خوطب بهذه الآية، أن ولي المقتول من جعل الله تعالى له ميراثاً منه.
وقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:
"من قتل له قتيل فأهله بين خِيرَتين إن أحبوا فالقَوَد وإن أحبوا فالعَقلُ" الحديث.
ولم يختلف المسلمون - علمته - في أن العقل موروث كما يورث المال، وإذا كان هكذا، فكل وارث ولي الدم، كما كان لكل وارث ما جعل اللَّه له من ميراث الميت، زوجة كانت له، أو ابنة، أو أماً، أو ولداً، أو والداً، لا يخرج أحد منهم من ولاية الدم، إذا كان لهم - أن يكونوا
بالدم مالاً، كما لا يخرجون من سواه من ماله.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا قتل رجل رجلاً، فلا سبيل إلى القصاص إلا
بأن يُجمع جميع ورثة الميت من كانوا، وحيث كانوا على القصاص، فإذا فعلوا فلهم القصاص، وإذا كان على الميت دين ولا مال له، أو كانت له وصايا، كان للورثة القتل، وإن كَرِه أهل الدين والوصايا، لأنهم ليسوا من أوليائه، وإن الورثة إن شاؤوا ملكوا المال بسببه، وإن شاؤوا ملكوا القَوَد، وكذلك إن شاؤوا عفوا على غير مال ولا قَوَد، لأن المال لا يُملك بالعمد إلا بمشيئة الورثة، أو بمشيئة المجني عليه - إن كان حياً -، وإذا كان في ورثة المقتول صِغار أو غُيَّب لم يكن إلى القصاص سبيل حتى يحضر الغُيَّب، ويبلغ الصغار، فإذا اجتمعوا على القصاص فذلك لهم، وإذا كان في الورثة معتوه، فلا سبيل إلى القصاص حتى يفيق أو يموت، فتقوم ورثته مقامه، وأي الورثة كان بالغاً فعفا بمال أو بلا مال، سقط القصاص، وكان لمن بقي من الورثة حصته من الدية، وإذا سقط القصاص، صارت لهم الدية.(2/1031)
الأم (أيضاً) : باب (الشهادة في العفو)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كان للدم وليان، أحدهما غائب، أو صغير، أو
حاضر، لم يأمره بالقتل، ولم يخيَره، فعدا أحد الوليين فقتل قاتل أبيه ففيهما قولان:
أحدهما: لا قصاص بحال.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وإنَّما يسقط من قال هذا القود عنه، إذا لم يُجمع ورثة المقتول عليه للشبهة، وإن قول الله عزَّ وجلَّ:
(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية.
يحتمل أي ولي قتل كان أحق بالقتل، وقد كان يذهب إلى هذا كثر مفتي أهل المدينة. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والقول الثاني: أن على من قتل من الأولياء قاتل
أبيه القصاص، حتى يجتمعوا على القتل.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا عفا أحد الورثة القصاص فحكم لهم الحاكم
بالدية، فأيهم قتل القاتل قتل به، إلا أن يدع ذلك ورثته.
الأم (أيضاً) : قتل الحر بالعبد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله تعالى:
(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) .(2/1032)
1 - ولا يجوز فيها إلا أن تكون كل نفس محرمة القتل، فعلى من قتلها القَوَد، فيلزم في هذا أن يُقتل المؤمن بالكافر المعاهد، والمستأمن، والصبي والمرأة من أهل الحرب، والرجل بعبده وعبد غيره، مسلماً كان أو كافراً، والرجل بولده إذا قتله.
قال الشَّافِعِي رحمه الله:
2 - أو يكون قول الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا الآية، ممن دمه
مكافئ دم من قتله، وكل نفس كانت تقاد بنفس، بدلالة كتاب اللَّه - عز وجل -، أو سنة، أو إجماع، كما كان قول الله - عز وجل - (وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى) الآية، إذا كانت قاتلة خاصة، لا أن ذكراً لا يقتل بأنثى.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا أولى معانيه به - واللَّه أعلم -؛ لأن عليه
دلائل منها:
1 - قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا يقتل مؤمن بكافر. . ." الحديث.
2 - والإجماع على أن لا يقتل المرء بابنه، إذا قتله.
3 - والإجماع على أن لا يقتل الرجل بعبده، ولا بمستأمن من أهل دار
الحرب، ولا بامرأة من أهل دار الحرب ولا صبي.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك لا يقتل الرجل الحر بالعبد بحال، ولو قَتَل
حرٌّ ذمِّيٌّ عبداً مؤمناً لم يقتل به، وعلى الحر إذا قتل العبد قيمته كاملاً بالغة ما
بلغت.(2/1033)
الأم (أيضاً) : الرجل يقتل الرجل فيعدو عليه أجنبي فيقتله:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو أن إماماً أقرَّ عنده رجل بقتل رجل بلا قطع
طريق عليه، فعجل فقتله كان على الإمام القصاص، إلا أن تشاء ورثته الدية؛ لأن اللَّه - عز وجل - لم يجعل للإمام قتله، وإنما جعل ذلك لوليه؛ لقول الله - عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الإسراف في القتل: أن يقتل غير قاتله - واللَّه أعلم -.
الأم (أيضاً) : باب (دية أهل الذمة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية.
فقوله: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)
دلالة على أن: من قُتِل مظلوماً فلوليه أن يقتل قاتله.
قيل له: فيعاد عليك ذلك الكلام بعينه في الابن يقتله أبوه، والعبد يقتله سيده، والمستأمن يقتله المسلم.
الأم (أيضاً) : باب (قتل الغيلة وغيرها وعفو الأولياء) :
قال أبو حنيفة رحمه اللَّه: من قتل رجلاً عمداً قَتلَ غيلة، أو غير غيلة.
فذلك إلى أولياء القتيل، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا عفوا.
وقال أهل المدينة: إذا قتله قَتل غيلة من غير نائرة ولا عداوة، فإنه يقتل.
وليس لولاة المقتول أن يعفوا عنه، وذلك إلى السلطان يقتل فيه القاتل.(2/1034)
وقال محمد بن الحسن رحمه الله: قول الله - عزَّ وجلَّ - أصدق من غيره، قال الله - عزَّ وجلَّ -:
(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) الآية، فمن قتل وليه، فهو وليه في دمه دون السلطان، إن شاء
قتل، وإن شاء عفا، وليس إلى السلطان من ذلك شي. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كل من قتل في حرابة، أو صحراء أو مصر، أو
مكابرة، أو قتل غيلة على مالي أو غيره، أو قتل نائرة فالقصاص والعفو إلى
الأولياء، وليس إلى السلطان من ذلك شيء إلا الأدب، إذا عفا الولي.
الأم (أيضاً) : باب (الرجل يمسك الرجل للرجل حتى يقتله) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: حد الله الناس على الفعل نفسه، وجعل فيه القَوَد.
فقال تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيكمُ الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى) الآية.
وقال: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية، فكان معروفاً عند من خوطب بهذه الآية، أن السلطان لولي المقتول على القاتل نفسه، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه
قال: "من اعتبط مسلماً بقتل فهو قَوَدُ يده" الحديث.
مختصر المزني: باب (القصاص بالسيف)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية، وإذا خفى الحاكم الولي وقتل القاتل، فينبغي له أن يأمر(2/1035)
من ينظر إلى سيفه، فإن كان صارماً، وإلا أمره بصارم؛ لئلا يعذبه ثم يدعه
وضَربَ عنقه.
مختصر المزني (أيضاً) : باب (الخلاف في قتل المومن بكافر) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية.
فأعلم الله سبحانه أن لولي المقتول ظلماً أن يقتل قاتله.
قلنا: فلا تعدوا هذه الآية:
1 - أن تكون مُطلَقة على جميع من قُتل مظلوماً.
2 - أو تكون على من قُتل مظلوماً ممن فيه القود ممن قتله، ولا يُستدل على
أنها خاصة إلا بسنة أو إجماع، فقال بعض من حضره: ما تعدو أحد هذين.
فقلت: إعنِ أيهما شئت؟ قال: هي مُطْلَقة.
قلت: أفرأيت رجلاً قتل عبده، وللعبد ابن حر، أيكون ممن قُتل مظلوماً؟ قال: نعم. قلت: أفرأيت رجلاً قتل ابنه، ولابنه ابن بالغ، أيكون الابن المفتول ممن قُتل مظلوماً؟
قال: نعم.
قلت: أفعلى واحد من هذين قود؟
قال: لا.
قلت: ولم وأنت تقتل الحر بالعبد الكافر؟
قال: أما الرجل يقتل عبده، فإن السيد ولي دم عبده فليس له أن يقتل نفسه، وكذلك هو ولي دم ابنه، أو له فيه ولاية، فلا يكون له أن يقتل نفسه مع أن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن لا يقتل والد بولده. فقيل: أفرأيت رجلاً قتل ابن عمه (أخي أبيه) وليس للمقتول ولي(2/1036)
غيره، وله ابن عم يلقاه بعد عشرة آباء أو كثر، أيكون لابن العم أن يقتل
القاتل، وهو أقرب إلى المقتول منه بما وصفت؟
قال: نعم: قلت: وهذا الولي؟
قال: لا ولاية لقاتل، وكيف تكون له ولاية ولا ميراث له بحال؟
قلت: فما منعك من هذا القول في الرجل يقتل عبده وفي الرجل يقتل ابنه؟ قال: أما قتله ابنه فبالحديث، قيل: آلحَدِيثُ فيه أثبت، أم الحديث في أن لا يقتل مؤمن بكافر؟
فقد تركت الحديث الثابت.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)
الأم: باب التحفظ في الشهادة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يسع شاهداً أن يشهد إلا بما علم، والعلم من
ثلاثة وجوه:
1 - منها ما عاينه الشاهد، فيشهد بالمعاينة.
2 - ومنها ما سمعه، فيشهد ما أثبت سمعاً من المشهود عليه.(2/1037)
3 - ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لايمكن في أكثره العيان، وتثبت
معرفته في القلوب، فيشهد عليه بهذا الوجه.
الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أنزل - اللَّه تعالى - على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أن قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
يعني - والله أعلم -: ما تقدم من ذنبه قبل الوحي.
وما تأخر أن يعصمه فلا يذنب، فعلم ما يفعل به من رضاه عنه، وأنه أول شافع ومشفع يوم القيامة، وسيد الخلائق، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الآية.
وجاء النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ في امرأة رماها بالزنا، فقال له: يرجع، فأوحى الله إليه آية اللعان، فَلاعَنَ بينهما - وبسط الكلام في شرح ذلك -.
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفته الشافعى بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أخبر - اللَّه تعالى - عما فرض على القلب
والسمع والبصر، في آية واحدة، فقال سبحانه وتعالى في ذلك: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) .(2/1038)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيه) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه - على الرِّجْلَين أن لا يمشي بهما إلى ما
حرّم الله جل ذكره، فقال في ذلك: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)
آداب الشَّافِعِي: باب (ما ذكر من معرفة الشَّافِعِي اللغات وما فسر من غريب الحديث، وغريب الكلام)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وترأت على إسماعيل بن قسطنطين، وكان يقول:
(القُرَاْنُ) : اسم وليس كهموز، ولم يُؤخذ من قرأت، ولو أخذ من قرأت: كان كل ما قُرئ قرآناً، ولكنه اسم: القرَآنُ، مثل التوراة، والإنجيل وكان يَهمِزُ (قَرَأْتَ) ولا يهمِزُ (الْقُرْآنَ) ، كان يقول: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) الآية.(2/1039)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)
أحكام القرآن: فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولله - عز وجل - كتب نزلت قبل نزول القرآن، المعروف منها - عند العامة - التوراة والإنجيل.
وقد أخبر اللَّه - عز وجل - أنه: أنزل غيرهما، فقال: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) .
وليس يعرف تلاوة كتاب إبراهيم، وذكَرَ زبور داود فقال:
(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكانت هذه أحكاماً وجبت باللعان، ليست
باللعان بعينه، فالقول فيها واحد من قولين:
أحدهما: أني سمعت من أرضى دينه وعقله وعلمه يقول: إنه لم يقض فيها
ولا غيرها إلا بأمر اللَّه تبارك وتعالى، قال: فأمْرُ الله إياه وجهان:(2/1040)
الوجه الأول: وحي ينزل فيتلى على الناس.
والوجه الثاني: رسالة تأتيه عن الله تبارك وتعالى بأن افعل كذا، فيفعله.
ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول: قال الله - عزَّ وجلَّ فيما يحكي عن إبراهيم: (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)
فقال غير واحد من أهل التفسير رؤيا الأنبياء وحي، لقول ابن إبراهيم الذي أُمر بذبحه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآية.
ومعرفته أن رؤياه أمْر أُمِرَ به، وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) الآية.
فيذهب إلى أن الكتاب: هو ما يتلى عن الله تعالى، والحكمة: هي ما جاءت به الرسالة عن الله مما بينت سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيهما: وقال غيره: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجهان:
أحدهما: ما تبين مما في كتاب اللَّه المبين عن معنى ما أراد اللَّه بحمله خاصاً وعاماً.
والآخر: ما ألهمه الله من الحكمة، وإلهام الأنبياء وحي، ولعل من حجة من
قال هذا القول أن يقول قال اللَّه - عز وجل - فيما يحكي عن إبراهيم عليه السلام: (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) .
فقال غير واحد من أهل التفسير رؤيا الأنبياء وحي لقول ابن إبراهيم عليهما
السلام الذي أُمِرَ بذبحه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)
ومعرفته أن رؤياه أمرٌ أُمِرَ به، وقال اللَّه تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) إلى قوله: (فِي الْقُرْآنِ) الآية.(2/1041)
وقال غيرهم: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له وحي، وبيان عن وحي، وأمر جعله الله تعالى إليه بما ألهمه من حكمته، وخَصَّه به من نبوته، وفرض على العباد اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس تعدو السنن كلها واحداً من هذه المعاني
التي وصفتُ، باختلاف من حكيت عنه من أهل العلم، وأيها كان فقد ألزمه اللَّه تعالى خلقه، وفرض عليهم اتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيه.
وفي انتظار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له الوحي في المتلاعنين حتى جاءه (فلاعن) ، ثم (سن الفرقة) ، و (سن نفي الولد) .
و (لم يردد الصداق على الزوج وقد طلبه)
دلالة على أن سنته لا تعدو واحداً من الوجوه التي ذهب إليها أهل العلم، بأنها تبين عن كتاب اللَّه، إما برسالة من اللَّه، أو إلهام له، وإما بأمر جعله اللَّه إليه، لموضعه الذي وضعه من دينه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات)
قال البيهقي رحمه اللَّه:(2/1042)
قال الشَّافِعِي رحمه الله - في الإملاء -: المني ليس بنجس؛ لأن اللَّه جل
ثناءه أكرم من أن يبتدئ خلق من كرَّمهم، وجعل منهم النبيين والصديقين.
والشهداء والصالحين، وأهلَ جنته من نجس، فإنه يقول:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) الآية.
ثم ذكر حديث السيدة عائشة رضي الله عنها في فرك المني من ثوب رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ)
الأم: أول ما فرضت الصلاة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال: نسَخت - هذه الآية الواردة أعلاه - ما
وصفتُ من المزمل بقول اللَّه - عز وجل -: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ودلوكها: زوالها.(2/1043)
(إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) العتمة. (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) الصبح.
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) : فأعلمه - مطلقاً - أن
صلاة الليل نافلة لا فريضة، وأن الفرائض فيما ذكر من ليل أو نهار.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبيان ما وصفت في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن عبيد اللَّه يقول: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرها؟
فقال: لا، إلا أن تطوع" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففرائض الصلوات خمس، وما سواهما تطوع.
الأم (أيضاً) : وقت الفجر:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) الآية.
وقال - صلى الله عليه وسلم -:
"من أدرك ركعة من الصبح. . . الحديث.
والصبح: الفجر فلها اسمان: الصبح والفجر، لا أحب أن تسمى إلا
بأحدهما، وإذا بَانَ الفجر الأخير معترضاً حلت صلاة الصبح، ومن صلاها قبل تبين الفجر الأخير معترضاً أعاد، ويصليها أول ما يستيقن الفجر معترضاً حتى يخرج منها مغلساً.(2/1044)
قال الشَّافِعِي - رضي الله عنه -: وأخبرنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ليصلي الصبح، فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يُعرَفنَ من الغلس" الحديث.
ولا تفوت - أي: صلاة الصبح - حتى تطلع الشمس قبل أن يصلي منها
ركعة، والركعة ركعة بسجودها، فمن لم يكمل ركعة بسجودها قبل طلوع
الشمس فقد فاتته الصبح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" الحديث.
الأم (أيضاً) : باب (النية في الصلاة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض اللَّه - عز وجل - الصلوات، وأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدد كل واحدة منهن، ووقتها، وما يعمل فيهن، وفي كل واحدة منهن، وأبان الله - عز وجل -
منهن نافلة، وفرضاً، فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) الآية.
ثم أبان ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان بيناً - والله تعالى أعلم - إذا كان من الصلاة نافلة وفرض، وكان الفرض منها مؤقتاً أن لا تجزئ عنه صلاة إلا بأن ينويها مصلياً.
الرسالة: الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب على بعضه، والسنة على بعضه
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاحتمل قوله - تعالى -: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) الآية، أن يتهجد بغير الذى فرض عليه، مما تيسر منه.(2/1045)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد
المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على ألَّا واجب من الصلاة إلا الخمس، فصرنا إلى أن الواجب الخمس، وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها، منسوخ بها، استدلالاً بقول الله:
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ)
وأنها ناسخة لقيام الليل، ونصفه وثلثه، وما تيسر، ولسنا نحبُّ لأحد ترك أن يتهجد بما يسره اللَّه عليه من كتابه، مصلياً به، وكيف ما أكثر فهو أحب إلينا - ثم ذكر حديث طلحة بن عبيد، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما في الصلوات الخمس -.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤتر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات) :
قال البيهقي رحمه اللَّه: وقرأت في كتاب حرملة:
عن الشَّافِعِي رحمه الله: في قول اللَّه - عز وجل -:
(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)
فلم يذكر في هذه الآية مشهوداً غيره، والصلوات مشهودات فأشبه أن
يكون قوله مشهوداً: بأكثر مما تشهد به الصلوات، أو أفضل، أو مشهوداً بنزول الملائكة، يريد: صلاة الصبح.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)(2/1046)
وقرأ الرييع إلى قوله: (بَشَرًا رَسُولًا)
الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأعلمه - سبحانه وتعالى - من علمه منهم، أنه لا
يؤمن به، فقال: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)
قرأ الربيع إلى: (بَشَرًا رَسُولًا) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات) :
وفي رواية حرملة عنه: في قوله تعالى: (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: واحتمل السجود، أن يخرَّ وذقنه - إذا خرَّ - تلي
الأرض، ثم يكون سجوده على غير الذقن.(2/1047)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا)
الأم: باب (كلام الإمام وجلوسه بعد السلام)
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني موسى
ابن عقبة، عن أبي الزبير، أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى:
"لا إله إلا الله وحد. لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له
الدِّين ولو كره الكافرون" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا من المباح للإمام وغير المأموم، وأي إمام
ذكر الله بما وصفت جهراً، أو سراً، أو بغيره فحسن، وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا اللَّه بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتَعلم منه فيجهر، حتى يرى أنه قد تُعلِّمَ منه، ثم يُسِرُّ، فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا) الآية، يعني - واللَّه تعالى أعلم - الدعاء.
ولا تجهر: ترفع. ولا تخافت: حتى لا تسمع نفسك.
وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما روى ابن عباس رضي اللَّه عنهما من تكبيره كما رويناه.(2/1048)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحسب إنما جهر قليلاً أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتعلم الناس منه؛ وذلك لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل ولا تكبير، وقد يذكر أنه ذِكْرُ بعد الصلاة بما وصفت.(2/1049)
سورة الكهف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)
مناقب الشَّافِعِي رحمه الله: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول
الكلام وصحه اعتقاده فيها) :
قال - السائل للشافعي -: وقد عرفتُ نقصانه وإتمامه - أي: الإيمان -.
فمن أين جاءت قلادته؟
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله جل ذكره: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو كان هذا الإيمان كله واحداً لا نقصان فيه ولا
زيادة، لم يكن لأحد فيه فضل، واستوى الناس، وبَطُلَ التفضيل، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله في الجنة، وبالنقصان من الإيمان دخل المفرِّطون النار.(3/1057)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)
الأم: الاستثناء في اليمين:
قيل للشافعي رحمه الله: فإنا نقول في الذي يقول: والله لا أفعل كذا وكذا
إن شاء الله، أنه إن كان أراد بذلك الثُّنيا، فلا يمين عليه ولا كفارة إن فعل.
وإن لم يرد بذلك الثنيا وإنَّما قال ذلك؛ لقول الله - عزَّ وجلَّ -: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الآيتان.
أو قال ذلك سهواً، أو استهتاراً، فإنه لا ثنيَا - عليه - وعليه الكفارة إن حنث، وهو قول مالك رحمه الله تعالى، وأنه إن حلف فلما فرغ من يمينه نسَّق الثنيا بها، أو تدارك اليمين بالاستثناء بعد انقضاء يمينه ولم يَصل الاستثناءَ باليمين، فإنه إن كان نسقاً بها تباعاً، فذلك له استثناء، وإن كان بين ذلك صُمَاتٌ فلا استثناء له.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: من قال: والله، أو حلف بيمين ما كانت بطلاق أو
عتاق، أو غيره، أو أوجب على نفسه شيئاً، ثم قال إن شاء الله موصولاً بكلامه، فقد استثنى، ولم يقع عليه شيء من اليمين وإن حنث، والوصل أن يكون كلامه نسَقاً، وإن كان بينه سكتة كسكتة الرجل بين الكلام للتذكر، أو العي، أو النفس، أو انقطاع الصوت، ثم وصل الاستثناء فهو موصول، وإنَّما القطع أن يحلف، ثم يأخذ في كلام ليس من اليمين من أمر أو نهي أو غيره، أو يسكت السكات الذي يبين أنه يكون قطعاً، فإذا قطع ثم استثنى لم يكن له الاستثناء.(3/1058)
الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الآيتان. - وفد استشهد بهما في معرض نفيه للاستحسان كمصدر تشريعي -.
الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم جاءه قوم، فسألوه عن أصحاب الكهف
وغيرهم، فقال: أعلمكم غداً، يعني: أسأل جبريل ثم أعلمكم، فأنزل اللَّه - عز وجل -: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الآية. -
وقد أورد الآيتين كذلك للدلالة على نفيه الاحتجاج بالاستحسان كمصدر للتشريع -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا)
الرسالة: باب (ما نزل من الكتاب عاماً يراد به العام ويدخله الخصوص)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا قول الله: (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا) الآية.
وفي هذه الآية دلالة على أن لم يستطعما كل أهل قرية، فهي في معناهما.(3/1059)
سورة مريم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما نص)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأخبر اللَّه جل ثناؤه: أن كل آدمى مخلوق من ذكر
وأنثى؛ وسمى الذكر، أباً، والأنثى: أمًّا، ونبَّه أن ما نسب من الولد إلى أبيه نِعمة من نعمه، وقال: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
مختصر المزنى: باب (جامع الأيمان الثاني) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو حلف لا يكلم رجلاً، ثم سلم على قوم
والمحلوف عليه فيهم، لم يحنث إلا أن ينويه، ولو كتب إليه كتاباً، أو أرسل إليه رسولاً، فالورع أن يحنث، ولا يبين ذلك؛ لأن الرسول والكتاب غير الكلام.(3/1060)
قال المزني رحمه اللَّه: هذا عندي به، وبالحق أولى، قال اللَّه جل ثناؤه:
(آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) .
فأفهمهم ما يقوم مقام الكلام، ولم يتكلم.
وقد احتج الشَّافِعِي رحمه الله، بأن الهجرة محرمة فوق ثلاث، فلو كتب أو
أرسل إليه، وهو يقدر على كلامه، لم يخرجه هذا من الهجرة التي يأثم بها.
قال المزني رحمه اللَّه: فلو كان الكتاب كلاماً لخرج به من الهجرة، فتفَهَّم.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)
الأم: باب (الولاء والحِلْف)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله قال: أمر اللَّه تبارك وتعالى أن
يُنسب من كان له نسب من الناس نسبين: من كان له أب أن ينسب إلى أبيه، ومن لم يكن له أب فلينسب إلى مواليه، وقد يكون ذا أب وله موالٍ، فينسب إلى أبيه ومواليه، وأولى نسَبَيه أن يبدأ به أبوه، وأمر أن ينسبوا إلى الإخوة في الدين مع الولاء، وكذلك ينسبون إليها مع النسب.
والإخوة في الدين ليست بنسب، إنما هي صفة تفع على المرء بدخوله في
الدين، ويخرج منها بخروجه منه.(3/1061)
والنسب إلى الولاء والآباء إذا ثبت لم يُزِلْه المولى من فوق، ولا من أسفل.
ولا أب، ولا الولد.
والنسب: اسم جامع لمعان مختلفة فينسب الرجل إلى العلم، وإلى الجهل.
وإلى الصناعة، وإلى التجارة، وهذا كله نسب مستحدث من فعل صاحبه، وتركه الفعل، وكان منهم صنف ثالث لا آباء لهم يعرفون، ولا ولاء فنسبوا إلى عبودية اللَّه وإلى أديانهم وصناعاتهم، وأصل ما قلت من هذا في كتاب الله - عزَّ وجلَّ، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وما أجمع عليه عوام أهل العلم،. ..
وقال اللَّه - عز وجل -: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)
الأم: كتاب الجزية:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكَرَ - اللَّه تعالى - إسماعيل بن إبراهيم فقال عز
ذكره: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) .(3/1062)
سورة طه
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحه اعتقاده فيها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم معنى قوله في الكتاب: (مَن فِى السمَآءِ)
مَنْ فوق السماء على العرش، كما قال: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) الآية، وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلا السماوات، فهو على
العرش - سبحانه وتعالى - كما أخبر بلا كيف، بائن من خلقه، غير مماس من خلقه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
الأم: باب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن الله - عزَّ وجلَّ حكم على عباده حكمين:(3/1063)
1 - حكماً فيما بينهم وبينه، - وحكماً فيما بينهم في دنياهم، فحكم
على عباده فيما بينهم وبينه - أن أثابهم وعاقبهم على ما أسروا، كما فعل بهم فيما أعلنوا، وأعلمهم إقامة للحجة عليهم، وبينها لهم أنه عَلِم سرائرهم وعلم علانيتهم، فقال: (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) الآية، وقال: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) . الآية.
وخلقه لا يعلمون إلا ما شاء - عز وجل -، وحجب
علم السرائر عن عباده.
2 - وبعث فيهم رسلاً، فقاموا باحكامه على خلقه، وأبان لرسله وخلقه -
أن - أحكام خلقه في الدنيا على ما أظهروا.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
الأم: باب (الساعات التي تكره فيها الصلاة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)
وأمرُه - صلى الله عليه وسلم - "أن لا يمنع أحد طاف بالبيت، وصلى أي ساعة شاء. ."
الحديث - بمعناه -، وصلى المسلمون على جنائزهم بعد الصبح والعصر.(3/1064)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفيما روت أم سلمة من: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، صلى في بينها ركعتين بعد العصر، كان يصليها بعد الظهر فَشُغِل عنهما بالوفد، فصلاهما بعد العصر.." الحديث - بمعناه -.
الرسالة: النهي عن معنى يشبه الذي قبله في شيء ويفارقه في شيء غيره
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، أن
رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) " الحديث.
وحدَّث أنس بن مالك، وعمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: مثل معنى حديث ابن المسيب وزاد أحدهما:
"أو نام عنها" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فليصلها إذا ذكرها"
فجعل ذلك وقتاً لها، وأخبر به عن الله تبارك وتعالى، ولم يستثني وقتاً من الأوقات يدعها فيه بعد ذكرها.
أخبرنا ابن عيينة، عن أبي الزبير، عن عبد اللَّه بن باباه، عن جبير بن
مطعم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"يا بني عبد مناف، من ولي منكم من أمر الناس شيئاً(3/1065)
فلا يمنعن أحداً طاف بهذا البيت وصلَّى، أي ساعة شاء، من ليل أو نهار"
الحديث.
أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: مثل معناه، وزاد فيه: "يا بنى عبد المطلب، يا بنى عبد مناف"
ثم ساق الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأخبر جبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بإباحة الطواف بالبيت، والصلاة له في أي ساعة ما شاء الطائف والمصلِّي.
وهذا يبين أنه إنَّما نهى عن المواقيت التي نهى عنها، عن الصلاة التي لا تلزم
بوجه من الوجوه، فأما ما لزم فلم ينه عنه، بل أباحه - صلى الله عليه وسلم -.
وصلى المسلمون على جنائزهم عامة بعد العصر والصبح؛ لأنها لازمة.
وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - طاف بعد الصبح، ثم نظر فلم يَرَى الشمس طلعت، فركب حتى أتى ذا طِوَى وطلعت الشمس، فأناخ فصلى، فنهى عن الصلاة للطواف بعد العصر وبعد الصبح كما نهى عما لا يلزم من الصلاة.(3/1066)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا كان بعمر - رضي الله عنه - أن يؤخر الصلاة للطواف، فإنما تركها لأن ذلك له؛ ولأنه لو أراد منزلاً بذي طوى لحاجة كان واسعاً إن شاء الله، ولكن سمع النهي جملة عن الصلاة، وضرب (المنكدر) عليها بالمدينة بعد العصر، ولم يسمع ما يدل على أنه إنما نهى عنها للمعنى الذي وصفنا، فكان يجب عليه ما فعل.
ويجب على من علم المعنى الذي نهى عنه، والمعنى الذي أبيحت فيه، أن
إباحتها بالمعنى الذي أباحها فيه خلاف المعنى الذي نهى فيه عنها، كما وصفتُ
مما روى علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، إذا سمع النهي، ولم يسمع سبب النهي.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فقد صنع أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -، كما صنع عمر - رضي الله عنه -؟
قلنا: والجواب فيه كالجواب في غيره.
قال: فإن قال قائل: فهل من أحد صنع خلاف ما صنعا؟
قيل: نعم، ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، والحسن، والحسين، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وقد سمع ابن عمر النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أخبرنا ابن عيينه، عن عمرو بن دينار قال:
"رأيت أنا وعطاء بن رباح، ابن عمر رضي الله عنهما طاف بعد الصبح، وصلى قبل أن تطلع الشمس" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن عمار الدُّهني عن أبي شعبة:
أن الحسن والحسين طافا بعد العصر وصليا.
أخبرنا مسلم، وعبد المجيد،(3/1067)
عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: رأيت ابن عباس رضي الله عنهما طاف بعد العصر وصلَّى.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنَّما ذكرنا تفرق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا ليستدل مَن عَلِمَه على أن تفرقهم فيما لرسول الله فيه سنة، لا يكون إلا على هذا المعنى، أو على أن لا تبلغ السنة من قال خلافها منهم، أو تأويلِ تحتمله السنة، أو ما أشبه ذلك مما قد يرى قائله له فيه عذراً - إن شاء الله -، وإذا ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشيء فهو اللازم لجميع من عرفه، لا يقويه ولا يوهنه شيء غيره، بل
الفرض الذي على الناس اتباعه، ولم يجعل الله لأحد معه أمراً يخالف أمره.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)
مختصر المزني: باب (البكاء على الميت) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأرخص الله تعالى في البكاء بلا ندب ولا نياحه.
لما في النوح من تجديد الحزن، ومنع الصبر، وعظيم الإثم.
وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"
وذكر ذلك ابن عباس لعائشة رضي الله عنهما، فقالت: رحم الله
عمر، والله ما حدَّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"ان الله ليعذب الميت ببكاء أهله عليه ولكن قال:
"إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه" الحديث.(3/1068)
وقالت عائشة رضي الله عنها: حسبكم القرآن (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) .
وقال ابن عباس عند ذلك: الله (أَضْحَكَ وَأَبْكَى) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ما روت عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشبه بدلالة الكتاب والسنة قال اللَّه - عز وجل -:
(أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية.
وقال: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) الآية.
وقال عليه الصلاة والسلام لرجل في ابنه:
"إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه " الحديث.
وما زيد في عذاب الكافر فباستيجابه له، لا بذنب غيره.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقةً سوى ما مضى:
أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَّمي قال: سمعت أبا الحسن بن مُقَسِّم (ببغداد)
يقول: سمعت أحمد بن علي بن سعيد البزار يقول: سمعت أبا ثور يقول:(3/1069)
سمعت الشَّافِعِي رحمه الله بقول: الفصاحة إذا استعملتها في الطاعة أشفى
وأكفى في البيان، وأبلغ في الإعذار، لذلك دعا موسى ربه فقال: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) .
لما علم أن الفصاحة أبلغُ في البيان.(3/1070)
سورة الأنبياء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)
الرسالة: باب (الصنف الذي يُبَينُ سياقُه معناه) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ) .
وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها، فذكر قصم القرية، فلما ذكر أنها
ظالمة، بأن للسامع أن الظالم إنما هم أهلها، دون منازلها التي لا تظلِم، ولما ذكر القوم المنشئين بعدها، وذكر إحساسهم البأس عند القصم، أحاط العلم أنه إنما أحس البأس من يعرف البأس من الآدميين.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
الرسالة: باب (البيان الرابع) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيجمع القبول لما في كتاب اللَّه، ولسنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: القبول لكل واحد منهما عن اللَّه، وإن تفرقت فروع الأسباب التي قُبِلَ بها(3/1071)
عنهما، كما أحل وحرّم، وفرض وَحَدَّ، بأسباب متفرقة، كما شاء جل ثناءه:
(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) .
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الزكاة:
أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الناس عبيد الله جل ثناؤه، فملَّكهم ما شاء أن
يملكهم، وفرض عليهم فيما ملكهم ما شاء: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الآية، فكان فيما آتاهم، أكثر مما جعل عليهم فيه، وكل أنعم به
عليهم جل ثناؤه، وكان - فيما فرض عليهم، فيما ملكهم - زكاة.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)
الأم: الإقرار بالشيء غير الموصوف
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قال الرجل لفلان على مال، أو عندي، أو في
يدي، أو قد استهلكت مالاً عظيماً، أو قال عظيماً جداً، أو عظيماً عظيماً، فكل هذا سواء، ويسأل ما أراد؟
فإن قال: أردت ديناراً أو درهماً، أو أقل من درهم
مما يقع عليه اسم مال عرض أو غيره، فالقول قوله مع يمينه.
وكذلك إن قال: مالاً صغيراً، أو صغيراً جداً، أو صغيراً صغيراً، من قبل أن جميع ما في الدنيا من متاعها(3/1072)
يقع عليه قليل - في الآخرة - قال الله تبارك وتعالى: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) . الآية.
وقليل ما فيها يقع عليه عظيم الثواب والعقاب، قال اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) الآية.
وكل ما أثيب عليه وعُذِّب يقع عليه اسم كثير.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الصيام:
قال البيهقي: وقرأت في كتاب حرملة - فيما روى:
عن الشَّافِعِي رحمه الله: أنه قال: جماع العُكُوف: ما لزمه المرء.
فحبس عليه نفسه، من شيء (براً كان أو مأثماً) فهو عاكف.
واحتج بقوله - عز وجل - حكاية عمن رضي قوله: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)
مختصر المزني: مختصر الأيمان والنذور وما دخل فيهما. . .:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو قال بالله، أو تالله، فهي يمين، نوى أو لم ينو.
وقال في الإملاء: تالله يمين. وقال في القسامة: ليست بيمين.(3/1073)
قال المزني رحمه اللَّه: وقد حكى الله - عزَّ وجلَّ يمين إبراهيم عليه السلام: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)
الأم: باب (في اجتهاد الحاكم) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) الآيتان.
قال الحسن بن أبي الحسن: لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا.
ولكن اللَّه حمد هذا لصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده.(3/1074)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)
الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دلَّ الكتاب ثم السنة على من تزول عنه
بالعذر) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: أراك توقع الإحصان على معانٍ
مختلفة؟
قيل: نعم، جماع الإحصان: أن يكون دون التحصين مانع من تناول
المحرم.
فالإسلام مانع، وكذلك الحرية مانعة، وكذلك الزوج والإصابة مانع.
وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكل ما مَنَعَ أحصَن، قال الله:
(وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ)
الإحياء::
وروي أن عبد القاهر بن عبد العزيز كان رجلاً صالحاً، ورعاً، وكان يسأل
الشَّافِعِي رحمه الله عن مسائل في الورع، والشَّافِعِي رحمه الله يقبل عليه لورعه،(3/1075)
وقال للشافعي رحمه الله يوماً: أي أفضل الصبر أو المحنة، أو التمكين؟
فقال الشَّافِعِي رحمه الله: التمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر، وإذا صبر مُكِّن، ألا ترى أن الله - عزَّ وجلَّ امتحن إبراهيم عليه السلام ثم مَكنه، وامتحن موسى عليه السلام ثم مَكنه، وامتحن أيوب عليه السلام ثم مَكنه، وامتحن سليمان عليه السلام ثم مَكنه وآتاه ملكاً، والتمكين أفضل الدرجات.
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ)
وأيوب عليه السلام بعد المحنة العظيمة مُكن، قال الله تعالى: (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) الآية.
قال الغزالي رحمه الله فهذا الكلام من الشَّافِعِي رحمه اللَّه يدل على تبحره
في أسرار القرآن، واطلاعه على مقامات السائرين إلى الله تعالى من الأنبياء
والأولياء.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)
الرسالة: باب (بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله جل ثناؤه: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) الآية، فدل كتاب اللَّه على أنه إنَّما وقودها بعض الناس، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) .(3/1076)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)
الأم: الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالتوراة كتاب موسى - عليه السلام -، والإنجيل
كتاب عيسى - عليه السلام -، والصحف كتاب إبراهيم - عليه السلام -، ما لم تعرفه العامة من العرب، حتى أنزل اللَّه - عز وجل -: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) .(3/1077)
سورة الحج
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)
مناقب الشافعى: باب (ما جاء في حسن مناظرة الشَّافِعِي وغلبته بالعلم والبيان كل من ناظره) :
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: سمعت أبا الفضل (الحسن بن يعقوب)
يقول: سمعت أبا أحمد (محمد بن رَوح) بقول: سمعت أبا إسماعيل الترمذي
يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: كنا بمكة، والشَّافِعِي بها، وأحمد بن
حنبل رحمهما اللَّه.
قال: وكان أحمد يجالس الشافعى، وكنت لا أجالسه، فقال لي أحمد، يا أبا
يعقوب مُرَّ جالِسْ هذا الرجل.
فقلت: ما أصنع به؟
سِنُّه قريب من سننا، أترك ابن عيينة، والمقبُري وهؤلاء المشايخ؟!
فقال أحمد ويحك، إن هذا يفوت، وذاك لا يفوت.
قال: فجالسته فتناظرنا في كراء بيوت مكة، وكان الشَّافِعِي يساهل فيه.
وكنت لا أساهل فيه، فذكر حديثاً، وأخذت أنا في الباب أسرد عليه وهو
ساكت، فلما أن فرغت، وكان معي رجل من أهل (مرو) فالتفت إليه فقلت -(3/1078)
بالفارسية -: (مردك لا كما لا نيست) (1) فعلم أني راطنت صاحبي: بشيء هجنْتُه فيه، فقال: تناظر؛ فقلت للمناظرة جئتُ.
قال اللَّه - عز وجل -: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ) الآية.
نسب الديار إلى مالكيها، أو إلى غير مالكيها؟
قال: وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، يوم فتح مكة: "من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن"
فنسب الديار إلى أربابها أم إلى غير أربابها؟
قال: واشترى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (دار السجن) من مالك غير مالك؟
قال: قلت من مالك.
قال: فلما عرفت أني قد أفحمت قُمتُ.
قال: وقال غير أبي إسماعيل في هذه الحكاية: فقال له الشَّافِعِي: لو قلت
قولك احتجت أن أُسِلسَل.
قال البيهقي رحمه اللَّه: وقد ذكرنا حكاية مناظرتهما في كتاب (المعرفة) أتم
من هذا، وفيها من الزيادة: احتجاج الشَّافِعِي بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وهل ترك لنا عقيل من دار؛" الحديث.
ثم معارضة إسحاق إياه بقول التابعين.
قال الشَّافِعِي رحمه للُه: من هذا؟
قيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: فقال له
الشَّافِعِي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم؟
قال إسحاق: هكذا يزعمون.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك، فكنت
آمر بعرك أذنيه.
__________
(1) مرد: هو الرجل الصغير والحقير، و (ما لان) أو (كما لان) : قرية بمرو ينسب إلى أهلها الغفلة، انظر آداب الشَّافِعِي ومناقبه / للرازي، ص / 180) الهامش) رقم / 2، والمقصود: أنه نسب الشَّافِعِي إلى الصغار والغفلة واللَّه أعلم.(3/1079)
أنا أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنت تقول: عطاء، وطاووس، وإبراهيم، والحسن هؤلاء لا يرون ذلك، وهل لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة؟!
وفيها من الزيادة: قال له إسحاق: اقرأ: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) الآية.
فقال الشَّافِعِي رحمه الله: اقرأ أول الآية: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) هذا في المسجد خاصة.
وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، فيما بلغه عن (داود الأصبهاني)
أنه قال: لم يفهم (إسحاق) في ذلك الوقت (إيش) يحتج به الشَّافِعِي، وأراد
الشَّافِعِي رحمه اللَّه: أن الدور لو كانت مباحة للناس - كان جواب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن يقول: أي موضع أدركنا في دار كان نزلنا، فإن ذلك مباح لنا، بل أشار إلى دورهم التي كانت لآبائهم، باعها عقيل بن أبي طالب - رضي الله عنه - قبل أن يسلم، فلم يطالب بشيء منها، ولم يؤاخذ به أحداً، وقال: لم يترك لنا عقيل مسكناً.
فدل ذلك على أن كل من ملك فيها شيئاً فهو مالك، له منعه عن غيره.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
الأم: كتاب (الحج) ، باب (فرض الحج على من وجب عليه الحج) :
أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي بمصر سنة سبع ومائتين قال:(3/1080)
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي - رحمه الله - قال: أصل إثبات فرض الحج خاصة في كتاب اللَّه تعالى، ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكر اللَّه - عز وجل - الحج في غير موضع من كتابه.
فحكى أنه قال لإبراهيم عليه السلام: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) الآية.
ثم ذكر الآيات المتعلق بفرضية الحج -.
الأم (أيضاً) : باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل - لإبراهيم خليله:
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فسمعت بعض من أرضى من أهل العلم يذكر: أن
الله تبارك وتعالى لما أمر بهذا إبراهيم عليه السلام، وقف على المقام فصاح
صيحة: (عباد اللَّه أجيبوا داعي الله) فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، فمن حج البيت بعد دعوته فهو ممن أجاب دعوته، ووافاه من وافاه يقولون: (لبيك داعي ربنا، لبيك) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
الأم: باب (الاختلاف في العيب)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأهلة معروفة المواقيت، وما كان في معناها من
الأيام المعلومات، فإنه سبحانه وتعالى يقول: (فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) الآية. . .(3/1081)
الأم (أيضاً) : الضحايا الثاني:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والضحية نسك من النسك مأذون في كله.
وإطعامه، وادخاره، فهذا كله جائز في جميع الضحية، جلدها، ولحمها، وكره بيع شيء منه، والمبادلة به بيع.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: ومن أين كرهت أن تباع، وأنت لا
تكره أن تؤكل وتدخر؟
قيل له: لما كان نسكاً فكان اللَّه حكم في البدن التي - هي نسُك، فقال - عز وجل -: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الآية.
وأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل الضحايا والإطعام، كان ما أذن اللَّه فيه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مأذوناً فيه، فكان أصل
ما أخرج لله - عز وجل - معقولاً أن لا يعود إلى مالكه فيه شيء، إلا ما أذن الله فيه أو رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
مختصر المزني: باب (لحوم الضحايا) :
حدثنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزبير، عن جابر بن
عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"نهى عن كل لحوم الضحابا بعد ثلاث".
ثم قال بعد ذلك:
"كلوا وتزودوا وادخروا" الحديث.
حدثنا الربيع قال:(3/1082)
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك، عن عبد اللَّه بن أبي بكر.
عن عبد اللَّه بن واقد بن عبد اللَّه، أنه قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث" الحديث.
قال عبد اللَّه بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعَفرَةَ
فقالت: صدق، سمعت، عائشة رضي اللَّه عنها تقول: دفَّ ناسٌ من أهل
البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي" الحديث.
قالت: فلما كان بعد ذلك قلنا لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:
لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم يجعلون منها الودك.
ويتخذون منها الأسقية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"وما ذاك"؟ أو كما قال، قالوا يا رسول اللَّه نهيت عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت حضرة الأضحى، فكلوا وتصدقوا
وادخروا" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيشبه أن يكون إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث إذا كانت الدَّافة على معنى الاختيار، لا على معنى الفرض، وإنما قلت: يشبه الاختيار لقول اللَّه - عز وجل -: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) الآية.
وهذه الآية في البدن التي يتطوع بها أصحابها، لا التي وجبت عليهم قبل أن يتطوعوا بها، وإنما أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من هديه أنه كان تطوعاً، فأما ما وجب من الهدي كله فليس لصاحبه أن يأكل منه
شيئاً، كما لا يكون له أن يأكل من زكاته ولا من كفارته شيئاً، وكذلك إن
وجب عليه أن يخرج من ماله شيئاً فأكل بعضه، فلم يخرج ما وجب عليه
بكماله.(3/1083)
وأحبُّ لمن أهدى نافلة أن يطعم البائس الفقير، لقول اللَّه - عز وجل -:
(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) الآية.
الرسالة: باب (العلل في الأحاديث) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخاً في كل حال، فيُمسك الإنسان من ضحيته ما شاء، ويتصدق بما شاء - ثم ذكر ما ورد سابقاً في الأم - وقد علق محقق كتاب الرسالة قائلاً:
وهكذا تردد الشَّافِعِي في قوله في هذا كما ترى، فمرة يذهب إلى النسخ.
ومرة يذهب إلى أن النهي اختيار لا فرض، ومرة يذهب إلى أن النهي لمعنى فإذا وُجدَ ثبت النهي.
والذي أراه راجحاً عندي - للعلامة: أحمد محمد شاكر -: أن النهي عن
الادخار بعد ثلاث إنما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل تصرف الإمام والحاكم، فيما ينظر فيه لمصلحة الناس، وليس على سبيل التشريع في الأمر العام، بل يؤخذ منه أن للحاكم أن يأمر وينهى في مثل هذا، ويكون أمره واجب الطاعة، لا يسع أحداً مخالفته.
وآية ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أخبروه عما نابهم من المشقة في هذا سألهم:
وما ذاك؟ فلما أخبروه عن نهيه، أبان لهم عن علته وسببه، فلو كان هذا النهي تشريعاً عامًّا لذكر لهم أنه كان ثم نسخ، أما وقد أبان لهم عن العلة في النهي فإنه قصد إلى تعليمهم، أن مثل هذا يدور مع المصلحة التي يراها الإمام، وأن طاعته(3/1084)
فيه واجبة، ومن هذا نعلم أن الأمر فيه على الفرض لا على الاختيار، وإنما هو فرض محدد بوقت أو بمعنىً خاص، لا يُتجاوز به ما يراه الإمام من المصلحة. ..
ويختتم كلامه فائلاً: وهذا معنى دقيق بديع، يحتاج إلى تأمُّلٍ، وبُعدِ نظر.
وسَعَة اطلاع على الكتاب والسنة ومعانيهما، وتطبيقه في كثير من المسائل
عسير، إلا على من هدى الله.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
الأم: باب (الطواف بعد عرفة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى:
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
فاحتملت الآية:
1 - أن ئكون على طواف الوداع؛ لأنه ذكر الطواف بعد قضاء التفث.
2 - واحتملت أن تكون على الطواف بعد (منى) ، وذلك أنه بعد حلاق
الشعر ولبس الثياب والتطيب، وذلك فضاء النفث.
وذلك أشبه معنييها بها، لأن الطواف بعد (منى) واجب على الحاج.
والتنزيل كالدليل على إيجابه - والله أعلم -، وليس هكذا طواف الوداع.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن كانت نزلت في الطواف بعد (منى) دلَّ ذلك
على إباحة الطيب.(3/1085)
الأم (أيضاً) : باب (لا يقال شوط ولا دور)
أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، عن مجاهد رحمه الله، أنه كان يكره أن يقول
شوط، دور للطواف، ولكن يقول، طواف، طوافين.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وأكره من ذلك ما كره مجاهد؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ قال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
فسمى طوافاً؛ لأن الله تعالى سمى جماعه طوافاً.
الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في موضع الطواف) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وإكمال الطواف بالبيت من وراء الحِجر، ووراء شاذروان الكعبة، فإن طاف طائف بالبيت، وجعل طريقه من بطن الحِجر - أي: حجر إسماعيل - أعاد الطواف، وكذلك لو طاف على شاذروان الكعبة أعاد الطواف.
فإن قال قائل: فإن الله - عزَّ وجلَّ - يقول: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والمسجد كله موضع للطواف.
مختصر المزني: ومن كتاب المناسك:
قال الشَّافِعِي رحمه لله: أخبرنا ابن عيينة، حدثنا هشام، عن طاووس فيما
أحسب أنه قال: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الحِجر من البيت وقال الله (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
وقد طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وراء الحِجر.(3/1086)
قال الله عزَّ وجلَّ: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ
(32)
الأم: باب (ما تجزي عنه البدنة من العدد في الضحايا)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كانت الضحايا إنما هو دم يُتقرب به إلى الله
تعالى، فخير الدماء أحبّ إليَّ، وقد زعم بعض المفسرين: أن قول اللَّه - عز وجل -: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الآية، استسمان الهدي واستحسانه.
وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الرقاب أفضل؟
قال: "أغلاها ثمناً وأنفسُها عند أهلها" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والعقل مضطر إلى أن يعلم أن كل ما تقُرِّبَ به إلى
الله - عز وجل - إذا كان نفيساً، كلما عظمت رزيَّتُه على المتقرب به إلى اللَّه تبارك وتعالى، كان أعظم لأجره.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
الأم: باب (الإحصار بالعدو) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أما السنة فتدل على أن محله - أي: دم الإحصار
- في هذا الوضع نحره؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر في الحل، فإن قال - المحاور -:(3/1087)
فقد قال الله - عزَّ وجلَّ في البدن: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
فهو محلها.
فإن قال: فهل خالفك أحد في هدي المحصر؟
قيل: نعم، عطاء بن أبي رباح كان يزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحر في الحرم. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فإن الله - عزَّ وجلَّ يقول:
(حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) الآية.
قلت: على أن ينحرها عند البيت العتيق، الله أعلم بمحله، هاهنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحره حيث أحصر، كما وصفتُ.
ومحله في غير الإحصار الحرم - والمنحر -، وهو كلام عربي واسع.
الأم (أيضاً) : باب (في قتل الدواب التي لا جزاء فيها في الحج)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه
عنهما قال: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك
الطواف بالبيت، قال مالك رحمه اللَّه: وذلك فيما نرى - والله أعلم - لقول اللَّه جل ثناءه: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
فمحل الشعائر وانقضاؤها إلى البيت العتيق.
