذا الموضوع "مختارات من روايات الشعبي التاريخية عن عصر الراشدين من كتابي وقعة صفين وتاريخ الرسل والملوك". وقد اخترت بعضا من هذه الروايات - التي رواها الشعبى عن عصر الخلفاء الراشدين - وذلك لكثرتها. فقد ورد في كتاب وقعة صفين مما يدخل في نطاق البحث حوالي 24 رواية انظر ص 27، 51، 60، 80، 179، 208، 236، 237، 241، 243، 245، 295، 298، 301، 315، 330، 339، 369، 387، 391، 480، 518، 520، 533.
وقد اخترت منها (18) رواية. ورتبتها بحسب ورودها من قبل المصنف (المنقرى) .
ووقع في كتاب تاريخ الرسل والملوك أيضاً مما يدخل في نطاق البحث (84) رواية ففي الجزء الثالث 38 رواية منها (12) رواية في خلافة أبي بكر الصديق + (26) رواية في خلافة عمر) .(1/476)
انظر ص 343، 346، 347، 349، 352، 353، 354، 366، 367، 372، 375، 392، 445 (خلافة عمر) ، 446، 458، 462، 464، 487، 488، 498، 508، 509، 516، 524، 544، 552، 553، 556، 563، 567، 568، 569، 587، 589، 590، 594، 595، 615 وغير هذا مما ورد في الجزءين الرابع والخامس انظر على سبيل المثال: الجزء الرابع فيه (32) رواية وهي كالتالي:
ص 20، 21، 29، 33، 47، 48، 52، 65، 89، 97، 136، 163، 179، 194، 203، 213، 242، 244، 245، 301، 305، 392، 397، 415، 416، 447، 449، 487، 500، 512، 530. وفي ج5 (14) رواية عن خلافة على.
وهي كالتالي: ص 45، 56، 63، 67، 122، 137، 170، 221، 235، 265، 266، 337، 407، 579.
وهذه الروايات موزعة على خلفاء عصر الراشدين كالتالي:
أ - في خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنه (12) رواية. اخترت منها (3) روايات. وذلك بحسب ترتيب ورودها من قبل المصنف (الطبرى) .
ب - في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه (31) رواية اخترت منها (13) روايات. وذلك بحسب ترتيب ورودها من قبل الطبري.
ج - في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه (10) رواية. اخترت منها (6) روايات. وذلك بحسب ترتيب ورودها من قبل الطبرى.
د - في خلافة على بن ابى طالب رضى الله عنه (21) رواية. اخترت منها (9) روايات. وذلك بحسب ترتيب ورودها من قبل الطبرى.
ولما كانت الروايات مستخلصة من كتاب "وقعة صفين" ومن كتاب "تاريخ الرسل والملوك". فلابد لى من تقديم سيرة ذاتية للمؤلفين. وهما: نصر بن مزاحم، ومحمد بن جرير. فأولهما نصر بن مزاحم:
اسمه ونسبه:
هو نصر بن مزاحم المنقرى أبو الفضل الكوفى (1)
__________
(1) انظر ترجمته في:
... - الخطيب البغدادي: أحمد بن على، تاريخ بغداد. الجزء الثالث عشر، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون. ص 282 (7245) .
... - ياقوت: أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله، معجم الأدباء. الجزء التاسع عشر، الطبعة الأخيرة، مطبعة المأمون - مصر، بدون. ص 225 (82) .(1/477)
مولده: ...
لم تذكر لنا المصادر التي ترجمت له عن سنة ولادته ولكن عبد السلام محمد هارون - محقق كتاب وقعة صفين - رجح ولادته بأنها كانت قريبة من سنة 120هـ.
ومن مؤلفاته:
1 - كتاب الغارات.
2 - كتاب الجمل.
3 - كتاب مقتل حجر بن عدى.
4 - كتاب مقتل الحسين بن على رضي الله عنهما. وكلها لم يعثر عليها إلى الآن.
5 - كتاب وقعة صفين.
منهجه في كتابه (وقعة صفين) :
كتاب جمع فيه تفاصيل ما في "وقعة صفين" من أحداث في اسلوب حسن الاستيعاب مع ذكره للخطب والأشعار التي رواها أصحاب الأخبار في معركة صفين.
وبدأ نصر بن مزاحم كتابه بذكر خبر قدوم على بن ابى طالب رضى الله عنه من البصرة إلى الكوفة - وذلك في رجب سنة 36هـ - ومنها أخذ في توجيه كتبه ورسله إلى معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه. ثم مسيره (على) إلى صفين حيث أخذ (المؤلف) يروى لنا في استطراد للحرب وهى دائرة بين الفريقين إلى أن انتهت بالتحكيم واختيار الحكمين ثم اجتماعهما ونتائجه ويختم كتابه بذكر اسماء قتلى وجرحى معركة صفين وكذا في المصابين في معركة النهروان.
والتزم بنقل الأخبار التاريخية بالروايات المسنده. ولم يتعرض في كتابه لترجيح الروايات وإنما أوردها على علاتها.
وفاته:
توفي في سنة 212هـ
وأما المؤلف الآخر فهو محمد بن جرير
اسمه ونسبه:
هو: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير أبو جعفر الطبرى (1) .
مولده:
ولد في سنة 224هـ. في مدينة آمل بطبرستان.
ومن مؤلفاته:
1 - تفسير الطبرى (مطبوع) .
2 - تاريخ الرسل والملوك (مطبوع)
3 - تاريخ الرجال (مفقود)
__________
(1) انظر ترجمته في:
... - الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد. ج2 ص 162 (589) .
... - ياقوت، معجم الأدباء. ج18 ص 40، 41، 42 (17) .
... - ابن خلكان: أحمد، وفيات الأعيان وانباء ابناء الزمان. الجزء الرابع، تحقيق احسان عباس، دار صادر - بيروت، بدون. ص 191، 192 (570) .(1/478)
4 - لطيف القول في أحكام شرائع الاسلام (مفقود) .
5 - القراءات والتنزيل والعدد. (مفقود) .
6 - اختلاف علماء الأمصار (مفقود) .
7 - الخفيف في أحكام شرائع الاسلام (مفقود) .
8 - تهذيب الآثار - لم يتمه - (مفقود) .
منهجه في كتابه "تاريخ الرسل والملوك":
يعتبر هذا الكتاب من أغزر مصادر التاريخ. وبدأ أبو جعفر كتابه بمقدمة عن الكون ثم بدأ بالتاريخ للبشرية منذ آدم عليه السلام وذكر أخبار ابنائه والرسل، ثم انتقل إلى ذكر أحداث التاريخ الإسلامي ورتب حوادثه على النظام الحولى ابتداء من السنة الأولى للهجرة إلى سنة 302هـ. وروى الأخبار التاريخية بالأسانيد إلى مؤلفيها. كما أنه يضع عناوين للحوادث التي يوردها.
وفاته:
توفي في سنة 310هـ. في مدينة بغداد بالعراق.
ولقد كان من أسباب اختيارى دراسة مرويات الشعبى لأنه علم بارز من أعلام القرن الأول الهجري، وشاهد جمعاً من الصحابة، وحدث عنهم. وكذلك رأى وشارك مع كبار رجال ذلك العصر في بعض أحداثه. مما أمدنا بالكثير من الأخبار المهمة. وتضافرت أقوال العلماء في الثناء على علمه فقال عبد الله بن عمر - حينما سمع الشعبى يحدث بالمغازي - "لقد شهدت القوم فلهو احفظ لها واعلم بها".
وكان المنهج الذي اتبعته في البحث يتلخص في الآتي:
اخترت بعضاً من روايات الشعبى عن خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه. على أساس ترتيبها من قبل نصر بن مزاحم في كتاب "وقعة صفين". واعتمدت في الدراسة على النسخة المحققة من قبل عبد السلام محمد هارون - الطبعة الثانية - نظراً لدقة ضبطها، وما عمله المحقق في ازالة الشك عن كثير من مشتبهات هذا الكتاب.(1/479)
واخترت من تاريخ الرسل والملوك أيضاً بعضاً من روايات الشعبى عن خلافة كل من أبى بكر وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين - وقد استأثرت خلافة على بالنصيب الأوفر من الروايات نابع لمعاصرة الشعبى لها - على أساس ترتيبها من قبل الطبرى في تاريخه، واعتمدت في الدراسة على النسخة المحققة من قبل عبد السلام محمد هارون - الطبعة الرابعة -.
أوردت الروايات حسب تسلسلها في الكتابين. واشرت إلى الجزء والصفحة في الهامش.
ترجمت لرجال الاسناد. وفيه لاحظت الانقطاع في بعض اسانيد الشعبى. وقد تطلب الكثير من الجهد في البحث في كتب التراجم لمعرفة ذلك.
بذلت الجهد في الحكم على مرويات الشعبى خاصة ما يتعلق بمروياته عن خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنه فهي منقطعة فالشعبى ولد في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه. وكذا المرويات في خلافة عمر رضي الله عنه فالشعبى لم يدرك منها إلا حوالى أربع سنوات أو أقل. ولكن هذا الانقطاع لا يضر لأنه يروى عن صحابى عاصر أبا بكر أو عمر. والصحابة جميعا عدول.
وخرجت هذه المرويات من المصادر التاريخية والأدبية وكتب التراجم والبلدان لضبط الأعلام وما قد يدخل في اصل الرواية من التحريف من قبل الطابع. وهذه المصادر تجدها في مواضعها في هذا البحث.
خطة البحث:
وقد قسمت البحث إلى مقدمة وتمهيد ثم المرويات وفيها أربعة مباحث وخاتمة.
أما التمهيد فتحدثت فيه عن نسبه ومولده ووفاته وشيوخه وتلاميذه. وأما المرويات فتحدثت فيها عن الروايات التاريخية في خلافة كل من ابى بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن ابى طالب رضي الله عنهم أجمعين. ثم الخاتمة للبحث. ...
المبحث الأول: نسبه
هو عامر بن شَرَاحيل (1)
__________
(1) اختلفوا في اسم أبيه فذكره البعض بعبد الله:
... - المزي: يوسف، تذهيب الكمال في اسماء الرجال. الجزء الثاني، دار المأمون للتراث - دمشق - بيروت، بدون. ص 643.
... - الذهبى: محمد، المقتنى في سرد الكنى. الجزء الأول، تحقيق محمد صالح عبد العزيز المراد، الطبعة الأولى، الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة - السعودية، 1408هـ. ص 428.(1/480)
بن عَبْد بن ذي كِبَار (1) الشَّعْبى (2) . الحميرى أبو عمرو الهمدانى الكوفي (3) .
المبحث الثاني: مولده
اختلف المؤرخون في تحديد العام الذي ولد فيه عامر الشعبى. فيروى عنه انه قال: "ولدت عام جلولاء" (4)
__________
(1) ذو كِبار: هو قِيْلُ (مَلِكُ) من أَقْيالٌ (مُلُوكِ) اليمن.
... - الدارقطنى: علي، المؤتلف والمختلف. الجزء الرابع، تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الطبعة الأولى، دار الغرب الاسلامي - بيروت، 1406هـ - 1986م. ص 1965.
... - ابن منظور: محمد، لسان العرب. الجزء السادس، تحقيق عبد الله على الكبير ومحمد أحمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلى، دار المعارف - القاهرة، بدون. ص 3798.
(2) الشَّعْبى: بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وفي آخرها الباء المعجمة هذه النسبة إلى شَعْبُ وهو جبل باليمن.
... - ابن الأثير: على، اللباب في تهذيب الانساب. الجزء الثاني، دار صادر - بيروت، 1400هـ - 1980م. ص 198.
(3) خليفه بن خياط، الطبقات. تحقيق اكرم ضياء العمرى، الطبعة الثانية، دار طيبة - الرياض، 1402هـ - 1982م. ص 157.
... - البخاري: محمد، التاريخ الكبير. الجزء الثالث، بيروت، 1986م. ص 450.
... - الدولابى: محمد، الكنى والاسماء. النصف الثانى، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية - بيروت، 1403هـ - 1983م. ص 43.
... - ابن عساكر: على، تهذيب تاريخ دمشق الكبير. الجزء السابع، تهذيب عبد القادر بدران، الطبعة الثانية، دار المسيرة -بيروت، 1399هـ - 1979م. ص 141.
(4) ابن سعد: محمد، الطبقات الكبرى. الجزء السادس، مؤسسة دار التحرير- القاهرة، 1388هـ - 1968م. ص 172.
... - ابن قتيبة: عبد الله، المعارف. تصحيح محمد إسماعيل عبد الله الصاوى، اصح المطابع - كراتشى، 1396هـ - 1976م. ص 199.
... - وكيع: محمد، اخبار القضاة. الجزء الثانى، عالم الكتاب - بيروت، بدون. ص 425.
... - السمعانى: عبد الكريم، الأنساب. الجزء الثامن، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن - الهند، 1397هـ - 1977م. ص 106.
... وجلولاء: مدينة صغيرة بالعراق في طريق خراسان.
... - ياقوت، معجم البلدان. الجزء الثاني، دار صادر، دار بيروت - بيروت، بدون. ص 156.
... - الحميرى: محمد، الروض المعطار في خبر الاقطار. تحقيق احسان عباس، الطبعة الثانية، مكتبة
لبنان - بيروت، 1984م. ص 167.
... - كى لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية. ترجمة بشير فرنسيس، كوركيس عواد، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1405هـ - 1985م. ص 87.(1/481)
فهو يؤرخ ولادته بمعركة وقعت في بلاد فارس تعرف بجلولاء (1) . والتى اختلف في تحديد العام الذي وقعت فيه فيذكر كل من البلاذرى (2) ، والطبرى (3) ، وياقوت (4) ، وابن الأثير (5) ، وابن كثير (6) ، والسيوطي (7) . انها وقعت في عام 16هـ. وذهب كل من خليفة بن خياط (8) ، والذهبى (9) إلى انها وقعت في عام 17هـ. وارخها كل من ابن قتيبة (10) ، والسمعاني (11) ، وابن خلكان (12) ، وابن حجر (13)
__________
(1) ولمزيد من التفاصيل. انظر:
... - البلاذرى: احمد، فتوح البلدان. القسم الثاني، تحقيق صلاح الدين المنجد، مكتبة النهضة المصرية - القاهرة، بدون. ص 323 - 325.
... - الطبرى: محمد، تاريخ الرسل والملوك. الجزء الرابع، تحقيق محمد ابوالفضل ابراهيم، الطبعة
الرابعة، دار المعارف - مصر، 1977م. ص 24-29.
(2) فتوح البلدان. ق 2 ص 323، 325.
(3) تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 28.
(4) معجم البلدان. ج 2 ص 156.
(5) الكامل في التاريخ. الجزء الثانى، الطبعة الثالثة، دار الكتاب العربى - بيروت، 1400هـ - 1980م. ص 363.
(6) اسماعيل، البداية والنهاية. الجزء السابع، دار ابن كثير - بيروت، 1388هـ - 1967م. ص 70.
(7) عبد الرحمن، تاريخ الخلفاء. دار الفكر - بيروت، 1394هـ - 1974م. ص 123.
(8) تاريخ خليفة بن خياط. تحقيق اكرم ضياء العمرى، الطبعة الثانية، دار القلم - دمشق - بيروت، مؤسسة الرسالة - بيروت،، 1397هـ - 1977م. ص 137.
(9) العبر في خبر من غبر. الجزء الأول، تحقيق أبوهاجر محمد السعيد بسيوني زغلول، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1405هـ - 1985م. ص 16.
(10) المعارف. ص 199.
(11) الأنساب. ج 8 ص 106.
(12) وفيات الأعيان. ج 3 ص 15.
(13) أحمد، تهذيب التهذيب. الجزء الخامس، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية - حيدر اباد الدكن - الهند، 1325هـ. ص 68.(1/482)
بأنها وقعت في عام 19هـ. ونميل إلى اعتبار انها وقعت في عام 16هـ. وذلك لأنها جرت مباشرة بعد فتح المدائن ولأن معظم ثقات وكبار المؤرخين ذكروا انها وقعت في عام 16هـ. أما ما أورده البعض من أنه ولد سنة 21هـ (1) . أو من ذكر أن مولده كان لست سنين مضت من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه (2) فلا يأخذ بها. ونميل إلى ما جرى على لسانه من أنه ولد عام جلولاء.
المبحث الثالث: وفاته
لم يتفق المترجمون لعامر الشعبى على تحديد السنة التي توفى فيها، وان كان معظمهم يميل إلى اعتبار سنة 104هـ هي سنة وفاته (3) . والبعض الآخر جعل وفاته في السنة التي قبلها (4)
__________
(1) خليفة بن خياط، تاريخ خليفة. ص 149.
... - ابن الاثير، الكامل في التاريخ. ج 3 ص 9.
(2) ابن قتيبة، المعارف. ص 199.
(3) ابن الأثير، (مخطوط) اسماء الرجال. معهد البحوث العلمية واحياء التراث الاسلامي - جامعة ام القرى - مكة المكرمة - رقم (649) تراجم - حديث. ق 166 أ.
... - البخارى، التاريخ الصغير. الجزء الأول، تحقيق محمود إبراهيم زايد، الطبعة الأولى، دار المعرفة - بيروت، 1406هـ - 1986م. ص 278.
... - الذهبى، سير أعلام النبلاء. الجزء الرابع، تحقيق مامون الصاغرجى، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1402هـ - 1982م. ص 318.
... (وقالوا الأشهر انه توفى سنة 104هـ) .
... - الصفدى: خليل، الوافى بالوفيات. الجزء السادس عشر، اعتناء وداد القاضى، مركز الطباعة الحديثة - بيروت، 1402هـ - 1982م. ص 588.
(4) ابن عساكر، تهذيب تاريخ دمشق الكبير. ج 7 ص 142.
... (وقد ذكر تاريخين لوفاته هما سنة 103هـ وقيل سنة 104هـ) . .(1/483)
أما القيسراني (1) فقد جعلها في أول سنة 106هـ. أما الشيرازي (2) فقد حصرها مابين سنتى 104هـ و107هـ. وجعلها ابن الاثير (3) بين اربع تواريخ وهى كما رتبها سنة 103هـ وقيل سنة 104هـ وقيل سنة 105هـ وقيل سنة 107هـ. وذكر كل من الخطيب البغدادى (4) ، وابن خلكان (5) ، والمزى (6) ، والسيوطى (7) عدة تواريخ وهي سنوات 103هـ، 104هـ، 105هـ، 106هـ، 107هـ، 110هـ.
والراجح - والله أعلم - أن وفاته حدثت سنة 105هـ (8) . وذلك لأنه لم ترد له اخبار في السنة التالية مع امير العراق خالد بن عبد الله القسرى (9) . وهما ينتميان إلى بلد واحد.
المبحث الرابع: شيوخه وتلاميذه
لقد روى الشعبى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول الله ش (10)
__________
(1) رجال البخارى ومسلم. ج 1 ص 377.
(2) طبقات الفقهاء. ص 81.
(3) الكامل في التاريخ. ج 4 ص 184.
(4) تاريخ بغداد. ج 12 ص 232، 233، 234.
(5) وفيات الأعيان. ج 3 ص 15.
(6) تهذيب الكمال. ج 2 ص 644.
(7) طبقات الحفاظ. الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1403هـ - 1983م. ص 40.
(8) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 178.
(9) اسندت إليه ولاية العراق في خلافة هشام بن عبد الملك في سنة 105هـ.
... - الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. الجزء السابع، تحقيق محمد أبوالفضل ابراهيم، الطبعة الرابعة، دار المعارف - مصر، 1979م. ص 26.
(10) ابن حبان، الثقات. الجزء الخامس، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن، الهند، 1403هـ - 1983م. ص 186.
... - السمعاني، الأنساب. ج 8 ص 106.
... والعجلى يذكر أنه روى عن ثمانية وأربعين صحابيا فقط.
... - أحمد بن عبد الله، تاريخ الثقات. توثيق عبد المعطى قلعجى، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1405هـ - 1986م. ص 244 (751) .(1/484)
أما رؤيته للصحابة فقد أورد عددهم بقوله: "أدركت أكثر من خمس مائة من أصحاب النبي ش " (1) . وقد بحثت عن شيوخ الشعبى الذين روى عنهم وصرح بأسمائهم في رواياته عن عصر الراشدين في كتاب "وقعة صفين للمنقرى" وكذلك التاريخ المشهور بكتاب "تاريخ الرسل والملوك" للطبرى، فحصرت من شيوخه خمسة ترجمت لهم في مواضعهم في هذا البحث وهذا بيان بأسمائهم:
الحارث بن أدهم - لم أجد له ترجمة روى في خلافة على بن ابى طالب رضى الله عنه الرواية رقم (11) ص499. (وقعة صفين) (2) . وهي تتحدث عن بسالة الاشتر ابن مالك في أبعاد عسكر معاوية عن الماء في معركة صفين.
الحسن بن يسار البصرى - انظر ترجمته في ص 479. روى في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه الرواية رقم (9) ص 478 (تاريخ الرسل والملوك) . وهى تتحدث عن استفسار عمر رضى الله عنه للوفد الذي جاءه من بلاد فارس عن السبب في كثرة ثورات اهلها. قلت وفي تحديث الشعبى عن الحسن في أمور وقعت في عهد عمر انقطاع لأن الحسن ولد عام 21هـ وعمر رضى الله عنه مات سنة 23هـ. فكان عمر الحسن حوالى ثلاث سنوات، فتحديث الحسن انما هو عن ثقة عاصر عمر. وهذا الخبر يسمى عند المحدثين اثر مقطوع.
زياد بن النضر الحارثي - انظر ترجمته في ص 508 - روى في خلافة على بن ابى طالب رضى الله عنه الروايتين رقم (18) ص 506 و (24) ص514 (وقعة صفين) .
فالأولى عن شدة القتال في معركة صفين حتى انتهى بهم إلى استخدام التراب في القتال نظراً لنفاذ الأسلحة، والثانية عن عدد من أرسلهم على رضي الله عنه ليرافقوا أبا موسى الأشعرى رضى الله عنه للتحكيم.
__________
(1) ابن حنبل، العلل ومعرفة الرجال. ج 1 ص 100.
... - البخارى، التاريخ الصغير. ج 1 ص 288.
... - ابن حبان، مشاهير علماء الأمصار. ص 102.
... - الصفدى، الوافي بالوفيات. ج 16 ص 587.
(2) ان ذلك يدل على الكتاب الذي وردت فيه الرواية.(1/485)
صعصعة بن صوحان العبدى - انظر ترجمته في ص 499 - روى في خلافة على ابن ابى طالب رضي الله عنه خمس روايات ارقام (11) ص 498 و (13) ص 500 و (14) ص 502 و (16) ص 504 و (21) ص 511. (وقعة صفين) . فالرواية الأولى تتحدث عن دور الأشتر بن مالك في أبعاد عسكر معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه عن الماء في معركة صفين. والثانية تتحدث عن طلب معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه إلى ذي الكلاع الحميرى - انظر ترجمته في ص 543 هامش (409) - وحثهم على قتال على رضي الله عنه. والثالثة تتحدث عن خطبة يزيد بن اسد البجلى - انظر ترجمته في ص544 هامش (422) - في أهل الشام وحثهم على قتال على رضي الله عنه. والرابعة عن مبارزة كريب بن الصباح - انظر ترجمته في ص 545 هامش (435) - لثلاثة من معسكر على وقتلهم ثم خروج على رضى الله عنه لمبارزته وقتله في معركة
صفين. والرواية الأخيرة عن عدم رضا على بن أبى طالب رضى الله عنه عن الصلح الذي أقر به الناس في معركة صفين مع بيانه لأسباب ذلك.
أبو الطفيل: عامر - انظر ترجمته في ص 492 - روى في خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه رواية واحدة هي رقم (4) ص 491 (تاريخ الرسل والملوك) وهي عن اخبار على عن عدد من يأتى من الكوفة لينضم إلى عسكره.(1/486)
وهناك (39) رواية - وهي كل روايات خلافتى أبى بكر الصديق وعثمان بن عفان رضى الله عنهما، أما في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه فهى روايات ذات أرقام 1، 2، 3، 4، 5، 6، 8، 10، 11، 12، 13. وفي خلافة على بن ابى طالب رضى الله عنه فهى روايات تحمل أرقام 1، 2، 3، 5،، 6، 7، 8، 9، 10، 12، 15، 17، 19، 20، 22، 23، 25، 26، 27 -. رواها المنقرى، والطبرى باسنادهما عن الشعبى من قوله … - والروايات في خلافتى ابى بكر وعمر رضى الله عنهما تعتبر اخبار مقاطيع لكونها خرجت من فم تابعي -. وموضوعاتها متنوعة. ورواية واحدة كان فيها شيخ الشعبى مبهما كقوله عن شيخ بنى عبس - وهي رواية في خلافة عمر رضى الله عنه - الرواية رقم (7) ص 477 - وهي تتحدث عن قتل هلال بن علفة – انظر ترجمته في ص 530 هامش (151) -. للقائد رستم في معركة القادسية.
وأما تلاميذه الذين أخذوا عنه روايات عصر الراشدين فقد بلغ عددهم (14) . ترجمت لهم في مواضعهم في هذا البحث. وهم:
إسحاق بن يزيد - انظر ترجمته في ص 514 -. روى رواية واحدة في خلافة على رضي الله عنه هي رقم (23) ص 513 (وقعة صفين) (1) .
إسماعيل بن أبى عميرة - لم أجد له ترجمة - روى رواية واحدة في خلافة على رضي الله عنه هي رقم (12) ص 500 (وقعة صفين) .
إسماعيل بن زياد السكونى - انظر ترجمته في ص 497 -. روى رواية واحدة في خلافة على رضى الله عنه - هي رقم (10) ص 497 (وقعة صفين) .
جابر بن يزيد الجعفى - انظر ترجمته في ص491 - روى عشر روايات كلها في خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه هي أرقام (4) ص 491، (5) ص 492 - 493 (تاريخ الرسل والملوك) ، (11) ص 498، (13) ص 500 - 501، (14) ص 502، (15) ص 503، (16) ص 504، (17) ص 505 - 506، (21) ص 511 - 512 (وقعة صفين) .، (25) ص 515 (تاريخ الرسل والملوك) .
__________
(1) ان ذلك يدل على الكتاب الذي وردت فيه الرواية.(1/487)
داود بن أبى هند - انظر ترجمته في ص 489 - روى رواية واحدة في خلافة على رضي الله عنه هي رقم (1) ص 488 - 489 (تاريخ الرسل والملوك) .
طلحة بن الاعلم - انظر ترجمته في ص 479 -. روى رواية واحدة في خلافة عمر رضي الله عنه هي رقم (9) ص 478 - 479 (تاريخ الرسل والملوك) .
عاصم بن سليمان - انظر ترجمته في ص 486 -. روى رواية واحدة في خلافة عثمان رضي الله عنه هي رقم (3) ص 485 (تاريخ الرسل والملوك) .
على بن مجاهد الكابلى - انظر ترجمته في ص 517 -. روى رواية واحدة في خلافة على رضي الله عنه هي رقم (26) ص 516 (تاريخ الرسل والملوك) .
عمر بن سعد بن أبى الصيد - 0 انظر ترجمته في ص 495 -. روى رواية واحدة في خلافة على رضى الله عنه هي رقم (19) ص 509 (وقعة صفين) .
عمرو بن محمد - لم أجد له ترجمة - روى احدى عشر رواية منها روايتان في خلافة أبى بكر، وعثمان وعلى رضى الله عنهم أجمعين هي أرقام (1) ص 468، (3) ص 471، (1) ص 484، (5) ص 487، (3) ص 490، (6) ، ص 493 (تاريخ الرسل والملوك) . وخمس روايات في خلافة عمر رضى الله عنه هي أرقام (5) ص 475 - 476، (8) ص478، (9) ص 478 - 479، (10) ص 480، (11) ص 480 (تاريخ الرسل والملوك) .
عوانة بن الحكم - انظر ترجمته في ص 483-. روى رواية واحدة في خلافة عمر رضى الله عنه هي رقم (13) ص 483 (تاريخ الرسل والملوك) .(1/488)
مجالد بن سعيد الهمدانى - انظر ترجمته في ص 470 -. روى أربع عشرة رواية منها رواية واحدة في خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنهم هي رقم (2) ص 469 (تاريخ الرسل والملوك) . وثمان روايات في خلافة عمر رضي الله عنه هي أرقام (1) ص 472، (2) ص 473، (3) ص 474، (4) ص 475، (6) ص 476، (7) ص 477، (8) ص 478، (12) ص 481 - 482 (تاريخ الرسل والملوك) . واثنتان في خلافة عثمان رضى الله عنه هي أرقام (2) ص 484 - 485، (6) ص 487 (تاريخ الرسل والملوك) . وثلاث روايات في خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه هي أرقام (18) ص 506 - 507، (24) ص 514 (وقعة صفين) ، (27) ص 517 (تاريخ الرسل والملوك) .
محمد بن قيس الاسدى - انظر ترجمته في ص 479-. روى رواية واحدة في خلافة عمر رضى الله عنه هي رقم (9) ص 478 - 479 (تاريخ الرسل والملوك) .
نمير بن وعلة - انظر ترجمته في ص 486 -. روى سبع روايات منها واحدة في خلافة عثمان رضي الله عنه هي رقم (4) ص 486 (تاريخ الرسل والملوك) و (6) في خلافة على رضى الله عنه هي أرقام (2) ص 489 - 490، (7) ص 494 - 495، (8) ص 496، (9) ص 496 - 497، (20) ص 510، (22) ص 512 - 513 (تاريخ الرسل والملوك) .
المرويات
المبحث الأول: في خلافة ابى بكر الصديق رضي الله عنه
الرواية الأولى:
قال أبو جعفر، ولما فرغ خالد من أمر اليمامة، كتب إليه أبو بكر الصديق رحمه الله، وخالد مقيم باليمامة - فيما حدثنا عبيد الله بن سعد الزهرى، قال: أخبرنا سيف ابن عمر، عن عمرو بن محمد، عن الشعبى: أنْ سر إلى العراق حتى تدخلها، وابدأ بفرج الهند، وهي الأبلة (1) ، وتألف أهل فارس، ومن كان في ملكهم من الأمم (2) .
__________
(1) الأُبْلَّة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة أي في جنوبها الشرقي.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج 1 ص 77.
... - كى لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية. ص 65.
(2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج3 ص 343.(1/489)
رجال الإسناد:
عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى البغدادي (1) . قال ابن حجر (2) "ثقة". توفي سنة 260هـ (3) .
سيف بن عمر الأُسَيِّدى التميمى أبو عبد الله (4) . قال ابن حجر (5) "ضعيف الحديث عمدة في التاريخ أفحش ابن حبان القول فيه". توفي بعد سنة سبعين ومائة (6) .
__________
(1) ابن ابى حاتم: عبد الرحمن، الجرح والتعديل. الجزء الخامس، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن الهند، 1372هـ - 1952م. ص 317، 318.
... - الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 10 ص 323، 324.
... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 2 ص 16 (5049) .
... - ابن حجر، تهذيب التهذيب. ج 7 ص 15، 16.
... - الخزرجي: أحمد، خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال، الطبعة الثالثة، مكتبة المطبوعات الإسلامية - بيروت، 1399هـ - 1979م. ص 250.
(2) أحمد، تقريب التهذيب. تحقيق محمد عوامه، الطبعة الأولى، دار الرشيد - سوريا، 1406هـ - 1986م. ص 371.
(3) الذهبى، الكاشف. الجزء الثاني، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1403هـ - 1983م. ص 198.
(4) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 4 ص 278.
... - ابن حبان، المجروحين. الجزء الأول، تحقيق محمود إبراهيم زايد، الطبعة الثانية، 1402هـ.
ص 341، 342.
... - الذهبى، المغنى في الضعفاء. الجزء الأول، كتبه نور الدين عتر، مطابع الدوحة الحديثة - قطر، 1987. ص 377 (6807) .
... - ابن حجر، تهذيب التهذيب. ج 4 ص 295، 296.
... - خالد بن محمد الغيث، مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبرى. (رسالة ماجستير) . جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1410هـ - رقم (1283) . ص 2.
(5) تقريب التهذيب. ص 262.
(6) الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 262.(1/490)
عمرو بن محمد (1) .
بيان درجة الرواية:
في اسناد هذه الرواية سيف بن عمر، وهو ضعيف في الحديث وعمدة في التاريخ كما قاله الحافظ ابن حجر، وهذه الرواية رواية تاريخية إلا أن الشعبي لم يلق أبا بكر فهي منقطعة.
التخريج:
أخرج ابن زنجوية (2) جزءاً من رواية ارسال خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى العراق من قبل الخليفة ابى بكر الصديق رضي الله عنه بسند قال أبو عبيد قال ابن ابى زائدة نا عن مجالد بن سعيد عن عامر الشعبى…
الرواية الثانية:
قال هشام، عن ابى مخنف، قال: حدثنى مجالد بن سعيد، عن الشعبى، قال: أقرنى بنو بُقيلة كتاب خالد بن الوليد إلى أهل المدائن (3) : من خالد بن الوليد إلى مرازبة (4) أهل فارس، سلام على من اتبع الهدى.
أما بعد، فالحمد لله الذي فض خدمتكم (5)
__________
(1) لم أجد له ترجمة فيما رجعت اليه من المصادر.
(2) حميد، الأموال. المجلد الأول، تحقيق شاكر ذيب فياض، الطبعة الأولى، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - الرياض، 1406هـ - 1986م. كتاب الفئ ووجوهه وسبيله) - باب أخذ الجزية من المجوس -. (الجزء الثانى) ص 143.
(3) المدائن: على سبعة فراسخ من بغداد على حافتي نهر دجلة. والمدائن اسم اطلقه المسلمون على المدينتين طيسفون وسلوقية.
... - الحميرى، الروض المعطار. ص 526.
... - كى لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية. ص 42، 51، 52.
(4) مرازبة: جمع مرزبان والمرزبان: الفارس الشجاع المقدم على القوم دون الملك.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج 7 ص 4179.
(5) فض خدمتكم: اى فَرَّق جَمْعَكُمْ (جَماعَتَهُمْ) .
... - ابن منظور، لسان العرب. ج 2 ص 1116، ج 6 ص 3427.(1/491)
، وسلب ملككم، ووهن كيدكم. وإنه من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له مالنا، وعليه ماعلينا. أما بعد، فإذا جاءكم كتابى فابعثوا إلى بالرُّهن، واعتقدوا منى الذمة، وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة فلما قرءوا الكتاب، أخذوا يتعجبون (1) .
رجال الإسناد:
هشام بن محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث بن عبد العزى بن امرئ القيس أبو المنذر (2) . قال أبو حاتم الرازى (3) " كان صاحب أنساب وسمر …". قال أحمد بن حنبل (4) "إنما هو صاحب سمر، ونسب، ما ظننت أن أحداً يحدث عنه". وتركه الدارقطنى (5) . قال الذهبى (6) "تركوه وهو اخبارى". توفي سنة اربع ومائتين (7) .
__________
(1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 346.
(2) مسلم: مسلم بن الحجاج، الكنى والأسماء. الجزء الثاني، تحقيق عبد الرحيم محمد أحمد القشقرى، الطبعة الأولى، الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة - السعودية، 1404هـ - 1984م. ص 772 (3144) .
... - العقيلى، الضعفاء الكبير. س 4 ص 339 (1945) .
... - ابن حزم: على، جمهرة أنساب العرب. الجزء الثاني، تحقيق عبد السلام محمد هارون، الطبعة الرابعة، دار المعارف - القاهرة، 1977م. ص 459.
... - الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 14 ص 45.
... - ابن الجوزى، الضعفاء والمتروكين. الجزء الثالث، تحقيق عبد القاضى، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1406هـ - 1986م. ص 176 (3602) .
... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 2 ص 98 (6026) .
(3) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 9 ص 69.
(4) العلل ومعرفة الرجال. ج 1 ص 243.
(5) الضعفاء والمتروكون. ص 387 (563) .
(6) المغنى في الضعفاء. ج 2 ص 371 (6756) .
(7) ابن حجر، لسان الميزان. ج 6 ص 196.(1/492)
أبو مخنف: لوط بن يحى بن سعيد الكوفى (1) . قال يحي بن معين (2) " ليس بثقة". قال أبو حاتم الرازى (3) " متروك الحديث. وقال الدارقطنى (4) " اخبارى ضعيف". وقال ابن عدى (5) "حدث بأخبار من تقدم من السلف الصالحين ولا يبعد منه أن يتناولهم وهو شيعى مُحترق صاحب اخبارهم …". وقال الذهبى (6) " ساقط ". توفى سنة 157هـ (7) .
مجالد بن سعيد (8) بن عمير بن ذى مران بن شرحبيل بن ربيعة بن مرثد بن جشم الهمدانى. الكوفى، تابعى، اخبارى مشهور (9)
__________
(1) ابن قتيبة، المعارف. ص 234.
... - العقيلى، الضعفاء الكبير. س 4 ص 18، 19 (1572) .
... - ابن الجوزى، الضعفاء والمتروكين. ج 3 ص 28 (2813) .
... - ابن حجر، لسان الميزان. ج 4 ص 492.
(2) التاريخ. الجزء الثانى، تحقيق أحمد محمد نور سيف، الطبعة الأولى، مركز البحث العلمى واحياء التراث الإسلامي - جامعة أم القرى - مكة المكرمة، 1399هـ - 1979م. ص 500.
(3) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 7 ص 182.
(4) الضعفاء والمتروكون. ص 333 (448) .
(5) الكامل في ضعفاء الرجال. ج 6 ص 2110.
(6) المغنى في الضعفاء. ج 2 ص 135 (5121) .
(7) ياقوت، معجم الأدباء. ج17 ص 41.
(8) مجالد: بمضمومة وجيم.
... - محمد بن طاهر الهندى، المغنى في ضبط اسماء الرجال. دار الكتاب العربى - بيروت، 1402هـ - 1982م. ص 221.
(9) الجوزجانى: ابراهيم، أحوال الرجال. تحقيق صبحى البدرى السامرائى، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1405هـ - 1985م. ص 89 (126) .
... - البخاري، التاريخ الكبير. ج8 ص 9.
... - العجلى: أحمد، تاريخ الثقات. تحقيق عبد المعطى قلعجى، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1405هـ - 1984م. ص 420 (1537) .
... - النسائي: أحمد، الضعفاء والمتروكون. (داخل كتاب المجموع في الضعفاء والمتروكين) . تحقيق عبد العزيز عز الدين السيروان، الطبعة الأولى، دار القلم - بيروت، 1405هـ - 1985م. ص 213 (552) .
... - العقيلي: محمد، الضعفاء الكبير. السفر الرابع، تحقيق عبد المعطى امين قلعجى، الطبعة
الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1404هـ - 1985م. ص 352، 353.(1/493)
قال ابن عدى (1) "ومجالد له عنن الشعبى، عن جابر أحاديث صالحة وعن غير جابر من الصحابة أحاديث صالحة … وعامة مايرويه غير محفوظ".
وذكر الذهبى (2) ان مجالدا بن سعيد "صاحب الشعبى".
قال ابن حجر (3) "ليس بالقوى وقد تغير في آخر عمره". توفي سنة 144هـ (4) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لان فيها هشاماً الكلبى ضعيف ولوط بن يحى ضعيف، ومجالد ليس بالقوى.
التخريج:
أخرج أبو عبيد (5) نص الرواية بألفاظ متقاربة مع ذكر تفاصيل لم يوردها الطبرى قال حدثنا يحي بن زكريا عن مجالد بن سعيد عن الشعبى: " أن أبا بكر بعث خالد بن الوليد وأمره أن يسير حتى ينزل الحيره، ثم يمضى إلى الشام فسار خالد حتى نزل الحيره، قال الشعبى: فأخرج إلى ابن بقيلة كتاب خالد بن الوليد: …".
أخرج ابن ابى شيبة (6) نص الرواية قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن زكريا عن خالد بن سلمة عن عامر قال ….
روى ابن زنجويه (7) نص الرواية بإختلاف في بعض الألفاظ وباختصار في بعض العبارات وبزيادة في البداية حيث يذكر " أن أبا بكر بعث خالد بن الوليدرضى الله عنه وأمره أن يسير حتى ينزل إلى الحيره ثم يمضى إلى الشام، فسار خالد حتى نزل الحيره، قال الشعبى فأخرج إلى ابن بقيلة كتاب خالد …".
__________
(1) عبد الله، الكامل في ضعفاء الرجال. الجزء السادس، الطبعة الثانية، دار الفكر - بيروت، 1405هـ - 1985م. ص 2562، 2563.
(2) العبر. ج 1 ص 152.
(3) تقريب التهديب. ص 520.
(4) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 243.
(5) القاسم بن عبيد، الأموال. الجزء الأول، تحقيق محمد خليل هراس، الطبعة الأولى، مكتبة الكليات الأزهرية- مصر، 1388هـ - 1968م. ص 46،47.
(6) المصنف. ج12 (كتاب الجهاد) - باب الرجل يوجد عنده الغلول -. ص498 (15393) .
(7) الأموال. المجلد الأول. (كتاب الفئ ووجوهه وسبيله) - باب اخذ الجزيه من المجوس -. (الجزء الثانى) . ص 143، 144.(1/494)
وقد أورد ابن أعثم الكوفى (1) كتاب خالد إلى أهل فارس باختلاف في بعض الألفاظ.
روى ابن الجوزى (2) نص الرواية من طريق مجالد عن الشعبى.
اكتفى ابن الأثير (3) بذكر خبر كتاب خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى أهل فارس يدعوهم إلى اعتناق الإسلام اوالجزية أوالحرب دون أن يورد نص الكتاب.
وقد استشهد ابن منظور (4) بمقدمة من كتاب خالد إلى أهل الحيرة.
روى ابن كثير (5) نص الرواية.
أخرج الهيثمى في مجمعه (6) كتاب خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى أهل فارس بألفاظ متقاربه عما في الطبرى وعزاه إلى الشعبى.
الرواية الثالثة:
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف - وحدثنا عبيد الله، قال حدثنى عمى، عن سيف - عن عمرو، عن الشعبى، قال: بارز خالد يوم الولجة (7) رجلاً من أهل فارس يُعدَل بألف رجل فقتله، فلما فرغ اتكأ عليه، ودعا بغذاَئه (8) .
رجال الاسناد:
__________
(1) أحمد، الفتوح. الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية- بيروت، 1406هـ - 1986م. ص 77.
(2) المنتظم في تاريخ الملوك. الجزء الرابع، تحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1412هـ - 1992م. ص 100 - 101.
(3) الكامل. ج 2 ص 268.
(4) لسان العرب. ج 2 ص 1116.
(5) البداية والنهاية. ج 6 ص 343.
(6) على. الجزء الثانى، مؤسسة دار المعارف - بيروت، 1406هـ - 1986م. (كتاب المغازى) - باب قتال أهل الردة-. ص 223.
(7) الولجة: قرية بالعراق مما يلى كسكر على البر.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج 5 ص 383.
... - الحميرى، الروض المعطار. ص 610.
(8) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 354.(1/495)
السرى بن يحي بن السرى التميمى الدارمى أبو عبيدة الكوفى (1) . قال ابن ابى حاتم (2) "وكان صدوقا". وذكره ابن حبان في الثقات (3) .
شعيب بن إبراهيم الكوفى (4) . قال ابن عدى (5) : "وشعيب بن إبراهيم هذا له أحاديث وأخبار وهو ليس بذلك المعروف000 والأخبار ليست بالكثيرة وفيه بعض النكرة".
سيف بن عمر التميمى (6) .
عبيد الله بن سعد بن إبراهيم الزهرى (7) .
عمى: يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى المدني سكن بغداد (8) . قال ابن حجر (9) "ثقة فاضل". توفي سنة 208هـ (10) .
عمرو بن محمد (11) .
بيان درجة الرواية:
في اسناده هذه الرواية سيف بن عمر وهو ضعيف في الحديث وعمدة في التاريخ كما قاله الحافظ ابن حجر وهذه الرواية رواية تاريخية إلا أن الشعبى لم يعاصر يوم الولجة فهى منقطعة.
التخريج:
__________
(1) الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 1 ص 384 (4008) .
(2) الجرح والتعديل. ج 4 ص 285.
(3) ج8 ص 302.
(4) ابن حبان، الثقات. ج 8 ص 309.
... - ابن حجر، لسان الميزان. ج3 ص 145.
(5) الكامل في ضعفاء الرجال. ج 4 ص 1319.
(6) سبقت ترجمته في ص 469.
(7) سبقت ترجمته في ص 469.
(8) ابن سعد، الطبقات. ج 7 (القسم الثاني) . ص 83، 84.
... - مسلم: الكنى والأسماء. ج 2 ص 921 (3759) .
... - العجلى، تاريخ الثقات. ص 484 (1867)
... - الدارمى: عثمان، تاريخ عثمان بن سعيد الدارمى. تحقيق أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث - دمشق - بيروت، 1400هـ. ص 230 (885) .
... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 2 ص 163 (6901) .
(9) تقريب التهذيب. ص 607.
(10) خليفة بن خياط، تاريخ خليفة بن خياط. ص 329.
(11) لم أقف له على ترجمة فيما رجعت إليه من المصادر.(1/496)
أخرج ابن ابى شيبة (1) قتل خالد بن الوليد رضى الله عنه للقائد الفارسى " هزار مرد " بألفاظ متقاربة من طريق هشام بن حصين.
ذكر الحميرى (2) نص رواية الطبرى.
روى ابن كثير (3) من طريق سيف بن عمر عن عمرو عن الشعبى نص الرواية وبنفس رجال اسناده، ولكنه يضيف " فأكله … بين الصفين ".
المبحث الثاني: في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الرواية الأولى:
كتب إلى السرى بن يحي، عن شعيب بن إبراهيم، عن سيف بن عمر، عن المجالد، عن الشعبى، قال: قدم المثنى ابن حارثة (4) على ابى بكر سنة ثلاث عشرة، فبعث معه بعثا قد كان ندبهم ثلاثا، فلم ينتدب له أحد حتى انتدب له أبو عبيد (5) ثم سعد بن عبيد (6)
__________
(1) عبد الله، المصنف. الجزء الثانى عشر، تحقيق مختار أحمد الندوى، الطبعة الأولى، الدار السلفية - الهند، 1408هـ. (كتاب التاريخ) - باب قدوم خالد بن الوليد الحيرة وصنيعه -.
ص 554 (15579) .
(2) الروض المعطار. ص 611.
(3) البداية والنهاية. ج 6 ص 345.
(4) المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضمة الشيبانى. صحابى جليل. شارك في المعارك التي وقعت في بلاد العراق في خلافتي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. واستشهد من جراء الاصابات التي لحقت به في هذه المعارك.
- ابن حجر، الإصابة. ج 3 ص 361.
(5) ابو عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفى. صحابى جليل. كان يتولى قيادة الجيش الذي أرسله عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إلى بلاد العراق، فاستشهد في معركة الجسر.
... - ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة. الجزء الثالث، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة - مصر، 1328هـ. ص361.
(6) سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس الأنصارى الأوسى القارئ. صحابى جليل.
... - ابن حجر، الإصابة. ج 2 ص 31.(1/497)
، وقال أبو عبيد حين انتدب أنا لها. وقال سعد: أنا لها لفعلة فعلها. وقال سليط (1) : فقيل لعمر: أمر عليهم رجلا له صحبة، فقال عمر: انما فضل الصحابة بسرعتهم إلى العدو وكفايتهم من ابى، فإذا فعل فعلهم قوم واثاقلوا كان الذين ينفرون خفافا وثقالا أولى بهم منهم، والله لا أبعث عليهم إلا أولهم انتدابا، فأمر أبا عبيد، واوصاه بجنده (2) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحي بن السرى (3) .
شعيب بن إبراهيم الكوفى (4) .
سيف بن عمر التميمى (5) .
مجالد بن سعيد (6) .
بيان درجة الرواية:
والرواية اسنادها ضعيف لأن فيها مجالداً ليس بالقوي. وفيها انقطاع ايضا لان الشعبى لم يعاصر المثنى بن حارثة لأنه توفي قبل ولادته.
التخريج:
أورد ابن أعثم الكوفى (7) الرواية بلفظ آخر.
اكتفى ابن عبد البر (8) بايراد خبر قتل ابي عبيد الثقفى.
ذكر ابن الأثير (9) نص رواية الطبرى ولكن باختلاف في الألفاظ.
الرواية الثانية:
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد، عن الشعبى قال: كان مع رستم يوم القادسية ثلاثون فيلا (10) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحي (11) .
شعيب بن إبراهيم (12) .
سيف بن عمر (13) .
__________
(1) سليط بن قيس بن عمرو بن عبد الله الأنصارى النجارى. صحابى جليل.
... - ابن حجر، الإصابة. ج 2 ص 72.
(2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 445، 446.
(3) سبقت ترجمته في ص 471.
(4) سبقت ترجمته في ص 471.
(5) سبقت ترجمته في ص 469.
(6) سبقت ترجمته في ص 470.
(7) الفتوح. ج 1 ص 132.
(8) يوسف، الإستيعاب في معرفة الأصحاب. (بهامش الاصابة لابن حجر) . الجزء الرابع، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة - مصر، 1328هـ. ص 124.
(9) الكامل. ج 2 ص 297.
(10) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 516.
(11) سبقت ترجمته في ص 471.
(12) سبقت ترجمته في ص 471.
(13) سبقت ترجمته في ص 469.(1/498)
مجالد بن سعيد (1) .
بيان درجة الرواية:
والرواية اسنادها ضعيف لان فيها مجالدا "ليس بالقوي" وسيف بن عمر "ضعيف". وفيها انقطاع أيضاً لأن الشعبى لم يعاصر معركة القادسية لانه ولد بعدها.
التخريج:
ولهذه الرواية ما يؤيدها حيث ذكر البلاذرى (2) ان عدد الفيلة التى مع الفرس يوم القادسية ثلاثون.
الرواية الثالثة:
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبى، وسعيد بن المرزبان، قالا: دعا رستم بالمغيرة (3) فجاء حتى جلس على سريره، ودعا رستم ترجمانه - وكان عربيا من أهل الحيرة، يدعى - عَبُود - فقال له المغيرة ويحك ياعبود! أنت رجل عربى، فأبلغه عنى إذا أنا تكلمت كما تبلغنى عنه. فقال له رستم مثل مقالته، وقال له المغيرة مثل مقالته، إلى إحدى ثلاث: إلى الإسلام ولكم فيه مالنا وعليكم فيه ماعلينا، ليس فيه تفاضل بيننا، أو الجزية عن يد وانتم صاغرون. قال: ما " صاغرون"؟ قال: إن يقوم الرجل منكم على رأس أحدنا بالجزية يحمده أن يقبلها منه … إلى آخر الحديث، والاسلام أحب الينا منهما (4) .
رجال الإسناد:
السرى بن يحى (5) .
شعيب بن إبراهيم (6) .
سيف بن عمر التميمى (7) .
مجالد بن سعيد (8) .
__________
(1) سبقت ترجمته في ص 470.
(2) فتوح البلدان. ق 2 ص 314.
(3) المغيرة بن شعبة بن ابى عامر بن مسعود الثقفى. صحابى جليل. كان في جيش عتبة بن غزوان رضي الله عنه حينما كان يخوض المعارك في البصرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأسند إليه ولاية البصرة ثم عزله. كما وأنه شارك بعدها في معارك اليرموك والقادسية ونهاوند ... .
... - ابن عبد البر، الإستيعاب. ج 3 ص 388.
(4) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 524، 525.
(5) سبقت ترجمته في ص 471.
(6) سبقت ترجمته في ص 471.
(7) سبقت ترجمته في ص 469.
(8) سبقت ترجمته في ص 470.(1/499)
سعيد بن المرزبان (1) البقال الأعور العبسى الكوفى أبو سعد مولى حذيفة بن اليمان (2) . قال ابن حجر (3) " ضعيف مدلس ". توفى سنة بضع واربعين ومائة (4) .
