إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
90 - {بِالْعَدْلِ} شهادة التوحيد {وَالإِحْسَانِ} الصبر على طاعته في أمره ونهيه سراً وجهراً {وإيتاء ذِى الْقُرْبَى} صلة الرحم، والفحشاء: الزنا. والمنكر: القبائح، والبغي: الكبر والظلم، أو العدل: القضاء بالحق، والإحسان: التفضل بالإنعام، وإيتاء ذي القربى: صلة الأرحام، والفحشاء: ما يُسر من القبائح، والمنكر: ما يُظهر منها فينكر، والبغي ما يتطاول به من ظلم وغيره، أو العدل استواء السريرة والعلانية في العمل لله، والإحسان فضل السريرة على العلانية، والمنكر والبغي فضل العلانية على السريرة. {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمةٌ هي أربى من أمةٍ إنما يبلوكم الله به ولبينّن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولو شاء(2/200)
الله لجعلكم أمةً واحدةً ولكن يضل من يشاء ويهدى من يشاء ولتسئلن عمّا كنتم تعملون ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ولا تشتروا بعد الله ثمنا قليلاً إنما عند الله هو خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ ولنجزينّ الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}(2/201)
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)
91 - {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ} نزلت في بيعة الرسول [صلى الله عليه وسلم] على الإسلام أو في الحلف الواقع في الجاهلية بين أهل الشرك والإسلام فجاء الإسلام بالوفاء به، أو في كل يمين / [96 / ب] منعقدة يجب الوفاء بها ما لم تدعُ ضرورة إلى الحنث، وقول الرسول [صلى الله عليه وسلم] " فليأتِ الذي هو خير " محمول على الضرورة دون المباح، وأهل الحجاز يقولون: وكدت توكيداً وأهل نجد أكدت تأكيداً.(2/201)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)
92 - {كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا} امرأة حمقاء بمكة كانت تغزل الصوف ثم تنقضه بعد إبرامه. فشبه ناقض العهد بها في السفه والجهل تنفيراً من ذلك(2/201)
{غَزْلَهَا} عبّر عن الحبل بالغزل، أو أراد الغزل حقيقة {قُوَّةٍ} إبرام، أو القوة: ما غزل على طاقة ولم تثن {أَنكَاثاً} أنقاضاً واحدها نكث، وكل شيء نقض بعد الفتل فهو أنكاث {دَخَلاً} غروراً، أو دغلاً وخديعة، أو غلاً وغشاً، أو أن يكون داخل القلب من الغدر غير ما في الظاهر من الوفاء، أو الغدر والخيانة. {أَرْبَى} أكثر عدداً وأزيد مدداً فتغدر بالأقل. {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}(2/202)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
97 - {حَيَاةً طَيِّبَةً} بالرزق الحلال " ع "، أو القناعة، أو الإيمان بالله - تعالى - والعمل بطاعته، أو السعادة " ع "، أو الجنة. {فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرّجيم إنّه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربّهم يتوكّلون إنّما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون 100}(2/202)
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)
98 - {قَرَأْتَ} أردت، أو إذا كنت قارئاً فاستعذ، أو تقديره فإذا استعذت بالله فاقرأ على التقديم والتأخير.(2/202)
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)
99 - {سُلْطَانٌ} قدره على حملهم على ذنب لا يغفر، أو حجة على ما يدعوهم إليه من المعصية، أو لا سلطان له عليهم لاستعاذتهم بالله - تعالى - لقوله - تعالى -: {وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ} [الأعراف: 200] ، أو لا سلطان له عليهم بحال لقوله - سبحانه وتعالى: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتبعك} [الحجر: 42] .(2/202)
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)
100 - {بِهِ مُشْرِكُونَ} بالله، أو أشركوا الشيطان في أعمالهم، أو لأجل(2/202)
الشيطان وطاعته أشركوا. {وإذا بدّلنا ءايةً مكان ءايةٍ والله أعلم بما ينزّل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون 101 قل نزّله روح القدس من رّبّك بالحق ليثبّت بالذين ءامنوا وهدى وبشرى للمسلمين}(2/203)
وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)
101 - {بَدَّلْنَآ} نسخناها حكماً وتلاوة، أو حكماً دون التلاوة {لا يَعْلَمُونَ} جواز النسخ والله - تعالى - أعلم بالمصلحة فيما ينزله ناسخاً ومنسوخاً. {ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يعلّمه بشرٌ لسان الذي يلحدون إليه أعجمىٌ وهذا لسان عربيٌ مبين إن الذين لا يؤمنون بئايات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بئايات الله وأولئك هم الكاذبون}(2/203)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)
103 - {بشر} بلعام فتى بمكة كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] يدخل عليه ليعلمه فاتهموا الرسول [صلى الله عليه وسلم] بأنه يتعلم منه، أو يعيش عبد بني الحضرمي كان(2/203)
الرسول [صلى الله عليه وسلم] يلقنه القرآن، أو غلامان صيقلان لبني الحضرمي من أهل عين التمر كانا يقرآن التوراة فربما جلس إليهما الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو سلمان الفارسي {يُلْحِدُونَ} يميلون، أو يعرضون به. والعرب يعبّرون عن الكلام باللسان. {مَن كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذاب عظيمٌ ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأنّ الله لا يهدى القوم الكافرين أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون لا جرم أنّهم في الآخرة هم الخاسرون 109 ثم إن ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ يوم تأتى كل نفسٍ تجادل عن نفسها وتوفى كل نفسٍ ما عملت وهم لا يظلمون}(2/204)
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)
106 - {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ} نزلت في عبد الله بن أبي سرح ومِقْيسَ بن صُبَابة(2/204)
وعبد الله بن خطل وقيس بن الوليد بن المغيرة كفروا بعد إيمانهم {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} نزلت في عمار وأبويه ياسر وسمية، أوفي بلال وصهيب وخباب أظهروا الكفر وقلوبهم مطمئنة بالإيمان.(2/205)
وضرب الله مثلاً قريةً كانت ءامنةً مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكانٍ فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون وقد جاءهم رسولٌ منهم فكّذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون}(2/206)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)
112 - {قرية كانت آمنة} مكة، وسمي الجوع والخوف لباساً، لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس، بلغ بهم القحط أن أكلوا القد والعلهز وهو الوبر يخلط بالدم " والقراد ثم " يؤكل " ع "، أو المدينة آمنت بالرسول [صلى الله عليه وسلم] ثم كفرت بعده بقتل عثمان - رضي الله تعالى عنه - وما حدث فيها من الفتن قالته حفصة، أو كل مدينة كانت على هذه [97 / أ] الصفة من سائر القرى. {فكلوا ممّا رزقكم الله حلالاً طيّباً واشكروا نعمت الله إن كنتم إيّاه تعبدون إنّما حرّم عليكم الميتة والّدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله(2/206)
به فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاعٌ قليلٌ ولهم عذابٌ أليمٌ 3 وعلى الذين هادوا حرّمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثمّ إنّ ربّك للّذين عملوا السوء بجهالةٍ ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ}(2/207)
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
119 - {بِجَهَالَةٍ} أنه سوء، أو بغلبة الشهوة مع العلم بأنه سوء. إن إبراهيم كان أمّة قانتا لله حنيفاً ولم يك من المشركين 120 شاكراٌ لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ وءاتيناه في الدنيا حسنة وإنّه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن أتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}(2/207)
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
120 - {أُمَّةً} إماماً يؤتم به، أو معلماً للخير، أو أمة يقتدى به سمي بذلك لقيام الأمة به {قَانِتاً} مطيعاً، أو دائماً على العبادة {حَنِيفاً} مخلصاْ، أو حاجاً، أو مستقيماً على طريق الحق.(2/207)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)
112 - {حَسَنَةً} نبوة، أو لسان صدق، أو كل أهل الأديان يتولونه ويرضونه، أو ثناء الله - تعالى - عليه.(2/207)
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)
123 - {اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} في الإسلام والبراءة من الأوثان، أو في جميع ملته إلا ما أمر بتركه. {إنما جعل السّبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربّك ليحكم بينهم يوم القيامة(2/207)
فيما كانوا فيه يختلفون}(2/208)
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
124 - {اخْتَلَفُواْ فِيهِ} فقال بعضهم: السبت أعظم الأيام حرمة، لان الله - تعالى - فرغ من خلق الأشياء فيه، أو قال بعضهم: الأحد أفضل، لأن الله - تعالى - ابتدأ الخلق فيه، أوعدلوا عما أمروا به من تعظيم الجمعة تغليباً لحرمة السبت أو الأحد. {ادع إلى سبيل ربك بالحكم والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}(2/208)
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
125 - {سَبِيلِ رَبِّكَ) {الإسلام} (بِالْحِكْمَةِ) {بالقرآن} (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} القرآن في لين من القول، أو بما فيه من الأمر والنهي. {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيقٍ ممّا يمكرون إن الله مع الذين اتٌ قوا والذين هم محسنون}(2/208)
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)
126 - {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} نزلت في قريش لما مثلوا بقتلى أُحُد ثم نسخت بقوله - تعالى - {واصبر وما صبرك إلا بالله} [127] أو هي(2/208)
محكمة، أو نزلت في كل مظلوم أن يقتص بقدر ظلامته. {وَاصْبِرْ} عن المعاقبة بمثل ما عاقبوا به قتلى أُحد من المثلة.(2/209)
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)
128 - {اتقوا} المحرمات، وأحسنوا بالفرائض والطاعات.(2/209)
سورة الإسراء
سورة بني إسرائيل
مكية أو إلا ثمان آيات {وإن كادوا ليفتنونك} [73] {سلطانا نصيرا} [80] " ع ".
بسم الله الرحمن الرحيم
{سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من ءاياتنا إنّه هو السميع البصير}(2/210)
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
1 - {سبحان} تنزيه لله - تعالى - من السوء، أو براءة الله - تعالى - من السوء. وهو تعظيم لا يصلح لغير الله. أخذ من السبح في التعظيم وهو الجري فيه، وقيل هو هنا تعجيب أي اعجبوا للذي أسرى، لما كان مشاهدة العجب سبباً للتسبيح صار التسبيح تعجباً. ويطلق التسبيح على الصلاة. وعلى الاستثناء {لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ} [القلم: 28] ، وعلى النور " سبحات وجهه "، وعلى التنزيه، سئل الرسول [صلى الله عليه وسلم] عن التسبيح فقال: " إنزاه الله - تعالى - عن السوء ".(2/210)
{بعبده} : محمد [صلى الله عليه وسلم] . والسرى: سير الليل. {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الحرم كله، أو المسجد نفسه، سرت روحه وجسده فصلى في بيت المقدس بالأنبياء ثم عرج إلى السماء ثم رجع إلى المسجد الحرام فصلى به الصبح آخر ليلته، أو لم يدخل القدس ولم ينزل عن البراق حتى عرج به ثم عاد إلى مكة، أو أسرى بروحه دون جسده فكانت رؤيا من الله - تعالى - صادقة: {الأقصى} لبعده من المسجد الحرام. {بَارَكْنَا} بالثمار ومجرى الأنهار، أو بمن جُعل حوله من الأنبياء والصالحين {من آياتنا} عجائبنا، أومن رأيهم من الأنبياء حتى وصفهم واحداً واحداً {السَّمِيعُ} لتصديقهم بالإسراء وتكذيبهم {الْبَصِيرُ} بما فعل من الإسراء والمعراج. {وءاتينا موسى الكتاب وجعلناه هدىً لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلاً ذرّية من حملنا مع نوحٍ إنّه كان عبداً شكوراً}(2/211)
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)
2 - {وَكِيلاً} :، شريكاً، أو رباً يتوكلون عليه في أمورهم، أو كفيلاً بأمورهم.(2/211)
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)
3 - {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا} هم موسى وبنو إسرائيل: {شَكُوراً} نوح يحمد(2/211)
ربه على الطعام، أو لا يستجد ثوباً إلا حمد الله على لبسه. {وقضينا إلى بنى اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرّتين ولتعلنّ علوّا كبيراً فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأس شديدٍ فجاسوا خلال الدّيار وكان وعداً مفعولاً ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرةٍ وليتبروا ما علوا تتبيراً عسى ربّكم أن يرحمكم وإن عدتّم عدنا وجعلنا جهنّم للكافرين حصيراً}(2/212)
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)
4 - / {وَقَضَيْنَآ} أخبرنا {لَتُفْسِدُنَّ} بقتل الناس وأخذ أموالهم وتخريب ديارهم. {عُلُوّاً} : بالاستطالة والغلبة.(2/212)
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)
5 - {بَعَثْنَا} خلينا بينكم وبينهم خذلاناً بظلمكم، أو أمرناهم بقتالكم {عِبَاداً} جالوت إلى أن قتله داود " ع " أو بختنصر، أو سنحاريب أوالعمالقة وكانوا كفاراً، أو قوم من أهل فارس يتحسسون أخبارهم. {فَجَاسُواْ} مشوا وترددوا بين الدور والمساكن " ع "، أو قتلوهم بين الدور والمساكن قال:
(ومنا الذي لا قى بسيف محمد ... فجاس به الأعداء عرض العساكر)
أو طلبوا، أو نزلوا.(2/212)
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)
6 - {الْكَرَّةَ} : الظفر بهم بقتل جالوت، أو غزو ملك بابل فاستنقذوا ما بيده من الأسرى والأموال، أو أطلق لهم ملك بابل الأسرى والأموال.(2/212)
{وَأَمْدَدْنَاكُم} جدد عليهم النعمة فبقوا بها مائة وعشرين سنة، وبعث فيهم أنبياء.(2/213)
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
7 - {لأِنفُسِكُمْ} : ثواب إحسانكم {وَإِنْ أَسَأْتُمْ} عاد العقاب عليكم، رغّب في الإحسان وحذر من الإساءة. {وعد الآخرة} : بعث عليهم بختنصر، أو انطيا خوس الرومي ملك نينوي {الْمَسْجِدَ} : بيت المقدس. يتبروا: يهلكوا ويدمروا، أو يهدموا ويخربوا.(2/213)
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)
8 - {يَرْحَمَكُمْ} : مما حل بكم من النقمة {وَإِنْ عُدتُّمْ} إلى الفساد عدنا إلى الانتقام، فعادوا فبُعث عليهم المؤمنون يُذلونهم بالجزية والمحاربة إلى القيامة " ع " {حصيرا} فراشاً من الحصر المفترش أو حبسنا من الحصر، والملك حصير لاحتجابه. {إن هذا القرءان يهدى للتى هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليما}(2/213)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)
9 - {لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ} شهادة التوحيد، أو أوامره ونواهيه. وأقوم: أصوب. {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا}(2/213)
وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)
11 - {وَيَدْعُ الإِنسَانُ} إذا ضجر وغضب على نفسه وولده بالهلاك،(2/213)
ولو أجيب كما يجاب في دعاء الخير لهلك، أو يطلب النفع عاجلاً بالضرر آجلاً. {عَجُولاً} بدعائه على نفسه وولده عند ضجره " ع "، أو أراد آدم نفخت الروح فيه فبلغت سرته فأراد أن ينهض عجلاً. {وجعلنا الّيل والنّهار ءايتين فمحونا ءاية الّيل وجعلنا ءاية النّهار مبصرةً لتبتغوا فضلاً ومن ربّكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شىءٍ فصّلناه تفصيلاً}(2/214)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)
12 - {فمحونا آية الليل} ظلمة الليل التي لا تبصر فيها المرئيات كما لا يبصر ما انمحى من الكتابة " ع "، أو اللطخة السوداء في القمر ليكون ضوءه أقل من ضوء الشمس ليتميز الليل من النهار. {آية النَّهَارِ مُبْصِرَةً} الشمس مضيئة للإبصار، أو أهله بصراء فيه. {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلاقاه منشوراً اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليها ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}(2/214)
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)
13 - {طائره} : عمله من الخير والشر {فِى عُنُقِهِ} لأنه كالطوق أو حظه ونصيبه طار سهم فلان بكذا خرج نصيبه وسهمه منه.(2/214)
اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
14 - {كِتَابَكَ} كتابه: طائره الذي في عنقه {حَسِيباً} شاهداً، أو حاكماً عليها بعملها من خير أو شر. ولقد أنصفك من جعلك حسبياً على نفسك بعملك.(2/214)
مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)
15 - {وَلا تَزِرُ} : لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، أو لا يجوز أن يعصي لمعصية غيره {مُعَذِّبِينَ} : في الدنيا والآخرة على شرائع الدين حتى نبعث(2/214)
رسولاً مبيناً، أو على شيء من المعاصي حتى نبعث رسولاً داعياً. {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا}(2/215)
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)
16 - {أَرَدْنَآ} صلة تقديره إذا أهلكنا، أو حكمنا لهلاك قرية. {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} بالطاعة {فَفَسَقُواْ} بالمخالفة " ع " {أمرنا} جعلناهم أمراء مسلطين. / [98 / أ] {آمرنا} كثرّنا عددهم، أمر القوم كثروا وإذا كثروا احتاجوا إلى أمراء {مُتْرَفِيهَا} الجبارون، أو الرؤساء.(2/215)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)
17 - {الْقُرُونِ} مدة القرن مائة وعشرون سنة، أو مائة سنة، أو أربعون سنة. {من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظوراً انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعضٍ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً لا تجعل مع الله إلهاً ءاخر فتقعد مذموماً مخذولاً}(2/215)
كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)
20 - {هَؤُلآءِ وَهَؤُلآءِ} نمد البَر والفاجر {مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ} في الدنيا {مَحْظُوراً} منقوصاً، أو ممنوعاً.(2/215)
{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}(2/216)
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)
23 - {وَقَضَى} أمر " ع " قال الضحاك: كانت في المصحف " ووصى " فألصق الكاتب الواو بالصاد فصارت وقضى قلت: هذا هوس {ولا تَقُل لَّهُمَآ افٍ} إذا رأيت بهما الأذى أو أمطت عنهما الخلاء فلا تضجر كما لم يضجرا في صغرك لما أماطاه عنك، أُفٍّ: كل ما غلظ وقبح من الكلام أو استقذار للنتن وتغير الرائحة، أو كلمة دالة على التبرم والضجر. ويقولون: أُف وتف فالأُف وسخ الأظفار والتف ما رفعته بيدك من الأرض من شيء حقير. {كَرِيماً} ليناً، أو حسناً. نزلت والتي بعدها في سعد بن أبي وقاص " ع ".(2/216)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)
25 - {لِلأَوَّابِينَ} المسبحون " ع "، أو المطيعون، أو مصلو الضحى، أو المصلون بين المغرب والعشاء، أو التائبون من الذنوب، أو التائب مرة بعد أخرى كلما أذنب بادر التوبة. {وءات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربّه كفوراً وإما تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً إن ربّك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنّه كان بعباده خبيراً بصيراً}(2/217)
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)
26 - {القربى} قرابة الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أمر الولاة بدفع حصتهم من الفيء والغنيمة، أو قرابة المرء من قبل أبويه يدفع له نفقته الواجبة، أو الوصية لهم عند الوفاة.(2/217)
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)
28 - {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ} عمن سألك من هؤلاء {ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ} طلباً لرزق الله {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً} عِدْهم خيراً ورد عليهم جميلاً، أو إن(2/217)
أعرضت حذراً أن ينفقوا ذلك في المعصية فمنعته {ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ} له {مَّيْسُوراً} ليناً سهلاً قاله ابن زيد. {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ نحن نرزقهم وأيّاكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سبيلاً ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنّه كان منصوراً}(2/218)
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
31 - {وَلا تَقْتُلُواْ} يريد وأد البنات خوف الفقر {خطا} : العدول عن الصواب تعمداً والخطأ: العدول عنه سهواً، أو الخطء: ما فيه إثم والخطأ: ما لا إثم فيه.(2/218)
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)
33 - {بِالْحَقِّ} بما يستحق به القتل. {سُلْطَاناً} بالقود، أو بالتخيير بين القود والدية والعفو {فَلا يُسْرِف} يقتل غير القاتل، أو يقتل الجماعة بالواحد {إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً} إن الولي، أو القتيل كان منصوراً بقتل قاتله. {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أحسن حتى يبلغ أشّده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً}(2/218)
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)
34 - {التي هِىَ أَحْسَنُ} التجارة بماله، أو حفظ أصله وتثمير فرعه {أَشُدَّهُ} ثمان عشرة سنة، أو الاحتلام والعقل والرشد. {بِالْعَهْدِ} العقود بين المتعاقدين، أو الوصية بمال اليتيم، أو كل ما أمر الله به ونهي عنه {مَسْئُولاً} عنه الذي عهد به، أو تُسأل العهد لما نقضت كما تسأل الموءودة بأي ذنب قتلت.(2/218)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)
35 - {بِالْقِسْطَاسِ} : القبان، أو الميزان صغيراً أو كبيراً وهو العدل بالرومية.(2/218)
ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولائك كان عنه مسئولاً ولا تمش في الأرض مرحاً إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً كل ذلك كان سيئه عند ربّك مكروها ذلك مما أوحى إليك ربّك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلهاً ءاخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً}(2/219)
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)
36 - {وَلا تَقْفُ} : لا تقل، أو لا ترم أحداً بما لا يعلم " ع "، أو من القيافة وهو اتباع الأثر كأنه يتبع قفا / المتقدم.(2/219)
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)
37 - {مَرَحاً} شدة الفرح، أو الخيلاء في المشي، أو التكبر فيه، أو البطر والأشر، أو تجاوز الإنسان قدره. {لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ} من تحت قدمك {وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ} بتطاولك، زجره عن التطاول الذي لا يدرك به غرضاَ، أو يريد كما أنك لا تخرق الأرض ولا تبلغ الجبال طولاً فلذلك لا تبلغ ما تريده، بكبرك وعجبك إياساً له من بلوغ إرادته. {أفأصفكم ربّكم بالبنين وأتخذ من الملائكة إناثاً إنكم لتقولون قولاً عظيماً وقد صرفنا في هذا القرءان ليذكروا وما يزيدهم إلا نفوراً قل لو كان معه ءالهه كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذى العرش سبيلاً سبحانه وتعالى عما يقولون علوّاً كبيراً تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شىءٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنّه كان حليماً غفوراً}(2/219)
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)
44 - {وَإِن مِّن شَىْءٍ} حي إلا يسبح دون ما ليس بحي، أو كل شيء حي أو غيره حتى صرير الباب. أو تسبيحها ما ظهر فيها من آثار الصنعة وبديع القدرة فكل من رآه سبح وقدس. {وإذا قرأت القرءان جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً وجعلنا(2/219)
على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي ءاذانهم وقراً وإذا ذكرت ربّك في القرءان وحده ولو على أدبارهم نفوراً نحن أعلم بما يستمعون به إذا يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلاً}(2/220)
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)
45 - {حجاباً مَّسْتُوراً} شبههم في إعراضهم بمن بينهم وبينه حجاب، أو نزلت في قوم كانوا يؤذونه إذا قرأ ليلاً فحال الله - تعالى - بينهم وبين أذاه.(2/220)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)
47 - {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} : كان جماعة من قريش منهم الوليد بن المغيرة يتناجون بما ينفر الناس عن اتباع الرسول [صلى الله عليه وسلم] فنجواهم قولهم: إنه ساحر أو مجنون أو يأتي بأساطير الأولين {مَّسْحُوراً} سُحر فاختلط عليه أمره، أو مخدوعاً، أو له سَحَرُ يعنون يأكل ويشرب فهو مثلكم وليس بملك. {وقالوا أءذا كنا عظاماً ورفاتاً أءنّا لمبعوثون خلقاً جديداً قل كونوا حجارةً أو حديداً أو خلقاً ممّا يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أوّل مرةٍ فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنّون إن لبثتم إلا قليلاً}(2/220)
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)
49 - {رفاتا} تراباً، أو ما أرفت من العظام مثل الفتات.(2/220)
قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)
50 - {حِجَارَةً} إن عجبتم من إنشائكم لحماً ودماً فكونوا حجارة أو(2/220)
حديداً إن قدرتم، أو لو كنتم حجارة أو حديداً لم تفوتوا الله - تعالى - إذا أرادكم إلا أنه أخرجه مخرج الأمر لأنه أبلغ إلزاماً.(2/221)
أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)
51 - {مِّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ} السماوات والأرض والجبال، أو الموت " ع "، أو البعث لأنه أكبر شيء عندهم، أو جميع ما تستعظمونه من خلق الله - تعالى - فإن الله يميتكم ثم يحييكم {فيسنغضون} يحركون رؤوسهم استهزاء.(2/221)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)
52 - {يَدْعُوكُمْ} الله للخروج إلى أرض المحشر بكلام تسمعه جميع العباد، أو يسمعون الصيحة فتكون داعية إلى اجتماعهم في أرض القيامة. {بِحَمْدِهِ} فتستجيبون حامدين بألسنتكم، أو على ما يقتضي حمده من أفعالكم. {لَّبِثْتُمْ} : في الدنيا لطول لبث الآخرة، أو احتقروا أمر الدنيا لما عاينوا القيامة، أو لما يرون من سرعة الرجوع يظنون قلة لبثهم في القبور، أو عبّر بذلك عن تقريب الوقت لقول الحسن - رضي الله تعالى عنه - كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل. {وقل لّعبادى يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوّاً مبيناً 53}(2/221)
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)
53 - {التي هي أحسن} : تصديق الرسول [صلى الله عليه وسلم] لأن الشيطان ينزغ في تكذيبه، أو امتثال الأوامر والنواهي " ح " أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو أن يرد خيراً على من شتمه، قيل نزلت في عمر - رضي الله تعالى عنه - شتمه بعض كفار قريش فهم به. {ربّكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلاً وربّك أعلم بمن في السموات والأرض ولقد فضّلنا بعض النبّين على بعضٍ وءاتينا داود(2/221)
زبوراً}(2/222)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)
54 - {يَرْحَمْكُمْ) {بالهدى و} (يُعَذِّبْكُمْ} بالضلال، أو بالتوبة ويعذبكم بالإصرار، أو بإنجائكم من عدوكم ويعذبكم بتسليطهم عليهم. {وَكِيلاً} يمنعهم من الكفر، أو كفيلاً لهم يؤخذ بهم. {قل أدعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلاً أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيّهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إنّ عذاب ربّك كان محذوراً وإن مّن قريةٍ إلا نحن مهلكوها قبل يومٍ القيامة أو معذّبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطوراً وما منعنا أن نرسل بالايات إلا أن كذب بها الأولون وءاتينا ثمود النّاقة مبصرةً فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً}(2/222)
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)
57 - {أُوْلئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} نزلت فيمن عبد الجن - فأسلم الجن - ابتغاء / [99 / أ] الوسيلة وبقي الإنس على كفرهم، أو الملائكة عبدها قبائل من العرب، أو عُزير(2/222)
وعيسى وأمه " ع "، وهم المعنيون بقوله: {ادعوا الذين زعمتم} [56] . {وإذ قلنا لك إنّ ربّك أحاط بالنّاس وما جعلنا الرءيا التي أريناك إلا فتنةً للنّاس والشجرة الملعونة في القرءان ونخوّفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً}(2/223)
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)
60 - {أَحَاطَ} علم، أو عصمك منهم أن يقتلوك حتى تبلغ الرسالة أو أحاطت بهم قدرته فهم في قبضته. {فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} لما أخبرهم أنه أُسري به إلى بيت المقدس رؤيا عين ارتد جماعة من المسلمين افتتاناً بذلك، أو رأى في النوم أنه يدخل مكة فلما رجع عام الحديبية افتُتن قوم برجوعه، أو رأى قوماً ينزون على منابره نزوان القردة فساءه ذلك قاله سهل بن سعد {الشجرة الْمَلْعُونَةَ} شجرة الزقوم طعام الأثيم. افتتنوا بها فقال أبو جهل وشيعته: النار تأكل الشجر فكيف تنبته، أو هي الكشوث الذي يلتوي على الشجر " ع ". {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال ءأسجد لمن خلقت طيناً قال أرءيتك هذا الذي كرّمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكنّ ذريّته إلا قليلاً}(2/223)
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)
62 - {لأَحْتَنِكَنَّ} لأستولين عليهم، أو لأضلنهم، أو لأستأصلنهم بالإغواء، أو لأستميلنهم، أو لأقودنهم إلى العصيان كما تُقاد الدابة بحنكها إذا(2/223)
شد فيه حبل يجذبها، أو لأقتطعنهم إلى المعاصي. {قال اذهب فمن تبعك منهم فإنّ جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً 2 واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربّك وكيلاً}(2/224)
