النبي [صلى الله عليه وسلم] وأبا بكر - رضي الله تعالى عنه - فيسمع ما يقولان ثم يتولى عنهما، أو النضر بن الحارث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حين ارتد وضمن له أن يتحمل عنه إثم ارتداده.(3/250)
وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)
34 - {وَأَعْطَى قَلِيلاً} من نفسه بالاستماع ثم أكدى بالانقطاع، أو أطاع قليلاً ثم عصى " ع "، أو قليلاً من ماله ثم منع، أو بلسانه وأكدى بقلبه {وَأَكْدَى) قطع، أو منع.(3/250)
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)
35 - {أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ} أعلم الغيب فرأى أن الذي سمعه باطل، أو نزل عليه القرآن فرأى ما صنعه حقاً.(3/250)
وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)
37 - {وفَّى} ما أمر به من الطاعة، أو أبلغ ما حمله من الرسالة " ع "، أو عمل يومه بأربع ركعات في أوله، أو بقوله كلما أصبح وأمسى {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الآية [الروم: 17] وكلاهما مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو ما أمر بأمر إلا أداه ولا نذر نذراً إلا وفاه، أو ما امتحن به من ذبح ولده وإلقائه في النار وتكذيبه، أو وَفَّى {أن لا تَزِرُ وازرة وزر أخرى} [38] لأن الرجل كان يؤخذ بجريرة أبيه وابنه فيما بين نوح وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام.(3/250)
{وأن إلى ربك المنتهى (42) وأنه هو أضحك وأبكى (43) وأنه هو أمات وأحيا (44) وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى (45) من نطفة إذا تُمنى (46) وأن عليه النشأة الأخرى (47) وأنه هو أغنى وأقنى (48) وأنه هو رب الشعرى (49) وأنه أهلك عاداً الأولى (50) وثمودا فما أبقى (51) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى (52) والمؤتكفة أهوى (53) فغشاها ما غشى (54) فبأي ءالاء ربك تتمارى (55) }(3/251)
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)
43 - {أَضْحَكَ وَأَبْكَى} قضى أسباب الضحك والبكاء، أو سَرَّ وأحزن، أو خلق قوتي الضحك والبكاء للإنسان فلا يضحك من الحيوان إلا القرد ولا يبكي إلا الإبل واجتمعا في الإنسان.(3/251)
وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)
44 - {أَمَاتَ} بالجدب {وَأَحْيَا} بالخصب، أو أمات بالمعصية، وأحيا بالطاعة، أو أمات الآباء وأحيا الأبناء، أو خلق الموت والحياة، أو خلق أسبابهما.(3/251)
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)
48 - {أَغْنَى} بالكفاية {وَأَقْنَى} بالزيادة، أو أغنى بالمعيشة وأقنى بالمال أو أغنى بالمال وأقنى بان جعل لهم القنية وهي أصول الأموال، أو أغنى بأن موّل وأقنى بأن حرم، أو أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه، أو أغنى من شاء وأفقر من شاء، أو أغنى بالقناعة وأقنى بالرضا، أو أغنى عن أن يخدم وأقنى عن أن يستخدم.(3/251)
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)
49 - {رَبُّ الشِّعْرَى} وهي كوكب يضيء وراء الجوزاء يسمى مرزم الجوزاء خصه بالذكر لأنهم عبدوه فأخبر أنه مربوب فلا يصلح للربوبية وكان يعبده حَمْير وخُزَاعة وقيل: أول من عبده أبو كبشة.(3/251)
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)
50 - {عادا الأولى} عاد من إرم أهلكوا بريح صرصر وعاد الآخرة قوم هود، أو عاد الأولى قوم هود والآخرة كانوا بحضرموت.(3/251)
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)
53 - {وَالْمُؤْتَفِكَةَ} المنقلبة بالخسف وهي مدائن قوم لوط] 189 / أ] / رفعها جبريل(3/251)
إلى السماء ثم قلبها.(3/252)
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)
54 - {فَغَشَّاهَا} جبريل حين قلبها، أو الحجارة حتى أهلكها فغشاها: ألقاها، أو غطاها.(3/252)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)
55 - {فبأي آلاء رَبِّكَ} فبأي نعمة أيها المكذب تشك فيما أولاك أو فيما أكفاك.
{هذا نذيرٌ من النذر الأولى (56) أزفت الأزفة (57) ليس لها من دون الله كاشفة (58) أفمن هذا الحديث تعجبون (59) وتضحكون ولا تبكون (60) وأنتم سامدون (61) فاسجدوا لله واعبدوا (62) }(3/252)
هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)
56 - {نذير} محمد [صلى الله عليه وسلم] أنذر بالحق الذي أنذر به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله، أو القرآن نذير بما أنذرت به الكتب الأولى.(3/252)
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)
57 - {أَزِفَتِ} دنت وقربت القيامة سماها آزفة لقربها عنده.(3/252)
لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)
58 - {كَاشِفَةٌ} " من يؤخرها، أو يقدمها، أو من يعلم وقتها ويكشف عن مجيئها "، أو من يكشف ضررها.(3/252)
أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)
59 - {هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} من نزوله.(3/252)
وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)
60 - {وَتَضْحَكُونَ} استهزاء {وَلا تَبْكُونَ} انزجاراً، أو تفرحون ولا تحزنون.(3/252)
وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)
61 - {سَامِدُونَ} شامخون كما يخطر البعير شامخاً " ع "، أو غافلون، أو معرضون، أو مستكبرون، أو لاعبون لاهون، أو تغنون بلغة حِمْير كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا، أو أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين، أو واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام " ح ". وخرج الرسول [صلى الله عليه وسلم] والناس ينتظرونه قياماً فقال " مالي أراكم سامدين "، أو خامدون.(3/252)
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
62 - {فاسجدوا} سجود الصلاة، أو سجود التلاوة.(3/253)
سُورة القمر
مكية أو إلا ثلاث آيات {أم يقولون نحن جميع} إلى {أدهى وأمر} [44 - 46]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{اقتربت الساعة وانشق القمر (1) وإن يروا ءايةً يعرضوا ويقولوا سحرٌ مستمرٌ (2) وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر (3) ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر (4) حكمةٌ بالغةٌ فما تغن النذر (5) }(3/254)
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
1 - {اقْتَرَبَتِ} دنت سميت ساعة لقرب الأمر فيها، أو لمجيئها في ساعة من يومها {وَانشَقَّ الْقَمَرُ} اتضح الأمر وظهر يضربون المثل بالقمر فيما وضح وظهر، أو انشقاقه انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها كما سمي الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه، أو ينشق حقيقة بعد النفخة الثانية " ح "، أو انشق على عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عند الجمهور، قال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - رأيت القمر منشقاً شقتين مرتين بمكة قبل مخرج الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى المدينة شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء فقالوا سحر القمر.(3/254)
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)
2 - {أيه} انشقاق القمر أو أي آية رأوها أعرضوا عنها {مُّسْتَمِرٌّ} ذاهبٌ، أو شديد من إمرار الحبل وهو شدة فتله، أو دائم، أو استمر من الأرض إلى(3/254)
السماء أو يشبه بعضه بعضاً.(3/255)
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)
3 - {مُّسْتَقِرٌّ} يوم القيامة، أو الخير لأهل الخير والشر لأهل الشر، أو يستقر حقه من باطله، أو لكل شيء غاية في حلوله ووقوعه.(3/255)
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)
4 - {الأَنبَآءِ} القرآن، أو أحاديث من سلف {مُزْدَجَرٌ} مانع من المعصية.(3/255)
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)
5 - {حكمة بالغة} الكتاب والسنة.
{فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر (6) خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جرادٌ منتشر (7) مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يومٌ عسر (8) }(3/255)
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)
8 - {مُّهْطِعِينَ} مسرعين، أو مقبلين، أو عامدين، أو ناظرين، أو فاتحين آذانهم إلى الصوت، أو قابضين ما بين أعينهم.
{كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر (9) فدعا ربه أني مغلوبٌ فانتصر (10) ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمرٍ (11) وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر (12) وحملناه على ذات ألواحٍ ودُسُر (13) تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر (14) ولقد تركنها ءاية فهل من مدكر (15) فكيف كان عذابي ونذر (16) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (17) }(3/255)
فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)
11 - {مُّنْهَمِرٍ} كثير، أو منصب متدفق {فَفَتَحْنَآ} رتاج السماء، ووسعنا مسالكها، أو المجرة وهي [189 / ب] : شرج السماء فتحت بماء منهمر قاله علي - رضي الله تعالى عنه -.(3/255)
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)
12 - {قُدِرَ} قُضي عليهم إذا كفروا أن يغرقوا، أو التقى ماء السماء وماء الأرض على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر.(3/256)
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)
13 - {وَدُسُرٍ} المعاريض التي تُشد بها السفينة، أو المسامير التي يدسر بها أي يشد، أو صدر السفينة الذي يدسر به الموج أي يدفعه، أو طرفها وأصلها.(3/256)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)
14 - {بأعيينا} بمرأى منا، أو بأمرنا، أو بأعين ملائكتنا الموكلين بحفظها، أو بأعيننا التي فجرناها من الأرض وقيل كانت تجري ما بين السماء والأرض {لِّمَن كَانَ كُفِرَ} لكفرهم بالله تعالى، أو لتكذيبهم، أو مكافأة لنوح عليه الصلاة والسلام حين كفره قومه أن حمل على ذات ألواح.(3/256)
وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)
15 - {تَّرَكْنَاهَآ} الغرق، أو السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة {مُّدَّكِرٍ} متذكر، أو طالب خير فيعان عليه، أو مزدجر عن المعاصي.
{كذبت عادٌ فكيف كان عذابي ونذر (18) إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يومٍ نحسٍ مستمر (19) تنزع الناسَ كأنهم أعجازُ نخلٍ منقعر (20) فكيف كان عذاب ونُذُر (21) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (22)(3/256)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
19 - {صَرْصَراً} باردة، أو شديدة، أو لهبوبها صرير كالصوت {نَحْسٍ} عذاب وهلاك، أو برد أو يوم الأربعاء {مُسْتَمرٍّ} ذاهب، أو دائم.(3/256)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)
22 - {يَسَّرنا} سهلنا تلاوته على أهل كل لسان، أو سهلنا علم ما فيه واستنباط معانيه، أو هونا حفظه فلا يحفظ من كتب الله سواه.
{كذبت ثمود بالنذر (23) فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلالٍ وسعر (24) أءلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر (25) سيعلمون غداً من الكذاب الأشر (26) إنا(3/256)
مرسلوا الناقة فتنةً لهم فارتقبهم واصطبر (27) ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شربٍ محتضر (28) فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر (29) فكيف كان عذاب ونذر (30) إنا أرسلنا عليهم صيحةً واحدةً فكانوا كهشيم المحتظر (31) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (32) }(3/257)
فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)
24 - {وسُعُرٍ} جنون، أو عناء، أو تيه، أو افتراق، أو جمع سعير وهو الوقود. استعظموا اتباعهم لواحد منهم كاستعظام النار كقول من ناله خطب عظيم: أنا في النار، أو لما وعد بالنار على تكذيبه، ردوا مثل ما قيل لهم فقالوا إن اتبعناه كنا إذاً في النار.(3/257)
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)
25 - {أَشِرٌ} بطر، أو عظيم الكذب، أو متعد إلى منزلة لا يستحقها.(3/257)
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)
28 - {الماء قسمةٌ} لما نزل الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالحجر قال: " أيها الناس لا تسألوا الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث الله تعالى لهم آية فبعث لهم ناقة فكانت ترد من ذلك الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون منها مثل الذي كانوا يشربون يوم غِبها " فهذا معنى قوله {أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) {} (مُّحْتَضَرٌ} : تحضر الناقة الماء وردها وتغيب يوم وردهم، أو تحضر ثمود الماء يوم غبها فيشربون ويحضرون اللبن يوم وردها فيحتلبون.(3/257)
فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)
29 - {صَاحِبَهُمْ} أحمر ثمود وشَقِيِّها، أو قُدَار بن سالف. {فَتَعَاطَى} بطش بيده، " ع " أو تناولها وأخذها. {فَعَقَرَ} كَمَنَ في أصل شجرة بطريقها فرماها بسهم انتظم به أصل ساقها ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاءة واحدة تحدَّر سقبها ثم نحرت وانطلق سقبها إلى صخرة في رأس جبل فرغى ثم نادى بها فأتاهم صالح فلما رآها عقرت بكى وقال: انتهكتم حرمة الله تعالى فأبشروا بعذاب الله عز وجل، قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - كان عاقرها أشقر أزرق أحمر أكشف أقفى.(3/258)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)
31 - {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} العظام المحترقة " ع "، أو التراب يتناثر من الحائط فتصيبه الريح فيتحظر مستديراً، أو الحضار البالية من الخشب إذا صارت هشيماً، أو حشيش حضرته الغنم فأكلته، أو يابس الشجر الذي فيه شوك والمحتضر الذي تحتضر به العرب حول مواشيها من السباع.
{كذبت قومُ لوطٍ بالنذر (33) إنا أرسلنا عليهم حاصباً إلا ءال لوط نجيناهم بسحر (34) نعمةً من عندنا كذلك نجزي من شكر (35) ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر (36) ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابيِ ونذر (37) ولقد صبحهم بكرةً عذابٌ مستقر (38) فذوقوا عذابي ونذر (39) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (40) }(3/258)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)
34 - {حَاصِباً} الحجارة التي رُموا بها والحصباء: صغار الأحجار، أو السحاب الذي حصبهم، أو الملائكة الذين حصبوهم، أو الريح التي حملت عليهم الحصباء، أو الحاصب الرمي بالأحجار، أو غيرها {بِسَحَرٍ} السحر: ما بين آخر الليل وطلوع الفجر وهو اختلاط سواد آخر الليل ببياض أول النهار لأن(3/258)
في هذا الوقت مخاييل الليل ومخاييل النهار.(3/259)
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)
37 - {فَطَمَسْنَآ} أخفيناهم فلم يروهم مع بقاء أعينهم، أو ذهبت أعينهم، الطمس: محو الأثر، ومنه طمس الكتاب، {فَذُوقُواْ} وعيد بالعذاب الأدنى، أو تقريع بما أصابهم في الحال من العمى.(3/259)
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38)
38 - {مُّسْتَقِرٌّ} إلى الموت، أو دائم إلى نار جهنم.
{ولقد جاء ءال فرعون النذر (41) كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر (42) أكفاركم خيرٌ من أولائكم أم لكم براءة في الزبر (43) أم يقولون نحن جميعٌ منتصر (44) سيهزم الجمع ويولون الدبر (45) بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر (46) }(3/259)
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)
43 - {أَكُفَّارُكُمْ} ليس كفاركم خيراً ممن أهلك من القرون {بَرَآءَةٌ فِى الزُّبُرِ} الكتب السالفة أنكم لا تهلكون.(3/259)
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)
44 - {مُّنتَصِرٌ} لآلهتهم بالعبادة، أو لأنفسهم بالظهور.(3/259)
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
45 - {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} يوم بدر.(3/259)
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)
46 - {أَدْهَى} أعظم، {وَأَمَرُّ} أشد مرارة أو أنفذ من نفوذ المرارة فيما خالطته.
{إن المجرمين في ضلال وسعر (47) يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر (48) إن كل شيءٍ خلقناه بقدر (49) وما أمرنا إلا واحدةٌ كلمح بالبصر (50) ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر (51) وكل شيء فعلوه في الزبر (52) وكل صغير وكبير مستطر (53) إن المتقين في جنات ونهرٍ (54) في معقد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ (55) }(3/259)
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)
49 - {بِقَدَرٍ} على قدر ما أردنا من غير زيادة ولا نقصان، أو بحكم سابق وقضاء محتوم.(3/260)
وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)
50 - {كَلَمْحٍ} إذا أردنا شيئاً أمرنا به مرة واحدة من غير مثنوية فيكون ذلك الشيء مع أمرنا كلمح البصر في سرعته من غير إبطاء ولا تأخير.(3/260)
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
53 - {مُّسْتَطَرٌ} مكتوب، أو محفوظ.(3/260)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
54 - {وَنَهَرٍ} أنهار الماء والخمر واللبن والعسل، أو النهر الضياء والنور، أو سعة العيش ومنه اشتق نهر الماء.(3/260)
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
55 - {مَقْعَدِ صِدْقٍ} حق لا لغو فيه ولا تأثيم، أو صدق الله تعالى وعده لأوليائه فيه.(3/260)
سُورَةُ الرَّحْمنْ
مكية، أو إلا آية {يسأله من في السماوات} [29] أو مدنية كلها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{الرحمن (1) علم القرآن (2) خلق الإنسان (3) علمه البيان (4) الشمسُ والقمر بحسبان (5) والنجم والشجر يسجدان (6) والسماء رفعها ووضع الميزان (7) ألا تطغوا في الميزان (8) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان (9) والأرض وضعها للأنام (10) فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام (11) والحبُّ ذو العصفِ والريحان (12) فبأي ءالاءِ ربكما تكذبان (13) }(3/261)
الرَّحْمَنُ (1)
1 - {الرَّحْمَنُ} اسم ممنوع لا يستطيع الناس أن ينتحلوه، أو جمع من فواتح ثلاث سور ألر وحم ون قاله سعيد بن جبير وعامر.(3/261)
عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)
2 - {علم القرآن} لمحمد [صلى الله عليه وسلم] فأداه إلى جميع الخلق، أو سهل تعلمه على جميع الناس.(3/261)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)
3 - {الإنسان} جنس عند الأكثر، أو آدم عليه الصلاة والسلام.(3/261)
عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)
4 - {الْبَيَانَ} تفضيلاً على جميع الحيوان الحلال والحرام، أو الخير والشر،(3/261)
أو المنطق والكلام، أو الخط أو الهداية، أو العقل لأن بيان اللسان مترجم عنه.(3/262)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)
5 - {بِحُسْبَانٍ} بحساب، والحسبان: مصدر الحساب، أو جمعه أو حسبانهما: أجلهما إذا انقضى قامت القيامة، أو تقديرهما الزمان لامتياز النهار بالشمس والليل بالقمر ولو استمر أحدهما [190 / ب] / لكان الزمان ليلاً أو نهاراً، أو يجريان بقدر، أو يدوران في مثل قطب الرحا.(3/262)
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
6 - {وَالنَّجْمُ} جنس لنجوم السماء، أو النبات الذي نجم في الأرض وانبسط فيها وليس له ساق {وَالشَّجَرُ} ما كان على ساق " ع " {يَسْجُدَانِ} سجود ظلهما، أو ظهور قدرته فيهما توجب السجود له، أو دوران الظل معهما {يتفيأ ظِلالُهُ} [النحل: 48] ، أو استقبالهما الشمس إذا أشرقت ثم يميلان إذا انكسر الفيء، أو سجود النجم أفوله وسجود الشجر إمكان اجتناء ثماره.(3/262)
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)
7 - {الْمِيزَانَ} ذو اللسان، أو الحكم، أو العدل.(3/262)
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)
8 - {لا تطغوا} في العدل بالجوز، أو في ذي اللسان بالبخس، أو بالتحريف في الحكم.(3/262)
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)
9 - {بِالْقِسْطِ} العدل بالرومية {وَلا تُخْسِرُواْ} لا تنقصوه بالجور، أو البخس، أو التحريف، أو ميزان حسناتكم.(3/262)
وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)
10 - {وَضَعَهَا} بسطها ووطأها {لِلأَنَامِ} الناس، أو الإنس والجن، أو كل ذي روح لأنه ينام.(3/262)
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11)
11 - {الأَكْمَامِ} ليفها الذي في أعناقها، أو رقبة النخلة التي يتكمم فيه طلعها، أو كمام الثمرة، أو ذوات فصول عن كل شيء " ع ".(3/262)
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)
12 - {العصف} من الزرع وورقه الذي تعصفه الرياح " ع "، أو الزرع المصفر اليابس، أو الحب المأكول منه كقوله {كعصف مأكول} [الفيل: 5] {الريحان} الرزق وقالوا: خرجنا نطلب ريحان الله سبحانك وريحانك أي(3/262)
رزقك، أو الزرع الأخضر الذي لم يسنبل " ع "، أو الريحان المشموم، أو الريحان الحب الذي لا يؤكل والعصف الحب المأكول، أو الريحان الحب المأكول والعصف الورق الذي لا يؤكل.(3/263)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)
13 - {آلاء} الآلاء: النعم " ع "، أو القدرة قاله ابن زيد والكلبي، {تُكَذِّبَانِ} للثقلين اتفاقاً وكررها تقريراً لهم بما عدده عليهم في هذه السورة من النعم، يقررهم عند كل نعمة منها كقول القائل: أما أحسنت إليك أعطيتك مالاً أما أحسنت إليك بنيت لك داراً أما أحسنت إليك ومثله قول مهلهل [بن ربيعة] .
(على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا طرد اليتيم عن الجزور)
(على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا ماضيم جيران المجير)
(على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا خرجت مخبأة الخدور)
{خلق الإنسان من صلصال كالفخار (14) وخلق الجان من مارج من نار (15) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (16) رب المشرقين ورب المغربين (17) فبأي ءالاء ربك تكذبان (18) مرج البحرين يلتقيان (19) بينهما برزخٌ لا يبغيان (20) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (21) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (22) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (23) وله الجوار المنشئات في البحر كالأعلام (24) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (25) }(3/263)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)
14 - {صلصال} طين مختلطة برمل " ع "، أو طين إذا عصرته بيدك خرج الماء من بين أصابعك، أو طين يابس يسمع له صلصة، أو أجوف إذا ضرب صَلَّ: أي سمع له صوت، أو طين منتن من صلَّ اللحم إذا أنتن يريد آدم تركه(3/263)
طيناً لازباً أربعين سنة ثم صلصله كالفخار أربعين ثم صورة جسداً لا روح فيه أربعين فذلك مائة وعشرون سنة كل ذلك تمر به الملائكة فتقول سبحان الذي خلقك لأمَرٍ مَّا خلقك.(3/264)
وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)
15 - {الْجَآنَّ} ، أبو الجن، أو إبليس {مَّارِجٍ} لهب النار " ع "، أو خلطها، أو الأخضر والأصفر اللذان يعلوانها ويكونان بينها وبين الدخان، أو النار المرسلة التي لا تمتنع، أو النار المضطربة التي تذهب وتجيء، سمي مارجاً: لاضطرابه وسرعة حركته {مِّن نَّارٍ} الظاهرة التي بين الخلق عند الأكثر، أو نار تكون بين الجبال دون السماء كالكلة الرقيقة، أو نار دون [191 / أ] / الحجاب منها هذه الصواعق ويرى خلف السماء منها.(3/264)
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)
17 - {الْمَشْرِقَيْنِ} مشرقي الشمس في الشتاء والصيف ومغربيها فيهما " ع "، أو مشرقي الشمس والقمر ومغربيهما، أو مشرقي الفجر والشمس ومغربي الشمس والشفق.(3/264)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)
19 - {الْبَحْرَيْنِ} بحر السماء وبحر الأرض " ع "، أو بحر فارس والروم " ح "، أو البحر الملح والأنهار العذبة، أو بحر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما، أو بحر اللؤلؤ وبحر المرجان، ومرجهما طريقهما، أو إرسالهما " ع "، أو استواؤهما، أصل المرج: الإهمال كما تمرج الدابة في المرج.(3/264)
بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20)
20 - {بَرْزَخٌ} حاجز " ع "، أو عرض الأرض، أو ما بين السماء والأرض، أو الجزيرة التي نحن عليها وهي جزيرة العرب {لا يَبْغِيَانِ} لا يختلطان فيسيل أحدهما على الآخر، أو لا يغلب أحدهما الآخر، أو لا يبغيان أن يلتقيا.(3/264)
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)
22 - {وَالْمَرْجَانُ} كبار اللؤلؤ " ع "، أو صغاره، أو الخرز الأحمر(3/264)
كالقضبان قاله ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -، أو الجوهر المختلط من مرجت الشيء خلطته {مِنْهُمَا} من أحدهما، أو من كليهما لأن ماء بحر السماء إذا وقع في صدف البحر انعقد لؤلؤاً فصار خارجاً منهما، وقيل: لا يخرج اللؤلؤ إلا من موضع يلتقي فيه العذب والملح فيكون العذب كاللقاح للملح فلذلك نسب اليهما كما نسب الولد إلى الذكر والأنثى.(3/265)
وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)
24 - {الجواري} السفن واحدتها جارية لجريها في الماء والشابة جارية لجريان ماء الشباب فيها {المنشآت} المخلوقات من الإنشاء، أو المحملات، أو المرسلات، أو المجريات، أو ما رفع قِلعه فهو منشأة وما لا فلا وبكسر الشين البادئات، أو التي تنشئ لجريها كالأعلام في البحر {كالأعلام} القصور، أو الجبال سميت بذلك لارتفاعها كارتفاع الأعلام.
{كل من عليها فان (26) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام (27) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (28) يسئله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن (29) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (30) }(3/265)
يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
29 - {يسأله} من في الأرض الرزق والمغفرة أو النجاة عند البلوى، ويسأله من في السماء الرزق لأهل الأرض أو القوة على العبادة، أو الرحمة لأنفسهم، أو المغفرة لأنفسهم {كُلَّ يَوْمٍ} الدنيا يوم والآخرة يوم، فشأنه في الدنيا الابتلاء والاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع، وشأنه في يوم الآخرة الجزاء والحساب والثواب والعقاب فالدهر كله يومان، أو أراد(3/265)
كل يوم من أيام الدنيا فشأنه بعثه الرسل بالشرائع فعبر عن اليوم بالمدة، أو ما يحدثه في خلقه من تنقل الأحوال فعبر عن الوقت باليوم قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين "، وأكثروا من ذكر عطائه ومنعه وغفرانه ومؤاخذته وتيسيره وتعسيره.
{سنفرغُ لكم أيه الثقلان (31) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (32) يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان (33) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (34) يرسل عليكما شواظ من نار ونحاسٌ فلا تنتصران (35) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (36)(3/266)
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)
31 - {سَنَفْرُغُ} سنتوفر عليكم على وجه التهديد، أو سنقصد إلى حسابكم، أو جزائكم توعداً، فالله تعالى لا يشغله شأن عن شأن {الثَّقَلانِ} الإنس والجن لأنهم [191 / ب] / ثقل على وجه الأرض.(3/266)
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)
33 - {تَنْفُذُوا} تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا، أن تخرجوا(3/266)
من جوانبها فراراً من الموت فاخرجوا، {بِسُلْطَانٍ} بحجة وهي الإيمان، أو بمُلك وليس لكم ملك، أو لا تنفذون إلا في سلطانه وملكه لأنه مالكهما وما بينهما " ع ".(3/267)
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)
35 - {شُوَاظٌ} لهب النار " ع "، أو قطعة من النار فيها خضرة، أو الدخان، أو طائفة من العذاب. {وَنُحَاسٌ} صفر مذاب على رؤوسهم، أو دخان النار " ع "، أو نَحْسٌ لأعمالهم، أو القتل.
{فإذا انشقت السماء فكانت وردةٌ كالدهان (37) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (38) فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنسٌ ولا جانٌ (39) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (40) يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام (41) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (42) هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون (43) يطوفون بينها وبين حميمٍ ءانٍ (44) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (45) }(3/267)
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)
37 - {وَرْدَةً} وردة النبات الحمراء مثل لون السماء أحمر إلا أنها ترى زرقاء لكثرة الحوائل وبعد المسافة كعروق البدن حمرة لحمرة الدم وترى زرقاء للحوائل، فإذا زالت الحواجز، وقربت يوم القيامة من الأبصار يرى لونها الأصلي الأحمر، أو أراد بالوردة الفرس الورد يحمر في الشتاء ويصفر في الربيع ويغبر في شدة البرد شهباً لاختلاف ألوانها يوم القيامة به لاختلاف ألوانه، {كَالدِّهَانِ} خالصة، أو صافية أو ذوات ألوان، أو أصفر كلون الدهن، أو الدهان الأديم الأحمر " ع ".(3/267)
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)
39 - {لا يسأل} استفهاماً هل عملت بل توبيخاً لم عملت " ع "، أو لا تُسأل الملائكة عنهم لأنهم رفعوا أعمالهم في الدنيا، أو لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله لشغل كل واحد بنفسه " ع "، أو لأنهم معروفون بسواد الوجوه وبياضها فلا يسأل عنهم أو كانت مسألة ثم ختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم.(3/268)
يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)
44 - {بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ} مرة بين الحميم ومرة بين الجحيم، {أن} انتهى حره، أو حاضر، أو آن شربه وبلغ غايته.
{ولمن خاف مقام ربه جنتان (46) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (47) ذواتا أفنان (48) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (49) فيهما عينان تجريان (50) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (51) فيهما من كل فاكهة زوجان (52) فبأي ءالاء ربكما تكذبان (53) }(3/268)
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)
46 - {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} بعد أداء الفرائض " ع "، أو الذي يذنب فيذكر مقام ربه فيدعه، أو نزلت في أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - خاصة حين ذكرت الجنة والنار يوماً، أو شرب لبناً على ظمأ فأعجبه فسأل عنه فأخبر أنه من غير حل فاستقاءه والرسول [صلى الله عليه وسلم] ينظر إليه فقال: رحمك الله لقد أنزلت فيك آية وتلا هذه الآية، {مَقَامَ رَبِّهِ} : وقوفه بين يديه للعرض والحساب أو قيام الله تعالى على نفس بما كسبت، {جَنَّتَانِ} أحدهما للإنس والأخرى للجان، أو جنة عدن وجنة النعيم، أو بستانان من بساتين الجنة، أو إحداهما منزله والأخرى منزل أزواجه وخدمه كعادة رؤساء الدنيا.(3/268)
ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)
48 - {أَفْنَانٍ} ألوان " ع "، أو أنواع من الفاكهة أو أفناء واسعة أو أغصان واحدها فَنَنٌ.
{متكئين على فرش بطائنها من إستبرقٍ وجنَى الجنتينِ دانٍ (54) فبأىِّ ءالآءِ ربكما تكذبانِ (55) فيهنَّ قاصراتُ الطَّرْفِ لم يطمثهنَّ وإنسٌ قبلهم ولا جآنٌ (56) فبأىِّ ءالآءِ ربكما تكذبانِ (57) كأنهنُّ الياقوتُ والمرجانُ (58) فبأىِّ ءالآءِ ربكما تكذبانِ (59) هلْ جزاءُ الإحسانِ إلاَّ الإحسانُ (60) }(3/269)
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)
54 - {بَطَآئِنُهَا} ظواهرها والعرب يجعلون البطن ظهراً فيقولون هذا بطن السماء وظهر السماء، أو نبه بذكر البطانة على شرف الظهارة قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: إنما وصف لكم بطائنها لتهتدي إليه قلوبكم فأما الظواهر فلا يعلمها إلا الله تعالى، وجناهما: ثمرهما، {دَانٍ} لا يبعد على قائم ولا قاعد أو لا يرد أيديهم عنه بعد ولا [192 / أ] / شوك.(3/269)
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)
56 - {فِيهِنَّ} في الفرش المذكورة، {قَاصِرَاتُ} قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم ولا يبغين بهم بدلاً، {يَطْمِثْهُنَّ} يمسهن أو يذللهن، والطمث: التذليل، أو يدمهن بالنكاح والحيض طمث من ذلك.(3/269)
هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)
60 - {الإِحْسَانُ} هل جزاء الطاعة إلا الثواب أو إحسان الدنيا إلا الإحسان في الآخرة، أو هل جزاء من شهد أن لا إله إلا الله إلا الجنة، أو جزاء التوبة إلا المغفرة.
{ومن دونهمَا جنَّتانِ (62) فبأىِّ ءالآءِ ربكما تكذبانِ (63) مدهآمَّتانِ (64) فبأىِّ ءالآءِ ربكما تكذبانِ (65) فيهما عينانِ نضَّاختانِ (66) فبأىِّ ءالآءِ ربكما تكذبانِ (67) فيهما فاكهةٌ(3/269)
ونخلٌ ورمَّانٌ (68) فبأىِّ ءالآءِ ربكما تكذبانِ (69) فيهنَّ خيراتٌ حسانٌ (70) فبأىِّ ءالآءِ ربكما تكذبانِ (71) حورٌ مقصوراتٌ في الخيامِ (72) فبأىِّ ءالآءِ ربكما تكذبانِ (73) لم يطمثهنَّ إنسٌ قبلهمْ ولا جآنٌّ (74) فبأىِّ ءالآءِ ربكما تكذبانِ (75) متَّكِئِينَ على رفرفٍ خضرٍ وعبقريِ حسانٍ (76) فبأىِّ ءالآءِ ربكما تكذبانِ (77) تبارك اسم ربكَ ذِى الجلالِ والإكرامِ (78) }(3/270)
وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)
62 - {دُونِهِمَا} أقرب منهما، أو دون صفتهما {جَنَّتَانِ} الأربع لمن خاف مقام ربه " ع "، أو الأوليان مِنْ ذَهَبٍ للمقربين والأخريان من وَرِق لأصحاب اليمين، أو الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين " ح "، أو الأوليان جنة عدن وجنة النعيم والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى.(3/270)
مُدْهَامَّتَانِ (64)
64 - {مُدْهَآمَّتَانِ} خضروان " ع "، أو مسودتان من الدهمة وهي السواد، أو مرتويتان ناعمتان.(3/270)
فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)
66 - {نَضَّاخَتَانِ} ممتلئتان لا تنقطعان، أو جاريتان، أو فوارتان، والجري أكثر من النضخ تنضخان بالماء " ع "، أو بالمسك والعنبر، أو بالخير والبركة، أو بأنواع الفاكهة فهي في الجنان الأربع.(3/270)
فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)
70 - {خيراتٌ} الخير والنعيم: المستحسن، أو خيرات الفواكه والثمار، {حسانٌ} في الألوان والمناظر وخيِّرات مختارات، أو ذوات الخير وهن الحور المنشآت في الجنة، أو الفاضلات من أهل الدنيا سمين به لأنهن خيرات الأخلاق حسان الوجوه، أو عذارى أبكار، أو مختارات، أو صالحات.(3/270)
حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)
72 - {مقصوراتٌ} محبوسات في الحجال لَسْنَ بالطوافات في الطرق " ع "، أو مخدرات مصونات لا متطلعات ولا صياحات، أو مسكنات في القصور(3/270)
وقصرن بطرفهن على أزواجهن فلا يبغين بهم بدلاً، {الْخِيَامِ} البيوت، أو خيام تضرب خارج الجنة فرجة كهيئة البداوة قاله ابن جبير، أو خيام في الجنة تضاف إلى القصور قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " هي خيم الدر المجوف " قال الكلبي فهن محبوسات لأزواجهن في خيام الدر المجوف.(3/271)
مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)
76 - {رَفْرَفٍ} المجلس المطبق ببسطه، أو فضل الفرش والبسط، أو الوسائد، أو الفرش المرتفعة مأخوذ من الرف، أو المجالس يتكئون على فضولها، أو رياض الجنة، {وَعَبْقَرِىٍّ} طنافس مخملية " ح "، أو الديباج، أو ثياب في الجنة لا يعرفها أحد، أو كثياب في الدنيا تنسب إلى عبقر وهي أرض كثيرة الجن، أو كثيرة الرمل، والعبقري: السيد ينسب إلى أرفع الثياب لاختصاصه بها.(3/271)
تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)
78 - {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} ثبت ودام، أو ذكر اسمه يُمْن وبركة ترغيباً في الإكثار منه، {ذِى الْجَلالِ} الجليل، أو المستحق للإجلال والإعظام، {والإكرام} الكريم، أو المكرم لمن أطاعه.(3/271)
سورة الواقعة
مكية [192 / ب] /، أو إلا آية {وتجعلون رزقكم} [82]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إذا وقعت الواقعةُ (1) ليس لوقعتها كاذبةٌ (2) خافضةٌ رافعةٌ (3) إذا رجت الأرض رجًّا (4) وبُسَّتِ الجبالُ بسًّا (5) فكانتْ هباءً مبنثاً (6) وكنتم أزواجاً ثلاثةً (7) فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة (8) وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة (9) والسَّابقون السَّابقون (10) أولئك المقربون (11) في جنات النعيم (12) }(3/272)
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)
1 - {الْوَاقِعَةُ} الصيحة أو الساعة وقعت بحق فلم تكذب، أو القيامة
ع "، سميت به لكثرة ما وقع فيها من الشدائد.(3/272)
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)
2 - {كَاذِبَةٌ} ليس لها رد " ع "، أو لا رجعة فيها ولا مثنوية، أو إذ ليس لها مكذب من مؤمن وكافر، أو ليس الحبر عن وقوعها كذباً.(3/272)
خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)
3 - {خَافِضَةٌ} أعداء الله تعالى في النار {رَّافِعَةٌ} أولياءه في الجنة، أو خفضت رجالاً كانوا مرتفعين في الدنيا ورفعت رجالاً كانوا مخفوضين، أو خفضت فأسمعت الأدنى ورفعت فأسمعت الأقصى.(3/272)
إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)
4 - {رجت} رجفت وزلزلت " ع "، أو ترج بما فيها كما يرج الغربال بما فيه.(3/272)
وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)
5 - {وَبُسَّتِ} سالت، أو هدت، أو سيرت، أو قطعت " ح "، أو بُست كما يُبس السويق أي يلت.(3/272)
فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)
6 - {هَبَآءً} رهج الغبار يسطع ثم يذهب، أو شعاع الشمس يدخل من الكوة، أو ما يطير من النار إذا اضطرمت فإذا وقع لم يكن شيئاً " ع "، أو ما يبس من ورق الشجر تذروه الرياح، {مُّنبَثاً} متفرقاً، أو منتشراً، أو منثوراً.(3/273)
وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)
7 - {أَزْوَاجاً} أصنافاً وفرقاً {ثَلاثةً} اثنان في الجنة وواحدة في النار قاله عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - هما المذكورون في قوله {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب} [فاطر: 32] ، أو المذكورون في هذه الآية.
8 -،(3/273)
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)
9 - {فأصحاب الميمنة} الذين أخذوا من شق آدم الأيمن يومئذ {وَأَصْحَابُ المشأمة} الذين أخذوا من شقة الأيسر يومئذ، أو من أوتي كتابه بيمينه ومن أوتيه بشماله، أو أهل الحسنات وأهل السيئات، أو الميامين على أنفسهم والمشائيم عليها " ح "، أو أهل الجنة وأهل النار، {مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} تكثير لثوابهم، {ما أصحاب المشأمة} تكثير لعقابهم.(3/273)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)
10 - {وَالسَّابِقُونَ} إلى الإيمان من كل أمة " ح "، أو الأنبياء، أو الذين صلوا إلى القبلين، أو أول الناس رواحاً إلى المسجد وأسرعهم إلى الجهاد، أو أربعة سابق أمة موسى مؤمن آل فرعون وسابق أمة عيسى حبيب النجار صاحب أنطاكية وأبو بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - سابقا هذه الأمة {السَّابِقُونَ} بالإيمان هم السابقون إلى الجنان.
{ثلةٌ من الأولين (13) وقليلٌ من الآخرين (14) على سرر موضونة (15) متكئين عليها متقابلين (16) يطوف عليهم ولدان مخلدون (17) بأكوابٍ وأباريق وكأسٍ من معين (18) لا يصدعونَ عنها ولا يُنزَفون (19) وفاكهة مما يتخيرونَ (20) ولحمِ طيرٍ مما يشتهون (21) وحورٌ عينٌ (22) كأمثال اللؤلؤ المكنون (23) جزاءً بما كانوا يعملون (24) لا يسمعون فيها لغواً ولا(3/273)
تأثيماً (25) إلا قيلاً سلاماً سلاماً (26) }(3/274)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13)
13 - {ثُلَّةٌ} جماعة، أو شطر، أو بقية، {الأَوَّلِينَ} أصحاب محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو قوم نوح " ح ".(3/274)
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
14 - {الآخرين} أصحاب محمد [صلى الله عليه وسلم] " ح " أو الذين تقدم إسلامهم قبل أن يتكاملوا.(3/274)
عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)
15 - {موضُونةٍ} موصولة بالذهب " ع "، أو مشبكة بالدر منسوجة بالذهب التوضين: التشبيك والنسج، أو مسند بعضها إلى بعض، أو مضفورة وضين الناقة بطانها العريض المضفور من السيور.(3/274)
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)
17 - {مُّخَلَّدُونَ} باقون على صغرهم لا يتغيرون " ح "، أو محلون بالأسورة والأقراط، أو باقون معهم لا يتغيرون عليهم ولا ينصرفون عنهم بخلاف الدنيا.(3/274)
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)
18 - {بأكوابٍ} الأكواب: ما لا عروة له [193 / أ] /، والأباريق: ما لها عرى، أو الأكواب: مدورة الأفواه، والأباريق: لها أعناق، أو الأكواب أصغر من الأباريق، {معينٍ} خمر جارٍ، والمعين: الجاري من عينه بغير عصر كالماء المعين وهو ألذ الخمر.(3/274)
لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)
19 - {يُصَدَّعون} يمنعون منها، أو يتفرقون، أو يأخذهم صداع في رؤوسهم، {يُنزَفُون} ، يملون، أو يتقيئون، أو لا تنزف عقولهم فيسكرون {يُنزِفون} يفنى خمرهم وفي خمر الدنيا السكر والصداع والقيء والبول فنزهت خمر الجنة عن ذلك كله.(3/274)
وَحُورٌ عِينٌ (22)
22 - {وَحُورٌ} بيض، (عينٌ} الكبار الأعين، أو سواد أعينهن حالك وبياض أعينهم نقي.(3/275)
كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)
23 - {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ} في نضارتهن وصفاء ألوانهن، أو في تشابه أجسادهن في الحسن في جميع الجوانب.(3/275)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25)
25 - {لا يَسْمَعُونَ} في الجنة باطلاً ولا كذباً " ع "، أو لا يتخالفون عليها كما في الدنيا ولا يأثمون بشربها كما في الدنيا، أو لا يسمعون شتماً ولا مأثماً.(3/275)
إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)
26 - {سَلاماً} لكن يسمعون قولاً ساراً وكلاماً حسناً، أو يتداعون بالسلام على حُسن الآداب وكرم الأخلاق، أو قولاً يؤدي إلى السلامة.
{وَأَصْحَابُ اليمين ما أصحاب اليمين (27) في سدر مخضود (28) وطلح منضود (29) وظلٍ ممدود (30) وماءٍ مسكوبٍ (31) وفاكهةٍ كثيرةٍ (32) لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ (33) وفرشٍ مرفوعةٍ (34) إن أنشأنهن إنشاءٍ (35) فجعلناهن أبكاراً (36) عرباً أتراباً (37) لأصحابِ اليمين (38) ثلةٌ من الأولين (39) وثلة من الآخرين (40) }(3/275)
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)
27 - {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ} دون منزلة المقربين، أو أصحاب الحق، أو من كتابه بيمينه، أو التابعون بإحسان ممن لم يدرك الأنبياء من الأمم " ح "، أو الذين أخرجوا من صفحة ظهر آدم اليمنى، أو الذين خلطوا عملاً صالحاً وسيئاً ثم تابوا بعد ذلك وأصلحوا مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] .(3/275)
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)
28 - السدر: النبق، {مَّخْضُودٍ} لين لا شوك فيه، خضدت الشجرة حذفت شوكها، أو لا عجم لنبقه، أو المدلى الأغصان.(3/275)
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)
29 - {وَطَلْحٍ} الموز " ع "، أو شجرة تكون باليمن والحجاز تسمى طلحة، أو الطلع قاله علي - رضي الله تعالى عنه - {منضُودٍ} مصفوف، أو متراكم.
30 - {مَّمْدُودٍ} دائم.(3/276)
وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31)
31 - {مَّسْكُوبٍ} منصب في غير أخدود، قال الضحاك: من جنة عدن إلى أهل الجنان.(3/276)
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)
34 - {وَفُرُشٍ} زوجات والمرأة تسمى فرشاً ومنه الولد للفراش، أو الفرش الحقيقة مرفوعة بكثرة حشوها.(3/276)
إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)
35 - {أَنشَأْنَاهُنَّ} نساء أهل الدنيا أنشأهن من القبور " ع "، أو أعادهن بعد الشمط والكبر صغاراً أبكاراً.(3/276)
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36)
36 - {أَبْكَاراً} عذارى بعد أن لم يكنَّ كذلك، أو لا يأتيها إلا وجدها بكراً.(3/276)
عُرُبًا أَتْرَابًا (37)
37 - {عُرُباً} متحببات إلى أزواجهن منحبسات عليهم، أو متحاببات بخلاف الضرائر، أو الشَّكِلة بلغة مكة والمغنوجة بلغة أهل المدنية، أو حسان الكلام، أو العاشقة لزوجها، أو الحسنة التبعل، أو كلامهن عربي، {أَتْرَاباً} أقراناً قيل على سن ثلاث وثلاثين سنة، أو أمثالاً وأشكالاً، أو أتراب في(3/276)
الأخلاق لا تباغضن بينهن ولا تحاسد.
{وأصحابُ الشمالِ ما أصحاب الشمال (41) في سموم وحميم (42) وظلٍ من يحموم (43) لا بادرٍ ولا كريم (44) إنهم كانوا قبل ذلك مترفين (45) وكانوا يصرون على الحنث العظيم (46) وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أءنا لمبعوثون (47) أو ءاباؤنا الأولون (48) قل إن الأولين والآخرين (49) لمجموعون إلى ميقاتِ يومٍ معلومٍ (50) ثم إنكم أيها الضالون المكذبون (51) لأكلون من شجر من زقوم (52) فمالئون منها البطون (53) فشاربون عليه من الحميم (54) فشاربون شرب الهيم (55) هذا نزلهم يومَ الدين (56) }(3/277)
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)
43 - {يَحْمُومٍ} دخان، أو نار سوداء.(3/277)
لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)
44 - {لا بارد} [193 / ب] / المخرج، {وَلا كَرِيمٍ} المخرج، أو لا كرامة لأهله فيه.(3/277)
إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45)
45 - {مُتْرَفِينَ} منعمين " ع "، أو مشركين.(3/277)
وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)
46 - {الْحِنثِ} الشرك، أو الذنب العظيم لا يتوبون منه، أو اليمين الغموس.(3/277)
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)
55 - {الْهِيمِ} الأرض الرملة التي لا تروى بالماء وهي هيام الأرض " ع "، أو الإبل الهيم، والهيام، داء يأخذ الإبل فيعطشها فلا تزال تشرب الماء حتى تموت، أو الإبل الهائمة في الأرض الضالة لا تجد ماء فإذا وجدته فلا شيء أعظم منها شرباً، أو شرب الهيم أن تمد الشرب مرة واحدة إلى أن تتنفس(3/277)
فيه ثلاث نفسات.
{نحن خلقناكم فلولا تصدقون (57) أفرءيتم ما تمنون (58) ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون (59) نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين (60) على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون (61) ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون (62) }(3/278)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)
58 - {تُمْنُونَ} منى يَمني وأمنى يُمْنِي واحد سمي بذلك لإمنائه وهي إراقته، أو لأنه مقدار لتصوير الخلقة كالمَنَا الذي يوزن به.(3/278)
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)
60 - {قَدَّرْنَا} قضينا به للفناء والجزاء، أو ليخلف الأبناء الآباء، أو كتبنا مقداره فلا يزيد ولا ينقص، أو وقته فلا يتقدم ولا يتأخر، أو سوينا فيه بين المطيع والعاصي، أو بين أهل السماء والأرض، {بِمَسْبُوقِينَ} على تقديرنا موتكم حتى لا تموتوا، أو على أن تزيدوا في قدره، أو تؤخروا في وقته، أو {ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} على تبديل أمثالكم معناه لما لم نسبق إلى خلق غيركم لم نعجز نحن إعادتكم، أو لما لم نعجز عن تغير أحوالكم بعد خلقكم لم نعجز عن تغييرها بعد موتكم.
{أفرءيتم ما تحرثون (63) ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون (64) لو نشاء لجعلناه حطاما(3/278)
فظلتم تفكهون (65) إنا لمغرمون (66) بل نحن محرومون (67) أفرءيتم الماء الذي تشربون (68) ءأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون (69) لو نشاء جعلنه أجاجاً فلولا تشكرون (70) أفرءيتم النار التي تورون (71) ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون (72) نحن جعلناها تذكرةً ومتاعاً للمقوين (73) فسبح باسم ربك العظيم (74) }(3/279)
لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)
65 - {تَفَكَّهون} تحزنون، أو تلاومون، أو تعجبون " ع "، أو تندمون بلغة عكل وتيم.(3/279)
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)
66 - {لَمُغْرَمُون} معذبون، أو مولع بنا، أو مردُودُون عن حظنا.
71 - {تُورُونَ} تستخرجون بالزند.
73 - {تَذْكِرَةً} للنار الكبرى، أو تبصرة للناس من الظلام {لِّلْمُقْوِينَ} المسافرين قال الفراء: إنما يقال لهم ذلك إذا نزلوا بالقِيِّ وهي القفر التي لا شيء فيها، أو المستمتعين من حاضر ومسافر، أو الجائعين من إصلاح طعامهم، أو الضعفاء والمساكين من أقوت الدار إذا خلت وأقوى الرجل ذهب ماله، أو المقوي الكثير المال من القوة.