بيان درجة الرواية:
والرواية اسنادها ضعيف لأن فيها سعيدا ضعيف ومجالد ليس بالقوى، وسيف بن عمر ضعيف. وفيها انقطاع أيضاً لأن الشعبى لم يعاصر أحداث معركة القادسية.
التخريج:
ذكر البلاذرى (5) ارسال المغيرة إلى رستم باختلاف ظاهر عما ورد عند الطبرى.
والخبر عند ابن اعثم الكوفى (6) ان المغيرة وفد على كسرى وكان المترجم اسمه عبود، وذكر تفاصيل كثيرة عما دار في مجلس كسرى لا يذكرها الطبرى.
وذكر كل من ابن الأثير (7) ، وابن كثير (8) أخبارا عن هذه الرواية.
أما ابن حجر (9) فقد اكتفى بإيراد خبر ارسال المغيرة إلى رستم.
الرواية الرابعة:
__________
(1) المرزبان: بمفتوحة وسكون راء وضم الزاى والموحدة وبعد الألف نون.
... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 142.
... - محمد بن طاهر الهندى، المغنى. ص 246.
(2) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 247. ... ... ... ... ...
... - مسلم، الكنى والأسماء. ج 1 ص 393 (1474) ...
... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 4 ص 62، 63.
... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 1 ص 261 (2502)
(3) تقريب التهذيب. ص 241.
(4) الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 142.
(5) فتوح البلدان. ق 2 ص 315.
(6) الفتوح. ج 1 ص 157.
(7) الكامل. ج 2 ص 322.
(8) البداية والنهاية. ج 7 ص 39.
(9) الاصابة. ج 3 ص 453.(1/500)
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبى قال: كان اليوم الثالث يوم عماس، ولم يكن في أيام القادسية مثله، خرج الناس منه على السواء، كلهم على ما أصابه كان صابرا، وكلما بلغ منهم المسلمون بلغ الكافرون من المسلمين مثله، وكلما بلغ الكافرون من المسلمين بلغ المسلمون من الكافرين مثله (1) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحيى (2) .
شعيب بن إبراهيم (3) .
سيف بن عمر (4) .
مجالد بن سعيد (5) .
بيان درجة الرواية:
والرواية اسنادها ضعيف لأن فيها مجالدا ليس بالقوى. وسيف بن عمر ضعيف. وفيها انقطاع أيضاً فالشعبى لم يدرك أبا بكر. فقد ولد بعد وفاته.
التخريج:
هذه الرواية لم أجد لها ما يماثلها فيما رجعت اليه من المصادر.
الرواية الخامسة:
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبى قال: كان في الفيلة فيلان يعلمان الفيلة، فلما كان يوم القادسية حملوها على القلب، فأمر بهما سعد القعقاع وعاصما التميميين وحمالا والربيل الأسديين، فذكر مثل الأول إلا أن فيه: وعاش بعد، وصاح الفيلان صياح الخنزير ثم ولى الأجرب الذى عُوّر، فوثب في العتيق فاتبعته الفيلة، فخرقت صف الأعاجم فعبرت العتيق في أثره، فاتت المدائن في توابيتها، وهلك من فيها (6) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحي (7) .
شعيب بن إبراهيم التميمى (8) .
سيف بن عمر (9) .
عمرو بن محمد (10) .
بيان درجة الرواية:
__________
(1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 553.
(2) سبقت ترجمته في ص 471.
(3) سبقت ترجمته في ص 471.
(4) سبقت ترجمته في ص 469.
(5) سبقت ترجمته في ص 470.
(6) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 556.
(7) سبقت ترجمته في ص 471.
(8) سبقت ترجمته في ص 471.
(9) سبقت ترجمته في ص 469.
(10) لم أجد له ترجمة فيما رجعت اليه من المصادر.(2/1)
والرواية اسنادها ضعيف لأن فيها شعيبا فيه جهالة. وسيف بن عمر ضعيف. وفيها انقطاع أيضا لأن الشعبى لم يعاصر القادسية لانه ولد بعدها.
التخريج:
أورد ابن الأثير (1) نص الرواية.
الرواية السادسة:
عن سيف، عن البرمكان، والمجالد عن الشعبى، قال لحق به (الجالينوس) زهرة (2) ، فرفع له الكرة فما يخطئها بْنشَّابة، فالتقيا فضربه زهرة فجد له - ولزهرة يومئذ ذؤابة وقد سُوّد في الجاهلية، وحسن بلاؤه في الإسلام وله سابقه، وهو يومئذ شاب - فتدرع زهرة ما كان على الجالنوس (3) ، فبلغ بضعةً وسبعين ألفا. فلما رجع إلى سعد نزع سلبه، وقال: ألا انتظرت إذنى. وتكاتبا، فكتب عمر إلى سعد: تعمد إلى مثل زهرة - وقد صلى بمثل ما صَلى به، وقد بقى عليك من حربك مابقى - تكسر قرنه وتفسد قلبه. امض له سلبه، وفضله على اصحابه عند العطاء بخمسمائة (4) .
رجال الإسناد:
سيف بن عمر التميمى (5) .
البرمكان (6) .
مجالد بن سعيد (7) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لأن فيها مجالد بن سعيد ليس بالقوى وفيها أيضاً انقطاع لان الشعبى ولد بعد معركة القادسية.
التخريج:
__________
(1) الكامل. ج 2 ص 333.
(2) زهرة بن حوبة بن عبد الله بن قتادة التميمى. صحابى جليل. شارك في جيش سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في معركة القادسية بالعراق، فاستطاع أن يقتل الجالينوس كما وأنه شارك بعدها في فتح المدن التالية: كوثر، وبهرسير، والمدائن.
... - ابن حجر، الاصابة. ج 1 ص 552.
(3) الجالينوس: ملك من ملوك فارس.
... - الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 567.
(4) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 567، 568.
(5) سبقت ترجمته في ص 469.
(6) لم أجد له ترجمة فيما رجعت إليه من المصادر.
(7) سبقت ترجمته في ص 470.(2/2)
ذكر خليفة بن خياط (1) ، وابن كثير (2) ، وابن حجر (3) ، خبر قتل زهرة بن حوبة للجالينوس.
أورد البلاذرى (4) نقلا عن ابن الكلبى ان زهرة هو الذي قتل الجالينوس.
ذكر ابن الأثير (5) نص رواية الطبرى ماعدا الاختلاف في الكيفية التى قتل بها الجالينوس.
الرواية السابعة:
وعن سيف، عن المجالد، عن الشعبى، وسعيد بن المرزبان عن رجل من بنى عبس، قال: لما زال رستم عن مكانه ركب بغلا فلما دنا منه هلال (6) نزع له نشابة، فأصاب قدمه فشكها في الركاب، وقال " ببيايه " (7) فأقبل عليه هلال. فنزل، فدخل تحت البغل، فلما لم يصل إليه قطع عليه المال، ثم نزل اليه ففلق هامته (8) .
رجال الاسناد:
سيف بن عمر (9) .
مجالد بن سعيد (10) .
سعيد بن المرزبان (11) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لأن سعيد بن المرزبان ضعيف، وكذا مجالد بن سعيد ليس بالقوى.
التخريج:
في كتاب الكامل (12) ذكر لتفاصيل مقتل رستم قائد الفرس في معركة القادسية على يد هلال بن علفة باختلاف في الألفاظ عما ورد في الطبرى.
اكتفى ابن كثير (13) بذكر هلال بن علفة التميمى وأنه قتل رستم.
الرواية الثامنة:
__________
(1) تاريخ خليفة. ص 132.
(2) البداية والنهاية. ج 7 ص 46.
(3) الإصابة. ج 1 ص 552.
(4) فتوح البلدان. ق 2 ص 318.
(5) الكامل. ج 2 ص 336.
(6) هلال بن علفة.
... - ابن عبد البر، الاستيعاب. ج 3 ص 604.
... - ابن حجر، الإصابة. ج 3 ص 620.
(7) كلمة فارسية، معناها " كما انت ".
... - الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 577.
(8) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 3 ص 568.
(9) سبقت ترجمته في ص 469.
(10) سبقت ترجمته في ص 470.
(11) سبقت ترجمته في ص 474.
(12) ابن الاثير. ج 2 ص 335.
(13) البداية والنهاية. ج 7 ص 46.(2/3)
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد وعمرو، عن الشعبى، قال: اقتسم الناس فئَ جَلولاء (1) على ثلاثين الف الف، وكان الخمس ستة الاف الف (2) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحي بن السرى التميمى (3) .
شعيب بن إبراهيم التميمى الكوفى (4) .
سيف بن عمر التميمى (5) .
مجالد بن سعيد (6) .
عمرو بن محمد (7) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لان سيف بن عمر ضعيف، ومجالد بن سعيد ليس بالقوى.
التخريج:
اورد خليفه بن خياط (8) نص الرواية ماعدا العبارة التاليه " وكان الخمس ستة الاف الف ".
اخرج ابن ابى شيبه في مصنفه (9) خبر فتح جلولاء في بلاد فارس وقسمة غنائمها بالفاظ متقاربه وبزيادة عما فى الطبرى من طريقين:
1 - طريق ابن ابى زائدة عن مجالد عن الشعبى.
2 - طريق أبو المورع عن مجالد عن الشعبى.
وذكر ابن كثير (10) عن طريق الشعبى نص رواية الطبرى.
الرواية التاسعة:
__________
(1) جلولاء: مدينة صغيرة بالعراق في اول الجبل في طريق خراسان.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج2 ص156.
... - الحميرى، الروض المعطار. ص167.
(2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص29.
(3) سبقت ترجمته في ص 471.
(4) سبقت ترجمته في ص 471.
(5) سبقت ترجمته في ص 469.
(6) سبقت ترجمته في ص 470.
(7) لم اجد له ترجمة فيما رجعت اليه من المصادر.
(8) تاريخ خليفه. ص137.
(9) ج 12 (كتاب التاريخ) - باب الفارس يقسم له -. ص 400 (15029) .، ج12 (كتاب التاريخ) - باب في امر القادسيه وجلولاء-. ص577 (15627) .
(10) البداية والنهاية. ج7 ص70.(2/4)
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف عن محمد وطلحة وعمرو، عن الشعبى وسفيان، عن الحسن قال: قال عمر للوفد: لعل المسلمين يفضون إلى اهل الذمة بأذى وبأمور لها ما ينتقضون بكم! فقالوا: مانعلم إلا وفاء وحسن ملكة، قال: فكيف هذا؟ فلم يجد عند احد منهم شيئا يشفيه ويبصر به مما يقولون، إلاماكان من الاحنف (1) ، فقال يا امير المؤمنين، اخبرك انك نهيتنا عن الانسياح في البلاد، وامرتنا بالاقتصار على مافي ايدينا، وان ملك فارس حى بين اظهرهم، وانهم لايزالون يساجلوننا مادام ملكهم فيهم، ولم يجتمع ملكان فاتفقا حتى يخرج احدهما صاحبه، وقد رأيت انا لم نأخذ شيئا بعد شئ الا بانبعاثهم، وان ملكهم هو الذى يبعثهم، ولايزال هذا دأبهم حتى تاذن لنا فلنسح فى بلادهم حتى نزيله عن فارس، ونخرجه من مملكته وعزامته، فهنالك ينقطع رجاء اهل فارس ويضربون جأشا فقال: صدقنى والله، وشرحت لى الامر عن حقه. ونظر في حوائجهم وسرحهم (2) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحي بن السرى (3) .
شعيب بن إبراهيم التميمى الكوفى (4) .
سيف بن عمر (5) .
محمد بن قيس الاسدى الكوفي الوالبى (6) . أبو نصر وقيل أبو قدامة وقيل أبو الحكم (7)
__________
(1) الاحنف واسمه الضحاك بن قيس التميمى. صحابى جليل. كان يجاهد في بلاد العراق في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ثم أسندت إليه في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه قيادة الجيش المتجه لنشر الإسلام في بلاد خراسان فاستطاع فتح معظم مدنها.
... - ابن سعد، الطبقات. ج7 (القسم الاول) . ص66.
(2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص89.
(3) سبقت ترجمته في ص 471.
(4) سبقت ترجمته في ص 471.
(5) سبقت ترجمته في ص 469.
(6) الوَالبى: بكسر لام وبموحدة نسبة إلى والبة بن عمر بن الحارثة.
... - محمد بن طاهر الهندى، المغنى. ص 267.
(7) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 251.
... - خليفة بن خياط، الطبقات. ص 167.
... - ابن حبان، الثقات. ج 7 ص 427.
... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 356.(2/5)
قال ابن عدي (1) "وهو عندى ممن ليس به بأس". وقال ابن حجر (2) "ثقة" توفي بعد سنة 100هـ.
طلحة بن الاعلم الحنفى. أبو الهيثم (3) . قال أبو حاتم الرازي (4) "شيخ". وذكره ابن حبان في الثقات (5) .
عمرو بن محمد (6) .
الحسن بن أبى الحسن - اسم ابى الحسن يسار - البصرى الامام أبو سعيد (7) . قال الذهبى (8) : "ولد زمن عمر - رضي الله عنه - وكان كبير الشأن رفيع الذكر رأسا في العلم والعمل". وقال ابن حجر (9) "ثقة فقيه000". توفى سنة 110هـ.
بيان درجة الرواية:
والرواية اسنادها ضعيف لأن فيها شعيبا فيه جهالة. وسيف بن عمر ضعيف. وفيها انقطاع لأن الحسن ولد زمن عمر، فتحديث الحسن عن عمر انما هو عن ثقة عاصر عمر.
التخريج:
اورد ابن الاثير (10) نص الرواية.
الرواية العاشرة:
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبى، قال: قتل في اللهب ممن هوى فيه ثمانون الفا، وفي المعركة ثلاثون الفا مقترين، سوى من قتل في الطلب، وكان المسلمون ثلاثين الفا، وافتتحت مدينة نهاوند (11) في أول سنة تسع عشرة، لسبع سنين من امارة عمر، لتمام سنة ثمان عشرة (12) .
رجال الأسناد:
السرى بن يحي (13) .
__________
(1) الكامل في ضعفاء الرجال. ج 6 ص 2254.
(2) تقريب التهذيب. ص 503.
(3) البخاري، التاريخ الكبير. ج 4 ص 349.
(4) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 4 ص 349.
(5) ج 6 ص 488.
(6) لم اجد له ترجمة فيما رجعت اليه من المصادر.
(7) خليفة بن خياط، الطبقات. ص 210.
(8) الكاشف. ج 1 ص 160 (1029) .
(9) تقريب التهذيب. ص 160 (1227) .
(10) الكامل. ج2 ص385.
(11) نَهَاوَنْد: بفتح النون الاولى وتكسر، والواو مفتوحة ونون ساكنة، ودال مهملة. مدينة عظيمة في بلاد فارس مقابل همذان.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج5 ص 313.
(12) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص 136.
(13) سبقت ترجمته في ص 471.(2/6)
شعيب بن إبراهيم (1) .
سيف بن عمر (2) .
عمرو بن محمد (3) .
بيان درجة الرواية:
والرواية اسنادها ضعيف لان فيها شعيبا فيه جهالة، وسيف بن عمر ضعيف. وكان عمر الشعبى سنتين أو أكثر عند هذه الحادثة، ففيها انقطاع ايضاً.
التخريج:
روى ابن كثير (4) من طريق سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبى الجزء المتعلق بسنة فتح نهاوند وذلك لسبع سنين من خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
الرواية الحادية عشرة:
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد عن الشعبى، قال: لما قدم بسبى نهاوند إلى المدينة، جعل أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة لا يلقى منهم صغيرا الا مسح رأسه وبكى وقال: أكل عمر كبدى - وكان نهاونديا، فأسرته الروم أيام فارس، واسره المسلمون بعد، فنسب إلى حيث سبى (5) .
رجال الأسناد:
السرى بن يحي بن السرى التميمى (6) .
شعيب بن إبراهيم الكوفى (7) .
سيف بن عمر التميمى (8) .
عمرو بن محمد (9) .
بيان درجة الرواية:
والرواية اسنادها ضعيف لان فيها شعيبا في جهالة، وسيف بن عمر ضعيف. وفيها انقطاع ايضا لأن عمر الشعبى في هذه الحادثة حوالى سنتين أو أكثر.
التخريج:
روى ابن كثير (10) من طريق الشعبى، نص رواية الطبرى.
الرواية الثانية عشرة:
كتب إلى السرى، عن شعيب عن سيف، عن مجالد، عن الشعبى، قال: كان عمر قد بعث سارية بن زنيم الدؤلى إلى فسا (11)
__________
(1) سبقت ترجمته في ص 471.
(2) سبقت ترجمته في ص 469.
(3) لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.
(4) البداية والنهاية. ج7 ص112.
(5) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص 136.
(6) سبقت ترجمته في ص 471.
(7) سبقت ترجمته في ص 471.
(8) سبقت ترجمته في ص 469.
(9) لم أجد له تعريفاً فيما رجعت اليه من المصادر.
(10) البداية والنهاية. ج 7 ص 112.
(11) فَسَا: بالفتح والقصر: مدينة بفارس في كورة دار أبجرد.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج 4 ص 260، 261.
... - كى لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية. ص 327.(2/7)
ودار ابجرد (1) ، فحاصرهم. ثم إنهم تداعوا فأصحروا له، وكثروه فأتوه من كل جانب، فقال عمر وهو يخطب في يوم جمعة ياسارية بن زنيم، الجبل، الجبل، الجبل! ولما كان ذلك اليوم والى جنب المسلمين جبل، ان لجئوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فلجئوا إلى الجبل، ثم قاتلوهم فهزموهم، فأصاب مغانمهم، وأصاب في المغانم سفطا فيه جوهر، فاستوهبه المسلمين لعمر، فوهبوه له، فبعث به مع رجل، وبالفتح. وكان الرسل والوفد يجازون وتقضى لهم حوائجهم، فقال له ساريه: استقرض ما تبلغ به وما تخلفه لأهلك على جائزتك فقدم الرجل البصرة، ففعل، ثم خرج فقدم على عمر، فوجده يطعم الناس، ومعه عصاه، التى يزجر بها بعيره، فقصد له، فأقبل عليه بها، فقال: اجلس، فجلس حتى إذا أكل القوم انصرف عمر، وقام فأتبعه، فظن عمر أنه رجل لم يشبع، فقال حين انتهى إلى باب داره: ادخل - وقد أمر الخباز أن يذهب بالخوان إلى مطبخ المسلمين - فلما جلس في البيت أتى بغدائه خبز وزيت وملح جريش، فوضع وقال: ألا تخرجين ياهذه فتأكلين؟ قالت: انى لأسمع حس رجل، فقال: أجل، فقالت: لو أردت ان ابرزللرجال اشتريت لى غير هذه الكسوة، فقال: أوما ترضين أن يقال: أم كلثوم بنت على وأمرأة عمر! فقالت: ما أقل غَناء ذلك عنى! إثم قال للرجل: أدن فكل، فلو كانت راضية لكان اطيب مما ترى، فاكلا حتى إذا فرغ قال: رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين فقال: مرحبا وأهلا، ثم أدناه حتى مست ركبته ركبته، ثم سأله عن المسلمينِ ثم سأله عن سارية ابن زنيم، فأخبره، ثم أخبره بقصة الدرج (2)
__________
(1) دار أبجرد: ولاية (كورة) بفارس ومدينتها هي دار ابجرد.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج 2 ص 419.
... - كى لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية. 284.
(2) الدُّرْجُ: بالضم: سُفَيْطٌ صغير.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج 3 ص 1353.(2/8)
فنظر إليه ثم صاح به، ثم قال: لا ولا كرامة حتى تقدم على ذلك الجند فتقسمه بينهم. فطرده، فقال: يا أمير المؤمنين، انى قد أنضيت ابلى واستقرضت في جائزتى، فاعطنى ما أتبلغ به، فمازال عنه حتى أبدله بعيرا ببعيره من إبل الصدقه، وأخذ بعيره فأدخله في ابل الصدقة، ورجع الرسول مغضوبا عليه محروما حتى قدم البصرة، فنفذ لأمر عمر، وقد كان سأله أهل المدينة عن سارية، وعن الفتح وهل سمعوا شيئاً يوم الواقعة؟ فقال نعم، سمعنا: "ياسارية، الجبل"وقد كدنا نهلك، فلجأنا إليه، ففتح الله علينا (1) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحى بن السرى التميمى (2) .
شعيب بن يحي بن السرى التميمى (3) .
سيف بن عمر (4) .
مجالد بن سعيد (5) .
بيان درجة الرواية:
والرواية اسنادها ضعيف لأن فيها شعيبا فيها جهالة، وسيف بن عمر ضعيف ومجالد ليس بالقوى. وفيها انقطاع لأن الشعبى لم يدرك من خلافة عمر الا اربع سنوات أو أقل.
التخريج:
هذا وقد أخرج ابن كثير (6) رواية فتح فساودار ابجرد بنص رواية الطبرى. اضافة إلى أنه ذكر الرواية ايضا من عدة طرق يقوى بعضها البعض بألفاظ متقاربة. فمن طريق سيف ابن عمر عن مشايخه ... كذلك رواية ثانية من طريق سيف بن عمر عن شيوخه. ومن طريق الواقدى قال: حدثنى نافع بن ابى نعيم عن نافع مولى ابن عمر ... ومن طريق الحافظ أبو القاسم اللالكائى من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر ...
الرواية الثالثة عشرة:
__________
(1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 178، 179.
(2) سبقت ترجمته في ص 471.
(3) سبقت ترجمته في ص 471.
(4) سبقت ترجمته في ص 469.
(5) سبقت ترجمته في ص 470.
(6) البداية والنهاية. ج 7 ص 131، 132.(2/9)
حدثنى عمر، قال: حدثنا على، عن عوانة، عن الشعبى - وغير عوانة زاد أحدهما على الآخر - أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يطوف في الاسواق، ويقرأ القرآن، ويقضى بين الناس حيث أدركه الخصوم (1) .
رجال الاسناد:
عمر بن شَبّه (2) بن عَبيدة (3) بن زيد النُّميرى أبو زيد النحوى البصرى الحافظ الاخبارى صاحب المؤلفات (4) . قال ابن حجر (5) " صدوق ". توفى بسامرا (سرى من رأى) سنة 262هـ (6) .
على بن محمد بن عبد الله بن ابى سيف أبو الحسن المدائنى مولى عبد الرحمن بن سمرة القرشى الاخبارى صاحب المؤلفات (7) . قال يحي بن معين (8) " ثقة، ثقة، ثقة ". وقال أحمد بن يحي النحوى (9) " 000، ومن أراد اخبار الإسلام فعليه بكتب المدائنى". وقال ابن عدى (10) " ليس بالقوى في الحديث وهو صاحب الأخبار". وقال الذهبى (11) "صدوق". توفي ببغداد سنة أربع وعشرين ومائتين وقيل خمس وعشرين ومائتين (12) .
__________
(1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 213.
(2) شَبّه: بفتح أوله والموحدة الثقيلة.
... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 283.
(3) عَبيدة: بالفتح.
... الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. 283.
(4) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 6 ص 116.
... - ابن حبان، الثقات. ج 8 ص 446.
... - الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 11 ص 208 - 210.
... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 1 ص 255 (2435) .
(5) تقريب التهذيب. ص 413.
(6) الذهبى، الكاشف. ج 2 ص 272.
(7) الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 12 ص 54.
... - ابن حجر، لسان الميزان. ج 4 ص 253، 254.
(8) نقل قوله الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 12 ص 55.
(9) نقل قوله الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 12 ص 55.
(10) الكامل في ضعفاء الرجال. ج 5 ص 1855.
(11) المغنى في الضعفاء. ج 2 ص 23 (4326) .
(12) الخطيب البغدادى، تاريخ بغداد. ج 12. ص 55.(2/10)
عوانة بن الحكم بن عوانة بن عياض الكوفى. اشتهر برواية الاخبار توفى سنة ثمان وخمسين ومائة (1) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها حسن لان فيها عمر بن شبه صدوق، وعوانة بن الحكم في الاسناد اخبارى مشهور كما قاله الحافظ ابن حجر. والرواية رواية تاريخية، فهى مقبولة من عوانة.
التخريج:
أورد الواقدى (2) تفاصيل كثيرة عما كان يفعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته.
والخبر عند ابن الأثير (3) بنص ماورد عند الطبرى وعزاه إلى الشعبى.
المبحث الثالث: في خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه
الرواية الأولى:
وكتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبى، قال اجتمع اهل الشورى على عثمان لثلاث مضين من المحرم (سنة اربع وعشرين) وقد دخل وقت العصر، وقد أذن مؤذن صهيب (4) ، واجتمعوا بين الأذان والاقامة، فخرج فصلى بالناس، وزاد الناس مائة ووفد أهل الأمصار، وهو اول من صنع ذلك (5) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحي التميمى (6) .
شعيب بن إبراهيم الكوفى (7) .
سيف بن عمر (8) .
عمرو بن محمد (9) .
بيان درجة الرواية:
الرواية اسنادها ضعيف لان فيها شعيبا فيه جهالة وسيف بن عمر ضعيف.
التخريج:
__________
(1) ابن حجر، لسان الميزان. ج 4 ص 386.
(2) ابو عبد الله محمد بن عمر، فتوح الشام. الجزء الأول، دار الجيل - بيروت، بدون. ص 93.
... والقول الراجح أن هذا الكتاب ليس من مصنفات الواقدي.
(3) الكامل. ج 3 ص 32.
(4) صهيب بن سنان مولى عبد الله بن جدعان، ابو يحيى. صحابى جليل.
... - مسلم، الكنى والأسماء. ج 2 ص 898 (3637) .
(5) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 242.
(6) سبقت ترجمته في ص 471.
(7) سبقت ترجمته في ص 471.
(8) سبقت ترجمته في ص 469.
(9) لم أجد له تعريفاً فيما رجعت إليه من المصادر.(2/11)
وهذا الخبر يؤيده ما أخرجه ابن كثير (1) من عدة طرق بنص مارواه الطبرى، فمن طريق سيف بن عمر، عن عامر الشعبى أنه قال…،. ومن طريق سيف عن خليفة بن زفر ومجالد قالا …، إلا أنه يختلف في السنة حيث يذكر سنة 23هـ. ومن طريق الشعبى قال: وكان أول صلاة …".
الرواية الثانية:
وفي هذه السنة (24هـ) عَزل عثمان (بن عفان رضى الله عنه) المغيرة بن شعبه عن الكوفة، وولاها سعد بن ابى وقاص - فيما كتب به إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبى، قال: كان عمر قال: أوصى الخليفة من بعدى أن يستعمل سعد بن ابى وقاص، فإنى لم أعزله عن سوء، وقد خشيت أن يلحقه من ذلك. وكان أول عامل بعث به عثمان سعد بن ابى وقاص على الكوفة، وعزل المغيرة بن شعبة والمغيرة يومئذ بالمدينة، فعمل عليها سعد سنة وبعض اخرى، واقر أبا موسى سنوات (2) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحي التميمى (3) .
شعيب بن إبراهيم الكوفى (4) .
سيف بن عمر (5) .
مجالد بن سعيد الهمدانى (6) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لأن فيها شعيب بن إبراهيم فيه جهالة، وفيها مجالد بن سعيد ليس بالقوى.
التخريج:
روى ابن كثير (7) نص رواية الطبرى من طريق سيف عن مجالد عن الشعبى.
اخرج الهيثمى (8) الجزء المتعلق بإقرار ابى موسى رضىالله عنه لمدة اربع سنوات.
الرواية الثالثة:
__________
(1) البداية والنهاية. ج 7 ص 147.
(2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 244.
(3) سبقت ترجمته في ص 471.
(4) سبقت ترجمته في ص 471.
(5) سبقت ترجمته في ص 469.
(6) سبقت ترجمته في ص 470.
(7) البداية والنهاية. ج 7 ص 149.
(8) مجمع الزوائد. ج9 (كتاب المناقب) - باب ماجاء فى ابى موسى الاشعرى رضى الله عنه -. ص362.(2/12)
وكتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عاصم بن سليمان عن عامر الشعبى، قال: أول خليفة زاد الناس في اعطياتهم مائة عثمان، فجرت. وكان عمر يجعل لكل نفس منفوسة من أهل الفئ في رمضان درهما في كل يوم، وفرض لأزواج رسول الله ش درهمين درهمين، فقيل له: لو صنعت طعاما فجمعتهم عليه! فقال: اشبع الناس في بيوتهم. فأقر عثمان الذي كان صنع عمر، وزاد فوضع طعام رمضان، فقال للمتعبد الذي يتخلف في المسجد وابن السبيل والمعترين (الفقراء) بالناس في رمضان (1) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحي التميمى (2) .
شعيب بن إبراهيم الكوفى (3) .
عاصم بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصرى (4) . قال ابن حجر (5)
" ثقة،..، لم يتكلم فيه إلا القطان فكأنه بسبب دخوله في الولاية". توفى سنة اثنتين واربعين ومائة (6) .
بيان درجة الرواية:
الرواية اسنادها ضعيف لان فيها شعيبا فيه جهالة. وسيف بن عمر ضعيف.
التخريج:
ذكر الرواية ابن كثير (7) وعزاها إلى الشعبى.
الرواية الرابعة:
قال على: وأخبرنا أبو مخنف، عن نمير بن وعلة، عن الشعبى، قال: أخذ ابن عامر (8) على مفازة خبيص (9) ، ثم على خُواست (10)
__________
(1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 245، 246.
(2) سبقت ترجمته في ص 471.
(3) سبقت ترجمته في ص 471.
(4) ابن سعد، الطبقات. ج 7 (القسم الثانى) ص 65.
... - خليفة بن خياط، الطبقات. ص 218.
... - مسلم، الكنى والأسماء. ج 1 ص 515 (2040) .
(5) تقريب التهذيب. ص 285.
(6) الذهبى، العبر. ج 1 ص 149.
(7) البداية والنهاية. ج 7 ص 148.
(8) عبد الله بن عامر بن كريز بن عبد شمس.
... - ابن حزم، جمهرة أنساب. ج 1 ص 74، 75.
(9) خبيص: مدينة بكرمان.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج 2 ص 345.
(10) خُواست (خواشت) : من قرى بلخ.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج 2 ص 398.(2/13)
- ويقال: على: يَزد (1) - ثم على قُهِستان (2) ، فقدم الأحنف فلقيه الهياطلة (3) ، فقاتلهم فهزمهم، ثم اتى أبْرَشهر (4) ، فنزلها ابن عامر، وكان سعيد بن العاص في جُند أهل الكوفة، فأتى جرجان (5) وهو يريد خراسان، فلما بلغه نزول ابن عامر أبْرَشهر، رجع إلى الكوفة (6) .
رجال الإسناد:
على بن محمد المدائنى (7) .
أبو مخنف: لوط بن يحى (8) .
نمير بن وَعْلة (9) الهمدانى قال أبو حاتم (10) ، والذهبى (11) "مجهول" وزاد الذهبى بقوله " ماروى عنه سوى ابى مخنف ".
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لان فيها نمير بن وعلة مجهول.
التخريج:
أورد الحميرى (12) اجزاء من خبر الفتح فذكر قتال الاحنف بن قيس للهياطله وفتح مدينة أبر شهر من قبل ابن عامر.
الرواية الخامسة:
__________
(1) يَزْد: مدينة بين نيسابور وشيراز واصبهان. وهي من بلاد فارس.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج 5 ص 435.
(2) قُهِستان: المقصود بها الجبال التى بين هراة ونيسابور. وهي من بلاد فارس.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج 4 ص 416.
(3) الهياطله: من هيطل: اسم لبلاد ماوراء النهر.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج 5 ص 422.
(4) أَبْرَشهر: هى مدينة نيسابور.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج 1 ص 65.
(5) جُرْجان: مدينة كبيرة بين طبرستان وخراسان. وهي من بلاد فارس.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج 2 ص 119.
(6) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 301.
(7) سبقت ترجمته في ص 483.
(8) سبقت ترجمته في ص 470.
(9) في لسان الميزان " دعلمة " بدل " وعلة ".
... - ابن حجر. ج6 ص 171.
(10) ابن أبى حاتم، الجرح والتعديل. ج8 ص498.
(11) المغنى في الضعفاء. ج1 ص357 (6670) .
(12) الروض المعطار. ص9.(2/14)
وكتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبى قال: لم يمت عمر رضي الله عنه حتى ملته قريش، وقد كان حصرهم بالمدينة، فامتنع عليهم، وقال: إن اخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد، فإن كان الرجل ليستأذنه في الغزو - وهو ممن حبس بالمدينة من المهاجرين، ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة - فيقول: قد كان في غزوك مع رسول الله ش ما يبلغك، وخير لك من الغزو اليوم ألا ترى الدنيا ولا تراك، فلما ولى عثمان خلى عنهم فاضطربوا في البلاد، وانقطع اليهم الناس، فكان أحب اليهم من عمر (1) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحى التميمى (2) .
شعيب بن إبراهيم الكوفى (3) .
سيف بن عمر (4) .
عمرو بن محمد (5) .
بيان درجة الرواية:
والرواية اسنادها ضعيف لان فيها شعيبا فيه جهالة وسيف بن عمر ضعيف. وفيها انقطاع ايضا لان الشعبى لم يدرك من خلافة عمر رضى الله عنه الا اربع سنوات أو أقل.
- فيما يتعلق بالجزء الأول الخاص بعمر -.
التخريج:
روى ابن الاثير (6) نص الرواية من طريق الشعبى.
الرواية السادسة:
حدثنى جعفر بن عبد الله، قال حدثنا عمرو بن حماد وعلى، قالا حدثنا حسين، عن ابيه، عن المجالد بن سعيد الهمدانى، عن عامر الشعبى، انه قال: حصر عثمان بن عفان رضى الله عنه في الدار اثنتين وعشرين ليلة، وقتل صُبحة ثمانى عشرة ليلة مضت من ذى الحجة سنة خمس وعشرين من وفاة رسول الله ش (7) .
رجال الاسناد:
جعفر بن عبد الله المحمدى (8) .
__________
(1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 397.
(2) سبقت ترجمته في ص 471.
(3) سبقت ترجمته في ص 471.
(4) سبقت ترجمته في ص 469.
(5) لم أجد له تعريفا فيما رجعت إليه من المصادر.
(6) الكامل. ج 3 ص 91.
(7) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص416.
(8) لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.(2/15)
عمرو بن حماد بن طلحة القَنَّاد أبو محمد الكوفى (1) . قال ابن حجر (2) "صدوق رمى بالرفض". توفى سنة اثنتين وعشرين ومائتين (3) .
على بن حسين بن عيسى (4) .
حسين بن عيسى بن حمران الطائى أبو على البسامى (5) . قال ابن حجر (6) "صدوق صاحب حديث". توفى سنة سبع واربعين ومائتين (7) .
عيسى بن حمران الطائى (8) .
مجالد بن سعيد الهمدانى (9) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لان فى اسنادها مجالدا بن سعيد وهو ليس بالقوى وجعفر بن عبد الله المحمدى مجهول وكذا على بن حسين بن عيسى.
التخريج:
روى ابن كثير (10) نص رواية الطبرى عن مدة الحصار من طريق الشعبى. هذا وقد اختلف فى مدة الحصار فقيل اربعين يوما (11) . وقيل تسعا واربعين يوما (12) . وقيل شهرين وعشرين يوما (13) .
وممن حدد مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه بيوم الجمعة لثمانى عشرة ليلة مضت من ذى الحجة ابن سعد (14) بسنده، وابن كثير (15) .
__________
(1) ابن سعد، الطبقات. ج6 ص285.
... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج6 ص228.
... - ابن حجر، تهذيب التهذيب. ج8 ص22،23.
(2) تقريب التهذيب. ص420.
(3) الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص288.
(4) لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.
(5) البخارى، التاريخ الكبير. ج2 ص393.
... - مسلم، الكنى والاسماء. ج1 ص560 (2268) .
(6) تقريب التهذيب. ص168.
(7) الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص84.
(8) لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.
(9) سبقت ترجمته في ص 470.
(10) البداية والنهاية. ج7 ص190.
(11) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص354،371،385.
(12) ابن عبد البر، الاستيعاب. ج3 ص77.
... - ابن كثير، البداية والنهاية. ج7 ص190.
(13) ابن عبد البر، الاستيعاب. ج3 ص77.
(14) الطبقات. ج3 (القسم الثانى) . ص54.
(15) البداية والنهاية. ج7 ص190.(2/16)
المبحث الرابع: في خلافة على بن ابى طالب رضي الله عنه
الرواية الأولى:
وحدثنى عمر بن شبه، قال: حدثنا أبو الحسن المدائنى، قال: اخبرنا مسلمة بن محارب، عن داود بن ابى هند، عن الشعبى قال: لما قتل عثمان رضى الله عنه اتى الناس عليا وهو فى سوق المدينة، وقالوا له: ابسط يدك نبايعك قال: لاتعجلوا فإن عمر رجلا مباركا، وقد اوصى بها شورى، فأمهلوا يجتمع الناس ويتشاورون. فارتد الناس عن على، ثم قال بعضهم: ان رجع الناس إلى امصارهم بقتل عثمان ولم يقم بعده قائم بهذا الامر لم نأمن اختلاف الناس وفساد الأمة، فعادوا إلى على، فأخذ الاشتر بيده فقبضها على، فقال: أبعد ثلاثة. أما والله لئن تركتها لتقصرن عنَيْتَك اى عنادك عليها حينا، فبايعته العامة. واهل الكوفة يقولون: ان أول من بايعه الأشتر (1) .
رجال الاسناد:
عمر بن شبه (2) .
أبو الحسن: على بن محمد المدائنى (3) .
مسلمة بن محارب الزيادى (4) . سكت عنه أبو حاتم الرازى (5) . وذكره ابن حبان في الثقات (6) .
داود بن ابى هند (7) . أبو بكر وقيل أبو محمد البصرى. أحد صغار التابعين (8) . قال الذهبى (9) "أحد الاعلام وكان حافظا صواما دهره قانتا لله".
بيان درجة الرواية:
اسنادها حسن لان عمر بن شبه صدوق.
التخريج:
__________
(1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص433.
(2) سبقت ترجمته في ص 483.
(3) سبقت ترجمته في ص 483.
(4) البخارى، التاريخ الكبير. ج7 ص387.
(5) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج8 ص266.
(6) ج7 ص 490.
(7) اختلف في اسم ابى هند فقيل "دينار بن عذافر" وقيل "طهمان القشيرى".
... - ابن سعد، الطبقات. ج 3 ص 20.
... - ابن حجر، تهذيب التهذيب. ج 3 ص 204.
(8) العجلى، تاريخ الثقات. ص 148.
... - مسلم، الكنى والاسماء. ج 2 ص 731 (2950) .
... - ابن حبان، الثقات. ج 6 ص 278.
(9) الكاشف. ج 1 ص 225.(2/17)
ذكر كل من ابن الاثير (1) وابن كثير (2) اخبارا عن مبايعة على بن ابى طالب رضى الله عنه.
الرواية الثانية:
حدثنى عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن ابى مخنف، عن نُمَير بن وعْلةَ، عن الشعبى، قال: لما نزل على الرَّبَذَة (3) اتته جماعة من طئ، فقيل لعلى: هذه جماعة من طئ قد أتتك، منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد التسليم عليك، قال: جَزى الله كلاًّ خيرا {وفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} (4) . ثم دخلوا عليه فقال على: ما شهدتمونا به؟ قالوا شهدناك بكل ماتحب، قال: جزاكم الله خيرا. فقد اسلمتم طائعين وقاتلتم المرتدين ووافيتم بصدقاتكم المسلمين. فنهض سعيد بن عبيد الطائى (5) . فقال: ياامير المؤمنين، إن من الناس من يعبر لسانه عما في قلبه، وإنى والله ما أجد في قلبى يعبر عنه لسانى وسأجهد وبالله التوفيق، أمّا أنا فسأنصح لك فى السر والعلانية وأقاتل عدوك في كل مواطن وأرى لك من الحق مالا أراه لأحد من اهل زمانك لفضلك وقرابتك. قال: رحمك الله؛ قد أدى لسانك عما يجن ضميرك. فقتل معه بصفين رحمه الله تعالى (6) .
رجال الاسناد:
عمر بن شبه (7) .
أبو الحسن: على بن محمد المدائنى (8) .
أبو مخنف: لوط بن يحى (9) .
نمير بن وعلة الهمدانى (10) .
بيان درجة الرواية:
__________
(1) الكامل. ج3 ص99.
(2) البداية والنهاية. ج7 ص227.
(3) الرَّبَذَة: من قرى المدينه المنورة تبعد عنها مسيرة ثلاث ايام.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج3 ص24.
(4) سورة النساء. آية (95) .
(5) سعيد بن عبيد الطائى. ابو الهذيل الكوفى.
... - مسلم، الكنى والاسماء. ج2 ص885 (3586) .
... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج4 ص46.
(6) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص478.
(7) سبقت ترجمته في ص 483.
(8) سبقت ترجمته في ص 483.
(9) سبقت ترجمته في ص 470.
(10) سبقت ترجمته في ص 486.(2/18)
اسنادها ضعيف جداً لان في اسنادها ابا مخنف لوط ساقط ونمير بن وعلة مجهول.
التخريج:
ذكر ابن الاثير (1) نص رواية الطبرى.
واكتفى ابن كثير (2) بذكر نص بداية الرواية إلى قوله تعالى: {وفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} .
الرواية الثالثة:
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبى، قال: لما التقوا بذى قار تلقاهم على فى اناس، فيهم ابن عباس فرحب بهم، وقال ياأهل الكوفة، انتم وليتم شوكة العجم وملوكهم، وفضضتم جموعهم، حتى صارت اليكم مواريثُهم، فأغنيتم حوزتكم، واعنتم الناس على عدوهم، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا اخواننا من اهل البصرة، فإن يرجعوا فذاك مانريد وإن يلجوا داويناهم بالرفق، ويناهم حتى يبدؤنا بظلم، ولن ندع أمرا فيه صلاح الا أثرناه على مافيه الفساد ان شاء الله، ولا قوة الا بالله. فاجتمع بذى قار سبعة الاف وُمئتان، وعبد القيس بأسرها فى الطريق بين على واهل البصرة ينتظرون مرور على بهم، وهم آلاف - وفى الماء الفان واربعمائة - (3) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحى التميمى (4) .
شعيب بن إبراهيم الكوفى (5) .
سيف بن عمر الاسيدى التميمى (6) .
عمرو بن محمد (7) .
بيان درجة الرواية:
الرواية عند رجال الحديث سندها ضعيف لان فى اسنادها شعيب بن إبراهيم فيه جهالة وسيف بن عمر ضعيف.
التخريج:
وقد اورد ابن كثير (8) نص الرواية وليس فيه الا اختلافات لفظية يسيرة اضافة إلى انه يغفل ذكر الجزء التالى" فاجتمع بذى قار …… - وفي الماء الفان واربعمائة ".
الرواية الرابعة:
__________
(1) الكامل. ج3 ص115.
(2) البداية والنهاية. ج7 ص235.
(3) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص487.
(4) سبقت ترجمته في ص 471.
(5) سبقت ترجمته في ص 471.
(6) سبقت ترجمته في ص 469.
(7) لم اجد له ترجمة فيما اطلعت عليه من المصادر.
(8) البداية والنهاية. ج7 ص237.(2/19)
حدثنى عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو مخنف، عن جابر عن الشعبى، عن ابى الطُّفَيْل، قال: قال علىُُّ: يأتيكم من الكوفة اثنا عشر الف رجل ورجل، فقعدت على نجَفةِ (1) ذى قار (2) ، فأحصيتُهم فما زادوا رجلا، ولانقصوا رجلا (3) .
رجال الاسناد:
عمر بن شبه (4) .
أبو الحسن: على بن محمد المدائنى (5) .
أبو مخنف: لوط بن يحى (6) .
جابر بن يزيد بن الحارث بن زيد بن عبد يَغُوث بن كعب بن الحارث000 بن جعفى بن سعد العشيرة أبو محمد ويقال أبو يزيد الكوفى (7) . قال ابن حجر (8) "ضعيف رافضى". توفى سنة 127هـ (9) . وقيل سنة 132هـ (10) .
أبو الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله الكنانى الليثى. صحابى جليل (11) وهو أخر من مات من الصحابة وذلك في سنة عشر ومائة (12) .
بيان درجة الرواية: ...
__________
(1) النَّجفَةُ: أَرْضُُ مُسْتَديرَة مُشْرفَةُ.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج7 ص4354.
(2) ذى قار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج4 ص293.
(3) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص500.
(4) سبقت ترجمته في ص 483.
(5) سبقت ترجمته في ص 483.
(6) سبقت ترجمته في ص 470.
(7) مسلم، الكنى والأسماء. ج2 ص 725 (2918) .
... - ابن حزم، جمهرة أنساب. ج 2 ص 410.
... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 2 ص 153 (6756) .
(8) تقريب التهذيب. ص 137.
(9) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 240.
(10) ابن حجر، تقريب التهذيب. ص 137.
(11) ابن سعد، الطبقات. ج5 ص338.
... - مسلم، الكنى والاسماء. ج2 ص459 (1738) .
... - ابن حجر، الاصابة. ج4 ص113.
(12) الذهبى، العبر. ج1 ص104.
... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص185.(2/20)
اسنادها ضعيف جداً لان فيها لوط بن يحيى ساقط، وجابر الجعفى ضعيف كذاب. اضافة إلى ان علامات الوضع ظاهرة على الرواية حيث تزعم ان عليا يخبر عن مغيب مجهول لا يعلمه الا الله.
التخريج:
وذكر خليفه بن خياط (1) ان عدد الجيش يتراوح ما بين الستة إلى السبعة.
وروى الطبرى عدة روايات فى عددهم:
فمن رواية السرى عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة ان عددهم خمسه الاف (2) ثم يورد فى موضع أخر ان عددهم تسعة الاف وبنفس رجال الاسناد (3) .
فمن رواية عمر بن شبه (4) قال حدثنا أبو الحسن، عن بشير بن عاصم، عن فطر ابن خليفة، عن منذر الثورى، عن محمد بن الحنفيه ان العدد يبلغ سبعة الاف (5) .
فمن رواية السرى عن شعيب عن سيف عن عمرو، عن الشعبى ان العدد يبلغ سبعة الاف ومائتين (6) . واما ابن الاثير (7) فقد اورد خبرين فى عددهم ففى الخبر الاول تسعة الاف. والخبر الاخر اثنا عشر الفا من طريق ابى الطفيل.
وذكر ابن كثير (8) ان عددهم يترواح مابين التسعة الاف او الاثنى عشر الفا.
اذن معظم الاخبار فى عددهم تنحصر مابين التسعة الاف والاثنى عشرالف وهو ما نرجحه.
الرواية الخامسة:
__________
(1) تاريخ خليفه. ص184.
(2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص488.
(3) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص485.
(4) الخبر برواية عمر بن شبه ليس في أخبار المدينة المطبوع.
(5) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص506.
(6) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص487.
(7) الكامل. ج3 ص118.
(8) البداية والنهاية. ج7 ص237.(2/21)
حدثنى عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو مخنف، عن جابر عن الشعبى، قال: حملت ميمنة امير المؤمنين على ميسرة اهل البصرة، فاقتتلوا، ولاذَ الناس بعائشة رضى الله عنها، اكثرهم ضبة والازد، وكان قتالهم من ارتفاع النهار إلى قريب من العصر، ويقال: إلى أن زالت الشمس، ثم انهزموا، فنادى رجل من الازد: كروا، فضربه محمد بن على فقطع يده، فنادى: يامعشر الازد فروا، واستحر القتل بالازد، فنادوا: نحن على دين على بن ابى طالب فقال رجل من بنى ليث بعد ذلك:
...
سائل بنا يَوْمَ لقينا الازْد
والخيْلُ تَعْدو أشقرا وَوْرَدا
لما قَطَعْنا كِبْدَهُمْ والزَّنَدا
سُحْقَا لَهُمْ فى رأيهم وبُعْدا (1)
رجال الاسناد:
عمر بن شبه (2) .
أبو الحسن:على بن محمد المدائنى (3) .
أبو مخنف: لوط بن يحى (4) .
جابر بن يزيد الجعفى (5) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف جداً لان فيها لوط ساقط، وجابر بن يزيد الجعفى ضعيف كذاب.
التخريج:
اورد ابن الاثير (6) نص رواية الطبرى.
اما عن دفاع بن ضبة واستبسالهم فى صد كل من يقترب من الجمل فلا ينكره احد من المؤرخين وخير دليل على ذلك قول عائشة رضى الله عنها " مازال جملى معتدلا حتى فقدت أصوات بنى ضبة" (7) .
الرواية السادسة:
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبى، قال: اخذ الخطام يوم الجمل سبعون رجلا من قريش، كلهم يقتل وهو آخذ بالخطام، وحمل الاشتر (8)
__________
(1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص512.
(2) سبقت ترجمته في ص 483.
(3) سبقت ترجمته في ص 483.
(4) سبقت ترجمته في ص 470.
(5) سبقت ترجمته في ص 491.
(6) الكامل ج3 ص134.
(7) ابن كثير، البداية والنهاية. ج7 ص244.
(8) الاشتر هو مالك بن الحارث بن يغوث النخعى، مخضرم.
... - خليفه بن خياط، الطبقات. ص148.
... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص366.(2/22)
فاعترضه عبد الله بن الزبير، فاختلفا ضربتين، ضربه الاشتر فأمه، وواثبه عبد الله، فاعتنقه فخر به وجعل يقول: " اقتلونى ومالكا " (1) - وكان الناس لايعرفونه بمالك، ولو قال "والاشتر "، وكانت له الف نفس مانجا منها شيئ - ومازال يضطرب يدى عبد الله حتى افلت، وكان الرجل إذا حمل على الجمل ثم نجا لم يَعُد. وجرح يومئذ مروان وعبد الله بن الزبير (2) .
رجال الاسناد:
السرى بن يحى بن السرى (3) .
شعيب بن إبراهيم الكوفى (4) .
سيف بن عمر الاسيدى التميمى (5) .
عمرو بن محمد (6) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لأن فيها شعيب بن إبراهيم التميمى فيه جهالة، وسيف بن عمر ضعيف.
التخريج:
ذكر ابن اعثم الكوفى (7) الجزء المتعلق بقتال عبد الله بن الزبير والاشتر، وتمكن الاشتر من عبد الله بن الزبير الذى فر من تحته.
اورد المسعودى (8) قصة قتال عبد الله الزبير والاشتر مالك بن الحارث قريبا مما ذكره الطبرى. لكنه يضيف ان نجاة الاشتر من القتل انما ترجع إلى شدة القتال والتحام الحديد والظلمة السائدة فلم يسمع احد نداء عبد الله بن الزبير.
ذكر ابن الاثير (9) جزءًا من الرواية.
__________
(1) اورد الطبرى قبل ذلك ان قائل هذه العبارة هو عبد الرحمن بن عتاب بن اسيد.
... - تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص520.
... والراجح ان قائلها هو عبد الله بن الزبير.
(2) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص530.
(3) سبقت ترجمته في ص 471.
(4) سبقت ترجمته في ص 471.
(5) سبقت ترجمته في ص 469.
(6) لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.
(7) الفتوح. ج2 ص488،489.
(8) على بن الحسين بن على، مروج الذهب ومعادن الجوهر. الجزء الثانى. تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد، دار المعرفة - بيروت - لبنان، 1403هـ - 1983م. ص376.
(9) الكامل. ج3 ص128.(2/23)
اورد ابن كثير (1) نص الرواية وذكر تفاصيل يحذفها الطبرى.