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)
64 - {وَاسْتَفْزِزْ} استخف واستنزل {بِصَوْتِكَ} الغناء واللهو، أو بدعائك إلى المعصية " ع "، {وَأَجْلِبْ} الجلب السوق بجلبة من السائق {بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} : كل راكب وماشي في المعصية {وَشَارِكْهُمْ} في الأموال التي أخذوها بغير حلها، أو أنفقوها في المعاصي، أو ما حرموه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي " ع "، أو ما ذبحوه لآلهتهم. {الأولاد} يريد أولاد الزنا، أو قتل المؤءودة " ع "، أو صبغة أولادهم في الكفر حتى هودوهم ونصروهم أو تسميتهم بعبيد الآلهة كعبد الحارث وعبد شمس وعبد العزى وعبد اللات. {ربّكم الذي يزجى لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنّه كان بكم رحيماً وإذا مسكم الضر في البحر ضلّ من تدعون إلا إيّاه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصباً ثمّ لا تجدوا لكم وكيلاً أم آمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفاً(2/224)
من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لاتجدوا لكم علينا به تبيعاً} 66 - {يُزْجِى} يسوق ويسير. 67 - {حَاصِباً} حجارة من السماء، أو الحاصب الريح لرميها بالحصباء والقاصف الريح التي تقصف الشجر. {ولقد كرّمنا بني ءادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً} 70 - {كرمنا بني آدم} : بالإنعام عليهم، أو بأن جعلنا منهم خير أمة أُخرجت للناس، أو بأكلهم الطعام بأيديهم وغيرهم يتناوله بفمه. {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فهن أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً 71 ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً}(2/225)
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)
71 - {بِإِمَامِهِمْ} : نبيهم، أو كتابهم المنزل عليهم، أو بكتب أعمالهم من خير أو شر " ع "، أو بمن اقتدوا به في الدنيا. {وَإِن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفترى علينا غيره وإذاً لا تخذوك خليلاً ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً 74 إذاً لأدقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً سنة من قد أرسلنا قبلك من رّسلنا ولا تجد لسنّتنا تحويلاً 11}(2/225)
وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73)
73 - {وإن كادوا} كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] يطوف فمنعوه أن يستلم الحجر حتى يُلم بآلهتهم فحدث نفسه فقال: ما عليَّ إذ ألم بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر والله يعلم أني كاره، فأبى الله ذلك فنزلت، أو قالت ثقيف: أجلنا سنة حتى نأخذ ما يُهدى لآلهتنا فاذا أخذناه كسرنا الآلهة وأسلمنا فهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] فإجابتهم فنزلت.(2/226)
إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)
75 - {ضِعْفَ الْحَيَاةِ} ضعف عذاب الحياة {وَضِعْفَ} عذاب الممات أو ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة. فلما نزلت قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " اللهم لا تكلني إلى / [99 / أ] نفسي طرفة عين ".(2/226)
وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)
76 - {يستفزونك} يقتلونك، أو يزعجونك باستخفاف، أراد اليهود إخراجه من المدينة فقالوا: أرض الأنبياء الشام وليست هذه أرض الأنبياء، أو أرادت قريش إخراجه من مكة قبل هجرته، أو أرادوا إخراجه من جزيرة العرب كلها لأنهم قد أخرجوه من مكة {خلفك} {وخلافك} بعدك {إِلآَّ قَلِيلاً} ما(2/226)
بين إخراجهم له إلى أن قتلوا ببدر إن جعلناهم قريشاً، أو ما بين ذلك وقتل بني قريظة وإجلاء بين النضير إن جعلناهم اليهود. {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الّيل وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهوداً ومن الّيل فتهجد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍِ وأخرجني مخرج صدقٍ واجعل لي من لّدنك سلطاناً نصيراً وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً وننزل من القرءان ما هو شفاءٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً}(2/227)
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)
78 - {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} غروبها يريد صلاة المغرب " ع "، أو زوالها يريد صلاة الظهر " ع " والعين تُدلك بالراحة عند الغروب لترى الشمس وعند الزوال لشدة شعاعها. {غسق الليل} ظهور ظلامه، أودنوه وإقباله " ع " يريد المغرب " ع "، أو العصر. {وقرآن الْفَجْرِ} سمى الصلاة قرآناً لتأكد القراءة في الصلاة. أو أقم القراءة في صلاة الفجر {مَشْهُوداً} تشهده ملائكة الليل والنهار.(2/227)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)
79 - {فَتَهَجَّدْ} الهجود النوم، والتهجد السهر بعد النوم، {نَافِلَةً لَكَ} فضيلة لك ولغيرك كفارة، أو مكتوبة عليك مستحبة لغيرك " ع " أو حضضه بالترغيب فيها لحيازة فضلها لكرامته عليه {مَّحْمُوداً} الشفاعة للناس في القيامة، أو إجلاسه على العرش يوم القيامة، أو إعطاؤه لواء الحمد يومئذ.(2/227)
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)
80 - {مُدْخَلَ صِدْقٍ} دخول المدينة لما هاجر و {مُخْرَجَ صِدْقٍ} من مكة للهجرة، أو أدخلني الجنة وأخرجني من مكة إلى المدينة، أو مدخل فيما أرسلتني به من النبوة وأخرجني منه بتبليغ الرسالة مخرج صدق، أو أدخلني مكة وأخرجني منها آمناً، أو أدخلني في قبري وأخرجني منه " ع " أو أدخلني في(2/227)
طاعتك وأخرجني من معصيتك، أو أدخلني في الإسلام وأخرجني من الدنيا. {سُلْطَاناً} ملكاً عزيزاً أقهر به العصاة، أو حجة بينه.(2/228)
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)
81 - {الحق} القرآن {والباطل} الشيطان، أو الحق: الجهاد والباطل: الشرك {زَهُوقاً} ذاهباً، ولما دخل الرسول [صلى الله عليه وسلم] الكعبة أمر بثوب فَبُل بالماء وجعل يضرب به تلك التصاوير ويمحوها ويقول {جَآءَ الْحَقُّ وزهق الباطل} الآية. {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤساً قل كل يعمل على شاكلته فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً}(2/228)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)
83 - {الشَّرُّ} الفقر، أو السقم.(2/228)
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)
84 - {شَاكِلَتِهِ} حِدَتِه، أو طبيعته " ع "، أو نيته، أو دينه، أو أخلاقه.(2/228)
{ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيراً قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ولقد صرفنا للناس في هذا القرءان من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفوراً}(2/229)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)
85 - {الرُّوحِ} جبريل عليه السلام " ع "، أو ملك له سبعون ألف وجه بكل وجه سبعون ألف لسان، يسبح الله - تعالى - بجميع ذلك قاله علي - رضي الله تعالى عنه -، أو القرآن " ح " {رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52] ، أو روح الحيوان، سأله عنها قوم من اليهود إذ كان في كتابهم أنه إن أجاب عن الروح فليس بنبي {قَلِيلاً} في معلومات الله، أو قليلاً بحسب ما تدعو إليه(2/229)
الحاجة حالاً فحالاً. {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنةٌ من نخيل وعنبٍ فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتى بالله والملائكة قبيلاً 3 أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيّك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً}(2/230)
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)
90 - {تَفْجُر} تشقق، الفجر لانشقاقه عن عمود الصبح، والفجور شق الحق بالخروج إلى الفساد. {يَنبُوعاً} عينا ينبع منها / [100 / أ] الماء طلبوا الجنان والعيون ببلدهم إذ لم يكن ذلك ببلدهم.(2/230)
أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)
92 - {كِسَفاً} قِطعاً " ع "، كسفة الثوب قطعته، والكسوف لانقطاع النور منه. {قَبِيلاً} كل قبيلة على حدتها، أو مقابلة نعاينهم ونراهم، أو كفيلاً، القبيل: الكفيل تقبلت بكذا تكفلته.(2/230)
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)
93 - {زُخْرُفٍ} الزخرف النقوش، أو الذهب " ع "، من الزخرفة وهي تحسين الصورة. سأله ذلك عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو سفيان والأسود بن المطلب والوليد بن المغيرة وأبو جهل وعبد الله بن [أبي] أمية والعاص بن(2/230)
وائل وأمية بن خلف ونبيه ومُنبه ابنا الحجاج. {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جآءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رّسولا قل لّو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزّلنا عليهم مّن السّماء ملكاً رّسولا قل كفى بالله شهيداً بينى وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيراً ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مّأواهم جهنم كلّما خبت زدناهم(2/231)
سعيراً ذلك جزآؤهم بأنّهم كفروا باياتنا وقالوا أءذا كنّا عظاماً ورفاتاً أءنّا لمبعوثون خلقاً جديداً أولم يروا أن الله الذى خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلاً لاّ ريب فيه فأبى الظّالمون إلا كفوراً(2/232)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)
97 - {من يهدي الله} يحكم بهدايته {فهو المهتدي} ، بإخلاصه وطاعته. {ومن يضلل} بحكم بضلاله فلا ولي له يهديه، أو يقضي بعقوبته فلا ناصر يمنعه من عقابه {عُمْياً وبكماً وصمّتا} حقيقة زيادة في عقابهم ثم أبصروا لقوله: {ورأى المجرمون النار} [الكهف: 53] وتكلموا فدعوا هنالك بالثبور، و {سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان: 12] ، أو لا يزول حواسهم فهم عمي عما يسرهم، بكم عما ينفعهم، صم عما يمتعهم. " عح "(2/232)
{خَبَتْ} سكن لهبها {زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} التهاباً ولا يخف عذابهم إذا خبت. {قل لّو أنتم تملكون خزآئن رحمة ربى إذا لأمستكم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً}(2/233)
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)
100 - {لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ} عام عند الجمهور، أو خاص بالمشركين {لأَمْسَكْتُمْ} خوف الفقر {قَتُوراً} مقتراً، أو بخيلاً " ع ". {ولقد ءايتنا موسى تسع ءايات بينات فسئل بنى إسرآئيل إذ جآءهم فقال له فرعون إنى لأظنّك يا موسى مسحوراً قال لقد علمت مآ أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصآئر وإنى لأظنك يا فرعون مثبوراً فأراد أن يستفزّهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً وقلنا من بعده لبنى إسرئيل اسكنوا الأرض فإذا جآء وعد الأخرة جئنا بكم لفيفاً 104}(2/233)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)
101 - {تسع آيات} يده وعصاه ولسانه والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم " ع "، أو نحو من ذلك إلا آيتين [بدل] منها الطمسة والحجر، أو نحو من ذلك وزيادة السنين [ونقص من] الثمرات أو سأل الرسول [صلى الله عليه وسلم] عنها قوم من اليهود فقال: لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة، ولا تفروا من الزحف، وأنتم(2/233)
يا يهود عليكم خاصة لا تعدوا في السبت فقبلوا يده ورجله {مَسْحُوراً} سحرت لما تحمل عليه نفسك من هذا القول والفعل المتسعظمين، أو ساحراً لغرائب أفعالك، أو مخدوعاً، أو مغلوباً.(2/234)
قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)
102 - {مَثْبُوراً} هالكاً، أو مغلوباً.(2/234)
فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)
103 - {يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ} يزعجهم بالنفي منها، أو يهلكهم فيها بالقتل.(2/234)
وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)
104 - {وَعْدُ الأَخِرَةِ} القيامة وهي الكرة الآخرة، أو تحويلهم إلى الشام، أو نزول عيسى - عليه الصلاة والسلام - {لفيفا} مختلطين لا يتعارضون، أو جميعاً " ع "، {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً وقرءاناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً قل ءامنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى(2/234)
عليهم يخرّون للأذقان سجّداً ويقولون سبحان ربنّا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً}(2/235)
وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)
106 - {فَرَقْنَاهُ} فرقنا فيه بين الحق والباطل و {فرَّقناه} أنزلناه مفرقاً آية آية {مُكْثٍ} تثبت وترتيل، أو كان ينزل منه شيء ثم يمكثون بعده ما شاء الله ثم ينزل شيء أخر، أو أن يمكث في قراءته عليهم مفرقاً شيئاً بعد شيء. 107 {الَّذِينَ أُوتُواْ العلم} أمة محمد [صلى الله عليه وسلم] أو قوم من اليهود، والمتلو عليهم كتابهم إيماناً بما فيه من تصديق / [100 / ب] محمد [صلى الله عليه وسلم] [أو] القرآن، كان ناس من أهل الكتاب قالوا: {سبحان ربنا} الآية [108] {لِلأَذْقَانِ} الذقن مجتمع اللحيين، أو الوجوه ها هنا، أو اللحى " ح ". {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا وقل الحمد لله الذي لم يتّخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولىّ من الذل وكبره تكبيراً}(2/235)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)
110 - {أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ} كان ذكر الرحمن قليلاً في القرآن كثيراً في التوراة فلما أسلم ابن سلام وأصحابه آثروا أن يكون ذكر الرحمن كثيراً في القرآن فنزلت، أو دعا الرسول [صلى الله عليه وسلم] في سجوده فقال: يا رحمن يا رحيم،(2/235)
فقالوا: هذا يزعم أن له إلهاً واحداً وهو يدعو مثنى مثنى فنزلت " ع " {بِصَلاتِكَ} بدعائك أو بالصلاة المشروعة، كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] يجهر في القراءة فيها بمكة فإذا سمعوه سبّوه فَنُهي عن شدة الجهر وعن المخافتة لئلا يسمع أصحابه ويبتغي بينهما سبيلاً " ع "، أو نُهي أن يجهر في الجميع ويسر في الجميع وأمر بالجهر في صلاة الليل والإسرار في صلاة النهار، أو عن الجهر يتشهد الصلاة، أو عن الجهر بفعل الصلاة، لأنه كان يجهر بها فتؤذيه قريش فخافت بها فأمر أن لايجهر بها كما كان وأن لا يخافت بها كما صارت ويتخذ بينهما سبيلاً، أو الجهر بها تحسينها رياء والمخافتة إساءتها في الخلوة، أولا يصليها رياء ولا يتركها حياء.(2/236)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)
111 - {لم يَكُن لُّهُ وَلِىٌّ} لم يحالف أحداً، أو لا يطلب نصر أحد، أو لا ولي له من اليهود والنصارى لأنهم أذل الناس {وَكَبِّرْهُ} عن كل ما لا يجوز عليه، أو صفه بأنه أكبر من كل شيء، أو عظمه تعظيماً.(2/236)
سورة الكهف