{فلا أقسمُ بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76) إنه لقرءانٌ كريم (77) في كتابٍ مكنون (78) لا يمسه إلا المطهرون (79) تنزيلٌ من رب العالمين (80) أفبهذا الحديث أنتم مدهنون (81) وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون (82) }(3/279)
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)
75 - {فلا أقسم} نفي للمقسم لأنه لا يقسم بشيء من خلقه ولكنه افتتاح يفتتح به كلامه قاله الضحاك، أو للرب أن يقسم بخلقه تعظيماً منه لما أقسم به(3/279)
وليس ذلك للخلق فتكون لا صلة، أو نافية لما تقدم من تكذيبهم وجحدهم ثم استأنف القسم {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} مطالعها ومساقطها، أو انتشارها يوم القيامة، أو مواقعها في السماء، أو أنواؤها نفي للقسم بها، أو نجوم القرآن تنزل على الاحداث في الأمة " ع "، أو محكم القرآن.(3/280)
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)
76 - {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} وإن الشرك بالله محرم عظيم، أو القرآن قسم عظيم.(3/280)
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)
77 - {كَرِيمٌ} عند الله تعالى، أو عظيم النفع للناس، أو لما فيه من كرائم الأخلاق ومعالي الأمور.(3/280)
فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)
78 - {فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} اللوح المحفوظ " ع "، أو التوراة والإنجيل فيهما ذكره وذكر من ينزل عليه، أو الزبور، أو المصحف الذي بأيدينا {مَّكْنُونٍ} مصون، أو مكنون من الباطل.(3/280)
لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
79 - {المطهرون} [194 / أ] / إن جعلناه اللوح المحفوظ فلا يمسه إلا الملائكة المطهرون " ع "، أو لا ينزله إلا رسل الملائكة على رسل الأنبياء وإن جعلناه المصحف الذي بأيدينا فلا يمسه بيده إلا المطهرون من الشرك، أو من الذنوب والخطايا، أو من الأحداث والأنجاس، أو لا يجد طعم نفعه إلا المطهرون بالإيمان، أو لا يمس ثوابه إلا المؤمنين مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أولا يلتمسه إلا المؤمنون.(3/280)
أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)
81 - {هذا الْحَدِيثِ} القرآن {مُّدْهِنُونَ} مكذبون " ع "، أو معرضون، أو ممالئون الكفار على الكفر به، أو منافقون في تصديقه.(3/280)
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)
82 - {رزقكم} الاستسقاء بالأنواء مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو(3/280)
الاكتساب بالسحر، أو أن يجعل شكر الله على رزقه تكذيب رسله والكفر به فيكون الرزق الشكر.
{فولا إذا بلغت الحلقوم (83) وأنتم حينئذٍ تنظرون (84) ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون (85) فلولا إن كنتم غير مدينين (86) ترجعونها إن كنتم صادقين (87) }(3/281)
فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)
86 - {مَدِينِينَ} محاسبين " ع "، أو مبعوثين، أو مصدقين أو مقهورين، أو موقنين، أو مجزيين بأعمالكم، أو مملوكين قاله الفرّاء.(3/281)
تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)
87 - {تَرْجِعُونَهَآ} النفس إلى الجسد بعد الموت {إِن كنتم صادقين} أنكم غير مذنبين.
{فأما إن كان من المقربين (88) فروحٌ وريحانٌ وجنت نعيم (89) وأما إن كان من أصحاب اليمين (90) فسلامٌ لك من أصحاب اليمين (91) وأما إن كان من المكذبين الضالين (92) فنزلٌ من حميم (93) وتصلية جحيم (94) إن هذا لهو حق اليقين (95) فسبح باسم ربك العظيم (96) }(3/281)
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88)
88 - {الْمُقَرَّبِينَ} أهل الجنة، أو السابقون.(3/281)
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)
89 - {فَرَوْحٌ} راحة " ع "، أو فرح، أو رحمة، أو رجاء، أو روح من(3/281)
الغم وراحة من عمل إذ لا غم فيها ولا عمل، أو مغفرة أو نسيم. قيل قرأ الرسول [صلى الله عليه وسلم] فروح بالضم أي تبقى روحه باقية بلا موت يناله {وَرَيْحَانٌ} استراحة عند الموت " ع "، أو رحمة، أو رزق، أو ريحان مشموم يتلقى به عند الموت أو تخرج روحه في ريحانه، أو الجنة والروح والريحان عند الموت أو في البرزخ إلى البعث، أو في الجنة، أو الروح في القبر، والريحان في الجنة، أو الروح لقلوبهم والريحان لنفوسهم والجنة لأبدانهم.(3/282)
فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)
91 - {فسلام} بشارة بالسلاة من الخوف، أو يحييهم ملك الموت بالسلام عند قبض أرواحهم، أو منكر ونكير في القبور يسلمان عليهم، أو الملائكة عند بعثه إلى الآخرة تسلمان عليه.(3/282)
سُورة الحَديد
مدنية عند الجمهور، أو مكية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم (1) له ملك السموات والأرض يحي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير (2) هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيءٍ عليم (3) }(3/283)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
1 - {سَبِّحِ} التسبيح هنا دلالة المخلوقات على وجوب تسبيحه عن الأمثال، أو التنزيه قولاً مما نسبه الملحدون إليه عند الجمهور، أو الصلاة سميت تسبيحاً لاشتمالها عليه {الْعَزِيزُ} في انتصاره {الْحَكِيمُ} في تدبيره.(3/283)
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)
3 - {الظاهر} العال على كل شيء {وَالْبَاطِنُ} المحيط بكل شيء أو القاهر لما ظهر وبطن، أو العالم بما ظهر وبطن.
{هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير (4) له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور (5) يولج الليل في النهار(3/283)
ويولج النهارِ في الليل وهو عليم بذات الصدور (6) }(3/284)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
4 - {يَلِجُ فِى الأَرْضِ} من مطر، أو مطر وغيره {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من نبات، أو نبات وغيره {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من ملائكة، أو ملائكة وغيرها {مَعَكُمْ} بعلمه فلا تخفى عليه أعمالكم، أو بقدرته فلا يعجزه شيء من أموركم [194 /] /.
{ءامنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين ءامنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبيرٌ (7) وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين (8) هو الذي ينزل على عبده ءايتٍ بيناتٍ ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم (9) وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير (10) من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجرٌ كريم (11) }(3/284)
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
7 - {مُستَخْلَفين} بوراثته عمن قبلكم، أو معمَّرين فيه.(3/284)
وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)
10 - {لا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ} أي أسلم، أو أنفق ماله في الجهاد {الْفَتْحِ} فتح مكة، أو الحديبية قال قتادة كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل منهما بعد فتحها {الْحُسْنَى} الجنة أو الحسنة.(3/284)
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)
11 - {قَرْضاً} النفقة في سبيل الله، أو على الأهل أو تطوع العبادات(3/284)
" ح "، أو عمل الخير، أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سمي قرضاً لاستحقاق ثوابه {حَسَناً} طيبة بها نفسه، أو محتسباً لها عند الله سمي حسناً لصرفه في وجوه حسنة، أو لأنه لا منَّ فيه ولا أذى فيضاعف القرض الحسنة بعشر، أو الثواب تفضلاً بما لا نهاية له {كَرِيمٌ} " على من يناله "، أو لأنه لم يبتذل في طلبه، أو لأنه كريم الحظ، أو لكرم صاحبه.
{يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم (12) يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين ءامنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب (13) ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور (14) فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير (15) }(3/285)
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
12 - {نُورُهُم} ضياء يثابون به، أو هداهم، أو نور أعمالهم {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} ليدلهم على الجنة، أو ليستضيئوا به على الصراط {وَبِأَيْمَانِهِم} كتبهم، أو نورهم، أو ما أخرجوه بأيمانهم في الصدقات والزكوات وسبل الخير، أو بإيمانهم في الدنيا وتصديقهم بالجزاء {بُشْرَاكُمُ} نورهم بشراهم أو بشارة تلقاهم الملائكة بها في القيامة.(3/285)
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)
13 - {انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} يغشى الناس ظلمة يوم القيامة فيعطى المؤمن نوراً بقدر إيمانه ولا يعطاه الكافر ولا المنافق، أو يعطاه المنافق ثم يسلبه " ع "، فيقول المنافق لما غشيته الظلمة للمؤمن لما أعطي النور الذي يمشي به انظروا أي انتظرونا {فَضُرِبَ بَيْنَهُم} وبين المؤمنين بسور أو بينهم وبين النور فلم يقدروا على التماسه {بِسُورٍ} حائط بين الجنة والنار، أو بسور المسجد الشرقي، أو حجاب من الأعراف {بَاطِنُهُ} فيه الجنة {وَظَاهِرُهُ} فيه جهنم، أو في باطنه المسجد وما يليه. والعذاب الذي في ظاهره وادي جهنم يعني بيت المقدس قاله عبد الله بن عمرو بن العاص.(3/286)
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
14 - {مَّعَكُمْ} نصلي ونغزو ونفعل كما تفعلون {فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} بالنفاق أو المعاصي، أو الشهوات {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالحق وأهله، أو بالتوبة {الأَمَانِىُّ} خدع الشيطان، أو الدنيا، أو قولهم سيغفر لنا، أو قولهم اليوم وغداً {الْغَرُورُ} الشيطان، أو الدنيا قاله الضحاك.
{ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقون (16) اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون (17) }(3/286)
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)
16 - {للذين آمنوا} بألسنتهم دون قلوبهم، أو قوم موسى، قبل أن يبعث الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو مؤمنو هذه الأمة " ع "، استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن " ع " قال ابن مسعود ما كان بين إسلامنا ومعاتبتنا بها إلا أربع سنين فنظر بعضنا إلى بعض يقول ما أحدثنا قال الحسن يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه، أو ملوا مثله فقالوا: حدثنا يا رسول الله فنزل {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ [195 / أ] / أَحْسَنَ القصص} [يوسف: 13] ثم ملوا أخرى فقالوا حدثنا فنزل {الله أنزل أَحْسَنَ الحديث} [الزمر: 23] ثم ملوا أخرى فقالوا حدثنا(3/286)
فنزلت {ألم يأن للذين آمنوا} يأنِ: يحن يخشع يلين، أو يذل، أو يخرج {لِذِكْرِ اللَّهِ} القرآن {وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} القرآن، أو الحلال والحرام.(3/287)
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)
17 - {يحيي الأَرْضَ} يلين القلوب بعد قسوتها أو مثل ضربه لإحياء الموتى.
{إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجرٌ كريم (18) والذين ءامنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (19) }(3/287)
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
18 - {المُصَدِّقين} لله ورسوله أو {الْمُصَّدِّقِينَ} بأموالهم.(3/287)
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)
19 - {الصِّدِّيقُونَ} هم الصديقون وهم الشهداء، أو الشهداء مبتدأ الرسل تشهد على أمتها بالتصديق والتكذيب، أو الأمم تشهد لرسلها بتبليغ الرسالة، أو تشهد على أنفسهم بما عملوا، أو القتلى في سبيل الله تعالى(3/287)
{وَنُورُهُمْ} على الصراط، أو إيمانهم في الدنيا.
{اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد كمثل غيثٍ أعجب الكفارَ نباتُهُ ثم يَهيجُ فتراه مصفراً ثم يكونُ حطاماً وفي الآخرة عذابٌ شديدٌ ومغفرةٌ من الله ورضوانٌ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (20) سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين ءامنوا بالله ورسلهِ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (21) }(3/288)
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)
20 - {لَعِبٌ وَلَهْوٌ} على ظاهره أو أكل وشرب.(3/288)
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
21 - {إِلَى مَغْفِرَةٍ} التوبة، أو الصف الأول، أو التكبيرة الأولى مع الإمام، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] {كَعَرْضِ السَّمَآءِ} نبّه بذكر العرض على الطول ويعبرون عن سعة الشيء بعرضه دون طوله {فضل الله} الجنة أو الدين " ع ".
{ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير (22) لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما ءاتاكم والله لا يحب كل مختال فخور (23) الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد (24) }(3/288)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)
22 - {مُّصِيبَةٍ فِى الأَرْضِ} بالجوائح في الثمار والزرع، أو القحط والغلاء {أَنفُسِكُمْ} الدَّين، أو الأمراض والأوصاب، أو إقامة الحدود، أو ضيق المعاش {كِتَابٍ} اللوح المحفوظ {نَّبْرَأَهَآ} نخلق الأنفس والأرض.(3/288)
لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)
23 - {فَاتَكُمْ} من الدنيا " ع "، أو العافية والخصب قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - {لِّكَيْلا تَأْسَوْاْ} ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح ولكن(3/288)
من جعل المصيبة صبراً والخير شكراً.(3/289)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)
24 - {الَّذِينَ يبخلون} بالعلم {ويأمرون الناس} بأن لا يعملوا شيئاً، أو بما في التوراة من ذكر محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو بحقوق الله في أموالهم، أو بالصدقة والحقوق، أو بما في يديه.
{لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافعُ للناسِ وليعلم الله من ينصرهُ ورسلهُ بالغيب إن الله قويٌ عزيزٌ (25) }(3/289)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
25 - {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ} نزل مع آدم: الحجر الأسود أشد بياضاً من الثلج، وعصا موسى من آس الجنة طولها عشرة أذرع كطول موسى، والسندان والكلبتان والميقعة وهي المطرقة، أو ما ينزل من السماء وإنزاله إظهاره وإثارته، أو لأن ما ينعقد من جوهره في الأرض أصله من ماء السماء {بَأْسٌ شَدِيدٌ} الحرب تكون بآلته وسلاحه، أو خوف شديد من خشية القتل به {ومنافع} الآلة.
{ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتدٍ وكثيرٌ منهم فاسقون (26) ثم قفينا علىءاثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وءاتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً ورحمةً ورهبانيةً(3/289)
ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين ءامنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون (27) }(3/290)
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
27 - {ورهبانيةٌ} من الرَّهب وهو الخوف {ابْتَدَعُوهَا} لم يفعلها من تقدمهم فأحسنوا بفعلها ولم تكتب عليهم وهي رفض النساء واتخاذ الصوامع، أو لحوقهم بالجبال ولزوم البراري، أو الانقطاع عن الناس تفرداً بالعبادة {رَأْفَةً} في قلوبهم بالأمر بها والترغيب فيها، أو بخلقها في قلوبهم {إِلا ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} ابتدعوها طلباً لمرضاة الله ولم تفرض عليهم قبل ذلك [195 / ب] / ولا بعده، أو تطوعوا بها ثم كتبت بعد ذلك عليهم " ح " {فَمَا رَعَوْهَا} بتكذيبهم لمحمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو بتبديلهم دينهم وتغييرهم له قبل أن يبعث محمد [صلى الله عليه وسلم] ، ارتكبت الملوك المحارم بعد عيسى ثلاثمائة سنة فأنكرها عليهم أهل الاستقامة فقتلوهم فقال من بقي منهم لا يسعنا المقام بينهم فاعتزلوا الناس واتخذوا الصوامع.
{يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وءامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفورٌ رحيم (28) لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيءٍ من فضل الله وأن الفضلِ بيدِ الله يؤتيهِ من يشاء والله ذو الفضل العظيم (29) }(3/290)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)
28 - {يا أيها الذين} بموسى وعيسى آمِنوا بمحمد {كِفْلَيْن} ضعفين بلغة الحبشة، أو أجرين أحدهما لإيمانهم بمن تقدم من الأنبياء، والآخر لإيمانهم بمحمد [صلى الله عليه وسلم] " ع "، أو أجر الدنيا وأجر الآخرة {نُوراً} القرآن، أو الهدى.(3/290)
لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
29 - {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ} ليعلم و " لا " صلة {فَضْلِ الله} الإسلام، أو الرزق.(3/290)
سُورة المجادلة
مدنية اتفاقاً أو العشر الأول مدني والباقي مكي أو كلها مدني إلا قوله: {ما يكون من نجوى} [الآية: 7] .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميعٌ بصيرٌ (1) }(3/291)
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
1 - {التي تجادلك} خولة بنت خويلد، أو بنت ثعلبة أحدهما أبوها والآخر جدها، زوجها أوس بن الصامت كان به لمم فأصابه بعض لممه فظاهر منها فأتت الرسول [صلى الله عليه وسلم] تستفتيه فقالت: يا رسول الله إن الله قد نسخ سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني فقال: ما أوحي إليَّ في هذا شيء فقالت: أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا فقال: هو ما قلت. فقالت: أشكو إلى الله لا إلى رسوله فنزلت وكانت تقول يا رسول الله أكل شبابي وانقطع ولدي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني ظاهر مني اللهم إليك أشكو فما برحت حتى نزلت(3/291)
{وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ} تستغيث به، أو تسترحمه {تحاوركما} المحاورة: مراجعة الكلام.
{الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنَّ أُمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللآئي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإن الله لعفو غفور (2) والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحريرُ رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير (3) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذابٌ أليمٌ (4)(3/292)
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
2 - {يظَّهَّرُون} سمي ظهاراً لأنه حرم ظهرها عليه، أو شبهها بظهر أمه وكان في الجاهلية طلاقاً لا رجعة فيه ولا إباحة بعده فنسخ بوجوب الكفارة بالعود.
{إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا ءاياتٍ بينات وللكافرين عذابٌ مهين (5) يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيءٍ شهيدٍ (6) ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك(3/292)
ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيءٍ عليمٌ (7)(3/293)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5)
5 - {يُحَآدُّونَ} يعادون، أو يخالفون، من الحديد المعد للمحاربة، أو أن تكون في حد يخالف حد صاحبك {كُبِتُواْ} أخزوا، أو أهلكوا، أو لعنوا، بلغة مذحج، أو ردوا مقهورين.
{ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيتِ الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير (8) يأيها الذين ءامنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون (9) إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين ءامنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون (10) }(3/293)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)
8 - {الَّذِينَ نُهُواْ} المسلمون، أو المنافقون، أو اليهود يتناجون بما يسوء المسلمين {النَّجْوَى} السرار من النجوة وهي ما ارتفع وبعد لبعد الحاضرين عنه وكل سرار نجوى، أو السرار ما كان بين اثنين والنجوى ما كان بين ثلاثة {حَيَّوْكَ} كان اليهود إذا دخلوا على الرسول [صلى الله عليه وسلم] قالوا السام عليك فيقول وعليكم، والسام: الموت، أو السيف، أو ستسأمون دينكم " ح " ولما رد ذلك عليهم قالوا لو كان نبياً لاستجيب له فينا وليس بنا سأمة وليس في أجسادنا(3/293)
فترة فنزلت {وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ} الآية.(3/294)
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
10 - {إِنَّمَا النَّجْوَى} أحلام النوم المحزنة أو تناجي اليهود / والمنافقين بالإرجاف بالمسلمين.
{يأيهَا الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحواْ يفسح الله لكمْ وإذا قيلَ انشزواْ فانشزواْ يرفعِ اللهُ الذينَ ءامنواْ منكمْ والذينَ أوتواْ العلمَ درجاتٍ واللهُ بما تعملونَ خبيرٌ (11) }(3/294)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
11 - {المجلس} مجالس الذكر، أو صلاة الجمعة، أو في الحرب، أو مجلس الرسول خاصة كانوا يشحون أن يؤثروا به، أو يتفسحوا فأمروا بذلك {تَفَسَّحُواْ} وسعوا {انشُزُواْ} : إلى القتال، أو الصلاة، بالنداء، أو الخير أو كانوا يطيلون الجلوس في بيت الرسول [صلى الله عليه وسلم] ليكون كل واحد منهم آخر عهد به فأمروا أن ينشزوا إذا قيل لهم انشزوا {فَانشُزُواْ} قوموا أو ارتفعوا من النشز إلى الصلاة، أو الغزو، أو إلى كل خير {يرفع الله الذين آمنوا} بإيمانهم على من ليس بمنزلتهم في الإيمان {وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ} على من ليس بعالم.
{يأيها الذينَ ءامنواْ إذا ناجيتمُ الرسولُ فقدِّمُواْ بينَ يدىْ نجواكمْ صدقةً ذلكَ خيرٌ لكمْ وأطهرُ فإن لمْ تجدواْ فإنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ (12) ءأشفقتم أن تقدمواْ بينَ يدىْ نجواكمْ صدقاتٍ فإذْ لمْ تفعلواْ وتابَ اللهُ عليكمْ فأقيمواْ الصلاةَ وءاتواْ الزكاةَ وأطيعواْ اللهَ ورسولهُ واللهُ خبيرٌ بمَا(3/294)
تعْمَلُونَ (13) }(3/295)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
12 - {فقدموا} كان المنافقون يناجون الرسول [صلى الله عليه وسلم] بما لا حاجة لهم به فقطعوا عنه بالأمر بالصدقة، أو كان يخلو به طائفة من المسلمين يناجونه فظن قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في نجواهم فقطعوا عن استخلائه " ح "، أو أكثر المسلمون المسائل عليه فخفف الله عنه بذلك فظنوا فكفوا " ع "، ولم يناجه إلا علي - رضي الله تعالى عنه - سأله عن عشر خصال وقدم ديناراً تصدق به ولم يعمل بها غيره حتى نسخت بعد عشر ليال، أو ناجاه رجل من الأنصار بكلمات وتصدق بآصع ثم نسخت بما بعدها.
{ألمْ ترَ إلى الذين تولواْ قوماً غضبَ اللهُ عليهمِ ما هم منكمْ ولاَ منهمْ ويحلفونَ علَى الكذبِ وهمْ يعلمونَ (14) أعدَّ اللهُ لهمْ عذاباً شديداً إنهمْ سآءَ مَا كانواْ يعملونَ (15) اتخذواْ أيمانهمْ جنَّةً فصدواْ عن سبيلِ اللهِ فلهمْ عذابٌ مهينٌ (16) لن تغنِىَ عنهمْ أموالهمْ ولآَ أولادهُم منَ اللهِ شيئاً أولئكَ أصحابُ النارِ همْ فيها خالدونَ (17) يومَ يبعثُهُمُ اللهُ جميعاً فيحلفونَ لهُ كمَا يحلفونَ لكمْ ويحسبونَ أنهمْ علَى شيءٍ ألا إنهمْ همُ الكاذبونَ (18) استحوذَ عليهمُ الشيطانُ فأنساهمْ ذكرَ اللهِ أولئكَ حزبُ الشيطانِ ألآَ إنَّ حزبَ الشيطانِ هُمُ الخاسرونَ (19) }(3/295)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
14 - {الَّذِينَ تَوَلَّوْا} المنافقون تولوا اليهود {مَّا هُم مِّنكُمْ} على دينكم {وَلا مِنْهُمْ} على يهوديتهم {وَيَحْلِفُونَ} على نفي النفاق {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} نفاقهم.(3/295)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
19 - {اسْتَحْوَذَ} قوي، أو أحاط، أو غلب واستولى.
{إنَّ الذينَ يحادونَ اللهَ ورسُولَهُ أولئكَ في الأذلِّينَ (20) كتب اللهُ لأغلبنَ أناْ ورسلِي(3/295)
إنَّ اللهَ قويٌّ عزيزٌ (21) لا تجدُ قوماً يؤمنونَ باللهِ واليومِ الأخرِ يوآدونَ منْ حآدَّ اللهَ ورسولهُ ولوْ كانواْ ءاباءهمْ أوْ أبناءهمْ أو إخوانهمْ أو عشيرتهمْ أولئكَ كَتَبَ في قلوبهمُ الإيمانَ وأيَّدَهُم بروحٍ منهُ ويدخلُهُمْ جنَّاتٍ تجري من تحتهَا الأنهارُ خالدينَ فيهَا رضِىَ اللهُ عنهمْ ورضُواْ عنهُ أولئكَ حزبُ اللهِ ألاَ إنَّ حزبَ اللهِ هُمُ المفلحُونَ (22) }(3/296)
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
22 - {لا تجد} نهي بلفظ الخبر، أو مدحهم باتصافهم بذلك {حَادَّ} حارب، أو خالف، أو عادى {كَتَبَ فِى قُلُوبِهمُ} أثبت، أو حكم، أو كتب في اللوح المحفوظ أن في قلوبهم الإيمان، أو جعل على قلوبهم سمة للإيمان تدل على إيمانهم {برُوح} برحمة، أو نصر وظفر، أو نور الهدى، أو رغبهم في القرآن حتى أمنوا، أو بجبريل يوم بدر {رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ} في الدنيا بطاعتهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} في الآخرة بالثواب، أو في الدنيا بما قضاه عليهم فلم يكرهوه {حِزْبَ} يغضبون له ولا تأخذهم فيه لومة لائم نزلت في أبي عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر، أو في أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - سمع أباه يسب النبي [صلى الله عليه وسلم] فصكه فسقط على وجهه فأخبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] فقال: أفعلت يا أبا بكر فقال والله لو كان السيف قريباً مني لضربته به فنزلت، أو في حاطب بن أبي بلتعة لما كتب إلى قريش عام الفتح يخبرهم بمسير الرسول [صلى الله عليه وسلم] .(3/296)
سورة الحشر
مدنية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{سبَّحَ للهِ ما فيِ السمواتِ ومَا في الأرضِ وهوَ العزيزُ الحكيمُ (1) هوَ الذِي أخرجَ الذينَ كفرواْ من أهلِ الكتابِ من ديارهمْ لأوَّلِ الحشرْ مَا ظننتُمْ أن يخرجُواْ وظنُّواْ أنَّهُم مانعتُهُمْ حصونُهُم منَ اللهِ فأتاهُمُ اللهُ منْ حيثُ لم يحتسبُواْ وقَذَفَ في قلوبهمُ الرُّعْبَ يخربونَ بيوتَهُم بأيديهم وأيدي المؤمنينَ فاعتبرواْ يأوْلِي الأبصارِ (2) ولولا أن كَتَبَ اللهَ عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار (3) ذلك بأنهم شاقوا الله ورسُولَهُ ومن يشاقِّ اللهَ فإنَّ اللهَ شديدُ العقابِ (4) ما قطعتُم من لينَةٍ أوْ تركتموهَا قائمةً على أصولِهَا فبإذْنِ اللهِ وليخزيَ الفاسقينَ (5) }
لما هاجر الرسول [صلى الله عليه وسلم] عاهد بني النضير أن لا يقاتلوا معه ولا عليه فكفوا يوم بدر لظهوره وأعانوا عليه يوم أحد لظهور [196 / ب] / المشركين فقتل رئيسهم كعب بن الأشرف غيلة محمد بن مسلمة ثم حاصرهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] ثلاثاً وعشرين ليلة(3/297)
حتى أجلاهم من ديارهم بالحجاز إلى أذرعات الشام وأعطى كل ثلاثة بعيراً يحملون عليه ما استقل إلا السلاح.(3/298)
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)
2 - {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} لأنهم أول من أُجلي من اليهود، أو لأنه أول حشرهم لأنه يحشرون بعده إلى أرض المحشر في القيامة، أو حشرهم الثاني بنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتأكل من تخلف {مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ} لقوتهم وامتناعهم {حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ} من أمره {لَمْ يَحْتَسِبُواْ} بأمر الله، أو بقتل ابن الأشرف {الرُّعْبَ} بقتل ابن الأشرف، أو بخوفهم من الرسول [صلى الله عليه وسلم] {بِأَيْدِيهِمْ} بنقض الموادعة {وَأيْدِى الْمؤْمِنِينَ} بالمقاتلة، أو بأيديهم في تركها، وأيدي المؤمنين في إجلائهم عنها، أو كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها فخربوا بواطنها بأيديهم وخرب المسلمون ظواهرها ليصلوا إليهم أو كلما هدم المؤمنون من حصونهم شيئاً نقضوا من بيوتهم ما يبنون به ما خرب من حصونهم أو لما صولحوا على حمل ما أقلته الإبل نقضوا ما أعجبهم من بيوتهم حتى الأوتاد ليحملوها معهم {يخرِّبون} ويخربون واحد أو بالتخفيف خرابها بفعل غيرهم وبالتشديد خراباً بفعلهم أو بالتخفيف فراغها لخروجهم عنها وبالتشديد هَدْمُها.(3/298)
وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)
3 - {الْجَلاءَ} القتل لعذبهم في الدنيا بالسَّبى أو الإخراج من المنازل لعذبهم بالقتل أو الجلاء ما كان مع الأهل والولد بخلاف الإخراج فقد يكون مع بقائهما والجلاء لا يكون إلا لجماعة والإخراج قد يكون لواحد.
50 - {لِّينَةٍ} النخلة من أي صنف كانت أو كرام النخل أو العجوة وكانت العجوة والعتيق مع نوح في السفينة والعتيق الفحل وكانت العجوة أصول الإناث(3/298)
كلها ولذلك شق على اليهود قطعها أو اللينة الفسيلة لأنها ألين من النخلة أو جميع الأشجار للينها بالحياة وقال الأخفش اللينة من اللون لا من اللين قطعوا وأحرقوا ست نخلات أو قطعوا نخلة وحرقوا أخرى توسيعاً للمكان أو إضعافاً لهم فقالوا ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح أفمن الصلاح قطع النخل وعقر الشجر. وقال شاعرهم سماك اليهود:
(ألسنا ورثنا الكتاب الحكيم ... على عهد موسى ولم نصدف)
(وأنتم رعاء لشاء عجاف ... بسهل تهامة والأخيف)
(ترون الرعاية مجداً لكم ... لدى كل دهر لكم مجحف)
(فيا أيها الشاهدون انتهوا عن ... الظلم والمنطق الموكف)
(لعل الليالي وصرف الدهور ... يديل من العادل المنصف)
(بقتل النضير وأجلائها ... وعقر النخيل ولم يقطف)
فأجابه حسان بن ثابت:
(هم أوتوا الكتاب فضيعوه ... وهم عمي عن التوراة بور)
(كفرتم بالقرآن وقد أبيتم ... بمصداق الذي قال النذير)
(فهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير)
وحز في صدور بعض المسلمين ما فعلوه فقالوا [197 / أ] / هذا فساد، وقال آخرون: هذا مما تحدى الله به أعداءه وينصر به أولياءه، فقالوا: يا رسول الله هل لنا فيما قطعنا من أجر وفيما تركنا من وزر فشق ذلك على الرسول [صلى الله عليه وسلم](3/299)
فنزلت.
{وما أفاءَ اللهُ علَى رسولِهِ منهمْ فمَآ أوجفتمْ عليهِ منْ خيلٍ ولاَ ركابٍ ولكنَّ اللهَ يسلِّطُ رسلَهُ علَى من يشاءُ واللهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ (6) مَّا أفاءَ اللهُ على رسولهِ منْ أهلِ القرى فللهِ وللرَّسُولِ ولِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولةَ بينَ الأغنياءِ منكمْ ومَا ءاتاكُمُ الرسولُ فخذوهُ وما نهاكمْ عنهُ فانتهواْ واتَّقُواْ اللهَ إنَّ اللهَ شديدُ العِقابِ (7) }(3/300)
وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)
6 - {أَوْجَفْتُمْ} الإيجاف الإسراع، والركاب: الإبل فكانت أموالهم للرسول [صلى الله عليه وسلم] خاصة فقسمها في المهاجرين إلاَّ سهل بن حنيف وأبا دجانة فإنهما ذكرا فقراً فأعطاهما.(3/300)
مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
7 - {دُولَةً} ودَولة واحد أو بالفتح الظفر في الحرب وبالضم الغنى عن الفقر، أو بالفتح في الأيام، وبالضم في الأموال، أو بالفتح ما كان كالمستقر، وبالضم ما كان كالمستعار، أو بالفتح الظفر في الحرب، وبالضم أيام الملك(3/300)
وأيام السنين التي تتغير. {وما آتاكم الرسول} من الفيء فاقبلوه وما منعكم فلا تطلبوه، أو من الغنيمة فخذوه وما نهاكم عنه من الغلول فلا تفعلوه " ح "، أو من طاعتي فافعلوه، وما نهاكم عنه من معصيتي فاتركوه، أو هو عام في أوامره ونواهيه. قيل نزلت في رؤساء المسلمين قالوا للرسول [صلى الله عليه وسلم] فيما ظهر عليه من أموال المشركين يا رسول الله خذ صَفِيِّك والربع ودعنا والباقي فهكذا كنا نفعل في الجاهلية وأنشدوه:
(لك المرباع منها والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول)
فنزلت.
{للفقراءِ المهاجرينَ الذينَ أخرجواْ من ديارهمْ وأموالهمْ يبتغونَ فضلاً من اللهِ ورضواناً وينصرونَ اللهَ ورسولهُ أولئكَ هُمُ الصادقونَ (8) والذينَ تبوءو الدارَ والإيمانَ من قبلهِمْ يحبُّونَ منْ هَاجَرَ إليهمْ ولاَ يجدونَ في صدورهمْ حاجةً ممَّا أوتواْ ويؤثرونَ علَى أنفسهمْ ولوْ كانَ بهمْ خصاصةٌ ومن يوقَ شُحَّ نفسِهِ فأولئكَ هُمُ المفلحونَ (9) والذين جاءوا من بعدهِمْ يقولونَ ربَّنَا اغفرْ لنَا ولإخواننَا الذينَ سبقُونَا بالإيمانِ ولاَ تجعلْ في قلوبِنَا غلاًّ للذينَ ءامنواْ ربَّنا إنَّكَ رءوفٌ رحيمٌ (10) }(3/301)
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)
8 - {المهاجرين} إلى المدينة لنصرة الرسول [صلى الله عليه وسلم] وخوفاً من قومهم {فَضْلاً} من عطاء الدنيا {وَرِضْوَاناً} ثواب الآخرة. كان أحدهم يعصب الحجر على بطنه ليقم به صلبه من الجوع ويتخذ الحفيرة في الشتاء ماله(3/301)
دثار غيرها.(3/302)
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
9 - {تبوءوا الدَّارَ} من قبل المهاجرين {وَالإيمَانَ} من بعدهم، أو تبوءوا الدار والإيمان قبل الهجرة إليهم وهم الأنصار والدار المدينة. {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ} بالفضول والمواساة بالأموال والمساكن {حَاجَةً} حسداً على ما خصوا به من مال الفيء وغيره {وَيُؤْثِرُونَ} يقدمونهم على أنفسهم {خَصَاصَةٌ} فاقة وحاجة آثروهم بالفيء والغنيمة حتى قسم في المهاجرين دونهم لما قسم الرسول [صلى الله عليه وسلم] للمهاجرين أموال النضير أو قريظة على أن يردوا على الأنصار ما كانوا أعطوهم من أموالهم، قالت الأنصار: بل نقسم لهم من أموالنا ونؤثرهم بالفيء فنزلت أو آثروهم بأموالهم وواسوهم بها قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " إخوانكم تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم " فقالوا: يا رسول الله أموالنا بينهم قطائع فقال: أو غير ذلك هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر يعني ما صار لهم من نخيل بني النضير قالوا: نعم يا رسول الله ". {شُحَّ نَفْسِهِ} الشح أن يشح بما في أيدي الناس يحب أن يكون له [197 / ب] / أو منع الزكاة، أو هوى نفسه " ع "، أو اكتساب الحرام، أو إمساك النفقة، أو الظلم، أو العمل بالمعاصي، أو ترك الفرائض وانتهاك المحارم، والبخل والشح واحد، أو الشح أخذ المال بغير حق والبخل منع المال المستحق، أو الشح بما في يدي غيره والبخل بما في يديه.(3/302)
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)
10 - {والذين جاءوا مِن بَعْدِهِمْ} المهاجرون بعد ذلك أو التابعون ومن يأتي إلى يوم القيامة {الَّذِينَ سَبَقُونَا} السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، أو سابقو هذه الأمة ومؤمنو أهل الكتاب قالت عائشة - رضي الله(3/302)
تعالى عنها -: أمروا أن يستغفروا لهم فسبُّوهم {غلا} غشاً أو عداوة.
{ألمْ ترَ إلَى الذينَ نافقواْ يقولونَ لإخوانهمُ الذينَ كفرواْ منْ أهلِ الكتابِ لئنْ أخرجتمْ لنخرجنَّ معكمْ ولا نطيعُ فيكمْ أحداً أبداً وإن قوتلتمْ لننصرنَّكُمْ واللهُ يشهدُ إنهمْ لكاذبونَ (11) لئن أخرجواْ لا يخرجونَ معهمْ ولئن قوتلواْ لاَ ينصرونهمْ ولئن نصرُوهُمْ ليُوَلُّنَّ الأدبارَ ثمَّ لا ينصرونَ (12) لأنتم أشدُّ رهبةً في صدورهمِ مِّنَ اللهِ ذلكَ بأنهمْ قومٌ لاَّ يفقهونَ (13) لا يقاتلونكمْ جميعاً إلاَّ في قرىً محصَّنةٍ أوْ مِن وراءِ جُدُرٍ بأسُهُمْ بينهُمْ شديدٌ تحسبُهُمْ جميعاً وقُلُوبُهُمْ شتَّى ذلكَ بأنَّهُمْ قومٌ لاَّ يعقلونَ (14) كَمَثَلِ الذينَ من قبلهمْ قريباً ذاقواْ وَبَالَ أمرهمْ ولهمْ عذابٌ أليمٌ (15) كَمَثَلِ الشيطانِ إذْ قالَ للإنسانِ اكفرْ فلمَّا كَفَرَ قَالَ إنِّي بريءٌ مِّنكَ إنِّي أخافُ اللهَ ربَّ العالمينَ (16) فَكَانَ عاقبتهما أنهمَا في النَّارِ خالدينِ فيها وذلكَ جزاؤاْ الظَّالمينَ (17) }(3/303)
لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)
14 - {بَأْسُهُم} " حرب بعضهم لبعض " أو اختلافهم واختلاف قلوبهم فلا يتفقون على أمر واحد ووعيدهم للمسلمين لنفعلن كذا وكذا {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً} اليهود، أو المنافقون واليهود {شَتَّى} مختلفة لأنهم على باطل والباطل مختلف أو على نفاق والنفاق اختلاف " وتركه ائتلاف ".(3/303)
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15)
15 - {الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} كفار قريش ببدر أو قتلى بدر أو بنو النضير الذين أجلوا إلى الشام، أو بنو قريظة كانوا بعد إجلاء النضير بسنة {ذَاقُواْ وَبَالَ(3/303)
أَمْرِهِمْ} نزولهم على حكم سعد أن يقتل المقاتلة وسبي الذرية مثَّلهم بهم في تخاذلهم أو في نزول العذاب بهم.(3/304)
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)
16 - {لِلإِنسَانِ} ضرب مثلاً للكافر في طاعة الشيطان وهو عام في كل إنسان أو عني راهباً حسن العبادة من بني إسرائيل فافتتن إلى أن زنا وقتل النفس وسجد لإبليس وقصته مشهورة فكذلك المنافقون وبنو النضير مصيرهم إلى النار.
{يَأَيُّهَا الذينَ ءامنواْ اتقواْ اللهَ ولتنظرْ نفسٌ مَّا قدمتْ لغدٍ واتقواْ اللهَ إنًّ اللهَ خبيرٌ بمَا تعملونَ (18) ولاَ تكونواْ كالذينَ نسواْ اللهَ فأنساهمْ أنفسهمْ أولئكَ هُمْ الفاسقُونَ (19) لاَ يستوِي أصحابُ النَّارِ وأصحابُ الجنَّةِ أصحابُ الجنةِ هُمُ الفائزُونَ (20) }(3/304)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
18 - {اتَّقُواْ اللَّهَ} باجتناب المنافقين، أو اتقاء الشبهات {لِغَدٍ} يوم القيامة، قربه حتى جعله كالغد {وَاتَّقُواْ اللَّهَ} تأكيد للأولى أو الأولى التوبة فيما مضى والثانية ترك المعصية في المستقبل، أو الأولى فيما تقدم لغد والثانية فيما يكون منكم {بِمَا تَعْمَلُونَ} بعملكم، أو بما يكون منكم.(3/304)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)
19 - {نَسُواْ اللَّهَ} تركوا أمره {فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} أن يعملوا لها خيراً، أو نسوا حقه فأنساهم حق أنفسهم، أو نسوا شكره وتعظيمه فأنساهم بالعذاب أن يذكر بعضهم بعضاً، أو نسوه عند الذنوب فأنساهم أنفسهم عند التوبة(3/304)
{الْفَاسِقُونَ} العاصون أو الكاذبون.(3/305)
لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
20 - {الْفَآئِزُونَ} الناجون من النار، أو المقربون المكرمون.
{لوْ أنزلنَا هذاَ القرءانَ علَى جَبَلٍ لرأيتهُ خاشعاً متصدِّعاً مِّنْ خشيةِ اللهِ وتلكَ الأمثالُ نضربهَا للناسِ لعلهمْ يتفكِّرونَ (21) هُوَ اللهُ الذِي لاَ إلهَ إلاَّ هُوَ عالمُ الغيبِ والشهادةِ هُوَ الرحمنُ الرَّحِيمُ (22) هوَ اللهُ الذِي لاَ إلهَ إلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المؤمنُ المهيمنُ العزيزُ الجبَّارُ المُتكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشركونَ (23) هُوَ اللهُ الخلاقُ البارئُ المُصَوِّرُ لهُ الأسماءُ الحسنىَ يسبِّحُ لهُ مَا في السمواتِ والأرضِ وهُوَ العزيزُ الحكيمُ (24) }(3/305)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)
22 - {هُوَ اللَّهُ} قال جابر بن زيد اسم الله الأعظم هو الله لمكان هذه الآية. {الْغَيْبِ وَالْشَّهَادَةِ} السر والعلانية " ع "، أو ما كان وما يكون، أو الدنيا والآخرة، أو ما يدرك وما لا يدرك من الحياة والموت والأجل والرزق.(3/305)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
23 - {الْمَلِكُ} " المالك "، أو الواسع القدرة " {الْقُدُّوسُ} المبارك، أو الطاهر، أو المنزه عن القبائح {السَّلامُ} مأخوذ من سلامته وبقائه [198 / أ] / وإذا وصف بمثله المخلوق قيل سالم، أو من سلامة عباده من ظلمه. {الْمُؤْمِنُ} خَلْقه من ظلمه، أو يصدقهم وعده، أو دعاهم إلى الإيمان {الْمُهَيْمِنُ} الشاهد على خلقه(3/305)
بأعمالهم وعلى نفسه بثوابهم، أو الأمين، أو المصدق، أو الحافظ قال عمر - رضي الله تعالى عنه -: إني داع فهيمنوا أي قولوا آمين حفظاً للدعاء لما يرجى من الإجابة أو الرحيم {الْعَزِيزُ} في امتناعه، أو انتقامه {الْجَبَّارُ} العظيم الشأن في القدرة والسلطان، أو الذي جبر خلقه على ما يشاء، أو جبر فاقة عباده، أو أذل له من دونه. {الْمُتَكَبِّرُ} عن النسيان [أو] عن ظلم عباده، أو المستحق لصفات الكبر والتعظيم.(3/306)
هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
24 - {الْخَالِقُ} محدث الأشياء على إرادته، أو مقدرها بحكمته {البارئ} المنشئ للخلق، أو المميز له برئت منه تميزت {الْمُصَوِّرُ} للخلق على مشيئته، أو كل جنس على صورته، {الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى} جميع أسمائه حسنى لاشتقاقها من صفاته الحسنى، أو الأمثال العليا.(3/306)
سورة الممتحنة
مدنية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{يأيها الذين ءامنوا لا تتخذواْ عدوِّي وعدوكمْ أولياءَ تلقُونَ إليهمِ بالمودةِ وقدْ كفرواْ بِمَا جاءكُمْ مِّنَ الحقِّ يُخرجونَ الرسولَ وإياكمْ أن تؤمنواْ بالله ربِّكُمْ إن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً في سبيليِ وابتغآءَ مرضاتي تُسرُّونَ إليهم بالمودَّةِ وأناْ أعلمُ بمَا أخفيتمْ ومَا أعلنتمْ ومن يفعلهُ منكمْ فقدْ ضلَّ سواءَ السبيلِ (1) إن يثقفُوكُمْ يكونواْ لكُمْ أعداءً ويبْسُطُواْ إليكمْ أَيْدِيَهُمْ وأَلْسِنَتَهُم بالسُّوءِ ووَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لن تنفعكُمْ أرحامُكُمْ ولاَ أولادُكُمْ يومَ القيامةِ يفصِلُ بينكُمْ واللهُ بِمَا تعملونَ بَصِيرٌ (3) }(3/307)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)
1 - {لما أراد الرسول [صلى الله عليه وسلم] التوجه إلى مكة ورَّى لخيبر فأرسل حاطب إلى أهل مكة يخبرهم بذلك ليحفظ ماله عندهم فاطلع الرسول [صلى الله عليه وسلم] على كتابه فاسترده ثم سأله فاعتذر بأنه فعل ذلك ليحموا ماله فقدره الرسول [صلى الله عليه وسلم] وصدقه ونزلت هذه الآية والتي بعدها {تُسِرُّونَ} تعلمونهم في السر أن بينكم وبينهم(3/307)
مودة، أو تعلمونهم سراً بأحوال الرسول لمودة بينكم وبينهم.
{قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذي معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير (4) ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم (5) لقد كان لكم فيهم أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد (6) }(3/308)
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)
4 - {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ} يا حاطب أسوة حسنة أو عبرة حسنة فهلا تبرأت يا حاطب من كفار مكة كما تبرأ إبراهيم والمؤمنون معه {إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ} إلا استغفاره فلا تقتدوا به فيه، أو إلا إبراهيم فإنه استثنى أباه من قومه في الاستغفار له.(3/308)
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)
5 - {فِتْنَةً} لا تسلطهم علينا فيفتنونا " ع "، أو لا تعذبنا بعذاب منك ولا بأيديهم فيفتنوا بنا يقولون لو كانوا على حق لما عذبوا دعا بذلك إبراهيم.
{عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودةً والله قديرٌ والله غفورٌ رحيمٌ (7) لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون (9) }(3/308)
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)
7 - {مَّوَدَّةً} بإسلامهم عام الفتح، أو نزلت في أبي سفيان والمودة تزوج الرسول [صلى الله عليه وسلم] ابنته أم حبيبة أن ولاه الرسول [صلى الله عليه وسلم] على بعض اليمن، فلما قبض الرسول [صلى الله عليه وسلم] أقبل فلقي ذا الخمار مرتداً فقاتله فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين.(3/309)
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
8 - {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} كان هذا في الابتداء عند موادعة المشركين ثم صارت منسوخة بالأمر بالقتال أو كان لخزاعة والحارث بن عبد مناة عهد فأمروا أن يبروهم بالوفاء به، أو أراد النساء والصبيان أمروا ببرهم، أو نزلت في قُتَيْلة امرأة أبي بكر [198 / ب] / كان قد طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - في الهدنة فأهدت لها قرطاً وأشياء فكرهت قبوله حتى ذكرت للرسول [صلى الله عليه وسلم] فنزلت. {وتقسطوا} تعطوهم قسطاً من أموالكم أو تعدلوا فيهم فلا تغلوا في مقاربتهم ولا تسرفوا في مباعدتهم.
{يأيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وءاتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا ءاتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر وسئلوا ما أنفقتم(3/309)
وليسئلوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم (10) وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فأتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنين (11) }(3/310)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
10 - {إذا جاءكم المؤمنات} لما هادن الرسول [صلى الله عليه وسلم] قريشاً على أن يرد إليهم من جاء منهم جاءت أميمة بنت بشر مسلمة أو سعيدة زوجة صيفي أو أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أو سُبَيْعَة الأسلمية فلما طلب المشركون الرد منع الله من ذلك نسخاً منه للرد عند من قال دخلن في العموم أو بياناً لخروجهن من العموم، وإنهن لم يشترط ردهن لسرعة انخداعهن إلى الكفر وحفظاً لفروجهن عند من قال لم يدخلن في العموم وإن كان ظاهراً في شمولهن {فَامْتَحِنُوهُنَّ} بالشهادتين أو بما في قوله {يبايعنك على ألا يشركن} الآية [12] أو تحلف بالله تعالى ما خرجت من بغض زوج، بالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، بالله ما خرجت التماس دنيا، بالله ما خرجت إلا حباً لله ورسوله {وآتوهم} آتوا الأزواج ما أنفقوا من المهور وهل يدفع إلى غير الأزواج من أهلهن فيه اختلاف {بِعِصَمِ} العصمة: الحبل أو العقد فإذا أسلم الكافر على وثنية فلا يجوز له التمسك بعصمتها إلا أن تسلم قبل انقضاء عدتها. ولما نزلت طلق جماعة من الصحابة أزواجهم من المشركات {واسألوا مَآ أَنفَقْتُمْ} من المهور إذا ارتد أزواجكم المسلمات ولحقن بالكفار من ذوي العهد المذكور ولا يجوز لأحد بعد الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يشترط رد النساء المسلمات لأن الرسول [صلى الله عليه وسلم](3/310)
كان له وعد من الله بفتح بلادهم ودخولهم في الإسلام طوعاً وكرهاً فجاز له ما لم يجز لغيره.(3/311)
وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)
11 - {وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ} إذا فاتت المسلم زوجته بارتدادها إلى أهل العهد المذكور فلم يصل إلى مهرها منهم ثم غنمها المسلمون ردوا عليه مهرها مما غنموه " ع "، أو من مال الفيء أو من صداق من أسلمت منهن عن زوج كافر {فَعَاقَبْتُمْ} فغنمتم مأخوذ من معاقبة الغزو أو فأصبتم منهم عاقبة من قَتْل أو سَبْي أو عاقبتم المرتدة بالقتل فلزوجها المهر من الغنائم وهذا منسوخ لنسخ الشرط الذي شرطه الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالحديبية أو محكم.
{يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتانٍ يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروفٍ فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم (12)(3/311)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
12 - {يبايعنك} لما دخل الرسول [صلى الله عليه وسلم] مكة عام الفتح بايعه الرجال ثم جاءت النساء بعدهم للبيعة فبايعهن فجلس على الصفا وعمر - رضي الله تعالى عنه - دون الصفا فأمره أن يبايع النساء أو أمر أميمة أخت خديجة بنت خويلد بعدما أسلمت أن تبايع عنه النساء أو بايعهن بنفسه وعلى يده ثوب قد وضعه [199 / أ] / على كفه أو وضع ماء في قِعب وغمس يده فيه وأمرهن فغمسن أيديهن {وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} كانوا يئدون الأولاد في الجاهلية {بِبُهْتَانٍ} بسحر أو المشي بالنميمة والسعي بالفساد أو أن يُلحقن بأزواجهن غير أولادهم كانت أحداهن تلتقط الولد وتلحقه بزوجها قاله الجمهور. {يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ} ما أخذته لقيطاً {وَأَرْجُلِهِنَّ} ما ولدنه من زنا {مَعْرُوفٍ} طاعة الله ورسوله أو ترك النوح أو خمش الوجه ونشر الشعر ورشق الجيب والدعاء بالويل أو عام في كل معروف مأمور به.(3/311)
{ياأيها الذين ءامنوا لا تتولوا قوماً غضبَ الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفارُ من أصحاب القبورٍ (13) }(3/312)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)
13 - {قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} اليهود أو اليهود والنصارى أو جميع الكفار {يَئِسُواْ} من ثواب الآخرة كما يئس الكفار من بعث من في القبور " ع " أو كما يئس الكفار المقبورون من ثوابها لمعاينة عقابها أو يئسوا من خير الآخرة كما يئسوا من خير أهل القبور أو يئسوا من البعث والرحمة كما يئس منها من مات منهم وقبر.(3/312)
سُورَة الصَّف
مدنية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم (1) ياأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3) إنَّ الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيانٌ مرصوصٌ (4) }(3/313)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)
2 - قالوا لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لسارعنا إليه فلما فرض الجهاد تثاقلوا عنه فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لِمَ تَقَولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} " ع " أو نزلت في قوم كان أحدهم يقول قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وصبرت ولم يصبر وضربت ولم يضرب، أو في المنافقين قالوا إن خرجتم وقاتلتم خرجنا وقاتلنا فلما خرجوا نكص المنافقون وتخلفوا أو أراد لم تقولون نفعل فيما ليس أمره إليكم فلا تدرون هل تفعلون أو لا تفعلون.(3/313)
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)
4 - {صَفّاً} كصف الصلاة لأنه بالتلاصق يكون أثبت لهم وأمنع لعددهم {مَّرْصُوصٌ} ملصق بعضه إلى بعض أو مبني بالرصاص.(3/313)
{وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغَ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين (5) وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحرٌ مبين (6) }(3/314)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)
5 - {زَاغُواْ} عدلوا أو مالوا ولا يستعمل إلا في الميل عن الحق يريد بذلك الخوارج أو المنافقين أو عام.(3/314)
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
6 - {مبشرا برسول} بشرهم به ليؤمنوا به عند مجيؤه أو ليكون مجيؤه معجزة مصدقة لعيسى {أحمد} اسم للرسول [صلى الله عليه وسلم] كمحمد أو اشتق من اسم الله تعالى المحمود قال حسان:
(وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد)
{ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين (7) يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون (8) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (9) يأيها الذين ءامنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذابٍ أليمٍ (10) تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (11) يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ ومساكنَ طيبةً في جناتٍ عدنٍ ذلك الفوز العظيم (12) وأخرى تحبونها نصرٌ من الله وفتح قريبٌ وبشر المؤمنين (13) يأيها الذين ءامنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من(3/314)
أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفةٌ من بني إسرائيل وكفرت طائفةٌ فأيدنا الذين ءامنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين (14) }(3/315)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)
7 - {افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} اليهود والمنافقون أو النضر من بني عبد الدار قال إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى فنزلت.(3/315)
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)
8 - {نُورَ اللَّهِ} القرآن يريدون إبطاله أو الإسلام يريدون دفعه بالكلام أو محمد يريدون هلاكه بالأراجيف أو حجج الله ودلائله يريدون إبطالها بتكذيبهم وإنكارهم أو مثل من أراد إبطال الحق بمن أراد إطفاء نور الشمس بفمه، قال كعب بن الأشرف: لما أبطأ الوحي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أربعين يوماً يا معشر اليهود [199 / ب] / أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه وما كان الله ليتم أمره فحزن الرسول [صلى الله عليه وسلم] فنزلت ثم اتصل الوحي.(3/315)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
9 - {لِيُظْهِرَهُ} بالغلبة لأهل الأديان كلها، أو بالعلو على الأديان أو بعلمه بالأديان كلها ظهرت على سره: علمت به.(3/315)
سورة الجمعة
مدنية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم (1) هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين (2) وءاخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم (3) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (4) مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين (5) قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين (6) ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين (7) قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون (8) }(3/316)
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)
2 - {الأُمِّيِّينَ} لأنهم لم ينزل فيهم كتاب أو لم يكونوا يكتبون، قريش خاصة لم يكونوا يكتبون حتى تعلم بعضهم في آخر الجاهلية من أهل الحيرة أو جميع العرب لأنه لم يكن لهم كتاب ولا كتب منهم إلا القليل ومنَّ عليهم بكونه أمياً لموافقة ذلك بشارة الأنبياء قبله أو لمشاكلته لهم ليكون أقرب إلى الموافقه(3/316)
أو لئلا يتهم بقراءة كتب الأولين. {وَيُزَكِّيهِمْ} يجعل قلوبهم زكية بالإيمان أو يطهرهم من الكفر والذنوب أو يأخذ زكاة أموالهم. {الْكِتَابَ} القرآن أو الخط بالقلم " ع " لأنه شاع فيهم لما أمروا بتقييد الشرع بالخط أو معرفة الخير والشر كما يعرف بالكتاب {وَالْحِكْمَةَ} السنة أو الفقه في الدين أو الفهم والاتعاظ.(3/317)
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
3 - {وآخرين} ويعلِّم آخرين ويزكيهم وهم المسلمون بعد الصحابة أو العجم بعد العرب أو الملوك أبناء الأعاجم أو الأطفال بعد الرجال.(3/317)
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)
4 - {فَضْلُ اللَّهِ} النبوة أو الإسلام أو ما ذكره الرسول [صلى الله عليه وسلم] من قوله للفقراء في أهل الدثور {ذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يشاء} .
{ياأيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (9) فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) }(3/317)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
9 - {فَاسْعَوْاْ} بالمشي على الأقدام من غير إسراع أو بنية القلوب أو بالعمل لها أو بإجابة الداعي {ذِكْرِ اللَّهِ} موعظة الخطبة أو الصلاة عند الجمهور أو الوقت،(3/317)
وكانوا يسمون الأيام في الجاهلية غير هذه الأسماء الأحد أول والأثنين أهون والثلاثاء جبار والأربعاء دبار والخميس مؤنس والجمعة عروبة والسبت شيار.
(أؤمل أن أعيش وإن يومي ... بأول أو بأهون أو جبار)
(أو التالي دبار " فإن أفُته " ... فمؤنس أو عروبة أو شيار}
وأول من سماه الجمعة كعب بن لؤي لاجتماع قريش فيه إلى كعب أو في الإسلام لاجتماعهم فيه إلى الصلاة. {وَذَرُواْ الْبَيْعَ} فحرم البيع على المخاطب بالجمعة من بعد الزوال إلى الفراغ منها، أو من وقت آذان الخطبة إلى الفراغ من الصلاة والآذان الأول أحدثه عثمان - رضي الله تعالى عنه - ليتأهبوا لحضور الخطبة لما اتسعت المدينة وكثر أهلها وكان عمر - رضي الله تعالى عنه - أمر بآذان في السوق قِبَل المسجد ليقوموا عن البيع فإذا اجتمعوا أذَّن في المسد فجعله عثمان آذانين في المسجد {ذَلِكُمْ} الصلاة خير من البيع والشراء.(3/318)
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
10 - {فضل الله} قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " ليس بطلب دنيا ولكن من عبادة مريض وحضور جنازة وزيادة أخ في الله تعالى أو البيع والشراء أو العمل يوم السبت.
{وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خيرٌ من اللهوِ ومن التجارةِ والله خيرُ الرازقين (11) }(3/318)
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
11 - {تِجَارَةَ أَوْ لَهْواً} قَدِمَ دَحْيةَ بعير عند مجاعة وغلاء وسعر وكان معه جميع ما يحتاجون [200 / أ] إليه من برود ودقيق وغيره فنزل عند أحجار الزيت وضرب بطبل ليؤذن بقدومه فانفضوا عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] وهو في الخطبة فلم يبق معه إلا ثمانية أو اثنا عشر فقال: " والذي نفسي بيده لو ابتدرتموها حتى لم يبق معي منكم أحد لسان بكم الوادي ناراً ". {لَهْواً} لعباً " ع " أو الطبل أو المزمار أو الغناء {قَآئِماً} في الخطبة {إِلَيْهَا} لأن غالب انفضاضهم كان إلى التجارة دون اللهو فاقتصر على ذكرها أو تقديره تجارة انفضوا إليها أو لهواً. {انفَضُّواْ} ذهبوا أو تفرقوا.(3/319)
سورة المنافقين
سورة المنافِقون
مدنية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون (1) اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون (2) ذلك بأنهم ءامنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (3) وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشبٌ مسندةٌ يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون (4) }
سئل حذيفة عن المنافق فقال الذي يصف الإسلام ولا يعمل به وهم اليوم شر منهم على عهد الرسول [صلى الله عليه وسلم] لأنهم كانوا يكتمونه وهم اليوم يظهرونه.(3/320)
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)
1 - {نَشْهَدُ} نحلف عبر عن الحلف بالشهادة لأن كل واحد منهما إثبات لأمر غائب {وَاللَّهُ يشهد إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} فلا يضرك نفاق من نافق.(3/320)
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)
2 - {جُنَّةً} من القتل والسبي فعصموا بها دماءهم وأموالهم أو من الموت أن لا تصلي عليهم فيظهر للناس نفاقهم. {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} عن الإسلام بالتنفير أو عن الجهاد بتثبيط المسلمين عنه بالإرجاف.(3/320)
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
4 - {تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} لحسن منظرهم {تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} لحسن منطقهم {خُشُبٌ} شبهوا بالنخل القائمة لحسن منظرهم أو بالخشب النخرة لسوء مخبرهم أو لأنهم لا ينتفعون بسماع الهدى فصاروا كالخشب {مُّسَنَّدَةٌ} لاستنادهم إلى الإيمان لحقن دمائهم {يَحْسبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيهِمْ} لخبثهم لا يسمعون صيحة إلا ظنوا أن العدو قد أصطلمهم وأن القتل قد حل بهم أو يظنون عند كل صيحة أن قد فطن بهم وعلم نفاقهم لأن المريب خائف، أو يظنون عند كل صياح في المسجد أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] قد أمر بقتلهم فهم أبداً وجلون. {فَأحْذَرْهُمْ} أن تثق بقولهم أو احذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك {قَاتَلَهُمُ} لعنهم أو أحلهم محل من قاتله ملك قاهر لقهر الله تعالى لكل معاند {يُؤْفَكُونَ} يكذبون أو يعدلون عن الحق أو يصرفون عن الرشد أو كيف تضل عقولهم عن هذا؟
{وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسولُ الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون (5) سواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين (6) هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون (7) يقولون لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون (8) }(3/321)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)
5 - {لَوَّوْاْ} لما [كانت غزوة تبوك] قال ابن أُبي {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا(3/321)
الأذل} فارتحل الرسول [صلى الله عليه وسلم] قبل أن ينزل الناس فقيل لابن أُبيَّ ائت الرسول حتى يستغفر لك فلوَّى رأسه استهزاءً وامتناعاً من إتيانه، أو لوَّاه بمعنى ماذا قلت. {يَصُدُّونَ} يمتنعون، أو يعرضون عما دعوا إليه من استغفار الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو عن إخلاص الإيمان {مُّسْتَكْبِرُونَ} متكبرون أو ممتنعون.(3/322)
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)
7 - {لا تنفقوا} لما قال [200 / ب] / ابن أبي مرجع الرسول [صلى الله عليه وسلم] من غزوة بني المصطلق وقد جرت مشاجرة بين بعض المهاجرين والأنصار يا معشر الأوس والخزرج ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك أوطأنا هذا الرجل ديارنا وقاسمناهم أموالنا ولولاها لانفضوا عنه {لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ منها الأذل} فبلغت الرسول [صلى الله عليه وسلم] فاعتذر له قومه فنزلت هذه الآية والتي بعدها {خزائن السموات} المطر وخزائن {الأَرْضِ} النبات أو خزائن السماوات ما قضاه وخزائن الأرض ما أعطاه.
{ياأيها الذين ءامنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون (9) وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين (10) ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبيرٌ بما تعملون (11) }(3/322)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)
9 - {عَن ذِكْرِ اللَّهِ} الصلاة المكتوبة أو عامة في جميع الفرائض أو الجهاد.(3/322)
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
10 - {وَأَنفِقُواْ} زكاة المال أو صدقة التطوع ورفد المحتاج ومعونة المضطر.(3/323)
سُورَةُ التَغَابُنِ
مدنية عند الأكثر أو مكية أو مكية مدنية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (1) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير (2) خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير (3) يعلمُ ما في السمواتِ والأرضِ ويعلمُ ما تسرونَ وما تُعْلِنُونَ واللهُ عليمٌ بذاتِ الصُّدُورِ (4) }(3/324)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)
2 - {فمنكم كافر} بأنه خلقه {ومؤمن} بأنه خلقه أو كافر به وإن أقر بأنه خالقه ومؤمن به وفيه محذوف تقديره ومنكم فاسق " ح " أو لا تقدير فيه بل ذكر الطرفين.(3/324)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
3 - {بِالْحَقِّ} للحق قاله الكلبي {وَصَوَّرَكُمْ} آدم، أو جميع الخلق {فَأحْسَنَ صُوَرَكُمْ} في العقول أو في المنظر أو أحكم صوركم.
{ألمْ يأتكُمْ نبؤاْ الذينَ كفرواْ من قَبْلُ فذاقواْ وَبَالَ أمْرِهِمْ ولهمْ عذابٌ أليمٌ (5) ذلكَ بأنَّهُ كانَت تأتيهمْ رُسُلُهُمْ بالبينَّاتِ فقالواْ أَبَشَرٌ يهدونَنَا فكفرواْ وتولَّواْ واستغْنَى اللهُ واللهُ غَنَيٌّ حَمِيدٌ (6) }(3/324)
ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)
6 - {أَبَشَرٌ} استحقروا البشر أن يكونوا رسلاً لله إلى أمثالهم والبشر والإنسان واحد فالبشر من ظهور البشرة والإنسان من الأنس أو من النسيان. {فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ} عن الإيمان {وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ} بسلطانه عن طاعة عباده أو بما أظهر لهم من البرهان عن زيادة تدعوهم إلى الرشد {غَنِىٌّ} عن أعمالكم أو صدقاتكم {حَمِيدٌ} مستحمد إلى خلقه بإنعامه عليهم أو مستحق لحمدهم.
{زَعَمَ الذينَ كفرواْ أن لَّن يُبْعثُواْ قُلْ بلَى وربِّي لتبْعَثُنَّ ثمَّ لتنبَّؤُنَّ بِمَا عملتُمْ وذلكَ على اللهِ يسيرٌ (7) فآمنواْ باللهِ ورسُولِهِ والنُّورِ الذِي أنزلنَا واللهُ بمَا تعملُونَ خَبيرٌ (8) يومَ يجمعُكُمْ ليومِ الجمعْ ذلكَ يَوْمُ التغابنِ وَمَن يُؤْمِن باللهِ ويَعْمَلْ صالحاً يُكَفِّرْ عنْهُ سيِّئاتِهِ ويُدْخِلْهُ جنَّاتٍ تجرِي من تحتِهَا الأنهارُ خالدينَ فيها أبداً ذَلِكَ الفوْزُ العَظِيمُ (9) والذِينَ كفرواْ وكَذَّبُواْ بآياتناْ أولئكَ أصحابُ النَّارِ خالدِينَ فيهَا وبِئْسَ المَصِيرُ (10) }(3/325)
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)
7 - {زَعَمَ} كُنْية الكذب.(3/325)
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
9 - {الْجَمْعِ} بين كل نبي وأمته أو بين المظلومين والظالمين {يَوْمُ التَّغَابُنِ} من أسماء القيامة أو غبن فيه أهل الجنة [أهل النار] أو يغبن فيه المظلوم الظالم.
{مَآ أصابَ من مُّصِيبةٍ إلاَّ بإذْنِ اللهِ وَمَن يُؤْمِن باللهِ يهدِ قلبهُ واللهُ بكُلِّ شيءٍ عليمٌ (11) وأطيعواْ اللهَ وأطيعواْ الرَّسُولَ فإِن تولَّيْتُمْ فإِنَّمَا عَلَى رسُولِنَا البلاغُ المبينُ (12) اللهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فليَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ (13) }(3/325)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)
11 - {بِإِذْنَ اللَّهِ} بأمره أو بحكمه {يَهْدِ قَلْبَهُ} يؤمن قلبه لله أو يعلم أنه من عند الله فيرضى به أو يسترجع أو إذا ابتلي صبر وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظُلم غفر.
{ياأيها الذينَ ءامنواْ إنَّ مِنْ أزوجاكمْ وأولادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فاحذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وتغفرواْ فإنَّ اللهَ غفورٌ رَّحيمٌ (14) إنَّمآ أمْوالُكُمْ وأَولادُكُمْ فِتْنَةٌ واللهُ عندهُ أجرٌ عظيمٌ (15) فاتَّقواْ اللهَ مَا استطعتُمْ واسمَعُواْ وأَطيعوُاْ وأنفِقُواْ خيْراً لأنفُسِكُمْ ومَن يوقَ شُحَّ نفسِهِ فأُولئِكَ هُمُ المفلِحُونَ (16) إن تُقْرِضُواْ اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضعِفْهُ لَكُمْ ويَغْفِرْ لكمْ واللهُ شَكُورٌ حَليمٌ (17) عَالمُ الغيبِ والشَّهَادةِ العَزيزُ الحكيمُ (18) }(3/326)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
14 - {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} نزلت في قوم أسلموا بمكة فأرادوا الهجرة فمنعهم أزواجهم وأولادهم أو منهم من لا يأمر بطاعة ولا ينهى عن معصية وكبر ذلك عداوة أو منهم من يأمر بقطع الرحم ومعصية الله ولا يستطيع مع حبه إلا أن يطيعه أو منهم من يخالفك في دينك فصار بذلك عدواً أو منهم من يحملك على طلب الدنيا والاستكثار منها {وَإِن تَعْفُواْ} عن الظالم(3/326)
{وتَصْفَحُواْ} عن الجاهل {وَتَغْفِرُواْ} للمسيء {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} للذنب {رَّحِيمٌ} بالعباد. لما هاجر بعض من منعه أهله من الهجرة فلم يقبل منهم قال لئن رجعت إلى أهلي لأفعلن ولأفعلن ومنهم من قال لا ينالون مني خيراً أبداً فلما كان عام الفتح أمروا بالعفو والصفح عن أهاليهم [201 / أ] / ونزلت هذه الآية فيهم.(3/327)
إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
15 - {فِتْنَةٌ} بلاء أو محنة يكن بهما عن الآخرة ويتوفر لأجلهما على الدنيا أو يشح لأجل أولاده فيمنع حقوق الله من ماله الولد مبخلة مجهلة محزنة مجبنة {أَجْرٌ عَظِيمٌ} الجنة.(3/327)
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
16 - {مَا اسْتَطَعْتُمْ} جهدكم أو أن يطاع فلا يعصى أو ما يتطوع به من نافلة أو صدقة لما نزلت {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] اشتد عليهم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فنسخها الله تعالى بهذه الآية. {وَاسْمَعُوا} كتاب الله تعالى {وَأَنفِقُواْ} في الجهاد أو الصدقة " ع " أو نفقة المؤمن لنفسه {شُحَّ نَفْسِهِ} هواها أو ظلمها أو منع الزكاة فمن أعطاها فقد وقي شح نفسه.(3/327)
إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)
17 - {قَرْضاً} نفقة الأهل أو النفقة في سبيل الله أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. {حَسَناً} طيبة بها نفسه أو لا يمتن بها {يُضَاعِفْهُ} بالحسنة عشراً أو ما لا يحد من تفضله {شَكُورٌ} للقليل من أفعالنا(3/327)
{حليم} عن ذنوبنا أو {شكور} بمضاعفة الصدقة {حَلِيمٌ} بأن لا يعاجل عقوبة مانع الزكاة.(3/328)
سُورَةُ الطَّلاَقِ
مدنية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ياأيها النَّبِيُّ إذا طلَّقْتُمُ النساءَ فطَلِّقوهُنَّ لعدَّتِهِنَّ وأحصواْ العِدَّةَ واتَّقواْ اللهَ ربَّكُمْ لاَ تخْرِجُوهُنَّ مِن بيوتِهِنَّ ولاَ يخْرُجْنَ إلاَّ أن يأتينَ بفاحِشَةٍ مُّبيِّنَةٍ وتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً (1) }(3/329)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)
1 - {يا أيها النَّبِىُّ} خوطب به وهو عام لأمته نزلت لما طلق الرسول [صلى الله عليه وسلم] حفصة فأوحي إليه أن يراجعها فإنها صوامة قوامة وهي من أزواجك في الجنة {لِعِدَّتِهِنَّ} في الطهر من غير جماع وجمع الثلاث بدعة أو ليس ببدعة فإن طلقها حائضاً أو في طهر جماع وقع أو لا يقع {وَاتَّقُواْ اللَّهَ} في المطلقات {لا تُخْرِجُوهُنَّ} في عدتهن {بِفَاحِشَةٍ} الزنا فتخرج لإقامة الحد أو بُذَاء على أحمائها " ع " أو كل معصية لله أو خروجها من بيتها تقديره إلا أن يأتين بفاحشة بخروجهن {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} طاعته أو شروطه أو سننه وأمره {يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} لم يرض بها أو خالفها {ظَلَمَ نَفْسَهُ} بترك الرضا لأنه يأثم به أو بإضراره بالمرأة بإيقاع الطلاق في غير الطهر المشروع {أَمْراً} بالرجعة اتفاقاً.(3/329)
{فإذَا بَلَغْنَ أجلهنَّ فأمسكُوهُنَّ بمعروفٍ أوْ فارِقُوهُنَّ بمعروفٍ وأشهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقيمواْ الشَّهَادةَ للَّهِ ذلكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الأخرِ وَمَن يتَّقِ اللهَ يجعل لَّهُ مخرجاً (2) ويرزقهُ مِنْ حيثُ لا يحتسبُ وَمَن يتوَكَّلْ علَى اللهِ فهُوَ حسبُهُ إنَّ اللهَ بالَغُ أمرِهِ قد جَعَلَ اللهُ لكلِّ شيءٍ قدراً (3) }(3/330)
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)
2 - {بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} قاربنه {فَأَمْسِكُوهُنَّ} ارتجعوهن {بِمَعْرُوفٍ} طاعة الله في الشهادة أو أن لا يقصد إضرارها بتطويل العدة {فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أن يتركها في منزلها حتى تنقضي عدتها {وَأَشْهِدُواْ} على الرجعة فإن لم يشهد فقولان في صحتها. {مَخْرَجاً} ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرى أو علمه بأنه من الله وأنه هو والمعطي المانع أو قناعته برزقه أو مخرجاً من الباطل إلى الحق ومن الضيق إلى السعة أو من يتق بالطلاق في العدة يجعل له مخرجاً بالرجعة وأن يكون كأحد الخطاب بعد انقضائها، أو بالصبر عند المصيبة يجعل له مخرجاً من النار إلى الجنة، أو نزلت في مالك الأشجعي أُسِرَ ابنه عوف فشكا ذلك إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] مع ضر أصابه فأمره بالإكثار من الحوقلة [201 / ب] / فأفلت ابنه من الأسر واستاق معه سرحاً للكفار فأتى أباه فأخبره أبوه الرسول [صلى الله عليه وسلم] وسأله عن الإبل فقال اصنع بها ما أحببت فنزلت.(3/330)
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
3 - {بَالغُ أَمْرِهِ} قاضٍ أمره فيمن توكل ومن لم يتوكل إلا أن من توكل يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً {قَدْراً} أجلاً ووقتاً أو منتهى وغاية أو مقداراً واحداً فإن كان فعلاً للعبد فهو مقدر بأمر الله وإن كان فعلاً لله فهو مقدر بمشيئته أو بمصلحة عباده.
{واللائى يئسنَ مِنَ المحيضِ مِن نسائكُمْ إنِ ارتبتُمْ فعدَّتُهُنَّ ثلاثةُ أشْهُرٍ واللائى لم يحضْنَ وأولاتُ الأحمالِ أَجلُهُنَّ أن يضعْنَ حملهنَّ ومن يتَّقِ اللهَ يجعل لهُ منْ أمرِهِ يُسْراً (4) ذلكَ أمرُ اللهِ أنزلَهُ إليكمْ ومن يتَّقِ اللهَ يكفرْ عنهُ سيئاتِهِ ويعظمْ لهُ أجراً (5) }(3/331)
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
4 - {إِنِ ارْتَبْتُمْ} بدمها هل هو حيض أو استحاضة أو بحكم عدتها فلم تعلموا بماذا يعتدون. قالوا قد بقي من عِدَد النساء عِدد لم يذكرن الصغار والكبار المنقطع حيضهن وذوات الحمل فنزلت {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ} بطلاق السنة ييسر أمره بالرجعة أو باجتناب المعصية يَسَّر أمره بالتوفيق للطاعة.
{أسكنوهُنَّ منْ حيثُ سكنتُم مِّن وُجدكم ولاَ تضاروهنَّ لتضيقواْ عليهنَّ وإن كنَّ أولاتِ حمْلٍ(3/331)
فأنفقوا عليهنَّ حتَّى يضعنَ حملهنَّ فإنْ أرضعنَ لكُمْ فآتُوهُنَّ أجورهُنَّ وأتمرواْ بينكم بمعروفٍ وإن تعاسرتُمْ فسترضعُ لهُ أخرَى (6) لينفقْ ذو سعةٍ من سعتِهِ ومَن قُدِرَ عليْهِ رزْقُهُ فلينفقْ ممَّا ءاتاهُ اللهُ لا يكلِّفُ اللهُ نفساً إلاَّ ما ءاتاها سيجعَلْ اللهُ بعد عُسْرٍ يُسراً (7) }(3/332)
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
6 - {وُجْدكم} سعتكم أو قوتكم أو طاقتكم أو مما تجدون {لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ} في المساكن أو النفقة {فَإِنْ أَرْضَعْنَ} أي المطلقات {فَآتُوهُنَّ} أجرة الرضاع لوجوب النفقة على الآباء {وائتمروا} تشاوروا أو تراضوا في إرضاع الولد إذا وقعت بينكما الفرقة {تَعَاسَرْتُمْ} تضايقتم أو إختلفتم {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} وإن اختلفا فطلبت الأم الإرضاع وامتنع الأب أو طلبه الأب فامتنعت الأم والولد لا يقبل ثدي غيرها أجبر الممتنع وإن أعسر الأب بالأجرة لزمها الإرضاع للولد.(3/332)
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
7 - {ما آتاها} نفقة المرضع بقدر المكنة أو لا يكلف بصدقة ولا زكاة ولا مال له أو لا يكلفه فريضة إلا بحسب قدرته.
{وكأيِّنِ من قريةٍ عتتْ عن أمرِ ربِّها ورسلِهِ فحاسبناهاَ حساباً شديداً وعذَّبناها عذاباً نُّكْراً (8) فذاقتْ وَبَالَ أمرِهَا وَكَانَ عاقبةُ أمرِهَا خُسراً (9) أَعَدَّ اللهُ لهمْ عذاباً شديداً فاتقوا الله يأولي الألباب الذين ءامنوا قد أنزل الله إليكمْ ذكراً (10) رَّسولاً يتلواْ عليكمْ ءاياتِ اللهِ مبيِّناتٍ ليخرجَ الذينَ ءامنواْ وعملواْ الصالحاتِ مِنَ الظلماتِ إلى النورِ ومن يؤمن باللهِ ويعملْ صالحاً يدخلهُ جناتٍ تجري من تحتِهَا الأنهارُ خالدينَ فيها أبداً قد أحسنَ اللهُ لهُ رزقاً (11) }
10 - {ذِكْراً} القرآن.
11 - {رَّسُولاً} جبريل عليه السلام. فيكون الذكر والرسول منزلين أو(3/332)
محمد [صلى الله عليه وسلم] تقديره وبعث رسولاً نزلت في مؤمني أهل الكتاب " ع " {الظُّلُمَاتِ} الجهل و {النُّورِ} العلم أو ظلمات المنسوخ إلى ضياء الناسخ أو الباطل إلى الحق.
{اللهُ الذي خَلَقَ سبعَ سموتٍ ومِنَ الأرضِ مثلهنَّ يتنزلُ الأمرُ بينهنَّ لتعلمواْ أنَّ الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ وأنَّ اللهَ قدْ أحاطَ بكلِّ شيءٍ علماً (12) }(3/333)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
12 - {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} اتفقوا أن السموات بعضها فوق بعض {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} سبع أرضين منبسطة ليس بعضها فوق بعض تفرق بينهن البحار ويظل جميعهن السماء " ع " وقال الجمهور سبع أرضين بعضها فوق بعض في كل أرض خلق تقلهم تلك الأرض وتظلهم أرض أخرى ولا تصل إلينا إلا الأرض العليا التي نحن عليها فعلى هذا إن كان منهم من يعقل فلا يلزمه دعوة الإسلام ولهم ضياء خلقه الله تعالى في أراضيهم عند من رأى الأرض كرية فلا يشاهدون السماء أو يشاهدونها من كل جوانب أرضهم فيرون منها الضياء عند من رأى الأرض منبسطة. {الأَمْرُ} الوحي {بَيْنَهُنَّ} الأرض العليا والسماء السابعة وقال الأكثر الأمر قضاؤه وقدره {بَيْنَهُنَّ} بين أقصى الأرضين والسماء العليا {لِتَعْلَمُواْ} خلق هذا الملك العظيم لتعلموا أنه قادر على كل شيء [202 / أ] / قدير وإنه على ما بينهما من الخلق أقدر.(3/333)
سُورَةُ التَّحْرِيم
مدنية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{يا أيها النبي لمَ تحرِّمُ ما أحلَّ اللهُ لَكَ تبتَغِى مرضَاتَ أزواجِكَ واللهُ غفورٌ رحيمٌ (1) قدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانِكُمْ واللهُ مولاكُمْ وهُوَ العليمُ الحكيمُ (2) وإذْ أسرَّ النبيُّ إلى بعضِ أزواجِهِ حديثاً فلمَّا نبَّأتْ به وأظهرهُ اللهُ عليهِ عرَّفَ بعضهُ وأعرضَ عن بعضٍ فلمَّا نبَّأها به قالتْ مَنْ أنبأك هذا قال نبأني العليمُ الخبيرُ (3) إن تتوبا إلى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وإن تظاهرا عليه فإنَّ اللهَ هُوَ مولاهُ وجبريلُ وصالحُ المؤمنينَ والملائكةُ بعدَ ذلكَ ظهيرٌ (4) عَسَى ربُّهُ إن طلقكنُّ أن يبدلهُ أزواجاً خيراً منكنَّ مسلماتٍ مؤمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَبِدَاتٍ سَئِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وأَبْكَاراً (5) }(3/334)
عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
5 - {لِمَ تُحَرِّمُ} أراد المرأة التي وهبته نفسها فلم يقبلها " ع " أو سقته حفصة أو سودة أو أم سلمة عسلاً فحسدها نساؤه فقلن للرسول [صلى الله عليه وسلم] نجد منك ريح المغافير فقال شربت عسلاً فقلن جَرَستْ نحلُه العُرْفُط فحرمه(3/334)
على نفسه أو خلا الرسول [صلى الله عليه وسلم] بمارية في بيت حفصة لما خرجت لزيارة أبيها فلما عادت وعلمت عتبت فحرم مارية إرضاءاً لحفصة وقال لا تخبرين أحداً من نسائي فأخبرت به عائشة - رضي الله تعالى عنها - لمصافاة كانت بينهما وكانتا تتظاهران على نسائه فحرم مارية وطلق حفصة وجعل على نفسه أن يحرم سائر نسائه شهراً فاعتزلهن شهراً فنزلت هذه الآية فراجع حفصة(3/335)
واستحل مارية وعاد إلى سائر نسائه " ح " وحلف يميناً حرمها بها فعوتب على ذلك وأمر بتكفير يمينه أو حرمها بغير يمين فكان التحريم موجباً لكفارة اليمين " ع ".(3/336)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
2 - {فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ} بَيَّن المَخْرج من أيمانكم أو قدر كفارة حنثها.(3/336)
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
3 - {حَدِيثاً} أسر إلى حفصة تحريم مارية فلما ذكرته لعائشة وعلم الرسول ذلك عرفها بعض ما ذكرت {وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} أدباً وإبقاءاً، أو أسرَّ إليها تحريم مارية وبشرها أن أبا بكر خليفته من بعده وأن أباها الخليفة بعد أبي بكر فذكرتهما لعائشة فلما اطلع على ذلك عرَّف ذلك التحريم {وَأَعْرَضَ} عن ذكر الخلافة لئلا ينتشر {وعَرَف} مخففاً غضب منه وجازى عليه.(3/336)
إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)
4 - {إِن تَتُوبَآ} يا عائشة وحفصة من الإذاعة والمظاهرة أو من السرور بما ذكره الرسول [صلى الله عليه وسلم] من التحريم. {صَغَتْ} زاغت أو مالت أو أثمت {تَظَاهَرَا) تتعاونا على معصيته {مَوْلاهُ) {وليه} (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} الأنبياء أو الملائكة أو الصحابة أو علي أو أبو بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهم - {ظهير) أعوان للرسول [صلى الله عليه وسلم] .(3/336)
عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
5 - {خَيْراً مِّنكُنَّ} مع أنهن خير نساء ألأمة أي أطوع منكن أو أحب إليه منكن أو خيراً منكن في الدنيا {مُسْلِمَاتٍ} مخلصات أو يقمن الصلاة ويؤتين الزكاة كثيراً(3/336)
أو مسلِّمات لأمر الله تعالى ورسوله {مُّؤْمِنَاتٍ} مصدقات بما أمرن به ونهين عنه {قَانِتَاتٍ} مطيعات أو راجعات عما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه {تَآئِبَاتٍ} من الذنوب أو راجعات إلى أمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] تاركات لمحابهن عابدات لله أو متذللات للرسول [صلى الله عليه وسلم] بالطاعة. {سَآئِحَاتٍ} صائمات لأن الصائم كالسائح في السفر بغير زاد أو مهاجرات لسفرهن للهجرة {ثَيِّبَاتٍ} كامرأة فرعون {وَأَبْكَاراً} كمريم ابنة عمران سميت الثيب لأنها راجعة إلى زوجها إن أقام معها أو إلى غيره إن فارقها أو لأنها ثابت إلى بيت أبويها وهذا أصح والبكر لأنها على أول حالتها التي خلقت عليها.
{يأيها الذينَ ءامنواْ قوا أنفسكم وأهليكمْ ناراً وقودُهَا النَّاسُ والحجارةُ عليهَا ملائكةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لاَّ يعصونَ اللهَ ما أمرهمْ ويفعلونَ ما يؤمرونَ (6) يأيها الذين كفرواْ لا تعتذرواْ اليومَ إنما تجزون ما كنتم تعملون (7) يأيها الذين ءامنوا توبواْ إلى اللهِ توبةً نَّصوحاً عسَى ربُّكُمْ أن يُكَفَّرَ عنكمْ سيئاتكمْ ويدخلكُمْ جنَّاتٍ تجرِى من تحتِهَا الأنهارُ يومَ لاَ يخزِى اللهُ النبيَّ والذينَ ءامنواْ معهُ نُورُهُمْ يسعى بينَ أيديهم وبأيمانهمْ يقولونَ ربَّنَا أتممْ لَنَا نورَنَا واغفر لنا إنكَ علَى كلِّ شيءٍ قدِيرٌ (8) }(3/337)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
6 - {يا أيها الذين آمنوا} قال خيثمة كل ما في القرآن [202 / ب] / " يا أيها الذين آمنوا " فهو في التوراة يا أيها المساكين وقال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - إذا قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا " فارعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه {قُواْ أَنفُسَكُمْ} اصرفوا عنها النار {وَأَهْلِيكُمْ} فليقوا(3/337)
أنفسهم أو قوا أنفسكم ومروا أهليكم حتى يقيكم الله تعالى بهم " ع " أو أنفسكم بأفعالكم وأهليكم بوصيتكم إياهم بالطاعة وترك المعصية أو بتعلم الفروض وآداب الدنيا أو بتعلم الخير والأمر به وتعلم الشر والنهي عنه {وَالْحِجَارَةُ} المعبودة أو حجارة الكبريت أو ذكر الحجارة لينبه على أن ما أحرق الحجارة فهو أبلغ في أحراق الناس {غِلاظٌ} القلوب {شداد} الأبدان.(3/338)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
8 - {نصوحا} ناصحة صادقة أو أن يبغض الذنب ويستغفر منه إذا ذكره أو أن لا يثق بقبولها ويكون على وجل منها أو لا يحتاج معها إلى توبة أو لا يعود إلى الذنب الذي تاب منه أبداً. والنصوح من النصاحة وهي الخياطة لأنها أحكمت الطاعة كما يحكم الخياط الثوب بالخياطة، أو لأنها تجمع بينه وبين أولياء الله تعالى وتلصقه بهم كما يجمع الخياط الثوب ويلصق بعضه ببعض {ونُصُوحاً} توبة نصح لأنفسهم.
{يا أيها النبيُّ جاهدِ الكُفَّارَ والمنافقينَ واغلُظْ عليهمْ ومأواهمْ جهنَّمُ وبئسَ المصيرُ (9) }(3/338)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
9 - {جَاهِدَ الْكُفَّارَ} بالسيف {وَالْمُنَافِقِينَ} بالغلظة أو بالقول " ع " أو بإقامة الحدود أو بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليلقهم بوجه مكفهر {واغلظ} بالقول والزجر أو بالإبعاد والهجر ".
{ضَرَبَ اللهُ مثلاً للذينَ كفرواْ امرأتَ نوحٍ وامرأتَ لوطٍ كانَتَا تَحْتَ عَبْدِيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صالحيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فلم يغنيا عنهما مِنَ اللهِ شيئاً وَقِيلَ ادخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللهُ مثلاً للذينَ ءامنواْ امرأتَ فِرعونَ إذْ قالتْ ربِّ ابنِ لِى(3/338)
عندكَ بيتاً في الجنةِ ونجنِي من فرعوْنَ وعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظالمِينَ (11) وَمَرْيمَ ابنتَ عمرانَ التي أحصنتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بكلِماتٍ ربِّهَا وكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القانِتينَ (12) }
10 -،(3/339)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)
11 - {فَخَانَتَاهُمَا} بالكفر أو النفاق " ع " ما بغت امرأة نبي قط أو بالنميمة إذا أوحي إليهما أفشتاه إلى المشركين أو كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون وتخبر الجبابرة بمن آمن به. وإذا نزل بلوط ضيف دخنت امرأته لتعلم قومها به لما كانوا عليه من إتيان الرجال. {فَلَمْ يُغْنِيَا} عن امرأتهما شيئاً من عذاب الله. مَثَلٌ ضربه الله تعالى يحذرهما به لعائشة وحفصة لما تظاهرتا على رسوله ثم ضرب لهما مثلاً بمريم وامرأة فرعون لما اطلع فرعون على إيمانها خرج إلى الملأ فقال: ما تعلمون من آسية بنت مزاحم فأثنوا عليها خيراً قال: فإنها تعبد رباً غيري قالوا اقتلها فأوتد أوتاداً وشدَّ يديها ورجليها فقالت {رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ} الآية فنظرت إلى بيتها في الجنة فضحكت فقال: فرعون ألا تعجبون من جنونها إنا لنعذبها وهي تضحك فقبضت روحها {وَعَمَلهِ} الشرك أو الجماع {الظَّالِمِينَ} أهل مصر أو القبط.(3/339)
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
12 - {فرجها} جيبها {كلمات رَبِّهَا) {الإنجيل} (وَكُتُبِهِ} الزبور أو قول جبريل عليه السلام {إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ} الآية [مريم: 19] وكتبه الإنجيل أو كلمات ربها عيسى وكتبه الإنجيل {القانتين} المطيعين.(3/339)
سُورَةُ المُلكِ
مكية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{تَبَاركَ الذِي بيدهِ الملكُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ (1) الذي خلقَ الموتَ والحياةِ ليبلوكمْ أيكمْ أحسنُ عملاً وهوَ العزيزُ الغفورُ (2) الذي خلقَ سبعَ سمواتٍ طباقاً ما تَرىَ في خلق الرحمنِ من تفاوتْ فارجعِ البصرَ هل ترى من فطورٍ (3) ثمَّ ارجعِ البصرَ كرتينِ ينقلبْ إليكَ البصرُ خاسئاً وهو حسيرٌ (4) ولقدْ زيَّنَا السماءَ الدنيا بمصابيحَ وجعلناها رجوماً للشياطينِ وأعتدنا لهمْ عذابَ السَّعِيرِ (5) }(3/340)
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
1 -[203 / أ] / {تَبَارَكَ} تفاعل من البركة " ع " وهو أبلغ من المبارك لاختصاص الله تعالى به واشتراك الخلق في المبارك أو بارك في الخلق بما جعل فيهم من البركة أو علا وارتفع {الْمُلْكُ} ملك النبوة أو ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة.(3/340)
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
2 - {الْمَوْتَ} خلقكم للموت في الدنيا {وَالْحَيَاةَ} في الآخرة أو خلقهما جسمين الموت في صورة كبش أملح والحياة في صورة فرس مأثور حكاه الكلبي ومقاتل {أَحْسَنُ عَمَلاً} أتم عقلاً أو أزهد في الدنيا أو أورع عن محارم الله وأسرع في طاعته مأثور أو أكثر ذكراً للموت وحذراً منه واستعداداً له.(3/340)
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)
3 - {طِبَاقاً} متشابهة هذا مطابق لهذا أي شبيه به أو بعضها فوق بعض(3/340)
وسبع أرضين بعضها فوق بعض بين كل سماء وأرض خلق وأمر " ح " {تَفَاوُتٍ} اختلاف أو عيب أو تفرق " ع " أو لا يفوت بعضه بعضاً {فَأرْجِعِ الْبَصَرَ} فانظر إلى السماء {فُطُورٍ} شقوق أو خلل أو خروق أو وهن " ع ".(3/341)
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
4 - {كَرَّتَيْنِ} انظر إليها مرة بعد أخرى قيل أراد بالمرتين قلباً وبصراً {ينقلب} يرجع إليك البصر خاسئاً لأنه لا يرى فطوراً فينفذ {خَاسِئاً} ذليلاً " ع " أو منقطعاً أو كليلاً أو مبعداً خسأت الكلب أبعدته {حَسِيرٌ} نادم أو كليل ضعيف عن إدراك مداه " ع " أو منقطع من الإعياء.
{وللذين كفرواْ بربهمْ عذابُ جهنَّمَ وبئسَ المصيرُ (6) إذا ألقواْ فيها سمعواْ لها شهيقاً وهي تفورُ (2) تكادُ تميَّزُ من الغيظِ كلما ألقيَ فيها فوجٌ سألهمْ خزنتها ألم يأتكم نذيرٌ (8) قالواْ بلَى قدْ جاءنا نذيرٌ فكذَّبنا وقلنا ما نزَّلَ اللهُ من شيءٍ إنْ أنتمْ إلا في ضلالٍ كبيرٍ (9) وقالواْ لوْ كُنَّا نسمعُ أوْ نعقِلُ ما كنَّا في أصحابِ السعيرِ (10) فاعترفواْ بذنبهمْ فسحقاً لأصحابِ السعِيرِ (11) }(3/341)
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)
7 - {شَهِيقاً} سمعوه من أنفسهم أو شهيقاً تشهق إليهم شهقة البغلة للشعير ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف " ع " والشهيق في الصدر أو الصياح أو الشهيق في الصدر وهو أول نهيق الحمار، الزفير في الحلق والشهيق في الصدر لبعده منه جبل شاهق لبعده في الهواء {تَفُورُ} تغلي.(3/341)
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)
8 - {تَمَيَّزُ} تنقطع أو تتفرق " ع " {الْغَيْظِ} الغليان أو غضباً لله تعالى عليهم وانتقاماً منهم، النذير: الرسول والنبي أو النذير من الجن والرسل من الإنس.(3/341)
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)
11 - {فَسُحْقاً} فبعداً يعني جهنم أو اسم وادٍ فيها.
{إنَّ الذينَ يخشونَ ربهمْ بالغيبِ لهمْ مغفرةٌ وأجرٌ كبيرٌ (12) وأسرُّواْ قولكمْ أو اجهرواْ بهِ إنهُ عليمٌ بذاتِ الصدورِ (13) ألا يعلمْ من خلقَ وهوَ اللطيفُ الخبيرُ (14) هُوَ الذي جعلَ لكُمُ(3/341)
الأرضَ ذلولاً فامشواْ في مناكبها وكلواْ من رزقهِ وإليهِ النشورُ (15) }(3/342)
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)
12 - {بِالْغَيْبِ} الله تعالى وملائكته أو الجنة والنار أو القرآن أو الإسلام أو القلب أو إذا خلا فذكر ذنبه استغفر {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} بالتوبة والاستغفار أو بخشية ربهم بالغيب أو حلو باجتناب الذنوب محل المغفور له {وَأَجْرٌ كبير} الجنة.(3/342)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
15 - {ذَلُولاً} مذللة سهلة، {مَنَاكِبِهَا} جبالها " ع " أو أطرافها أو طرقها أو منابت أشجارها وزرعها {رزقه} الحلال أو مما أنبته لكم.
{ءأمنتم من في السماءِ أن يخسفَ بكُمُ الأرضَ فإذا هيَ تمورُ (16) أمْ أمنتمُ مَّن في السماءِ أن يُرسِلُ عليكمْ حاصباً فستعلمونَ كيفَ نذيرٍ (17) ولقدْ كذَّبَ الذينَ من قبلهمْ فكيفَ كانَ نكيرِ (18) أَوَلَمْ يرواْ إلى الطيرِ فوقهمْ صافاتٍ ويقبضنَ ما يمسكهنَّ إلاَّ الرحمنُ إنَّهُ بكلِّ شيءٍ بَصِيرٌ (19) }(3/342)
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)
16 - {مَّن فِى السَّمَآءِ} الله " ع " أو الملائكة {تَمُورُ} تتحرك أو تدور أو(3/342)
تسيل ويجري بعضها في بعض.
{أمَّنْ هذا الذي هوَ جندٌ لكمْ ينصرُكُمْ من دونِ الرحمنِ إن الكافرونَ إلاَّ في غرورٍ (20) أمَّنْ هذا الذي يرزقكمْ إن أمسكَ رزقهُ بلْ لجواْ في عتوٍّ ونفورٍ (21) أفمن يمشي مكبًّا على وجههِ أهدَى أمَّن يمشِى سويًّا على صراطٍ مستقيمٍ (22) قلْ هُوَ الذي أنشأكمْ وجعلَ لكمْ السمعَوالأبصارَ والأفئدةَ قليلاً ما تشكرونَ (23) قلْ هُوَ الذي ذرأكمْ في الأرضِ وإليهِ تحشرونَ (24) ويقولونَ متى هذا الوعدِ إن كنتمْ صادقينَ (25) قل إنما العلمُ عندَ اللهِ وإنما أنا نذيرٌ مبينٌ (26) فلمَّا رأوهُ زلفةً سيئتْ وُجُوهُ الذينَ كفرواْ وقيلَ هذا الذي كنتم بهِ تدَّعُونَ (27) }(3/343)
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
22 - {مُكِبّاً} مثل ضربه الله تعالى للمتقين [ومعناه] [203 / ب] / ليس الماشي مكباً لا ينظر بين يديه ولا يميناً ولا شمالاً كمن يمشي معتدلاً ناظراً بين يديه وعن يمينه وشماله فالمكب الكافر يهوي بكفره والذي يمشي سوياً المؤمن يهتدي بإيمانه " ع " أو المكب أبو جهل والذي يمشي سوياً عمار. {صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} طريق واضح لا يضل سالكه أو حق مستقيم.(3/343)
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
24 - {ذَرَأَكُمْ} جعلكم فيها أو نشركم وفرقكم على ظهرها {تُحْشَرُونَ} تبعثون.(3/343)
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
27 - {زُلْفَةً} قريباً أو عياناً {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} ظهرت عليها المساءة لما شاهدوه أو ظهر عليها سمة تدل على كفرهم كقوله {وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 160] {تَدَّعُونَ} تمترون فيه وتختلفون أو تسألون في الدنيا وتزعمون أنه لا يكون أو تستعجلون بالعذاب أو دعاؤهم بذلك لأنفسهم افتعال(3/343)
من الدعاء يقول لهم ذلك خزنة جهنم.
{قلْ أرءيتمْ إنْ أهلكنِىَ اللهُ ومن مَّعِىَ أوْ رحمنَا فمن يجيرُ الكافرينَ منْ عذابٍ أليمٍ (28) قلْ هوَ الرحمنُ ءامنا بهِ وعليهِ توكلَّنا فستعلمونَ منْ هوَ في ضلالٍ مبينٍ (29) قلْ أرءيتمْ إنْ أصبحَ مآؤكُمْ غَوْراً فَمَنَ يأتيكُم بماءٍ معينٍ (30) }(3/344)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
30 - {غَوْراً} ذاهباً أو لا تناله الدلاء وكان ماؤهم من بئر زمزم وبئر ميمون {مَّعِينٍ} عذب " ع " أو ظاهر أو تمده العيون فلا ينقطع أو جاري.(3/344)
سُورَةُ القَلمْ
مكية أو من أولها إلى {سنسمه على الخرطوم} [16] مكي ومن بعدها إلى قوله {لو كانوا يعلمون} [33] مدني ومن بعده إلى {يكتبون} [47] مكي ومن بعده إلى {من الصالحين} [50] مدني وباقيها مكي.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ن والقلمِ وما يسطرونَ (1) ما أنتَ بنعمةِ ربكَ بمجنونٍ (2) وإنَّ لكَ لأجراً غيرَ ممنونٍ (3) وإنكَ لعلى خُلُقٍ عظيمٍ (4) فستبصرُ ويبصرونَ (5) بأييكُمُ المفتونُ (6) إنَّ ربكم هُوَ أعلمُ بمنْ ضلَّ عن سبيلهِ وهوَ أعلمُ بالمهتدينَ (7) }(3/345)
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)
1 - {ن} الحوت التي عليها الأرض " ع " أو الدواة مأثور أو حرف من حروف الرحمن " ع " أو لوح من نور أو اسم للسورة مأثور أو قسم أقسم الله به وله أن يقسم بما شاء أو حرف من حروف المعجم {وَالْقَلَمِ} الذي يكتب به(3/345)
الذكر على اللوح المحفوظ وهو نور طوله ما بين السماء والأرض أو القلم الذي يكتبوه [به] لأنه نعمة عليهم ومنفعة لهم. {يَسْطُرُونَ} يعملون " ع " أو يكتبون من الذكر أو الملائكة تكتب أعمال العباد.(3/346)
مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)
2 - {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} برحمته ويحتمل أن يكون فيما نفى عنه ما نسبوه إليه من الجنون وقال الكلبي: ما أنت بنعمة ربك بمخفق.(3/346)
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)
3 - {مَمْنُونٍ} محسوب أو أجراً بغير عمل أو غير ممنون عليك من أذى أو غير منقطع.(3/346)
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
4 - {خُلُقٍ عَظِيمٍ} دين الإسلام " ع " أو آداب القرآن أو طبع كريم وكل ما أخذ المرء به نفسه من الآداب فهو خلق لأنه يصير كالخلقة فيه وما طبع عليه من الأدب فهو الخيم.(3/346)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)
5 - {فَسَتُبْصِرُ} فسترى ويرون يوم القيامة إذا تبين الحق من الباطل أو ستعلم ويعلمون يوم القيامة " ع ".(3/346)
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)
6 - {الْمَفْتُونُ} المجنون أو الضال أو الشيطان أو المعذب فتنت الذهب بالنار أحميته.