الرواية السابعة:
نصر: عمر بن سعد، عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبى، أن عليا عليه السلام حين قدم من البصرة نزع جريرا هَمَدان، فجاء حتى نزل الكوفة، فأراد على أن يبعث إلى معاوية رسولا فقال له جرير: ابعثنى إلى معاوية، فانه لم يزل لى مستنصحاّ ووُدًّا (2) ، فأتيه فأدعوه على ان يسلم لك هذا الأمر، ويُجامعَك على الحق، على أن يكون اميرا من امرائك، وعاملا من عمالك، ماعمِل بطاعة الله، واتبع مافي كتاب الله؛ وأدعو أهل الشام إلى طاعتك وولايتك، وجلهم قومى وأهل بلادى، وقدر رجوت أَلا يعصونى. فقال له الأَشتر: لاتبعثه ودعه، ولا تصدقه، فوالله إِنى لأَظنُّ هواه هواهم، ونيته نيتهم. فقال له على: دعه حتى ننظر ما يرجع به الينا. فبعثه على عليه السلام وقال له حين أراد أن يبعثه: ان حولى من أصحاب رسول الله ش من أهل الدين والرأى من قد رأيت، وقد اخترتك عليهم لقول رسول الله فيكَ" (انك من خير ذى يمن) (3)
__________
(1) البداية والنهاية. ج7 ص244.
(2) ووُدًّا: اى صَدِيقا.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج8 ص 4794.
(3) هذا الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند من عدة طرق بألفاظ متقاربة فمن طريق عبد الله قال حدثني ابى ثنا ابو قطن حدثنى يونس عن المغيرة بن شبل قال وقال جرير 000 وقال - الرسول ش -. (يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذي يمن ألا أن على وجهه مسحة ملك) .
... وكذلك من طريق عبد الله قال حدثني ابى ثنا ابونعيم حدثنا يونس عن المغيرة بن شبل بن عوف عن جرير بن عبد الله 000 فذكر مثله.
... ومن طريق عبد الله قال حدثنى ابى ثنا إسحاق بن يوسف ثنا يونس عن المغيرة بن شبل قال قال جرير: 000 فقال - ش-. (انه سيدخل عليكم000)
... - الجزء الرابع، دار الكتب العلمية، بدون. ص 359، 360، 364.
... وكذلك اخرجه الطبراني في المعجم الكبير من عدة طرق بألفاظ متقاربة. وهى
... 1 - حدثنا أبوخليفة ثنا إبراهيم بن بشار الرمادى ثنا سفيان عن إسماعيل بن ابى خالد عن قيس بن ابى حازم عن جرير بن عبد الله ان النبى ش قال: (يدخل عليكم من الباب 000) .
... 2 - حدثنا على بن عبد العزيز ثنا ابونعيم ثنا يونس بن ابى إسحاق عن المغيرة (المغير) بن شبل (شبيل) عن جرير 000 قال…
... 3 - حدثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ثنا سويد بن عمرو الكلبى ثنا أبو كدينة يحيى بن المهلب عن قابوس بن أبى ظبيان عن أبيه عن جرير قال000 فقال - النبي ش -0: (قد جاءكم000)
... - الجزء الثاني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفى، الطبعة الثانية، مطبعة الزهراء الحديثة - الموصل، 1984م. ص 301 (2258) ، ص 352، 353 (2483) ، ص 356 (2498) .(2/24)
ايت معاوية بكتابى، فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا فانبذ إليه، وأعلمه أنى لا أرضى به أميرا، وأن العامة لا ترضى به خليفة" (1) .
رجال الاسناد:
عمر بن سعد بن ابى الصيد الاسدى. قال أبو حاتم الرازى (2) " متروك الحديث ". وقال الذهبى شيعى بغيض (3) .
نمير بن وعلة (4) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف جداً لأن عمر بن سعد بن أبى الصيد متروك ونمير بن وعلة مجهول.
التخريج:
هذا وقد ذكر اليعقوبى (5) هذه الرواية قريبا مما ذكره المنقرى اضافة إلى انه عمد إلى ذكر تفاصيل كثيرة عن خبر وفادة جرير بن عبد الله رضى الله عنه على معاوية بن ابى سفيان رضى الله عنه.
واورد الطبرى (6) رواية ارسال جرير بن عبد الله رضى الله عنه إلى معاوية رضى الله عنه قريبا مما ذكره المنقرى من طريق عمر بن شبه قال حدثنا أبو الحسن عن عوانة.
ويروى ابن اعثم الكوفى (7) رواية طلب جرير بن عبد الله رضى الله عنه من على ابن ابى طالب رضى الله عنه ان يرسله كرسول إلى معاوية بن ابى سفيان رضى الله عنه في تفاصيل مطولة عما في رواية المنقرى.
وذكر المسعودى (8) ، وابن الاثير (9) اخبارا عن هذه الرواية.
واكتفى ابن كثير (10) بايراد جزءًا يسيرا من الرواية.
__________
(1) المنقرى: نصر، وقعة صفين. تحقيق عبد السلام محمد هارون، الطبعة الثانية، المؤسسة العربية - القاهرة، 1382هـ. ص 27، 28.
(2) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج6 ص112.
(3) ميزان الاعتدال. الجزء الثالث، تحقيق على محمد البجاوى، دار احياء الكتب العربيه - مصر،
بدون. ص199.
(4) سبقت ترجمته في ص 486.
(5) أحمد، تاريخ اليعقوبى. الجزء الثانى، دار صادر - بيروت، بدون. ص184-186.
(6) تاريخ الرسل والملوك. ج4 ص561.
(7) الفتوح. ج2 ص515 - 518.
(8) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ج2 ص381.
(9) الكامل. ج3 ص141.
(10) البداية والنهاية. ج7 ص254.(2/25)
ذكر ابن خلدون (1) هذه الرواية بألفاظ متقاربة.
الرواية الثامنة:
نصر: عمر بن سعد، عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبى، أن شرحبيل بن السَّمط ابن جبلة الكندى (2) دخل على معاوية فقال: أنت عامل أمير المؤمنين وابن عمه، ونحن المؤمنون، فإن كنت رجلا تجاهد علياً وقتله عثمان حتى ندرك بثأرنا أو تفنى أرواحنا استعملناك علينا، وإلا عزلناك واستعملنا غيرك (3) .
رجال الإسناد:
عمر بن سعد بن ابى الصيد الأسدى (4) .
نمير بن وعلة (5) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف جداً لان عمر بن سعد بن أبى الصيد متروك، ونمير بن وعلة مجهول. .
التخريج:
رواية لم أجد لها ما يماثلها فيما رجعت إليه من المصادر.
الرواية التاسعة:
نصر: عمر بن سعد، عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبى قال: اجتمع جرير (6)
__________
(1) عبد الرحمن، العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى، مؤسسة جمال للطباعة والنشر - بيروت، 1399هـ - 1979م. (الجزء الاول) . ص169.
(2) شُرَحبيل بن السَّمْط بن جبلة الكندى. قيل له صحبة وقيل تابعى.
... - ابن سعد، الطبقات. ج 7 (القسم الثانى) . ص 155.
... - البخارى، التاريخ الكبير. ج 4 ص 248، 249.
... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 4 ص 338.
(3) المنقرى، وقعة صفين. ص 51.
(4) سبقت ترجمته في ص 495.
(5) سبقت ترجمته في ص 486.
(6) جرير بن عبد الله البجلى. صحابى جليل. كان على ميمنة سعد بن أبي وقاص في معركة
القادسية. ثم شارك بعدها في معارك المدائن وجلولاء وتستر ونهاوند.
... - خليفه بن خياط، الطبقات. ص116.(2/26)
والاشتر عند على فقال الاشتر: أليس قد نهيتك ياأمير المؤمنين أن تبعث جريرا، وأخبرتك بعداوته وغشَّه؟ وأقبل الاشتر يشتمه ويقول: ياأخا بجيلة، إن عثمان اشترى منك دينك بهمَدَان. والله ماأنت بأهلٍ ان تمشى في الارض حيًا. إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يداّ بمسيرك اليهم، ثم رجعت الينا من عندهم تهدَّدنا بهم. وانت والله منهم، ولاارى سعيك إلا لهم، ولئن أطاعنى فيك أمير المؤمنين لَيحسبنّك وأشباهك في مَحبِسٍ لاتخرجون منه، حتى تستبين هذه الامور ويهلك الله الظالمين.
قال جرير: وددت والله أنك كنت مكانى بُعِثت، إذا والله لم ترجع. قال: فلما سمع جرير ذلك لحق بِقرقيسيا، ولحق به أناس من قَسْرٍ (1) من قومه، ولم يشهد صفَّين من قَسْرٍ غير تسعةَ عشرَ، ولكن أحْمسَ (2) شهدها منهم سبعمائة رجل، وخرج علىُُّ إلى دار جرير فشَّعث منها وحّرق مجلسه، وخرج أبو زُرعة بن عمر بن جرير فقال: اصلحك الله، إنّ فيها أرضا لغير جرير. فخرج علىّ منها إلى دار ثوير بن عامرفحرقها وهدم منها، وكان ثوير رجلا شريفًا، وكان قد لحق بجرير (3) .
رجال الاسناد:
عمر بن سعد بن ابى الصيد الأسدى (4) .
نمير بن وعلة (5) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف جدا لأن عمر بن سعد بن ابى الصيد متروك، ونمير بن وعلة مجهول.
التخريج:
أخرج ابن جرير الطبرى (6) جزءاً من الرواية من طريق عمر بن شبه قال حدثنا أبو الحسن عن عوانه.
__________
(1) قَسْر: بنو قَسْرهم بطن من بَجيلة.
... - ابن حزم، جمهرة انساب. ج2 ص387،474.
(2) أَحْمس: بنو احمس هم بطن من بجيلة.
... - ابن حزم، جمهرة انساب. ج2 ص474.
(3) المنقرى، وقعة صفين. ص60،61.
(4) سبقت ترجمته في ص 495.
(5) سبقت ترجمته في ص 486.
(6) تاريخ الرسل والملوك. ج 4 ص 562.(2/27)
ذكر ابن اعثم الكوفى (1) رواية عودة جرير بن عبد الله رضي الله عنه من عند معاوية بن ابى سفيان رضي الله عنه ثم ماجرى من كلام بين الأشتر وجرير رضي الله عنهما قريبا مما ذكره المنقرى لكنه يضيف اشعار وتفاصيل يحذفهما المنقرى.
أورد المسعودى (2) معظم رواية المنقرى. بينما اكتفى كل من ابن الأثير (3) وابن كثير (4) بذكر أخبار عن هذه الرواية.
الرواية العاشرة:
نصر (5) : صالح بن صدقة، عن إسماعيل بن زياد، عن الشعبى، أن عليا قدم من البصرة مستهل رجب الكوفة، وأقام بها سبعة عشر شهراّ يجرى الكتب فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص (6) .
رجال الاسناد:
صالح بن صدقة (7) .
إسماعيل بن زياد او ابن ابى زياد السكونى الكوفى قاضى الموصل (8) . قال ابن حجر (9) "متروك كذبوه " توفى بعد سنة مائة هجريه.
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف جدا لان فيها إسماعيل بن زياد "متروك كذبوه". ولان صالح بن صدقه لا يعرف حاله.
التخريج:
__________
(1) الفتوح. ج 2 ص 535 - 537.
(2) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ج 2 ص 381، 382.
(3) الكامل. ج3 ص 142.
(4) البداية والنهاية. ج 7 ص 254.
(5) نصر بن مزاحم المنقرى.
(6) المنقرى: وقعة صفين. ص 80.
(7) لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.
(8) البخارى، التاريخ الكبير. ج1 ص356.
... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج2 ص171.
... - الذهبى، الكاشف. ج1 ص73.
... - الذهبى، المغنى فى الضعفاء. ج1 ص133 (658) .
... - ابن حجر، تهذيب التهذيب. ج1 ص298-301.
(9) تقريب التهذيب. ص107.(2/28)
وممن اورد خبر دخول على بن ابى طالب رضى الله عنه إلى الكوفة غير الشعبى كل من الدينورى (1) ، والمسعودى (2) فذكرا انه دخلها لاثنتى عشرة ليلة مضت من رجب بينما ذكر ابن اعثم الكوفى (3) انه دخل الكوفة فى يوم الاثنين لستة عشر يوما من رجب سنة 36هـ.
الرواية الحادية عشرة:
نصر، عن عمرو بن [شمر، عن] جابر، عن الشعبى، عن الحارث بن أدهم، عن صعصعة قال: ثم أقبل الأشتر يضرب بسيفه جمهور الناس حتى كشف أهل الشام عن الماء وهو يقول:
لا تذكروا ما قد مضى وفاتا
والله ربَّى باعث أمواتا
من بعد ما صارًوا صَدًى رفاتا
لأوردنَّ خيلىَ الفُراتا
شُعْثَ النَّواصى أو يقالَ ماتا (4)
رجال الإسناد:
عمرو بن شمر الجعفى الكوفى الشيعى أبو عبد الله (5)
__________
(1) الاخبار الطوال. ص152.
(2) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ج2 ص381.
(3) الفتوح. ج2 ص498.
(4) المنقرى، وقعة صفين. ص 179.
(5) العقيلى، الضعفاء الكبير. س 3 ص 275، 276 (1282) .
... - الدارقطنى، الضعفاء والمتروكون. ص 308 (400) .
... - الذهبى، المغنى في الضعفاء. ج 2، ص 67 (4663) .
... - ابن حجر، لسان الميزان. ج 4 ص 366، 367.(2/29)
قال ابن سعد (1) "وكان قاصا، ... ، وكان ضعيفا جداً متروك الحديث". وقال البخارى (2) " منكر الحديث". وقال الجوزجانى (3) "كذاب زائغ ". قال يحي بن معين (4) ليس بثقة ". وقال أبو حاتم الرازى (5) منكر الحديث جداً ضعيف الحديث". وقال ابن حبان (6) " كان رافضيا يشتم أصحاب رسول الله ش، وكان ممن يروى الموضوعات عن الثقات في فضائل أهل البيت، 000". ذكره ابن عدى (7) في الضعفاء وقال " وعامة مايرويه غير محفوظ ". توفى سنة 157هـ (8) .
ابن حبان، المجروحين. ج 2 ص 75.
جابر بن يزيد الجعفى (9) .
الحارث بن أدهم (10) .
صعصعة بن صُوحان (11) بن حجر بن الحارث بن الهجرس العبدى الكوفى (12)
__________
(1) الطبقات. ج 6 ص 264.
(2) التاريخ الكبير. ج 6 ص 344.
(3) أحوال الرجال. ص 56، (44) .
(4) نقل قوله ابن ابى حاتم في الجرح والتعديل. ج 6 ص 239.
(5) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 6 ص 239، 240.
(6) المجروحين. ج 2 ص 75،76.
(7) الكامل في ضعفاء الرجال. ج 5 ص 1779- 1782.
(8) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 264.
(9) سبقت ترجمته في ص 491.
(10) لم أجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.
(11) صُوحان: بضم المهملة الأولى.
... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 173.
(12) الجوزجانى، أحوال الرجال. ص 35 (9) .
... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 4 ص 446.
... - ابن حزم، جمهرة أنساب. ج 2 ص 297.
... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ج 1 ص 428 (4622) .(2/30)
قال ابن سعد (1) "كان ثقة قليل الحديث". وذكره ابن حبان في الثقات (2) . وقال النسائى (3) "ثقة". وقال ابن عبد البر (4) "كان مسلما علىعهد رسول الله ش لم يلقه ولم يره … وكان فصيحاً خطيبا عاقلا…". وقال ابن حجر (5) "تابعى كبير مخضرم". توفى في خلافة معاوية بن أبى سفيان (6) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لأن فيها عمرو بن شمر الجعفى ضعيف، وجابر بن يزيد الجعفى ضعيف.
التخريج:
أورد ابن أعثم الكوفى (7) الأبيات الشعرية مرتبة ترتيبا يختلف عما في رواية المنقرى ويزيد في عددها. وهي كالتالى:
قل لابن هند أحسن الثباتا
لاتذكرن ما مضى وفاتا
انى وربى خالق الأقواتا
إلهنا وباعث الأمواتا
مليكنا وجامع الشتاتا
من بعد ما كانوا بها رفاتا
لأوردن خيلى الفراتا
شعث النواصى أو يقال ماتا
أما المسعودى (8) فيذكر أن قائل هذه الأبيات هو الأشعث بن قيس رضي الله عنه لكنه يكتفى بذكر بيت واحد فقط، وهو:
لأوْرِدَنَّ خيلىَ الفراتا
شُعْثَ النّوَاصى أو يقال ماتا
أورد ابن خلدون (9) أن علي بن ابى طالب رضى الله عنه أرسل صعصعة بن صوحان رضى الله عنه إلى معاوية رضي الله عنه للطلب منه أن يخلى الماء لكلا الفريقين.
الرواية الثانية عشرة:
نصر: إسماعيل بن ابى عميرة عن الشعبى أن علي عليه السلام بعث على ميمنته عبد الله بن بُديل بن ورقاء الخُزاعىّ، وعلى ميسرته عبد الله بن العباس (10) .
__________
(1) الطبقات. ج 6 ص 154.
(2) ج 4 ص 382.
(3) نقل قوله الخزرجى في خلاصة تذهيب الكمال. ص 173.
(4) الاستيعاب. ج 2 ص 196.
(5) تقريب التهذيب. ص 276.
(6) ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص 154.
... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 173.
(7) الفتوح. ج 3 ص 7،8.
(8) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ج 2 ص 385، 386.
(9) العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى (الجزء الأول) . ص 170.
(10) المنقرى، وقعة صفين. ص 208.(2/31)
رجال الاسناد:
إسماعيل بن ابى عميرة (1) .
بيان درجة الرواية:
التوقف في الحكم لحين تعيين عين وحال اسماعيل.
التخريج:
أورد ابن خلدون (2) نص الرواية لكنه يضيف أن ذلك كان في يوم الخميس ثامن أيام معركة صفين.
الرواية الثالثة عشرة:
نصر: عمرو بن شمر، عن جابر عن الشعبى، عن صَعصعة بن صُوحان العبدى: قال: سمعت زامل بن عمرو الجُذامَّي يقول: طلب معاوية إلى ذي الكَلاَع (3) أن يخطب الناس ويحضَّرهم على قتال علىّ ومن معه من أهل العراق، فعقَد فرسَه - وكان من أعظم أصحاب معاوية خطراً - ثم قال: الحمد لله حمداً كثيراً، نامياً جزيلا، واضحاً منيراً، بكرةً وأصيلا. أحمدُه وأستعينه، وأُومن به وأتوكَّل عليه، وكَفى بالله وكِيلا. ثم إنى أشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله، أرسَله بالفرقان حين ظهرت المعاصى ودرست الطاعة، وامتلأت الأرض جَوراً وضَلالةً، واضطرمت الدنيا كلَّها نيراناً وفتنة، ووَرَك (4)
__________
(1) لم أجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.
(2) العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى (الجزء الأول) . ص 172.
(3) ذو الكلاع: اسمه ايفع وقيل أسميفع وقيل سميفع بن باكورا وقيل ابن حوشب الحميرى. ابو
شرحبيل. صحابى جليل. شهد صفين مع معاوية.
... - الدولابى، الكنى والأسماء. ف 2 ص 7.
... - ابن عبد البر، الاستيعاب. ج 1 ص 485- 488.
... - ابن حجر، الإصابة. ج 1 ص 492، 493.
(4) ووَرَكَ بالمكان ورُوكا: اقام.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج 8 ص 4819.(2/32)
عدو الله إبليس على أن يكون قد عُبد في أكنافها، واستولى بجميع أهلها، فكان الذى أطفأ الله به نيرانها، ونَزع به أوتادها وأوهى به قُوى إبليس، وآيسه مما كان قد طمع فيه من ظَفَره بهم - رسول الله محمد بن عبد الله، ش، فأظهره على الدَّين كله ولو كره المشركون. ثم كان مما قضى الله أن ضَمَّ بيننا وبين أهل ديننا بصفين، وإنَّا لَنعَلُم أن فيهم قومًا كانت لهم مع رسول الله ش سابقة ذات شأن وخطر، ولكنى ضربت الأمر ظهرا وبطناً فلم يسعنى أن يٌهدَر دَمُ عثمان صهر رسول الله ش نبينا، الذي جَّهز جيش العُسْر’، والحَقَ في مسجد رسول الله بيتاً وبنى سقاية، وبايع له نبى الله ش بيده اليمنى [على اليسرى] ، واختصَّه رسول الله بكر يمَتيْه: أم كلثوم ورقية، ابنتى رسول الله صلى الله عليه وآله. فإن كان أذنب ذنباً فقد أذنب من هو خير منه. وقد قال الله عز وجل لنبيه ش: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَاتَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) (1) . وقتل موسى نفساً ثم استغفر الله فغفر له، ولم يَعْرَ أحد من الذنوب. وأنا لنعلم أنه قد كانت لابن ابى طالب سابقة حسنة مع رسول الله، فإن لم يكن ماَلا على قتل عثمان فقد خذَله، وإنه لأخوه في دينه وابنُ عمَّه، وسِلْفه، وابن عَمَّته. ثم قد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا في شامِكم وبلادكم، وإنما عامتهم بين قاتل وخاذل. فاستعينوا بالله واصبروا، فلقد ابتليتم أيتها الأُمة والله. ولقد رأيتُ في منامي في ليلتى هذه لكأنا وأهل العراق اعتَورْنا مصحفاً نضربه بسيوفنا، ونحن في ذلك جميعاً ننادى: “ ويَحْكم الله". ومع أنا والله مانحن لنفارق العَرْصَة حتى نموت. فعليكم بتقوى الله، ولتكن النَّيَّات لله، فإنى سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله ش يقول" (إنما يُبْعَثُ المقتتلون على النيات) (2)
__________
(1) سورة الفتح، آية (2) .
(2) هذا الحديث أخرجه كلً من ابن حجر، والسيوطى.
... - لسان الميزان، ج 4 ص 367 (من جهة على بن الجعد، حدثنا عمرو بن شمر أنا جابر عن الشعبى عن صعصعة بن صوحان سمعت زامل بن عمرو الجذامى يحدث عن ذي الكلاع الحميرى سمعت عمر يقول سمعت رسول الله ش يقول …) .
... - الجامع الصغير. الجزء الأول، الطبعة الأولى، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده - القاهرة، 1373هـ - 1954م. ص 104.(2/33)
، وأفرغ الله علينا وعليكم الصبر، وأعزلنا ولكم النصر، وكان لنا ولكم في كل أمر. وأستغفر الله لى ولكم (1) .
رجال الاسناد:
عمرو بن شمر الجعفى (2) .
جابر بن يزيد الجعفى (3) .
صعصعة بن صوحان العبدى (4) .
زامل بن عمرو السكسكى (5) . ذكره ابن حبان في الثقات (6) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لأن فيها عمرو بن شمر الجعفى ضعيف وجابر بن يزيد الجعفىضعيف.
التخريج:
اقتصر الدينورى (7) على ايراد اشتراك ذو الكلاع في القتال إلى جانب معاوية.
نقل ابن أعثم الكوفى (8) أجزاءا كثيرة من خطاب ذى الكلاع الحميرى في معركة صفين.
وفي الاصابة (9) ذكر لاشتراك ذو الكلاع الحميرى رضي الله عنه في معركة صفين إلى جانب معاوية رضي الله عنه.
الرواية الرابعة عشرة:
نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن عامر، عن صعصمة العبدى [عن ابرهة ابن الصباح] قال: قام يزيد بن أسد البجلى (10) [في اهل الشام] يخطب الناس بصفَّين، وعليه يومئذ قَباء خَزّ، وعمامةٌ سوداء، اخذا بقائم سيفه، واضعا نعل السيف (11)
__________
(1) المنقرى، وقعة صفين. ص 239 - 241.
(2) سبقت ترجمته في ص 498.
(3) سبقت ترجمته في ص 491.
(4) سبقت ترجمته في ص 499.
(5) البخارى، التاريخ الكبير. ج 3 ص 443.
... - ابن أبى حاتم، الجرح والتعديل. ج 3 ص 617.
... - ابن حزم، جمهرة أنساب. ج 2 ص 433.
(6) ج 6 ص 345.
(7) الأخبار الطوال. ص 179.
(8) الفتوح. ج 3 ص 46، 47.
(9) ابن حجر. ج 1 ص 492، 493.
(10) يزيد بن اسد القسرى البجلى.
... - البخارى، التاريخ الكبير. ج8 ص317.
... - ابن حبان، الثقات. ج3 ص 443.
(11) نَعْلُ السَّيْفِ: حديدة في اسفل غِمده.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج7 4478.(2/34)
على الارض متوكَّئا عليه. قال صعصعة: فذكر لى أبرهة أنه [كان] يومئذ من أجمل العرب واكرمه وابلغه فقال: " الحمد لله الواحد القهار، ذى الطَّول والجلال، العزيز الجبار، الحليم الغفار، الكبير المتعال، ذى العطاء والفَعال، والسَّخاء والنوال، والبهاء والجمال، والمنَّ والإفضال. مالك اليوم الذى لاينفع فيه بيع ولاخِلالٌ. أحمده على حسن البلاءِ، وتظاهر النعماء، وفى كل حالة من شدة او رخاء. أحمده على نعمه التُّؤام، وآلائه العِظام، حمدًا قد استنار، بالليل والنهار. ثم إنى اشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كلمه النجاة في الحياة، وعند الوفاة، وفيها الخلاص، يوم القصاص. وأشهد أن محمداّ عبده ورسوله النبى المصطفى، وإمام الهدى، ش كثيرا. ثم قد كان مما قضى الله أن جمعنا واهل ديننا فى هذه الرُّقعة من الارض، والله يعلم أنى كنُت لذلك كارها، ولكنهم لم يبلعونا ريقنا، ولم يتركونا نرتاد لأنفسنا، وننظر لمعادنا حتى نزلوا بين اظهرنا، وفي حريمنا وبيضتنا. وقد علمنا أن في القوم احلاما وطغامًا، فلسنا نأمن طغامهم على ذرارينا ونسائنا. وقد كنا نحب ألا نقاتل أهل ديننا، فأخرجونا حتى صارت الأمور إلى أن قاتلتاهم كراهية فإنا لله وانا اليه راجعون، والحمد لله رب العالمين. أما والله الذى بعثَ محمدا بالرسالة لودِدت انىَّ مِتُّ منذ سنة؛ ولكن الله إذا أراد أمرا لم يستطع العباد ردَّه. فنستعين بالله العظيم؛ واستغفر الله لى ولكم ". ثم انكفأ (1) .
رجال الاسناد:
عمرو بن شمر (2) .
جابر بن يزيد الجعفى (3) .
صعصعة بن صوحان العبدى (4) .
ابرهة بن الصباح الحبشى أو الحميرى. ذكره ابن حجر (5) ضمن القسم الأول في الصحابة.
__________
(1) المنقرى، وقعة صفين. ص241،242. ...
(2) سبقت ترجمته في ص 498.
(3) سبقت ترجمته في ص 491.
(4) سبقت ترجمته في ص 499.
(5) ابن حجر، الاصابة. ج1 ص16،17.(2/35)
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لان فيها عمرو بن شمر الجعفى ضعيف، وجابر بن يزيد الجعفى ضعيف.
ولعله حريث بن ابرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة. شهد صفين مع معاوية بن ابى سفيان رضى الله عنه.
ابن حزم، جمهرة انساب. ح2 ص435.
التخريج:
رواية لم اجد لها ما يماثلها فيما رجعت اليه من المصادر.
الرواية الخامسة عشرة:
نصر: عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبى، أن أوّلَ فارسين التقيا فى هذا اليوم - وهو السابع من صفر، وكان من الايام العظيمة فى صِفَّين، ذا اهوال شديدة - حُجْر الخير وحُجْر الشرَّ. اما حجر الخير فهو حُجر بن عدىّ (1) صاحب امير المؤمنين على ابن ابى طالب. وحجر الشرَّ ابن عمه (2) . وذلك ان حُجر الشَّر دعا حجر بن عدى إلى المبارزة، وكلاهما من كندة، فأجابه فاطعنا برمحيهما، ثم حجز بينهما امرؤ من بنى اسد (3) ، وكان مع معاوية فضرب حجرا ضربة برمحه، وحمل اصحاب علىٍّ فقتلوا الاسدى، وافلتهم حجر بن يزيد [حُجرُ] الشرَّهاربا، وكان اسم الاسدى خزيمه بن ثابت (4) .
رجال الاسناد:
عمرو بن شمر (5) .
جابر بن يزيد الجعفى (6) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لان فيها عمرو بن شمر الجعفى ضعيف، وجابر بن يزيد الجعفى ضعيف.
التخريج:
رواية لم اجد لها ما يماثلها فيما رجعت اليه من المصادر.
الرواية السادسة عشرة:
__________
(1) حجر بن عدى بن معاوية بن جبلة بن عدى الكندى، المشهور بحجر الخير.
... - ابن عبد البر، الاستيعاب. ج1 ص356.
... - ابن حجر، الاصابة. ج1 ص314.
(2) حجر بن يزيد بن سلمة بن مرة الكندى المعروف بحجر الشر.
... - ابن حجر، الاصابة. ج1 ص315.
(3) خزيمة بن ثابت الانصارى.
... - ابن حجر، الاصابة. ج1 ص426.
(4) المنقرى، وقعة صفين. ص243.
(5) سبقت ترجمته في ص 498.
(6) سبقت ترجمته في ص 491.(2/36)
نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبى، عن صَعصعة بن صُوحان ذكر أن على بن ابى طالب صاف اهل الشام، حتى برزَ رجل من حمير من ال ذى يزنٍ، اسمه كُريب ابن الصباح (1) ، ليس فى اهل الشام يومئذ رجل اشهر شدة بالبأس منه، ثم نادى: من يبارز؟ فبرزإليه المرتفع (2) بن الوضاح الزبيدى (3) ، فقتل المرتفع. ثم نادى: من يبارز؟ فبرز إليه الحارث بن الجُلاح (4) فقتل، ثم نادى: من يبارز؟ فبرز اليه عائذ (5) بن مسروق الهمدانى (6) فقَتل عائذا ثم رمى باجسادهم بعضها فوق بعض، ثم قام عليها بغيا واعتداءّ، ثم نادى: هل بقى من مبارز؟ فبرز إليه علىٌّ ثم ناده: ويحك ياكريب، إنى أحذرك [الله وبأسه ونقمته] ، وأدعوك إلى سنة رسوله - ويحك لايدخلنك ابن آكلة الاكباد النارَ. فكان جوابه أن قال: ما أكثر ماقد سمعنا هذه المقالة منك، فلا حاجة لنا فيها. أقدم إذا شئت. من يشترى سيفي وهذا أثره؟ فقال علىٌّ عليه السلام: لاحول ولاقوة إل بالله. ثم مشى إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحَّط في دمه. ثم نادى: من يبارز؟ فبرز إليه الحارث بن وداعة (7) الحميرى (8)
__________
(1) ولعله كريب بن ابرهة بن الصباح. . . . . . . .
(2) وفي الفتوح " المبرقع " بدل " المرتفع ".
... - ابن اعثم الكوفى. ج3 ص111.
(3) المرتفع بن الوضاح الزبيدى.
... لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.
(4) الحارث بن الجلاح الحكمى.
... لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.
(5) وفى الفتوح " عباس " بدل " عائذ ".
... - ابن اعثم الكوفى. ح3 ص112.
(6) عائذ بن مسروق الهمذانى.
... لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.
(7) وفى الفتوح " وداع " بدل " وداعة ".
... - ابن اعثم الكوفى. ج3 ص112.
... وفى البداية والنهاية " وداعة ".
... - ابن كثير. ج7 ص264.
(8) الحارث بن وداعة الحميرى.
... لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.(2/37)
فَقتل الحارث. ثم نادى: من يبارز؟ فبرز اليه المطاع بن المطلب القينى (1) ، فقتل مطاعاّ. ثم نادى: من يبرز؟ فلم يبرز اليه أحد. ثم أن عليا نادى: يا معشر المسلمين، {الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُماتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (2) . ويحك يامعاوية هلم إلى فبارزنى ولاُيْقتًلَنَّ الناسُ فيما بيننا. فقال عمرو: اغتنْمه مْنَتَهزًا، قد ثلاثة من اُبطال العرب، وإنى أطمع أن يظفرك الله به. فقال معاوية: وَيْحكَ ياعمرو، والله إن تُريد إلا أن أقتل فتصيب الخلافة بعدى، اذهب إليك، فليس مثلى يُخدَع (3) .
رجال الاسناد:
عمرو بن شمر الجعفى (4) .
جابر بن يزيد الجعفى (5) .
صعصعة بن صوحان العبدى (6) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لان فيها عمرو الجعفى ضعيف، وجابر الجعفى ضعيف.
التخريج:
أورد ابن اعثم الكوفى (7) نص الرواية. بينما ذكر ابن كثير (8) اجزاءًا من الرواية. واما الجزء الذى اغفله ابن كثير فهو المتعلق ببدء القتال ومبارزة كريب بن الصباح لثلاثة من اصحاب على رضى الله عنه وقتلهم ثم بعد ذلك يبدء في نقل نص رواية المنقرى.
الرواية السابعة عشرة:
__________
(1) وفى البداية والنهاية " القيسى " بدل " القينى ".
... - ابن كثير. ج7 ص264.
... وفى الفتوح " القبنى ".
... - ابن اعثم الكوفى. ج3 ص112. ... ... ... ... ...
... المطاع بن المطلب القينى
... لم اجد له تعريفا فيما رجعت اليه من المصادر.
(2) سورة البقرة آية (194) .
(3) المنقرى، وقعة صفين. ص315،316.
(4) سبقت ترجمته في ص 498.
(5) سبقت ترجمته في ص 491.
(6) سبقت ترجمته في ص 499.
(7) الفتوح. ج3 ص111،112.
(8) البداية والنهاية. ج7 ص264.(2/38)
نصر، عن عمرو بن شمر عن جابر قال: سمعت الشعبى يقول: قال الاحنف (1) ابن قيس: والله إنى لإلى جانب عمّارِ بن ياسر (2) ، بينى وبينه رجل من بنى الشعيراء (3) ، فتقدمنا حتى إذا دنونا من هاشم بن عتبة (4) قال له عمار: احمل فداك ابى وامى. ونظر عمار إلى رقة في الميمنة فقال له هاشم: رحمك الله يا عمار، إنك رجل تأخذك خِفّهٌ في الحرب، وإنِّى انما ازحف باللواء زَحْفا، وارجو ان انالَ بذلك حاجتى، وانى ان خففت لم امن الهلكة. وقد كان قال معاوية لعمرو: ويحك، ان اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة، وقد كان من قبل يرقل به ارقالا، وإنه إن زحفَ به اليوم زحفا انه لليوم الاطول لأهل الشام، وان زحف فى عُنُقٍ من اصحابه انى لأطمع أن تقتطع. فلم يزل به عمار حتى حمل، فبصر به معاوية فوجه اليه حماة اصحابه ومن يُزّنَّ بالبأس [والنجدة] منهم في ناحيته، وكان في ناحيته، وكان في ذلك الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص (5) ومعه [يومئذ] سيفان قد تقلد واحداّ وهو يضرب بالاخر، وأطافت به خيل على، فقال عمرو: ياالله، يارحمن، ابنى ابنى. قال: ويقول معاوية: صبراً صبراً فانه لابأس عليه قال عمرو: ولو كان يزيد بن معاوية إذاً لصبرت؛ ولم يزل حماة أهل الشام يذبون عنه حتى نجا هارباً على فرسه ومن معه، وأصيب هاشم في المعركة (6) .
رجال الاسناد:
__________
(1) سبقت ترجمته في ص 531.
(2) عمار بن ياسر بن عامر ابو اليقظان. صحابى جليل.
... - ابن سعد، الطبقات. ج3 (القسم الاول) . ص176.
(3) بنو الشعيراء: هم بنو بكر بن مُرّ بن أدّبن طابخة.
... - ابن حزم، جمهرة انساب. ج1 ص206.
(4) هاشم بن عتبة بن ابى وقاص. المعروف بالمرقال. صحابى جليل.
... - خليفه بن خياط، الطبقات. ص126.
(5) عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل. ابو محمد القرشى. صحابى جليل.
... - ابن حجر، الاصابة. ج2 ص351.
(6) المنقرى، وقعة صفين. ص340.(2/39)
عمرو بن شمر الجعفى (1) .
جابر بن يزيد الجعفى (2) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لان فيها عمرو الجعفى ضعيف، وجابر الجعفى ضعيف.
التخريج:
اورد الدينورى (3) خبر اشتراك هاشم بن عتبة رضى الله عنه إلى جانب على بن ابى طالب رضي الله عنه فى معركة صفين ومقتله باختصار.
ذكر الكوفى في الفتوح (4) الجزء المتعلق بخوف عمرو بن العاص رضى الله عنه على ابنيه وخروجه للقتال عنهما على الرغم من محاولة معاوية رضى الله عنه تهدئته وطمأنته ... .
هذا وقد اورد ابن عبد البر (5) ، وابن الاثير (6) ، وابن كثير (7) ، وابن حجر (8) خبر اشتراك هاشم بن عتبه وعمار بن ياسر رضى الله عنهما فى معركة صفين إلى جانب على رضى الله عنه ومقتلهما فى تلك المعركة.
الرواية الثامنة عشرة:
__________
(1) سبقت ترجمته في ص 498.
(2) سبقت ترجمته في ص 491.
(3) الاخبار الطوال. ص183.
(4) ج3 ص132،133.
(5) الاستيعاب. ج3 ص616،619،620.
(6) الكامل. ج3 ص157،159.
(7) البداية والنهاية. ج7 ص270.
(8) الاصابة. ج3 ص593.(2/40)
نصر، قال عمر: وحدثنى مجالد، عن الشعبى، عن زياد بن النضر الحارثى وكان على مقدمة على، قال: شهدت مع علىِ بصفين، فاقتتلنا ثلاثة ايام وثلاث ليال، حتى تكسرت الرماح، ونفذت السهام، ثم صرنا إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل، حتى صرنا نحن واهل الشام في اليوم الثالث يعانق بعضُنا بعضاً، وقد قاتلت ليلتئذ بجميع السلاح، فلم يبق شئ من السلاح إلا قاتلت به، حتى تحاثينا بالتراب، وتكادمنا [بالأفواه] ، حتى صرنا قياماً ينظر بعضُنا إلى بعض مايستطيع واحد من الفريقين ينهض إلى صاحبه ولا يقاتل. فلما كان نصف الليل من الليلة الثالثة انحاز معاوية وخيله من الصف، وغلب على عليه السلام على القتلى في تلك الليلة، وأقبل على أصحاب محمد ش وأصحابه فدفنهم، وقد قتل كثير منهم، وقتل من أصحاب معاوية أكثر، وقتل فيهم تلك الليلة شمر بن أبرهة، وقتل عامة من أصحاب على يومئذ، فقال عمارة:
قالت أمامة: ماللونك شاحباً
والحربُ تَشْحَبُ ذا الحديد الباسلِ
أنى يكون أبوك أبيض صافياً
بين السمائم فوق متن السائلِ
تغدو الكتائبُ حولَه ويسوقهمْ
مِثلَ الاسود بكلَّ لَدْنِ ذابلِ
خُزْرَ العُيون من الوفود لدى الوَغَى
بالبِيض تَلمع كالشَّرَار الطاسلِ (1)
قالوا معاوية بن حرب بايعُوا
والحرب شائلة كظهر البازلِ
فخرجت مُخْترمَا أجرُّ فُضُولَها
حتى خَلصْتُ إلى مقام القَاتلِ
وقال عمرو بن العاص:
إذا تخازَرْت ومابى من خََزرْ
ثم خبأت العينَ من غير عََورْ
ألفيتنى ألوى (2) بعيد المسَتمَر
ذا صَولةٍ في المْصَمِئَّلاتِ الكُبَرْ
أحمل ماحُمَّلتُ من خير وشر
كالحَّيةِ الصَّمَّاءِ في أصل الصَّخَرْ
وقال محمد بن عمرو بن العاص:
لو شهدت جُمْلٌ مقامى وَموقفى
__________
(1) الطَّاِسلُ: الغبار المرتفع.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج5 ص2671.
(2) الألوى: الشديد الخُصُومِةِ.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج7 ص4108.(2/41)
بصفين يوماً شاب منها الذوائبُ
غَداةَ غدا أهلُ العِراق كأنّهُْم
من البحر موج لجه متراكب
وجئناهم نمشى صفوفاً كأننا
سحاب خريف صفَّقته الجنائبُ
فطار إلينا بالرماح كُمَاتُهُْم
وطِرْنا إليهم والسيوف قواضبُ
فدارت رحانا واستدارت رحاهم
سَرَاةَ النَّهَارِ ماتُوَلَّى المناكبُ
إذا قلت يوماً قد وَنَوا برزت لنا
كتائب حُمرٌ وارجحنَّتْ كتائب
فقالوا: نرى من رأينا ان تُبَايعوا
عليا فقلنا بل نرى أن تضاربوا
فأبنا وقد نالوا سَرَاة رِجاِلنا
وليس لما لاَقَوْا سِوَى الله حاسبُ
فلم أر يوما كان أكثر باكيا
ولا عارضا منهم كِمَّياً يُكالبُ
كأن تلالى البيض فينا وفيهم
تلألؤُ بَرْقٍ في تهامة ثاقبُ
فرد عليه محمد بن على بن ابى طالب:
لو شهدت جُملٌ مقامك أبصَرتْ
مقام لئيم وَسْطَ تلك الكتائب
أنذكر يوماً لم يكن لك فخرُهُ
وقد ظَهَرَتْ فيها عليك الجلائب (1)
وأعطيمتونا ماَنِقمْتُمْ أذلَّةً
على غير تَقوى الله والدَّينُ واصب (2)
وروى: " خوف العواقب" (3) .
رجال الاسناد:
عمر بن سعد بن أبى الصيد الاسدى (4) .
مجالد بن سعيد الهمدانى (5) .
زياد بن النضر (6) أبو النضر (7)
__________
(1) الجلائب: مايجلب للبيع.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج2 ص647.
(2) واصب: اى طاعته دائمة واجبة أبداً.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج8 ص4848.
(3) المنقرى، وقعة صفين. ص369،370،371.
(4) سبقت ترجمته في ص 495.
(5) سبقت ترجمته في ص 470.
(6) ذكر أبو حاتم الرازى رواية الشعبى عن زياد بن النضر.
... - ابن أبى حاتم، الجرح والتعديل. ج3 ص547.
(7) البخارى، التاريخ الكبير. ج3 ص376.
... - مسلم، الكنى والاسماء. ج2 ص840 (2298) .
... - الذهبى، المقتنى في سرد الكنى. ح2 ص113 (6210)(2/42)
وسكت عنه البخارى (1) وابن ابى حاتم (2) . وذكره ابن حبان في الثقات (3) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف جدا لأن فيها عمر بن سعد متروك. ومجالد بن سعيد "ليس بالقوى".
التخريج:
ذكر الكوفى (4) جزء من الرواية وهو المتعلق بقتال اليوم الثالث من أيام معركة صفين والذي اتسم بشدة وعنف القتال حتى تقطعت السيوف وتكسرت الرماح.
الرواية التاسعة عشرة:
نصر: وحدثنا عمر بن سعد، عن الشعبى قال: أرسل على إلى معاوية: أن أبرز لى وأعف الفريقين من القتال، فأينا قتل صاحبه كان الأمر له. قال عمرو: لقد أنصفك الرجل. فقال معاوية: إنى لا كره أن أبارز الأهوج الشجاع، لعلك طمعت فيها ياعمرو. [فلما لم يجب] قال على: " وانفساه، أيطاع معاوية وأعصى؟ ما قاتلت أمة قط أهل بيت نبيها وهي مقرة بنبيها إلا هذه الأمة " (5) .
رجال الاسناد:
عمر بن سعد بن ابى الصيد الأسدى (6) .
بيان درجة الرواية:
في الحديث الذي سبق قلنا ان عمر بن سعد هو الأسدى وهو متروك. والغالب هو هنا أيضاً وهو شيعي بغيض متروك الحديث فإسناد هذه الرواية ضعيف جداً.
التخريج:
ذكر الدينورى (7) طلب على بن ابى طالب رضي الله عنه مبارزة معاوية رضي الله عنه في معركة صفين قريباً مما ذكره المنقرى.
__________
(1) التاريخ الكبير. ج3 ص376.
(2) الجرح والتعديل. ج3 ص547.
(3) ج8 ص348.
(4) الفتوح. ج 3 ص 129.
(5) المنقرى، وقعة صفين. ص 387، 388.
(6) سبقت ترجمته في ص 495.
(7) الأخبار الطوال. ص 176، 177.(2/43)
وأورد الطبرى (1) والمسعودى (2) خبر (رواية) طلب على بن ابى طالب رضي الله عنه مبارزة معاوية بن ابى سفيان رضي الله عنه قريبا مما سبق ذكره. ولكن المسعودى يضيف أن معاوية رضي الله عنه اقسم على عمرو بن العاص رضي الله عنه ان يخرج لقتال على رضي الله عنه فلما تبارزا وايقن أنه مقتول كشف عمرو بن العاص رضي الله عنه عن عورته فتركه على رضي الله عنه.
في كتاب الفتوح لابن اعثم الكوفى (3) ذكر تفاصيل كثيرة يحذفها المنقرى.
وذكر ابن الأثير (4) ، وابن خلدون (5) أخبارا عن رواية طلب على بن ابى طالب رضي الله عنه لمبارزة معاوية ابن ابى سفيان رضي الله عنه. ...
وأورد ابن كثير (6) رواية طلب على بن ابى طالب رضي الله عنه مبارزة معاوية ابن ابى سفيان رضي الله عنه من روايتين بألفاظ متقاربه. فالرواية الأولى تذكر أن على ابن ابى طالب رضي الله عنه بارز اربع من أصحاب معاوية رضي الله عنه فقتلهم ثم نادى على معاوية رضي الله عنه لمبارزته بقوله: " … ابرز إلى ولا تفنى العرب بينى وبينك (7) … " والرواية الثانية (8) قريباً مما ذكره المنقرى.
الرواية العشرون:
نصر (بن مزاحم) ، عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبى أن علي بن ابى طالب مر بأهل راية فرآهم لا يوولون عن موقفهم، فحرض الناس على قتالهم - وذكر أنهم غسان - فقال: " إن هؤلاء القوم لن يزولوا عن موقفهم دون طعن دِراكٍ يخرج منه النسيم (9)
__________
(1) تاريخ الرسل والملوك. ج 5 ص 42.
(2) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ج 2 ص 396، ص 397، ج3 ص 42.
(3) ج 3 ص 43، 102، 103.
(4) الكامل. ج 3 ص 158.
(5) العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى (الجزء الأول) . ص 174.
(6) البداية والنهاية. ج7 ص 264، 272.
(7) البداية والنهاية. ج 7 ص 264.
(8) البداية والنهاية. ج 7 ص 272.
(9) النسيم: الروح.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج 7 ص 4414.(2/44)
، وضرب يفلق الهام، ويطيع العظام، وتسقط منه المعاصم والأكف، حتى تصدع جباههم وتنثر حواجبهم على الصدور والأذقان. أين أهل الصبر وطلاب الخير؟ أين من يشرى وجهه لله عز وجل؟ ". فثابت إليه عصابة من المسلمين فدعا ابنه محمداً فقال له: أمش نحو هذه الراية مشياً رويداً على هينتك، حتى إذا أشرعت في صدورهم الرماح فأمسك يدك حتى يأتيك امرى ورأيي. ففعل، وأَعَدَّ على عليه السلام مثلهم مع الأشتر، فلما دنا منهم وأشرع الرماح في صدورهم، أمر علىٌّ الذين أُعدُّوا فشَدُّوا عليهم، ونهض محمد في وجوههم، فزالوا عن مواقفهم، وأصابوا منهم رجالا، واقتتل الناس بعد المغرب قتالاً شديداً، فلما صلى كثير من الناس إلا إيماء (1) .
رجال الاسناد:
نمير بن وعلة (2) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لأن فيها نمير بن وعلة مجهول.
التخريج:
روى الطبرى (3) نص الرواية من طريق ابى مخنف قال حدثنى نمير بن وعلة عن الشعبى.
ذكر ابن الاثير (4) أجزاءا من رواية استبسال كتيبة غسان من أهل الشام في القتال.
اقتصر ابن خلدون (5) على ذكر مرور على بن ابى طالب رضي الله عنه على كتيبة من أهل الشام قد صبروا في القتال فبعث لازاحتهم محمد بن الحنفية فتمكن من هزيمتهم.
الرواية الحادية والعشرون:
__________
(1) المنقرى، وقعة صفين. ص 391، 392.
(2) سبقت ترجمته في ص 486.
(3) تاريخ الرسل والملوك. ج 5 ص 45، 46.
(4) الكامل. ج 3 ص 160.
(5) العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى (الجزء الأول) . ص 174.(2/45)
نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبى، عن صعصعة قال: قام الأشعث ابن قيس الكندى ليلة الهرير في أصحابه من كندة فقال: " الحمد لله، أحمده واستعينه، وأومن به وأتوكل عليه، واستنصره وأستغفره، وأستخيره وأستهديه، [وأستشيره وأستشهد به] ؛ فإنه من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له. وأشهد ألا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ش ". ثم قال: " قد رأيتم يامعشر المسلمين ماقد كان في يومكم هذا الماضى، وما قد فنى فيه من العرب، فوالله لقد بلغت من السن ماشاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط. الا فليبلغ الشاهد الغائب، أنا إن نحن تواقفنا غداً إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات. أما والله ما أقول هذه المقالة جزءاً من الحتف، ولكنى رجل مسن أخاف على [النساء و] الذرارى غدا إذا فنينا. اللهم إنك تعلم أنى قد نظرت لقومى ولأهل دينى فلم آل، وما توفيقى إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، والرأى يخطئ ويصيب؛ وإذا قضى الله أمراً أمضاه على ما أحب العباد أو كرهوا. وأقول قولى هذا واستغفر الله [العظيم] لى ولكم".(2/46)
قال صعصعة: فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن التقينا غداً لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا ولتميلن أهل فارس على نساء أهل العراق وذراريهم. وإنما يبصر هذا ذَوُو الأحلام والنهى. اربطوا المصاحف على أطراف القنا. قال صعصعة: فثار أهل الشام فنادوا في سواد الليل: يا أهل العراق، من لذرارينا إن قتلتمونا ومن لذراريكم إن قتلناكم؟ الله الله في البقية. فأصبح أهل الشام وقد رفعوا المصاحف على رءوس الرماح وقلدوها الخيل، والناس على الرايات قد اشتهوا مادعوا إليه، ورُفع مصحف دمشق الأعظم تحمله عشرة رجال على رءوس الرماح، ونادوا: يا أهل العراق، كتاب الله بيننا وبينكم. وأقبل أبو الأعور السلمى على برذون أبيض وقد وضع المصحف على رأسه ينادى: يا أهل العراق، كتاب الله بيننا وبينكم (1) .
رجال الاسناد:
عمرو بن شمر الجعفى (2) .
جابر بن يزيد الجعفى (3) .
صعصعة بن صوحان العبدى (4) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لأن فيها عمرو الجعفى ضعيف، وجابر الجعفي ضعيف.
التخريج:
__________
(1) المنقرى، وقعة صفين. ص 480، 481.
(2) سبقت ترجمته في ص 498.
(3) سبقت ترجمته في ص 491.
(4) سبقت ترجمته في ص 499.(2/47)
هذه الرواية لم أجد من يذكرها من المؤرخين وإنما وجدت في كتاب الفتوح (1) أن معاوية رضي الله عنه طلب من عمرو رضي الله عنه أن يجد مخرجا لما هم فيه من الهزيمة فتفتق ذهن عمرو رضي الله عنه إلى الطلب برفع المصاحف على اسنة الرماح وكان مما رفع المصحف الذي كان بدمشق وكتب في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه فرفع بعد ربطه على اسنة اربعة من الرماح. بينما ذكر المسعودى (2) أن رفع المصاحف على اسنة الرماح إنما جاء بعد أن كادت الهزيمة تقع في جيش معاوية رضي الله عنه الذي ذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه بولاية مصر وطلب منه ايجاد مخرج، فطلب عمرو رضي الله عنه بأن يرفعوا المصاحف وينادوا كتاب الله بيننا وبينكم، من لثغور الشام بعد أهل الشام؟ ومن لثغور العراق بعد أهل العراق؟ ومن لجهاد الروم …".