مكية أو إلا آية {واصبر نفسك} [28] .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيماً لينذر بأساً شديداً من لّدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنّ لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً وينذر الذين قالوا أتّخذ الله ولداً ما لهم به من علمٍ ولا لأبائهم كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً}(2/237)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)
1 - {عبده} محمد [صلى الله عليه وسلم] ، والكتاب: القرآن تمدح بإنزاله عليه خصوصاً وعلى الخلق عموماً. {عِوَجَا} ملتبساً، أو مختلفاً، أو عادلاً عن الحق والاستقامة والبلاغة إلى الباطل والفساد والعي، والعِوَج بكسر العين في الدين والطريق وما ليس بقائم منتصب، وبفتحها في القناة والخشبة وما كان قائماً منصباً.(2/237)
قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)
2 - {قَيِّماً} مستقيماً معتدلاً، أو قيّم على كتب الله يصدقها وينفي الباطل عنها، أو يعتمد عليه ويرجع إليه كقيّم الدار، وفيه تقديم تقديره " أنزل الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً " قاله الجمهور، أو التقدير لم يجعل له عوجاً لكن جعله قيّماً {بَأْساً} يحتمل الاستئصال بعذاب الدنيا، أو جهنم.(2/237)
{فلعلك باخعٌ نفسك علىءاثرهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً إنا جعلنا ما على الأرض زينةً لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً وإنّا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً}(2/238)
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)
6 - {بَاخِعٌ} قاتل، أو متحسر أسف على آثار قريش {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ} بالقرآن {أَسَفاً} غضباً، أو جزعاً، أو ندماً، أو حزناً.(2/238)
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)
7 - {مَا عَلَى الأَرْضِ} أشجارها وأنهارها، أو الأنبياء والعلماء، أو الرجال، أو كل ما عليها، أو زينة لها: شهوات لهم زينت في أعينهم وأنفسهم {أَحْسَنُ عَمَلاً} تركاً لها وإعراضاً عنها، أو أصفى قلباً وأهدى سمتاً، أو توكلاً علينا فيها، ويحتمل / اعتباراً بها وتركاً لحرامها.(2/238)
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)
8 - {صَعِيداً} أرضاً مستوية، أو وجه الأرض لصعوده، أو التراب {جُرُزاً} بلقعاً أو ملساً، أو محصورة، أو يابسة لا نبات بها ولا زرع. قد جرفتهن السنون الأجرار. {أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرقيم كانوا من ءاياتنا عجباً إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربّنا ءاتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشداً فضربنا علىءاذانهم في الكهف سنين عدداً ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً}(2/238)
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)
9 - {الْكَهْفِ} غار في الجبل الذي أووا إليه، {وَالرَّقِيمِ} اسم ذلك الجبل، أو اسم قريتهم، أو كلبهم، أو لكل كلب، أو الوادي، وقيل هو وادٍ بالشام نحو أيلة، أو الكتاب الذي فيه شأنهم من رقم الثوب، وكان لوحاً من(2/238)
رصاص على باب الكهف، أو في خزائن الملوك لعجيب أمرهم، أو الدواة بالرومية، أو قوم من أهل السراة كانت حالهم كحال أصحاب الكهف، قاله سعيد {عَجَباً} ما حسبت أنهم كانوا عجباً لولا أخبرناك وأوحينا إليك، أو أحسبت أنهم أعجب آياتنا وليسوا بأعجب خلقنا.(2/239)
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
10 - {أَوَى الْفِتْيَةُ} قوم فروا بدينهم إلى الكهف، أو أبناء أشراف خرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد فقال: أسنهم أجد في نفسي شيئاً ما أظن أحداً يجده " إن ربي رب السماوات والأرض " فقالوا جميعا: {رَبُّنَا رب السماوات والأرض} الآية [14] ثم دخلوا اكاهف فلبثوا فيه ثلاثمائة وتسعاً، أو من أبناء الروم دخلوا الكهف قبل عيسى - عليه الصلاة والسلام - وضرب على آذانهم فلما بعث عيسى - عليه الصلاة والسلام - أُخبر بخبرهم ثم بُعثوا بعده في الفترة التي بينه وبين محمد [صلى الله عليه وسلم] .(2/239)
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)
14 - {شَطَطاً} كذباُ، أو غلواً، أو جوراً.(2/239)
فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)
11 - {فَضَرَبْنَا} الضرب على الآذان منعها من السماع، يدل على أنهم كانوا نياماً وضرب على آذانهم لئلا يسمعوا من يوقظهم {عَدَداً} محصية، أو كاملة ليس فيها شهور ولا أيام.(2/239)
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)
12 - {بَعَثنَاهُمْ} أيقظناهم {أَمَداً} عدداً، أو أجلاً، أو غاية {الْحِزْبَيْنِ} من قوم الفتية، أو أحدهما الفتية والآخر من حضرهم من أهل زمانهم، أو أحدهما مؤمنون والآخر كفار، أو أحدهما الله والآخر الخلق تقديره أأنتم أعلم أم الله. أ(2/239)
{نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية ءامنوا بربّهم وزدناهم هدىً وربطنا على قلوبهم إذ قاموا ربّنا ربّ السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً هؤلاء قومنا أتخذوا من دونه ءالهةً لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأوءا إلى الكهف ينشر لكم ربّكم من رحمته ويهيء لكم من أمركم مرفقاً}(2/240)
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)
14 - {وَرَبَطْنَا} ثبتنا، أو ألهمناها صبراً {شَطَطاً} غلواً، أو تباعداً.(2/240)
هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
15 - {بِسُلْطَانِ} حجة، أو عذر، أو كتاب.(2/240)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)
16 - {مِّرْفَقاً} سعة، أو معاشاً، بكسر الميم إذا وصل إليك من غيرك، وبفتحها، إذا وصلته إلى غيرك. {وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوةٍ منه ذلك من ءايات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً}(2/240)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)
17 - {تزاور} تعرض عنه فلا تصيبه، أوتميل عنه ذات اليمين {تَّقْرِضُهُمْ} تحاذيهم، القرض: المحاذاة، أو تجوزهم منحرفة وتقطعهم قرضته بالمقراض قطعته، أو تعظيهم القليل من شعاعها ثم تأخذه بانصرافها، من قرض(2/240)
الدراهم التي ترد، لأنهم كانوا في مكان موحش، أو لم يكن عليهم سقف فلو أطلعت عليهم لأحرقتهم، كان كهفهم بإزاء بنات نعش فلم تصبهم عند شروقها وغروبها، أو صرفها الله - تعالى - عنهم لتبقى أجسادهم عبرة لمن شاهدهم. {فَجْوَةٍ} فضاء، أو داخل منه، أو مكان موحش، أو مكان متسع. {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وهم رقودٌ ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لو ليت منهم فرارً ولملئت منهم رعباً}(2/241)
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
18 - {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً} ، لأن أعينهم مفتوحة يتنفسون ولا يتكلمون، أو لأنهم يقلبون يميناً وشمالاً. {وَنُقَلِّبُهُمْ} تقليب النيام لئلا تأكلهم الأرض، أو كل ستة أشهر على جنب " ع "، أو لم يقلبوا إلا في التسع بعد الثلاثمائة {وَكَلْبُهُم} من جملة الكلاب اسمه " حمران " أو " قطمير " أو هو إنسان طباخ لهم، أو راعي {بِالْوَصِيدِ} لعله العتبة، أو الفناء " ع "، أو الصعيد والتراب، أو الباب أوالحظيرة. {رُعْباً} فزعاً لطول أظفارهم وأشعارهم ولما ألبسوا من الهيبة لئلا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله، ولما غزا ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - مع معاوية بحرالروم فانتهوا إلى الكهف عزم معاوية أن يدخل عليهم فينظر إليهم، فقال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: ليس هذا لك فقد منعه الله - تعالى - من هو خير منك، فقال: {لَوِ أطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ} الآية فأرسل إليهم جماعة فلما دخلوا الكهف أرسل الله - تعالى - ريحاً(2/241)
فأخرجتهم قيل كان رئيسهم نبياً اتبعوه وآمنوا به فكان ذلك معجزة له. {وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا}(2/242)
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)
19 - {بَعَثْنَاهُمْ} أيقظناهم، وكان الكلب قد نام معهم {لَبِثْنَا يَوْماً} لما أُنيموا أول النهار وبُعثوا آخر نهار أخر قالوا لبثنا يوماً لأنه أطول مدة النوم المعتاد فلما رأوا الشمس لم تغرب قالوا: أو بعض يوم {قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ} لما رأى كبيرهم اختلافهم قال: ذلك، أو هو حكاية عن الله - تعالى - أنه أعلم بمدة لبثهم. {بِوَرِقِكُمْ} بكسر الراء وسكونها الدراهم، وبفتحها الإبل والغنم {أزْكَى} أكثر، أو أحل أو خير، أو أطيب، أو أرخص. {بِرِزْقٍ} يحتمل بما ترزقون أكله، أو بما يحل أكله {وَلْيَتَلَطَّفْ} في إخفاء أمركم، أو ليسترخص فيه دليل على جواز المناهدة وكان الجاهلية يستقبحونها فأباحها الشرع.(2/242)
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
20 - {يَرْجُمُوكُمْ} بأيديهم استنكاراً لكم، أو بألسنتهم غيبة وشتماً أو يقتلوكم لأن الرجم من أسباب القتل. {وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا}(2/243)
وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
21 - {أَعْثَرْنَا} أظهرنا أهل بلدهم عليهم، أو اطَّلعنا برحمتنا إليهم {لِيَعْلَمُواْ} يحتمل ليعلم أهل بلدهم أن وعد الله بالبعث حق لأنه لما خرق العادة في إنامتهم كان قادراً على إحياء الموتى، أو ليرى أهل الكهف بعد علمهم أن وعد الله حق {إِذْ يَتَنَازَعُونَ} لما دخل أحدهم المدينة لشراء الطعام استنكر أهل المدينة شخصه وورقه لبعد العهد فحمل إلى الملك وكان صالحاً مؤمناً لما نظر إليه قال: لعله من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك، وقد كنت أدعوا الله أن يرينيهم، وسأل الفتى فأخبره، فانطلق والناس معه إليهم فلما دنا من الكهف وسمع الفتية كلامهم خافوا وأوصى بعضهم بعضاً بدينهم فلما دخلوا عليهم ماتوا ميتة الحق، فتنازعوا هل هم أحياء، أو موتى؟ ، أو علموا موتهم وتنازعوا في هل يبنون عليهم بناء يعرفون به، أو يتخذون عليهم مسجداً. {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا}(2/243)
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)
22 - {وَثَامِنُهُمْ} أدخل الواو على انقطاع القصة وأن الخبر / قد تم، والذين اختلفوا في عددهم أهل بلدهم قبل الظهور عليهم، أو أهل الكتاب بعد طول العهد بهم {رَجْماً بِالْغَيْبِ} قذفاً بالظن {قَلِيلٌ} ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - " أنا من القليل الذي استثنى الله - تعالى - كانوا سبعة وثامنهم(2/243)
كلبهم "، ابن جريح: " كانوا ثمانية " وقوله: ثامنهم كلبهم أي صاحب كلبهم ولما غابوا عن قومهم كتبوا أسماءهم، فلما بان أمرهم كُتبت أسماؤهم على باب الكهف. {مِرَآءً ظَاهِراً} ما أظهرنا لك من أمرهم، أو حسبك ما قصصناه عليك فلا تسأل عن إظهار غيره، أو بحجة واضحة وخبر صادق، أو لا تجادل أحداً إلا أن تحدثهم به حديثاً " ع "، أو هو أن تشهد الناس عليه {وَلا تَسْتَفْتِ} يا محمد فيهم أحداً من أهل الكتاب، أو هو خطاب للرسول [صلى الله عليه وسلم] ونهي لأمته. {ولا تقولنّ لشاىءٍ إنى فاعلٌ ذلك غداً إلا أن يشاء الله واذكر ربّك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربى لأقرب من هذا رشداً}(2/244)
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
24 - {إِلآ أَن يَشَآءَ اللَّهُ} فيه إضمار إلا أن تقول: لأنه إذا علق بالمشيئة لم يكن كاذباً بأخلافه، ولا كفارة عليه إن كان يمين مع ما فيه من الإذعان لقدرة الله - تعالى - {إِذَا نَسِيتَ} الشيء فاذكر الله - تعالى - ليذكرك إياه فإن فعل برئت ذمتك وإلا فسيدلك على أرشد منا نسيته، أو اذكره إذا غضبت ليزول غضبك، أو إذا نسيت الاستثناء فاذكر ربك بقولك {عسى أن يهديني رَبِّى} الآية، أو اذكره بالاستثناء، ويصح الاستثناء إلى سنة فتسقط الكفارة ولا يصح بعدها " ع "، أو في مجلس اليمين ولا يصح بعد فراقه، أو يصح ما لم يأخذ في كلام غير اليمين، أو مع قرب الزمان دون بعده، أو مع الاتصال باليمين دون الانفصال.(2/244)
ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعاً قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولى ولا يشرك في حكمه أحداً}(2/245)
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)
25 - {وَلَبِثُواْ} من قول نصارى نجران، أو اليهود فرده الله - تعالى - بقوله: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} ، أو أخبر الله - تعالى - بذلك عن مدة لبثهم فيه من حين دخلوه إلى أن ماتوا فيه {تِسْعاً} هو ما بين السنين الشمسية " والقمرية ".(2/245)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)
26 - {أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} بعد موتهم إلى نزول القرآن فيهم، أو بالمدة التي ذكرها عن اليهود {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} الله أبصر بما قال وأسمع لما قالوا، أو أبصرهم وأسمعهم ما قال الله - تعالى - فيهم {وَلِىٍّ} ناصر، أو مانع {حكمه} علم الغيب، أو الحكم. {واتل ما أوحى إليك من كتاب ربّك لا مبدّل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحداً واصبر نفسك مع الذين يدعون ربّهم بالغداوة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً}(2/245)
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)
27 - {مُلْتَحَداً} ملجأ، أو مهرباً أو معدلاً، أو ولياً.(2/245)
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
28 - {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} تعظيمه، أو طاعته نزلت على الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالمدينة فقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر معهم {يَدْعُونَ} رغبة ورهبة، أو يحافظون على صلاة الجماعة، أو الصلوات المكتوبة " ع ".(2/245)
وخص عمل النهار، لأن عمل النهار إذا كان لله - تعالى - فعمل الليل أولى، {وَلا تَعْدُ} لا تتجاوزهم بالنظر إلى أهل الدنيا طلباً لزينتها {وَلا تُطِعْ} قال عيينة بن حصن للرسول [صلى الله عليه وسلم] قبل أن يسلم لقد آذاني ريح سلمان الفارسي، فاجعل لنا مجلساً منك لا يجامعونا فيه ولهم مجلساً لا نجامعهم فيه فنزلت {أغفلنا} جعلناه غافلاً، أو وجدناه غافلاً {وابتع هواه} في طلبه التمييز على [102 / ب] غيره، أو في / شهواته وأفعاله {فُرُطاً} ضياعاً أو متروكاً، أو ندماً، أو سرفاً وإفراطاً، أو سريعاً، أفرط أسرف وفرط قصّر. {وقل الحق من رّبّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا بماءٍ كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً}(2/246)
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
29 - {فَمَن شَآءَ} الله فليؤمن {وَمَن شَآءَ} الله فليكفر، أوتهديد ووعيد أو المعنى لا تنفعون الله بإيمانكم ولا تضرونه بكفركم، أومن شاء أن يعرض نفسه للجنة بالإيمان ومن شاء أن يعرضها للنار بالكفر {سُرَادِقُهَا} حائطها الذي يحيط بها، أو دخانها ولهبها قبل وصولهم إليها {ظِلٍّ ذِى ثَلاَثِ شُعَبٍ} [المرسلات: 30] أو البحر المحيط بالدينا مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] سرادق:(2/246)