{فلا تطعِ المكذبينَ (8) ودواْ لوْ تدهنُ فيدهنونَ (9) ولا تطعْ كلَّ حلافٍ مهينٍ (10) همَّازٍ مشاءٍ بنميمٍ (11) منَّاعٍ للخيرِ معتدٍ أثيمٍ (12) عُتُلٍّ بعدَ ذلكَ زنيمٍ (13) أن كان ذا مالٍ وبنينَ (14) إذا تتلى عليهِ ءايتنا قالَ أساطيرُ الأولينَ (15) سنسمُهُ على الخرطومِ (16) }(3/346)
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
9 - {تُدْهِنُ} تكفر فيكفرون أو تضعف فيضعفون أو تلين فيلينون أو تكذب فيكذبون أو ترخص لهم فيرخصون " ع " أو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك والمداهنة: مجاملة العدو وممايلته أو النفاق وترك المناصحة، المبرد: أدهن الرجل في دينه وداهن في أمره.(3/347)
وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)
10 - {حَلافٍ مَّهِينٍ} كذاب " ع " أو ضعيف القلب أو مكثار من الشر أو الذليل بالباطل الأخنس بن شريق [204 / أ] / أو الأسود بن عبد يغوث أو الوليد بن المغيرة عرض على الرسول [صلى الله عليه وسلم] مالاً وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه.(3/347)
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)
11 - {هَمَّازٍ} مغتاب " ع " أو الذي يلوي شدقيه وراء الناس أو يهمزهم بيده دون لسانه ويضربهم. {مَّشَّآءٍ} ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض أو يسعى بالكذب {بِنَمِيمٍ} جمع نميمة أو النميم والنميمة واحد.(3/347)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
12 - {لِّلْخَيْرِ} لحقوق ماله أو يمنع الناس من الإسلام.(3/347)
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)
13 - {عُتُلٍّ} فاحش مأثور أو قوي في كفره أو الوفير الجسم أو الجافي الشديد الخصومة بالباطل أو الشديد الأشر أو الدعي " ع " أو يعتل الناس فيجرهم إلى حبس أو عذاب من العتل وهو الجر أو الفاحش اللئيم أو قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] في العتل الزنيم " إنه الشديد الخلق الرحيب الجوف المصح الأكول الشروب الواجد للطعام الظلوم للناس ". {زَنِيمٍ} لئيم " ع " مأثور أو ظلوم " ع " أو فاجر(3/347)
أو ولد الزنا أو الدعي أو كان للوليد بن المغيرة زنمة كزنمة الشاة أسفل من أذنه وفيه نزلت أو في الأخنس بن شريق فسمي زنيماً لأنه حليف مُلْحَق أو الذي يعرف بالأُبْنَة " ع " أو علامة الكفر كقوله {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} .(3/348)
أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)
14 - {ذَا مَالٍ} كان للوليد بن المغيرة حديقة بالطائف واثنا عشر ولداً.(3/348)
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
16 - {سَنَسِمُهُ} سمة سوداء على أنفه يوم القيامة يتميز بها أو يضرب في النار على أنفه أو وسمه بإشهار ذكره بالقبح أو ما يبتلى به في الدنيا في نفسه وولده وماله من سوء وذل وصغار. المبرد: الخرطوم من الناس الأنف ومن البهائم الشفة.
{إنَّا بلوناهم كما بلونا أصحابَ الجنةِ إذْ أقسمواْ ليصرِمُنَّهَا مصبحينَ (17) ولا يستثنون (18) فطافَ عليها طائفٌ من ربِّكَ وهمْ نائمونَ (19) فأصبحت كالصريمِ (20) فتنادواْ مصبحينَ (21) أن اغدواْ على حرثكمْ إن كنتمْ صارمينَ (22) فانطلقوا وهمْ يتخافتونَ (23) أن لا يدخلنها اليومَ عليكمْ مسكينٌ (24) وغدواْ على حردٍ قادرينَ (25) فلما رأوها قالواْ إنَّا لضالونَ (26) بل نحنْ محرومونَ (27) قالَ أوسطهمْ ألمْ أقلْ لكمْ لولاَ(3/348)
تسبحونَ (28) قالواْ سبحانَ ربنا إنا كنَّا ظالمينَ (29) فأقبلَ بعضهُمْ على بعضٍ يتلاومُونَ (30) قالواْ يويلنا إنا كنا طاغينَ (31) عسى ربُّنا أن يبدلنا خيراً منها إنَّا إلى ربنا راغبونَ (32) كذلكَ العذابُ ولعذابُ الأخرةِ أكبرُ لوْ كانواْ يعلمونَ (33) }(3/349)
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)
17 - {بَلَوْنَاهُمْ} أهل مكة بالجوع كرتين كما بلونا أصحاب الجنة حتى عادت رماداً أو قريش يوم بدر. قال أبو جهل خذوهم أخذاً واربطوهم في الحبال ولا تقتلوا منهم أحداً فضرب بهم عند القدرة عليهم مثلاً بأصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها. {الْجَنَّةِ} حديقة باليمن بينها وبين صنعاء أثنا عشر ميلاً لقوم من الحبشة أو لشيخ من بني إسرائيل يمسك منها كفايته وكفاية أهله ويتصدق بالباقي فلامه بنوه فلم يطعهم فلما ورثوها عنه قالوا: نحن أحق بها من الفقراء لكثرة عيالنا فأقسموا: أي حلفوا {لَيَصْرِمُنَّهَا} ليقطعن ثمرها صباحاً.(3/349)
وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)
18 - {وَلا يَسْتَثْنُونَ} حق المساكين أو قول سبحان الله أو إن شاء الله.(3/349)
فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)
19 - {طائفٌ} أمر من ربك " ع " أو عذاب منه أو عنق من نار جهنم خرج من وادي جنتهم {وَهُمْ نَآئِمُونَ} ليلاً.(3/349)
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)
20 - {كَالصَّرِيمِ} الرماد الأسود " ع " أو الليل المظلم أو كالمصروم الذي لم يبق فيه ثمر.(3/349)
فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21)
21 - {فَتَنَادَوْاْ} صاح بعضهم ببعض عند الصباح وكان حرثهم كرما.(3/349)
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)
23 - {يتخافتون} [204 / ب] / يتكلمون أو يسرون كلامهم حتى لا يعلم بهم أحد أو يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يرونهم أو يتشاورون بينهم.(3/350)
وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)
25 - {حَرْدٍ} غيظ أو جد أو منع أو قصد أو فقر أو حرص أو قدرة " ع " أو غضب أو القرية تسمى حرداً. {قَادِرِينَ} على المساكين أو على جنتهم عند أنفسهم أو موافاتهم إلى الجنة في الوقت الذي قدروه.(3/350)
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)
26 - {لَضَآلُّونَ} لما رأوا ما أصابها قالوا قد ضللنا الطريق أو أخطأنا مكان جنتنا.(3/350)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)
27 - {مَحْرُومُونَ} خير جنتنا.(3/350)
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)
28 - {أَوْسَطُهُمْ} أعدلهم " ع " أو خيرهم أو أعقلهم {تُسَبِّحُونَ} تستثنون لما قلتم لنصرمنَّها مصبحين سماه تسبيحاً لاشتماله على ذكر الله تعالى أو تذكروا نعمة الله عليكم فتؤدوا حقه من أموالكم.
{إنَّ للمتقينَ عندَ ربهمْ جناتِ النعيمِ (34) أفنجعلُ المسلمينَ كالمجرمينَ (35) ما لكمْ كيفَ تحكمونَ (36) أمْ لكمْ كتابٌ فيهِ تدرسُونَ (37) إنَّ لكمْ فيهِ لمَا تخيرونَ (38) أمْ لكمْ أيمانٌ علينا بالغةٌ إلى يومِ القيامةِ إنَّ لكمْ لمَا تحكمونَ (39) سلهمْ أيهم بذلكَ زعيمٌ (40) أمْ لهمْ شركاءُ فليأتواْ بشركائهْم إن كانواْ صادقينَ (41) }(3/350)
أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39)
39 - {بالغةٌ} أي مؤكدة بالله {لَمَا تَحْكُمُونَ} " أن يديم النعمة عليكم إلى يوم القيامة " أو ألاَّ يعذبكم إلى يوم القيامة.(3/350)
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)
40 - {زعيم} كفيل " ع " أو رسول " ح ".
{يومَ يكشفُ عن ساقٍ ويدعونَ إلى السجودِ فلاَ يستطيعونَ (42) خاشعةً أبصارهمْ ترهقهمْ ذلةٌ وقدْ كانواْ يدعونَ إلى السجودِ وهمْ سالمونَ (43) فذرني ومن يكذبُ بهذا الحديث سنستدرجهم منْ حيثُ لا يعلمونَ (44) وأملِى لهمْ إنَّ كيدِي متينٌ (45) أمْ تسئلُهُمْ أجراً فهم من مغرمٍ مثقلونَ (46) أمْ عندهُمُ(3/350)
الغيبُ فهمْ يكتُبُونَ (47) }(3/351)
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)
42 - {عَن ساقٍ} الآخرة أو غطاء أو كرب وشدة " ع ".
(كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشر الصراح)
أو إقبال الآخرة وإدبار الدنيا لأنه أول الشدائد وروي أن الله تعالى يكشف عن ساقه أي عظم أمره أو نوره وهذا اليوم يوم الموت والمعاينة أو يوم الكبر والهرم والعجز عن العمل أو يوم القيامة. {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} توبيخاً لا تكليفاً عند من رآه يوم القيامة ومن رآه من أيام الدنيا فالأمر بالسجود تكليف أو تنديم وتوبيخ للعجز عنه.(3/351)
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)
44 - {بِهَذَا الْحَدِيثِ} القرآن {سَنَسْتَدْرِجُهُم} نأخذهم في غفلة أو نتبع السيئة السيئة وننسيهم التوبة " ح " أو أخذهم حيث درجوا ودبوا أو تدريجهم بإدنائهم من العذاب قليلاً بعد قليل حتى يلاقيهم من حيث لا يعلمون لأنهم لو علموا وقت العذاب لارتكبوا المعاصي واثقين بإمهالهم أو يستدرجون بالإحسان والاستدراج النقل من حال إلى حال ومنه الدرجة لأنها منزلة بعد منزلة.
{فاصبرْ لحكمِ ربكَ ولاَ تكن كصاحبِ الحوتِ إذْ نادى وهوَ مكظومٌ (48) لولا أن تداركهُ نعمةٌ من ربهِ لنبذَ بالعراءِ وهوَ مذمومٌ (49) فاجتباهُ ربُّهُ فجعلهُ منَ الصالحينَ (50) وإن يكادُ الذينَ كفرواْ ليزلقونَكَ بأبصارهمْ لمَّا سمعواْ الذكرَ ويقولونَ إنهُ لمجنونٌ (51) ومَا هوَ إلاَّ ذكرٌ للعالمينَ (52) }(3/352)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
48 - {لِحُكْمِ رَبِّكَ} لقضائه أو نصره. {كَصَاحِبِ الْحُوتِ} في عجلته نادى ب {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ} الآية [الأنبياء: 87] {مَكْظُومٌ} مغموم " ع " أو مكروب، الغم في القلب والكرب في الأنفاس أو محبوس، كظم غيظه حبسه أو مأخوذ بكظمه وهو مجرى النفَس.(3/352)
لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
49 - {نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ} نبوته أو عبادته السالفة أو نداؤه ب {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ} الآية [الأنبياء: 87] أو إخراجه من بطن الحوت {بِالْعَرَآءِ} الأرض الفضاء وهي أرض باليمن أو عراء يوم القيامة وأرض المحشر {مَذْمُومٌ} مليم " ع " أو مذنب معناه أنه نبذ غير مذموم.(3/352)
وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)
51 - {لَيُزْلِقُونَكَ} يصرعونك أو يرمقونك أو يرهقونك أو ينفذونك أو يمسونك بأبصارهم من شدة نظرهم إليك أو يصيبونك بالعين قالوا ما رأينا مثل حججه ونظروا إليه ليعينوه كان أحدهم إذا أراد العين يجوع ثلاثاً ثم يقول:(3/352)
تالله ما رأيت أقوى [205 / أ] / ولا أشجع ولا أكثر منه مالاً فيصيبه بعينه فيهلك. {الذِّكْرَ} القرآن أو ذكر محمد [صلى الله عليه وسلم] .(3/353)
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)
52 - {ذِكْرٌ} شرف أو يذكرهم وعد الجنة والنار. {لِّلْعَالَمِينَ} الجن والإنس أو كل أمة من أمم الخلق ممن يعرف أو لا يعرف.(3/353)
سُورَةُ الحَاقّةِ
مكية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وما أدراكَ ما الْحَاقَّةُ (3) كذبتْ ثمودُ وعادُ بالقارعةِ (4) فأمَّا ثمودُ فأهلكواْ بالطاغيةِ (5) وأما عادٌ فأهلكواْ بريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ (6) سخرها عليهمْ سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيامٍ حسوماً فترى القومَ فيها صرعَى كأنهمْ أعجازُ نخلٍ خاويةٍ (7) فهلْ ترى لهم من باقيةٍ (8) وجاء فرعونُ ومن قبلهُ والمؤتفكاتُ بالخاطئةِ (9) فعصواْ رسولَ ربهمْ فأخذهمْ أخذةً رابيةً (10) إنَّا لما طغا الماءُ حملناكمْ في الجاريةِ (11) لنجعلها لكمْ تذكرةً وتعيها أذنٌ واعيةٌ (12) }(3/354)
الْحَاقَّةُ (1)
1 - {الْحَآقَّةُ} ما حق من الوعد والوعيد بحلوله أو القيامة التي يستحق فيها الوعد والوعيد عند الجمهور أو لأنه حق على العاقل أن يخافها أو فيها حقائق الأمور.(3/354)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)
3 - كل ما في القرآن {وَمَآ أَدْرَاكَ} فقد أعلمه به " وما يدريك " فهو مما لم يعلمه به {مَا الْحَآقَّةُ} تفخيماً لقدرها وشأنها {وَمَآ أَدْرَاكَ} ما هذا الأسم لأنه لم يكن من كلام قومه أو {ما أدراك} ما يكون في الحاقة.(3/354)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)
4 - {القارعة} كل ما قرع بصوت كالصيحة أو بضرب كالعذاب ويجوز أن يكون في الدنيا ويجوز أن يكون في الآخرة. أو القارعة القيامة لأنها تقرع بهولها وشدائدها أو من القرعة في رفع قوم وحط آخرين قاله المبرد.(3/354)
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)
5 - {بِالطَّاغِيَةِ} الصيحة أو الصاعقة أو الذنوب أو بطغيانهم " ح " أو الطاغية: عاقر الناقة.(3/355)
وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)
6 - {صَرْصَرٍ} بارد من الصر وهو البرد أو شديد الصوت. {عَاتِيَةٍ} قاهرة أو متجاوزة لحدها أو لا تبقي ولا تذر عتت على خزانها بإذن ربها أو على عاد بلا رحمة ولا رأفة " ع ".(3/355)
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)
7 - {سَبْعَ لَيَالٍ} أولها غداة الأحد أو الأربعاء أو الجمعة {حُسُوماً} متتابعات " ع " أو مشائيم أو حسمت الليالي والأيام حتى استوفتها بدأت طلوع الشمس وانقطعت مع غروبها آخر يوم أو حسمتهم فلم تبق منهم أحداً {خَاوِيَةٍ} بالية أو خالية الأجواف أو ساقطة الأبدان خاوية الأصول شبهوا بها لأن أبدانهم خلت من أرواحهم كالنخل الخاوية أو لأن الريح قطعت رؤوسهم عن أجسادهم أو كانت تدخل من أفواههم فتخرج حشوتهم من أدبارهم فصاروا كالنخل الخاوية.(3/355)
وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9)
9 - {قِبَله} من معه و {قَبْلَهُ} من تقدمه {وَالْمُؤْتَفِكَاتُ} الأمم الآفكة من الإفك وهو الكذب أو المقلوبات بالخسف قوم لوط أو قارون وقومه لأنه خسف بهم. {بِالْخَاطِئَةِ} الذنوب والخطايا.(3/355)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10)
10 - {رَسُولَ رَبِّهِمْ} على ظاهره أو رسالة ربهم {رَّابِيَةً} شديدة أو مهلكة أو تربو بهم في العذاب أبداً أو مرتفعة أو رابية الشر أي زائدة.(3/355)
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)
11 - {طغى الْمَآءُ} على خُزَّانه غضباً لربه فلم يقدروا على منعه فزاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً أو زاد وكثر أو ظهر. {حَمَلْنَاكُمْ} في ظهور آبائكم أو آباءكم {الْجَارِيَةِ} سفينة نوح.(3/355)
لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)
12 - {لِنَجْعَلَهَا} سفينة نوح تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم(3/355)
أو كانت ألواحها على الجودي [205 / ب] / {وَاعِيَةٌ} سامعة " ع " أو مؤمنة أو حافظة أو أذن عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت من كتابه، وعيت الشيء حفظته في نفسك وأوعيته حفظته في غيرك.
{فإذا نفخَ في الصورِ نفخةٌ واحدةٌ (13) وحملتِ الأرضُ والجبالُ فدكتَّا دكةً واحدةً (14) فيومئذٍ وقعتِ الواقعةُ (15) وانشقتِ السماءُ فهيَ يومئذٍ واهيةٌ (16) والملكُ على أرجائها ويحملُ عرشَ ربكَ فوقهمْ يومئذٍ ثمانيةٌ (17) يومئذٍ تعرضونَ لا تخفىَ منكُمْ خافيةٌ (18) }(3/356)
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)
15 - {الْوَاقِعَةُ} القيامة أو الصيحة أو ساعة فناء الخلق.(3/356)
وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)
16 - {وَانشَقَّتِ} عن المجرة أو فتحت أبواباً {وَاهِيَةٌ} ضعيفة أو متخرقة وَهَي السقاء: انخرق، وقال:
(خَلِّ سبيل من وهَى سقاؤه ... ومن هُريق بالفلاة ماؤه)
أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه.(3/356)
وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)
17 - {أَرْجَآئِهَا} أرجاء السماء أو الدنيا حافَّاتها أو نواحيها أو أبوابها أو ما استدق منها. {فَوْقَهُمْ} يحملونه فوق رؤوسهم أو حملة العرش فوق الملائكة الذين على أرجائها أو فوق أهل القيامة {ثَمَانِيَةٌ} أملاك أو ثمانية صفوف من الملائكة أو ثمانية أجزاء من تسعة وهم الكروبيون " ع " قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " يحمله اليوم أربعة وهم يوم القيامة ثمانية ".(3/356)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)
18 - {لا يخفى} المؤمن من الكافر ولا البر من الفاجر أو لا يستتر منكم عورة. حفاة عراة. أو ما كانوا يخفونه من أعمالهم.
{فأمَّا من أوتيَ كتابهُ بيمينهِ فيقولُ هاؤمُ اقرءواْ كتابيهْ (19) إني ظننتُ أني ملاقٍ حسابيهْ (20) فهوَ في عيشةٍ راضيةٍ (21) في جنةٍ عاليةٍ (22) قطوفها دانيةٌ (23) كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتمْ في الأيامِ الخاليةِ (24) }(3/357)
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)
19 - {هَآؤُمُ} أصله هاكم فأبدل أو يا هؤلاء اقرءوا تقول العرب للواحد ها وللاثنين هؤما وللثلاثة هاؤم أو كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح. نادى أعرابي الرسول [صلى الله عليه وسلم] بصوت عالٍ فأجابه الرسول [صلى الله عليه وسلم] هاؤم بطول صوته.(3/357)
إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)
20 - {ظَنَنتُ} علمت أو أحسن الظن بربه فأحسن العمل {حِسَابِيَهْ} البعث أو الجزاء.
21 - {رَّاضِيَةٍ} مرضية.
{وأما منْ أوتيَ كتابهُ بشمالِهِ فيقولُ يليتني لمْ أوتَ كتابيهُ (25) ولمْ أدرِ ما حسابيهْ (26) يليتها كانتِ القاضيةَ (27) ما أغنى عني ماليَه (28) هلكَ عني سلطانيهْ (29) خذوهُ فغلوهُ (30) ثمَّ الجحيمَ صلُّوهُ (31)(3/357)
ثمَّ في سلسلةٍ ذرعها سبعونَ ذراعاً فاسلكوهُ (32) إنهُ كانَ لا يؤمنُ باللهِ العظيمِ (33) ولا يحضُّ على طعامِ المسكينِ (34) فليسَ لهُ اليومَ ههنا حميمٌ (35) ولا طعامٌ إلاَّ منْ غسلينٍ (36) لا يأكُلُهُ إلاَّ الخاطئونَ (37) }(3/358)
يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)
27 - {الْقَاضِيَةَ} موتة لا حياة بعدها أو تمنى أن يموت في الحال.(3/358)
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
29 - {سُلطانية} ضلت عني حجتي أو سلطانه الذي تسلط به على بدنه حتى أقدم به على المعصية أو ما كان به في الدنيا مطاعاً في أتباعه عزيزاً بامتناعه قيل: نزلت في أبي جهل أو في الأسود بن عبد الأشد أخي أبي سلمة ينظر فيه.(3/358)
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35)
35 - {حميمٌ} قريب ينفعه أو يرد عنه كما كان في الدنيا.(3/358)
وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)
36 - {غِسْلِينٍ} غسالة أجوافهم فعلين من الغسل أو صديد أهل النار أو شجرة في النار هي أخبث طعامهم أو الماء الحار أشتد نضجه بلغة أزد شنوءة.
{فلا أقسمُ بما تبصرونَ (38) وما لا تبصرونَ (39) إنه لقولُ رسولٍ كريمٍ (40) وما هوَ بقولِ شاعرٍ قليلاً ما تؤمنونَ (41) ولا بقولِ كاهنٍ قليلاً ما تذكرونَ (42) تنزيلٌ من ربِّ العالمينَ (43) }
38 -،(3/358)
فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)
39 - {فَلآ أُقْسِمُ} لا صلة لما قال الوليد إن محمداً ساحر، وقال أبو جهل شاعر، وقال عقبة كاهن، أقسم الله تعالى على كذبهم {تُبْصِرُونَ} الأرض والسماء {وَمَا لا تُبْصِرُونَ} الملائكة أو ما تبصرون من الخلق وما لا تبصرون الخالق.(3/358)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)
40 - {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ} إن القرآن لقول جبريل أو محمد [صلى الله عليه وسلم] .
{ولوْ تقوَّلَ علينا بعضَ الأقاويلِ (44) لأخذنا منهُ باليمينِ (45) ثم لقطعنا منهُ الوتينَ (46) فما منكم منْ(3/358)
أحدٍ عنهُ حاجزينَ (47) وإنهُ لتذكرةٌ للمتقينَ (48) وإنا لنعلمُ أنَّ منكُم مكذِّبينَ (49) وإنَّهُ لحسرةٌ على الكافرينَ (50) وإنهُ لحقُّ اليقينِ (51) فسبحْ باسمِ ربكَ العظيمِ (52) }(3/359)
لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45)
45 - {بِالْيَمِينِ} لأخذنا قوته كلها أو بالحق أو بالقدرة أو قطعنا يده اليمنى " ح " أو أخذنا يمينه إذلالاً له واستخفافاً به كما يقال لمن يراد هوانه خذوا بيده.(3/359)
ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)
46 - {الْوَتِينَ} حبل القلب ونياطه الذي القلب معلق به أو القلب ومراقِّه وما يليه أو الحبل الذي في الظهر أو عرق بين العباء والحلقوم إرادة لقتله بقطع وتينه وإتلافه أو لأن الوتين إذا قطع لا إن جاع عرف ولا إن شبع عرف.(3/359)
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)
48 - {لتذكرةٌ} وإن القرآن [206 / أ] / لبيان أو رحمة أو موعظة أو نجاة.(3/359)
وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
50 - {وَإِنَّهُ لحسرةٌ} وإن القرآن لندامة على الكافر يوم القيامة.(3/359)
وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)
51 - {لحقُّ الْيَقِينَ} حقاً يقيناً ليكونن القرآن حسرة على الكافر أو إن القرآن يقين عند جميع الخلق أيقن به المؤمن في الدنيا فنفعه وأيقن به الكافر في الآخرة فلم ينفعه.(3/359)
سورة سأل سائل
سُورَةُ المَعَارِجِ
مكية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{سألَ سائلٌ بعذابٍ واقعٍ (1) للكافرينَ ليسَ لهُ دافعٌ (2) منَ اللهِ ذي المعارجِ (3) تعرُجُ الملائكةُ والروحُ إليهِ في يومٍ كان مقدارهُ خمسينَ ألفَ سنةٍ (4) فاصبرْ صبراً جميلاً (5) إنهمْ يرونهُ بعيداً (6) ونراهُ قريباً (7) }(3/360)
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)
1 - {استخبر مستخبر متى يقع العذاب تكذيباً أو دعا داع بوقوع العذاب استهزاء أو طلب طالب {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} وهو النضر بن الحارث قال: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق} الآية [الأنفال: 32] وكان حامل لوائهم يوم بدر " ع " أو أبو جهل هو قائل ذلك أو جماعة من كفار قريش {بِعَذَابٍ} الآخرة أو يوم بدر بالقتل والأسر. {سال} بغير همز، سائل اسم وادٍ في جهنم لأنه يسيل بالعذاب.(3/360)
مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)
3 - {ذِى الْمَعَارِجِ} الدرجات " ع " أو الفواضل والنعم أو العظمة والعلاء(3/360)
أو الملائكة لعروجهم إليه أو معارج السماء.(3/361)
تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)
4 - {تَعْرُجُ الْملآئِكَةُ} تصعد {وَالرُّوحُ} أرواح الموتى عند القبض أو جبريل عليه السلام أو خلق كهيئة الناس وليسوا بناس {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} يوم القيامة " ح " أو مدة الدنيا لا يعلم كم مضى ولا كم بقي إلا الله أو لو تولى بعض الخلق حساب بعض كان مدته خمسين ألفاً ويفرغ الله تعالى منه في أسرع مدة قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " يحاسبهم بمقدار ما بين الصلاتين ولذلك سمى نفسه سريع الحساب وأسرع الحاسبين ".(3/361)
فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)
5 - {فَاصْبِرْ} على كفرهم قبل فرض الجهاد أو على قولهم مثل ساحر وشاعر وكاهن ومجنون " ح ".(3/361)
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)
6 - {يَرَوْنَهُ بَعِيداً} البعث أو عذاب النار بعيداً مستحيلاً غير كائن أو استبعدوا الآخرة.(3/361)
وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)
7 - {ونراه قريبا} لأن كل آت قريب.
{يومَ تكونُ السماءُ كالمهلِ (8) وتكونُ الجبالُ كالعهنِ (9) ولاَ يسئلُ حميمٌ حميماً (10) يبصرونهمْ يومُّ المجرمُ لوْ يفتدي من عذابِ يومئذٍ ببنيهِ (11) وصاحبتهِ وأخيهِ (12) وفصِيلَتِهِ التي تُئويهِ (13) ومن في الأرضِ جميعاً ثمَّ ينجيهِ (14) كلاَّ إنها لظَى (15) نزَّاعةً للشَّوَى (16) تدعواْ منْ(3/361)
أدبَرَ وتولَّى (17) وَجَمَعَ فأَوْعَى (18) }(3/362)
يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)
8 - {كَالْمُهْلِ} كدردي الزيت " ع " أو كذوب النحاس والرصاص والفضة أو كقيح ودم.(3/362)
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)
9 - {كَالْعِهْنِ} الصوف المصبوغ تلين بعد شدتها وتتفرق بعد اجتماعها.(3/362)
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)
11 - {يُبَصَّرُونهم} يبصر بعضهم بعضاً فيتعارفون أو يبصر المؤمنون الكافرين أو يبصر الكافرون الذين أضلوهم في النار أو يبصر المظلوم ظالمه والمقتول قاتله {يَوَدُّ} يحب أو يتمنى {الْمُجْرِمُ) {الكافر} (لَوْ يَفْتَدِى} بأعز أقاربه في الدنيا.(3/362)
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)
13 - {وَفَصِيلَتِهِ} عشيرته التي تنصره. وقال أبو عبيدة الفصيلة دون القبيلة. {تؤويه} يأوي إليها في نسبه أو من خوفه أو فصيلته أمه التي تربيه.(3/362)
كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15)
15 - {لَظَى} اسم لجهنم لتلظيها وهو اشتداد حرها أو للدرك الثاني منها.(3/362)
نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16)
16 - {لِّلشَّوَى} أطراف اليدين والرجلين أو جلدة الرأس أو العصب والعقب أو مكارم وجهه " ح " [206 / ب] / أو اللحم أو الجلد الذي على العظم لأن النار تشويه.(3/362)
تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)
17 - تدعوهم بأسمائهم يا كافر يا منافق أو عُبِّر عن مصيرهم إليها بدعائها لهم أو يدعوا خزنتها فأضيف الدعاء إليها {أَدْبَرَ} عن الإيمان {وَتَوَلَّى} إلى الكفر أو عن الطاعة وتولى عن الحق أو عن أمر الله وتولى عن كتاب الله أو أدبر عن القول وتولى عن العمل.(3/362)
وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)
18 - {وَجَمَعَ} المال فجعله في وعاء حفظاً له ومنعاً من أداء حق الله(3/362)
تعالى فيه مكان جموعاً منوعاً.
{إنَّ الإنسانَ خُلِقَ هلوعاً (19) إذا مسَّهُ الشرُّ جزوعاً (20) وإذا مسَّهُ الخيرُ منوعاً (21) إلاَّ المصلينَ (22) الذينَ همْ على صلاتهمْ دائمونَ (23) والذين في أموالهمْ حقُّ معلومٌ (24) للسائلِ والمحرومِ (25) والذينَ يصدِّقُونَ بيومِ الدينِ (26) والذين همْ منْ عذابِ ربهمْ مشفقونَ (27) إنَّ عذابَ ربِّهمْ غيرُ مأمونٍ (28) والذينَ همْ لفروجهمْ حافظون (29) إلاَّ على أزواجهمْ أوْ ما ملكتْ أيمانهمْ فإنهمْ غيرُ ملومينَ (30) فمنِ ابتغى وراءَ ذلكَ فأولئكَ همْ العادونَ (31) والذينَ همْ لأماناتهمْ وعهدهمْ راعونَ (32) والذينَ همْ بشهاداتهمْ قائمونَ (33) والذينَ همْ على صلاتهِمْ يحافظونَ (34) أولئكَ في جناتٍ مكْرَمُونَ (35) }(3/363)
إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)
19 - {الإِنسَانَ} الكافر عند الضحاك {هَلُوعاً} بخيلاً أو حريصاً أو ضجوراً أو ضعيفاً أو شديد الجزع أو معناه ما بعدهُ " إذا مسه " الآية " ع ".
20 -،(3/363)
إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)
21 - {مَسَّهُ} الخير لم يشكر والشر لم يصبر وإذا استغنى منع حق الله تعالى وشح وإذا افتقر سأل وألح.(3/363)
الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)
23 - {دَآئِمُونَ} يحافظون على مواقيت فروضها أو يكثرون نوافلها أو لا يلتفتون فيها.(3/363)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)
32 - {أماناتهم} ما ائتمنه الناس عليه {وَعَهْدِهِمْ} ما عاهدوه عليه أن يقوم بموجبهما أو الأمانة الزكاة أن يؤديها والعهد الجنابة أن يغتسل منها.(3/363)
وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)
33 - {بشهاداتهم} على أنبيائهم بالبلاغ وعلى الأمم بالقبول أو الامتناع أو بحفظ الحقوق تحملاً لها وأداء.
{فمالِ الذينَ كفرواْ قبلكَ مهطعينَ (36) عنِ اليمينِ وعنِ الشمالِ عزينَ (37) أيطمعُ كلُّ امرئٍ منهمْ أن يدخلَ جنَّةَ نعيمٍ (38) كلاَّ إنَّا خلقناهمْ ممَّا يعلمونَ (39) فلاَ أقسمُ بربِّ المشارقِ والمغاربِ إنَّا(3/363)
لقادرونَ (40) على أن نبدِّلَ خيراً منهمْ وما نحنُ بمسبوقينَ (41) فذرهمْ يخوضواْ ويلعبواْ حتَّى يلاقواْ يومَهُمُ الذي يوعدونَ (42) يومَ يخرجونَ منَ الأجداثِ سراعاً كأنهمْ إلى نصبٍ يوفضونَ (43) خاشعةً أبصارُهُمْ ترهقُهُمْ ذلَّةٌ ذلك اليومُ الذي كانواْ يوعدونَ (44) }(3/364)
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)
36 - {مُهْطِعِينَ} مسرعين أو معرضين أو ناظرين إليك تعجباً.(3/364)
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)
37 - {عزين} متفرقين أو مجتنبين أو الرفقاء والحلفاء، أو الجماعة القليلة أو الحلق والفرق. خرج الرسول [صلى الله عليه وسلم] على أصحابه وهم حلق فقال: ما لي أراكم عزين.(3/364)
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)
43 - {نَصْبٍ} الغاية التي ينصب إليها بصرك و {نُصُب} واحد الأنصاب وهي الأصنام أو النَّصْب والنُّصُب واحد. إلى عَلَم يستبقون أو غايات يستبقون أو إلى أصنامهم يسرعون. وقيل إنها أحجار طوال كانوا يعبدونها أو إلى صخرة بيت المقدس يسرعون {يوفضون} يسرعون.(3/364)
سُورَةُ نُوحٍ
مكية.
قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " أول نبي أرسل نوح عليه الصلاة والسلام " قيل: بعث من أرض الجزيرة وبعث على أربعين سنة " ح " أو ثلاثمائة وخمسين سنة. قيل: سمي نوحاً لنوحه على نفسه في الدنيا.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إنَّا أرسلنا نوحاً إلى قومهِ أنْ أنذرْ قومكَ من قبلِ أن يأتيهمْ عذابٌ أليمٌ (1) قالَ ياقومِ إنِي لكمْ نذيرٌ مبينٌ (2) أنِ اعبدواْ اللهَ واتقوهُ وأطيعونِ (3) يغفرْ لكم من ذنوبكمْ ويؤخركمْ إلى أجلٍ مسمًّى إنَّ أجلَ اللهِ إذا جاءَ لا يؤخَّرُ لوْ كنتمْ تعلمونَ (4) }(3/365)
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1)
1 - {عَذَابٌ أَلِيمٌ} بنار الآخرة " ع " أو عذاب الدنيا بالطوفان فأنذرهم فلم ير مجيباً وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه فيقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.(3/365)
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
4 - {مِّن ذُنُوبِكُمْ} من صلة أو بمعنى يخرجكم من ذنوبكم أو يغفر لكم(3/365)
منها ما استغفرتموه {وَيُؤَخِّرْكُمْ} إلى أجل موتكم فلا تهلكوا بالعذاب {أَجَلَ اللَّهِ} للبعث أو العذاب أو الموت {لَوْ كُنتُمْ} بمعنى إن كنتم أو لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجله إذا جاء لا يؤخر " ح ".
{قالَ ربِّ إنِّي دعوتُ قومِي ليلاً ونهاراً (5) فلمْ يزدهمْ دعاءي إلاَّ فراراً (6) وإنِي كُلَّمَا دعوتُهُمْ لتغفرَ لهمْ جعلواْ أصابعهمْ في ءاذانهمْ واستغشواْ ثيابَهُمْ وأصرُّواْ واستكبرواْ استكباراً (7) ثمَّ إنِّي دعوتُهُمْ جهاراً (8) ثمَّ إنِي أعلنتُ لهمْ وأسررتُ لهمْ إسراراً (9) فقلتُ استغفرواْ ربَّكُمْ إنهُ كانَ غفاراً (10) يرسلِ السماء عليكُم مدراراً (11) ويمددكم بأموالٍ وبنينَ ويجعل لكمْ جناتٍ ويجعل لكمْ أنهاراً (12) ما لكمْ لا ترجونَ للهِ وقاراً (13) وقدْ خلقكمْ أطواراً (14) ألمْ ترواْ كيفَ خلقَ اللهُ سبعَ سماواتٍ طباقاً (15) وَجَعَلَ القَمَرَ فيهنَّ نوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً (16) واللهُ أنبتَكُم مِّنَ الأرضِ نباتاً (17) ثمَّ يعيدكمْ فيها ويخرجكمْ إخراجاً (18) واللهُ جَعَلَ لكُمُ الأرضَ بِسَاطاً (19) لتسلكواْ منْهَا سُبُلاً فِجَاجاً (20) }(3/366)
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)
5 - {دَعَوْتُ} دعوتهم ليلاً ونهاراً إلى عبادتك أو دعوتهم أن يعبدوك ليلاً ونهاراً.(3/366)
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6)
6 - {فِرَاراً} بلغنا أن أحدهم كان يذهب بابنه إليه فيقول: احذر هذا لا يغرنك فإن أبي ذهب إليه وأنا مثلك فحذرني كما حذرتك.(3/366)
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)
7 -[207 / أ] / {كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ} إلى الإيمان {لِتَغْفِرَ لَهُمْ} ما تقدم من الشرك سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ليوئسوه من إجابة ما لم يسمعوه وكان حليماً صبوراً {وَأَصَرُّواْ} أقاموا على الكفر أو الإصرار تعمد الذنب " ح " أو سكتوا على(3/366)
ذنوبهم فلم يستغفروا {وَاسْتَكْبَرُواْ} بترك التوبة " ع " أو بكفرهم بالله تعالى وتكذيبهم نوحاً عليه الصلاة والسلام.(3/367)
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8)
8 - {جِهَاراً} مجاهرة يرى بعضهم بعضاً.(3/367)
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)
9 - {أَعْلَنتُ} الدعاء صحت به {وَأَسْرَرْتُ} الدعاء عن بعضهم من بعض دعاهم في وقت سراُ وفي وقت جَهَر أو دعا بعضهم سراً وبعضهم جهراً مبالغة منه وتلطفاً.(3/367)
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
10 - {اسْتَغْفِرُواْ} ترغيباً منه في التوبة.(3/367)
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
11 - {مِّدْرَاراً} غيثاً متتابعاً قيل أجدبوا أربعين سنة فأذهب الجدب أموالهم وانقطع الولد عن نسائهم فلما علم حرصهم على الدنيا قال: هلموا إلى طاعة الله تعالى فإن فيها درك الدنيا والآخرة ترغيباً لهم في الإيمان.(3/367)
مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)
13 - {لا تَرْجُونَ} لا تعرفون له عظمه ولا تخشون عقابه ولا ترجون ثوابه " ع " أو لا تعرفون حقه ولا تشكرون نعمه أو لا تؤدون طاعته أو الوقار: الثبات منه {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] أي لا تثبتون وحدانيته.(3/367)
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)
14 - {أطْوَاراً} طوراً نطفه وطوراً علقة وطوراً مضغة وطوراً عظماً ثم كسا العظام اللحم ثم أنشأه خلقاً آخر أنبت له الشعر وكمل له الصورة أو الأطوار اختلافهم طولاً وقصراً، وقوة وضعفاً وهماً وتصرفاً وغنى وفقراً.(3/367)
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15)
15 - {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} على سبع أرضين بين كل سماء وأرض خلق وأمر " ح " أو سبع سماوات طباقاُ بعضهن فوق بعض كالقباب.(3/367)
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
16 - {الْقَمَرَ فِيهِنَّ} معهن نوراً لأهل الأرض أو لأهل السماء والأرض. قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - وجهه يضيء لأهل الأرض وظهره يضيء لأهل السماء {سِرَاجاً} مصباحاً يضيء لأهل الأرض أو لأهل الأرض والسماء.(3/367)
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)
17 - {أَنبَتَكُم} آدم خلقه من أديم الأرض كلها أو أنبتهم في الأرض(3/367)
بالكبر بعد الصغر وبالطول بعد القصر(3/368)
لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)
20 - {سُبُلاً فِجَاجاً} طرقاً مختلفة " ع " أو واسعة أو أعلاماً.
{قالَ نوحٌ رَّبِّ إنهمْ عصونِي واتبعواْ من لمْ يزدهُ مالُهُ وولَدُهُ إلاَّ خساراً (21) ومَكَرواْ مكْراً كُبَّاراً (22) وقالواْ لا تذرُنَّ ءالهتَكُمْ ولاَ تذرنَّ ودًّا ولاَ سُواعاً ولاَ يغوثَ ويعُوقَ ونَسْراً (23) وَقَدْ أضلُّواْ كثيراً ولاَ تزِدِ الظالمينَ إلاَّ ضلالاً (24) }(3/368)
قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21)
21 - {عَصَوْنِى} لبث يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وهم على كفرهم وعصيانهم ورجا الأبناء بعد الآباء فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون ثم دعا عليهم بعد الإياس منهم وعاش بعد الطوفان ستين عاماً حتى كثر الناس وفشوا. قال الحسن: وكانوا يزرعون في الشهر مرتين {ووَلده} واحد الأولاد وبالضم جماعة الأولاد " أو بالضم العشيرة وبالفتح الأولاد ".(3/368)
وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)
22 - {كُبَّاراً} أبلغ من كبير جعلوا لله تعالى صاحبة وولداً أو قول الكبراء [207 / ب] للأتباع {لا تذرن آلهتكم} .(3/368)
وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)
23 - {وَدّاً وَلا سُوَاعاً} كانت هذه الأصنام للعرب ولم يعبدها غيرهم. فخرج من قصة نوح إلى قول العرب ثم رجع إلى قصتهم أو كانت آلهة لقوم نوح وهم أول من عبد الأصنام ثم عبدها العرب بعدهم قاله الأكثر. قال ابن الزبير اشتكى آدم وعنده بنوه ولا وسواع ويغوث ويعوق ونسر. وكان ود أكبرهم وأبرهم به أو كانت أسماء رجال قبل نوح(3/368)
حزن عليهم آباؤهم بعد موتهم فصوروا صورهم ليتسلوا بالنظر إليها ثم عبدها أبناؤهم بعدهم أو كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام فخلفهم من أخذ في العبادة مأخذهم فصوروا صورهم ليذكروا بها اجتهادهم فعبدها قوم نوح بعدهم ثم انتقلت إلى العرب فعبدها ولد إسماعيل فكان ود لكلب بدومة الجندل " ع " وهو أول صنم معبود سمي بذلك لودهم له وسواع لهذيل بساحل البحر ويغوث لغطيف من مراد أو حي في نجران قال أبو عثمان النهدي: رأيت يغوث وكان من رصاص وكانوا يحملونه على جمل أحرد ويسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك فإذا برك قالوا: قد رضي لكم المنزل فيضربون عليه بناء وينزلون حوله ويعوق لهمدان ونسر لذي الكلاع من حِمْير.(3/369)
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)
24 - {وَقَدْ أَضَلُّواْ} أضل أكابرهم أصاغرهم أو ضل بالأصنام كثير منهم {ضَلالاً} عذاباً ويحتمل فتنة بالمال والولد.
{ممَّا خطيئاتهمْ أغرقواْ فأدخلواْ ناراً فلمْ يجدواْ لهم من دونِ اللهِ أنصاراً (25) وقالَ نوحٌ ربِّ لاَ تذرْ على الأرضِ منَ الكافرينَ ديَّاراً (26) إنكَ إن تذرهمْ يضلواْ عبادَكَ ولاَ يلدواْ إلاَّ فاجراً كفَّاراً (27) رَّبِّ اغفرْ لي ولوالديَّ ولمن دَخَلَ بيتيَ مؤمناً وللمؤمنينَ والمؤمناتِ(3/369)
ولاَ تزدِ الظالمينَ إلاَّ تبارا (28) }(3/370)
وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)
26 - {دَيَّاراً} أحداً أو من يسكن الديار دعا بذلك لما قيل له {لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ} الآية [هود: 36] أو مر به رجل يحمل ولداً له صغيراً فقال: يا بني احذر هذا فإنه يضلك فقال: يا أبت أنزلني فأنزله فرماه فشجه فغضب نوح عليه الصلاة والسلام ودعا عليهم.(3/370)
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
28 - {وَلِوَالِدَىَّ} أراد أباه لمكا وأمه هنجل وكانا مؤمنين " ح " أو أباه وجَدَّه. {دَخَلَ بَيْتِىَ} دخل مسجدي أو في ديني أو صديقي الداخل إلى منزلي " ع " {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} من قومه أو جميع الخلق إلى قيام الساعة {تباراً} هلاكاً أو خساراً.(3/370)
سورة الجن
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ أوحِيَ إلىَّ أنهُ استمعَ نفرٌ منَ الجنِّ فقالواْ إنَّا سمعنا قرءاناً عجباً (1) يهدي إلى الرشدِ فآمنَّا بهِ ولن نشركَ بربنا أحداً (2) وأنَّهُ تعالى جدُّ ربنا ما اتخذَ صاحبةً ولاَ ولداً (3) وأنهُ كانَ يقولُ سفيهنا على اللهِ شططاً (4) وأنا ظننا أن لن تقولَ الإنسُ والجنُّ على اللهِ كذباً (5) وأنهُ كانَ رجالٌ منَ الإنسِ يعوذونَ برجالٍ من الجنِّ فزادوهم رهقاً (6) وأنهمْ ظنُّواْ كما ظننتُمْ أن لن يبعَثَ اللهُ أحداً (7)(3/371)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)
1 - {اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} القرآن صرفهم الله تعالى إلى رسوله [صلى الله عليه وسلم] لسماع القرآن أو منعوا من استراق السمع ورموا بالشهب ولم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين له ظاهر فأتوا إبليس فأخبروه فقال ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها فأتوه فشمها فقال صاحبكم بمكة أو رجعوا إلى قومهم فقالوا ما حال بيننا وبين خبر السماء إلا حدث في الأرض فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ففعلوا حتى أتوا تهامة فوجدوا الرسول [صلى الله عليه وسلم] يقرأ " ع ". فمن قال صرفوا إليه ذكر أنه رآهم ودعاهم [208 / أ] / وقرأ عليهم ومن قال ضربوا(3/371)
مشارق الأرض ومغاربها قال لم يرهم ولم يقرأ عليهم بل أتوه بنخلة عامداً إلى سوق عكاظ وهو يصلي بنفرٍ من أصحابه الصبح فلما سمعوا القرآن قالوا هذا الذي حالَ بيننا وبين خبر السماء " ع " وكانت قراءته {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وكانوا تسعة أحدهم زوبعة أو سبعة ثلاثة من حرَّان وأربعة من نصيبين أو تسعة من أهل نصيبين قرية باليمن غير التي بالعراق فَصَلّوا مع الرسول [صلى الله عليه وسلم] الصبح ثم ولَّوْا إلى قومهم منذرين. قيل الجن تعرف الإنس كلها فلذلك توسوس إلى كلامه قال ابن عباس رضي الله - تعالى - عنهما الجن من ولد الجان منهم المؤمن والكافر وليسوا شياطين والشياطين من ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس ويدخل مؤمنو الجن الجنة وقال الحسن رضي الله - تعالى - عنه هم ولد الجان والإنس ولد آدم عليه الصلاة والسلام فمن الجن والإنس المؤمن والكافر يثابون ويعاقبون فمؤمن الطائفتين ولي الله - تعالى - وكافرهما شيطان ويدخلون الجنة بإيمانهم " ح " أو لا يدخلها الجان وإن صرفوا عن النار قاله مجاهد {عَجَباً} في فصاحته أو في بلاغة مواعظه أو في عظم بركته.(3/372)
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)
2 - {الرُّشْدِ} مراشد الأمور أو معرفة الله - تعالى -.(3/372)
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)
3 - {جَدُّ رَبِّنَا} أمره أو فعله " ع " أو ذكره أو غناه أو بلاغه أو ملكه وسلطانه أو جلاله وعظمته أو نعمه على خلقه أو {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} أي ربنا أو(3/372)
الجد أب الأب لأن هذا من قول الجن.(3/373)
وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)
4 - {سَفِيهُنَا} إبليس أو جاهلنا وعاصينا {شَطَطاً} جوراُ أو كذباً اصله البعد فعبّر به الجور والكذب لبعدهم من العدل والصدق.(3/373)
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)
6 - {يَعُوذُونَ} كانوا في الجاهلية إذا نزل أحدهم بواد قال أعوذ بكبير هذا الوادي من سفهاء قومه فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم {رَهَقاً} طغياناً أو إثماً " ع " أو خوفاً أو كفراً أو أذى أو غياً أو عظمة او سفها.