مختصر المزني: باب (الهدي) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس له أن ينحر دون الحرم، وهو محلها لقول اللَّه
جل وعز: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية، إلا أن يحصر، فينحر حيث
أحصر، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديبية.(3/1088)
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي رحمه الله بتفسير
القرآن ومعانيه، وسبب نزوله)
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس قال: أنبأنا الربيع قال: حدثئا الشَّافِعِي رحمه الله في قوله - عز وجل -: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
قال: فزعم أهل العلم بالتفسير: أن محلها الحرم؛ كأنهم ذهبوا إلى أن الأرض
حِل وحَرَمٌ، فموضع البيت في الحرم.
وأن قول اللَّه: (إِلَى الْبَيْتِ) إلى موضع البيت الذي تبين من البلدان، لا إلى البيت نفسه، ولا إلى موضعه من المسجد؛ لأن الدم لا يصلح هناك. وعقلوا عن اللَّه أنه إنما أراد حاضري البيت العتيق من الهدي، فإن أجمع أن يذبح في الحرم فيأكله حاضره - أي: حاضري الحرم - من أهل الحاجة غير متغير، فقد جاء بالذى عليه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)
الأم: المكاتب
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والخير كلمة يُعرف ما أريد منها بالمخاطبة بها.
وقال اللَّه - عز وجل -: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) الآية، فعقلنا أن الخير: المنفعة بالأجر، لا أن لهم في البُدن مالاً.(3/1089)
الأم (أيضاً) : باب (ذبائح أهل الكتاب)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد أحل اللَّه - عز وجل - لحوم البُدن مطلقة، فقال: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا) الآية.
ووجدنا بعض المسلمين يذهب إلى: أن لا يؤكل من البَدَنة التي هي نذر، ولا جزاء صيد، ولا فدية، فلما احتملت هذه الآية، ذهبنا إليه وتركنا الجملة؛ لأنها خلاف للقرآن، ولكنها محتملة، ومعقول أن من وجب عليه شيء في ماله، لم يكن له أن يأخذ منه شيئاً؛ لأنا إذا جعلنا له أن
يأخذ منه شيئاً فلم نجعل عليه الكل، إنما جعلنا عليه البعض الذي أعطى، فهكذا ذبائح أهل الكتاب بالدلالة على شبيه ما قلنا.
الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر النكاح:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأمر في الكتاب، والسنة، وكلام الناس يحتمل
معاني:
أحدها: أن يكون اللَّه - عز وجل - حرّم شيئاً ثم أباحه، فكان أمره إحلال ما حرم، منها قوله: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) الآية.
ليس حتماً أن لا يأكل من بَدَنتِه إذا نحرها، فإنما هي دلالة لا حتم، وأشباه لهذا كثير في كتاب اللَّه - عز وجل - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
وزاد في كتاب المناقب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب، ومعرفة
السنة، طلب الدلائل؛ ليفرفوا بين الحتم، والمباح، والإرشاد الذي ليس بحتم في الأمر والنهي معاً.(3/1090)
مختصر المزني: باب (الهدي) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما كان منها تطوعاً أكل منها، لقول الله جل وعز:
(فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا) الآية.
وأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من لحم هديه وأطعم.
وكان هديه تطوعاً، وما عُطِب منها نحرها وخلَّى بينها وبين المساكين، ولا بدل عليه فيها، وما كان واجباً من جزاء الصيد أو غيره، فلا يأكل منها شيئاً، فإن أكل فعليه بقدر ما أكل لمساكين الحرم، وما عُطِب منها فعليه مكانه.
مختصر المزني (أيضاً) : باب (لحوم الضحايا) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله: (وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) الآية.
القانع: هو السائل. والْمُعْتَر: الزائر، والمار بلا وقت.
فإذا أطعم من هؤلاء واحداً أو أكثر فهو المطعمين، فأحبّ إلي ما أكثر، أن
يطعم ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويدخر ثلثاً ويهبط به حيث شاء، والضحايا من هذا السبيل - والله أعلم -.
وأحب إن كانت في الناس مخمصة أن لا يدخر أحد من أضحيته، ولا من
هديه أكثر من ثلاث؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدافة، فإن ترك رجل أن يطعم من هدي تطوع أو أضحية فقد أساء، وليس عليه أن يعود للضحية، وعليه أن يُطعِم إذا جاءه قانع، أو مُعْتَرٌّ، أو بائسٌ فقير شيئاً؛ ليكون عوضاً مما منع، وإن كان في غير أيام الأضحى.(3/1091)
قال الله - عزَّ وجلَّ -: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ)
الأم: مبتدأ الإذن بالقتال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأذن لهم بأحد الجهادين (بالهجرة) ، قبل أن يؤذن
لهم بأن يبتدئوا مشركا بقتال، ثم أذن لهم بأن يبتدئوا المشركين بقتال، قال اللَّه تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ) الآيتان.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ)
الأم: باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الآية،(3/1092)
وقد أحاط العلم أن كل الناس في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا يدعون من دونه شيئاً؛ لأن فيهم المؤمن، ومَخرَج الكلام عاماً، فإنما أريد من كان هكذا.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
الأم: باب (التكبير للركوع وغيره) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو ترك التكبير، سوى تكبيرة الافتتاح، وقوله
سمع اللَّه لمن حمده، لم يُعِد صلاته، وكذلك من ترك الذكر في الركوع والسجود، وإنما قلت ما وصفت بدلالة الكتاب، ثم السنة.
قال اللَّه - عز وجل -: (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) الآية.
ولم بذكر في الركوع والسجود عملاً غيرهما، فكانا الفرض.
فمن جاء بما يقع عليه اسم ركوع أو سجود فقد جاء بالفرض عليه، والذكر
فيهما سنة اختيار، وهكذا قلنا في المضمضة والاستنشاق مع غسل الوجه. . ثم ذكر حديث الذي لا يحسن الصلاة وكيفية ئعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - له الصلاة ولم يذكر فبه وجوب التسبيح بالركوع والسجود -.
مناقب الشافعى: باب (ما يؤثر عنه - الشافعى - في الإيمان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض الله تعالى على الوجه: السجود للهِ بالليل
والنهار، ومواقيت الصلاة، فقال في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .(3/1093)
ترتيب مسند الشَّافِعِي: في سجود التلاوة
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن نافع، "أن ابن عمر - رضي الله عنهما - سجد في سورة الحج سجدتين" الحديث.
أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن
صعير، "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صلى بهم بالجابية فقرأ سورة الحج، فسجد فيها سجدتين" الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)
الأم: أصل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما مضت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدة من هجرته، أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون اللَّه قوة بالعدد، لم تكن قبلها؛ ففرض الله تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضاً، وقال - عز وجل -:
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) الآية.(3/1094)
الأم (أيضاً) : باب (ميراث الجد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلنا إذا ورث الجد مع الإخوة قاسمهم ما كانت
المقاسمة خيراً له من الثلث، فإذا كان الثلث خيراً له منها أُعطِيَه، وهذا قول
زيد بن ثابت، وعنه قبلنا أكثر الفرائض، وقد رُوي هذا القولُ عن عمر وعثمان رضي اللَّه عنهما أنهما قالا فيه مثل قول زيد بن ثابت - رضي الله عنه -.
وقد روي هذا أيضاً عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو قول الأكثر من فقهاء - أهل - البلدان، وقد خالفنا بعض الناس في ذلك فقال: الجد: أب، وقد اختلف فيه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فقال أبو بكر، وعائشة، وابن عباس، وعبد اللَّه بن عتبة.
وعبد اللَّه بن الزبير رضي الله عنهم، إنه أب إذا كان مع الإخوة طرحوا، وكان المال للجد دونهم.
وقد زعمنا نحن وأنت: أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اختلفوا لم نصر إلى قول واحد منهم دون قول الآخر، إلا بالثبت مع الحجة البينة عليه وموافقته للسنة، وهكذا نقول، وإلى الحجة ذهبنا في قول زيد بن ثابت، ومن قال قوله.
قالوا: فإنا نزعم أن الحجة في قول من قال: الجد أب، لخصالِ منها:
أن اللَّه - عز وجل - قال: (يَا بَنِي آدَمَ) الآية.
وقال: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) الآية.
فأقام الجد في النسب أباً، وأن المسلمين لم يختلفوا في أن لم يُنقِصوه من السدس، وهذا حكمهم للأب، وأن المسلمين حجبوا بالجد، الأخ لأم، وهكذا حكمهم في الأب - وأفاض في النقاش حول هذا الموضوع -.(3/1095)
سورة المؤمنون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض الله على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى
ما حرّم اللَّه، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال في ذلك: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) . الآيات.
فذلك ما فرض اللَّه جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له، وهو عمله، وهو من الإيمان.
الزاهر باب (زكاة الفطر) :
قال الأزهري رحمه اللَّه: وأما قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)
ففيه قولان:
أحدهما: الذين هم للعمل الصالح عاملون.
والقول الثاني: الذين هم للزكاة مؤتون.(3/1096)
ترتيب مسند الشَّافِعِي: الباب السادس (في صفة الصلاة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مسلم بن خالد، وعبد المجيد، عن ابن جريج
قال: أخبرنا محمد بن عباد بن جعفر، أخبرني أبو سلمة بن سفيان، وابن عمر، والدراوردي، عن عبد اللَّه بن السائب قال:
"صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح
بمكة، فاستفتح بسورة المؤمنين حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر
عيسى، أخدت النبي - صلى الله عليه وسلم - سَعْلَةٌ فَحَذَفَ فركع"، وعبد اللَّه السائب حاضر ذلك، الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
الأم: تسري العبد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) . الآيتان.
فدل كتاب اللَّه - عز وجل - على أن ما أباحه من
الفروج، فإنما أباحه من أحد الوجهين، النكاح، أو ما ملكت اليمين.(3/1097)
الأم (أيضاً) : باب (الاستمناء) :
قال الشَّافِعِي رعه الله: قال الله عزَّ وجلَّ:
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ)
قرأ إلى: (الْعَادُونَ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على
أزواجهم، أو ما ملكت أيكانهم، تحريم ما سوى الأزواج، وما ملكت الأيمان، وبين أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات دون البهائم، ثم أكَّدها فقال - عز وجل - (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)
فلا يحل العمل بالذَّكَرِ إلا في الزوجة، أو ملك اليمين، ولا يحل الاستمناء - واللَّه أعلم -.
قال الشَّافِعِي رعه الله: وكان في قول اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآيتان.
بيان أن المخاطبين بها الرجال لا النساء، فدل على أنه لا يحل للمرأة أن تكون متسرية بما ملكت يمينها، لأنها متسراة، أو منكوحة لا ناكحة، إلا بمعنى أنها منكوحة، ودلالة على تحريم إتيان البهائم، لأن المخاطبة بإحلال الفرج في الآدميات المفروض عليهن العدة، ولهن الميراث منهم، وغير ذلك من فرائض الزوجين.
الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر النكاح:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) .(3/1098)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والرجل لا يأتي النساء إذا نكح فقد غرَّ المرأة.
ولها الخيار في المقام أو فراقه إذا جاءت سَنَةٌ أجلها من يوم يضرب له السلطان.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحب النكاح للعبيد والإماء اللاتي لا يطؤُهن
سادتهن، احتياطاً للعفاف، وطلب فضل وغنى، فإن كان إنكاحهن واجباً، كان قد أدَّى فرضاً، وإن لم يكن واجباً كان مأجوراً إذا احتسب نيته على التماس الفضل، بالاحتياط للتطوع.
الأم (أيضاً) : ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء، وما تحل به الفروج:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) .
وقال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) .
فأطلق اللَّه - عز وجل - ما ملكت الأيمان فلم يحد فيهم حداً يُنتهي إليه، فللرجل أن يتسرى كم شاء، ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا، وانتهى ما أحل اللَّه بالنكاح إلى أربع، ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبينة عن الله - عزَّ وجلَّ على أن انتهاءه إلى أربع تحريماً منه؛ لأن يجمع أحد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أكثر من أربع، لا أنه يحرم أن
ينكح في عمره أكثر من أربع إذا كن متفرقات، ما لم يجمع بين أكثر منهن؛ ولأنه أباح الأربع، وحرم الجمع بين أكثر منهن، فقال لغيلان بن سلمة،(3/1099)
ونوفل بن معاوية، وغيرهما، وأسلموا وعندهم كثر من أربع
"أمسك أربعاً وفارق سائرهنَّ" الحديث.
الأم (أيضاً) : من يقع عليه الطلاق من النساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقول الله - عز وجل -:
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
فلم يحل الجماع إلا بنكاح، أو ملك، وحَكَمَ أن يقع في النكاح ما وصفنا، من طلاق يَحرُم به الحلال من النكاح وغيره، وحكم في الملك بأن يقع من المالك فيه العتق، فيحرم به الوطء بالملك، وفَرَّقَ بين إحلالهما وتحريمهما، فلم يجز أن يوطأ الفرج إلا بأحدهما دون الآخر، - أن تكون امرأته وهو يملكها - فلما ملك امرأته فحالت عن النكاح إلى الملك انفسخ النكاح.
قال الربيع - رحمه الله -: يريد (أي: الشَّافِعِي) بأحدهما دون الآخر أنه لا يجوز أن تكون امرأته وهو يملكها أو بعضها، حتى يكون مَلَك وحده بكماله، أو التزويج وحده بكماله.
مختصر المزني: ما يحل من الحرائر:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)
وفي ذلك دليل أن الله تبارك وتعالى أراد الأحرار؛ لأن العبيد لا يملكون.(3/1100)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قلت: ذكر تفسيرها في الآية / (25) من سورة هود - عليه السلام - فلا حاجة للتكرار.(3/1101)
سورة النور
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)
الأم: باب (من عاد لقتل الصيد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجعل الحد على الزاني، فلما أوجب اللَّه عليهم
الحدود، دلَّ هذا على أن النقمة كضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا.
وجعل الحد على الزاني فلما أوجب الله عليهم الحدود، دل هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقِط حكم غيرها في الدنيا، قال الله ثبارك وتعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ) الآية.
فلم يختلف الناس في أنهما كلما زنيا بعد الحد جُلِدَا، فكان الحق عليهم في الزنا الآخر مثله في الزنا الأول.
الأم (أيضاً) : الأمان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت له - أي: للمحاور - ومن قال بباطن دون
ظاهر، بلا دلالة له في القرآن، والسنة، أو الإجماع، مخالف للآية. قال: نعم.
فقلت له: فأنت إذاً تخالف آيات من كتاب اللَّه - عز وجل -.
قال: وأين؟
قلت: قال الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.(3/1102)
الأم (أيضاً) : في المرتد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كانت في الهاربين امرأة، فحكمها حكم
الرجال؛ لأني وجدت أحكام اللَّه - عز وجل - على الرجال والنساء في الحدود واحدة.
قال اللَّه تبارك وتعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)
الآية.
الأم (أيضاً) : ما يحرم من النساء بالقرابة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.
فرجم النبي - صلى الله عليه وسلم - الزانيين الثيبين ولم يجلدهما، فاستدللنا
بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن المراد، وبالمائة من الزناة بعض الزناة.
الأم (أيضاً) : عدة الأمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر الله - عزَّ وجلَّ العدد من الطلاق بثلاثة قروء، وثلاثة أشهر، ومن الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وذكر الله الطلاق للرجال باثنتين وثلاثة.
فاحتمل أن يكون ذلك كله على الأحرار والحرائر، والعبيد والإماء، واحتمل أن يكون ذلك على بعضهم دون بعض وكان اللَّه - عز وجل - قد فرق في حد الزاني بين المماليك والأحرار، فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)(3/1103)
وقال في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية.
الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعى عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، وقال بعض الخوارج بمثل معنى قولك (الخطاب: للمحاور) في اليمين مع الشاهد: يجلد كل من لزمه اسم الزنا، مملوكاً كان أو حراً محصناً أو غير محصن، وزعمت أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - جلد الزاني ورجمه، فلم رغبت عن هذا؟
قال الشَّافِعِي رحمه الله: جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أنه رجم ماعزاً ولم يجلده، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أعلم بمعنى ما أراد اللَّه عز ذكره.
الأم (أيضاً) : باب الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: الفاحشة تحتمل الزنا وغيره، فما
دل على أنها في هذا الموضع الزنا دون غيره؟
قيل: كتاب اللَّه، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
ثم ما لا أعلم عالماً خالف فيه في قول اللَّه - عز وجل -، في اللاتي يأتين الفاحشة من(3/1104)
نسائكم، يُمْسَكْن حتى يجعل اللَّه لهن سبيلاً، ثم نزلت: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" الحديث.
ودل اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الحد إنما هو على الزناة دون غيرهم، لم أعلم في ذلك مخالفاً من أهل العلم.
الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول من ردَّ خبر الخاصة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت: فما تقول في الزاني الثيب، أترجمه؟
قال: نعم.
قلت: كيف ترجمه وممن نص بعض الناس علماء أن لا رجم على زان.
لقول اللَّه تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)
فكيف ترجمه ولم ترده إلى الأصل، من أن دمه محرم
حتى يجتمعوا على تحليله؟!
ومن قال هذا القول يحتج بأنه زان يدخل في معنى الآية، وأن يجلد مائة.
الأم (أيضاً) : باب (الرجل يمسك الرجل للرجل حتى يقتله) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، ولم أجد أحداً من خلق اللَّه تعالى يُقتدى به، حد أحداً قط على غير فعل نفسه أو قوله.(3/1105)
الأم (أيضاً) : باب (الصوم) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عز ذكره: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.
فلو صرنا إلى ظاهر القرآن ضربنا كل من لزمه
اسم زنا مائة جلدة، ورجم - النبي - صلى الله عليه وسلم - الحرين الثيبين ولم يجلدهما، استدللنا على أن اللَّه - عز وجل - إنما أراد بالجلد بعض الزناة دون بعض.
الأم (أيضاً) : اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: اللعان لا يكون إلا بمحضر طائفة من المؤمنين؛ لأنه
لا يحضر أمراً يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستره ولا يحضره إلا وغيره حاضر له، وكذلك جميع حدود الزنا يشهدها طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة؛ لأنه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم وهذا يشبه قول اللَّه - عز وجل - في الزانيين: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
الأم (أيضاً) : الخلاف في اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في الزانيين:
(وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
أفتراه عَنَى بعذابهما الحد أو الحبس؟
قال: بل الحد، وليس السجن بحد، والعذاب في الزنا بالحدود.(3/1106)
مختصر المزني: مقدمة (اختلاف الحديث)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، فكان مخرج هذا عامًّا، فدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن الله جل ثناؤه أراد بهذا رجم الحرين الثيبين ولم يجلدهما، فدلت السنة على أن الجلد على بعض الزناة دون بعض فقد يكون زانياً ثيباً فلا يجلد مائة، فوجب على كل
عالم أن لا يشك أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قامث هذا المقام مع كتاب اللَّه، في أن الله أحكم فرضه بكتابه وبين كيف ما فرض على لسان نبيه، فأبان على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما أراد به العام والخاص، كانت كذلك سنته في كل موضع، لا تختلف.
وأنّ قول من قال: تعرض السنة على القرآن، فإن وافقت ظاهره، وإلا
استعملنا ظاهر القرآن، ونركنا الحديث، جهل لما وصفت.
فأبان اللَّه لنا أن سنن رسوله فرض علينا بأن ننتهي إليها لا أن لنا معها
من الأمر شيئاً إلا التسليم لها، واتباعها، ولا أنها تعرض على قياس ولا على
شيء غيرها، وأن كل ما سواها من قول الآدميين ئبع لها.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فذكرت ما قلت من هذا لعدد من أهل العلم
بالقرآن، والسنن والآثار، واختلاف الناس، والقياس، والمعقول، فكلهم قال: مذهبنا، ومذهب جميع من رضينا ممن لقينا، وحُكِيَ لنا عنه من أهل العلم.
مختصر المزني (أيضاً) : باب العقويات في المعاصي:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كانت العقوبات في المعاصي قبل أن ينزل الحد ثم
نزلت الحدود، ونسخت العقوبات فيما فيه الحدود.(3/1107)
حدثنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن
النعمان بن مُرَّة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال:
"ما تقولون في الشارب والسارق والزاني؟
وذلك قبل أن تنزل الحدود، فقالوا الله ورسوله أعلم، فقال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: هن فواحش، وفيهن عقوبات، وأسوأُ السرقة الذي يسرق صلاته"
ثم ساق الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومثل معنى هذا في كتاب اللَّه، قال الله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) .
فكان هذا أول العقوبة للزانيين في الدنيا، ثم نسخ هذا عن
الزناة كلهم، الحر والعبد والبكر والثيب، فحدَّ الله البكرين الحرين المسلمين
فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.
حدثنا الربيع:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن
عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سمعت عمر بن
الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "الرجم في كتاب الله على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت عليه البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف" الحديث.(3/1108)
أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب رحمه اللَّه
يقول: قال عمر - رضي الله عنه -:
"إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل: لا أجد
حدين في كتاب اللَّه، فقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب اللَّه لكتبتها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتَّة"
فإنا قد قرأناها الحديث.
الرسالة: باب (ما نزل عاماً دلَّت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.
وقال في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية.
فدل القرآن على أنه إنما أريد بجلد المائة، الأحرار دون الإماء، فلما رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثيب من الزناة ولم يجلده، دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن المراد بجلد المائة من الزناة:
الحُرُّان المِكْرَان دون غيرهما ممن لزمه اسم زنا.
الرسالة: ابتداء الناسخ والمنسوخ:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو جاز أن يقال: قد سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نسخ سنته بالقرآن، ولا يؤثر عن رسول الله السنة الناسخة، جاز أن يقال: فيمن رجم من الزناة، قد يحتمل أن يكون الرجم منسوخاً، لقول اللَّه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية -
وذكر نماذج أخرى - ثم قال:(3/1109)
ولجاز ردُّ كل حديث عن رسول اللَّه بأن يقال: لم يقله، إذا لم يجده مثل التنزيل، وجاز رد السنة بهذين الوجهين، فتركت كل سنة معها كتاب جملة تحتمل سنته أن توافقه، وهي لا تكون أبداً إلا موافقة له، إذا احتمل اللفظ فيما روي عنه خلاف اللفظ في التنزيل بوجه، أو احتمل أن يكون في اللفظ عنه أكثر مما في اللفظ في التنزيل، وإن كان محتملاً أن يخالفه من وجه، وكتاب اللَّه وسنة رسوله تدل على خلاف هذا القول، وموافقة ما قلنا.
الرسالة: باب (العلل في الأحاديث) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له (أي: للمحاور) لو جاز أن تترك سنة مما
ذهب إليه من جهل مكان السنن من الكتاب، ترك ما وصفنا من المسح على
الخفين، وإباحة كل ما لزمه اسم بيع، وإحلال أن يُجمع بين المرأة وعمتها
وخالتها، وإباحة كل ذي ناب من السباع، وغير ذلك.
ولجاز أن يقال: إنما سنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجم على الثيب حتى نزلت عليه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، فيجلد البكر والثيب، ولا نرجمه.
فمن قال هذا كان مُعَطِّلاً لعامة سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا القول جهل ممن قاله.
الرسالة (أيضاً) : وجه آخر (من الناسخ والمنسوخ) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ذكر الآيتين / 15 و 16 من سورة النساء، فكان حدُّ الزانيين بهذه الآية الحبس والأذى، حتى أنزل اللَّه على رسوله حد الزنا، فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، وقال في(3/1110)
الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية.
فنُسِخَ الحبس عن الزناة، وثبت عليهم الحدود.
ودل قول اللَّه في الإماء: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)
على فَرْق اللَّه بين حد المماليك والأحرار في الزنا، وعلى أن
النصف لا يكون إلا من جلد، لأن الجلد بعدد، ولا يكون من رجم، لأن الرجم إتيان على النفس بلا عدد؛ لأنه قد يؤتى عليها برجمة واحدة، وبألف وأكثر، فلا نصف لما لا يعلم بعدد، ولا نصف للنفس، فيؤتى بالرجم على نصف النفس.
واحتمل قول اللَّه في سورة النور: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، أن يكون على جميع الزناة الأحرار، وعلى بعضهم دون
بعض فاستدللنا بسنة رسول الله - بأبي هو وأمي - على من أريد بالمائة جلدة
- ثم ذكر حديث عبادة بن الصامت -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فدل قول رسول اللَّه: "قد جعل اللَّه لهن سبيلاً"
الحديث، أن هذا أول ما حد به الزناة، لأن اللَّه يقول: (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) الآية.
ثم رجم رسول الله ماعزاً ولم يجلده، وامرأة الأسلمي ولم يجلدها، فدلت سنة رسول الله على أن الجلد منسوخ عن الزانيين الثيبين.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يكن بين الأحرار في الزنا فرق إلا بالإحصان
بالنكاح، وخلاف الإحصان به، وإذ كان قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" الحديث، ففي هذا دلالة على أنه أول ما نسخ الحبس عن الزانيين، وحُدَّا بعد الحبس، وأن كل حد حده الزانيين فلا يكون(3/1111)
إلا بعد هذا، إذ كان هذا أول حد الزانيين - ثم ذكر الحديث الذي أمَرَ به أنيساً أن يرجم امرأة الأعرابي إذا اعترفت، وحديث رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهودية -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فثبت جلد مائة والنفي على البكرين الزانيين.
والرجم على الثيبين الزانيين، وإن كانا ممن أريدا بالجلد فقد نسخ عنهما الجلد مع الرجم، وإن لم يكونا أريد بالجلد وأريد به البكران فهما مخالفان للثيبين.
ورجم الثيبين بعد آية الجلد، بما روى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله.
وهذا أشبه معانيه وأولاها به عندنا - والله أعلم -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
الأم: نكاح المحدودين:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: اخئُلف في تفسير هذه الآية، فقيل: نزلت في بغايا
كانت لهن رايات، وكن غير محصنات، فأراد بعض المسلمين نكاحهن، فنزلت هذه الآية بتحريم أن ينكحن إلا من أعلن بمثل ما أعلَن به، أو مشركاً.
وقيل: كن زواني مشركات، فنزلت لا ينكحهن إلا زان مثلهن مشرك، أو
مشرك وإن لم يكن زانياً: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) الآية.(3/1112)
وقيل غير هذا.
وقيل: هي عامة، ولكنها نسخت.
أخبرنا سفيان، عن يحمص بن سعيد، عن ابن المسيب في قوله: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الآية.
قال: هي منسوخة، نسختها: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) الآية.
فهي من أيامى المسلمين.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فوجدنا الدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زانية وزان من المسلمين، لم نعلمها حَرَّم على واحد منهما أن ينكح غير زانية ولا زان، ولا حرم واحداً منهما على زوجه، فقد أتاه ماعز بن مالك، وأقرَّ عنده بالزنا مراراً، لم يأمره في واحدة منها أن يجتنب زوجة له إن كانت، ولا زوجته أن تجتنبه، ولو كان الزنا يحرمه على زوجته أشبه أن يقول له: إن كانت لك زوجة حرمت عليك، أو لم تكن لم يكن لك أن تنكح، ولم نعلمه أمره بذلك، ولا أن لا ينكح.
ولا غيره أن لا ينكحه إلا زانية، وقد ذكر له رجل امرأة زنت وزوجها حاضر، فلم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، علمنا زوجها باجتنابها، وأمر أنيساً أن يغدو عليها فإن
اعترفت رجمها، وقد جلد ابن الأعرابي في الزنا مائة جلدة، وغرَّبه عامًّا، ولم ينهه كما علمنا أن ينكح،، ولا أحداً أن ينكحه إلا زانية.
وقد رفع الرجل الذي قذف امرأته إليه أمْر امرأته، وقذفها برجل، وانتفى
من حملها فلم يأمره باجتنابها حتى لاعَنَ بينهما - وساق أدلة أخرى على هذا
الموضوع -.(3/1113)
الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح المحدودين:
بعد أن ساق ما ورد مما ذكر بالفقرة السابقة من الأقوال -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ورُوي من وجه آخر غير هذا، عن عكرمة أنه قال:
لا يزني الزاني إلا بزانية، أو مشركة.
والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك.
قال أبو عبد الله الشَّافِعِي رحمه الله: يذهب - أي: عكرمة رحمه اللَّه - إلى
قوله: ينكح، أي: يصيب.
فلو كان كما قال مجاهد نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية، فَحُرِّمنَ على
الناس إلا من كان منهم زانياً أو مشركاً، فإن كن على الشرك فهن محرمات على زناة المسلمين، وغير زناتهم، وإن كن أسلمن، فهن بالإسلام محرمات على جميع المشركين لقول اللَّه تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا اختلاف بين أحد من أهل العلم في تحريم
الوثنيات - عفائف كن أو زواني - كن -، على من آمن زانياً كان أو عفيفاً، ولا في أن المسلمة الزانية محرمة على المشرك بكل حال.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس فيما رُوي عن عكرمة رحمه اللَّه:
"لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة"
تبيين شيء إذا زنى فطاوعته مسلماً كان أو مشركاً.
أو مسلمة كانت أو مشركة فهما زانيان والزنا محرم على المؤمنين، فليس في هذا أمر يخالف ما ذهبنا إليه فنحتج عليه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن قال هذا حُكْمٌ بينهما، فالحجة عليه بما وصفنا
من كتاب اللَّه - عز وجل - الذي اجتمع على ثبوت معناه أكثر أهل العلم، فاجتماعهم أولى أن يكون ناسخاً.(3/1114)
الأم (أيضاً) : باب ما جاء في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي هذه الاية دلالة على أن قول اللَّه عز اسمه:
(الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) الآية، كما قال ابن المسيب إن شاء اللَّه تعالى منسوخة، نسختها: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) الآية، فهن من أيامى المسلمين.
وقال اللَّه - عز وجل -: (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) الآية.
يشبه عندي - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون إذا لم تقطع العصمة بالزنا، فالموارثة باحكام الإسلام ثابتة عليها وإن زنت، ويدل إذا لم تقطع العصمة بينها وبين زوجها بالزنا، لا بأس أن ينكح امرأة وإن زنت، إن ذلك لو كان يحرم نكاحها قُطعت العصمة بين المرأة تزني عند زوجها وبينه، وأمر اللَّه - عز وجل - في اللاتي يأتين الفاحشة من النساء بأن يحبسن في البيوت - حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل اللَّه لهن سبيلاً، منسوخ بقول اللَّه - عز وجل -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية في كتاب اللَّه، ثم على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -.(3/1115)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
وقال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية، إلى: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) .
فلما حكم اللَّه في الزوج القاذف بأن يلتعن دلَّ ذلك على أن اللَّه إنما أراد بقوله - تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ)
القَذفَةَ غير الأزواج، وكان القاذف الحر الذمي، والعبد المسلم، والذمي، إذا قذفوا الحرة المسلمة جُلِدوا الحد معاً، فجَلْدُ الحر حد الحر، والعبد حد العبد، وأنه لم يبرأ قاذف بالغ يجري عليه الحكم من لم يحده حده، إن لم يخرج منه بما أخرجه الله تعالى به من الشهود على المقذوفة؛ لأن الآية عامة على المقذوفة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى في الذين يرمون المحصنات: (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)
فكانت الآية عامة على رامي المحصنة، فكان سواء قال الرامي لها: رأيتها تزني، أو رماها ولم يقل: رأيتها تزني، فإنه يلزمه اسم الرامي.(3/1116)
الأم (أيضاً) : كتاب اللعان:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله نال: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم لم أعلم مخالفاً في أن ذلك: إذا طلبت ذلك
المقذوفة الحرة، ولم يأت القاذف بأربعة شهداء يخرجونه من الحد، وهكذا كل ما أوجبه اللَّه تعالى لأحد وجب على الإمام أخذه له، إن طلبه أخذه له بكل حال.
الأم (أيضاً) : خلاف بعض الناس في المرتد والمرتدة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
فقال المسلمون في اللاتي يرمين المحصنات: يجلدن ثمانين جلدة، ولم يفرفوا بينها وبين الرجل، يُرمى إذ رمت، فكيف فرقت بينها وبين الرجل في الحد.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: عفا اللَّه عنه، فقلنا له: النص عليك، والقياس
عليك، وأنت تدعى القياس حيث تخالفه، فقال أما إن (أبا يوسف) قد فال
قولكم، فزعم: أن المرتدة تقتل، فقلت: أرجو أن يكون ذلك خيراً له.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ما يزيد قوله قولنا قوة، ولا خلافه وَهناً.(3/1117)
الأم (أيضاً) : باب (الدعوى في الشراء والهبه والصدقه)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
فكان بيناً أن المأمور بجلده ثمانين، هو من قَصَدَ قَصدَ محصنة بقذف، لا من وقع قذفه على محصنة بحال، ألا ترى أنه لو كان يحد من كان لم يقصد قصد القذف، إذا وقع القذف بمثل ما تقع به الإيمان.
الأم (أيضاً) : الشهادات:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله تعالى قال: وقال اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
أخبرنا مالك، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن سعداً قال: يا رسول
الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟
فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: " نعم" الحديث.
الأم (أيضاً) : باب (اليمين مع الشاهد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
قيل له - أي: للمحاور -:(3/1118)
هذا كما قال اللَّه - عز وجل -؛ لأن اللَّه حكم في الزنا بأربعة، فإذا قذف رجل رجلاً بالزنا، لم يخرجه من الحدِّ إلا أن يقيم عليه بينة بأنه زان، ولا يكون عليه بينة تقطع أقل من أربعة، وما لم يتمُّوا أربعة فهو قاذف يحد، وإنما أريد بالأربعة أن يثبت عليه الزنا، فيخرج من ذلك القاذف، ويحد المشهود عليه (المقذوف)
وحكمهم معاً حكم شهود الزنا؛ لأنهن شهادات على الزنا لا على القذف.
فإذا قام على رجل شاهدان بأنه قذف رجلاً حُدَّ؛ لأنه لم يذكر عدد شهود
القذف فكان قياساً على الطلاق وغيره مما وصفت، ولا يخرج من أن يحد له إلا بأربعة شهداء يثبنون الزنا على المقذوف فيحد، ويكون هذا صادقاً في الظاهر، واللَّه تعالى الموفق.
الأم (أيضاً) : باب (شهادة القاذف) :
قال الشافعي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) الآيتان.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأمر اللَّه - عز وجل - أن يضرب القاذف ثمانين، ولا تقبل له شهادة أبداً، وسماه فاسقاً إلا أن يتوب.
فقلنا: يلزم أن يضرب ثمانين، وأن لا تقبل له شهادة، وأن يكون عندنا في
حال من سُمي بالفسق إلا أن يتوب، فإذا تاب قبلت شهادته، وخرج من أن
يكون في حال من سُمِّي بالفسق.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وتوبته إكذابه نفسه، فإن قال قائل: فكيف تكون
التوبة الإكذاب؟!
قيل له: إنما كان في حدِّ المذنبين بأن نطق بالقذف وترك الذنب(3/1119)
هو أن يقول: القذف باطل، وتكون التوبة بذلك، وكذلك يكون الذنب في الردة بالقول بها، والتوبة: الرجوع عنها بالقول فيها، بالإيمان الذي ترك.
الأم (أيضاً) : باب (الرجل يمسك الرجل حتى يقتله) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
ولم أجد أحداً من خلق الله تعالى يقتدى به، حدَّ أحداً قط على غير
فعل نفسه، أو قوله.
الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله - عزَّ وجلَّ في قَدفةِ المحصنات: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) الآيتان.
وقلنا: إذا تاب القاذف قبلت شهادته، وذلك بين في كتاب الله - عز وجل -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري يقول:
زعم أهل العراق: أن شهادة القاذف لا تجوز؛ لأشهد.
أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لأبي بكرة - رضي الله عنه -: تب تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت
شهادتك.
قال: وسمعت سفيان يحدث به هكذا مراراً، ثم سمعته يقول: شككت فيه.
قال سفيان رحمه الله: أشهد لأخبرني ثم سمى رجلاً، فذهب علي حفظ اسمه
فسألت، فقال لي: عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب، وكان سفيان لا يشك أنه ابن المسيب رحمه الله.(3/1120)
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وأما في ظاهر القرآن فإن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) الآية.
قلت: أفبالقذف قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) الآية.
أم بالجلد؟
قال: بالجلد عندي.
قلت: وكيف كان ذلك عندك والجلد إنما وجب بالقذف؟ ..
وقلت له: إذ قال اللَّه - عز وجل -: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) الآية.
فكيف جاز لك أو لأحد أن تكلف من العلم شيئاً أن يقول: لا أقبل شهادة القاذف وإن تاب؟!
الأم (أيضاً) : باب (الخلاف في إجازة شهادة القاذف) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في القاذف، فقال: إذا ضرب
الحد ثم تاب لم تجز شهادته أبداً، وإن لم يضرب الحد، أو ضربه ولم يوفه جازت شهادته، فذكرت له ما ذكرت من معنى القرآن والآثار، فقال: فإنا ذهبنا إلى قول الله - عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا)
فقلنا: نطرح عنهم اسم الفسق ولا نقبل لهم شهادة.
فقلت: لقائل هذا أو تجد الأحكام عندك فيما يستثنى على ما وصفت فيكون مذهباً ذهبتم في اللفظ، أم الأحكام عندك في الاستثناء على غير ما وصفت؟!
فقال: أوضِح هذا لي.
قلت: أرأيت رجلاً لو قال: والله لا أكلمك أبداً.
ولا أدخل لك بيتاً، ولا آكل لك طعاماً، ولا أخرج معك سفراً، وإنك لغير حميد عندي، ولا أكسوك ثوباً - إن شاء الله تعالى - أيكون الاستثناء واقعاً على ما بعد قوله: (أَبَداً) ، أو على ما بعد غير حميد عندي، أو على الكلام كله؟(3/1121)
قال: بل على الكلام كله.
قلت: فكيف لم توقع الاسثئناء في الآية على الكلام كله.
وأوقعتها في هذا الذي هو أكثر في اليمين على الكلام كله!.
الرسالة: باب (الفرائض التي أنزل الله نصًّا) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله جل ثناؤه: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالمحصنات هاهنا: البوالغ، الحرائر، وهذا يدل
على أن الإحصان اسم جامع لمعاني مختلفة.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)
الأم: الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية.
وفي هذا - وغيرها من الآيات التي أوردها الشَّافِعِي في أول الباب - دلالة على(3/1122)
أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع بكلام غيرهما وإن
كانت معه نية التزويج.
الأم (أيضاً) : الخلاف في طلاق المختلعة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في المختلعة فقال: إذا طُلقَت
في العدة لحقها الطلاق، قال - أي: المخالف - وأين الحجة من القرآن؟
قلت: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) إلى آخر الآيتين.
الأم (أيضاً) : اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) الآية.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)
إلى: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآيات.
فلما حكم الله في الزوج القاذف بأن يلتعن، دل ذلك على أن اللَّه إنما أراد بقوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الآية، القَدفةَ غير الأزواج. ..
ثم قال: كانت الآية في اللعان كذلك - واللَّه تعالى أعلم - عامة على
الأزواج القَذفةِ، فكان كل زوج قاذف يلاعن، أو يحد، إن كانت المقذوفة ممن لها حد أو لم تكن، لأن على من قذفها إذا لم يكن لها حدٌّ تعزيراً، وعليها حدٌّ إذا لم تلتعن بكل حال؛ لأنه لا افتراق، بين عموم الآيتين معاً.(3/1123)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: لاعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المتلاعنين بما حكم الله - عز وجل - في القرآن، وقد حكى من حضر اللعان في اللعان ما احتيج إليه مما ليس في القرآن منه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا لاعن الحاكم بين الزوجين، وقال للزوج: قل:
(أشهدُ بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا) ، ثم ردها عليه حتى يأتي
بها أربع مرات، فإذا فرغ من الرابعة وقفه وذكره، وقال: (اتق الله تعالى أن تبوء بلعنة الله فإن قولك: إن لعنة الله عليَّ إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا موجبة توجب عليك اللعنة إن كنت كاذباً، فإن وقف كان لها عليه الحد إن قامت به، وإن حلف لها فقد أكمل ما عليه من اللعان) .
وينبغي أن يقول للزوجة فتقول: (أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به
من الزنا حتى تقولها أربعاً، فإذا أكملت أربعاً وقفها وذكرها، وقال:
(اتقي الله واحذري أن تبوئي بغضب الله، فإن قولك: (عليَّ غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا) ، يوجب عليك غضب الله إن كنت كاذبة، فإن مضت فقد فرغت مما عليها، وسقط الحد عنها، وهذا الحكم عليهما، واللَّه ولي أمرهما فيما غاب عما قالا، فإن لاعَنَها بإنكار ولد أو حَبَل قال: أشهدُ بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، وإن ولدها هذا، أو حَبَلَها هذا - إن كان حبلاً لمِن زنا، ما هو مني، ثم يقولها في كل شهادة، وفي قوله؛ وعليَّ لعنةُ الله حتى تدخل مع حَلِفِه على صدقه على الزنا؛ لأنه قد رماها بشيئين بزنا وحمل أو ولد ينفيه، فلما ذكر الله - عزَّ وجلَّ الشهادات أربعاً ثم فصل بينهن باللعنة في الرجل.(3/1124)
والغضب في المرأة، دل ذلك على حال افتراق الشهادات في اللعنة والغضب، واللعنة والغضب بعد الشهادة موجبتان على من أوجب عليه، لأنه متجرئ
على النفي، وعلى الشهادة بالله تعالى باطلاً، ثم يزيد فيجترئ على أن يلتعن، وعلى أن يدعو بلعنة اللَّه، فينبغي للوالي إذا عرف من ذلك ما جهلا، أن
يفقههما، نظراً لهما، استدلالاً بالكتاب والسنة.
أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله
عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين لاعن بين المتلاعنين أمر رجلاً أن يضع يده على فيه في الخامسة، وقال: إنها موجبة" الحديث. -
ثم ذكر حديث ملاعنة عويمر العجلاني وزوجته عند النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)
إلى: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) الآية، فكان الزوج رامياً قال: رأيتُ أو علمتُ بغير
رؤية، فلما قُبِلَ منه ما لم يقل فيه، من القذف، رأيت يلاعن به، بأنه داخل في جملة القَذفةِ غير خارج منهم إذا كان إنما قبل في هذا قوله، وهو غير شاهد لنفسه قبل قوله، إن هذا الحمل ليس مني، وإن لم يذكر استبراء قبل القذف لا اختلاف بين ذلك.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد يكون استبرأها، وقد علقت من الوطء قبل
الاستبراء، ألا ترى أنه لو قال وقالت: قد استبرأني تسعة أشهر حضت فيها(3/1125)
تسع حيض، ثم جاءت بعد بولد لزمه، وإن الولد يلزمه بالفراش، وإن الاستبراء لا معنى له ما كان الفراش قائماً، فلما أمكن أن يكون الاستبراء قد كان، وحَمْلٌ قد تقدمه، فأمكن أن يكون قد أصابها، والحمل من غيره، وأمكن أن يكون كاذباً في جميع دعواه للزنا، ونفي الولد، وقد أخرجه اللَّه من الحد باللعان.
ونفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه الولد، استدللنا على أن هذا كله إنما هو بقوله، ولما كنا إذا كذب نفسه حددناه وألحقنا به الولد، استدللنا على أن نفي الولد بقوله، ولو كان نفي الولد لا يكون إلا بالاستبراء، فمضى الحكم بنفيه لم يكن له أن يُلْحِقه
نفسه، لأنه لم يكن بقوله فقط دون الاستبراء، والاستبراء غير قوله، فلما قال اللَّه تبارك وتعالى بعد ما وصف من لعان الزوج: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) الآية.
استدللنا على أن اللَّه - عز وجل - أوجب عليها العذاب.
والعذاب: الحد، لا تحتمل الآية معنى غيره - واللَّه أعلم -.
الأم (أيضاً) : الخلاف في اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -:
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) الآية.
فلم يجز أن يلاعن من لا شهادة له؛ لأن شرط الله - عز وجل -
في الشهود العدول، وكذلك لم يجز المسلمون في الشهادة إلا العدول.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قول الله تبارك وتعالى - من بعد ذكره التعان
الزوج -: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية.
فكان بيناً غير مشكل - واللَّه أعلم - في الآية أنها تدرأ عن نفسها بما لزمها إن لم تلتعن بالالتعان.(3/1126)
الأم (أيضاً) : الخلاف في هذا الباب - أي: في أحكام الطلاق والإيلاء والظهار واللعان والإرث -:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد حكم اللَّه بين الزوجين أحكاماً - منها -: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أفرأيت المطلق ثلاثاً إن آلى منها في العدة أيلزمه
الإيلاء؟
قال: لا.
قلت: فإن تظاهر أيلزمه الظهار؟
قال لا.
قلت: فإن قذف أيلزمه اللعان؟ أو مات أترثه؟ أو ماتت أيرثها؟
قال: لا.
قلت: فهذه الأحكام التي حكم الله - عزَّ وجلَّ بها بين الزوجين تدل، على أن الزوجة المطلقة ثلاثاً ليست بزوجة وإن كانت تعتد؟!.
الأم (أيضاً) : الظهار:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا تظاهر من أمته - أم ولد كانت أو غير أم
ولد - لم يلزمه الظهار. . وكذلك قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)
وليست من الأزواج، فلو رماها - أي: وهو مظاهر منها - لم يلتعن.
لأنا عقلنا عن الله - عز وجل - أنها ليست من نسائنا، وإنَّما نساؤنا أزواجنا، ولو جاز أن يُلزم - أي: القاضي - واحداً من هذه الأحكام لزمها كلها؛ لأن ذكر اللَّه - عز وجل - لها واحد.(3/1127)
الأم (أيضاً) : كتاب اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قذف الرجل زوجته؛ فلم تطلب الحد حتى
فارقها، أو لم يفارقها، ولم تعفِه، ثم طلبته التعن، أو حُدَّ إذا أبى أن يلتعن.
وكذلك لو ماتت كان لوليها أن يقوم به فيلتعن الزوج أو يحد، وقال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)
إلى قوله: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في كتاب الله - عزَّ وجلَّ أن اللَّه أخرج الزوج من قذف المرأة بشهادته: (أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)) الآية.
كما أخرج قاذف المحصنة غير الزوجة بأربعة شهود يشهدون عليها بما قذفها به من الزنا، وكانت في ذلك دلالة: أن ليس على الزوج أن يلتعن حتى تطلب المرأة المقذوفة حدها، وكما ليس على قاذف الأجنبية حدٌّ حتى تطلب حدها.
الأم (أيضاً) : ما يكون قذفاً وما لا يكون:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا لعان حتى يقذف الرجل امرأته بالزنا صريحاً.
لقول اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية.
قال: فإذا فعل فعليه اللعان إن(3/1128)
طلبته، وله نفي ولده وحمله، إذا قال هو من الزنا الذى رميتها به، ولو ولدت ولداً فقال: ليس بابني، أو رأى حَمْلاً فقال: ليس مني، ثم طلبت الحد فلا حدَّ ولا لعان حتى يَقِفَهُ في الولد، فيقول: لم قلت هذه؟
فإن قال: لم أقذفها، ولكنها لم تلده أو ولدته من زوج غيري قبلي.
وقد عرف نكاحها، فلا يلحقه نسبه إلا أن ئاتي بأربع نسوة يشهدن أنها ولدته وهي زوجته في وقت يعلم أنها كانت فيه
زوجته، يمكن أن تلد منه عند نكاحها في أقل ما يكون من الحمل أو أكثره، فإن لم يكن لها أربع نسوة يشهدن، فسألت يمينه ما ولدته وهي زوجته، أو ما ولدته في الوقت الذي إذا ولدته فيه لحقه نسبه، أحلفناه، فإن حلف برئ، وإن نكل أحلفناها، فإن حلفت لزمه، وإن لم تحلف لم يلزمه.
الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: نال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) إلى قوله: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآيات.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فبين - واللَّه أعلم - في كتاب اللَّه - عز وجل - أن كل زوج - قد - يلاعن زوجته؛ لأن اللَّه - عز وجل - ذكر الزوجين مطلقين، لم يخص أحداً من الأزواج دون غيره، ولم تدل سنة، ولا أثر، ولا إجماع من أهل العلم على أن ما أريد بهذه الآية بعض الأزواج دون بعض.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن التعن الزوج، ولم تلتعن المرأة حُدَّت إذا أبت أن
تلتعن، لقول اللَّه - عز وجل -: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ) الآية، فقد أخبر - واللَّه أعلم - أن العذاب كان عليها إلا أن تدرأه باللعان، وهذا ظاهر حكم اللَّه جل وعز.(3/1129)
قال الشَّافِعِي رحمه اثه: وقال اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) .
وإذا رمى المختلعة في العدة أيلاعنها؟
قال - أي: المحاور -: لا.
قلت - أي: الشَّافِعِي رحمه اللَّه -: أفبالقرآن تبين أنها
ليست بزوجة؟
قال نعم.
الأم (أيضاً) : باب (ما يجب فيه اليمين) :
قال الشَّافِعِي رحمه اثه: وقال اللَّه تعالى في الزوج: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) إلى قوله: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآيات.
فحكم اللَّه - عز وجل - على القاذف غير الزوج بالحد ولم يجعل له
مخرجاً منه إلا بأن يأتي بأربعة شهداء، وأخرج الزوج من الحد بأن يحلف أربعة
أيمان ويلتعن بخامسة، ويسقط عنه الحد، ويلزمها - أي: الحد - إن لم تخرج أربعة أيمان والتعانها، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينفي الولد والتعانه، وسن بينهما الفرقة، ودرأ اللَّه تعالى عنها الحد بالإيمان مع التعانه.
الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وقال الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ)
وقال - عز وجل -: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ) الآية.
فحكم بالأيمان بينهما؛ إذا كان الزوج يعلم من المرأة ما لا يعلمه الأجنبيون، ودرأ عنه وعنها بها، على أن أحدهما كاذب، وحكم في الرجل يقذف غير زوجته أن يحدَّ.(3/1130)
إن لم يأت بأربعة شهداء على ما قال، ولاعَنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين العجلاني وامرأته بنفي زوجها - لولدها -، وقذفها بشَريكِ بن السحمَاء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"انظروها فإن جاءت به - يعنى: الولد - أسحم أدعج عظيم الإليتين فلا
أراه إلا صدق"
وتلك صفة شريك الذي قذفها به زوجها، وزعم أن حملها منه.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
وإن جاءت به أحيمر كأنه وَحَرَة، فلا أراه إلا - قد - كذب عليها"
وكانت تلك الصفة، صفة زوجها، فجاءت به يشبه شريك بن السحماء.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"إن أمره لَبيِّنٌ لولا ما حكم الله." الحديث.
أي: لكان لي فيه قضاء غيره، - والله أعلم -: لبيان الدلالة بصدق زوجها.
الأم (أيضاً) : باب (اليمين مع الشاهد) :
قال الشافعي - رحمه الله -: وقول الله - عزَّ وجلَّ في المتلاعنين:
(فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) .. الآيتان.
