وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)
سُورَةُ وَاللَّيْل
(مَكِّيَّة)
ْبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)
هذا قسم جوابه (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) ، أي إن سَعْيَ المْؤمِنِ والكَافِرِ
لمخْتَلِف بينهما بُعْدٌ.
ومعنى إذَا يَغْشَى الليل الأرْضَ توارى الأفُقَ
وجميع ما بين السماء والأرض، والنهار إذَا تَجَلَى إذا بأن وظهر.
* * *
(وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)
كما فسَرناها في قوله: (والسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) .
* * *
وقوله: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)
في التفسير أنها نزلت في أَبِي بَكْرٍ الصديقِ - رَحِمَه اللَّهُ - وكان اشترى
جماعة كان يعذبهم المشركون ليرتدُّوا عن الإسلام فيهم بلال فوصَفَهُ اللَّه - عز وجل - على أنه أعْطى تقوى، وصدَّق بالحسنى، لأنه يجازى عليه.
وقيل صَدَّقَ لأنه يخلف عليه لقوله: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) .
* * *
وقاك: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)
أي للأمر السهل الذي لا يقدر عليه أَحَدٌ إلَّا المؤمنين.
* * *
وقوله: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)(5/335)
وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19)
نزلت في رجل أكْرَة ذِكْرَهُ، وهي جامعة لكل مَنْ بَخِلَ وَكَذَّبَ لأن الله
جلَّ وعزَّ يجازيه أو يخلف عليه.
* * *
(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)
العذاب والأمرُ العَسِيرُ.
* * *
(وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)
قِيلَ إذا مات وقيل إِذَا تَرَدَّى في النارِ.
* * *
(إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)
أي إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلاَل.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)
(تَلَظَّى) معناه تتوهج وَتَتَوقَّدُ.
وَهذه الآية هيَ التي مِنْ أَجْلِهَا قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر لقوله: (لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) .
وليس كما ظنوا، هذه نَارٌ مَوْصوفة بعينها لا يصلى هذه النارَ إلا الأشقى الَّذي كذَّبَ وَتَوَلَّى، ولأهل النار منازل فمنها قوله:
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) .
واللَّه عزَّ وجلَّ كل ما وَعَد عليه بجنس من العذاب فَجَائز أن يُعَذِبَ به.
وقال عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فلو كان كل من لم يشرك باللَّه لا يعذب، لم يكن في قوله تعالى.:
(وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) فائدة، وكان يغفر ما دون ذلك.
* * *
وقوله: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)
أي يطلب أن يكون عند الله زاكياً، لا يطلب بذلك رياءً، ولا سمعةً.
ونزلت في أبي بكر - رضي اللَّه عنه -.
* * *
(وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19)
أي لم يفعل ذلك مجازاة لِيَدٍ أُسْدِيَتْ إليه.(5/336)
وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
(إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)
أي إلا طلب ثوابه.
* * *
وقوله: (وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
أي سوف يدخل الجنة كما قال: (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) .(5/337)
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)
سُورَةُ الضُّحَى
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)
هذا قسم وجوابه (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) .
والضحى: النهار، وقيل ساعة من ساعات النهار.
* * *
(وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)
وقوله إذا سجا معناه إذا سكن.
قال الشاعر:
يا حبَّذا القمراءُ والليلُ الساجْ. . . وطُرُقٌ مثلُ مُلاء النَّسَّاجْ
* * *
ومعنى: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)
أي لم يقطع الوحي عنك وَلَا أَبْغَضَكَ، وذلك أنه تأخر الوحي عن
رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خمسة عشر يوماً، فقال ناس من الناس: إن محمداً قد ودعه صاحبه وقلاه، فأنزل الله عزَّ وجلَّ - (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)
المعنى ما قلاك، كما قال: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ)
المعنى والذاكراته (1) .
* * *
وقوله: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6)
وكان النبي عليه السلام يكفله عمُّه أَبُو طَالبٍ.
* * *
وقوله: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)
معناه - واللَّه أعلم - أنه لم يكن يدري القرآن ولا الشرائِع فهداه اللَّه
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {مَا وَدَّعَكَ} : هذا هو الجوابُ. والعامَّةُ على تشديد الدالِ من التَوْديع. [وقرأ] عروة بن الزبير وابنه هشام وأبو حيوة وابن أبي عبلة بتخفيفِها مِنْ قولِهم: وَدَعَه، أي: تركه والمشهورُ في اللغةِ الاستغناءُ عن وَدَعَ ووَذَرَ واسمِ فاعِلهما واسمِ مفعولِهما ومصدرِهما ب «تَرَكَ» وما تصرَّفَ منه، وقد جاء وَدَعَ ووَذَرَ. قال الشاعر:
4591 سَلْ أميري ما الذي غَيَّرَهْ. . . عن وِصالي اليومَ حتى وَدَعَهْ
وقال الشاعر:
4592 وثُمَّ وَدَعْنا آلَ عمروٍ وعامرٍ. . . فرائِسَ أَطْرافِ المُثَقَّفةِ السُّمْرِ
قيل: والتوديعُ مبالغةٌ في الوَدْع؛ لأن مَنْ وَدَّعك مفارقاً فقد بالغ في تَرْكِك.
قوله: {وَمَا قلى} أي: ما أَبْغَضَك، قلاه يَقْليه بكسر العين في المضارع، وطيِّىء تقول: قلاه يقلاه بالفتح قال الشاعر:
4593 أيا مَنْ لَسْتُ أَنْساه. . . ولا واللَّهِ أَقْلاه
لكَ اللَّهُ على ذاكَ. . . لكَ اللَّهُ [لكَ اللَّهُ]
وحُذِفَ مفعولُ «قَلَى» مراعاةً للفواصلِ مع العِلْم به وكذا بعدَ «فآوى» وما بعدَه.
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/339)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
إلى القرآن وشرائع الإسلام، ودليل ذلك قوله: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ)
وقال قوم: كان على أَمْرِ قَوْمِهِ أربعين سنة (1) .
* * *
وقوله: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)
أي لا تقهره على ماله.
* * *
(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)
أي لا تنهرهُ، إما أعطيته، وإما رددته ردًّا لَيِّناً.
* * *
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
أي بلِّغ ما أرسلت به وحَدِّثْ بالنبوة التي آتاك الله وهي أجَلُّ النِّعمِ.
__________
(1) كلام في غاية الفساد والبطلان، ويكفي في رده قوله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) .(5/340)
وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
سُورَةُ الشَّرْحِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)
أي شرحناه للإسلام.
* * *
(وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2)
أي وضعنا عنك إثمك أن غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
* * *
(الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
جعل ذكر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مقروناً بذكر توحيد اللَّه في الأذان وفي كثير مما يذكر الله جلَّ وعزَّ، يقول فيه: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمداً رسول اللَّه.
* * *
وقوله: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)
فذكر العسر مع الألف واللام ثم ثَنَّى ذكره، فصار المعنى إنَّ مع العُسْرِ
يُسْريْنِ، وقال النبي عليه السلام: لا يغلب عسر يُسْرَين.
وقيل: لو دخل العسر جحراً لدخل اليسر عليه، وذلك أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا في ضيقٍ شديدٍ.
فأعلمهم الله أنهم سَيُوسِرونَ وأن سَيُفْتَح عَلَيْهِمْ.
وَأَبْدَلَهمْ بالعُسْرِ اليُسْرَ (1) .
* * *
وقوله: (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
أي اجْعَل رغبتك إلى الله وحده.
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً} : العامَّةُ على سكونِ السين في الكلم الأربع، وابن وثاب وأبو جعفر وعيسى بضمِّها. وفيه خلافٌ. هل هو أصلٌ، أو مثقلٌ من المسكِّن؟ والألفُ واللامُ في «العُسر» الأولِ لتعريف الجنس، وفي الثاني للعهدِ؛ ولذلك رُوِيَ عن ابن عباس: «لن يُغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن» ورُوي أيضاً مرفوعاً أنه عليه السلام خرج يضحك يقول: «لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» والسببُ فيه: أنَّ العربَ إذا أَتَتْ باسمٍ ثم أعادَتْه مع الألفِ واللامِ ِكان هو الأولَ نحو: «جاء رجلٌ فأكرمْتُ الرجلَ» وكقولِه تعالى: {كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فعصى فِرْعَوْنُ الرسول} [المزمل: 1516] ولو أعادَتْه بغير ألفٍ ولامٍ كان غيرَ الأول. فقوله: {إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً} لَمَّا أعاد العُسْرَ الثاني أعادَه بأل، ولَمَّا كان اليُسْرُ الثاني غيرَ الأولِ لم يُعِدْه ب أل.
وقال الزمخشري: «فإنْ قلتَ ما معنى قولِ ابن عباس؟ وذكرَ ما تقدَّم. قلت: هذه عَمَلٌ على الظاهرِ وبناءٌ على قوةِ الرجاءِ، وأنَّ موعدَ اللَّهِ لا يُحْمل إلاَّ على أوفى ما يحتملُه اللفظُ وأَبْلَغُه، والقولُ فيه أنه يحتمل أَنْ تكونَ الجملةُ الثانيةُ تكريراً للأولى، كما كرَّر قولَه: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 15] لتقريرِ معناها في النفوسِ وتمكينِها في القلوب، وكما يُكَرَّر المفرد في قولك:» جاء زيدٌ زيدٌ «وأَنْ تكونَ الأولى عِدَةً بأنَّ العُسْرَ مُرْدَفٌ بيُسْرٍ لا مَحالَةَ، والثانيةُ عِدَةً مستأنفةٌ بأنَّ العُسْرَ متبوعٌ بيسرٍ، فهما يُسْران على تقديرِ الاستئناف، وإنما كان العُسْرُ واحداً لأنه لا يخلو: إمَّا أَنْ يكونَ تعريفُه للعهدِ وهو العسرُ الذي كانوا فيه فهو هو؛ لأنَّ حكمَه حكمُ» زيد «في قولك:» إنَّ مع زيد مالاً، إنَّ مع زيد مالاً «وإمَّا أَنْ يكونَ للجنسِ الذي يَعْلَمُه كلُّ أحدٍ فهو هو أيضاً، وأمَّا اليُسْرُ فمنكَّرٌ مُتَناولٌ لبعض الجنسِ، وإذا كان الكلامُ الثاني مستأنفاً غيرَ مكررٍ فقد تناوَلَ بعضاً غيرَ البعضِ الأولِ بغيرِ إشكال» .
وقال أبو البقاء: «العُسْرُ في الموضعَيْنِ واحدٌ؛ لأنَّ الألفَ واللامَ توجبُ تكريرَ الأولِ، وأمَّا» يُسْراً «في الموضعَيْنِ فاثنانِ، لأنَّ النكرةَ إذا أُريد تكريرُها جيْءَ بضميرِها أو بالألفِ واللام، ومن هنا قيل:» لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن «وقال الزمخشري أيضاً:» فإنْ قلتَ: إنَّ «مع» للصحبة، فما معنى اصطحابِ اليُسْرِ والعُسْرِ؟ قلت: أراد أنَّ اللَّهَ تعالى يُصيبُهم بيُسرٍ بعد العُسْرِ الذي كانوا فيه بزمانٍ قريبٍ، فَقَرُبَ اليُسْرُ المترقَّبُ حتى جَعَله كأنَّه كالمقارِنِ للعُسْرِ، زيادةً في التسلية وتقويةً للقلوب «وقال أيضاً: فإنْ قلتَ ما معنى هذا التنكير؟ قلت: التفخيمُ كأنه قيل: إنَّ مع العُسْر يُسْراً عظيماً وأيَّ يُسْرٍ؟ وهو في مُصحفِ ابن مسعودٍ مرةٌ واحدٌ. فإنْ قلتَ: فإذا ثَبَتَ في قراءتِه غيرَ مكررٍ فلِمَ قال:» والذي نفسي بيده لو كان العُسْرُ في جُحْرٍ لطَلَبه اليُسْرُ حتى يَدْخُلَ عليه، لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن «قلت:» كأنه قَصَدَ باليُسْرين ما في قوله «يُسْراً» مِنْ معنى التفخيم، فتأوَّله ب «يُسْرِ الدارَيْن» وذلك يُسْران في الحقيقة «.
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/341)
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)
سُورَةُ التِّينِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)
قيل التين دمشق والزيتون بيت المقدس.
وقيل: التين جبل عليه دمشق، والزيتون جبل عليه بيت المقدس.
وقيل والتين والزيتون جَبَلانِ.
وقيل التين والزيتون هذا التين الذي نعرفه، وهذا الزيتون الذي نعرفُه.