{وأنا لمسنا السماءَ فوجدناها ملئتْ حرساً شديداً وشُهُباً (8) وأنا كنا نقعدُ منها مقاعدَ للسمعِ فمن يستمعِ الآنَ يجدْ لهُ شهاباً رصَداً (9) وأنا لا ندري أشرٌّ أريدَ بمن في الأرضِ أمْ أرادَ بهمْ ربُّهْمْ رشَداً (10) }(3/373)
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)
8 - {لَمَسْنَا} طلبنا التمست الرزق ولمسته أو قاربناها لأن الملموس مقارب فوجدنا أبوابها أو طرقا {حَرَساً شَدِيداً} الملائكة الغلاظ الشداد {وَشُهُباً} جمع شهاب وهو انقضاض الكواكب المحترقة وكان انقضاضها قبل البعث وإنما زيد بالبعث إنذاراً بحال الرسول [صلى الله عليه وسلم] قال الأكثر وقال الجاحظ لم(3/373)
يكن الانقضاض إلا بعد المبعث.(3/374)
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)
9 - {مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} كانوا يسمعون من الملائكة الأخبار فيلقونها إلى الكهنة فلما حرست بالشهب [208 / ب] / قالوا ذلك، ولم يكن لهم طريق إلى استماع [الوحي] قبل الحراسة ولا بعدها.(3/374)
وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)
10 - {لا نَدْرِى} هل بعث محمد ليؤمنوا به فيرشدوا أم يكفروا به فيعاقبوا وهل حراسة السماء لرشد وثواب أم لشر وعقاب.
{وأنا منا الصالحونَ ومنا دونَ ذلكَ كنا طرائقَ قدداً (11) وأنا ظننا أن لن نعجزَ اللهَ في الأرضِ ولن نعجزَهُ هرباً (12) وأنا لمَّا سمعنَا الهدىءامنا بهِ فمن يؤمن بربِّهِ فلا يخافُ بخساً ولاَ رهقاً (13) وأنا منا المسلمونَ ومنا القاسطونَ فمنْ أسلمَ فأولئكَ تحرواْ رشداً (14) وأما القاسطونَ فكانوا لجهنمَ حطباً (15) وألوِ استقامواْ على الطريقةِ لأسقيناهمْ ماءً غدقاً (16) لنفتنهمْ فيهِ ومَن يعرضْ عن ذكر ربهِ يسلكهُ عذاباً صعداً (17) }
{الصالحون} المؤمنون {دون ذلك} المشركون {طرائق قِداداً} فرقاً شتى أو أدياناً مختلفة أو أهواء متباينة.(3/374)
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)
13 - {لَمَّا سَمِعْنَا} القرآن من الرسول صدقنا به وكان مبعوثاً إلى الإنس والجن قال الحسن لم يبعث الله - تعالى - رسولاً قط من الجن ولا من أهل البادية ولا من النساء لقوله: {وما أرسلنا قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى} [يوسف: 109] . {بَخْساً} نقصاً من حسناته ولا زيادة في سيئاته البخس: النقصان والرهق: العدوان وهذا من قول الجن.(3/374)
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)
14 - {الْقَاسِطُونَ} الخاسرون أو الفاجرون أو الناكثون القاسط: الجائر لعدوله عن الحق والمقسط العادل لعدوله إلى الحق.
16 -،(3/375)
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)
17 - {لو اسْتَقَامُواْ} لو أقاموا على طريق الكفر والضلال {لأَسْقَيْنَاهُم} لأغرقناهم كآل فرعون أو كثرنا الماء لإنبات زروعهم وكثرة أموالهم. {لنفتهم} بزينة الدنيا أو بالاختلاف بينهم بكثرة المال أو بالعذاب كقولهم {هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] . {ومن يعرض} عن قبول القرآن يسلكه عذاباً قاله جماعة. أو لو استقاموا على الهدى والطاعة " ع " {لأَسْقَيْنَاهُم} لهديناهم الصراط المستقيم " ع " أو لأوسعنا عليهم الدنيا أو لأعطيناهم عيشاً رغداً أو مالاً واسعاً {غَدَقاً} عذباً معيناً " ع " أو كثيراً واسعاً قال عمر رضي الله - تعالى - عنه: حيثما كان الماء كان المال وحيثما كان المال كانت الفتنة {لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} في الدنيا بالاختبار أو بتطهيرهم من الكفر أو بأخراجهم من الشدّة والجدب إلى الرخاء والخصب أو لنفتنهم فيه في الآخرة بتخليصهم وإنجائهم من فتنت الذهب إذا خلصت غشه بالنار {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} [طه: 40] خلصناك من فرعون أو نصرفهم عن النار {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: 73] ليصرفونك {وَمَن يُعْرِضْ} منهم عن العمل بالقرآن. {عَذَاباً صَعَداً} جب في النار أو جبل فيها إذا وضع عليه يده أو رجله ذابت فإذا رفعها عادت. مأثور أو مشقة من العذاب " أو عذاب لا راحة فيه أو صخرة في النار يكلفون صعودها على وجوههم فإذا رقوها حدروا فذلك دأبهم أبداً ".(3/375)
{وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً (18) وأنه لما قامَ عبد اللهِ يدعوهُ كادواْ يكونونَ عليهِ لبداً (19) قل إنما أدعواْ ربي ولاَ أشركُ بهِ أحداً (20) قلْ إني لا أملكُ لكمْ ضرًّا ولا رشداً (21) قلْ إني لن يجيرني منَ اللهِ أحدٌ ولنْ أجدَ مِن دونه ملتحداً (22) إلاَّ بلاغاً منَ اللهِ ورسالاتهِ ومن يعصِ اللهَ ورسولهُ فإنَّ لهُ نارَ جهنَّمَ خالدينَ فيها أبداً (23) حتى إذا رأواْ ما يوعدونَ فسيعلمونَ منْ أضعفُ ناصراً وأقلُّ عدداً (24) }(3/376)
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)
18 - {الْمَسَاجِدَ} الصلوات أو أعضاء السجود أو بيوت الله " ع " أو كل موضع صلّى فيه الإنسان فهو بسجوده فيه مسجد {فَلا تَدْعُواْ} فلا تعبدوا معه غيره قالت الجن للرسول [صلى الله عليه وسلم] : ائذن لنا نصلّ معك في مسجدك فنزلت " أو نزلت في اليهود والنصارى أضافوا إلى الله غيره في بيعهم وكنائسهم " أو في قول المشركين في تلبيتهم حول البيت إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك.(3/376)
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)
19 - {عبد الله} محمد [صلى الله عليه وسلم] قام إلى الصلاة يدعو الله [209 / أ] / فيها وائتمّ به أصحابه عجبت الجن من ذلك أو قام إليهم داعياً لهم إلى الله {لبدا} أعواناً أو جماعات بضعها فوق بعض واللبد لاجتماع الصوف بعضه فوق بعض وهم المسلمون في اجتماعهم على الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو الجن في استماع قراءته أو الجن والإنس لتعاونهم عليه في الشرك.(3/376)
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)
21 - {لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً} لمن آمن {وَلا رشدا} لمن كفر [وفيه ثلاثة أوجه] عذاباً ولا نعيماً أو موتاً ولا حياة أو ضلالة ولا هدى.(3/376)
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)
22 - {لَن يُجِيرَنِى} كان الجن الذين بايعوا الرسول [صلى الله عليه وسلم] سبعين ألفاً(3/376)
وفرغوا من بيعته عند انشقاق الفجر قاله مكحول وقال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - لما تقدّم إليهم ازدحموا عليه فقال سيدهم وردان أنا أزجلهم عنك فقال: إني لن يجيرني من الله أحدٌ {مُلْتَحَداً} ملجأ وحرزاً أو ولياً ومولى أو مذهباً ومسلكاً.(3/377)
إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)
23 - {إِلا بَلاغاً} لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً إلا أن أبلغكم رسالات ربي أو لن يجيرني منه أحدٌ إن لم أبلغ رسالته.
{قلْ إنْ أدري أقريبُ ما توعدونَ أمْ يجعلُ لهُ ربي أمداً (25) عالمُ الغيبِ فلا يظهرُ على غيبهِ أحداً (26) إلاَّ من ارتضى من رسولٍ فإنهُ يسلُكُ من بينِ يديه ومنْ خلفِهِ رصداً (27) ليعلمَ أن قد أبلغواْ رسالاتِ ربهمْ وأحاطَ بما لديهمْ وأحصى كلَّ شيءٍ عددا (28) }(3/377)
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)
26 - {الْغَيْبِ} السر " ع " أو ما لم تروه مما غاب عنكم أو القرآن أو القيامة وما يكون فيها.(3/377)
إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)
27 - {مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} جبريل عليه السلام أو نبي فيما يطلعه عليه من غيب أو " نبي فيما أنزله عليه من كتاب " ع " {رَصَداً} يجعل له طريقاً إلى علم بعض ما كان قبله وما يكون بعده أو ملائكة يحفظون النبي من الجن والشياطين من ورائه وأمامه " ع " وهم أربعة. أو يحفظون الوحي فما كان من ألله - تعالى - قالوا هو من عند الله وما ألقاه الشيطان قالوا هو من الشيطان أو يحفظون جبريل عليه(3/377)
السلام إذا نزل بالوحي من السماء أن يسمعه مسترقو السمع من الشياطين فيلقوه إلى الكهنة قبل أن يبلغه الرسول إلى أمّته.(3/378)
لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)
28 - {ليعلم} محمد [صلى الله عليه وسلم] أن جبريل عليه السلام قد بلغ إليه رسالة ربه وما نزل جبريل عليه السلام إلا ومعه ملائكة حفظة أو ليعلم محمد [صلى الله عليه وسلم] أنّ الرسل قبله قد بلغت الرسالات وحفظت أو ليعلم مكذب الرسل أنّ الرسل قد بلغت أو ليعلم الجن أنّ الرسل بلغوا الوحي ولم يكونوا هم المبلغين باستراق السمع أو ليعلم الله - تعالى - أن رسله قد بلغوا رسالاته.(3/378)
سورة المزمل
مكية أو إلا آيتين {واصبر على ما يقولون} [10] والتي بعدها " ع ".
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{يأيها المزملُ (1) قمِ اليلَ إلاَّ قليلاً (2) نصفهُ أو انقصْ منهُ قليلاً (3) أو زدْ عليهِ ورتلِ القرءانَ ترتيلاً (4) إنَّا سنلقي عليكَ قولاً ثقيلاً (5) إنَّ ناشئة اليلِ هيَ أشدُّ وطئاً وأقومُ قيلاً (6) إنَّ لكَ في النهارِ سبحاً طويلاً (7) واذكرِ اسمَ ربكَ وتبتلْ إليهِ تبتيلاً (8) ربُّ المشرقِ والمغربِ لاَ إلهَ إلاَّ هُوَ فاتخذْهُ وكيلاً (9) }(3/379)
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)
1 - {الْمُزَّمِّلُ} المتحمل زمل الشيء حمله ومنه الزاملة أو المتلفف المزمل بالنبوّة أو القرآن أو بثياته قيل نزلت وهو في قطيفة.(3/379)
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)
2 - {إِلا قَلِيلاً} من أعداد الليالي فلا تقمها أو إلاّ قليلاً من زمان كل ليلة وكان قيامه فرضاً عليه خاصة أو عليه وعلى أمّته فقاموا حتى ورمت أقدامهم ثم نسخ عنهم بعد سنة بآخر السورة أو بعد ستة عشر شهراً بالصلوات الخمس ولم ينسخ عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] [209 / ب] / أو نسخ عنه كما نسخ عن أمته بعد سنة أو ستة عشر شهراُ أو بعد عشر سنين تمييزاً له بالفضل عليهم.(3/379)
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)
3 - {قَلِيلاً} الثلث وما دون العشار والسدس والقليل من الشيء دون نصفه.(3/379)
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
4 - {وَرَتِّلِ} بينه " ع " أو فسره أو اقرأه على نظمه وتواليه من غير تغيير لفظ ولا تقديم ولا تأخير من ترتل الأسنان إذا استوى نبتها وحسن انتظامها.(3/380)
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)
5 - {ثَقِيلاً} عليه إذا أوحي إليه فلا يقدر على الحركة أو العمل به ثقيل " ح " أو في الميزان يوم القيامة أو كريم من قولهم فلان ثقيل عليَّ: أي كريم.(3/380)
إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)
6 - {ناشئة الليل} قيامه بالحبشية أو ما بين المغرب والعشاء أو ما بعد العشاء أو بدو الليل أو ساعاته لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة أو الليل كله لأنه ينشأ بعد النهار. {أَشَدُّ وَطْئاً} مواطأة قلبك وسمعك وبصرك أو مواطأة قولك بعملك أو نشاطاً لأنه في زمان راحتك أو أشدّ وأثبت وأحفظ للقراءة {وَأَقْوَمُ قِيلاً} أبلغ في الخير وأمنع من العدو أو أصوب للقراءة وأثبت للقول لأنه زمان التفهم أو أعجل إجابة للدعاء.(3/380)
إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)
7 - {سَبْحاً} فراغاً لنومك وراحتك فاجعل ناشئة الليل لعبادتك " ع " أو دعاءاً كثيراً أو عملاً وتقلباً يشغلك عن فراغ ليلك والسبح: الذهاب ومنه السبح في الماء.(3/380)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)
8 - {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} واقصد بعملك وجه ربك أو ابدأ القراءة بالبسملة {وَتَبَتَلْ} أخلص أو تعبد أو انقطع مريم البتول: لانقطاعها إلى الله تعالى " نهى الرسول [صلى الله عليه وسلم] عن التبتل ": الانقطاع عن الناس والجماعات أو تضرّع إليه تضرعاً.(3/380)
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)
9 - {رَّبُّ الْمَشْرِقِ} أي رب العالم لأنهم بين المشرق والمغرب أو مشرق الشمس ومغربها يريد استواء الليل والنهار أو وجه الليل ووجه النهار أو أول النهار وآخره أضاف نصفه الأول إلى المشرق ونصفه الآخر إلى المغرب {وَكِيلاً} معيناً أو كفيلا أو حافظاً.
{واصبرْ على ما يقولونَ واهجرهمْ هجراً جميلاً (10) وذرني والمكذبينَ أولي النعمةِ ومهلهمْ قليلاً (11) إنَّ لدينا أنكالاً وجحيماً (12) وطعاماً ذا غصَّةٍ وعذاباً أليماً (13) يومَ ترجُفُ الأرضُ والجبالُ وكانتِ الجبالُ كثيباً مهيلاً (14) إنَّا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكمْ كما أرسلنا إلى فرعونَ رسولاً (15) فعصى فرعونُ الرسولَ فأخذناهُ أخذاً وبيلاً (16) فكيفَ تتقونَ إن كفرتمْ يوماً يجعلُ الولدانَ شيباً (17) السماء منفطرٌ بهِ كانَ وعدهُ مفعولاً (18) }(3/381)
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)
10 - {هَجْراً جَمِيلاً} اصفح وقل سلاماً أو أعرض عن سفههم وأرهم صغر عداوتهم أو هجراً لا جزع فيه.(3/381)
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)
11 - {وَالْمُكَذِّبِينَ} قيل بنو المغيرة أو اثنا عشر رجلاً من قريش {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} إلى السيف.(3/381)
إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)
12 - {أَنكَالاً} أغلالاً أو قيوداً أو أنواع العذاب الشديد قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " إنّ الله يحب النكل على النكل فسئل عن ذلك فقال الرجل القوي المجرب على الفرس القوي المجرب " وبه سمي القيد والغل لقوتهما.(3/381)
وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)
13 - {ذَا غُصَّةٍ} الزقوم أو شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج.(3/381)
يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)
14 - {مَّهِيلاً} رملاً سائلاً " ع " أو الذي نزل تحت القدم فإذا وطئت أسفله انهال أعلاه.(3/382)
فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)
16 - {وَبِيلاً} شديداً " ع " أو متتابعاً أو مقبلاً غليظاً ومنه الوابل للمطر العظيم أو مهلكاً.(3/382)
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)
17 - {شيبا} جمع أشيب [210 / أ] / والأشيب والأشمط الذي اختلط سواد شعره ببياضه.(3/382)
السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)
18 - {مُنفَطِرٌ بِهِ} ممتلئة به " ع " أو مثقلة أو مخزونة به " ح " أو منشقة من عظمته وشدّته. {كَانَ وَعْدُهُ} بالثواب والعقاب أو بإظهار دينه على الدين كله أو بانفطار السماء وشيب الولدان وكون الجبال كثيباً مهيلاً، {بِهِ} الضمير لليوم يعني أشاب الولدان وجعل السماء منفطرة بما ينزل منها أي يوم القيامة يجعل الولدان شيباً، وانفطار انفتاحها لنزول هذا القضاء منها.
{إنَّ هذه تذكرةٌ فمن شاءَ اتخذ إلى ربه سبيلاً (19) إنَّ ربك يعلمُ أنكَ تقومُ أدنى من ثلثَي الَّيلِ ونصفهُ وثلثهُ وطائفةٌ من الذين معك واللهُ يقدرُ الَّيلَ والنهار علم ألن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرءان علم أن سيكون منكم مرضى وءاخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وءاخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً واستغفرواْ اللهَ إنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ (20) }(3/382)
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
20 - {لَّن تُحْصُوه} لن تطيقوا قيام الليل أو تقدير نصفه وثلثه وربعه {فاقرءوا} فصلوا عبر عن الصلاة بالقراءة {مَا تَيَسَّرَ} من النوافل إذ لا يؤمر في الفرض بما تيسر أو الصلوات الخمس ما تيسر من أفعالها وأركانها على قدر القوّة والضعف والصحة والمرض دون العدد لأنّ الناس انتقلوا من قيام الليل إلى(3/382)
الصلوات الخمس أو بحمل القرآن على حقيقته يُقْرأ به في الصلاة وما تيسر: الفاتحة عند من أوجبها أو قدر آية واحدة من القرآن أو أراد القراءة خارج الصلاة وهي مستحبة أو واجبة ليقف بها على إعجازه ودلائله فإذا قرأه وعرف إعجازه ودلائل التوحيد منه فلا يلزمه حفظه. لأنّ حفظه مستحب فعلى هذا المراد به جميع القرآن لأنّ الله - تعالى - يسره على العباد أو ثلثه أو مائتا آية منه أو ثلاث آيات كأقصر سورة {يَضْرِبُونَ فِى الأَرْضِ} بالمسافرة، أو بالتقلب للتجارة. {فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ} قيل أعادة لنسخ ما فرضه من قيام الليل وجعل ما تيسر منه تطوعاً ونفلاً فأقيموا الصلوات الخمس {الزَّكَاةَ} الطاعة والإخلاص " ع " أو صدقة الفطر أو زكوات الأموال كلها. {قَرْضاً حَسَناً} النوافل بعد الفروض أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أو نفقة الأهل أو النفقة في سبيل الله أو جميع الطاعات " وسماه قرضاً لأنه أوجب جزاءه على نفسه فصار كالقرض المردود " {تَجِدُوهُ} أي ثوابه {هُوَ خَيْراً} مما أعطيتم أو فعلتم {وَأَعْظَمَ أَجْراً} الجنة {غَفُورٌ} لما كان قبل التوبة {رحيم} لكم بعدها.(3/383)
سُورَةُ المُدّثِرِ
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{يأيها المدثِّرُ (1) قمْ فأنذرْ (2) وربَّكَ فكبرْ (3) وثيابك فطهرْ (4) والرجزَ فاهجرْ (5) ولا تمنن تستكثرُ (6) ولربكَ فاصبر (7) فإذا نقر في الناقور (8) فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ (9) على الكافرين غيرُ يسيرٍ (10) }(3/384)
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
1 - {الْمُدَّثِّرُ} بثيابه أو بالنبوّة وأثقالها.(3/384)
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
2 - {قُمْ} من نومك {فَأَنذِرْ} قومك العذاب وهي أول سورة نزلت " ع ".(3/384)
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
4 - {وثيابك فطهر} وعملك فأصلح قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " يحشر المرء في ثوبيه اللذين مات فيهما " يعني عمله الصالح والطالح أو نفسك طهرها من الخطايا أو مما نسبوه إليك من السحر والشعر والكهانة والجنون أو مما كنت [210 / ب] /(3/384)
تفكر فيه وتحذره من قول الوليد بن المغيرة أو قلبك طهره من الإثم والمعاصي " ع " أو الغدر.
( ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي)
أو نساءك فطهّر باختيارهم مؤمنات عفيفات أو بالإتيان في القبل والطهر دون الدبر والحيض {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ} [البقرة: 187] أو ثياب اللبس فقصّر وشمّر أو انقها أو طهرها من النجاسة بالماء أو لا تلبسها إلاّ من كسب حلال لتكون مطهرّة من الحرام.(3/385)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
5 - {وَالرُّجْزَ} الأوثان والأصنام " ع " أو الشرك أو الذنب أو الإثم أو العذاب أو الظلم.(3/385)
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
6 - {وَلا تَمْنُن} لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها " ع " قال الضحاك: حرمه على رسوله [صلى الله عليه وسلم] وأباحه لأمّته أو لا تمنن بعملك تستكثره على ربك أو لا تمنن بالنبوّة على الناس تأخذ عليها أجراً أو لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه.(3/385)
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
7 - {وَلِرَبِّكَ} لأمر ربك أو لوعده أو لوجهه {فَاصْبِرْ} على ما لقيت من الأذى والمكروه أو على محاربة العرب ثم العجم أو على الحق فلا يكن أحدٌ أبر عندك فيه من أحد أو على عطيتك لله أو على الوعظ لوجه الله أو على انتظار ثواب عملك من الله - تعالى - أو على ما أُمِرت به من أداء الرسالة وتعليم الدين.(3/385)
فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)
8 - {النَّاقُورِ} الصور " ع " النفخة الأولى أو الثانية أو القلب يجيب إذا دعي للحساب حكاه ابن كامل.
{ذرني ومن خلقتُ وحيداً (11) وجعلتُ له مالاً ممدوداً (12) وبنينَ شهوداً (13) ومهدتُ له تمهيداً (14) ثم يطمعُ أن أزيدَ (15) كلاَّ إنه كان لآياتنا عنيداً (16) سأرهقهُ صعوداً (17) إنه فكرَ وقدرَ (18) فقتلَ كيفَ قدرَ (19) ثم قتلَ كيفَ قدرَ (20) ثمَّ نظرَ (21) ثمَّ عبسَ وبسرَ (22) ثمَّ أدْبَرَ واستكبَرَ (23) فقال إنْ هذا إلا سحرٌ يؤثرُ (24) إنْ هذا إلا قولُ البشرِ (25) سأصليهِ سَقَرَ (26) وَمَا أدراكَ ما سقَرُ (27) لا تُبْقِى ولا تذرُ (28) لوَّاحةٌ للبشرِ (29) عليها تسعةَ عشرَ (30) }(3/386)
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)
11 - {وَحِيداً} منفرداً بخلقه أو وحيداً في بطن أمه لا مال له ولا ولد أعلمه بذلك قدر نعمه عليه بالمال والولد أو ليدلّه على أنّه يبعث وحيداً كما خلق وحيداً نزلت في الوليد بن المغيرة.(3/386)
وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)
12 - {مَّمْدُوداً} ألف دينار " ع " أو أربعة آلاف دينار أو ستّة ألاف دينار أو مائة ألف دينار أو أرض يقال لها الميثاق أو غلة شهر بشهر أو الذي لا ينقطع شتاء ولا صيفاً أو الأنعام التي يمتد سيرها من أقطار الأرض للرعي والسفر.(3/386)
وَبَنِينَ شُهُودًا (13)
13 - {وَبَنِينَ} عشرة أو أثنا عشر أو ثلاثة عشر رجلاً قال الضحاك: ولد له سبعة بمكة وخمسة بالطائف {شُهُوداً} حضور معه لا يغيبون عنه أو يذكرون معه إذا ذكر " ع " أو كلهم ربّ بيت.(3/386)
وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14)
14 - {وَمَهَّدتُّ لَهُ} من المال والولد أو الرئاسة في قومه.(3/386)
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)
15 - {أَنْ أَزِيدَ} من المال والولد أو أدخله الجنة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فلم يزل يرى النقص في ماله وولده.(3/386)
كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16)
16 - {لآياتنا} القرآن أو الحق أو محمد [صلى الله عليه وسلم] . {عَنِيداً} معانداً أو مباعداً أو جاحداً أو معرضاً.(3/387)
سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)
17 - {صَعُوداً} مشقة من العذاب أو عذاب لا راحة فيه " ح " أو صخرة في النار ملساء كلف صعودها فإذا صعدها زلق منها أو جبل في جهنم من نار كلف صعوده فإذا وضع يده أو رجله ذابت فإذا رفعها عادت مأثور.(3/387)
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)
18 - {إِنَّهُ فَكَّرَ} قال لقد نظرت فيما قال هذا [211 / أ] / الرجل فإذا هو ليس بشعر وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليعلو وما يعلى وما أشك أنه سحر ففكر في القرآن وقدر في قوله إنه سحر وليس بشعر.(3/387)
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)
19 - {فَقُتِلَ} ثم قتل فعوقب ثم عوقب فتكرر عليه العذاب مرة بعد أخرى أو لعن ثم لعن {كَيْفَ قَدَّرَ} إنه ليس بشعر ولا كهانة وإنه سحر.(3/387)
ثُمَّ نَظَرَ (21)
21 - {ثُمَّ نَظَرَ} في القرآن أو إلى بني هاشم لما قال إنه ساحر ليعلم ما عندهم.(3/387)
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)
22 - {ثُمَّ عَبَسَ} قبض ما بين عينيه {وَبَسَرَ} كلح وجهه أو تغير قيل ظهور العبوس في الوجه بعد المحاورة وظهور البسور فيه قبل المحاورة.(3/387)
فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)
24 - {إِنْ هَذَآ} القرآن {إِلا سِحْرٌ} يأثره محمد عن غيره.(3/387)
إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
25 - {قَوْلُ الْبَشَرِ} وليس من قول الله تعالى نسبوه إلى أبي اليسر عبدٍ لبني الحضرمي كان يجالس الرسول [صلى الله عليه وسلم] فنسبوه إلى أنه تعلّم ذلك منه.(3/387)
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)
26 - {سَقَرَ} اسم لجهنم من سقرته الشمس إذا آلمت دماغه لشدّة إيلامها.(3/387)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27)
27 - {لا تُبْقِى} من فيها حيّاْ ولا تذره ميتاً أو لا تبقي أحداً منهم أن تتناوله ولا تذره من العذاب.(3/387)
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)
29 - {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ} مغيرة للألوان تلفح وجوههم لفحة تدعها أشدّ سواداً(3/387)
من الليل أو تحرق البشر حتى تُلَوِّح العظم أو تلوِّح بشرة أجسادهم على النار أو معطشة للبشر واللَّوْح شدّة العطش قال:
(سقتني على لوح من الماء شربة ... سقاها به الله الرهام الغواديا)
{لِّلْبَشَرِ} الإنس عند الأكثر أو جمع بشرة وهي الجلدة الظاهرة.(3/388)
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
30 - {تِسْعَةَ عَشَرَ} خزنة جهنم من الزبانية وكذلك عددهم في التوراة والإنجيل ولما نزلت قال أبو جهل يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم أن يأخذوا واحداً منهم وأنتم أكثر منهم وقال أبو الأشد بن الجمحي لا يهولنكم التسعة عشر أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة وبمنكبي الأيسر التسعة ثم تمرون إلى الجنة يقولها مستهزئاً فنزلت.
{وما جعلنا أصحاب النارِ إلا ملائكةً وما جعلنا عدتهم إلا فتنةً للذين كفروا ليستقين الذين أوتواْ الكتابَ ويزدادَ الذين ءامنوا إيماناً ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرضٌ والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هوَ وما هي إلا ذكرى للبشر (31) كلاَّ والقمرَ (32) والَّيل إذ أدبر (33) والصبح إذا أسفر (34) إنَّها لإحدى الكبر (35) نذيراً للبشر (36) لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخرَ (37) }(3/388)
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)
31 - {وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النَّارِ} ولما وصفهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] قال: " كأن(3/388)
أعينهم البرق وكأنّ أفواههم الصياصي يجرون شعورهم لأحدهم مثل قوّة الثقلين يسوق أحدهم الأمّة على رقبته [جبل] فيرمي بهم في النار ويرمي الجبل عليهم ". {ليستقين الذين أوتوا الكتاب} نبوّة محمد [صلى الله عليه وسلم] أو عدد الخزنة لموافقة ذلك لما في التوراة والإنجيل {ويزداد الذين آمنوا} بذلك إيماناً {وَمَا هِىَ} وما نار جهنم إلاّ ذكر، أو ما نار الدنيا إلاّ تذكرة لنار الآخرة أو ما هذه السورة إلاّ تذكرة للناس.(3/389)
وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)
33 - {دَبَر} ولى " ع " أو أقبل عن إدبار النهار دبر وأدبر واحد أو دبر [211 / ب] / إذا خلفته خلفك وأدبر إذا ولّى أمامك أو دبر جاء بعد غيره على دبره وأدبره ولّى مدبراً.
34 - {أَسْفَرَ} أضاء.(3/389)
إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)
35 - {إِنَّهَا} إن سقر لإحدى الكبر أو قيام الساعة أو هذه الآية و {الْكُبَرِ} العظائم من العقوبات والشدائد.(3/389)
نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)
36 - {نذيرا} يعني النار أو محمد [صلى الله عليه وسلم] حين قال {قم فأنذر} .(3/389)
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)
37 - {يَتَقَدَّمَ} في الطاعة أو {يَتَأَخَّرَ} في المعصية أو يتقدّم في الخير أو يتأخر في الشر أو يتقدّم إلى النار أو يتأخر عن الجنة تهديد ووعيد.(3/389)
{كلُّ نفسٍ بما كسبت رهينةٌ (38) إلاَّ أصحاب اليمينِ (39) في جناتٍ يتساءلونَ (40) عن المجرمينَ (419 ما سلككمْ في سقر (42) قالواْ لم نكُ من المصلينَ (43) ولم نك نطعمُ المسكينَ (44) وكُنَّا نخوضُ مع الخائضينَ (45) وكُنا نكذب بيوم الدينِ (46) حتَّى أتانا اليقينُ (47) فما تنفعهم شفاعةُ الشافعينَ (48) فما لهمْ عن التذكرةِ معرضينَ (49) كأنهم حُمُرٌ مستنفرةٌ (50) فرَّتْ من قسورة (51) بلْ يريدُ كلُّ امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرَةً (52) كلاَّ بل لا يخافونَ الأخِرَةَ (53) كلاَّ إنه تذكرةٌ (54) فمن شاء ذكرهُ (55) وما يذكرونَ إلاَّ أن يشاءَ اللهُ هُوَ أهلُ التقوى وأهلُ المغفرةِ (56) }
38 -،(3/390)
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)
39 - {كُلُّ نَفْسٍ} بالغة محتبسة بعملها {إِلآ أَصْحَابَ الْيَمِينِ} أطفال المسلمين أو كل نفسٍ من أهل النار مرتهنة في النار إلاّ المسلمين أو كل نفسٍ محاسبة بعملها إلا أهل الجنة فلا يحاسبون.(3/390)
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)
45 - {نَخُوضُ} نكذب أو كلما غوى غاوٍ غوينا معه أو قولهم محمد ساحر محمد شاعر محمد كاهن.
46 - {الدِّينِ} الجزاء.
47 - {الْيَقِينُ} الموت.
48 - {التَّذْكِرَةِ} القرآن.(3/390)
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)
50 - {مستنفَرة} مذعورة وبكسر الفاء هاربة.(3/390)
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)
51 - {قَسْوَرَةٍ} الرماة " ع " أو القناص أو الأسد بلسان الحبشة " ع " أو عصب من الرجال وجماعة " ع " أو أصوات الناس " ع " أو النبل.(3/391)
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52)
52 - {صُحُفاً} أن يؤتى كتاباً من الله تعالى أن يؤمن بمحمد [صلى الله عليه وسلم] أو براءة من النار أنه لا يعذب بها أو كتاباً من الله بما أحلّ وحرّم أو قال كفار قريش كان الرجل [من بني إسرائيل] إذا أذنب وجده [مكتوباً] في رقعة فما لنا لا نرى ذلك فنزلت.(3/391)
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
56 - {أَهْلُ} أن تُتقى محارمه وأن يغفر الذنوب أو يُتقى أن يجعل معه إلهاً آخر وأهل أن يغفر لمن اتقاه مأثور أو يتقى عذابه وأن يعمل بما يؤدي إلى مغفرته.(3/391)
سُورَةُ القِيَامَةِ
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{لا أقسمُ بيومِ القيامةِ (1) ولا أقسم بالنفس اللوامةِ (2) أيحسب الإنسانُ ألن نجمع عظامهُ (3) بلَى قادرين على نسوي بنانهُ (4) بل يريد الإنسانُ ليفجرَ أمامهُ (5) يسئلُ أيانَ يومُ القيامةِ (6) فإذا برقَ البصرُ (7) وخسفَ القمرُ (8) وجمعَ الشمسُ والقمرُ (9) يقولُ الإنسانُ يومئذٍ أينَ المفرُّ (10) كلاَّ لاَ وَزَرَ (11) إلى ربكَ يومئذٍ المستقرُّ (12) ينبؤا الإنسانُ يومئذٍ بما قدَّمَ وأخَّرَ (13) بل الإنسان على نفسهِ بصيرةٌ (14) ولوْ ألقى معاذيرهُ (15) }
1 -،(3/392)
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
2 - {لا} إذا بدئ بها في أول الكلام فهي صلة تقديره أقسم " ع " أو تأكيد للكلام كقولك لا والله أو رَدٌّ لما مضى من إنكارهم البعث ثم ابتدأ بأقسم، و {لآ أُقْسِمُ} أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس " ع " أو أقسم بهما جميعا {اللَّوَّامَةِ} مدح عند من رآها قسماً وهي النادمة اللائمة على ما فات لِمَ فعلت الشرّ وهلاَّ استكثرت من الخير أو تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها أو ذات اللوم أو اللوم صفة ذم عند من رآها غير مقسم بها وهي المذمومة " ع " أو الملومة على سوء صنعها أو التي لا تصبر على محن الدنيا وشدائدها فهي كثيرة اللوم فيها فعلى هذه الأوجه الثلاثة تكون اللوامة يعني الملومة.(3/392)
بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)
4 - {بَلَى} نجمعها تمام للأول أو استئناف بعد تمام الأول بالتعجب {نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ} نعيد مفاصله بالبعث أو نجعل كفه التي يأكل بها ويعمل حافر حمار أو خف بعير فلا يأكل إلا بفمه ولا يعمل شيئاً بيده " ع ".(3/393)
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)
5 - {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} يقدم الذنب ويؤخر التوبة أو يمضي أمامه قدماً لا ينزع عن فجور " ح " أو يرتكب الآثام في طلب الدنيا ولا يذكر الموت أو يريد أن يكذب بالقيامة ولا يعاقب بالنار أو يكذب بما في الآخرة كما كذب بما في الدنيا.(3/393)
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)
7 - {بَرِقَ} خفت أو انكسر عند الموت أو شخص لما عاين ملك الموت فزعاً وبالكسر شق بصره أو غشى عينه البرق يوم القيامة.(3/393)
وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)
8 - {خسف الْقَمَرُ} ذهب نوره فكأنه دخل في خسف من الأرض.(3/393)
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)
9 - {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} جمعا في طلوعهما من المغرب كالبعيرين القرينين أو في ذهاب ضوئهما بالخسوف ليتكامل ظلام الأرض على أهلها " أو في تكويرهما يوم القيامة " أو في البحر فصارا نار الله الكبرى.
10 - {الْمَفَرُّ} المهرب.(3/393)
كَلَّا لَا وَزَرَ (11)
11 - {لا وَزَرَ} لا ملجأ أو منجى أو حرز أو محيص.(3/393)
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)
12 - {الْمُسْتَقَرُّ} المنتهى أو استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.(3/393)
يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
13 - {بِمَا قَدَّمَ} قبل موته من خير أو شر وبما سنّ فعُمل به بعد موته من خير أو شرّ " ع " أو بما قدّم من معصية وما أخر من طاعة أو بأول عمله وآخره أو بما قدّم من الشر وأخّر من الخير أو ما قدّم من فرض وأخّر من فرض.(3/393)
بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)
14 - {بَصِيرَةٌ} هاء المبالغة شاهد على نفسه بما تقوم الحجة به عليه {كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء: 14] أو جوارحه تشهد عليه بعمله {وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ} [يس: 65] أو بصير بعيوب الناس غافل عن عيوب نفسه.(3/394)
وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
15 - {معاذيره} لو اعتذر يومئذٍ لم يقبل منه أو لو تجرد من ثيابه " ع " أو لو أظهر حجته أو لو أرخى ستوره والستر: معذار بلغة اليمن.
{لا تحركْ بهِ لسانكَ لتعجلَ به (16) إنَّ علينا جمعهُ وقرءانهُ (17) فإذا قرأنه فاتبع قرءانهُ (18) ثُمَّ إنَّ علينا بيانهُ (19) كلاَّ بلْ تحبونَ العاجلَةَ (20) وتذرونَ الأخرةَ (21) وجوهُ يومئذٍ ناضرةٌ (22) إلى ربِّهَا ناظرةٌ (23) ووجوهٌ يومئذٍ باسرةٌ (24) تظنُّ أن يفعل بها فاقرةٌ) }(3/394)
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)
16 - {لا تُحَرِّكْ} كان إذا نزل عليه القرآن حرّك به لسانه يستذكره فيناله من ذلك شدّة فنهي عن ذلك " ع " أو كان يعجل بذكره حُبًّا له لحلاوته عنده فنهي عن ذلك حتى يجتمع لأنّ بعضه مرتبط ببعض.(3/394)
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)
17 - {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} في قلبك لتقرأه بلسانك أو حفظه وتأليفه أو نجمعه لك حتى نثبته في قلبك.(3/394)
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)
18 - {قَرَأْنَاهُ} بيناه فاعمل بما فيه أو أنزلناه فاستمع قرآنه " ع " أو إذا تلي عليك فاتبع شرائعه وأحكامه.(3/394)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)
19 - {بَيَانَهُ} بيان أحكامه وحلاله وحرامه أو بيانه بلسانك إذا نزل به جبريل عليه السلام حتى تقرأه كما أقرأك أو علينا أن نجزي يوم القيامة بما فيه(3/394)
من وعد ووعيدٍ.(3/395)
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)
20 - {الْعَاجِلَةَ} ثواب الدنيا أو العمل لها.(3/395)
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)
21 - {وَتَذَرُونَ} ثواب الآخرة أو العمل لها.(3/395)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)
22 - {نَّاضِرَةٌ} حسنة أو مستبشرة أو ناعمة أو مسرورة.(3/395)
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)
23 - {إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} تنظر إليه في القيامة أو إلى ثوابه قاله ابن عمر ومجاهد أو تنظر أمر ربها.(3/395)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)
24 - {بَاسِرَةٌ} كالحة أو متغيرة.(3/395)
تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)
25 - {فَاقِرَةٌ} داهية أو شر أو هلاك أو دخول النار.
{كلاَّ إذا بلغتِ التراقي (26) وقيلَ من راقٍ (27) وظنَّ أنه الفراقُ (28) والتفتِ الساقُ بالساقِ (29) إلى ربكَ يومئذ المساقُ (30) فلا صدَّقَ ولا صلَّى (31) ولكن كذبَ وتولىَّ (32) ثُمَّ ذهب إلى أهله يتمطى (33) أولى لك فأولى (34) ثم أولى لك فأولى (35) أيحسبُ الإنسانُ أن يتركَ سدىً (36) ألمْ يكُ نطفةً من منِيٍّ يمنَى (37) ثُمَّ كان علقةً فخلقَ فسوَّى (38) فجعل منهُ الزوجينِ الذكرَ والأنثى (39) أليسَ ذلكَ بقادرٍ على أن يحيى الموتى (40) }(3/395)
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)
26 - {بَلَغَتِ} الروح {التَّرَاقِىَ} وهي أعلى الصدر جمع ترقوة.(3/396)
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)
27 - {رَاقٍ} يرقيه بالرُقي وأسماء الله تعالى الحسنى أو من طبيب شاف أو يقول من يرقى بروحه أَمَلائكة الرحمة أم ملائكة العذاب " ع ".(3/396)
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)
28 - {وَظَنَّ} تيقن أنه مفارق للدنيا " ع ".(3/396)
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)
29 - {وَالْتَفَّتِ الساق بالساق} اتصلت الآخرة بالدنيا " ع " أو الشدّة بالشدّة والبلاء [212 / ب] / بالبلاء شدّة كرب الموت بشدّة هول المطلع أو التفت ساقه عند الموت أو التفاف الساق بالساق عند المساق قال الحسن - رضي الله تعالى عنه - " ماتت رِجْلاه فلم يحملاه وقد كان عليهما جوالاً، أو اجتمع عليه أمران شديدان الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه ".(3/396)
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)
30 - {الْمَسَاقُ} المنطلق أو المستقر.(3/396)
فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)
31 - {فَلا صَدَّقَ} كتاب الله تعالى {وَلا صَلَّى} لله عزّ وجلّ أو فلا صدق بالرسالة ولا آمن بالمرسل كذب الرسول [صلى الله عليه وسلم] وتولى عن المرسل أو كذب بالقرآن وتولى عن الطاعة نزلت في أبي جهل.(3/396)
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)
33 - {يَتَمَطَّى} يختال في نفسه " ع " أو يتبختر في مشيته أو يلوي مطاه وهو ظهره.(3/396)
أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)
34 - {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} وليك الشرّ وعيد على وعيد أو لك الويل، لقيه الرسول [صلى الله عليه وسلم] ببطحاء مكة متبختراً في مشيه فدفع في صدره وهزّه بيده وقال {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} فقال أبو جهل إليك عني أتوعدني يا ابن أبي كبشة وما تستطيع أنت ولا ربك الذي تزعم أنه أرسلك شيئاً فنزلت هذه الآيات.(3/396)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)
36 - {سُدىً} مهملاً لا يعترض عليه أو باطِلاً لا يبعث أو ملغى لا يؤمر ولا ينهى أو عبثاً لا يحاسب ولا يعاقب.(3/397)
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)
37 - {تُمْنَى} تراق ومنى لإراقة الدم بها أو تنشأ وتخلق أو تشترك لاشتراك ماء الرجل بماء المرأة.(3/397)
سُورَةُ الإنْسَانِ
مدنية عند الجمهور أو مكية " ع " أو مكيها من قوله {إنا نحن نزلنا} [23] إلى آخرها وما تقدمه مدني.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{هلْ أتى على الإنسانِ حينٌ منَ الدهرِ لمْ يكن شيئاً مذكوراً (1) إنا خلقنا الإنسانَ من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليهِ فجعلناهُ سميعاً بصيراً (2) إنا هديناهُ السبيلَ إمَّا شاكراً وإما كفوراً (3) }(3/398)
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)
1 - {هَلْ أَتَى} قد أتى أو أأتى {الإِنسَانِ} آدم عليه الصلاة والسلام خلق كخلق السماوات والأرض وما بينهما في آخر يوم الجمعة أو عام في كل إنسان " ع " {حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} أربعين سنة بقي آدم عليه الصلاة والسلام فيها مصوراً من طين لازب وحمأ مسنون ثم نفخ فيه الروح بعد ذلك أو تسعة أشهر في بطن أمه أو زمان غير محدود " ع " {لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} في الخلق وإن كان عند الله - تعالى - شيئاً مذكوراً أو كان شيئاً غير مذكور لأنه كان مصوراً ثم نفخ فيه الروح فصار مذكوراً.(3/398)
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)
2 - {خَلَقْنَا الإِنسَانَ} كل بني آدم اتفاقاً {نُّطْفَةٍ} إذا اختلط ماء الرجل وماء المرأة فهما نطفة أو النطفة ماء الرجل فإذا اختلط في الرحم بماء المرأة(3/398)
صار أمشاجاً {أَمْشَاجٍ} اختلاط المائين أو ألوان " ع " قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر " وقيل نطفة الرجل حمراء وبيضاء ونطفة المرأة صفراء وخضراء أو الأمشاج العروق التي في النطفة أو الأطوار نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم كسوتها باللحم {نَّبْتَلِيهِ} نختبره بالخير والشرّ أو نختبره بشكره في السرّاء وصبره في الضرّاء [213 / أ] / أو نكلفه العمل بعد خلقه أو نأمره بالطاعة وننهاه عن المعصية أو فيه تقديره فجعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه بالاختبار أو التكليف أو بالسمع والبصر.(3/399)
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
3 - {السَّبِيلَ} الخير والشر أو الهدى والضلالة أو سبيل الشقاوة والسعادة أو خروجه من الرحم. {شَاكِراً} مؤمناً أو كافراً أو شاكراً للنعمة أو كفوراً بها ولما كان شكر الله - تعالى - لا يؤدى لم يأت فيه بلفظ المبالغة ولما عظم كفره مع الإحسان إليه جاء بلفظ المبالغة.
{إنا أعتدنا للكافرينَ سلاسلاْ وأغلالاً وسعيراً (4) إنَّ الأبرار يشربون من كأسٍ كانَ مزاجهَا كافوراً (5) عيناً يشربُ بها عبادُ اللهِ يفجرونها تفجيراً (6) يوفونَ بالنذرِ ويخافونَ يوماً كانَ شرهُ مستطيراً (7) ويطعمونَ الطعامَ على حبِّهِ مسكيناً ويتيماً وأسيراً (8) إنما نطعمُكُمْ لوجهِ اللهِ لا نريدُ منكمْ جزاءاً ولا شكوراً (9) إنا نخافُ من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً (10) فوقاهُمُ اللهُ شرَّ ذلك اليومِ ولقاهُمْ نضرةً وسروراً (11) وجزاهُم بما صبروا جنَّةً وحريراً (12) }(3/399)
إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)
5 - {الأبرار} الصادقون أو المطيعون لأنهم بَرَّوا الآباء والأبناء أو لكفهم الأذى " حتى عن الذر " " ح " أو لأدائهم حقوق الله - تعالى - ويوفون بالنذر {كَأْسٍ} كل كأس في القرآن فإنما يعنى بها الخمر {كَافُوراً} عين في الجنة(3/399)
اسمها كافور أو كافور الطيب تمزج به لبرده فيكون برد الكافور وطعم الزنجبيل أو لريحه ويختم بالمسك أو لطعمه فيكون طعمها طعم الكافور.(3/400)
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)
6 - {يَشْرَبُ بِهَا} ينتفع بها أو يشربها وهي التسنيم أشرف شراب أهل الجنة يشربها المقربون صرفاً وتمزج لسائر أهل الجنة بالخمر واللبن والعسل {يُفَجِّرُونَهَا} يقودونها حيث شاءوا من الجنة ويمزجونها بما شاءوا {تَفْجِيراً} مصدر للتكثير أو يفجرون من تلك العين عيوناً لتكون أوسع.(3/400)
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)
7 - {بِالنَّذْرِ} بما فرض من العبادات أو بما عقدوه على أنفسهم من حقّ الله - تعالى - أو بعهد من عاهدهم أو بالأيمان إذا حلفوا {مُسْتَطِيراً} فاشياً أو ممتداً.(3/400)
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
8 - {عَلَى حُبِّهِ} على حب الطعام أو على شهوته أو على عزّته {وَأَسِيراً} المسجون المسلم أو العبد أو أسرى المشركين ثم نسخ بالسيف أو لم ينسخ.(3/400)
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)
9 - {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ} لم يقولوا ذلك ولكن علمه الله تعالى منهم فأثنى به عليهم {جَزَآءَ} بالفعال {وَلا شُكُوراً} بالمقال قيل نزلت في السبعة الذين تكفلوا أسرى بدر أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وأبو عبيدة رضي الله - تعالى - عنهم أجمعين.(3/400)
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)
10 - {عَبُوساً} تعبس الوجوه من شرّه، والقمطرير: الشديد أو العبوس الضيق والقمطرير الطويل أو العبوس بالشفتين والقمطرير بالجبهة والحاجبين فذلك صفة الوجه المتغيّر من شدائد ذلك اليوم.(3/400)
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)
11 - {نَضْرَةً} بياضاً ونقاءً أو حسناً وبهاءً أو أثر النعمة نضرة وجوههم وسروراً في قلوبهم.(3/400)
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)
12 - {جَنَّةً} يسكنونها {وَحَرِيراً} يلبسونه أو الحرير أثر العيش في الجنة(3/400)
ومنه لبس الحرير ليأثر في لذّة العيش نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذراً فوفاه أو في علي وفاطمة نذر صوماً [213 / ب] / ودخل فيه وخبزت فاطمة - رضي الله تعالى عنها - ثلاثة أقراص شعير ليفطر علي رضي الله تعالى عنه على قرص وتفطر هي على آخر ويأكل الحسن والحسين رضي تعالى عنهما الثالث فسألها مسكين فأعطته أحدها ثم سألها يتيم فأعطته الثاني ثم سألها أسير فأعطته الثالث وباتوا طاوين.
{متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً (13) ودانيةً عليهم ظلالها وذللتْ قطوفها تذليلاً (14) ويطافُ عليهم بأنيةٍ من فضةٍ وأكوابٍ كانتْ قواريراْ (15) قواريراْ من فضَّةٍ قدروها تقديراً (16) ويسقونَ فيها كأساً كان مزاجُهَا زنجبيلاً (17) عيناً فيها تسمى سلسبيلاً (18) ويطوفُ عليهمْ ولدانٌ مخلدونَ إذا رأيتهمْ حسبتهمْ لؤلؤاً منثوراً (19) وإذا رأيت ثَمَّ رأيتَ نعيماً وملكاً كبيراً (20) عليهمْ ثيابُ سندسٍ خضرٌ وإستبرقٌ وحلواْ أساورَ من فضةٍ وسقاهمْ ربهمْ شراباً طهوراً (21) إنَّ هذا كانَ(3/401)
لكمْ جزاءً وكانَ سعيُكُم مشكوراً (22) }(3/402)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)
13 - {الأَرَآئِكِ} الأسرّة " ع " أو كل ما يتكأ عليه {لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً} أي لا يحتاجون إلى ضيائها لأنهم في ضوء دائم أو لا يتأذون بحرّها {زَمْهَرِيراً} برداً شديداً أي لا يرون حراً ولا برداً أو لون من العذاب أو الزمهرير هنا القمر لا يحتاجون إليه لأنهم في ضوء دائم.(3/402)
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)
14 - {وَذُلِّلَتْ} لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بُعْد وإذا قام ارتفعت وإذا قعد نزلت.