فاستدللنا بكتاب الله - عزَّ وجلَّ على تأكيد اليمين على الحالف
في الوقت الذي تعظم فيه اليمين بعد الصلاة، وعلى الحالف في اللعان بتكرير
اليمين، وقوله: (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) الآية.
الأم (أيضاً) : ما يكون بعد التعان الزوح: (من الفرقة، ونفي الولد، وحدِّ المرأة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومتى التعن الزوج، فعليها أن تلتعن فإن أبت
حُدَّت، وإن كانت حين التعن الزوج حائضاً، فسأل الزوج أن تؤخر حتى تدخل(3/1131)
المسجد، لم يكن ذلك عليها، وأحلفت بباب المسجد، فإن كانت مريضة لا تقدر على الخروج، أحلفت في بيتها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن امننعت من اليمين وهي مريضة فكانت ثيباً
رجمت، وكذلك إن كان في يوم بارد أو ساعة صائفة؛ لأن القتل يأتي عليها.
وإن كانت بكراً لم تحد حتى تصح، وينقص البرد والحر ثم تحد، وإنما قلت
تحد إذا التعن الزوج لقول اللَّه تعالى: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية.
والعذاب: الحد، فكان عليها أن تحد إذا التعن الزوج، ولم تدرأ عن نفسها بالالتعان، ولو غابت أو عَتِهَت أو غُلبت على عقلها، فإذا حضرت وثاب إليها عقلها التعنت، فإن لم تفعل حدَّت، وإن لم يثب إليها عقلها فلا حد ولا التعان؛ لأنها ليست ممن عليها الحدود.
الأم (أيضاً) : باب (رد اليمين) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: - في الرد على من حبس المرأة ولم يقم الحد عليها
إذا أبت أن تلتعن -: فكيف زعمتم أنكم إن لاعنتم بين زوجين فالتعن الزوج، وأبت المرأة تلتعن حبستموها، ولم تحدوها، والقرآن يدل على إيجاب الحد عليها.
لأن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية.
فبين - واللَّه أعلم - أن العذاب لازم لها، إذا التعن الزوج، إلا أن تشهد.
ونحن نقول ئحذ إن لم تلتعن، وخالفتم أصل مذهبكم فيه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدنا حكم القرآن كما وصفت من أن يقام الحد
على المرأة إذا نكلت، وحلف الزوج، لا إذا نكلت فقط اتباعاً وقياساً، بل(3/1132)
وجدتها لا يختلف الناس في أن لا حدَّ عليها إلا ببينة تقوم، أو اعتراف، وأن لو عُرضَت عليها اليمين فلم تلتعن، لم تحد بترك اليمين، وإذا حلف الزوج قبلها، ثم لم تحلف، فاجتمعت يمين الزوج المدافع عن نفسه الحد والولد الذي هو خصم يلزمه دون الأجنبي، ونكولها عما ألزمها التعانه وهو يمينه حدَّت، بالدلالة لقول الله - عزَّ وجلَّ: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية.
مختصر المزني: مختصر من الجامع من كتابي لعان جديد وقديم:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو قال لها: يا زانية بنت الزانية، وأمها حرة
مسلمة، فطلبت حد أمها يكن لها، وحُد لأمها إذا طلبته أو وكيلها، والتعن
لامرأته، فإن لم يفعل يحبس حتى يبرأ جلده - أي: من الحد الأول - فإذا برأ
حُدَّ إلا أن يلتعن، ومتى أبى اللعان فحددته إلا سوطاً، ثم قال: أنا ألتعن قبلتُ رجوعه، ولا شيء له فيما مضى من الضرب، كما يفذف الأجنبية ويقول: لا آتي شهود فيضرب بعض الحد، ثم يقول: أنا آتى بهم فيكون ذلك له، وكذلك المرأة إذا لم تلتعن، فضربت بعض الحد، ثم تقول: أنا ألتعن قبلنا، وقال قائل: كيف لاعنت بينه وبين منكوحة نكاحاً فاسداً بولد، واللَّه يقول: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية.
فقلت له: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"الولد للفراش وللعاهر الحجر" الحديث.
فلم يختلف المسلمون أن مالك الإصابة بالنكاح الصحيح، أو ملك اليمين قال: نعم.
هذا للفراش. قلت: والزنا، لا يلحق به النسب ولا يكون به مهر، ولا يدرأ فيه حد؟
قال: نعم.(3/1133)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على حفظ الشَّافِعِي لكتاب الله ومعرفته
بالقراءات) :
وأخبرنا محمد بن عبد اللَّه قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن الدارمي
قال: حدثنا عبد الرحمن (يعني: ابن محمد الحنظلي) قال: حدثنا الربيع بن
سليمان قال: قُرِئ على الشَّافِعِي؛ (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ) الآية، فقال: ليس هكذا
اقرأ إقراءً: (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ) و (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) الآيتان.
الزاهر باب (اللعان) :
قال الأزهري رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ) الآية.
معناها: والذين يرمون بالزنا.
وقوله: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية.
وتقرأ: (أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) بالنصب.
فمن رفع: (أَرْبَعُ) فقوله: (وَالذِين) ابتداء، و (أَرْبَعُ) خبر الابتداء
الذي قبله، وهو قوله: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) ويكونان معاً يسدان مسد خبر
الابتداء الأول، وهو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) .
ومن نصب: (أَرْبَعَ) فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات
بالله، وإن شئت قلت: إنه على معنى: فالذي يدرأ عنهم العذاب أن يشهد
أحدهم أربع شهادات بالله، ومعنى الشهادات: الأيمان.
وإنما قيل لهذا الحكم: (لعان) لما عقب الأيمان من اللعنة والغضب، إن كانا كاذبين.
وأصل اللعن: الطرد والإبعاد..(3/1134)
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)
الأم: الشهادة في الزنا:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى في القَذفَةِ: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) .
فلا يجوز في الزنا الشهود أقل من أربعة، بحكم الله - عزَّ وجلَّ، ثم بحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
فإذا لم يكملوا أربعة فهم قَذفَة، وكذلك حكم عليهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فجلدهم جلد القذفة، ولم أعلم بين أحد لقيته ببلدنا اختلافاً فيما وصفت، من أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة، وأنهم إذا لم يكملوا أربعة حُدُّوا حدَّ القذف، وليس هكذا شيء من الشهادات غير شهود الزنا.
الأم (أيضاً) : الشهادات:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال إلله تبارك وتعالى: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالكتاب والسنة يدلان على أنه لا يجوز في الزنا
أقل من أربعة، والكتاب يدل على أنه لا تجوز شهادة غير عدل، والإجماع يدل على أنه لا يجوز إلا شهادة عدل، حر، بالغ، عاقل لما يشهد عليه.(3/1135)
الأم (أيضاً) : باب (الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: ما دل على أن لا يقطع الحكم في
الزنا بأقل من أربعة شهداء؟
قيل له: الآيتان من كتاب الله - عزَّ وجلَّ يدلان على ذلك.
قال الله - عزَّ وجلَّ في القذفة: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) الآية.
يقول: لولا جاؤوا على من قذفوا بالزنا بأربعة شهداء بما قالوا، وقول الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
ودل على ذلك مع الاكتفاء بالتنزيل، السنة، ثم الأثر، ثم الإجماع.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض الله على العينين أن لا ينظر بهما إلى ما
حرم الله، وأن يغضيهما عما نهاه، فقال تبارك وتعالى في ذلك:(3/1136)
(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) الآيتين.
أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن يُنظر إليه.
وقال كل شيء من حفظ الفرج في كتاب اللَّه، فهو من الزنا إلا هذه الآية، فإنها من النظر.
فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر، وهو عملهما، وهو من الإيمان.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)
الأم: نكاح المحدودين:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن ابن
المسيب في قوله: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: هي منسوخة، نسختها: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ)
الآية، فهي من أيامى المسلمين.
الأم (أيضاً) : ما يجب من إنكاح العبيد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) الآية.
فدلت أحكام اللَّه تعالى، ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن لا ملك للأولياء، آباء كانوا أو غيرهم على أياماهم، وأياماهم: الثيبات.(3/1137)
الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر النكاح:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأمر في الكتاب والسنة، وكلام الناس، يحتمل
معاني:
أحدها: أن يكون اللَّه - عز وجل - حرم شيئاً ثم أباحه، فكان أمره إحلال ما حرم كقول اللَّه - عز وجل -: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) الآية.
ثانيها: ويحتمل أن يكون دلهم على ما فيه رشدهم بالنكاح، لقوله - عز وجل -: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
يدل على ما فيه سبب الغنى والعفاف. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: بلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد هذه الآية: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، أن ابن
عمر رضي اللَّه عنهما أراد أن لا ينكح، فقالت له حفصة (أم المؤمنين رضي اللَّه عنها) تزوج فإن ولد لك ولد فعاش من بعدك، دَعوا لك.(3/1138)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)
الأم: المكاتب:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) الآية.
أخبرنا عبد الله بن الحارث بن عبد الملك عن ابن جريج، أنه قال لعطاء ما
الخير؛ المال أو الصلاح أو كل ذلك؛ قال: ما نراه إلا المال.
فإن لم يكن عنده مال وكان رجل صدق؛ قال: ما أحسب خيراً إلا ذلك المال)
قال مجاهد: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) : المال، كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والخير كلمة يعرف ما أريد منها بالمخاطبة بها -
وضرب أمثلة على ذلك -.(3/1139)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية.
كان أظهر معانيها بدلالة ما استدللنا به من الكتاب:
1 - قوة على اكتساب المال.
2 - وأمانة؛ لأنه قد يكون قوياً فيكسب، فلا يؤدي إذا لم يكن ذا أمانة.
وأميناً فلا يكون قوياً على الكسب فلا يؤدي.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجوز عندي - واللَّه تعالى أعلم - في قوله:
(إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) إلا هذا.
ثم قال: والعبد والأمة البالغان في هذا سواء كانا ذوي صنعة أو غير - ذي
صنعة، إذا كان فيهما قوة على الاكتساب والأمانة - وبسط الكلام في ذلك -.
الأم (أيضاً) : ما يجب على الرجل يكاتب عبده قوياً أميناً:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي قول اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية.
دلالة على أنه إنما أذن أن يكاتب من يعقل.
لا من لا يعقل، فأبطلت أن تبتغي الكتاب من صبي ولا معتوه ولا غير بالغ
بحال، وإنَّما أبطلنا كتابة غير البالغين والمغلوبين على عقولهم، كاتبوا عن أنفسهم.
أو كاتب عنهم غيرهم، بهذه الآية.
الأم (أيضاً) : ما يعتق به المكاتب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية.
قيل: هذا مما أحكم اللَّه - عز وجل - جملته، إباحة الكتابة
بالتنزيل فيه، وأبان أن إعتاق العبد إنما يكون بإعتاق سيده إياه.(3/1140)
الأم (أيضاً) : تفسير قوله - عز وجل -: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا أدَّى المكاتب الكتابة كلها، فعلى السيد أن يردَّ
عليه منها شيئاً، فإن مات فعلى ورثته، ولو أراد أن يعطيه ورقاً من ذهب أو
ورقاً من شيء كاتبه عليه، لم يجبر العبد على قبوله، إلا أن يشاء ويعطيه مما أخذ منه؛ لأن قوله: (مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) الآية، يشبه - واللَّه تعالى أعلم - آتاكم منه، فإذا أعطاه شيئاً غيره، فلم يعطه من الذي أمر أن يعطيه، ألا ترى أني لا أجبر أحداً له حق في شيء أن يعطاه من غيره؟
الأم (أيضاً) : كتاب (الصداق) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
فأمر الله الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن.
والأجر: هو الصداق، والصداق: هو الأجر والمهر.
الأم (أيضاً) : باب (الاستمناء) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قول الله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
معناها - والله أعلم -: ليصبروا حتى يغنيهم اللَّه تعالى.(3/1141)
الأم (أيضاً) : ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء، وما تحل به الفروج:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن لم تختلف الناس في تحريم ما ملكت من
البهائم، فلذلك خفت أن يكون الاستمناء حراماً من قِبَلِ أنه ليس من الوجهين اللذين أبيحا للفرج.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن ذهب ذاهب إلى أن يحله لقول اللَّه تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
فيشبه أن يكونوا إنما أمروا بالاستعفاف عن أن يتناول المرء بالفرج ما لم يبح له به، فيصبر إلى أن يغنيه الله من فضله، فيجد السبيل إلى ما أحل - واللَّه أعلم -.
الأم (أيضاً) : باب (ما يستحب من تحصين الإماء عن الزنا) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -:
(وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) الآية.
فزعم بعض أهل العلم بالتفسير أنها نزلت في رجل قد
سماه، له إماء يكرههن على الزنا ليأتينه بالأولاد فيتخولهن، وقد قيل نزلت قبل حد الزنا - واللَّه أعلم -.
فإن كانت نزلت قبل حد الزنا، ثم جاء حد الزنا، فما قبل الحدود منسوخ
بالحدود، وهذا موضوع في كتاب الحدود، وإن كانت نزلت بعد حد الزنا فقد قيل: إن قول الله - عز وجل - (فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية، نزلت في الإماء المكرهات، أنه مغفور لهن بما أكرهن عليه.
وقيل غفور، أي: هو أغفر وأرحم من أن يؤاخذهن بما أكرهن عليه، وفي هذا كالدلالة على إبطال الحد(3/1142)
عنهن إذا أكرهن على الزنا، وقد أبطل اللَّه تعالى عمن أكرهِ على الكفر، الكفرَ.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما وضع اللَّه عن أمته:
"وما استكرهوا عليه".
آداب الشافعى: ما في الزكاة والسير والبيوع والعتق والنكاح والطلاق) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا)
الآية، تخيير أيضاً: مجتمع عليه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)
مناقب الشافعى: باب (ما جاء في خروجه إلى اليمن ومقامه فيها، ثم في حمله
من اليمن إلى هارون الرشيد) :
جاء في موعظة الشَّافِعِي رحمه الله لهارون الرشيد ما يلي:
". . . أما لو اعتبرت بما سلف، واستقبلت الحسن المُؤتنَف، فنظرت
ليومك، وقدمت لغدك، وقصرت أملك، وصورت بين عينيك اقتراب أجلك.
واستقصرت مدة الدنيا، ولم تغتر بالمهلة لما امتدت إليك يد الندامة، ولا
ابتدرتك الحسرات غداً في القيامة، ولكن ضرب عليك الهوى رُواق الحيرة(3/1143)
فتركك، وإذا بدت لك يد موعظة لم تكد تراها: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) .
قال: فبكى هارون الرشيد حتى بل منديلاً كان بين يديه، وعلا شهيقه
وانتحابه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)
الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن سرد الآيات (48 - 52) قال: فأعلم الله
الناس في هذه الآية أن دعاءهم إلى رسول الله ليحكم بينهم، دعاء إلى حكم الله - عز وجل - لأن الحاكم بينهم رسول الله، وإذا سلموا لحكم رسول الله، فإنما سلموا لحكمه بفرض اللَّه.
وأنه أعلمهم أن حُكمَه حُكُمُه على معنى افتراضه حكمه، وما سبق في
علمه جل ثناؤه من إسعاده بعصمته وتوفيقه، وما شهد له به من هدايته واتباعه أمره.(3/1144)
فأحكم - سبحانه وتعالى - فرضه بإلزام خلقه طاعة رسوله، وإعلامهم أنها
طاعته، فجمع لهم أن أعلمهم أن الفرض عليهم اتباع أمره، وأمر رسوله، وأن طاعة رسوله طاعته، ثم أعلمهم أنه فرض على رسوله اتباع أمره جل ثناؤه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)
قرأ الربيع الآية (إلى نهايتها)
الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففرض اللَّه تعالى عليه - أي: على رسوله - صلى الله عليه وسلم - إبلاغهم وعبادته ولم يفرض عليه قتالهم، وأبان ذلك في غير آية من كتابه، ولم يأمره بعزلتهم - منها - وقوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) الآية.
قرأ الربيع الآية إلى نهايتها.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)
مختصر المزني: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)
فكان ظاهر مخرج الآية بالزكاة عاماً يراد به الخاص، بدلالة سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -(3/1145)
على أن من أموالهم ما ليس فيه زكاة، وأن منها مما فيه الزكاة، ما لا يجب فيه الزكاة، حتى يبلغ وزناً، أو كيلاً، أو عدداً، فإذا بلغه كانت فيه الزكاة، ثم دل على أن من الزكاة شيئاً يؤخذ بعدد، وشيئاً يؤخذ بكيل، وشيئاً يؤخذ بوزن.
وأن منها ما زكاته خُمْس، وعُشر، ورُبع عُشر، شيء بعدد.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)
الأم: فيمن تجب عليه الصلاة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر الله تبارك وتعالى الاستئذان فقال في سياق
الآية: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) الآية،. ..
وفرض الله - عز وجل - الجهاد، فأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به على من استكمل خمس عشرة سنة، بأن أجاز
ابن عمر رضي اللَّه عنهما عام الخندق ابن خمس عشرة سنة، ورده عام أحد ابن أربع عشرة سنة، فإذا بلغ الغلام الحلم، والجارية المحيض - غير مغلوبين على عقولهما - وجبت عليهما الصلاة والفرائض كلها، وإن كانا ابني أقل من خمس عشرة سنة، وجبت عليهما الصلاة، وأمر كل واحد منهما بالصلاة إذا عقلها، فإذا لم يعقلا لم يكونا كمن تركها بعد البلوغ، وأؤدبهما على تركها أدباً خفيفاً.(3/1146)
الأم (أيضاً) : كتاب (الحج) ، باب (فرض الحج على من وجب عليه الحج)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل ذكره: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية.
يعني: الذين أمرهم بالاستئذان من البالغين، فأخبر أنهم إنما يثبت عليهم الفرض في ايذانهم في الاستئذان إذا بلغوا.
الأم (أيضاً) : من لا يجب عليه الجهاد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل - إذ أمر بالاستئذان -: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية، فأعلم أن فرض الاستئذان إنما هو على البالغين. . .، ودلت السنة، ثم ما لم أعلم فيه مخالفاً من أهل العلم على مثل ما وصفت.
الأم (أيضاً) : سير الواقدي:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي - رحمه الله - قال: أصل فرض الجهاد والحدود على البالغين
من الرجال، والفرائض على البوالغ من النساء المسلمين، في الكتاب والسنة من موضعين، فأما الكتاب فقول اللَّه تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية.
فأخبر أن عليهم إذا بلغوا الاستئذان فرضاً، كما كان على من قبلهم من البالغين. -
ثم ذكر الموضع الثاني، الآية / 6 من سورة النساء -.(3/1147)
الأم (أيضاً) (من لا يقع طلاقه من الأزواج)
قال الشافعي رحمه الله: يقع طلاق من لزمه فرض الصلاة والحدود، وذلك
كل بالغ من الرجال غير مغلوب على عقله؛ لأنه إنما خوطب بالفرائض من
بلغ؛ لقول اللَّه تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)
الأم: ما جاء في أمرالنكاح:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر اللَّه القواعد من النساء، فلم ينههن عن
القعود، ولم يندبهن إلى نكاح، فقال: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) الآية.
الأم (أيضاً) : باب (صلاة المسافر) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فكان بيناً في كتاب الله تعالى أن قصر الصلاة في الضرب في الأرض والخوف، تخفيف من اللَّه - عز وجل - عن خلقه، لا أن فرضاً عليهم أن يقصروا، وكما كان قوله: (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) الآية.
وزاد في أحكام القرآن قوله: فلو لبسن ثيابهن ولم يضعنها، ما أثِمْنَ.(3/1148)
مختصر المزنى: الترغيب (في النكاح وغيره من الجامع) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: اوقد ذكر الله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ) الآية.
ولم يندبهن إلى النكاح، فدل أن المندوب إليه من يحتاج إليه.
الزاهر باب (في النكاح) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله،: وذكر اللَّه: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ) الآية، وهن
اللواتي لا يرجون نكاحاً، والواحدة (قاعد) - بغير هاء - وهي التي قعدت عن الزواج، أي: لا تريده، ولا ترجوه.
وقيل: القواعد: اللائي قعدن عن الحيض.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ)
الأم: باب (صلاة المسافر) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكما كان قوله تعالى: (وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) الآية.
لا أن حتماً عليهم أن يأكلوا من بيوتهم، ولا بيوت غيرهم - أي: رخصة لهم بالأكل مما ذكر في الآية -.(3/1149)
الأم (أيضاً) : من له عذر بالضعف والمرض والزمانه في ترك الجهاد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل - في الجهاد: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقيل الأعرج: المقعد، والأغلب: أنه الأعرج في
الرجل الواحدة، وقيل: نزلت في أن لا حرج أن لا يجاهدوا.
وهو أشبه ما قالوا.
وغير محتمل غيره، وهم داخلون في حد الضعفاء، وغير خارجين من فرض
الحج ولا الصلاة ولا الصوم ولا الحدود، ولا يحتمل - والله تعالى أعلم - أن يكون أريد بهذه الآية، إلا وضع الحرج في الجهاد دون غيره من الفرائض.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ)
الرسالة: بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وقال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ)
فجعل كمال ابتداء الإيمان، الذي ما سواه تبع له: الإيمان بالله ثم رسوله.(3/1150)
فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله: لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً، حتى
يؤمن برسوله معه وهكذا سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل من امتحنه للإيمان.
أخبرنا مالك، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن عمر بن الحكم
قال: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجارية، فقلت: يا رسول الله، عليَّ رقبة، أفأعتقها؟
فقال لها رسول الله: أين الله؟
فقالت في السماء.
فقال: ومن أنا؟
قالت: أنت رسول الله.
قال: فأعتقها" الحديث.
وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وهو (معاوية بن الحكم) وكذلك رواه غير مالك.
وأظن مالك لم يحفظ اسمه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: افترض الله - عزَّ وجلَّ على رسوله - صلى الله عليه وسلم - أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها - إن شاء الله - قربة إليه وكرامة، وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبييناً لفضيلته مع ما لا يحصى من كرامته له، وهي موضوعة في مواضعها.(3/1151)
الأم (أيضاً) : باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا على أن لأحدٍ من الآدميين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرده عنه إذا عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأمر به والنهي عنه، ألا ترى إلى قول الله - عزَّ وجلَّ: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الآية.
الأم (أيضاً) : باب في (الأقضية)
قال الشَّافِعِي رحمه - الله: وقال اللَّه تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
فعلم أن الحق كتاب - الله، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -
فليس لمفتٍ ولا لحاكم أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالماً بهما، ولا أن يخالفهما، ولا واحداً منهما بحال، فإذا
خالفهما فهو عاص لله - عز وجل -، وحكمه مردود، فإذا لم يوجدا منصوصين فالاجتهاد.
الأم (أيضاً) : باب (حكاية الطائفة التي ردت الأخبار كلها)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الآية.(3/1152)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة: من أنها
سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له، ولو كان بعض ما قال أصحابنا: أن اللَّه أمر بالتسليم لحكم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وحكمته: إنما هو مما أنزله، لكان من لم يُسلم له - بأن ينسب إلى
- أنه كفر بآيات اللَّه أولى منه بأن ينسب إلى ترك التسليم لحكم رسول اللَّه
- صلى الله عليه وسلم -.
الأم (أيضاً) : سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الآية.
وبين ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرنا سفيان
ابن عيينة عن سالم أبي النضر، قال: أخبرني عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن أبيه، عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"ما أعرفن ما جاء أحدكم الأمر من أمري مما أمرت به أو
نهيت عنه. فيقول: لا ندري ما هذا، ما وجدنا في كتاب الله - عزَّ وجلَّ أخذنا به" الحديث.
الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعة وسوله - صلى الله عليه وسلم)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تبارك وتعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) .(3/1153)
فأعلمَ اللَّه الناس في هذه الآية، أن دعاءهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحكم بينهم:
دعاء إلى حكم اللَّه؛ لأن الحاكم بينهم رسول الله، وإذا سلموا لحكم رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنما سلموا لحكمه بفرض اللَّه.
قال الشَّافِعِي رحمة الله: فجمع لهم أن أعلمهم أن الفرض عليهم اتباع
أمره وأمر رسوله، وأن طاعة رسوله طاعته، ثم أعلمهم أنه فرض على رسوله
اتباع أمره جل ثناؤه.(3/1154)
سورة الفرقان
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
قال الله عزَّ وجلَّ: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)
الرسالة: وجه آخر بين الاختلاف:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن
عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأنيها، فكدت أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف ثم لبَّبتُه بردائه، فجئت به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول اللَّه، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها؛ فقال له رسول اللَّه: "اقرأ"، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول اللَّه: "هكذا أنزلت"، ثم قال لي: "اقرأ"، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه" الحديث.(3/1155)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذ كان اللَّه لرأفته بخلقه أنزل كتابة على سبعة
أحرف، معرفة منه بأن الحفظ قد يزل: ليَحِل لهم قراءته وإن اختلف اللفظ فيه، ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى، كان ما سوى كتاب اللَّه أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يُحِل معناه، وكل ما لم يكن فيه حكم، فاختلاف اللفظ فيه لا يحيل معناه.
وقد قال بعض التابعين: لقيت أناساً من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فاجتمعوا في المعنى، واختلفوا على في اللفظ.
فقلت لبعضهم ذلك، فقال: لا بأس ما لم يُحِيلُ المعنى.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)
مختصر المزني: باب (الطهارة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) الآية.
وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في البحر:
"هو الطهور ماؤه الحل ميتته" الحديث.(3/1156)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكل ماء من بحر عذب أو مالح، أو بئر، أو سماء
أو برد أو ثلج، مسخن وغير مسخن فسواء، والتطهير به جائز، ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب، لكراهية عمر - رضي الله عنه - عن ذلك.
مختصر المزني (أيضاً) : باب (الطهارة بالماء)
حدثنا الربيع رحمه الله قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)
فدل على أن الطهارة بالماء كله.
حدثنا الربيع قال:
أخبرنا الثمانعي رحمه الله، حدثنا الثقة، عن ابن أبي ذئب، عن الثقة عنده.
عمن حدثه، أو عن عبيد اللَّه بن عبد الرحمن العدوي، عن أبي سعيد الخدري
- رضي الله عنه - أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن بئر بُضَاعَة يطرح فيها الكلاب والحيَّص، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"إنَّ الماء لا ينجسه شيء" الحديث.
أخبرنا الثقة من أصحابنا، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن
جعفر، عن عبد الله بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجساً" الحديث.(3/1157)
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا)
الأم: ما جاء في أمر النكاح:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفيل إن الحفدة: الأصهار، وقال عزَّ وجلَّ: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا) الآية، فبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسِّقطِ" الحديث.
الأم (أيضاً) : الخلاف فيما يحرم بالزنا:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكر الله - عزَّ وجلَّ ما مَن به على العباد فقال: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا) الآية، فحرم بالنسب الأمهات، والأخوات، والعمات، والخالات، ومن سمى، وحرم بالصِّهر ما نكح الآباء، وأمهات النساء، وبنات المدخول بهن منهن، فكان تحريمه - جل وعلا - بأن جعله للمحرمات على من حرم عليه حقاً، لغيرهن عليهن، وكان ذلك منًّا مِنهُ بما رضي من حلاله، وكان مَن حَرَمنَ عليه لهن محرماً، يخلو بهن ويسافر، ويرى منهن ما لا يرى غير المحرم، وإنما كان التحريم لهن رحمة لهن، ولمن حَرُمْنَ عليه، ومنًّا عليهنَّ وعليهم، لا عقوبة لواحد منهما.(3/1158)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشافعى - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى
أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَّمِي، سمعت علي بن أبي عمرو البلخي يقول:
سمعت عبد المنعم بن عمر الأصفهاني يقول: أخبرنا أحمد بن محمد المكي، أخبرنا محمد بن إسماعيل، والحسين بن زيد، والزعفراني، وأبو ثور؛ كلهم قالوا: سمعنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله يقول: نزه اللَّه - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم - ورفع قدره، وعلمه وأدبه، وقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) الآية.
وذلك أن الناس في أحوال شتى: متوكل على نفسه، أو على ماله، أو على
زرعه، أو على سلطان، أو على عطية الناس، وكل مستند إلى حي يموت، أو على شيء يفنى، يوشك أن ينقطع به.
فنزه الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأمره: أن يتوكل على الحي الذي لا يموت - سبحانه وتعالى -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
الأم: باب (من عاد لقتل الصيد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)(3/1159)
وجعل اللَّه القتل على الكفار، والقتل على القاتل عمداً، وسن رسول اللَّه
- صلى الله عليه وسلم - العفو عن القاتل بالدية إن شاء ولي المقتول، وجعل الحد على الزاني، فلما أوجب اللَّه عليهم النقمة بمضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا، وجعل الحدَّ على الزاني فلما أوجب اللَّه عليهم الحدود، دلَّ هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقِط حكم غيرها في الدنيا.
الأم (أيضاً) : الخلاف فيما يؤتى بالزنا:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له (أي: للمحاور) : قال اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
ثم حد الزاني الثيب على لسان نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وفي فعله
أعظم حدًّا، حده الرجم، وذلك أن القتل بغير رجم أخف منه، وهتك بالزنا حرمة الدم، فجعل حقاً أن يقتل بعد تحريم دمه، ولم يجعل فيه شيئاً من الأحكام التي أثبتها بالحلال، فلم يثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أهل دين اللَّه بالزنا نسباً، ولا ميرائاً، ولا حُرَماً أثبتها بالنكاح.
الأم (أيضاً) : أصل تحريم القتل من القرآن:
أخبرنا الربيع قال:(3/1160)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: - أصل تحريم القتل من القرآن آيات كثيرة منها -:
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)
مناقب الشَّافِعِي رحمه الله: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه على السمع: أن يتنزه عن الاستماع
إلى ما حرّم الله، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) الآية، فذلك ما فرض اللَّه جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له، وهو عمله، وهو من الإيمان.(3/1161)
سورة الشعراء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر اللَّه لنبيه جواباً من جواب بعض من عبد
غيره من هذا الصنف، فحكى جل ثناؤه عنهم قولهم - وذكر عدة آيات منها -
وقال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163)(3/1162)
وكانت الحجة بها ثابتة على من شاهد أمور الأنبياء، ودلائلهم التي
باينوا بها غيرهم، ومن بعدهم، وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء، تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)
أحكام القرآن: فصل (فيما ذكره الشَّافِعِي في التحريض على تعلم أحكام
القرآن)
قال البيهقي رحمه اللَّه: ثم ساق الكلام إلى أن:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والقرآن يدل على أن ليس في كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، قال اللَّه - عز وجل: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)
فأقام حجته: بأن كتابه عربي.
ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غُير لسان العرب، في آيتين من كتابه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)
الأم: من يلحق بأهل الكتاب
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحطنا بأن لله - عز وجل - أنزل كتباً غير التوراة والإنجيل والفرقان، فأخبر أن لإبراهيم صحفاً، وقال تبارك وتعالى:
(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) .(3/1163)
مختصر المزنى: باب (المُجمَل والمفسَّر) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولله كتبٌ نزلت قبل نزول القرآن، المعروف منها عند العامة التوراة والإنجيل، وقد أخبر اللَّه أنه أنزل غيرهما، فقال:
(أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) .
وليس تعرف تلاوة كتب إبراهيم، وذكر زبور داود فقال:
(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والمجوس أهل كتاب غير التوراة والإنجيل، وقد
نسوا كتابهم وبدَّلوه، فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أخذ الجزية منهم.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وعرَّفنا وخَلقَه نعمه الخاصة، العامة النفع في الدين
والدنيا، وقال: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، فخصَّ جل ثناؤه قومه
وعشيرته الأقربين في النذارة، وعمَّ الخلق بها بعدهم، ورفع بالقرآن ذكر رسول الله، ثم خصَّ قومه بالنذارة إذ بعثه، فقال: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)
وزعم بعض أهل العلم بالقرآن: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا بني عبد مناف!
إن اللَّه بعثني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وأنتم عشيرتي الأقربون.(3/1164)
سورة النمل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجاء النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ في امرأة رجل رماها بالزنا، فقال له: يرجع، فأوحى اللَّه إليه آية اللعان، فلاعن بينهما، وقال اللَّه تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) الآية.
الرسالة: القياس:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلنا (أي: للمحاور) : فلست تراني كُلِّفتُ الحق من
وجهين:
أحدهما: حق بإحاطة في الظاهر والباطن.
والآخر: حق بالظاهر دون الباطن؟
قال: بلى، ولكن هل تجد في هذا قوة بكتاب أو سنة؟
قلت: نعم، ما وصفت لك مما كلفت في القبلة، وفي نفسي، وفي
غيري،. ..
وقال اللَّه: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) الآية.(3/1165)
فالناس متعبدون بأن يقولوا ويفعلوا ما أمروا به، وينتهوا إليه، لا
يجاوزونه؛ لأنهم لم يعطوا أنفسهم شيئاً، إنما هو عطاء اللَّه، فتسأل اللَّه عطاءً مؤدياً لحقه، موجباً مزيده - آمين -.(3/1166)
سورة القصص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)
وقال الله عزَّ وجلَّ: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ)
وقال الله عزَّ وجلَّ: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا)
الأم: الإجارات:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر اللَّه - عز وجل - الإجارة في كتابه، وعمل بها بعض أنبيائه، قال اللَّه - عز وجل -: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) .(3/1167)
(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) الآيتان.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر اللَّه - عز وجل - أن نبياً، من أنبيائه آجر نفسه حججاً مسماة ملَّكَه بها بُضعَ امرأة، فدل على تجويز الإجارة، وعلى أنه لا بأس بها على الحجج، إن كان على الحجج استأجره، وإن كان استأجره على غير حجج فهو تجويز الإجارة بكل حال، وقد قيل استأجره على أن يرعى له - الغنم -، واللَّه تعالى أعلم.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فمضت بها السنة، وعمل بها غير واحد من
أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يختلف أهل العلم ببلدنا علمناه في إجازتها، وعوام فقهاء الأمصار.
الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في النكاح على الإجارة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الصداق ثمن من الأثمان، فكل ما يصلح أن يكون
ثمناً صَلح أن يكون صداقاً،. . . وقد أجازه الله - عزَّ وجلَّ في الإجارة في كتابه، وأجازه المسلمون. ..
وذكر قصة شعيب وموسى عليهما الصلاة والسلام في النكاح فقال:
(يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) الآيتان.
وقال اللَّه - عز وجل -: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا) الآية.(3/1168)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا أحفظ من أحدٍ خلافاً في أن ما جازت عليه
الإجارة، جاز أن يكون مهراً.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه في الإيمان)
انظر تفسير الآية / 72 من سورة الفرقان فهما مرتبطتان بالتفسير معاً، ولا
حاجة للتكرار.(3/1169)
سورة العنكبوت
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى:
قال البيهقي رحمه اللَّه: وقرأت في كتاب السنن رواية حرملة عن الشَّافِعِي:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)
الآية، فأخبر جل ثناؤه أن كل آدمي مخلوق من ذكر وأنثى، وسمى الذَّكَر أباً، والأنثى: أمًّا.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
انظر تفسير الآية / 25 من سورة هود عليه السلام، والآية / 23 من سورة
المؤمنون، فهما مرتبطتان بهذه الآية في التفسير، فلا حاجة للتكرار.(3/1170)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد
انظر تفسير الآية / 85 من سورة الأعراف، والآية / 84 من سورة هود عليه السلام، فهما مرتبطتان بهذه الآية في التفسير، فلا حاجة للتكرار.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)
الأم: باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه عز وجل: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) الآية.
يعني: - والله أعلم - آمناً من صار إليه لا يتخطف اختطاف من حولهم.(3/1171)
سورة الروم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)
الأم: أول ما فرضت الصلاة
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال في قول الله عزَّ وجلَّ: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ) المغرب والعشاء، (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) الصبح.
(وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا) العصر، (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) الظهر وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل - واللَّه تعالى أعلم -.(3/1172)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)
الأم: تفريع القَسْم والعدل بينهم (أي: النساء) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: عماد القَسْم الليل لأنه سَكَن، فقال اللَّه تعالى -:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا كان عند الرجل أزواج حرائر مسلمات أو
كتابيات، أو مسلمات وكتابيات، فهن في القسم سواء، وعليه أن يبيت عند كل واحدة منهن ليلة، وإذا كان فيهن أمَة قَسَم للحرة ليلتين، وللأمة ليلة، ولا يكون له أن يدخل في الليل على التي لم يقسم لها؛ لأن الليل هو القَسْم، ولا بأس أن يدخله في النهار للحاجة، لا ليأوي - وبسط الكلام في المسألة -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) :
قرأت في كتاب أبي الحسن (محمد بن الحسن القاضي) ، فيما أخبره أبو
عبد الله (محمد بن يوسف بن النضر) ، أخبرنا ابن الحكم قال:(3/1173)
سمعت الشَّافِعِي ينول: في قول اللَّه - عز وجل -: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: معناه: هو أهون عليه في العبرة عندكم، لما كان يقول للشيء كن؛ فيخرج مفصلاً بعينيه وأذنيه، وسمعه ومفاصله، وما خلق اللَّه فيه من العروق فهذا - في العبرة - أشد من أن يقول لشيء قد كان: عُدْ إلى ما كنت.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فهو - سبحانه وتعالى - إنما هو أهون عليه في
العبرة عندكم، ليس أن شيئاً يعظم على الله - عز وجل -.
* * *
قال الله - عزَّ وجلَّ -: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ)
الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والرياح
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرني من لا أتهم قال: حدثنا العلاء بن راشد.
عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه، وقال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً. . . " الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال ابن عباس في كتاب اللَّه - عز وجل - آيات تشير إلى هذا، منها -: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) الآية.(3/1174)
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)
الأم: أبواب الصلاة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا شريك، عن عمران بن ظبيان، عن حكيم
ابن سعد أن رجلاً من الخوارج قال لعلي - رضي الله عنه -:
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) الآية، فقال علي - رضي الله عنه -:
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)
وهو راكع، وهم يقولون من فعل هذا، يريد به الجواب، فصلاته فاسدة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن علية، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن
عاصم بن ضمرة، عن علي - رضي الله عنه - قال: إذا ركعت فقلت: "اللهم لك ركعت، ولك خشعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت" الحديث.
فقد تم ركوعك، وهذا كلام عندهم يفسد الصلاة وهم يكرهون هذا، وهذا عندي كلام حسن، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبيه به، ونحن نأمر بالقول به، وهم يكرهونه.(3/1175)
سورة لقمان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى
قرأت في كتاب (السنن) - رواية حرملة عن الشَّافِعِي رحمه اللَّه -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) الآية، فأخبر
جل ثناؤه: أن كل آدمي: مخلوق من ذكر وأنثى، وسمى الذَّكَر: أباً، والأنثى: أُمًّا.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) الآية.
فحجب عن نبيه علم الساعة،(3/1176)
وكان من جاور ملائكة اللَّه المقربين، وأنبياءه المصطفين من عباد الله، أقصر علماً من ملائكته وأنبيائه؛ لأن اللَّه - عز وجل - فرض على خلقه طاعة نبيه ولم يجعل لهم بَعدُ من الأمر شيئاً، وأولى أن لا يتعاطوا حكماً على غيب أحد، لا بدلالة ولا ظن لنفصير علمهم عن علم أنبيائه، الذين فرض اللَّه تعالى عليهم الوقف عما ورد عليهم، حتى يأتيهم أمره، فإنه جل وعز ظاهر عليهم الحجج، فيما جعل إليهم من الحكم في الدنيا، بأن لا يحكموا إلا بما ظهر من المحكوم عليه، وأن لا يجاوزوا أحسن ظاهره.(3/1177)
سورة السجدة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ترجم سجود القرآن في اختلاف علي وابن
مسعود رضي الله عنهما، وفي اختلاف الحديث، وفي اختلاف مالك والشَّافِعِي رحمهما الله تعالى، مرتين:
أما الأول: ففيه أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: هشيم، عن شعبة، عن عاصم، عن زر، عن
علي رضي اللَّه عنه قال: عزائم السجود (الم (1) تَنْزِيلُ) ، (وَالنجم) .
و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ، ولسنا ولا إياهم نقول بهذا.
نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه..
وأما الثاني: وهو الذي في اختلاف الحديث، ففيه أخبرنا الربيع قال:(3/1178)
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي ذئب، عن
الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن، عن ثوبان، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين، قال: أرادا الشهرة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن
ليس بحتم، ولكننا نحب أن لا يُترك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في النجم وترك.
قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: وفي النجم سجدة، ولا أحب أن يدع شيئاً من
سجود القرآن، وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه؛ لأنه ليس بفرض.(3/1179)
سورة الأحزاب
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2)
الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل ثناؤه لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
(وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأبان الله أنه قد فرض على نبيه اتباع أمره، وشهد
له بالبلاع عنه، وشهد به لنفسه، ونحن نشهد له به، تقرُّباً إلى اللَّه بالإيمان به، وتوسلاً إليه بتصديق كلماته.(3/1180)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ)
الأم: ما يحرم من النساء بالقرابة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد نكاح (ابنة جحش) رضي الله عنها، فكانت عند زيد بن حارثة، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - تبناه، فأمر اللَّه تعالى ذكره.
أن يُدعى الأدعياء لآبائهم: (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)
الآية، وقال: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ) إلى قوله: (وَمَوَالِيكُمْ) الآية.
وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأشبه - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون قوله: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية، دون أدعيائكم الذين
تسمونهم أبناءكم ولا يكون الرضاع من هذا في شيء، وحرمنا من الرضاع بما حرم الله قياساً عليه، وبما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه: "يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة" الحديث.(3/1181)
الأم (أيضاً) : باب (دعوى الولد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت - أي: للمحاور - نعم، زعم بعض أهل
التفسير: أن قول اللَّه - عز وجل -: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) الآية.
ما جعل اللَّه لرجل من أبوين في الإسلام، واستدل بسياق الآية قول اللَّه - عز وجل -: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) الآية.
قال - أي: المحاور -: فتحتمل هذه الآية معنى غير هذا؟
قلنا: نعم، زعم بعض أهل التفسير: أن معناها غير هذا، قال: فلك به حجة تثبت.
قلنا: أما حتى نستطيع أن نقول هو هكذا غير شك، فلا؛ لأنه محتمل غيره، ولم يقل هذا أحد يلزم قوله.
ولكنه إذا كان يحتمل، وكان معنى الإجماع أن الابن إذا ورث ميراث ابن كامل، فكذلك يرثه الأب ميراث أب كامل، لم يستقم فيه إلا هذا القول.
الأم (أيضاً) : باب (المواريث) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في زيد بن حارثة - رضي الله عنه -:
(ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية
فنسب الموالي نسبين:
أحدهما: إلى الآباء.
والآخر: إلى الولاء، وجعل الولاء بالنعمة.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله.
ما كان من شرط ليس في كتاب(3/1182)
الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرطه أوثق، وإنَّما الولاء لمن أعتق" الحديث.
فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الولاء إنما يكون للمُعتق.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب" الحديث.
فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق، كما يكون النسب بمتقدم وِلاد من الأب.
الأم (أيضاً) (رضاعة الكبير) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، أنه سئل عن
رضاعة الكبير فقال: (أخبرني عروة بن الزبير، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - - قد كان شهد بدراً، وكان قد تبنى سالماً الذي يقال له: سالم مولى أبي حذيفة، كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة، وأنكح أبو
حذيفة سالماً، وهو يرى أنه ابن، فأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهي يومئذ من المهاجرات الأوَل، وهي يومئذ من أفضل أيامى قريش، فلما أنزل اللَّه في زيد بن حارثة ما أنزل فقال: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية.
ردَّ كل واحد(3/1183)
من أولئك من تبنى إلى أبيه، فإن لم يعلم أباه رده إلى الموالي، فجاءت سهلة بنت سهيل، وهي امرأة أبي حذيفة، وهي من بني عامر بن لؤي، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله، كنا نرى سالماً ولداً، وكان يدخل علي وأنا فُضُل، ولبس لنا إلا بيت واحد، فماذا ترى في شأنه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا: "أرضعيه
خمس رضعات، فيحرم بلبنها"
ففعلت، وكانت تراه ابناً من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشة فيمن كانت تحبُّ أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تأمر أختها أم كلثوم، وبنات أختها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من الرجال
والنساء، وأبى سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس، وقلن: ما نرى الذي أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهلة بنت سهيل إلا رخصة في سالم وحده من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد، فعلى هذا من الخبر، كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رضاعة الكبير) الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا - والله تعالى أعلم - في سالم مولى أبي حذبفة
خاصة.
مختصر المزني: باب (بيع المكاتب) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد أن ذكر حديث عائشة في عتق بريرة - فقال
لي بعض الناس فما معنى إبطال النبي - صلى الله عليه وسلم - شرط عائشة لأهل بريرة؟
قلت: إن بيناً -(3/1184)
واللَّه أعلم - في الحديث نفسه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعلمهم أن الله قد قضى أن الولاء لمن أعتق، وقال: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية، وأنه نسبهم إلى مواليهم، كما نسبهم إلى آباءهم، وكما لم يجز أن يحولُوا عن آبائهم فكذلك لا يجوز أن يحولُوا عن مواليهم الذين وَلُوا منتهم.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان مما خص اللَّه - عز وجل - به نبيه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الآية. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الآية.
مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب، وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة، ومما وصفت من أن الله أحكم كثيراً من فرائضه بوحيه، وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وفي فعله، فقوله: (أُمَّهَاتُهُمْ) يعني في معنى دون معنى؛ وذلك أنه لا يحل
لهم نكاحهن بحال، ولا يحرم عليهم نكاح بنات، لو كن لهن، كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم.(3/1185)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويشبهن أن يكن أمهات لعظم الحق عليهم مع
تحريم نكاحهن.
الأم (أيضاً) : باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإنما افترض عليهم طاعته فيما أحبوا وكرهوا، ألا
ترى إلى قوله - عز وجل -: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الآية.
الرسالة: باب (الاختلاف)
قال الشَّافِعِي رحمه الله فانول: لك ذلك اللمخاطَب أو للمحاوَر) لقول
الله: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية، فقلت له:
(وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) الآية، نزلت بأن الناس توارثوا
بالحِلْف، ثم توارثوا بالإسلام والهجرة، فكان المهاجر يرث المهاجر، ولا يرثه مِن ورثته مَن لم يكن مهاجراً، وهو أقرب إليه ممن ورثه، فنزلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ) الآية، على ما فُرِضَ لهم قال: فاذكر الدليل على ذلك؟
قلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية، على ما فرض لهم، ألا ترى أن من ذوي الأرحام من يرث، ومنهم من لا يرث؛ وأن الزوج يكون أكثر ميراثاً من أكثر ذوي الأرحام ميراثاً؛ وأنك لو كنت إنما تورث بالرحم كانت رحم البنت من الأب كرحم الابن؛ وكان ذوو الأرحام يرثون معاً، ويكونون أحق من الزوج الذي لا رحم له؛ ولو كانت الآية كما وصفتَ كنتَ قد خالفتها فيما(3/1186)
ذكرنا، في أن يترك أخته ومواليه، فتعطى أخته النصف، ومواليه النصف، وليسوا بذوي أرحام، ولا مفروض لهم في كتاب الله فرض منصوص.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
الأم: المرتد عن الإسلام:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: أخبر اللَّه - عز وجل - عن أسرارهم (أي: المنافقين) ولعله لم يعلمه الآدميون، فمنهم من شهد عليه بالكفر بعد الإيمان.
منهم من أقر بعد الشهادة، ومنهم من أقر بغير الشهادة، ومنهم من أنكر بعد الشهادة، وأخبر اللَّه - عز وجل - عنهم بقول ظاهر، فقال:
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)
فكلهم إذاً قال ما قال، وثبت على قوله، أو جحد، أو أقرَّ وأظهر الإسلام، تركِ بإظهار الإسلام فلم يُقتل.
الأم (أيضاً) : تكلف الحجة على قالل القول الأول، وعلى من قال أقبل إظهار التوبة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبر اللَّه جل ثناؤه - عن طائفة غيرهم، فقال:
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)
وهذه حكاية عنهم، وعن الطائفة معهم مع ما حكى من كفر المنافقين(3/1187)
منفرداً، وحكى من أن الإيمان لم يدخل قلوب من حكى من الأعراب، وكل
من حقن دمه في الدنيا بما أظهر، مما يعلم جل ثناؤه خلافه من شركهم؛ لأنه
أبان أنه لم يُوَلَّ الحكمُ على السرائر غيره، وأنه قد ولى نبيه الحكم على الظاهر، وعاشرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقتل منهم أحداً، ولم يحبسه، ولم يعاقبه، ولم يمنعه سهمه في الإسلام إذا حضر القتال، ولا مناكحة المؤمنين وموارثتهم، والصلاة على موتاهم، وجميع حُكْم الإسلام.
الأم (أيضاً) : من ليس للإمام أن يغزو به بحال
قال الشَّافِعِي رحمه الله: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فغزا معه بعض من يُعرَفُ نفاقه، فانخزل يوم أحد عنه بثلثمائة، ثم شهدوا معه يوم الخندق، فتكلموا بما حكى الله - عز وجل - من قولهم: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
الأم: الاستسلام في الزحام - أي: استلام الحجر الأسود -:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سعيد بن صالم، قال أخبرني موسى بن عبيدة
الرَّبَذِي، عن محمد بن كعب القرظي، أن ابن عباس - رضي الله عنهما - كان يمسح على الركن اليماني والحجر - أي: الأسود - وكان ابن الزبير - رضي الله عنه - يمسح على(3/1188)
الأركان كلها ويقول: لا ينبغي لبيت اللَّه أن يكون شيء منه مهجوراً، وكان ابن عباس يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان ابن عباس رضي اللَّه عنهما يخبر عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - استلام الركن اليماني والحجر، دون الشاميين، وبهذا نقول: وقول ابن الزبير - رضي الله عنه -:
(لا ينبغي أن يكون شيء من بيت الله مهجوراً)
ولكن لم يدع أحد استلام الركن هجرة لبيت اللَّه تعالى، ولكنه استلم ما استلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمسك عما أمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن استلامه، وقد ترك استلام
ما سوى الأركان من البيت، فلم يكن أحد تركه على أن هجر من بيت الله
شيئاً.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
الأم: باب (الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين والصلوات)
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرني ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب.
عن المَقبُري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:(3/1189)
"حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهَوِيٍّ من الليل حتى
كفينا، وذلك قول الله عزَّ وجلَّ: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)
فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاً فأمره فأقام الظهر فصلاها، فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضاً) الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأمر الله - عزَّ وجلَّ - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يخير نساءه، فقال:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)
فخيرهنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترنه، فلم يكن الخيار إذا اخترنه طلاقاً، ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقاً إذا اخترنه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان تخيير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن شاء اللَّه - كما أمره الله - عزَّ وجلَّ - إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه، وأحدث لهن طلاقاً لا ليجعل(3/1190)
الطلاق إليهن، لقول الله - عز وجل -: (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)
حْدِثُ لَكُن إذا اخترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعاً وسراحاً، فلما اخترنه.
لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقاً ولا متاعاً.
فأما قول عائشة رضي الله عنها: قد خيَّرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترناه، أفكان ذلك طلاقاً؟
تعني: - واللَّه أعلم - لم يوجب ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحدث لنا طلاقاً.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا فرض اللَّه - عز وجل - على النبي - صلى الله عليه وسلم - إن اخترن الحياة الدنيا أن يمتعهن، فاخترن الله ورسوله، فلم يطلق واحدة منهن، فكل من خير امرأته فلم تختر الطلاق، فلا طلاق عليه.
الأم (أيضاً) : ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: ذكر الله تبارك وتعالى الطلاق في كتابه بثلاثة أسماء:
الطلاق، الفِرَاق، السراح فقال - عز وجل -: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)
وقال جل ثناؤه: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) .
وقال تبارك اسمه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أزواجه: (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ) .
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فمن خاطب امرأته، فأفرد لها اسماً من هذه
الأسماء، فقال: أنت طالق، أو قد طلقتك، أو فارقتك، أو قد سرحتك، لزمه الطلاق، ولم يُنَو في الحكم، ونوَّينَاه فيما بينه وبين الله.(3/1191)
الأم (أيضاً) : باب تعجيل الصدقة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا لو تصدق بكفارة يمين قبل أن يحلف فقال:
إن حنث في يمين فهذه كفارتها، فحنث لم تجز عنه من الكفارة؛ لأنه لم يكن
حلف، ولو حلف ثم كفر للحنث، ثم حنث أجزأ عنه من الكفارة.
فإن قال قائل من أين قلت هذا؟
قلت: قال اللَّه - عز وجل -: (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)
فبدأ بالمتاع قبل السراح، وفي كتاب الكفارات: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي
هو خير منه" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد روي عن عدد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يحلفون، فيكفرون قبل يحنثون.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عنَ نافع، عن ابن عمر رضي الله
عنهما: "أنه كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو
ثلاثة" الحديث.(3/1192)
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ)
الأم ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) الآية.
فأبانهن به - صلى الله عليه وسلم - من نساء العالمين.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ)
الزاهر باب (الوصية) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله - عز وجل -:
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) الآية.
قال: الأدنى فالأدنى من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وسئل أيدخل النساء في أهل البيت؟
قال: نعم.(3/1193)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الكتاب: هو ما يتلى عن الله تعالى، والحكمة: وهي
ما جاءت به الرسالة عن الله مما بينت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال - عز وجل - لأزواجه - أي: لأزواج نبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) الآية.
الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت، أي: للمحاور - وأيهم أولى، إذا ذكر
(الكتاب والحكمة) أن يكونا شيئين، أو شيئاً واحداً؟
قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت كتاباً وسنة، فيكونا شيئين، ويحتمل أن يكونا شيئاً واحداً.
قلت - له -: فأظهرهما أولاهما، وفي القرآن دلالة على ما قلنا، وخلاف ما ذهبت إليه.
قال: وأين هي؟
قلت: قول اللَّه - عز وجل -: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الآية.
فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان.
قال: فهذا القرآن يتلى، فكيف تتلى الحكمة؟
قلت: إنما معنى التلاوة: أن ينطق بالقرآن، والسنة كما ينطق بها، قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى.(3/1194)
الرسالة: باب (ما نزل عاماً دلت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)
فذكر الله الكتاب، وهو: القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يشبه ما قال، واللَّه أعلم؛ لأن القرآن ذكر وأتبِعَته الحكمة، وذكر الله منهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز - واللَّه أعلم - أن يقال: الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللَّه، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتَّم على
الناس اتباع أمره فلا يجوز أن يقال لقولٍ: فرضٌ إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله، لما وصفنا، من أن الله جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به، وسنة رسول اللَّه مبينة عن الله معنى ما أراد، دليلاً على خاصِّه وعامِّه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)
الأم: باب (الخلاف فيه - أي: حكم من دخل في صلاة أو صوم هل له قطع ما دخل فيه قبل تمامه -؟) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا كان له أن يفطر في السفر في شهر رمضان لا عِلَّة
غيره، برخصة الله، وكان له أن يصوم إن شاء فيجزي عنه، من أفطر قبل أن(3/1195)
يستكمله، دل هذا على معنى قولي: من أنه لما كان له قبل الدخول في الصوم أن لا يدخل فيه، كان بالدخول فيه في تلك الحال غير واجب عليه بكل حال، وكان له إذا دخل فيه أن يخرج منه بكل حال، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالتطوع بكل وجه أولى أن يكون هكذا من الفرض الذي له تركه في ذلك الوقت إلى أن يقضيه
في غيره.
قال: فتقول بهذا؟
قلت: نعم: أقوله اتباعاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) .
الأم (أيضاً) : الخلاف في نكاح الشغار:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - أي: المحاور - فلأي شيء أفسدت أنت
الشغار والمتعة؟
قلت: بالذي أوجب اللَّه - عز وجل - على من طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما أجد في كتاب اللَّه من ذلك، فقال:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) الآية.
الأم (أيضاً) : بيان فرائض الله تعالى:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فَرَض اللَّه - عز وجل - الفرائض - في كتابه من وجهين:
أحدهما: أبان فيه كيف فرض بعضها، حتى استُغني فيه بالتنزيل عن
التأويل وعن الخبر.(3/1196)
والآخر: أنه أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه بقوله - عز وجل -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) الآية، مع غير آية في القرآن بهذا المعنى، فمن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبفرض الله - عزَّ وجلَّ قَبِلَ.
الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض - اللَّه حليهم اتباع ما أنزل عليه، وسن
رسول - صلى الله عليه وسلم - لهم فقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)
فأعلم أن معصيته في ترك أمره وأمر رسوله، ولم يجعل لهم إلا اتباعه.
مختصر المزني: ومن كتاب الرسالة إلا ما كان معاداً:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مسلم، وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن
عامر بن صعب، أن طاووساً أخبره أنه سأل ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن
الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما، قال طاووس فقلت: ما أدعهما.
فقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الآية.(3/1197)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ذكر ما سبق في مختصر المزني، زاد ما يلي -:
فرأي ابن عباس رضي الله عنهما الحجة قائمة على طاووس بخبره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودلَّهُ بتلاوة كتاب اللَّه، على أن فرضاً عليه أن لا تكون له الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمراً.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ)
الأم: باب (المواريث) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تبارك وتعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) الآية، فنسب الموالي نسبين:
أحدهما: إلى الآباء.
والآخر: إلى الولاء، وجعل الولاء بالنعمة.
الأم (أيضاً) : باب (الولاء والحِلْف) :
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:(3/1198)
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي قال: أمر اللَّه تبارك وتعالى أن يُنسب من
كان له نسب من الناس نسبين:
1 - من كان له أب: أن ينسب إلى أبيه.
2 - ومن لم يكن له أب: فلينسب إلى مواليه. ..
وأصل ما قلت من هذا في كتاب اللَّه - عز وجل -، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وما أجمع عليه عوام أهل العلم، وقال - عز وجل -: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) الآية.
الأم (أيضاً) : باب (تفريع العتق)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ)
ولو غرب على أحد علم هذا من كتاب اللَّه - عز وجل -، كان في قول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -
"إنَّما الولاء لمن أعتق" الحديث.
دليل على أن المسيَّب والمؤمن يعتق الكافر، والكافر يعتق المؤمن، لا يعدون أن يكونوا معتقين، فيكون في سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:
"إنَّ الولاء لمن أعتق" الحديث.(3/1199)
الأم (أيضاً) : ما يحرم من النساء بالقرابة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد نكاح ابنة جحش - رضي الله عنها -، فكانت عند زيد بن حارثة - رضي الله عنه - فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - تبناه فأمر اللَّه تعالى ذكره أن
يدعى الأدعياء لآبائهم. . .، وقال اللَّه لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
* * *
(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ)
الآية.
الأم (أيضاً) : الكلام الذى ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ذكر الآيات التي وردت في مسمى عقد
الزواج - فسمَّى تبارك وتعالى النكاح اسمين: النكاح، والتزويج. ..
وفي هذا دلالة على أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع
بكلام غيرهما، وإن كانت معه نية التزويج.(3/1200)
قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)
الأم: كتاب الجزية:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأنه - سبحانه وتعالى، - فتح به - صلى الله عليه وسلم - رحمته، وختم به نبوته، فقال - عز وجل -:
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ)
الأم: الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، وفي هذا - وغيرها من الآيات - دلالة على أن لا يجوز
نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع بكلام غيرهما، وإن كانت معه نية التزويج، وأنه مخالف للطلاق الذي يقع بما يشبه الطلاق من الكلام مع نية(3/1201)
الطلاق؛ وذلك أن المرأة قبل أن تزوج محرمة الفرج، فلا تحل إلا بما سمى الله - عز وجل - أنها تحل به لا بغيره.
الأم (أيضاً) : الخلاف في طلاق المختلعة
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في المختلعة، فقال: إذا طلقت
في العدة لحقها الطلاق، قلت: وحكم الله أنه إنما تطلق الزوجة (أي: وقت بقاء الزوجية) ؛ لأن اللَّه تبارك وتعالى قال: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ)
قال: نعم. فقلت له: كتاب اللَّه إذا كان كما زعمنا وزعمت يدل على أنها
ليست بزوجة، وهي خلاف قولكم!
أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وابن
الزبير، رضي اللَّه عنهما، أنهما قالا: في المختلعة يطلقها زوجها، قالا: لا يلزمها طلاق؛ لأنه طلق ما لا يملك، - قال - وأنت تزعم أنك لا تخالف واحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا إلى قول مثله، فخالفت ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما معاً، وآيات من كتاب اللَّه تعالى. . ..
الأم (أيضاً) : اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، فكان هذا عامًّا للأزواج والنساء، لا يخرج منه زوج مسلم حرٌّ ولا عبدٌ، ولا ذمِّي حرٌّ ولا عبدٌ، فكذلك اللعان لا يخرج منه زوج ولا زوجة.(3/1202)
الأم (أيضاً) الخلاف في اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنَّما كتبنا في كتابنا: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، كما قلنا في قول اللَّه - عز وجل -، وأن حكم الكتاب والسنة فيه.
فقال بعض من خالفنا: لا يُلاَعَن بين الزوجين أبداً حتى يكونا حرين
مسلمين، ليسا بمحدودين في قذف، ولا واحد منهما، فقلت له: ذكر اللَّه - عز وجل - اللعان بين الأزواج لم يخص واحداً منهم دون غيره.
وما كان عامًّا في كتاب اللَّه تبارك وتعالى فلا نختلف نحن ولا أنت أنه على
العموم كما قلنا.
الأم (أيضاً) : الخلاف فيما يؤتى بالزنا:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاوَر - قال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، وقال: (فَإِن طَلَّقَهَا)
الآية، فملك الرجال الطلاق وجعل على النساء العِدَد، قال: نعم.
الأم (أيضاً) : إباحة الطلاق:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ذكر الآيات المتعلقة بإباحة الطلاق -
وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، مع ما ذكرته(3/1203)
من الطلاق في غير ما ذكرت، ودلت عليه سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إباحة الطلاق.
فالطلاق مباح لكل زوج لزمه الفرض.
الأم (أيضاً) : باب (لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في حكم اللَّه - عز وجل -، أن لا عدة على المطلقة.
قبل أن تُمسَّ، وأن المسيس: هو الإصابة، ولم أعلم في هذا خلافاً.
ثم اختلف بعض المفتين في المرأة يخلو بها زوجها، فيغلق باباً ويرخي ستراً.
وهي غير مُحْرمِة ولا صائمة، فقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما وشريح
وغيرهما: لا عدة عليها إلا بالإصابة نفسها؛ لأن اللَّه - عز وجل - هكذا قال.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبهذا أقول وهو ظاهر كتاب الله عز ذكره.
الأم (أيضاً) : من يقع علبه الطلاق من النساء.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) ، مع ما ذكر به الأزواج، ولم أعلم مخالفاً في أن: أحكام اللَّه تعالى في الطلاق، والظهار، والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح، يحل للزوج جماعها، وما يحل للزوج من امرأته إلا أنه محرم الجماع في الإحرام والمحيض، وما أشبه ذلك حتى ينقضي.(3/1204)
الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في الصداق) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ليس إرخاء الستور يوجب الصداق عندي، لقول
الله جل ثناؤه:. ..
(إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ)
ولا نوجب الصداق إلا بالمسيس، قال وكذا روي عن ابن عباس رضي اللَّه
عنهما وشريح، وهو معنى القرآن.
الأم (أيضاً) : ما يعتق به الكاتب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان بيناً في كتاب اللَّه - عز وجل -: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية، أن الطلاق إنما هو بإيقاعه بكلام الطلاق المصرح لا التعريض، ولا ما يشبه الطلاق، هكذا عامة من جمل الفرائض، أحكمت جملها في آية، وأبينت أحكامها في كتاب، أو سنة، أو إجماع.
الأم (أيضاً) : الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاور - الذي ذهب إليه من
قول اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
إنما هو على من عليه العدة؛ لقول اللَّه - عز وجل -: (طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)(3/1205)
فلما لم تكن هذه معتدة بحكم الله.
علمت أن الله تبارك وتعالى إنَّما قصد بالرجعة في العدة قصد المعتدات، وكان
المفسَّر من القرآن يدل على معنى الجمل، ويفترق بافتراق حالات المطلقات.
الأم (أيضاً) : باب (الخلاف فيه أي: فيمن دخل في صلاة أو صوم، هل له قطعهما قبل إتمامهما؟) :
قال الشَّافِعِي رحمه لة: ولقوله: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.
قالوا: إنَّما أوجب الله المهر والعدة في الطلاق بالمسيس - وبسط النقاش في المسألة -.
مختصر المزني: (نكاح المتعة والمحلل) من الجامع:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي القرآن والسنة دليل على تحريم المتعة، قال اللَّه
تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، فلم يحرمهن اللَّه على
الأزواج إلا بالطلاق مع أحكام ما بين الأزواج فكان بيناً - واللَّه أعلم -، أن نكاح المتعة منسوخ بالفرآن والسنة، لأنه إلى مدة، ثم نجده ينفسخ بلا إحداث طلاق فيه، ولا فيه أحكام الأزواج.
مختصر المزني (أيضاً) : من كتاب (اليمين مع الشاهد الواحد) :
أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج، عن ليث بن أبي سليم، عن
طاووس، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ليس لها إلا نصف المهر، ولا عدة
عليها يعني لمن قال الله تعالى: (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.(3/1206)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه الشَّافِعِي وفي خلع الطلاق والرجعة:
قال البيهقي: قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، أخبرنا عبد الرحمن بن
العباس الشَّافِعِي - قرأت عليه بمصر - قال: سمعت يحيى بن زكريا، يقول: قرأ علي يونس:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في الرجل يحلف بطلاق المرأة قبل أن ينكحها، قال:
لا شيء عليه، لأني رأيت اللَّه - عز وجل - ذكر الطلاق بعد النكاح، وقرأ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحسب قول عائشة رضي اللَّه عنها أحل له
النساء لقول اللَّه تبارك وتعالى: (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ) إلى قوله: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.(3/1207)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: نذكر اللَّه - عز وجل - ما أحل لى، فذكر أزواجه اللاتي آتى أجورهن، وذكر بنات عمه، وبنات عماته، وبنات خاله، وبنات خالاته، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فدل ذلك على معنيين:
أحدهما: أنه أحل له مع أزواجه من ليس له بزوج يوم أحل له؛ وذلك أنه
لم يكن عنده - صلى الله عليه وسلم - من بنات عمه، ولا بنات عماته، ولا بنات خاله، ولا بنات خالاته امرأة، وكان عنده عدد نسوة.
الثاني: وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على غيره، ومن يائهب
بغير مهر ما حظره على غيره.
الأم (أيضاً) : الكلام الذى ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَاا) الآية،. ..
فأبان جل ثناؤه أن الهبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
دون المؤمنين، والهبة - والله تعالى أعلم - تجمع أن ينعقد له عليها عقدة النكاح، بأن تهب نفسها له بلا مهر.
الأم (أيضاً) : كتاب (الصداق) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت، فهذا
دليل على الخلاف بين النكاح والبيوع.
والبيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم،(3/1208)
والنكاح ينعقد بغير مهر، استدللنا على أن العقد يصلح بالكلام به وأن الصداق لا يفسد عقده أبداً، فإذا كان هكذا، فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام فثبتت العقدة بالكلام، وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت، وعلى أنه لا صداق على من طلق إذا لم يسمِّ مهراً ولم يدخل؛ وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس، وإن لم يسم مهراً بالآية، لقول الله - عز وجل - (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
يريد - واللَّه تعالى أعلم - النكاح والمسيس بغير مهر.
الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح المشرك:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا يحل لمسلم أن يجمع بين أكثر من أربع، إلا ما
خص اللَّه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - دون المسلمين من نكاح أكثر من أربع يجمعهن، ومن النكاح بغير -، مهر فقال عز وعلا:
(خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
الأم (أيضاً) : باب (الصوم) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحل اللَّه - عز وجل - له - أي: لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من عدد النساء ما شاء، وأن يستنكح المرأة إذا وهبت نفسها له، فقال اللَّه تعالى: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
فلم يكن لأحد أن يقول: قد جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين
أكثر من أربع، ونكح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة بغير مهر، وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفياً(3/1209)
من المغانم وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله قد بين في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -
أن ذلك له دونهم، وفرض الله تعالى عليه أن يخير أزواجه في المقام معه والفراق، فلم يكن لأحد أن يقول علي أن أخير امرأتي على ما فرض اللَّه - عز وجل - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان قاله:
"لا يمسكن الناس عليَّ بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله، ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله" الحديث.
الأم (أيضاً) : كتاب (النفقات) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية، -
وذكر آيات النفقات ثم قال -: هذا جملة ما ذكر اللَّه - عز وجل - من الفرائض بين الزوجين، وقد كتبنا ما حضرنا مما فرض
الله - عز وجل - للمرأة على الزوج، وللزوج على المرأة، مما سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه - عز وجل - أن يؤدي كل ما عليه بالمعروف.
الأم (أيضاً) : جماع عشرة النساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
فجعل اللَّه للزوج على المرأة، وللمرأة على الزوج حقوقاً بينهما في كتابه، وعلى لسان نبيه، مفسرة ومجملة، ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم.(3/1210)
الأم (أيضاً) : النفقة على النساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: على الزوج نفقة امرأته وولده الصغار بالمعروف.
والمعروف: نفقة مثلها ببلدها الذي هي فيه، بُراً كان أو شعيراً أو ذرة، لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته مثلها، ومن الكسوة والأدم بقدر ذلك، لقول الله - عزَّ وجلَّ: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ) الآية، فلما فرض عليهم نفقة أزواجهم كانت الدلالة كما وصفت في القرآن، وأبان النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك.
الأم (أيضاً) : القسْمُ للنساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي.
وأن عليه أن يعدل في ذلك، لا أنه مرخص له أن يجوز فيه، فدل ذلك على أنه إنما أريد به ما في القلوب، مما قد تجاوز الله للعباد عنه، فيما هو أعظم من الميل على النساء - والله أعلم -.
الأم (أيضاً) : ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء، وما تحل به الفروح:
أخرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
فأطلق الله - عزَّ وجلَّ - ما ملكت الأيمان(3/1211)
فلم يحد فيهن حداً يُنتهي إليه، فللرجل أن يتسرى كم شاء، ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا، وانتهى ما أحل اللَّه بالنكاح إلى أربع، ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبينة عن اللَّه - عز وجل -، على أن انتهاءه إلى أربع تحريماً منه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذلك مفرق في مواضعه في القسم بينهن والنفقة
والمواريث وغير ذلك.
الأم (أيضاً) : جماع القسم في النساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -:
(قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
ولم أعلم مخالفاً في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن.
وقد بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
كان يقسم فيعدل ثم يقول:
اللهم هدا قَسمي فيما أملك، وأنت أعلم بما لا أملك" الحديث.
الأم (أيضاً) : امرأة المفقود:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى:
(قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الزوج نفقة امرأته.
وحكم اللَّه - عز وجل - بين الزوجين أحكاماً منها: اللعان، والظهار، والإيلاء، ووقوع الطلاق.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلم يختلف المسلمون - فيما علمته - في أن ذلك
لكل زوجة على كل زوج غائب وحاضر.(3/1212)
قال الله عزَّ وجلَّ: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: ثم جعل له في اللاتي يهبن أنفسهن له أن يأتهب.
ويترك، فقال: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فمن اتهب منهن فهي زوجة، لا تحل لأحد بعده.
ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم زوجة، وهي تحل له ولغيره.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) الآية.(3/1213)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال بعض أهل العلم أنزلت عليه: (لَا يَحِلُّ لَكَ)
بعد تخييره أزواجه.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن عائشة
رضي اللَّه عنها أنها قالت: ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحِل له النساء.
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كأنها تعني اللاتي حظرن عليه في قول اللَّه تبارك
وتعالى: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان مما خص اللَّه - عز وجل -، نبيه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) .(3/1214)
وقال: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا) . الآية.
فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين، ليس هكذا نساء أحد غيره - صلى الله عليه وسلم -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)
الأم: باب (التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض اللَّه - عز وجل - الصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في
الصلاة، ووجدنا الدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بما وصفت من أن الصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فرضٌ في الصلاة - واللَّه تعالى أعلم -.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن
سُليم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟
يعني: في الصلاة، قال: قولوا "اللهم صل على محمد(3/1215)
وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم، ثم تسلمون عليَّ" الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني سعد
ابن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن كعب بن
عجرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في الصلاة: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل ابراهبم، وبارك على محمد وآل محمد.
كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما رُوِي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم التشهد في الصلاة، وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة لم يجز - والله تعالى أعلم - أن نقول: التشهد واجب، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - غير
واجبة، والخبر فيهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - زيادة فرض القرآن.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فعلى كل مسلم وجبت عليه الفرائض، أن يتعلم
التشهد، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن صلى صلاة لم يتشهد فيها ولم يصلي(3/1216)
على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحسن التشهد فعليه إعادتها، وإن تشهد ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتشهد، فعليه الإعادة - حتى يجمعهما جميعاً، وإن كان لا يحسنها على وجههما أتى بما أحسن منهما، ولم يجزه إلا بأن يأتي باسم تشهد وصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا أحسنهما فأغفلهما، أو عمد تركهما، فسدت صلاته، وعليه الإعادة فيهما جميعاً.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات)
وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني رحمه اللَّه، أخبرنا أبو سعيد
ابن الأعرابي، أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني.
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله قال: أحبرنا مالك، عن نعيم بن
عبد اللَّه المجمر - أن محمد بن عبد اللَّه بن زيد الأنصاري - وعبد اللَّه بن زيد: هو الذي كان أُرِيَ النداء بالصلاة، أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا اللَّه أن نصلي عليك يا نبي اللَّه؛ فكيف نصلي عليك؟
فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولوا: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين. إنك حميد مجيد" الحديث.
ورواه المزني وحرملة عن الشَّافِعِي، وزاد فيه:
"والسلام كما قد علمتم"
وفي هذا إشارة إلى السلام الذي(3/1217)
في التشهد، على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك في الصلاة، فيشبه: أن تكون الصلاة التي أمر بها (عليه الصلاة والسلام) - أيضاً - في الصلاة؛ واللَّه أعلم.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في رواية حرملة - والذي أذهب إليه - من هذا -
حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنَّما ذهبت إليه؛ لأني رأيت اللَّه - عز وجل - ذكر
ابتداء صلاته على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأمر المؤمنين بها، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الآية.(3/1218)
سورة فاطر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)
الأم: كراهيه الاستمطار بالأنواء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبلغني أن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أصبح وقد مُطر الناس قال: مُطرنا بنوء الفتح، ثم قرأ:
(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) الآية.
وبلغني أن عمر بن الخطاب أوجف بشيخ من بني تميم غدا متكئاً على عكازه، وقد مطر الناس فقال: أجاد ما أقرى المِجدَح البارحة، فأنكر عمر قوله: (أجاد ما أقرى المِجدَح) لإضافة المطر إلى المجدح.(3/1219)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا)
الأم: باب (تحريم الصيد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فالبحر المعروف البحر المالح، قيل:
نعم، ويدخل فيه العذب، وذلك معروف عند العرب.
فإن قال: فهل من دليل عليه في كتاب الله؟
قيل: نعم، قال اللَّه - عز وجل -:
(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا)
ففي الآية دلالتان:
إحداهما: أن البحر العذب والمالح، وأن صيدهما مذكور ذِكراً واحداً فكل ما
صيد في ماء عذب، أو بحر، قليل أو كثير مما يعيش في الماء للمُحرِم حلال، وحلال اصطياده، وإن كان في الحرم؛ لأن حكمه حكم صيد البحر الحلال للمُحرِم لا يختلف، ومن خوطب بإحلال صيد البحر وطعامه عقل أنه إنما أُحل له ما يعيش في البحر من ذلك، وأنه أحل كل ما يعيش في مائه؛ لأنه صيده وطعامه عندنا: ما ألقى وطفا عليه - واللَّه أعلم - ولا أعلم الآية تحتمل إلا هذا المعنى.
ثانيهما: أو يكون طعامه في دواب تعيش فيه فتؤخذ بالأيدي بغير
تكلُّف، كتكلف صيده، فكان هذا داخلاً في ظاهر جملة الآية - والله أعلم -.(3/1220)
فإن قال قائل: فهل من خبر يدل على هذا؟
قيل: أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء أنه سئل عن صيد الأنهار، وقِلاَت المياه، أليس بصيد البحر؟
قال: بلى، وتلا: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا) الحديث.
أخبرنا سعيد، عن ابن جريج أن إنساناً سأل عطاء عن حيتان بركه القرى:
وهي بئر عظيم في الحرم: أتصاد؟
قال: نعم، وَلَوَدَدتُ أن عندنا منه.
الأم (أيضاً) : صيد البحر:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله - عزَّ وجلَّ -: ((وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا)) الآية، فكل ما كان فيه صيد، في بئر كان، أو ماء مستنقع أو غيره، فهو بحر، وسواء كان في الحل والحرم، يصاد ويؤكل؛ لأنه مما لم يُمنع بحرمة شيء، وليس صيده إلا ما كان يعيش فيه أكثر عيشه، فأما طائره فإنما يأوي إلى أرض فيه، فهو من صيد البر، إذا أصيب جزي.(3/1221)
سورة يس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد أن ذكر الآيات الثلاث أعلاه - فظَاهَرَ الحجج
عليهم باثنين، ثم ثالث، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد، وليس الزيادة في التكيد مانعة أن تقوم الحجة بالواحد، إذ أعطاه الله ما يباين به الخلق غير النبيين.
أخبرنا مالك، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجرة، عن عمته زينب
بنت كعب، أن الفُرَيعَة بنت مالك بن سنان أخبرتها: "أنها جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أغبُدٍ له، حتى إذا كان بطرف القَدُّوم لحقهم، فقتلوه، فسألتُ رسول اللَّه أن أرجع إلى أهلي.
فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، قالت: فقال رسول الله: "نعم".
فانصرفتُ، حتى إذا كنت فى الحجرة أو فى المسجد دعاني، أو أمر بي فدعيت له، فقال: "كيف قلتِ؟ "
فرددت عليه القصة التي ذكرتُ له من شأن زوجي،(3/1222)
فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله".
قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، فلما كان عثمان أرسل إليَّ، فسألني عن ذلك؛ فأخبرته، فاتَّبعه وقضى به" الحديث.
وعثمان في إمامته وعلمه، يقضي بخبر امرأة بين المهاجرين والأنصار - ثم ذكر خمسة أدلة أخرى من السنة على قبول خبر الواحد، والعمل به -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قدوم الشَّافِعِي رحمه الله مصر وتصنيفه بها
الكتب) :
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: أنباني أبو عمرو (عثمان بن أحمد بن
السَّمَّاك) شفاهاً، أن أبا محمد بن الشَّافِعِي أخبرهم في كتابه، قال سمعت أبي
(محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع) يقول:
سمعت محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله بقول: لا ينبل قرشي بمكة، ولا
يظهر ذكره حتى يخرج منها؛ وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم يظهر أمره حتى خرج من مكة، ولا يكاد يجود شعر القرشي؛ وذلك أن اللَّه جل ذكره، قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ) الآية.
ولا يكاد يجود خط القرشي؛ وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أميًّا.(3/1223)
سورة الصافات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: (وقال غيره) سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وجهان:
أحدهما: ما تبين مما في كتاب الله، المبين عن معنى ما أراد الله يحَملِه خاصاً وعاماً.
والآخر: ما ألهمه اللَّه من الحكمة، وإلهام الأنبياء وحي، ولعل من حجة من
قال هذا القول أن يقول: قال الله - عزَّ وجلَّ فيما يحكي عن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآية.
فقال غير واحد من أهل التفسير: رؤيا الأنبياء وحي، لقول ابن إبراهيم الذي أمر بذبحه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآية.
ومعرفته أن رؤياه أمرٌ، أُمِرَ به.(3/1224)
فائدة:
جاء في كتاب - (تهذيب تاريخ دمشق) : رُوِي عن نوح بن حبيب قال:
سعت الشَّافِعِي رحمه الله يقول كلاماً ما سمعت قط أحسن منه، سمعته -
أى: الشَّافِعِي - يقول: قال إبراهيم خليل الله لولده، وقت ما قص عليه ما رأى: ماذا ترى؛ أى: ماذا تشير به؟
قال ذلك ليستخرج من هذه اللفظة، ذكر التفويض.
والصبر، والتسليم، والانقياد لأمر اللَّه، لا لمؤامرته له مع أمر الله، فقال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والتفويض: هو الصبر والتسليم، هو الصبر
والانفباد، هو ملاك الصبر، فجمع له الذبيح - أي: إسماعيل عليه السلام - جميع ما ابتغاه في هذه اللفظة اليسيرة.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
الأم: قَسْم النساء إذا حضر السفر:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر اللَّه - عز وجل - القرعة في كتابه في موضعين، فكان ذكرها موافقاً ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
1 - قال الله تبارك وتعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) .(3/1225)
2 - وقال: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقف الفلك بالذين ركب معهم يونس عليه
السلام، فقالوا: إنما وقف لراكب فيه لا نعرفه، فيقرع فأيكم خرج سهمه ألقي، فخرج سهم يونس علبه السلام فألْقِيَ، فالتقمه الحوت، كما قال تبارك وتعالى، ثم تداركه بعفوه جل وعز.
الأم (أيضاً) : كتاب (القرعة) :
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تعالى: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) .
وقال اللَّه - عز وجل -: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأصل القرعة في كتاب اللَّه - عز وجل - في قصة المقترعين على مريم، والمقارعي يونس مجتمعة، فلا تكون القرعة - واللَّه أعلم - إلا بين قوم مستوين في الحجة.(3/1226)
سورة ص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في حسن مناظرة الشَّافِعِي وغلبته بالعلم
والبيان. .) :
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: أنباني أبو أحمد (بكر بن محمد بن حمدان
الصيرفي) بمرو، شفاهاً، وأكثر ظني أن صالحاً بن محمد الحافظ جزرة، حدثهم
قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
كان الشَّافِعِي رحمه الله يقول: إذا ناظره إنسان في مسألة عدا منها إلى
غيرها، نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد.
فإذا أكثر عليه قال: مثلك مثل معلم كان بالمدينة يعلم الصبيان القرآن من كراسة، فأملى على صبي: (بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ) فقال: بسؤال، ثم لم يدر ما بعده، فمرَّ رجل فقام إليه فقال: - أصلحك اللَّه - بسؤال نعجتك أو بعجتك؛ فقال له الرجل: يا أبا عبد اللَّه، افرغ من سؤال ثم سل عما هو بعده، إنما هو - ويحك - بسؤال نعجتك.(3/1227)
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
الأم: باب (في الأقضية) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأعلمَ اللَّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن فرضاً عليه، وعلى من قبله، والناس، إذا حكموا أن يحكموا بالعدل، والعدل: اتباع حكمه المنزَّل.
الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عزَّ وجلَّ: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) الآية.
وليس يؤمر أحد أن يحكم بحق، إلا وقد علم الحق، ولا يكون الحق معلوماً إلا عن اللَّه نصاً أو دلالة، فقد جعل اللَّه الحق في كتابه، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.(3/1228)
ترتيب مسند الشَّافِعِي في سجود التلاوة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن عبدة، عن زرِّ بن حُبَيش، عن
ابن مسعود - رضي الله عنه -: "أنه كان لا يسجد في سورة (ص) ويقول إنَّما هي توبة نبي " الحديث.
أخبرنا ابن عيينة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما:
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سجدها: يعنى في (ص) الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ)
الأم: من قال لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة سوط.
فجمعها فضربه بها، فإن كان يحيط العلم أنه إذا ضربه بها ماسته كلها، فقد برَّ.
وإن كان يحيط العلم أنها لا تماسه كلها لم يبر، وإن كان العلم مغيباً قد
تماسه ولا تماسه، فضرب بها ضربة، لم يحنث في الحكم، ويحنث في الورع، فإن قال قائل: فما الحجة في هذا؟
قيل: معقول أنه إذا ماسته أنه ضاربه بها مجموعة.
أو غير مجموعة، وقد قال اللَّه - عز وجل -: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ)(3/1229)
الآية؛ وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً نضواً (1) في الزنا، بأثكال النخل، وهذا شيء مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته.
__________
(1) النضوُ: المهزول من الإبل وغيره، وقيل: المجهد من السفر، انظر القاموس المحيط، ص / 1726، والمعجم الوسيط، ص / 929.(3/1230)
سورة الزمر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
الرسالة: باب (البيان الخامس) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تبارك وتعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
الآية، فهذا عام لا خاص فيه، فكل شيء: من سماء، وأرض، وذي روح.
وشجر وغير ذلك، فالله خلقه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
الأم: فيمن تجب عليه الصلاة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن غلب على عقله بعارض مرض، أي مرض
كان، ارتفع عنه الفرض في قوله تعالى: (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)(3/1231)
وقوله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الآية.
وإن كان معقولاً لا يخاطب بالأمر، والنهي إلا من عقلهما.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشافعى - من الإيمان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما
حرّم اللَّه، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) .
فذلك ما فرض الله جل ذكره على السمع، من التنزيه عما لا يحل له.
وهو عمله، وهو من الإيمان.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
الرسالة: باب (البيان الخامس) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه سبحانه: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الآية.(3/1232)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأقام - اللَّه - عز وجل - حجته بأن كتابه عربي، في كل آية ذكرناها.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)
الرسالة: باب (البيان الخامس) :
انظر تفسير الآية / 5 من سورة الزمر فتفسيرهما واحد، ولا حاجة للتكرار.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)
الأم: باب (المرتد الكبير)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله قال: وقال تعالى:
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) .(3/1233)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يشبه - والله أعلم - أن يكون إذا حقن الدم
بالإيمان، ثم أباحه بالخروج منه، أن يكون حكمه حكم الذي لم يزل كافراً
محارباً، وأكبر منه؛ لأنه قد خرج من الذي حقن به دمه، ورجع إلى الذي أبيح الدم فيه والمال، والمرتد به أكبر حكماً من الذي لم يزل مشركاً؛ لأن اللَّه أحبط بالشرك بعد الإيمان كل عمل صالح قدَّم - المشرك - قبل شركه، وأن اللَّه جل ثناؤه كَفَّر عمَّن لم يزل مشركاً ما كان قبله، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبان أن من لم يزل مشركاً، ثم أسلم كُفِّر عنه ما كان قبل الشرك، وقال لرجل كان يقدم خيراً في الشرك:
"أسلمت على ما سبق لك من خير" الحديث.(3/1234)
سورة غافر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأعلم عباده، مع ما أقام عليهم من الحجة، بان
ليس كمثله أحد في شيء، أن علمه بالسر والعلانية واحد، فقال عز وعلا: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) الآية.
مع آيات أخر من الكتاب.
الأم: باب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن الله - عزَّ وجلَّ حكم على عباده حُكمين.
حكماً فيما بينهم وبينه: أن أثابهم وعاقبهم على ما أسروا، كما فعل بهم فيما أعلنوا، وأعلمهم إقامة الحجة للحجة عليهم، وبينها لهم أنه عَلِم سرائرهم، وعَلِم علانيتهم فقال: (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) .
وقال: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) الآية.
و خلق - خَلْقُه لا يعلمون إلا ما شاء - عز وجل - وحجب
علم السرائر عن عباده.(3/1235)
سورة فصلت
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)
الأم: سجود القرآن:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا هشيم عن شعبة، عن عاصم، عن
زر، عن علي - رضي الله عنه - قال: عزائم السجود (الم (1) تَنْزِيلٌ)
و (حم (1) تَنْزِيلٌ) ، و (النجم) و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
ولسنا ولا إياهم - أي: المحاوَرِين - نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه. ..
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ)
الأم: كتاب (العيدين) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا من لا أتهم، أخبرنا العلاء بن راشد، عن
عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ما هبت ريح قط إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم -(3/1236)
على ركبتيه وقال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً" الحديث.
قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما في كتاب اللَّه:
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) الآية.
أخبرنا من لا أتهم قال: أخبرني صفوان بن سليم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا تسبوا الريح، وعوذوا بالله من شرها" الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)
الأم: كتاب (صلاة الكسوف) :
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تبارك تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) .(3/1237)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر الله - عزَّ وجلَّ الآيات، ولم يذكر معها سجوداً إلا مع الشمس والقمر، وأمر بأن لا يُسجَد لهما، وأمر بأن يُسجَد له، فاحتمل أمره أن يُسجد له عند ذكر الشمس والقمر، بأن يأمر بالصلاة عند حادث في الشمس والقمر، واحتمل أن يكون إنَّما نهي عن السجود لهما، كما نهي عن عبادة ما سواه، فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يصلى لله عند كسوف الشمس والقمر
فأشبه ذلك معنيين:
أحدهما: أن يصلى عند كسوفهما لا يختلفان في ذلك، وأن لا يؤمر عند كل آية كانت في غيرهما بالصلاة، كما أمر بها عندهما؛ لأن الله تبارك وتعالى لم يذكر في شيء من الآيات صلاة، والصلاة في كل حال طاعة لله تبارك وتعالى، وغبطة لمن صلاها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيُصلى عند كسوف الشمس والقمر صلاة جماعة.
ولا يفعل ذلك في شيء من الآيات غيرها.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وأنزل الله عليه كتابه فقال: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) .
فنقلهم من الكفر والعَمَى، إلى الضياء والهدى، وبين فيه ما أحل منًّا بالتوسعة على خلقه،(3/1238)
وما حرّم: لما هو أعلم به من حظهم في الكف عنه في الآخرة والأولى. وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول وعمل، وإمساك عن محارم حماهُمُوها، وأثابهم على طاعته من الخلود في جنته، والنجاة من نعمته: ما عظمت به نعمتُه جل ثناؤه وأعلمهم ما أوجب على أهل معصيته من خلاف ما أوجب لأهل طاعته..
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ)
الرسالة: باب (البيان الخامس) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأقام اللَّه سبحانه حجته بأن كتابه عربي، في كل آية
ذكرناها، ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه - جل ثناؤه - كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه:
1 - فقال تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) .
2 - وقال: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) الآية.(3/1239)
سورة الشورى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه عز شانه: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)
وأم القرى: مكة، وفيها قومه.
الرسالة (أيضاً) : باب (البيان الخامس) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأولى الناس بالفضل في اللسان، مَن لسانه لسانُ
النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز - واللَّه أعلم - أن يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد، بل كل لسان تبع للسانه، وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه.
وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه - منها -: وقال:
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الآية.(3/1240)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)
وأم القرى: مكة، وهي بلده وبلد قومه، فجعلهم في كتابه خاصة.
وأدخلهم مع المنذرين عامة، وقضى أن ينذروا بلسانهم العربي: لسان قومه
منهم خاصة.
أحكام القرآن: فصل: (فيما ذكره الشَّافِعِي رحمه الله في التحريض على تعلم
أحكام القرآن) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الآية.
فأقام حجته بأن كتابه عربي، ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غير لسان العرب.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات.
فهو - الله تعالى - على العرش كما أخبر بلا كيف، بائن من خلقه، غير مُمَاسٍّ من خلقه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الآية.(3/1241)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)
الأم: باب (المشاورة) :
انظر تفسير الآية / 159 من سورة آل عمران فتفسيرهما واحد، ولا حاجة
للتكرار.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ)
الأم: من قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني:
انظر تفسير الآية / 94 من سورة التوبة فقد ورد تفسيرهما مع هذه الآية.
ولا حاجة للتكرار.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا)(3/1242)
وقال عزَّ وجلَّ: (صِرَاطِ اللَّهِ)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم مَنَّ - اللَّه - عز وجل - عليهم بما آتاهم من العلم، وأمرهم بالاقتصار عليه، وأن لا يتولوا غيره إلا بما علَّمهم، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) الآية.
الأم (أيضاً) : سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك افترض عليه، قال اللَّه - عز وجل -: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) .
ففرض عليه الاستمساك بما أوحي إليه، وشهد له أنه على صراط مستقيم، وكذلك قال:
(وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الآية.
فأخبر - اللَّه - أنه فرض عليه اتباع ما أنزل الله، وشهد له بأنه
هادٍ مهتدٍ، وكذلك يشهد له قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا يمسكنَّ الناس علي بشيء. . ." الحديث.
فإن اللَّه أحل له أشياء حظرها على غيره.(3/1243)
الأم (أيضاً) : الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يؤمر الناس أن يتبعوا إلا كتاب اللَّه أو سنة
رسوله - صلى الله عليه وسلم -، الذي قد عصمه الله من الخطأ، وبرَّأه منه، فقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الآية.
فأما من كان رأيه خطأ أو صواباً فلا يؤمر أحد باتباعه، ومن قال للرجل يجتهد برأيه فيستحسن على غير أصل، فقد أمر
باتباع من يمكن منه الخطأ، وأقامه مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي فرض اللَّه اتباعه.
فإن كان قائل هذا ممن بعقل ما تكلم به، فتكلم به بعد معرفة هذا، فأرى للإمام أن يمنعه، وإن كان غبياً عُلِّم هذا حتى يرجع.
مختصر المزني: كتاب اختلاف الحديث - المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وشهد - اللَّه تعالى - له باتباعه، فقال جل ثناؤه:
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ) الآيتان.
فأعلمَ اللَّه خلقه أنه يهديهم إلى صراطه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فتفام سنة رسول اللَّه، مع كتاب الله جل ثناؤه مقام
البيان عن اللَّه عدد فرضه، كبيان ما أراد بما أنزل عامًّا - العام أراد به أو الخاص - وما أنزل فرضاً، وأدباً، وإباحة وإرشاداً، إلا أن شيئاً من سنن رسول اللَّه يخالف كتاب اللَّه في حال؛ لأن اللَّه جل ثناؤه قد أعلم خلقه أن رسوله يهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله، ولا أن شيئاً من سنن رسول اللَّه ناسخ لكتاب اللَّه، لأنه قد أعلم خلقه أنه إنما ينسخ القرآن بقرآن مثله، والسنة تبع للقرآن، وقد اختصرت من إبانة السنة عن كتاب اللَّه بعض ما حضرني، مما يدل على مثل معناه إن شاء الله - ثم ذكر أمثلة على ذلك -.(3/1244)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فليست تنزيل بأحدٍ من أهل دين الله نازلة إلا وفي
كتاب اللَّه الدليل على سبيل الهدى فيها - ثم ذكر آيات تدل على ذلك، ومنها - وقال الله تعالى -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
الرسالة (أيضاً) : باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى
إليه، وما شهد له به من اتباع ما أُمر به) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وشهد له جل ثناؤه باستمساكه بما أمره به، والهدى
في نفسه، وهداية من اتبعه، فقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما سنَّ رسول الله فيما ليس لله فيه حكم.
فبحكم اللَّه سنَّهُ.
وكذلك أخبرنا اللَّه في قوله:
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ)
الآيتان.(3/1245)
سورة الزخرف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)
الرسالة: باب (البيان الخامس) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأولى الناس بالفضل في اللسان، مَن لسانُه لسانُ
النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز - والله أعلم - أن يكون أهل لسانه اتباعاً لأهل لسان غير لسانه في حرفٍ واحدٍ، بل كل لسانٍ تبَعٌ للسانه وكل أهل دين قَبلَهُ فعليهم اتباع دينه، وقد بين اللَّه في غير آية من كتابه - منها - وقال: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
السنن المأثورة: الدعاء عند ركوب الدابة
أخبرنا أحمد قال: حدثنا المزني قال:(3/1246)
حدثنا الشَّافِعِي - رحمه الله - عن سفيان قال: قلت لابن عباس رضي اللَّه
عنهما، ما كان أبوك يقول إذا ركب الدابة؟
قال: كان يقول: اللهم إن هذا من رزقك، ومن عطائك، فلك الحمد ربنا على نعمتك: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) :
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه (بالدَّامغان) ، أخبرنا الفضل
ابن الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: سمعت أبا عبد اللَّه
(ابن أخي ابن وهب) يقول:
سمعت الشَّافِعِي وحمه اطُه يقول: الأمَّة على ثلاثة وجوه:
1 - قوله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)
قال: على دِين.
2 - قوله تعالى: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ)
قال: بعد زمان.
3 - وقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ)
قال: معلماً.(3/1247)
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - جواباً من جواب بعض من عَبَدَ غيره من هذا الصنف، فحكى جل ثناؤه عنهم قولهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) الآية.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) :
انظر تفسير الآية / 22 من السورة نفسها (الآية السابقة) فلها متعلق بما ورد
هنا.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه للُه: أعلم نبيه بما فرض من اتباع كتابه، فقال: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) الآية.(3/1248)
الأم (أيضاً) : سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وكذلك افترض - الله - عليه، قال الله - عزَّ وجلَّ -:
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
ففرض عليه الاستمساك بما أوحى إليه، وشهد له أنه على صراط مستقيم.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد
رحمه الله، في قوله: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية.
قال: يُقال: ممن الرجل؟
فيقال: من العرب، فيقال: من أي العرب؛ فيقال: من قريش.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله - وما قال مجاهد من هذا بيْن في الآية، مستغنى عنه
بالتنزيل عن التفسير.
الرسالة (أيضاً) : باب (البيان الخامس) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان مما عرَّف الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - إنعامه أن قال: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية.
فخص قومه بالذكر معه بكتابه.(3/1249)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) :
أخبرنا أبو طاهر (محمد بن محمد الفقيه) حدثنا أبو بكر (محمد بن عمر بن
حفص) الزاهد، حدثنا حمدون السِّمسَار، حدثنا الأزرق بن علي، حدثنا حسان ابن إبراهيم الكَرْمَاني، حدثنا سفيان الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن قَتَّة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قوله - عز وجل -: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية.
قال: شرف لك ولقومك.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)
الأم: الخلاف في اليمين مع الشاهد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له - أي: للمحاور -: الشهادة على علمه
أولى أن لا يشهد بها حتى يسمعها من المشهود عليه، أو يراها، أو اليمين.
قال - أي: المحاور -: كل لا ينبغي إلا هكذا، وإن الشهادة لأَولاهما أن لا
يشهد منها إلا على ما رأى، أو سمع.
قلتُ: لأن اللَّه - عز وجل - حكى عن قوم أنهم قالوا:
(وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا)
وقال: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الآية.
قال نعم.(3/1250)
الأم: (أيضاً) : باب (التحفظ في الشهادة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يسع شاهداً أن يشهد إلا بما عَلِمَ، والعلم من
ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة.
الوجه الثاني: ومنها ما سمعه فيشهد ما أثبت سمعاً من المشهود عليه.
الوجه الثالث: ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان.
وتثبت معرفته في القلوب، فيشهد على هذا الوجه.(3/1251)
سورة الجاثية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)
الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى:
(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
فأبان الله أن قد فرض على نبيه اتباع أمره، وشهد له بالبلاع عنه وشهد به لنفسه، ونحن نشهد له به تقرباً إلى الله بالإيمان به، وتوسلاً إليه بتصديق كلماته.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشافعى بمعاني أخبار رسول
الله - صلى الله عليه وسلم) :
وقرأت - القول: للبيهقي - في كتاب أبي منصور الحمشاذي، أنبأنا أبو
علي الماسَرْجسِي قال: أخبرنا أبو بكر (أحمد بن مسعود) ، قال: حدثنا يحيى بن أحمد بن أخي حرملة قال: حدثنا عمي قال:(3/1252)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقول عز وجل: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إنَّما تأويله - واللَّه أعلم - أن العرب كان من شأنها
أن تذمَّ الدهرَ، وتسبَّه عند المصائب التي تنزل بهم: من موت، أو هدم، أو تلف مال أو غير ذلك، وتسب الليل والنهار - وهما: الجديدان، والفتيان - ويقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، وأتى عليهم؛ فيجعلون الليل والنهار اللذين يفعلان ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا تسبوا الدهر ... " الحديث.
على أنه الذي يفعل بكم هذه الأشياء؛ فإنكم إن سببتم فاعل هذه الأشياء، فإنما تسبون اللَّه - عز وجل -، فإن اللَّه تعالى فاعل هذه الأشياء.(3/1253)
سورة الأحقاف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ)
الأم: كتاب: (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم مَنَّ اللَّه عليهم بما آتاهم من العلم، وأمرهم
بالاقتصار عليه، وأن لا يتولوا غيره إلا بما علمهم، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) .
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) :
أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع.
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) الآية.(3/1254)
سورة محمد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)
الأم: أصل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله -:
ولما مضت لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مدة من هجرته، أنعم
الله تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها، ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضاً، فقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)
وذكر آيات أخرى في فرضية الجهاد.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه -. الشَّافِعِي - في قسم الفيء والغنيمة والصدقات:
قال الشَّافِعِي رحمه الله ا: كل ما حصل - مما غُنِم من أهل دار الحرب -
قُسِمَ كله، إلا الرجال البالغين، فالإمام فيهم بالخيار: بين أن يمنَّ على من رأى(3/1255)
منهم، أو يقنل، أو بفادكط، أو يسى - وسبيل ما سبى وما أخذ مما فادى، سبيل ما سواه من الغنيمة.
واحتج - في القديم - بقول الله - عزَّ وجلَّ -: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) الآية.
وذلك - في بيان اللغة - قبل انقطاع الحرب.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أسارى بدر، مَنَّ عليهم، وفداهم، والحرب بينه وبين قريش قائمة، وعرض على ثمامة بن أثال الحنفي وهو يومئذ وقومه - أهل اليمامة - حرب لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - - أن يمنَّ عليهم - وبسط الكلام فيه -.