* * *
(وَطُورِ سِينِينَ (2)
جبل، وقرأ بعضهم و " طورِ سيناء "، وهذا القول - والله
أعلم - أشبه لقوله: (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) .
* * *
(وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)
يعني مكة.
* * *
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
أي في أَحْسَنِ صُورَةٍ.
* * *
(ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)
إلى أرذل العُمُر، وقيل إلى الضلال كما قال عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) .
وهو - واللَّه أعلم - أنْ خلق الخلق على الفطرة فمن كفر وضل فهو المردود إلَى أَسْفَلِ السَّافِلِين.(5/343)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
أي إلَّا هُؤلَاءِ فَلم يردوا إلى أسفل سافلين.
* * *
وقوله: (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) .
أي لا يُمَنَّ عَلَيْهِمْ، وقيل غير ممنون غير مقطوع.
وجواب القسم في قوله: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) قوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) .(5/344)
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)
سُورَةُ العَلَقِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
جاء في التفسير أن أول آية نزلت من القرآن (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) .
* * *
وقوله: (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)
أي الذي علم الكتابة.
* * *
وقوله: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)
هذه نزلت في أَبي جَهْلٍ بنِ هِشَام، وكذلك: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) .
لأن أبا جهل قال: إنْ رَأَيْتُ مُحمداً يُصَلِّي تَوَطَّأْتُ عنقه.
* * *
وقوله: (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15)
أي لنُجَرنَّ ناصيته إلى النار، يقال: سَفَعْتُ بالشيء إذَا اقْبَضْتُ عليه
وجذبته جَذْباً شديداً (1) .
* * *
وقوله: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)
وتأويله بناصيةٍ صَاحِبُها كاذبٌ خاطئ، كما يقال فلان نهارُه صائم وليلُه
قائم، المعنى هو صائم فِي نهاره وقائم في ليله.
* * *
(فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {لَنَسْفَعاً} : الوقفُ على هذه النونِ بالألفِ، تشبيهاً لها بالتنوين، وكذلك يُحْذَفُ بعد الضمة والكسرة وقفاً. وتكتب ههنا ألفاً إتباعاً للوقف. ورُوِي عن أبي عمروٍ «لَنَسْفَعَنَّ» بالنونِ الثقيلةِ. والسَّفْعُ: الأَخْذُ والقَبْضُ على الشيءِ بشدةٍ وجَذْبه. وقال عمرو بن معد يكرب:
4607 قومٌ إذا سَمِعُوا الصَّريخَ رَأَيْتَهُمْ. . . ما بين مُلْجمِ مُهْرِه أو سافعِ
وقيل: هو الأَخْذُ بلغةِ قريشٍ. وقال الراغب: «السَّفْعُ: الأخْذُ بسُفْعِه الفَرَس، أي: بسَوادِ ناصيتِه، وباعتبار السوادِ قيل للأثافيّ:» سُفْعٌ «وبه سُفْعَةُ غَضَبٍ، اعتباراً بما يَعْلُو من اللون الدُّخاني وَجْهَ مَنْ اشتدَّ به الغضبُ، وقيل: للصَّقْر:» أسْفَعُ «لِما فيه مِنْ لَمْعِ السَّوادِ، وامرأةٌ سَفْعاءُ اللونِ» انتهى. وفي الحديث: «فقامَتِ امرأةٌ سَفْعاءُ الخَدَّيْن» .
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/345)
كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
معناه فليدع أهل ناديه، وهم أهل مجلسه، وَكَانُوا عَشِيرَتَه أي فليستنصر بهم.
* * *
(سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)
الزبانية الغلاظ الشداد، وَاحِدُهم زِبْنية، وهم ههنا الملائكة، قال اللَّه
عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ)
وَهُمُ الزَبَانِيَةُ.
* * *
(كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
(كَلَّا)
أي ليس الأمر على ما عليه أبوجهل.
(لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)
أي وتقرَّب إلى ربِّك بالطاعة.(5/346)
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
سُورَةُ الْقَدْرِ
مدنية وقيل الصحيح (مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
الهاء ضمير القرآن ولم يجر له ذكَر في أول السورة ولكنه جرى ذكره
فيما قبلها، وهو قوله؛ (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) ، وهي لَيْلة القَدْرِ.
ومعنى ليلَة القدر ليلة الحكم قال الله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) .
نزل القرآن كله إلى السماء الدنيا في ليلة القَدْرِ، ثم نزل به جبريل عليه
السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - في عشرين سنة.
* * *
وقوله: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
من ألف شهر ليس فيه لَيلة القَدْرِ.
* * *
وقوله: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)
تنزل الملائكة بما يقضي الله عزَّ وَجَل في ليلَة القدرَ للسنة إلَى أن تأتيَ
ليلةُ القَدْرِ.
وقُرِئَتْ (مِنْ كُلِّ امْرِئٍ) (1) ، وهذه القراءة تخالف المصحف، إلا أنها
قد رويت عن ابن عباس.
* * *
وقوله: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
__________
(1) قال السَّمين:
«امْرِئٍ» مُذكَّرُ امرأة، أي: مِنْ أجلِ كلِّ إنسانٍ. وقيل: مِنْ أجل كلِّ مَلَكٍ، وهو بعيدٌ. اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/347)
أي لا داء فيها، ولا يستطيع الشيطانُ أن يصنع فيها سَيِّئاً، والروح
جبريل عليه السلابم.
وقرئت (مَطْلَعَ الفَجْرِ) ، وَمَطْلِعَ الفَجْرِ - بفتح اللام والكسر -
فمن فتح فَهوَ المصدَرُ بمعنى الطلع. تَقُول: طلع الفجر طلوعاً وَمَطْلَعاً.
ومن قال مَطْلِع فهو اسم لوقت الطلوع وكذلك لمكان الطلوع، الاسم مَطْلِع بكسر اللام.(5/348)
فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)
سُورَةُ القَيِّمَة
(مَدَنية) وقيل الصحيح (مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)
(المشركين) في موضع جر عطف على أهل الكتاب، المعنى لم يكن
الذين كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين.
وقوله: (مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) .
أي لم يكونوا منفكين من كفرهم، ومعنى منفكين منتهين عن كفرهم.
* * *
وقوله (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2)
(رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو)
يرتفع على ضربين:
أَحَدهُما على البَدَلَ مِنَ (الْبَيِّنَةُ) .
المعنى حتى يأتيهم رسول من اللَّه.
والضرب الثاني على تفسير (الْبَيِّنَةُ) ، و (الْبَيِّنَةُ) (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً) .
أي مطهرة من الأدناس والباطل، قال الله عزَّ وجلَّ: (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) .
* * *
وقوله: (فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)(5/349)
جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
أي كتب غير ذات عوج مستقيمة تُبَيِّنُ الحقَّ من الباطل على الاستواء
والبرهان.
* * *
قوله.: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
أي ما تفرقوا في ملكهم وكفرهم بالنبي عليه السلام إلا من بعد أن تبينُوا
أنه الذي وعدوا به في التوراة والإنجيل.
* * *
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
أي يعبدونه مُوحِّدين له لا يعبدون معه غيره
(حُنَفَاءَ) على دين إبراهيم ودين محمد عليه السلام.
(وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ) .
أي يؤمنوا مع التوحيد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويقيموا شرائعه.
(وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) .
أي وذلِكَ دين الأمة الْقَيِّمَةِ بالحق فيكون ذلك دين الملَّةِ المستقيمة.
* * *
وقوله: (أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)
القراءة (الْبَرِيَّةِ) بترك الهمزة.
وقد قرأ نافع (البريئة) بالهمز، والقُرَّاء غيرُهُ مجمعُونَ على ترك الهمز، كما أجمعوا في النبي، والأصل البريئة، إلا أن الهمزة خففت لكثرة الاستعمال. يقولون: هذا خيرُ البريِّةِ وشرُّ البريَّةِ وما في البريَّة مِثْلُه، واشتقاقهُ من برأ اللَّه الخلق.
وقال بعضهم: جائز أن يكون اشتقاقها من البَرَا وهو التراب، ولو كان كذلك لما قرأوا البريئة بالهمز.
والكلام برأ اللَّه الخلق يبرؤهم، ولم يحك أحد براهم يبريهم، فيكون اشتقاقه
من البَرَا وهو التراب (1) .
* * *
وقوله: (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
(جَنَّاتُ عَدْنٍ)
أي جَنَّاتُ إقامة.
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {البرية} : قرأ نافعٌ وابن ذَكْوان «البَريئة» بالهمزِ في الحرفَيْن، والباقون بياءٍ مشدَّدةٍ. واخْتُلِف في ذلك الهمز، فقيل: هو الأصلُ، مِنْ بَرَأ اللَّهُ الخَلْقَ ابتدأه واخترعَه فيه فعليةٌ بمعنى مَفْعولةٌ، وإنما خُفِّفَتْ، والتُزِمَ تحفيفُها عند عامَّةِ العربِ. وقد ذَكَرْتُ أنَّ العربَ التزمَتْ غالباً تخفيفَ ألفاظٍ منها: النبيُّ والخابِيةَ والذُّرِّيَّة والبَرِيَّة. وقيل: بل البَرِيَّةُ دونَ همزةِ مشتقةٌ مِنْ البَرا، وهو الترابُ، فهي أصلٌ بنفسِها، فالقراءتان مختلفتا الأصلِ متفقتا المعنى. إلاَّ أنَّ ابنَ عطيةَ غَضَّ مِنْ هذا فقال: «وهذا الاشتقاقُ يَجْعَلُ الهمزةَ خطأً وهو اشتقاقٌ غيرُ مَرْضِيّ» انتهى. يعني أنَّه إذا قيل بأنَّها مشتقةٌ من البَرا وهو الترابُ فمَنْ أين يجيْءُ في القراءةِ الأخرى؟ وهذا غيرُ لازم لأنهما قراءتان مُسْتقلَّتان، لكلٍ منهما أصلٌ مستقلٌ، فقيل: مِنْ بَرَأَ، أي: خَلَق، وهذه مِنْ البَرا؛ لأنَّهم خُلِقوا مِنْه، والمعنى بالقراءتين شيءٌ واحدٌ، وهو جميعُ الخَلْقِ. ولا يُلْتَفَتُ إلى مَنْ ضَعَّف الهمزَ من النحاةِ والقُرَّاءِ لثبوتِه متواتِراً.
وقرأ العامَّةُ «خيرُ البَرِيَّة» مقابلاً لشَرّ. وعامر بن عبد الواحد «خِيارُ» وهو جمع خَيِّر نحو: جِياد وطِياب في جمع جَيِّد وطَيِّب، قاله الزمخشري.
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/350)
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ
مدنية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
إذا حركت حركة شديدة، والقراءة (زِلْزَالَها) بكسر الزاي، ويجوز في
الكلام زَلْزَالَها، وقرئت (زَلْزَالَها) ، وليس في الكلام فَعْلَال بفتح الفَاء إلا في
المضاعف نحو الزلزال والصلْصَال.
والاختيارُ كَسرِ الزاي، والفتح جائز.
* * *
(وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)
أخرجت كُنوزها وموتاها
* * *
(وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)
هذا قول الكافِرِ لأنه لم يكن يؤمن بالبعث، فقال: مَا لَها، أي لأي شيء
زلزالها.
* * *
(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)
(يَوْمَئِذٍ) منصوب بقوله: (إِذَا زُلْزِلَت) ، وأخرجت، في ذلك اليوم
ومعنى (تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) ، [تخبرُ] بما عُمِلَ عَليها.
* * *
(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
أي يَصْدُرون متفرقينَ منهم من عمْل صالحاً ومنهم من عمل شَرًّا(5/351)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
والقراءة (لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ)
وُيرْوَى (لِيَرَوْا أَعْمَالَهُمْ) ، ولا أعلم أَحَداً قرأ بها.
ولا يجوز أن يقرأ بما يجوز في العربية إذا لم يقرأ به من أُخِذَت عَنْهُ القراءة.
* * *
ومعنى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
تأويله أن اللَّه جلَّ وعزَّ قد أحصى أعمال العباد من خَيرٍ، وكل يرى عمله، فمن أَحَبَّ اللَّه أن يغفر له غَفَر له.
ومن أحب أَنْ يُجَازِيَه جَازَاهُ.
وقيل مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ في الدنيا.
وكذلك شَرُّا يره في الدنيا (1) . واللَّه أعلم.