الرواية الثانية والعشرون:
نصر، عن عمر بن سعد، عن نمير بن وعلة، عن الشعبى قال: أسر على أسرى يوم صِفَّين، فخلى سبيلهم فأتوا معاوية، وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسرى أسَرَهم معاوية: أقتلهم. فما شعروا إلا بأسراهم قد خلى سبيلهم على فقال معاوية: يا عمرو، لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الأمر. ألا تراه قد خلى سبيل أسرانا. فأمر بتخليه من في يديه من أسرى على. وكان على إذا أخذ أسيراً من أهل الشام خلى سبيله، إلا أن يكون قتل أحداً من أصحابه فيقتله به، فإذا خلى سبيله فإن عاد الثانية قتله ولم يخل سبيله. وكان على لا يجهز على الجرحى (3) ولا على من أدبر بصفين، لمكان معاوية (4) .
رجال الإسناد:
عمر بن سعد بن ابى الصيد الأسدى (5) .
__________
(1) ابن اعثم الكوفى. ج 3 ص 179.
(2) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ج 2 ص 400.
(3) اجهز على الجريح: أسرعت قتله.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج 2 ص 712.
(4) المنقرى، وقعة صفين. ص 518، 519.
(5) سبقت ترجمته في ص 495.(2/48)
نمير بن وعلة الهمدانى (1) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف جداً لأن فيها عمر بن سعد متروك الحديث، ونمير بن وعلة مجهول.
التخريج:
وهذا الخبر أخرجه الطبرى في تاريخه (2) بنص ما أورده المنقرى.
أورد ابن الأثير (3) نص رواية الطبرى مع ذكر تفاصيل يحذفها الطبرى.
ذكر ابن كثير (4) أخباراً عن هذه الرواية.
هذا وقد اقتصر ابن خلدون (5) على ذكر وقوع اسرى لدى كل فريق ثم اطلاقهم دون ذكر التفاصيل.
الرواية الثالثة والعشرون:
__________
(1) سبقت ترجمته في ص 486.
(2) ج 5 ص 56.
(3) الكامل. ج 3 ص 158، 159.
(4) البداية والنهاية. ج 7 ص 278.
(5) العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى (الجزء الأول) . ص 174.(2/49)
نصر، عن عمر بن سعد، عن إسحاق بن يزيد، عن الشعبى، أن على قال يوم صفين حين أقر الناس بالصُّلح: إنّ هؤلاء القوم لم يكونوا ليفيئوا إلى الحق، ولا ليجيبوا إلى كلمة السواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر، وحتى يُرجَموا بالكتائب تقفوها الجلائب، وحتى يَجُرَّ ببلادهم الخميس يتلوه الخميسُ، وحتى يَدعوا الخيل في نواحى أرضهم وبأحناء مساربهم ومسارحهم، وحتى تشن عليهم الغارات من كل فج، وحتى يلقاهم قوم صُدُق صُبُر، لا يَزيدهُمْ هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله، وحرصا على لقاء الله. ولقد كنا مع رسول الله ش وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، مايزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليما ومضياً على أمض الألم، وجدا على جهاد العدو، والاستقلال بمبارزة الأقران. ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاوُلَ الفَحْلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقى صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا. فلما رآنا الله صبرا صدقا أنزل الله بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر. ولعمرى لو كنا نأتى مثل الذين أتيتم ما قام الدين ولا عز الإسلام، وايم الله لتحلبنها دماً، فاحفظوا ما أقول لكم - يعنى الخوارج- (1) .
رجال الاسناد:
عمر بن سعد (2) .
إسحاق بن يزيد الكوفى (3) . ذكره ابن ابى حاتم فى كتابه وسكت عنه (4) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف جداً لان عمر بن سعد متروك الحديث، واسحاق بن يزيد سكت عنه ابن ابى حاتم.
التخريج:
رواية لم اجد لها مايماثلها فيما رجعت اليه من المصادر.
الرواية الرابعة والعشرون:
__________
(1) المنقرى، وقعة صفين. ص 520، 521.
(2) سبقت ترجمته في ص 495.
(3) ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج2 ص238.
(4) الجرح والتعديل. ج2 ص238.(2/50)
نصر: عمر بن سعد، عن مجالد، عن الشعبى، عن زياد بن النضر ان عليا بعث اربعمائة رجل (1) ، وبعث عليهم شريح بن هانى الحارثى (2) ، وبعث عبد الله بن عباس يصلى بهم ويلى امورهم، وأبو موسى الاشعرى (3) معهم. وبعث معاوية عمرو بن العاص في اربعمائة رجل. قال: فكان إذا كتب على بشئ اتاه اهل الكوفة فقالوا: مالذى كتب به إليك امير المؤمنين؟ فيكتمهم فيقولون له: كتمتنا ماكتب به اليك، انما كتب فى كذا وكذا. ثم يجئ رسول معاوية إلى عمرو بن العاص فلا يدرى في اى شئ جاء ولافي اى شئ ذهب، ولايسمعون حول صاحبهم لغطا. فأنَّب ابن عباس اهل الكوفة بذاك وقال: إذا جاء رسول قلتم بأى شئ جاء، فإن كتمكم قلتم لم تكُتُمنا؟ جاء بكذا وكذا. فلا تزالون توقفون وتقاربون حتى تصيبوا، فليس لكم سر. ثم انهم خلوا بين الحكمين فكان راى عبد الله بن قيس أبو موسى في ابن عمر. وكان يقول: والله ان لو استطعت لأحيين سنة عمر (4) .
رجال الاسناد:
عمر بن سعد (5) .
مجالد بن سعيد الهمدانى (6) .
زياد بن النضر أبو النضر (7) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف جداً لان فيها عمر بن سعد متروك الحديث. ومجالد بن سعيد ليس بالقوي.
التخريج:
__________
(1) وفى الفتوح " خمسمائة رجل " بدل " اربعمائة رجل ".
... - ابن اعثم الكوفى. ج3 ص205.
(2) شريح بن هانى بن يزيد الحارثى ابو المقدام الكوفى. مخضرم.
... - ابن سعد، الطبقات. ج 6 ص88.
... - ابن حزم، جمهرة أنساب. ج 2 ص 417.
(3) أبو موسى الأشعرى عبد الله بن قيس الأشعرى. صحابى جليل.
... - مسلم، الكنى والاسماء. ج2 ص765 (3113) .
(4) المنقرى، وقعة صفين. ص533،534.
(5) سبقت ترجمته في ص 495.
(6) سبقت ترجمته في ص 470.
(7) سبقت ترجمته في ص 508.(2/51)
وهذا الخبر يؤ يده ماأخرجه الطبرى (1) من طريق ابى مخنف قال: حدثنى مجالد بن سعيد عن الشعبى عن زياد ابن النضر الحارثى…
اورد ابن الاثير (2) نص الرواية وذكر تفاصيل يحذفها المنقرى.
وذكر ابن خلدون (3) الجزء الاول من الرواية وهو الذى فيه ارسال على رضى الله عنه لاربعمائه من جيشه مع أبو موسى الاشعرى ثم ان اهل العراق كانوا دائمى المحاوله للاطلاع على مايرد من الكتب على عكس اهل الشام.
الرواية الخامسة والعشرون:
ذكر على بن محمد قال: أخبرنا عبد الله بن ميمون، عن عمرو بن شجيرة العجلى، عن جابر، عن الشعبى، قال بعث على بعد ما رجع من صفين جعدة بن هبيرة المخزومى (4) إلى خراسان، فانتهى إلى أبر شهر، وقد كفروا وامتنعوا، فقدم على على. فبعث خليد بن قرة اليربوعى (5) ، فحاصر اهل نيسابور (6) حتى صالحوه، وصالحه اهل مرو (7)
__________
(1) تاريخ الرسل والملوك. ج5 ص67.
(2) الكامل. ج3 ص166،167.
(3) العبر وديوان المبتدأ والخبر. المجلد الثانى (الجزء الاول) . ص177.
(4) جعدة بن هبيرة بن ابى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشى. صحابى جليل.
... - البخارى، التاريخ الكبير. ح2 ص 239.
... - ابن عبد البر، الاستيعاب. ج1 ص240.
... - ابن حجر، الاصابة. ج1 ص236.
(5) خليد بن قرة التميمى ولاه على بن أبى طالب على خراسان.
... - خليفه بن خياط، تاريخ خليفه. ص199.
(6) نيسابور: مدينة كبيرة باقليم خراسان.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج5. ص331،332.
(7) مرو: ويطلق عليها ايضا مرو الشاهجان وهى مدينة عظيمة باقليم خراسان. ومن اشهر مدن هذا الاقليم.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج5 ص112.
... - كى لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية. ص439،440.(2/52)
، واصاب جاريتين من ابناء الملوك نزلتا بامان، فبعث بهما إلى على، فعرض عليهما الاسلام وان يزوجهما، قالتا: زوجنا ابنيك، فابى، فقال له بعض الدهاقين: ادفعهما إلى، فانه كرامة تكرمنى بها، فدفعهما اليه، فكانتا عنده، يفرش لهما الديباج، ويطعمهما في انيه من الذهب، ثم رجعتا إلى خراسان (1) .
رجال الاسناد:
على بن محمد المدائنى (2) .
عبد الله بن ميمون الرقى أبو عبد الرحمن (3) قال ابن حجر (4) "مقبول" توفى بعد سنه 100هـ.
عمرو بن شجيرة (5) العجلى. شاعر جاهلى (6) .
جابر بن يزيد الجعفى (7) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لأن عبد الله بن ميمون الرقى مقبول، وجابر الجعفى ضعيف.
التخريج:
والخبر عند ابن عبد البر (8) مقتصر على ولاية على بن ابى طالب رضى الله عنه جعدة بن هبيرة على خرسان.
__________
(1) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج5 ص63،64.
(2) سبقت ترجمته في ص 483.
(3) البخارى، التاريخ الكبير. ج5 ص206.
... - مسلم، الكنى والاسماء. ج1 ص528 (2106) .
... - ابن أبى حاتم، الجرح والتعديل. ج5 ص172
... - ابن حجر، تهذيب التهذيب. ج6 ص49.
(4) تقريب التهذيب. ص326.
(5) شُجيرة: بشين معجمة مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم مثناة تحت ساكنة، وشجيرة امه، واسم ابيه عبد الله بن حذافة.
... - المرزبانى: محمد، معجم الشعراء. تصحيح ف. فرنكو، الطبعة الثانيه، مكتبة القدسى- دار الكتب العلمية- بيروت، 1402هـ - 1982م. ص224
... - ابن ناصر الدين: محمد القيسى، توضيح المشتبه. الجزء الخامس، تحقيق محمد نعيم العرقسوسى، الطبعة الاولى، مؤسسة الرسالة. بيروت، 1414هـ - 1993م. ص67.
(6) المرزبانى، معجم الشعراء. ص224.
(7) سبقت ترجمته في ص 491.
(8) الاستيعاب. ج1 ص240.(2/53)
ذكر ابن الاثير (1) جزءاً من الرواية وهو المتعلق بمسير جعدة بن هبيرة رضى الله عنه إلى خراسان ثم عودته ثم ارسال خليد بن قرة إلى نيسابور ومرو، والذى عقده معهما.
الرواية السادسة والعشرون:
حدثنى عمر بن شبه، قال: حدثنا أبو الحسن، عن على بن مجاهد، قال: قال الشعبى: لما قتل على عليه السلام اهل النهروان، خالفه قوم كثير، وانتقضت عليه اطرافه، وخالفه بنو ناجيه (2) ، وقدم ابن الحضرمى البصرة وانتقض اهل الاهواز (3) ، وطمع اهل الخراج فى كسره، ثم اخرجوا سهل ابن حنيف (4) من فارس، وكان عامل على عليها، فقال ابن عباس لعلى: اكفيك فارس بزياد، فأمره على أن يوجهه اليها، فقدم ابن عباس البصرة، ووجهه إلى فارس في جمع كثير، فوطئ بهم اهل فارس، فادوا الخراج (5) .
رجال الاسناد:
عمر بن شبه (6) .
على بن محمد المدائنى أبو الحسن (7) .
على بن مجاهد بن مسلم بن رفيع الكابلى (8) . الرازي، العبدى ويقال الكندى مولى حكيم بن جبلة بن عبد القيس. القاضى (9)
__________
(1) الكامل. ج3 ص165.
(2) بنو ناجيه: بطن من الاشعريين من القحطانية، وهم بنو ناجيه بن الجماهر بن الاشعر.
... - القلقشندى: أحمد، نهاية الارب في معرفة أنساب العرب. الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1405هـ - 1985م. ص382.
(3) الاهواز (خوزستان) كورة عظيمة متصلة بالجبل ببلاد فارس.
... - ياقوت، معجم البلدان. ج1 ص284، 285.
... - الحميرى، الروض المعطار. ص61.
(4) سهل بن حُنَيف بن واهب بن العكيم الاوسى الانصارى المدنى.
... - البخارى، التاريخ الكبير. ج4 ص97.
... - ابن حجر، الاصابة. ج2 ص87.
(5) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج5 ص122.
(6) سبقت ترجمته في ص 483.
(7) سبقت ترجمته في ص 483.
(8) الكابلى: بضم موحدة وخفة لام.
... - محمد بن طاهر الهندى، المغنى. ص 214.
(9) العقيلى، الضعفاء الكبير. س 3 ص 252 (1254) .
... - ابن حبان، الثقات. ج 8 ص 459.
... - ابن الجوزى، الضعفاء والمتروكين. ج 1 ص 198.(2/54)
قال ابن حجر (1) "متروك ... ، وليس من شيوخ أحمد اضعف منه". توفى بعد سنة 180هـ.
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف جداً لان فيها على بن مجاهد متروك.
التخريج:
ذكر ابن الاثير (2) نص الرواية الا انه يذكر ان جارية بن قدامه وقيل عبد الله بن عباس هو الذى اشار. على على رضى الله عنه بتولية زياد بن ابيه.
اخرج ابن كثير (3) نص الرواية.
الرواية السابعة والعشرون:
فحدثنى عمر بن شبه (4) ، قال: حدثنى على، عن حبان بن موسى، عن المجالد، عن الشعبى، قال: كتب معاوية حين قتل على عليه السلام إلى زيادة يتهدده فقام خطيباً فقال: العجب من ابن آكلة الأكباد، وكهف النفاق، ورئيس الأحزاب، كتب إلى يتهددنى وبينى وبينه ابنا عم رسول الله ش - يعنى ابن عباس والحسن بن على - في تسعين ألفا، واضعى سيوفهم على عواتقهم، لاينثنون، لئن خلص إلى الأمر ليجدنى أحمز (5) ضرابا بالسيف. فلم يزل زياد بفارس واليا حتى صالح الحسن عليه السلام معاوية، وقدم معاوية الكوفة، فتحصن زياد في القلعة التى يقال لها قلعة زياد (6) .
رجال الاسناد:
عمر بن شبه (7) .
على بن محمد المدائنى أبو الحسن (8) . ...
حبان بن موسى بن سوار المروزى أبو محمد (9)
__________
(1) تقريب التهذيب. ص 405.
(2) الكامل. ج3 ص191،192.
(3) البداية والنهاية. ج7ص318،321.
(4) الخبر برواية عمر بن شبه ليس في أخبار المدينة المطبوع.
(5) احمز: اى أشد: أى الشديد.
... - ابن منظور، لسان العرب. ج 2 ص 994.
(6) الطبرى، تاريخ الرسل والملوك. ج 5 ص 170.
(7) سبقت ترجمته في ص 483.
(8) سبقت ترجمته في ص 483.
(9) البخارى، التاريخ الكبير. ج 3 ص 90.
... - مسلم، الكنى والأسماء. ج 2 ص 751 (3049) .
... - ابن ابى حاتم، الجرح والتعديل. ج 3 ص 271.
... - الخزرجى، خلاصة تذهيب الكمال. ص 70.(2/55)
قال ابن حجر (1) " ثقة ". توفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين (2) .
مجالد بن سعيد الهمدانى (3) .
بيان درجة الرواية:
اسنادها ضعيف لأن فيها مجالد ليس بالقوى.
التخريج:
وذكر ابن اعثم الكوفى (4) خطاب زياد بن أبيه رداً على تهديد معاوية بن ابى سفيان رضي الله عنه له قريبا مما سبق ذكره. واورد تفاصيل يحذفها الطبرى.
أورد ابن الاثير (5)
__________
(1) تقريب التهذيب. ص 150.
(2) الذهبى، العبر. ج 1 ص 325.
(3) سبقت ترجمته في ص 470.
(4) الفتوح. ج 4 ص 301 - 303.
(5) الكامل. ج 3 ص 220.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
المخطوطات:
ابن الأثير، على بن محمد الجزرى ت 630 هـ.
- أسماء الرجال، معهد البحوث العلمية وأحياء التراث الإسلامي جامعة أم القرى - مكة
المكرمة - رقم (649) - تراجم - حديث
المصادر:
ابن ابي حاتم، عبد الرحمن بن ابي حاتم محمد بن ادريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي
ت 327 هـ.
- الجرح والتعديل، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن
الهند، 1372 م - 1952 م.
ابن ابي شيبه، عبد الله بن محمد بن ابي شيبه ابراهيم بن عثمان ت 235 هـ.
- المصنف الجزء الثاني، تحقيق عامر العمري الأعظمي، الدار السلفية، الهند.
- المصنف ج 11؛ 12، تحقيق مختار احمد الندوي، الطبعة الأولي، الدار السلفية - الهند،
1408 هـ - ج 8 1401 هـ.
ابن الأثير، على بن محمد الجزري ت 630 هـ.
- الكامل ج2، ج3، الطبعة الثالثه؛ دار الكتاب العربي، بيروت، 1400هـ - 1980 م.
ابن اعثم، أحمد بن اعثم الكوفي ت نحو 314 هـ.
- الفتوح ج3، الطبعة الأولى؛ دار الكتب العلمية، بيروت، 1406 هـ - 1986 م.
ابن الجوزي، عبد الرحمن بن على بن محمد ت 597 هـ.
- الضعفاء والمتروكين، تحقيق عبد القاضي؛ الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت،
1406 هـ - 1986 م.
ابن حبان، محمد بن حبان البستي ت 354 هـ.
- الثقات، الطبعة الأولى؛ مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن الهند -
1403 هـ - 1983 م.
- المجروحين، تحقيق محمود إبراهيم زايد؛ الطبعة الثانية، 1402 هـ.
ابن حجر، شهاب الدين احمد بن على بن حجر العسقلاني الشافعي ت 852 هـ.
- الإصابة في تمييز الصحابة ج 1، ج2، ج 3، ج4، الطبعة الأولى؛ مطبعة السعادة -
مصر؛ 1328 هـ.
- تقريب التهذيب، تحقيق محمد عوامه؛ الطبعة الأولى؛ دار الرشيد، سوريا، 1406 هـ -
1986 م.
- تهذيب التهذيب ج 4، ج 5، الطبعة الأولي؛ مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر
آباد الدكن الهند، 1325 هـ.
- لسان الميزان ج3، ج 4، ج6، الطبعة الثانية؛ دار الكتاب الإسلامي، بدون.
ابن حزم، على بن احمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ت 456هـ.
- جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام محمد هارون؛ الطبعة الرابعة، دار المعارف - القاهرة
1977 م.
ابن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل ت 241 هـ.
- المسند. ج 4، دار الكتب العلمية، بدون.
ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المغربي ت 808 هـ.
- العبر وديوان المبتدأ والخبر في ايام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان
الأكبر، مؤسسة جمال للطباعة والنشر - بيروت؛ 1399هـ - 1979 م.
ابن خلكان، شمس الدين احمد بن محمد بن أبي بكر ت 681 هـ.
- وفيات الأعيان وانباء ابناء الزمان ج4، تحقيق احسان عباس؛ دار صادر - بيروت، بدون.
ابن زنجويه: حميد بن زنجويه ت 251 هـ.
- كتاب الأموال، تحقيق شاكر ذيب فياض؛ الطبعة الأولي؛ مركز الملك فيصل للبحوث
والدرسات الإسلامية - الرياض - السعودية، 1406 هـ - 1986م.
ابن سعد: محمد بن سعد ت 230 هـ.
- الطبقات الكبري، مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر - القاهرة؛ 1388 هـ - 1968 م.
ابن عبد البر: يوسف بن عبد الله بن محمد ت 464 هـ
- الاستيعاب في معرفة الأصحاب (بهامش الأصابة في تمييز الصحابة) ، الطبعة الأولى؛ مطبعة
السعادة - مصر؛ 1328 هـ.
ابن عدي: عبد الله بن عدي الجرجاني ت 365 هـ.
- الكامل في ضُعفاء الرجال، الطبعة الثانية؛ دار الفكر - بيروت، 1405 هـ - 1985 م.
ابن عساكر: ثقة الدين أبو القاسم على بن الحسن بن هبة الله الشافعي ت 571 هـ
- تهذيب تاريخ دمشق الكبير، هذبه ورتبة عبد القادر بدران؛ الطبعة الثانية؛ دار المسيرة -
بيروت، 1399 هـ - 1979 م
ابن قتيبة: عبد الله بن مسلم ت 276 هـ.
- عيون الأخبار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973 م.
- المعارف، تصحيح محمد اسماعيل عبد الله الصاوي؛ اصح المطابع - كراتشي، 1396 هـ -
1976 م.
ابن القيسراني: محمد بن طاهر بن علي المقدسي ت 507 هـ.
- الأنساب المتفقة، مكتبة المثنى - بغداد، بدون.
ابن كثير: إسماعيل بن كثير القرشي ت 774 هـ.
- البداية والنهاية:ج 6، ج 7 دار ابن كثير - بيروت؛ 1388 هـ - 1967 م.
ابن معين: يحى بن معين ت 233 هـ.
- التاريخ، تحقيق احمد محمد نور سيف؛ الطبعة الأولي، مركز البحث العلمي واحياء التراث
الإسلامي -جامعة أم القرى - مكة المكرمة - 1399 هـ - 1979 م.
ابن منظور: محمد بن مكرم ت 711 هـ.
- لسان العرب، تحقيق عبد الله على الكبير؛ ومحمد احمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلي، دار
المعارف - القاهرة - بدون.
أبو عبيد: القاسم بن سلام ت 224 هـ.
- الأموال، تحقيق محمد خليل هراس؛ الطبعة الأولي، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية - مصر -
1388 هـ - 1986 م.
أبو العرب التميمي: محمد احمد بن تميم التميمي ت 333هـ.
- المحنْ، تحقيق يحى وهيب الجبوري؛ الطبعة الأولي، دار الغرب الإسلامي، 1403 هـ -
1983 م.
البخاري: محمد بن إسماعيل ت 256 هـ.
- التاريخ الصغير، تحقيق محمود إبراهيم زايد؛ فهرس الأحاديث يوسف المرعشلي، الطبعة الأولى،
دار المعرفة - بيروت، 1406 هـ - 1986 م.
- التاريخ الكبير، بيروت؛ 1986 م.
- الضعفاء (داخل كتاب المجموع في الضعفاء والمتروكين) ، تحقيق عبد العزيز عز الدين السيروان؛
الطبعة الأولى، دار القلم - بيروت، 1405 هـ - 1985 م.
البلاذري: أحمد بن يحى بن جابر ت 276 هـ.
- فتوح البلدان، نشره ووضع ملاحقه وفهارسه صلاح الدين المنجد، مكتبة النهضة المصرية -
القاهرة، بدون.
الجاحظ: عمرو بن بحر ت 255 هـ.
- البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون؛ الطبعة الثالثة، مؤسسة الخانجي، القاهرة،
بدون.
الجوزجاني: إبراهيم بن يعقوب ت 259 هـ.
- أحوال الرجال، تحقيق صبحي البدري السامرائي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت،
1405 هـ - 1985 م.
الحميري: محمد بن عبد المنعم ت 727 هـ.
- الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق احسان عباس، الطبعة الثانية، مكتبة لبنان - بيروت -
لبنان، 1984م.
الخزرجي: صفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري ت 923 هـ.
- خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال،
الطبعة الثالثة، الناشر مكتبة المطبوعات الإسلامية، بيروت، 1399 هـ - 1979 م.
الخطيب البغدادي: أحمد بن على بن ثابت ت 463 هـ.
- تاريخ بغداد، ج12، ج13، دار الكتب العلمية - بيروت، بدون.
خليفة بن خياط: ت 240 هـ.
- تاريخ خليفه بن خياط، تحقيق اكرم ضياء العمري، الطبعة الثانية، دار القلم - دمشق،
بيروت، مؤسسة الرسالة -بيروت - 1397هـ - 1977 م.
- الطبقات، تحقيق اكرم ضياء العمري، الطبعة الثانية، دار طيبة للنشر التوزيع - الرياض،
1402 هـ - 1982 م.
الدارقطني: علي بن عمر ت 385 هـ.
- الضعفاء والمتروكون (داخل كتاب المجموع في الضعفاء والمتروكين) ، تحقيق
عبد العزيز عز الدين السيروان، الطبعة الأولي، دار القلم - بيروت - 1405 هـ - 1985 م.
- المؤتلف المختلف، تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الطبعة الأولى، دار الغرب
الإسلامي - بيروت - لبنان - 1406 هـ - 1986 م.
الدارمي: عثمان بن سعد ت 280 هـ.
- تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي، تحقيق أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث، دمشق -
بيروت - 1400 هـ.
الدولابي: محمد بن أحمد بن حماد ت 310 هـ.
- الكني والأسماء، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية - بيروت، 1403 هـ - 1983 م.
الدينوري: أحمد بن داود ت 282 هـ.
- الأخبار الطوال، تحقيق عبد المنعم عامر، مراجعة جمال الدين الشيال، مصر، 1397 هـ -
1959 م.
الذهبى: محمد بن أحمد بن عثمان ت 748 هـ.
- تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام. الجزء الأول، تحقيق محمد عبد الهادي شعيرة،
مطبعة دار الكتب - القاهرة، 1973 م. - ج 4، مكتبة القدسي - القاهرة، 1368 هـ.
- تذكرة الحفاظ: دار احياء التراث العربي، بدون.
- سير أعلام النبلاء: ج 4 تحقيق مأمون الصاغرجي، اشرف على التحقيق شعيب الأرنؤوط،
الطبعة الثانية، 1402هـ - 1982م، ج 13 تحقيق على أبو زيد، اشرف على التحقيق
شعيب الأرنؤوط، ج 14 تحقيق أكرم البلوشى، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة - بيروت،
1403هـ - 1983م، ج 17 تحقيق شعيب الأرنؤوط، ومحمد نعيم العرقسوسي، الطبعة
الثانية، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1404هـ - 1984 م.
- العبر في خبر من غبر: تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول الطبعة الأولي، دار
الكتب العلمية - بيروت، 1405 هـ - 1985 م.
- الكاشف: الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت - 1403 هـ - 1983 م.
- المغني في الضعفاء: كتبة نور الدين عتر، مطابع الدوحة الحديثة، قطر، 1987 م.
- المقتني في سرد الكني: تحقيق محمد صالح عبد العزيز المراد، الطبعة الأولي، الجامعة الإسلامية -
المدينة المنورة - 1408 هـ.
- ميزان الاعتدال: تحقيق على محمد البجاوي، دار احياء الكتب العربية، مصر، بدون.
السمعاني: عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي ت 562 هـ.
- الأنساب، الطبعة الأولي، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن - الهند
1397 هـ - 1977 م.
السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر ت 911 هـ.
- تاريخ الخلفاء، دار الفكر، 1394 هـ - 1974 م.
- الجامع الصغير: ج 1، الطبعة الأولى، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده -
القاهرة، 1373هـ-1954م.
- طبقات الحفاظ: الطبعة الأولي، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، 1403 هـ -
1983 م.
الصفدي: صلاح الدين خليل بن ايبك ت 764 هـ.
- الوافي بالوفيات ج 2، ج 16، الجزء الثانى. اعتناء. س. ديدرنغ دارفرانز شتاير
للنشر - فيسبادن، 1394هـ - 1974م، الجزء السادس عشر. اعتناء وداد القاضي،
مطابع مركز الطباعة الحديثة، بيروت، 1402 هـ - 1982م.
الطبراني: سليمان بن أحمد ت 360هـ.
- المعجم الكبير ج 2، تحقيق عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، مطبعة الزهراء الحديثة -
الموصل، 1984م.
الطبري: محمد بن جرير ت 310 هـ.
- تاريخ الرسل والملوك: تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، الطبعة الرابعة، دار المعارف - مصر،
ج 2، ج4 1977 م، ج 6؛ 7 1979م، ج 9 1976 م.
العبدي (الرقام البصري) : محمد بن عمران العبدي.
- كتاب العفو والاعتذار، تحقيق عبد القدوس أبو صالح، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية، الرياض - السعودية - 1401 هـ - 1981 م.
العجلي: أحمد بن عبد الله بن صالح ت 261 هـ.
- تاريخ الثقات، تحقيق عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولي، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان،
1405 هـ - 1984 م.
العقيلي: محمد بن عمرو بن موسي بن حماد المكي ت 322.
- الضعفاء الكبير، تحقيق عبد المعطي امين قلعجي، الطبعة الأولى دار الكتب العلميه، بيروت -
1404 هـ - 1984 م.
القلقشندي: أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله ت 821 هـ.
- نهاية الأرب في معرفة انساب العرب، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان -
1405 هـ - 1984 م.
المبرد: محمد بن يزيد ت 285 هـ.
- الكامل، دار الفكر، بدون.
المرزباني: محمد بن عمران ت 384 هـ.
- معجم الشعراء، تصحيح. ف. كرنكو، الطبعة الثانية، مكتبة القدسي - دار الكتب
العلمية - بيروت، 1402 هـ - 1982م
المزي: جمال الدين أبي الحجاج يوسف ت 742 هـ.
- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، دار المأمون للتراث - دمشق - بيروت.
المسعودي: علب بن الحسين بن على ت 346 هـ.
- مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت -
لبنان، 1403 هـ - 1983 م.
مسلم: مسلم بن الحجاج بن مسلم ت 261 هـ.
- الكنى والأسماء، تحقيق عبد الرحيم محمد أحمد القشقري، الطبعة الأولى، الجامعة الإسلامية -
المدينة المنورة - السعودية، 1404هـ - 1984 م.
المنقري: نصر بن مزاحم ت 212 هـ.
- وقعة صفين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، الطبعة الثانية، ملتزم الطبع والنشر، المؤسسة
العربية الحديثة للطبع والنشر - القاهرة - 1382 هـ.
النسائي: أحمد بن شعيب ت 303 هـ.
- الضعفاء والمتروكون (داخل كتاب المجموع في الضعفاء والمتروكين) ، تحقيق عبد العزيز
عز الدين السيروان، الطبعة الأولى، دار القلم، بيروت - لبنان - 1405 هـ - 1985م.
- الهندي: محمد بن طاهر بن على ت 986هـ.
- المغنى في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم، دار الكتاب العربي -
بيروت - لبنان 1402 هـ - 1982 م.
الهيثمي: نور الدين علي بن أبي بكر ت 807 هـ.
- مجمع الزوائد، مؤسسة المعارف - بيروت، 1406 هـ - 1986 م.
ياقوت: ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي ت 622 هـ.
- معجم الأدباء ج 17، ج19، الطبعة الأخيرة، مطبعة دار المأمون - مصر، بدون.
- معجم البلدان، دار صادر، دار بيروت - بيروت - لبنان، ج 1، ج 2 - بدون، ج 3،
ج 4، ج 5 طبع 1376 هـ - 1957 م.
اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب بن واضح العباسي ت 284 هـ.
- تاريخ اليعقوبي، دار صادر - بيروت - لبنان.
المراجع:
خالد محمد الغيث.
- مرويات سيف عمر بن عمر في تاريخ الطبري (رسالة ماجستير) . معهد البحوث العلمية وإحياء
التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، رقم (1283) - تاريخ -.
كي لسترنج.
- بُلدان الخلاقة الشرقية، ترجمة بشير فرنسيس - كوركيس عواد، الطبعة الثانية، مؤسسة
الرسالة - بيروت - لبنان، 1405 هـ - 1985 م.(2/56)
بعض اجزاء (مقاطع) من نص الخطاب الذى القاه زياد بن أبيه بعد تهديد معاوية رضي الله عنه له.
• • •
الخاتمة:
1 - اهتم الشعبى باتباع طريقة المحدثين في توثيق مروياته بذكر الاسناد وهو ما كان متبعاً في القرن الأول الهجرى حيث اختلاط الحديث بالتاريخ.
2 - استعمل الشعبى في مروياته أسلوبا تميز بالقوة والخلو من اللحن.
3 - اعتماده على قوة حفظه وفي ذلك قوله (الشعبى) "ما كتبت سوداء في بيضاء ولا سمعت من رجل حديثاً فأردت أن يعيده على".
4 - عدد الروايات التي وردت في البحث (49) رواية وهي موزعة كالتالى:
أ - في خلافة أبى بكر الصديق (3) رواية (تاريخ الرسل والملوك) . الرواية رقم (1) ، والرواية رقم (3) مقبولة تاريخيا وايضاً منقطعة. والرواية رقم (2) إسنادها ضعيف.
ب - في خلافة عمر رضي الله عنه (13) رواية (تاريخ الرسل والملوك) . والروايات من رقم (1) إلى رقم (12) إسنادها ضعيف. والرواية الأخيرة (13) إسنادها حسن.
ج - في خلافة عثمان رضي الله عنه (6) رواية (تاريخ الرسل والملوك) . وكل هذه الروايات إسنادها ضعيف.
د - في خلافة على رضي الله عنه (27) رواية [منها (9) رواية من تاريخ الرسل والملوك - وهي تحمل ارقام 1، 2، 3، 4، 5، 6، 25، 26، 27 - والباقى من وقعة صفين] . فالرواية الأولى - رقم (1) - إسنادها حسن. و (13) رواية - وهي تحمل ارقام (3) ، (6) ، (11) ، (12) ، (13) ، (14) ، (15) ، (16) ، (17) ، (20) ، (21) ، (25) ، (27) - إسنادها ضعيف. وأيضاً (13) رواية - وهي تحمل أرقام (2) ، (4) ، (5) ، (7) ، (8) ، (9) ، (10) ، (18) ، (19) ، (22) ، (23) ، (24) ، (26) - إسنادها ضعيف جداً.
الهوامش والتعليقات(2/57)
ميزاب الكعبة المشرفة المؤرخ عام1273هـ
د. ناصر بن علي الحارثي
الأستاذ المشارك بقسم الحضارة الإسلامية - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة أم القرى
ملخص البحث
تتناول هذه الدراسة ميزاب الكعبة المشرفة الذي أمر بصنعه في استامبول السلطان عبد المجيد الأول عام 1273هـ /1856م، والذي ركب بها عام 1276هـ / 1859م، وقد مهدت لهذه الدراسة بنبذة تاريخية عن الميازيب التي عملت للكعبة المشرفة حتى نهاية العصر العثماني، ثم فصلت في دراسة الميزاب موضوع الدراسة وصفاً وتحليلاً، مدعماً هذه الدراسة بصور للميزاب، وتفريغ للنصوص الكتابية المنفذة فيه، إضافة إلى الأشكال الموضحة للمعلومات التي وردت في ثنايا هذه الدراسة.
حظي ميزاب (1) الكعبة المشرفة باهتمام ولاة أمر المسلمين منذ فجر الإسلام، فتعهدوه بالاصلاح والتجديد والترميم، وكان أخر ميزاب صنع للكعبة المشرفة قبل العصر السعودي الميزاب الذي أمر بصنعه السلطان العثماني عبد المجيد الأول بن محمود الثاني عام 1273هـ / 1856م، وهو الميزاب الذي أفردنا له هذه الدراسة المستقلة لماينطوي عليه من أهمية، فضلاً عن أنه لم يسبق بالدراسة، وسوف تتمحور دراستنا له حول ثلاثة محاور مسبوقة بتمهيد يمثل نبذة تاريخية عن ميزاب الكعبة المشرفة، يليه المحور الأول الذي خصصناه للوصف العلمي للميزاب، ثم المحور الثاني الذي أفردناه للمواد الخام المستخدمة في الصناعة، وطرق الصناعة، وأساليب تنفيذ الكتابات، أما المحور الثالث فقمنا فيه بالتحليل الفني للكتابات من حيث مضمونها، والأسماء الواردة في النص، وكذلك الألقاب، وأشكال الحروف.
تمهيد:
نبذة تاريخية عن ميزاب الكعبة المشرفة:(2/58)
أحصى محمد طاهر الكردي (1) الميازيب التي عملت للكعبة المشرفة حتى نهاية العصر العثماني بثلاثة عشر ميزاباً، إثنان منها لم تصرح بها المصادر التاريخية ولكنه استنتجها من خلال الروايات التاريخية التي تحدثت عن عمارة الكعبة المشرفة، وواحد منها أورده عن الغازي في تاريخه نقلاً عن الصباغ في تحصيل المرام، بينما أحصاها قبله صاحب مرآة الحرمين (2) ميازيب، وأياً كان الإختلاف في عدد الميازيب التي ركبت في الكعبة المشرفة فإننا نقدرها ترجيحاً بعشرة ميازيب، وقد استبعدنا أن يكون قصي بن كلاب قد جعل للكعبة المشرفة ميزاباً، وكذلك استبعدنا أن يكون الخليفة الأموي الوليد ابن عبد الملك قد فعل مثله، لأن الروايات التاريخية أشارت صراحة إلى أنه حلى الميزاب بالذهب (4) ، كما استبعدنا أيضاً الرواية التي أشارت إلى أن الشريف رميثة (ت746هـ / 1345م) قد صنع ميزاباً للكعبة المشرفة، لأن ذلك لم يثبت تاريخياً، وقد انفرد بإيراد هذه الرواية الغازي في تاريخه نقلاً عن الصباغ في تحصيل المرام (5) ، وهو مالم يذكره غيره، وقد يكون الشريف رميثة قد حلى الميزاب بالذهب، فحصل وهم في أنه عمل ميزاباً، كما حدث عندما أشار بعض المؤرخين إلى قيام الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بعمل ميزاب للكعبة، بينما الثابت تاريخياً أنه حلى الميزاب بالذهب.(2/59)
وفي ضوء ماسبق نستطيع القول: إن أول ميزاب عمل للكعبة المشرفة كان الميزاب الذي عملته قريش عند بنائها لها قبل البعثة المطهرة (6) ، ثم ميزاب عبد الله بن الزبير عند بنائه للكعبة عام 65هـ / 684م (7) ، ثم ميزاب الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أعادبناء الكعبة عام 73هـ / 692م (8) ، ثم ميزاب الشيخ أبو القاسم رامشت، الذي وصل به خادمه بعد موته عام 537هـ / 1142م (9) وميزاب الخليفة العباسي المقتفي بالله في عام 541هـ/1146م (10) ، وميزاب الناصر لدين الله العباسي عام 622هـ / 1279م (11) ، وميزاب السلطان العثماني سليمان القانوني عام 959هـ / 1551م (12) ، والميزاب الذي ورد من مصر عام 962هـ / 1554م (13) ، ثم ميزاب السلطان العثماني أحمد الأول بن محمد الثالث عام 1021هـ /1612م (14) ، فميزاب السلطان عبد المجيد الأول بن محمود الثاني عام 1273هـ / 1856م، والذي تم ارساله بصحبة الحاج رضا باشا عام 1276هـ / 1859م (15) ، وتم تركيبه في موضعه بأعلى منتصف الجدار الشمالي للكعبة المشرفة، وهو الميزاب موضوع دراستنا في هذا البحث.
أولاً: وصف الميزاب: (اللوحات 14، الأشكال 111)
يأخذ هذا الميزاب شكلاً مستطيلاً مفتوحاً من أعلاه ممايلي السماء ومن مؤخرته ممايلي سطح الكعبة،وكذلك من مقدمته ممايلي حجر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، ويبلغ طول الميزاب 2.58م، منها 58سم في داخل الجدار، وعرضه 25سم، وارتفاعه 21سم (16) ، وقد صفحت جوانب الميزاب المعمولة من خشب التك ذي السمك 2 سم بصفائح الذهب عيار 24 قيراطاً عيار 99.9% (17) .(2/60)
وقد دعم الميزاب بعارضتين من المعدن الصلب الذي لايصدأ بسماكة 4مم، دعمت كل عارضة برباط من الصلب وزنه 660 غراماً، إحدى هذه العوارض تحمل سلسلة من الفضة وزنها 2.500 كغم، وطولها 190 سم، وعدد العقد 90 عقدة بكل عقدة حلقتان ملحومتان مع بعضهما بعكس إتجاه الفتحة، الغرض من هذه السلسلة تدعيم الميزاب وتثبيته حيث تربط نهايتها في أعلى جدار الكعبة، أما تثبيت الميزاب في الجدار فقد تم تصنيع صندوق من خشب " التك " الصلب المصفح على هيئة (جلبة) يثبت فيها الميزاب في جدار الكعبة بعمق 58سم، وينفذ للسطح بميل من 2 3%، بواسطة ثمانية براغي (مسامير حلزونية) من نوع المعدن نفسه، أما حواف جنوب الميزاب فثبت بها مائتين وأربعة عشر مسماراً (18) ، الذي يتسرب منه الماء فقد تم تغليفه بصفائح الفضة عيار 99.9% بما يزيد وزنه على عشرين كغم، كما ثُبَّت بسطح حافتي الجانبين الأيمن والأيسر من هذا الميزاب مسامير رؤوسها مما يلي السماء بغرض منع وقوف الحمام على الميزاب (19) ، لكي لاتتراكم فضلاته داخل مجرى الماء فتسده.
ومن الملاحظ في تصميم هذا الميزاب أنه يأخذ شكل ميزاب السلطان أحمد المؤرخ عام 1021هـ / 1612م (20) (لوحة رقم 6) ، مع بعض التعديلات في النهاية السفلية(2/61)
للسان، وكذلك في طريقه كتابة البسملة، ولفظ الجلالة (الله) الذي كتب بصيغة المنادى، فقد جاء تقويس النهاية السفلية للسان بشكل دائري، بينما كان في ميزاب السلطان أحمد مفصصاً، أما الكتابات التي في وجه اللسان فقد نفذت في ميزاب السلطان عبد المجيد بشكل رأسي، وياء المنادى في (ياالله) رسمت تحت لفظ الجلالة (الله) ، وليس لدينا أي تصور عن أشكال الميازيب التي عملت للكعبة المشرفة قبل ميزاب السلطان أحمد، وإن كنا نعتقد أنها في الإطار العام تأخذ شكلاً موحداً تقريباً،وهو الشكل الذي رأيناه في ميزابي السلطان أحمد، والسلطان عبد المجيد مع بعض الاختلافات في التفاصيل الدقيقة، والمواد الخام، وأشكال الزخارف، والنصوص الكتابية.
أما الكتابات (اللوحات 24، الأشكال 8 11) فقد نفذت بطريقة الدق أو الدفع (الريبوسي) بخط ثلث جميل في جُنُوبِ الميزاب الثلاثة، وكذلك في اللسان وذلك على النحو التالي:
لسان الميزاب:
السطر الأول بسم الله الرحمن الرحيم
السطر الثاني ياالله
(الجنب الأيمن)
جدد هذا الميزاب المنير لوجه الله الكريم الخبير سلطان البرين والبحرين المفتخر بخدمة الحرمين الشريفين السلطان الغازي عبد المجيد خان بن السلطان الغازي
(الجنب الأيسر)
محمود خان ابن السلطان عبد المجيد خان بعد ماوهن الميزاب الذي جدده جده السلطان الأعلى أحمد خان عليه رحمة المنان سنة 1021 اللهم رب هذا
(الجنب السفلي)
البيت الحرام أيد ببقاء دولته الإسلام ماطاف ببيتك الأنام وأحفظه من جميع الآلام بجاه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وهذا التجديد في سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف هجرية.
ثانياً: المواد الخام وطرق الصناعة:(2/62)
صنع هذا الميزاب من خشب التك بسمك 2 سم (21) ، ويعرف باسم: (بلوط جزر الهند الشرقية، أو (دلب هندي) ، وهو من الأخشاب ذات اللون البني الضارب إلى الحمرة (22) ، وأليافه من النوع المتراكم (23) ، وينتشر هذا النوع من الأخشاب في المناطق الحارة مثل: الهند، وأفريقيا الجنوبية، ويتميز بصلابة لاتتوفر في كثير من غيره من الأخشاب، فضلاً عن تحمله للتأثيرات المناخية، ومقاومته للحشرات من أن تنخر فيه، لوجود مادة زيتية دهنية فيه تحول دون تسوسه (24) ، ولذلك صنع ميزاب الكعبة المشرفة موضوع هذه الدراسة من هذا النوع من الأخشاب، نظراً لتعرض ميزاب الكعبة للمياه، سواء الناتجة عن الأمطار، أو تلك التي تنتج عن غسيل الكعبة.
كما استخدم الذهب في صناعة ميزاب الكعبة المشرفة المؤرخ عام 1273 هـ، حيث صفح به عيار 24 قيراط بنقاوة عالية تقدر بنسبة 99.9% بما وزنه 24.955 كغم (25) .
وفضلاً عن ذلك فقد استخدمت الفضة في صناعة هذا الميزاب بما وزنه 2.500 كغم، حيث عملت منها السلاسل التي تربط في العوارض، زيادة في تثبيت الميزاب والحؤول دون سقوطه (26) .
وأخيراً استخدم الصلب في صناعة عوارض الميزاب، وكذلك المسامير الحلزونية (البراغي) بوزن إجمالي يزيد عن 660 غراما، ً ويعرف هذا النوع من الصلب باسم (الصلب المسبوك) ، أو (صُلْبُ العدد) ، أو (الصلب الكربوني) ، أو (صلب البواتق) ، وهو من الحديد الخالص الذي سبق صهره مضافاً إليه نسبة معينة من الكربون تتراوح بين 5% إلى 1.5% (28) ، كما استخدم الرصاص في تصفيح الصندوق الخشبي الذي يدخل في جدار الكعبة ليثبت فيه الميزاب.
وقد أشار محمد طاهر الكردي إلى عمليات إصلاح تمت في هذا الميزاب عام 1377هـ / 1957 م، حيث قال (29) : " وهذا الميزاب كما قلنا إنه قوي متين للغاية ليس في ذاته أي خراب، ولكن مايحتاج فيه للإصلاح هو المسامير التي من الفضة(2/63)
الخالصة، الواقفة على أطراف الميزاب من الأعلى لمنع جلوس الحمام عليها، فقد إعوجت من طول الزمان فأخرجوها وعملوا مسامير مثلها من الفضة أيضاً، ووضعوها في محلها الأصلي من الميزاب، وأخرجوا أيضاً الخشب الذي على قاعدة الميزاب وبطنه، لأنه تلف من طول الزمان واستبدلوه بخشب قوي جديد، ولم يعملوا في الميزاب من الإصلاح شيئاً غير ماذكرناه من استبدال الخشب والمسامير، وذلك في اليوم التاسع من شهر شعبان من السنة المذكورة، والذي قام بإصلاح الميزاب صائغ محترم من أهل مكة اسمه الشيخ محمد نشار ".
أما فيما يتعلق بطرق الصناعة التي استخدمت في صناعة ميزاب الكعبة المشرفة الذي أمر بصنعه السلطان عبد المجيد الأول عام 1273هـ / 1856م، فيمكننا حصرها في خمس طرق رئيسة هي: السبك، والتصفيح، والطرق، والبرشمة، والتلحيم، ففيما يتصل بطريقة السبك فتعرف أيضاَ باسم (صهر) أو (صب) ، ويطلق عليها الأتراك اسم (دوكمه dokum) (30) ، وقد عملت جنوب الميزاب ولسانه وفق هذه الطريقة بعمل قوالب تجويفاتها الداخلية مماثلة للشكل الخارجي للجنوب الثلاثة واللسان (31) ، كأن تكون هذه القوالب من الفخار المتماسك الصلب (32) ، ثم توضع السبائك الذهبية في بوادق مصنوعة من طينة خاصة لاتذوبها النار مهما بلغت درجة حرارتها، ويوقد عليها حتى ينصهر المعدن تماماً، ثم ترفع هذه البوادق من على النار بواسطة حمالات (33) ، ويصب مابداخلها من معدن في القوالب المعدة لذلك سلفاً، وبعد أن يجمد يقوم الصانع بكسر القالب (34) ، وتعتبر هذه الطريقة من أكثر طرق صناعة المعادن ملائمة للخامات المعدنية التي لاتخرج منها غازات أو فقاعات (35) .(2/64)
وبالنسبة للطريقة الصناعية الثانية التي استخدمت في صناعة ميزاب الكعبة المشرفة الذي أمر بصنعه السلطان عبد المجيد الأول عام 1273هـ / 1856م فتعرف باسم: التصفيح أو التدريع (36) ، ويقصد بذلك تثبيت صفيحة معدنية على جسم يختلف عنها في النوع، مثل: تغطية الخشب بصفائح المعدن لحفظه أو زخرفته (37) ، وقد استخدمت هذه الطريقة في ميزاب الكعبة المشرفة لحفظ الألواح الخشبية من التآكل، فضلاً عن تزيين الميزاب بها، وإظهاره بمظهر فخم يعكس أهمية المكان الذي صنع من أجله ومكانته في نفوس المسلمين.
وقد عرفت طريقة التصفيح قبل الإسلام، ثم استخدمت في العصر الإسلامي، وبلغت أوجها في العصر المملوكي (38) ، وظلت مستخدمة في العصر العثماني (39) .
وبالنسبة للطريقة الصناعية الثالثة، فتعرف باسم: (الطرق) ، أو (الضرب) ، كما يطلق عليها في التركية اسم: (Dovme) (40) ، وتعد هذه الطريقة إحدى الطرق الرئيسة في تشكيل المعادن، حيث يضرب على الصفيحة المعدنية بالمطرقة وهي حامية، مما يعمل على تمدد العمل المعدني، والإقلال من سمكه بالشكل المرغوب (41) .
وفيما يتصل بالطريقة الرابعة التي استخدمت في صناعة ميزاب الكعبة المشرفة موضوع الدراسة فهي طريقة البرشمة، وهي من طرق توصيل الأجزاء المعدنية ببعضها، وتعد هذه الطريقة من أسهل أساليب التوصيل وأرخصها (42) حيث توصل بواسطتها الأجزاء التي تقتضي طبيعة عملها أن تكون متصلة، مثل: لسان الميزاب (43) ، وتتم هذه الطريقة بعمل الثقوب اللازمة في طرفي الجزئين المراد وصلهما ببعضهما باستخدام آلة حادة أثناء عملية السبك، ويتم تركيبهما بحيث تكون الثقوب في الجزئين موازية لبعضهما، ثم يدخل المسمار ويشد تبعاً للطول والعرض المطلوبين (44) .
أما الطريقة الخامسة فتعرف باسم: (التلحيم) ، وقد تم تنفيذها وفق أسلوب الضغط الساخن للعوارض، والضغط البارد للسلسلة التي تربط فيها.(2/65)
وبالنسبة لأسلوب تنفيذ الكتابات في هذا الميزاب فقد تم تنفيذها وفق أسلوب الدق، أو الدفع (45) ، الذي يعرف في التركية باسم:
(Kabartma) (46) ، كما يعرف في المصطلح العلمي باسم: (ريبوسي Rebousse’e) (47) ، وهي كلمة فرنسية تعني إبراز الكتابات والزخارف عن طريق الدق أو الدفع بواسطة أدوات غير حادة معدة لهذا لغرض سواء كان الدق من الداخل إلى الخارج أو العكس (48) .
ويماثل هذا الأسلوب أسلوب النقش البارز من حيث بروز الزخرفة في كل منهما، ولكن يختلف عن النقش البارز في كون البروز في
(الريبوسي) يتم عن طريق الدق أو الدفع من الخلف لإبراز الكتابات والزخارف في الوجه على عكس النقش البارز، الذي يتم تنفيذه بحفر مناطق الفراغ فيما بين الكتابات والزخارف على سطح العمل المراد زخرفته، كما يختلف (الريبوسي) عن أسلوب الحفر الغائر (العميق) في أن (الريبوسي) يظهر الكتابات والزخارف من الوجهين في آن واحد، في حين أن الحفر الغائر لايظهر الكتابات والزخارف إلا في الوجه الذي تم الحفر فيه (49) .