مناقب الشَّافِعِي (باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض - اللَّه - على اليدين: أن لا يبطش بهما إلى
ما حرم اللَّه تعالى، وأن يبطش بهما إلى ما أمر اللَّه من الصدقة، وصلة الرحم، والجهاد في سبيل اللَّه، والطهور للصلوات، فقال في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)
إلى آخر الآية، وقال: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) الآية؛ لأن الضرب، والحرب، وصلة الرحم، والصدقة من علاجها.(3/1256)
قال الله عزَّ وجلَّ: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بمعاني أخبار رسول
الله - صلى الله عليه وسلم) :
أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلمي قال: أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب قال:
حدثنا العباس بن يوسف الشكلي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشَّافِعِي يقول في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، لعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه: "من كنت مولاه فعليٌّ مولاه" الحديث.
يعني بذلك ولاء الإسلام، وذلك قول اللَّه تعالى:
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) .
وأما قول عمر بن الخطاب لعلي رضي الله عنهما:
"أصبحت مولى كل مؤمن" الحديث.
يقول: ولي كل مسلم.(3/1257)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)
الرسالة: باب (كيف البيان؟) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومنه: ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في
طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد، كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم، فإنه يقول تبارك وتعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)
الأم: الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الاجتهاد بعد أن لا يكون كتاب الله ولا سنة رسوله، ولقول اللَّه - عز وجل -: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية.
وما لم أعلم فيه مخالفاً من أهل العلم، ثم ذلك موجود في قوله - صلى الله عليه وسلم -
"إذا اجتهد"؛ لأن الاجتهاد ليس بعين قائمة، وإنما هو شيء يحدثه من قبل نفسه، فإذا كان هذا هكذا فكتاب اللَّه، والسنة، والإجماع أولى - به - من رأي نفسه.(3/1258)
ومن قال الاجتهاد أولى خالف الكتاب والسنة برأيه، ثم هو مثل القِبلَة التي من لثمهد مكة في موضع يمكنه رؤية البيت بالمعاينة، لم يجز له غير معاينتها، ومن غاب عنها توجه إليها باجتهاده.
فإن قيل: فما الحجة في أنه ليس للحاكم أن يجتهد على
غير كتاب ولا سنة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إذا اجتهد الحاكم".
وقال معاذ - رضي الله عنه -: (أجتهد رأيي" الحديث.
ورضي بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - بأبي هو
وأمي -، ولم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد على الكتاب والسنة؟
قيل: لقول الله - عز وجل - (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية.
فجعل الناس تبعاً لهما، ثم لم يهملهم - ثم ذكر أدلة أخرى -.(3/1259)
سورة الفتح
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)
قال الله - عزَّ وجلَّ -: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)
الأم: المهادنة على النظر للمسلمين:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قامت الحرب بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقريش، ثم أغارت سراياه على أهل نجد، حتى توقى الناس لقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خوفاً
للحرب دونه من سراياه، وإعداد من يعدُّ له من عدوه بنجد، فمنعت منه قريش أهل تهامة، ومنع أهل نجد منه أهل نجد المشرق، ثم اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرة الحديبية في ألف وأربعمائة، فسمعت به قريش فجمعت له، وجدَّت على منعه.
ولهم جموع أكثر ممن خرج فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتداعوا الصلح، فهادنهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلى مدة، ولم يهادنهم على الأبد؛ لأن قتالهم حتى يسلموا فرض إذا قوي
عليهم، وكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين، ونزل عليه في سفره في أمرهم: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) الآية.(3/1260)
قال ابن شهاب: فما كان في الإسلام فتح أعظم منه، كانت الحرب قد
أحرجت الناس، فلما أمنوا لم يتكلم في الإسلام أحد يعقل إلا قَبِلَهُ، فلقد أسلم في سنين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك.
ثم نقض بعض قريش، ولم ينكر عليه غيره إنكاراً يعتد به عليه، ولم يعتزل
داره، فغزاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح مخفياً لوجهه ليصيب منهم غِرَّة.
الأم (أيضاً) : جماع الهدنة على أن يردَّ الإمام من جاء بلده مسلماً أو مشركاً: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي: أن رسول اللَّه
- صلى الله عليه وسلم - هادن قريشاً عام الحديبية على أن يأمن بعضهم بعضاً، وأن من جاء قريشاً من المسلمين مرتداً لم يردوه عليه، ومن جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة منهم رده عليهم، ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلماً إلى غير المدينة في بلاد
الإسلام والشرك، وإن كان قادراً عليه، ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئاً من هذا الشرط، وذكروا أنه أنزل عليه في مهادنتهم: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) الآية.
فقال بعض المفسرين: قضينا لك قضاء مبيناً.
فتم الصلح بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أهل مكة على هذا.
أحكام القرآن: فصل: (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة)
أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع:(3/1261)
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
(قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) .
ثم أنزل اللَّه - عز وجل - على نبيه - صلى الله عليه وسلم -: أن غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يعني - واللَّه أعلم -: ما تقدم
من ذنبه قبل الوحي وما تأخر: أن يعصمه فلا يذنب، يعلم اللَّه ما يفعل به من رضاه وأنه أول شافع وأول مشفع يوم القيامة وسيد الخلائق.
وسمعت أبا عبد اللَّه محمد بن إبراهيم بن عبد أن الكَرْماني يقول: سمعت
أبا الحسن محمد بن أبي إسماعيل العلوي (ببخاراء) .
يقول: سمعت أحمد بن محمد بن حسان المصري (بمكة) يقول: سمعت المزني يقول: سئل الشَّافِعِي عن قول اللَّه - عز وجل -: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) الآيتان.
قال: معناه، (مَا تَقَدَّمَ) : من ذنب أبيك آدم وهبته لك.
(وَمَا تَأَخَّرَ) : من ذنوب أمتك، أدخلهم الجنة بشفاعتك.
قال الشيخ رحمه اللَّه: وهذا قول مستظرف، والذي وضعه الشَّافِعِي - في
تصنيفه - أصح الروايتين، وأشبه بظاهر الرواية - واللَّه أعلم -.(3/1262)
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)
الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعة رسول الله) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله جل ثناره: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) .
فأعلمهم أن بيعتهم رسوله بيعته، وكذلك أعلمهم أن طاعتهم طاعته.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)
الأم: باب (الإحصار بالعدو) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والحديبية: موضع من الأرض منه ما هو في الحل.
ومنه ما هو في الحرم، فإنما نحر الهدى عندنا في الحل، وفيه مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(3/1263)
الذي بويع فيه تحت الشجرة، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الآية.
فبهذا كله نقول: فنقول من أحصر بعدو حل حيث يُحبس، في حل كان أو حرم، ونحر أو ذبح هدياً، وأقل ما يذبح شاة.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
الأم: حال المسلمين يقاتلون العدو وفيهم أطفالهم:
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا حصر المسلمون عدوهم، فقام العدو
على سورهم معهم أطفال المسلمين يتترسون بهم، قال: يردونهم بالنبل
والمنجنيق، يعمدون بذلك أهل الحرب، ولا يتعمدون بذلك أطفال المسلمين.
قال الأوزاعي رحمه الله: يكف المسلمون عن رميهم، فإن برز أحد منهم
رموه، فإن اللَّه - عز وجل يقول: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
حتى فرغ من الآية، فكيف يرمي المسلمون من لا يرمون من المشركين.
قال أبو يوسف رحمه الله: تأول الأوزاعي هذه الآية في غير - موضعها -.
ولو كان يحرم رمى المشركين وقتالهم إذا كان معهم أطفال المسلمين لحرم ذلك
أيضاً منهم إذا كان معهم أطفالهم ونساؤهم، فقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والأطفال والصبيان، وفد حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف، وأهل خيبر، وقريظة، والنضير، وأجلب المسلمون عليهم - فيما بلغنا - أشد ما قدروا(3/1264)
عليه، وبلغنا أنه نصب على أهل الطائف المنجنيق.
فلو كان يجب على المسلمين الكفُّ عن المشركين إذا كان في ميدانهم الأطفال لنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتلهم
ولم يقاتلوا. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أما ما احتج به من قتل المشركين وفيهم الأطفال
والنساء والرهبان، ومن نهي عن قتله، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغار على بني المصطلق غازين في نعَمِهِم، وسئل عن أهل الدار يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم.
فقال: هم منهم، يعني - صلى الله عليه وسلم -: أن الدار مباحة؛ لأنها دار شرك، وقتال المشركين مباحٌ.
الأم (أيضاً) : الإحصار:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الإحصار الذي ذكره اللَّه تبارك وتعالى فقال:
(فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) .
نزلت يوم الحديبية، وأحصر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدو، ونحر عليه الصلاة والسلام في الحل، وفد قيل نحر في
الحرم، وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل، وبعضها في الحرم؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ)
والحرام كله محله عند أهل العلم، فحيثما أحصر الرجل، قريباً كان أو بعيداً، بعدو حائل - مسلم أو كافر - وقد أحرم، ذبح شاة وحل، ولا قضاء عليه، إلا أن يكون حَجُّه حجة الإسلام فيحجها، وهكذا السلطان إن حبسه في سجن أو غيره، وهكذا العبد يحرم بغير إذن سيده، وكذلك المرأة تحرم بغير إذن زوجها؛(3/1265)
لأن لهما أن يحبساهما، وليس هذا للوالد على الولد، ولا للولي على المولى
عليه.
ولو تأنى الذي أحصر رجاء أن يُخلَّى، كان أحبَّ إليَّ. ..
الأم (أيضاً) : باب (الإحصار بالعدو) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والقرآن يدل على أن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ الحرم.
فإن قال: وأين ذلك؟
قلت: قال اللَّه - عز وجل -: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) الآية.
فإن قال قائل: فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ؟
قلت: - الله أعلم بمحله هاهنا يشبه أن يكون إذا أحصر، - تَمَّ - نحره حيث أحصر كما وصفت، ومحله في غير الإحصار الحرم، وهو كلام عربي واسع.
وخالفنا بعض الناس فقال: المحصر بالعدو والمرض سواء، وعليهما
القضاء، ولهما الخروج من الإحرام.
- واحتج قائلاً -: ألا ترى أنها تسمى عمرة القضية وعمرة القصاص.
فقيل لبعض من قال هذا القول؛ إن لسان العرب واسع، فهي تقول:
اقتضيت ما صنع بي، واقتصصت ماصنع بي، فبلغت ما منعت مما يجب لي.
وما لا يجب على أن أبلغه وإن وجب لي.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي نذهب إليه من هذا أنها إنما سميت عمرة
القصاص، وعمرة القضية، أن اللَّه - عز وجل - اقتصَّ لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليهم كما منعوه، لا على أن ذلك وجب عليه.(3/1266)
الزاهر باب (الاعتكاف) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأصل الاعتكاف: الإقامة في المسجد والاحتباس.
يقال: عَكَفْتُهُ فعَكَفَ، واعتكف، أي: حبسته فاحتبس.
والعاكف والمعتكف واحد، قال اللَّه - عز وجل -:
(وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُو) الآية.
أي: ممنوعاً محبوساً.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)
الأم: باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويحكى أن النبيين كانوا يحجون، فإذا أتوا الحرم
مشوا إعظاماً له ومشوا حفاة، ولم يحك لنا عن أحد من النبيين، ولا الأمم
الخالية، أنه جاء أحد البيت قط إلا حراماً، ولم يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة علمناه إلا حراماً إلا في حرب الفتح، فبهذا قلنا: إن سنة الله تعالى في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حراماً، وبأن من سمعناه من علمائنا قالوا: فمن نذر أن يأتي البيت يأتيه محرماً بحج أو عمرة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا أحسبهم قالوه إلا بما وصفت، وأن الله تعالى
ذكر وجه دخول الحرم فقال: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) الآية.(3/1267)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فدل على وجه دخوله للنسك وفي الأمن، وعلى
رخصة اللَّه في الحرب وعفوه فيه عن النسك، وأن فيه دلالة على الفرق بين من يدخل مكة وغيرها من البلدان، وذلك أن جميع البلدان تستوي، لأنها لا تدخَل بإحرام، وإن مكة تنفرد بأن من دخلها منتاباً لها لم يدخلها إلا بإحرام.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين، ومن
مدخله إياها لمنافع أهلها، والكسب لنفسه، ورأيت أحسن ما يحمل عليه هذا القول إلى: أن انتياب هؤلاء مكة انتياب كسب لا انتياب تبرر، وأن ذلك متتابع كثير متصل فكانوا بشبهون المقيمين فيها، ولعل حطابيهم كانوا مماليك غير مأذون لهم بالتشاغل بالنسك.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا)
الأم: كتاب (الجزية) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم اصطفى اللَّه - عز وجل - سيدنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - من خير آل إبراهيم، وأنزل كتبه قبل إنزاله الفرقان على محمد - صلى الله عليه وسلم - بصفة فضيتله، وفضيلة
من اتبعه به، فقال - عز وجل -: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) الآية.(3/1268)
سورة الحجرات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)
الزاهر باب (الشهيد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: (ويضع ياسرة السرير المُقَدِّمَة) وإن شئت المُقَدَّمَة
فمن قال: المقدِّمة، معناه: المتقدمة.
ومنه قوله - عز وجل -: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)
أي: لا تتقدموا: يقال: قدَّم، وتقدَّم، واستقدَم: بمعنى واحد. ومُقَدِّمة
الجيش: بكسر الدال من هذا.
ومن قال المقدَّمة: أراد التي قُدِّمت.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن الله تبارك وتعالى لِما خص به رسوله من
وحيه، وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه؛ بالفرض على خلقه بطاعته(3/1269)
في غير آية من كتابه - ومنها - وقال: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)
الأم: باب (التثبت في الحكم وغيره) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأمر اللَّه من يمضي أمره على أحد من عباده، أن
يكون مستبيناً قبل أن يمضيه.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في خروجه إلى اليمن ومقامه بها، تم في حمله
من اليمن إلى هارون) :
قال البيهقي رحمه الله: واتصل الخبر بالرشيد أن الشَّافِعِي يريد أن يخرج
بأرض اليمن علوياً - وكان الخبر باطلاً - فغضب الرشيد، ثم أرسل إليه
فحمله، وحُمِلَ معه بضعة عشر رجلاً، وذكر الحديث
في إظهار محمد بن الحسن العناية في شأنه، وأنه لم ينفعه ذلك.(3/1270)
وقتل - الرشيد - منهم تسعة، ثم أُدخِل الشَّافِعِي، فلما واجه الرشيد قال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) .
فقال الرشيد: أو ليس الأمر كما قيل فيك؟
فقال: يا أمير المؤمنين، وهل في الأرض علوي إلا وهو يظن أن الناس
عبيد له؟ فكيف أخرج رجلاً يريد أن يجعلني له عبداً، وأغدر بسادات بني عبد مناف وأنا منهم وهم مني؟ فسكن غضب الرشيد.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) .
الأم: كتاب (قتال أهل البغي وأهل الردة) :
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) .(3/1271)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر اللَّه - عز وجل - اقتتال الطائفتين. والطائفتان المتنعتان: الجماعتان كل واحدة ممتنع أشد الامتناع، أو أضعف إذا لزمها اسم الامتناع، وسماهم اللَّه تعالى المؤمنين، وأمر بالإصلاح بينهم، فحق على كل أحد دعاء المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال، أن لا يُقاتلوا حتى يُدعَوا إلى الصلح.
وبذلك قلت: لا يُبيَّتُ أهل البغي قبل دعائهم؛ لأن على الإمام الدعاء كما أمر الله - عزَّ وجلَّ قبل القتال، وأمر اللَّه - عز وجل - بقتال الفئة الباغية، وهي مسماة باسم الإيمان، حتى تفيء إلى أمر اللَّه، فإن فاءت لم يكن لأحد قتالها؛ لأن اللَّه - عز وجل - إنما أذن في
قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفيء.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والفيء: الرجعة عن القتال بالهزيمة، أو التوبة
وغيرها، وأي حال ترك به القتال فقد فاء.
والفيء: بالرجوع عن القتال، الرجوع عن معصية اللَّه تعالى ذكره إلى طاعته، في الكف عما حرم اللَّه - عز وجل -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال أبو ذؤيب يعيِّر نفراً من قومه انهزموا عن
رجل من أهله في وقعة فقتل:
لا ينسَأُ اللَّه منا مَعشراً شَهدوا ... يوم الأمَيلِح لا غابوا ولا جَرَحُوا
عَفوا بسهم فلم يشعر به أحد ... ثم استفاؤوا وقالوا حبذا الوَضَحُ
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأمر اللَّه تعالى إن فاؤوا أن يُصلح بينهما بالعدل.
ولم يذكر تباعة في دم ولا مال، وإنما ذكر اللَّه تعالى الصلح آخراً، كما ذكر
الإصلاح بينهم أولاً قبل الإذن بقتالهم: فأشبه هذا - واللَّه تعالى أعلم - أن
تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم.(3/1272)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد يحتمل قول الله عزَّ وجلَّ:
(فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) الآية.
أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم
فيعطى بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عزَّ وجلَّ: (بِالْعَدْلِ) .
والعدل: أخذ الحق لبعض الناس من بعض.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنما ذهبنا إلى أن القَوَدَ ساقط، والآية تحتمل
المعنيين.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مُطرف بن مازن، عن معمر بن راشد، عن
الزُّهري قال: أدركت الفتنة الأولى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت فيها دماء وأموال، فلم يُقتص فيها من دم ولا مال ولا قَرْح أصيب بوجه التأويل، إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا كما قال الزهري عندنا، قد كانت في تلك
الفتنة دماء يُعرف في بعضها القاتل والمقتول، وأتلفت فيها أموال، ثم صار
الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم، فما علمته اقتص أحد من أحد، ولا غَرِم له مالاً أتلفه، ولا علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه فصاحبه أحق به.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدت قول اللَّه تعالى قال:
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)
فذكر الله - عزَّ وجلَّ قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما،(3/1273)
فأثبتنا القصاص بين المسلمين على ما حكم الله - عزَّ وجلَّ - في القصاص، وأزلناه في المتأولين الممتنعين، ورأينا أن المعني بالقصاص من المسلمين هو من لم يكن ممتنعاً متأولاً، فأمضينا الحكمين على ما أمضينا عليه.
وقلت له - أي: للمحاور -: علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه ولي
قتال المتأولين، فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل، وقَتَلَه ابن ملجم متأولاً، فأمر بحبسه، وقال لولده: إن قتلتم فلا تمثلوا، ورأى له القتل، وقتله الحسن بن علي رضي الله عنهما، وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نعلم أحداً أنكر قتله ولا عابه ولا خالفه في أن يقتل؛ إذ لم يكن له جماعة يمتنع
بمثلها، ولم يَقُد علي وأبو بكر - رضي الله عنهما - قبله ولي من قتلتهُ الجماعة الممتنع بمثلها على التأويل كما وصفنا، ولا على الكفر.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال.
وليس في ذلك إباحة أموالهم، ولا شيء منها، وأما قطاع الطريق، ومن قتل على غير تأويل فسواء جاعة كانوا أو وحداناً يقتلون حداً وبالقصاص بحكم الله - عزَّ وجلَّ في القتلة، وفي المحاربين.
الأم (أيضاً) : باب (الحال التي لا يحل فيها دماء أهل البغي) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فإذا دُعِي أهل البغي، فامتنعوا من الإجابة فقوتلوا، فالسيرة فيهم مخالفة للسيرة في أهل الشرك، وذلك بأن الله - عزَّ وجلَّ حرَّم ثم رسوله دماء المسلمين، إلا بما بيَّن الله تبارك وتعالى ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإنما أبيح قتال أهل البغي ما
كانوا يقاتلون، وهم لا يكونون مقاتلين أبداً إلا مقبلين، ممتنعين، مريدين، فمتى زايلوا هذه المعاني فقد خرجوا من الحال التي أبيح بها قتالهم، وهم لا يخرجون منها أبداً، إلا إلى أن تكون دماؤهم محرمة كهي قبل يحدثون، وذلك بيِّنٌ عندي في كتاب(3/1274)
الله - عز وجل -، قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قاتلت المرأة، أو العبد مع أهل البغي.
والغلام المراهق، فهم مثلهم يقاتلون مقبلين، ويتركون مولين.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويختلفون في الأسارى، فلو أسِر البالغ من الرجال
الأحرار، فحُبسَ ليبايع رجوت أن يسع ولا يحبس مملوك، ولا غير بالغ من
الأحرار، ولا امرأة لتبايع، وإنما يبايع النساء على الإسلام، فأما على الطاعة: فهن لا جهاد عليهن، وكيف يبايعن والبيعة على المسلمين المولودين في الإسلام، إنما هي على الجهاد.
أماً إذا انقضت الحرب فلا أرى أن يُحبس أسيرهم، ولو قال أهل البغي:
أنظرونا ننظر في أمرنا، لم أرَ بأساً أن ينظروا.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو قالوا: أنظرونا مدة، رأيت أن يجتهد الإمام فيه.
الأم (أيضاً) : الخلاف في قتال أهل البغي:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال - أي: المحاور - فكيف يجوز قتلهم مقبلين.
ولا يجوز مدبرين؟
قلت: بما قلنا من أن اللَّه - عز وجل - إنَّما أذن بقتالهم إذا كانوا باغين، قال الله تبارك وتعالى: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) الآية، وإنَّما يُقاتل من يُقاتِل، فأما من لا يقاتل، فإنما يقال: اقتلوه، لا فقاتلوه، ولو كان فيما احتججت به من هذا حجة كانت عليك، لأنك تقول: لا تقتلون مدبراً ولا أسيراً ولا جريحاً إذا انهزم عسكرهم، ولم تكن لهم فئة.
قال: قلته اتباعاً لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.(3/1275)
الزاهر باب (قتال أهل البغي)
دْكر الشَّافِعِي رحمه الله: - في المختصر - قول اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)
إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية.
قال - اللَّه تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ) ثم قال: (اقْتَتَلُوا) ولم يقل: اقتتلتا.
ولو قاله لكان جائزاً؛ لأن كل طائفة منهما جماعة.
وقول اللَّه تعالى: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى) الآية، أي: اعتدت
وجارت.
والبغي: الظلم. والباغية: التي تعدل عن الحق، وما عليه أئمة المسلمين
وجماعتهم: يقال: بغى الجرح: إذا ترامى في الفساد.
وبغت المرأة: إذا فجرت.
والبَغِيُّ: الفاجرة.
وقوله -: (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) الآية، أي: ترجع إلى أمر الله تعالى.
وقوله تعالى: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية، أي: اعدلوا.
يقال: أقسط فهو مقسط: إذا عدل. وقسط فهو قاسط: إذا جار.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)
الأم: من لا قصاص بينه لاختلاف الدينين:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: جعل - اللَّه تعالى - الأخوة بين المؤمنين - بابتداء
الآية - فقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الآية، وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين، ودلَّت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مثل ظاهر الآية.(3/1276)
الأم (أيضاً) : شهادة أهل العصبية:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
الآية، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"وكونوا عباد الله إخواناً" الحديث.
فإذا صار رجل إلى خلاف أمر الله تبارك وتعالى اسمه، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا سبب يعذر به يخرج به من العصبية، كان مقيماً على معصية لا تأويل فيها، ولا اختلاف بين المسلمين فيها، ومن أقام على مثل هذا كان حقيقاً أن يكون مردود الشهادة.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَجَسَّسُوا)
الأم: باب (الوصية للوارث) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله اً وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أيها الناس قد آنَ لكم أن تنتهوا عن محارم الله تعالى، فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله" الحديث.
فأخبرهم أنه لا يكشفهم عما لا يبدون من أنفسهم، وأنهم إذا أبدوا ما فيه الحق عليهم(3/1277)
أخذوا بدْلك، وبذلك أمر اللَّه تعالى ذكره فقال: (وَلَا تَجَسَّسُوا) الآية، وبذلك أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الأم (أيضاً) : اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا للإمام إذا رمى رجل رجلاً بزنا أو حد أن
يبعث إليه، ويسأله عن ذلك؛ لأن اللَّه - عز وجل - يقول:
(وَلَا تَجَسَّسُوا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن شبه على أحد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أنيساً إلى امرأة رجل فقال: "فإن اعترفت فارجمها" الحديث.
فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت، فكان يلزمه - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل، فإن أقرَّت حُدَّت، وسقط الحد عن قاذفها.
وإن أنكرت حُدَّ قاذفها.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
الأم: باب (تقويم الناس في الديوان على منازلهم) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
الآية، وروي عن الزهري، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرَّف عام حنين على كل عشرة عَريِفاً.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - للمهاجرين شعاراً، وللأوس شعاراً، وللخزرج شعاراً، وعقد النبي - صلى الله عليه وسلم - الألوية عام الفتح، فعقد للقبائل قبيلة(3/1278)
قبيلة، حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لأهله، وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها، وتخف المؤنة عليهم باجتماعهم.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرنا غير واحد من أهل العلم من قبائل قريش.
أن عمر بن الخطاب لما كثر المال في زمانه، أجمع على تدوين الديوان، فاستشار فقال بمن ترون أبدأُ؛ فقال له رجل ابدأ بالأقرب فالأقرب بك، قال: ذكرتموني أبداً بالأقرب فالأقرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبدأ ببني هاشم، - ثم فصَّل في هذا الموضوع -.
الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى، فهذا عام يراد به العام، وفيه الخصوص، وقال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم.
الرسالة: باب (ما أنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
فأما(3/1279)
العموم منها ففي قول اللَّه: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الآية، فكل نفس خوطبت بهذا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبله وبعده، مخلوقة من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل.
والخاص منها في قول اللَّه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
لأن التقوى إنما تكون على من عَقَلَها، وكان من أهلها من البالغين من بني آدم، دون المخلوقين من الدوابّ سواهم، ودون المغلوبين على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا وَعُقِلَ التقوى منهم، فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها، وكان من أهلها، أو خالفها فكان من غير أهلها.
والكتاب يدل على ما وصفت، وفي السنة دلالة عليها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى
يُفيق" الحديث.
الزاهر باب (الغنيمة والفيء) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الآية.
أما الشعوب والقبائل فقد تقدم تفسيرها.
والمعنى: إنا خلقناكم من آدم وحواء، وكلكم بنو أب وأم واحدة، إليها ترجعون في أنسابكم.(3/1280)
ثم قال: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الآية، يقول: لم نجعلكم
كذلك لتتفاخروا بآبائكم الذين مضوا في الشعوب والقبائل، وإنَّما جعلناكم
كذلك لتعارفوا.
أي: ليعرف بعضكم بعضاً، وقرابته منكم وتوارثكم بتلك
القرابة، ولما لكم في معرفة القبائل من المصالح في معاقلكم.
ثم قال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية.
أي: إن أرفعكم منزلة عند اللَّه أتقاكم، وفي هذه الآية نهي عن التفاخر بالنسب، وحضٌّ على معرفته ليستعان به على حيازة المواريث، ومعرفة العواقل في الديات - واللَّه أعلم -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)
الأم: تكلف الحجة على قائل القول الأول، وعلى من قال: أقبل إظهار التوبة إذا كان رجع إلى دين يظهره. . .:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبر اللَّه - عز وجل - عن قوم من الأعراب: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)
فأعلم أنه لم يدخل الإيمان في قلوبهم وأنهم أظهروه، وحقن به دماءهم.
قال مجاهد رحمه اللَّه: في قوله: (أَسْلَمْنَا قال: أسلمنا مخافة القتل والسِّباء.(3/1281)
الأم (أيضاً) كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أطلع اللَّه رسوله على قوم يُظهرون الإسلام
وُيسرون غيره، ولم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام، ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا، فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أسلمنا يعني: أسلمنا بالقول بالإيمان مخافة القتل
والسباء، ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا اللَّه ورسوله، يعني: إن أحدثوا طاعة
رسوله) - صلى الله عليه وسلم -.(3/1282)
سورة ق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)
الأم: القراءة في الخطبة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: حدثني عبد اللَّه
ابن أبي بكر، عن حبيب بن عبد الرحمن بن إساف، عن أم هشام بنت حارثة
ابن النعمان، أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بـ:
(ق) وهو يخطب على المنبر يوم الجمعة، وأنها لم تحفظها إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وهو على المنبر.
من كثرة ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر.
الأم (أيضاً) : القراءة في العيدين:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن ضمرة بن سعيد
المازني، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر؟ فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(3/1283)
يقرأ به: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) الآية، و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) .
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فأحبُّ أن يقرأ في العيدين، في الركعة الأولى ب: (ق) وفي الركعة الثانية بـ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)
وكذلك أحب أن يقرأ في الاستسقاء، وإن قرأ في الركعة الثانية من الاستسقاء: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) الآية، أحببتُ ذلك.
الأم (أيضاً) : باب (القراءة في العيدين والجمعة) :
سألت الشَّافِعِي باي شيء تحب أن يُقرأ في العيدين فقال: بـ: (ق) .
و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد إيراد حدبث أبي واقد الليثي -: فقلت - أي:
قال الربيع بن سليمان - للشافعي فإنا لا نبالي بأي سورة قرأ.
فقال - الشَّافِعِي رحمه اللَّه -: ولم لا تبالون وهذه روايتكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقلت:
لأنه يجزيه. . . إلى أن قال: ينبغي أن تستحبوا ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكل حال.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا)
الأم: البروز للمطر:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَتَمَطر في أول مطرة حتى يصيب جسده.
وروي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن السماء أمطرت، فقال(3/1284)
لغلامه: أخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر، فقال أبو الجوزاء لابن عباسٍ رضي الله عنهما: لم تفعل هذا يرحمك اللَّه؛ فقال: أما تقرأ كتاب اللَّه: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا) الآية.
فأحبُّ أن تصيب البركة فراشي ورحلي.
أخبرنا إبراهيم، عن ابن حرملة، عن ابن المسيب رحمه الله، أنه رآه في
المسجد، ومطرت السماء، وهو في السقاية، فخرج إلى رحبة المسجد، ثم كشف عن ظهره للمطر حتى أصابه، ثم رجع إلى مجلسه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
مختصرالمزني: باب (القراءة في الصلاة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن زياد بن علاقة، عن عمه، قال:
سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصبح يقرأ: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يعني بـ: (ق) الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأعلم - اللَّه تعالى - عباده مع ما أقام عليهم من
الحجة، بأن ليس كمثله أحد في شيء، أن علمه بالسر والعلائنة واحد، فقال(3/1285)
تعالى ذكره: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) الآية.(3/1286)
سورة الذاريات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)
الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والمطر:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرني من لا أتهم قال: حدثنا العلاء بن راشد.
عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه وقال:
"اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها
رياحاً ولا تجعلها ريحاً" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما في كتاب الله عزَّ وجلَّ: (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) الآية.
وذكر آيات أخرى في هذا الباب.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
الأم: كتاب الجزية:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:(3/1287)
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال الله تبارك وتعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: خلق الله تعالى الخلق لعبادته.(3/1288)
سورة الطور
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)
الأم: باب (تفريع حج الصبي والمملوك) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فما الحجة أن للصبي حجاً، ولم
يكتب عليه فرضه؟
قيل: إن اللَّه بفضل نعمته أناب الناس على الأعمال
أضعافها، ومَن على المؤمنين بأن ألحقَ بهم ذرياتهم، ووفر عليهم أعمالهم.
فقال: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية.
فلما مَنَّ على الذراري بإدخالهم جنته بلا عمل، كان أن من عليهم بأن بكتب لهم عمل البر في الحج، وإن لم يجب عليهم من ذلك المعنى - ثم ذكر دليلاً حديث المرأة التي رفعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - صبياً - فقالت: يا رسول ألهذا حج؟
قال - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، ولَكِ أجر " الحديث -.(3/1289)
ترتيب مسند الشافعى: الباب السادس (في صفة الصلاة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير
ابن مطعم، عن أبيه أنه قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ بالطور في المغرب" الحديث.(3/1290)
سورة النجم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر) :
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، عن ابن أبي
ذئب، عن الحرث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن، عن ثوبان، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين" الحديث.
قال: أرادا الشهرة.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، عن ابن أبي
ذئب، عن يزيد، عن عبد اللَّه بن قسيط، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: "أنه قرأ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنجم فلم يسجد فيها" الحديث.
وفي هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن ليس بحتم، ولكنا نحب أن لا يترك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في النجم وترك.(3/1291)
حدثنا الربيع بن سليمان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي النجم سجدة، ولا أحب أن يدع شيئاً من
سجود القرآن، وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه، لأنه ليس بفرض.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يرد على من زعم أن لا سجود في المفصل
إجماعاً -؛ رويتم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنه سجد في النجم"، ثم لا تروون عن غيره خلافه.
الأم (أيضاً) : سجود القرآن:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرني الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا هشيم، عن شعبة، عن عاصم، عن
زر، عن علي رضي اللَّه تعالى عنه قال: عزائم السجود (الم (1) تَنْزِيلُ)
و (حم (1) تَنْزِيلٌ) و (النجم) الآية، و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه.
الأم (أيضاً) : باب (سجود القرآن) :
وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن الأعرج أن
عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قرأ: " (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى)
فسجد فيها ثم قام، فقرأ بسورة أخرى" الحديث.(3/1292)
قال الله عزَّ وجلَّ: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)
الأم: من يلحق بأهل الكتاب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان أهل الكتاب المشهور عند العامة، أهل التوراة
من اليهود، والإنجيل من النصارى، وكانوا من بني إسرائيل، وأحطنا أن الله - عز وجل - أنزل كتباً غير التوراة، والإنجيل، والفرقان، قال الله عزَّ وجلَّ: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) .
فأخبر - اللَّه تعالى - أنَّ لأبراهيم صحفاً.
الأم (أيضاً) : الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والكتابان المعروفان التوراة والإنجيل ولله كتب
سواهما، قال - أي: المحاور - وما دل على ما قلت؟
قلت: قال اللَّه - عز وجل -: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) . الآيتان.
فالتوراة كتاب موسى، والإنجيل كتاب عيسى، والصحف كتاب إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام - ما لم تعرفه العامة من العرب.(3/1293)
الأم (أيضاً) : باب (أخذ الولي بالولي)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن أبجر، عن أبان
ابن لقيط، عن أبي رمثة، قال: دخلت مع أبي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:
من هذا؟ " قال: ابني يا رسول اللَّه أشهد به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه" الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن
عمرو بن أوس، قال: كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال اللَّه - عز وجل -: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) . الآيتان.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي سمعت - واللَّه أعلم - في قول الله تعالى:
(أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية.
أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره، وذلك في بدنه دون ماله، وإن قتل أو كان
حداً لم يقتل به غيره، ولم يؤخذ، ولم يحد بذنبه فيما بينه وبين اللَّه تعالى؛ لأن الله جل وعز إنما جعل جزاء العباد على أعمال أنفسهم، وعاقبهم عليها، وكذلك أموالهم لا يجني أحد على أحد في ماله، إلا حيث خصَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن جناية الخطأ من الحر على الآدميين على عاقلته، فأما ما سواهما فأموالهم ممنوعة من(3/1294)
أن تؤخذ بجناية غيرهم.
وعليهم في أموالهم حقوق سوى هذا من ضيافة وزكاة
وغير ذلك، و - ذلك - ليس من وجه الجناية.
الأم (أيضاً) : الفداء بالأساوى:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف " الحديث.
إنما هو أن المأخوذ مشرك، مباح الدم والمال، لشركه من جميع جهاته.
والعفو عنه مباح، فلما كان هكذا لم ينكر أن يقول: أخذتَ، أي: حُبستَ بجريرة حلفائكم ثقيف، ويحبسه بذلك ليصير إلى أن يخلوا من أراد، ويصيروا إلى ما أراد.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد غلط بهذا بعض من يشدد الولاية فقال:
يؤخذ الولي - بالولي - من المسلمين، وهذا مشرك يحل أن يؤخذ بكل جهة.
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجلين مسلمين:
"هذا ابنك؟ " قال: نعم، قال: "أما إنه لا يجني عليك ولا تجنى عليه" الحديث، وقضى الله عزَّ وجلَّ: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية.
ولما كان حبس هذا حلالاً بغير جناية غيره، وإرسأله مباحاً.
كان جائزاً أن يحبس بجناية غيره؛ لاستحقاقه ذلك بنفسه، ويخلى تطوعاً إذا نال به بعض ما يحب حابسه.
مختصر المزني: باب (في المرور بين يدي المصلي) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قيل: - أي: المحاور - فما يدل عليه من كتاب الله
من هذا؟
قيل: قضاء اللَّه (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية - والله أعلم - أنه
لا يبطل عمل رجل عمل غيره، وأن يكون سعى كل لنفسه وعليها، فلما كان هذا هكذا، لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة غيره.(3/1295)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)
الأم: المشي إلى الجمعة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومعقول أن السعي في هذا الموضع: العمل قال اللَّه - عز وجل -: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) .
وقال: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال زهير:
سعى بعدهُمَ قومٌ لكي يُدْركُوهُمُ ... فلم يَفْعَلُوا ولم يُلِيمُوا ولم يَألُوا
مختصر المزني: مقدمه اختلاف الحديث:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاور - قد روينا ورويت أن
رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر امرأة أن تحج عن أبيها، ورجلاً أن يحج عن أبيه، فقلنا نحن وأنت به، وقلنا نحن وأنت معاً: لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، ولا يصلي أحد عن أحد، فذهب بعض أصحابنا إلى أنَّ ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: لا يحج أحد عن أحد، أفرأيت إن احتج له أحد ممن خالفنا فيه؟
فقال: الحج عمل على البدن كالصلاة والصوم، فلا يجوز أن يعمله المرء إلا عن نفسه، وتأول قول اللَّه - عز وجل -:
(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) الآية.
وقال السعي: العمل، والمحجوج عنه غير عامل، فهل الحجة عليه إلا أن الذي روى هذا الحديث محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛(3/1296)
ممن يثبت أهل الحديث حديثه، وأن اللَّه فرض طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ليس لأحد خلافه، ولا التأول معه؛ لأنه المنزل عليه الكتاب المبين عن اللَّه معناه.
مختصر المزني (أيضاً) (باب (في بكاء الحي على الميت)
بعد أن ذكر حديث عمر رضي اللَّه عنه:
"إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه الحديث.
وَرَد أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما روت عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له أشبه أن يكون محفوظاً عنه، بدلالة الكتاب ثم السنة.
فإن قيل: فأين دلالة الكتاب؟
قيل في قوله - عز وجل - (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) الآية.
وذكر غيرها من الآيات المتعلقة بالموضوع
وحديث: "إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)
مختصر المزني: باب (في بكاء الحي على الميت) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما مات عمر - رضي الله عنه - ذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله عمر، لا واللَّه ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن اللَّه يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه(3/1297)
فقالت عائشة رضي الله عنها حسبكم القرآن: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما عند ذلك.
واللَّه - قال: (أَضْحَكَ وَأَبْكَى) الآية.
قال ابن مليكة: فوالله ما قال ابن عمر من شيء.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)
أحكام القرآن: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في آيات متفرقة) :
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرني أبو عبد الله (أحمد بن محمد بن مهدي
الطوسي) ، أخبرنا محمد بن النذر بن سعيد، أخبرنا محمد بن عبد الله بن
عبد الحكم قال:
سمعت الشَّافِعِي يقرل: في قول اللَّه - عز وجل -: (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) الآية، قال: يقال: هو الغناء، بالحميرية.
وقال بعضهم: غضاب مبرطِمُون.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: من السمود، وكل ما يحدِّث الرجل به: فَلَهَا
عنه، ولم يستمع إليه فهو: السُّمُود.(3/1298)
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي النجم سجدة. . . ثم يقول -: فأحب أن يبدأ
الذي يقرأ السجدة فيسجد، وأن يسجد من سمعه.
فإن قال قائل: فلعل أحد هذين الحديثين نسخ الآخر؟
قيل: فلا يدعي أحد أن السجود في النجم منسوخ إلا جاز لأحد أن يدعي أن ترك السجود منسوخ، والسجود ناسخ، ثم يكون أولى؛ لأن السنة السجود، لقول اللَّه جل وعز: (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا)
ولا يقال لواحد من هذا ناسخ ولا منسوخ، ولكن يقال هذا اختلاف من
جهة المباح.
مختصر المزني: باب (سجود القرآن) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأما حديث زيد أنه قرأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: (النجم)
فلم يسجد، فهو - والله أعلم - أن زيداً لم يسجد وهو القارئ، فلم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن عليه فرضاً فيأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - به.
حدثنا الربيع:(3/1299)
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن
عطاء بن يسار، أن رجلاً قرأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: (السجدة) فسجد، فسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد، فلم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله قرأ فلان عندك: (السجدة) فسجدت، وقرأت عندك (السجدة) فلم تسجد؟
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"كنت إماماً فلو سجدت سجدت معك" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إني لأحسبه زيد بن ثابت؛ لأنه يحكى أنه قرأ عند
النبي - صلى الله عليه وسلم -: (النجم) فلم يسجد، وإنما روى الحديثين معاً، عطاء بن يسار.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحب أن يبدأ الذي يقرأ: (السجدة) فيسجد.
ويسجدوا معه.
فإن قال قائل فلعل أحد هذين الحديثين. . . إلخ -
ثم كمل ما ورد في الفقرة الأولى حرفياً -.(3/1300)
سورة القمر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
الأم: القراءة في العيدين:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال، أخبرنا مالك بن أنس، عن ضَمرة بن سعيد المازني.
عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد اللَّه، أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر؛ فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بـ: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) الآية، و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأحبّ أن يُقرأ في العيدين في الركعة الأولى ب:
(ق) ، وفي الركعة الثانية ب: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) الآية.
وكذلك أحب أن(3/1301)
يقرأ في الاستسقاء، وإن قرأ في الركعة الثانية من الاستسقاء:
(إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) أحببتُ ذلك.
الأم (أيضاً) : باب (القراءة في العيدين والجمعة)
قال الربيع:
سألت الشَّافِعِي رحمه الله: بأي شيء تحب أن يقرأ في العيدين؟
فقال بـ:
(ق) و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والريح:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرني من لا أتهم قال، حدثنا العلاء بن راشد.
عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه وقال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال ابن عباس رضي الله عنهما في كتاب اللَّه - عز وجل -:
(إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) الآية.(3/1302)
سورة الواقعة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37)
الزاهر باب (اللعان) :
قال - الشَّافِعِي رحمه الله: وقول اللَّه - عز وجل -: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) الآية، أراد - واللَّه أعلم - وذوات فرش مرفوعة، والدليل على ذلك قول اللَّه - عز وجل -: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) .
أراد إنا أنشأنا ذوات الفرش المرفوعة التي تقدم ذكرها.
قال الأزهري: - وعلى هذا التفسير يكون -: قوله صلى الله عليه وسلم:
الولد للفراش وللعاهر الحجر" الحديث.
أي: الزاني الذي ليس بصاحب الفراش الخيبة، لا شيء له من الولد، وليس معنى الحجر: الرجم، وإنما هو كقولهم: له التراب، أي: الخيبة.
وقال أبو عبيد: معنى قوله: "وللعاهر الحجر" الحديث، أي: لا حق له في
النسب.(3/1303)
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشافعى بتفسير القرآن
ومعانيه وسبب نزوله) :
وقرأت في كتاب السنن - رواية حرملة بن يحيى -:
عن الشَّافِعِي رحمه الله: في قول اللَّه تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)
قال: فاختلف فيها أهل التفسير:
فقال بعضهم: فَرَضَ لا يمسُّه إلا مُطَهَّر: يعني: متطهر تجوز له الصلاة.
وهذا المعنى تحتمله الآية: وذكر ما يشهد له من السنة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذهب بعض أهل التفسير في قوله:
(لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الآية.
يعني: لا يمسه في اللوح المحفوظ إلا المطهرون من الذنوب.
يعني: الملائكة.(3/1304)
سورة المجادلة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
الأم: باب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجاءته - صلى الله عليه وسلم - امرأة أوس بن الصامت تشكو إليه أوساً، فلم يجبها حتى أنزل اللَّه - عز وجل -:
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ)
الأم: الخلاف في طلاق المختلعة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في المختلعة، فقال: إذا طلقت
في العدة لحقها الطلاق، فسألته هل يروي في قوله خبراً؛ فذكر حديثاً لا تقوم بمثله حجة عندنا ولا عنده، فقلت: هذا عندنا وعندك غير ثابت.
قال: فقد قال(3/1305)
- به - بعض التابعين عندك لا يقوم به حجة لو لم يخالفهم غيرهم.
قال: فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها؟
قلت: حجتي فيه من القرآن، والأثر، والإجماع
على ما يدل على أن الطلاق لا يلزمها.
قال: وأين الحجة من القرآن؟
قلت: قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية -
وذكر أدلة أخرى على اللعان، والإيلاء، والميراث -.
الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) الآية.
يعني: أن اللائي ولدنهم أمهاتهم بكل حال، الوارثات والموروثات المحرمات بأنفسهن، والمحرم بهن غيرهن اللائي لم يكن قط إلا أمهات، ليس اللائي يحدثن رضاعاً للمولود، فيكن به أمهات.
وقد كن قبل إرضاعه غير أمهات له، ولا أمهات المؤمنين عامة يحرمن بحرمة
أحدثنها، أو يحدثها الرجل، أو أمهات المؤمنين اللائي حرمن بأنهن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكل هؤلاء يحرمن بشيء يحدثه رجل يحرمهن، أو يحدثته، أو حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والأم
تحرم نفسها وترث وتورث، فيحرم بها غيرها، فأراد بها الأم في جميع معانيها لا في بعض دون بعض كما وصفنا ممن يقع عليه اسم الأم غيرها - والله أعلم -.
الأم (أيضاً) : الخلاف في هذا الباب - أي: في عدد ما يحل من الحرائر والإماء. . .:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال بعض الناس إذا طلق الرجل أربع نسوة له
ثلاثاً، أو طلاقاً يملك الرجعة، أو لا رجعة له على واحدة منهن، فلا ينكح حتى(3/1306)
تنقضي عدتهن، ولا يجمع ماءه في أكثر من أربع، ولو طلق واحدة ثلاثاً لم يكن له أن ينكح أختها في عدتها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت لبعض من يقول هذا القول: هل لمطلق نسائه
ثلاثاً زوجة؟
قال: لا: قلت: فقد أباح اللَّه - عز وجل - لمن لا زوجة له أن ينكح أربعاً، وحرم الجمع بين الأختين، ولم يختلف الناس في إباحة كل واحدة منهما إذا لم يجمع بينهما على الانفراد، فهل جمع بينهما إذا طلق إحداهما ثلاثاً؛ وقد حكم اللَّه بين الزوجين أحكاماً - منها -، وقال: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية.
الأم (أيضاً) : من يقع عليه الطلاق من النساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ)
مع ما ذكر به الأزواج، ولم أعلم مخالفاً في أن أحكام اللَّه تعالى في الطلاق.
والظهار، والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح يحل للزوج جماعها، وما يحل من امرأته، إلا أنه محرم الجماع في الإحرام والمحيض، وما أشبه ذلك حتى ينقضي.
الأم (أيضاً) : من يجب عليه الظهار ومن لا يجب عليه:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال اللَّه تبارك وتعالى:
(الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) .(3/1307)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكل زوج جاز طلاقه، وجرى عليه الحكم، من بالغ غير مغلوب على عقله، وقع عليه الظهار، سواء كان حراً أو عبداً، أو من لم تكمل فيه الحرية، أو ذمياً، من قِبَلِ أن أصل الظهار كان طلاقَ الجاهلية، فحكم اللَّه تعالى فيه بالكفارة، فحرّم الجماع على التظاهر بتحريمه للظهار حتى يكفر، وكل هؤلاء ممن يلزمه الطلاق، ويحرم عليه الجماع بتحريمه إذا كانوا بالغين، غير مغلوبين على عقولهم.
الأم (أيضاً) : الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول اللَّه تعالى:
(وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) الآية.
ثم جعل فيه الكفارة.
* * *
قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) .
الأم: الظهار:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)(3/1308)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يذكر أن
أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاثة: (الظهار - والإيلاء - والطلاق) .
فأقرَّ الله الطلاق طلاقاً، وحكم في الإيلاء: بأن أمهل المُولي أربعة أشهر، ثم جعل عليه أن يفيء أو يطلق، وحكم في الظهار بالكفارة، فإذا تظاهر الرجل من امرأته يريد طلاقها، أو يريد تحريمها بلا طلاق، فلا يقع به طلاق بحال وهو متظاهر، وكذلك إذا تكلم بالظهار ولا ينوي شيئاً فهو متظاهر، لأنه متكلم بالظهار، ويلزم الظهار من لزمه الطلاق، ويسقط عمن سقط عنه، وإذا تظاهر الرجل من امرأته قبل أن يدخل بها، أو بعد ما دخل بها فهو متظاهر، وإذا طلقها فكان لا يملك رجعتها في العدة ثم تظاهر منها لم يلزمه الظهار، وإذا طلق امرأتين فكان يملك رجعة إحداهما، ولا يملك رجعة الأخرى، فتظاهر منهما في كلمة واحدة
لزمه الظهار من التي يملك رجعتها، ويسقط عنه من التي لا يملك رجعتها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا تظاهر من أمته (أم ولد كانت، أو غير أم
ولد) لم يلزمه الظهار، لأن اللَّه - عز وجل - يقول:
(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية.
وليست من نسائه ولا يلزمه الإيلاء، ولا الطلاق، فيما لا يلزمه الظهار.
الأم (أيضاً) : متى يوجب على المظاهر الكفارة":
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى:
(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) الآية.(3/1309)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الذي عقلت مما سمعت في: (يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا)
الآية، أن المتظاهر حرم مس امرأته بالظهار، فإذا أتت عليه مدة بعد القول
بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي يحرّم به، ولا شيء يكون له مخرج من أن تحرم عليه به، فقد وجب عليه كفارة الظهار، كأنهم يذهبون إلى: أنه إذا أمسك ما حرَّم على نفسه أنه حلال، فقد عاد لما قال فخالفه، فأحلَّ ما حرّم.
ولا أعلم له معنى أولى به من هذا، ولم أعلم مخالفاً في أن عليه كفارة
الظهار، وإن لم يعد بتظاهر آخر، فلم يجز أن يقال: لما لم أعلم مخالفاً في أنه ليس بمعنى الآية.
وإذا حبس المتظاهر امرأته بعد الظهار قدر ما يمكنه أن يطلقها، ولم
يطلقها، فكفارة الظهار له لازمة.
ولو طلقها بعد ذلك، أو لاعَنَها فحرمت عليه على الأبد، لزمته كفارة
الظهار، وكذلك لو ماتت، أو ارتدت، فقتلت على الردة، ومعنى قول اللَّه تعالى: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
وقت لأن يؤدي ما أوجب عليه من الكفارة فيها
قبل الماسة، فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب الوقت، لم تبطل الكفارة، ولم يزد عليه فيها، كما يقال له أدِّ الصلاة في وقت كذا، وقبل وقت كذا، فيذهب الوقت فيؤديها؛ لأنها فرض عليه، فإذا لم يؤدها في الوقت أداها قضاء بعده، ولا يقال له زد فيها لذهاب الوقت قبل أن تؤديها.