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {خَيْراً} ، {شَرّاً} : في نصبِهما وجهان، أظهرهما: أنهما تمييز للمِثْقال فإنه مقدارٌ. والثاني: أنهما بدلان مِنْ «مثقالَ»
قوله: {يَرَهُ} جوابُ الشرط في الموضعين. وقرأ هشام بسكونِ هاء «يَرَهْ» وَصْلاً في الحرفَيْن. وباقي السبعةِ بضمِّها موصولةً بواوٍ وَصْلاً، وساكنةً وَقْفاً كسائرِ هاءِ الكنايةِ، هذا ما قرَأْتُ به. ونَقَل الشيخُ عن هشام وأبي بكر سكونَها، وعن أبي عمرو ضمُّها مُشْبعة، وباقي السبعةِ بإشباعِ الأولى وسكونِ الثانية. انتهى. وكان ذلك لأجلِ الوقفِ على آخرِ السورةِ غالباً. أمَّا لو وَصَلوا آخرَها بأولِ «العادِيات» كان الحكمُ الإِشباعَ هذا مقتضى أصولِهم كما قَدَّمْتُه وهو المنقولُ.
وقرأ العامَّةُ «يَرَهُ» مبنياً للفاعلِ. وقرأ ابن عباس والحسين بن علي وزيد بن علي وأبو حيوة وعاصم والكسائي في رواية «يُرَه» مبنياً للمفعول. وعكرمة «يَراه» بالألفِ: إمَّا على تقديرِ الجزمِ بحَذْفِ الحركةِ المقدرة، وإمَّا على تَوَهُّمِ أنَّ «مَنْ» موصولةٌ، وتحقيق هذا مذكورٌ في أواخِر يوسف. وحكى الزمخشري أن أعرابياً أَخَّر «خيراً يَرَهُ» فقيل له: قَدَّمْتُ وأَخَّرْتَ، فأنشد:
4615 خذا بَطْنَ هرشى أوقَفاها فإنَّه. . . كِلا جانِبَيْ هرشى لَهُنَّ طريقُ
انتهى. يريدُ أنَّ التقديمَ والتأخيرَ سواءٌ، وهذا لا يجوزُ ألبتَّةََ فإنه خطأٌ لا يُعْتَقَدُ به قراءةً.
والذَّرَّة قيل: النملةُ الصغيرةُ. وأصغرُ ما تكونُ قضى عليها حَوْلٌ قال امرؤ القيس:
4616 من القاصراتِ الطَرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ. . . من الذَّرِّ فوق الإِتْبِ منها لأَثَّرا
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/352)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)
سُورَةُ وَالْعَادِيَاتِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)
يعنى بالعاديات ههنا الخيل، وهذَا قسم جوابه: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) .
وقوله: (ضَبْحًا) .
معناه والعاديات تضبح ضبحاً، وضبحها صوت أجوافها إذا عَدَتْ.
* * *
(فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2)
إذا عدت الخيل بالليل وأصابت حوافرها الحجارة انقدح منها النيران.
* * *
(فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3)
يعنى الخيل.
وجاء في التفسير أنها سَريَّة كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
كندة.
* * *
(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)
النقع الغبارُ، فقال " بِهِ " ولم يتقدم ذكر المكان، ولكن في الكلام دَليلٌ
عليه، المعنى فَأَثَرْنَ بمكان عَدْوِهَا نَقْعًا أَيْ غباراً.
* * *
(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)
القراءة (فَوَسَّطْنَ) أي فتوسطْنَ المكان.
ولو قال (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) لجازَتْ، إلا أنِّي لَا أعْلَمُ أحَداً قَرأ بها (1) .
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {فَوَسَطْنَ} : العامَّةُ على تخفيفِ السينِ، أي: تَوَسَّطْنَ. وفي الهاءِ في «به» أوجهٌ، أحدُها: أنها للصبح، كما تقدَّم. والثاني: أنها للنَّقْعِ، أي: وَسَطْنَ بالنَّقْعِ الجَمْعَ، أي: جَعَلْنَ الغبارَ وَسْطَ الجمع، فالباءُ للتعدية، وعلى الأولِ هي ظرفيةٌ، الثالث: أنَّ الباءَ للحاليةِ، أي: فتوَسَّطْن مُلْتبساتٍ بالنقع، أي: بالغبار جمعاً من جموع الأعداء. وقيل: الباءُ مزيدةٌ، نقله أبو البقاء و «جَمْعاً» على هذه الأوجهِ مفعولٌ به. الرابع: أنَّ المرادَ ب جَمْع المزدلفةُ وهي تُسَمَّى جَمْعاً. والمرادُ أنَّ الإِبلَ تتوسَّطُ جَمْعاً الذي هو المزدلفةُ، كما مرَّ عن أميرِ المؤمنين رضي الله عنه، فالمرادُ بالجَمْعِ مكانٌ لا جماعةُ الناسِ، كقولِ صفية:
4626. . . . . . . . . . . والعادياتِ غَداةَ جَمْعٍ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقولِ بشرِ بنِ أبي خازم:
4627 فَوَسَطْنَ جَمْعَهُمُ وأَفْلَتَ حاجبٌ. . . تحت العَجابةِ في الغُبارِ الأَقْتَمِ
و «جَمْعاً» على هذا منصوبٌ على الظرف، وعلى هذا فيكونُ الضميرُ في «به» : «إمَّا للوقتِ، أي: في وقت الصبح، وإمَّا للنَّقْع، وتكونُ الباءُ للحال، أي: مُلْتبساتٍ بالنَّقْع. إلاَّ أنه يُشْكِلُ نَصْبُ الظرفِ المختصِّ إذ كان حَقُّه أَنْ يتعدى إليه ب» في «وقال أبو البقاء:» إنَّ جَمْعاً حالٌ «وسبقه إليه مكي. وفيه بُعْدٌ؛ إذ المعنى: على أنَّ الخيلَ توسَّطَتْ جَمْعٌ الناسِ.
وقرأ علي وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى بتشديد السين، وهما لغتان بمعنىً واحدٍ أعني التثقيلَ والتخفيفَ. وقال الزمخشري:» التشديدُ للتعديةِ والباءُ مزيدةٌ للتأكيدِ كقوله: {وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً} [البقرة: 25] وهي مبالَغَةٌ في «وَسَطْن» انتهى. وقولُه: «وهي مبالَغَةٌ» يناقِضُ قولَه أولاً «للتعدية» ؛ لأن التشديدَ للمبالغة لا يُكْسِبُ الفعلَ مفعولاً آخر تقول: «ذَبَحْتُ الغنم» مخففاً ثم تبالِغُ فتقول: «ذَبَّحْتها» مثقلاً، وهذا على رأيِه قد جَعَله متعدياً بنفسِه بدليلِ جَعْلِه الباءِ مزيدةً فلا يكون للمبالغة.
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/353)
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
وقوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
معناه لكفورٌ، يعنى بذلك الكافِرُ.
* * *
(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)
معنى (لَشَدِيدٌ) لَبخيل، أي وإنه من أَجْل حُبِّ المال لبخيل.
قال طرفة:
أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَام ويَصْطَفي. . . عَقِيلَةَ مَالِ البَاخِلِ المُتَشدِّدِ
* * *
وقوله: (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)
بعثر وبحثر بمعنى وَاحِدٍ، والمعنى أفلا يعلم إذا بعث الموتى.
* * *
وقوله: (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
الله عزَّ وجلَّ خبير بَهَم في ذلك اليوم وَفي غيره، ولكن المعنى إن اللَّه
يجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم، وليس يجازيهم إلا بِعِلْمِهِ أعمالهم.
ومثله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوِبهِمْ) @ فمعناه أولئك الذين لايتركُ مجازاتِهُمْ.(5/354)
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)
سُورَةُ الْقَارِعَةِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)
القارعة والواقعة والحاقَّة مِن صفات ساعة القيامَةِ.
والقارعة التي تقرع بالأهوال.
وقد فسرنا إعراب (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) ومِثلها (الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ) .
* * *
وقوله: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)
(يَوْمَ) منصوب على الظرف، المعنى يكون يوم يكون الناس كالفراش
المبثوث، والفراش ما تراه كصغار البق يتهافت في النار، وشبه الناس في
وقت البعث بالجراد المنتشر، والفراش المبثوث لأنهم إذا بعثوا يموج بعضهم
في بعض كالجراد الذي يموج بعضه في بعض.
* * *
وقوله: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
(العِهْن) الصوف، واحدته عِهنة، يقالُ عِهْنة وعِهْن، مثل صوفة وصوف.
* * *
وقوله: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)
ذات رِضًى، معناه من ثقلت موازينه بالحسنات، كما تقول: لفلان
عندي وزن ثقيلٌ، تأويله له وزن في الخير ثقيل.
ومعنى (فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) ذات رضى يرضاها من يعيش فيها.
وقال قوم: معناه مرْضِيةٍ، وهو يعود إلى هذا المعنى في التفسير.(5/355)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)
وقوله: (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)
أي فَمَسْكَنَه النار.
وقيل (أُمُّهُ) لَمَسْكِنِه لأن الأصل في السكونِ إلى
الأُمَّهاتِ فَأُبْدَلَ فِيمَا يَسْكُنُ إلَيْه (نَارٌ حَامِيَةٌ) .
* * *
وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)
الوقف " هِيَه "، والوصل هي نار حَامِيةٌ إلا أن الهاء دخلت في الوقف
تبين فتحة الياء، والذي يجب اتباع المصحف فيوقف عليها ولا توصل.
فيقرأ (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)) .
لأن السنة اتباع المصحف، والهاء ثابتة فيه.(5/356)
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)
سُورَةُ التَّكَاثُر
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)
أي شَغَلكم التكَاثُر بالأموال والأولاد عن طاعة اللَّهِ.
* * *
(حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
أي حتى أَدْرَككم الموت على تلك الحال.
وجاء في التفسير أن حَيينِ من العرب، وهم بنو عبد مناف وبنو سهم تَفاخروا وتكاثروا، ففخرت بنو عبد مناف على بني سهم بأن عدوا الأحياء، فقالت بنو سهم: فاذكروا الموتى.
وَكَثرَتْهُم بَنُو سهم بعد أن كان بنو عبد مناف قد كَثرُوا بني سَهْمٍ.
* * *
وقوله: (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)
(كَلَّا) ردع وتنبيه، المعنى ليس الأمر الذي ينبغي أن يكونوا عليه
التكَاثُرَ، والذي ينبغي أن يكونوا عليه طاعة اللَّه والإيمانُ بنبيه - صلى الله عليه وسلم -.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
المعنى لو علمتم الشيء حق علمه، وصرفتُم التفهم إليه، لارْتَدَعْتُم.
ثم قال:
* * *
(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)(5/357)
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
كما قال: (وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا) .
والقراءة لتروُن - بضم الواو غير مهموزة - فضمت الواو لسكونها وسكون النون - وقد همزها بعضهم - لَتَرؤن -
والنحويونْ يكرهون همزة الواو، لأن ضمتها غير لازمة لأنها حركت لالتقاء
السَّاكنين، ويهمزون الواو التي ضمتها لازمة نحو أَدْؤرٍ جمع دار، فيجوز أدؤر بالهمز وادور بغير الهمز، وأنت مخير فيهما، فأمَّا " لَتَرؤنَّ " ثم لَتَرَوُنَها فلا يختار النحويون إلا ترك الهمزة، وقرئت: " لتُرَؤُنَّ " الجحيم، على ما لم يُسَم فاعِلُه.
* * *
(ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
أي يوم القيامة، عن كل ما يتنعَم به في الدنيا، وجاء في الحديث أن
النبي عليه السلام أكل هو وجماعة من أصحابه تمراً - وروي بُسْراً - وشربوا
عليه ماء فقال: الحمد للَّهِ الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين.
وجاء أن مما لا يسأل العبد عنه لباساً يواري سوْأَتَه وطعاماً يقيم به صلبه، ومكاناً يكنه مِنَ الحَرِّ والبَرْدِ.(5/358)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
سُورَةُ والْعَصْرِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
الإنسان ههنا في معنى الناس، كما تقول: قد كثر الدرهم والدينار في
أيدي الناس، تريد قد كثر الدراهم.
وقوله: (لَفِي خُسْرٍ)
الخسرُ والخسْرانُ في معنى وَاحِدٍ.
المعنى إن الناس الكفارَ والعاملين بغير طاعة الله لفي خُسرٍ.
* * *
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
تواصوا بالِإقامة على تَوْحِيدِ اللَّه والإيمان بنبيه عليه السلام.
(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
على طاعة اللَّه والجهاد في سبيله والقيام بشرائع نبيه.
والعصر هو الدهر، والعصران اليوم، والعصرُ الليلة.
قال الشاعر:
ولن يَلْبَثَ العَصْرَانِ يومٌ وليلة. . . إِذا طَلَبَا أَن يُدْرِكا ما تَيَمَّما(5/359)
(وَالعَصْرِ) قسم وجوابه (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) .