ثالثاً: الكتابات: (اللوحات 2 4، الأشكال 8 11)
نفذ النص التأسيسي في ميزاب الكعبة المشرفة الذي أمر بصنعه السلطان العثماني عبد المجيد الأول عام 1273هـ / 1856م بخط الثلث، ويرى محمد طاهر الكردي أن الذي قام بتنفيذ هذا النص المهم هو الخطاط التركي الشهير عبد الله زهدي رغم عدم ورود اسمه في الميزاب (50) ، وهو غير صحيح لأن هذا الخطاط كان متواجداً في الحجاز ومصر أثناء صناعة الميزاب في استامبول، كما أشار الكردي نفسه في كتاب آخر له على النحو الذي أشرنا إليه في حاشية رقم 50.(2/66)
ومن حيث مضمون النص فقد ابتدأه من كلف بصياغته بالبسملة على وجه لسان الميزاب، ثم أكمل النص في الجنب الأيمن، ثم الأيسر،فالسفلي مما يلي حجر إسماعيل عليه السلام، وقد أشير في النص إلى تجديد هذا الميزاب في عهد السلطان عبد المجيد، وذكر في النص أن السبب الذي جعل السلطان يأمر بصنعه ميزاب جديد للكعبة المشرفة يكمن في ماأصاب الميزاب السابق الذي أمر بصنعه السلطان أحمد الأول عام 1021هـ / 1612م من وهن، ثم اختتم النص بعبارات دعائية لبقاء الدولة العثمانية، وحفظ السلطان من جميع الآلام، منهياً هذا النص بذكر تاريخ التجديد بالحروف.
وفي ضوء النص التأسيسي فقد ورد اسم السلطان عبد المجيد الأول الآمر بصنع الميزاب، وهو السلطان عبد المجيد الأول بن محمود الثاني بن عبد المجيد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث ابن سليم الثاني بن سليمان الأول بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن مراد الأول بن أورخان بن غازي بن عثمان بن أرطغرل (51) .
ولد في 14 شعبان 1237هـ الموافق 6 مايو 1822م (52) وتولى الخلافة في عام 1255هـ وهو في الثامنة عشرة من عمره (53) وكانت الدولة العثمانية آنذاك في غاية الإضطراب، بسبب انتصارات محمد علي باشا عليها، كما واجهت الدولة العثمانية في عهده العديد من الحروب، من أهمها الحرب مع روسيا التي نتج عنها معاهدة باريس عام 1273هـ/ 1856م (54) ، ثم تفرغ السلطان عبد المجيد بعد ذلك لسن الأنظمة المتصلة بالتجارة والصناعة والزراعة، وقام بتشكيل محاكم التجارة، وأسس المكاتب الرشيدية، واعتنى بنشر المعارف والعلوم، وبسط العدل والأمن (55) .(2/67)
ومن مآثره في الحرمين الشريفين إجراء العديد من الإصلاحات والتجديدات في المسجد الحرام، واستحداث طريق موصل بين المسجد الحرام والمدرسة السليمانية، وحوَّل قبة سقاية العباس إلى مكتبة، وزودها بنفائس المخطوطات من استامبول، كما حوَّل القبة الواقعة خلف مبنى بئر زمزم إلى دار للتوقيت والرصد، وأمر بتثبيت القناديل في قباب الحرم المكي الشريف لتضاء في ليالي شهري رمضان والحج، وأمر بركز أعمدة جديدة لتحديد حدود الحرم (56) ، غير أن أعظم الأعمال التي قام بها عمارة المسجد النبوي (57) وبالاضافة إلى ماسبق فقد قام باجراء العديد من الترميمات والإصلاحات لبعض المنشآت المائية في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة (58) ، وقد وافته المنية في 17 ذي الحجة 1277هـ الموافق 6 يونيو 1861م، ودفن رحمه الله في قبر أعد له في حياته بجوار جامع السلطان سليم، وعمره يزيد عن الأربعين سنة بقليل بعد أن حكم إثنين وعشرين عاماً وستة أشهر (59) .
أما الألقاب الواردة في هذا النص فهي: خان، والسلطان، وسلطان البرين والبحرين، والغازي، والمفتخر بخدمة الحرمين الشريفين، وفيما يلي تعريف بكل لقب من هذه الألقاب:
(خان)
كلمة فارسية تركية تعني الأمير والسيد (60) والرئيس، وقد أطلقت على شيوخ الأمراء من قبائل الترك منذ القرن الأول الهجري أو الثاني ثم دخل اللقب إلى بعض الأقاليم الإسلامية عن طريق خانات التركستان، ثم انتقل إلى أقاليم إسلامية أخرى مع الترك والتتار كعلم على السلطنة (61) ، ثم أصبح لقباً رسمياً للسلطان العثماني، ولاسيما في المكاتبات الرسمية لاحقاً لاسمه، لايزال هذا اللقب (لفظ التشريف) في أفغانستان والهند وباكستان (62) .
(السلطان)(2/68)
من السلاطة بمعنى القهر، ومن هنا أطلق على الوالي، وقد ورد اللفظ في آيات قرآنية عديدة بمعنى الحجة والبرهان، ثم أطلق على عظماء الدولة، ولكنه لم يصبح لقباً عاماً إلابعد أن تغلب الملوك بالشرق على الخلفاء، ثم صار يطلق على الولاة المستقلين تمييزاً لهم عن غيرهم من غير المستقلين (63) أما في العصرين المملوكي والعثماني فقد أصبح هذا اللقب يطلق على رئيس الدولة سابقاً لاسمه على النحو المشاهد في هذا الميزاب.
(سلطان البرين والبحرين)
لقب مركب يتكون من ثلاث كلمات، سلطان معروفة، والبرين التي يقصد بها آسيا وأوروبا، والبحرين وهما: البحرين الأسود وبحر الروم، وقد ظهر هذا اللقب في القرن السابع الهجري، إذ يعتقد أن سلاطين السلاجقة أول من تلقب به (64) .
(الغازي)
من الغزو، وهو اسم للحرب التي كان يشترك فيها النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك سميت حروبه مغازي، ولم يعرف هذا اللقب في الدول الشيعية، مثل: الفاطميين، لأنه من الألقاب السنية، وشاع استعمال هذا اللقب في المناطق المتاخمة لحدود الدولة الإسلامية مع الدول الآخرى، وفي العصر المملوكي صار من الألقاب التي تطلق على الرجال من العسكريين (65) .
أما في العصر العثماني فتلقب به السلاطين، كما هو منفذ في هذا الميزاب، وقد ورد اللقب فيه سابقاً لاسم كل من السلطان عبد المجيد، ووالده السلطان محمود.
(المفتخر بخدمة الحرمين الشريفين)
من الألقاب المركبة المحببة لدى السلاطين والملوك، ويقصد هنا بالحرمين الشريفين المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة لأن قيام الخليفة أو السلطان بأي أعمال إصلاح، أو تجديد، أو تعمير، أو توسعة فيهما يعد من الأعمال التي تبعث على الفخر، باعتبار خدمة الحرمين الشريفين من أجل الأعمال عند المسلمين وأعلاها.(2/69)
أما أشكال الحروف في هذا الميزاب فتبين لنا من خلال الجدول المرفق بهذه الدراسة أن الخطاط أظهرها بمستوى فني ممتاز، من مراعاة لنسب الحروف، وإحداث للتوازن فيما بين الحروف والكلمات، واستقامة الأسطر، ممايدلل على أن الخطاط الذي قام بتنفيذ هذا النص على دراية كبيرة بفن الخط، وهذا أمر طبيعي إذ أن خلفاء المسلمين وسلاطينهم كانوا يحرصون أشد الحرص على إختيار أمهر الخطاطين لتنفيذ النصوص التاريخية المتصلة بأغلى الأعمال على نفوسهم، وبخاصة مايتعلق بالكعبة المشرفة، والحرمين الشريفين، لما تحتله من مكانة عظيمة في نفوس المسلمين.
الخاتمة:
أوضحت هذه الدراسة أن عدد الميازيب التي عملت للكعبة المشرفة حتى نهاية العصر العثماني عشرة ميازيب، يشكل الميزاب موضوع الدراسة آخر الميازيب التي صنعت للكعبة المشرفة حتى نهاية العصر العثماني، وقد جاء تصميم هذا الميزاب مستطيلاً، مفتوح من أعلاه بطول 2.58 م، وعرض 25سم، وارتفاع 21 سم، وأوضحت الدراسة أنه من خشب التك المصفح بالذهب عيار 24 قيراطاً، بنقاوة نسبتها 99.9 %، وأنه يأخذ شكل ميزاب السلطان أحمد المؤرخ عام 1021هـ / 1612م، مع بعض التعديلات في النهاية السفلية للسان، وكذلك في طريقة كتابة البسملة، ولفظ الجلالة (الله) ، وقد نفذت الكتابات في هذا الميزاب سواء في الجنوب أو اللسان بخط ثلث جميل، وقد استخدمت في صناعته عدة طرق صناعية هي: الصب أو السبك، والطرق، والتصفيح، والتلحيم، والبرشمة، أما أساليب تنفيذ الكتابات والزخارف فتم وفق أسلوب الدق أو الدفع المعروف في المصطلح العلمي باسم (ريبوسي) .(2/70)
وبالنسبة لمضمون النص فهو من النصوص التأسيسية المهمة، حيث أشير فيه إلى الميزاب السابق الذي أمر بصناعته السلطان أحمد الأول عام 1028هـ، والسبب الذي دعى السلطان عبد المجيد الأول لتجديده، حين وردت إشارة " بعدما وهن ... "، كما ورد في هذا النص التأسيسي خمسة ألقاب ونعوت، هي: خان، والسلطان، وسلطان البرين والبحرين، والمفتخر بخدمة الحرمين الشريفين.
كما تبين من دراسة أشكال الحروف أن الخطاط أظهرها بمستوى فني ممتاز، من مراعاة لنسب الحروف، وإحداث للتوازن فيما بين الكلمات والحروف، واستقامة الأسطر، ممايعكس أن الخطاط الذي قام بتنفيذ النص على دارية كبيرة بفن الخط.
الحواشي والتعليقات
وزب الشيء، يزب وزوباً إذا سال، ويقال له المثعب، والميزاب، والمئزاب بهمزة ساكنة المثعب، أو القناة يجري فيها الماء وجمع الأول ميازيب، وجمع الثاني مأزيب، وربما قيل: موازيب، ويقال أيضاً المزراب والجمع مرازيب، كما يعرف باسم مزرأب، والميزاب،، أو المئزاب، أو المزراب أو المزراب أو المثعب مصطلحات تطلق عل أنبوبة أو خشبة مقعرة توضع في أعالي جدران المباني ليجري فيها ماء المطر، والميزاب كلمة فارسية معربة تتألف من (مرز) أي حد، و (آب) أي ماء انظر أبا الفضل جمال الدين بن مكرم الشهير بابن منظور، لسان العرب، المجلد الأول (بيروت: دار الفكر ودار صادر، (د. ت) ، مادة (وزب) ، ص 796، ومحب الدين أبا الفيض السيد محمد مرتضي الحسيني الواسطي الزبيدي، تاج العروض من جواهر القاموس، المجلد الأول (بيروت: مكتبة(2/71)
الحياة، نسخة مصورة عن الطبعةالأولى بالمطبعة الخيرية، 1306هـ) مادة (وزب) ص 502، والسيد أدى شير، كتاب الألفاظ الفارسية المعربة، ط2 (القاهرة: دار العرب للبستاني، 1987 1988م) ، ص 149، ومحمد عبد الستار عثمان، الإعلان بأحكام البنيان لابن الرامي دراسة أثرية معمارية، ط1 (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1408هـ، 1988م) ، ص 214.
محمد طاهر الكردي، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الحرام، ج5، ط1 (بيروت: مؤسسة حسيب درغام وأولاده، 1412هـ / 1992م) ، ص ص 48 51.
إبراهيم رفعت باشا، مرآة الحرمين أو الرحلات الحجازية والحج ومشاعره الدينية محلاة بمئات الصور الشمسية، ج1 (بيروت: دار المعرفة د. ت) ، ص 275.
أحمد بن إسحاق اليعقوب، تاريخ اليعقوبي، ج2 (بيروت: دار صادر، 1960م) ص 284.
محمد بن أحمد بن سالم الصباغ، تحصيل المرام في أخبار البيت الحرام والمشاعر العظام، مخطوط بمكتبة الحرم المكي الشريف، رقم 11 تاريخ، دهلوي، ورقة 49.
أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي، أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، تحقيق رشدي الصالح ملحس، ج1، ط3 (مكة المكرمة: مطابع دار الثقافة، 1398هـ / 1978م) ، ص 164.
الأزرقي، أخبار، ج1، ص 209.
حسين عبد الله باسلامة، تاريخ الكعبة المعظمة عمارتها وكسوتها وسدانتها، ط2 (جدة، تهامة، سلسلة الكتاب العربي السعودي رقم 47، 1401هـ / 1982م) ، ص 191.
النجم عمر بن فهد بن محمد بن محمد بن محمد بن فهد، إتحاف الورى بأخبار أم القرى، ج2، تحقيق فهيم محمد شلتوت، ط1 (جدة: دار المدني، سلسلة رقم 20 من سلسلة التراث الإسلامي، التي يصدرها مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بكلية الشريعة جامعة ام القرى، د. ت) ، ص 505.(2/72)
الحافظ أبو الخطيب تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسي، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، حققه ووضع فهارسه عمر عبد السلام تدمري، ج1، ط1 (بيروت: دار الكتاب العربي، 1405هـ / 1985م) ، ص 167.
الفاسي، شفاء، ج1، ص 167، وقد ذكر الكردي، كتاب، ج5، ص 49، أن تاريخه 781هـ /1379 م، وهذا غير صحيح لأن مدة حكم الخليفة أبي العباس أحمد الناصر لدين الله بن المستضيء الذي أمر بصنع الميزاب تمتد من 575 هـ الى 622هـ، أما التاريخ الذي ذكره الكردي فيقصد به تحلية الميزاب نفسه في عام 781هـ، كما ذكر الفاسي، شفاء، ج1، ص 167.
الصباغ، تحصيل، ورقة 62.
الكردي، كتاب، ج5، ص49.
علي عبد القادر الطبري، الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء، تحقيق وتقديم أحمد الجمال، إشراف سعيد عبد الفتاح، ط1، (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ / 1996م) ، ص 151.
باسلامة، تاريخ، ص 193.
الكردي،كتاب، ج4، ص 81.
أحمد إبراهيم بدر، " تقرير عن تصنيع الميزاب الجديد للكعبة المشرفة " تقرير غير منشور، مؤرخ في 18/5/1417هـ، ص 2، وأنظر: ص 6 من هذا البحث.
بدر، تقرير، ص3 5.
الكردي، كتاب، ج4، ص 85.
وزارة الثقافة والسياحة للجمهورية التركية، معرض الفنون الإسلامية بمناسبة مرور 1400 عاماً على الهجرة النبوية معرض الأمانات المقدسة، الذي أقيم فيما بين 7 13 ذي الحجة 1403 هـ / 20 ابريل 20 سبتمبر 1983م، ط1 (استامبول: د. م. د. ت) ، ص 10.
بدر، تقرير،ص 2.
مصطفى أحمد، خامات الديكور ط1 (د. م: دار الفكر العربي 1981م) ، ص 70.
عبد القادر عابد وفتحي السباعي، الحفر للمدارس الثانوية الصناعية، ط1، (القاهرة: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1395هـ / 1975م) ص31.
مصطفى، خامات، ص 70.
بدر، تقرير، ص 2.
بدر، تقرير ص 3.
بدر،تقرير، ص 4.(2/73)
محمد أحمد زهران، فنون أشغال المعادن والتحف سمكرة تطويع مينا لحامات تطعيم تلوين ط1 (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية،
1965م) ص 9.
الكردي،كتاب، ج4، ص85.
شمس الدين سامي، قاموس تركي، ط1 (استامبول: أقدام مطبعة سي، 1317هـ) ، ص631.
ناصر بن علي الحارثي " تحف الأثاث المعدني في العصر العثماني دراسة فنية حضارية " رسالة دكتوراه غير منشورة، قسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى (1419هـ /1989م) ، ص 45.
Calal Esad Arseven, Turk Sanati, Azkar Ofset Istanbul , (1984) , P.23.
عبد المنعم المليجي النقيب، مجمع البدائع في الفنون والصنائع، ج1، (مصر: مطبعة التوفيق، 1232هـ / 1914 م) ، ص52.
Ulker Erginsoy. Islam maden Sanatinin Gelismesi Baslan gicind An Anadolu Selcuklarnin Sonuna Kadar. Kultur Bakanligi Yayonlari:265 Turk Sanat Eserlri Dizisi: 4, Istanbul, (1978) ,P.27
عبد العزيز مرزوق، الفنون الزخرفية الإسلامية في العصر العثماني، ط1، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1978م) ، ص149.
طه عبد القادر يوسف عماره، الأبواب المصفحة في عهد السلطان حسن في القاهرة دراسة أثرية، رسالة دكتوراة غير منشورة بقسم الآثار الإسلامية، كلية الآثار، جامعة القاهرة (1401هـ / 1981م) ، ص3.
عمارة، الأبواب، ص ص 3 5.
عمارة، الأبواب، ص ص 3 5.
الحارثي، تحف، ص 29.
Erginsoy. Islam. P. 18.
زهران،فنون، ص 104.
زهران، فنون، ص94.
هاينزجراف، أشغال المعادن، ترجمة م، عبد المنعم عاكف (القاهرة، مؤسسة الأهرام والمؤسسة الشعبية للتأليف بليبزج، سلسلة الأسس التكنولوجية، د. ت) ، ص 115.
Erginsoy. Islam. P. 29.
الحارثي، تحف، ص72.
Erginsoy. I slam. P. 34.
زهران، فنون، ص202.
Herbert Maryon And Others , Metal Work And EnamelLing(2/74)
Apractical Treatise on Gold and silversmiths Work And Their
Allied Carfts , Dover Pulications, ING. New York (1971) P. 113.
الحارثي، تحف، ص72.
الكردي، كتاب، ج5، ص50، ولد عبد الله زهدي بالآستانة ونشأ بها وتلقى الخط على مشاهير عصره، أمثال: أدنال حافظ راشدي أفندي الشهير بأيوب علي، ومصطفى أفندي عزب، الذي حصل على إجازة الخط منه، عين معلماً بجامع نور عثمانية بالآستانة، ثم ندبه السلطان عبد الحميد لكتابة النصوص الكتابية بالحرم المكي الشريف، عام 1270 هـ، فمكث ثلاث سنوات، وفي طريق عودته مجتازاً مصر أبقاه إسماعيل باشا وعينه مدرساً للخط في المدرسة الخديوية، ثم كلفته الحكومة المصرية آنذاك بكتابة الآيات القرآنية وغيرها على كسوة الكعبة المشرفة، وتخرج على يديه كثيرون، توفي رحمه الله بمصر عام 1296هـ لمزيد من الإطلاع أنظر: محمد طاهر الكردي، تاريخ الخط العربي وآدابه، (الرياض: الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، د. ت) ، 384.
محمد ثريا، سجل عثماني يأخوذ تذكرة مشاهير عثمانية، ج1، ط1 (استامبول: معارف نظارت جليلة سنك رخعتيلة طبع اولنمشدر، مطبعة عامرة، 1308هـ) ، ص ص 53، 54.
محمد فريد المحامي، تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق إحسان حقي، ط2، (بيروت: دار النفائس، (1403هـ /1983م) ، ص455.
يوسف أصاف، تاريخ سلاطين آل عثمان، تحقيق بسام عبد الوهاب الجالي، ج2، ط2 (دمشق: دار البصائر، 1405هـ / 1985م) ص149.
المحامي، تاريخ، ص ص 455 529.
أصاف، تاريخ، ص151.
محمد عبد اللطيف هريدي، شئون الحرمين الشريفين في العهد العثماني في ضوء الوثائق التركية العثمانية، ط1 (القاهرة: دار الزهراء للنشر، 1410هـ / 1989م) ، ص ص 52، 53.(2/75)
محمد هزاع الشهري، " المسجد النبوي في العصر العثماني دراسة معمارية حضارية " رسالة دكتوراة غير منشورة بقسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى (1407هـ/1978م) ، ص ص 93 143.
عادل محمد نور غباشي، المنشآت المائية لخدمة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة في العصر العثماني دراسة حضارية، رسالة دكتوراه غير منشورة بقسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة أم القرى (1410هـ) ، ص ص 229، 231، 255، 266، 285.
ثريا،سجل، ج1، ص ص 53، 54.
طوبيا العنيسي، تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية مع ذكر أصلها بحروفه، ط1 (القاهرة، دار العرب للبستاني، 1964 1965م) ، ص23.
حسن الباشا، الألقاب الإسلامية في التاريخ والوثائق والآثار، ط1 (القاهرة: دار النهضة العربية، 1978م) ، ص274.
المحامي، تاريخ، ص113.
الباشا، الألقاب، ص ص 323 329.
الباشا، الألقاب، ص 334.
الباشا، الألقاب، ص ص 411، 412.(2/76)
التضامن العربي الأفريقي
تجاه القضية الفلسطينية
1367هـ - 1401هـ - 1947 - 1981م
د. عمر سالم عمر بابكور
الأستاذ المشارك بقسم التاريخ الإسلامي بكلية الشريعة جامعة أم القرى
ملخص البحث
لم يكن هناك موقف أفريقي متميز تجاه القضية الفلسطينية قبل عام 1393هـ / 1973م بل ظهرت مواقف فردية لبعض الدول الافريقية في البداية وإبان مرحلة الاستقلال مثل موقف أثيوبيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة من قراري التقسيم رقم (181) وقبول عضوية إسرائيل رقم (273) هذا الموقف المؤيد لموقف الدول العربية، وهو عكس موقف ليبريا التي أيدت القرارين. وكذلك الأمر بالنسبة لمواقف كل من غينيا - غانا - مالي في مؤتمر الدار البيضاء التي أدانت إسرائيل من خلال البيان الذي صدر عن المؤتمر، والذي وصفها بأداة الامبريالية والاستعمار ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في افريقيا أيضاً.
وهذه مواقف متميزة تعبر عن ظروف دولية واقليمية مر بها الموقف الافريقي خلال مراحل تطوره، إذا أنه تجمد بعد ذلك منذ قيام منظمة الوحدة الافريقية عام 1383هـ الموافق عام 1963هـ، حتى نشوب حرب يونيو عام 1387هـ الموافق 1967م، حيث بدأ يتحرك بإتجاه الأزمة التي نتجت عن هذه الحرب، وقد ارتكز الموقف الافريقي بعد حرب يونيو على قرارات الأمم المتحدة منذ البداية وبصورة رئيسية على تأييده لقرار مجلس الأمن رقم (242) . وكان المحرك الأول لهذا الموقف هو احتلال قوات أجنبية لأراضي إحدى الدول الأعضاء المؤسسة لمنظمة الوحدة الافريقية (مصر) .(2/77)
وبالنسبة للموقف الافريقي داخل مؤتمرات الشعوب الافريقية والأفرو - اسيوية ومؤتمرات عدم الإنحياز، فقد كان في الأولى يعبر عن مواقف الشعوب الافريقية المتمثلة في حركات التحرير والتنظيمات الشعبية، ولهذا كان التأييد الافريقي للقضية الفلسطينية داخل هذه المؤتمرات أقوى منه في مؤتمرات عدم الانحياز التي تعكس وجهة نظر الحكومات، نظراً لتعرض هذه الأخيرة لضغوط مختلفة داخلية وخارجية من جانب القوى الدولية الحليفة للاستعمار والصهيونية.
(( (( (((2/78)
حينما تم التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة عام 1365هـ الموافق 1945م، كان من بين اثنين وخمسين دولة موقعة على هذا الميثاق، ثلاث دول من قارة أفريقيا هي: مصر، إثيوبيا، ليبيريا. وفي عام 1376هـ الموافق 1956م وهو العام الذي وقع فيه العدوان الثلاثي (الإسرائيلي - الفرنسي - الإنجليزي) على مصر، كان عدد الدول الأفريقية الأعضاء في الأمم المتحدة قد وصل إلى سبع دول، ثم ازداد هذا العدد إلى تسع دول عام 1379هـ الموافق 1959م ثم إلى خمسة وعشرون دولة عام 1380هـ الموافق 1960م، ووصل عام 1383هـ الموافق 1963 م إلى ثلاث وثلاثون دولة أفريقية وهي الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية وفي عام 1387 هـ الموافق 1967م وصل عدد الدول الأفريقية الأعضاء في المنظمة الدولية إلى ثمان وثلاثين دولة وازداد هذا الرقم إلى واحد وأربعين دولة عام 1393هـ الموافق 1973م، ثم إلى واحد وخمسين دولة في عام 1980م، بعد حصول زيمبابوي على استقلالها، وقد كان من بين هذه الدول، (دول شمال أفريقيا) ، وكانت دولة واحدة عام 1365هـ الموافق عام 1945 م ثم وصلت إلى خمس دول عام 1376 هـ الموافق 1956 م ثم إلى ثمان دول عام 1382هـ الموافق 1962م، ست منها أعضاء في جامعة الدول العربية، وتأخر انضمام كل من موريتانيا والصومال لعضوية الجامعة حتى عام 1393هـ الموافق 1973م بالنسبة للأولى، عام 1394هـ الموافق 1974م بالنسبة للثانية.(2/79)
إن مراجعة تاريخ مناقشة القضية الفسلطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتاريخ منح العضوية للدول الأفريقية يفيد بأن بداية مناقشة القضية كان في عام 1367هـ الموافق 1947 م، وإن الدول الأفريقية لم تعاصر هذه القضية وتطوراتها منذ البداية، وهذا يترتب عليه تباين في منظور كل دولة من هذه الدول نحو القضية، كما يفيد أيضاً في توضيح بدايات تضامن هذه الدول مع القضية الفلسطينية، إذ أن هذا التضامن بدأ في الجمعية العامة قبل بدايته في منظمة الوحدة الأفريقية، وهذا يعني إن اللقاء العربي الأفريقي للتفاهم والحوار حول هذه القضية لم يبدأ إلا في مراحل متأخره، ومن الجدير بالذكر أن هذا التضامن كان قد تم في وقت شهد فيه المناخ الدولي تصاعداً في الحرب الباردة والأستقطاب الدولي، وامتداداً واسعاً لحركة التحرر الوطني في أسيا وأفريقيا، وصراعا ضد الأحلاف العسكرية، كما شهد ظهور حركة عدم الإنحياز (1) وفيما يلي توضيح لأهم وجوه هذا التضامن:
أولاً: التضامن العربي الأفريقي على مستوى المؤتمرات:
__________
(1) راجع دراسة عبد الملك عوده بعنوان: الدول الأفريقية والقضايا العربية ص ص 307-343.(2/80)
في ظل الظروف السابقة انعقد مؤتمر باندونج للدول الأفريقية والآسيوية خلال عام 1375هـ الموافق إبريل 1955 م، وكان هذا هو اللقاء الأول بين الدول العربية والدول الأفريقية، حيث حضرت من الدول العربية كل من المملكة العربية السعودية، سوريا، العراق، الأردن، لبنان، واليمن من قارة آسيا، ومن الدول الأفريقية مصر، السودان، أثيوبيا، ليبيريا وغانا، كما حضره ممثلون عن حركات التحرير من كلتا القارتين بصفة مراقبين، وقد ضم هذا المؤتمر تسع وعشرين دولة ولم يشمل كل دول النطاق الذي أخذ اسمه، وقد استبعد المؤتمر دعوة كل من الكيان الصهيوني وجنوب أفريقيا، وناقش القضية الفلسطينية إلى جانب قضايا الاستقلال ومكافحة الاستعمار في كل من القارتين، واصدر قرار بشأنها جاء فيه: نظراً للتوتر القائم في الشرق الأوسط بسبب الحالة في فلسطين، ونظراً إلى ماينطوي عليه ذلك من خطر على السلام العالمي يعلن المؤتمر الآسيوي الأفريقي تأييده الكامل لحقوق شعب فلسطين العربي ويدعو إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة والتي تحقق تسويه سلمية لمسألة فلسطين (1) .
كانت هذه بداية التضامن العربي الأفريقي حول قضية فلسطين ومنها امتد هذا التضامن إلى المؤتمرات الأخرى مثل مؤتمرات تضامن الشعوب الأفروآسيوية والمؤتمرات الأفريقية ومؤتمرات عدم الإنحياز.
1- مؤتمرات تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية:
عقد المؤتمر الأول لتضامن الشعوب الأفروآسيوية في القاهرة خلال الفترة من 1378هـ الموافق 26 ديسمبر 1957م إلى أول يناير 1958م، وحضره أكثر من مائة وخمسين مندوبا يمثلون ثمان وأربعين شعباً من شعوب القارتين.
__________
(1) شوقي الجمل، التضامن الآسيوي الأفريقي وأثره في القضايا العربية، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1964م، ص 303(2/81)
ناقش المؤتمر القضايا التي تهم القارتين الآسيوية والأفريقية في تلك المرحلة، وكان من بينها قضية فلسطين، وقد أفرد لها المؤتمر قراراً خاصاً أعلن فيه: (إن إسرائيل قاعدة استعمارية تهدد تقدم الشرق الأوسط وسلامته وأكد حقوق عرب فلسطين في عودتهم إلى وطنهم (1) . وقد ذكر بعض الكتاب أن هذا المؤتمر كان رداً على العدوان الثلاثي على مصر 1376هـ الموافق 1956 م وتضامناً معها (2) .
- المؤتمر الثاني لتضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية في كوناكري 1380هـ (11-15 أبريل 1960م) .
في هذا المؤتمر احتلت القضية الفلسطينية مكانة هامة، حيث شكل لها لجنه خاصة لدراستها، لأنها كما ذكر المؤتمر في قراره - مشكلة فريده من نوعها ومأساة من أكبر المآسي الإ نسانية وقد أشار المؤتمر في قراره بشأنها إلى أن إسرائيل تنفذ سياسة استعمارية وتشترك في تحقيق أهداف الاستعمار الجديد عن طريق التسرب الاقتصادي داخل البلاد المستقلة.وتجعل من نفسها عميلاً للاحتكارات الدولية الضخمة تحت شعار إنها بلد صغير لامطمع له (3) ، كما أيد المؤتمر جميع الحقوق الشرعية لشعب فلسطين وحقه في العودة إلى وطنه (4) .
- المؤتمر الثالث لتضامن الشعوب الأفروآسيوية:
عقد في موشي بتنجانيقا في عام 1383هـ الموافق 1963م (5) .
__________
(1) شوقي الجمل، المرجع السابق ص 70.
(2) جون هانش، تاريخ أفريقيا بعد الحرب العالمية الثانية، ترجمة عبد العليم منسي، دار الكتاب العربي، القاهر 1969م، ص 412.
(3) المهدي بن بركة، إسرائيل وأفريقا، مجلة الطليعة، العدد الخامس، السنة الثانية، مايو 1966، ص ص 65-75
(4) شوقي الجمل، التضامن الأسيوي الأفريقي..، ص 313.
(5) مرسي سعد الدين، دور التضامن الأفرو أسيوي في معركة فلسطين، الطليعة، العدد العاشر، السنة 1967 م، ص ص 65-67.(2/82)
- المؤتمر الرابع للتضامن الأفرو آسيوي عقد في (غانا) عام 1385 هـ الموافق 1965م (1) .
كما عقدت مؤتمرات داخل هذا الأطار مثل:
- مؤتمر الشباب الأفريقي الآسيوي الذي عقد في القاهرة في فبراير عام 1379هـ الموافق 1959م.
- مؤتمر تضامن المرأة الأفريقي الآسيوي، عقد في دمشق والقاهرة (الجمهورية العربية المتحدة) يناير 1381هـ الموافق 1961م.
بحثت هذه المؤتمرات قضايا النضال في سبيل الحرية في الأقطار الأفريقية والأسيوية المختلفة، وقررت مؤازرة الحركات الوطنية ومساعدة حركات الكفاح الوطني في هذه البلاد بمختلف الطرق والوسائل، وكان من ضمن هذه القضايا التي ناقشتها هذه المؤتمرات القضية الفلسطينية (2) .
2- مؤتمرات الشعوب الأفريقية وهي (3) .
- مؤتمر الشعوب الأفريقية، عقد في أكرا عاصمة غانا في ديسمبر 1378هـ الموافق 1958م.
- مؤتمر الشعوب الأفريقية، عقد في تونس يناير 1380هـ الموافق 1960م.
- مؤتمر الشعوب الأفريقية عقد في القاهرة عام 1381 الموافق مارس 1961م.
__________
(1) أحمد يوسف القرعي، العدوان الأسرائيل والتضامن الأفرو أسيوي، السياسية الدولية، العدد 9 أكتوبر 1967م، ص ص 67-69.
(2) شوقي الجمل، التضامن الآسيوي الأفريقي ... ، ص ص 113-114.
(3) راجع قرارات هذه المؤتمرات في:
... كولين ليجوم، الجامعة الأفريقية: دليل سياسي موجز، ترجمة: أحمد محمود سليمان، مراجعة عبد الملك عودة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، ص ص 345-415.(2/83)
جاءت مؤتمرات الشعوب الأفريقية هذه لتعبر عن آمال ومشاعر الأفريقيين في التحرر والاستقلال والسيادة دون التقيد بمواقف حكوماتهم، وقد استوحت هذه المؤتمرات قراراتها من مؤتمرات باندونج والشعوب الأفروأسيوية والتي استهدفت محاربة جميع أشكال الاستعمار القديم والجديد، وكانت الموضوعات التي تناقشها هذه المؤتمرات تخص القضايا الأفريقية فقط، ولم تتعرض للقضية الفلسطينية بصورة مباشرة، ولكن وفود الدول العربية الأفريقية بمشاركتها في هذه المؤتمرات كانت تطرح القضية للنقاش من خلال قضايا التحرير ومحاربة الاستعمار وخاصة الاستعمار الجديد، الذي اصدر بشأنه مؤتمر القاهرة قرارا خاصاً (1) اتهم فيه الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا الفيدرالية وإسرائيل وبلجيكا وهولندا وجنوب أفريقيا وفرنسا بأنهم الجناة الرئيسيون للأستعمار الجديد.
__________
(1) شوقي الجمل، التضامن الأسيوي الأفريقي..، ص 107.(2/84)
إن أهم ما ترتب على العمل العربي في داخل هذه المؤتمرات هو أن وجهة النظر العربية والصورة العربية للصراع العربي - الأسرائيلي قد طرحت للنقاش ونما حولها التأييد، علماً بأن أعضاء هذه المؤتمرات كانوا يمثلون منظمات شعبية وغير حكومية واحيانا كان يحضرها رسميون بصفتهم الشخصية، وقد تولت وسائل الأعلام المتنوعة في العديد من الدول الأفريقية نقل أخبار وقرارات هذه المؤتمرات، الأمر الذي ساعد على وصول وجهة النظر العربية إلى المواطن الأفريقي عبر قنوات غير حكومية، ويأتي الاهتمام بهذا الاتجاه من سرعة التغييرات في شاغلي المناصب الحكومية والسياسية، وكثرة الانقلابات العسكرية التي فتحت الطريق أمام ظهور قيادات وفئات اجتماعية جديدة على مستوى السلطة، وكان من بين هؤلاء القادة الجدد كثير ممن حضروا هذه الاجتماعات، ومن ناحية اخرى نجد أن نمو صورة الصراع العربي - الإسرائيلي أخذ المسار الطبيعي، ففي المؤتمرات الأولى أبدى الأعضاء اهتماهم بالقضية واستنكروا العدوان، ثم تلا ذلك قرارات الأدانه وتأييد تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وبعد ذلك تم تبنى وجهة النظر العربية وربط إسرائيل بالاستعمار الجديد (1) .
3- مؤتمرات الدول الأفريقية المستقلة (2) :
__________
(1) محمود خيري عيسى، مرجع سابق، ص 316.
(2) راجع حول مؤتمرات الدول الأفريقية: - كولين ليجوم، مرجع سابق، ص ص 17-307.
Mazrui, Ali., A Towards a pax - Africana
University of Chicage pres, 1967, pp.207-210(2/85)
منذ حصول غانا على استقلالها عام 1377هـ الموافق 1957م، بدأت الدول الأفريقية محاولاتها من إجل إظهار شخصيتها على المسرح الدولي خاصة في الأمم المتحدة، حيث تم تكوين المجموعة الأفريقية على إثر انعقاد مؤتمر أكر للدول الأفريقية المستقلة عام 1378هـ عام 1958م، وقد عقدت مؤتمرات عديدة للدول الأفريقية استمرت حتى قيام منظمة الوحدة الأفريقية عام 1383هـ الموافق 1963م. وفي كل هذه المؤتمرات كان الحضور العربي يتمثل في مشاركة الدول العربية الأفريقية، وبواسطتها كانت قضية فلسطين تناقش في هذه المؤتمرات، نظراً لكونها تمثل القضية الأولى بالنسبة للدول العربية عموماً.
وفيما يلي أهم مؤتمرات الدول الأفريقية المستقلة:
- مؤتمر أكرا للدول الأفريقية المستقلة 1378 هـ (15-22 إبريل 1958م) وقد حضرته وفود ثمانية دول هي: أثيوبيا، ليبريا، غانا، ومصر، السودان، ليبيا، تونس، المغرب (1) ولم تستطيع الدول العربية المشتركة استصدار قراراً خاص بفلسطين وإنما جاءت الإشارة إليها في البند التاسع من وثيقة السلام والأمن الدوليين التي اصدرها المؤتمر وفيها يعبر: عن شديد قلقه بالنسبة للمشكلة الفلسطينية التي تعتبر من العوامل التي تهدد السلام والأمن العالميين ويحث على إيجاد تسوية عادلة لها (2) .
- مؤتمر أديس أبابا عام 1380هـ الموافق 15-24 يونيو عام 1960 م حضرته الدولة التالية:
أثيوبيا، الكاميرون، غانا، ليبيريا، نيجيريا، الصومال، الجمهورية العربية المتحدة، ليبيا، تونس، المغرب والحكومة الجزائرية المؤقته (3) .
__________
(1) - Geiss, Imanule , The pan- African Movement , Translated By: Ann Keep , Methuen and Co , London , 1974 , p.420
(2) كولين ليجوم، مرجع سابق، ص 230.
... - اتحدت سوريا ومصر عام 1958 في دولة واحدة تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة.
(3) المرجع السابق، ص 57.(2/86)
وقد أصدر المؤتمر قراره التالي بشأن فلسطين جاء فيه: (يعبر المؤتمر عن اهتمامه بعدم تنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات مؤتمر باندونج وقرارات مؤتمر أكرا الخاصة بحل مشكلة فلسطين، والتي تعتبر من العوامل التي تهدد السلم والأمن الدوليين في شمال شرقي القارة الأفريقية (1) .
- مؤتمر الدار البيضاء:
عقد هذا المؤتمر في المغرب في عام 1381هـ الموافق يناير 1961م وحضره ملوك ورؤساء كل من الجمهورية العربية المتحدة، المملكة المغربية، ليبيا، الحكومة الجزائرية المؤقته - مالي - غانا - غينيا - وقد أصدر المؤتمر قراراً (2) حول القضية الفلسطينية جاء فيه:
يحذر المؤتمر من الخطر الناتج عن هذه الحالة (القضية الفلسطينية) التي تهدد السلام والأمن في الشرق الأوسط، ويحذر من خطر التوتر الدولي المترتب على ذلك.
يتمسك المؤتمر بضرورة حل هذه القضية حلاً عادلاً يتمشى مع قرارات الأمم المتحدة وقرارات المؤتمر الأفريقي الآسيوي في باندونج الخاصة بإعادة حقوق عرب فلسطين الشرعية الكاملة.
يؤكد المؤتمر على استنكاره الشديد لسياسة إسرائيل المستمرة في مناصرة الاستعمار وكلما اقتضى الأمر اتخاذ موقف إيجابي بشأن المشاكل الحيوية المتعلقة بأفريقيا وخاصة بالنسبة للجزائر والكونغو والتجارب الذرية في الصحراء الكبرى.
يندد المؤتمر بإسرائيل بوصفها أداة في خدمة الاستعمار ليس فقط في الشرق الأوسط بل في أفريقيا وآسيا.
__________
(1) محمود خيري عيسى، مرجع سابق، ص 319.
(2) كولين ليجوم، مرجع سابق، ص 285.(2/87)
ومع بداية عام 1380 هـ الموافق 1960م شهدت القارة الأفريقية أحداثاً كبيرة أدت إلى ظهور انقسامات في المواقف السياسية بين الدول المستقلة، ومن هذه الأحداث أوضاع الكونغو كينشاسا (زائير) والعلاقات بين المغرب وموريتانيا وتطورات حرب الاستقلال الجزائرية، وقد اجتمعت الدول الأفريقية الناطقة باللغة الفرنسية (1) . بعد حصولها على الاستقلال في ابيدجان عاصمة ساحل العاج في أكتوبر 1960 للتنسيق بين مواقفها، ولكن الخلاف ازداد بين الدول الأفريقية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1960 ومن ثم تكتلت مجموعة من الدول الأفريقية في 15 ديسمبر 1960م وعقدت مؤتمر برازافيل في الكونغو، وعلى الجانب الآخر اجتمعت مجموعة أخرى من الدول الأفريقية في مؤتمر الدار البيضاء (المغرب) 1381هـ الموافق في يناير 1961م، وفي مايو من عام 1961م جرت محاولة إعادة تجميع الدول الأفريقية في مؤتمر مونروفيا (ليبيريا) ولكنه فشل في التوصل للوحدة الشاملة واعقب ذلك مؤتمر لاجوس (نيجيريا) الذي قاطعته مجموعة الدار البيضاء وبعض الدول الأخرى. وعلى الرغم من هذا الإنقسام ظلت الاتصالات تدور بين الدول الأفريقية حتى تم الإتفاق على حضور مؤتمر أديس أبابا (أثيوبيا) 1383هـ الموافق مايو 1963م وتمت دعوة أثنين وثلاثين دولة أفريقية مستقلة بالإضافة إلى الدولة صاحبة الدعوة لحضور مؤتمر على مستوى وزراء الخارجية ثم مؤتمر على مستوى رؤساء الدول والحكومات الأفريقية، وفي عام 1383هـ الموافق 25 مايو 1963م صدر عن هذه الاجتماعات ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية (2) .
__________
(1) الدولة الأفريقية الناطقة بالفرنسية التي حصلت على استقلالها عام 1960 هي: ساحل العاج، فولتا العليا، بنين (داهومي سابقا) ، النيجر، تشاد، الكاميرون، السنغال، توجو، جابون، الكونغو، أفريقيا الوسطى، موريتانيا، ما لأغاشي.
(2) محمود خيري عيسى، مرجع سابق، ص 315.(2/88)
لقد انعكست هذه الأحداث على مواقف الدول الأفريقية نفسها تجاه القضية الفلسطينية، فبينما كان موقف مجموعة الدار البيضاء واضحاً من خلال القرار الخاص الذي أصدره المؤتمر حول هذه القضية، كانت هذه الأخيره تثير حساسية دول مؤتمر مونروفيا وطريقة الرئيس الراحل عبد الناصر في عرضها بالصورة التي يعتبر فيها إسرائيل أداة إمبريالية ليس في الشرق الأوسط فحسب وإنما في أفريقيا أيضاً (1) وقد علق أحد المسؤولين الأفارقة (2) على النجاح الذي حققه الرئيس عبد الناصر في مؤتمر الدار البيضاء حينما ربط قضية فلسطين بقضايا الاستعمار في أفريقيا قائلاً: (إن الرئيس العربي عرض قضيته بمنتهي البراعة وقوة التأثير، فقد ربط بين مشكلة فلسطين وبين الفكرة العامة المتعلقة بالدفاع عن القارة الأفريقية وتأمين سلامتها (3) .
4- مؤتمرات عدم الإنحياز (4) :
تلتقي الدول العربية والدول الأفريقية جميعها داخل إطار هذه الحركة، وتكون الدول الأفريقية في مؤتمراتها أكبر مجموعة من حيث عددها بالنسبة لمجموع الدول أعضاء هذه الحركة. ...
__________
(1) - Akinsanya , Odeoya, “ The Afro- Arab Alliance: Dream or Reality” , Africain Affairs, vol.75 , No 301, Oxford University press , October 1976, p 511-529.
(2) وزير خارجية السنغال السابق دودو تيام.
(3) أحمد يوسف القرعي، ثورة 23 يوليو وقضية تصفية الاستعمار في أفريقيا سلسلة مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، القاهرة، العدد 26 يوليو 1978م ص 28.
(4) راجع حول حركة عدم الإنحياز (نشأتها، مبادئها، أهدافها) اللاانحيازية في ظل الاستراتيجية الدولية، قسم خاص في مجلة السياسية الدولية، مؤسسة الأهرام القاهرة، العدد 45، يوليو 1976 م،ص ص 12-48.(2/89)
إن التضامن العربي الأفريقي حول القضية الفلسطينية في هذه الحركة بدأ منذ المؤتمر التحضيري الذي عقد في القاهرة خلال الفترة من عام 1381هـ الموافق عام 1961م وقد حضر هذا المؤتمر ممثلون عن إحدى وعشرين دولة منها 17 دولة أفروأسيوية، وكان هذا المؤتمر قد وضع أول تعريف لمفهوم عدم الإنحياز في حرية اتخاذ القرارات وحرية اختيار الحكم على كل قضية دولية.
عقدت أربعة مؤتمرات لرؤساء دول وحكومات الدول غير المنحازة خلال الفترة 1381-1393هـ الموافق 1961-1973م وهي:
المؤتمر الأول لدول عدم الإنحياز في بلجراد (يوغسلافيا) سبتمر 1381هـ الموافق 1961م. حضرة مندوبون عن خمس وعشرون دولة من بينها احدى عشر دولة أفريقية.
المؤتمر الثاني لدول عدم الإنحياز، انعقد في القاهرة في أكتوبر 1384هـ الموافق 1964 م وحضره مندوبون عن تسع وأربعين دولة من بينها تسع وعشرين دولة أفريقية.
المؤتمر الثالث لدول عدم الإنحياز في لوزاكا عاصمة زامبيا في سبتمبر عام
1390 هـ الموافق 1970م وحضرة مندوبون عن أربع وخمسين دولة بينها أربع وثلاثين دولة أفريقية.
المؤتمر الرابع لدول عدم الإنحياز في الجزائر سبتمبر 1393هـ الموافق 1973، حضره ممثلون عن ست وسبعين دولة بينها ثلاث وثلاثين دولة أفريقية غير عربية، وثمان عشر دولة عربية (1) .
ويلاحظ من دراسة هذه المؤتمرات أن المؤتمرين الأول والثاني لم يتعرضا للقضية الفلسطينية بصورة تقترب من الصورة العربية للصراع العربي الأسرائيلي (2) .
__________
(1) يحي رجب، الرابطة التطبيقية بين جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1976م، ص 79.
(2) - Isamel.Tareq , T., The Middle East in World politics , Syracuse University press 1874,p.165(2/90)
وإنما أكد على الرغبة في أن يسود السلام في المنطقة، لكن المؤتمرين الثالث والرابع أشار في قرارتهما إلى أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، حيث طالبت هذه القرارات بتنفيذ قرار 242 الذي أصدره مجلس الأمن في 1387هـ الموافق 22 نوفمبر 1967م في أعقاب حرب يونيو 1967 م، وقد أيدت القرارات أيضاً الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحقه في العودة إلى أرضه فقد جاء في الفقرة (ج) من القرار الخاص بالشرق الأوسط الذي أصدره مؤتمر لوزاكا (1) إعلان الاحترام الكامل للحقوق المشروعة لشعب فلسطين في العودة إلى أرضه، وإن صيانة هذه الحقوق شرط أساسي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط وتأكيد ضرورة التمسك بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة.
وفي النهاية يجب التنوية إلى أن حضور الدول الأفريقية أو اشتراكها في هذه المؤتمرات لايعني بالضرورة تأييد جميع هذه الدول للقرارات التي صدرت عنها بشأن القضية الفلسطينية أو أزمة الشرق الأوسط كما تسمى، ولكن يمكن القول أن التضامن العربي الأفريقي حول هذه القضية في جميع المؤاتمرات السابقة، ساعد على خلق رأي عام دولي متفاعل معها من خلال المناقشات وتبادل الآراء حول التطورات التي مرت بها على طول جولات الصراع العربي - الأسرائيلي، وقد أدى ذلك في مراحل متقدمة إلى تطور مواقف كثير من الدول الأفريقية وذلك من خلال وقوف هذه الدول على طبيعية القضية الفلسطينية والتطورات التي مرت بها.
ثانياً: التضامن العربي الأفريقي على المستوى الثنائي:
1- الاتصالات الثنائية بين الحكومات ورؤساء الدول: ...
__________
(1) عزة وهبي وفتحي عثمان: مؤتمر عدم الإنحياز في لوزاكا، مجلة السياسة الدولية، العدد 23، يناير 1971م، ص 148-158(2/91)
يندرج تحت هذا العنوان تبادل التمثيل الدبلوماسي وعقد الاتفاقيات الثقافية وتبادل المواد الإعلامية والبعوث الطلابية، وقد قطعت الدول العربية في هذا المجال شوطاً كبيراً، ولكن أهم ما في هذا الموضوع، الزيارات المتبادلة بين رؤساء الدول والحكومات العربية والأفريقية، والاهتمام بهذا المستوى من الاتصالات يأتي من طبيعة العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية إذ تأكدت فعاليه هذا المستوى من الاتصالات حتى بين رؤساء الدول العظمى واصبح وسيلة لحل كثير من المنازعات وأداة للتوصل لأنواع عديدة من الاتفاقات وقد اسهمت الدول العربية عامة والعربية والأفريقية خاصة في هذا المجال، فقد تم تبادل الزيارات بين العديد من رؤساء الدول العربية والأفريقية ونتج عنها كثير من الاتفاقيات في مجالات مختلفة سياسية واقتصادية وثقافية وتشير إحدى الدراسات (1)
__________
(1) محمود خيري عيسى، مرجع سابق، ص 317.(2/92)
في هذا الموضوع البيانات المشتركة التي صدرت في أعقاب كل زيارة من تلك الزيارات على فقرة أو أكثر تتحدث عن الموقف في الشرق الأوسط والصراع العربي - الإسرائيلي، وقرارات الأمم المتحدة الصادرة في هذا الشأن كما أشارت مصارد أخرى (1) إلى تأثير بعض الزيارات العربية الأفريقية على مواقف عدد من الدول الأفريقية تجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي الأسرائيلي ومن هذه الزيارات زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز (رحمه الله) لخمس دول أفريقية في نوفمبر 1392هـ الموافق 1972م وهي: أوغندا، تشاد، النيجر، السنغال، موريتانيا، وزيارة الرئيس الأوغندي السابق (عيدي أمين) إلى ليبيا في فبراير 1392هـ الموافق 1972م، والتي على أثرها قطع الرئيس الأوغندي علاقاته مع إسرائيل وطرد الخبراء والفنيين الأسرائيلين وأحل محلهم خبراء فنيين من ليبيا (2) .
جاء هذا النجاح الذي حققته الجهود الدبلوماسية على الساحة الأفريقية مواكباً للتغيرات التي طرأت على المناخ الدولي منذ بداية السبعينات حيث شهدت العلاقات بين القوتين مرحلة من الإنفراج بينهما، مما سمح للدول الصغيرة بالتحرر قليلاً في علاقاتها الدولية، كما بدأت تظهر آثار الأزمة الاقتصادية العالمية وظهور دور المؤتمر للدول المصدرة للبترول في المجال الدولي. كل ذلك ساعد على تقارب الدول العربية والأفريقية مما أدى في النهاية إلى تعاطف عدد من الدول الأفريقية مع القضية العربية.