الأم (أيضاً) : باب (الخلاف في عدل الصيام والطعام) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: حكم اللَّه على المظاهر إذا عاد لما قال:
(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فإن لم يجد (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)
فإن لم يستطع (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) .(3/1310)
فكان معقولاً أن إمساك المظاهر عن أن يأكل ستين يوماً
كإطعام ستين مسكيناً، وبهذا المعنى صرت إلى أن إطعام مسكين مكان كل يوم.
الأم (أيضاً) : باب (عتق المؤمنة الظهار)
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فإذا وجبت كفارة الظهار على الرجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها، لم يجزه فيها إلا تحرير رقبة، ولا تجزئه رقبة على غير دين الإسلام؛ لأن اللَّه - عز وجل - يقول في القتل: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وكان شرط الله تعالى في رقبة القتل إذا كانت كفارة كالدليل -
واللَّه تعالى أعلم -.
الأم (أيضاً) : من له الكفارة بالصيام في الظهار:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال اللَّه - عز وجل -:
(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآيتان.(3/1311)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا لم يجد المتظاهر رقبة يعتقها، وكان يطيق الصوم
فعليه الصوم، ومن كان له مسكين وخادم وليس له مملوك غيره، ولا ما يشتري به مملوكاً غيره كان له الصوم، ومن كان له مملوك غير خادمه ومسكن كان عليه أن يعتق، وكذلك لو كان ثمن مملوك، كان عليه أن يشتري مملوكاً فيعتقه.
الأم (أيضاً) : الكفارة بالصيام:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن وجب عليه أن يصوم شهرين في الظهار، لم
يجزه إلا أن يكونا متتابعين كما قال الله عز ذكره، ومتى أفطر من عذر أو غير
عذر فعليه أن يستأنف، ولا يعتد بما مضى من صومه، وكذلك إن صام في
الشهرين يوماً من الأيام التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها وهي خمس: (يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام منى الثلاث بعد النحر - أي: أيام التشريق -) استأنف الصوم بعد مضيهن، ولم يعتد بهن، ولا بما كان قبلهن، واعتد بما بعدهن، ومتى دخل عليه شيء يفطره في يوم من صومه استأنف الصوم حتى يأتي بالشهرين متتابعين ليس فيهما فطر، وإذا صام بالأهلة صام هلالين، وإن كانا تسعة، أو ثمانية وخمسين، أو ستين يوماً.
الأم (أيضاً) : الكفارة بالإطعام:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)
الآيتان.(3/1312)
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فمن تظاهر ولم يجد رقبة، ولم يستطع حين يريد الكفارة عن الظهار صوم شهرين متتابعين، بمرض أو علة ما كانت، أجزأه أن يطعم.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجزئه أن يطعم أقل من ستين مسكيناً، كل
مسكين مدًّا من طعام بلده الذي يقتاته.
ولو أطعم ثلاثين مسكيناً مُدَّين مُدَّين في يوم واحد، أو أيام متفرقة، لم يجزه
إلا عن ثلاثين، وكان متطوعاً بما زاد كل مسكين على مذ؛ لأن معقولاً عن اللَّه - عز وجل - إذا أوجب طعام ستين مسكيناً أن كل واحد منهم غير الآخر. ..
ولا يجزئه أن يعطيهم ثمن الطعام أضعافاً، ولا يعطيهم إلا مكيلة طعام
لكل واحد. ..
ولا يجوز أن يكسوهم مكان الطعام. ..
ولا يجزئه إلا مسكين مسلم، وسواء الصغير منهم والكبير، ولا يجزئه أن
يطعم عبداً ولا مكاتباً ولا أحداً على غير دين الإسلام. ..
وُيكَفرُ في الإطعام قبل المسيس؛ لأنها في معنى الكفارة قبلها.
الأم (أيضاً) : البحيرة والوصيلة والسائبة والحام:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: تحرير الرقبة والأطعام ندب اللَّه إليه حين ذكر تحرير
الرقبة، وقال اللَّه - عز وجل - في المُظَاهَرة: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت - أي: للمحاور -: وكذلك حين أوجب -
الله تعالى - عتق رقبة في الظهار.
ثم قال: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)
لم يكن له أن يصوم وهو يجد عتق رقبةٍ؟
قال: نعم.(3/1313)
الرسالة: باب (الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: وما الذي يغرم الرجل من جنايته
وما لزمه غير الخطأ؟
قلت: قال اللَّه: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) -
وذكر آيات غيرها مما يتعلق بالموضوع المطروح بالسؤال -.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الفقه)
أخبرنا محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس قال: حدثنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: نال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
إلى قوله: (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) الآية.
فقلنا: لا يجزيه إلا رقبة مؤمنة، ولا يجزيه إلا أن يطعم ستين مسكيناً، والإطعام قبل أن يتماسا.
واذا ذكر اللَّه الكفارة في العتق في موضع فقال: (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية.
ثم ذكر كفارة مثلها، فقال: (رقبة) - كما في الظهار - نعلم أن الكفارة لا
تكون إلا مؤمنة.
- ثم ساق الكلام إلى أن قال -: لأنهما مجتمعتان في أنهما
كفارتان - كما ذكر الشهود في البيع والزنا ولم يذكر عدلاً - وشرط ذلك في الإشهاد على الوصية - وشرط العدل واجتماعهما في أنهما شهادة يدل على أن لا تقبل فيها إلا العدول - وبسط الكلام فيه -.(3/1314)
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
الأم: الرجل يقيم الرجل من مجلسه يوم الجمعة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع.
عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه، ثم يخلفه فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأكره للرجل - من كان إماماً أو غير إمام - أن
يقيم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن نأمرهم أن يتفسحوا.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال حدثني أبي، عن ابن
عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا يعمِد الرجل إلى الرجل فيقيمه من مجلسه ثم يقعد فيه" الحديث.
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال: قال
سليمان بن موسى، عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل تفسحوا" الحديث.(3/1315)
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه تبارك وتعالى لما خصَّ به رسوله من
وحيه، وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه، بالفرض على خلقه بطاعته
في غير آية من كتابه، فقال: (إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)
الأم: باب (الولاء والحِلْف) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تقدست أسماؤه:
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) الآية.(3/1316)
فميز اللَّه - عز وجل - بينهم بالدين، ولم يقطع الأنساب بينهم، فدل ذلك على أن الأنساب ليست من الدين في شيء.
الأنساب ثابتة لا تزول، والدين شيء يدخلون فيه، أو يخرجون منه.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقال - واللَّه أعلم -: إن بعض المسلمين تأثَّمَ من صلة المشركين، أحسب ذلك، لما نزل فرض جهادهم، وقطع الولاية بينهم وبينهم، ونزل:
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) . الآية.(3/1317)
سورة الحشر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)
الأم: العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: كل ما كان مما يملكون لا روح له، فإتلافه مباح بكل وجه، وكل ما زعمت أنه مباح، فحلال للمسلمين فعله، وغير محرم عليهم تركه. ..
قال اللَّه تبارك وتعالى في بني النضير حين حاربهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم، وإخراب المؤمنين
بيوتهم، وَوَصفُه إياه جل ثناؤه كالرضا به.
الأم (أيضاً) : قطع أشجار العدو:
بعد أن ذكر قول أبي حنيفة وقول الأوزاعي،(3/1318)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال أبو يوسف رحمه الله: أخبرنا الثقة من أصحابنا.
عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا وهم محاصرو بني قريظة إذا غلبوا على دارٍ من دورهم أحرقوها، فكان بنو قريظة يخرجون فينقضونها ويأخذون حجارتها ليرموا بها المسلمين، وقطع المسلمون نخلاً من نخلهم فأنزل الله: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: يقطع النخل ويحرق، وكل ما لا روح فيه كالمسألة قبلها، ولعل أمر أبي بكر رضي الله عنه بأن يكفوا عن أن يقطعوا شجراً مثمراً، إنما هو؛ لأنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين، فلما كان مباحاً له أن يفطع ويترك، اختار الترك نظراً للمسلمين، وقد قطع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم بنى النضير، فلما أسرع في النخل، قيل له: قد وعدكها الله، فلو استبقيتها
لنفسك، فكفَّ القطعَ استبقاء، لا أن القطع محرّم.
فإن قال قائل: قد ترك في بني النضبر بعد القطع فهو ناسخ له؟
فقد قطع بخيبر وهي بعد بنى النضير، قيل: ثم قطع بالطائف، وهي بعد هذا كله، وآخر غزاة لقي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتالاً.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)
الأم: العبد المسلم يأبق إلى دار الحرب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع نخل من ألوان نخلهم، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى رضاً بما صنعوا من قطع نخيلهم: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) .(3/1319)
فرضي القطع وأباح الترك، فالقطع والترك موجودان في الكتاب والسنة.
وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير وترك، وقطع نخل غيرهم وترك، وممن غزا من لم يقطع نخله.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن
نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير" الحديث.
أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن ابن شهاب رحمه اللَّه: "أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - حرَّق أموال بني النضير"
فقال قائل:
وهان على سُراةِ بني لُؤَي ... حَريق بالبُويرةِ مُستَطِيرُ
فإن قال قائل: ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حرَّق مال بني النضير ثم ترك.
قيل: على معنى ما أنزل اللَّه - عز وجل -، وقد قطع وحرق بخيبر، وهي بعد - بني - النضير، وحرق بالطائف وهي آخر غزاة قابل بها، وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل (أبنَى) .(3/1320)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا بعض أصحابنا، عن عبد اللَّه بن جعفر
الأزهري قال: سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة بن أسامة بن زيد قال:
أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أغزو صباحاً على أهل (أبنى) وأحرِّق" الحديث.
الأم (أيضاً) : في قطع الشجر وحرق المنازل:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا بأس بقطع الشجر المثمر - وغير المثمر -.
وتخريب العامر، وتحريفه من بلاد العدو، وكذلك لا بأس بتحريق ما قدر لهم عليه من مال وطعام لا روح فيه؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير، وأهل خيبر، وأهل الطائف، وقطع، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - في بني النضير: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا) فأما ماله روح: فإنه يالم مما أصابه فقتله محرم، إلا بأن يذبح فيؤكل، ولا يحل قتله لمغايظة العدو؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
من قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها سأله الله عنها"
قيل: وما حقها يا رسول الله؟
قال: "يدعها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به " الحديث.
الأم (أيضاً) ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم:
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: وإذا أصاب المسلمون غنائم، من متاع أو
غنم فعجزوا عن حمله، ذبحوا الغنم، وحرقوا المتاع، وحرقوا لحوم الغنم كراهية أن ينتفع بذلك أهل الشرك.(3/1321)
وقال الأوزاعي رحمه اللَّه نهى أبو بكر أن تعفر بهيمة إلا لمأكلة، وأخذ
بذلك أئمة المسلمين وجماعتهم حتى إن كان علماؤهم ليكرهون للرجل ذبح
الشاة والبقرة ليأكل طائفة ويدع سائرها.
وقال أبو يوسف رحمه اللَّه: قول اللَّه في كتابه أحق أن يتبع، قال اللَّه:
(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) .
واللينة فيما بلغنا: النخلة. وكل ما قطع من شجرهم وحُرِّق من نخلهم
ومتاعهم، فهو من العون عليهم والقوة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أما كل ما لا روح فيه للعدو، فلا بأس أن يحرقه
المسلمون، ويخربوه بكل وجه؛ لأنه لا يكون معذباً، إنما - يكون - المعذب ما يألم بالعذاب من ذوات الأرواح، قد قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أموال بني النضير، وحرقها، وقطع من أعناب الطائف، وهي آخر غزاة غزاها النبي - صلى الله عليه وسلم -، لقي فيها
حرباً.
أما ذوات الأرواح فإن زُعم أنها قياس على ما لا روح فيه.
فليقل للمسلمين: أن يحرقوها كما لهم أن يحرقوا النخل والبيوت، فإن زعم أن المسلمين ذبحوا ما يذبح منها، فإنما أحِل ذبحها للمنفعة، أن تكون مأكولة.
الأم (أيضاً) قطع أشجار العدو:
قال أبو حنيفة رحمه اللَّه: لا بأس بقطع شجر المشركين ونخيلهم وتحريق
ذلك؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ - يقول: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) الآية.(3/1322)
وقال الأوزاعي رحمه الله: أبو بكر يتأول هذه الآية، وقد نهى عن ذلك.
وعمل به أئمة المسلمين.
وقال أبو يوسف رحمه الله: أخبرنا الثقة من أصحابنا، عن أصحاب رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا وهم محاصرو بني قريظة إذا غلبوا على دار من دورهم أحرقوها، فكان بنو قريظة يخرجون، فينقضونها، ويأخذون حجارتها؛ ليرموا بها المسلمين، وقطع المسلمون نخلاً من نخلهم فأنزل الله: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)
وأنزل اللَّه - عز وجل -: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقطع النخل ويحرق، وكل ما لا روح فيه كالمسألة
قبلها..
ثم ذكر ما كثب في تفسير الآية / 2، فلا حاجة لتكرارها حول هذه النقطة.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ)
الأم: قَسمُ الغنيمة والفيء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما أخذ من مشرك بوجه من الوجوه، غير ضيافة
من مر بهم من المسلمين، فهو على وجهين لا يخرج منهما، كلاهما مبين قي
كتاب الله تعالى، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفي فعله عليه الصلاة والسلام:(3/1323)
ئأحدهما: الغنيمة. قال الله - عز وجل - في سورة الأنفال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) .
والوجه الثاني: الفيء. وهو مقسوم في كتاب الله - عزَّ وجلَّ في سورة الحشر، قال الله تبارك وتعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) إلى قوله: (رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
فهذان المالان اللذان خولهما الله تعالى من جعلهما له من
أهل دينه، وهذه أموال يقوم بها الولاة لا يسعهم تركها، وعلى أهل الذمة
ضيافة، وهذا صلح صولحوا عليه غير مؤقت، فهو لمن مرَّ بهم من المسلمين
خاص دون العام من المسلمين خارج من المالين.
وعلى الإمام إن امتنع من صولح على الضيافة من الضيافة أن يُلزمُه إياها.
الأم (أيضاً) : الخمس فيما لم يوجف عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما وجدتُ الله - عزَّ وجلَّ قد قال في سورة الحشر: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) الآية.
فحكم فيها حكمه فيما أوجف عليه بالخيل والركاب.
ودلت السنة على أن ذلك الحكم على خمسها، علمتُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمضى لمن جعل الله له شيئاً مما جعل الله له، وإن لم نُثبت فيه خبراً عنه، كخبر جبير بن مطعم عنه في سهم ذي القربى من الموجف عليه، كما علمت أن قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل فيما أوجف عليه، مما جُعل لهم بشهادة أقوى من خبر رجل عن رجل، بأن اللَّه - عز وجل - قد أدَّى إليه رسوله، كما أوجب عليه أداءه والقيام به.(3/1324)
الأم (أيضاً) : كتاب (السبق والنضال)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا - أي: السبق - داخل في معنى ما ندب الله - عز وجل - إليه، وحَمِدَ عليه أهل دينه من الأعداد لعدوه القوة ورباط الخيل، والآية الأخرى:
(فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية؛ لأن هذه الركاب لما كان السبق عليها، يرغب أهلها في اتخاذها لآمالهم إدراك السبق فيها، والغنيمة عليها، كانت من العطايا الجائزة بما وصفتها، فالاستباق فيها حلال، وفيما سواها محرم.
الأم (أيضاً) : الرجل يغنم وحده:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري، ورجلاً من الأنصار، سرية وحدهما، وبعث عبد اللَّه بن أنيس سرية وحده، فإذا سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الواحد يتسرى وحده، وكثر منه من العدد، ليصيب من
العدو غِرَّة بالحيلة، أو يعطب، فيعطب في سبيل اللَّه، وحكم الله بأن ما أوجف عليه المسلمون فيه الخمس، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أربعة أخماسه للموجفين.
فسواء قليل الموجفين وكثيرهم، لهم أربعة أخماس ما أوجفوا عليه.
فأما ما احتج به - يقصد: أبا يوسف رحمه اللَّه - من قول اللَّه - عز وجل -: (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية، وحكم اللَّه في أن ما لا يوجفون عليه بخيل ولا ركاب لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ومن سمى معه، فإنما أولئك قوم قاتلوا بالمدينة(3/1325)
بني النضير، فقاتلوهم بين بيوتهم، لا يوجفون بخيل ولا ركاب، ولم يكلفوا مؤنة، ولم يفتتحوا عنوة، وإنما صالحوا وكان الخمس لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ومن ذكر معهم، والأربعة الأخماس التي تكون لجماعة المسلمين، لو أوجفوا الخيل والركاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصاً يضعها حيث يضع ماله، ثم أجمع أئمة المسلمين على أنه
ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فهو لجماعة المسلمين؛ لأن أحداً لا يقوم بعده
مقامه - صلى الله عليه وسلم -، ولو كانت حجة أبي يوسف رحمه الله - في اللذين دخلا سارقين أنهما لم يوجفا بخيل ولا ركاب، كان ينبغي أن يقول: يخمس ما أصاب، وتكون الأربعة الأخماس لهما؛ لأنهما موجفان.
فإن زعم أنهما غير موجفين انبغى أن يقول: هذا لجماعة المسلمين، أو الذين
زعم أنهم ذكروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سورة الحشر فما قال بما تأول، ولا بكتاب في الخمس، فإن الله - عزَّ وجلَّ أثبته في كل غنيمة تصير من مشرك أوجف عليها أو لم يوجف.
قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)
الأم: قسم الغنيمة والفيء:
انظر تفسير الآية السابقة فهما مرتبطان ببعضهما في التفسير.(3/1326)
الأم (أيضاً) : الرجل يغنم وحده:
انظر تفسير الآية السابقة فبعد أن ذكر الشَّافِعِي رحمه الله - آراء العلماء في
الرجل يغنم وحده واستشهاد أبي يوسف رحمه الله بالآيتين:
(وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ)
وقال: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) الآية.
في رده على الإمام الأوزاعي - رحمه الله - أي: ردَّ الشَّافِعِي - على هذه الآية باجتهاده على مستوى الدليل
الوارد في الآيتين / 6 و 7 من سورة الحشر، ومن السنة النبوية - وقد سبق بيانه في تفسير الآية / 6 السابقة -.
الأم (أيضاً) : الخمس فيما لم يوجف عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قك - أي: للمحاور - لما احتمل قول عمر - رضي الله عنه - أن يكون الكل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن تكون الأربعة الأخماس التي كانت تكون للمسلمين، فيما أوجف عليه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون الخمس، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم فيها مقام المسلمين، استدللنا بقول اللَّه - عز وجل - في الحشر: (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) الآية.
على أن لهم الخمس، وأن الخمس إذا كان لهم، ولا يُشَكُّ أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - سلمه لهم، فاستدللنا إذ كان حكم الله - عز وجل - في الأنفال:(3/1327)
(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)
فاتفق الحكمان في سورة الحشر، وسورة الأنفال لقوم موصوفين، وإنما لهم من ذلك الخمس لا غيره.
فقال - أي: المحاور -: فيحتمل أن يكون لهم مما لم يوجف عليه الكل؟
قلت: نعم، فلهم الكل وندع الخبر، قال لا يجوز عندنا ترك الخبر، والخبر يدل على معنى الخاص والعام.
فقال لي قائل غيره: فكيف زعمت أن الخمس ثابت في الجزية، وما أخذه
الولاة من مشرك بوجه من الوجوه، فذكرت له الآية في الحشر.
قلت: في هذا كفاية، وفي أن أصل ما قسم اللَّه من المال ثلاثة وجوه:
1 - الصدقات: وهي ما أخذ من مسلم، فتلك لأهل الصدقات لا لأهل الفيء.
2 - ما غُنِم بالخيل والركاب فتلك: على ما قسم الله - عز وجل -.
3 - والفيء: الذي - لا يوجف عليه بخيل ولا ركاب.
فهل تعلم رابعاً؛ قال: لا.
قلت فبهذا قلنا: الخمس ثابت لأهله في كل ما أخذ من مشرك؛ لأنه لا يعدو ما أخذ منه أبداً أن يكون غنيمة، أو فيئاً.
والفيء: ما رده اللَّه تعالى على أهل دينه من مال - من خالف دينه -.
الأم: (أيضاً) المُدَّعي والمُدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - أي: المحاور - فإنه بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما جاءكم عني فاعرضوه على القرآن، فإن وافقه فأنا قلته، وإن خالفه فلم أقله" الحديث.(3/1328)
فقلت له: فهذا غير معروض عندنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمعروض عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عندنا خلاف هذا، وليس يعرف ما أراد خاصاً وعاماً، وفرضاً وأدباً، وناسخاً ومنسوخاً إلا بسنته - صلى الله عليه وسلم - فيما أمره الله - عزَّ وجلَّ به، فيكون الكتاب بحكم الفرض، والسنة تبينه.
قال: وما دل على ذلك؛ فلت: قول الله عزَّ وجلَّ:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.
فقد بين الله عزَّ وجلَّ: أن الرسول قد يسن - السنة
ليست بنص في كتاب -، وفرض اللَّه على الناس طاعته.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة، قال: حدثني سالم أبو
النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما نهيت عنه، أو أمرت به، فيقول: ما ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له: لو كان هذا الحديث الذي احتججت
به ثابتاً كنت قد تركته فيما وصفنا وفيما سنصف بعض ما يحضرنا منه، إن شاء الله تعالى.
الأم: (أيضاً) : باب (حكاية الطائفة التي ردت الأخبار) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قلت - أي: للمحاور -: لفد فرض اللَّه جل وعز علينا اتباع أمره - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.(3/1329)
قال - أبي: المحاور -: إنه ليبين في التنزيل أن علينا فرضاً أن نأخذ الذي
أمرنا به، وننتهي عما نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال: قلت: والفرض علينا، وعلى من هو قبلنا، ومن بعدنا واحد؟
قال: نعم.
فقلت: فإن كان ذلك علينا فرضاً في اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئاً فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه؛ قال: نعم.
قلت: فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض اللَّه - عز وجل - في اتباع أوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أو أحد قبلك، أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: ما أجد السبيل إلى تأدية فرض اللَّه إلا بقبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن في أن لا آخذ ذلك إلا لما دلَّني على أن اللَّه أوجب على أن أقبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الأم (أيضاً) : بيان فرائض الله تعالى:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض اللَّه - عز وجل - الفرائض - في كتابه من وجهين:
أحدهما: أبان فيه كيف فرض بعضها، حتى استغني فيه بالتنزيل عن
التأويل، وعن الخبر.
والآخر: أنه أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه بقوله - عز وجل -:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.
وبقوله تبارك اسمه:
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) .(3/1330)
وبقوله - عز وجل -:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
مع غير آية في القرآن بهذه المعنى، فمن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبفرض اللَّه - عز وجل - قَبِل.
الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه اطه: فإن قيل: فما الجملة؛ قيل: ما فرض اللَّه من صلاة
وزكاة وحج، فدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف الصلاة وعددها ووقتها والعمل فيها؟
وكيف الزكاة وفي أي المال هي؟ وفي أي وقت هي؟ وكم قَدرها؟ وبين كيف الحج والعمل فيه وما يدخل به فيه، وما يخرج به منه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قيل: فهل يقال لهذا كما قيل للأول قبل عن
الله؟
قيل: نعم، فإن قيل: فمن أين قبل؟
قيل: قبل عن الله، لكلامه جملة وقَبِل تفسيره عن اللَّه، بأن اللَّه فرض طاعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال - عز وجل -: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.
مناقب الشَّافِعِي رحمه الله: باب (ما يستدل به على فقه الشَّافِعِي وتقدمه فيه
وحسن استنباطه) :
قال البيهقي رحمه الله: أخبرنا محمد بن الحسن السلمي قال: سمعت أحمد
ابن الحسن الأصبهاني يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن بشر الحافظ يقول:
سمعت عبد اللَّه بن محمد بن هارون يقول:(3/1331)
سمعت محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله يقول بمكة: سلوني عما شئتم
أخبركم من كتاب اللَّه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رجل:
أصلحك اللَّه، ما تقول في المُحرم قتل زُنبوراً؛ قال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال اللَّه تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) الآية، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:
اقتدوا باللَّذَين من بعدي: أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما -
وحدثنا سفيان، عن مِسعر، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر رضي اللَّه عنه أنه أمر بقتل الزُنبور.
قال البيهقي رحمه اللَّه: ورأيته في (كتاب أبي نعيم الأصبهاني) بإسناد له
عن أبي بكر بن محمد بن يزيد بن حكيم المستملي.
عن الشَّافِعِي رحمه الله: غير أنه جعل السؤال عن كل فرخ الزنبور.
وقال في الإسناد: حدثنا سفيان، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن
مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة، وقال في إسناده حديث عمر: حدثونا عن إسرائيل، قال المستملي: حدثنا أبو أحمد، عن إسرائيل، عن ابراهيم بن
عبد الأعلى، عن سُوَيد بن غفلة، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر بقتل الزنبور.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي المعقول أن ما أمر بقتله فحرام أكله.(3/1332)
قال الله عزَّ وجلَّ: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ)
أحكام القرآن: الإذن بالهجرة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم دخل أهل المدينة في الإسلام، فأمر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فهاجرت إليهم، غير مُحَرّم على من بقي ترك الهجرة.
وذكر اللَّه - عز وجل - أهل الهجرة فقال:
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ)
وقال: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) الآية.
آداب الشَّافِعِي ومناقبه: ما ذكر من مناظرة الشَّافِعِي لمحمد بن الحسن وغيره:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -:
(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ) الآية
نسب الدار إلى مالكها؛ أو غير مالكها؟!
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة:
"من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" الحديث.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -:
"هل ترك عقيل لنا من رِبَاع" الحديث.
نسب الديار إلى أربابها؛ أو إلى غير أربابها؟
وقال لي: اشترى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دار السجن من
مالكِ؟ أو من غير مالك؟ فلما علمت أن الحجة قد لزمنني قمت.(3/1333)
وجاء في طبقات الشَّافِعِية: قال إسحاق فقلت: الدليل على صحة
قولي: أن بعض التابعين قال به: فقال الشَّافِعِي لبعض الحاضرين: من هذا؟
فقيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي (ابن راهويه) .
فقال الشَّافِعِي رحمه الله: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم؟
قال إسحاق: هكذا يزعمون.
فقال الشَّافِعِي رحمه الله: ما أحوجني أن يكون غيرك، فكنت آمر بعرك
أذنيه، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنت تقول: قال: عطاء، وطاووس، والحسن، وإبراهيم؟!
وهل لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة؟!
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ)
الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دل الكتاب ثن السنة على من تزول عنه
بالعذر..) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: جماع الإحصان أن يكون دون التحصين مانع من
تناول المحرم، فالإسلام مانع، وكذلك الحرية مانعة، وكذلك الزوج والإصابة مانع، وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكل ما منع أحْصَن.
قال الله تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ)
وقال: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ) .
يعني ممنوعة.(3/1334)
سورة الممتحنة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)
الأم: المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين:
قيل للشافعي: أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب، بأن
المسلمين يريدون غزوهم، أو بالعورة من عوراتهم، هل يحل ذلك دمه، ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين - على المسلمين -؟
قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام، إلا أن
يقتل، أو يزني بعد إحصان، أو يكفر كفراً بيناً بعد إيمان، ثم يثبتَ على الكفر.
وليس الدلالة على عورة مسلم، ولا تأييد كافر بأن يحذِّر أن المسلمين يريدون منه غِرَّة ليحذرها، أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيِّنٍ.
فقلت للشافعي: - أي: قال الربيع: للشافعي -:
أقلت هذا خبراً أم قياساً؟
قال: قلته بما لا يسع مسلماً علمه عندي، أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد
الاستدلال بالكتاب.(3/1335)
فقيل للشافعي: فاذكر السنة فيه.
قال: أخبرنا سلمان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد.
عن عبيد اللَّه بن رافع قال سمعت علياً يقول: بعثنا رسوله الله - عزَّ وجلَّ أنا والمقداد والزبير فقال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب".
فخرجنا تُعادي بنا خيلنا، فإذا نحن بالظعينة، ففلنا لها: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فقلنا لتخرجن الكتاب، أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا فيه:
"من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة"
يخبر ببعض أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما هذا يا حاطب؟!
قال: لا تعجل على يا رسول اللَّه إني كنت امرأً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قرابائهم، ولم يكن لي بمكة قرابة، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً، واللَّه ما فعلته شكاً في ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إنه قد صدق".
فقال عمر - رضي الله عنه - يا رسول الله.
دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله - عزَّ وجلَّ قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" الحديث.
قال فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في هذا الحديث مع ما وصفنا لك، طرح الحكم
باستعمال الظنون؛ لأنه لما كان الكتاب(3/1336)
1 - يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال: من أنه لم يفعله شاكاً في
الإسلام -، وأنه فعله ليمنع أهله.
2 - ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام.
3 - واحتمل المعنى الأقبح - أي: النفاق -.
كان القول قوله، فيما احتمل فعله، وحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه بأن لم يقتله.
ولم يستعمل عليه الأغلب، ولا - أعلم - أحداً أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا؛ لأن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده، فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غرَّتهم فصدَّقه، - على - ما عاب عليه - من ذلك غير مستعمل عليه - الأغلب مما يقع في النفوس، فيكون لذلك مقبولاً كان من بعده في أقل من حاله، وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه.
قيل للشافعي: أفرأيت إن قال قائل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قد صدق"
إنما تركه لمعرفته بصدقه، لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره.
فيقال له: قد علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المنافقين كاذبون، وحقن دماءهم بالظاهر، فلو كان حكم النبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاطب بالعلم بصدقه، كان حكمه على المنافقين: القتل بالعلم بكذبهم، ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر.
وتولى الله - عزَّ وجلَّ منهم السرائر، ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكماً له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية، وكل ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصاً، أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجهلوا له سنة، أو يكون ذلك موجوداً في كتاب الله - عز وجل -.(3/1337)
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)
الأم: جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه:
قال - الشَّافِعِي رحمه الله: صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشاً بالحديبية على أن يرد من جاء منهم، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى في امرأة جاءته منهم مسلمة: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) الآية.
ففرض الله - عز وجل - عليهم أن لا ترد النساء، وقد أعطوهم رد من جاء منهم، وهن منهم.
فحبسهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمر الله - عز وجل -.
الأم (أيضاً) : جماع الهُدنَة على أن يرد الإمام من جاء بلده مسلماً أو مشركاً:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي، أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - هادن قريشاً عام الحديبية، على أن يأمن بعضهم بعضاً، وأن من جاء قريشاً من المسلمين مرتداً لم يردوه عليه، ومن جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة منهم
رده عليهم، ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلماً إلى غير المدينة في بلاد الإسلام والشرك، وإن كان قادراً عليه، ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئاً من هذا الشرط. . .(3/1338)
حتى جاءته أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط، مسلمة مهاجرة، فنسخ اللَّه - عز وجل - الصلح في النساء، وأنزل اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ) الآية كلها وما بعدها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويجوز للإمام من هذا، ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل في الرجال دون النساء؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ نسخ ردَّ النساء إن كن في الصلح، ومنع أن يرددن بكل حال.
الأم (أيضاً) : أصل نقض الصلح فيما لا يجوز:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقدمت عليهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.
مسلمة مهاجرة، فجاء أخواها يطلبانها فمنعها منهما، وأخبر أن اللَّه - عز وجل - نقض الصلح في النساء، وحكم فيهن غير حكمه في الرجال.
وإنما ذهبتُ - القول: للشافعي - إلى أن النساء كن في صلح الحديبية، بأنه لو لم يدخل ردهن في الصلح، لم يعط أزواجهن فيهن عوضاً - واللَّه تعالى أعلم -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكر بعض أهل التفسير، أن هذه الآية نزلت فيها:
(إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)
قرأ الربيع الآية، ومن قال إن النساء كن في الصلح قال: بهذه الآية مع الآية التي في: (بَرَآءَة) .
الأم (أيضاً) : جماع الصلح في المؤمنات:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -:
(إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)
قرأ الربيع الآية.(3/1339)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان بيناً في الآية منع المؤمنات المهاجرات من أن
يرددن إلى دار الكفر، وقطع العصمة بالإسلام بينهن وبين أزواجهن، ودلت السنة على أن قطع العصمة إذا انقضت عددهن ولم يسلم أزواجهن من المشركين.
وكان بيناً فيها: أن يرد على الأزواج نفقاتهم، ومعقول فيها أن نفقاتهم التي
ترد نفقات: اللائي ملكوا عقدهن، وهي: المهور، إذا كان قد أعطوهن إياها.
وبين أن الأزواج الذين يعطون النفقات؛ لأنهم الممنوعون من نسائهم.
وأن نساءهم المأذون للمسلمين بأن ينكحوهن إذا آتوهن أجورهن؛ لأنه لا
إشكال عليهم في أن ينكحوا غير ذوات الأزواج، إنما كان الإشكال في نكاح ذوات الأزواج حتى قطع اللَّه - عز وجل - عصمة الأزواج بإسلام النساء، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك بمضي العدة قبل إسلام الأزواج، فلا يُؤتى أحد نفقته من امرأة
فاتت إلا ذوات الأزواج، وقد قال اللَّه - عز وجل - للمسلمين:
(وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية، فأبانهن من المسلمين، وأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له أن ذلك بمضي
العدة، فكان الحكم في إسلام الزوج، الحكم في إسلام المرأة لا يختلفان.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) .
يعني - واللَّه أعلم - أن أزواج المشركات من المؤمنين إذا منعهم المشركون إتيان أزواجهم بالإسلام، أوتوا ما دفع إليهن الأزواج من المهور، كما يؤدي
المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور وجعله اللَّه - عز وجل - حكماً بينهم.
الأم (أيضاً) : نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال اللَّه تبارك وتعالى؛ (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) إلى: (وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.(3/1340)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أنها نزلت في
مهاجرة من أهل مكة فسماها بعضهم ابنة عقبة بن أبي معيط، وأهل مكة أهل
أوثان، وأن قول اللَّه - عز وجل -: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)
نزلت فيمن هاجر من أهل مكة مؤمناً، - قال الربيع -: وإنما نزلت في الهدنة.
الأم (أيضاً) : فسخ نكاح الزوجين يسلم أحدهما:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) إلى قوله: (وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) .
وقال تبارك وتعالى:
(وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: نزلت في الهدنة التي كانت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أهل مكة وهم أهل أوثان
وعن قول اللَّه - عز وجل -: (فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ)
فاعرضوا عليهن الإيمان، فإن قبلن وأقررن به فقد علمتموهن مؤمنات.
وكذلك علم بني آدم الظاهر:
وقال تبارك وتعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)
يعني: بسرائرهن في إيمانهن وهذا يدل على أن لم يُعط أحد من بَني آدم
أن يحكم على غير ظاهر.
ومعنى الآيتين واحد، فإن كان الزوجان وثنيين فأيهما أسلم أولاً.
فالجماع ممنوع حتى يسلم المتخلف عن الإسلام منهما، لقول اللَّه تعالى:
(لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.(3/1341)
وقوله: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية.
فاحتملت العقدة أن تكون
منفسخة إذا كان الجماع ممنوعاً بعد إسلام أحدهما، فإنه لا يصلح لواحد منهما إذا كان أحدهما مسلماً والآخر مشركاً أن يبتدئ النكاح، واحتملت العقدة أن لا تنفسخ إلا أن يثبت المتخلف عن الإسلام منهما على المتخلف عنه، مدة من المدد، فيفسخ النكاح إذا جاءت تلك المدة قبل أن يسلم، ولم يكن يجوز أن يقال: لا تنقطع العصمة بين الزوجين حتى يأتي على المتخلف منهما عن الإسلام مدة قبل أن يسلم إلا بخبر لازم.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرنا جماعة من أهل العلم من قريش، وأهل
الغازي وغيرهم، عن عدد قبلهم، أن أبا سفيان بن حرب أسلم بمرٍّ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهر عليهما، فكانت بظهوره وإسلام أهلها دار الإسلام، وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة، ومكة يومئذ دار حرب، ثم قدم عليها يدعوها إلى الإسلام، فأخذت بلحيته وقالت: اقتلوا الشيخ الضال.
فأقامت أياماً قبل أن تسلم ثم أسلمت، وبايعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وثبتا على النكاح.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبِرنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة، فأسلم أكثر أهلها، وصارت دار الإسلام، وأسلمت امرأة عكرمة بن أبي جهل، وامرأة صفوان بن أمية، وهرب زوجاهما ناحية البحر (من طريق اليمن) كافرين إلى بلد كفر، ثم جاءا فأسلما بعد مدة، وشهد صفوان حنيناً كافراً، فاستقرَّا على النكاح، وكان ذلك كله ونساؤهن مدخول بهن لم تنقض عددهن، ولم أعلم
مخالفاً في أن المتخلف عن الإسلام منهما، إذا انفضت عدة المرأة قبل أن يسلم
انقطعت العصمة بينهما، وسواء خرج المسلم منهما من دار الحرب، وأقام
المتخلف فيها، أو خرج المتخلف عن الإسلام، أو خرج معاً، أو أقاما معاً، لا تصنع الدار في التحريم والتحليل شيئاً، إنما يصنعه اختلاف الدينين.(3/1342)
الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
وقال اللَّه تبارك وتعالى:
(وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)
فنهى الله - عزَّ وجلَّ في هاتين الآيتين عن نكاح نساء المشركين، كما نهى عن إنكاح رجالهم. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال بعض الناس: لم قلت لا يحل نكاح إماء أهل
الكتاب؛ فقلت: استدلالاً بكتاب اللَّه - عز وجل -.
قال: وأين ما استدللت به منه؟
فقلت: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)
وقال: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ) الآية.
فقلنا نحن وأنتم: لا يحل لمن لزمه اسم كفر، نكاح مسلمة
حرة، ولا أمة بحال أبداً، ولا يختلف في هذا أهل الكتاب وغيرهم من المشركين؛ لأن الآيتين عامتان، واسم المشرك لازم لأهل الكتاب وغيرهم من المشركين.
الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)(3/1343)
ثم قال: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الآية، فأحلَّ صنفاً واحداً من المشركات بشرطين.
أحدهما: أن تكون المنكوحة من أهل الكتاب.
والثاني: أن تكون حرة؛ لأنه لم يختلف المسلمون في أن قول اللَّه - عز وجل -: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) .
هن: الحرائر.
الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففرض - اللَّه - على نبيه أن يقاتل أهل الأوثان
حتى يسلموا، وأن يحقن دماءهم إذا أظهروا الإسلام ثم بين اللَّه، ثم رسوله أن لا يعلم سرائرهم في صدقهم بالإسلام إلا اللَّه، فقال اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
(إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)
قرأ الربيع إلى قوله: (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) الآية.
يعني: واللَّه أعلم بصدقهن بإيمانهن.
وقال: (عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) يعني: ما أمرتكم أن تحكموا به فيهن إذا أظهرن الإيمان، لأنكم لا تعلمون من صدقهن بالإيمان ما يعلم اللَّه، فاحكموا لهن بحكم الإيمان في أن لا ترجعوهن إلى الكفار: (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
الأم (أيضاً) : الخلاف في السبايا:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى:
(فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
فلم يفرق بين المرأة تسلم قبل زوجها، ولا الرجل يسلم قبل امرأته.(3/1344)
الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح المحدودين:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن كن - أي: الزانيات - على الشرك فهن
محرمات على زناة المسلمين وغير زناتهم، وإن كن أسلمن فهن بالإسلام
محرمات على جميع المشركين، لقول الله تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
الأم (أيضاً) : باب (في الحربي يسلم)
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والآية في الممتحنة مثلها، قال الله تعالى:
(فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
فسوَّى بينهما، وكيف فرقتم بينهما؟ - الخطاب هنا: لمن
يحاوره الشَّافِعِي رحمه اللَّه وهو قول ابن شهاب -. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: هذه الآية في معنى تلك، لا تعدو هاتان الآيتان أن
تكونا تدلان على أنه إذا اختلف دينا الزوجين فكان لا يحل للزوج جماع زوجته لاختلاف الدينين، فقد انقطعت العصمة بينهما، أو يكون لا يحل له في تلك الحال، ويتم انقطاع العصمة إن جاءت عليها مدة، ولم يسلم المتخلف عن الإسلام منهما.(3/1345)
الأم (أيضاً) : المرأة تسلم قبل زوجها، والزوج قبل المرأة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن قال - أي: المحاور - فما الكتاب؟
قيل: قال الله - عز وجل -: (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
فلا يجوز في هذه الآية إلا أن يكون اختلاف الدينين يقطع العصمة ساعة اختلفا، أو يكون يقطع العصمة بينهما اختلاف الدينين والثبوت على الاختلاف إلى مدة.
والمدة لا تجوز إلا بكتاب اللَّه، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
على ما وصفنا وجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المسلمة قبل زوجها، والمسلم قبل امرأته، فحكم فيهما حكماً واحداً، فكيف جاز أن يفرق بينهما؛ وجمع اللَّه بينهما فقال:
(لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
فإن قال قائل: فإنما ذهبنا إلى قول اللَّه - عز وجل -
(وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية، فهي كالآية قبلها.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا)
الأم: جماع الصلح في المومنات:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: تالا اللَّه تعالى: (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) الآية.
يعني - واللَّه أعلم -: أن أزواج المشركات من(3/1346)
المؤمنين، إذا منعهم المشركون إتيان أزواجهم بالإسلام، أوتوا ما دفع إليهن
الأزواج من المهور، كما يؤدي المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور، وجعله اللَّه - عز وجل - حكماً بينهم.
ثم حكم لهم في مثل ذا المعنى حكماً ثانياً، فقال عز وعلا: (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ) الآية، -
واللَّه تعالى أعلم - يريد: فلم تعفوا عنهم، إذا لم يعفوا عنكم مهور نسائكم: (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) الآية.
كأنه يعني: من مهورهن إذا فاتت امرأة مشرك أتتنا
مسلمة قد أعطاها مائة في مهرها، وفاتت امرأة مشركة إلى الكفار قد أعطاها
مائة، حسبت - مائة المسلم بمائة المشرك، فقيل: تلك العقوبة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويكتب بذلك إلى أصحاب عهود المشركين حتى
يعطي المشرك ما قاصصناه به؛ من مهر امرأته للمسلم، الذي فاتت امرأته إليهم ليس له غير ذلك.
الأم (أيضاً) : تفريع أمر نساء المهادنين:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا جاءت المرأة الحرة من نساء أهل الهدنة مسلمة
مهاجرة من دار الحرب، إلى موضع الإمام من دار الإسلام، أو دار الحرب، فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض، وإذا طلبها زوجها بنفسه، أو طلبها غيره بوكالته، مُنِعَهَا، وفيها قولان:(3/1347)
أحدهما: يعطى العوض، والعوض ما قال الله عزَّ وجلَّ:
(فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومثل ما أنفقوا يحتمل - واللَّه تعالى أعلم -: ما
دفعوا بالصداق لا النفقة غيره، ولا الصداق كله إن كانوا لم يدفعوه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا جاءت امرأة رجل قد نكحها بمائتين، فأعطاها
مائة ردت إليه مائة، وإن نكحها بمائة فأعطاها خمسين، ردت إليه خمسون؛ لأنها لم تأخذ منه الصداق إلا خمسين، وإن نكحها بمائة ولم يعطها شيئاً من الصداق لم نرد إليه شيئاً؛ لأنه لم ينفق بالصداق شيئاً.
ولو أنفق - بغيره - من عرس وهدية وكرامة، لم يعط من ذلك شيئاً؛ لأنه
تطوع به، ولا ينظر في ذلك إلى مهر مثلها إن كان زادها عليه، أو نقصها منه؛ لأن اللَّه - عز وجل - أمر بأن يُعطَوا مثل ما أنفقوا، وُيعطى الزوج هذا الصداق من سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفيء والغنيمة، دون ما سواه من المال؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم" الحديث.
يعني - واللَّه أعلم - في مصلحتكم؛ وبأن الأنفال تكون عنه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو قدم الزوج مسلماً وهي في العدة كان أحق
بها، ولو قدم يطلبها مشركاً ثم أسلم قبل أن تنقضي عدتها كانت زوجته، ورُجع عليه بالعوض، فأخذ منه إن كان أخذه، ولو طلب العوض فأعطيه، ثم لم يسلم حتى تنقضي عدتها، ثم أسلم فله العوض؛ لأنها قد بانت منه بالإسلام في ملك النكاح، ولو نكحها بعد لم نرجع عليه بالعوض؛ لأنه إنما ملكها بعقدٍ غيره.(3/1348)
وفيه قول ثان: لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة
العوض، ولو شرط الإمام برد النساء كان الشرط منتقضاً، ومن قال هذا قال: إن شرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل الحديبية إذا دخل فيه أن يرد من جاءه منهم.
وكان النساء منهم كان شرطاً صحيحاً، فنسخه اللَّه ثم رسوله لأهل الحديبية، ورد عليهم فيما نسخ منه العوض، ولما قضى الله ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن لا ترد النساء، لم يكن لأحدٍ ردهن، ولا عليه عوض فيهن؛ لأن شرط من شرط رد النساء بعد نسخ اللَّه - عز وجل -، ثم رسوله لها باطل، ولا يعطى بالشرط الباطل شيء.(3/1349)
سورة الصف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)
الأم: أصل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما مضت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدة من هجرته، أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون اللَّه قوة بالعدد، لم تكن قبلها، ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضاً - ثم ذكر الآيات المتعلقة بالجهاد - ومنها: وقال اللَّه تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) الآية، وقال: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الآية.
مع ما ذكر به فَرضَ الجهاد وأوجب على المتخلّف عنه.(3/1350)
قال الله عزَّ وجلَّ: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
الأم: كتاب (الجزية) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقضى - الله تعالى - أن أظهر دينه على الأديان.
فقال - عز وجل -: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) .
وقد وصفنا بيان كيف يظهره على الدين في غير هذا
الموضع.
الأم (أيضاً) : في إظهار دين النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأديان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الآية.
أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا
قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" الحديث - وبسط الكلام حول هذا الموضوع -.(3/1351)
سورة الجمعة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)
الأم: كتاب (الجزية) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الآية.
وكان في ذلك ما دل على أنه بعث إلى خلقه؛ لأنهم كانوا أهل كتاب أو أميين.
الأم (أيضاً) : الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعث اللَّه - عز وجل رسوله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، وهي بلاد قومه، وقومه أميون، وكذلك من كان حولهم من بلاد العرب، ولم يكن فيهم من العجم إلا مملوك، أو أجير، أو مجتاز، أو من لا يُذكر، قال اللَّه تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الآية.
فلم يكن من الناس أحد في أول ما بُعِثَ، أعدى له من عوام قومه، ومن حولهم.(3/1352)
الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الآية، قال - أي: المحاور - فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله، فما الحكمة؟
قلت: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال: أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة والحكمة خاصة وهي
أحكامه؟
قلت تعني بأن يبين لهم عن اللَّه - عز وجل - مثل ما بين لهم في جملة الفرائض، من الصلاة والزكاة والحج وغيرها، فيكون اللَّه قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
قال: إنه ليحتمل ذلك.
قلت: فإن ذهبت - به - هذا المذهب فهي في معنى الأول قبله، الذي لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال: فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام؟
قلت: وأيهم أولى به ذكر (الكتاب والحكمة) أن يكون شيئين، أو شيئاً واحداً.
قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت كتاباً وسنة، فيكونا شيئين، ويحتمل أن
يكونا شيئاً واحداً.
قلت: فأظهرهما أولاهما، وفي القرآن دلالة على ما قلنا، وخلاف ما
ذهبت إليه.
قال: وأين هي؟
قلت قوله اللَّه - عز وجل -: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) .
فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان.(3/1353)
قال: فهذا القرآن يتلى، فكيف تتلى الحكمة؟
قلت: إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن، والسنة كما ينطق بها.
قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى.
الزاهر باب (صفة الأئمة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: " وإن أمَّ أُمِّيٌّ بمن يقرأ أعاد القارئ) .
قال الأزهري: أراد الشَّافِعِي بالأُمِّيِّ هاهنا: الذي لا يحسن القراءة.
والأمي: - في كلام العرب - الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب، وأكثر العرب كانوا أميين.
قال اللَّه - عز وجل -: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) الآية، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمياً، وكان مع ذلك حافظاً لكتاب اللَّه - عز وجل -، فكانت آية (معجزة) .
ومعنى أميته: أنه لم يكن يحسن الكتابة ولا يقرؤها، فقرأ على أصحابه
العرب أقاصيص الأم الخالية على ما أنزلها اللَّه - عز وجل -، ثم كررها على فريق بعد فريق بألفاظها لا بمعانيها، وليس في عرف الإنسان أن يسرد حديثاً، أو قصة طويلة ثم يعيدها إذا كررها بألفاظها، ولكنه يزيد وينقص وبغير الألفاظ.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
الأم: باب (جماع الأذان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تبارك وتعالى:
(إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية.
فذكر اللَّه - عز وجل - الأذان للصلاة، وذكر يوم(3/1354)
الجمعة فكان بيناً - واللَّه تعالى أعلم - أنه أراد المكتوبة بالآيتين معاً، وسن
رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الأذان للمكتوبات، ولم يحفظ عنه أحد علمته أنه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة، بل حفظ الزهري عنه أنه كان يأمر في العيدين المؤذن فيقول:
(الصلاةَ جامعة) ، ولا أذان إلا المكتوبة، وكذالك لا إقامة - أي: إلا المكتوبة -
فأما الأعياد، والخسوف، وقيام شهر رمضان فأحب أن يقال فيه: (الصلاةَ
جامعة) ، وإن لم يقل ذلك فلا شيء على من تركه إلا ترك الأفضل.
والصلاة على الجنائز، وكل نافلة - غير الأعياد والخسوف - بلا أذان
فيها ولا قول: (الصلاةَ جامعة) .
الأم (أيضاً) : صلاة الجماعة:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي محمد بن إدريس المطلبي قال: ذكر اللَّه تبارك وتعالى اسمه
الأذان بالصلاة، فقال - عز وجل -: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا)
وقال: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية، فأوجب الله - والله أعلم - إتيان الجمعة، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان للصلوات المكتوبات.
فاحتمل أن يكون أوجب إتيان صلاة الجماعة في غير الجمعة، كما أمر
بإتيان الجمعة وترك البيع، واحتمل أن يكون أذن بها لتصلى بوقتها.(3/1355)
الأم (أيضاً) : إيجاب الجمعة:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن ادرش الشَّافِعِي قال: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية.
وقال اللَّه - عز وجل -: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن
سليم، عن نافع بن جبير، وعطاء بن يسار، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "شاهد: يوم الجمعة، ومشهود: يوم عرفة" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ودلت السنة من فرض الجمعة على ما دل عليه
كتاب الله تبارك وتعالى.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن
أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نحن الآخرون، ونحن السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه.
فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غدٍ" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والتنزيل ثم السنة يدلان على إيجاب الجمعة. ..