وقال بعضهم: معناه ورَبِّ العَصْرِ كما قال جل ثناؤه: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) . (1)
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {والعصر} : العامَّةُ على سكونِ الصادِ. وسلام «والعَصِرْ» والصَّبِرْ «بكسرِ الصادِ والباء. قال ابنُ عطية: ولا يجوزُ إلاَّ في الوقفِ على نَقْلِ الحركةِ. ورُوِيَ عن أبي عمروٍ» بالصَّبِر «بكسرِ الباء إشماماً. وهذا أيضاً لا يجوزُ إلاَّ في الوقفِ» انتهى. ونَقَل هذه القراءةَ جماعةٌ كالهُذَليِّ وأبي الفضل الرازيِّ وابنِ خالويه. قال الهُذَليُّ: «والعَصِرْ والصَّبِرْ، والفَجِرْ، والوَتِرْ، بكسرِ ما قبل الساكنِ في هذه كلِّها هارونُ وابنُ موسى عن أبي عمروٍ والباقون بالإِسكانِ كالجماعةِ» انتهى. فهذا إطْلاقٌ منه لهذه القراءةِ في حالتي الوقفِ والوصلِ. وقال ابن خالويه: «والصَّبِرْ» بنَقْل الحركةِ عن أبي عمرو «فأطْلَقَ ايضاً. وقال أبو الفضل:» عيسى البصرة بالصَّبِرْ «بنَقْلِ حركةِ الراءِ إلى الباءِ يُحتاجَ إلى أَنْ يأتيَ ببعضِ الحركةِ في الوقفِ، ولا إلى أَنْ يُسَكَّنَ فيُجْمَعَ بين ساكنَيْن، وذلك لغةٌ شائعةٌ وليسَتْ بشاذةٍ، بل مُسْتفيضةٌ، وذلك دَلالةٌ على الإِعرابِ، وانفصالٌ من التقاءِ الساكنَيْن، وتأديةُ حقِّ الموقوفِ عليه من السكونِ» انتهى. فهذا يُؤْذِنُ بما ذَكَرَ ابنُ عطيةَ أنه كان ينبغي. وأنشدوا على ذلك:
4636. . . . . . واصْطِفاقاً بالرِّجِلْ. . . يريد بالرِّجْلِ. وقال آخر:
4637 أنا جريرٌ كُنْيتي أبو عَمِرْ. . . أَضْرِبُ بالسَّيْفِ وسَعْدٌ في القَصِرْ
والنقلُ جائزٌ في الضمة أيضاً كقوله:
4638. . . . . . . . . . . . . إذْ جَدَّ النُّقُرْ. . . والعَصْرُ: الليلةُ واليومُ قال:
4639 ولن يَلْبَثَ العَصْرانِ يَوْمٌ وليلةٌ. . . إذا طلبا أن يُدْرِكا ما تَيَمَّما
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/360)
الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
سُورَةُ الهُمَزَة
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
(وَيْلٌ) مرفوع بالابتداء والخبر (لِكُلِّ هُمَزَةٍ)
ولو كان في غير القرآن جاز النصب، ولا يجوز في القرآن لمخالفة المصحف. فمن قال: وْيلاً للكافرين.
فالمعنى جعل الله له ويلاً، ومن قال: (وَيْلٌ) فهو أجود فى العربية
لأنه قد ثبت له الويل، والويل كلمة تقال لكل من وقع في هلكة.
والهُمَزَةُ اللُمَزَةُ الذي يغتاب النَّاسَ ويَغُضُّهم
قال الشاعر:
إذا لَقِيتُكَ عَنْ كُرْهٍ تُكَاشِرُني. . . وإن تَغَيَّبْتُ كُنْتَ الهَامِزَ اللُّمَزَهْ
* * *
(الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
وقرئت: (الذي جَمَّعَ مَالًا) ، وقرئت (جَمَعَ مَالًا) ، بالتخفيف.
وقرئت (وَعَدَّدَهُ) بالتشديد، وقرئت (وَعَدَدَهُ) - بالتخفيف.
فمن قرأ (وَعَدَّدَهُ) فمعناه، وَعَدَّدَهُ للدهُور.
ومن قرأ (وَعَدَدَهُ) فمعناه جمع مالاً وَعَدَداً، أي وقوماً أعَدَّهم نُصَّاراً (1) .
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {الذى جَمَعَ} : يجوزُ جرُّه بدلاً، ونصبُه ورفعُه على القطع. ولا يجوزُ جَرُّه نعتاً ولا بياناً لتغايُرِهما تعريفاً وتنكيراً. وقولُه: «جَمَعَ» قرأ الأخَوان وابن عامر بتشديدِ الميم على المبالغةِ والتكثيرِ، ولأنَّه يوافِقُ «عَدَّدَه» والباقون «جمَعَ» مخففاً وهي محتمِلَةٌ للتكثيرِ وعدمِه.
قوله: «وعَدَّدَه» العامَّةُ على تثقيل الدالِ الأول، وهو أيضاً للمبالغةِ. وقرأ الحسن والكلبُّي بتخفيفِها. وفيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّ المعنى: جَمَعَ مالاً وعَدَدَ ذلك المالَ، أي: وجَمَعَ عَدَدَه، أي: أحصاه. والثاني: أنَّ المعنى: وجَمَعَ عَدَدَ نفسِه مِنْ عَشِيرَتِهِ وأقاربِه، و «عَدَدَه» على هَذَيْنِ التأويلَيْنِ اسمٌ معطوفٌ على «مالاً» أي: وجَمَعَ عَدَدَ المالِ أو عَدَدَ نفسِه. الثالث: أنَّ «عَدَدَه» فعلٌ ماضٍ بمعنى عَدَّه، إلاَّ أنَّه شَذَّ في إظهارِه كما شَذَّ في قولِه:
4641. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إني أَجُوْدُ لأَِقْوامٍ وإنْ ضَنِنُوا
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/361)
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
وقوله: (يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
أي يعمل عمل من لا يظن مع يساره أنه يَمُوتَ.
* * *
وقوله: (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
أي يرمى به في النار.
والحُطَمَةُ اسم من أسماء النار.
وقرئت (لَيُنْبَذَانِّ فِي الْحُطَمَةِ) .
ورويت - عن الحسن، على أن المعنى لينبذنَّ هو وماله في الحُطَمَةِ.
وقرئت (لَتَنْبُذُنَ) فِي الْحُطَمَةِ، فمعناه أنه لينبذ هو وجمعُه في
الحطمة. والقراءة المعروفة (لَيُنْبَذَنَّ) .
* * *
قوله: (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
هذه نار معدة لهؤلاء الكفار ومن كان مثلهم.
ومعنى (تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ)
يبلغ ألمها وإحْرَاقُها إلى الأفئدة.
* * *
وقوله: (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)
قرئت بالِهمز وبغير همز.
وقرئت مُوصَدَة، والعرب تقول أَوْصَدْتُه فعلى هذا مُوصَدَة.
وتقول آصَدْتُه فعلى هذا مؤصَدَة. بالهمزة.
ومعنى " مُوصَدَةٌ " مطبقة، أي العَذَابُ مطبَق عليهم.
* * *
وقوله: (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
وقرئت (فِي عُمُدٍ) وهو جمع عمَادٍ وَعُمَد وَعُمُد، كما قالوا: إِهابٌ وأَهَبٌ وَأُهُبٌ. ومعناه أنها في عُمَد مِنَ النَّارِ (1) .
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {فِي عَمَدٍ} : قرأ الأخَوان وأبو بكر بضمتين جمعَ «عَمُود» نحو: «رَسُول ورُسُل» . وقيل: جمعُ عِماد نحو: كِتاب وكُتُب. ورُوي عن أبي عمروٍ الضمُّ والسكونُ، وهو تخفيفٌ لهذهِ القراءةِ. والباقون «عَمَد» بفتحتَيْن. فقيل: اسمُ جَمْعٍ لعَمود. وقيل: بل هو جمعٌ له، قال الفراء: كأَدِيْم وأَدَم «وقال ابو عبيدة:» هو جمعُ عِماد «و» في عَمَدٍ «يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ الضميرِ في» عليهم «، أي: مُوْثَقِين، وأَنْ يكونَ خبراً لمبتدأ مُضمرٍ، أي: هم في عَمَدٍ، وأَنْ يكونَ صفةٌ لمُؤْصَدَة، قال أبو البقاء» يعني: فتكون النارُ داخلَ العَمَدِ «.
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/362)
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)
سُورَةُ الْفِيلِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
(كَيْفَ) في موضع نصب ب (فَعَلَ رَبُّكَ) لا بِقَوْله: (أَلَمْ تَرَ) ، لأن كيف
من حروف الاستفهام.
ومعنى (أَلَمْ تَرَ) ألم تعلم، فأَعلم اللَّه - عزَّ وجلَّ - رسوله
ما كان مما سَلَفَ من الأقاصيص وما فيه دَالٌّ على توحيد اللَّه وتعظيمه أمر
كعبته، وكان من قصة أصحاب الفيل أنَّ قوماً من العرب - وكانوا ببلاد
النجاشي - وكانوا بحضرة بيت هو مصَلَّى للنَّصَارَى وأصحاب النجاشي.
فأججوا ناراً استعملوها لبعض ما احتاجوا إليه، ثم رحلوا ولم يطفئوها فحملتها الريح حتى أَحْرَقَتِ البَيْتَ الذي كان مصلاهم وَمَثَابة للنجاشي وَأَصْحَابِه، فقصد مكة مقَدِّراً أَن يَحرقَ بيت الحَرَامَ ويستبيح أهل مكة.
فلما قربوا من الحرم لَمْ تَسِرْ بهم دَوَابهم نحو البيتِ فإذا عطفوها راجعين سَارَتْ.
فوعظهم اللَّهُ بأَبْلَغ مَوْعظةٍ، فأقاموا على قصد البيت وعلى أن يحرقوه، فأرسل الله عليهم طَيراً أَبابيل، فجعل كيدهم في تضليل، أي في ذهاب وهلاك، وكان مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجر في منقاره وحَجران في رجليه، يقع الحجر منها على رأس الرجل فيخرج من دبره على كل حجر اسم الرجل الذي وقع عليه، فقال اللَّه جل ثناؤه:
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)
جماعات من ههنا وجماعات من ههنا
والمعنى أرسل اللَّه عليهم هذا الطير بهذه الحجارة من كل جانب.(5/363)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
ومعنى (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)
وصف اللَّه في كل من عَذَبه بالحجارة أَنَها مِنْ سِجِّيلٍ، فقال في قوم
لُوطٍ: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) .
فالمعنى وأرْسَل عليهم ما يرميهم بحجارة مِنْ سِجِّيلٍ، أي من شديد
عَذَابه، والعرب إذا وصفت المكروه بسِجِيلٍ كأنها تعني به الشدَّةَ ولا يوصف
بهء غير المكروه.
قال الشاعر.
وَرَجْلَةً يَضْرِبُونَ البَيْضَ عَنْ عُرُضٍ. . . ضرباً تواصَتْ به الأبطالُ سِجِّيلَا
أَيْ ضَرْباً. شَدِيداً.
وأما (أبابيل) قال أبو عُبَيدَةَ: لا واحد لها، وقال غيره: إبَّالةُ وَأَبابيل.
و (إبَّالَة) كأنَّها جماعة، وقَالَ بَعْضُهم واحدها " إبَّوْل " وأبابيل، مثل عجول
وعجاجيل.
* * *
(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
أي جعلهم كَوَرَقِ الزَّرْعِ الذي جَفَّ وأُكل: أي: وقع فيه الأُكال.
وجاء في التفسير أن الله تعالى أرسل عليهم سيلًا فحملهم إلى البحر.(5/364)
إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
سُورَةُ قُرَيْشٍ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)
فيه ثلاثة أوجه: (لإِلافِ قُرَيْشٍ) ، و (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) ، ووجه ثالث " لِإِلْفِ
قُرَيْش) .
وقد قرئ بالوجهين الأولين (1) .
* * *
وقوله: (إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
يجوز فيه ما جاز في " لِايلَافِ " إلا أَنه قد قرئ في هذها إلْفِهِمْ "
و" إيلافهم " ويجوز إلَافِهم. وهذه اللام قال النحويون فيها ثلاثة أوجه، قيل هي موصولة بما قبلها، المعنى فجعلهم كعصف مأكول لإلف قريش.
أي أهلك اللَّه أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قَد ألفُوا من رحلة الشتاء والصيف.
وقال قوم: هذه لام التعجب فكان المعنى اعجبوا لإيلاف قريش.