فارسي معرب أصله سرادر {بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ} القيح والدم، أو كدردي الزيت، أو كل شيء أذيب حتى انماع، أو الذي انتهى حره وسماه إغاثة لاقترانه بالاستغاثة {مُرْتَفَقاً} مجتمعاً من المرافقة، أو منزلاً من الارتفاق أو المتكأ مضاف إلى المرفق، أو من الرفق. {إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً أولئك لهم جنات عدنٍ تجري من تحتهم الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندسٍ وإستبرقٍ متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقاً}(2/247)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)
30 - {إن الذين آمنوا} قال أعرابي للرسول [صلى الله عليه وسلم] في حجة الوداع: أخبرني عن هذه الآية {إن الذين آمنوا} ، فقال: ما أنت منهم ببعيد ولا هم ببعيد منك هم هؤلاء الأربعة الذين هم وقوف أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - فأعلم قومك أن هذه الآية نزلت فيهم(2/247)
أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
31 - {سُندُسٍ} ما لطف من الديباج، أو رق منه واحده سندسة، {وَإِسْتَبْرَقٍ} الديباج المنسوج بالذهب، أو ما غلظ منه، فارسي معرب أصله(2/247)
استبرة وهو الشديد {الأَرَآئِكِ} الحجال، أو الفرش في الحجال، أو السرير في الحجال. {واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخلٍ وجعلنا بينهما زرعاً كلتا الجنتين ءاتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً وفجرنا خلالهما نهراً وكان له ثمرٌ فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا ودخل جنته وهو ظالمٌ لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً}(2/248)
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)
33 - {أُكُلَهَا} ثمرها وزرعها {وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً} فجره بينهما ليكون أقل مؤنة من سوقه إليهما وأكثر ريعاً، وهما رجلان ورثا عن أبيهما ثمانية آلاف دينار فأخذ المؤمن حقه منها فتقرب به إلى الله - تعالى - بشيء منها فأفضى أمره إلى ما ذكره الله - تعالى - أو هو مثل ضُرب لهذه الأمة ليزهدوا في الدنيا ويرغبوا في الآخرة وليس خبر عن حال تقدمت.(2/248)
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)
34 - {ثَمَرٌ} بالفتح والضم واحد هو الذهب والفضة لإثمارهما، أو المال الكثير من صنوف الأموال " ع "، لأن تثميره أكثر، أو الأصل الذي له نماء، لأن النماء تثمير، أو بالفتح جمع ثمرة وبالضم جمع ثمار، أو بالفتح ما كان نماؤه من أصله وبالضم ما كان نماؤه من غيره، أو بالفتح ثمار النخل خاصة(2/248)
وبالضم جميع الأموال، أو بالضم الأصل وبالفتح الفرع، وهذا ثمر الجنتين المذكورتين عند الجمهور، أو ثمر تملكه من غيره دون أصوله " ع ". {قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من ترابٍ ثم من نطفةٍ ثم سواك رجلاً 37 لكنّا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحداً ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلباً}(2/249)
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)
37 - {يُحَاوِرُهُ} يناظره في الإيمان والكفر، أو في طلب الدنيا وطلب الآخرة. 40 - {يؤتيني} في الدنيا خيراً من جنتك، أو في الآخرة {حُسْبَاناً} عذاباً، أو ناراً، أو برداًَ، أو عذاب حساب لأنه جزاء كفره وجزاء الله بحساب، أو مرامي كثيرة من الحسبان وهي السهام التي ترمى بمجرى في طلق واحد فكان من رمي الأكاسرة {زَلَقاً} أرضاً بيضاء لا تنبت ولا يثبت عليها قدم.(2/249)
أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)
41 - {غَوْراً} ذا غور و " أو " بمعنى الواو. {وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا}(2/249)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)
42 - / {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} أحيط بهلاكه {خَاوِيَةٌ} متقلبة على أعاليها.(2/249)
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)
43 - {فِئَةٌ} جند، أو عشيرة {مُنتَصِراً} ممتنعاً، أو مسترداً ما ذهب منه. وهذان مذكوران في الصافات {إني كان لي قرين} [51] وضُربا مثلاً لسلمان(2/249)
وخباب وصهيب مع أشراف مشركي قريش. 44 - {هُنَالِكَ} في القيامة {الْوَلايَةُ} لا يبقى مؤمن ولا كافر إلا يتولون الله - تعالى - أو الله جزاءهم، أو يعترفون بأن الله - تعالى - هو الولي فالولاية مصدر الولي، أو النصير. والولاية بالفتح للخالق وبالكسر للمخلوقين، أو بالفتح في الدين وبالكسر في السلطان. {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيءٍ مقتدراً المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربّك ثواباً وخير أملاً} \ 45 - {هشيما} ما تفتت بعد اليبس من أوراق الشجر والزرع مثل لزوال الدنيا بعد بهجتها، أو لأحوال أهلها في أن مع كل فرحة ترحة.(2/250)
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)
46 - {الْمَالُ} بجماله ونفعه {وَالْبَنُونَ} بقوتهم ودفعهم زينة الحياة {والباقيات} الصلوات الخمس، أو الأعمال الصالحة، أوالكلام الطيب، أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] وزاد بعضهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. {الصالحات} المصلحات، أوالنافعات عبّر عن المنفعة بالصلاح. {عِندَ رَبِّكَ} في الآخرة {وَخَيْرٌ أَمَلاً}(2/250)
عند نفسك، لأن وعد الله - تعالى - واقع لا محالة فلا تكذب أملك فيه. {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزةً وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً وعرضوا على ربّك صفاً لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً}(2/251)
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)
47 - {نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} بنقلها عن أماكنها، أو بتقليلها حتى لا يبقى منها إلا اليسير، أو بجعلها هباء منثوراً {بَارِزَةً} برز ما فيها من الموتى، أو صارت فضاء لا يسترها جبل ولا نبات {نُغَادِرْ} نترك، أو نخلف، الغدير: ماتخلفه السيول.(2/251)
وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)
48 - {صَفّاً} بعد صف كصفوف الصلاة.(2/251)
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
49 - {الكتاب} كتاب أعمالهم يوضع في أيديهم، أوعبر عن الحساب بالكتاب لأنهم يحاسبون على ما كُتب {صَغِيرَةً} الضحك " ع "، أو الصغائر التي تغفر باجتناب الكبائر {كَبِيرَةً} المنصوص تحريمه، أو ما قرنه الوعيد، أو الحد {وَلا يَظْلِمُ ربك} بنقصان ثواب ولا زيادة عقاب. {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربّه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ما(2/251)
أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداًَ}(2/252)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
50 - {مِنَ الْجِنِّ} حقيقة، لأن له ذرية ولا ذرية للملائكة، ولأن الملائكة رسل لا يجوز عليهم الكفر وقد كفر إبليس وهو أصل الجن كما آدم - عليه الصلاة والسلام - أصل الإنس، أوكان من ملائكة يقال لهم: الجنة، أو من ملائكة يدبرون أمر السماء الدنيا وهم خزان الجنة كما يقال: مكي وبصري، أو كان من سبط من ملائكة خُلقوا من نار يقال: لهم الجن وخُلق سائر الملائكة من نور، أو لم يكن من الجن ولا من الإنس ولكن من الجان {فَفَسَقَ} خرج، فسقت الرطبة خرجت من قشرها، والفأرة فويسقة لخروجها من جحرها، أو اتسع في محارم الله تعالى - والفسق: الاتساع {بَدَلاً} من الجنة بالنار، أو من طاعة الله - تعالى - بطاعة إبليس.(2/252)
مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)
51 - {مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ} إبليس وذريته، أو جميع الخلق ما استعنت بهم / [101 / ب] في خلقها، أو ما وقفتهم عليها حتى يعلموا من قدرتي ما لا يكفرون معه {خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} ما استعنت ببعضهم على خلق بعض، أو ما أشهدت بعضهم خلق بعض {عَضُداً} أعواناً في خلق السماوات والأرض، أو أعواناً لعبدة الأوثان {الْمُضِلِّينَ} عام، أو إبليس وذريته. {ويوم يقول نادوا شركاءى الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقاً ورءا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفاً}(2/252)
وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)
52 - {مَّوْبِقاً} محبساً، أو مهلكاً أو موعداً، أو عداوة، أو واد في جهنم، أو واد يفصل بين الجنة والنار، أو بينهم تواصلهم في الدنيا مهلكاً لهم في الآخرة.(2/252)
{فَظَنُّواْ} علموا أو كانوا على رجاء العفو قبل دخولهم إليها {مَصْرِفاً} ملجأ، أو معدلاً ينصرفون إليه، لم يجد المشركون عنها انصرافاً، أو لم تجد الأصنام صرفاً لها عن المشركين. {ولقد صرفنا في هذا القرءان للناس من كل مثلٍ وكان الإنسان أكثر شىءٍ جدلاً وما منع الناس ان يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربّهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلاً وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا ءاياتي وما انذروا هزواً}(2/253)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)
55 - {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ} أنفسهم، أو الشياطين أن يؤمنوا {سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} عادتهم في عذاب الاستئصال {قُبُلاً} تجاهاً، أو جمع قبيل يريد أنواعاً من العذاب {قِبَلا} مقابلة، أو معاينة.(2/253)
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)
56 - {لِيُدْحِضُواْ} ليزيلوا ويذهبوا، أو ليبطلوا القرآن، أو ليهلكوا الحق، من الدحض وهو المكان الذي لا يثبت عليه خف ولا حافر ولا قدم. {ومن أظلم ممن ذكر بئايات ربه فأعرض عنها ونسى ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي ءاذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخدهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم وموعدٌ لن يجدوا من دونه موئلاً وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً}(2/253)
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)
58 - {ذُو الرَّحْمَةِ} العفو، أو الثواب، أو النعمة، أو الهدى. {مَّوْعِدٌ} أجل، أو جزاء يحاسبون عليه {مَوْئِلاً} ملجأ، أو محرزاً، أو ولياً أو منجى، لا وألت نفسه: لا نجت.(2/254)
وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)
59 - {أَهْلَكْنَاهُمْ} وكلناهم إلى سوء تدبيرهم لما ظلموا بترك الشكر، أو أهلكناهم بالعذاب لما ظلموا بالكفر {مَّوْعِداً} أجلاً يؤخرون إليه، أو وقتاً يهلكون فيه. {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقباً فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سرباً فما جاوزا قال لفتاه ءاتنا غدآءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً 6 قال أرءيت إذ أوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت وما انسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً 63 قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا علىءاثارهما قصصا فوجدا عبداً من عبادنا ءاتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً}(2/254)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
60 - {لِفَتَاهُ} يوشع بن نون وهو ابن أخت موسى - عليه الصلاة والسلام - وسمي فتاه لملازمته له في العلم، أو الخدمة، وهو خليفة موسى على قومه من بعده، وهو موسى بن عمران عند الجمهور، وقال محمد بن إسحاق هو موسى بن ميشا بن يوسف كان نبياً لبني إسرائيل قبل موسى بن عمران {الْبَحْرَيْنِ} الخضر وإلياس بحران في العلم قاله السدي، أو بحر الروم وبحر فارس أحدهما في الغرب، والآخر في الشرق، أو بحر أرمينية مما يلي الأبواب، وعد أنه يلقى الخضر عند مجمعهما {لا أَبْرَحُ} لا أزال، أو لا أفارقك {حُقُباً} زماناً، أو دهراً، أو سنة بلغة قيس، أو ثمانون سنة، أو سبعون.(2/254)
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)
61 - {مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} إفريقية {نَسِيَا حُوتَهُمَا} عبّر بالنسيان عن ضلاله(2/254)
عنهما لما اتخذ سبيله في البحر، أو غفلا عنه فنسي يوشع ونسي موسى أن يأمر فيه بشيء، أو نسيه يوشع وحده فأضيف إليهما كما يقال نسي القوم أزوادهم إذا نسيها أحدهم {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} أحيا الله - تعالى - الحوت فطفر إلى البحر فاتخذ طريقه فيه {سَرَباً} مسلكاً، أو يبساً، أو عجباً.(2/255)
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)
62 - {جَاوَزَا} مكان الحوت {نَصَباً} تعباً، أو وهناً. 63،(2/255)
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)
64 - {الصَّخْرَةِ} بشروان أرض على ساحل بحر أيلة عندها عين تسمى عين الحياة، أو الصخرة التي دون نهر الزيت على الطريق {نَسِيتُ الحوت} / [104 / أ] أن أحمله، أو أخبرك بأمره {أَنسَانِيهُ إِلآَّ الشَّيْطَانُ} بوسوسته لي وشغله لقلبي {عجباً} كان لا يسلك طريقاً في البحر إلا صاره ماءه صخراً فعجب موسى لذلك، أو رأى دائرة الحوت وأثره في البحر كالكوة فعجب من حياة الحوت، وقيل لموسى إنك تلقى الخضر حيث تنسى بعض متاعك فعلم أن مكان الحوت موضع الخضر ف {قال ذلك ما كنا نبغي} {قَصَصاً} يقصان أثر الحوت.(2/255)
فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)
65 - {رَحْمَةً} نبوة، أو نعمة، أو طاعة، أو طول الحياة، وكان مَلَكاً، أمر الله - تعالى - موسى أن يأخذ عنه علم الباطن، أو نبياً، قيل هو اليسع سمي به لأنه وسع علمه ست سموات وست أرضين، أو عبداً صالحاً عالماً ببواطن الأمور سمي خضراً لأنه كان إذا صلى في مكان اخضرّ ما حوله.(2/255)
{قال له موسى هل أتبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشداً قال إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً قال ستجدني إن شاءالله صابراً ولا أعصى لك أمراً قال فإن اتّبعتني فلا تسئلني عن شىءٍ حتى أحدث لك منه ذكراً}(2/256)
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)
66 - {رُشْداً} علماً، أو كان في علمه غي يجتنب ورشد يؤتى فطلب منه تعليم الرشد الذي لا يعرفه ولم يطلب تعلم الغي لأنه كان يعرفه أو يعني لإرشاد الله - تعالى - لك بما علمك.(2/256)
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)
68 - {خُبْراً} لم تجد له سبيلاً إذ لم تعرف له علماً، علماً منه أن موسى لا يصبر إذا رأى ما ينكر ظاهره فعلق موسى - عليه الصلاة والسلام - صبره بالمشيئة حذراً مما وقع منه. 69 - {وَلآ أعْصِى} بالبداية بالإنكار حتى تبتدىء بالإخبار، أو لا أفشي سرك ولا أدل عليك بشراً. {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً قال لا تؤاخدني بما نسيت ولا ترهقني من أمرى عسراً}(2/256)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)