وكانت العرب تسميه قبل الإسلام (عَرُوبَة) قال الشاعر:
نفسي الفداء لأقوامٍ همو خلطوا ... يوم العَرُوبة أزواداً بأزوادِ(3/1356)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني سلمة بن
عبد الله الخطمي، عن محمد بن كعب القرظي، أنه سمع رجلاً من بني وائل
يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة، أو صبياً، أو مملوكاً" الحديث.
الأم (أيضاً) : من تجب عليه الجمعة بمسكنه
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كان قومٌ ببلد يجمع أهلها، وجبت عليهم
الجمعة، على من يسمع النداء، من ساكني المصر أو قريباً منه، بدلالة الآية.
الأم (أيضاً) : متى يحرم البيع:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى:
(إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأذان الذي يجب على من عليه فرض الجمعة أن
يذر عنده البيع؛ الأذان الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك الأذان الذي بعد الزوال، وجلوس الإمام على المنبر، فإن أذن مؤذن قبل جلوس الإمام(3/1357)
على المنبر وبعد الزوال، لم يكن البيع منهياً عنه، كما ينهى عنه إذا كان الإمام على المنبر، وأكرهه؛ لأن ذلك الوقت الذي أحب للإمام أن يجلس فيه على المنبر، وكذلك إن أذن مؤذن قبل الزوال، والإمام على المنبر، لم ينه عن البيع، إنما ينهى عن البيع إذا اجتمع - أي: شرطان -:
1 - أن يؤذن بعد الزوال.
2 - والإمام على المنبر.
الأم (أيضاً) : المشي إلى الجمعة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عينية، عن الزهري، عن سالم.
عن أبيه قال: ما سمعت عمر - رضي الله عنه - قط يقرؤها إلا: "فامضوا إلى ذكر الله" الحديث.
ومعقول أن السعي في هذا الموضع العمل.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد اللَّه بن
عبد الرحمن بن جابر بن عتيك، عن جده جابر بن عتيك (صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إذا خرجت إلى الجمعة فامشي على هيئتك" الحديث.(3/1358)
ترتيب مسند الشَّافِعِي: في صلاة الجمعة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني عبد اللَّه بن أبي
لبيد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة لورحنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الجمعة سورة الجمعة والمنافقين" الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
الأم: ما جاء في أمر النكاح:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأمر في الكتاب، والسنة، وكلام الناس يحتمل
معاني:
1 - أحدها: أن يكون اللَّه - عز وجل - حرم شيئاً ثم أباحه، فكان أمره إحلال ما حرم؛ كقوله: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) الآية، ونهى عن البيع عند النداء، ثم أباحه في وقت غير الذي حرم فيه.(3/1359)
آداب الشَّافِعِي: ما في الزكاة والسير والبيوع، والعتق، والنكاح، والطلاق: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) الآية، فأخبر سبحانه: أن البيع الذي كان محرماً عند النداء حلال حيث قضيت الصلاة، وليس بواجب أن ينتشروا.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
الأم: الخطبة قائماً:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلم أعلم مخالفاً أنها نزلت في خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني جعفر بن
محمد، عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة، وكان لهم سوق يقال لها البطحاء، كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل والغنم والسمن، فقدموا، فخرج إليهم الناس وتركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان لهم لهو إذا تزوج أحد(3/1360)
من الأنصار ضربوا بالكَبَرِ (1) ، فعيرهم اللَّه بذلك فقال: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) الآية.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) الآية.
ولم أعلم مخالفاً أنها نزلت في خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم -
يوم الجمعة.
وجاء في رواية حرملة وغيره، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن
جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب يوم الجمعة قائماً، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً، فأنزلت هذه الآية.
وفي حديث كعب بن عَجرة: دلالة على أن نزولها كان في خطبته قائماً.
وفي حديث حصين:
"بينما نحن نصلي الجمعة" فإنه عبَّر بالصلاة عن
الخطبة.
__________
(1) الكَبَرُ: الطبل ذو الوجه الواحد. انظر المعجم الوسيط، ص / 807.(3/1361)
سورة المنافقون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ)
الأم: المرتد عن الإسلام:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنما كفف - اللَّه سبحانه - العباد الحكم على
الظاهر من القول والفعل، وتولى الله الثواب على السرائر دون خلقه، وقد قال الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) .
وقد قيل: في قول اللَّه - عز وجل -: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)
ما هم بمخلصين.(3/1362)
الأم (أيضاً) : باب الوصية للوارث:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: ما دل على ما وصفتَ من أنه لا
يحكم بالباطن؟
قيل: كتاب اللَّه ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ذكر اللَّه تبارك وتعالى المنافقين فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ)
قرأ إلى: (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) .
فأقرَّهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتناكحون ويتوارثون ويسهم لهم إذا حضروا القسم ويحكم لهم أحكام المسلمين، وقد أخبر الله تعالى ذكره عن كفرهم، وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم اتخذوا أيمانهم جُنة من القتل، بإظهار الأيمان على الإيمان.
الأم (أيضاً) : اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي مثل معنى هذا، من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيءِ من حق أخيه فلا يأخده فإنما أقطع له قطعة من النار" الحديث.
فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه يقضي على الظاهر من كلام الخصمين، وإنَّما يحل لهما، ويحرم عليهما فيما بينهما وبين
الله على ما يعلمان، ومن مثل هذا المعنى من كتاب اللَّه، قول اللَّه - عز وجل -: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) إلى قوله: (لَكَاذِبُونَ) الآية.
فحقن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(3/1363)
دماءهم بما أظهروا من الإسلام، وأقرهم على المناكحة والموارثة، وكان الله
أعلم بدينهم بالسرائر، فأخبره الله تعالى أنهم في النار فقال:
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الآية.
وهذا يوجب على الحكام ما وصفت من ترك الدلالة الباطنة، والحكم بالظاهر من القول، أو البينة، أو الاعتراف، أو الحجة.
الأم (أيضاً) : باب (ما يحرم به الدم من الإسلام) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فبين أن إظهار الإيمان ممن لم يزل مشركاً حتى أظهر
الإيمان، وممن أظهر الإيمان ثم أشرك بعد إظهاره، ثم أظهر الإيمان مانع لدم من
أظهره، في أي هذين الحالين كان، وإلى أي كفر صار، كفر يسرُّه، أو كفر يظهره، وذلك أنه لم يكن للمنافقين دين يظهر كظهور الدينِ الذي له أعياد، وإتيان كنائس، إنَّما كان كفر جحد وتعطيل، وذلك بين في كتاب الله - عزَّ وجلَّ، ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بأن الله - عزَّ وجلَّ أخبر عن المنافقين بأنهم اتخذوا أيمانهم جنة.
يعني - والله أعلم -: من القتل، ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جنة فقال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) الآية.
فأخبر عنهم بأنهم آمنوا ثم كفروا بعد(3/1364)
الإيمان كفراً إذا سئلوا عنه أنكروه، وأظهروا الإيمان، وأقروا به، وأظهروا التوبة منه، وهم مقيمون فيما بينهم وبين الله على الكفر.
الأم (أيضاً) : باب (القراءة في العيدين والجمعة) :
قال الربيع رحمه اللَّه: سألت الشَّافِعِي: بأي شيء تحب أن يقرأ في العيدين.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: بـ: (ق) و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) ، وسألته بأي
شيء تستحب أن يقرأ في الجمعة؟
فقال: في الركعة الأولى بالجمعة، واختار في الثانية: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ)
لو قرأة (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) أو (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)
كان حسناً، لأنه قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأها كلها.
فقلت: وما الحجة في ذلك؟
فقال: إبراهيم - بن محمد - وغيره، عن جعفر، عن أبيه، عن عبيد الله بن
أبي رافع، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في إثر سورة الجمعة.
(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) .
الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وقال الله تعالى:
(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً)(3/1365)
يعني - واللَّه تعالى أعلم - من القتل فمنعهم من
القتل، ولم يُزِل عنهم في الدنيا أحكام الإيمان بما أظهروا منه، وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار بعلمه بأسرارهم، وخلافها لعلانيئهم بالإيمان.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - اللَّه تعالى - له في المنافقين وهم صنف
ثان: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) .
يعني - والله أعلم -: أيمانهم بما يسمع منهم من الشرك بعد إظهار الإيمان جُنة من القتل.
مختصر المزني: باب (طول القراءة وقصرها)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحب أن يقرأ في العشاء بسورة الجمعة.
و (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) وما أشبهها في الطول.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)
الأم: من ليس للإمام أن يغزوا به بحال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق فشهدها معه عدد، فتكلموا بما حكى اللَّه تعالى من قولهم: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) الآية.
وغير ذلك مما حكى الله من نفاقهم.(3/1366)
سورة التغابن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
أحكام القرآن: فصل (في معرفة العموم والخصوص) :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الآية.
فهذا عام لا خاص فيه، فكل شيء من سماء، وأرض، وذي روح، وشجر.
وغير ذلك، فالله خالقه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا)
الرسالة: بيان فرض الله في كتابه اتباع سنه نبيه - صلى الله عليه وسلم -:
انظر تفسير الآيتين / 136 ولم 17 من سورة النساء، والآية / 158 من سورة الأعراف، فقد علق عليها العلامة أحمد محمد شاكر فليرجع إليهما ففيها تعليقات وأدب رائع في بيان الخطأ، وتوضيح الصواب.(3/1367)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)
الأم: الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر:
بعد أن ذكر حديث إرسال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه - إلى اليمين معلماً وقاضياً
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن الاجتهاد بعد أن لا يكون كتاب الله، ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولقول الله عزَّ وجلَّ: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)
وما لم أعلم فيه مخالفاً من أهل العلم، ثم ذلك موجود في قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"إذا اجتهد. . ." الحديث.
لأن الاجتهاد ليس بعين قائمة، وإنَّما هو شيء يحدثه من قِبَلِ
نفسه، فإذا كان هذا هكذا، فكتاب اللَّه والسنة والإجماع أولى من رأى نفسه، ومن قال الاجتهاد أولى خالف الكتاب والسنة برأيه.(3/1368)
سورة الطلاق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)
الأم: جماع وجه الطن:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الآية، وقرئت: (لقُبُلِ عدتهن) وهما لا يختلفان في معنى.
أخبرنا مالك عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنه طلق امرأته في
زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض، قال عمر - رضي الله عنه -: فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال:
مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن شاء
أمسكها، وإن شاء طلقها قبل أن يمسَّ، فتلك العدة التي أمر الله - عزَّ وجلَّ أن تطلق لها النساء" الحديث.(3/1369)
أخبرنا مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو
الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن (مولى عَزَّة) يسأل عبد اللَّه بن عمر، وأبو
الزبير يسمع، فقال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً؟
فقال ابن عمر رضي اللَّه عنهما: طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضاً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك" الحديث.
قال ابن عمر: قال اللَّه تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ في قُبُل عدتهنَّ)
أو (لقبل عدتهن) شك الشَّافِعِي، الحديث.
أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن مجاهد أنه كان يقرؤها
كذلك الحديث.
أخبرنا مالك، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر أنه كان يقرؤها:
(إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لقُبُلِ عدتهن) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فبين والله أعلم في كتاب اللَّه - عز وجل بدلالة سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن القرآن والسنة في المرأة المدخول بها التي تحيض دون من سواها من المطلقات، أن تطلق لقبل عدتها، وذلك أن حكم اللَّه تعالى أن العدة على المدخول بها، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يأمر بطلاق طاهر من حيضها التي يكون لها طهر
وحيض، وبَين أن الطلاق يقع على الحائض؛ لأنه إنما يؤمر بالمراجعة من لزمه
الطلاق، فأما من لم يلزمه الطلاق فهو بحاله قَبل الطلاق.(3/1370)
الأم (أيضاً) : الخلاف في الطلاق الثلاث:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال: أنت طالق ألبتة ينوي ثلاثاً فهي ثلاث.
وإن نوى واحدة فواحدة، وإن قال: أنت طالق ينوي بها ثلاثاً فهي ثلاث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحب أن يكون الخيار في طهر لم يمسها فيه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحب أن لا يملك الرجل امرأته، ولا يخيرها، ولا
يخالعها، ولا يجعل إليها طلاقاً بخلع ولا غيره، ولا يوقع عليها طلاقاً إلا طاهراً
قبل جماع، قياساً على الطلقة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن تطلق طاهراً، وقال اللَّه - عز وجل -: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الآية.
فإذا كان هذا طلاقاً يوقعه الرجل أو توقعه المرأة
بأمر الرجل فهو كإيقاعه، فلا أحب أن يكون إلَّا وهي طاهر من غير جماع.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عكرمة بن خالد، أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلاً أتى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: طلقت امرأتي مائة، فقال ابن عباس - رضي الله عنهما -:
"تأخد ثلاثاً وتدع سبعاً وتسعين " الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن
عطاء وحده - عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال:
"وسبعاً وتسعين عدواناً، اتخذت بها آيات الله هزواً، فعاب عليه ابن عباس رضي الله عنهما(3/1371)
كل ما زاد عن عدد الطلاق الدي لم يجعله الله إليه، ولم يعب عليه ما جعل الله إليه من الثلاث، وفي هذا دلالة على أنه يجوز له عنده أن يطلق ثلاثاً، ولا يجوز له ما لم يكن إليه.
الأم (أيضاً) : باب (الوصية للزوجة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن الله تبارك وتعالى يقول للمطلقات:
(لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) .
فلما فرض اللَّه في المعتدة من الطلاق السكنى، وكانت المعتدة من الوفاة في معناها، احتملت أن يُجعل لها السكنى؛ لأنها في معنى المعتدات.
فإن كان هذا هكذا فالسكنى لها في كتاب اللَّه - عز وجل - منصوص، أو في معنى من نص لها السكنى في فرض الكتاب، وإن لم يكن هكذا فالفرض في السكنى لها في السنة، ثم فيما أحفظ عمن حفظت عنه من أهل العلم: أن للمتوفى عنها السكنى ولا نفقة.
الأم (أيضاً) : الخلاف في نفقه المرأة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) الآية، وأخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عمرو بن علقمة.
عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قوله تعالى:(3/1372)
(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية.
قال: - ابن عباس - أن تبذو على أهل زوجها، فإن بذت فقد حل إخراجها، قال - أي: المحاور -: هذا تأويل قد
يحتمل ما قال ابن عباس - رضي الله عنهما - ويحتمل غيره، أن تكون الفاحشة خروجها، وإن تكون الفاحشة أن تخرج للحد.
قال: فقلت له (أي: الشَّافِعِي) :
فإذا احتملت الآية ما وصفت، فأي المعاني أولى بها؟
قال: معنى ما وافقته السنة، فقلت فقد ذكرت لك السنة في فاطمة، فأوجَدتك ما قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم.
الأم (أيضاً) : مُقَام المتوفي عنها، والمطلقاة في بيتها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى في المطلقات:
(لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية، فكانت هذه الآية في المطلقات، وكانت المعتدات من الوفاة معتدات كعدة المطلقة.
فاحتملت أن تكون: في فَرضِ السكنى للمطلقات، ومَنع إخراجهن تدل
على أن في مثل معناهن في السكنى ومنع الإخراج المتوفى عنهن؛ لأنهن في
معناهن في العدة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن على المتوفى عنها، أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله.(3/1373)
واحتمل أن يكون ذلك على المطلقات دون المتوفى عنهن، فيكون على
زوج المطلقة أن يسكنها؛ لأنه مالِك مالَه، ولا يكون على زوج المرأة المتوفى
عنها سُكْنَها؛ لأن ماله مملوك لغيره، وإنَّما كانت السكنى بالموت، إذ لا مال له - والله تعالى أعلم -.
الأم (أيضاً) : العذر الذي يكون للزوج أن يخرجَها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في المطلقات:
(لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا عبد العزيز بن محمد - الدراوردي -، عن
محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية.
أنه كان يقول: "الفاحشة المبينة: أن تبذوَ على أهل زوجها، فإذا بذت فقد حل إخراجها "، الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث فاطمة بنت قيس إذ بذت على أهل زوجها؛ فأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، تدل على معنيين:
أحدهما: أن ما تاول ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله - عزَّ وجلَّ -:
(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية، هو: البذاء على أهل زوجها كما تأول - إن شاء الله تعالى -.(3/1374)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبين إنما أذن لها أن تخرج من بيت زوجها، فلم يقل
لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: اعتدِّي حيث شئت، ولكنه حصنها حيث رضي إذ كان زوجها غائباً، ولم يكن له وكيل بتحصينها.
فإذا بذت المرأة على أهل زوجها، فجاء من بذائها ما يُخاف تساعر بذاءة
إلى تساعر الشر فلزوجها إن كان حاضراً إخراج أهله عنها، فإن لم يخرجهم
أخرجها إلى منزل غير منزله فحصَّنها فيه، وكان عليه كراؤه إذا كان له منعها
أن تعتد حيث شاءت، كان عليه كراء المنزل، وإن كان غائباً كان لوكيله من ذلك ماله، وإن لم يكن له وكيل، كان السلطان ولي الغائب، بفرض لها منزلاً فيحصنها فيه، فإن تطوع السلطان به، أو أهل المنزل فذلك ساقط عن الزوج، ولم نعلم فيما مضى أحداً بالمدينة كرى أحداً منزلاً، إنما كانوا يتطوعون بإنزال منازلهم، وبأموالهم مع منازلهم، وإن لم يتطوع به السلطان ولا غيره، فعلى زوجها كراء المنزل الذي تصير إليه.
الأم (أيضاً) : باب (حج المرأة والعبد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن اللَّه تعالى قال في المعتدات:
(وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية.
فقيل: يقام عليها الحد، فإذا كان هذا هكذا فقد
بين اللَّه - عز وجل - أنه لم يمنعها الخروج من حق لزمها.
وإن لم يكن هكذا وكان خروجها فاحشة.
فهي بالمعصية بالخروج إلى غير حق ألزم.
فإن قال قائل: ما دل على هذا؟
قيل: لم يختلف الناس - عَلِمتُه - أن
المعتدة تخرج من بيتها لإقامة الحد عليها، وكل حق لزمها.
والسنة تدل على أنها ئخرَجُ من بيتها للبذاء
كما أخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت قيس.(3/1375)
مختصر المزني: باب (مقام المطلقة في بيتها والمتوفى عنها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى في المطلقات: (وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية، وقال - صلى الله عليه وسلم - لفُرَيعة بنت مالك حين أخبرته أن زوجها قُتل، وأنه لم يتركها في مسكن يملكه:
"اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " الحديث.
قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: الفاحشة المبينة أن تبذو على أهل
زوجها، فإن بذت فقد حل إخراجها.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قدوم الشَّافِعِي العراق أيام المأمون) :
أبو ثور رحمه اللَّه: قلت - أي: للشافعي -: رحمك اللَّه، وما الخاص الذي
يريد به - الله تعالى - العام؟ وما العام الذي يريد به الخاص؟
(وكنا لا نعرف الخاص من العام، ولا العام من الخاص) .
فقال الشَّافِعِي رحمه الله: قوله جل وعلا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ)
إنما أراد به أبا سفيان.
وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ)
فهذا خاص يريد - اللَّه تعالى - به العام.(3/1376)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ)
الأم: باب (ما يجب على المرء من القيام بشهادته) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله وقال اللَّه تعالى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) الآية.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -:
والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد وقد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن
يقوم بها على والديه وولده، والقريب والبعيد، وللبغيض القريب والبعيد، ولا يكتم عن أحد ولا يحابى بها ولا يمنعها أحداً، ثم تتفرع الشهادات فيجتمعون ويختلفون فيما يلزم منها وما لا يلزم.
الأم (أيضاً) : الحربي يدخل دار الإسلام بأمان فأودع ماله ثم رجع:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قَدِم الحربي دار الإسلام بأمان فمات، فالأمان
لنفسه وماله، ولا يجوز أن تؤخذ من ماله شيء، وعلى الحاكم أن يرده إلى ورثته حيث كانوا، ولا يقبل إن لم تعرف ورثته شهادة أحد غير المسلمين، ولا يجوز في هذه الحال، ولا في غيرها شهادة أحد خالف دين الإسلام لقول اللَّه تعالى:(3/1377)
(ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية، وقوله: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)
وهذا مكتوب في كتاب الشهادات.
الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت له - أي: للمحاور -: أفتجيز شهادة أهل
الذمة على وصية مسلم اليوم كما زعمت أنها في القرآن؟
قال: لا. قلت: ولم؟
قال: هي منسوخة. قلت: بماذا؟
قال بقوله تعالى: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية.
قلت: وما نُسِخ لم يُعمل به، وعُمِل بالذي نسخه.
قال: نعم. قلت: فقد زعمت بلسانك أنك - قد - خالفت القرآن، إذ زعمت أن اللَّه شرط أن لا يجوز إلا مسلم، وأجزت كافراً - أي: شهادة الكافر -، وإذا نسخت فيما زعمت أنها نزلت فيه، أفتثبت في غير ما نزلت فيه؛ قال: لا.
قلت: فما الحجة في إجازة شهادة أهل الذمة؟
قال: إن شريحاً أجازها، فقلت له: أنت تزعم أنها منسوخة لقول اللَّه - عز وجل -: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية، أو (شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ)
يعني المؤمنين ثم تخالف هذا؟!
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت قول الله عزَّ وجلَّ:
(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)
وقوله: (حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)
فشرط العدل في هاتين الآيتين. . .(3/1378)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت له - أي: للمحاور - أرأيت لو قال لك قائل: أجز في البيع، والقذف، وشهود الزنا غير العدل كما قلت في العتق؛ لأني لم أجد في التنزيل شرط العدل كما وجدته في غير هذه الأحكام، قال: ليس ذلك له، قد يُكتفى بقول اللَّه - عز وجل (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية.
فإذا ذكر الشهود فلا يقبلون إلا ذوي عدل، وإن سكت عن ذكر العدل فاجتماعهما في أنهما شهادة يدل على أن لا يقبل فيها إلا العدل.
قلت: هذا كما قلت، فلِمَ لم تقل بهذا؟!
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - أي: المحاور - فالناس مجتمعون على أن
لا يجيزوا شهادة أهل الأوثان.
قلنا: الذي تحتج بإجماعهم معك من أصحابنا لم يردوا شهادة أهل الأوثان إلا من قول الله - عزَّ وجلَّ: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) والآية
معها، وبذلك رذوا شهادة أهل الذمة، فإن كانوا أخطؤوا فلا نحتج بإجماع
المخطئين معك، وإن كانوا أصابوا فاتبعهم، فقد اتبعوا القرآن، فلم يجيزوا شهادة من خالف دين الإسلام، قال: فإنما شريحاً أجاز شهادة أهل الذمة.
فقلت له: وخالف شريحاً غيره من أهل دار السنة والهجرة والنصرة، فأبوا
إجازة شهادتهم ابن المسيب، وأبو بكر بن حرّم وغيرهما.
الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول من ردَّ خبر الخاصة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)
وقال: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية، أفرأيت حاكمين شهد عندهما
شاهدان بأعيانهما، فكانا عند أحد الحاكمين عدلين، وعند الآخر غير عدلين؛(3/1379)
قال: فعلى الذي هما عنده عدلان أن يجيزهما، وعلى الآخر، الذي هما
عنده غير عدلين، أن يردهما.
قلت له: فهذا الاختلاف. قال: نعم.
فقلت له: أراك إذن جعلت الاختلاف حُكمين؟
فقال: لا يوجد في المغيَّب إلا هذا، وكل وإن اختلف فعله وحكمه فقد أدى ما عليه. قلت: فهكذا قلنا.
الأم (أيضاً) : الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاور - قال اللَّه تبارك وتعالى:
(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية.
قال: فلم قلت: إنها تكون للأزواج، الرجعة في العدة قبل التطليقة الثالثة.
فقلت له: لما بين اللَّه - عز وجل - في كتابه: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَاآ) .
قال: فلم قلت في قول اللَّه تعالى في المطلقات: (فَإِذَا بَلَغنَ أجَلَهُن
فَا"تسِكُوهُن بِمَغرُولمحي أو فَارِقُوهُن بِمَغزوفم) الآية، إذا قاربن بلوغ أجلهن.
وقلت: في قول اللَّه - عز وجل - في المتوفى عنها زوجها: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية.
هذا إذا قضين أجلهن؛ والكلام فيهما واحد!
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له: (بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) يحتمل قاربن البلوغ.
وبلغن: فرغن مما عليهن، فكان سياق الكلام في الآيتين دليل على فرق بينهما، لقول اللَّه تبارك وتعالى في الطلاق: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية.
وقال: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا)(3/1380)
فلا تؤمر بالإمساك إلا من يجوز له الإمساك في العدة؛ فيمن ليس لهن أن
يفعلن في أنفسهن ما شئن في العدة، حتى تنقضي العدة، وهو كلام عربي هذا
من أبينه، وأقله خفاء؛ لأن الآيتين تدلان على افتراقهما بسياق الكلام فيهما.
الأم (أيضاً) : ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر اللَّه تبارك وتعالى الطلاق في كتابه بثلاثة أسماء:
الطلاق، والفراق، والسراح، وقال عزَّ وجلَّ: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)
وقال جل ثناؤه: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية.
وقال تبارك اسمه لنبيه في أزواجه: (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فمن خاطب امرأته فأفرد لها اسماً من هذه
الأسماء، فقال: أنت طالق، أو قد طلقتك، أو قد فارقتك، أو قد سرحتك لزمه طلاق، ولم ينو في الحكم، ونوَّينَاه فيما بينه وبين الله تعالى.
الأم (أيضاً) : باب (الشهادة في الطلاق) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأمر الله - عزَّ وجلَّ في الطلاق والرجعة بالشهادة، وسمى فيها عدد الشهادات فانتهى إلى شاهدين، فدل ذلك على أن كمال الشهادة على(3/1381)
الطلاق والرجعة شاهدان، فإذا كان ذلك كمالها لم يجز فيها شهادة أقل من
شاهدين.
الأم (أيضاً) : عدة المطلقة يملك زوجُها رجعتَها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن قال هذا، ذهب إلى أن المطلق كان: إذا ارتجع
في العدة ثبتت الرجعة، لما جعل اللَّه - عز وجل - في العدة له من الرجعة، وإلى أن قول اللَّه - عز وجل -:
(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية.
لمن راجع ضراراً في العدة لا يريد حبس المرأة رغبة.
ولكن عضلاً عن أن تحل لغيره.
الأم (أيضاً) : الإذن في الهجرة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان المسلمون المستضعفين بمكة زماناً، لم يؤذن لهم
فيه بالهجرة منها، ثم أذن اللَّه - عز وجل - لهم بالهجرة، وجعل لهم مخرجاً فيقال نزلت:
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الآية.
فأعلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قد جعل اللَّه
ئبارك وتعالى لهم بالهجرة مخرجاً.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)
الأم: العدد (عدة المدخول بها التي تحيض) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: جعل - اللَّه تبارك وتعالى - على الحُيَّض الأقراء.
وعلى المؤيسات وغير البوالغ الشهور، فقال: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) .(3/1382)
فإذا كانت تحيض فإنها تصبر إلى الإياس من المحيض بالسن التي من بلغتها من نسائها أو أكثرهن لم تحض، فينقطع عنها الحيض في تلك المدة، وقد قيل: إن مدتها أكثر الحمل، وهو أربع سنين، ولم تحض كانت مؤيسة من المحيض فاعتدت ثلاثة أشهر، وقيل: تتربص تسعة أشهر
- واللَّه تعالى أعلم -، ثم تعتد ثلاثة أشهر.
الأم (أيضاً) : عدة التي يئست من المحيض والتي لم تحض:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: سمعت من أرضى من أهل العلم بقول: إن أول ما
أنزل اللَّه - عز وجل - من العدد (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)
فلم يعلموا ما عدة المرأة التي لا أفراء لها، وهي: التي لا تحبض، ولا الحامل، فأنزل اللَّه عز ذكره: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) الآية، فجعل عدة المؤشمة، والتي لم تحض ثلاثة أشهر.
وقوله: (إِنِ ارْتَبْتُمْ) فلم تدروا ما تعتد غير ذات الأقراء.
وقال اللَّه تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
قال - أي: الشَّافِعِي -: وهذا - والله أعلم - يشبه ما قالوا.
الأم (أيضاً) : العدة من الموت والطلاق والزوج غائب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال عز ذكره: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.(3/1383)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في حكم الله عز ذكره، أن العدة من يوم
يقع الطلاق وتكون الوفاة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا علمت المرأة يقين وفاة الزوج، أو طلاقه ببينة
تقوم لها على موته، أو طلاقه، أو أي علم صادق ثبت عندها، اعتدت من يوم يكون الطلاق، وتكون الوفاة وإن لم تعتد حتى تمضي عدة الطلاق والوفاة، لم يكن عليها عدة؛ لأن العدة إنما هي مدة تمر عليها، فإذا مرت عليها فليس عليها مقام مثلها.
الأم (أيضاً) : باب (الوصية للزوجة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل - في عدة الطلاق:
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) .
1 - فاحتملت الآية: أن تكون في المطلقة لا تحيض خاصة؛ لأنها سياقها.
2 - واحتملت أن تكون: في المطلقة، كل معتدة مطلقة تحيض ومتوفى
عنها؛ لأنها جامعة.
3 - ويحتمل أن يكون: استئناف كلام على المعتدات.
فإن قال قائل: فأي معانيها أولى بها؟
قيل - واللَّه تعالى أعلم -: فأما الذي
يشبه فأن تكون في كل معتدة ومستبرأة.(3/1384)
فإن قال: ما دل على ما وصفت؟
قيل: - قال الشَّافِعِي -: لما كانت
العدة استبراء وتعبداً، وكان وضع الحمل براءة من عدة الوفاة، هادماً للأربعة أشهر والعشر، كان هكذا في جميع العدد والاستبراء - واللَّه أعلم -، مع أن المعقول أن وضع الحمل غاية براءة الرحم حتى لا يكون في النفس - منه - شيء، فقد يكون في النفس شيء في جميع العدد والاستبراء، وإن كان ذلك براءة في الظاهر - واللَّه سبحانه وتعالى الموفق -.
الأم (أيضاً) : عدة الحامل:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ في المطلقات: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فافي مطلقة طُلقت حاملاً، فأجلُها أن تضع حملها.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فإن كانت تحيض على الحمل، تركت الصلاة، واجتنبها زوجها، ولم تنقضِ عدتها بالحيض؛ لأنها ليست من أهله، إنما أجلها أن تضع حملها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن كانت ترى أنها حامل، وهي تحيض فارتابت.
أحْصَتِ الحيضَ، ونظرت في الحمل، فإن مرّت لها ثلاث حيض فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة، وقد بانَ لها أن ليس بها حمل فقد انقضت عدتها بالثلاث الحيض، فإن ارتجعها زوجها في حال ارتيابها بعد ثلاث حيض، وقفنا الرجعة فإن بانَ بها حمل فالرجعة ثابتة، وإن بانَ أن ليس بها حمل فالرجعة باطلة.(3/1385)
الأم (أيضاً) : باب (في قطع العبد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى:
(وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
فقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: تعتد آخر الأجلين.
وروي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما مثل قوله، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:
إذا وضعت ذا بطنها فقد حلت.
وفي هذا كتاب وسنة، وفي الأقراء قبله كتاب ودلالة من سنة.
الرسالة: في العدد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى:
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
فقال بعض أهل العلم: قد أوجب اللَّه على المتوفى عنها زوجها أربعة
أشهر وعشراً، وذكر أن أجل الحامل أن تضع، فإذا جمعت أن تكون حاملاً متوفى عنها: أتت بالعدتين معاً، كما أجدها في كل فرضين جعلا عليها أتت بهما معاً.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسبيعة بنت الحارث الأسلمية، ووضعت بعد وفاة زوجها بأيام:
"قد حللت فنزوجي" الحديث.
دلَّ هذا على أن العدة في الوفاة والعدة في الطلاق بالأقراء والشهور؛ إنما أريد به من لا حمل به من النساء، وأن الحمل إذا كان فالعدة سواه ساقطة.(3/1386)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)
الأم: نفقة المرأة التي لا يملك زوجها رجعتها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في المطلقات: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية.
فكان بيناً - والله تعالى أعلم في هذه الآية - أنها في المطلقة التي لا يملك
زوجها رجعتها، من قِبَلِ أن اللَّه - عز وجل - لما أمر بالسكنى عامًّا ثم قال: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
دلَّ على أن الصنف الذي أمِر بالنفقة على ذوات الأحمال منهن صنف دلَّ الكتاب على أن لا نفقة على غير ذوات الأحمال منهن؛ لأنه إذا أوجب لمطلقة بصفة نفقة، ففي ذلك دليل على أنه لا تجب لمن كان في غير صفتها من المطلقات.
الأم (أيضاً) : الخلاف في نفقه المرأة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ في المطلقات:
(وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
فاستدللنا على أن لا فرض في الكتاب لمطلقة مالكة لأمرها غير حامل.(3/1387)
قال - أي: المحاور -: فإنه - سبحانه وتعالى - قد ذكر المطلقات مرسلات، لم يخصص واحدة دون الأخرى، وإن كان كما تقول ففيه دلالة على أن لا نفقة لمطلقة، وإن كان زوجها يملك الرجعة، وما مبتدأ السورة إلا على المطلقة للعدة.
قلتُ له: قد يطلق للعدة ثلاثاً.
قال - أي: المحاور -: فلو كان كما تقوق ما كانت الدلالة على أنه أراد
بمنع النفقة المبتوتة دون التي له رجعة عليها.
قلتُ: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طًله ئثبت أن الممنوعة النفقة المبتوتة بحميع الطلاق دون التي لزوجها عليها الرجعة، ولو لم تدل السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فكانت
الآية تأمر بنفقة الحامل، وقد ذكر المطلقات فيها، دلت على أن النفقة للمطلقة الحامل دون الطلقات سواها، فلم يجز أن ينفق على مطلقة إلا أن يجمع الناس على مطلقة تخالف الحامل إلى غيرها من المطلقات، فيُنفق عليها بالإجماع دون غيرها.
الأم (أيضاً) : عدة الأمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك إن كانت - أي: الأمة - مطلقة طلاقاً لا
يملك الرجعة، كانت عليه نفقتها حاملاً ما لم يخرجها سيدها من منزله؛ لأن
الله - عز وجل - يقول في المطلقات: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
ولم نجد أثراً لازماً ولا إجماعاً بأن لا ينفق على الأمة الحامل، ولو
ذهبنا إلى أن نزعم أن النفقة على الحامل إنما هي للحمل، كانت نفقة الحمل لا تبلغ بعض نفقة أمة، وكما يكون لو كان مولوداً لم تبلغ نفقته بعض نفقة أمه، ولكنه حكم اللَّه تعالى علينا اتباعه تعبداً.(3/1388)
وقد ذهب بعض الناس إلى أن جعل للمطلقة لا يملك زوجها رجعتها
النفقة قياساً على الحامل، فقال: الحامل محبوسة بسببه، وكذلك المعتدة بغير
الحمل محبوسة بسببه عن الأزواج.
فذهبنا: إلى أنه غلط، وإنَّما أنفقنا على الحامل بحكم اللَّه - عز وجل - لا بأنها محبوسة بسببه، وقد تكون محبوسة بسببه بالموت ولا نفقة لها، واستدللنا بالسنة على أن لا نفقة للتي لا يملك زوجها رجعتها إذا لم تكن حاملاً.
الأم (أيضاً) : باب (الطلاق) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً وقد دخل بها، فإن
أبا حنيفة رحمه اللَّه تعالى كان يقول في ذلك: لها السكنى والنفقة حتى تنقضي
عدتها وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: لها السكنى وليس لها النفقة. وقال أبو حنيفة: ولِمَ؟ وقد قال الله - عزَّ وجلَّ في كتابه: (فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)
وبلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه جعل للمطلقة ثلاثاً السكنى والنفقة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً ولا حبل بها، فلها
السكنى وليس لها نفقة، وهذا مكتوب في كتاب الطلاق.
الأم (أيضاً) : باب (سكنى المطلقات ونفقاتهن) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عز ذكره في المطلقات: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية.(3/1389)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر اللَّه - عز وجل - المطلقات جملة لم يخصص منهن مطلقة دون مطلقة، فجعل على أزواجهن أن يسكنوهن من وجدهن، وحرم عليهم أن يخرجوهن، وعليهن أن يخرجن إلا أن - يأتين - بفاحشة مبينة فيحل إخراجهن، فكان من خوطب بهذه الآية من الأزواج يحتمل أن إخراج الزوج امرأته المطلقة من بيتها منعها السكنى.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويحتمل أمر اللَّه - عز وجل - بإسكانهن وأن لا يخرجن، ولا يخرجن مع ما وصفت أن لا يخرجن بحال ليلاً ولا نهاراً، ولا لمعنى إلا معنى عذر.
وقد ذهب بعض من ينسب إلى العلم في المطلقة هذا المذهب، فقال: لا
يخرجن ليلاً ولا نهاراً بحال إلا من عذر.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو فعلت هذا كان أحب إليَّ، وكان احتياطاً لا
يبقى في القلب معه شيء.
الأم (أيضاً) : الإجارات:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأجارات أصول في أنفسها، بيوع على وجهها.
وهذا كله جائز، قال الله تبارك وتعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)
فأجاز الإجارة على الرضاع، والرضاع يختلف لكثرة رضاع المولود وقلته.
وكثرة اللبن وقلته، ولكن لما لم يوجد فيه إلا هذا جازت عليه، وإذا جازت عليه جازت على مثله، وما هو في مثل معناه، وأحرى أن يكون أبين منه.(3/1390)
الأم (أيضاً) : وجوب نفقه المرأة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) .
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا ابن عيينه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن
عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هنداً قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما يدخل بيتي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة.
عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها حدثته أن هنداً أم معاوية، جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما
يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سراً وهو لا يعلم، فهل عليَّ في ذلك من
شيء؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"خدي ما يكفيك وولدك بالمعروف" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: (في قول الله عزَّ وجلَّ:
(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الآية.
بيان أن على الأب أن يقوم بالمؤنة التي في صلاح
صغار ولده من رضاع، ونفقة، وكسوة، وخدمة.(3/1391)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وينفق على ولده حتى يبلغوا المحيض والحلم، ثم لا
نفقة لهم عليه إلا أن يتطوع، إلا أن يكونوا زَمنَى فينفق عليهم قياساً على النفقة عليهم، إذا كانوا لا يُغنون أنفسهم في الصغر، وسواء في ذلك الذكر والأنثى.
الأم (أيضاً) : النفقة على الأقارب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففي كتاب الله - عزَّ وجلَّ، ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيان أن الإجارة جائزة على ما يعرف الناس، إذ قال اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية.
والرضاع يختلف فيكون صبي أكثر رضاعاً من صبي، وتكون امرأة أكثر لبناً
من امرأة، ويختلف لبنها فيقل ويكثر، فنجوز الإجارة على هذا؛ لأنه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به من هذا.
الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في النكاح على الإجارة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الصداق ثمن من الأثمان، فكل ما يصلح أن يكون
ثمناً صلح أن يكون صداقاً. ..
فإن قال قائل: ما دلَّ على هذا؟
قيل: إذا كان المهر ثمناً كان في معنى هذا، وقد أجازه اللَّه - عز وجل - في الإجارة في كتابه، وأجازه المسلمون، وقال اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية.
مختصرالمزني: نفقة التي لا يملك زوجها رجعتها وغير ذلك:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى:
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)
وقال: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(3/1392)
فلما أوجب اللَّه لها نفقة بالحمل، دل على أن لا نفقة لها بخلاف الحمل.
ولا أعلم خلافاً أن التي يملك رجعتها في معاني الأزواج في أن عليه نفقتها
وسكناها، وأن طلاقه، وإيلاءه، وظهاره، ولعانه يقع عليها وأنها ترثه ويرثها.
فكانت الآية على غيرها من المطلقات، وهي التي لا يملك رجعتها وبذلك
جاءت سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فاطمة بنت قيس: بتَّ زوجُها طلاقَها، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
"ليس لكِ عليه نفقة" الحديث.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في العدة وفي الرضاع وفي النفقات:
وبهذا الإسناد في (الإملاء) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يلزم المرأة رضاع ولدها، كانت عند زوجها، أو لم تكن، إلا إن شاءت.
وسواء كانت شريفة، أو دنيَّة، أو موسرة، أو معسرة.
لقول اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)
الأم: باب (قَذرِ النفقة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والنفقة نفقتان:
1 - نفقة الموسر.(3/1393)
2 - ونفقة المقتر عليه رزقه، وهو: الفقير، قال اللَّه - عز وجل -: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأقل ما يلزم المقتر من نفقة امرأته بالمعروف ببلدهما.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن كان المعروف أن الأغلب من نظرائها لا تكون
إلا مخدومة، عالها وخادماً لها واحداً لا يزيد عليه، وأقل ما يعولها به وخادمها
ما لا يقوم بدن أحد على أقل منه، وذلك مدٌّ بمدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في كل يوم من طعام البلد الذي يقتاتون (حنطة كان أو شعيراً أو ذرة أو أرزاً أو سلقاَ)
ولخادمها مثله، ومكيلة من أدُمِ بلادها (زيتاً كان أو سمناً) ، بقدر ما يكفي ما
وصفت من ثلاثين مداً في الشهر، ولخادمها شبيه به، ويفرض لها في دهن ومشط أقل ما يكفيها، ولا يكون ذلك لخادمها؛ لأنه ليس بالمعروف لها.(3/1394)
سورة التحريم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ)
الأم: الحجة في ألبتة وما أشبهها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ)
فلما لم يُرد الزوج بتحريم امرأته طلاقاً كان أوقع التحريم على فرج
مباح له، لم يحرم بتحريمه، فلزمته كفارة فيه، كما لزم من حرّم أمته كفارة فيها، ولم تحرم عليه لتحريمه؛ لأنهما معاً تحريم لفرجين لم يقع بواحد منهما طلاق.
ولو قال: كل ما أملك علي حرام يعني امرأته وجواريه وماله، كفَّر عن
امرأته والجواري كفَّارة كفَّارة إذا لم يرد طلاق المرأة.
ولو قال: مالي على حرام لا يريد امرأته ولا جواريه لم يكن عليه كفَّارة.
ولم يحرم عليه ماله.(3/1395)
الأم (أيضاً) : باب (الطلاق) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قال الرجل لامرأته أنت على حرام، فإن نوى
طلاقاً فهو طلاق، وهو ما أراد من عدد الطلاق، والقول في ذلك قوله مع يمينه، وإن لم يرد طلاقاً فليس بطلاق، ويكفر كفارة يمين قياساً على الذي يُحرّم أمته، فيكون عليه فيها الكفارة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم أمته فأنزل اللَّه - عز وجل -: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ) الآية.
وجعلها اللَّه - عز وجل - يميناً فقال: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)
الرسالة: باب (بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله خاص) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله جل ثناؤه: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)
فدلَّ كتاب اللَّه على أنه: إنما وَقُودها بعض الناس، لقول الله: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) .(3/1396)
سورة الملك
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ. . .)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام
وصحة اعتقاده فيها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وروي عن عون بن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبيه.
واختلف عليه في إسناده ومتنه، وهو إن صح فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - خاطبها على قَدرِ معرفتها، فإنها وأمثالها قبل الإسلام - كانوا يعتقدون في الأوثان أنها آلهة في الأرض، فأراد أن يعرف إيمانها، فقال لها: أين اللَّه؟ حتى إذا أشارت إلى الأصنام عرف أنها غير مؤمنة، فلما قالت: في السماء، عرف أنها برئت من الأوثان، وأنها مؤمنة بالله الذي في السماء إله وفي الأرض إله، أو أشار، وأشارت إلى ظاهر ما ورد به الكتاب.
ثم معنى قوله في الكتاب: (مَنْ فِي السَّمَاءِ) الآية، أي: من فوق
السماء على العرش.(3/1397)
سورة القلم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)
الأم: الخلاف (أي: (الفيء) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا من أهل العلم أنه لما قدم على عمر بن
الخطاب رضي اللَّه عنه بما أصيب بالعراق، قال له صاحب بيت المال: ألا أدخِلُه بيت المال؛ قال: لا ورب الكعبة لا يؤوى تحت سقف بيت حتى أقسمه، فأمر به فوضع بالمسجد، ووضعت عليه الأنطاع وحرسه رجال المهاجرين والأنصار.
فلما أصبح غدا مع العباس بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنهما، أخذ بيد أحدهما، أو أحدهما أخذ بيده، فلما رأوه قشطوا الأنطاع عن الأموال، فرأى منظراً لم يُرَ مثله، رأى الذهب فيه، والياقوت، والزبرجد، واللؤلؤ يتلألأ، فبكى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فقال له أحدهما: - إنه - والله ما هو بيوم بكاء، ولكنه يوم شكر وسرور. فقال: إني واللَّه ما ذهبتُ حيث ذهبتَ.
ولكنه واللَّه ما كثر هذا في قوم قط إلا وقع بأسهم بينهم، ثم أقبل على القبلة،(3/1398)
ورفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرَجاً
فإني أسمعك تقول: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) الآية.(3/1399)
سورة المعارج
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)
الأم: تسرى العبد:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) .
فدل كتاب اللَّه - عز وجل - على أن ما أباحه من
الفروج فإنما أباحه من أحد الوجهين: النكاح، أو ما ملكت اليمين.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" الحديث.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -:. فدل الكتاب والسنة أن العبد لا يكون مالكاً مالاً بحال، وأن ما نسب إلى ملكه إنما هو إضافة اسم ملك إليه لا حقيقته، كما يقال للمعلم غلمانك، وللراعي غنمك، وللقيم على الدار دارك إذا كان يقوم بأمرها.(3/1400)
فلا يحل - والله تعالى أعلم - للعبد أن يتسرى، أذن له سيده أو لم يأذن له.
لأن الله تعالى إنما أحل التسري للمالكين، والعبد لا يكون مالكاً بحال.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في القضايا والشهادات:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيما يجب على المرء من القيام بشهادته إذا شهد -
وذكر عدة آيات تتعلق بالشهود والشهادة ومنها -:
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الذي أحفظه عن كل من سمعت منه - من أهل
العلم في هذه الآيات - أنه في الشاهد قد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن
يقوم بها على والديه، وولده، والقريب والبعيد، وللبغيض (البعيد والقريب) ، ولا يكتم عن أحدٍ، ولا يحابى بها، ولا يمنعها أحداً.(3/1401)
سورة نوح
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا)
الأم: القراءة في العيدين:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاحب أن يقرأ في العيدين: في الركعة الأولى بـ:
(ق) وفي الركعة الثانية بـ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) .
وكذلك أحب أن يقرأ في الاستسقاء، وإن قرأ في الركعة الثانية من
الاستسقاء: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) أحببت ذلك.
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي كتاب الله تبارك وتعالى دليل على ما وصفتُ.
قال اللَّه: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا)) الآية، فأقام جل ثناؤه حجته على خلقه في أنبيائه، في الأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم، وكانت الحجة بها ثابتة على من شاهد أمور الأنبياء ودلائلهم التي باينوا بها غيرهم، ومن بعدهم، وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء، تقوم الحجة بالواحد منهم قيامَها بالأكثر.(3/1402)
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
الأم: كيف الخطبة في الاستسقاء ":
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويخطب الإمام في الاستسقاء خطبتين، كما يخطب
في صلاة العيدين، يكبر الله فيهما، ويحمده، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويكثر فيهما الاستغفار حتى يكون أكثر "كلامه، ويقول كثيراً: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) الآيتان.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا)
مختصر المزني: باب (يذكر فيه الأيام المعلومات والمعدودات) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله،: والأيام المعلومات العشر، وآخرها يوم النحر.
والمعدودات ثلاثة أيام بعد النحر.
قال المزني رحمه الله: سماهن الله - عز وجل - باسمين مختلفين، وأجمعوا أن الاسمين لم يقعا على أيام واحدة، وإذا لم يقعا على أيام واحدة، فأشبه الأمرين أن تكون(3/1403)
كل أيام منها غير الأخرى، كما أن اسم كل يوم غير الآخر، وهو ما قال
الشَّافِعِي عندي.
قال المزني رحمه اللَّه: فإن قيل لو كانت المعلومات العشر لكان النحر في
جميعها، فلما لم يجز النحر في جميعها بطل أن تكون المعلومات فيها، يقال له: قال الله - عز وجل -: (سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا) الآيتان.
وليس القمر في جمعها وإنما هو في واحدها، أفيبطل أن يكون القمر فيهن نوراً كما قال الله - عز وجل -، وفي ذلك دليل لما قال الشَّافِعِي وبالله التوفيق.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر اللَّه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - جواباً من جواب بعض من عبد غيره من هذا الصنف، حكى اللَّه تبارك وتعالى عنهم: (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا) .
الآيتان.(3/1404)
سورة الجن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)
مناقب الشَّافِعِي:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض على الوجه: السجود لله بالليل والنهار.
ومواقيت الصلاة، فقال في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
وقال: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) الآية.
يعني: بالمساجد، ما يَسجُد عليه ابن آدم في صلاِته من الجبهة وغيرها.(3/1405)
سورة المزمل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)
الأم: أول ما فرضت الصلاة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: سمعت من أثق بخبره وعلمه، يذكر أن اللَّه أنزل
فرضاً في الصلاة، ثم نسخه بفرض غيره، ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات
الخمس.(3/1406)
قال: - أي الشَّافِعِي -: كأنه يعني لْول اللَّه - عز وجل -:
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)
ثم نسخها في السورة معه بقول اللَّه جل ثناؤه:
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية.
فنسخ قيام الليل أو نصفه أو أقل أو كثر بما تيسر.
وما أشبه ما قال بما قال، وإن كنت أحب أن لا يدع أحد
أن يقرأ ما تيسر عليه من ليلته، ويقال: نسخت ما وصفت من المزمل بقول اللَّه - عز وجل -: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) الآية.
الأم (أيضاً) : باب (كيف قراءة المصلي؟) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك،. تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأقل الترتيل ئرك العجلة في القراءة عن الإبانة، وكلما زاد على أقل الإبانة في القراءة كان أحب إليَّ، ما لم يبلغ أن تكون الزيادة فيها تمطيطاً، وأحب ما وصفت لكل فارئ في صلاة وغيرها، وأنا له في المصلي أشد استحباباً منه للقاري في غير صلاة، فإذا أيقن المصلي أن لم يبق من القراءة شيء إلا نطق به، أجزأته قراءته، ولا يجزئه أن يقرأ في صدره القرآن ولم ينطق به لسانه.
الأم (أيضاً) : باب (الخلاف فيه) أى: فيمن دخل في صلاة أو صوم هل له قطع ما دخل فيه قبل تمامه ":
قال الشَّافِعِي رحمه الله: سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجدةً شكراً لله - عز وجل -.
أخبرنا بذلك الدراوردي.
وسجد أبو بكر - رضي الله عنه - شكراً لله تبارك وتعالى حين جاءه قتل(3/1407)
مسيلمة، وسجد عمر - رضي الله عنه - حين جاءه فتح مصر شكراً لله جل اسمه، فإذا جاز أن يتطوع لله بسجدة فكيف كرهت - الخطاب: للمحاوَر - أن يتطوع بأكثر منها؟
وقلت له: ولو أن رجلاً ذهب في قول الله تبارك وتعالى في المزمل حين خُفّفَ
قيام الليل ونصفه، قال: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية.