وقال النحويون الذين ترتضى عربيتهم: هذه اللام معناها متصل بما بعد
فليعبدوا، والمعنى فليعبد هؤلاء ربَّ هذا البيت لِإِلْفِهِمْ رحلة الشتاء
والصيف.
والتأويل أن قريشاً كانوا يرحلون في الشتاء إلى الشام وفي الصيف إلى
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} : في متعلَّقِ هذه اللامِ، أوجهٌ، أحدُها: أنه ما في السورةِ قبلَها مِنْ قولِه {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ} [قريش: 5] . قال الزمخشري: «وهذا بمنزلةِ التَّضْمينِ في الشِّعْرِ» وهو أَنْ يتعلَّقَ معنى البيتِ بالذي قبلَه تَعَلُّقاً لا يَصِحُ إلاَّ به، وهما في مصحفِ أُبَي سورةٌ واحدٍ بلا فَصْلٍ. وعن عُمَرَ أنه قرأهما في الثانية من صلاة المغرب وفي الأولى بسورةِ «والتين» انتهى. وإلى هذا ذهبَ أبو الحسنِ الأخفشُ إلاَّ أنَّ الحوفيَّ قال: «ورَدَّ هذا القولَ جماعةٌ: بأنَّه لو كان كذا لكان» لإِيلافِ «بعضَ سورةِ» ألم تَرَ «وفي إجماعِ الجميعِ على الفَصْلِ بينهما ما يدلُّ على عَدَمِ ذلك»
الثاني: أنَّه مضمرٌ تقديرُه: فَعَلْنا ذلك، أي: إهلاكَ أصحابِ الفيل لإِيلافِ قريش. وقيل: تقديرُه اعْجَبوا. الثالث: أنه قولُه «فَلْيَعْبُدوا» .
وإنما دَخَلَتْ الفاءُ لِما في الكلامِ مِنْ معنى الشرطِ، أي: فإنْ لم يَعْبُدوه لسائرِ نِعَمِه فَلْيَعْبدوه لإِيلافِهم فإنَّها أَظْهَرُ نعمِهِ عليهم، قاله الزمخشري وهو قولُ الخليلِ قبلَه.
وقرأ ابن عامر «لإِلافِ» دونَ ياءٍ قبل اللامِ الثانيةِ، والباقون «لإِيلافِ» بياءٍ قبلَها، وأَجْمَعَ الكلُّ على إثبات الياءِ في الثاني، وهو «إيلافِهِمْ» ومِنْ غريبِ ما اتَّفَق في هذَيْن الحرفَيْنِ أنَّ القرَّاءَ اختلفوا في سقوطِ الياءِ وثبوتِها في الأولِ، مع اتفاقِ المصاحفِ على إثباتِها خَطَّاً، واتفقوا على إثباتِ الياءِ في الثاني مع اتفاقِ المصاحفِ على سقوطِها فيه خَطَّاً، فهو أَدَلُّ دليلٍ على أنَّ القُرَّاءَ مُتَّبِعون الأثَر والروايةَ لا مجرَّدَ الخطِّ.
فأمَّا قراءةُ ابنِ عامرٍ ففيها وجهان، أحدُهما: أنه مصدرٌ ل أَلِف ثلاثياً يُقال: أَلِفْتُه إلافاً، نحو: كتبتُه كِتاباً، يُقال: أَلِفْتُه إلْفاً وإلافاً. وقد جَمَعَ الشاعرُ بينَهما في قولِه:
4647 زَعَمْتُمْ أنَّ إخْوَتَكُمْ قُرَيْشٌ. . . لهم إلْفٌ وليس لكُمْ إلافُ
والثاني: أنَّه مصدرُ آلَفَ رباعياً نحو: قاتَلَ قِتالاً. وقال الزمخشري: «أي: لمُؤالَفَةِ قريشٍ» .
وأمَّا قراءةُ الباقين فمصدرُ آلَفَ رباعياً بزنةِ أَكْرَم يقال: آلَفْتُه أُوْلِفُه إيْلافاً. قال الشاعر:
4648 مِنَ المُؤْلِفاتِ الرَّمْلِ أَدْماءُ حُرَّةٍ. . . شعاعُ الضُّحى في مَتْنِها يَتَوضَّحُ
وقرأ عاصمٌ في روايةٍ «إإْلافِهم» بمهزتين: الأولى مسكورةٌ والثانية ساكنةٌ، وهي شاذَّةٌ، لأنه يجب في مثلِه إبدالُ الثانية حرفاً مجانساً كإِيمان. ورُويَ عنه أيضاً بِهَمْزَتين مَكْسورَتَيِن بعدهما ياءٌ ساكنةٌ. وخُرِّجَتْ على أنه أَشْبَعَ كسرةً الهمزةِ الثانية فتولَّد منها ياءٌ، وهذه أَشَذُ مِنْ الأولى ونَقَلَ أبو البقاء أشَذَّ منها فقال: «بهمزةٍ مكسورةٍ بعدها ياءٌ ساكنةٌ، بعدها همزةٌ مسكورةٌ، وهو بعيدٌ. ووَجْهُها أنه أشبعَ الكسرةَ فنشَأَتْ الياءُ، وقَصَد بذلك الفصلَ بين الهمزتَيْن كالألفِ في {أَأَنذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] .
وقرأ أبو جعفر «لإِلْفِ قُرَيْشٍ» بزنة قِرْد. وقد تقدَم أنه مصدرٌ لأَلِفَ كقوله:
4649. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لهم إلْفٌ وليس لكم إلافُ
وعنه أيضاً وعن ابن كثير «إلْفِهم» وعنه أيضاً وعن ابن عامر «إلا فِهِمْ» مثل: كِتابهم. وعنه أيضاً «لِيْلافِ» بياءٍ ساكنةٍ بعد اللامِ؛ وذلك أنه لَمَّا أبدل الثانيةَ حَذَفَ الأولى على غير قياسٍ. وقرأ عكرمةُ «لِتَأْلَفْ قُرَيْش» فعلاً مضارعاً وعنه «لِيَأْلَفْ على الأمر، واللامُ مكسورةٌ، وعنه فَتْحُها مع الأمرِ وهي لُغَيَّةٌ.
وقُرَيْش اسمٌ لقبيلةٍ. قيل: هم وَلَدُ النَّضْرِ بنِ كِنانَةَ، وكلُّ مَنْ وَلَدُه النَّضْرُ فهو قُرَشِيٌّ دونَ كِنانةَ، وهو الصحيحُ وقيل: هم وَلَدُ فِهْرِ بن مالك ابن النَّضْر بنِ كِنانةَ. فَمَنْ لم يَلِدْه فِهْرٌ فليس بقُرَشيٍّ، فوقع الوِفاقُ على أنَّ بني فِهْرٍ قرشيُّون. وعلى أنًَّ كنانةَ ليسوا بقرشيين. ووقع الخلافُ في النَّضْر ومالكٍ.
واخْتُلِفَ في اشتقاقِه على أوجه، أحدها: أنه من التَّقَرُّشِ وهو التجمُّعُ سُمُّوا بذلك لاجتماعِهم بعد افتراقِهم. قال الشاعر:
4650 أبونا قُصَيُّ كان يدعى مُجَمِّعاً. . . به جَمَّعَ اللَّهُ القبائلَ مِنْ فِهْرِ
والثاني: أنه من القَرْشِ وهو الكَسْبُ. وكانت قريشٌ تُجَّاراً. يقال: قَرَشَ يَقْرِشُ أي: اكتسب. والثالث: أنه مِنْ التفتيش. يقال قَرَّشَ يُقَرِّشُ عني، أي: فَتَّش. وكانت قريشٌ يُفَتِّشون على ذوي الخُلاَّنِ ليَسُدُّوا خُلَّتَهم. قال الشاعر:
4651 أيُّها الشامِتُ المُقَرِّشُ عنا. . . عند عمروٍ فهَلْ له إبْقاءُ
وقد سأل معاويةُ ابنَ عباس. فقال: سُمِّيَتْ بدابةٍ في البحرِ يقال لها: القِرْش، تأكلُ ولا تُؤكَل، وتَعْلو ولا تعلى وأنشد قولَ تُبَّعٍ:
4652 وَقُرَيْشٌ هي التي تَسْكُنُ البَحْ. . . رَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا
تأكلُ الغَثَّ والسَّمينَ ولا تَتْ. . . رُكُ فيها لذي جناحَيْنِ رِيشا
هكذا في البلادِ حَيُّ قُرَيْشٍ. . . يأكلونَ البلادَ أكْلاً كَميشا
ولهم آخِرَ الزمان نَبيٌّ. . . يُكْثِرُ القَتْلَ فيهمُ والخُموشا
ثم قريشٌ: إمَّا أَنْ يكونَ مصغراً مِنْ مزيدٍ على الثلاثةِ، فيكونَ تصغيرُه تصغيرَ ترخيمٍ. فقيل: الأصلُ: مُقْرِش. وقيل: قارِش، وإمَّا أَنْ يكونَ مُصَغَّراً مِنْ ثلاثيٍّ نحوَ القَرْشِ. وأجمعوا على صَرْفِه هنا مُراداً به الحيُّ ولو أُريد به القبيلةُ لا متنعَتْ مِنْ الصرفِ كقولِ الشاعر:
4653- غَلَبَ المَساميحَ الوليدُ سَماحةً. . . وكفى قُرَيْشَ المُعْضِلاتِ وسادَها
قال سيبويه في مَعَدّ وقُرَيْش وثَقِيْف وكِنانةَ:» هذه للأحياءِ «وإنْ جعلَتها اسماً للقبائلِ فهو جائزٌ حَسَنٌ» .
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/365)
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
اليمن فيمتارون، وكانوا في الرحلتين آمنين والناس يتخطفون، وكانوا إذا
عرض لهم عارض قالوا نحن أهل حرم الله فلا يتعرض لهم.
فأعلم اللَّه سبحانه أن من الدلالة على وحدانيته ما فعل بهؤلاء لأنهم ببلد لا زرع فيه وأنهم فيه آمنون.
قال اللَّه - جل ثناؤه - (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) .
أي يؤمنون بالأصنام ويكفرون باللَّه - عزَّ وجلَّ - الذي أنعم عليهم بهذه النِّعْمَةِ، فأمرهم بعبادته وحده لأِنْ آلَفَهُم هاتين الرحلتين.
* * *
(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
وكانوا قد أصابتهم شدة حتى أكلوا الميتة والجيف.
(وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) .
آمنهم من أن يخافوا في الحرم، ومِن أَنْ يخافوا في رحلتهم يقال:
أَلِفْت المكان آلفه إلفاً، وآلفت المكان بمعنى ألفت، أولفهُ إيلافاً.(5/366)
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
سُورَةُ الْمَاعُون (الدِّين)
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
وقرئت " أَرَيْتَ "
والاختيارُ أرأيت بإثبات الهمزة الثانية لأن الهمزة إنَّمَا
طرحت للمستقبل في ترى ويرى وأرى.
والأصل ترأى وَيرأى.
فأمَّا رأيت فليس يصح عن العرب فيها ريت.
ولكن ألف الاستفهام لما كانت في أول
الكلام سَهَّلَت إلقاء الهمزة، والاختيار إثباتها.
* * *
وقوله: (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)
معنى يدُع في اللغة يدفع، وكذلك قوله: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) .
أي يدفعون إليها دفعاً بعنف، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ عن حَقِه.
ويقرأ (فَذَلِكَ الَّذِي يَدَعُ الْيَتِيمَ) .
تأويله فذلك الذي لا يعبأ باليتيم ويتركه مهملاً
* * *
وقوله: (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)
أي لا يطعم المسكين ولا يأمر بإطْعَامِه.
* * *
وقوله: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) .
يُعْنَى بهذا المنافقون، لأنهم كانوا إنما يراءون بالصلاة إذَا هُمْ رآهم
المؤمنون صلوا معهم، وإذا لم يروهم لم يصلوا، وقيل هم عن صلاتهم(5/367)
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
ساهون يؤخرونها عن وقتها، ومن تعمَّد تأخيرها عن وقتها حتى يدخل وقت
غيرها فالويل له أيضاً كما قال اللَّه عزَّ وجلَّ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
أي يمنعون ما فيه منفعة.
والماعون في الجاهلية ما فيه منفعة حتى الفأس والدلو والقدر والقَدُّاحَة
وكل ما انتفع به من قليل أو كثير.
قال الأعشى:
بأَجْوَدَ منه بماعُونِه. . . إذا ما سَمَاؤهم لم تَغِمْ
والماعون في الإسلام قيل هو الزكاة والطاعة.