2- التضامن التجاري والمالي بين الدول العربية والدول الأفريقية:
__________
(1) - Gervenka Zdenek and Legum, Colin ‘ The organization of African Unity in 1972, Africa Contemporary Record 1972-1973, Africa Research Limited William Chudley, Lodon ,1973,pp.47-55
(2) - Legum Colin “ Israel Year in Africa , Africa Contemporary Record 1972-73 pp. 122-35(2/93)
لم تكن المبادلات التجارية بين الدول العربية والأفريقية ذات حجم كبير خلال عقد الستينات خاصة إذا ما قورنت بعلاقات إسرائيل التجارية مع الدول الأفريقية (1) وأسباب ذلك كثيرة تعود إلى عوامل التخلف والتبعية الاقتصادية التي خلفها الاستعمار لشعوب العالم الثالث عموماً (2) والشعوب الأفريقية بصفة خاصة نظراً لارتباط معظم الدول الأفريقية باتفاقيات مختلفة ومتنوعة مع الدول المستعمرة الأم مثل فرنسا التي ربطت الدول الأفريقية التي كانت تستعمرها (باستثناء غينيا) بعد استقلالها باتفاقيات نقدية واقتصادية وفنيه وعسكرية. كما ربطتها بالسوق الأوروبية المشتركة في وضع الدول المنتسبة التي لارأي لها في رسم سياسة السوق. (3) هذه التبعية تعتبر من العوامل الرئيسية التي أثرت على مواقف هذه الدول تجاه القضية الفلسطينية من خلال الارتباط بمواقف الدول الأوربية المؤيدة لاسرائيل طيلة عقد الستينات وحتى بداية السبعينات.
__________
(1) - Akinsanya, op.cit,. p 521
(2) عبد الملك عودة، سنوات الحسم في أفريقيا، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1969م، ص 34.
(3) إسماعيل صبري عبد الله، نحو نظام اقتصادي عالمي جديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1977م، ص 158.
Cervenka & Legum, op.cit ,p.53.(2/94)
إن الأرقام الخاصة بالتجارة الداخلية الأفريقية توضح مدى أثار هذه التبعية الاقتصادية، على الرغم من ضآله حجمها بالنسبة للتجارة العالمية خاصة إذا قورنت بالتجارة الداخلية لكل من قارتي آسيا وأمريكا اللاتينية، فقد بلغت نسبة التجارة الداخلية الأفريقية 6% من تجارة القارة مع العالم الخارجي عام 1390 هـ 1970م والتي بلغت نسبتها إلى التجارة العالمية 4%، بينما بلغت نسبة التجارة الداخلية لكل من قارتي آسيا وأمريكا اللاتينية إلى نسبة تجارة كل منهما مع العالم الخارجي في نفس العام على التوالي 21.3% بالنسبة للأولى و 11.8% بالنسبة للثانية (1) وهذا يوضح ضالة حجم التبادل التجاري بين بلدان العالم الثالث عموماً؛ لأن معظم صادارات هذه الدول هي من المواد الخام التي تتجه إلى أسواق الدول الصناعية الرأسمالية. ومن هنا يبدو أن التبادل التجاري بين الدول العربية والدول الأفريقية كان محدود الأثر، بل أن حاجة معظم هذه الدول الماسة (خاصة الأفريقية منها) إلى الاستثمارات المالية والخبرات الفنية والتكنولوجيا الحديثة تضيف بعداً آخر لعوامل التأثير على المواقف السياسية للدول الأفريقي، نظراً لاعتمادها في جميع هذه المجالات على الدول الاستعمارية الأم والدول الغربية عموماً المعروفة بتأييدها لأسرائيل. لهذه الأسباب كانت معدلات التبادل التجاري العربي الأفريقي غير مؤثرة في مواقف الدول الأفريقية من القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وتجدر الإشارة إلى أن عدد الدول العربية التي كانت تقيم علاقات تجارية مع الدول الأفريقية كان عدداً محدودا ولايشمل كل دول المجموعة العربية في تلك المرحلة، ويكاد ينحصر في المملكة العربية السعودية والعراق من قارة أسيا ومصر والجزائر والسودان وليبيا من قارة أفريقيا وتأتي مصر
__________
(1) محمد عبد الغني سعودي، الاقتصادي الأفريقي والتجارة الدولية مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1973م، ص 32(2/95)
في مقدمة هذه لدول (1) .
وبالنسبة للتضامن في المجال المالي توجد بعض المؤسسات المالية العربية والأفريقية - العربية المشتركة، وقد ساهمت هذه المؤسسات في تمويل مشاريع التنمية في عدد من الدول الأفريقية وأهم هذه المؤسسات هي:
الصندوق الكويتي للتنمية تأسس عام 1381هـ الموافق 1961م برأسمال 680 مليون دولار أمريكي، وهو بنك ائتماني يقوم بتمويل المشروعات الاقتصادية في الدول النامية بشروط ميسرة.
البنك العربي الأفريقي، تأسس في القاهرة عام 1384هـ الموافق 1964م وساهمت فيه الكويت ومصر بنسبة 34% من رأسماله للأولى و33% للثانية، واشترك فيه مصرف الرافدين العراقي والبنك المركزي الجزائري ووزارة المالية الأردنية ووزارة المالية القطرية ومجموعة أفراد ومؤسسات بنسبة 33% وقدم البنك قروضاً تنموية للدول الأفريقية التالية:
- تشاد (160) ألف جنية استرليني لصناعة مواد البناء.
- أثيوبيا (193) ألف جنية استرليني لصناعة النسيج.
- كينيا (210) ألف جنية استرليني لصناعة الورق.
- زامبيا (104) ألف جنية استرليني لصناعة الجلود.
وقد بلغ رأسمال البنك عام 1974م حوالي (20) مليون جنية استرليني.
__________
(1) راجع حول علاقات مصر التجارية مع الدول الأفريقية: محمد الحسيني مصيلحي، نحن والعالم الخارجي، السلسلة العمالية، العدد 20- المؤسسة الثقافية العمالية، القاهرة، (دون تاريخ) ص ص 125-126. فاروق جويدة: النشاط الاقتصادي المصري في أفريقيا، مجلة السياسة الدولية، العدد 21 يوليو 1970 م ص 140.(2/96)
البنك الأفريقي للتنمية: تأسس عام 1384 هـ الموافق 1964 م على مستوى القارة الأفريقية وتساهم فيه الدول العربية بنسبة 47% من رأسماله وتمثل مصر والجزائر وليبيا المراكز الأولى من حيث مساهماتها في رأس المال (1) .
وبالإضافة إلى ذلك في عهد المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز قدمت بعض الدول العربية مساعدات لعدد من الدول الأفريقية حيث قدمت المملكة العربية السعودية للنيجر مبلغ خمسة ملايين دولار كمنحة لخطة التنمية عام 1391هـ الموافق 1971م ولأفريقيا الوسطى مليون دولار، لأوغندا مبلغ مليونين ونصف المليون دولار ولتشاد ثمانية ملايين دولار، كما ساهمت في إقامة مشاريع صناعية مختلفة في أفريقيا مثل مصفاة البترول في توجو ومصنع للألمنيوم في مالي، ويرجع البعض تغيير مواقف عدد من هذه الدول الأفريقية خلال عام 71-1972م تجاه إسرائيل إلى تاثير هذه المساعدات (2) .
إن الحقيقة المعروفة من مراجعة جميع القرارات التي صدرت عن حركة عدم الانحياز منذ قيامها عام 1381 هـ الموافق 1961م، تؤكد استمرار تأييدها للقضية الفلسطينية، ولكن ظروف الدول الأفريقية السياسية والاقتصادية وعلاقاتها الخارجية خاصة مع الدول الغربية وأسرائيل قبل 1393هـ الموافق 1973م، لم تكن تسمح لها بأتخاذ موقف واضح من هذه القضية، ولذا لايمكن القول بأن مواقف جميع الدول الأفريقية كانت متفقة مع
__________
(1) عفاف رشيد المقصود المعونات العربية للدول الأفريقية رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية،1980م ص 246
(2) - Legum Colin “ Africa, Arabs and Middle East , Africa contemporary Record 1975-76 , Vol 8., London 1976 , pp.76-87.(2/97)
قرارات مؤتمرات عدم الانحياز حتى انعقاد المؤتمر الرابع في الجزائر في سبتمبر 1393هـ الموافق 1973م. أما بعد هذا التاريخ وبعد ظهور التضامن بين الدول العربية والأفريقية، فإنه يبدو من الواضح أن هذا التضامن قد امتد إلى ساحة هذه الحركة، حيث يلاحظ أن قرارات مؤتمر القمة لعدم الإنيحاز الذي عقد في هافانا (كوبا) 1399هـ الموافق 3-9 سبتمبر 1979م (1) مطابقة لقرارات مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في ذلك العام، في تأييدها للحقوق الشرعية الثابتة للشعب الفلسطيني ولممثله الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية وفي التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي جوهر مشكلة الشرق الأوسط وأنه لايمكن إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط إلا على أساس الأنسحاب الكامل للجيوش الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية والأعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني وخاصة حقه في العودة والسيادة وإقامة دولته المستقلة على أرضه وتقرير مصيره بنفسه. والتي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة وعدم الإنحياز ومنظمة الوحدة الأفريقية. ولكن يلاحظ أيضاً أن المؤتمر أدان في قراراته اتفاقيات كامب ديفيد واتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية واعتبرها اتفاقيات جزئية تجاهلت القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني التي هي جوهر ما هو معروف بمشكلة الشرق الأوسط. بينما اشارت قرارات المجلس الوزاري الأفريقي إلى هذه الاتفاقيات بصياغة غامضة، حيث جاء في الفقرة (4) من القرار رقم (725 (د -33) مايلي (2) :
__________
(1) راجع قرارات في: Bulletin No.9-11 , U.N, Special Unit un Palestinian Rights, September - October 1979 , p.26
(2) راجع القرارات في نشرة الأمم المتحدة رقم 6-7، تصدرها الوحدة الخاصة المعنية بحقوق الفلسطينين، يونيو - يوليو 1979م، ص 20.(2/98)
" يدين المجلس بشده كل الاتفاقات الجزئية والمعاهدات المنفصلة التي تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الشعب الفلسطيني ومبادئ ميثاقي منظمة الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة والقرارات المتخذة في مختلف المحافل الدولية بشأن قضية فلسطين والتي تحول دون تحقيق أماني الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره وممارسة سيادته الكاملة على أراضيه " وقد تكررت هذه الصياغة في قرارات المنظمة في دوراتها التالية وآخرها الدورة رقم (37) للمجلس. ومن الجدير بالإشارة إلى أن هذه الصياغة تعود إلى وجود عدد قليل من الدول الأفريقية المحافظة التي أيدت مبادرة السلام المصرية ومن هذه الدول زائير وليبيريا (1)
__________
(1) وصف الرئيس الليبيري (وليم تولبيرت) المبادرة المصرية بأنها إنجاز من انجازات السلام القائم على العدل.
... سلوى محمد لبيب، مؤتمر القمة الأفريقية في الخرطوم، السياسة الدولية، العدد 54، أكتوبر 1978، ص ص 119-124، راجع أيضاً تصريح للدكتور فؤاد محي الدين حول تأييد زائير للمبادرة المصرية، صحيفة أخبار اليوم، القاهرة 20/11/1980م(2/99)
، وتلافياً للأحراج في علاقات هذه الدول مع مصر، ولقناعتها بوجهة النظر المصرية التي ترى بأن هذه المبادرة ماهي إلا خطوة على طريق تحقيق السلام الشامل، وأنه ليس هناك ما يمنع من إعطاء الفرصة لإثبات ذلك، لذا فقد جاءت الصياغة السابقة لقرارات مجلس وزارء المنظمة غير محددة كما وردت في قرارات قمة عدم الإنيحاز، وعلى الرغم من هذا فإنه يصح القول بأن الدول الأفريقية بأغلبيتها العظمى إن لم يكن جميعها متضامنة مع الدول العربية حول الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني السابقة الذكر ومع ممثله الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، مثلما هو الحال بالنسبة لتضامن الدول العربية مع القضايا الأفريقية وخاصة بالنسبة للنظام العنصري في جنوب أفريقيا، وذلك في إطار حركة عدم الإنحياز، يؤكد ذلك الإدراك الواعي لحقيقة قضايا التحرير العربية والأفريقية التي عبر عنها مؤتمر وزراء خارجية عدم الإنحياز الذي عقد في بلغراد من 25-29 يوليو 1978، حيث جاء في قراراته (1) أن المؤتمر يؤكد من جديد أن الحكم العنصري في فلسطين المحتلة وناميبيا وجنوب أفريقيا ينبع من مصدر إمبريالي واحد، ويرتبط ارتباطاً عضوياً بالسياسات والممارسات العنصرية التي تستهدف قمع حريات الإنسان وإهدار كرامته، وإذ يعتبر الأبقاء على العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية وغيرها من العلاقات مع إسرائيل يساعدها على استمرار اغتصابها لفلسطين وعلى التمادي في تنكرها لإرادة المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ويشجعها على الاستمرار في سياستها التوسعية الاستعمارية العنصرية القائمة أصلاً على العدوان، وإذ يعرب عن أسفه الشديد لعدم تنفيذ قراري مؤتمري القمة الرابع واالخامس لرؤساء دول وحكومات البلدان غير المنحازة اللذين دعيا الدول الأعضاء التي لاتزال تحتفظ بعلاقات مع إسرائيل إلى قطع هذه
__________
(1) الوثائق الفلسطينية لعام 1978، مؤسسة الدراسات الفلسطينية - بيروت ص 324.(2/100)
العلاقات في مختلف المجالات وذلك طبقاً للفصل السابع من الميثاق.
ومن الواضح أن موقف حركة عدم الإنحياز تجاه القضية الفلسطينية مطابق للموقف العربي على المستوى الدولي، وهو موقف لم تسجله أي هيئة دولية أخرى غير عربية أو إسلامية. ويمكن القول أن التضامن بين الدول العربية والأفريقية وإلى جانبها الدول الإسلامية داخل إطار هذه الحركة كان وراء تمايز هذا الموقف لحركة عدم الانحيازعن مواقف هيئات ومنظمات دولية أخرى، خاصة إذا عرفنا أن مجموع الدول العربية والأفريقية فقط إلى مجموع عضوية الحركة في مؤتمر هافانا بلغ على التوالي واحد وسبعين دولة إلى أثنين وتسعين دولة، ومن هنا فإن حضور أعضاء الحركة داخل هيئة الأمم المتحدة يكسب قضايا النضال الوطني والتحرري لبلدان العالم الثالث أهمية أكبرى سجلتها محاضر التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعزلها لأصوات القوى المضادة لتحرر شعوب البلدان النامية والشعوب المستعمرة، والممثلة للامبريالية العالمية والصهيونية والعنصرية.
منظمة المؤتمر الإسلامي:
في عام 1389 هـ الموافق 1969 م وعلى أثر حريق المسجد الأقصى على أيدى الأسرائيلين، انعقد المؤتمر الإسلامي الأول في الرباط وانبثقت عنه لجنة يرأسها ملك المغرب دعيت آنذاك باسم (لجنة القدس) وقد ضم هذا المؤتمر خمسة وعشرين دولة وحضرته منظمة التحرير الفلسطينية كمراقب أكد المؤتمر قرارات الأمم المتحدة لعام 1967 م الخاصة بوضع القدس وإنسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة.(2/101)
وفي فبراير 1394هـ الموافق 1974م عقد في لاهور (باكستان) مؤتمر القمة الإسلامي الثاني بعد نشوب حرب أكتوبر 1393هـ الموافق 1973م، وكان هذا المؤتمر أول تجمع حقيقي للزعماء العرب والمسلمين وقد تقرر فيه تقديم المساعدات الاقتصادية للبلدان النامية، وأيد في بيانه الختامي حق الشعب الفلسطيني في استعادة كافة حقوقه الوطنية معتبراً ذلك الشرط الأساسي للتوصل إلى حل دائم في الشرق الأوسط.
وعادة يعقد اجتماع لوزراء خارجية الدول الإسلامية كل عام خارج نطاق مؤتمرات القمة الإسلامية وقد قرر مؤتمرهم عام 1390هـ الموافق 1970 م في أول اجتماع له في مارس إنشاء أمانة دائم يكون مقرها المؤقت (جدة) لحين إتمام تحرير القدس (1) .
وتضم المنظمة في عضويتها حالياً ست وثلاثين دولة إسلامية منها احدى عشر دولة أفريقية غير العربية وهي: تشاد - النيجر - جامبيا - السنغال - غنينا - مالي - غينيا بيساو - نيجيريا - الكاميرون - أوغندا - جبيوتي.
وقد عقد مؤتمر القمة الإسلامية الثالث في الطائف بالمملكة العربية السعودية وسميت هذه الدورة ب (دورة فلسطين والقدس) حيث تصدرت القضية الفلسطينية وموضوع القدس جدول الأعمال إلى جانب قضايا أخرى كالحرب الإيرانية العراقية (2) ومشكلة افغانستان. وأهم ما خرج به المؤتمر بصدد القضية الفلسطينية إضافه إلى تأكيده على الحقوق الشرعية والثابته للشعب الفلسطيني أمران أساسيان هما:
__________
(1) سليمان إبراهيم (مؤتمر الطائف) : قضايا وقرارات، مجلة شؤون فلسطينية، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية، العدد 112 بيروت، مارس 1981، ص ص 137-141.
(2) اندلعت الحرب العراقية - الأيرانية في سبتمبر 1980 وقد كون المؤتمر لجنة المساعي الحميدة ضمت في عضويتها الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي والسنغال وجامبيا وباكستان وبنغلاديش وتركيا وغنيا ومنظمة التحرير الفلسطينية.(2/102)
رفض قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 على أساس أنه غير صالح لحل القضية الفلسطينية: وهذا ما لم تشر إليه مؤتمرات عدم الإنحياز أو غيرها، بل أن منظمة الوحدة الأفريقية على النقيض فمن ذلك تعتبره الأساس الذي يصلح لحل مشكلة الشرق الأوسط وهذا ماتؤكد عليه جميع القرارات الصادرة عنها بشأن هذا الموضوع.
رفض اتفاقايت كامب ديفيد ورفض تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل وادانه السياسة الأمريكية التي دعمت هذه الاتفاقيات، وجرى التشديد بهذا الصدد على دور منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وعلى مسؤوليتها في التفاوض باسم الشعب الفلسطيني لتأمين حقوقه وخاصة حقه في إقامة دولته المستقلة (1) .
والشق الأول من هذا البند لم تشر إليه قرارات المنظمة الأفريقية بهذه الصورة المحددة. وقد اتفق المؤتمرون على بذل المساعي على النطاق
الدولي لتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة.
إن وجود هذا العدد المحدود من الدول الأفريقية إلى جانب الدول العربية داخل منظمة المؤتمر الإسلامي يعتبر أحد إمتدادات التضامن العرببي - الأفريقي على الساحة الدولية. وأن موافقة زعماء هذه الدول على ماجاء في قرارات مؤتمر الطائف، وهو موقف مطابق لمواقف الدول العربية التي حضرت المؤتمر، يلتقي مع مواقف مجموعة من الدول الأفريقية المتطرفة مثل: أنجولا - موزمبيق - بنين - تنزانيا - أثيوبيا - وزيمبابوي (بعد استقلالها عام 1400 هـ الموافق 1980م) وغيرها والتي تساند وتدعم القضية الفلسطينية على أساس مبدئي ينطلق من أعتبارات أيديولوجية تضعها داخل إطار حركة التحرر العالمية المناهضة لكل وجوة الاستعمار القديم والحديث وهو الأمر الذي يعتبر من الأسس القوية التي قام عليها التضامن العربي - الأفريقي.
(( (( ((
الخاتمة:
__________
(1) راجع تقرير عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث في The Middle East ,London , March 1981 , pp.6-9(2/103)
أهم النتائج التي توصل إليها الباحث.
أولاً: لم يكن هناك موقف أفريقي متميز تجاه القضية الفلسطينية قبل عام 1393هـ 1973م بل ظهرت مواقف فرديه لبعض الدول الأفريقية في البداية وإبان مرحلة الاستقلال مثل موقف أثيوبيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة من قراري التقسيم رقم (181) وقبول عضوية إسرائيل رقم (273) هذا الموقف المؤيد لموقف الدول العربية، وهو عكس موقف ليبريا التي أيدت القرارين. وكذلك الأمر بالنسبة لمواقف كل من غينيا -غانا - مالي في مؤتمر الدار البيضاء التي أدانت إسرائيل من خلال البيان الذي صدر عن المؤتمر، والذي وصفها بأداة الأمبريالية والأستعمار ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في أفريقيا أيضاً. وهذه مواقف متميزة تعبر عن ظروف دولية وأقليمية مر بها الموقف الأفريقي خلال مراحل تطوره، إذا أنه تجمد بعد ذلك منذ قيام منظمة الوحدة الأفريقية عام 1383هـ الموافق عام 1963هـ، حتى نشوب حرب يونيو عام 1387هـ الموافق 1967 م، حيث بدأ يتحرك بإتجاه الأزمة التي نتجت عن هذه الحرب، وقد ارتكز الموقف الأفريقي بعد حرب يونيو على قرارات الأمم المتحدة منذ البداية وبصورة رئيسية على تأييده لقرار مجلس الأمن رقم (242) . وكان المحرك الأول لهذا الموقف هو
احتلال قوات أجنبية لأراضي إحدى الدول الأعضاء المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية
(مصر) .
وبالنسبة للموقف الأفريقي داخل مؤتمرات الشعوب الأفريقية والأفرو-أسيوية ومؤتمرات عدم الإنحياز، فقد كان في الأولى يعبر عن مواقف الشعوب الأفريقية المتمثلة في حركات التحرير والتنظيمات الشعبية، ولهذا كان التأييد الأفريقي للقضية الفلسطينية داخل هذه المؤتمرات أقوى منه في مؤتمرات عدم الإنحياز التي تعكس وجهة نظر(2/104)
الحكومات، نظراً لتعرض هذه الأخيرة لضغوط مختلفة داخلية وخارجية من جانب القوى الدولية الحليفة للاستعمار والصهيونية. ولهذا فإن أهمية هذه المؤتمرات لاتأتي من كونها تكشف عن طبيعة الموقف الأفريقي باطرافه المتمايزة في مواقفها واتجاهاتها السياسية وإنما باعتبارها عوامل مؤثرة في الرأي العام الأفريقي، وذلك من خلال نقل وسائل الإعلام لأخبار هذه المؤتمرات والقضايا التي تناقشها ومنها القضية الفلسطينية والقرارات التي تصدر بشأنها، وقد ساعد ذلك على تفهم الدول الأفريقية لطبيعة القضية الفلسطينية وتطوراتها، مما أدى إلى تأثر مواقف هذه الدول تدريجياً مع تطور العلاقات العربية الأفريقية، وبصفة خاصة منذ بداية السبعينات، حيث دخلت متغيرات دولية جديدة تمثلت بالأنفراج الذي طرأ على العلاقات بين القوتين الأعظم - الولايات المتحدة والأتحاد السوفيتتي - مما سمح للدول الصغيرة بممارسة دورها في السياسية الدولية والقضايا العالمية بحرية أكبر، وتصاعد نشاط حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا، كل هذه العوامل كان لها آثارها على تطور الموقف الأفريقي تجاه أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، من السلبية التي كان عليها قبل حرب 1387 هـ الموافق 1967 م، إلى التعاطف ثم التفاعل الذي تمثل في المبادرة الأفريقية عام 1391هـ الموافق عام 1971م، والتي كان لها أثر كبير في تحول موقف منظمة الوحدة الأفريقية إلى موقف مؤيد للدول العربية ضد إسرائيل، بسب موقفها السلبي من المبادرة وجميع المبادرات السلمية التي كانت مطروحة في تلك الأونة وقد ظهر هذا التحول في موقف المنظمة عام 1393هـ الموافق 1973م، عندما أصدر مؤتمر القمة الأفريقي العاشر قراره حول الشرق الأوسط، الذي تضمن إنذاراً لإسرائيل بإتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية ضدها من جانب الدول الأعضاء، إذا ما استمرت في سياستها العدوانية ضد الشعوب العربية، ولم تنفذ قرارات - الأمم(2/105)
المتحدة، كما تضمن القرار أيضاً اعتراف المنظمة بحقوق الشعب الفلسطيني وكانت هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها مثل هذا الأعتراف من جانب منظمة الوحدة الأفريقية، وكان هذا الموقف مسايراً للمكانة التي تبؤتها القضية الفلسطينية على الساحة الدولية، حيث اعترفت الأمم المتحدة عام 1389 هـ الموافق عام 1969م بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وتلاها اعتراف حركة عدم الإنحياز بهذه الحقوق عام
1390 هـ الموافق 1970م.
ومن الجدير بالإشارة أن ثماني دول افريقية كانت قد بادرت خلال عام 1392-1393هـ الموافق 1972-1973م بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، بالإضافة إلى غينيا التي قطعت علاقاتها معها منذ حرب يونيو 1967م ,.
ثانياً: عندما وقعت حرب أكتوبر كان المناخ السياسي الأفريقي مهيئاً لظهور موقف أفريقي جديد، وقد عجلت هذه الحرب بظهوره حيث أخذت الدول الأفريقية - واحدة تلو الأخرى - تعرب عن تضامنها مع الدول العربية والشعب الفلسطيني في حربها مع إسرائيل، وذلك من خلال اعلانها عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وقد قطعت جميع الدول الأفريقية هذه العلاقات باستثناء ثلاث منها هي ملاوي وسولزيلاند وليسوتو، بقيت خارج إطار التضامن لإعتبارات سياسية واقتصادية وجغرافية تربطها بجنوب أفريقيا، وتجعلها خاضعة لنفوذها.(2/106)
وكنتيجة لمبادرات الدول الأفريقية هذه، وبعد صدور قرارات الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في نوفمبر عام 1393هـ الموافق 1973م، وقرارات القمة العربية السادسة في الجزائر التي تلت اجتماع المنظمة الأفريقية مباشرة، شهدت العلاقات العربية الأفريقية انطلاقة جديدة تطورت إلى تضامن وتعاون بين الدول العربية والأفريقية على المستويات الثنائية والجماعية والدولية، فقد تزايد على المستوى الثنائي الزيارات المتبادلة بين قيادات الدول العربية والدول الأفريقية، وعدد الاتفاقيات الثنائية، وحجم المعونات المالية المقدمة من الصناديق الوطنية التابعة للدول العربية المصدرة للبترول منها بصفة خاصة إلى الدول الأفريقية. وعلى المستوى الجماعي تكونت لجان وزارية عربية وأفريقية تابعة لجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية للحوار حول التعاون. كما أنشأت كل من المنظمتين إدارة خاصة بالتعاون، وتأسست أجهزة مالية لتقديم المعونات للدول الأفريقية كما أسفر الاتصال والتشاور على مستوى الأمانتين العامتين واللجان الوزارية إلى الاتفاق مبدئياً على عقد مؤتمر قمة عربي أفريقي بموافقة مؤتمرات القمة العربية والأفريقية يسبقه مؤتمر وزراء الخارجية المشترك للأعداد له. وقد عقد المؤتمر الوزاري المشترك في داكار عاصمة السنغال عام 1396 هـ الموافق 1976 م ووافق على أعلان وبرنامج عمل التعاون العربي الأفريقي الذي أقره مؤتمر القمة العربي الأفريقي الذي عقد في القاهرة عام 1397هـ الموافق مارس 1977م مع الوثائق الثلاث الأخرى التي أعدتها اللجنة الوزارية المشتركة في يناير من نفس العام.
ووفقاً لهذه الوثائق تم تكوين اللجنة الدائمة ولجنة التسنيق واللجان المتخصصة، إضافة إلى مؤتمر القمة وهو الجهاز الأعلى في الهيكل التنظيمي للتعاون، ويليه المجلس الوزاري المشترك مباشرة.(2/107)
وتجدر الإشارة إلى أن المعونات المالية العربية للدول الأفريقية قد تزايدت بصورة ملحوظ منذ عام 1397 هـ الموافق 1977م، فقد بلغ إجمالي التعهدات المقدمة من البلدان العربية ومؤسسات التنمية الممولة أساساً من هذه البلدان (6) مليار دولار حتى عام 1401هـ الموافق 1981م، تستأثر الصناديق الوطنية بتوزيع الجزء الأكبر منها.
وهذا يعني أن العون المالي العربي لأفريقيا لم يتوقف على الرغم من توقف أجهزة التعاون الجماعي التي نشأت بموجب الوثائق الصادرة عن مؤتمر القمة العربي الأفريقي المشترك الذي عقد في القاهرة عام 1397هـ الموافق 1977م، إذ إن المؤسسات المالية العربية التابعة لجامعة الدول العربية، أستمرت في تقديم المعونات المالية والقروض للدول الأفريقية بالإضافة إلى مساهماتها في مشاريع التنمية في اكثر من ست وثلاثين دولة من هذه الدول. وهذه المؤسسات تتمثل حالياً في المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا والصندوق العربي لتقديم المعونة الفنية لأفريقيا، وهذا الأخير يساهم في تقديم الخبرات الفنية والثقافية للدول الأفريقية، كما أستمرت الصناديق الوطنية بتأديه دورها في مجالات التعاون المالي والمساهمة في المشاريع التنموية.
وعلى المستوى الدولي فقد ظهر التضامن والتعاون بين الدول العربية والدول الأفريقية في إطار التعاون بين الدول النامية في الأمم المتحدة وأجهزتها المتخصصة وفي المؤتمرات الدولية المختلفة مثل مؤتمرات التجارة والتنمية أو مايطلق عليه (الحوار بين الشمال والجنوب) ومؤتمرات عدم الإنحياز ومؤتمرات منظمة المؤتمر الإسلامي ... كما ساهمت الدول العربية أيضاً بأموالها في المؤسسات الدولية التي تقدم القروض للدول النامية، مثل المملكة العربية السعودية.(2/108)
ثالثاً: أن التضامن العربي الأفريقي ليس عملية مقايضة للتأييد السياسي بالدعم المالي أو الأقتصادي، بل هو تعاون متبادل تتشابك وتتداخل فيه أوجه التعبير بين تأييد سياسي أفريقي للعرب يقابله - بل يسبقة تاريخياً - تأييد سياسي عربي لأفريقيا، وبين إمكانيات اقتصادية ومالية عربية يمكن أن تستفيد منها أفريقيا، يقابله إمكانيات اقتصادية أفريقية يمكن أن تستفيد منها العالم العربي.
رابعاً: إن الموقف الأفريقي تجاه القضية الفلسطينية - كما اتضح - موقف غير متماسك تتخلله تيارات عديدة تسير في الاتجاه المعاكس للتضامن العربي الأفريقي، وتيارات تحاول أن تستفيد مادياً من هذا الموقف، ولهذا نلاحظ تذبذب مواقف دول هذه التيارات في الأمم المتحدة أثناء التصويت على القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية، وهذه التيارات - هي التى تناولها التحليل السابق - تمثل اقلية من الدول الافريقية، ولذا فهي لا تملك القدرة في التأثير على الاتجاه العام للموقف الافريقي المؤيد للقضية الفلسطينية.
وقد اثبت البحث صحة هذه الحقيقة التى تجلت في استمرار هذا الموقف حتى بعد عملية السلام المصرية - الاسرائيلية، التى انعكست آثارها على مواقف الدول التي تسود فيها تلك التيارات وخاصة تلك المسماه بتيارات التحفظ الاستراتيجي فقد اعادت احدي هذه الدول (زائير) علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل على أثر انسحاب الجيوش الاسرائيلية من شبه جزيرة سيناء المصرية وعللت بأن قرار قطع العلاقات مع اسرائيل عام 1973 كان مبنيا على أساس التضامن مع دولة عضو في منظمة الوحدة الافريقية احتلت جزءاً من اراضيها، ولما كانت اسرائيل قد انسحبت منها فلم يعد هناك مبرر لاستمرار قطع العلاقات معها.(2/109)
علما بأن بقية الدول الافريقية لا يزال التزامها بالتضامن مع القضية الفلسطينية قائماً على استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل لحين حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة. وذلك وفقا لما نصت عليه قرارات منظمة الوحدة الافريقية منذ عام 1393هـ على الرغم من أن عدداً كبيراً من هذه الدول لا تزال تقيم علاقات تجارية وثقافية وفنية مع إسرائيل.
ومن الجدير بالذكر أن كثيراً من الدول الافريقية التى كانت لها علاقات مع اسرائيل ويعتبر بعض قادتها اصدقاء لها تتعرض من فترة لضغوط خارجية لاعادة علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل.
وبناء على ما تقدم فانه من الواضح أن التطورات التي شهدتها العلاقات العربية الافريقية منذ حرب اكتوبر 1973 ارتبطت بشكل مباشر بالتطور الذي طرأ على مواقف الدول الافريقية تجاه اسرائيل، وبالتالي على موقف منظمة الوحدة الافريقية والموقف الافريقي بصفة عامة من القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة.
وما ترتب على ذلك من قيام تضامن فعلى بين الدول العربية والدول الافريقية تجاه قضايا النضال المشترك في فلسطين وجنوب افريقيا رافقه ولازمة تعاون اقتصادي ومالي وثقافي بين الجانبين.
وهذا يعنى أن استمرار الموقف الافريقي المتضامن مع القضايا العربية يتناسب عكسيا مع الموقف العربي المتضامن مع قضايا التحرر السياسي والاقتصادي الافريقية، لان كثيرا من الدول الافريقية كانت ستعيد علاقاتها مع اسرائيل بعد ثلاث أو اربع سنوات على اكثر تقدير - خاصة بعد مبادرة السلام المصرية مع اسرائيل - لو لم تجد الدول الافريقية استجابة من الجانب العربي لموقفها هذا.(2/110)
أي أن الموقف الافريقي يتأثر مباشرة باتجاه سير العلاقات العربية الافريقية وليس في استمرارها، وعلى هذا الاساس تصبح القضية الاولى في المستقبل هي تحديد أهداف ومستوي هذه العلاقات وما تثيره من قضايا مختلفة تتعلق بالامن القومي العربي والافريقي، والصراع الدولي المعاصر، وقضايا الاتصال والتبادل، وقضايا المصالح المشتركة.
(( (( ((
الملاحق
الملحق الأول: قرار بشأن القضية الفلسطينية (1)
__________
(1) - CM /RES. 725 (XXXIII)
المصادر والمراجع
أولاً: الوثائق:
الوثائق الفلسطينية لعام 1978م، مؤسسة الدراسات الفلسطينية بيروت.
قرارات مؤتمر قمة عدم الانحياز الذي عقد في هافانا عام 1979م راجع:
Bulletin No 9-10 , un , Special unitan Palestinian Rights , September - October 1979
قرارات تشرة الأمم المتحدة رقم 6-7، تصدرها الوحدة الخاصة المعينة بحقوق الفلسطينيين، يونيو - يوليو 1979م.
ثانياً: المراجع العربية:
إسماعيل صبري عبد الله: نحو نظام إقتصادي عالمي جديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1977م.
شوقي الجمل: التضامن الآسيوي الأفريقي وأثره في القضايا العربية، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1964م.
عبد الملك عودة: الدول الأفريقية والقضايا العربية، القاهرة.
عبد الملك عودة: سنوات الحسم في أفريقيا، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1969م.
محمد عبد الغني سعودي: الإقتصاد الأفريقي والتجارة الدولية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1973م.
ثالثاً: الدوريات:
أحمد يوسف القرعي: العدوان الإسرائيلي والتضامن الأفرو آسيوي، السياسة الدولية، العدد التاسع، 1967م.
أحمد يوسف القرعي: ثورة 23 يوليو وقضية تصفيتا الاستعمار في أفريقيا، سلسلة مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، القاهرة، العدد 26 يوليو 1978م.
المهدي بن بركة: إسرائيل وأفريقيا، مجلة الطليعة، العدد الخامس، السنة الثانية مايو 1966م.
سلوي محمد لبيب: مؤتمر القمة الأفريقي في الخرطوم، السياسة الدولية، العدد 54 أكتوبر 1978م.
سليمان إبراهيم: مؤتمر الطائف، قضايا قرارات، مجلة شؤون فلسطينية، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية، العدد112، بيروت، مارس 1981م.
عزة وهبي وفتحي عثمان: مؤتمر عدم الإنحياز في لوزاكا، مجلة السياسة الدولية، العدد 23، يناير 1971م.
عفاف رشيد المقصود: المعونات العربية للدول الأفريقية، رسالة ماجستير غير منشورة - جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، 1980م.
فاروق جويدة: النشاط الإقتصادي المصري في أفريقيا، مجلة السياسة الدولية، العدد 21، يوليو 1970م.
فؤاد محي الدين: تأييد زائير للمبادرة المصرية، صحيفة أخبار اليوم، القاهرة 20/11/1980م.
محمد الحسيني مصلحي: علاقات مصر مع الدول الأفريقية، السلسلة العمالية، العدد 20، المؤسسة الثقافية العمالية، القاهرة، دون تاريخ.
مرسي سعد الدين: دور التضامن الأفرو آسيوي في معركة فلسطين، مجلة الطليعة، العدد العاشر، السنة الثالثة 1967م.
رابعاً: المراجع الأجنبية المترجمة
جون هانش: تاريخ أفريقيا بعد الحرب العالمية الثانية، ترجمة عبد العليم منسي، دار الكاتب العربي، القاهرة 1969م.
كولين ليجوم: الجامعة الأفريقية، دليل سياسي موجز، ترجمة أحمد محمود سليمان، مراجع د. عبد الملك عودة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة.
خامساً: المراجع الأجنبية:
Akinsanya , Odeoya, “ The Afro - Arab. Alliance: Dream or reality ”, Afrciain Affairs, Vol, 75 No., 301 , Oxford University press, October 1976.
Cervenke, Zdenek and Legum, Colin, “ The organization of African unity in 1972 “ , Africa Contemporary Record 1972 - 1973. Africa Research Limited William Chudley , London, 1973.
Geiss, Imanule, The Pan - African Movement, Translated By: Ann Keep , Methuen and Co, London, 1974.
Isamel, Tareg , The Middle East in. World Politics, Syracuse University Press 1874.
Legum, Colin , “ Israel Year in Africa, “ Africa Contemporary Recond 1972 - 1973.
Legum, Colin., “ Africa, Arabs and Middle East “ , Africa Contemporary Record 1975 - 1976, Vol. 8, London, 1976
Mazrui, A., Towards apax - Africana, university of chicago press, 1967. The Middle East, London 1981(2/111)
:
أن مجلس وزراء منظمة الوحدة الافريقية المنعقد في دورته العادية الثالثة والثلاثين في منروفيا - ليبريا - خلال الفترة من عام 1399هـ الموافق 6- 18 يوليو سنة 1979م.
بعد أن تدارس تقرير الأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية بشأن القضية الفلسطينية.
وبعد أن استمع إلى بيانات مختلف الوفود ولا سيما بيان ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية.
لذا يذكر ايضا بتقرير اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة بشأن فلسطين وهو التقرير الذي يؤكد من جديد الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني في وطنه بما في ذلك حقه في العودة وتقرير المصير والسيادة واقامة دولته المستقله على ارضه.
وأذ يسترشد بمبادئ وأهداف ميثاق منظمة الوحدة الافريقية ومنظمة الأمم المتحدة والمصير المشترك للشعوب الافريقية والعربية ونضالها المشترك ضد الصهيونية والعنصرية من أجل قضية الحرية والاستقلال والسلام.
واذ يذكر بأن قضية فلسطين هي جوهر النزاع في الشرق الاوسط وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
وأذ يدرك أن قضية فلسطين هي قضية عربية وافريقية.
وأذ يدرك خطورة الوضع السائد حالياً من جراء استمرار الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والاراضي العربية ورفض اسرائيل الالتزام بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وامعانها في بناء المستعمرات الاستيطانية وتغيير المعالم الجغرافية والثقافية والاجتماعية في فلسطين والاراضي العربية المحتلة الاخري وخاصة في مدينة القدس.
واذ يؤكد مجدداً شرعية النضال الذي يخوضه الشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية لاستراداد ارضه وممارسة حقوقه الوطنية.
وإذ يؤكد من جديد أنه لا يمكن تحقيق سلام عادل ودائم إلا بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية الثابته وبشكل خاص حقه في العودة وطنه وحقه في السيادة الوطنية وتقرير مصيره بنفسه دون أي تدخل خارجي واقامة دولة مستقله على أرضه.(2/112)
وأذ يعتبر أن جميع الاتفاقيات الجزئية والمعاهدات المنفردة تلحق ابلغ الضرر بالقضية الفلسطينية وتشكل انكاراً لحقوق الشعب الفلسطيني المعترف بها عالمياً.
وانتهاكاً لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي الاستقلال ايضاً.
وأذ يلاحظ بقلق أن التحالف بين نظام الحكم الصهيوني في اسرائيل ونظام الحكم العنصري في جنوب افريقيا انما يهدف إلى تصعيد حرب الارهاب والابادة ضد شعوب فلسطين والجنوب الافريقي.
يؤكد مجدداً جميع القرارارت السابقة بخصوص قضية فلسطين ومساندته الكاملة والفعالة للشعب الفلسطيني بقيادة ممثله الشرعي الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية في نضاله لاسترداد حقوقه الوطنية المغتصبه وخاصة حقه في العودة إلى وطنه والسيادة - وتقرير المصير واقامة دولته المستقله على أرضه.
يشجب المحاولات الرامية إلى منع الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير والحيلولة دون تحقيق تطلعاته الوطنية في الحرية والسيادة الكاملة وفرض حلول تتناقض مع هذا الحق ومع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية كما يشجب سعي بعض الاطراف لاتخاذ اجراءات وابرام اتفاقيات تتجاهل تطلعات الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي منظمة التحرير الفلسطينية وذلك على حساب حقه في تقرير مصيره بنفسه.
يدين بشدة المخططات والاطماع التوسعية الاستعمارية العنصرية التى تمارسها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الاخري وخاصة الشعب اللبناني.
يدين بشدة جميع الاتفاقيات الجزئية والمعاهدات المنفردة التى تشكل اعتداءاً خطيراً على حقوق الشعب الفلسطيني وانتهاكاً لميثاقي الامم المتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية والقرارات الصادرة عن مختلف المحافل الدولية بشأن قضية فلسطين كما تحول دون تحقيق التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره بنفسه واستعادة السيادة الكاملة على أرضه.(2/113)
يدين من جديد التحالف القائم بين نظام الحكم الصهيوني ونظم الحكم العنصرية في الجنوب الافريقي ويهيب بكل الدول الاعضاء التصدي لهذا التحالف ودعم الكفاح.
يناشد المجتمع الدولى أن يشدد من ضغطه على اسرائيل لارغامها على الانصياع لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها المتعلقه بقضية فلسطين.
يدين بشدة امعان اسرائيل في تهديد مدينة القدس المقدسة بما يشكل انتهاكاً صارخاً للقرارات الدولية الخاصة بمدينة القدس والصادرة عن جميع الهيئات الدولية.
يطالب مجلس الأمن باتخاذ الاجراءات الفعالة لضمان ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية الثابتة التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
يطلب إلى الأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية متابعة تطورات قضية فلسطين وتقديم تقرير عنها إلى الدورة العادية القادمة لمجلس الوزراء.
الملحق الثاني: قرار بشأن قضية فلسطين:
أن مجلس وزراء منظمة الوحدة الافريقية المنعقد في دورته العادية السابعة والثلاثين في نيروبي (كينيا) عام 1401هـ في الفترة من 15 إلى 26 يوليو 1981.
اذ بحث تقرير الامين العام لمنظمة الوحدة الافريقية بشأن قضية فلسطين وثيقة مجلس الوزراء رقم 1126 (دورة - 37) .
واذ استمع إلى كلمات مختلف الوفود وخاصة كلمة ممثل منظمة التحرير الفلسطينية.
واذ يذكر بالقرارات الصادرة عن الدورات السابقه لمؤتمر رؤساء الدول والحكومات بشأن مشكلة الشرق الاوسط وقضية فلسطين.
واذ يذكر ايضا بتقرير اللجنة الخاصة للأمم المتحدة بشأن فلسطين الذي يؤكد مجدداً الحق الوطني الثابت للشعب الفلسطيني في أن يكون له وطن، بما في ذلك حقوقه في العودة إلى اراضية وفي تقرير المصير وفي السيادة وايضا في اقامة دولة مستقلة على ترابه.(2/114)
واذ يستلهم بمبادئ واهداف ميثاقي منظمة الوحدة الافريقية ومنظمة الامم المتحدة والمصير المشترك للشعوب الافريقية والعربية في نضالها المشترك ضد الصهيونية والعنصرية من أجل قضية الحرية والاستقلال والسلام.
واذ يذكر بأن قضية فلسطين، بما في ذلك القدس، تمثل جوهر النزاع في الشرق الاوسط وبأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
واذ يؤكد من جديد على القرارات ذات الصلة الصادرة من منظمة الوحدة الافريقية والتى تعتبر القضية الفلسطينية قضية افريقية وليست قضية عربية فقط.
واذ يعي خطورة الوضع الحالي الناجم عن استمرار اسرائيل في احتلال الاراضي الفلسطينية والعربية ورفضها احترام قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعزمها الجاد على اقامة مستوطنات في الاراضي العربية المحتلة وخاصة في القدس، الامر الذي يترتب عليه تغيير المسميات الجغرافية الديموغرافية والثقافية والاجتماعية لفلسطين.
واذ يؤكد مجدداً شرعية نضال الشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بغية استراداد اراضية وممارسة حقوقه الوطنية.
واذ يؤكد مرة أخري أن السلام العادل والدائم لا يمكن أن يتحقق إلا بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الثابته ولا سيما حقه في العودة إلى وطنه واستعادة سيادته الوطنية وحقه في تقرير المصير بدون أي تدخل اجنبي مهما كان نوعه، وحقه في اقامة دولة مستقله على اراضيه.
واذ يأخذ في الاعتبار أي اتفاق جزئي واي معاهدة منفصله تضر ضرراً بالغاً بالشعب الفلسطيني وتشكل انتهاكاً لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال.
واذ ينظر بعين الاعتبار إلى القرارات التى اعتمدتها الدورة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن قضية فلسطين في 15 يوليو 1980.
واذ يأخذ في الحسبان النتائج التى توصلت إليها لجنة الأمم المتحدة حول ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الثابته.(2/115)
واذ يلاحظ بقلق بالغ أن التحالف القائم بين النظام الصهيوني في اسرائيل والنظام العنصري في جنوب افريقيا يستهدف تصعيداً لأعمال الارهاب والابادة التي ترتكب ضد شعبي فلسطين وجنوب افريقيا.
يؤكد مجدداً كل القرارات السالفة بشأن قضية فلسطين ويعلن مرة أخري مساندته الثابته للشعب الفلسطيني بقيادة ممثلة الشرعي الوحيد، منظمة التحرير الفلسطينية، كما يؤكد من جديد حق الشعب الفلسطيني في مواصلة نضاله بجميع اشكاله السياسية والعسكرية وكذلك حقه في استخدام حقوقه الوطنية الثابته وخاصة حقه في العودة إلى وطنه وممارسة حقه في تقرير المصير واقامة دولة مستقله على ارضه.
يدين بقوة مشروع الحكم الذاتي وكل المناورات والصيغ الرامية إلى الحيلولة بين الشعب الفلسطيني وبين ممارسة حقه في تقرير مصيره ومنعه من تحقيق آماله الوطنية ومن العودة إلى وطنه والتمتع بحريته وسيادته الكاملة.
يدين ايشدة مبادرات بعض الاطراف التى تتخذ تدابير وتبرم اتفاقيات لم تأخذ في اعتبارها تطلعات الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية ويري أن أية اتفاقية بشأن قضية فلسطين لا تشارك فيها منظمة التحرير الفلسطينية تكون لاغيه وكأنها لم تكن.
يشجب بقوة الاغراض التوسعية والاستعمارية والارهابية التى تستهدف فرض الامر الواقع في الاراضي المحتلة، كما يشجب سياسة التوسع واقامة المستوطنات ومصادرة الاراضي وتصفية الاهالي فرادى أو جماعات بغية دفعهم إلى الهجرة وتغيير السمات الديموغرافية وطرد قادة ومفكري ومواطني الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الاخري وخاصة الشعب اللبناني(2/116)
يدين بقوة ايضا جميع الاتفاقيات الجزئية والمعاهدات المنفصلة التي تشكل انتهاكاً خطيراً لحق الشعب الفلسطيني ومبادئ ميثاقي منظمة الوحدة الافريقية والامم المتحدة وللقرارات الصادرة عن مختلف المحافل الدولية بشأن القضية الفلسطينية والتى تحول دون تحقيق الشعب الفلسطيني لآماله في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره وممارسة سياسته الكاملة على ارضة.
يؤكد أن اية محاولة تستهدف حل قضية فلسطين التى تمثل جوهراً مشكلة الشرق الاوسط لا سبيل لها لأن تحقق السلام بدون الاشتراك الفعلي لمنظمة التحرير الفلسطينية وبدون الاعتراف بالحقوق الثابته والشمروعه للشعب الفلسطيني.
يشجب التواطؤ القائم فيما بين نظام الحكم الصهيوني ونظام الحكم العنصري في جنوب افريقيا ويناشد جميع الدول الاعضاء تكثيف جهودها بغية التصدي لهذا الخطر بتدعيم النضال المسلح ضد الصهيوينية والعنصرية والامبريالية ويطلب في هذا الصدد من الدول الافريقية الاعضاء بجامعة الدول العربية أن تدرج في جدول اعمال دورتها القادمة بنداً بعنوان " التواطؤ بين جنوب افريقيا واسرائيل ".
يوجه نداء إلى الجماعة الدولية يناشدها فيه مزيداً من تكثيف ضغوطها على اسرائيل في مختلف المجالات بغية ارغامها على الامتثال لميثاق منظمة الأمم المتحدة وللقرارات الصادرة عنها بشأن قضية فلسطين وينوه بالجهود التي تبذلها لجنة الأمم المتحدة المختصه لقضية فلسطين ويدعو مجلس الأمن إلى تطبيق توصيات هذه اللجنة التى اعتمدتها الجمعية العامة ولا سيما القرار رقم 35/169 الصادر في 15 ديسمبر 1980.
يهيب بمجلس الأمن أن يتخذ التدابير الفعالة لكفالة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية الثابته التى اعترفت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة ويري أن القرار رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن في 22 نوفمبر سنة 1967 لا يضمن مستقبل الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابته، كما لا يوفر اساسا الحل عادل لقضية فلسطين.(2/117)
يثني على لبنة الأمم المتحدة لممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الثابته على ما تبذله من جهود بغية استعادة الحقوق الثابته للشعب الفلسطيني.
يطلب إلى الامين العام لمنظمة الوحدة الافريقية تطورت قضية فلسطين وتقديم تقرير في هذا الشأن إلى الدورة العادية المقبلة لمجلس وزراء منظمة الوحدة الافريقية.
الملحق الثالث: قرار بشأن القدس:
... أن مجلس وزراء منظمة الوحدة الافريقية المنعقد في دورته العادية السابعة والثلاثين في نيروبي (كينيا) عام1401هـ في الفترة من 15- 26 يونيو سنة 1981.
اذ يذكر بجميع قرارات منظمة الوحدة الافريقية ومنظمة الأمم المتحدة ومؤتمر حركة عدم الانحياز بشان القدس.
واذ يضع في الاعتبار أن منظمة الوحدة الافريقية ظلت تعارض دائماً وبشدة مطالبة اسرائيل باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
واذ يضع في الاعتبار أن المسألة الفلسطينية بما فيها القدس هي لب مشكلة الشرق الاوسط.
واذ يضع فى الاعتبار اصرار اسرائيل على سياستها القائمة على العدوان وضم الاراضي بصورة غير مشروعة والاستعمار الصهيوني وتغيير الطابع الثقافي والديموقرافي لمدينة القدس المقدسة.