يعني: صلوا ما تيسر أن يكون، جعل ذلك إليهم فيما قد وضع عنهم فرضه بلا توقيت، كان أقرب إلى أن يشبه أن يكون هذا له حجة، واللَّه تعالى أعلم منك.
وقد أوتر عثمان بن عفان وسعد وغيرهما رضي اللَّه عنهم أجمعين بركعة
في الليل، لم يزيدوا عليها بعد المكتوبة.
أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال:
أخبرني عتبة بن محمد بن الحارث، أن كريباً مولى ابن عباس رضي اللَّه عنهما، أخبره أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة لم يزد عليها فأخبرنا ابن
عباس رضي الله عنهما، فقال: أصاب - أي: بني -، ليس أحد منا أعلم من معاوية هي واحدة، أو خمس، أو سبع إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء.
الرسالة: الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب على بعضه، والسنة على بعضه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: مما نقل بعض مَن سمعت منه من أهل العلم: أن
الله أنزل فرضاً في الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس فقال:
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) .
الآيات.
ثم نسخ هذا في السورة معه فقال:
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الآية.(3/1408)
ولما ذكر الله بعد أمره بقيام الليل نصفه إلا قليلاً أو الزيادة عليه، فقال: (أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) الآية.
فخفف فقال: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى)
قرأ إلى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) الآية.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فكان بيناً في كتاب اللَّه نسخ قيام الليل ونصفه والنقصان من النصف والزيادة عليه بقول اللَّه: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية.
فاحتمل قول اللَّه: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية، معنيين
أحدهما: أن يكون فرضاً ثابتاً؛ لأنه أزيل به فرض غيرُه.
والآخر: أن يكون فرضاً منسوخاً أزيل بغيره، كما أزيل به غيره، وذلك
لقول الله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) .
فاحتمل قوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) :
أن يتهجد بغير الذي فُرضِ عليه، مما تيسر منه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد
المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على ألا واجب من الصلاة إلا الخمس، فصرنا إلى أن الواجب الخمس، وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها: منسوخ بها استدلالاً بقول الله:
(فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) وأنها ناسخة لقيام الليل، ونصفه، وثلثه، وما تيسر.
ولسنا نحب لأحد تركَ أن يتهجد بما يسره الله عليه من كتابه مصلياً به.
وكيف ما أكثر فهو أحب إلينا.
أخبرنا مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن
عبيد الله - رضي الله عنه - يقول: جاء أعرابي من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته،(3/1409)
ولا نفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"خمس صلوات في اليوم والليلة".
فقال: هل علي غيرها؟
فقال: " لا إلا أن تطوع ".
قال: وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صيام شهر رمضان، فقال: هل عليَّ غيره؟
قال: " لا، إلا أن تطوع ".
فأدبر الرجل وهو يقول: لا أزيد على هذا ولا أنقص منه.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أفلح إن صدق" الحديث.
ورواه عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"خمس صلوات كتبهن الله على خلقه فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقنَّ: كان له عن الله عهداً أن يدخله الجنة" الحديث.(3/1410)
سورة المدثر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
الأم: باب (طهارة الثياب)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) الآية، فقيل: يصلي في ثياب طاهرة، وقيل: غير ذلك.
والأول أشبه؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يغسل دم الحيض من الثوب.
فكل ثوب جُهل من ينسجه، أنسجه مسلم أو مشرك أو وثني أو مجوسي أو
كتابي، أو لبسه واحد من هؤلاء، أو صبي، فهو على الطهارة حتى يعلم أن فيه نجاسة، وكذلك ثياب الصبيان؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص وهي صبية عليها ثوب صبي.
والاختيار أن لا يصلى في ثوب مشرك ولا سراويل ولا إزار ولا رداء
حتى يغسل من غير أن يكون واجباً، وإذا صلى رجل في ثوب مشرك أو
مسلم، ثم علم أنه كان نجساً أعاد ما صلى فيه.(3/1411)
سورة القيامة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)
الأم: باب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجوز له - أي: لأحدٍ - أن يحكم ولا يفتي
بالاستحسان، إذ لم يكن الاستحسان واجباً، ولا في واحد من هذه المعاني. فإن قال قائل: فما يدل على أن لا يجوز أن يستحسن إذا لم يدخل الاستحسان في هذه المعاني مع ما ذكرت في كتابك هذا؟
قيل: قال اللَّه - عز وجل -: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) الآية.
فلم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت، أن السُّدَى:
الذي لا يؤمر ولا ينهى.
ومن أفتى أو حكم بما لم يؤمر به، فقد أجاز لنفسه أن يكون في معاني
السدى، وقد أعلمه اللَّه أنه لم يتركه سدى! ورأى أن قال: أقول بما شئت، وادعى ما نزل القرآن بخلافه في هذا، وفي السنن، فخالف منهاج النبيين، وعوام حكم جماعة مَن روي عنه من العالمين.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قول اللَّه - عز وجل -:
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) الآية.
إن من حكم أو أفتى بخبر لازم أو قياس عليه فقد أدَّى ما كُلِّف،(3/1412)
وحكم وأفتى من حيث أمر، فكان النص مؤدياً ما أمر به نصاً، وفي القياس
مؤدياً ما أمر اجتهاداً، وكان مطيعاً لله في الأمرين، ثم لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بطاعة اللَّه، ثم رسوله، ثم الاجتهاد، فيروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ - رضي الله عنه -: بم تقضي؟ "، قال: بكتاب اللَّه.
قال: "فإن لم يكن في كتاب الله؟ ".
قال: بسنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.
قال: "فإن لم يكن؟ ".
قال: أجتهد.
قال: "الحمد لله الدي وفق رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الحديث.
وقال: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران.
وإن أخطا فله أجر" الحديث.
فأعلم أن للحاكم الاجتهاد والمقيس في موضع الحكم.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن استجاز أن يحكم أو يفتي بلا خبر لازم، ولا
قياس عليه، كان محجوجاً بأن معنى قوله: أفعل ما هويت، وإن لم أومر به، خالف معنى الكتاب والسنة، فكان محجوجاً على لسانه، ومعنى ما لم أعلم فيه مخالفاً.
الرسالة: باب (كيف البيان؟) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك أخبرهم عن قضائه فقال:
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) الآية.
والسُّدى: الذي لا يؤمر ولا ينهى.
وهذا يدل على أنه ليس لأحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول إلا بالاستدلال بما وصفتُ في هذا، وفي العدل وفي جزاء الصيد، ولا يقول بما استحسن، فإن القول بما استحسن شيء يحدثه لا على مثال سبق.(3/1413)
سورة الإنسان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى:. . . (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ)
الآية، فقيل - والله أعلم -: نطفة الرجل مختلطة بنطفة المرأة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما اختلط سَمَّته العرب أمشاجاً.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)
الأم: جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: جماع الوفاء بالنذر وبالعهد، كان بيمين أو
غيرها، في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(3/1414)
وفي قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) الآية.
وقد ذكر اللَّه - عز وجل - الوفاء بالعقود بالأيمان في غير آية من كتابه. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا من سَعَة لسان العرب الذي خوطبت به.
وظاهره عام على كل عقد، ويشبه - واللَّه أعلم - أن يكون أراد الله - عزَّ وجلَّ أن يُوفي - بكل عقد كان بيمين أو غير يمين - وكل عقدٍ نُذِرَ، إذا كانت في العقد لله طاعة، ولم يكن فيما أمر بالوفاء به معصية.
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
الأم: في المرأة تسبى ثم يسبى زوجها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقالت: إن أمي أتتني وهي راغبة في عهد قريش، أفَأصِلُها؟
قال: نعم " الحديث.
وأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فكسا ذا قرابة له - مشركاً - بمكة.
وقال اللَّه - عز وجل -: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) الآية.(3/1415)
اختلاف الحديث: باب (عطية الرجل لولده) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد حمد اللَّه جل ثناؤه على إعطاء المال والطعام في
وجوه الخير، وأمر بهما، فقال:
(وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ) الآية.
وقال: (مِسْكِينًا وَيَتِيمًا) الآية.
فإذا جاز هذا للأجنبيين وذوي القربى فلا أقرب من الولد.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومعقول أن السعي - في هذا الموضع -: العمل لا
السعي على الأقدام، قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) الآية
وقال عز وجل: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الآية وقال: (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) :
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حيان القاضي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن زياد قال: أخبرني أبو يحيى الساجي (أو فيما أجاز لي مشافهة) قال: حدثنا الربيع قال:(3/1416)
سمعت الشَّافِعِي رحمه الله يقول: في كتاب الله - عزَّ وجلَّ المشيئة له دون خلقه.
والمشيئة: إرادة اللَّه، يقول الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الآية.
فأعلم خلقه: أن المشيئة له.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في إثبات المشيئة لله تعالى وهي من صفات الذات) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن مشيئة العباد هي إلى اللَّه تعالى، ولا يشاؤون إلا
أن يشاء الله رب العالمين، فإن الناس لم يخلقوا أعمالهم، وهي خَلْقٌ من خَلْقِ الله تعالى - أفعال العباد - وإن القدر خيره وشره من اللَّه - عز وجل -، وإن عذاب القبر حق، ومساءلة أهل القبور حق، والبعث حق، والحساب حق، والجنة والنار، وغير ذلك مما جاءت به السنن، فظهرت على ألسنة العلماء وأتباعهم من بلاد المسلمين حق.(3/1417)
سورة المرسلات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)
الأم: باب (القراءة في المغرب) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن
عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس، عن أم الفضل بنت الحارث رضي اللَّه عنهم سمعته يقرأ: (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) الحديث.
فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة أنها لآخر ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب.
فقلت للشافعي: فإنا نكره أن يقرأ في المغرب بالطور والمرسلات، ونقول: يقرأ بأقصر منهما فقال: وكيف تكرهون ما رويتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله؟!
الأمر رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخالفه، فاخترتم إحدى الروايتين على الأخرى؟!
أو رأيتم لو لم أستدل على ضعف مذهبكم في كل شيء، إلا أنكم تروون
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ثم تقولون نكرهه، ولم ترووا غيره، فأقول: إنكم اخترتم غيره عن النبي؟
لا أعلم أن أحسن حالكم أنكم قليلو العلم ضعفاء المذهب.(3/1418)
قال الله عزَّ وجلَّ: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)
إحياء علوم الدين:
روى عبد اللَّه بن محمد البلوي: كنت أنا وعمر بن نباته جلوساً نتذاكر
العُبَّاد والزهاد، فقال لي عمر: ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشَّافِعِي - رحمه الله -، فرحت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا، وكان الحارث تلميذاً لصالح المري، فافتتح يقرأ، وكان حسن الصوت، فقرأ هذه الآية عليه:
(هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) .. الآيتان.
فرأيت الشَّافِعِي - رحمه الله - وقد تغير لونه واقشعر جلده، واضطرب اضطراباً شديداً وخرَّ مغشياً عليه، فلما أفاق جعل يقول: أعوذ بك من مقام الكاذبين، وإعراض الغافلين، اللهم خضعت للك قلوب العارفين، وذلَّت لك رقاب المشتاقين، إلهي هب لي جودك.
وجللني بسترك، واعف عن تقصيري بكرم وجهك.
قال: ثم مشى وانصرفنا.(3/1419)
قال الله عزَّ وجلَّ: (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38)
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على اجتهاد الشافعى في طاعة ربه وزهده في الدنيا) :
أخبرني محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم قال: جلسنا يوماً نتذاكر الزُّهاد
والعبَّاد، وما بلغ من فصاحتهم حتى ذكرنا ذا النون، فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا عمر بن نباته فقال: فيما تشاجرون؟
فقلنا: نتذاكر الزهاد والعبَّاد وما بلغ من فصاحتهم حتى ذكرنا ذا النون. فقال: واللَّه ما رأيت رجلاً قط أفصح ولا أورع من محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمة اللَّه عليه.
ثم قال: خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد ذات يوم إلى الصفا فافتتح الحارث، وكان غلاماً لصالح المري، فقرأ:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
(هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ)
فرأيت الشَّافِعِي قد اضطرب، ثم بكى بكاء شديداً، ثم لم يتمالك أن قال:
إلهي، أعوذ بك من مقال الكاذبين، وإعراض الغافلين، إلهي، لك خضعت
قلوب العارفين، وذلَّت هيبة المشتاقين، إلهي هب لي جودك، وجللني بسترك، واعف عن توبيخي بكرم وجهك، يا أرحم الراحمين.(3/1420)
مناقب الشَّافِعِي: عبادته وكثرة قراءته للقرآن:
وروى الحافظ ابن عساكر أن الشَّافِعِي رحمه اللَّه قرأ يوماً هذه الآية:
(هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) .. الآيات.
فلم يزل يبكي حتى غُشِيَ عليه، رحمه اللَّه.(3/1421)
سورة النازعات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه لنبيه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) .
فحجب عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - علم
الساعة، وكان من جاور ملائكة اللَّه المقربين وأنبياءه المصطفين من عباد اللَّه
أقصر علماً من ملائكته وأنبيائه؛ لأن اللَّه - عز وجل - فرض على خلقه طاعة نبيه، ولم يجعل لهم بعد من الأمر شيئاً، وأولى أن لا يتعاطوا حكماً على غيب أحد، لا بدلالة، ولا ظن، لتقصير علمهم عن علم أنبيائه، الذين فرض اللَّه تعالى عليهم الوقف عما ورد عليهم حتى يأتيهم أمره، فإنه جل وعز ظاهر عليهم الحجج فيما جعل إليهم من الحكم في الدنيا، بأن لا يحكموا إلا بما ظهر من المحكوم عليه، وأن لا يجاوزوا أحسن ظاهره. . .(3/1422)
مختصر المزني: ومن كتاب الرسالة إلا ما كان معاداً:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن عروة قال: لم يزل
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن الساعة، حتى أنزل اللَّه عليه: (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) الآية، فانتهى، الحديث.(3/1423)
سورة التكوير
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)
الأم: القراءة في الخطبة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: حدثني محمد بن
عمرو بن حَلْحَلَة، عن أبي نعيم (وهب بن كيسان) ، عن حسن بن محمد بن
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، أن عمر - رضي الله عنه - كان يقرأ في خطبته يوم الجمعة: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) حتى يبلغ: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) .
ثم يقطع السورة، الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن هشام، عن أبيه
أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ بذلك على المنبر، الحديث.(3/1424)
مختصر المزني: ومن كتاب (اختلاف الحديث) باب (القراءة في الصلاة) :
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن مسعر، عن الوليد بن سريع.
عن عمرو بن حريث قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصبح: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يعني يقرأ في الصبح: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) .
الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)
الأم: قتل الولدان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال جل ثناؤه: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) .. الآيتان.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان بعض العرب تقتل الإناث من ولدها صغاراً
خوف العَيلَةِ عليهم، والعار بهم، فلما نهى الله عز ذكره عن ذلك من أولاد
المشركين دل على تثبيت النهي عن قتل أطفال المشركين في دار الحرب، وكذلك دلت عليه السنة مع ما دل عليه الكتاب، من تحريم القتل بغير حق.(3/1425)
قال الله عزَّ وجلَّ: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)
الأم: القراءة في الخطبة:
انظر تفسير الآية الأولى من سورة التكوير، لأنها مرتبطة بهذه الآية، فلا
حاجة للتكرار.
مختصر المزني: ومن كتاب (إيجاب الجمعة) :
انظر تفسير الآية الأولى من سورة التكوير، لأنها مرتبطة بهذه الآية، فلا
حاجة للتكرار.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)
الأم: باب (الوتر والقنوت والآيات) :
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا يزيد بن هارون، عن حماد، عن
عاصم، عن أبي عبد الرحمن، أن علياً - رضي الله عنه - خرج حين ثوَّبَ المؤذن، فقال: أين السائل عن الوتر؟
نعم ساعة الوتر هذه، ثم قرأ: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) .. الآيتان.
وهم لا يأخذون بهذا، ويقولون ليس هذه من ساعات الوتر.(3/1426)
مختصر المزني: ومن كتاب (اختلاف الحديث) باب (القراءة في الصلاة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن مسعر، عن الوليد بن سريع.
عن عمرو بن حريث، قال: سمعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصبح: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يعني قرأ في الصبح: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)
الأم: ما يكره من الكلام في الخطبة وغيرها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال رجل يا رسول اللَّه: ما شاء اللَّه وشئت، فقال
رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "أمثلان؟!
قل ما شاء الله ثم شئت" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وابتداء المشيئة مخالفة للمعصية؛ لأن طاعة رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ومعصيته تبع لطاعة اللَّه تبارك وتعالى ومعصيته؛ لأن الطاعة والمعصية منصوصتان بفرض الطاعة من الله - عزَّ وجلَّ، فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاز أن يقال
فيه: من يطع اللَّه ورسوله، ومن يعص الله ورسوله لما وصفت.
والمشيئة إرادة اللَّه تعالى.(3/1427)
قال الشَّافِعِي رحمه الله ئعاك: قال اللَّه - عز وجل -: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) الآية.
فأعلم خلقه أن: المشيئة له دون خلقه، وأن مشيئتهم لا
تكون إلا أن يشاء الله - عزَّ وجلَّ فيقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما شاء الله ثم شئت، ويقال: من يطع الله ورسوله على ما وصفت، من أن اللَّه تبارك وتعالى تعبد الخلق بأن فرض طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أطيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أطيع اللَّه بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم.(3/1428)
سورة المطففين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) :
أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الحافظ قال: سمعت أبا محمد جعفر بن محمد بن
الحارث يقول: سمعت أبا عبد اللَّه الحسين بن محمد بن الضحاك (المعروف بابن بحر) يقول: سمعت إسماعيل بن يحيى المزني يقول: سمعت ابن هرم القرشي يقول:
سمعت الشَّافِعِي يقول في قول اللَّه - عز وجل -: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) الآية.
قال: فلما حجبهم في السخط، كان في هذا دليل على أنهم
يرونه في الرضا.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في إثبات الرؤيا) :
أنبأني أبو القاسم (الحسن بن محمد بن حبيب المفسِّر) رحمه اللَّه، إجازة.
قال: سمعت أبا علي (الحسن بن أحمد الخياط) النَّسوي بها، يقول: سمعت(3/1429)
أبا نعيم (عبد الملك بن محمد بن عدي الجُرجاني) يقول: سمعت الربيع بن
سليمان يقول: كنت ذات يوم عند الشَّافِعِي رحمه اللَّه وجاءه كتاب من الصعيد - وهو اسم موضع بمصر - يسألونه عن قول اللَّه جل ذكره:
(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) الآية.
فكتب فيه: لما حجب اللَّه قوماً بالسخط، دلَّ على أن
قوماً يرونه بالرضا.
قال الربيع: قلت له: أو تدين بهذا يا سيدي؟
فقال: واللَّه لو لم يوقن محمد ابن إدريس أنه يرى ربه في الميعاد لما عبده في الدنيا.
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد
الأسدأباذي قال: حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن عقيل الفريابي قال: حدثنا المزني قالْ سمعت ابن هرم القرشي يقول:
سمعت الشَّافِعِي يقول في قول اللَّه - عز وجل -: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) الآية.
قال: هذا دليل على أن أولياءه يرونه يوم القيامة - ثم ذكر
الرواية التي: ذكرت في أحكام القرآن، وزاد في نهايتها " -:
قال: فقال أبو النجم القزويني: يا أبا إبراهيم، به تقول؟
قال: نعم، وبه أدين اللَّه - عز وجل -. قال: فقام
إليه عصام وقبَّل رأسه وقال: يا سيد الشَّافِعِيين اليوم بيَّضتَ وجوهنا.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا علي بن عمر الدارقطني
الحافظ، قال: ذكر إسحاق الطحان المصري، قال: حدثنا سعيد بن أسد قال:
قلت للشافعي: ما تقول في حديث الرؤية؛ فقال لي: يا ابن أسد، اقض عليَّ، حييت أو متُّ: إن كل حديث يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني أقول به، وإن لم يبلغني.(3/1430)
سورة الانشقاق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأما الثالث: وهو الذي في اختلاف مالك
والشَّافِعِي رضي الله عنهما، ففيه سألت الشَّافِعِي عن السجود في:
(إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) ، قال: فيها سجدة.
فقلت له: وما الحجة أن فيها سجدة؟
قال: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قرأ لهم:
(إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية، فسجد فيها.
فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد فيها، الحديث.(3/1431)
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا بعض أصحابنا، عن مالك، أن عمر بن عبد العزيز، أمر محمد بن مسلم أن يأمر القُرَّاء أن يسجدوا في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: تجدون عمر يأمر بالسجود في:
(إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية.
ومعه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورأي أبي هريرة، ولم تسمعوا أحداً خالف هذا، وهذا عندكم العمل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمانه، وأبو هريرة، رضي الله عنه في الصحابة، ثم عمر بن عبد العزيز في التابعين، والعمل يكون عندكم يقول عمر وحده، وأقل ما يؤخذ عليكم في هذا أن يقال، كيف زعمتم أن أبا هريرة - رضي الله عنه - سجد في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية، وأن عمر أمر بالسجود فيها.
وأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سجد في النجم، ثم زعمتم أن الناس اجتمعوا أن لا سجود في المفصل، وهذا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من علماء التابعين.
فقال قولكم: اجتمع الناس لما حكوا فيه غير ما قلتم، بيِّن في قولكم أن ليس
كما قلتم، ثم رويتم عن عمر بن الخطاب أنه سجد في النجم ثم لا تروون عن
غيره خلافه؟!.
السنن المأثورة: كتاب الصلاة (ما جاء في آية السجدة) :
حدثنا المزني قال:(3/1432)
حدثنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن
أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة قال: سجدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الحديث.
حدثنا أحمد قال: حدثنا المزني قال:
حدثنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا عد العزيز بن محمد الدراوردي قال:
حدثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه رآه يسجد في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية، قال أبو سلمة: فلما انصرف، قلت له: سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها قال: "إنني لو لم أرَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها لم أسجد" الحديث.(3/1433)
سورة البروج
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)
الأم: إيجاب الجمعة:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تبارك وتعالى:
(إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية.
وقال اللَّه - عز وجل -: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن
سليم، عن نافع بن جبير، وعطاء بن يسار، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "شاهد: يوم الجمعة. ومشهود: يوم عرفة " الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني شريك
ابن عبد اللَّه بن أبي نمِر، عن عطاء بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، الحديث.(3/1434)
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: وحدثني
عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ودلت السنة من فرض الجمعة على ما دل عليه
كتاب اللَّه تبارك وتعالى.(3/1435)
سورة الطارق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)
الأم: اختلاف نية الإمام والمأموم:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان أنه سمع عمرو بن دينار يقول:
سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء أو العتمة، ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة، قال: فأخَّرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ذات ليلة، قال: فصلى معه معاذ، قال: فرجع فأمَّ قومه، فقرأ بسورة البقرة، فتنحى
رجل من خلفه فصلى وحده، فقالوا له: أنافقت؟
قال: لا، ولكني آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه فقال: يا رسول الله إنك أخَّرت العشاء، وإن معاذاً صلى معك، ثم
رجع فأمَّنا، فافتتح بسورة البقرة، فلما رأيت ذلك تأخرت وصليت، وإنَّما نحن أصحاب نواضح، نعمل بأيدينا، فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على معاذ فقال: "أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟ أفتَّانٌ أنت يا معاذ؛ اقرأ بسورة كذا وسورة كذا" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا أبو الزبير بن
جابر مثله، وزاد فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"اقرأ: بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) ، (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) ، ونحوها" الحديث.(3/1436)
قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير يقول: قال له اقرأ: بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) ، (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) .
قال عمرو: هو هذا أو نحوه الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)
الأم: باب (ما لا يجب عليه أرش معلوم)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأما الولد فشيء ليس من الذَّكَرَِ، إنما هو بمنيٍّ يخرج
من الصُّلْبِ، قال اللَّه - عز وجل -: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) الآية، ويخرج فيكون ولا يكون.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة:
قرأت في كتاب السنن - رواية حرملة -
عن الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) .. الآيات، فقيل: يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة.(3/1437)
سورة الأعلى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)
الأم: باب (في الوتر) :
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك بن أبي
سليمان، عن عبد الرحيم، عن زاذان أن علياً - رضي الله عنه - كان يوتر بثلاث، يقرأ في كل ركعة بتسع سور من المفصل، وهم يقولون: نقرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)
والثانية: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) والثالثة: نقرأ بفاتحة الكتاب.
و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)
وأما نحن فنقول: يقرأ فيها ب: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)
و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)
ويفصل بين الركعتين والركعة بالتسليم، ومنها في اختلاف الحديث في باب الوئر.
الأم (أيضاً) : اختلاف نية الإمام والمأموم:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا أبو الزبير، عن
جابر مثله، وزاد فيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)(3/1438)
(وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) ونحرها"
قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير يقول: قال له: اقرأ: "بسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، والسماء والطارق". فقال عمرو: "هو هذا أو نحوه"، الحديث.
الأم (أيضاً) : القراءة في صلاة الجمعة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني مسعر بن
كدام، عن معبد بن خالد، عن سمرة بن جندب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ بالجمعة بـ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) .
و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) . الحديث.
الأم (أيضاً) : تخفيف القراءة في صلاة الخوف:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقرأ الإمام "في صلاة الخوف بأم القرآن، وسورةٍ
قَدْرَ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وما أشبهها في الطول للتخفيف في الحرب
وثِقَلِ السلاح.
الأم (أيضاً) أبواب الصلاة:
أخبرنا الربيع قال:(3/1439)
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا ابن، مهدي، عن سفيان، عن
السُّدي، عن عبد خير، أن علياً - رضي الله عنه - قرأ في الصبح بـ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)
فقال: سبحان ربي الأعلى، وهم يكرهون هذا، ونحن نستحبه.
وروي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيء يشبهه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)
الأم: كتاب (صلاة الكسوف)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيُصَلَّى عند كسوف الشمس والقمر صلاة جماعة
ولا يفعل ذلك في شيء من الآيات غيرها.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار.
عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال:
"كُسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه، فقام قياماً طويلاً، قال: نحواً من قراءة سورة البقرة، قال: ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع، فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، ثم قام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف، وقد تجلت(3/1440)
الشمس، فقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله"
قالوا: يا رسول الله رأيناك قد تناولت في مقامك هذا شيئاً، ثم رأيناك كأنك تكعكت فقال: "أني رأيت أو أريت الجنة فتناولت منها عنقوداً، ولو أخدته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت أو أريت النار فلم أرى كاليوم منظراً، وأريت كثر أهلها النساء"
فقالوا: لم يا رسول الله؛ قال: "يكفرن" قيل: أيكفرن بالله؟
قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكرُ ابن عباس رضي الله عنهما ما قال رسول اللَّه
- صلى الله عليه وسلم - بعد الصلاة دليل على أنه خطب بعدها، وكان في ذلك دليل على أنه فرق بين الخطبة للسنة، والخطبة للفرض، فقدم خطبة الجمعة؛ لأنها مكتوبة قبل الصلاة، وأخر خطبة الكسوف؛ لأنها ليست من الصلوات الخمس، وكذلك صنع في العيدين؛ لأنهما ليستا من الصلوات - أي المكتوبة - وهكذا يتبقى أن يكون في صلاة الاستسقاء.
وذكر أنه أمر في كسوف الشمس والقمر بالفزع إلى ذكر الله، وكان ذكر
الله - عزَّ وجلَّ الذي فزع إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم التذكير، فوافق ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) الآيتان.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان في قول ابن عباس رضي الله عنهما عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفاية من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر في خسوف القمر بما أمر به في(3/1441)
كسوف الشمس، والذي أمر به في كسوف الشمس فعله، من الصلاة والذكر، ثم ذكر سفيان ما يوافق ذلك.(3/1442)
سورة الغاشية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)
الأم: القراءة في صلاة الجمعة:
انظر تفسير قول اللَّه تبارك وتعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية.
الأم (أيضاً) : باب (القراءة في العيدين والجمعة) :
انظر تفسير قول اللَّه تبارك وتعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية، -
وزاد عليها الحديث التالي -:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرنا مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن
عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير - رضي الله عنه - ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ يوم الجمعة على أثر (سورة الجمعة) فقال: كان يقرأ ب:
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) الحديث.(3/1443)
سورة البلد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
الأم: البحيرة والوصيلة والسائبة والحام:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: هل على ما وصفتَ دلالة من كتاب
الله - عز وجل -، تبين ما قلت من خلاف بني آدم للبهائم، وغير بني آدم من الأموال، أو سنة أو إجماع؛ قيل: نعم.
فإن قال قائل فأين هي؟
قيل: قال الله عزَّ وجلَّ: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) .. الآيات.
ودل على أن تحرير الرقبة والإطعام ندب إليه، حين
ذكر تحرير الرقبة.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) :
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: سمعت أبا بكر أحمد بن محمد المتكلم
يقول: سمعت جعفر بن أحمد الساماقي يقول: سمعت عبد الرحمن بن عبد اللَّه
ابن عبد الحكم يقول:
سألت الشَّافِعِي رحمه الله: أي آية أرجى؟
قال: قوله تعالى: (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) .. الآيتان.(3/1444)
سورة الشمس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في تفسير آيات متفرقة، سوى ما مضى:
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ (ببغداد)
أخبرنا عبد اللَّه بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس
الشَّافِعِي، حدثنا أبي، عن أبيه، حدثني أبي محمد بن عبد اللَّه بن محمد قال:
سمعت الشَّافِعِي رحمه الله يقول: نظرت بين دفتي المصحف فعرفت مراد
الله - عز وجل - في جميع ما فيه، إلا حرفين (ذكَرَهما وأنسِيت أحدهما) ، والآخر: قوله تعالى: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الآية.
فلم أجده في كلام العرب، فقرأت لمقاتل
ابن سليمان أنها: لغة السودان، وأن دساها: أغواها.
قوله - الكلام هنا من تعليق البيهقي رحمه اللَّه -. في كلام العرب، أراد
لغته، أو أراد فيما بلغه من كلام العرب، والذي ذكره مقاتل لغة السودان: من كلام العرب - واللَّه أعلم -.(3/1445)
سورة الليل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)
الأم: اختلاف نية الإمام والمأموم:
انظر تفسير الآية: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية.
مختصر المزني: ومن كتاب الإمامة:
انظر تفسير الآية: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية.
السنن المأثورة: باب (القراءة في العشاء)
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)
الأم: المشي إلى الجمعة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومعقول أن السعي في هذا الموضع: العمل.
قال الله - عز وجل -: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) الآية.(3/1446)
سورة الشرح
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
مختصر المزني: ومن كتاب الرسالة إلا ما كان معاداً:
أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:
(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) الآية.
لا أُذكَر إلا ذُكِرْتَ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً
رسول اللَّه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يعني - والله أعلم - ذكره عند الإيمان بالله.
والأذان، ويحتمل ذكره: عند تلاوة الكتاب، وعند العمل بالطاعة، والوقوف عن المعصية.(3/1447)
سورة العلق
بسم اللَّه الرحمن الرحبم
قال الله عزَّ وجلَّ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر) :
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله - نعليفاً قال -: هشيم، عن شعبة، عن
عاصم، عن زر، عن علي - رضي الله عنه - قال: عزائم السجود
(الم (1) تَنْزِيلُ) و (وَالنجم) ، و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه.
الأم (أيضاً) : مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى الناس:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال - واللَّه تعالى أعلم -: إن أول ما أنزل اللَّه - عز وجل - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) الآية.(3/1448)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: لما بعث الله تعالى محمداً - صلى الله عليه وسلم - أنزل عليه فرائضه كما شاء، لا معقب لحكمه، ثم أتبَعَ كل واحداً منها فرضاً بعد فرض، في حينٍ غير حين الفرض قبله.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال - والله تعالى أعلم -: إن أول ما أنزل الله
عليه: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) الآية وما بعدها.
ثم أنزل عليه بعدها ما لم يؤمر فيه بأن: يدعو إلبه المشركين، فمرَّت لذلك مدة.
الأم (أيضاً) : سجود القرآن:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا هشيم، عن شعبة، عن عاصم، عن زر، عن
علي - رضي الله عنه - قال: عزائم السجود (الم (1) تَنْزِيلُ)
و (حم (1) تَنْزِيلٌ) و (النجم) : و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
ولسنا وإياهم نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
الأم: باب (الذكر في السجود) :
أخبرنا الربيع قال:(3/1449)
أخبرني الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن
مجاهد قال: "أقرب ما يكون العبد من الله - عزَّ وجلَّ إذا كان ساجداً، ألم تر إلى قوله عز ذكره: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) الآية.
يعني: افعل واقرب"، الحديث.
ويشبه ما قال مجاهد - واللَّه تعالى أعلم - ما قال.(3/1450)
سورة القدر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
آداب الشَّافِعِي: باب (في الصوم) :
أخبرنا أبو محمد (عبد الرحمن) قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال:
سمعت الشَّافِعِي يقول: قال ربيعة (يعني: ابن أبي عبد الرحمن) من أفطر
يوماً - من شهر رمضان - قضى اثني عشر يوماً، لأن الله تعالى اختار شهراً
من اثني عشر شهراً!
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقال له: قال اللَّه - عز وجل -:
(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) الآية.
فمن ترك الصلاة ليلة القدر وجب عليه: أن يصلي ألف شهر.
على قياس قوله!(3/1451)
سورة البينة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
الأم: باب (حكاية قول من ردَّ خبر الخاصة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت - أي: للمحاور - الاختلاف وجهان:
الأول: فما كان لله فيه نص حكم، أو لرسوله سنة، أو للمسلمين فيه
إجماع، لم يَسع أحداً علم من هذا واحداً أن يخالفه.
الثاني: وما لم يكن فيه من هذا واحد، كان لأهل العلم الاجتهاد فيه بطلب
الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة، فإذا اجتهد من له أن يجتهد، وَسِعَه أن يقول بما وجد الدلالة عليه، بأن يكون في معنى كتاب، أو سنة، أو إجماع، فإن ورد أمر مشتبه يحتمل حكمين مختلفين؛ فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره وسعه أن يقول بشيءٍ، وغيره بخلافه، وهذا قليل إذا نظر فيه.
قال: فما حجتك فيما قلت؟
قلت له: الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع.(3/1452)
قال: فاذكر الفرق بين حكم الاختلاف.
قلت له: قال الله - عزَّ وجلَّ -:
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) الآية.
وقال: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ)
فإنما رأيت اللَّه ذم الاختلاف في موضع الذي أقام عليهم الحجة، ولم يأذن
لهم فيه.
قال: قد عرفتُ هذا، فما الوجه الذي دلك على أنَّ ما ليس فيه نص حكم
وُسِّعَ فيه الاختلاف؟
فقلت له: - قد - فرض الله على الناس التوجه في القبلة
إلى المسجد الحرام. ..
الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قيل: ذم الله تعالى على الاختلاف.
قيل: الاختلاف وجهان:
الأول: فما أقام اللَّه تعالى به الحجة على خلقه حتى يكونوا على بينة
منه ليس عليهم إلا اتباعه، ولا لهم مفارقته، فإن اختلفوا فيه فذلك الذي ذم الله عليه، والذي لا يحل الاختلاف فيه.
فإن قال: فأين ذلك؟
قيل: قال اللَّه تعالى:
(وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) الآية.
فمن خالف نص كتاب لا يحتمل التأويل.
أو سنة قائمة، فلا يحلُّ له الخلاف، ولا أحسبه يحل له خلاف جماعة الناس، وإن لم يكن في قولهم كتاب أو سنة.
ومن خالف في أمر له فيه الاجتهاد، فذهب إلى(3/1453)
معنى يحتمل ما ذهب إليه، ويكون عليه دلائل لم يكن في ضيق من خلافٍ لغيره، وذلك كتاباً نصاً ولا سنة قائمة ولا أنه لا يخالف حينئذ.
الثاني: ومن خالف في أمر له فيه الاجتهاد، فذهب إلى معنى يحتمل ما
ذهب إليه، ويكون عليه دلائل لم يكن في.،. من خلاف لغيره، وذلك أنه لا يخالف حينئذ كتاباً نصاً، ولا سنة قائمة، ولا جماعة، ولا قياساً، بأنه إنما نظر في القياس، فأداه إلى غير ما أدى صاحبه إليه القياس، كما أداه في التوجه للبيت بدلالة النجوم إلى غير ما أدى إليه صاحبه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)
الأم: باب "أصل فرض الصلاة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) الآية.
مع عدد آي فيه ذكر فرض الصلاة.
الأم (أيضاً) : كتاب (الزكاة) :
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:(3/1454)
أخبرنا محمد بن إدريس المطلبي الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه - عز وجل -: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأبان الله - عزَّ وجلَّ أنه فرض عليهم أن يعبدوه مخلصين له الدين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.
الأم (أيضاً) : كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول أبي بكر:
"لا تفرقوا بين ما جمع الله"
يعني: فيما أرى - والله تعالى أعلم - أنه مجاهدهم على الصلاة، وأن الزكاة مثلها، ولعل مذهبه فيه، أن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) الآية.
وأن الله تعالى فرض عليهم شهادة الحق، والصلاة، والزكاة، وأنه متى منع فرضاً قد لزمه لم يُترَك ومَتعِه، حتى يؤديه أو يقتل.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فسار إليهم أبو بكر - رضي الله عنه - بنفسه حتى لقي أخا بني بدر الفزاري فقاتله، معه عمر وعامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أمضى أبو بكر - رضي الله عنه - خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في قتال من ارتد، ومن منع الزكاة معاً، فقاتلهم بعوامٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففي هذا الدليل على أن من منع ما فرض الله - عز وجل - عليه، فلم يقدر الإمام على أخذه منه بامتناعه قاتله.(3/1455)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي حسين، أخبرنا
عبد الرحمن بن محمد الحنظلي، أخبرنا أبو عبد الملك بن عبد الحميد الميموني.
حدثني أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشَّافِعِي قال:
سمعت أبي يقول ليلة (للحميدي) : ما يُحَجُّ عليهم (يعني: على أهل
الإرجاء) بآية أحجُّ من قوله - عز وجل -:
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
الأم: المكاتب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والخير كلمة يُعرَف ما أريد منها بالمخاطبة بها.
قال الله - عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) الآية.
فعقلنا أنهم: خير البرية بالإيمان وعمل الصالحات لا بالمال.(3/1456)
سورة الزلزلة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
مختصر المزني: ومن كتاب (الأمالي) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن
أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن نافع مولى ابن عمر قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقرأ في السفر، أحسبه قال (في العتمة) : (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا)
فقرأ بأم القرآن فلما أتى عليها قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قال: فقلت: (إِذَا زُلْزِلَتِ)
فقال: (إِذَا زُلْزِلَتِ) - يعني: فقرأ سورة الزلزلة -، الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
الأم: باب (الوصية بجزء من ماله) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجدت قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
فكان مثقال ذرة قليلاً، وقد(3/1457)
جعل الله تعالى لها حكماً يرى في الخير والشر، ورأيت قليل مال الآدميين وكثيره سواء، يقضي بأدائه على من أخذه غصباً، أو تعدياً، أو استهلكه
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدت ربع دينار قليلاً، وقد يُقطع فيه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدت مائتي درهم قليلاً وفيها زكاة، وذلك قد
يكون قليلاً، فكل ما وقع عليه اسم قليل، وقع عليه اسم كثير.
الأم (أيضاً) : الإقرار والمواهب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا إذا قال: له على مال.
قيل له: أقِر بما شئت؛ لأن كل شيء يقع عليه اسم مال: وهكذا إذا قال: له على مال كثير، أو مال عظيم.
فإن قال قائل ما الحجة في ذلك؟
قيل قد ذكر الله - عز وجل - العمل، فقال: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
فإذا كوفئ على مثقال ذرة في الخير والشر كانت عظيماً، ولا شيء من المال أقل من مثقال ذرة.
فأما من ذهب إلى أنه يقضي عليه بما تجب فيه الزكاة، فلا أعلمه ذهب إليه
خبراً، ولا قياساً، ولا معقولاً، ورأيت مسكيناً يرى الدرهم عظيماً، فقال لرجل: عليَّ مال عظيم، ومعروف منه أنه يرى الدرهم عظيماً، أجبره على أن يعطيه مائتي درهم! ، أو رأيت خليفة أو نظيراً للخليفة يرى ألفَ ألف قليلاً، أقر لرجل فقال له: عليَّ مال عظيم كم ينبغي أن أعطيه من هذا؟
فإن قلت مائتي درهم، فالعامة تعرف أن قول (هذا عظيم) مما يقع في القلب كثر من ألف ألف درهم.
فتعطي منه التافه، فتظلم في معنى قولك المقر له، إذا لم يك عندك فيه محمل إلا كلام الناس، وتظلم المسكين المقر - له - الذي يرى الدرهم عظيماً.(3/1458)
مختصر المرني: ومن كتاب إيجاب الجمعة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني عمرو - رضي الله عنه - أن النبي
- صلى الله عليه وسلم - خطب يوماً فقال في خطبته: "ألا إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق يمضي فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، أو وإن الشر بحذافيره في النار، ألا فأعلموا وأنتم من الله على حذر، واعلموا أنكلم معروضون على أعمالكم: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) "
الحديث.
مختصر المزني (أيضاً) : مقدمة (اختلاف الحديث)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذهب بعض أصحابنا إلى أن ابن عمر رضي اللَّه
عنهما قال: لا يحج أحد عن أحدٍ، فرأيت إن احتج له أحد ممن خالفنا فيه فقال: الحج عمل على البدن كالصلاة والصوم، فلا يجوز أن يعمله له المرء إلا عن نفسه، وتأول قول اللَّه - عز وجل -: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) .
وتأويل: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
وقال: السعي: العمل، والمحجوج عنه غير عامل، فهل الحجة عليه؛ إلا أن
الذي روى هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن يُثبت أهل الحديث حديثهم، وأن الله فرض طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ليس لأحد خلافه، ولا التأول معه؛ لأنه المنزل عليه الكتاب، المبين عن اللَّه معناه، وأن اللَّه جل ثناؤه يعطي خلقه بفضله
ما ليس لهم، وأن ليس في أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لو قال بخلافه حجة، وأن عليه - أن لو علم هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له - اتباعه، قال: هذه الحجة عليه.(3/1459)
مختصرالمزني (أيضاً) : باب (في بكاء الحي على الميت) :
في الرد على حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "ان الميت ليعذب ببكاء
أهله عليه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما روت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه" الحديث.
أشبه أن يكون محفوظاً عنه - صلى الله عليه وسلم - بدلالة الكتاب، ثم السنة
فإن قيل فأين دلالة الكتاب؟
قيل: في قوله - عز وجل -:
(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية
وقوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8، وقوله:
(لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) .
الرسالة: باب (الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
فكان ما هو أكثر من مثقال ذرة من الخير أحمد، وما هو أكثر من مثقال ذرة من الشر أعظم في المأثم.(3/1460)
سورة العصر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
المجموع: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة
لكفتهم.
قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: الناس في غفلة عن هذه السورة: (وَاَلعَصر. .) .(3/1461)
سورة قريش
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)
وما للعرب ثم لقريش فيه من الشرف، وما وجب بدلك على المسلمين من
حبهم، والشَّافِعِي رحمه الله من جملتهم.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد
الصفار، حدثنا عباس بن الفضل، حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فضَّل الله - عز وجل - قريشاً بسبع خصال: أنهم عبدوا الله
عشر سنين لا يعبده إلا قرشي، وفضَّلهم بأن نصرهم يوم الفيل وهم مشركون، وفضلهم بأنه نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل معهم غيرهم: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) ، وفضلهم بأن فيهم النبوة، والخلافة، والحجابة، والسقاية) " الحديث.
وأخبرنا أبو سعد (أحمد بن محمد بن الخليل الصوفي) ، أنبأنا أبو أحمد بن
عدي الحافظ، حدثنا عبد اللَّه بن صالح البخاري، حدثني أبو مصعب الزهري،(3/1462)
حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت، حدثني عثمان بن عبد الله بن أبي عتيق، عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة، عن أبيه، عن جدته أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله فضَّل قريشاً لست خصال:
- وفي رواية الأصبهاني: (السبع خصال" - لم يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ، وَلا يُعْطَاهَا أَحَدٌ بَعْدَهُمْ: فضَّل الله تعالى قريشاً: أنِّي منهم، وأن النبوة فيهم، وأن الحجابة فيهم، وأن السقاية فيهم، ونصروا على الفيل - وفي رواية الأصبهاني: ونصرهم على الفيل - وعبدوا الله تعالى عشر سنين لا يعبد. أحد غيرهم وأنزل الله فيهم سورة لم يشرك فيها أحداً غيرهم "
لم يذكر الأصبهاني قوله: "ولا يعطيها أحد بعدهم") .
زاد الصوفي: قال أبو مصعب يعني: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) . الحديث.(3/1463)
سورة الماعون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
الرسالة: في الزكاة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله - في الزكاة -: قال الله: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) .
وقال: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) .
وقال: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
فقال بعض أهل العلم: - في تفسير الماعون -: هي الزكاة المفروضة.(3/1464)
سورة الكافرون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)
الأم: باب (في الوتيا:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا هشيم، عن حصين قال: حدثنا ابن
ظبيان قال: كان علي - رضي الله عنه - يخرج إلينا ونحن ننظر إلى تباشير الصبح، فيقول: الصلاة، الصلاة، فإذا قام الناس قال: نعم ساعة الوتر هذه، فإذا طلع الفجر، صلى ركعتين فأقيمت الصلاة.
وفي البويطي يقرأ في ركعتي الفجر: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)
و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)
أحبّ إليَّ، وإن قرأ غير هذا مع أم القرآن أجز 51.
الأم (أيضاً) : القراءة في الخطبة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبلتي أن علياً كرم اللَّه وجهه كان يقرأ على المنبر:
(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فلا تتم الخطبتان إلا بأن
يقرأ في إحداهما آية فأكثر.(3/1465)
والذي أحبُّ - القول: للشافعي رحمه الله - أن يقرأ بـ: (ق) في
الخطبة الأولى، كما رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يقصر عنها، وما قرأ أجزأه إن شاء اللَّه تعالى.
الأم (أيضاً) : دخول مكة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا فرغ من طوافه، صلى خلف المقام ركعتين.
فيقرأ بالأولى ب: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الأخرى ب: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)
وكل واحدة منهما بعد أم القرآن.
الأم (أيضاً) : التلبية:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا فرغ - أي: من طوافه - صلى خلف المقام.
أو حيثما تيسر ركعتين قرأ فيهما بأم القرآن و: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)
و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وما قرأ به مع أمِّ القرآن أجزأه.
الأم (أيضاً) : باب (الوتر والقنوت والآيات) :
انظر تفسير: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) .
الأم (أيضاً) : مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس:
قال الشَّافِعِي رمه الله: ففرض عليه إبلاغهم، وعبادته، ولم يفرض عليه
قتالهم، وأبان ذلك في غير آية من كتابه، ولم يأمره بعزلتهم، وأنزل عليه: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) .(3/1466)
سورة الإخلاص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)
الأم: باب (في الوتر) :
انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية.
الأم (أيضاً) : القراءة في الخطبة:
انظر تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) الآية.
الأم (أيضاً) : تخفيف القراءة في صلاة الخوف:
انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية.
الأم (أيضاً) : إذا كان العدو اتجاه القبلة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحب للطائفة الحارسة إن رأت من العدوِّ حركة
للقتال، أن ترفع أصواتها ليسمع الإمام، وإن حَومِلَت أن يحمل بعضها،(3/1467)
ويقف بعض يحرس الإمام، وإن رأت كميناً من غير جهتها أن ينحرف بعضها
إليه، وأحب للإمام إذا سمع ذلك أن يقرأ بأم القرآن و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)
ويخفف الركوع والسجود والجلوس في تمام، وإن حُمل عليه أو رُهق أن يصير إلى القتال وقطع الصلاة، ثم يقضيها بعده.
الأم (أيضاً) : وقت كسوف الشمس:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن كسفت الشمس في وقت الجمعة، بدأ بصلاة
كسوف الشمس، وخفف فيها، فقرأ في كل واحدة من الركعتين اللتين بالركعة بأم القرآن وسورة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وما أشبهها، ثم خطب في الجمعة، وذكر الكسوف في خطبة الجمعة وجمع فيها الكلام في الخطبة في الكسوف والجمعة، ونوى بها الجمعة، ثم صلى الجمعة.
الأم (أيضاً) دخول مكة:
انظر تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) الآية.
الأم (أيضاً) : التلبية:
انظر تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) الآية.(3/1468)
الأم (أيضاً) : باب (الوتر والقنوت والآيات) :
انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية.
مختصر المزني: باب (ما يلزم عند الإحرام وبيان الطواف والسعي)
انظر تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) الآية.(3/1469)
سورة الفلق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
الأم: باب (في الوتر) :
انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)
و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ، فلا حاجة للتكرار.
الأم (أيضاً) : باب (الوتر والقنوت والآيات) :
انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)
و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ، فلا حاجة للتكرار.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
تهذيب تاريخ دمشق:
قال الإمام الشَّافِعِي رحمه الله: إن الحسد إنما يكون من لؤم العنصر.
وتفادي الطبائع، واختلاف التركيب، وفساد مزاج البنية، وضعف عقد العقل، والحاسد طويل الحسرات، عادم الراحات.(3/1470)
سورة الناس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)
الأم: باب (في الوتر) :
انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)
و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ، فلا حاجة للتكرار.
الأم (باب (الوتر والقنوت والآيات) :
انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)
و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ، فلا حاجة للتكرار.(3/1471)
النهاية
بفضل اللَّه وعونه تم جمع وتحبير ما ورد عن الإمام الشَّافِعِي الْمُطَّلِبي من
تفسيره لكتاب اللَّه تعالى، وذلك ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك لعام / 1422 هـ من الهجرة النبوية، الموافق ليلة 12 / 12 / لعام / 2001 ميلادي.
وانتهت مطابقة النصوص المنقولة على الأصول في / 24 شعبان لعام / 1423 هـ
وقد انتهت طباعة هذا التفسير المبارك وتصحيحه ليلة 23 / ذي الحجة / 1423)
الموافق 24 / شباط / 2003 م.
اللهم تقبله مني ولا تؤاخذني إن نسيت أو أخطأت.
اللهم اجعل له القبول عندك وفي الأرض.
اللهم اجعله خالصاً لوجهك الكريم، واجعله ذخراً ينتفع به المسلمون في
جميع بقاع الأرض إلى يوم الدين.
اللهم ثقل به حسناني يوم لا ينفع مال ولا بنون، وارفع لي به ذكراً في
الدنيا والآخرة، يا حيُّ يا قيوم.
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين، وصلى اللَّه على سيدنا ونبينا محمد
وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين - آمين -.(3/1473)