قال الراعي.
قَوْمي على الإِسْلام لمَّا يَمْنَعُوا. . . ماعُونَهُمْ ويُضَيِّعُوا التَّهْلِيلا
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {الماعون} : أوجهٌ، أحدُها: أنه فاعُول من المَعْنِ وهو الشيءُ القليل. يُقال: «مالُه مَعْنَةٌ» أي: قليلٌ، قاله قطرب. الثاني: أنَّه اسمُ مفعولٍ مِنْ أعانه يُعينه. والأصلُ: مَعْوُوْن. وكان مِنْ حَقِّه على هذا أَنْ يقال: مَعُوْن كمَقُوْل ومَصُون اسمَيْ مفعول مِنْ قال وصان، ولكنه قُلِبَتِ الكلمةُ: بأنْ قُدِّمَتْ عينُها قبل فائِها فصار مَوْعُوْن، ثم قُلِبَتِ الواوُ الأولى ألفاً كقولِهم «تابَةٌ» و «صامَةٌ» في تَوْبة وصَوْمَة، فوزنُه الآن مَعْفُوْل. وفي هذا الوجه شذوذٌ من ثلاثةِ أوجهٍ، أوَّلُها: كَوْنُ مَفْعول جاء من أَفْعَل وحقُّه أَنْ يكونَ على مُفْعَل كمُكْرَم فيقال: مُعان كمُقام. وإمَّا مَفْعول فاسمُ مفعولِ الثلاثي. الثاني: القَلْبُ وهو خلافُ الأصلِ: الثالث: قَلْبُ حرفِ العلةِ ألفاً، وإنْ لم يتحرَّكْ، وقياسُه على تابة وصامة بعيدٌ لشذوذِ المَقيسِ عليه. وقد يُجاب عن الثالث: بأنَّ الواوَ متحركةٌ في الأصل قبل القلبِ فإنه بزنةِ مَعْوُوْن.
الثالث: من الأوجه الأُوَل: أنَّ أصله مَعُوْنَة والألفُ عوضٌ من الهاء، ووزنُه مَفُعْل كمَلُوْم ووزنُه بعد الزيادة: ما فُعْل. واختلفَتْ عباراتُ أهلِ التفسير فيه، وأحسنُها: أنَّه كلُّ ما يُستعان به ويُنتفع به كالفَأْس والدَّلْوِ والمِقْدحة وأُنْشِد قولُ الأعشى:
4657 بأَجْوَدَ مِنْه بماعُوْنِه. . . إذا ما سماؤُهمُ لم تَغِمّْ
ولم يَذْكُرِ المفعولَ الأولَ للمَنْع: إمَّا للعِلْمِ به، أي: يَمْنعون الناسَ أو الطالبين، وإمَّا لأنَّ الغَرَضَ ذِكْرُ ما يمنعونه لا مَنْ يمنعون، تنبيهاً على خساسَتِهم وضَنِّهم بالأشياءِ التافهةِ المُسْتَقْبَحِ مَنْعُها عند كلِّ أحدٍ. اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/368)
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
سُورَةُ الْكَوْثَر
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)
جاء في التفسير أن الكوثر نهر في الجنة أشد بياضاً من اللبن وأحلى من
العسل، حافَّتَاه قباب الدر، مجوف، وجاء في التفسير أيضاً أن الكوثر الإسلام والنبوةُ.
وقال أهل اللغة: الكوثر فوعل من الكثرة، ومعناه الخير الكثير.
وجميع ما جاء في تفسير هذا قد أعطيه النبي عليه السلام.
قد أعطي الإسلام والنبوة وإظهار الدين الذي أتى به على كل دين والنصر على عدوه والشفاعة.
وما لا يحصى مما أعطيه، وقد أعطي من الجنة على قدر فضله على أهل
الجنة.
* * *
ومعنى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
أي وانحر أيضاً لربك، وقيل يعنى به صلاة الغداة في يوم النحر، أي
وانحر بعد صلاة الفجر، والأكثر فيما جاء " فَصَلِّ لِرَبك وانْحَرْ "
صلاة يوم الأضْحَى ثم النحر بعد الصلاة.
وقيل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) أي اجعل يمينك على
شمالك إذا وقفت في الصلاة وضمهما إلى صدرك.(5/369)
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
وقوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
(شَانِئَكَ) مبغضك وهذا هو العاص بن وائل دخل النبي عليه السلام وهو
جالس فقال: هذا الأبتر، أي هذا الذي لا عقب له، فقال اللَّه تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ) يا محمد (هُوَ الْأَبْتَرُ) .
فجائز أن يكون هو المنقطع العقب.
وجائز أن يكون هو المنقطع عنه كل خير.
والبتر استئصال القطع.(5/370)
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
سُورَةُ الْكَافِرُونَ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)
أي لست في حالي هذه عابداً ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولَا أَنَا
عَابِدٌ مَا عَبَدْتُم.
أي ولا أعبد فيما أستَقْبِل ما عبدتم، ولا أنتم فيما تستقبلون عابدون ما
أعبد - فهذا نفي الحال، وأن يكون أيضاً فيما يستقبل، ينتقل عن الحال.
وكذلك نفى عنهم العبادة في الحال للَّهِ عزَّ وجلَّ وفي الاستقبال.
وهذا - واللَّه أعلم - في قومه.
أعلمه الله أنهم لا يؤمنونَ كما قال عزَّ وجلَّ في قصة نوح: (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) .
* * *
(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
قيل هذا قبل أن يؤمر - صلى الله عليه وسلم - بالقتال.(5/371)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)
سُورَةُ النَّصْرِ
(مدنية)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
قيل إن الفتح كَمَا جاء في التفسير أنه نعيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه في هذه السورة.
فأعلم اللَّه - عزَّ وجلَّ - أنه إذَا جَاء فتح مكة ودخل الناس في
الإسلام أفواجاً فقد قرب أجله - صلى الله عليه وسلم - وكان يقول ذلك إنه قد نعيت إلى نفسي في هذه السورة.
فأمره اللَّه عزَّ وجلَّ أن يكثر التسبيحَ والاستغفار ليختم له في آخرِ عمره
بالزيادة في العمل الصالح باتباع ما أمره به.
* * *
(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)
ومعنى: (أَفْوَاجًا)
جماعات كثيرة، أي بعد أن كانوا يدخلون وَاحِداً واحِداً.
واثنين اثنين، صارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام.(5/373)
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
سُورَةُ تَبَّتْ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
معناه خسرت يدا أبي لهب، وتب: أي خسر.
وجاء في التفسير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عمومته وقدم إليهم صحفة فيها طعام فقالوا: أحدنا وحده يأكل الشاة وإنما قدم إلينا هذه الصحفة، فأكلوا منها جميعاً ولم ينقص منها إلا الشيء اليسير، فقالوا: مالنا عندك إن اتبعناك، قال: لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، وإنما تتفاضلون في الدين، فقال أبو لهب: تبًّا لك ألهذا دعوتنا!؟
فأنزل الله عز وجل: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)
* * *
وقوله: مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)
المفسرون قالوا: ما كسب هاهنا ولده.
موضع (ما) رفع، المعنى مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وكسبه.
* * *
(سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)
أي: وولده سيصلى ناراً ذات لهب.
ويقرأ: (سَيُصْلَى نَارًا) .
* * *
(وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
(حَمَّالَةُ الْحَطَبِ)
ويقرأ (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) - بالنصب - وامرأته رفع من وجهين:
أحدهما العطف على ما في " سَيُصْلَى "، المعنى سيصلى هو وامرأته ويكون (حَمَّالَةُ الْحَطَبِ) نعتا لها.
ومن نصب فعلى الذم، والمعنى: أعني (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) .
ويجوز رفع (وَامْرَأَتُهُ) على الابتداء، و (حَمَّالَةُ) من نعتها، ويكون الخبر:
(فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) .
خبر الابتداء.
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} : أي: خَسِرَتْ، وتقدَّم تفسيرُ هذه المادةِ في سورة غافر في قولِه: {إِلاَّ فِي تَبَابٍ} [غافر: 37] ، وأسند الفعلَ إلى اليدَيْنِ مجازاً لأنَّ أكثرَ الأفعالِ تُزاوَلُ بهما، وإنْ كانَ المرادُ جملةَ المَدْعُوِّ عليه. وقوله: «تَبَّتْ» دعاءٌ، و «تَبَّ» إخبارٌ، أي: قد وقع ما دُعِيَ به عليه. كقول الشاعر:
4668 جَزاني جَزاه اللَّهُ شرَّ جَزائِه. . . جزاءَ الكِلابِ العاوياتِ وقد فَعَلْ
ويؤيِّده قراءةُ عبد الله «وقد تَبَّ» والظاهرُ أنَّ كليهما دعاءٌ، ويكونُ في هذا شَبَهٌ مِنْ مجيءِ العامِّ بعد الخاصِّ؛ لأنَّ اليَدَيْن بعضٌ، وإن كان حقيقةُ اليدَيْن غيرَ مرادٍ، وإنما عَبَّر باليدَيْنِ؛ لأن الأعمال غالِباً تُزاوَلُ بهما.
وقرأ العامة «لَهَبٍ» بفتح الهاء. وابنُ كثيرٍ بإسكانِها. فقيل: لغتان بمعنىً، نحو النَّهْر والنَّهَر، والشَّعْر والشَّعَر، والنَّفَر والنَّفْر، والضَّجَر والضَّجْر. وقال الزمخشري: «وهو مِنْ تغييرِ الأعلامِ كقوله:» شُمْس ابن مالك «بالضم، يعني أنَّ الأصلَ شَمْسِ بفتح الشين فَغُيِّرَتْ إلى الضَمِّ، ويُشير بذلك لقولِ الشاعر:
4669 وإنِّي لَمُهْدٍ مِنْ ثَنَائِي فَقاصِدٌ بِهِ. . . لابنِ عَمِّ الصِّدْقِ شُمْسِ بنِ مالكِ
وجَوَّزَ الشيخُ في» شُمْس «أَنْ يكونَ منقولاً مِنْ» شُمْس «الجمع مِنْ قولِه:» أذنابُ خيلٍ شُمْسٍ «فلا يكونُ من التغيير في شيءٍ. وكنى بذلك: إمَّا لالتهابِ وجنَتَيْه، وكان مُشْرِقَ الوجهِ أحمرَه، وإمَّا لِما يَؤُول إليه مِنْ لَهَبِ جنهمَ، كقولِهم: أبو الخيرِ وأبو الشَّرِّ لصُدورِهما منه. وإمَّا لأنَّ الكُنيةَ أغلبُ من الاسم، أو لأنَّها أَنْقصُ منه، ولذلك ذكرَ الأنبياءَ بأسمائِهم دون كُناهم، أو لُقْبحْ اسمِه، فإنَّ اسمَهِ» عبد العزى «فعَدَلَ إلى الكُنْية، وقال الزمخشري:» فإنْ قلتَ: لِمَ كَناه والكُنيةُ تَكْرُمَةٌ؟ ثم ذكَرَ ثلاثةَ أجوبةٍ: إمَّا لشُهْرَتِه بكُنْيته، وإمَّا لقُبْحِ اسمِه كما تقدَّم، وإمَّا لأنَّ مآلَه إلى لهبِ جهنمِ «. انتهى. وهذا يقتضي أنَّ الكنيةَ أشرفُ وأكملُ لا أنقصُ، وهو عكسُ قولٍ تقدَّمَ آنفاً.
وقُرئ:» يدا أبو لَهَبٍ «بالواوِ في مكانِ الجرِّ. قال الزمخشري:» كما قيل: عليُّ بن أبو طالب، ومعاويةُ بنُ أبو سفيان، لئلا يتغيَّرَ منه شيءٌ فيُشْكِلَ على السامعِ ول فَلِيْتَةَ بنِ قاسمٍ أميرِ مكة ابنان، أحدُهما: عبدِ الله بالجرِّ، والآخرُ عبدَ الله بالنصب «ولم يَختلف القُرَّاءُ في قولِه: {ذاتَ لَهَب} أنها بالفتح. والفرقُ أنها فاصلةٌ فلو سَكَنَتْ زال التَّشاكلُ.
قوله: {مَآ أغنى} : يجوزُ في «ما» النفيُ والاستفهامُ، وعلى الثاني تكون منصوبةَ المحلِّ بما بعدَها التقدير: أيُّ شيء أغنى المالُ؟ وقُدِّم لكونِه له صَدْرُ الكلامِ.