15 -،(3/402)
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)
16 - {قَوَارِيرَاْ} هي من فضة في صفاء القوارير. أو قوارير في بياض الفضة، قوارير كل أرض من تربتها وأرض الجنّة فضة " ع " {قَدَّرُوهَا} في أنفسهم فجاءت على ما قدروا " ح " أو على قدر أكفْ الخدم أو على مقدار لا تزيد فتفيض ولا تنقص فتغيض أو على قدر ريهم وكفايتهم لأنه ألذ وأشهى أو قدرت لهم وقدروا لها سواء.(3/402)
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17)
17 - {زَنجَبِيلاً} اسم التي فيها مزاج شراب الأبرار أو يمزج بالزنجبيل والعرب تستطيبه لحذوه اللسان وهضمه المأكول أو الزنجبيل طعم من طعوم الخمر تصف العرب به.(3/402)
عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)
18 - {سَلْسَبِيلاً} اسم لها أو سَلْ سبيلاً إليها قاله علي رضي الله تعالى عنه أو سلسلة السبيل أو سلسلة يصرفونها حيث شاءوا تسيل في حلوقهم انسلالاً أو حديدة الجرية أو لأنها تنسل عليهم في مجالسهم وغرفهم وطرقهم.(3/402)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)
19 - {مُّخَلَّدُونَ} لا يموتون أو صغاراً لا يكبرون وشباباً لا يهرمون " ح " أو مسوَّرون " ع " {مَّنثُوراً} لكثرتهم أو لصفاء ألوانهم وحسن مناظرهم.(3/403)
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)
20 - {نَعِيماً} كثرة النعمة أو كثرة التنعم {كَبِيراً} لسعته أو لاستئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام.(3/403)
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)
21 - {طَهُوراً} لا يبولون منه ولا يحدثون عنه بل عرق يفيض من أعراضهم كريح المسح أو لأنها طاهرة بخلاف خمر الدنيا أو ليس في أنهار الجنة نجاسة خلاف أنهار الدنيا.
{إنا نحنُ نزلنا عليكَ القرآنَ تنزيلاً (23) فاصبر لحكمْ ربكَ ولا تطعْ منهمْ ءاثماً أوْ كفوراً (24) واذكر اسمَ ربكَ بكرةً وأصيلاً (25) ومنَ الَّيلِ فاسجدْ لهُ وسبحْهُ ليلاً طويلاً (26) إنَّ هؤلاء يحبونَ العاجلةَ ويذَرُونَ وراءهمْ يوماً ثقيلاً (27) نحنُ خلقناهمْ وشددنا أسرهمْ وإذا شئنا بدلنا أمثالهمْ تبديلاً (28) إنَّ هذهِ تذكرةٌ فمن شاءَ اتخذَ إلى ربهِ سبيلاً (29) وما تشاءونَ إلاَّ أن يشاءَ اللهُ إنَّ اللهَ كانَ عليماً حكيماً (30) يدخلُ من يشاءُ في رحمتهِ والظالمينَ أعدَّ لهمْ عذاباً أليماً (31) }(3/403)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)
24 - {إثما} بالمعاصي {أَوْ كَفُوراً} بالنعم قيل أراد أبا جهل.(3/403)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)
25 - {بُكْرَةً} صلاة الصبح {وَأَصِيلاً} الظهر والعصر.(3/403)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)
26 - {فَاسْجُدْ لَهُ} المغرب والعشاء {وَسَبِّحْهُ} بتطوع الليل وكل تسبيح في القرآن فهو صلاة " ع " وسفيان الثوري.(3/403)
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)
28 - {أَسْرَهُمْ} مفاصلهم أو خلقهم " ع " أو قوتهم.(3/404)
سورة المُرْسَلات
مكية أو إلا آية {وإذا قيل لهم اركعوا} [48] " ع ".
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والمرسلاتِ عرفاً (1) فالعاصفاتِ عصفاً (2) والناشرات نشراً (3) فالفارقات فرقاً (4) فالملقياتِ ذكراً (5) عذراً أو نذراً (6) إنما توعدونَ لواقعٌ (7) فإذا النجومُ طمستْ (8) وإذا السماءُ فرجتْ (9) وإذا الجبالُ نسفَتْ (10) وإذا الرسُلُ أقتتْ (11) لأي يومٍ أجلتْ (12) ليومِ الفصلِ (13) وما أدراكَ ما يومُ الفصلِ (14) ويلٌ يومئذٍ للمكذبينَ (15) }(3/405)
وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)
1 - {وَالْمُرْسَلاتِ} الملائكة ترسل بالمعروف أو الرسل ترسل بما يعرفون به [214 / أ] / من المعجزات أو الرياح ترسل بما عرفها الله تعالى {عُرْفاً} متتابعات كعرف الفرس أو جاريات " ح " في القلوب أو معروفات في العقول.(3/405)
فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2)
2 - {فَالْعَاصِفَاتِ} الرياح أو الملائكة {عَصْفاً} ما تذروه في جريها أو ما تهلكه بشدّتها.(3/405)
وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3)
3 - {وَالنَّاشِرَاتِ} الرياح تنشر السحاب أو الملائكة تنشر الكتب أو المطر ينشر النبات أو البعث ينشر الأرواح أو الصحف تنشر بأعمال العباد.(3/405)
فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4)
4 - {فَالْفَارِقَاتِ} الملائكة تفرق بين الحق والباطل " ع " أو الرسل تفرق بين الحلال والحرام أو الرياح أو القرآن فرق آية آية أو لفرقه بين الحق والباطل.(3/405)
فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5)
5 - {فَالْمُلْقِيَاتِ} الملائكة يلقون الوحي إلى الرسل أو الأنبياء أو الرسل(3/405)
يلقون ما أنزل إلى أممهم.(3/406)
عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)
6 - {عُذْراً} من الله تعالى إلى العباد أو إنذاراً بالعذاب وهو الملائكة أو الرسل أو القرآن.
7 - {لَوَاقِعٌ} بكم.(3/406)
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8)
8 - {طُمِسَتْ} محي نورها كطمس الكتاب.(3/406)
وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9)
9 - {فُرِجَتْ} فتحت وشقت.(3/406)
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)
10 - {نُسِفَتْ} ذهبت وسويت بالأرض.(3/406)
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11)
11 - {أُقِّتَتْ} وعدت أو أجلت أو جمعت {وُقِتَتْ} عرفت ثوابها.
{ألمْ نهلكِ الأولينَ (16) ثمَّ نتبعُهُمُ الأخرينَ (17) كذلكَ نفعلُ بالمجرمينَ (18) ويلٌ يومئذٍ للمكذبينَ (19) ألم نخلقكم من ماءٍ مهينٍ (20) فجعلناهُ في قرارٍ مكينٍ (21) إلى قدرٍ معلومٍ (22) فقدرنَا فنعمَ القادرونَ (23) ويلٌ يومئذٍ للمكذبينَ (24) ألمْ نجعلِ الأرضَ كفاتاً (25) أحياءً وأمواتاً (26) وجعلنا فيها رواسي شامخاتٍ وأسقيناكمْ ماءً فراتاً (27) ويلٌ يومئذٍ للمكذبينَ (28) }(3/406)
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16)
16 - {الأولين} قوم نوح عليه الصلاة والسلام أو كل أمّة استؤصلت بالتكذيب.(3/406)
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17)
17 - {نُتْبِعُهُمُ الأَخِرِينَ} في الإهلاك بالسيف أو بعذاب الآخرة.(3/406)
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20)
20 - {مَّآءٍ مَّهِينٍ} صفوة الماء " ع " أو ضعيف أو سائل.(3/406)
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21)
21 - {قَرَارٍ مَّكِينٍ} الرحم لا يؤذيه حر ولا برد أو مكان حريز.(3/406)
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)
23 - {قدَّرنا} وقَدَرنا واحد أو بالتخفيف ملكنا وبالتشديد قضينا.(3/407)
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25)
25 - {كِفَاتاً} كِنَّا " ع " أو وعاء أو مجمعاً أو غطاء.(3/407)
أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)
26 - {أَحْيَآءً} يجمعهم أحياء على ظهرها {وَأَمْوَاتاً} في بطنها أو الأرض منها أحياء بالنبات وأموات بالخراب والجفاف.
{انطلقواْ إلى ما كنتمْ بهِ تكذبونَ (29) انطلقوا إلى ظلٍّ ذي ثلاثِ شعبٍ (30) لا ظليلٍ ولا يغني من اللهب (31) إنها ترمي بشرر كالقصر (32) كأنه جمالتُ صفرٌ (33) ويلٌ يومئذٍ للمكذبينَ (34) هذا يومُ لا ينطقونَ (35) ولا يؤذنُ لهمْ فيعتذرونَ (36) ويلٌ يومئذٍ للمكذبينَ (37) هذا يومُ الفصلِ جمعناكمْ والأولينَ (38) فإن كان لكم كيدٌ فيكدونِ (39) ويلٌ يومئذٍ للمكذبينَ (40) }(3/407)
انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30)
30 - {شعيب} الضريع والزقوم والغسلين أو لدخانها ثلاث شعب تحيط به شعبة فوقه وشعبة عن يمينه وشعبة عن شماله.(3/407)
لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)
31 - {لا ظَلِيلٍ} يدفع الأذى {اللَّهَبِ} ما يعلو النار المضطرمة من أصفر وأحمر وأخضر.(3/407)
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)
32 - {كَالْقَصْرِ} أصول الشجر العظام أو قصر البناء أو الجبل أو أعناق الدواب أو خشبة كان [أهل] الجاهلية يعضدونها نحو ثلاثة أذرع يسمونها القصر " ع " {والشرر} ما يتطاير من النار.(3/407)
كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)
33 - {جمالات صُفْرٌ} سود لأنّ سوادها يضرب إلى الصفرة شبهها بها في سرعة سيرها أو في متابعة بعضها بعضاً، أو قُلُوس السفن " ع " أو قطع النحاس " ع ".(3/408)
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)
39 - {كيد} حيلة أو امتناع منا.
{إنَّ المتقينَ في ظلالٍ وعيونٍ (41) وفواكهَ مما يشتهونَ (42) كلوا واشربواْ هنيئاً بما كنتمْ تعملونَ (43) إنَّا كذلك نجزي المحسنينَ (44) ويلٌ يومئذٍ للمكذبينَ (45) كلوا وتمتعواْ قليلاً إنكمْ مجرمونَ (46) ويلٌ يومئذٍ للمكذبينَ (47) وإذا قيلَ لهمُ اركعواْ لا يركعونَ (48) ويلٌ يومئذٍ للمكذبينَ (49) فبأي حديث بعدهُ يؤمنونَ (50) }(3/408)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)
48 - {ارْكَعُواْ} يقال لهم ذلك في الآخرة تقريعاً أو نزلت في ثقيف لما امتنعوا من الصلاة والركوع هنا الصلاة.(3/408)
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
50 - {فبأي} كتاب بعد القرآن تصدّقون.(3/408)
سورة عم يتساءلون
سُورة النبإ
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{عمَّ يتساءلونَ (1) عن النبإ العظيمِ (2) الذي همْ فيهِ مختلفونَ (3) كلا سيعلمونَ (4) ثُمَّ كلاَّ سيعلمونَ (5) ألمْ نجعلِ الأرضَ مهاداً (6) والجبالَ أوتاداً (7) وخلقناكمْ أزواجاً (8) وجعلنا نومكُمْ سباتاً (9) وجعلنا الَّيْلَ لباساً (10) وجعلنا النهارَ معاشاً (11) وبنينا فوقكمْ سبعاً شداداً (12) وجعلنا سراجاً وهاجاً (13) وأنزلنا من المعصراتِ ماءً ثجاجاً (14) لنخرجَ به حبًّا ونباتاً (15) وجناتٍ ألفافاً (16) }(3/409)
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)
1 - {يتساءلون} [214 / ب] / لما بعث الرسول [صلى الله عليه وسلم] تنازعت قريش فيما دعا إليه واختصموا.(3/409)
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)
2 - {النَّبَإِ الْعَظِيمِ} القرآن أو البعث أو القيامة أو أمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] .(3/409)
الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)
3 - {مختلفون} اختلفت المسلمون والمشركون فَصدَّق المسلمون وكَذَّب المشركون أو اختلف المشركون فمصدق ومكذب.
4 - و 5 - {سيعلمون} وعيد للكافر بعد وعيد فالأول بعذاب القيامة والثاني وعيد لهم بعذاب النار " ح " أو الأول وعيد لهم بالنار والثاني وعد للمؤمنين بالجنة قاله الضحاك.(3/409)
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
9 - {سُبَاتاً} نعاساً أو سكناً أو راحة، يوم السبت للراحة فيه سبت الرجل: استراح أو قطعاً للأعمال السبت القطع سبت شعره قطعه، يوم السبت: لانقطاع العمل فيه.(3/410)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)
10 - {لِبَاساً} سكناً أو غشاء لستره الأشياء كالثوب.(3/410)
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)
11 - {مَعَاشاً} سمي الكسب معاشاً لأنه يعاش به.(3/410)
وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)
13 - {وَهَّاجاً} مضيئاً " ع " أو متلألئاً أو من وهج الحرّ أو وقاداً جمع الضياء والحَمَى، والسراج هنا: الشمس.(3/410)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)
14 - {الْمُعْصِرَاتِ} الرياح " ع " أو السحاب أو السماء " ح " {ثَجَّاجاً} كثيراً أو منصباً " ع ".(3/410)
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15)
15 - {حَبّاً} ما كان في كمام الزرع المحصود والنبات الذي يُرعى أو الحب اللؤلؤ والنبات العشب قال عكرمة: ما نزلت قطرة من السماء إلا نبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة.(3/410)
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)
16 - {أَلْفَافاً} الزرع المجتمع بعضه إلى بعض أو الشجر الملتف بالثمر أو البساتين ذوات الألوان.
{إن يومَ الفصلِ كان ميقاتاً (17) يومَ ينفخُ في الصورِ فتأتونَ أفواجاً (18) وفتحتِ السماءُ فكانتْ أبواباً (19) وسيرَتِ الجبالُ فكانتْ سراباً (20) إنَّ جهنَّمَ كانتْ مرصاداً (21) للطاغينَ مئاباً (22) لابثينَ فيها أحقاباً (23) لا يذوقونَ فيها برداً ولا شراباً (24) إلاَّ حميماً وغسَّاقاً (25) جزاءً وفاقاً (26) إنهم كانوا لاَ يرجونَ حساباً (27) وكذبواْ بآياتنا كذاباً (28) وكلَّ شيءٍ(3/410)
أحصيناهُ كتاباً (29) فذوقواْ فلن نزيدكمْ إلاَّ عذاباً (30) }(3/411)
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17)
17 - {الفَصْل} بين الأولين والآخرين {مِيقَاتاً} للثواب والعقاب أو ميعاداً للجمع.(3/411)
وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)
20 - {وسُيِّرت} أزيلت عن مواضعها أو نسفت من أصولها {سَرَاباً} هباءً أو كالسراب الذي يظن أنَّه ماء وليس بماء.(3/411)
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21)
21 - {مِرْصَاداً} راصدة تجازيهم بأعمالهم أو عليها رصد فمن جاء بجواز جاز ومن لم يجىء بجواز حبس " ح " أو المرصاد وعيد من الله تعالى وعد به الكفار.(3/411)
لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22)
22 - {لِّلطَّاغِينَ} في الدين بالكفر وفي الدنيا بالظلم {مَآباً} مرجعاً أو مأوى ومنزلاً.(3/411)
لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)
23 - {أَحْقَاباً} بعد أحقاب أبداً، والحقب: ثمانون سنة أو أربعون سنة أو سبعون أو ثلاثمائة أو سبعون ألفاً " ح " أو دهر طويل غير محدود أو ألف شهر عبر عن خلودهم بتتابع الأحقاب عليهم، أو حد عذابهم بالحميم والغساق بالأحقاب فإذا انقضت الأحقاب عذبوا بغير ذلك من العذاب.(3/411)
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)
24 - {بَرْداً} راحة أو برد الهواء أو النوم.
(بردت مراشفها عَليّ فصدني ... عنها وعن تقبيلها البرد)
{وَلا شَرَاباً} عذباً.(3/411)
إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)
25 - {حَمِيماً} حاراً محرقاً أو دموعهم تجمع في حياض في النار فيسقونها أو نوع من شراب أهل النار. {وَغَسَّاقاً} القيح الغليظ أو الزمهرير المحرق برده " ع " أو صديد أهل النار أو المنتن.(3/412)
جَزَاءً وِفَاقًا (26)
26 - {وفاقا} جمع وفق، وافق [215 / أ] / سوء الجزاء سوء العمل.(3/412)
إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)
27 - {لا يَرْجُونَ} ثواباً ولا يخافون عقاباً " ع " أو لا يخافون وعد الله بالحساب والجزاء.
{إن للمتقينَ مفازاً (31) حدائقَ وأعناباً (32) وكواعبَ أتراباً (33) وكأساً دهاقاً (34) لا يسمعونَ فيها لغواً ولا كذاباً (35) جزاءً من ربكَ عطاءً حساباً (36) }(3/412)
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31)
31 - {مَفَازاً} منتزهاً أو فوزاً بالنجاة من النار والعذاب بالجنة والرحمة.(3/412)
وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33)
33 - {وَكَوَاعِبَ} نواهد " ع " أو عذارى {أَتْرَاباً} أقراناً أو أمثالاً أو متصافيات أو متواخيات.(3/412)
وَكَأْسًا دِهَاقًا (34)
34 - {دِهَاقاً} مملوءة " ع " أو متتابعة مع بعضها بعضاً أو صافية.(3/412)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35)
35 - {كِذَّاباً} لغواً باطلاً " ع " أو حلفاً عند شربها أو شتماً أو معصية، كذاباً، لا يكذب بعضهم بعضاً أو الخصومة أو المأثم {فِيهَا} في الجنة أو في شرب الخمر.(3/412)
جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)
36 - {حِسَاباً} كافياً أو كثيراً أو حاسبهم فأعطاهم بالحسنة عشراً.
{ربِّ السموات والأرضِ ومَا بينهما الرحمنِ لا يملكونَ منهُ خطاباً (37) يومَ يقومُ الروحُ والملائكةُ صفاً لا يتكلمونَ إلاَّ منْ أذنَ لهُ الرحمنُ وقالَ صواباً (38) ذلكَ اليومُ الحقُّ فمن شاءَ اتخذَ إلى ربهِ مئاباً (39) إنَّا أنذرناكمْ عذاباً قريباً يومَ ينظرُ المرءُ ما قدمتْ يداهُ ويقولُ الكافرُ يليتني كنتُ تراباً (40) }(3/412)
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)
38 - {الروح} خلق كهيئة الناس وليسوا بناء وهم جند لله تعالى أو(3/412)
أشراف الملائكة أو حفظة على الملائكة أو جبريل عليه السلام أو ملك من أعظم الملائكة خلقاً " ع " أو أرواح بني آدم تقوم صفاً والملائكة صفاً أو بنو آدم أو القرآن {لا يَتَكَلَّمُونَ} لا يشفعون {إِلا مَنْ أّذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} في الشفاعة " ح " أو لا يتكلمون بشيء إلا من أذن له الرحمن بشهادة أن لا إله إلا الله. {صَوَاباً} حقاً أو قول لا إله إلا الله أو قول الروح يومئذٍ " لا تُدخل الجنة إلا بالرحمة ولا النار إلا بالعمل " ح ".(3/413)
ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39)
39 - {الْيَوْمُ الْحَقُّ} لأن مجيئه حق أو لأنه يحكم فيه بالحق {مَآباً} سبيلاً أو مرجعاً.(3/413)
إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)
40 - {قَرِيباً} في الدنيا أو يوم بدر أو عذاب القيامة كل آت قريب {الْمَرْءُ} ينظر المؤمن ما قدم من خير {وَيَقُولُ الْكَافِرُ} يبعث الحيوان فيقاد للموقوذة والمركوضة والمنطوحة من الناقرة والراكضة والناطحة ثم يقال كونوا تراباً بلا جنة ولا نار فيقول الكافر يا ليتني كنت تراباً صرت اليوم تراباً بلا جنة ولا نار أو ليتني كنت مثل هذا الحيوان في الدنيا فأكون اليوم تراباً قيل نزلت {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} في أبي سلمة بن عبد الأسد {وَيَقُولُ الْكَافِرُ} في أخيه الأسود بن عبد الأسد.(3/413)
سُورة النازعات
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والنازعاتِ غرقاً (1) والناشطاتِ نشطاً (2) والسابحاتِ سبحاً (3) فالسابقاتِ سبقاً (4) فالمدبراتِ أمراً (5) يومَ ترجفُ الراجفةُ (6) تتبعها الرادفةُ (7) قلوبٌ يومئذٍ واجفةٌ (8) أبصارها خاشعةٌ (9) يقولونَ أءنا لمردودونَ في الحافرةِ (10) أءذا كنا عظاماً نخرةً (11) قالوا تلكَ إذاً كرةٌ خاسرةٌ (12) فإنما هيَ زجرةٌ واحدةٌ (13) فإذا هم بالساهِرَةِ (14) }(3/414)
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1)
1 - {وَالنَّازِعَاتِ} الملائكة تنزع نفوس بني آدم أو الموت ينزع النفوس أو النفس حين تُنزع أو النجوم تنزع من أفق إلى أفق ومن مشرق إلى مغرب " ح " أو القسيّ تنزع بالسهم أو الوحش تنزع وتنفر {غَرْقاً} إبعاداً في النزع.(3/414)
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17)
17 - {وَالنَّاشِطَاتِ} الملائكة تُنشط أرواح المؤمنين بسرعة كنشط العقال " ع " أو النجوم تنشط من مطالعها إلى مغاربها أو الموت ينشط نفس الإنسان أو النفس حين تنشط بالموت أو الأوهاق أو الوحش حين ينشط من بلد إلى بلد.(3/414)
وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)
3 - {وَالسَّابِحَاتِ} الملائكة سبحوا إلى الطاعة قبل بني آدم أو النجوم تسبح في فلكها أو الموت [215 / ب] / يسبح في النفوس أو السفن تسبح في الماء أو الخيل.(3/414)
فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)
4 - {فَالسَّابِقَاتِ} الملائكة سبقت إلى الإيمان أو تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء أو النجوم تسبق بعضها بعضاً أو الموت يسبق إلى النفس أو النفس تسبق بالخروج عند الموت أو الخيل.
5 - و 7 - {فَالْمُدَبِرَّاتِ} الملائكة تدبر ما أمرت به وأرسلت فيه أو ما وكلت به من الرياح والأمطار أو المدبرات الكواكب السبعة قاله معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه تدبر طلوعها وأفولها أو ما قضاه الله تعالى فيها من تقليب الأحوال. أقسم بهذه الأشياء أو بربها وخالقها وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثنَّ ثم لتحاسبنّ أو قوله {إِنَّ فِي ذلك لعبرة} [26] . أو {يوم ترجف الراجعة} القيامة {الرَّادِفَةُ} البعث " ع " أو النفخة الأولى تميت الأحياء والنفخة الثانية تحيي الموتى وبينهما أربعون سنة فالأولى من الدنيا والثانية من الآخرة أو {الرَّاجِفَةُ} الزلزلة التي ترجف الأرض والجبال والرادفة إذا دكتا دكة واحدة.(3/415)
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)
8 - {وَاجِفَةٌ} خائفة أو طائرة عن أماكنها.(3/415)
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)
9 - {خَاشِعَةٌ} ذليلة أو شاخصة.(3/415)
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10)
10 - {الْحَافِرَةِ} الحياة بعد الموت " ع " أو الأرض المحفورة أو النار أو الرجوع إلى الحالة الأولى تكذيباً بالبعث رجع فرن على حافرته إذا رجع من حيث جاء.(3/415)
أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11)
11 - {نَّخِرَةً} بالية أو عفنة أو مجوفة تدخلها الريح فتنخر أي تصوت {ناخرة} تنخر فيها الريح.(3/416)
قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)
12 - {خَاسِرَةٌ} ليست بكائنة لا يجيء منها شيء كالخسران أو إن بعثنا لنخسرن بالنار.(3/416)
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13)
13 - {زَجْرَةٌ} غضبة واحدة أو نفخة واحدة تحيي جميع الخلق.(3/416)
فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
14 - {بِالسَّاهِرَةِ} وجه الأرض لأنّ فيه نوم الحيوان وسهره أو اسم مكان بالشام وهو الصقع الذي بين جبل أريحا وجبل حسَّان ويمده الله تعالى كيف شاء أو جبل بيت المقدس أو جهنم قاله قتادة.
{هلْ أتاكَ حديثُ موسى (15) إذْ ناداهُ ربهُ بالوادِ المقدَّسِ طوىً (16) اذهبْ إلى فرعونَ إنهُ طغَى (17) فقلْ هلْ لكَ إلى أن تزكَّى (18) وأهديكَ إلى ربكَ فتخشى (19) فأراهُ الآيةَ الكبرى (20) فكذبَ وعصى (21) ثُمَّ أدبرَ يسعى (22) فحشرَ فنادى (23) فقالَ أناْ ربكمْ الأعلى (24) فأخذهُ اللهُ نكالَ الآخرةِ والأولى (25) إنَّ في ذلك لعبرةً لمن يخشى (26) }(3/416)
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)
16 - {بِالْوَادِ} واد بأيلة أو بفلسطين " ح " {الْمُقَدَّسِ} المبارك أو المطهر قدس مرتين " ح " {طُوىً} اسم للوادي أو لأنه مرَّ به ليلا وطواه " ع " أو لأنه طوي بالبركة أو يعني طأ الأرض بقدمك قاله عكرمة ومجاهد.(3/416)
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18)
18 - {تزكى} تسلم أو تعمل خيراً.(3/417)
فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20)
20 - {الآية الأكبرى} عصاه ويده " ح " أو الجنة والنار.(3/417)
فَحَشَرَ فَنَادَى (23)
23 - {فَحَشَرَ} السحرة للمعارضة ونادى جنده للمحاربة أو حشر الناس للحضور {فَنَادَى} فخطب عليهم.(3/417)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25)
25 - {نَكَالَ الأَخِرَةِ} عذاب الدنيا والآخرة، في الدنيا بالغرق وبالنار في الآخرة أو عذاب أول عمره وآخره أو الأول قوله {ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِى} [القصص: 38] والآخر قوله {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى} وكان بينهما أربعون سنة " ع " أو ثلاثون وبقي بعد الآخرة ثلاثين سنة أو عذاب أول النهار وآخره بالنار {النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر: 46] .
{ءأنتمْ أشدُّ خلقاً أمْ السماءُ بناها (27) رفعَ سمكَهَا فسواها (28) وأغطشَ ليلها وأخرجَ ضُحاها (29) والأرضَ بعدَ ذلكَ دحاها (30) أخرجَ منها ماءها ومرعاها (31) والجبالَ أرساها (32) متاعاً لكمْ ولأنعامكمْ (33) }(3/417)
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)
29 - {أغطش} أظلم {ضُحَاهَا} أخرج شمسها " ع " أو أضاء نهارها وأضاف الليل والنهار [216 / أ] / إلى السماء لأنّ منها الظلمة والضياء.(3/417)
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)
30 - {بَعْدَ ذَلِكَ} مع ذلك أو خلق الأرض قبل السماء ثم دحاها بعد السماء {دَحَاهَآ} بَسَطَها " ع " ودحيت من موضع الكعبة أو من مكة أو حرثها وشقها أو سواها.
{فإذا جاءتْ الطامَّةُ الكبرى (34) يومَ يتذكرُ الإنسانُ ما سعى (35) وبرزتِ الجحيمُ لمن يرى (36) فأمَّا من طغى (37) وءاثرَ الحياةَ الدنيا (38) فإنَّ الجحيمَ هيَ المأوى (39) وأمَّا منْ خافَ مقامَ ربِّهِ(3/417)
ونهى النفسَ عنِ الهوىَ (40) فإنَّ الجنةَ هيَ المأوى (41) يسألونَكَ عنِ الساعةِ أيانَ مرساها (42) فيمَ أنتَ من ذكراها (43) إلى ربكَ منتهاها (44) إنما أنتَ منذرُ من يخشاها (45) كأنهمْ يومَ يرونها لمْ يلبثوا إلاَّ عشيةً أو ضحاها (46) }(3/418)
فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)
34 - {الطَّآمَّةُ} النفخة الآخرة " ح " أو الساعة طمت كل داهية أو اسم للقيامة " ع " أو سوق أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار والطامة في اللغة الغاشية أو الغامرة أو الهائلة تطم كل شيء أي تغطيه.(3/418)
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)
40 - {مَقَامَ رَبِّهِ} يخافه في الدنيا عند مواقعة الذنب فيقلع أو يخاف وقوفه في الآخرة بين يديه للحساب {وَنَهَى} زجر نفسه عن المعاصي. قيل نزلت في مصعب بن عمير.(3/418)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)
42 - {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} متى منتهاها أو زمانها سألوا عنها استهزاء فنزلت.(3/418)
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43)
43 - {فِيمَ أَنتَ} فيم يسألونك عنها وأنت لا تعلمها أو فيما تسأل عنها وليس لك السؤال عنها.(3/418)
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)
46 - {عَشِيَّةَ} ما بعد الزوال {أَوْ ضُحَاهَا} في الدنيا وهو ما قبل الزوال.(3/418)
سورة عبس
مكية
نزلت في ابن أم مكتوم عبد الله بن زائدة أتى الرسول [صلى الله عليه وسلم] يستقرئه وهو يناجي بعض عظماء قريش أمية بن خلف أو عتبة وشيبة فأعرض الرسول [صلى الله عليه وسلم] عنه وعبس في وجهه فعوتب في إعراضه.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{عبس وتولى (1) أن جاءه الأعمى (2) وما يدريك لعله يزكى (3) أو يذكر فتنفعه الذكرى (4) أما من استغنى (5) فأنت له تصدى (6) وما عليك ألا يزكى (7) وأما من جاءك يسعى (8) وهو يخشى (9) فأنت عنه تلهى (10) كلا إنها تذكرة (11) فمن شاء ذكره (12) في صحفٍ مكرمة (13) مرفوعة مطهرة (14) بأيدي سفرة (15) كرامٍ بررة (16) }(3/419)
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
1 - {عَبَسَ وَتَوَلَّى} قطب وأعرض.
3 -،(3/420)
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)
4 - {يَزَّكَّى} يؤمن أو يتعبد بالأعمال الصالحة أو يحفظ ما تتلوه عليه من القرآن ويتفقَّه في الدين، " أ " صلة تقديره يزكى ويذكر. {يذكر} يتّعظ أو يتفقَّه كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] إذا رآه مقبلاُ بسط له رداءه حتى جلس عليه إكراماً له " ع ".(3/420)
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)
11 - {إِنَّهَا} هذه السورة أو القرآن.(3/420)
فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12)
12 - {فَمَن شَآءَ} الله تعالى ألهمه الذكر أو من شاء أن يتذكر بالقرآن أذكره الله.(3/420)
فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13)
13 - {مُّكَرَّمَةٍ} عند الله تعالى أو في الدين لما فيها من العلم أو لأنه نزل بها كرام الحفظة.(3/420)
مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)
14 - {مَّرْفُوعَةٍ} في السماء أو في قدرها وشرفها {مُّطَهَّرَةٍ} من الدنس أو الشرك أو من أن تنزل على المشركين أو لا يمسها إلا المطهرون.(3/420)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)
15 - {سَفَرَةٍ} الملائكة لأنهم سفرة بين الله تعالى ورسله، سفر بين القوم: إذا بلَّغ أو القراء لأنهم يقرءون الأسفار أو الكتبة " ع " سفر سفراً إذا كتب قيل للكتاب سفر وللكاتب سافر من تبيين الشيء وإيضاحه ومنه إسفار الصبح: وضوحه، وسفرت المرأة: كشفت نقابها.(3/420)
كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
16 - {كِرَامٍ} على الله تعالى أو عن المعاصي أو يتكرمون على من باشر زوجته بالستر عليه دفاعاً عنه وصيانة له {بَرَرَةٍ} مطيعين أو صادقين واصلين أو متّقين مطهرين.
{قُتِلَ الإنسان ما أكفره (17) من أي شيء خلقه (18) من نطفة خلقه فقدره (19) ثم السبيل يسره (20) ثم أماته فأقبره (21) ثم إذا شاء أنشره (22) كلا لما يقض ما أمره (23) فلينظر الإنسان إلى طعامه (24) }(3/420)
{أنا صببنا الماء صبا (25) ثم شققنا الأرض شقا (26) فأنبتنا فيها حبا (27) وعنباً قضبا (28) وزيتوناً ونخلاً (29) وحدائق غلبا (30) وفاكهة وأباً (31) متاعاً لكم ولأنعامكم (32) }(3/421)
قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)
17 - {قُتِلَ} عذب أو لعن {الإِنسَانُ} كل كافر أو أمية بن خلف أو عتبة بن أبي لهب حين قال كفرت [216 / ب] / برب النجم إذا هوى فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " اللهمّ سلّط عليه كلبك " فأخذه الأسد في طريق الشام. {مَآ أَكْفَرَهُ} ما أشدّ كفره أو أي شيء أكفره على جهة الاستفهام أو ما ألعنه.(3/421)
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)
20 - {السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} خروجه من بطن أمه أو سبيل السعادة والشقاوة أو الهدى والضلالة.(3/421)
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)
21 - {فَأَقْبَرَهُ} جعل له من يقبره أو جعله ذا قبر يدفن فيه.(3/421)
كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)
23 - {لَمَّا يَقْضِ} لا يفعل الكافر ما أمرته من الطاعة والإيمان أو عامة في المؤمن والكافر أو لا يقضي أحد أبداً كل ما فرض عليه.(3/421)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)
24 - {طَعَامِهِ} الذي يحيى به من أي شيء هو أو ما يخرج منه أي شيء كان ثم كيف صار بعد حفظ الحياة ونمو الجسد.(3/421)
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)
26 - {شققنا الأرض} للنبات.(3/422)
وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28)
28 - {قضبا} القت والعلف لأنه يقضب بعد ظهوره.(3/422)
وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)
30 - {وَحَدَآئِقَ} ما التف واجتمع " ع " أو نبت الشجر كله أو ما أحيط عليه من النخل والشجر وما لم يحط فليس بحديقة {غُلْباً} نخلاً كراماً " ح " أو شجراً طوالاً غلاظاً والأغلب الغليظ.(3/422)
وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)
31 - {وَأَبّاً} مرعى البهائم " ع " أو كل ما نبت على وجه الأرض أو كل نبات سوى الفاكهة والثمار الرطبة أو التبن خاصة أو يابس الفاكهة وهذا مثل ضرب لقدرته على البعث.
{فإذا جاءت الصاخة (33) يوم يفر المرء من أخيه (32) وأمه وأبيه (35) وصاحبته وبنيه (36) لكل امرئٍ منهم يومئذ شأنٌ يغنيه (37) وجوه يومئذ مسفرة (38) ضاحكة مستبشرة (39) ووجوه يومئذ عليها غبرة (40) ترهقها قترة (41) أولئك هم الكفرة الفجرة (42) }(3/422)
فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
33 - {الصَّآخَّةُ} النفخة الثانية يصيخ الخلائق لاستماعها أو اسم للقيامة لإصاخة الخلق إليها من الفزع " ع ".(3/422)
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
34 - {يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} الآية لما بينهم من التبعات أو حتى لا يروا عذابه أو لاشتغاله بنفسه.(3/422)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)
38 - {مُّسْفِرَةٌ} مشرقة أو فرحة.(3/422)
تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)
41 - {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} تغشاها شدّة وذلّة " ع " أو خزي أو سواد أو غبار أو كسوف الوجه، القترة: ما ارتفعت إلى السماء والغبرة ما انحطت إلى الأرض.(3/422)
سورة إذا الشمس كورت
سورة التكوير
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إذا الشمس كورت (1) وإذا النجوم انكدرت (2) وإذا الجبال سيرت (3) وإذا العشار عطلت (4) وإذا الوحوش حشرت (5) وإذا البحار سجرت (6) وإذا النفوس زوجت (7) وإذا الموءودة سئلت (8) بأي ذنب قتلت (9) وإذا الصحف نشرت (10) وإذا السماء كشطت (11) وإذا الجحيم سعرت (12) وإذا الجنة أزلفت (13) علمت نفسٌ ما أحضرت (14) }(3/423)
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)
1 - {كُوِّرَتْ} ذهب نورها " ع " أو غُوِّرت أو اضمحلت أو نكست أو جمعت فألقيت ومنه كارة الثياب لجمعها.(3/423)
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)
2 - {انكَدَرَتْ} تناثرت أو تساقطت أو تغيرت " ع " سميت نجوماً لظهورها في السماء.(3/423)
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)
3 - {سُيِّرت} ذهبت عن أماكنها فسويت بالأرض كما خلقت أول مرة ليس عليها جبل ولا فيها واد.(3/423)
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)
4 - {الْعِشَارُ} جمع عشراء وهي الناقة إذا صار لحملها عشرة أشهر وكانت أنفس أموالهم عندهم {عُطِّلَتْ} لم تحلب ولم تُصَر أو أهملت لاشتغالهم بأنفسهم من شدّة خوفهم.(3/423)
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)
5 - {حُشِرَتْ} جمعت أو اختلطت فصارت بين الناس أو حشرت للقيامة ليقتص للجماء من القرناء أو حشرها موتها " ع ".(3/424)
وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)
6 - {سُجِّرَتْ} فاضت أو يبست أو أرسل عذبها على مالحها ومالحها على عذبها فامتلأت أو فجرت فصارت بحراً واحداً أو سيرت كما تسير الجبال أو احمر ماؤها من قولهم عين سجراء أي حمراء أو أوقدت فاشتعلت ناراً " ع " أو جعل ماؤها شراباً يعذب به [217 / أ] / أهل النار.(3/424)
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)
7 - {زُوِّجَتْ} أي حشر أهل الخير مع أهل الخير إلى الجنة وأهل الشرّ مع أهل الشر إلى النار أو يزوج رجال أهل الجنة بنسائها ورجال أهل النار بنسائها أو زوجت الأرواح بالرد إلى الأجساد فصارت زوجاً لها أو قرن كل غاوٍ بمن أغواه من شيطان أو إنسان.(3/424)
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)
8 - {والموءودة} المدفونة حية خوف سبيها واسترقاقها أو خشية الفقر وكان أشرافهم لا يفعلون ذلك سميت بذلك لموتها بثقل التراب. {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة: 255] لا يثقله. {سُئِلَتْ} لم قتلت توبيخاً للقاتل تقول لا ذنب لي وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {سألت} أي سألت قاتلها لم قتلتني فلا يكون له عذر.(3/424)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)
10 - {الصُّحُفُ} صحائف الأعمال تطوى بالموت وتنشر في القيامة ليقفوا على ما عملوا، فمن شدد {نُشِّرت} أراد التكرير للمبالغة في تقريع العاصي وتبشير الطائع أو تكرار ذلك من الإنسان أو الملائكة والشهداء عليه.(3/424)
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11)
11 - {كُشِطَتْ} ذهبت أو كسفت أو طويت.(3/424)
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12)
12 - {سُعِّرَتْ} أحميت أو أوقدت أو سعرها غضب الله تعالى من خطايا بني آدم.(3/424)
13 - {أزلفت} قربت.
{فلا أقسم بالخنس (15) الجوار الكنس (16) والليل إذا عسعس (17) والصبح إذا تنفس (18) إنه لقول رسول كريم (19) ذي قوة عند ذي العرش مكين (20) مطاع ثم أمين (21) وما صاحبكم بمجنون) 22) ولقد رءاه بالأفق المبين (23) وما هو على الغيب بضنين (24) وما هو بقول شيطانٍ رجيم (25) فأين تذهبون (26) إن هو إلا ذكر للعالمين (27) لمن شاء منكم أن يستقيم (28) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين (29) }(3/425)
فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)
15 - {الخنس} النجوم تخنس بالنهار إذا غربت أو خمسة منها زحل وعطارد والمشتري والمريخ والزهرة قاله علي رضي الله تعالى عنه خصّها بالذكر لاستقبالها الشمس أو لقطعها المجرة، أو بقر الوحش أو الظباء.(3/425)
الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)
16 - {الجواري} في سيرها {الْكُنَّسِ} الغيب مأخوذ من كناس الوحش الذي يختفي فيه أو بقر الوحش لاختفائها في كناسها، أو الظباء.(3/425)
وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)
17 - {عَسْعَسَ} أظلم أو ولى " ع " أو أقبل، والعس: الامتلاء ومنه القدح الكبير عس لامتلائه بما فيه فأطلق على إقبال الليل لابتداء امتلائه وعلى ظلامه لاستكمال امتلائه.(3/425)
17 - {وَالصُّبْحِ} طلوع الفجر أو طلوع الشمس قاله الضحاك {تنفس} بأن إقباله أو زاد وضوءه.(3/425)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
19 - {رَسُولٍ كَرِيمٍ} جبريل عليه السلام أو النبي [صلى الله عليه وسلم] .(3/425)
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)
21 - {مُّطَاعٍ ثَمَّ} في السماء عند الملائكة {أَمِينٍ) عند الله تعالى.(3/426)
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)
23 - {ولقد رآه} محمد [صلى الله عليه وسلم] رأى ربه أو رأى جبريل عليه السلام على صورته ببصره " ع " أو بقلبه {بِالأُفُقِ} مطلع الشمس أو أقطار السماء ونواحيها وهو الأفق الشرقي أو الغربي أو نحو أجياد وهو مشرق مكة " {الْمُبِينِ} صفة للأفق أو لمن رآه ".(3/426)
وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)
24 - {الْغَيْبِ) {القرآن} (بظنين} بمتهم أن يأتي بما لم ينزل عليه " ع " أو بضعيف عن تأديته {بِضَنِينٍ} ببخيل أن يُعلِّم ما علم أو بمتهم. أن يؤدي ما لم يؤمر به.(3/426)
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)
26 - {تَذْهَبُونَ} إلى أين تعدلون عن كتاب الله تعالى وطاعته أو فأي طريق أهدى من الله تعالى.(3/426)
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)
29 - {وما تشاءون} الاستقامة على الحق [217 / ب] / {إِلآ أَن يَشَآءَ اللَّهُ} تعالى لكم وما تشاءون الهداية إلا أن يشاء الله تعالى إلى توفيقكم أو ما تشاءون التذكر بآية من القرآن إلاّ أن يشاء الله تعالى إنزالها عليكم، لما نزلت {لِمَن شَآءَ مِنكُمْ} قال أبو جهل ذاك إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فنزلت {وَمَا تشاءون} الآية.(3/426)
سورة إذا السماء انفطرت
سورة الانفطار
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إذا السماء انفطرت (1) وإذا الكواكب انتثرت (2) وإذا البحار فجرت (3) وإذا القبور بعثرت (4) علمت نفسٌ ما قدمت وأخرت (5) يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم (6) الذي خلقك فسواك فعدلك (7) في أي صورة ما شاء ركبك (8) كلا بل تكذبون بالدين (9) وإن عليكم لحافظين (10) كراماً كاتبين (11) يعلمون ما تفعلون (12) }(3/427)
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)
1 - {انفَطَرَتْ} انشقت أو سقطت.(3/427)
وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)
2 - {انتَثَرَتْ} سقطت سوداء لا ضوء لها.(3/427)
وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)
3 - {فُجِّرَتْ} يبست أو خرقت فصارت بحراً واحداً وكانت سبعة أبحر أو فجّر عذبها في مالحها ومالحها في عذبها.(3/427)
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)
4 - {بُعْثِرَتْ} بحثت وثورت " ع " قال الفراء فيخرج ما في بطنها من ذهب وفضة وذلك من أشراط الساعة ثم يخرج الموتى أو حركت للبعث أو بعث من فيها من الأموات.(3/427)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)
5 - {مَّا قَدَّمَتْ} من طاعة {وَأَخَّرَتْ} من حق الله تعالى " ع " أو ما عملت وما تركت أو ما قدّمت من الصدقات وما أخّرت من الميراث.(3/427)
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)
6 - {الإِنسَانُ} كل كافر أو أُبيّ بن خلف أو الأشد بن كلدة بن أسد الجمحي " ع " غره الشيطان أو جهله وحمقه قاله عمر رضي الله تعالى عنه. {الْكَرِيمِ} الذي يتجاوز ويصفح.(3/428)
فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)
8 - {فِى أَىِّ صُورَةٍ} شبه أب أو أم أو خال أو عم أو من حسن أو قبح أو طول أو قصر أو ذكر أو أنثى أو فيما شاء صور الخلق {رَكَّبَكَ} حتى صرت على صورتك التي أنت عليها لا يشبهك شيء من الحيوان.(3/428)
كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)
9 - {بِالدِّينِ} الإسلام أو الحساب والجزاء أو العدل والقضاء.(3/428)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10)
10 - {لَحَافِظِينَ} ملائكة، يحفظ كل إنسان ملكان، عن يمينه كاتب الحسنات والآخر عن يساره يكتب السيئات.(3/428)
كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)
11 - {كراما} على الله تعالى أو بالإيمان أو لأنهما لا يفارقان ابن آدم إلا عند الغائط والجماع يعرضان عنه ويكتبان ما تكلم به.
{إن الأبرار لفي نعيم (13) وإن الفجار لفي جحيم (14) يصلونها يوم الدين (15) وما هم عنها بغائبين (16) وما أدراك ما يوم الدين (17) ثم ما أدراك ما يومُ الدين (18) يومَ لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئاً والأمر يومئذ لله (19) }
13 -،(3/428)
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)
14 - {نَعِيمٍ} الجنة، {جَحِيمٍ} النار.(3/428)
وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)
16 - {وَمَا هُمْ} عن القيامة أو النار {بِغَآئِبِينَ} .(3/428)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17)
17 - {وَمَآ أَدْرَاكَ} كرّر ذلك تعظيماً لشأنه أو الأول خطاب للفجار ترهيباً والثاني خطاب للأبرار ترغيباً.(3/428)
ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18)
18 - {لا تَمْلِكُ} مخلوق لمخلوق نفعاً ولا ضراً {والأمر} والأجر في الثواب والعقاب أو العفو والانتقام لله تعالى.(3/428)
سورة المطففين
مكية أو مدنية إلا ثمان آيات من قوله: {إن الذين أجرموا} [29] إلى آخرها مكي أو نزلت بين مكة والمدينة وكان أهل المدينة من أخبث الناس كيلاً إلى أن نزلت فأحسنوا الكيل.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ويلٌ للمطففين (1) الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون (2) وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون (3) ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون (4) ليومٍ عظيمٍ (5) يومَ يقومُ الناسُ لربِ العالمين (6) }(3/429)
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)
1 - {وَيْلٌ} وادٍ في جهنم أو النار أو صديد أهلها أو الهلاك أو أشق العذاب أو النداء بالخسار والهلاك أو أصله وي لفلان أي الحرب لفلان ثم كثر استعمال الحرفين فوصلا بلام الإضافة، والتطفيف: التقليل فالمطفف مقلل بحق صاحبه بنقصانه في كيل أو وزن أو أخذ من طف الشيء وهي جهته.(3/429)
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)
6 - {يوم يقوم الناس} [218 / أ] مقدار ثلاثمائة سنة بين يديه قياماً لفصل القضاء أو يقومون من قبورهم أو جبريل يقوم لرب العالمين.
{كلا إن كتاب الفجار لفي سجين (7) وما أدراك ما سجين (8) كتابٌ مرقوم (9) ويلٌ يومئذ للمكذبين (10) الذين يكذبون بيوم الدين (11) وما يكذب به إلا كل معتدٍ أثيم (12) إذا تتلى عليه ءاياتنا قال أساطير الأولين (13) كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون (14) كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون (15) ثم إنهم لصالوا الجحيم (16) ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون (17) }(3/430)
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)
7 - {كَلآ} حقاً أو موضوع للزجر والتنبيه {سِجِّينٌ} سفال أو خسار أو تحت الأرض السابعة أو الأرض السابعة وسجين السماء: الدنيا قاله ابن أسلم أو صخرة في الأرض السابعة يجعل كتابهم تحتها أو جُب في جهنم مفتوح والفلق جب فيها مغطى مأثور أو تحت إبليس أو حجر أسود تحت الأرض يكتب فيه أرواح الكفار أو الشديد أو السِّجين فعيل من سجنته وفيه مبالغة.(3/430)
كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)
9 - {مَّرْقُومٌ} مكتوب أو مختوم أو رقم أو رقم لهم بِشرٍّ لا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد.(3/430)
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)
14 - {رَانَ} طبع أو غلب أو ورود الذنب على الذين حتى يعمى القلب " ح " أو الصدأ يغشى القلب كالغيم الرقيق.
{كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين (18) وما أدراك ما عليون (19) كتاب مرقوم (20) يشهده(3/430)
المقربون (21) إن الأبرار لفي نعيم (22) على الأرائك ينظرون (23) تعرف في وجوههم نضرة النعيم (24) يسقون من رحيق مختوم (25) ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون (26) ومزاجه من تسنيم (27) عيناً يشرب بها المقربون (28) }(3/431)
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18)
18 - {عِلِّيِّينَ} الجنة أو السماء السابعة فيها أرواح المؤمنين أو قائمة العرش اليمنى أو في علو وصعود إلى الله تعالى " ح " أو سدرة المنتهى.(3/431)
تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24)
24 - {نَضْرَةَ النعيم} الطرواة والغضارة أو البياض أو عين في الجنة يتوضؤون منها ويغتسلون فتجري عليهم نضرة النعيم قاله علي رضي الله تعالى عنه.(3/431)
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25)
25 - {رحيقٍ} عين في الجنة مشوب بالمسك " ح " أو شراب أبيض يختمون به شرابهم أو الخمر في قول الجمهور وهي الخمر الصافية أو أقصى الخمر وأجودها قاله الخليل أو الخالصة من الغش أو العتيقة {مَّخْتُومٍ} ممزوج أو ختم إناؤه بختم.(3/431)
خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)
26 - {خِتَامُهُ مِسْكٌ} مزاجه أو عاقبته يمزج بالكافور ويختم بالمسك أو طعمه وريحه مسك أو طينه مسك أو ختمه الذي يختم به إناؤه مسك " ع " {فَلْيَتَنَافَسِ} فليعمل أو فليبادر " ع " أخذ التنافس من الشيء النفيس أو من الرغبة فيما تميل إليه النفوس.(3/431)
وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27)
27 - {تَسْنِيمٍ} الماء أو عين يشربها المقربون صرفاً وتمزج لأصحاب اليمين أو عين في جنة عدن وهي دار الرحمن وأهل عدن جيرانه أو خفايا أخفاها الله تعالى لأهل الجنة لا يعرف لها مثال " ح " فأصل التسنيم في اللغة أنها عين تجري من علو إلى سفل سنام البعير: لعلوه من بدنه ومنه تسنيم القبور.
{إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون (29) وإذا مروا بهم يتغامزون (30) وإذا(3/431)
انقلوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين (31) وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون (32) وما أُرسلوا عليهم حافظين (33) فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون (34) على الأرائك ينظرون (35) هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون (36) }(3/432)
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)
31 - {فاكهين} معجبين " ع " أو فرحين أو لاهين أو ناعمين.(3/432)
هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
36 - {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} هذا سؤال المؤمنين عن الكفار حين فارقوهم أثيبوا على كفرهم أو جوزوا على ما كانوا يفعلون.(3/432)
سورة إذا السماء انشقت
سُورَةُ الانْشِقَاقِ
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إذا السماء انشقت (1) وأذنت لربها وحقت (2) وإذا الأرض مدت (3) وألقت ما فيها وتخلت (4) وأذنت لربها وحقت (5) يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه (6) فأما من أوتيَ كتابه بيمينه (7) فسوف يحاسب حساباً يسيرا (8) وينقلب إلى أهله مسرورا (9) وأما من أوتي كتابه وراء ظهره (10) فسوف يدعو ثبوراً (11) ويصلى سعيرا (12) إنه كان في أهله مسرورا (13) إن ظن أن لن يحور (14) بلى إن ربه كان به بصيرا (15) }
وهذا من أشراط الساعة وجوابه {إنك كادح} أو {وأذنت} والواو صلة أو رأى الإنسان ما قدّم من خير وشر أو التقدير اذكر {إذا السماء انشقت}(3/433)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2)
2 - {وَأَذِنَتْ} سمعت {وَحُقَّتْ} أطاعته أو حق لها أن تفعل ذلك.(3/433)
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3)
3 - {مُدَّتْ} كان البيت قبل الأرض بألفي عام فمدت الأرض من تحته أو أرض القيامة وهو أشبه بالسياق تبسط فيمدها الله تعالى مد [218 / ب] / الأديم أو سويت بدك الجبال ونسف البحار.(3/433)
وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)
4 - {وَأَلْقَتْ} ما في بطنها من الموتى وتخلت ممن على ظهرها من(3/433)
الأحياء أو ألقت كنوزها ومعادنها وتخلت من جبالها وبحارها.(3/434)
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)
6 - {كَادِحٌ} ساعٍ إلى ربك حتى تلاقيه أو عامل لربك عملاً تلقاه به من خير أو شر " ع ".(3/434)
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)
8 - {يَسِيراً} يجازي على الحسنات ويتجاوز له عن السيئات أو يعرف عمله ثم يتجاوز عنه مأثور أو العرض مأثور أيضاً قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " يعرض الناس ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فتطير الكتب في الأيدي فبين آخذٍ كتابه بيمينه وبين آخذٍ كتابه بشماله ".(3/434)
وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)
9 - {إِلَى أَهْلِهِ} الذين أعدهم الله تعالى له في الجنة.(3/434)
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)
14 - {يحور} يرجع مبعوثاً حياً.
{فلا أقسم بالشفق (16) والليل وما وسق (17) والقمر إذا اتسق (18) لتركبن طبقاً عن طبق (19) فما لهم لا يؤمنون (20) وإذا القرئ عليهم القرآن لا يسجدون (21) بل الذين كفروا يكذبون (22) والله أعلم بما يوعون (23) فبشرهم بعذاب أليم (24) إلا الذين(3/434)
ءامنوا وعملوا الصالحات لهم أجرٌ غيرُ ممنونٍ (25) }(3/435)
فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16)
16 - {بِالشَّفَقِ} شفق الليل الأحمر " ع " أو الشمس أو ما بقي من النهار أو النهار كله.(3/435)
وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)
17 - {وَسَقَ} جمع أو جن وستر " ع " أو سائق لأن ظلمة الليل تسوق كل شيء إلى مأواه أو ما عمل فيه.(3/435)
وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)
18 - {اتَّسَقَ} استوى " ع " اتسق الأمر انتظم واستوى وليلة أربعة عشر هي ليلة السواء أو استدار أو اجتمع.(3/435)
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)
19 - {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً} سماء بعد سماء أو حالاً بعد حال فطيماً بعد رضيع وشيخاً بعد شاب أو أمراً بعد أمر رخاء بعد شدّة وشدّة بعد رخاء وغنىً بعد فقر وفقراً بعد غنى وصحة بعد سقم وسقماً بعد صحة " ح " أو منزلة بعد منزلة يرتفع في الآخرة قوم كانوا متضعين في الدنيا ويتضع فيها قوم كانوا مرتفعين في الدنيا أو عملاً بعد عمل أو الآخرة بعد الأولى أو شدّة بعد شدّة حياة ثم موت ثم بعث ثم جزاء في كل حال من هذه الأحوال شدّة.(3/435)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)
23 - {يُوعُونَ} يسرون في قلوبهم أو يكتمون من أفعالهم أو يجمعون من سيئاتهم من الوعاء الذي يجمع ما فيه.(3/435)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)
25 - {مَمْنُونٍ} محسوب أو منقوص أو مقطوع أو مكدر بالمن والأذى.(3/435)
سُورَةُ البُرُوجِ
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والسماء ذات البروج (1) واليوم الموعود (2) وشاهد ومشهود (3) قتل أصحاب الأخدود (4) النار ذات الوقود (5) إذ هم عليها قعود (6) وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود (7) وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد (8) الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد (9) إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمناتِ ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذابُ الحريق (10) }(3/436)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)
1 - {الْبُرُوجِ} النجوم أو القصور " ع " أو الخلق الحسن أو المنازل اثنا عشر برجاً منازل الشمس والقمر.(3/436)
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)
2 - {الْمَوْعُودِ} يوم القيامة وعدوا فيه بالجزاء.(3/436)
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)
3 - {وَشَاهِدٍ} يوم الجمعة {وَمَشْهُودٍ} يوم عرفة مأثور. أو الشاهد يوم(3/436)
النحر والمشهود يوم عرفة أو الشاهد الملائكة والمشهود الإنسان أو المشهود يوم القيامة والشاهد الله تعالى أو آدم أو عيسى بن مريم أو محمد [صلى الله عليه وسلم] وعليهم أجمعين وسلم تسليماً كثيراً ألى يوم الدين أو الإنسان " ع ".(3/437)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17)
17 - {قُتِلَ} جواب القسم أو {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ} {الأُخْدُودِ} الشق العظيم في الأرض وجمعه أخاديد، وهي حفائر شقت في الأرض وأوقد فيها النار وأُلقي فيها مؤمنون امتنعوا من الكفر كانوا حبشة أو نبطاً أو من بني إسرائيل [219 / أ] / أو من أهل نجران أو من أهل اليمن أو دانيال وأصحابه أو نصارى بالقسطنطينية أو نصارى باليمن قبل مبعث الرسول [صلى الله عليه وسلم] بأربعين سنة وكانوا نيفاً وثمانين رجلاً حرقهم في الأخدود يوسف بن شراحيل بن تبع الحميري وقيل الأخاديد ثلاثة خد بالشام وخد بالعراق وخد باليمن فقوله {قُتِلَ} أي أُهلك المؤمنون أو لُعن الكافرون الفاعلون، قيل صعدت النار إليهم وهم شهود عليها فأحرقتهم فذلك قوله {ولهم عذاب الحريق} [10] .(3/437)
وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)
7 - {شُهُودٌ} على الأخدود أو شهود على المؤمنين بالضلال.
{إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم جناتُ تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير (11) إن بطش ربك لشديد (12) إنه هو يبدئ ويعيد (13) وهو الغفور الودود (14) ذو العرش المجيد (15) فعال لما يريد (16) هل أتاك حديث الجنود (17) فرعون وثمود (18) بل الذين كفروا في تكذيب (19) والله من ورائهم محيط (20) بل هو قرانٌ مجيد (21) في لوحٍ محفوظٍ (22) }(3/437)
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13)
13 - {يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} يحيي ويميت أو يميت ويحيي أو يخلق ثم يبعث أو يبدئ العذاب ويعيده " ع ".(3/437)
وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14)
14 - {الْغَفُورُ} الساتر للعيوب أو العافي عن الذنوب. {الْوَدُودُ} المحب أو الرحيم أو الذي لا ولد له.(3/437)
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)
15 - {الْمَجِيدُ} الكريم أو العالي.(3/437)
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)
22 - {مَّحْفُوظٍ} عند الله تعالى وبالرفع القرآن محفوظ من الشياطين أو من التغيير والتبديل وقيل اللوح شيء يلوح للملائكة فيقرءونه.(3/438)
سورة الطارق
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والسماء والطارق (1) وما أدراك ما الطارق (2) النجم الثاقب (3) إن كل نفسٍ لما عليها حافظ (4) فلينظر الإنسان ممن خلق (5) خلق من ماء دافق (6) يخرج من بين الصلب والترائب (7) إنه على رجعه لقادر (8) يوم تبلى السرائر (9) فما له من قوةٍ ولا ناصر (10) 1 - {الطَّارِقُ} سمي النجم طارقاً لاختصاصه بالليل وكل قاصد في الليل طارق وأصل الطرق الدق ومنه المطرقة وقاصد الليل طارق لاحتياجه في وصوله إلى الدق.(3/439)
النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)
3 - {الثَّاقِبُ} المضيء " ع " أو المتوهج أو المنقض أو المرتفع على النجوم كلها أو الثاقب للشياطين إذا رموا به أو الثاقب في سيره ومجراه وهو الثريا أو زُحل قاله علي رضي الله تعالى عنه.(3/439)
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)
4 - {لَمَّا} بمعنى " إلا " أو " ما " زائدة تقديره لعليها {حَافِظٌ} من الله تعالى يحفظ رزقه وأجله أو ملائكة يكتبون عمله.(3/439)
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)
7 - {الصلب} صلب الرجل وترائبه " ح " أو صلبه وترائب النساء و {الترائب} الصدر أو ما بين المنكبين إلى الصدر أو موضع القلادة " ع " أو أربعة أضلاع من الجانب الأسفل أو أربعة من يمنه الصدر وأربعة من يسرته حكاه(3/439)
الزجاج أو بين اليدين والرجلين والعينين أو عصارة القلب.(3/440)
7 - {رَجْعِهِ} رد المني إلى الإحليل أو إلى الصلب أو رد الإنسان من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة أو بعثه في الآخرة أو حبس الماء في الإحليل فلا يخرج.(3/440)
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)
9 - {تُبْلَى} تظهر {السَّرَآئِرُ} كل ما أسر من خير أو شر أو إيمان أو كفر أو الصلاة والصوم وغسل الجنابة وهي أمانة الله تعالى على ابن آدم.(3/440)
فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)
10 - {قُوَّةٍ} عشيرة، والناصر: الحليف أو قوّة في بدنه {وَلا نَاصِرٍ} من غيره يمنعه من عذاب الله تعالى ولا ينصره عليه.
{والسماء ذات الرجع (11) والأرض ذات الصدع (12) إنه لقول فصل (13) وما هو بالهزل (14) إنهم يكيدون كيداً (15) وأكيد كيداً (16) فمهل الكافرين أمهلهم رويدا (17) }(3/440)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)
11 -[219 / ب] / {الرَّجْعِ} المطر لرجوعه كل عام " ع " أو السحاب لرجوعه بالمطر أو الرجوع إلى ما كانت عليه أو النجوم الراجعة.(3/440)
وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)
12 - {الصدع} النبات لانصداعها عنه " ع " أو الأدوية لانصداعها بها أو الطرق التي تصدعها المشاة أو الحرث لأنه يصدعها.(3/440)
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13)
13 - {إِنَّهُ لَقَوْلٌ} وعده برجع الإنسان وابتلاء سرائره وفقده القوّة والناصر {فضل} أي حد أو عدل أو أراد القرآن فصل حق " ح " أو فصل ليس بالهزل.(3/440)
وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)
14 - {بِالْهَزْلِ} اللعب أو الباطل أو الكذب.(3/440)
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15)
15 - {يَكِيدُونَ} يمكرون بالرسول [صلى الله عليه وسلم] في دار الندوة ليثبتوه أو ليقتلوه.(3/440)
وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)
16 - {وَأَكِيدُ} في الآخرة بالنار وفي الدنيا بالسيف.(3/440)
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
17 - {رُوَيْدَاً} قريباً " ع " أو انتظاراً أو قليلاً فقتلوا ببدر، مهل وأمهل واحد أو مهل كف عنهم وأمهل انتظر عذابهم.(3/441)
سورة سبح اسم ربك الأعلى
سُورة الأعلى
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{سبح اسم ربك الأعلى (1) الذي خلق فسوى (2) والذي قدر فهدى (3) والذي أخرج المرعى (4) فجعله غثاء أحوى (5) سنقرئك فلا تنسى (6) إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى (7) ونيسرك لليسرى (8) فذكر إن نفعت الذكرى (9) سيذكر من يخشى (10) ويتجنبها الأشقى (11) الذي يصلى النار الكبرى (12) ثم لا يموت فيها ولا يحيى (13) }(3/442)
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)
1 - {سَبِّحِ اسْمَ} عظم ربك " ع " أراد المسمى أو نزه اسمه أن يسمى به غيره أو ارفع صوتك بذكره أو صلِّ باسم ربك بأمره أو افتتح الصلاة بذكره أو اذكره بقلبك في نيتك للصلاة.(3/442)
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)
2 - {خَلَقَ} آدم {فَسَوَّى} خلقه.(3/442)
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)
3 - {قَدَّرَ} الشقاء والسعادة وهدى الرشد والضلالة أو قدر الأرزاق والأقوات وهدى الإنس للمعاش والبهائم للرعي أو قدر الذكور والإناث وهدى الذكر لإتيان الأنثى.(3/442)
فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)
5 - {غُثَآءً} ما يبس من النبات فصار هشيماً تذروه الرياح والأحوى الأسود أو الغثاء ما احتمله السيل من النبات والأحوى المتغير أو تقديره أحوى فصار غثاء والأحوى ألوان النبات الحي من أخضر وأحمر وأصفر وأبيض يعبر(3/442)
عن جميعه بالسواد وبه سمي سواد العراق والغثاء النبت اليابس وهذا مثل ضرب لذهاب الدنيا بعد نضارتها.(3/443)
سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)
6 - {فَلا تَنسَى} لا تترك العمل.(3/443)
إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)
7 - {إِلا مَا شَآءَ اللَّهُ} تعالى أن يرخص في تركه فيكون نهياً أو أخبره ألا ينسى من القرآن إلا ما شاء الله تعالى أن ينسخه فينساه أو يؤخر إنزاله فلا يقرؤه، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان إذا نزل جبريل عليه السلام بالوحي يقرؤه جِيفة أن ينساه فنزلت. {الْجَهْرَ} ما حفظته من القرآن {وَمَا يَخْفَى} ما نسخ من حفظك أو الجهر ما عمله وما يخفى ما سيعمله " ع " أو ما أظهره وما ستره أو ما أسرَّه في يومه وما سيسره بعد يومه.(3/443)
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8)
8 - {لِلْيُسْرَى} للخير أو الجنة أو الدين اليسر.(3/443)
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)
9 - {فَذَكِّرْ} بالقرآن أو بالله تعالى {إِن نَّفَعَتِ} إنْ قبلت أو ما نفعت فلا تكون " إنْ " شرطاً لأنها نافعة بكل حال.(3/443)
الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12)
12 - {الْكُبْرَى} نار جهنم والصغرى نار الدنيا أو الكبرى الطبقة السفلى من جهنم وهي نار الكفار والصغرى [220 / أ] / نار الدنيا وفي الطبقة العليا.(3/443)
ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)
13 - {لا يَمُوتُ} ولا يجد روح الحياة أو لا يستريح بالموت ولا ينتفع بالحياة.
{قد أفلح من تزكى (14) وذكر اسم ربه فصلى (15) بل تؤثرون الحياة الدنيا (16) والآخرة خير وأبقى (17) إن هذا لفي الصحف الأولى (18) صحف إبراهيم وموسى (19) }(3/443)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)
14 - {تَزَكَّى} تطهر من الشرك بالإيمان " ع " أو كان عمله زاكياً نامياً أو زكاة الفطر أو زكوات الأموال كلها.(3/443)
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)
15 - {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} بالتوحيد أو الدعاء والرغبة أو الاستغفار والتوبة أو بذكره بقلبه في صلاة خشوعاً له رجاءً وخوفاً أو يذكره بلسانه عند إحرامه بالصلاة فإنها لا تنعقد إلاّ بذكره أو يفتتح كل سورة بالبسملة. {فَصَلَّى} الخمس " ع " أو العيد أو يتطوع بصلاة بعد زكاة.(3/444)
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)
16 - {تُؤْثِرُونَ} أيها الكفار الحياة الدنيا على الآخرة أو أيها المؤمنون تكثرون من الدنيا ولا تكثرون من الثواب.(3/444)
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)
17 - {خَيْرٌ} للمؤمن من الدنيا {وأبْقَى} للجزاء أو خير في الخير وأبقى في البقاء.(3/444)
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18)
18 - {إِنَّ هَذَا} القرآن لفي الصحف " ح " أو ما قصه في هذه السورة أو أنّ الآخرة خير وأبقى.(3/444)
سورة الغاشية
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{هل أتاك حديث الغاشية (1) وجوه يومئذ خاشعة (2) عاملةٌ ناصبة (3) تصلى ناراً حامية (4) تسقى من عين ءانية (15) ليس لهم طعام إلا من ضريع (16) لا يسمن ولا يغني من جوع (17)) [صلى الله عليه وسلم](3/445)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)
1 - {هَلْ} قد أو بمعنى الاستفهام معناه إن لم يكن أتاك فقد أتاك {الْغَاشِيَةِ} القيامة تغشى الناس بالأهوال " ع " أو النار تغشى وجوه الكفار.(3/445)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)
2 - {وجوهٌ} عامة في الكفار أو خاصة باليهود والنصارى {يومئذٍ} يوم القيامة أو في النار {خاشعةٌ} ذليلة بالمعاصي أو تخشع من العذاب فلا ينفعها.(3/445)
عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3)
3 - {عاملةٌ} في الدنيا بالمعاصي أو عاملة في النار بالانتقال من عذاب إلى عذاب. {ناصبةٌ} في المعاصي أو في النار.(3/445)
تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4)
4 - {حَامِيَةً} تحمى من ارتكاب المعاصي أو تحمي نفسها أن تطاق وأن ترام أو تحمى غضباً وغيظاً للانتقام منهم، حمى فلان إذا غضب أو دائمة الحمى فلا تنقطع ولا تنطفئ بخلاف نار الدنيا.(3/445)
تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5)
5 - {انيه} حاضرة أو بلغت أناها وحان شربها وأنى حرها فانتهى " ع ".(3/446)
لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6)
6 - {ضَرِيعٍ} شجرة كثيرة الشوك تسميها قريش الشِّبْرقِ " ع " فإذا يبس في الصيف فهو الضريع أو السلي أو الحجارة أو النوى المحرق أو ضريع بمعنى مضروع يضرعون عنده طلباً للخلاص منه.
{وجوهٌ يومئذ ناعمة (8) لسعيها راضية (9) في جنة عالية (10) لا تسمع فيها لاغية (11) فيها عينٌ جارية (12) فيها سررٌ مرفوعة (13) وأكوابٍ موضوعة (14) ونمارق مصفوفة (15) وزرابي مبثوثة (16) }(3/446)
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10)
10 - {عاليةٍ} لأنها أعلى من النار أو هم في أعاليها وغرفها ليلتذوا بالارتفاع أو ليشاهدوا ما فيها من النعيم.(3/446)
لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)
11 - {لاغِيَةً} كلمة لغو كذب " ع " أو إثم أو شتم أو باطل أو معصية أو حلف يمين برة ولا فاجرة أو ليس في كلامهم كلمة تلغى لأنهم لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله تعالى.(3/446)
فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)
13 - {مَّرْفُوعَةٍ} بعضها فوق بعض أو في أنفسهم لجلالتها وحبهم لها أو مرفوعة المكان ليلتذوا بارتفاعها أو ليشاهدوا ملكهم ونعيمهم.(3/446)
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)
14 - {مَّوْضُوعَةٌ} بين أيديهم ليلتذوا بالنظر إليها لأنها ذهب وفضة أو مستعملة على الدوام لاستدامة شربهم.(3/446)
وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)
15 - {ونمارق} الوسائد والمرافق.(3/446)
وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)
16 - {وزرابي} [220 / ب] / البسط الفاخرة أو الطنافس المخملة {مَبْثُوثَةٌ} مبسوطة أو بعضها فوق بعض أو كثيرة أو متفرقة.
{أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17) وإلى السماء كيف رفعت (18) وإلى الجبال كيف نصبت (19) وإلى الأرض كيف سطحت (20) فذكر إنما أنت مذكر (21) لست عليهم بمصيطر (22) إلا من تولى وكفر (23) فيعذبه الله العذاب الأكبر (24) إن إلينا إيابهم (25) ثم إن علينا حسابهم (16) }(3/447)
أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)
17 - {أَفَلا يَنظُرُونَ} ذكر هذه الآيات ليستدلوا على قدرته على البعث وعلى وحدانيته أو لما نعت ما في الجنة عجب منه الضالون فذكر لهم عجائب صنعه ليزول تعجبهم {الإِبِلِ} السحاب والأظهر أنها من النِّعَم وخصها لأن ضروب الحيوان أربعة حلوبة وركوبة وأكولة وحمولة وقد جمعت الإبل هذه الخلال الأربع فكان الإنعام بها أعم وظهور القدرة فيها أتمّ.(3/447)
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)
21 - {فَذَكِّرْ} بالنعم أو عِظْ.(3/447)
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)
22 - {بمسيطر} بمسلط أو بجبار أو برب تكرههم على الإيمان.(3/447)
إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23)
23 - {إِلا مَن تَوَلَّى} فلست له بمذكر أو فَكِلْه إلى الله تعالى ثم أُمِر بالسيف " ح ". تولى عن الحق وكفر النعمة أو تولى عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] وكفر بالله عزّ وجلّ.(3/447)
سُورة الفجر
مكية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والفجر (1) وليال عشر (2) والشفع والوتر (3) والليل إذا يسر (4) هل في ذلك قسم لذي حجر (5) ألم ترى كيف فعل ربك بعاد (6) إرم ذات العماد (7) التي لم يخلق مثلها في البلاد (8) وثمودَ الذين جابوا الصخر بالواد (9) وفرعون ذي الأوتاد (10) الذين طغوا في البلاد (11) فأكثروا فيها الفساد (12) فصب عليهم سوط عذاب (13) إن ربك لبالمرصاد (14) }(3/448)
وَالْفَجْرِ (1)
1 - {وَالْفَجْرِ} انفجار الصبح من أفق المشرق، وعبر به عن النهار كله لانه أوله " ع " أو أرد بدر النهار في كل يوم أو صلاة الصبح " ع " أو فجر يوم النحر خاصة.(3/448)
وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)
2 - {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} عشر ذي الحجة " ع ". مأثور أو عشر أول المحرم أو العشر الأواخر من شهر رمضان أو العشر التي أتمّها الله تعالى لموسى.(3/448)
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)
3 - {وَالشَّفْعِ} الصلاة منها شفع ومنها وتر مأثور أو صلاة المغرب(3/448)
شفعها ركعتان ووترها الثالثة أو الشفع يوم بالنحر {وَالْوَتْرِ} يوم عرفة مأثور، أو الشفع يوما منى والوتر ثالثهما أو الشفع عشر ذي الحجة والوتر أيام التشريق أو الشفع الخلق الأرض والسماء والحيوان والنبات لكل شيء منه مثل، والوتر الله لأنه لا مثيل له، أو الخلق كله شفع ووتر أو الشفع آدم وحواء لأنه كان وتراً فشفع بها فصار شفعاً بعد وتر أو العدد لأن جميعه شفع ووتر.(3/449)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)
4 - {والليل} ليلة القدر لسراية الرحمة فيها أو ليلة مزدلفة أو جنس الليالي {يسري} أظلم أو سار لأنه يسير بمسير الشمس والفلك فينتقل من أفق إلى أفق أو إذا سرى فيه أهله.(3/449)
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)
5 - {حِجْرٍ} عقل " ع " أو حلم أو دين أو ستر أو علم.(3/449)
إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)
7 - {إرَم} هي الأرض أو دمشق أو الإسكندرية أو أمة من الأمم أو قبيلة من عاد أو إرم جد عاد أو أبوه فهو عاد بن إرم بن عَوْص بن سام بن نوح أو(3/449)
إرم القديمة أو الهالك، أرم بنو فلان: هلكوا أو رمهم الله تعالى فجعلهم رميماً فلذلك سماهم إرم. {الْعِمَادِ} الطول " ع " رجل معمد إذا كان طويلاً قال قتادة كان طول أحدهم اثني عشر ذرعاً أو لأنهم كانوا أهل خيام وأعمدة [221 / أ] / ينتجعون الغيوث أو القوّة والشدّة أخذاً من قوّة الأعمدة أو البناء المحكم بالأعمدة.(3/450)
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)
8 - {لَمْ يُخْلَقْ} مثل مدينتهم ذات العماد أو مثل عاد لطولهم وشدتهم.(3/450)
وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)
9 - {جَابُواْ} قطعوا الصخر ونقبوه بيوتاً أو طافوا لأخذ الصخر {بالوادي} وادي القرى.(3/450)
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)
10 - {الأَوْتَادِ} الجنود سمي بذلك لكثرة جنوده " ع " أو كان يعذب الناس بأوتاد قيدها في أيدهم وأرجلهم وبذلك قتل زوجته آسية أو البنيان لكثرة بنيانه أو كانت له مظال وملاعب على أوتاد وحبال يلعب له تحتها.(3/450)
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)
13 - {سَوْطَ عَذَابٍ} قسط عذاب كالعذاب بالسوط أو خلط عذاب لأنه أنواع أو وجيع من العذاب أو كل ما عذب الله تعالى به فهو سوط عذاب قال قتادة: فكان سوط عذاب هو الغرق.(3/450)
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)
14 - {لبالمرصاد} بالطريق أو بالانتظار.
{فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكره ونعمه فيقول رب أكرمن (15) وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول رب أهانن (16) كالإبل لا تكرمون اليتيم (17) ولا تحاضون على طعام المسكين (18) وتأكلون التراث أكلاً لما (19) وتحبون المال حباً جما (20) }(3/450)
وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19)
19 - {التُّرَاثَ} الميراث {لَّمّاً} شديداً أو جمعاً لممت الطعام أكلته جميعاً أو نسفَهُ نَسْفًا أو إذا أكل مال نفسه ألَمَّ بمال غيره فأكله ولا يبالي(3/450)
حلالاً كان أو حراماً.(3/451)
وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)
20 - {جَمّاً} كثيراً أو فاحشاً تجمعون حلاله إلى حرامه " ح ".
{كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً (21) وجاء ربك والملك صفاً صفا (22) وجائ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى (23) يقول يا ليتني قدمت لحياتي (24) فيومئذ لا يعذب عذابه أحد (25) ولا يوثق وثاقه أحد (26) يأيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي (30) }(3/451)
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)
23 - {يَتَذَكَّرُ} يتوب وكيف له بالتوبة لأنها لا تنفع في القيامة أو يتذكر ما عمل في الدنيا وقدم للآخرة. {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} في الآخرة وإنما تنفع في الدنيا.(3/451)
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)
24 - {قَدَّمْتُ} من دنياي لحياتي في الآخرة أو من حياتي في الدنيا لبقائي في الآخرة.(3/451)
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25)
25 - {لا يعذب} بالفتح عذاب الكافر {احد} {ولا يُعَذِّبُ} عذابَ الله تعالى غيرُ الله {أحدٌ} " ع ".(3/451)
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)
27 - {الْمُطْمَئِنَّةُ} المؤمنة " ع " أو المخبتة أو الموفية بوعد الله تعالى أو الآمنة أو الراضية أو إذا أراد الله تعالى قبض المؤمن اطمأنت نفسه إلى الله تعالى واطمأن الله تعالى إليها " ح ".(3/451)
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)
28 - {ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ} عند الموت في الدنيا أو إلى جسدك عند(3/451)
البعث في القيامة " ع " {رَاضِيَةً} عن الله تعالى وهو عنها راضٍ أو راضية بثوابه وهو راضٍ بعملها.(3/452)
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)
29 - {فِى عِبَادِى} في عبدي أو طاعتي أو مع عبادي.(3/452)
وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
30 - {جَنَّتِى} رحمتي أو جنة الخلد عند الجمهور قيل نزلت في أبي بكر أو في عثمان رضي الله تعالى عنهما لما وقف بئر رومة أو في حمزة بن عبد المطلب أو عامة في كل مؤمن.(3/452)
سورة البلد
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{لا أقسم بهذا البلد (1) وأنت حل بهذا البلد (2) ووالد وما ولد (3) لقد خلقنا الإنسان في كبد (4) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد (5) يقول أهلكت مالاً لبدا (6) أيحسب أن لم يره أحد (7) ألم نجعل له عينين (8) ولساناً وشفتين (9) وهديناه النجدين (10) }(3/453)
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1)
1 - {لآ أُقْسِمُ} معناه أقسم على الأصح {الْبَلَدِ} مكة أو الحرم كله.(3/453)
وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)
2 - {حِلٌّ} لك ما صنعته {بِهَذَا الْبَلَدِ} من قتل وغيره " ع " أو محل غير محرم في دخولك عام الفتح " ح " أو يستحل المشركون حرمتك وحرمة من اتبعك توبيخاً لهم.(3/453)
وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)
3 - {وَوَالِدٍ} آدم وما ولد أو إبراهيم وما ولد أو الوالد الذي يلد {وَمَا وَلَدَ} العاقر الذي لا يلد " ع " أو الوالد العاقر وما ولد التي تلد.(3/453)
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)
4 - {كبد} [221 / ب] / انتصاب في بطن أمه وبعد ولادته ولم يخلق غيره من الحيوان منتصباً " ع " أو اعتدال بما بَيَّنه من بعده من قوله {أَلَمْ نَجْعَل} أو من نطفة ثم علقة ثم مضغة يتكبد في الخلق من تكبد الدم وهو غلطه ومن الكبد لأنها دم غليظ أو في شدة ومكابدة حملته أمه كرهاً " ورضعته به " كرهاً أو لأنه(3/453)
كابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة " ح " أو كابد الشكر على السّراء والصبر على الضرّاء. {الإِنسَانَ} عام أو الكافر لأنه يكابد شبهات " الكفر ".(3/454)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5)
5 - {أَيَحْسَبُ} لا نقدر على بعثه أو يحسب أنه لا يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه وأين أنفقه أو لا يقدر أحد على أخذ ماله " ح ".(3/454)
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6)
6 - {لُّبَداً} كثيراً أو مجتمعاً بعضه على بعض ومنه اللبد لاجتماعه قاله أبو الأشد بن الجمحي أو النضر بن الحارث.(3/454)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)
7 - {لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ} الله تعالى أو أحدٌ من الناس فيما أنفقه حين يكذب فيما أنفقه.(3/454)
وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
10 - {النَّجْدَيْنِ} سبيل الخير والشر أو الهدى والضلالة " ع " أو الشقاء والسعادة أو الثديين ليغتذي بلبنهما، والنجد الطريق المرتفع.
{فلا اقتحم العقبة (11) وما أرداك ما العقبة (12) فك رقبة (13) أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبة (14) يتيماً ذا مقربة (15) أو مسكيناً ذا متربة (16) ثم كان من الذين ءامنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة (17) أولئك أصحاب الميمنة (18) والذي كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة (19) عليهم نارٌ مؤصدة (20) }(3/454)
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)
11 - {الْعَقَبَةَ} طريق النجاة أو جبل في جهنم أو نار دون الجسر " ح " أو الصراط يضرب على جهنم صعوداً وهبوطاً أو أن يحاسب نفسه وهواه وعدوه الشيطان.(3/454)
فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
13 - {فَكُّ رَقَبَةٍ} معناه اقتحام العقبة فك رقبة أو فلم يقتحم العقبة إلا من فك رقبة أو أطعم، وفكها تخليصها من الأسر أو عتقها من الرق وسمى(3/454)
الرقيق رقبة أنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته.
13 - {مَسْغَبَةٍ} مجاعة.
15 - {مقربة} قرابة.(3/455)
أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
16 - {ذَا مَتْرَبَةٍ} مطروح على الطريق لا بيت له " ع " أو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره أو ذو العيال أو المديون أو الزَّمِن أو الذي ليس له أحد أو البعيد التربة أي الغريب " ع ".(3/455)
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)
17 - {ثم كان من الذين آمنوا} لا يقتحم العقبة من فك أو أطعم إلا أن يكون مؤمناً. {بِالصَّبْرِ} على طاعة الله تعالى " ح " أو على فرائضه أو على ما أصابهم {بِالْمَرْحَمَةِ} بالتراحم فيما بينهم وتَرَحَّمُوا الناس.(3/455)
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)
18 - {الْمَيْمَنَةِ} الجنّة سُموا بذلك لأنهم أُخذوا من شق آدم الأيمن أو أُوتوا كتبهم بأيمانهم أو ميامين على أنفسهم أو منزلهم عن اليمين.(3/455)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19)
19 - {بِآيَاتِنَا} القرآن أو جميع دلائل الله وحججه. {المشأمة} جهنم أخذوا من شق آدم الأيسر أو أُوتوا كتبهم بشمالهم أو مشائيم على أنفسهم أو منزلهم على اليسار.(3/455)
وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)
2 - {مُّؤْصَدَةٌ} مطبقة " ع " أو مسدودة أو حائط لا باب له.(3/455)
سورة الشمس وضحاها
سُورة الشمس
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والشمس وضحاها (1) والقمر إذا تلاها (2) والنهار إذا جلاها (3) والليل إذا يغشاها (4) والسماء وما بناها (5) والأرض وما طحاها (6) ونفسٍ وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8) قد أفلحَ من زكاها (9) وقد خاب من دساها (10) }(3/456)
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)
1 - {وَضُحَاهَا} إشراقها أو انبساطها أو حرها أو النهار.(3/456)
وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)
2 - {تَلاهَا} ساواها أو تبعها " ع " أول ليلة من الشهر إذا سقطت يُرى عند سقوطها [222 / أ] / أو الخامس عشر يطلع مع غروبها أو في الشهر كله يتلوها في النصف الأول وهي أمامه وفي النصف الآخر يتقدمها وهي وراءه.(3/456)
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3)
3 - {جَلاهَا} أظهرها لأن ظهور الشمس بالنهار أو أضاءها لأنه ضوأَها بالنهار على ظلمة الليل.(3/456)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)
4 - {يفشاها} أظلم الشمس أو سَيَّرها.(3/456)
وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)
5 - {وَمَا بَنَاهَا} ومن بناها وهو الله تعالى أو وبنائها.(3/456)
وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6)
6 - {طَحَاهَا} بسطها أو قسمها " ع " أو خلقها.(3/457)
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)
7 - {وَنَفْسٍ} آدم ومن سواها وهو الله تعالى أو كل نفس سوى خلقها وعدل خلقها أو سوى بينهم في الصحة وسوى بينهم في العذاب جميعاً.(3/457)
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)
8 - {فَأَلْهَمَهَا} أعلمها أو ألزمها {فُجُورَهَا} الشقاء والسعادة أو الشر والخير " ع " أو المعصية والطاعة.(3/457)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)
9 - {قَدْ أَفْلَحَ} على هذا أقسم وفيها أحد عشر قسماً {مَن زَكَّاهَا} من زكى الله تعالى نفسه " ع " أو من زكى نفسه بالطاعة {زَكَّاهَا} أصلحها أو طهرها.(3/457)
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)
10 - {دَسَّاهَا} الله تعالى أو دسى نفسه أغواها وأضلها لأنه دسس نفسه في المعاصي أو أثمها أو خسرها أو كذبها " ع " أو أشقاها أو خيبها من الخير أو أخفاها وأخملها بالبخل.
{كذبت ثمود بطغواها (11) إذا انبعث أشقاها (12) فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها (13) فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها (14) ولا يخاف عقباها (15) }(3/457)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)
11 - {بِطَغْوَاهَآ} طغيانها ومعصيتها أو بأجمعها أو بعذابها وكان اسمه الطَّغْوَى.(3/457)
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)
14 - {فَدَمْدَمَ} فغضب أو فأطبق أو فدمر {فَسَوَّاهَا} سوى بينهم في الهلاك أو سوى بهم الأرض.(3/457)
وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)
15 - {عُقْبَاهَا} لا يخاف الله تعالى عقبى إهلاكهم " ع " أو لا يخاف عاقروها عقبى عقرها " ح ".(3/457)
سورة والليل إذا يغشى
سورة الليل
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والليل إذا يغشى (1) والنهار إذا تجلى (2) وما خلق الذكر والأنثى (3) إن سعيكم لشتى (4) فأما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى (6) فسنيسره لليسرى (7) وأما من بخل واستغنى (8) وكذب بالحسنى (9) فسنيسره للعسرى (10) وما يغني عنه ماله إذا تردى (11) }(3/458)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)
1 - {يَغْشَى} أظلم أو ستر أو غشى الخلائق فعمهم.(3/458)
وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)
2 - {تَجَلَّى} أضاء أو ظهر.(3/458)
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)
3 - {وَمَا خَلَقَ} ومن خلق أقسم بنفسه {الذَّكَرَ وَالأُنثَى} آدم وحواء أو كل ذكر وأنثى.(3/458)
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)
4 - {لَشَتَّى} مختلف في نفسه مؤمن وكافر وطائع وعاصٍ أو مختلف الجزاء بمعاقب ومنعِّم قيل نزلت في أبي بكر وأمية وأُبي ابني خلف لما عذبا بلالاً على إسلامه فاشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه منهما ببردة وعشر أواق وعتقه لله عز وجل.(3/458)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)
5 - {مَنْ أَعْطَى} أبو بكر رضي الله تعالى عنه أعطى حق الله تعالى عليه أو أعطى الله تعالى الصدق من قلبه أو أعطى من فضل ماله " ع " {وَاتَّقَى} ربه أو محارمه التي نهى عنها أو اتقى البخل.(3/459)
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)
6 - {بِالْحُسْنَى} بلا إله إلا الله أو بوعد الله تعالى أو بثوابه أو بالجنة أو بالصلاة والزكاة والصوم أو بما أنعم الله عليه أو بالخلف من عطائه.(3/459)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)
7 - {لليسرى) [222 / ب] / للخير " ع ". أو للجنة.(3/459)
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)
8 - {مَن بَخِلَ} أمية وأُبي ابنا خلف بخل بماله الذي لا يبقى أو بحق الله تعالى {وَاسْتَغْنَى} عن ربه " ع " أو بماله.
9 - {بالْحُسْنَى} فيها الأقوال السبعة.(3/459)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)
10 - {لِلْعُسْرَى} للشر من الله تعالى " ع " أو للنار.(3/459)
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)
11 - {تَرَدَّى} في النار أو مات.
{إن علينا للهدى (12) وأن لنا للآخرة والأولى (13) فأنذرتكم ناراً تلظى (14) لا يصلاها إلا الأشقى (15) الذي كذب وتولى (16) وسيجنبها الأتقى (17) الذي يؤتي ماله يتزكى (18) وما لأحدٍ عنده من نعمة تجرى (19) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى (20) ولسوف يرضى (21) }(3/459)
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)
12 - {لَلْهُدَى} بيان الهدى والضلال أو بيان الحلال والحرام.(3/459)
وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13)
13 - {وَإِنَّ لَنَا} ملك الدنيا والآخرة أو ثوابهما.(3/459)
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)
14 - {تَلَظَّى} تتغيظ أو تستطيل أو توهج.(3/459)
لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15)
15 - {الأَشْقَى} الشقي.(3/459)
الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)
16 - {كَذَّبَ} كتاب الله تعالى {وَتَوَلَّى} عن طاعته أو كذب الرسول [صلى الله عليه وسلم] وتولى عن طاعته.
19 -،(3/460)
وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)
20 - {وَمَا لأَحَدٍ} عند الله تعالى {مِن نِّعْمَةٍ} يجازيه بها إلا أن يفعلها {ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ} فيستحق عليها الجزاء أو ما لبلال عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه لما اشتراه وأعتقه وخلصه من العذاب نعمة سلفت جازاه بها {إِلا ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى} ثوابه وعتقه " ع ".(3/460)
سورة الضحى
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والضحى (1) والليل إذا سجى (2) ما وعدك ربك وما قلى (3) وللآخرة خيرٌ لك من الأولى (4) ولسوف يعطيك ربك فترضى (5) ألم يجدك يتيماً فآوى (6) ووجدك ضالاً فهدى (7) ووجدك عائلاً فأغنى (8) فأما اليتيم فلا تقهر (9) وأما السائل فلا تنهر (10) وأما بنعمة ربك فحدث (11) }(3/461)
وَالضُّحَى (1)
1 -[ {وَالضُّحَى} ] أول ساعة من النهار إذا ترحَّلت الشمس أو صدر النهار أو طلوع الشمس أو ضوء النهار في اليوم كله من قولهم ضحى فلان للشمس إذا ظهر لها.(3/461)
وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)
2 - {سَجَى} أقبل أو أظلم " ع " أو استوى أو ذهب أو سكن الخلق فيه سجى البحر سكن.(3/461)
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)
3 - {ما ودعك} رُمي الرسول [صلى الله عليه وسلم] بحجر في إصبعه فميت فقال:
(هل أنتِ إلا أُصبع دميتٍ ... وفي سبيل الله ما لقيتِ)
فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم فقالت له امرأة: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فنزلت، أو أبطأ عليه جبريل عليه السلام فجزع جزعاً شديداً(3/461)
فقال كفار قريش: إنا نرى ربك قد قلاك مما رأى من جزعك فنزلت، أو أبطأ الوحي فقالوا: ودع محمداً ربُّه فنزلت {ما ودعك ربك} ما قطع الوحي عنك توديعاً لك.(3/462)
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)
4 - {وللآخرة} لما عرض على الرسول [صلى الله عليه وسلم] ما يفتح على أمته من بعده كَفْراً بعد كَفْرٍ فَسُرَّ بذلك نزل {وَللأَخِرَةُ خَيْرٌ لك} .(3/462)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)
5 - {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ} أي أجر الآخرة خير مما أعجبك في الدنيا أو الذي لك عند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا.(3/462)
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6)
6 - {يَتِيماً} لا مثل لك ولا نظير فآواك إلى نفسه وإختصك لرسالته، درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل أو يتيماً بموت أبويك فآواك بكفالة أبي طالب لأن عبد المطلب كفله بعد أبويه ثم مات عبد المطلب فكفله أبو طالب أو جعل لك مأوى لنفسك أغناك به عن كفالة عبد المطلب.(3/462)
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)
7 - {ضَآلاً فَهَدَى} لا تعرف الحق فهداك إليه أو عن النبوة فهداك إليها أو عن الهجرة فهداك إليها أو في قوم ضلال فهداك لإرشادهم أو ناسياً فأذكرك(3/462)
كقوله {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا} [البقرة: 282] أو طالباً للقبلة فهداك [223 / أ] / إليها عبر عن الطلب بالضلال لأن الضال طالب أو وجدك متحيراً في بيان ما نزل عليك فهداك إليه عبر عن التحير بالضلال لأن الحيرة تلزم الضلال أو ضائعاً في قومك فهداك إليهم أو محباً للهداية فهداك إليها ومنه {إِنَّكَ لَفِى ضَلاَلِكَ القديم} [يوسف: 95] أي محبتك.(3/463)
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)
8 - {عَآئِلاً} ذا عيال فكفاك أو فقيراً فمولك أو فقيراً من الحجج والبراهين فأغناك بها أو وجدك العائل الفقير فأغناه بك.(3/463)
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)
9 - {لا تَقْهَرْ} لا تحقر أو لا تظلم أو لا تستذل أو لا تمنعه حقه الذي في يدك أو كن لليتم كالرب الرحيم.(3/463)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)
10 - {السَّآئِلَ} للبر إذا رددته فرده برفق ولين أو السائل عن الدين لا تغلظ عليه وأجبه برفق ولين.(3/463)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
11 - {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} النبوة فادع أو القرآن فبلغ أو ما أصاب من خير أو شر فحدث به الثقة من إخوانك " ح " أو حدث به نفسك ندب إلى ذلك ليكون ذكرها شكراً.(3/463)
سورة ألم نشرح
سورة الشرح
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ألم نشرح لك صدرك (1) ووضعنا عنك وزرك (2) الذي أنقض ظهرك (3) ورفعنا لك ذكرك (4) فإن مع العسر يسرا (5) إن مع العسر يسرا (6) فإذا فرغت فانصب (7) وإلى ربك فارغب (8) }(3/464)
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)
1 - {أَلَمْ} استفهام تقرير {نَشْرحْ لَكَ صَدْرَكَ} بإزالة همك حتى خلا لما أمرت به أو نُوسعه لما حملته فلا يضيق عنه، وتشريح اللحم تفتيحه لتفريقه، شرحه بالإسلام أو بأن ملأه حكمة وعلماً " ح " أو بالصبر والاحتمال.(3/464)
وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2)
2 - و {وِزْرَكَ} غفرنا لك ذنبك أو حططنا عنك ثقلك أو حفظناك في الأربعين من الأدناس حتى نزل عليك جبريل عليه السلام وأنت مطهر منها.(3/464)
الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)
3 - {أَنقَضَ ظَهْرَكَ} كما ينقض البعير من الحمل الثقيل فيصر نقضاً. أثقل ظهره بالذنوب حتى غفرها أو بالرسالة حتى بلغها أو بالنعم حتى شكرها.(3/464)
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
4 - {وَرَفَعْنَا} ذكرك بالنبوة أو في الآخرة كما رفعناه في الدنيا أو تذكر(3/464)
معي إذا ذكرت قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : أتاني جبريل عليه السلام فقال: إن الله تعالى يقول أتدري كيف رفعت ذكرك قال الله تعالى أعلم قال إذا ذُكِرتُ ذُكرت معي. قال قتادة ورفع ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.(3/465)
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)
5 - {فإن من الْعُسْرِ يُسْراً} مع اجتهاد الدنيا جزاء إلا الجنة " ح " أو مع الشدة رخاء ومع الضيق سعة ومع الشقاوة سعادة ومع الحزونة سهولة وكرره تأكيداً ومبالغة أو العسر واحد واليسر اثنان لدخول الألف واللام على العسر وحذفهما من اليسر.(3/465)
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)
7 - {فَرَغْتَ} من الفرائض {فانصَبْ} في قيام الليل أو من الجهد فانصب لعبادة ربك أو من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك [223 / ب] / أو من صلاتك فانصب في دعائك.(3/465)
وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
8 - {فارغب} إليه في دعائك أو في معونتك أو في إخلاص نيتك.(3/465)
سورة التين
مكية أو مدنية " ع "
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والتين والزيتون (1) وطور سنين (2) وهذا البلد الأمين (3) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (4) ثم رددناه أسفل سافلين (5) إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم أجرٌ غير ممنون (6) فما يكذبك بعد بالدين (7) أليس الله بأحكم الحاكمين (8) }(3/466)
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)
1 - {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} المأكولان أو التين دمشق والزيتون بيت المقدس أو التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس أو التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس أو الجبل الذي عليه التين والجبل الذي عليه الزيتون وهما جبلان: بالشام أحدهما طور تيناً والآخر طور زيتاً أو جبلان بين حلوان وهمدان حكاه ابن الأنباري أو التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء أو التين مسجد نوح عليه الصلاة والسلام الذي بني على الجودي والزيتون مسجد بيت المقدس " ع " أو عبر بهما عن جميع النعم لأن التين طعام والزيتون إدام.(3/466)
وَطُورِ سِينِينَ (2)
2 - {طور} جبل بالشام أو الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه(3/466)
الصلاة والسلام. {سِينِينَ} الحسن بلغة الحبشة ونطقت بها العرب أو المبارك أو اسم للبحر أو الشجر الذي حوله.(3/467)
وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)
3 - {الْبَلَدِ} مكة {الأَمِينِ} الآمن أهله من القتل والسبي لأن العرب كانت تكف عنه في الجاهلية أن تسبي فيه أحداً أو تسفك دماً أو المأمون على ما أودعه الله تعالى معالم دينه.(3/467)
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
4 - {الإِنسَانَ} عام أو كلدة بن أسيد " ع " أو أبو جهل أو الوليد بن المغيرة أو عتبة وشيبة أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] {أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} أعدل خلق " ع " أو أحسن صورة أو شباب وقوة أو منتصب القامة وسائر الحيوان منكب.(3/467)
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)
5 - {أَسْفَلَ سَافِلينَ} الهرم بعد الشباب والضعف بعد القوة أو النار يعني الكافر في الدرك الأسفل.(3/467)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
6 - {مَمْنُونٍ} منقوص أو محسوب أو مكدر بالمن والأذى " ح " أو مقطوع أو أجر بغير عمل لأن من بلغ الهرم كتب له أجر ما عجز عنه من العمل الصالح أو لا يضره ما عمل في كبره.(3/467)
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)
7 - {فَمَا يُكَذِّبُكَ} أيها الإنسان بعد هذه الحجج أو ما يكذبك أيها الرسول بعدها بالدين: حكم الله تعالى " ع " أو الجزاء.(3/467)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)
8 - {أَلَيْسَ اللَّهُ} تقرير لمن اعترف من الكفار بالصانع. {بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} صنعاً وتدبيراً أو قضاءً بالحق وعدلاً بين الخلق وفيه محذوف(3/467)
وتقديره " فلم ينكرون مع هذه الحال البعث والجزاء ".