وإذ يضع في الاعتبار إصرار إسرائيل على الاستمرار في التوسع في تهويد القدس بغية إزالة طابعها العربي منتهكة بذلك احكام اتفاقية جنيف الرابعة المبرمة في 12 أغسطس سنة 1949 والخاصة بحماية المدنتين في وقت الحرب.
يؤكد مجدداً أن مدينة القدس تعد جزءاً لا يتجزأ من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
يؤكد مجدداً ضرورة الحفاظ على الطابع الاصلي والتاريخي لمدينة القدس.
يدين إسرائيل لرفضها المستمر احترام القرارات ذات الصلة الصادرة عن منظمة الوحدة الافريقية ومنظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الاخري بشأن مدينة القدس المقدسة.
ملحق رقم (4) :
المعونات العربية للدول الافريقية للفترة (1973/1978)
(بملايين الدولارات)
المجموع(2/118)
لدول غير محددة في شرق وغرب القارة
لدول شرق أفريقيا
لدول غرب أفريقيا
السنوات
159.5
13.5
61.1
84.9
1973
533.8
26.7
240.2
266.9
1974
991.5
6.01
531.4
400.0
1975
902.9
93.3
306.7
502.9
1976
592.8
96.5
144.3
352.0
1977
693.2
111.9
262.5
318.8
1978
3874
402
1546.2
1925.5
المجموع
المصدر: المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا / نوفمبر 1979.
... أما بالنسبة لعدد البلدان المستفيدة من العون العربي فقد بلغ أحد عشر بلداً خلال عام 73، اثنان وثلاثون بلداً في عام 1974، سبعة وثلاثون بلداً في عام 1975، ثمان وثلاثون بلدا في عام 1976م، أربعون بلدا في عام 1977، أي أن العون العربي قد غطى القارة الأفريقية بنسبة 100% خلال الفترة المذكورة ومنذ دخول البلدان العربية المصدرة للبترول محفل البلدان المانحة للعون.
...
(( (( ((
الهوامش والتعليقات(2/119)
إيصال مياه العيون إلى مدينة جدة
منذ القرن العاشر حتى نهاية القرن الثالث
عشر للهجرة
د. عادل بن محمد نور غباشي
الأستاذ المشارك بقسم الحضارة والنظم الإسلامية - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى
ملخص البحث
نظراً لعدم وجود أنهار جارية في مدينة جدة وحاجتها المتزايدة للمياه؛ لتفي باحتياجات سكانها والوافدين إليها للعبور إلى مكة المكرمة؛ اعتمد سكان جدة على جلب مياه الأبار وحفظ مياه الأمطار في خزانات. وفي القرن العاشر الهجري في عهد السلطان سليمان القانوني (ت 974هـ/1566م) جرت محاولة لإيصال مياه عين (حدة) إلى جدة ولم تتحقق. وفي حدود عام 1095هـ /1683م تم إيصال مياه عين (وادي قوز) إلى جدة، ثم جرت لقناة العين أعمال إصلاح وترميم في سنين مختلفة إلى نهاية القرن الثالث عشر للهجرة (19هـ) . وقد تم الكشف عن بقايا آثار القناة في وادي قوز والتعرف على طراز بنائها مشفوعاً بخارطة ولوحات ورسمين توضيحيين.
• • •
أولاً: موقع جدة وحاجتها إلى الماء:
تقع مدينة جدة على السهل الساحلي الشرقي للبحر الأحمر الذي يحدها من الغرب، في حين تحدها مجموعة من التلال الصغيرة تليها سلاسل غير متصلة من الجبال الموازية لسلسلة جبال الحجاز العالية من الشرق. وتمتد ما بين الرأس الأسود عند (الخمرة) جنوبا وشرم أبحر شمالا، وتقع في منطقة تلتقي عندها طرق المواصلات البرية والبحرية؛ فهي تمثل حلقة الوصل بين اليابسة والماء، ونظرا لبعدها بحوالي 68 كم عن مكة المكرمة؛ فقد أصبحت البوابة التقليدية للدخول إلى مكة المكرمة (1) ، فحلت بذلك محل مرفأ (الشعيبة) منذ عام 26هـ / 646م عندما أمر الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - باتخاذ جدة ميناءً لمكة المكرمة (2) .(2/120)
ويقع في شرق جدة سلسلة تلال جبلية يقطعها عدد من الأودية شديدة الانحدار، يظهر أثرها في تكوين الطبقات الرسوبية خاصة تجاه البحر. وأهم هذه الأودية الموجودة في جدة (وادي مريخ) الذي يصب في شرم أبحر، ووادي (دغبش) ، ووادي (بنى مالك) ، ووادي (عشير) ، ووادي (قوز) ، ووادي (غليل) ، ثم وادي (فاطمة) الذي يعد أطول هذه الأودية وأكثرها أهمية، فإليه يرجع الفضل في تحرر أجزاء من الساحل المقابل لمدينة جدة من الشعب المرجانية. وأثر المجاري المائية القديمة ليس وقفا على خطوط الأعماق والتكوينات المرجانية بل يتعدى البحر إلى اليابسة، ذلك أن مناسيب المياه الجوفية تكون قريبة من قيعان هذه الأودية فقد تصل إلى عمق نصف متر تحت السطح كما في قاع وادي (عشير) مما يسهل الإفادة من هذه المياه (3) .
وينقسم السهل الساحلي في جدة إلى قسمين رئيسين: قسم غربي منخفض قد لايتجاوز الارتفاع به عن مستوى سطح البحر ثلاثة أمتار، وقد ينخفض إلى 8, 0 م كما هو الوضع في جنوب جدة عند منطقة الميناء، ويتكون من إرسابات مرجانية إضافة للرمال والحصى والحجر البحري. أما القسم الآخر فيقع في الشرق مرتفعا عند التلال (4) .
وبالنظر إلى موضع التجمع السكاني في جدة منذ نشأتها إلى نهاية العصر العثماني نجد أنها أخذت منطقة مسطحة نسبياً بانحدار من الشرق إلى الغرب، وتحوي بعض المنخفضات التي تسهل ركود الأمطار فيها، وتشكل مستنقعات لاتجف مياهها إلا بعد بضعة أيام، وكانت تأتيها السيول قديما غزيرة بعض الأحيان (5) .(2/121)
ونخلص مما سبق إلى أن جدة اعتمدت في نشأتها على ما توافر في بيئتها الطبيعية، فقيامها على ساحل البحر الأحمر يسر فرصة عمل لسكانها في البحر وفي التجارة وفي استقبال مراكب الحجاج في العصر الإسلامي، وكان لوجود الأودية دور كبير في ربطها بمكة المكرمة وفي الحصول على حاجتها من الماء لعدم وجود أنهار كما أن الجبال الواقعة في شرق المدينة تعد خزانات طبيعية لمياه الأمطار المتساقطة عليها، وهذا يفسر لنا اتجاه القائمين على جلب مياه العيون إلى شرق جدة، كما أن نسبة الانحدار الطبيعية من الشرق إلى الغرب ساهمت بدور كبير في تيسير حركة انسياب المياه بشكل طبيعي عبر القنوات لتغذية سكان جدة والوافدين إليها، علاوة على أن وجود المنخفضات التي كانت تتجمع فيها مياه الأمطار والسيول تعد موردا مائيا لسكان جدة، وهذا يفسر لنا أساليب سكان جدة في بناء الخزانات لتجميع المياه داخل وخارج النسيج العمراني.
كما أن مناسيب المياه الجوفية القريبة من قيعان الأودية أسهمت بدور كبير في الحصول على المياه من أعماق يسيرة، إلا أننا سنعرف فيما بعد أن هذه المياه تشوبها الملوحة وتكون في أماكن غير صحية؛ وهذا يفسر لنا وصف الكثير من المؤرخين والرحالة لقلة المياه في جدة، واعتماد سكانها والوافدين إليها في الحصول على المياه من أماكن بعيدة قد تكون في المنطقة المرتفعة شرق جدة، حيث يقل تأثير البحر وتتكون المياه مما جلبته الأمطار على الجبال الواقعة شرق جدة (6) .(2/122)
كما أن التعرف على الظروف المناخية بجدة يعزز القول بحاجتها المتزايدة إلى المياه، ويفسر اعتماد السكان على تخزين المياه بعد سقوط الأمطار؛ فتشير جداول درجة الحرارة في مدينة جدة للمدة 1390 - 1400هـ /1970 - 1979م إلى أن درجات الحرارة تميل إلى الارتفاع على مدار السنة، وتبلغ هذه الدرجات أعلاها في شهري مايو ويونيو إذ وصلت درجة الحرارة في مايو عام 1970م إلى 48.2ْ م، وفي سنة 1979م سجلت أعلى درجة حرارة في يونية 49 م، كما ترتفع درجات الحرارة القصوى أيضا في شهور يوليه وأغسطس وسبتمبر واكتوبر، إذ كثيرا ماتتجاوز النهايات القصوى للحرارة درجة 40ْ م ومع بداية اكتوبر تأخذ درجات الحرارة العظمى في الانخفاض التدريجي. أما الأمطار فإنها قليلة وغير منتظمة الهطول، وإن كانت احتمالات سقوطها في الشتاء أقوى لارتباطها بأعاصير البحر المتوسط أكثر من ارتباطها بالاقليم الموسمي (7) .
وعلى هذا فإن سكان جدة والوافدين إليها إما للعبور إلى مكة أو للتجارة أو للتموين منها؛ بحاجة ماسة إلى كمية متزايدة من الماء للشرب، لمواجهة الحرارة المرتفعة، أو للاغتسال لترطيب أجسامهم، علاوة على احتياجاتهم المختلفة الأخرى إلى الماء، ونظرا لما تميز به موقع هذه المدينة من الناحية الدينية والاقتصادية والاستراتيجية (8) ؛ كان لزاماً أن يوازي ذلك تطور في مواردها المائية.
ثانيا: أساليب توفير المياه لمدينة جدة:(2/123)
نشأت جدة على شاطئ بحر شديد الملوحة، هو البحر الأحمر، وليس بها عيون جارية، ولا أنهار متدفقة (9) ، ومياهها الجوفية قريبة من سطح الأرض كما سبق ذكره إذ يمكن الوصول إليها على عمق نصف متر في بعض الأماكن؛ إلا أنه تشوبها الملوحة، لتشبّع تربتها بماء البحر؛ مما يعني أن على سكانها البحث عن مصدر للماء، فهو السبيل الوحيد لحياتهم؛ ولذا لجأ سكان جدة إلى حفظ مياه الأمطار في خزانات، ونقل مياه الآبار البعيدة، ثم اتجهوا إلى جلب مياه العيون عبر القنوات منذ نهاية القرن الحادي عشر للهجرة (17م) .
وقد أدرك المؤرخون والرحالة هذه الحقيقة، وهي خلو جدة من مياه عذبة جوفية أو واردة تعين أهلها على الحياة (10) . ولعل في الوصف التالي مايوضح طريقة سكان جدة في مواجهة مشكلة نقص المياه عند نشأة المدينة؛ فقد ورد أنها " بلدة قديمة على ساحل البحر: يقال إنها من عمارة الفرس، وبخارجها مصانع قديمة، وبها جباب للماء منقورة في الحجر الصلد يتصل بعضها ببعض تفوت الإحصاء كثرة (11) ." وورد أن بجدة آثاراً قديمة تدل على قدم اختطاطها، وأنها كانت مدينة كبيرة منذ زمن الفرس، وسكنها سلمان الفارسي وأهله، وقد وُفِّر الماء لسكان المدينة من خلال بناء ثمانية وستين صهريجا داخل المدينة وبنوا بظاهرها مثلها، ويقال: إن العدد كان ثلاثمائة داخلها، ومثل ذلك خارجها " (12) .
وبناءً على ماسبق فقد اعتمد أهل جدة على المصانع والجباب والصهاريج لتوفير المياه العذبة، وهذا يشير إلى احتمال اعتمادهم على مصدرين في حصولهم على الماء: المصدر الأول حفظ مياه الأمطار في الخزانات، أما الثاني فهو الاعتماد على مياه الآبار؛ ويؤيد ذلك عرض التعريفات التالية:(2/124)
مصنع: مايصنعه الناس من الآبار والأبنية وغيرها، وورد "أنها مساكات لماء السماء يحتفرها الناس فيملؤها ماء السماء يشربونها" وورد أن " المصنعة كالصنع الذي هو الحوض أو شبه الصهريج يجتمع فيه ماء المطر" (13) .
صهريج: واحد صهاريج، وهي كالحياض يجتمع فيها الماء، وورد أن الصهريج مصنعة يجتمع فيها الماء وأصله فارسي (14) .
جب: البئر، مذّكر وقيل: هي البئر لم تطو، وقيل هي البئر الكثيرة الماء البعيدة القعر، وقيل لاتكون جبا حتى تكون مما وُجِد لامما حفره الناس، والجمع أجباب وجباب وجببه (15) .
وعند تتبع تاريخ الماء في جدة بعد اتخاذها مرفأ لمكة بدلا من الشعيبة في عهد عثمان ابن عفان - رضى الله عنه - سنة 26هـ/646م لانجد إشارة إلى توفير المياه فيها في مصدرين من أهم مصادر تاريخ مكة في القرن الثالث الهجري (9م) وهما كتابا الأزرقي والفاكهي (16) ، إلا أننا نرجح استمرار الاعتماد على نقل مياه الآبار، وحفظ مياه الأمطار في خزانات، لسد احتياجات السكان والوافدين؛ فالماء هو وسيلة الحياة، ولايمكن اتخاذ قرار تحويل المرفأ من الشعيبة إلى جدة دون تحديد مصدر للحصول منه على الماء، وبما أنه كانت هناك مصادر قديمة ممثّلة في الخزانات والآبار؛ فمن الأولى الاعتماد عليها، وربما زيادة عددها ليتفق ذلك مع احتياجات جدة.
وفي سنتي 354هـ/965م، 367هـ /977م، زار المقدسي جدة، وأشار إلى ازدهار عمرانها ومشكلة نقص المياه فيها بقوله: "غير أنهم في تعب من الماء مع أن فيها بركا كثيرة ويحمل إليهم الماء من البعد" (17) .(2/125)
وبما أن المقدسي ليس مقيما في جدة؛ فمن المحتمل أن ما أورده عن ذلك لم يكن أمرا دائما، وإنما لمدة مؤقته تزامنت مع قدومه لها، ويؤيد هذا الاحتمال إشارته إلى ازدهار عمران جدة ووجود برك كثيرة؛ فمن غير المتوقع أن يزدهر عمران جدة مع وجود نقص كبير في مواردها المائية، علاوة على أن وجود البرك الكثيرة يدل على وجود علاقة بين نمو عمران المدينة، وحصولها على المياه من هذه البرك، وربما تكون الأمطار قليلة في ذلك الوقت، فأدت إلى قلة أو انعدام مياه البرك؛ فاعتاضوا عن ذلك بحمل الماء من أماكن بعيدة عن جدة. وقد استمر هذا الوضع عبر القرون الإسلامية المختلفة (18) . إلى أن بدأت محاولة الاعتماد على مياه العيون، وهذا ماسنتحدث عنه فيما يلي:
ثالثاً: الأعمال المبكرة لإيصال مياه العيون إلى جدة:(2/126)
ورد في بعض الدراسات الحديثة أن السلطان قانصوه الغوري (906 - 922هـ/ 1500 - 1516م) عالج مشكلة نقص المياه في جدة؛ وذلك بدراسة إمكانية جلب مياه العيون إليها؛ لإحلال ذلك محل سقيا الناس من الصهاريج والآبار، وعندما ظهرت إيجابية الدراسة أمر بتنفيذ المشروع، وكلل مسعاه بالنجاح، فجلب ماءً من عين وادي قوص (قوز) الواقع شمال الرغامة (19) . ونظرا لعدم ورود مصدر لهذه الرواية، فقد بحثت عنها فيما توافر لي من مصادر معاصرة أو قريبة عهد من مدة حكم السلطان قانصوه الغوري، فلم أجد مايشير إلى ذلك (20) ؛ ولعل في عرض النصوص التالية مايؤيد ذلك، ويوضح أسلوب سكان هذه المدينة في حصولهم على المياه في ذلك العهد، فقد ذكر ابن إياس أنه في سنة 915هـ/1509م، فعل السلطان قانصوه الكثير من وجوه الخير منها " أصلح عدة مناهل بطريق مكة، وبنى هناك أشياء كثيرة من هذه النمط، وحصل بها غاية النفع " (21) ؛ وهذا النص عام في مدلوله، ولم يرد فيه تحديد لإيصال مياه عين إلى جدة. وبما أن ابن إياس كان معاصرا لمدة حكم السلطان قانصوه الغوري ورصد أعمال الغوري في بناء سور جدة، وغيره من المنشآت (22) ؛ فإن عدم ذكره لمشروع إيصال ماء عين وادي قوز إلى جدة، يعد حجة بعدم تنفيذ هذا المشروع. وأشار عز الدين بن فهد إلى حصول سيل عظيم في جدة في أوائل سنة 925هـ / 1519م، امتلأت منه الصهاريج جميعها وانتفع به أهل البلد (23) . وعلى هذا فإن سكان جدة بعد ثلاث سنوات من حكم الغوري، لازالوا مستمرين على أساليبهم السابقة في الحصول على المياه، المتمثل منها في هذه الرواية حفظ مياه الأمطار في الصهاريج، فلو كانت مياه عين وادي قوص (قوز) ترد إليهم؛ فما الذي يدفعهم إلى شرب مياه الصهاريج الراكدة. كما ذكر الجزيري أنه في سنة 945هـ /1538م وصل إلى جدة - عبر البحر - جيش عثماني أمر قائده: "بطلب الماء العذب والحطب … ونجلت له الصهاريج التي هي داخل جدة وخارجها (24) ".(2/127)
وبما أن قائد الجيش كان بحاجة إلى الماء العذب لإرواء جيشه، فكان مصدره الصهاريج؛ لأن مياه العين لو كانت متوافرة لعمد إليها بدلا من تنجيل (نزح) مياه الصهاريج التي قد يكون في قاعها بعض الشوائب علاوة على أنها راكدة.
محاولة إيصال مياه عين حَدَّة إلى جدة:
انفردت وثيقة مؤرخة بشهر رجب عام 981هـ (25) /1573م، بمعلومات لم نجد لها ذكرا فيما أورده المؤرخون، وأهم ماجاء فيها أن السلطان سليمان القانوني (ت974هـ/1566م) أمر بتشكيل لجنة مكونة من أحمد بيك والي جدة (26) ، وقاضي مكة وشيخ الحرم القاضي حسين (27) والمعمار كرم مصطفى وثلاثون شخصاً من أهل الخبرة والرأي، لدراسة إمكانية إيصال مياه عين قرية حدة إلى جدة، وتقدير طول الطريق الذي ستبنى فيه قناة الماء؛ فتوصلت اللجنة إلى مايلي:
قدرت المسافة بين حده وجدة ب 79910 ذراعا بذراع البناء (حوالي 39955م) ، منها 2500 ذراع (حوالي 1250م) منطقة صخرية، يلزم تكسيرها بعمق 15 ذراعا (حوالي 5, 7 م) حتى يمكن الوصول إلى مستوى ميزان الماء.
يوجد تلال جبلية كثيرة في طريق مد القناة مما يعوق بناءها.
تتصف صحراء جدة بملوحتها؛ مما يحتمل معه ضياع المياه في رمالها.
وبعد عرض الأمر على السلطان سليم بن سليمان القانوني، ذكر أن والده أوصى بإيصال مياه عين حدة إلى جدة - بمشيئة الله - وأن فيما أوردته اللجنة يدل على وجود موانع كثيرة في سبيل تحقيق الوصية باستثناء المنطقة الصحراوية في جدة.
وبناءً على ذلك أصدر أمره بالعدول عن تنفيذ المشروع واستبدل به إنشاء صهاريج في أماكن مناسبة، وأمر اللجنة السابقة بتحديد أماكن بناء الصهاريج وأبعادها، وتقدير مصاريف بنائها، لتعرض عليه فيما بعد.(2/128)
ونخلص مما سبق أن السلطان سليمان القانوني، قد وفق في أمره بإجراء دراسة ميدانية قبل البدء في تنفيذ المشروع، وهذا الأسلوب وفر الوقت والجهد والمال، وأن السلطان سليم الثاني لم يأخذ بكل الأسباب المانعة لإقامة المشروع، فقد استثنى منها المنطقة الصخرية، مما يدل على أن لديه لجنة فنية لمراجعة مايرد إليه، كما أن ماورد في هذه الوثيقة يعزز ماسبق إيضاحه عن عدم وصول مياه عين وادي قوص (قوز) إلى جدة في عهد قانصوه الغوري (906- 922هـ / 1500 - 1516م) ، واستمر هذا الوضع حتى تاريخ إعداد الوثيقة وهو شهر رجب عام 981هـ / 1573م.
رابعاً: إيصال مياه عين وادي قوز إلى جدة:(2/129)
في سنة 1084هـ / 1673م أثناء أعمال العثمانيين في إصلاح عين عرفة بمكة المكرمة تم توجيه معمار عين عرفة إلى جدة "للإشراف على عين هناك بلغ السلطنة أنها إن عمرت دخلت جدة" وقد نتج عن ذلك التعرف من أصحاب المعرفة على أن تحقيق ذلك المشروع يحتاج إلى أربعين ألف شريفي أحمر (28) وقد سجل عبد الملك العصامي المتوفى سنة 1111هـ / 1699م تاريخ أول عمل تحقق لإمداد جدة بمياه العيون وذلك في سياق حديثه عن (كرد أحمد المعمار) فقد ذكر أنه في سنة 1095هـ/1683م "تاسع ربيع الأول ورد أغا من صاحب مصر بقفطان للشريف سعيد، وبطلب كرد أحمد المعمار، وهذا كرد أحمد قد وصل قبل هذه السنة، أرسله الوزير الأعظم مصطفى باشا إلى عمارة المسجد الحرام وجدة، وكانت عمارته في المسجد فرش أروقته بالحجر الشبيكي، وعمارته بجدة إجراء عين إليها استمر فيها نحو ثلاث سنوات، ابتدأها من المحل المعروف بالقوز وعمر بها أيضا مسجداً ومنارة وحماما ووكالة.. وأحضروا المهندسين فخمنوا العمارة فخمنواكل ذراع بقرش ريال بعد أن ذرعوا من الابتداء إلى البلد فبلغ كذا وكذا الف ذراع، وكذلك ضمنوا ماصرف على فرش المسجد، وحسبوا جميع ذلك، وكتبوا حجة شرعية، وخرج من مكة إلى جدة في شهر ربيع الآخر فذهب إلى من طلبه (29) ".
ويظهر من هذا النص أن أمر إجراء مياه عين وادي قوز إلى جدة، قد صدر من الوزير الأعظم مصطفى باشا الذي كان صدراً أعظما في المدة من 1087- 1094هـ / 1676 - 1683م في عهد السلطان محمد الرابع (30) .(2/130)
ومن المرجح أن الصدر الأعظم عرض مشروع المياه على السلطان لإصدار أمره كما مر بنا في عهد كل من السلطان سليمان القانوني وعهد ابنه السلطان سليم الثاني. أما الشريف سعيد الذي ورد اسمه في النص،فقد كان أميرا على مكة، ولم ترد أخبار عن دوره في الإشراف، أو الإنفاق على أعمال البناء (31) ، إنما اقتصر فقط على استدعاء كرد أحمد المعمار، وإرساله إلى مصر كما أننا لانستطيع من خلال هذا النص، أن نجزم بتحديد بدء أو تمام العمل في المشروع آنف الذكر، لأنه ربما يكون قد بدأ العمل قبل ثلاث سنوات من عام 1095هـ / 1683م، فكانت البداية عام 1092هـ /1681م وتمام العمل 1095هـ /1683م.
وربما يكون قد بدأ العمل قبل عام 1092/1681م واستمر ثلاث سنوات في عمل القنوات، ثم استكمل أعماله في بناء المنشآت الأخرى كالمسجد والمنارة والحمام والوكالة، ويمكن التأكيد على أنه في عام 1095هـ /1683م كانت مياه عين وادي قوز تغذي جدة بالمياه، ويؤيد ماذهبنا إليه عن تاريخ العمل ما أورده الغازي حيث أشار إلى هذه العين بقوله "أدخلها إلى جدة في حدود سنة تسعين وألف معمار يقال له أحمد كرد".
كما ورد عن هذه العين أيضا: "أنها وصلت إلى جدة في حدود سنة تسعين وألف" (32) .
ونخلص من ذلك إلى القول بأن هذا المشروع يعد أول مشروع تحقق - بمشيئة الله - لإيصال مياه عين وادي قوز إلى جدة، وينفي نسبته إلى السلطان قانصوه الغوري، ويجيب على تساؤل ورواية ذكرها أيوب صبري باشا عندما قال مانصه: "يروى أن المياه أوصلت إلى المدينة قديما فهل حدث ذلك من قبل أرباب الخير، أم من قبل الحكومة؟ " لانعرف بالتحديد. يقال - حسب رواية - أن الصدر الأعظم قره مصطفى باشا هو الذي أوصل المياه إلى المدينة سنة 1050هـ، إلا أن المجرى وصل إلى مشارف المدينة فقط بسبب وفاة هذا الرجل " (33) .
خامساً: الترميمات والإصلاحات للعين وأثرها في سقيا سكان جدة:(2/131)
يبدو أن وصول مياه العين لسقيا جدة لم يستمر طويلا؛ لأنه في سنة 1135هـ / 1722م أي بعد مايقرب من أربعين عاما على إنشائها انقطعت مياه العين، وظهرت الحاجة إلى إصلاحها؛ فأمر علي باشا (والي جدة) بتوجيه المعلمين للحفر حول مسار القناة لمعرفة الخلل وإصلاحه، وطلب شراء (برابخ) لاستخدامها في أعمال الإصلاح، فحصل على مائتي (34) بربخ. ويحتمل أن خراب القناة نتج من الحريق الذي شب في مدينة جدة سنة 1133هـ/1720م، ووصف بأنه كان ضخما بدأ من باب مكة، وشمل عدة حارات وأدى إلى وفاة ثمانين شخصا (35) ، ويؤيد هذا الاحتمال أن المدة الزمنية بين وقوع الحريق وإصلاح القناة قصيرة جدا لاتتجاوز السنتين، كما يبدو أن الخلل وقع في منطقة توزيع المياه، فالبرابخ تكون في العادة من الفخار (36) ، ويظهر من عددها البالغ مائتي بربخ مايدل على أن المسافة التي تم إصلاحها لم تكن كبيرة، وذلك مقارنة ببعد موقع العين في وادي قوز عن داخل البلد (38) (خارطة رقم1) .
وفي سنة 1176هـ / 1762م زار نيبور (Neibuhr) جدة، وأشار إلى أن المياه تخزن قرب الينابيع في التلال، ثم تنقل إلى البيوت على ظهور الجمال (37) ، مما يدل على أن قناة المياه كانت معطلة في ذلك الوقت أي بعد نحو 41 سنة من إصلاحها. فهي مدة قصيرة تجعلنا نتساءل عن الأسباب التي أدت إلى تعطلها عن أداء وظيفتها؟ وبالرجوع إلى ما توافر لنا من مصادر - في الوقت الحاضر - لانجد تعليلا لذلك، إلا أنه يمكننا احتماله بالمقارنة بأهم أسباب تعطل قنوات المياه في مكة المكرمة، حيث أشارت وثيقة إلى ذلك بما يلي (38) .
إن قنوات المياه تحوي فتحات لتسهل للبدو المجاورين أخذ ما يحتاجونه منها لسقياهم وسقيا مواشيهم، وكانوا يعمدون إلى تخريب القناة لمجرد جهلهم، علاوة على أن هذه الفتحات كانت تسهل وقوع المواشي إلى داخل القناة مما يؤدي إلى انسدادها وفساد الماء.(2/132)
كانت تنمو مجموعة من الأشجار حول القناة؛ مما يؤدي إلى تهدم جدرانها؛ بسبب عروق الأشجار التي تخترقها.
تزداد حالة القناة سوءا إذا تأخر إصلاحها وإهمالها لمدة طويلة.
تعتبر السيول من العوامل المؤدية إلى دمار القنوات، وسدها بالأتربة.
وإضافة إلى ماسبق قد يكون لبعض تجار الماء في جدة أو عمال المياه دور في تخريب القناة؛ ليحققوا بذلك أرباحا من بيع المياه من صهاريجهم، أو الحصول على المال أجراً لنقل المياه على ظهور الدواب، ويؤيد هذا الرأي قول أيوب صبري باشا: "لايحتاج أكثر الأغنياء لهذه المياه - مياه العين - لوجود صهاريج لديهم يحققون من ورائها مكاسب كبيرة ... وإذا كان الأمر بأيديهم، لعملوا بكل ماوسعوا على منع المياه أن تأتي" (39) ، كما أفادت وثيقة عن عدم رضى بعض الأعراب عن توفر المياه في جدة؛ لأن ذلك في اعتقادهم يعد من أسباب حرمانهم من الرزق (40) .(2/133)
وفي سنة 1230هـ /1814م زار بوركهارت (Burckhardt) جدة، وأشار إلى أن سكان جدة يحصلون على المياه، بتوجيه مياه الأمطار التي تهطل على أسطح المنازل إلى خزانات سفلية (يتم ذلك عن طريق الميازيب) ، ويعوضون النقص الحاصل من قلة الأمطار، وعدم انتظامها باللجوء إلى ملء الخزانات بمياه البرك التي تتشكل خارج المدينة أثناء الفصول الماطرة، ويسحبون مياه الشرب من آبار على مسافة ميل ونصف الميل إلى الجنوب (41) . وبناءً على هذا فإن بوركهارت لم يشر إلى استمرار وصول مياه عين قوز إلى جدة في عهده، مما يعني أنها كانت معطلة، ووصف نقص المياه في جدة بقوله: "المياه في جدة غير كافية للاستهلاك، وهي تعد ترفا،ً والكثير من مياه الشرب يسحب من آبار على مسافة ميل ونصف الميل إلى الجنوب، والحقيقة أن المياه موجودة في كل مكان على عمق 15 قدما؛ لكنها رديئة المذاق بوجه عام، تكاد لا تصلح للشرب في أمكنة عديدة هناك بئران فقط تؤمنان مياها يمكن أن تسمى عذبة ولكنها تعد ثقيلة، ثم إنها تصبح مليئة بالحشرات إذا مابقيت في الوعاء 24 ساعة على أن المياه الجيدة في هاتين البئرين لايمكن الحصول عليها دائما لندرتها وغلائها بدون مساعدة أصدقاء أقوياء، والواقع أنه لاأكثر من 200 إلى 300 شخص يتمكنون من الحصول عليها، فيما يكتفي بقية السكان بالمياه التي تتوفر من الآبار الأخرى وإلى هذا وبالدرجة الأولى يمكن أن يعزى سوء الحالة الصحية للسكان " (42) .
ويفسر ماقاله بوركهارت عن توافر المياه على أعماق قريبة؛ ماسبق بيانه عن تشبع تربة جدة بمياه البحر.(2/134)
وفي سنة 1270هـ / 1853م قام تاجر من جدة اسمه "فرج يسر" بإعادة إجراء مياه العين، وذلك بإصلاحها عن طريق جمع التبرعات من تجار جدة وموسريها (43) ، وبطبيعة الحال لايشمل ذلك من لهم مصلحة في بيع الماء، وحسب ماذكره الأنصاري فإن مياه العين "استمر جريانها بعد ذلك مع ضعف كامن فيها إلى سنة 1304هـ/ 1886م (44) . ... " إلا أننا نرجح توقف وصول مياه العين بعد مدة لاتتجاوز أربع سنوات من إصلاحها؛ لأن شارل ديديه (charles Didie) زار جدة عام 1274هـ / 1857م وذكر: "أن ماء الشفة نادرة فيها" (45) ، وبعد ذلك بعام أي في سنة 1275هـ / 1858م بعث القنصل البريطاني في جدة جميز زوهراب (JAMES ZOHRAB) تقريراً إلى وزير الخارجية البريطاني، أخبره فيه عن خطاب أرسله إلى والي الحجاز يطلب فيه الاجتماع به في جدة، فلبى الوالي الدعوة وجرت مباحثات مطولة تم خلالها الإشارة إلا الاهتمام بمصادر المياه في جدة (46) . وتشير وثيقة مؤرخة في 20/1/1285هـ /13/5/1868م إلى قيام نوري أفندي قائم مقام جدة، بجهود مميزة لإيصال المياه العذبة إلى جدة، فتمت مكافأته بترقيته إلى رتبة أمير الأمراء (47) ؛ ويحتمل أن ذلك يشير إلى أن أعمالاً معمارية تمت لإصلاح قناة عين وادي قوز، فهي مصدر المياه العذبة. وفي سنة 1298هـ /1880م قام صفوة باشا والي الحجاز، بجهود كبيرة لإيصال مياه العين إلى جدة (48) .
وعلى الرغم من كل أعمال الإصلاح والترميم سابقة الذكر فإن مياه العين لم تستمر في عطائها كثيرا، لتعطل القناة في نهاية القرن الثالث عشر للهجرة؛ لقدمها وخرابها من وقوع الأتربة والقش في داخلها، وظهر من كشف ميداني على مبانيها أن إصلاحها بشكل جيد تطلب مبلغ يتراوح بين 4000 أو 5000 ليرة؛ لهذا لجأ السكان إلى الحصول على مياه الأمطار المتجمعة في الحفر والصهاريج، وأخذ تجار الماء في بيعه على الناس بمبلغ ثلاثين أو أربعين قرشا لحمل الجمل (49) .(2/135)
ومما يصور مشكلة قلة المياه في جدة وعدم توفر مياه العيون في تلك المدة قول أيوب صبري: "إذا كانت مياه الآبار صالحة للشرب إلى حد ما فإن مياه البحر قد تختلط بمياه السيول، فتقلل من الطعم اللذيذ لمياه الأمطار ومع ذلك فالواجب يقتضي أن تشرب هذه المياه في حينها، لأنها إن بقيت ليلة واحدة في كوب أو في قربة لتعفنت، ولهذا يقوم السقاؤون بطلي القرب التي يحملون فيها مياه الآبار بالشحم من الداخل ليل نهار تحاشياً لتعفن الماء، والذين لم يعتادوا على شرب المياه بالزيوت، يصعب عليهم الحصول على المياه من الآبار " (50) .
وبناءً على العرض السابق فإن مياه عين وادي قوز على الرغم من أهميتها في سقيا جدة فإنها لم تدم طويلا، حيث ظلت على مدى 200 عاما منذ إيصالها إلى جدة مذبذبة في عطائها، ولم يرد مايدل على أنها انهت مشكلة نقص المياه في جدة.
سادساً: العين. موقعها وطراز عمارة قناتها:
1 - موقع العين:
في القرن الحادي عشر للهجرة ورد اسم (قوز) للدلالة على اسم الوادي الذي تقع فيه العين (51) ، ثم حرف الاسم في الدراسات الحديثة فجاء (قوص) (52) ، بإبدال الزاي صادا، و (قوس) (53) . بإبدال الزاي سينا، وورد في خارطة المهندس زكي فارسي باسم (قويزه) انظر (خارطة رقم 1) كما ورد اسم (عين الوزيرية) بديلا عن اسم "عين وادي قوز" في سياق نص الكردي عن تاريخ هذه العين (54) ؛ والواقع أن عين وادي قوز غير عين الوزيرية أو الحميدية التي ظهرت في بداية القرن الرابع عشر للهجرة (55) .(2/136)
ولم يرد فيما اطلعت عليه من مصادر - على حد علمي - تحديد دقيق لموقع العين، إلا أنه يمكن الاهتداء من بعض الروايات إلى تحديد تقريبي للجهة التى تقع فيها العين، وفيما يلي عرض لهذه الروايات لمقارنتها بالواقع وصولا إلى تحديد تقريببي لموقع العين على خارطة حديثة، فقد قال العصامي: "إجراء عين… ابتدأها من المحل المعروف بالقوز" (56) ، ولانجد في هذا النص مايدل على موضع الجهة التي يقع فيها "المحل المعروف بقوز" وأورد الغازي أن: " هذه العين في السبيل بقرب جدة" (57) ، وإذا كان القصد أن موضع منبع العين يقع في السبيل فإن ذلك مجانبٌ للصواب؛ لأن منبعها كما سبقت الاشارة إليه في القوز، والسبيل موضع من المواضع التي تمر بها قناة المياه في طريقها إلى جدة، وذكر محمد صالح قزاز أن موقع العين في "وادي قوص شمالي الرغامة" (58) ، وذكر الأنصاري: "وادي قوص الواقع بشمال الرغامة، وتبعد الرغامة عن جدة ساعتين سيرا على الأقدام ونحو اثني عشر كيلو مترا " (58) ؛ ونستدل من هذين النصين على أن موضع العين يقع في شمال الرغامة التي تبعد نحو 12 كم عن جدة.
ولتطبيق هذه الدلائل على الطبيعة لمعرفة موقع العين؛ فقد قمت بمسح ميداني في المنطقة، وساعدني في ذلك الأخ عايش بن مساعد الجهني، وهو من سكان وادي قوز، ويبلغ من العمر نحو 50 عاما، وأخبرني أنه شاهد في حدود عام 1400هـ / 1980م، آثار قناة تمر من قويزه، وأردف قائلا أنه لايعلم - حاليا - هل آثار القناة لازالت باقية أم اندثرت، فاصطحبته للموقع، وفعلا شاهدنا جزءا من آثار القناة ظاهرة على سطح الأرض في وادي "قوز" (لوحة رقم 3) مما يدل على أنها هي قناة عين وادي قوز، ويؤكد ذلك أيضا إفادته بأنه شاهد خرزة (غرفة تفتيش) على القناة في موضع آخر، وشاهد على بعد نحو 2 كم من الموضع السابق قناة تمر تحت الأرض، ظهرت بعد حفر التراب لبناء مسكن في موضعها. (خارطة رقم 1) .(2/137)
وبالنظر إلى المنطقة التي تقع فيها بقايا قناة عين "قوز"؛ نجد أنها غنية بالمياه إلى الوقت الحاضر، حيث تنتشر فيها المزارع، وتوجد المياه على أعماق يسيرة في بعض المواضع قد لاتتجاوز بضعة أمتار (اللوحتان رقما 1، 2) ، كما أنها تتميز بارتفاعها؛ مما يسهل عملية انسياب المياه طبيعيا من "قوز" إلى جدة، ولانستبعد أن يكون موضع منبع العين قريباً جداً من موضع آثار القناة الظاهرة، وقد لايبعد عنها أكثر من بضع مئات من الأمتار، كما نلحظ أنه يحف بالموضع جبل الحمراء من الشرق، وجبل موفيا من الغرب، مما يعني أن هذين الجبلين يمثلان رافداً مائيا للموقع، باستقطابهما مياه الأمطار وتصريفهما (خارطة رقم 1) . وبناءً على ماسبق فإن موضع عين وادي قوز يقع بالقرب من آثار القناة الظاهرة على سطح الأرض فيما يعرف اليوم باسم قويزه على بعد 6 كم شمال الجسر المؤدي إلى شارع عبد الله السليمان المجاور لجامعة الملك عبد العزيز من الناحية الشمالية، وعلى بعد مايقرب من 15كم شمال شرق سوق العلوي الواقع في وسط مدينة جدة القديمة، حيث كان يوجد (بازان) قديم لتوزيع مياه العين عرف باسم "عين فرج يسر" (خارطة رقم 1) .
2 - طراز بناء القناة:
من خلال بقايا آثار القناة في وادي قوز، وماقاله الطبري عن استخدام البرابخ في إصلاحها؛ يمكن القول بأن (المعمار) عمد إلى بناء القناة بالحجارة عند منبع العين، واستخدم الخرزات (غرف تفتيش) لصيانة القناة وتنظيفها، واستخدم البرابخ، وهي المواسير الفخارية، قريبا من نقاط توزيع المياه في جدة ليتمكن السكان من السقي بيسر وسهولة، ويمكننا من بقايا آثار القناة الظاهرة في وادي قوز (اللوحات أرقام 3، 4، 5) (الشكلان 1، 2) أن نصل إلى الحقائق التالية:
عمد المعمار إلى بناء القناة بسعة 45 سم وعمق 30 سم، ومن المرجّح أنها كانت مغطاة (بمجاديل حجرية) لحفظ القناة من سقوط الأتربة والغبار والحيوانات.(2/138)
استخدم في بناء القناة أحجار (البازلت) شبه المهذبة من جانب وغير المهذبة من الجانب الآخر، فنتج عن ذلك استواء جدار القناة الداخلي، واختلاف في سمك جدار القناة بين 20 - 40 سم، وهذا الأسلوب وفر الجهد وأدى إلى تحقيق الوظيفة؛ إلا أنه لم يعط المظهر الخارجي شكلا جميلا، ولعل (المعمار) لم يتحّرج في ذلك؛ لبعد هذا الموضع عن مدينة جدة، وقد تكون حركة مرور الناس من هذا الموضع نادرة.
تباينت أحجام أحجار البناء بين 50 × 30 × 15 سم و40×20×10سم، و 60×25×30 سم و 20 × 15 × 45، ونتج عن ذلك وجود فراغات بين أحجار البناء؛ فأكملها بأحجار صغيرة (دقشوم) متفاوته الأبعاد بين 10 × 15×20سم، 10 × 8 ×12 سم.
تم تجصيص القناة من الداخل بطبقة من الجص؛ لمنع تسرب المياه المناسبة عبر القناة.
• • •
نتائج البحث:
عمل المسلمون منذ عام 26هـ /646م حتى حدود عام 1095هـ/ 1683م تقريبا على توفير المياه لمدينة جدة عن طريق حفر الآبار وبناء الصهاريج لحفظ مياه الأمطار.
أثبت البحث أن السلطان قانصوه الغوري لم يجر عين وادي قوز إلى جدة، وهذا مخالف لماورد في الدراسات الحديثة.
حاول العثمانيون في عهد السلطان سليمان القانوني (ت974هـ/1566م) ، ثم في عهد السلطان سليم الثاني عام (981هـ/1573م) إجراء مياه عين حده إلى جدة إلا أنهم أوقفوا تنفيذ العمل؛ لبعد المسافة بين حده وجدة ووجود التلال الجبلية.
في عهد السلطان (محمد الرابع) في حدود عام 1095هـ /1683م تم إيصال مياه عين وادي قوز لأول مرة إلى مدينة جدة.
لم يثمر مشروع إيصال مياه عين وادي قوز إلى جدة عن إنهاء مشكلة نقص مياه الشرب بها؛ لتوقف وصول المياه في مدد زمنية مختلفة علىمدى نحو مائتي عام من إنشاء القناة.
يرجح أن سبب توقف وصول المياه إلى جدة عبر قناة عين وادي قوز، يعود إلى أسباب طبيعية وبشرية.(2/139)
ظهرت بقايا من آثار قناة عين وادي قوز، وقد تم التعرف من خلالها على طراز بناء القناة ومواد البناء، فضلا عن تحديد تقريببي لموقع العين.
التوصيات:
1. لازالت المنطقة التى تم منها جلب مياه عين وادي قوز متميزة بغزارة مياهها إلى الوقت الحاضر (1420/ 1999) ؛ مما يشير إلى أنه قد يكون هناك مجال لدراسة إنشاء سدود لحفظ مياهها والإفادة منها.
2. إن بقايا آثار قناة الماء في وادي قوز، يُعّد الدليل المادي الوحيد الظاهر إلى الآن (1420هـ/1999م) للتعرف على عين وادي قوز، مما يؤكد أهميته ويستدعى المحافظة عليه ولو بعمل شبك حديدي حوله.
الهوامش والتعليقات
الحمدان، فاطمة عبد العزيز سليمان، مدينة جدة الموقع البيئة العمران السكان ط1 (جدة: دار المجتمع للنشر والتوزيع، 1410هـ/1990م) ص25.
الفاسي، أبو الطيب تقي الدين محمد بن أحمد بن علي، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، حقق أصوله وعلق حواشيه لجنة من كبار العلماء والأدباء، (بيروت - لبنان: دار الكتب العلمية، د. ت) ج1 ص ص 87 - 88، ششة، نوال سراج، جدة في مطلع القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة الطالب الجامعي، 1406هـ/1986م) ص23.
الحمدان، مدينة جدة، ص32.
الحمدان، مدينة جدة ص33.
الأنصاري، عبد القدوس، موسوعة تاريخ مدينة جدة، ط3 (القاهرة: دار مصر للطباعة، 1402هـ / 1982م) ج1 ص ص26 - 27.
انظر خامسا: الترميمات والإصلاحات للعين وأثرها في سقيا سكان جدة.
الحمدان، مدينة جدة، ص ص 38، 39، 44.
الصواف، فائق بكر ومصطفى رمضان، أهمية ثغر جدة في النصف الأول من القرن العاشر الهجري (16م) (مجلة الداره، العدد الثاني، السنة السادسة، ربيع الأول 1401هـ، يناير 1981م) ص ص 199 - 200 ششه، جدة، ص ص 21 - 28.(2/140)
كحالة، عمر رضى، جغرافية شبه جزيرة العرب، راجعه وعلق عليه أحمد علي، ط2 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، 1384هـ/1964م) ص 203.
الأنصاري، موسوعة، ج1 ص 141.
ابن بطوطة، أبو عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي، رحلة ابن بطوطة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، قدم له وحققه محمد عبد المنعم العريان، راجعه وأعد فهارسه مصطفى القصاص، ط1 (بيروت: دار إحياء العلوم، 1407هـ/ 1987م) ص 251.
النجيدي، حمود بن محمد، جدة من خلال كتابات جار الله بن فهد "دراسة وتحقيق" (مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الثالث عشر، ذو القعدة 1415هـ) ص 508.
ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين بن مكرم، لسان العرب (بيروت: دار صادر، د. ت) ج8 ص211.
ابن منظور لسان العرب، ج2 ص 312.
ابن منظور لسان العرب، ج1 ص 250.
الأزرقي، أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد، أخبار مكة وماجاء فيها من الآثار، تحقيق رشدي الصالح ملحس، ط4 (مكة المكرمة: مطابع دار الثقافة، 1403هـ / 1983م) جزءان، الفاكهي، أبو عبد الله محمد بن إسحاق، أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، دراسة وتحقيق عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، 1407هـ / 1986م) ستة أجزاء.
المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله بن أبى بكر، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط2 (ليدن: مطبعة بريل، 1909م) ص79.
انظر: ابن جبير، أبو الحسين محمد بن أحمد، رحلة ابن جبير (بيروت: دار بيروت للطباعة
والنشر، 1399هـ / 1979م) ص ص 53، 54، ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة،(2/141)
ص ص 250- 252، الفاسي، شفاء الغرام، ج1 ص ص 87، 88 ابن فهد، عز الدين عبد العزيز بن عمر بن محمد، غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام، تحقيق فهيم شلتوت، ط1 (جامعة أم القرى: مركز البحث العلمي واحياء التراث الإسلامي، 1406هـ / 1986م) ج3 ص 20، النجيدي، جدة، ص ص 506 - 510، الأرزقي، أخبار مكة، الملحق ص 318، اسماعيل، أحمد علي، دراسات في جغرافية المدن، ط1 (القاهرة: مكتبة جامعة عين شمس، 1978م) ص 354.
أورد هذا الخبر: قزاز، محمد صالح، الماء في جدة "العين العزيزية" (مجلة الحج، العدد الأول، السنة الأولى، رجب 1366هـ / مايو 1947م) ص39، ثم قنديل، أحمد وآخرون، الماء في جدة (مجلة الحج، العدد السابع، السنة الأولى محرم 1367هـ / نوفمبر 1947م) ص ص 51، 52 ثم تلاهما الأنصاري، موسوعة ج1 ص ص 145 - 146، الحمدان، جدة، ص 59. وكذلك انظر "جدة القديمة التاريخ والمعاصرة" ط1 (المملكة العربية السعودية، وزارة الشئون البلدية والقروية، أمانة مدينة جدة 1415هـ / 1995م، د. ن) ص ص 78، 79.(2/142)
انظر على سبيل المثال: ابن فهد، غاية المرام، ج3 ص ص 91 - 339، النجيدي، جدة ص ص 506 - 510، ابن فهد، عبد العزيز بن عمر بن محمد، بلوغ القرى في ذيل إتحاف الورى بأخبار أم القرى (مكة المكرمة، مخطوط مصور بالميكروفيلم بمعهد البحوث العلمية واحياء التراث الاسلامي بجامعة أم القرى، رقم 71، 72) حوادث سنة 904هـ إلى 922هـ، ابن إياس، محمد بن أحمد، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى (القاهرة: دار احياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه 1380هـ / 1961م) ج4، ج5، الجزيري، عبد القادر بن محمد ابن عبد القادر بن إبراهيم الأنصاري، الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة (القاهرة: المطبعة السلفية ومكتباتها، 1384هـ) ص ص 348 - 368، وكذلك الطبعة التى أعدها للنشر حمد الجاسر ط1 (الرياض: دار اليمامة، 1403هـ / 1983م) ، ج3 ص 2061، النهروالي، محمد بن أحمد بن محمد، كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، تحقيق وتقديم هشام عبد العزيز عطا، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ /1996م) ص 259 - 262، ابن فرج، عبد القادر بن أحمد، كتاب السلاح والعدة في تاريخ بندر جدة، تحقيق وترجمة ودراسة أحمد بن عمر الزيلعي وريكس سميث (د. ن، د. ت) ص ص 24 - 36، 54، 59، 60، 65، الطبري، علي بن عبد القادر الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء، تحقيق وتقديم أشرف أحمد الجمال، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ / 1996م) ص284، السنجاري، على بن تاج الدين بن تقي الدين، منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم، أعده جميل عبد الله محمد المصري، ط1 (مكة المكرمة جامعة أم القرى، معهد البحوث العلمية، 1419هـ/1998م) ج6 ص ص 174 - 175. العصامي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، (المطبعة السلفية ومكتبتها،(2/143)
د. ت) ج4 ص ص 282 - 354.
ابن اياس، بدائع الزهور، ج4 ص 152.
ابن اياس، بدائع الزهور، ج4 ص89، 95، 96، 109، 286، 287، ج5 ص90.
ابن فهد، غاية المرام، ج3 ص 20.
الجزيري، درر الفرائد، ج3 ص ص 1748، 1749.
وثيقة بدفتر المهمة رقم 23، ص 112 بارشيف رئاسة الوزراء العثماني بأستانبول، وكذلك أنظر صورة الوثيقة وترجمتها بملحق هذا البحث.
اتصف بمحبته للخير وقلة ميله إلى الدنيا وشفقته على الفقراء اسند إليه بناء قناة عين عرفة وعمارة المسجد الحرام عام 979هـ، السنجاري، منائح الكرم، ج3 ص ص 461 - 464.
تولى النظر على عمارة عين عرفة إلى أن دخلت مياهها مكة المكرمة عام 979هـ، وجهز بشائر ذلك الخبر إلي الأبواب السلطانية، فأتته الترقيات والانعامات. السنجاري، منائح الكرم، ج3 ص 456 - 459.
السنجاري، منائح الكرم، ج4 ص ص 394 - 396.
العصامي، سمط النجوم، ج4 ص 545.
المحامي، محمد فريد بك، تاريخ الدولة العلمية العثمانية، تحقيق إحسان حقي، ط2 (بيروت: دار النفائس، 1403هـ /1983م) ص ص 300 - 301.
انظر ترجمته في: دحلان، السيد أحمد بن زيني، خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1397هـ / 1977م) ص ص 99 - 110.
غازي الهندي، عبد الله بن محمد، إفادة الأنام بذكر أخبار البلد الحرام (مكة المكرمة، مخطوط مصور بمكتبة الحرم المكي الشريف رقم 1239، 1240، 1241، 1242) ج4 ص 692.
صبري، أيوب، مرآة جزيرة العرب، ترجمة وتقديم وتعليق أحمد فؤاد متولي والصفصافي أحمد المرسي، ط1 (الرياض: دار الرياض للنشر والتوزيع، 1403هـ / 1983م) ج1 ص 178.
الغازي، إفادة الأنام، ج4 ص ص 691 - 692.