قوله: {وَمَا كَسَبَ} يجوز في «ما» هذه أَنْ تكونَ بمعنى الذي، فالعائد محذوفٌ، وأَنْ تكونَ مصدريةً، أي: وكَسْبُه، وأَنْ تكونَ استفهاميةً يعني: وأيَّ شيءٍ كَسَبَ؟ أي: لم يَكْسَبْ شيئاً، قاله الشيخُ، فجعل الاستفهامَ بمعنى النفيِ، فعلى هذا يجوزُ أَنْ تكونَ نافيةً، ويكونَ المعنى على ما ذَكَرَ، وهو غيرُ ظاهرٍ وقرأ عبد الله: «وما اكْتَسَبَ» .
قوله: {سيصلى} العامَّةُ على فتحِ الياءِ وإسكانِ الصادِ وتخفيفِ اللامِ، أي: يصلى هو بنفسِه. وأبو حيوةَ وابنُ مقسمٍ وعباسٌ في اختيارِه بالضمِّ والفتحِ والتشديدِ. والحسن وأبن أبي إسحاق بالضمِّ والسكون.
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/375)
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
وجاء في التفسير.
(حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) أنها أم جميل وأنها كانت تمشي بالنميمة
قال الشاعر:
مِن البِيضِ لم تُصْطَدْ على ظَهْرِ لأْمَةٍ. . . ولم تَمْشِ بينَ الحَيِّ بالحَطَبِ الرَّطْبِ
أي بالنميمة.
وقيل إنها كانت تحمل الشوك، شوك العضاة فتطرحه في طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
الجَيِّد العنق.
وقيل في التفسير: (حبل مِنْ مَسَدٍ) . سلسلة طولها سَبْعُونَ ذراعاً.
يعنى أنها تسلك في السلسلة سبعون ذراعاً.
والمسد في لغة العرب الحبل إذا كان من ليفِ المُقْلِ، وقد يقال لما كان من أدبار الإبل من الحبال مَسَدٌ.
قال الشاعِرُ:
وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانُقِ (1) .
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {وامرأته حَمَّالَةَ الحطب} : قراءةُ العامَّةِ بالرفع على أنهما جملةٌ مِنْ مبتدأ وخبرٍ سِيْقَتْ للإِخبار بذلك. وقيل: «وامرأتُه» عطفٌ على الضميرِ في «سَيَصْلى» ، سَوَّغَه الفصلُ بالمفعولِ. و «حَمَّالةُ الحطبِ» على هذا فيه أوجهٌ: كونُها نعتاً ل «امرأتهُ» . وجاز ذلك لأن الإِضافةَ حقيقيةٌ؛ إذا المرادُ المضيُّ، أو كونُها بياناً أو كونُها بدلاً لأنها قريبٌ مِنْ الجوامدِ لِتَمَحُّضِ إضافتِها، أو كونُها خبراً لمبتدأ مضمرٍ، أي: هي حَمَّالةُ. وقرأ ابنُ عباس «ومُرَيَّتُهُ» و «مْرَيْئَتُهُ» على التصغير، إلاَّ أنَّه أقَرَّ الهمزةَ تارةً وأبدلَها ياءً، وأدغم فيها أخرى.
وقرأ العامةُ {حَمَّالَةُ} بالرفع. وعاصمٌ بالنصبِ فقيل: على الشَّتْم، وقد أتى بجميلٍ مَنْ سَبَّ أمَّ جميل. قاله الزمخشري، وكانت تُكْنَى بأمِّ جميل. وقيل: نصبٌ على الحالِ مِنْ «أمرأتُه» إذا جَعَلْناها مرفوعةً بالعطفِ على الضَّميرِ. ويَضْعُفُ جَعْلُها حالاً عند الجمهور من الضميرِ في الجارِّ بعدها إذا جَعَلْناه خبراً ل «امرأتُه» لتقدُّمها على العاملِ المعنويِّ. واستشكل بعضُهم الحاليةَ لِما تقدَّم من أنَّ المرادَ به المُضِيُّ، فيتعرَّفُ بالإِضافةِ، فكيف يكونُ حالاً عند الجمهور؟ ثم أجابَ بأنَّ المرادَ الاستقبالُ لأنَّه وَرَدَ في التفسير: أنها تحملُ يومَ القيامةِ حُزْمَةً مِنْ حَطَبِ النار، كما كانت تحملُ الحطبَ في الدنيا.
وفي قوله: {حَمَّالَةَ الحطب} قولان. أحدُهما: هو حقيقةُ. والثاني: أنه مجازٌ عن المَشْيِِ بالنميمةِ ورَمْيِ الفِتَنِ بين الناس. قال الشاعر:
4670 إنَّ بني الأَدْرَمِ حَمَّالو الحَطَبْ. . . هُمُ الوشاةُ في الرِّضا وفي الغضبْ
وقال آخر:
4671 مِنْ البِيْضِ لم تُصْطَدْ على ظَهْرِ لأْمَةٍ. . . ولم تَمْشِ بين الحَيِِّ بالحطبِ الرَّطْبِ
جَعَلَه رَطْباً تنبيهاً على تَدْخينه، وهو قريبٌ مِنْ ترشيحِ المجازِ. وقرأ أبو قلابة {حاملةَ الحطبِ} على وزن فاعِلَة. وهي محتملةُ لقراةِ العامَّةِ. وعباس «حَمَّالة للحطَبِ» بالتنوين وجَرِّ المفعولِ بلامٍ زائدةٍ تقويةً للعاملِ، كقولِه تعالى: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 107] وأبو عمروٍ في روايةٍ «وامرأتُه» باختلاسِ الهاءِ دونَ إشباعٍ.
قوله: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ} : يجوزُ أَنْ يكونَ «في جيدِها» خبراً ل «امرأتُه» و «حبلٌ» فاعلٌ به، وأَنْ يكونَ حالاً مِنْ «امرأتُه» على كونِها فاعلة. و «حبلٌ» مرفوعٌ به أيضاً، وأَنْ يكونَ خبراً مقدَّماً. و «حَبْلٌ» مبتدأٌ مؤخرٌ. والجملةُ حاليةٌ أو خبر ثانٍ، والجِيْدُ: العُنُق، ويُجْمع على أجيادُ. قال امرؤ القيس:
4672 وجِيْدٍ كجِيْدِ الرِّئْمِ ليس بفاحِشٍ. . . إذا هي نَصَّتْهُ ولا بمُعْطَّلِ
و {مِّن مَّسَدٍ} صفةٌ ل «حَبْل» والمَسَدُ: لِيْفُ المُقْلِ: وقيل: اللِّيفُ مطلقاً. وقيل: هو لِحاءُ شَجَرٍ باليمن. قال النابغة:
4673 مَقْذُوْفَةٌ بِدَخِيْسِ النَّحْضِ بَازِلُها. . . له صريفٌ صَريفُ القَعْوِ بالمَسَدِ
وقد يكونُ مِنْ جلود الإِبل وأَوْبارِها. وأنشد:
4647 ومَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيانِقِ. . . ويقال: رجلٌ مَمْسود الخَلْق، أي: شديدُه.
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/376)
اللَّهُ الصَّمَدُ (2)
سُورَةُ الإِخْلَاصِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)
بتنوين أحَدٍ، وقرئت بترك التنوين " أَحَدُ اللَّهُ الصَّمَدُ "
وقرئت بإسكان الدال. وحذف التنوين.
أما حذف التنوين، فلالتقاء السَّاكنين أيضاً، إلا أنه
سكون (1) السَّاكنين، فمن أسكن أراد الوقف ثم ابتدأ فقال: (اللَّهُ الصَّمَدُ)
وأما (هُوَ) ، فإنما هو كناية عن ذِكْرِ الله عزَّ وجلَّ.
المعنى الذي سألتم تبيين نِسْبَته (هُوَ اللَّهُ) .
و (أَحَدٌ) مرفوع على معنى هو أحد هو الله فهو مبتدأ ويجوز أن يكون
" هو " للأمر كما تقول هو زَيد قَائِمٌ، أي الأمر زيد قائم.
والمعنى الأمر اللَّه أَحَدٌ (2) .
* * *
وقوله: (اللَّهُ الصَّمَدُ (2)
روِيَ في التفسير أن المشركين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - انسب لنا ربك، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) .
وتفسير (الصَّمَد) السَيد الذي ينتهي إليه السُّؤدَدُ
قال الشاعر:
__________
(1) بياض بالأصل.
(2) قال السَّمين:
قوله: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} : في «هو» وجهان، أحدهما: أنه ضميرٌ عائدٌ على ما يفْهَمُ من السياقِ، فإنه يُرْوى في الأسباب: أنَّهم قالوا لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم: صِفْ لنا ربَّك وانْسُبْه. وقيل: قالوا له: أمِنْ نُحاس هو أم مِنْ حديدٍ؟ فنَزَلَتْ. وحينئذٍ يجوزُ أَنْ يكونَ «الله» مبتدأً، و «أَحَدٌ» خبرُه. والجملةُ خبرُ الأولُ. ويجوزُ أَنْ يكونَ «اللَّهُ» بدلاً، و «أحدٌ» الخبرَ. ويجوزُ أَنْ يكونَ «اللَّهُ» خبراً أوَّلَ، و «أحدٌ» خبراً ثانياً. ويجوزُ أَنْ يكونَ «أحدٌ» خبرَ مبتدأ محذوفٍ، أي: هو أحدٌ. والثاني: أنَّه ضميرُ الشأنِ لأنه موضعُ تعظيمٍ، والجلمةُ بعدَه خبرُه مفسِّرِةٌ.
وهمزةُ «أحد» بدلٌ من واوٍ، لأنَّه من الوَحْدة، وإبدالُ الهمزةِ من الواوِ المفتوحةِ. وقيل: منه «امرأةٌ أناة» من الونى وهو الفُتورُ. وتقدَّم الفرقُ بين «أحد» هذا و «أحد» المرادِ به العمومُ، فإنَّ همزةُ ذاك أصلٌ بنفسِها. ونَقَل أبو البقاءِ أنَّ همزةَ «أحد» هذا غيرُ مقلوبةٍ، بل أصلٌ بنفسِها كالمرادِ به العمومُ، والمعروفُ الأولُ. وفَرَّق ثعلب بين «واحد» وبين «أحد» بأنَّ الواحدَ يدخُلُه العَدُّ والجمعُ والاثنان، و «أحَد» لا يَدْخُلُه ذلك. ويقال: اللَّهُ أحدٌ، ولا يقال: زيدٌ أحدٌ؛ لأنَّ للَّهِ تعالى هذه الخصوصيةَ، وزَيْدٌ له حالاتٌ شتى. ورَدَّ عليه الشيخُ: بأنَّه يُقال: أحد وعشرونَ ونحوه فقد دخلَه العددُ «أنتهى. وقال مكي:» إنَّ أَحَدَاً أصلُه وَأَحَد، فأُبْدِلَتِ الواوُ همزةً فاجتمع ألفان، لأنَّ الهمزةَ تُشْبه الألفَ، فحُذِفَتْ إحداهما تخفيفاً «.
وقرأ عبد الله وأُبَيُّ {اللَّهُ أحدٌ} دونَ» قُلْ «وقرأ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم» أحدٌ «بغيرِ» قل هو «وقرأ الأعمش:» قل هو اللَّهُ الواحد «.
وقرأ العامَّةُ بتنوين» أحدٌ «وهو الأصلُ. وزيد بن علي وأبان ابن عثمان وابن أبي إسحاق والحسن وأبو السَّمَّال وأبو عمروٍ في روايةٍ في عددٍ كثيرٍ بحذف التنوين لالتقاء الساكنين كقولِه:
4675 عمرُو الذي هَشَمَ الثَّريدَ لقومِه. . . ورجالُ مكةَ مُسْنِتُون عِجافُ
وقال آخر:
4676 فأَلْفَيْتُه غيرَ مُسْتَعْتِبٍ. . . ولا ذاكرَ اللَّهَ إلاَّ قليلا
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/377)
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعي بِخَيْريْ بَني أَسَدْ. . . بعمرو بن مَسْعودٍ وبالسَّيدِ الصَّمَدْ
وقيل الصمد الذي لا جوف له، وقيل الصمد الذي صَمَدَ له كل شيءٍ
والذي خلق الأشياء كلها، لا يستغنى عنه شيء وكلها تدل على وحدانيته وهذه الصفات كلها يجوز أن تكون للَّهِ عزَّ وجلَّ.
* * *
وقوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
فيها أربعة أوجه في القراءة.
(كُفُواً) بضم الكاف والفاء، وكُفْواً بضم الكاف وسكون الفاء
وكِفْواً " بكسر الكاف وسكون الفاء.
وقد قرئ بها.
وكِفَاء بكسر الكاف.
والكَفْء - بفتح الكاف وسكون الفاء اسم. لم يقرأ بها.