وكان علي رضي الله تعالى عنه إذا قرأها يقول بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.(3/468)
سورة إقرأ
سُورة العلق
مكية أول ما نزل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5) }(3/469)
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
1 - {بِاسْمِ رَبِّكَ} لما كانوا يعبدون آلهة لا تخلق ميز ربه عنهم بقوله {الَّذِى خَلَقَ} .(3/469)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
2 - {خَلَقَ الإِنسَانَ} جنس {عَلَقٍ} جمع علقة وهي قطعة دم رطب سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها [224 / أ] / بما تمر عليه فإذا جفت لم تكن علقة.(3/469)
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)
4 - {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} عام في كل كاتب أو أراد آدم عليه الصلاة والسلام لأنه أول من كتب أو إدريس وهو أول من كتب، والقلم: لأنه يقلم كالظفر أي يقطع.(3/469)
عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
5 - {مَا لَمْ يَعْلَمْ} الخط بالقلم أو كل صنعة.
{كلا إن الإنسان ليطغى (6) أن رءاه استغنى (7) إن إلى ربك الرجعى (8) أرءيت الذي ينهى (9) عبداً إذا صلى (10) ارءيت إن كان على الهدى (11) أو أمر بالتقوى (12) أرءيت إن كذب وتولى (13) ألم يعلم بأن الله يرى (14) كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية (15) ناصية كاذبة خاطئة (16) فليدع نادية (17) سندع(3/469)
الزبانية (18) كلا لا تطعه واسجد واقترب (19) }(3/470)
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6)
6 - {كَلاَّ} رد وتكذيب أو بمعنى " أَلاَ " {لَيَطْغَى} ليعصي أو ليبطر أو ليتجاوز قدره أو ليرتفع من منزلة إلى منزلة.(3/470)
أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)
7 - {اسْتَغْنَى} بماله أو عن ربه " ع " نزلت في أبي جهل.(3/470)
إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)
8 - {الرجعى} المنتهى أو المرجع في القيامة.(3/470)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9)
9 - {أرأيت الَّذِى يَنْهَى} نزلت في أبي جهل حلف لئن رأى الرسول [صلى الله عليه وسلم] يصلي ليطأن رقبته وليعفرن وجهه في التراب فجاءه وهو يصلي ليطأ رقبته فأراه الله تعالى بينه وبينه خندقاً من نار وهواء وأجنحة فنكص وقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً وكان في صلاة الظهر.(3/470)
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11)
11 - {أرأيت إن كان} الرسول [صلى الله عليه وسلم] مهتدياً في نفسه وأمر بطاعة ربه أو إن كان أبو جهل مهتدياً ألم يكن خيراً منه؟(3/470)
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13)
13 - {كَذَّبَ} بالله تعالى {وَتَوَلَّى} عن طاعته أو بالقرآن وتولى عن الإيمان.(3/471)
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)
14 - {ألم يعلم} الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو أبو جهل. {بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} عمله ويسمع قوله أو يراك في صلاتك حتى نهاك أبو جهل عنها.(3/471)
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15)
15 - {لَنَسْفَعاً} لنأخذن بناصيته وهو عند العرب أبلغ شيء في الإذلال والهوان أو أراد تسويد وجهه وتشويه خلقه والسفعة السواد من سفعته النار والشمس إذا غيرت وجهه وشوهته والناصية: شعر مقدم الرأس وقد يعبرون بها عن جملة الإنسان كقولهم ناصية مباركة.(3/471)
نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)
16 - {كَاذِبَةٍ} في قولها {خَاطِئَةٍ} في فعلها.(3/471)
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)
17 - {نَادِيَهُ} أهل ناديه والنادي: مجلس أهل الندى والجود.(3/471)
سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)
18 - {الزَّبَانِيَةَ} خزنة جهنم وهم أعظم الملائكة خلقاً وأشدهم بطشاً ويطلق الزبانية على من اشتد بطشه.(3/471)
كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
19 - {وَاسْجُدْ} يا محمد {وَاقْتَرِب} إلى الله تعالى أقرب ما يكون العبد في سجوده أو أسجد يا محمد واقترب يا أبا جهل من النار قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في أبي جهل أربع وثمانون آية وفي الوليد مائة وأربع آيات وفي النضر بن الحارث اثنتان وثلاثون آية وهذه أول سورة نزلت عند الأكثرين وقد ذكر نزول جميع السور.(3/471)
سورة القدر
مكية عند الأكثرين أو مدينة وقيل هي أول ما نزل بالمدينة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إنا أنزلناه في ليلة القدر (1) وما أدراك ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر (3) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر (4) سلامٌ هي حتى مطلع الفجر (5) }(3/472)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
1 - {أَنزَلْنَاهُ} جبريل عليه السلام أو القرآن نزل {في ليلة القدر} [224 / ب] / في شهر رمضان في ليلة مباركة من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة على جبريل عليه السلام عشرين ليلة ونجمه جبريل عليه السلام على الرسول [صلى الله عليه وسلم] في عشرين سنة فكان ينزل أرسالاً على مواقع النجوم(3/472)
في الشهر والأيام " ع " أو ابتدأ الله تعالى بإنزاله في ليلة القدر قاله الشعبي وليلة القدر في الشهر كله أو في العشر الأواخر ليلة الحادي والعشرين أو الثالث والعشرين أو السابع والعشرين " ع " أو الرابع والعشرين أو تنقل في كل عام من ليلة [إلى] أخرى {الْقَدْرِ} لأن الله تعالى قدر فيها [إنزال القرآن} أو لأنه يقدر فيها أمور السنة أو لعظم قدرها أو لعظم قدر الطاعات فيها وجزيل ثوابها.(3/473)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)
2 - {وَمَآ أَدْرَاكَ} تضخيماً لشأنها وحثاً على العمل فيها قال الشعبي: يومها كليلها وليها كيومها قال الضحاك لا يقدر الله تعالى فيها إلا السعادة والنعم ويقدر في غيرها البلايا والنقم وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يسميها ليلة التعظيم وليلة النصف من شعبان ليلة البراءة وليلتي العيدين ليلة الجائزة.(3/473)
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
3 - {خَيْرٌ لك مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أو العمل فيها خير من العمل في غيرها ألف شهر أو خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر أو كان في بني إسرائيل رجل يقوم حتى يصبح ويجاهد العدو حتى يمسي فعل ذلك ألف شهر فأخبر الله تعالى أن قيامها خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر أو كان ملك سليمان عليه الصلاة والسلام خمسمائة شهر وملك ذي القرنين خمسمائة شهر فجعلت ليلة القدر خيراً من ملكهما.(3/473)
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)
4 - {تَنَزَّلُ الْمَلآئِكَةُ} قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه الملائكة ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى {وَالرُّوحُ} جبريل عليه السلام أو حفظة الملائكة أو أشراف الملائكة أو جند من جند الله تعالى من غير الملائكة " ع " {بِإِذْنِ رَبِّهِم) {بأمره} (مِّن كُلِّ أمرٍ} يقضى في تلك الليلة من رزق وأجل إلى مثلها من قابل.(3/473)
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
5 - {سلامٌ} سالمة من كل شر لا يحدث فيها حدث ولا يرسل فيها(3/473)
شيطان أو هي سلامة وخير وبركة أو تسلم الملائكة على المؤمنين إلى طلوع الفجر.(3/474)
سورة لم يكن
سورة البينة
مدنية عند الجمهور أو مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة (1) رسولٌ من الله يتلوا صحفاً مطهرة (2) فيها كتبٌ قيمة (3) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة (4) وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة (5) إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية (6) إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية (7) جزاؤهم عند ربهم جناتُ عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه (8) }(3/475)
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)
1 - {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} اليهود والنصارى ومن المشركين. {مُنفَكِّينَ} منتهين عن الكفر حتى يتبين لهم الحق أو لم يزالوا على الشك حتى يأتيهم الرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أو لم يختلفوا أن الله تعالى سيبعث إليهم رسولاً حتى بُعث محمد [صلى الله عليه وسلم] فاختلفوا فآمن بعض وكفر آخرون أو لم يكونوا ليتركوا منفكين عن حجج الله تعالى حتى تأتيهم بينة تقوم بها الحجة عليهم. {البينة} القرآن [225 / أ] / أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] الذي بانت دلائل نبوته أو بيان الحق وظهور الحجج.(3/475)
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2)
2 - {رسول من الله} محمد [صلى الله عليه وسلم] {صُحُفاً} القرآن {مُّطَهَّرَةً} من الشرك أو لحسن الثناء والذكر.(3/476)
فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)
3 - {فِيهَا كُتُبٌ} الله تعالى المستقيمة التي جاء القرآن بتصديقها وذكرها أو فروض الله تعالى العادلة.(3/476)
وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
4 - {وَمَا تَفَرَّقَ} اليهود والنصارى إلا من بعد ما جاءهم محمد [صلى الله عليه وسلم] أو القرآن.(3/476)
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
5 - {مُخْلِصِينَ} مقرين له بالعبادة أو ينوون بعبادتهم وجهه أو إذا قال لا إله إلا الله قال على أثرها الحمد لله {حُنَفَآءَ} متبعين أو مستقيمين أو مخلصين أو مسلمين أو حجاجاً " ع " وقال عطية إذا اجتمع الحنيف والمسلم فالحنيف الحاج وإذا انفرد الحنيف فهو المسلم وقال سعيد بن جبير ولا تسمي العرب الحنيف إلا لمن حج واختتن أو المؤمنون بالرسل كلهم. {دِينُ الْقَيِّمَةِ} الأمة المستقيمة أو القضاء القيم " ع " أو الحساب البين.(3/476)
سورة الزلزلة
مدنية أو مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إذا زلزلت الأرض زلزالها (1) وأخرجت الأرض أثقالها (2) وقال الإنسان ما لها (3) يومئذ تحدث أخبارها (4) بأن ربك أوحى لها (5) يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم (6) فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره (8) }(3/477)
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
1 - {زُلْزِلَتِ} حركت الزلزلة: شدة الحركة مكرر من زل يزل {زِلْزَالَهَا} لأنها غاية زلزالها المتوقعة أو لأنها عامة في جميع الأرض بخلاف الزلازل المعهودة وهي زلزلة في الدنيا من أشراط الساعة عند الأكثر أو زلزلة يوم القيامة.(3/477)
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)
2 - {أَثْقَالَهَا} كنوزها عند من رآها من الأشراط أو من الموتى " ع " عند من رآها زلزلة القيامة أو ما عليها من جميع الأثقال.(3/477)
وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)
3 - {وَقَالَ الإِنسَانُ} المؤمن والكافر عند من رآها شرطاً أو الكافر عند الآخرين.(3/477)
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)
4 - {تُحَدِّثُ} يخلق الله تعالى فيها الكلام أو يقلبها حيواناً يتكلم أو يكون عنها بيان يقوم مقام الكلام {أَخْبَارَهَا} ما عمله العباد على ظهرها عند من رآها القيامة أو بما أخرجت من أثقالها عند الآخرين أو تخبر إذا قال الإنسان(3/477)
مالها بأن الدنيا قد انقضت وأن الآخرة قد أتت فيكون ذلك جواباً لسؤالهم.(3/478)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)
5 - {أَوْحَى لَهَا} ألهمها فأطاعت أو قال لها أو أمرها والذي أوحاه إليها أن تخرج أثقالها أو تحدث أخبارها.(3/478)
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
6 - {يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة {يَصْدُرُ النَّاسُ} من بين يدي الله تعالى فرقاً مختلفين بعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار أو يصيرون في الدنيا عند غلبة الأهواء فرقاً مختلفين بالكفر والإيمان والإساءة والإحسان ليروا جزاء أعمالهم يوم القيامة والشتات: التفرق والاختلاف.(3/478)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
7 - {يَرَهُ} يعرفه أو يرى صحيفة عمله أو يرى جزاءه ويلقاه [225 / ب] / في الآخرة مؤمناً كان أو كافراً أو يرى المؤمن جزاء سيئاته في الدنيا وجزاء حسناته في الآخرة ويرى الكافر جزاء حسناته في الدنيا وجزاء سيئاته في الآخرة قاله طاووس قيل نزلت في ناس من أهل المدينة كانوا لا يتورعون من الصغائر كالنظرة والغمزة والغيبة واللمسة قائلين إنما أوعدنا الله تعالى على الكبائر وفي ناس استقلوا إعطاء الكسرة والتمرة والجوزة قائلين إنما نؤجر على ما نعطيه ونحن نحبه ونزلت والرسول [صلى الله عليه وسلم] وأبو بكر رضي الله تعالى عنه يتغديان فقاما وأمسكا من شدة حزنهما.(3/478)
سورة العاديات
مكية أو مدنية " ع "
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والعاديات ضبحا (1) فالموريات قدحا (2) فالمغيرات صبحا (3) فأثرن به نقعا (4) فوسطن به جمعاً (5) إن الإنسان لربه لكنود (6) وإنه على ذلك لشهيد (7) وإنه لحب الخير لشديد (8) أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور (9) وحصل ما في الصدور (10) إن ربهم بهم يومئذ لخبير (11) }(3/479)
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)
1 - {وَالْعَادِيَاتِ} الخيل في الجهاد " ع " أو الإبل في الحجج قاله علي وابن مسعود رضي الله عنهما قال الشاعر.
(فلا والعاديات غداة جمع ... بأيديها إذا سطع الغبار)
من العَدْو وهو تباعد الأرجل في سرعة المشي {ضَبْحاً} حمحمة الخيل عند العَدْو أو شدة النفس عند سير الإبل قيل لا يضج بالحمحمة في العَدْو إلا الفرس والكلب وضج الإبل تنفسها أو ضجها بقول سابقها أح أح " ع ".(3/479)
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2)
2 - {فَالْمُورِيَاتِ} الخيل توري النار بحوافرها إذا جرت أو نيران المجاهدين إذا اشتعلت فأكثرت إرهاباً " ع " أو تهيج الحرب بينهم وبين عدوهم أو مكر الرجال في الحرب أو نيران الحجيج بمزدلفة أو الألسن إذا أقيمت بها الحجج وظهرت الدلائل فاتضح الحق قاله عكرمة.(3/480)
فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3)
3 - {فَالْمُغِيرَاتِ} الخيل تغير على العدو {صُبْحاً} أي علانية تشبيهاً بظهور الصبح " ع " أي الإبل حين تغدوا صبحاً من مزدلفة إلى منى.(3/480)
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)
4 - {نَقْعاً} غباراً أو النقع ما بين مزدلفة إلى منى أو بطن الوادي ولعله يرجع إلى الغبار المثار في هذا الموضع.(3/480)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)
5 - {جَمْعاً} جمع العدو حين يلتقي الزحف " ع " أو المزدلفة تسمى جمعاً لاجتماع الناس فيها وإثارة النقع في الدفع منها إلى منى قاله مكحول.(3/480)
إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
6 - {لَكَنُودٌ} كنود قيل الذي يكفر اليسير ولا يشكر الكثير أو اللوام لربه يذكر المصائب وينسى النعم أو جاحد الحق قيل إنها سميت كندة لأنها جحدت أباها أو العاصي بلسان كندة وحضرموت أو البخيل بلسان مالك بن كنانة أو الذي ينفق نعم الله في معاصيه أو الذي يضرب عبده ويأكل وحده ويمنع رِفده قيل نزلت في الوليد بن المغيرة.(3/480)
وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)
7 - {وَإِنَّهُ} وإن الله تعالى شاهد على كفر الإنسان أو الإنسان شاهد على أنه كنود.(3/480)
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)
8 - {الْخَيْرِ} الدنيا أو المال " ع " {لَشَدِيدٌ} لحب الخير أي زائد أو لشحيح بحق الله تعالى في المال " ح " فلان شديد أي شحيح.(3/480)
أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)
9 - {بُعْثِرَ} أخرج من فيها من الأموات أو قلب أو بحث.(3/480)
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)
10 -[226 / أ] / {وحصل} ميز أو استخرج أو كشف.(3/480)
سورة القارعة
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{القارعة (1) ما القارعة (2) وما أدراك ما القارعة (3) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث (4) وتكون الجبال كالعهن المنفوش (5) فأما من ثقلت موازينه (6) فهو في عيشةٍ راضية (7) وأما من خفت موازينه (8) فأمه هاوية (9) وما أدراك ما هيه (10) نارٌ حامية (11) }(3/481)
الْقَارِعَةُ (1)
1 - {الْقَارِعَةُ} العذاب لأنه يقرع أهل النار أو القيامة لقرعها بأهوالها.(3/481)
مَا الْقَارِعَةُ (2)
2 - {مَا الْقَارِعَةُ} تفخيماً لشأنها.(3/481)
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)
4 - {كَالْفَرَاشِ} الهمج الطائر من بعوض وغيره ومنه الجراد أو طير يتساقط في النار شبه تهافت الكفار في النار بتهافت الفراش فيها {الْمَبْثُوثِ} المبسوط أو المتفرق أو الذي يجول بعضه في بعض.(3/481)
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
5 - {كَالْعِهْنِ} الصوف ذو الألوان شبهها في ضعفها وخفتها بالصوف المنقوش.(3/481)
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)
6 - {مَوَازِينُهُ} ميزان ذو كفتين توزن به الحسنات والسيئات أو الحساب أو الحجج والدلائل، والموازين: جمع ميزان أو موزون.(3/481)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)
7 - {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} معيشة من المعاش مرضية وهي الجنة أو في نعيم دائم من العيش.(3/482)
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)
9 - {الهاوية} جهنم جعلها أُمًّا لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمه سميت هاوية لبعد قعرها وهويه فيها أو أم رأسه هاوية في النار.(3/482)
سورة ألهاكم
سورة التكاثر
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ألهاكم التكاثر (1) حتى زرت المقابر (2) كلا سوف تعلمون (3) ثم كلا سوف تعلمون (4) كلا لو تعلمون علم اليقين (5) لترون الجحيم (6) ثم لترونها عين اليقين (7) ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم (8) }(3/483)
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)
1 - {أَلهَاكُمُ} أنساكم أو شغلكم عن طاعة الله وعبادته {التَّكَاثُرُ} بالمال والأولاد أو التفاخر بالقبائل في العشائر أو بالمعاش والتجارة.(3/483)
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
2 - {زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} صرتم فيها زواراً ترجعون كرجوع الزائر إلى جنة أو نار أو تفاخرت بنو سَهْم وبنو عبد مناف أنهم أكثر عدداً فكثرت بنو عبد مناف فقال بنو سَهْم إن البغي أهلكنا في الجاهلية فَعُدّوا الأحياء والأموات فَعدُّوهم فكثرت بنو سَهْم فنزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} يعني بالعدد {حَتَّى زُرْتُمُ} أي ذكرتم الموتى في المقابر.(3/483)
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)
3 - {كَلا} حقاً أو بمعنى " أَلاَ " {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} تهديد ووعيد.(3/483)
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
5 - {لَوْ تَعْلَمُونَ} الآن من البعث والجزاء ما ستعلمونه بعد الموت(3/483)
{عِلْمَ الْيَقِينِ} علم الموت الذي هو يقين لا يعترضه شك أو ما تعلمونه يقيناً بعد الموت من البعث والجزاء قاله ابن جريج.(3/484)
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)
6 - {لَتَرَوُنَّ} أيها الكفار أو عام لأن المؤمن يمر على صراطها.(3/484)
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
7 - {عَيْنَ الْيَقِينِ} المشاهدة والعيان أو بمعنى الحق اليقين.(3/484)
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
8 - {النَّعِيمِ} الأمن والصحة أو الصحة والفراغ أو الإدراك بحواس السمع والبصر " ع " أو ملاذ المأكول والمشروب أو الغداء والعشاء " ح " أو ما أنعم عليكم بمحمد [صلى الله عليه وسلم] أو تخفيف الشرائع وتيسير القرآن أو شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم فيسأل الكافر تقريعاً والمؤمن تبشيراً بما جمع له من نعيم الدارين.(3/484)
سُورة العصر
مكية أو مدنية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين ءامنوا وعلموا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3) }(3/485)
وَالْعَصْرِ (1)
1 - {وَالْعَصْرِ} الدهر أو العشي ما بين الزوال إلى الغروب أو صلاة العصر.(3/485)
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
2 - {الإنسان} [226 / ب] / جنس {خُسْرٍ} هلاك أو شر أو نقص أو عقوبة.(3/485)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
3 - {بِالْحَقِّ} بالله أو بالتوحيد أو القرآن {بِالصَّبْرِ} على طاعة الله تعالى أو فرائضه.(3/485)
سورة الهُمزة
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ويل لكل همزة لمزة (1) الذي جمع مالاً وعدده (2) يحسب أن ماله أخلده (3) كلا لينبذن في الحطمة (4) وما أدراك ما الحطمة (5) نار الله الموقدة (6) التي تطلع على الأفئدة (7) إنها عليهم مؤصدة (8) في عمدٍ ممددةٍ (9) }(3/486)
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
1 - {هُمَزَةٍ} المغتاب واللُّمزة العيَّاب أو الهمزة الذي همز الناس بيده واللمزة الذي يلمزهم بلسانه أو الهمزة الذي يهمز الذي يلمز في وجهه إذا أقبل واللمزة الذي يلمز من خلفه إذا أدبر أو الهمزة الذي يعيب الناس جهراً بيد أو لسان واللمزة الذي يعيبهم سراً بعين أو حاجب نزلت في أبي بن خلف أو جميل بن عامر أو الأخنس بن شريق أو الوليد بن المغيرة أو عامة عند الأكثرين.(3/486)
الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
2 - {وَعَدَّدَهُ} أحصى عدده أو عَدَّد أنواعه أو أعده لما يكفيه من السنين أو اتخذ لماله من يرثه من أولاده.(3/486)
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
3 - {أَخْلَدَهُ} يزيد في عمره أو يمنعه من الموت.(3/486)
كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
4 - {الْحُطَمَةُ} الباب السادس من أبواب جهنم أو الدرك الرابع منها أو(3/486)
جهنم نفسها لأنها تأكل ما ألقي فيها والحطمة الرجل الأكول أو لأنها تحطم ما فيها أي تكسره.(3/487)
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
7 - {تطلع} قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] إن النار تأكل أهلها حتى إذا اطلعت على أفئدتهم انتهت ثم إذا صدروا تعود.(3/487)
إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)
8 - {مُّؤْصَدَةٌ} مطبقه " ح " أو مغلقة بلغة قيس أو مسدودة الجوانب لا يفتح منها جانب فلا يدخلها روح ولا يخرج منها غم.(3/487)
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
9 - {عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ} موصدة بعمد ممدودة أو معذبون فيها بعمد ممددة أو العمد الممددة أغلال في أعناقهم " ع " أو قيود في أرجلهم أو في دهر ممدود.(3/487)
سورة الفيل
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل (1) ألم يجعل كيدهم في تضليل (2) وأرسل عليهم طيراً أبابيل (3) ترميهم بحجارة من سجيل (4) فجعلهم كعصف مأكول (5) }(3/488)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
1 - {أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر أو ألم تر آثار ما فعل ربك بأصحاب الفيل لأنه ما رأه وولد بعده بأربعين سنة أو ثلاث وعشرين سنة أو ولد عام الفيل أو يوم الفيل وسبب قصدهم لمكة أن أبرهة بن الصباح بنى بصنعاء كنيسة وأراد صرف حج العرب إليها فسمع بذلك رجل من كنانة فخرج فأتاها ليلاً فأحدث فيها فبلغ أبرهة فحلف بالله تعالى ليهدمن الكعبة فسار إليها بالفيل. أو خرج فتية من قريش تجاراً إلى الحبشة فنزلوا على ساحل البحر على بيعة للنصارى فأوقدوا ناراً لطعامهم وتركوها وارتحلوا فهبت ريح فأحرقت البيعة فبلغ النجاشي فاستشاط غضباً فأتاه أبرهة بن الصباح وحجر بن شراحيل وأبو يكسوم الكنديون وضمنوا له إحراق الكعبة وسبي مكة وكان أبرهة صاحب جيش النجاشي وأبو يكسوم نديم أو وزير وحجر بن شراحيل من قواده فساروا بالجيش ومعهم فيل واحد عند الأكثر أو كانت ثمانية فيلة فأهلكهم الله عز وجل فرجع منهم أبرهة إلى اليمن فهلك في الطريق.(3/488)
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)
2 - {كيدهم} لقريش بإرادة قتلهم وسبيهم وتخريب [227 / أ] / الكعبة.(3/489)
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)
3 - {طَيْراً} من السماء لم ير قبلها ولا بعدها مثلها وروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أنها بين السماء والأرض تعشش وتفرخ أو هي العنقاء المغربة التي يضرب بها الأمثال قاله عكرمة أو من طير السماء أرسلت من ناحية البحر مع كل طائر ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره قيل كانت سوداً خضر المناقير طوال الأعناق أو كانت أشباه الوطاويط حمراً وسوداً أو أشباه الخطاطيف وسئل أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عنها فقال حمام مكة منها. {أَبَابِيلَ} كثيرة " ح " أو متتابعة يتبع بعضها بعضاً " ع " أو متفرقة من ها هنا ومن ها هنا أو مختلفة الألوان أو جمعاً بعد جمع أو أخذت من الإبل المؤبلة وهي الأقاطيع ولا واحد للأبابيل من جنسه أو واحدة إبالة وأبول أو أبيل.(3/489)
تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)
4 - {سِجِّيلٍ} كلمة فارسية سنك وكل أولها حجر وآخرها طين " ع " أو الشديد أو اسم للسماء الدنيا نسبت الحجارة إليها لنزولها منها أو اسم بحر في الهواء جاءت منه الحجارة وكانت كحصى الخذف أو فوق العدسة ودون الحمصة قال أبو صالح رأيت في دار أم هانئ نحو قفيز منها مخططة بحمرة كأنها الجزع ولما رمتها الطير أرسل الله تعالى ريحاً فضربتها فزادتها شدة فلم تقع على أحد إلا هلك.(3/489)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
5 - {كَعَصْفٍ} ورق الزرع {مَّأْكُولٍ} أكلته الدود " ع " أو الطعام أو قشر الحنطة إذا أكل ما فيه أو ورق البقل إذا أكلته البهائم فراثته أو العصف التبن والمأكول القصيل يجز للدواب فعل الله تعالى ذلك بهم معجزة لنبي كان في ذلك الزمان قيل هو خالد بن سنان أو توطيداً لنبوة محمد [صلى الله عليه وسلم] لأنه ولد في عامه أو في يومه.(3/490)
سورة ليلاف
سورة قريش
مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{لإيلاف قريش (1) إءلافهم رحلةَ الشتاء والصيف (2) فليعبدوا رب هذا البيت (3) الذين أطعمهم من جوع وءامنهم من خوف (4) }(3/491)
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)
1 - {لإيلاف} مأخوذ من ألف بألف وهي العادة المألوفة لإيلاف نعمتي على قريش لأن نعمته إلفة لهم " ع " أو لإيلاف الله تعالى لهم لأنه آلفهم إيلافاً قال له الخليل أو يلافهم حرمي وقيامهم ببيتي " ح " أو لإيلافهم الرحلتين واللام معلقة بقوله {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ} [الفيل: 5] أي ليلافهم أهلك أصحاب الفيل وكان عمر وأبي رضي الله تعالى عنهما يريانهما سورة واحدة لا يفصلان بينهما أو اللام متعلقة بقوله تعالى {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} أي لنعمتي عليهم فليعبدوا قاله أهل البصرة {قُرَيْشٍ} بنو النضر بن كنانة على المشهور أو بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وكانوا متفرقين في غير الحرم فجمعهم(3/491)
قصي بن كلاب في الحرم فاتخذوه [227 / ب] / مسكناً قال الشاعر:
(أبونا قصي كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر)
فسموا قريشاً لاجتماعهم بعد الفرقة والتقريش الجمع أو كانوا تجاراً يأكلون من مكاسبهم والتقريش الكسب أو كانوا يفتشون الحاج عن ذي الخلة فيسدون خلته والقرش الفتش أو قريش اسم دابة في البحر سميت بها قريش لأنها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى " ع " قال الشاعر في معنى ذلك:
(قريش هي التي تسكن البحر ... بها سميت قريش قريشا)(3/492)
إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
2 - {رِحْلَةَ الشِّتَآءِ} الرحلة: السفرة لما فيها من الارتحال كانوا يرتحلونهما للتجارة والكسب. والرحلتان إلى فلسطين رحلة الشتاء في البحر وأيلة طلباً للدفء ورحلة الصيف على بصرى وأذرعات طلباً للهواء أو رحلة الشتاء إلى اليمن لأنها حامية ورحلة الصيف إلى الشام لأنها باردة مَنَّ عليهم بذلك لأنهم كانوا يسافرون في العرب آمنين لكونهم أهل الحرم أو لأنهم يكسبون فيتوسعون ويصلون ويطعمون أو أراد بالرحلتين أنهم كانوا يشتون بمكة لدفاءتها ويصيفون بالطائف لهوائها " ع " قال الشاعر:
(تشتوا بمكة نعمة ... ومصيفها بالطائف)
وهذه نعمة جليلة فذكروا بها.(3/492)
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3)
3 - {رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} مَيَّز نفسه عن أوثانهم بإضافة البيت إليه أو فذكره تذكيراً لنعمه لشرفهم بالبيت على سائر العرب. {فَلْيَعْبُدُواْ} فليألفوا عبادته كما ألفوا الرحلتين أو فليعبدوه لإنعامه عليهم بالرحلتين أو فليعبدوه لأنه {أَطْعَمَهُم مِّن الجوع} الآية أو فليتركوا الرحلتين لعبادة رب هذا البيات فإنه يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف.(3/493)
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
4 - {أَطْعَمَهُم} بما أعطاهم من الأموال وساق إليهم من الأرزاق أو بإجابة دعوة إبراهيم لما قال {وارزقهم مِّنَ الثمرات} [إبراهيم: 37] أو أصابهم جوع في الجاهلية فحملت إليهم الحبشة طعاماً فخافوهم فخرجوا إليهم متحرزين فإذا بهم قد جلبوا لهم الطعام وأعانوهم بالأقوات. {مِّنْ خَوْفٍ} العرب أن تقتلهم أو تسبيهم تعظيماً للبيت ولما سبق من دعوة إبراهيم {اجعل هذا البلد آمِناً} [إبراهيم: 35] أو من خوف الحبشة مع الفيل أو من خوف الجذام أو آمنهم أن تكون الخلافة إلا فيهم. قاله علي.(3/493)
سورة أرأيت
سورة الماعون
مكية أو مدنية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{أرءيت الذي يكذب بالدين (1) فذلك الذين يدعُّ اليتيم (2) ولا يحضُّ على طعامِ المسكين (3) فويلٌ للمصلين (4) الذين هم عن صلاتهم ساهون (5) الذين هم يراءون (6) ويمنعون الماعون (7) }(3/494)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
1 - {بِالدِّينِ} الحساب أو حكم الله " ع " أو الجزاء نزلت في العاص بن وائل أو الوليد [228 / أ] بن المغيرة أو أبي جهل أو عمرو بن عائذ أو أبي سفيان نحر جزوراً فأتاه يتيم فسأله منها فقرعه بعصا.(3/494)
فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)
2 - {يَدُعُّ الْيَتِيمَ} يحقره أو يظلمه أو يدفعه دفعاً شديداً عن حقه وماله ظلماً وطعماً فيه أو إبعاداً له وزجراً.(3/494)
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)
4 - {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} فيه إضمار تقديره إن صلاها لوقتها لم يرجُ ثوابها وإن صلاها لغير وقتها لم يخش عقابها وهو المنافق " ح " أو لا إضمار فيه وتمامها بقوله {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} . {سَاهُونَ} لاهون أو غافلون أو لا يصليها سراً بل علانية " ح " أو الملتفت يمنة ويسرة في صلاته هواناً بها أو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله أو الذي يؤخرها عن مواقيتها مأثور(3/494)
الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)
6 - {يُرَآءُونَ} المنافق يصلي مع الناس ولا يصلي إذا خَلاَ " ع " أو عامة في أهل الرياء.(3/495)
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
7 - {الْمَاعُونَ} الزكاة أو المعروف أو الطاعة أو المال بلسان قريش أو الماء إذا احتيج إليه ومنه المعين الماء الجاري أو ما يتعاوره الناس بينهم كالدلو والقدر والفأس وما يوقد أو الحق أو المستغل من منافع الأموال من المعن وهو القليل.(3/495)
سُورَةُ الكوْثَرِ
مكية أو مدنية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إنا أعطيناك الكوثر (1) فصل لربك وانحر (2) إن شانئك هو الأبتر (3) }(3/496)
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)
1 - {الْكَوْثَرَ} النبوة والقرآن أو الإسلام أو نهر في الجنة مأثور أو حوضه يوم القيامة أو كثرة أمته أو الإيثار أو رفعة الذكر وهو فوعل من الكثرة.(3/496)
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
2 - {فَصَلِّ} الصبح بمزدلفة أو صلاة العيد أو اشكر ربك {وَانْحَرْ} الهدي أو الأضحية أو وأسل أو وضع اليمين على الشمال عند النحر في الصلاة " ع " أو رفع اليدين في التكبير إلى النحر أو استقبال القبلة في الصلاة بنحره.(3/497)
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
3 - {شَانِئَكَ} مبغضك أو عدوك {الأَبْتَرُ} الحقير الذليل أو الفرد الوحيد أوَ ألاَّ خير فيه حتى صار منه أبتر مأثور أو كانت قريش تقول لمن مات ذكور أولاده بتر فلان فلما مات للرسول ابنه القاسم بمكة وإبراهيم بالمدينة قالوا قد بتر محمد فليس له من يقوم بأمره من بعده أو لما دعا قريشاً إلى الإيمان قالوا ابتتر منا محمد أي خالفنا وانقطع عنا فأخبر الله أنهم هم المبترون. نزلت في أبي لهب وأبي جهل " ع " أو العاص بن وائل.(3/497)
سُورَةُ الكَافِرُونَ
مكية أو مدنية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قل يأيها الكافرون (1) لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3) ولا أنا عابدٌ ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5) لكم دينكم ولي دين (6) }(3/498)
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)
1 - {لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف رسول الله فقالوا يا محمد هلم فلتعبدوا ما نعبد ونعبد ما تعبدون ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه وإن كان الذي بأيدنا خيراً مما بيدك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه فنزلت.(3/498)
لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)
2 - 5 - {ولا أنتم عابدون} يعني المعنيين [228 / ب] / الذين التمسوا ذلك فإنهم لا(3/498)
يعبدون الله وليس بعامة لأن في الكفار من يؤمن وإنما نزلت جواباً لأولئك {لآ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الآن {وَلآ أَنَاْ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} في المستقبل {وَلآ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} الآن {وَلآ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} في المستقبل وقال ما أعبد ولم يقل من أعبد ليتقابل الكلام.(3/499)
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
6 - {لَكُمْ دِينُكُمْ} الكفر {وَلِىَ} الإسلام، أو لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني تهديد معناه وكفى بجزائكم عقاباً وبجزائي ثواباً.(3/499)
سُورَةُ النَّصْرِ
مدنية اتفاقا
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إذا جاء نصر الله والفتح (1) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً (2) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا (3) }(3/500)
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
1 - {النصر} المعونة نصر الغيث الأرض أعان على نباتها ومنع قحطها يريد نصره على قريش أو على كل من قاتله من الكفار. {وَالْفَتْحُ} فتح مكة " ح " أو فتح المدائن والقصور " ع " أو ما فتح عليه من العلوم.(3/500)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)
2 - {النَّاسَ يَدْخُلُونَ} أهل اليمن أو كل من دخل في الإسلام. قال الحسن لما فتحت مكة قالت العرب بعضها لبعض لا يدان لكم هؤلاء القوم فجعلوا يدخلون في دين الله أفواجاً أمة أمة قال الضحاك: الأمة أربعون رجلاً. {أفْوَاجاً} زمراً " ع " أو قبائل قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً وسيخرجون منه أفواجاً ".(3/500)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
3 - {فَسَبِّحْ} فَصَلِّ {وَاسْتَغْفِرْهُ} داوم ذكره " ع " أو صريح التسبيح والاستغفار من الذنوب فكان يكثر بعدها أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي {تَوَّاباً} قابلا للتوبة أو متجاوزاً عن الصغائر وأمر بذلك شكراً لله على نعمته من النصر والفتح أو نعى إليه نفسه ليجتهد في العمل قال ابن عباس داعٍ من الله ووداعٍ من الدنيا فلم يلبث بعدها إلاَّ سنتين مستديماً لما أمره به من التسبيح والاستغفار أو سنة واحدة فنزل في حجة الوداع {اليوم أَكْمَلْتُ} [المائدة: 3] فعاش بعدها ثمانين يوماً فنزلت آية الكلالة وهي آية الصيف فعاش بعدها خمسين يوماً " ع " فنزلت {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ} [التوبة: 128] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوماً فنزلت: {واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ} [البقرة: 281] فعاش بعدها أحدا وعشرين يوماً أو سبعة أيام.(3/501)
سورة تبت
سُورَةُ المَسَدْ
مكية اتفاقا.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{تبت يدا أبي لهب وتب (1) ما أغنى عنه ماله وما كسب (2) سيصلى ناراً ذات لهب (3) وامرأته حمالة الحطب (4) في جيدها حبل من مسد (5) }
{أتى أبو لهب الرسول فقال: ماذا أعطى إن آمنت بك قال: كما يعطى المسلمون قال فما لي فضل قال: وأي شيء تبتغي قال تباً لهذا من دين أن أكون أنا وهؤلاء سواء. فنزلت أو لما نزلت {وأنذر عشيرتك} [الشعراء: 214] صعد الرسول على الصفا فنادى يا صباحاه فاجتمعوا فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل يريد أن يغير عليكم صدقتموني قالوا: نعم [قال] فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تباً لك آخر اليوم ما دعوتنا إلا لهذا فنزلت. أو كان إذا وفد على الرسول وفد انطلق إليهم أبو لهب فسألوه(3/502)
عن الرسول فيقول إنه كذاب ساحر فيرجعون عنه ولا يلقونه فأتاه وفد ففعل مثل ذلك فقالوا لا ننصرف حتى نراه ونسمع كلامه فقال أبو لهب إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتبًّا له وتعساً فبلغ الرسول فاكتأب له فنزلت [229 / أ] /.(3/503)
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
1 - {تَبَّتْ} خابت " ع " أو ضلت أو [صفرت] من كل خير أو خسرت {يَدَآ} عبر بيديه عن نفسه {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10] أو عن عمله لأن العمل يكون بهما في الأغلب {أَبِى لَهَبٍ} كنوه بذلك لحسنه وتلهب وجنتيه وذكره الله تعالى بكنيته لأنها أشهر من اسمه أو عدل عن اسمه لأنه كان اسمه عبد العزى أو لأن الاسم أشرف من الكنية لأن الكنية إشارة إليه باسم غيره وكذلك دعا الله تعالى أنبياءه بأسمائهم {وَتَبَّ} تأكيد للأول أو قد تب أو تبت يداه بما منعه الله من أذى رسوله [صلى الله عليه وسلم] وتب بماله عند الله تعالى من العقاب أو تب ولد أبي لهب، تبت يداه عن التوحيد " ع " أو من الخيرات.(3/503)
مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)
2 - {مَآ أَغْنَى} ما دفع أو ما نفع {مَالُهُ} غنمه كان صاحب سائمة أو " تليدة أو طارفة " {وما كسب} عمله الخبيث أو ولده " ع " قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " أولادكم من كسبكم " وكان ابنه عتبة مبالغاً في عداوة الرسول [صلى الله عليه وسلم] وقال(3/503)
كفرت بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى وتفل في وجه الرسول [صلى الله عليه وسلم] وخرج إلى الشام فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " اللهم سلط عليه كلباً من كلابك " فأكله الذئب. فلم يغن عنه ماله وكسبه في عداوة الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو في دفع النار يوم القيامة.(3/504)
سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)
3 - {سَيَصْلَى} سين الوعيد أو بمعنى سوف يصلى يكون صلىً لها حطباً لها ووقوداً أو تصليه النار أي تنضجه " ع " {لَهَبٍ} ارتفاع أو قوة واشتعال وهذه صفة مضارعة لكنيته وعده الله تعالى بأنه يدخل النار بكفرة أو يموت على كفره فكان كما أخبر.(3/504)
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
4 - {وَامْرَأَتُهُ} أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} تحتطب الشوك فتلقيه في طريق الرسول [صلى الله عليه وسلم] ليلاً " ع " أو كانت تعي الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالفقر [وكانت تحطب فعيّرت بأنها كانت تحطب أو] لما حملت أوزار كفرها صارت كالحاملة لحطب نارها التي تصلى به أو لأنها كانت تمشي بالنميمة وسمي النمام حمالاً للحطب لأنه يشعل العداوة كما يشعل الحطب النار أو جعل ما حملته من الإثم في عداوة الرسول [صلى الله عليه وسلم] كالحطب في مصيره إلى النار فيكون عذاباً.(3/504)
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
5 - {فِى جِيدِهَا} يوم القيامة. جيدها: عنقها {حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً سميت مسداً لأنها ممسودة أي مفتولة أو حبل من ليف المقل أو قلادة من ودع على وجه التعيير لها أو حبل ذو ألوان من أحمر وأصفر تتزين به في جيدها " ح " فعيرت بذلك أو قلاده جوهر فاخر قالت(3/504)
لأنفقنها في عداوة الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو عبر بذلك عن خذلانها كالمربوطة عن الإيمان بحبل من مسد ولما نزلت أقبلت تولول وبيدها فِهْر وهي تقول.
(مذمماً أبينا ... ودينه قلينا)
(وأمره عصينا ... )
والرسول [صلى الله عليه وسلم] [229 / ب] / وأبو بكر رضي الله تعالى عنه في المسجد فقال يا رسول الله إني أخاف أن تراك فقال إنها لن تراني وقرأ قرآناً اعتصم به فلم تره فقالت لأبي بكر رضي الله تعالى عنه إني أخبرت أن صاحبك هجاني فقال لا ورب هذا البيت ما هجاك فولت فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفاني الله تعالى شرها فعثرت في مرطها فقالت: تعس مذمم.(3/505)
سُورَةُ الإخْلاَصِ
مكية أو مدنية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفواً أحد (4) }
قالت اليهود للرسول [صلى الله عليه وسلم] هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله فنزلت. أو قال مشركو قريش انسب لنا ربك فنزلت وقال يا محمد انسبني إلى هذا أو أرسل المشركون عامر بن الطفيل فقالوا: قد شققت عصانا وسيَّبت آباءنا وخالفت دين آبائك فإن كنت فقيراً أغنيناك وإن كنت مجنوناً داويناك وإن هويت امرأة زوجناك فقال: لست بفقير ولا مجنون ولا هويت امرأة أنا رسول الله إليكم(3/506)
أدعوكم إلى عبادته.
فأرسلوه ثانية فقالوا: بَيِّن لنا جنس معبودك فنزلت هذه السورة فأرسلوه بأن لنا ثلاثمائة وستين صنماً لا تقوم بحوائجنا فكيف يقوم إلاه واحد بحوائج الخلق كلهم فنزلت {والصافات} إلى {إن إلهكم لواحد} [1 - 4] أي في حوائجكم كلها فأرسلوه رابعة بأن يبين لنا أفعال ربه فنزلت {إن ربكم الله} [الأعراف: 54] و {الله الذي خلقكم} [الروم: 40] الآيتان.(3/507)
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)
1 - {أَحَدٌ} الأحد المنفرد بصفاته فلا شبْه له ولا مثل تقديره الأحد فحذفت الألف واللام أو ليس بنكرة وإنما هو بيان وترجمة قال المبرد: الأحد والواحد سواء أو الأحد الذي لا يدخل في العدد والواحد يدخل في العدد لأنك تقول للواحد ثانياً أو الأحد يستوعب جنسه والواحد لا يستوعبه لأنك لو قلت فلان لا يقاومه أحد لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر فالأحد أبلغ من الواحد وسميت سورة الإخلاص لأن قراءتها خلاص من عذاب الله [أو] لأن فيها إخلاص الله تعالى من شريك وولد أو لانها خالصة لله تعالى ليس فيها أمر ولا نهي.(3/507)
اللَّهُ الصَّمَدُ (2)
2 - {الصَّمَدُ} المصمت الذي لا جوف له أو الذي لا يأكل ولا يشرب أو الباقي الذي لا يفنى أو الدائم الذي لم يزل ولا يزال أو الذي لم يلد ولم يولد أو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم.
(ألا بَكَر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن مسعود [وبالسيد} الصمد)
أو السيِّد الذي انتهى سؤدده أو الكامل الذي لا عيب فيه أو المقصود إليه(3/507)
في الرغائب والمستعان به في المصائب أو المستغني عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد أو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.(3/508)
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)
3 - {لَمْ يَلِدْ} فيكون والداً {وَلَمْ يُولَدْ} فيكون ولد " ع " أو لم يلد فيكون في العز مشاركاً ولم يولد فيكون موروثاً هالكاً لأنهما صفتا نقص أو لأنه لا مثل له فلو ولد لكان له مثل.(3/508)
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
4 - {كُفُواً} لا مثل له ولا عديل أو لا يكافئه من خلقه أحد أو نفى عنه الصاحبة.(3/508)
سورة الفلق
مكية أو مدينة
هي والتي بعدها معوذتا الرسول صلى الله عليه وسلم حين سحرته اليهودية وكان يقول لهما المقشقشتان أي تبرآن من النفاق وخالف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الإجماع بقوله هما عوذتان وليستا من القرآن الكريم. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قل أعوذ برب الغلق (1) من شر ما خلق (2) ومن شر غاسقٍ إذا وقب (3) ومن شر النفاثات في العقد (3) ومن شر حاسدٍ إذا حسد (4) }(3/509)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
1 - {الْفَلَقِ} اسم لجهنم أو لسجن فيها " ع " أو الخلق كلهم أو فلق(3/509)
الصبح أو الجبال والصخور تنفلق بالمياه [230 / أ] / أو كل ما انفلق عن كل ما خلق من صبح وحيوان وصخور [وجبال] وحب ونوى وكل شيء من نبات وغيره وأصل الفلق الشق الواسع قيل للصبح فلق لانفلاق الظلام عنه كما قيل له فجر لانفجار الضوء منه والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله رب العالمين.(3/510)
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)
2 - {شّرِّ مَا خَلَقَ} جهنم أو إبليس وذريته أو عام من كل شرور الدنيا والآخرة أو التعوذ من شر موجب للعقاب أو عام في كل شر.(3/510)
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)
3 - {غَاسِقٍ} الشمس إذا غربت أو القمر إذا ولج في الظلام. نظر الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى القمر وقال لعائشة رضي الله تعالى عنها " تعوذي بالله من شر غاسق إذا وقب وهذا الغاسق إذا وقب " أو الثريا إذا سقطت لأن الأسقام والطواعين تكثر عند سقوطها وترتفع عند طلوعها أو الليل لخروج السباع والهوام فيه وينبعث أهل الشر على العبث والفساد " ع " {إِذَا وَقَبَ} أظلم " ع " أو دخل أو ذهب أصل الغسق الجريان غسقت القرحة جرى صديدها والغساق صديد أهل النار لجريانه وغسقت العين جرى دمعها بالضرر(3/510)
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
4 - {النَّفَّاثَاتِ} السواحر ينفثن في عقد الخيوط للسحر وربما فعل في الرقي مثل ذلك طلباً للشفاء والنفث النفخ في العقد بغير ريق والتفل النفخ فيها بريق وأثره تخييل للأذى والمرض أو يمرض ويؤذي لعارض ينفصل فيتصل بالمسحور فيؤثر فيه كتأثير العين وكما ينفصل من فم المتثائب ما يحدث في المقابل له مثله أو قد يكون ذلك بمعونة من خدم الجن يمتحن الله تعالى به(3/510)
بعض عباده والأكثرون على أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] سحر واستخرج وتراً فيه إحدى عشرة عقدة فأمر بحلها فكان كلما حُلّت عقدة وجد راحة حتى حلت العقد كلها فكأنما أنشط من عقال فنزلت المعوذتان إحدى عشرة آية بعدد العقد وأمر أن يتعوذ بهما ومنع آخرون من تأثير السحر في الرسول [صلى الله عليه وسلم] وإن جاز في غيره لما في استمراره من خبل العقل ولإنكار الله تعالى على من قال: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} [الإسراء: 47] .(3/511)
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
5 - {ومن شر [230 / ب] / حَاسِدٍ} من شر نفسه وعينه أن يصيب بها أو لأن حسده يحمله على الأذى و [الحسد] : تمني زوال النعمة عن المحسود وإن لم تصر للحاسد والمنافسة تمني مثلها فالمؤمن يغبط والمنافق يحسد.(3/511)
سُورَةُ النَّاسِ
كالفلق.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قل أعوذُ برب الناس (1) ملك الناس (2) إله الناس (3) من شر الوسواس الخناس (4) الذي يوسوس في صدور الناس (5) من الجنة والناس (6) }(3/512)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)
1 - {بِرَبِّ النَّاسِ} لما أمر بالاستعاذة من شرهم أخبر أنه هو الذي يعيذ منهم.(3/512)
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)
4 - {الْوَسْوَاسِ} وسوسة الإنسان التي تحدث بها نفسه وقد تجاوز الله عنها والشيطان جاثم على قلب ابن آدم إذا سَهَا وغَفَل وسوس وإذا ذكر الله تعالى خنس {الْخَنَّاسِ} الشيطان لكثرة اختفائه كقوله {فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس} [التكوير: 15] أي النجوم لاختفائها أو لأنه يرجع بالوسوسة عن الهدى أو يخرج بالوسوسة عن اليقين.(3/512)
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)
5 - {يوسوس} يدعو إلى طاعته بما يصل إلى القلب من قول متخيل أو يقع في النفس من أمر متوهم وأصله الصوت الخفي.
(تَسْمَعُ للحَلْي وَسْوَاساً ... ... ... ... ... ... ... ...)(3/512)
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
6 - {مِنَ الْجِنَّةِ} من وسواس الشيطان كما ذكرت {وَالنَّاسِ} وسوسة الإنسان لنفسه أو إغواء من يغويه من الناس. والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(3/513)