71 - {خَرَقَهَا} أخذ فأساً ومنقاراً فخرقها حتى دخلها الماء أو قلع لوحين منها فضج ركبانها من الغرق {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} خصهم بالذكر دون نفسه لأنها شفقة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - {إِمْراً} منكراً، أو عجباً، أو داهية عظيمة من الأمر وهو الفاسد الذي يحتاج إلى الصلاح، رجل إِمر إذا كان ضعيف الرأي يحتاج أن يؤمر فيقوى رأيه.(2/256)
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)
73 - {نَسِيتُ} غفلت عنه، أو تركه من غير غفلة، أو كأني نسيته وإن لم ينسه، جعله من معاريض الكلام " ع " {عُسْراً} لا تعنفني على ترك وصيتك، أو(2/256)
لا يغشاني منك العسر، غلام مراهق قارب أن يغشاه البلوغ، ارهقوا القبلة اغشوها واقربوا منها، أو لا تكلفني الاحتراز عن السهو والنسيان فإنه غير مقدور، أو لا تطردني عنك. {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله قال أقتلت نفساً زكية بغيرنفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبراً قال إن سألتك عن شىء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّى عذراً}(2/257)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)
74 - {غُلاماً} شاباً بالغاً قبض على لحيته، لأن غير البالغ لا يجوز قتله " ع "، أو غير بالغ عند الأكثرين كان يلعب مع الصبيان فأخذه من بينهم فأضجعه وذبحه بالسكين، او قتله بحجر، لأنه طبع كافراً، أو ليصلح بذلك حال أبويه ونسلهما {أَقَتَلْتَ} استخبار، لأنه علم أنه لا يتعدى حدود الله، أو إنكار لقوله: {جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} . {زاكية} {زَكِيَّةَ} واحد عند الأكثرين، نامية، أو طاهرة، أو مسلمة " ع "، أو لم يحل دمها، أو لم تعمل خطيئة، أو الزكية أشد مبالغة من الزاكية، أو الزكية في البدن والزكية في الدين، أو الزكية من لم تذنب والزكية من أذنبت، {نُّكْراً} منكراً أو فظيعاً قبيحاً، أو يجب أن ينكر فلا يفعل، أو هو أشد من الإمر.(2/257)
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)
76 - {فَلا تُصَاحِبْنِى} لا تتابعني، أو لا تتركني أصحبك [104 / ب] ، أو لا تصحبني علماً، أو لا تساعدني على ما أريد. {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً(2/257)
يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه أجراً قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً}(2/258)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)
77 - {قَرْيَةٍ} أنطاكية، أو الأيلة، أو باجروان بأرمينية {يُرِيدُ) {يكاد} (يَنقَضَّ} يسقط بسرعة، وينقاض ينشق طولاً {فَأَقَامَهُ} بيده فاستقام، وأصل الجدار الظهور، والجدري لظهروه.(2/258)
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)
78 - {هَذَا} الذي قتله {فِرَاقُ} ، أو هذا الوقت فراق، قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " رحم الله موسى لو صبر لاقتبس عنه ألف باب ". {أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كل سفينةٍ غصباً}(2/258)
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)
79 - {لِمَسَاكِينَ} فقراء، أو كانت بهم زمانة وعلل، أو عجزوا عن الدفع عن أنفسهم لقلة حيلتهم، أو سموا به لشدة ما يقاسونه في البحر كما يقال لقي هذا المسكين جهداً {وَرَآءَهُم} خلفهم وكان رجوعهم عليه ولم يعلموا، أو أمامهم، فوراء من الأضداد، أو يستعمل وراء موضع أمام في المواقيت والأزمان، لأن الإنسان يجوزها فتكون وراءه دون غيرها، أو يجوز في الأجسام(2/258)
التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر ولا يجوز في غيرها، وعابها الخضر، لان الملك كان لا يغصب إلا السفن الجيدة. {وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أن يبد لهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً}(2/259)
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)
80 - {الْغُلامُ} اسمه " حيسوراً " أو " شمعون " وكان سداسياً؛ وله ست عشرة سنة، أو طوله ستة أشبار، وكان لصاً يقطع الطريق بين قرية أبيه وقرية أمه فيبصره أهل القريتين ويمنعون منه {فَخَشِينَآ} فكرهنا، أو علمنا، أو خفنا {يُرْهِقَهُمَا} يكلفهما، أو يحملهما على الرهق وهو الجهد.(2/259)
فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)
81 - {زَكَاةً} إسلاماً، أو علماً، أو ولداً وكانت أمه حبلى فولدت غلاماً مسلماً صالحاً، أو جارية تزوجها نبي فولدت نبياً هديت به أمة من الأمم {رُحْماً} أكثر براً بوالديه من المقتول، أو أعجل تعطفاً ونفعاً، أو أقرب أن يرحما به، والرحم الرحمة. {وأمّا الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزٌ لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما رحمةً من ربّك وما فعلته عن أمرى ذلك تأوي ما لم تسطع عليه صبراً 83}(2/259)
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)
82 - {الْجِدَارُ} حقيقة ما أحاط بالدار فمنع منها وحفظ بنيانها ويستعمل في غيره من حيطانها مجازاً {كَنزٌ} ذخيرة من ذهب وفضة، أو لوح ذهب مكتوب فيه حِكَم، أو لوح ذهب مكتوب فيه " بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يوقن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يوقن بالدنيا بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، لا إله إلا الله(2/259)
محمد رسول الله قاله الرسول [صلى الله عليه وسلم]- {صَالِحاً} حُفِظا لصلاح أبيهما السابع. والخضر باقٍ لشربه من عين الحياة، أو غير باقٍ إذ لا نبي بعد الرسول [صلى الله عليه وسلم] . {ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكراً إنّا مكنا له في الأرض وءاتيناه من كل شىءٍ سببا فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عينٍ حمئة ووجد عندها قوماً قلنا يا ذا القرنين أمّا أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى سنقول له من أمرنا يسرا}(2/260)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)
83 - {ذِى الْقَرْنَيْنِ} نبي مبعوث فتح الله - تعالى - على يده الأرض، أو عبد صالح ناصح لله، فضربوه هلى قرنه فمكث ما شاء الله ثم دعاهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الآخر، لم يكن له قرنان كقرني الثور، وسمي ذا القرنين للضربتين، أو لضقيرتين كانتا له، أو لاستيلائه على قرني الأرض المشرق والمغرب، أو رأى في نومه أنه أخذ بقرني الشمس في شرقها وغربها فقصها على قومه فسمي ذا القرنين. وهو عبد الله بن الضحاك بن معد " ع "، أو من أهل مصر اسمه مرزبان يوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح، أو / رومي(2/260)
أسمه الاسكندروني أو هو الإسكندر الذي بنى الإسكندرية.(2/261)
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)
84 - {مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَباً} علماً يتسبب به إلى إرادته، أو ما يستعين به على لقاء الملوك وقتل الأعداء وفتح البلاد.(2/261)
فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)
85 - {فَأَتْبَعَ سَبَباً} منازل الأرض ومعالمها، أو طرقاً بين المشرق والمغرب، أو قفا الأثر، أو طريقاً إلى ما أريد منه.(2/261)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)
86 - {حَمِئَةٍ} ذات حمأة، أو طينة سوداء {حامية} حارة فكانت حارة ذات حمأة، وجدها تغرب في نفس العين، أو وراءها كأنها تغرب فيها {وإما أَن تُعَذِّبَ} خُيِّر بين عقابهم والعفو عنهم، أو تعذبهم بالقتل لشركهم، أو تتخذ فيهم حسناً بإمساكهم بعد الأسر لتعلمهم الهدى وتنقذهم من العمى، قيل لم يُسلم منهم إلا رجل واحد. {ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا}(2/261)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)
89 - {أتَّبِعُ} و {اتَّبع} واحد، أو بالقطع إذا لحق وبالوصل إذا كان على الأثر وإن لم يلحق.(2/261)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)
90 - {مَطْلِعَ} ومَطْلَع واحد، أو بالفتح الطلوع وبالكسر موضع الطلوع(2/261)
يريد بالمطلع والمغرب ابتداء العمارة وانتهائها {سِتْراً} من بناء، أو شجر، أو لباس، يأوون إذا طلعت إلى أسراب لهم فإذا زالت خرجوا لصيد ما يقتاتونه من وحش وسمك قيل: هم الزنج، أو تاريش، وتأويل ومنسك. {ثم اتبع سبباً حتى إذا بلغ بين السّدّين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً قال لم ما مكّني فيه ربي خيرٌ فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً ءاتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال ءاتوني أفرغ عليه قطراً}(2/262)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
93 - {السَّدَّيْنِ} و {السُّدين} واحد، أو بالضم من فعل الله - تعالى - وبالفتح فعل الآدمي، " أو بالضم إذا كان مستوراً عن بصرك وبالفتح إذا شاهدته ببصرك "، أو بالضم الاسم وبالفتح المصدر. قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وهما جبلان، قيل جعل الردم بينهما، وهما بأرمينية وأذربيجان، أو في منقطع أثر الترك مما يلي المشرق.(2/262)
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
94 - {يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} من تأجج النار واختلفوا في تكليفهم، وهما من ولد يافث بن نوح، قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " لا يموت الرجل [منهم] حتى يولد لصلبه ألف رجل " {خَرْجاً}(2/262)
إجرة و {خراجاً} الغلة، أو الخراج ما خرج من الأرض، والخرج مصدر ما يخرج من المال، أو الخراج ما يؤخذ عن الأرض والخرج ما يؤخذ عن الرقاب، أو الخرج ما أخذ دفعة والخراج ما كان ثابتاً يؤخذ كل سنة.(2/263)
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)
95 - {بِقُوَّةٍ} بآلة، أو برجال {رَدْماً} حجاباً شديداً، أو سداً متراكباً بعضه على بعض.(2/263)
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)
96 - {زُبَرَ الْحَدِيدِ} قطعه، أو فلقه، أو الحديد المجتمع ومنه الزبور لاجتماع حروفه {الصَّدَفَيْنِ} جبلان " ع "، أو رأسا جبلين، أو ما بين الجبلين إذا كانا متحاذيين من المصادفة في اللقاء، أو إذا انحرف كل واحد منهما عن الآخر كأنه صدف عنه فساوى بينهما بما جعله بينهما حتى وارى رؤوسهما وسوى بينهما {انفُخُواْ} في نار الحديد حتى إذا جعل الحديد ناراً أي كالنار في الحمى واللهب {قطرا} نحاساً، أورصاصاً أو حديداً مذاباً، فكانت حجارته الحديد وطينه النحاس. {فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاءَ وكان وعد ربي حقاً وتركنا بعضهم يؤمئذ يموج في بعضٍ ونفخ في الصور(2/263)
فجمعناهم جمعا}(2/264)
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)
97 - {يَظْهَرُوهُ} يعلوه {نَقْباً} من أسفله، وهو وراء بحر الروم بين جبلين هنا مؤخرهما البحر المحيط، ارتفاعه مائتا ذراع، عرضه نحو خمسين ذراعاً، وهو حديد شبه المصمت، وذكر رجل / للرسول [صلى الله عليه وسلم] أنه رآه فقال: انعته لي، فقال: هو كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال: قد رأيته.(2/264)
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
98 - {وَعْدُ رَبِّى} القيامة، أو وقت خروجهم بعد قتل الدجال {دَكَّآءَ} أرضاً، أو قطعاً، أو انهدم حتى اندك بالأرض فاستوى معها.(2/264)
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)
99 - {بَعْضَهُمْ} القوم الذين ذكرهم ذو القرنين يوم فتح السد، أوالكفار يوم القيامة، أو الجن والإنس عند فتح السد {يموج} يخلتط، أو يدفع بعضهم بعضاً من موج البحر. {وعرضنا جهنّم يومئذ للكافرين عرضاَ الذين كانت أعينهم في غطاءٍ عن ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعاً أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دونى أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا}(2/264)
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)
101 - {سَمْعاً} على ظاهره، أو عقلاً فلا يستطيعون سمعه استثقالاً، أو مقتاً.(2/264)
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)
102 - {نزلا} طعاماً، أومنزلاً.(2/264)
{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً 104 أولئك الذين كفروا بئايات ربّهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتّخذوا ءاياتي ورسلي هزواً}(2/265)
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)
103 - {بِالأَخْسَرِينَ} القسيسون والرهبان، أو اليهود والنصارى، أو الحرورية الخوارج، أو أهل الأهواء، أو من يصنع المعروف ويمن به.(2/265)
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)
105 - {وَزْناً} أي لا قدر لهم، أو لخفتهم بالسفه والجهل صاروا ممن لا وزن له. أو ذهبت المعاصي بوزنهم فلا يوازنون لخفتهم [شيئاً] أو لما حبط أعمالهم بالكفر صار الوزن عليهم لا لهم. {إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً}(2/265)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)
107 - {الْفِرْدَوْسِ} وسط الجنة وأطيب موضع فيها، أو أعلاها وأحسنها، أو بستانها، أو البستان الجامع لمحاسن كل بستان، أوكل بستان محوط فردوس، وهو عربي أو رومي، أو سرياني وبالنبطية فرداساً.(2/265)
خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
108 - {حِوَلاً} بدلاً، أو تحويلاً، أو حيلة منزل غيرها. {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}(2/265)
قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)
109 - {كَلِمَاتُ رَبِّى 9 وعده بالثواب والعقاب، أو ذكر ما خلق وما هو خالق، أو علم القرآن، عجز الخلق عن إحصاء معلوماته ومقدوراته.(2/265)
{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنّما إلهكم إلهٌ واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعباده ربه أحداً}(2/266)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
110 - {يرجو} يخاف، أو يأمل، أو يصدق به {لِقَآءَ رَبِّهِ} لقاء ثواب ربه، أو لقاءه بالبعث والوقوف بين يديه {صَالِحاً} خالصاً من الرياء، إو إذا لقي الله - تعالى - به لم يستحي منه، أو عمل الطاعة وترك المعصية {بعبادة ربه} يريد بالرياء، أو بالشرك بالأصنام، قيل نزلت في جندب بن زهير أتى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال: يا رسول الله إنا نعمل العمل نريد به وجه الله - تعالى - فيثنى به علينا فيعجبنا، وإني لأصلي الصلاة فأطولها رجاء أن يثنى بها علي فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] : إن الله - تعالى - يقول: أنا خير شريك فمن شاركني في علم يعمله لي أحداً من خلقي تركته وذلك الشريك ونزلت هذه الآية فتلاها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وقيل إنها آخر آية نزلت من القرآن والله - تعالى - أعلم. والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلامه، وحسبنا الله - تعالى ونعم الوكيل.(2/266)
سورة مريم
مكية اتفاقاً.