وفيها وجه آخر لا يجوز في القراءة.
ويقال فلان كُفءُ فلان مثل كُفِيّ فلان (1) .
جاء في الحديث أن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)
تعدل بثلث القرآن، و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) تعدل ربع القرآن.
و (إِذَا زُلْزِلَتِ) تعدل نصف القرآن.
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {الصمد} : فَعَل بمعنى مَفْعُول كالقَبَضِ والنَّقَضِ. وهو السَّيِّدُ الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائجِ، أي: يُقْصَدُ ولا يَقْدِرُ على قضائِها إلاَّ هو. وأنشد:
4677 ألا بَكَّرَ النَّاعي بخَيْرِ بني أسدْ. . . بعَمْرِو بن مسعودٍ وبالسَّيِّد الصَّمَدْ
وقال الآخر:
4678 عَلَوْتُه بحُسامٍ ثم قُلْتُ له. . . خُذْها حُذَيْفُ فأنتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ
وقيل: الصَّمَدُ: هو الذي لا جَوْفَ له، ومنه قوله:
4679 شِهابُ حُروبٍ لا تَزال جيادُه. . . عوابِسَ يَعْلُكْنَ الشَّكِيْمَ المُصَمَّدا
وقال ابن كعب: تفسيرُه ما بعده مِنْ قولِه: «لم يَلِدْ ولم يُوْلَدُ» وهذا يُشْبِهُ ما قالوه في تفسير الهَلوع. والأحسنُ في هذه الجملة أَنْ تكون مستقلةً بفائدةِ هذا الخبرِ. ويجوز أنْ يكونَ «الصَّمَدُ» صفةً. والخبرُ في الجملةِ بعده، كذا قيل: وهو ضعيفٌ، من حيث السِّياقُ، فإنَّ السِّياقَ يَقْتضي الاستقلالَ بأخبارِ كلِّ جملةٍ.
قوله: {كُفُواً أَحَدٌ} : في نصبِه وجهان، أحدُهما: أنه خبرُ «يكنْ» و «أحدٌ» اسمُها و «له» متعلِّقٌ بالخبر، اي: ولم يكُنْ أحدٌ كُفُواً له. وقد رَدَّ المبردُ على سيبويهِ بهذه الآيةِ، من حيث إنه يزعمُ أنه إذا تَقَدَّم الظرفُ كان هو الخبرَ، وهنا لم يَجْعَلْه خبراً مع تقدُّمِه.
وقد رُدَّ على المبردِ بوجهَيْن، أحدُهما: أنَّ سيبويهِ لم يُحَتِّمْ ذلك بل جَوَّزه. والثاني: أنَّا لا نُسَلِّم أن الظرفَ هنا ليس بخبرٍ بل هو خبرٌ، ونصبُ «كُفُواً» على الحال على ما سيأتي بيانُه. وقال الزمخشري: «الكلامُ العربيُّ الفصيحُ أَنْ يؤخَّرَ الظرفُ الذي هو لَغْوٌ غيرُ مستقِرِّ ولا يُقَدَّمَ. وقد نَصَّ سيبويه في» كتابِه «على ذلك، فما بالُه مُقَدَّماً في أَفْصَحِ كلامٍ وأَعْرَبِه؟ قلت: هذا الكلامُ إنما سِيْقَ لنَفْيِ المكافأةِ عن ذاتِ الباري تعالى، وهذا المعنى مَصَبُّه ومَرْكَزُه هو هذا الظرفُ، فكان لذلك أهمَّ شيءٍ وأَعْناه وأحقَّه بالتقديمِ وأَحْراه» .
والثاني: أَنْ يُنْصَبَ على الحال مِنْ «أحد» لأنَّه كان صفتَه فلمَّا تقدَّم عليه نُصِب حالاً، و «له» هو الخبر. قاله مكي وأبو البقاء وغيرُهما. ويجوز أَنْ يكونَ حالاً من الضمير المستكِنِّ في الجارِّ لوقوعِه خبراً. قال الشيخ بعد أَنْ حكى كلامَ الزمخشري ومكي: «وهذه الجملةُ ليسَتْ من هذا البابِ وذلك أنَّ قولَه: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} ليس الجارُّ والمجرورُ فيه تامَّاً، إنما ناقصٌ لا يَصْلُحُ أَنْ يكونَ خبراً ل» كان «بل هو متعلِّقٌ ب» كُفُواً «وقُدِّمَ عليه. التقدير: ولم يكنْ أحدٌ مكافِئاً له، فهو في معنى المفعولِ متعلِّقٌ ب» كُفُواً «وتَقَدَّم على» كُفُواً «للاهتمامِ به، إذ فيه ضميرُ الباري تعالى، وتوسَّطَ الخبرُ وإنْ كان الأصلُ التأخيرَ؛ لأنَّ تأخيرَ الاسمِ هو فاصلةٌ فحَسُنَ ذلك.
وعلى هذا الذي قَرَّرْناه يَبْطُل إعرابُ مكي وغيرِه أنَّ» له «الخبرُ، و» كُفُواً «حالٌ مِنْ» أحد «لأنه ظرفٌ ناقصٌ لا يَصْلُح أَنْ يكونَ خبراً. وبذلك يَبْطُل سؤالُ الزمخشريِّ وجوابُه. وسيبويه إنما تكلَّم في الظرفِ الذي يَصْلُحُ أَنْ يكونَ خبراً وأنْ لا يكون. قال سيبويه:» وتقول: ما كان فيها أحدٌ خيرٌ منك، وما كان [أحدٌ] مثلُك فيها، وليس أحدٌ فيها خيرٌ منك، إذا جعلت «فيها» : مستقراً، ولم تجعَلْه على قولك: فيها زيدٌ قائمٌ أَجْرَيْتَ الصفةَ على الاسم. فإن جَعَلْتَه على «فيها زيدٌ قائمٌ» نَصَبْتَ فتقول: ما كان فيها أحدٌ خيراً منك، وما كان أحدٌ خيراً منك فيها، إلاَّ أنَّكَ إذا أرَدْتَ الإِلْغاءَ فلكما أَخَّرْتَ المُلْغَى فهو أَحْسَنُ، وإذا أرَدْتَ أَنْ يكونَ مستقرَّاً فكلما قَدَّمْته كان أحسنَ، والتقديمُ والتأخيرُ والإِلغاءُ والاستقرارُ عربيٌُّ جيدٌ كثيرٌ قال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} وقال الشاعر:
4680 ما دامَ فيهِنَّ فَصِيْلٌ حَيَّاً. . . انتهى كلامُ سيبويه. قال الشيخ: «فأنت ترى كلامَه وتمثيلَه بالظرف الذي يَصْلُح أَنْ يكونَ خبراً. ومعنى قولِه» مستقرَّاً «أي: خبراً للمبتدأ أو لكان. فإن قلتَ: فقد مَثَّل بالآية. قلت: هذا أوقَع مكيَّاً والزمخشريَّ وغيرَهما فيما وقعوا فيه، وإنما أراد سيبويه أنَّ الظرفَ التامَّ وهو في قولِه:
ما دامَ فيهِنَّ فَصِيلٌ حَيَّاً. . . أُجْري فَضْلةً لا خبراً كما أنَّ» له «في الآية أُجْرِي فَضْلَةً فجعلَ الظرفَ القابلَ أن يكونَ خبراً كالظرفِ الناقصِ في كونِه لم يُستعمل خبراً. ولا يَشُكُّ مَنْ له ذِهْنٌ صحيحٌ أنه لا ينعقدُ كلامٌ مِنْ» له أحد «بل لو تأخَّرَ» كُفُو «وارتفع على الصفةِ وقد جَعَل» له «خبراً لم ينعقِدْ منه كلامٌ. بل أنت ترى أنَّ النفيَ لم يتسلَّطْ إلاَّ على الخبرِ الذي هو» كُفُواً «والمعنى: لم يكنْ أحدٌ مكافِئَه» انتهى ما قاله الشيخ.
وقوله: «ولا يَشُكُّ أحدٌ» إلى آخره تَهْوِيلٌ على الناظرِ. وإلاَّ فقولُه: «هذا الظرفُ ناقصٌ» ممنوعٌ؛ لأنَّ الظرفَ الناقصَ عبارةٌ عَمَّا لم يكُنْ في الإِخبارِ به فائدةٌ، كالمقطوعِ عن الإِضافة، ونحوِ «في دارٍ رجلٌ» وقد نَقَلَ عن سيبويه الأمثلَةَ المتقدمةَ نحو: «ما كان فيها أحدٌ خيراً منك» ، وما الفرق بين هذا وبين الآيةِ الكريمة؟ وكيف يقول هذا وقد قال سيبويهِ في آخرِ كلامهِ: «والتقديمُ والتأخيرُ والإِلغاء والاستقرارُ عربيٌّ جيدٌ كثيرٌ» ؟
وقرأ العامَّةُ بضمِّ الكافِ والفاء. وسَهَّل الهمزةَ الأعرجُ وشيبةُ ونافعٌ في روايةٍ. وأسكنَ الفاءَ حمزةُ، وأبدل الهمزةَ واواً وقفاً خاصة. وأبدلها حفصٌ واواً مطلقاً. والباقون بالهمزِ مطلقاً. وقد تقدَّم الكلامُ على هذا في أوائِل البقرةِ في قوله: {هُزُواً} [البقرة: 67] .
وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس «كِفاءٌ» بالكسر والمدِّ، أي: لا مِثْلَ له. وأُنْشِدَ للنابغة:
4681 لا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لا كِفاءَ له. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ونافعٌ في رواية «كِفا» بالكسر وفتح الفاء مِنْ غير مَدّ، كأنه نَقَلَ حركةَ الهمزةِ وحَذَفَها. والكُفْءُ: النظيرُ. وهذا كفْءٌ لك، أي: نظيرُكَ والاسم الكَفاءة بالفتح.
اهـ (الدُّرُّ المصُون) .(5/378)
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
سُورَةُ الْفَلَقِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
وهو فلق الصبح وهو ضياؤه، ويقال أيضاً فرق الصبح.
يقال: " هو أبين من فلق الصبح ".
ومعنى الفلق الخلق: قال اللَّه عزَّ وجلَّ: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ)
و (فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) .
وكذلك فلق الأرض بالنبات والسحاب بالمطر، وإذا تأملت الخلق تبين لك أن خلقه أكثره عن انفلاق.
فالفلق جميع المخلوقات وفلق الصبح من ذلك.
* * *
(وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)
(غَاسِقٍ) يعنى به الليل.
(إِذَا وَقَبَ) إذا دَخَل.
وقيل لليل غاسقٌ - واللَّه أعلم - لأنه أبرد من النهار.
والغاسق البارد.
* * *
(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
(النَّفَّاثَاتِ) السواحر، تنفث: تتفل بلا ريق كأنه نفخ كما يفعل كل من
يرقى.(5/379)
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
سُورَةُ النَّاسِ (1)
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)
(الْوَسْوَاسِ)
ذُو الْوَسْوَاسِ، وذُو الْخَنَّاسِ وهو الشيطان (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)
وقيل في التفسير: إن له رأس كرأس الحية، يجثم على القلب، فإذا ذكر اللَّهَ العبدُ تنحَّى وخنس، وإذا ترك ذكرَ اللَّهِ رجع إلى القلب يوسوس.
* * *
وقوله: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
قيل: الناس هنا يصلح للجنِّ والإنسِ
المعنى على هذا القول: يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ الذين هم جنٌّ،
ويُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ
والتأويل عند أبي إسحاق غير هذا
المعنى: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ " من الجنِّ الذين هم الجنُّ.
و (النَّاسِ) معطوف على (الْوَسْوَاسِ)
المعنى: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ، ومِنْ شَرِّ النَّاسِ
قال أبو إسحاق: وهذا المعنى عليه أمر الدعاء، إنه يستعاذ مِنْ شَرِّ الْجِنِّ والإِنْسِ، ودليل ذلك (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) .
* * *
آخر كتاب معاني القرآن، والْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلَّى الله على نبيه محمد وآله الطيبين وسلم تسليماً.
ابتدأ أبو إسحاق إبراهيم بن السَّرِي النحوي الزَّجَّاج في إملاء هذا الكتاب في صفر من سنة خمس وثمانين ومائتين، وأتمَّه في ربيع الأول من سنة إحدى وثلاثمائة، وكُتبَ في دمشق جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.
رحم الله من دعا لكاتبه بالرحمة والمغفرة ولجميع أُمَّةِ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَمَّ كتابةُ سورة النَّاسِ من مخطوط معاني القرآن وإعرابه للزجاج، وقد أغفله المحقق.(5/381)