الغازي، إفادة الأنام، ج4 ص 693.(2/144)
برابخ: مفردها بربمخ وهو منفذ الماء ومجراه والبالوعة من الخزف وغيره كلمة معربة وعربيتها الأدربَّة. أنظر: أنيس، إبراهيم وآخرون قاموا بإخراج المعجم الوسيط، ط2 (د. ن، د. ت) ، ج1 ص 46.
عطا الله، سمير، قافلة الحبر الرحالة الغربيون إلى الجزيرة والخليج (1762 - 1950م) ط1 (بيروت - لبنان: دار الساقي، 1994م) ، ص 22.
وثيقة بمكتبة جامعة استانبول رقم 4659 ص ص 9 - 10 "عين زبيدة منبع ومجر الرينك تعميراتنه عائدة لائحة وخريطة " وترجمتها: "لائحة وخارطة حول منبع ومجاري عين زبيدة" وتتكون هذه الوثيقة من 51 صحيفة تقفوها خارطة عن قناة عين عرفة.
صبري، مرآة، ج1 ص 179.
صفوة، نجدة فتحي، الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية (نجد والحجاز) ط1 (بيروت - لبنان: دار الساقي، 1996م) ج1 ص 434.
عطا الله، قافلة الحبر ص 125.
عطا الله، قافلة الحبر، ص ص 125 - 126.
الأنصاري، موسوعة، ج1 ص 147.
الأنصاري، موسوعة، ج1 ص 147.
عطا الله، قافلة الحبر، ص 156.
العمرو، صالح، تقارير القناصل البريطانيين في جدة كمصدر لتاريخ غرب الجزيرة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل العشرين "بحث في الندوة العالمية الأولى لدراسات تاريخ الجزيرة العربية" (جامعة الرياض، الكتاب الأول، 1399هـ / 1979م، الكتاب الأول) ج2 ص 223.
وثيقة بدفتر العينيات رقم 871، ص 65 بارشيف رئاسة الوزراء العثماني باستانبول، وكذلك انظر صورة الوثيقة وترجمتها في (الملاحق) من هذا البحث.
اسماعيل، صابرة مؤمن، جدة خلال الفترة 1286 - 1326هـ / 1869 - 1908م دراسة تاريخية وحضارية في المصادر المعاصرة (إصدارات دارة الملك عبد العزيز 1418هـ) ص 159.
صبري، مرآة، ج1 ص ص 178، 179.
صبري، مرآة، ج1 ص 178.
العصامي، سمط النجوم، ج4 ص 545.
قزاز، الماء في جدة، ص 39، الأنصاري، موسوعة، ج1 ص 146، الحمدان، مدينة جدة، ص59.(2/145)
قنديل، الماء في جدة، ص 51.
الكردي، محمد طاهر، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، 1412هـ / 1992م) ج6 ص 356.
يجري حاليا الإعداد لدراسة بعنوان: إيصال مياه عين الوزيرية - الحميدية - إلى جدة في بداية القرن الرابع عشر للهجرة للدكتور عادل بن محمد نور غباشي.
العصامي، سمط النجوم، ج4 ص 545.
الغازي، افادة الأنام، ج4 ص 692.
قزار، الماء في جدة، ص 39.
الأنصاري، موسوعة، ج1 ص 146.
المصادر والمراجع
أولاً: الوثائق:
وثيقة بدفتر المهمة رقم 23، ص 112 بأرشيف رئاسة الوزراء العثماني باستانبول، وكذلك انظر صورة الوثيقة وترجمتها بملحق هذا البحث.
وثيقة بدفتر العينيات رقم 871، ص 65 بأرشيف رئاسة الوزراء العثماني باستانبول، وكذلك انظر صورة الوثيقة وترجمتها بملحق هذا البحث.
وثيقة بمكتبة جامعة استانبول رقم 4659 "عين زبيدة منبع ومجر الرينك تعميراتنه عائدة لائحة وخريطة " وترجمتها: "لائحة وخارطة حول منبع ومجاري عين زبيدة" وتتكون هذه الوثيقة من 51 صحيفة تقفوها خارطة عن قناة عين عرفة.
ثانياً: المصادر والمراجع:
ابن إياس، محمد بن أحمد، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى (القاهرة: دار احياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه)
ابن بطوطة، أبو عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي، رحلة ابن بطوطة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، قدم له وحققه محمد عبد المنعم العريان، راجعه وأعد فهارسه مصطفى القصاص، ط1 (بيروت: دار إحياء العلوم، 1407هـ/ 1987م) .
ابن جبير، أبو الحسين محمد بن أحمد، رحلة ابن جبير (بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، 1399هـ / 1979م) .
ابن فرج، عبد القادر بن أحمد، كتاب السلاح والعدة في تاريخ بندر جدة، تحقيق وترجمة ودراسة أحمد بن عمر الزيلعي وريكس سميث (د. ن، د. ت) .(2/146)
ابن فهد، عز الدين عبد العزيز بن عمر بن محمد، غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام، تحقيق فهيم شلتوت، ط1 (جامعة أم القرى: مركز البحث العلمي واحياء التراث الإسلامي، 1406هـ / 1986م)
ابن فهد، عز الدين عبد العزيز بن عمر بن محمد، بلوغ القرى في ذيل إتحاف الورى بأخبار أم القرى (مكة المكرمة، مخطوط مصور بالميكروفيلم بمعهد البحوث العلمية واحياء التراث الاسلامي بجامعة أم القرى.)
ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين بن مكرم، لسان العرب (بيروت: دار صادر، د. ت) .
الأزرقي، أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد، أخبار مكة وماجاء فيها من الآثار، تحقيق رشدي الصالح ملحس ط4 (مكة المكرمة: مطابع دار الثقافة، 1403هـ / 1983م) .
اسماعيل، صابرة مؤمن، جدة خلال الفترة 1286 - 1326هـ / 1869 - 1908م دراسة تاريخية وحضارية في المصادر المعاصرة (إصدارات دارة الملك عبد العزيز 1418هـ) .
الأنصاري، عبد القدوس، موسوعة تاريخ مدينة جدة، ط3 (القاهرة: دار مصر للطباعة، 1402هـ / 1982م) .
أنيس، إبراهيم وآخرون قاموا بإخراج المعجم الوسيط، ط2 (د. ن، د. ت)
الجزيري، عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن إبراهيم الأنصاري، الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة (القاهرة: المطبعة السلفية ومكتباتها، 1384هـ) ، وكذلك الطبعة التى أعدها للنشر حمد الجاسر ط1 (الرياض: دار اليمامة، 1403هـ / 1983م) .
الحمدان، فاطمة عبد العزيز سليمان، مدينة جدة الموقع البيئة العمران السكان ط1 (جدة: دار المجتمع للنشر والتوزيع، 1410هـ/1990م) .
دحلان، السيد أحمد بن زيني، خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1397هـ / 1977م) .(2/147)
السنجاري، على بن تاج الدين بن تقي الدين، منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم، أعده جميل عبد الله محمد المصري، ط1 (مكة المكرمة جامعة أم القرى، معهد البحوث العلمية، 1419هـ/1998م) .
ششة، نوال سراج، جدة في مطلع القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة الطالب الجامعي، 1406هـ / 1986م)
صبري، أيوب، مرآة جزيرة العرب، ترجمة وتقديم وتعليق أحمد فؤاد متولي والصفصافي أحمد المرسي، ط1 (الرياض: دار الرياض للنشر والتوزيع، 1403هـ / 1983م) .
صفوة، نجدة فتحي، الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية (نجد والحجاز) ط1 (بيروت - لبنان: دار الساقي، 1996م) .
الصواف، فائق بكر ومصطفى رمضان، أهمية ثغر جدة في النصف الأول من القرن العاشر الهجري (16م) (مجلة الدارة، العدد الثاني، السنة السادسة، ربيع الأول 1401هـ، يناير 1981م) .
الطبري، علي بن عبد القادر، الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء، تحقيق وتقديم أشرف أحمد الجمال، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ / 1996م) .
العصامي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، (المطبعة السلفية ومكتبتها، د. ت) .
عطا الله، سمير، قافلة الحبر الرحالة الغربيون إلى الجزيرة والخليج (1762 - 1950م) ط1 (بيروت - لبنان: دار الساقي، 1994م) .
العمرو، صالح، تقارير القناصل البريطانيين في جدة كمصدر لتاريخ غرب الجزيرة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل العشرين "بحث في الندوة العالمية الأولى لدراسات تاريخ الجزيرة العربية" (جامعة الرياض، الكتاب الأول، 1399هـ / 1979م) .
غازي الهندي، عبد الله بن محمد، إفادة الأنام بذكر أخبار البلد الحرام (مكة المكرمة، مخطوط مصور بمكتبة الحرم المكي الشريف رقم 1239، 1240، 1241، 1242) .(2/148)
الفاسي، أبو الطيب تقي الدين محمد بن أحمد بن علي، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، حقق أصوله وعلق حواشيه لجنة من كبار العلماء والأدباء، (بيروت - لبنان: دار الكتب العلمية، د. ت) .
الفاكهي، أبو عبد الله محمد بن إسحاق، أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، دراسة وتحقيق
عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، 1407هـ / 1986م) .
قزاز، محمد صالح، الماء في جدة "العين العزيزية" (مجلة الحج، العدد الأول، السنة الأولى، رجب 1366هـ / مايو 1947م) .
قنديل، أحمد وآخرون، الماء في جدة (مجلة الحج، العدد السابع، السنة الأولى محرم 1367هـ / نوفمبر 1947م.
كحالة، عمر رضى، جغرافية شبه جزيرة العرب، راجعه وعلق عليه أحمد علي، ط2 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، 1384هـ/1964م) .
الكردي، محمد طاهر، كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، ط1 (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، 1412هـ / 1992م) .
المحامي، محمد فريد بك، تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق إحسان حقي، ط2 (بيروت: دار النفائس، 1403هـ /1983م) .
المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله بن أبى بكر، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط2 (ليدن: مطبعة بريل، 1909م) .
النجيدي، حمود بن محمد، جدة من خلال كتابات جار الله بن فهد "دراسة وتحقيق" (مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الثالث عشر، ذو القعدة 1415هـ) .
النهروالي، محمد بن أحمد بن محمد، كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، تحقيق وتقديم هشام عبد العزيز عطا، ط1 (مكة المكرمة: المكتبة التجارية، 1416هـ / 1996م) .
الملاحق
أولاً: وثيقتان
ثانياً: خارطة لموضع آثار قناة عين وادي قوص
ثالثاً: شكلان
رابعاً: اللوحات(2/149)
صيغة فُعْلَى
في العربية
د. عبد الله بن ناصر القرني
الأستاذ المساعد بقسم اللغة والنحو والصرف - كلية اللغة العربية
جامعة أم القرى
ملخص البحث
عرض البحث لصيغة (فُعْلَى) في العربية، وبين الاستعمال العربي لها، وبين أن العرب استعملتها اسْمَ ذاتٍ، واسْمَ مَعْنىً، وصِفَةً، وجاءت أقوالٌ تبين أنه دُلَّ ببعض الألفاظ من هذه الصيغة على الجمع - وإن لم يكن باتفاق -.
ثم عرض البحث بعد ذلك إلى الأحكام اللغوية لهذه الصيغة، وناقش قضايا متعلقة بألفاظها منها:
- استعملت العرب (فُعْلَى) صفة مؤنثاً ل (أَفْعَل) ب (أل) أو بالإضافة، وهو الوجه. وجاء في بعض الشعر والعبارات لدى العلماء استعمالها بغير ذلك، وقد عُدّ لحناً، لكن البحث انتهى إلى إمكان قبوله متابعة لما رآه عضو مجمع اللغة بالقاهرة.
- يختلف جمع صيغة (فُعْلَى) بحسب نوعها فما كان مؤنثاً ل (أفعل) فإنه يجمع على (فُعَل) ويجمع بالألف والتاء فيقال في كُبْرَى كُبَر وكُبْرَيات. وما جاء على غير ذلك فشاذ. وما جمع على (فُعَل) ولم يكن مؤنثاً ل (أفْعَل) فهو شاذٌ أيضاً.
- وما لم يكن مؤنثاً ل (أَفْعَل) فلا يجمع على (فُعَل) ومرد كل ذلك إلى ما سمع عن العرب.
- تتأثر صيغة (فُعْلَى) من حيث الإعلال وعدمه بنوع الصيغة، فأحياناً لا يُعَل ما يجب إعلاله، وأحياناً أخرى يُعَل مالا يجب إعلاله فرقاً بين الاسم والصفة. وكل ذلك بالتفصيل في ثنايا البحث.
• • •
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(2/150)
فقد بذل علماء العربية جهداً كبيراً في تحديد أبنية العربية، وَوَصْفِها على نحوٍ دقيقٍ، بل اتخذها بعضهم منهجاً في حصر الأبنية والتمثيل لها، واتجه آخرون إلى العناية ببعض الأبنية، وحاولوا حصر ألفاظها، ثم تجاوز الأمرُ ذلك إلى أن أخذ صورة المعجم، الذي اتبع نظام الأبنية في ترتيب الألفاظ، وجمع الكلمات اللاتي يجمعها بناء واحد، في باب واحد، يفيد منه الصرفيون، ويطلعنا على خصائص الأوزان، وما يفيده كل بناء من الأبنية، كما فعل الفارابي في ديوان الأدب - على ما في منهجه من مشقة نَتَجَتْ عن تفريق المادة الواحدة -.
وكان في جملة تلك الأبنية صيغة (فُعْلَى) التي اختص بها الاسم دون الفعل، والصيغة بهذا الوزن (فُعْلَى) إشارة إلى أن الكلمات التي جاءت عليها ثلاثية مزيدة بحرف في آخرها.
ولما كانت (فُعْلَى) تتنوع من حيث إنها تكون اسمَ ذات، واسمَ معنى، وصفةً، وصيغةً دالةً على الجمع باختلافٍ بين العلماء؛ أردت أن أبين ذلك في هذا البحث، فجمعت ما وقع لي من ألفاظ هذه الصيغة، في كتب المعاجم والأبنية، وكتب المقصور والممدود، وأفدت كثيراً مما جاء في باب ما جاء على (فُعْلَى) من كتاب المخصص.
ثم أتبعت ذلك بدراسةٍ لبعض القضايا المتعلقة بهذه الصيغة من حيث دلالتها على الجمع في الإعلال.
واقتضت طبيعة البحث أن يكون في خمسة فصول، على النحو التالي:
الفصل الأول: فُعْلَى اسم ذات.
الفصل الثاني: فُعْلَى اسم معنى.
الفصل الثالث: فُعْلَى صفة.
الفصل الرابع: فُعْلَى والدلالة على الجمع.
الفصل الخامس: أحكامها اللغوية.
أرجو أن أكون وفقت في بيان المراد، ووصلت إلى المقصود والله ولي التوفيق.
الفصل الأول: فُعْلَى اسم ذات:(2/151)
استعملت العرب ألفاظاً على زنة (فُعْلَى) للدلالة بها على اسم الذات وإليك ما وجدته في معاجم العربية من هذا: أُبْلَى: أُبْلَى: موضع ورد في غريب الحديث قال ابن الأثير في النهاية: ((وفيه ذكر (أُبْلَى) هو بوزن (حُبْلَى) موضع بأرض بني سليم، بين مكة والمدينة، بعث إليه رسول الله ش قوماً)) (1) . وهي ((جبال فيها بئر معونة)) (2) وذكر ابن سيده أنه وادٍ (3) .
وكذا القالي في المقصور والممدود (4) .
وقال البكري: ((وهي جبال على طريق الآخذ من مكة إلى المدينة، على بطن نَخْلٍ. وأُبْلَى: حِذاءَ وادٍ يقال له عُرَيْفطان ... وبأُبْلَى مياهٌ كثيرة منها بئر مَعونة، وذو ساعدة ... )) (5) .
((وأنشد ابن بري قال: قال زُنَيم بن حَرَجَة في دريد:
فسائل بني دُهمان: أيُّ سَحَابَةٍ ... ... علاهم بأُبْلَى ودقها فاستهلتِ؟
قال ابن سيده: وأنشده أبو بكر محمد بن السريّ السراج:
سَرَى مثلَ نَبْضِ الْعِرْق والليلُ دُونَهُ ... ... وأَعْلاَمُ أُبْلَى كُلُّها فالأَصَالِقُ
ويُرْوَى: وأعلام أُبْل)) (6) .
(أُخْرَى) ((الأُخْرَى والآخرة: دارُ البقاء صفَةٌ غالبةٌ)) (7) .
(أورى) : ((أُورَى شَلَّم: موضع بيت المقدس)) (8) .
((وفي حديث عطاء: أبشري أُورَى شَلَمَ براكب الحمار. يريد بَيْتَ الْمَقْدِس؛ قال الأعشى (9) :
وقد طُفْتُ للمالِ آفاقَه ... ... عُمَانَ فَحِمْصَ فَأُورَى شَلَمْ
__________
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 1 / 16.
(2) القاموس المحيط للفيروزآبادي (أبل) .
(3) المخصص لابن سيده 15 / 190.
(4) المقصور والمدود لأبي علي القالي 235.
(5) معجم ما استعجم 1 / 98.
(6) لسان العرب لابن منظور (أبل) .
(7) لسان العرب لابن منظور (أخر) .
(8) المخصص 15 / 190.
(9) الكبير في ديوانه: 318.(2/152)
والمشهور أُورَى شَلَّم، بالتشديد، فخففه للضرورة، وهو اسم بيت المقدس؛ ورواه بعضهم بالسين المهملة وكسر اللام كأنه عرَّبه وقال: معناه بالعبرانية بيت السلام)) (1) .
(بُصْرَى) : ((بُصْرَى: قرية بالشام)) (2) ، وبُصْرَى مدينة حوران. قال ياقوت: ((بُصْرَى: في موضعين، بالضم والقصر. إحداهما بالشام من أعمال دمشق، وهي قصبة كورة حَوْرَان. مشهورة عند العرب قديماً وحديثاً، ذِكْرُها كثيرٌ في أشعارهم؛ قال أعرابي:
أيا رفقةً، من آل بُصْرَى، تحمّلوا ... ... رسالتنا لُقِّيتِ من رُفقةٍ رُشدا
... وقال الصمة بن عبد الله القشيري:
نظرت، وطرف العين يتَّبع الهوى ... ... بشرقي بُصْرَى نظرة المتطاول
لأبصر ناراً أو قدت، بعد هَجْعةٍ ... ... لِرَيَّا بذات الرّمث من بطن حائل (3)
.... وبُصْرَى أيضاً: من قرى بغداد قرب عُكْبَرَاء ...
وإليها ينسب أبو الحسن محمد بن أحمد بن خلف البُصْرَوي الشاعر ... )) (4) .
(بُقيا) . ((البُقْيا: البقية، وهي أيضاً البَقْوَى)) (5) . قال الشاعر:
فما بُقْيا عَلَيَّ تَرَكْتُمَانِي ... ... ولكن خِفْتُما صَرَدَ النِّبال (6)
__________
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 80.
(2) المخصص 15 / 194.
(3) ديوان الصمة بن عبد الله القشيري ص 449.
(4) معجم البلدان لياقوت الحموي 1 / 441.
(5) المخصص 15 / 193.
(6) الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) لإسماعيل بن حماد الجوهري (بقي) .
والبيت للّعين المِنقري من أبيات له في القضاء بين الفرزدق وجرير، وقبل البيت المذكور:
سأقضي بين كلب بني كليبٍ
فإن الكلب مطعمه خَبيث
وبين القين قين بني عقالِ
وإن القين يعمل في سفالِ
الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 251.(2/153)
(بُهْمَى) (البُهْمَى: نَبْتٌ، قال أبو حنيفة: هي خير أحرار البقول رطباً ويابساً، وهي تنبت أَوَّلَ شيءٍ بَارِضاً حين تخرج من الأرض، تنبت كما ينبت الحبّ، ثم يبلغ بها النبت إلى أن تصير مثل الحبّ، ويخرج لها إذا يبست شوك مثل شوك السُّنْبُل، وإذا وقع في أنوف الإبل والغنم أَنِفَتْ عنه حتى ينزعه الناسُ من أفواهها وأنوفها، وإذا عظمت البُهْمَى ويَبِسَت كانت كلأً يرعاه الناسُ حتى يصيبه المطر من عام مقبل، وينبت من تحته حبه الذي سقط من سُنْبُله، وقال بعض الرواة: البُهْمَى ترتفع نحو الشِّبْرِ، ونباتها ألطف من نبات البُرِّ، وهي أنجع المَرْعَى في الحافر مالم تُسْفِ، الواحد والجميع في كل ذلك سواءٌ، وقيل: واحدته بُهْماة، هذا قول أهل اللغة، وعندي أن من قال: بهماةٌ فالألف عنده مُلْحِقة له بِجُخْدَب، فإذا نزع الهاء أحال اعتقاده الأول عما كان عليه، وجعل الألف للتأنيث فيما بعد، فيجعلها للإلحاق مع تاء التأنيث، ويجعلها للتأنيث إذا فقد الهاء.
وأَبْهَمَت الأرض: أنبتت البُهْمَى. وأرض بَهِمَةٌ: تُنْبِتُ البُهْمَى كذلك، حكاه أبو حنيفة وهذا على النسب) (1) .
(والعرب تقول: البُهْمَى عُقْر الدارِ وعُقارُ الدار، يريدون أنه من خيار المرتع في جناب الدَّار) (2) .
(تُبْنَى) : ((تُبْنَى: موضع من أرض البَثَنِيَّة)) (3) وأنشد سيبويه (4) :
فلا زال قَبْرٌ بين تُبْنَى وجاسم ... ... عليه من الوسمّي طَلٌّ ووابلُ)
وجعل ياقوت (تُبْنَى) في هذا البيت بلدة بحوران من أعمال دمشق، و (تُبْنَى) قرية من أرض البثنية لغسان مذكورة في قول كُثَيِّرِ:
__________
(1) المحكم والمحيط الأعظم لعلي بن إسماعيل بن سيده 4 / 243.
(2) لسان العرب (بهم) .
(3) المخصص 15 / 193.
(4) في الكتاب 3 / 36 والبيت للنابغة الذبياني في ديوانه 155. والرواية فيه:
سقى الغيث قبراً..... بغيث..... قطر ...(2/154)
أصاريمَ حَلّتْ منهمُ سَفْحَ رَاهِطٍ ... ... فأكنافَ تُبْنَى مَرْجَها فَتِلاَلَها (1)
(تُرْعَى) : ((وتُرْعَى: موضع)) (2) . وجعلها البكري على وزن (تُفْعَل) من الرعي (3) .
(تُرْنَى) : ((وتُرْنَى: موضع)) (4) . قال البكري: ((تُرْنَى بضم أوله، وإسكان ثانيه ... وقيل: تَرْنَى، بفتح التاء.
وقال آخرون: بل هو يَرْنَى، بالياء أخت الواو، وهي رملة في ديار بني سعد)) (5) . وجاء على ذلك قول العجاج:
برمل تُرْنَى أو برمل بَوْزَعا (6) (تُوثَى) : ((وكَفْرُ تُوثَى: موضع)) (7) .
وقد جعل القالي (تُبْنَى، وتُرْعَى) على مثال (تُفْعَل) . وذكر المحقق أنه جاء بهامش النسخة: ((ليس يبعد أن تكون هذه الحروف من باب (فُعْلَى) إذ هو أكثر من تُفْعَل، وإنما جعلت التاء في تُرْتَب زائدة بالاشتقاق وعدم المثال، وهذه كلمات لا اشتقاق لها، ولا عدم مثال، إذا أمكن أن تُجْعَل (فُعْلَى)) ) (8) .
(حُبَّى) : ((حُبَّى، على وزن فُعْلَى: اسم امرأة. قال هُدْبَةُ بن خَشْرَمٍ:
فما وَجَدَتْ وَجْدِي بها أُمُّ وَاحدٍ ... ... ولا وَجْدَ حُبَّى بابنِ أُمِّ كِلابِ)) (9)
وقال حذيفة بن دأب:
لَئِنْ خُدِعَتْ حُبَّى بِسِبٍّ مُزَعْفَرٍ ... ... فَقَدْ يُخْدَعُ الضَّبُّ المخادع بالتَّمْرِ (10)
__________
(1) ديوان كثير ص 147. وانظر معجم البلدان لياقوت 2 / 14.
(2) المخصص 15 / 193.
(3) معجم ما استعجم 1 / 310.
(4) المخصص 15 / 193.
(5) معجم ما استعجم 1 / 310.
(6) ديوانه 2 / 353.
(7) المخصص 15 / 193.
(8) المقصور والممدود ص 265.
(9) اللسان (حبب) ص 353.
(10) الحيوان لأبي عثمان الجاحظ 6 / 61 والسِّبُّ؛ بالكسر: العمامة. والمزعفر: الملون بالزعفران.(2/155)
وشُهِرَ بهذا الاسم منهن حُبَّى المْدَنَيَّةُ. و ((حُبَّى بنت جناب بن هبل)) (1) التي كان من نسلها ميسون بنت بحدل أم يزيد بن معاوية.
(حُذْيا) الحُذْيَا: الْعَطِيَّةُ. وقد حَذَوْتُهُ وأَحْذَيْتُهُ، أي: أَعْطَيْتُهُ. ويقال: حُذْيَايَ من هذا الأمْرِ، أي: أعطني هِبَتي.
والحُذْيا: هَديةُ البشارة (2) . وهي القِسْمَةُ من الغنيمة (3) . ((يقال: أحْذاني من الحُذْيا، أي: أعطاني مما أصاب شيئاً)) (4) .
وقد أورده سيبويه في باب ما جاء من المصادر وفيه ألف التأنيث فقال: ((فأما الحُذْيا فالعطيَّة)) (5) .
(حُزْوَى) حُزْوَى: بالضم اسم عُجْمَةٍ من عُجَم الدهناء، وهي جمهور عظيم يعلو تلك الجماهير؛ قال ذو الرمة:
نَبَتْ عيناك عن طلل بِحُزْوَى ... ... عَفَتْهُ الريحُ وامْتَنَحَ القِطارا (6)
قال ياقوت (7) : ((موضع بنجد في ديار تميم وقال الأزهري: جبل من جبال الدهناء مررت به، وقال محمد بن إدريس بن أبي حفصة: حُزْوَى باليمامة، وهي نخل بحذاء قرية بني سدوس، وقال في موضع آخر: حُزْوَى من رمال الدهناء، وأنشد لذي الرمة:
خَلِيليَّ عوجا من صدور الرواحل
لَعَلَّ انحدار الدمع يعقب راحةً
بجمهور حُزْوى فابكيا في المنازل
إلى القلب أو يشفي نَجِيَّ البلابل (8)
وقال أعرابي:.........
لَئِنْ طُلْنَ أيامٌ بِحُزْوَى، لقد أتتْ
عَلَىّ ليالٍ بالعقيق قصار
وقال أعرابي آخر:.........
ألا ليت شعري! هل أبيتنَّ ليلة
__________
(1) كتاب المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي: 21.
(2) انظر المخصص 15 / 190.
(3) انظر اللسان (حذا) .
(4) تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري 5 / 205.
(5) كتاب سيبويه 4 / 40.
(6) ديوان شعر ذي الرمة 193. وانظر لسان العرب (حزا) .
(7) معجم البلدان 2 / 255، 256. وانظر تهذيب اللغة للأزهري 5 / 176 وفي المطبوع (حَزْوَى) بالفتح.
(8) ديوانه ص 491.(2/156)
بجمهور حُزْوَى، حيث ربَّتْنِي أَهْلي؟ (1)
وقال ذو الرُّمَّة:
ألم تسأل اليوم الرسومُ الدوارسُ
بحُزْوَى وهل تدري القفارُ البسابسُ (2)
(حُسْنَى) ((الْحُسْنَى: الجنة، كأنها في وضعها تأنيث الأحسن)) (3) . وقد ورد ذلك في قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} (4) .
والحُسْنَى في الأصل صفة، وهي في هذا الموضع وأمثاله صفة غالبة، أصبحت كالعلم على المقصود بها.
(دُرْتَا) : ((بضم أوله وسكون ثانيه، وتاء مثناة من فوق: موضع قرب مدينة السلام بغداد مما يلي قُطْرَبُّل، ... قال الشاعر:
ألا هَلْ إلى أكنافِ دُرْتا وسُكْرِه
بحانة دُرْتا، من سبيل لنازح؟
... وقال آخر:
يا سَقَى الله منزلاً بين دُرْتا
وأَوَانا وبين تلك المروج
... وذكر الصابي في كتاب بغداد حدودها من أعلى الجانب الغربي فقال: من موضع بيعة دُرْتَا التي هي أوّله وأعلاه.... وقول عميرة بن طارق:
رسالة من لو طاوعوه لأصبحوا
كساةً نَشاوَى بين دُرْتَا وبابل
قال الحازمي: وجدته في أكثر النسخ بالنون، والله أعلم، وقال هلال بن المحسن ومن خطه نقلته وضَبَطَهُ في كتاب بغداد من تصنيفه، قال: ومن نواحي الكوفة ناحية دُرْتَا)) (5) .
(دُرْنَا) : ((ودُرْنا: موضِعٌ. قال الأعْشَى:
حَلَّ أَهْلِي ما بين دُرْنا فبادَوْ1
لي، وحَلَّتْ عُلْويَّةً بالسِّخال)) (6)
قال ياقوت: ((هكذا قال الجوهري، والصواب دُرْتا لأن دُرْتا وبادَوْلي موضعان بسواد بغداد؛ وبالنون رُوِيَ قول عميرة بن طارق اليربوعي حيث قال: ...
رسالة من لو طاوعوه لأصبحوا
كساةً نشاوى بين دُرْنا وبابل
__________
(1) معجم البلدان 2 / 256.
(2) ديوانه ص 311.
(3) المخصص 15 / 190.
(4) سورة يونس: 26.
(5) معجم البلدان 2 / 449.
(6) الصحاح الجوهري (درن) والبيت في ديوان الأعشى ص 295، والرواية فيه: حل أهلي بطن الغميس.(2/157)
وهذا يدل على أنها من نواحي العراق. وقال أبو عبيدة في قول الأعشى:
فقلت للشَّرْب في دُرْنا وقد ثملوا
شِيموا، وكيف يَشِيم الشارب الثَّمِلُ
هكذا رُوِي بالنون، وقيل: دُرْنا كانت باباً من أبواب فارس، وهي دون الحيرة بمراحل.... وقال غيره: دُرْنا باليمامة، هكذا في شرح هذا البيت.
والصحيح أن دُرْتا، بالتاء في أرض بابل، ودُرْنا بالنون باليمامة؛ ومما يدل على أن دُرْنا باليمامة قول الأعشى أيضاً:
فإن تمنعوا منا المشقر والصفا
وإن لنا دُرْنا، فكلَّ عشية
فإنا وجدنا الخُطّ جمّاً نخيلها
يُحَطّ إلينا خمرها وخميلها
... وكانت منازل الأَعشى اليمامة لا العراق، وقال مالك بن نويرة:
فما شكر من أَدَّى إليكم نساءكم
مع القوم قد يَمَّمْنَ دُرْنا وبارقا
وقال الحفصي: دُرْنا نخيلات لبني قيس بن ثعلبة بها قبر الأعشى)) (1) .
وعند ذكر ياقوت لقرية أثافت، اسم قرية باليمن بينها وبين صنعاء يومان قال: ((كانت تسمَّى في الجاهلية دُرْنا وإياها أراد الأعشى بقوله:
أقول للشّرب في دُرْنا وقد ثملوا:
شيموا، وكيف يشيم الشاربُ الثملُ
وكان الأعشى كثيراً ما يَتَّجِرُ فيها، وكان له بها مِعْصَرٌ للخمر، يعصر فيه ما جزل له أهلُ أثافت من أعنابهم)) (2) .
وعلى هذا تكون دُرْنا باليمامة وباليمن.
(رُجْعَى) ((الرُّجْعَى: مَرْجِعُ الْكَتِفِ)) (3) . ((والرُّجْعَى والرَّجِيعُ من الدَّوَابِّ. وقيل من الدَّوَابِّ ومن الإبِلِ: ما رجعته من سَفَرٍ إلى سَفَرٍ وهو الْكَالُّ.
والرُّجْعَى: جَوابُ الرسالةِ. تقول: أرسلت إليك فما جاءني رُجْعَى رسالتي، أَيْ: مَرْجُوعها (4) .
__________
(1) معجم البلدان 2 / 452.
(2) المصدر السابق 1 / 89. وفيه (أثافة) بهذا الرسم.
(3) المخصص 15 / 192.
(4) انظر اللسان (رجع) .(2/158)
(رُحْبَى) ((الرُّحْبَى: مرجع الكتف وهما رُحبيان، وخص أبو عبيد به الإبل. وقيل الرُّحْبَى أعرض ضِلَع في الصدر. وقيل الرُّحْبَى ما بين مغرز العنق إلى منقطع الشراسيف، وقيل هي ما بين ضِلَعَىْ أصل العُنق إلى مرجع الكتف)) (1) .
((والرُّحْبَى: سمة للعرب على جنب البعير)) (2) .
((والرُّحْبَى مَنْبِضُ القلب من الدوابِّ والإنسان)) (3) . أي مكان نبض قلبه وخفقانه وذكر ابن سيده أن رُحْبَى موضع (4) . وضبطها ياقوت بضم أوله وفتح ثانيه، بوزن شُعَبَى (5) فعلى ذلك لا تكون من هذا.
(رُحْمَى) ((ورُحْمَى: اسم مكة وهي أم الرُّحْمِ)) (6) .
(رُقْبَى) ((الرُّقْبَى: أن يُعْطِي الإنسان لإنسانٍ داراً أو أرضاً، فأيهما مات رجع ذلك المال إلى ورثته. سميت بذلك؛ لأن كل واحد منهما يراقب موت صاحبه.
وقيل الرُّقْبَى: أن تجعل المنزل لفلان يسكنه فإن مات سكنه فلان، فكل واحد منهما يرقب موت صاحبه. وقد أَرْقَبَهُ الرُّقْبَى.
وقال اللحياني: أَرْقَبَهُ الدَّارَ: جعلها له رُقْبَى، ولعقبه بعده بمنزلة الوقف)) (7) .
(رُقَّى) : ((الرُّقَّى: شحمة من أرقّ الشحم، لا يأتي عليها أحد إلا أكلها)) (8) .
__________
(1) المخصص 15 / 193، 194.
(2) العين للخليل بن أحمد 3 / 215.
(3) تهذيب اللغة للأزهري 5 / 27.
(4) المخصص 15 / 194.
(5) معجم البلدان 3 / 36.
(6) المخصص 15 / 194.
(7) المحكم 6 / 240.
(8) المصدر السابق.(2/159)
(سُعْدَى) سُعْدَى: اسم امرأة. ((وأنت لا تقول: مررت بالمرأة السُعْدَى ولا بالرجل الأسعد، فينبغي على هذا أن يكون أسعدُ من سُعْدَى كأَسْلَمَ من بُشْرَى، وذهب بعضهم إلى أن أَسْعَدَ مُذَكَّرُ سُعْدَى، قال ابن جني: ولو كان كذلك حَرِي أن يجيء به سماع، ولم نسمعهم قطّ وصفوا بسُعْدَى، وإنما هذا تلاقٍ وقع بين هذين الحرفين المتفقي اللفظ كما يقع هذان المثالان في الْمُخْتَلِفَيْهِ نحو أسلم وبشرى)) (1) .
(سُقْيا) السُقْيا: منزل بين مكة والمدينة، قيل: على يومين من المدينة وفي حديث الحج: وهو قائِلٌ السُّقْيا. ومنه الحديث: أنه كان يَسْتَعْذِبُ الماء من بيوت السُّقْيا (2) .
((وسُقْيا: موضع من بلاد عُذْرَة يقال لها: سُقْيا الجزْل، وهي قريبة من وادي القُرَى)) (3) . وقرية جامعة من عمل الفُرْع بينهما مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلاً، وقيل تسعة وعشرون ميلاً، ومن أسافل أودية تهامة، وقرية عظيمة قريبة من البحر على مسيرة يوم وليلة، والمسيل الذي يفرغ في عرفة ومسجد إبراهيم، وبِرْكَةٌ وأَحْسَاءٌ غليظة دون سميراء للمصعد إلى مكة، وبين السقيا وسميراء أربعة أميال، وقرية على باب منبج ذات بساتين كثيرة ومياه جارية (4) .
والسُّقْيا: الاسم من سقى وأسقى (3) . واسم من أسماء زمزم (5) .
(سُلَّى) ((سُلَّى: قريةٌ بالأهواز كثيرة التمر)) (6) . وضُبِطت في اللسان (7) بكسر السين، واستشهد عليها بقول أبي المقدام بَيْهَس بن صُهَيْب:
بِسِلَّى وسِلِّبْرى مصارع فتية
كرامٍ، وعَقْرَى من كميت ومن ورْدِ
__________
(1) اللسان (سعد) .
(2) انظر النهاية لابن الأثير 2 / 382.
(3) المخصص 15 / 192، وانظر معجم البلدان 3 / 228.
(4) انظر معجم البلدان 3 / 228.
(5) انظر المخصص 15 / 192.
(6) المصدر السابق.
(7) اللسان (سلل) .(2/160)
وسِلَّى وسِلَّبْرى يقال لهما العاقُول، وهي مناذرُ الصُّغْرَى كانت بها وقعة بين المهلب والأزارقة.
وأَيَّدَ ياقوت ما ذكره ابن سيده إذ جعل (سُلَّى) موضعاً بالأهواز. أما (سِلَّى) بالكسر وفتح اللام وتشديدها فماءٌ لبني ضَبَّةَ بنواحي اليمامة (1) .
(سُلْمَى) سُلْمى: ((قالوا: زهير بن أبي سُلْمى. وليس في العرب سُلْمَى غير أبي زهير)) (2) . و ((ليس سُلْمَى من الأسلم كالكُبْرى من الأكْبَرِ)) (3) .
(سُمَّى) ((سُمَّى: اسم فرس)) (4) .
(سُوءَ ى) السُّوءَ ى: النَّارُ، ومنه قول الله تعالى: {ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى} (5) .
قال القرطبي: ((السُّوءَ ى فُعْلَى من السُّوء تأنيث الأَسْوَء وهو الأقبح، كالْحُسْنَى تأنيث الأحسن)) (6) . يشير بهذا إلى أصلها، إذ تكون بهذا المعنى اسم معنى، وسَتُذْكَرُ في بابها، وهي في هذا الموضع وأمثاله صفة غالبة، أصبحت كالعلم على المقصود بها.
(شُؤْمَى) الشُّؤْمَى: ((اليد اليسرى، على خلاف قولهم للأخرى اليُمنَى)) (7) . وهي من الصفات الغالبة التي أصبحت كالعلم على ما تطلق عليه.
__________
(1) معجم البلدان 3 / 244.
(2) المخصص 15 / 192.
(3) اللسان (سلم) .
(4) المخصص 15 / 192.
(5) سورة الروم: 10.
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 14 / 10.
(7) المخصص 15 / 191.(2/161)
(صُدَّى) ((صُدَّى: اسم رجل)) (1) . واعترض التركزي في تعليقه على المخصص على ذلك فقال: ((لقد حَرَّفَ علي بن سيده أفحش تحريف وأشنعه في قوله: وصُدَّى اسم رجلٍ، إذ ساقه في باب (فُعْلَى) بالضم كالذي قبله والذي بعده. والصواب وهو الحق المجمع عليه أن اسم الرجل إنما هو صُدَيٌّ مُصَغَّرٌ ك (سُمَيٍّ) ومنه صُدَيّ بن العجلان، وهو سيدنا أبو أمامة الباهلي الصحابي (رضي الله تعالى عنه) وهو آخر الصحابة موتاً بالشام. وسَمِيُّهُ صُدَيّ بن مالك اليربوعي الذي قال فيه شاعرهم:
فهذي سيوف يا صُدَىّ بن مالك
كثيرٌ ولكن أين للسيف ضارب))
(صُهْبَى) ((وصُهْبَى: اسم فرس للنمر بن تولب، ورويت بالفتح)) (2) .
قال التركزي في تعليقه على المخصص ((قول علي بن سيده: وصُهْبَى: فرس النمر ابن تولب. وسوقه إياها في باب (فُعْلَى) بالضم ك (الدُّنيا) غلط فاحشٌ.
أقول [والقول للتركزي] : وأفحش منه تحريف صاحب القاموس إياها في باب المعتل؛ مع أنه لم يذكرها في بابها بقوله: وصُهَيٌّ كسُمَيٍّ فرس للنمر بن تولب.
ولم يَتَنَبَّهْ لهذا أحد قبلي ممن شرحه وحشاه. والصواب في ضبط اسمها أنه صَهْبَى كسَكْرَى، وذكره ابن سيده بصيغة التمريض حيث قال: ورُوِيَتْ بالفتح. قال النمر بن تولب فيها:
وقد غدوت بصَهْبَى وهي ملهبة
إلهابها كاضطرام الناس في الشيح (3)
وقال أيضاً:
أيذهب باطلاً عدوات صَهْبَى
على الأعداء تختلج اختلاجاً)) (4)
وفي محكم ابن سيده ضبطه بالضم وقال: ((ولا أدري أشتقه من الصَّهَب الذي هو اللون أم ارتجله علماً؟)) (5) .
(صُوقَى) ((الصُّوقَى: المسيل الذي يُسَمَّى الصُّوق.
قال كثُيِّر:
ألا ليت شعري هل تغيَّر بعدنا
__________
(1) المصدر السابق 15 / 192.
(2) المخصص 15 / 192.
(3) شعر النمر بن تولب ص 50.
(4) المصدر السابق ص 48. وانظر المخصص 15 / 192.
(5) المحكم 4 / 150.(2/162)
أراكٌ فصُوقاواته فتُناضِبُ)) (1)
وهو ((موضع قرب غيقة المدينة، ويقال صُوقَى كطُوبَى. وفي شعر كثير: صوقاواتٌ، جمعه بالأجزاء)) (2) .
(طُغْيا) ((طُغْيا: اسم بقرة الوحش)) (3) . قال الهذلي:
وإلا النَّعَامُ وحفَّاتُه
وطُغْيَا مع اللَّهَق الناشط (4)
قال ابن منظور: ((قال الأصمعي: طُغْيَا بالضم، وقال ثعلب: طَغْيَا بالفتح، وهو الصغير من بقر الوحش. قال ابن بري: قول الأصمعي هو الصحيح، وقول ثعلب غلط، لأن فَعْلَى إذا كانت اسماً يجب قلب يائها واواً نحو: شَرْوَى وتَقْوَى، وهما من شريت وتقيت، فكذلك يجب في طَغْيا أن يكون طَغْوَى، قال: ولا يلزم ذلك في قول الأصمعي لأن (فُعْلَى) إذا كانت من الواو وجب قلب الواو فيها ياءً نحو الدنيا والعليا وهما من دنوت وعلوت)) (5) .
(طُوبَى) ((طُوبَى: شجرة في الجنة، وكأنها سميت بتأنيث الأطيب، وسقطت منها الألف واللام في حد العلمية، فخرج على حَسَنٍ وحارثٍ كما سَمَّو الجنة الحُسْنَى؛ إلا أنّ الحُسْنَى خرجت على الحسن والحارث … فطُوبَى عند سيبويه اسم، وفيه معنى الدعاء)) (6) .
(عُرَّى) ((عُرَّى: اسم أرض)) (7) . ((وأنشد لصخر بن الجعد:
يا ويح ناقتي التي كلّفْتُها عُرَّى تَصِرُّ وبارَها وتَنَجَّمُ)) (8)
(عُزَّى) ((العزُّى: التي كانت تعبدها العرب، كانت شجرةً لها شعبتان فقطعها خالد ابن الوليد وقال لها:
كفرانكِ اليوم ولا سبحانكِ
__________
(1) المخصص 15 / 192. وبيت كثير في ديوانه ص 33. وقد أثبت المحقق بدل (صوقاواته)
(صرماقادم) وذكر أنه موضع.
(2) القاموس (صوق) .
(3) المخصص 15 / 193.
(4) نسبته المعاجم لأمية بن أبي عائذ الهذلي، والذي في شرح أشعار الهذليين للسكري 3 / 1290 أنه لأسامة ابن الحارث الهذلي.
(5) اللسان (طغى) .
(6) المخصص 15 / 192.
(7) المخصص 15 / 190.
(8) المقصور والممدود للقالي ص 236.(2/163)
الحمد لله الذي أهانك)) (1)
وهي شجرة سَمُرٍ كانت لغطفان، قال ابن سيده: ((أراه تأنيث الأعزّ)) (2) .
((والعُزَّى تأنيث الأعزّ، مثل الكبرى والأكبر. والأعزّ بمعنى العزيز، والعزُّى بمعنى العزيزة)) (3) .
(عُسْرَى) ((الْعُسْرَى: من الْعُسْرِ. والْعُسْرَى أيضاً: بَقْلَةٌ تُسَمَّى أُذَنَةً، ثم تكون سَحاً، ثم تكون عُسْرَى إذا يبست. وقال كثير:
وما منعاها الماء إلا صُبَابَةً بِأَطْرَافِ عُسْرى شوكها قد تَحَدَّدا)) (4)
(عُمْرَى) ((الْعُمْرَى: الشيء يجعله الرجل لصاحبه عُمُرَهُ، فإذا مات رجع إليه)) (5) .
(فُطْرَى) ((فُطْرَى: نبت وهي شاذة قليلة، وبعضهم يظنها الفُطْرُ من الكمأة)) (6) .
(قُرْبَى) ((قُرْبَى كحُبْلى: ماءٌ قرب تبالة، ولقب بعض الْقُرَّاءِ)) (7) . قال مُزاحمٌ العقيلي:
فما أمُّ أحوى الحُدَّتين خَلالها
بِقُرْبَى مُلاحيٌّ من المُرْدِناطف (8)
(قُرَّى) ((قُرَّى: موضع معروف. قال طفيل:
غَشَيتُ بِقُرَّى فَرْطَ حولٍ مُكَمَّلِ رسومَ ديارٍ من سعادَ ومنزل)) (9)
(قُصْرَى) ((القُصْرَى: أخبث الأفاعي)) (10) . ((وما يبقى في المُنْخُل بعد الانتخال، وقيل: هو ما يخرج من القتِّ، وما يبقى في السنبل من الحب بعد الدوسة الأولى، وقيل: القشرتان اللتان على الحبة سُفلاهما الحشرة، وعلياهما القَصَرة)) (11) .
__________
(1) المخصص 15 / 190.
(2) المحكم 1 / 34.
(3) التهذيب 1 / 85.
(4) المقصور والمدود للقالي ص 236. والبيت لكثير - كما ذكر - في ديوانه ص 75 والرواية فيه:
وما يمنعون الماء إلا ضَنَانَةً بأصلاب عُسْرى شوكهَا قد تَخَدَّدا
(5) المخصص 15 / 190.
(6) المصدر السابق 15 / 194.
(7) القاموس (قرب) .
(8) معجم البلدان 4 / 319.
(9) المقصور والممدود للقالي ص 238. وبيت طفيل في ديوانه ص 62.
(10) المخصص 15 / 191.
(11) اللسان (قصر) .(2/164)
والضِّلَعُ التي تلي الشاكلة بين الجنب والبطن قال أبو داود (1) :
وقُصْرَى شَنِجِ الأَنْسَا
ءِ نَبَّاحٍ من الشُّعْبِ
وقال أوسٌ (2) :
مُعاوِدُ تَأْكال القنيص، شِواؤه
من اللَّحْمِ قُصْرَى رَخْصَةٌ وطَفَاطِفُ
قال أبو الهيثم (3) : القُصَرْى أسفل الأضلاع، وهي اسم، ولو كانت نعتاً لكانت بالألفِ واللامِ (4) .
(قُوسَى) ((قُوسَى بفتح أوله، وضمه معاً، وبسين مهملة، مقصورٌ، على وزن (فُعْلَى) موضع ببلاد هذيل، وفيه قُتِل عُروةُ أخو أبي خراش، قال يرثيه:
فوالله لا أنْسَى قتيلاً رُزئتُه بجانب قوسى ما مشيت على الأرض)) (5)
وجعله ياقوت (قَوْسَى) بالفتح ثم السكون. وقال: ((يجوز أن يكون (فَعْلَى) من القُوس بالضم، وهو معبد الراهب، أو من القَوِس وهو الزمان الصعب أو من الأقْوَس وهو الرمل المشرف ... )) (6) وهو مضبوط بالفتح كَسَكْرَى في القاموس كذلك (7) .
(كُشْنَى) : ((الْكُشْنَى: الكِرْسِنَّةُ)) (8) . وهي ((شجرة صغيرة لها ثمر ... فارسية)) (9) .
__________
(1) في الحيوان 1 / 349، 5 / 214.
(2) ديوان أوس بن حجر 70 وفيه: (معاود قتل الهاديات وقُصْرَى بادنٍ) .
(3) هو الرازي، اشتهر بكنيته، كان نحوياً إماماً علامة، أدرك العلماء وأخذ عنهم توفي سنة (276هـ) .
(4) انظر اللسان (قصر) .
(5) معجم ما استعجم للبكري 3 / 1102. وبيت أبي خراش في ديوان الهذليين 2 / 158، وحماسة أبي تمام 1 / 386 برقم (265) .
(6) معجم البلدان 4 / 413.
(7) انظر (قوس) .
(8) المخصص 15 / 191.
(9) القاموس (كشن) .(2/165)
(كُلْفَى) ((كُلْفَى: مَوْضِعٌ)) (1) . وهو ((رَمْلَةٌ بجنبِ غَيْقَةَ (2) . قال ابن السكيت: كُلْفَى بين الجار وودَّان أسفل من الثنية وفوق شقراء. وقال في موضع آخر: كُلْفَى: ضلع في جانب الرمل أسفل من دعان (3) . قال كثير:
عَفَامَيْثُ كُلْفَى بعدنا فالأَجَاوِلُ
فَأَثْمادُ حَسْنى فالبِرَاقُ القَوَابِلُ)) (4)
(كُوثَى) ((كُوْثَى: في ثلاثة مواضع: بسواد العراق في أرض بابل، وبمكة وهو منزل بني عبد الدار خاصة، ثم غلب على الجميع؛ ولذلك قال الشاعر:
لعن الله منزلاً بطنَ كوثَى
لستُ كوثَى العراق أعني ولكن
ورماه بالفقر والإمعار
كوثة الدار دار عبد الدار
... وكُوْثَى العراق كُوثيان: أحدهما كوثى الطريق، والآخر كُوْثَى رَبّى، وبها مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام، وبها مولده، وهما من أرض بابل … وسار سعد من القادسية في سنة عشر ففتح كُوْثَى؛ وقال زهرة بن جؤية:
لقينا بكُوثَى شهريار نقودُه
وليس بها إلا النساء وفلُّهم
أتيناهمُ في عُقْرِ كوثَى بجمعنا
عشية كُوثَى والأسنة جائرَه
عشية رحنا والعناهيج حاضره
كأن لنا عيناً على القوم ناظره)) (5)
(لُبْنَى) ((اللُّبْنَى: الْمَيْعَةُ)) (6) ، وبه سُمِّيَتْ. و ((اللُّبْنَى: شجرة لها لَبَنٌ كالْعَسَل، يقال له: عَسَلُ لُبْنَى)) (7) . ((وربما يُتَبَخَّرُ به)) (8) قال امرؤ القيس (9) :
__________
(1) المخصص 15 / 191.
(2) بين مكة والمدينة في بلاد غفار موضع بظهر حرة النار لبني ثعلبة. وقيل غير ذلك. انظر معجم البلدان 4 / 222.
(3) واد بين المدينة وينبع على ليلة. انظر المصدر السابق 2 / 457.
(4) ديوانه ص 156. وكلام ابن السكيت في معجم البلدان 4 / 476.
(5) انظر معجم البلدان 4 / 487، 488.
(6) المخصص 15 / 194 والمَيْعة: صمغ يسيل من شجر ببلاد الروم. انظر اللسان (ميع) .
(7) العين 8 / 327.
(8) الصحاح (لبن) .
(9) ديوانه ص 333.(2/166)