بسم الله الرحمن الرحيم
{كهيعص ذكر رحمت ربك عبده زكريا إذ نادى ربّه نداءً خفيّا قال رب إنّى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك ربّ شقيا وإني خفت المولى من ورآءى وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من ءال يعقوب واجعله ربّ رضيا}(2/267)
كهيعص (1)
1 - كهيعص} اسم للسورة أو للقرآن أو لله - تعالى - أو استفتاح للسورة أو تفسير " لا إله إلا الله " من حروف الجُمَّل، الكاف عشرون، والهاء خمسة والياء عشرة، والعين سبعون، والصاد تسعون، كذلك عدد / حروف لا(2/267)
إله إلا الله، أو حروف من حروف أسماء الرب، الكاف من كبير أو كافٍ أو كريم، والهاء من هادٍ، والياء من حكيم أو يمين أو أمين أو يا من يجيب من دعاه ولا يخيب من رجاه، أو يا من يجير ولا يجار عليه، قاله الربيع بن أنس، والعين من عزيز أو عالم أو عدل، والصاد من صادق.(2/268)
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)
3 - {خَفِيّاً} لا رياء فيه، أو أخفاه لئلا يستهزأ به لبعد ما طلبه.(2/269)
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
4 - {وَهَنَ} ضعف وإذا وهن العظم مع قوته فوهن اللحم والجلد أولى، أو شكا ضعف البطش الذي يقع بالعظم دون اللحم {وَاشْتَعَلَ} شبه انتشار الشيب في الرأس بانتشار النار في الحطب. {شَقِيّاً} خائباً، كنت لا تخيبني إذا دعوتك.(2/269)
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)
5 - خِفْتُ الْمَوَالِىَ} العصبة، أو الكلالة، أو بنو العم وكانوا شرار بني إسرائيل، سموا موالي لأنهم يلونه في النسب بعد الصلب، أو الأولياء أن يرثوا علمي دون نسلي، وخافهم على الفساد في الأرض، أو على نفسه في حياته، وعلى أسبابه بعد موته {ورائي} قدامي، أو بعد موتي.(2/269)
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)
6 - {يرثني) {مالي} (ويرث من آل يَعْقُوبَ} النبوة، أو يرثهما العلم والنبوة، أو منه النبوة ومن آل يعقوب الأخلاق، أو يرث مني العلم ومن آل يعقوب الملك، فأجيب إلى وراثة العلم دون الملك، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - روي الرسول [صلى الله عليه وسلم] قال: " يرحم الله زكريا ما كان عليه من ورثة ". {رَضِيّاً} مرضي الأخلاق والأفعال، أو راضياً بقضائك وقدرك.(2/269)
{يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا قال رب إنّى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً قال كذلك قال ربّك هو عليّ هينٌ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً قال ربِّ اجعل لي ءايةً قال ءايتك ألا تكلم الناس ثلاث ليالٍ سويّا فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحّوا بكرةً وعشياً}(2/270)
يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)
7 - {نُبَشِّرُكَ} بإجابة الدعوة، وإعطاء الولد، وتفرد الرب - عز وجل - بتسميته اختصاصاً له واصطفاء، سمي يحيى، لأنه حَيَ بين شيخ وعجوز. {سَمِيّاً} لم تلد العواقر مثله فلا مثل له ولا نظير، أو لم نجعل لزكريا قبل يحيى ولداً، أو لم نُسمِّ أحداً قبله باسمه.(2/270)
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)
8 - {عَاقِراً} لا تلد؛ لأنها تعقر النسل أي تقطعه، أو لعقر رحمها للمني وإفساده وسأل عن أن الولد يأتيهما شابين أو شيخين. {عتيا} يبساً وجفافاً، أو نحول العظم، أو سناً. قال:
(إنما يعذر الوليد ولا يعذر ... من كان الزمان عتيا)(2/270)
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)
10 - {أيه} دالة على الحمل، أو على أن البُشرى من الله دون إبليس(2/270)
لأن الشيطان أوهمه ذلك، قال الضحاك {ثَلاثَ لَيَالٍ} اعتقل لسانه ثلاثاً من غير مرض ولا خرس عن كلام الناس دون ذكر الله - تعالى - {سَوِيّاً} صحيحاً من غير خرس، أو يرجع إلى الليالي أي متتابعات.(2/271)
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
11 - {فَخَرَجَ} أشرف على قومه. {مِنَ الْمِحْرَابِ} المصلى، أو ما ينصب ليصلى بإزائه لأن المصلي كالمحارب للشيطان، أو من مجلس الأشراف الذي يحارب دونه ذباً عن أهله فكأن الملائكة تحارب عن المصلي ذباً عنه. {فَأَوْحَى} أومى، أو أشار، أو كتب على الأرض، والوحي الكتابة قال:
(كأن أخا اليهود يخط وحياً ... بكاف من منازلها ولام)
{سَبِّحُواْ} صلوا سميت به لاشتمالها على التسبيح. {ييحيى خذ الكتاب بقوة وءاتينه الحكم صبياً وحنانا من لدنا وزكوة وكان(2/271)
تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصياً وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً}(2/272)
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)
12 - {خذ الكتاب} قاله زكريا - عليه الصلاة والسلام - ليحيى حين نشأ، أو قاله الله - تعالى - حين بلغ، والكتاب: التوراة، أو صحف إبراهيم. {بقوة} بجد واجتهاد، أو بامتثال الأوامر واجتناب المناهي. {الْحُكْمَ} اللب، أو الفهم، أو العلم أو الحكمة، قال له الصبيان: اذهب بنا نلعب فقال: ما للعب خُلقت قيل كان ابن ثلاث سنين.(2/272)
وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)
13 - {وَحَنَاناً} رحمة قال:
(أبا منذر فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض)
أو تعطفاً، أو محبة، أو بركة أو تعظيماً، أو آتيناه تحنناً على العباد. {وَزَكَاةً} عملاً زاكياً، أو صدقة به على والديه، أو زكيناه بثنائنا عليه. {تَقِيّاً} مطيعاً، أو براً بوالديه. {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقياً فاتخذت من دونهم(2/272)
حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنمّا أنا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكياً قالت أنى يكون لي غلامٌ ولم يمسسني بشرٌ ولم أك بغياً قال كذلك قال ربّك هو علّي هيّنٌ ولنجعله ءايةً للناس ورحمةٌ منّا وكان أمراً مقضيّا}(2/273)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)
16 - {انتّبَذَتْ} انفردت، أو اتخذت، {شَرْقِيّاً} جهة المشرق فاتخذتها النصارى قبلة أو مشرقة الدار التي تظلها الشمس، أو مكاناً بعيداً. \ 17 - {حِجَاباً} من الجدران، أو من الشمس جعله الله - تعالى - لها ساتراً قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو حجاباً من الناس، انفردت في ذلك المكان للعبادة، أو كانت تعتزل فيه أيام حيضها. {رُوحَنَا} الروح الذي خُلق منها المسيح حتى تمثل بشراً، أو جبريل - عليه السلام - لأنه روحاني لا يشوبه غير الروح، أو لحياة الأرواح به، فنفخ جبريل - عليه السلام - في جيب درعها وكمها فحملت، أو ما كان إلا أن حملته فولدته، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وكان حملها تسعة أشهر، أو ستة أشهر، أو يوماً واحداً، أو ثمانية أشهر، ولم يعش لثمانية سواه آية له.(2/273)
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)
18 - {تَقِيّاً} اسم رجل إسرائيلي مشهور بالعهر، لما دنا منها - جبريل عليه السلام - خافت فاستعاذت من ذلك العاهر، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو إن كنت تقياً لله امتنعت خوفاً من استعاذتي به. {فحملته فانتبذت به مكاناً قصيّاً فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياّ فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً وهزى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيّا 5 فكلي واشربي وقرى عيناً فإمّا ترينّ من البشر أحداً فقولي إنّى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً}(2/274)
فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)
23 - {فأجاءها} ألجأها، أو جاء بها. {ليتني مِتُّ} تمنت الموت حياء من التهمة، أو لئلا يأثم الناس بقدفها، أو لأنها لم تر في قومها رشيداً ذا فراسة يبرئها من السوء. {نسياً منسياً} لم أخلق، أو لا يدري من أنا، أو سقطاً، أو إذا ذكرت لم أُطلب، والنسي ما أُغفل من شيء حقير.(2/274)
فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
24 - {فَنَادَاهَا} جبريل، أو عيسى {مِن تَحْتِهَآ} من مكان أسفل من(2/274)
مكانها، أو من بطنها بالقبطية {سَرِيّاً} عيسى، السروات: الأشراف، أو السري النهر بالنبطية أو العربية من السراية لأن الماء يسري فيه، قيل يطلق السري على ما يعبره الناس من الأنهار وثباً.(2/275)
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)
25 - {النَّخْلَةِ} برنية، أو عجوة، أو صرفانة أو قريناً ولم يكن لها رأس وكان الشتاء فجعلت آية، قيل اخضرت وحملت ونضجت وهي تنظر {جَنِيّاً} مترطب البسر، أو الذي لم يتغير، أو الطري بغبار.(2/275)
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)
26 - {فَكُلِى} الجني {وَاشْرَبِى} من السري {وَقَرِّى عَيْناً} بالولد، طيبي نفساً، أو لتسكن عينك سروراً أو لتبرد عينك سروراً، دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة {صَوْماً} صمتاً أو صوماً عن الطعام والشراب / [107 / أ] وصمتاً عن الكلام، تركت الكلام ليتكلم عنها ولدها ببرءاتها، أو كان من صام لا يكلم الناس فأُذن لها في هذا القدر من الكلام. {فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئاً فريّا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوءٍ وما كانت أمك بغياً فأشارت إليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبياً قال إني عبد الله ءاتاني الكتاب وجعلني نبيّا وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّا وبرّا بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقياً والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا}(2/275)
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27)
27 - {فَرِيّاً} قبيحاً من الافتراء، أو عجيباً، أو عظيماً، أو باطلاً، أو متصنعاً من الفرية وهي الكذب.(2/275)
يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
28 - {أُخْتَ هَارُونَ} لأبويه أو نسبت إلى رجل صالح كان أسمه هارون تنسب إليه من تعرف بالصلاح مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو نسبت إلى هارون أخي موسى لأنها من ولده كما يقال: يا أخا فلان أو كان رجلاً معلناً بالفسق فنسبت إليه.(2/276)
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
29 - {فأشارت} إلى الله - تعالى - فلم يفهموا إشاراتها، أو إلى عيسى على الأظهر ألهمهما الله - تعالى - ذلك بأنه سيبرئها، أو أمرها به {مَن كَانَ} صلة، أو بمعنى يكون {المهد} سرير الطفل، أو حجرها غضبوا لما أشارت إليه وقالوا: لسخريتها بنا أعظم من زناها، فلما تكلم قالوا: إن هذا لأمر(2/276)
عظيم.(2/277)
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)
30 - {آتاني} سيؤتيني {وجعلني} سيجعلني، أو كان وقت كلامه في المهد نبياً كامل العقل، قاله الحسن - رضي الله تعالى عنه - وكلمهم وهو ابن أربعين يوماً.(2/277)
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)
31 - {مُبَارَكاً} نفّاعاً، أو معلماً للخير، أو عارفاً بالله - تعالى - داعياً إليه، أو آمراً بالعُرْف ناهياً عن المنكر. {بِالْصَّلاةِ} ذات الركوع والسجود، أو الدعاء {وَالزَّكَاةِ} للمال، أو التطهير من الذنوب.(2/277)
وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)
32 - {جَبَّاراً} جاهلاً بأحكامه {شَقِيّاً} متكبراً عن عبادته، أو الجبار الذي لا ينصح والشقي الذي لا يقبل النصح.(2/277)
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
33 - {وَالْسَّلامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ) السلامة لي في الدنيا وفي القبر وفي البعث، لأن له أحوالاً ثلاثة: حياة الدنيا والموت مقبوراً والبعث فسلم في هذه من الأحزان، أو سلم في الولادة من همزة الشيطان إذ لا مولود إلا يهمزه {وَيَوْمَ أَمُوتُ} سلامته من ضغطة القبر لأنه غير مدفون في الأرض، ويوم البعث: يحتمل سلامته من العرض والحساب. قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - ثم انقطع كلامه حتى بلغ مبلغ الغلمان. {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولدٍ سبحانه إذا قضى أمراً فإنمّا يقول له كن فيكون وإنّ الله ربي وربّكم فاعبدوه هذا صراطٌ(2/277)
مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويلٌ للذين كفروا من مشهد يومٍ عظيم}(2/278)
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)
34 - {الْحَقِّ} الله، أو عيسى سماه حقاً، لأنه جاء بالحق، أو القول الذي قاله عيسى من قبل {يَمْتَرُونَ} يشكون، أو يختلفون فتقول فرقة هو الله وأخرى هو ابن الله وأخرى هو ثالث ثلاثة هذا قول النصارى، وقال المسلمون: عبد الله ورسوله، وقالت اليهود: لغير رشدة عند من قرأ تمترون. {أَسْمِعْ بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلالٍ مبين 5 وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم في غفلةٍ وهم لا يؤمنون إنّا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون}(2/278)
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38)
38 - {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} اليوم كيف يصنع بهم يوم القيامة، أو عجبه من سماعهم وإبصارهم في الآخرة.(2/278)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)
39 - {قضي الأمر} بعذابهم يوم البعث، أو قضي بانقطاع توبتهم وتحقق الوعيد يوم الموت. {واذكر في الكتاب إبراهيم أنه كان صديقاً نبياً إذ قال لأبيه يا أبتٍ لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئاً يا أبت إنّي قد جآءني من العلم ما لم يأتك فاتّبعنى أهدك صراطاً سوياً يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيّا يا أبت إني(2/278)
أخاف أن يمسّك عذابٌ من الرحمن فتكون للشيطان ولياً قال أراغبٌ أنت عن ءالهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنّك واهجرني مليّا قال سلامٌ عليك سأستغفر لك ربي إنّه كان بي حفيّاً وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربّى عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيّا}(2/279)
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)
46 - {لأَرْجُمَنَّكَ} بالذم والسب، أو بالأحجار لتبعد عني. {مَلِيّاً} دهراً طويلاً مؤبداً، أو سوياً سليماً من عقوبتي، أو غنياً.(2/279)
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)
47 - {سَلامٌ} توديع وهجر، أو سلام: إكرام وبر، قابل جفوته بالإحسان رعاية لحق الأبوة وهو أظهر {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ} إن تركت عبادة الأوثان، أو أدعو لك بالهدى المقتضي للغفران / [107 / ب] {حَفِيّاً} مقرباً، أو مكرماً، أو رحيماً، أو عليماً، أو متعهداً. {فلمّا اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيّاً ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدقٍ عليّاً}(2/279)
وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)
50 - {لِسَانَ صِدْقٍ} ثناء جميلاً، أو جعلناهم كراماً على الله - تعالى - اللسان بمعنى الرسالة. قال:(2/279)
(أتتني لسان بني عامر ... أحاديثها بعد قول نكر)
{واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا}(2/280)
وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)
52 - {الطُّورِ الأَيْمَنِ} جبل بالشام نودي من يمين الجبل، أو من يمين موسى {وَقَرِّبْنَاهُ نَجِيّاً} قرب من المكان الذي شرفه فيه وعظمه ليسمع كلامه، أو قربه من أعلى الحجب حتى سمع صريف القلم، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - وقال غيره سمع صريف القلم الذي كتبت به التوراة، أو قربه باصطفائه واجتبائه {نَجِيّاً} ناجاه من النجوى التي لا يكون إلا في خلوة، أو رفعه بعد التقريب من النجوة وهي الارتفاع، أو نجاه بصدقه مأخوذ من النجاة. قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - لم يبلِّغ موسى من الكلام الذي ناجاه به شيئاً. {واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيّاً وكان يأمر أهله(2/280)
بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً}(2/281)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)
54 - {صَادِقَ الْوَعْدِ} وعد رجلاً أن ينتظره فانتظره ثلاثة أيام أو اثنين وعشرين يوماً أو حولاً كاملاً قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. \ 55 - {أَهْلَهُ} ، قومه، أو أهله يبدأ بهم، وهو إسماعيل بن إبراهيم عند الجمهور، أو إسماعيل بن حزقيل بعثه الله - تعالى - إلى قومه فسلخوا جلدة رأسه فخيره الله - تعالى - فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه وفوض أمرهم إليه في عفوه وعقوبته لأن إسماعيل مات قبل أبيه إبراهيم. {واذكر في الكتاب إدريس إنّه كان صدّيقاً نبّيّاً ورفعناه مكاناً عليّاً أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبين من ذرية ءادم وممّن حملنا مع نوحٍ ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممّن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم ءايات الرحمن خرّوا سجّداً وبكياً}(2/281)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56)
56 - {إدريس} أول من أعطي النبوة وأول من خط بالقلم.(2/282)
وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)
57 - {وَرَفَعْنَاهُ} إلى السماء الرابعة، أو السادسة وهو في السماء حي لم يمت كعيسى، أو مات في السماء وهو فيها ميت، أو مات بين الرابعة والخامسة وهو أول من اتخذ السلاح، وجاهد في سبيل الله - تعالى - وقتل بني قابيل وأول من وضع الوزن والكيل وأثار علم النجوم، وأول من لبس الثياب وإنما كانوا يلبسون الجلود.(2/282)
أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)
58 - {وبكيا} سجودهم رغبة وبكاؤهم رهبة. {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا إلا من(2/282)
تاب وءامن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتياً لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشياً تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقياً}(2/283)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
59 - {خَلْفٌ} بالسكون إذا خلفه من ليس من أهله وبالفتح إذا كان من أهله، أو بالسكون في الذم وبالفتح في الحمد {مِن بَعْدِهِمْ} اليهود بعد متقدمي الأنبياء، أو المسلمون بعد النبي [صلى الله عليه وسلم] من عصر الصحابة إلى قيام الساعة، أو من بعد عصر الصحابة قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " يكون بعد الستين خلف أضاعوا الصلاة " الآية {أَضَاعُواْ الصَّلاةَ} بتركها، أو تأخيرها عن وقتها {غَيّاً} وادٍ في جهنم أو خسراناً، أو ضلالاً عن الجنة، أو شراً أو خيبة.
( ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ومن يغوِ لا يعدم ... ... ... ... ... . .)
أي يخب.(2/283)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)
62 - {لَغْواً} كلاماً فاسداً، أو خُلفاً {سَلاماً} سلامة، أو تسليم الملائكة عليهم {بُكْرَةً وَعَشِيّاً} كان يعجبهم إصابة الغداء والعشاء فأُخبروا أن ذلك في الجنة، أو أراد مقدار البكرة والعشي من أيام الدنيا، قيل: يعرفون مقدار الليل(2/283)
بإرخاء الحجب وغلق الأبواب، ومقدار النهار برفع الحجب / [108 / أ] وفتح الأبواب. {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا}(2/284)
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)
64 - {ومانتنزل} موضعاً من الجنة إلا بأمر الله - تعالى - من كلام أهل الجنة أو نزلت لما أبطأ جبريل - عليه السلام - على الرسول [صلى الله عليه وسلم] اثنتي عشرة ليلة فلما أتاه قال: " لقد غبت حتى ظن المشركون كل ظن "، {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} الدنيا {وَمَا خَلْفَنَا} الآخرة {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} ما بين النفختين، أو ما مضى من الدنيا {وَمَا خَلْفَنَا} ما يكون بعدنا من الدنيا والآخرة {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} ما بين ما مضى من قبل وما يكون من بعد {نَسِيّاً} ذا نسيان، أو ما نسيك.(2/284)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)
65 - {سَمِيّاً} مثلاً من المساماة، أو من يُسمى الله أو لا يستحق اسم(2/284)
الإله غيره، أو ولداً. {ويقول الإنسان أءذا ما متّ لسوف أخرج حيّاً أولا يذكر الإنسان أنّا خلقناه من قبل ولم يكن شيئاً فوربك لنحشرنّهم والشياطين ثمّ لنحضرنّهم حول جهنم جثيا ثم لننزعنّ من كل شيعةٍ أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيّاً ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليّاً وإن منّكم إلا واردها كان على ربّك حتماً مقضيّاً ثمّ ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّاً}(2/285)
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)
68 - {جَهَنَّمَ} اسم للنار أو لأعمق موضع فيها كالفردوس اسم لأعلى الجنة {جِثِيّاً} جماعات، أو بروكاً على الركب.(2/285)
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)
69 - {شِيعَةٍ} الشيعة: الجماعة المتعاونون، الأمة شيعة لاجتماعهم وتعاونهم. {لنزعن} لنبدأن أو لنستخرجن {عِتِيّاً} افتراء بلغة تميم، أو جرأة أو كفراً، أو تمرداً، أو معصية.(2/285)
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)
70 - {صِلِيّاً} دخولاً أو لزوماً.(2/285)
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)
71 - {واردها} الحمى والأمراض، عاد الرسول [صلى الله عليه وسلم] رجلاً ثم قال: " إن الله - تعالى - يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار(2/285)
في الآخرة "، أو جهنم يردها الكفار خاصة، انتقل من معاتبتهم إلى خطابهم، أو عامة في المؤمن والكافر يردانها فتمس الكافر دون البر، أو يردها المؤمن بمروره عليها ونظره إليها سروراً بما أنجاه الله - تعالى - منه {وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ} [القصص: 23] {حَتْماً} قضاء مقضياً، أو قسماً واجباً. {وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بيّنات قال الذين كفروا للذين ءامنوا أي الفريقين خيرٌ مقاماً وأحسن نديّاً وكم أهلكنا قبلهم من قرنٍ هم أحسن أثاثاً ورءياً قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً حتى إذا رأوا ما يوعدون إمّا العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شرٌ مكاناً وأضعف جنداً ويزيد الله الذين اهتدوا هدىً والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ مرداً}(2/286)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)
73 - {مَّقَاماً} منزل إقامة في الجنة أو النار، أو كلاماً قائماً بحجة معناه، من فلجت حجته خير أم من دحضت حجته. {نَدِيّاً} أفضل مجلساً أو أوسع عيشاً.(2/286)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)
74 - {أثاثا} متاعاً {ورئيا} منظراً " ع "، أو الجديد من ثياب البيت(2/286)
والريّ الارتواء من النعمة، أو ما لا يراه الناس والرئي ما يرونه، أو أكثر أموالاً وأحسن صوراً.(2/287)
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)
76 - {وَيَزِيدُ اللَّهُ} يزيدهم هدى بالمعونة على الطاعة والتوفيق لمرضاته، أو الإيمان بالناسخ والمنسوخ. {أفرءيت الذي كفر بئاياتنا وقال لأوتينّ مالاً وولداً أطلع الغيب أم أتخذ عند الرحمن عهداً كلا سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدّاً ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً}(2/287)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)
77 - {لأُوتَيَنَّ مَالاً} نزلت في العاص بن وائل، أو في الوليد بن المغيرة، {لأُوتَيَنَّ} في الدنيا على قول الجمهور، أو في الجنة استهزاء(2/287)
منه {وَوَلَداً} وُوْلدا واحد كعُدْم وَعَدم، أو بالضم جمع وبالفتح واحد لغة قيس.(2/288)
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)
78 - {عَهْداً} عملاً صالحاً، أو قولاً عهد به الله إليه.(2/288)
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)
80 - {وَنَرِثُهُ} نسلبه ما أعطيناه في الدنيا من مال وولد، أو نحرمه ما تمناه منهما في الآخرة {فَرْداً} بلا مال ولا ولد، أو بلا ولي ولا ناصر. {واتّخذوا من دون الله ءالهةً ليكونا لهم عزّاً كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدّاً ألم تر أنّا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزّاً فلا تعجل عليهم إنّما نعدّلهم عدّا}(2/288)
كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)
82 - {سيكفرون} سيجحد العابدون عبادتها لما رأوا من سوء عاقبتها، أو يكفر المعبود بالعابد ويكذبه {ضدا} عوناً من الخصومة، أو بلاء أو أعداء(2/288)
أو قرناء في النار يلعنونهم، أو على ضد ما أمّلوه فيهم " ح ".(2/289)
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)
83 - {تؤزهم} / [108 / ب] تزعجهم إلى المعاصي، أو تغويهم أو تغريهم بالشر.(2/289)
فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)
84 - {نَعُدُّ لَهُمْ} أعمالهم، أو أيام حياتهم، أو مدة انتظارهم إلى الانتقام منهم بالسيف والجهاد. {يوم نحشر المتّقين إلى الرحمن وفداً ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً لا يملكون الشفاعة إلا من اتخّذ عند الرحمن عهداً وقالوا أتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إدّاً تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّاً أن دعوا للرّحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً 6 إن كل من في السموات والأرض إلا ءاتى الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدّهم عدّا وكلّهم ءاتيه يوم القيامة(2/289)
فرداً}(2/290)
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)
85 - {وَفْداً} ركباناً، أو جماعة، أو زواراً.(2/290)
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)
86 - {وِرْداً} مشاة، أو عطاشاً من ورود الإبل عطاشاً، أو أفراداً.(2/290)
لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)
87 - {عَهْداً} وعداً من الله - تعالى -، أو إيماناً به.(2/290)
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)
89 - {إدّاً} منكراً، أو عظيماً. {إنّ الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً فإنما يسّرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدّاً وكم أهلكنا قبلهم من قرنٍ هل تحسّ منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزاً}(2/290)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)
96 - {وُدّاً} محبة في الدنيا من الأبرار وهيبة عند الفجار، أو يحبهم الله - تعالى - ويحببهم إلى الناس، قال " ع " نزلت في علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -.(2/290)
97 - (لُّدّاً} فجاراً، أو أهل لجاج وخصام من اللدود للزومهم الخصام كما يحصل اللدود في الأفواه أو الجدل في الباطل من اللدد وهو شدة الخصومة.(2/291)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)
98 - {رِكْزاً} صوتاً، أو حساً، أو ما لا يفهم من صوت أو حركة.(2/291)
سورة طه
مكية اتفاقاً.
بسم الله الرحمن الرحيم
{طه ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى إلا تذكرةً لمن يخشى تنزيلاً ممّن خلق الأرض والسموات العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول فإنّه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى}(2/292)
طه (1)
1 - {طه} اسم لله - تعالى - أقسم به. أو اسم للسورة أو اختصار كلام خص الرسول [صلى الله عليه وسلم] بعلمه، أو حروف يدل كل حرف منها معنى، أو طوبى لمن اهتدى، أوطأ الأرض بقدميك ولا تقم على أحدهما في(2/292)
الصلاة، أو يا رجل بلغة عك أوطيء أو بالنبطية.
(إن السفاهة طه من خليفتكم ... لا قدس الله أرواح الملاعين)(2/293)
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)
2 - {لِتَشْقَى} بالتعب والسهر في قيام الليل، أو بالأسف والحزن على كفرهم، أو جواب لهم لما قالوا: إنه بالقرآن شقي.(2/293)
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)
3 - {تذكرة} إنذاراً لمن يخشى الله، أو زجراً لمن يتقي الذنوب والخوف ما ظهرت أسبابه، والخشية ما لم تظهر أسبابه.(2/293)
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)
2 - {لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ} ملكهما، أو تدبيرهما، أو علم ما فيهما {الثَّرَى} كل شيء مبتل، أو التراب عند الجمهور، والذي تحته: ما واراه التراب في بطن الأرض أو الصخرة الخضراء التي تحت الأرض السابعة وهي(2/293)
سجين التي فيها كتاب الفجار.(2/294)
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
7 - {السِّرَّ} ما ساررت به غيرك، {وَأَخْفَى} ما أضمرته ولم تحدث به " ع " أو ما أضمرته في نفسك وأخفى ما لم يكن ولا أضمره أحد في نفسه، أو أسرار عباده وأخفى سر نفسه عن خلقه، أو ما أسره الناس وأخفى الوسوسة أو ما أسره من علمه [و] عمله السالف، وأخفى: ما يعمله في المستأنف، أو العزيمة، وأخفى الهم دون العزيمة. {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إذ رءا ناراً فقال لأهله امكثوا إنّىءانست ناراً لعلىءاتيكم منها بقبسٍ أو أجد على النار هدىً}(2/294)
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)
9 - {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} باصطفائه للنبوة وتحميله للرسالة.(2/294)
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)
10 - {رأى نَاراً} في ظنه وهي نور عند الله، وكانت ليلة الجمعة في الشتاء {امْكُثُواْ} أقيموا، أو الإقامة تدوم والمكث لا يدوم {آنست} أبصرت، أو آنست بنار {هُدىً هادياً يهديني على الطريق، أو علامة استدل بها على الطريق، وكانوا قد ضلوا عن الطريق، فأقاموا بمكانهم [بعد ذهاب موسى] ثلاثة أيام فمر بهم راعي القرية فأخبرهم بمسير موسى - عليه الصلاة والسلام - فعادوا مع الراعي إلى قريتهم وأقاموا بها أربعين سنة حتى أنجز موسى أمر ربه.(2/294)
{فلمّا أتاها نودي يا موسى إنى أنا ربّك فاخلع نعليك إنّك بالواد المقدس طوىً وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكرى إن الساعة ءاتيةٌ أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدّنّك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى}(2/295)
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)
12 - {اخلع نَعْلَيْكَ} لتباشر بقدميك بركة الوادي، أو لأنهما / [109 / أ] من جلد حمار ميت فخلعهما ورمى بهما وراء الوادي {المقدس} المبارك، أو المطهر {طوى} اسم الوادي، أو لأنه مَرَّ به ليلاً فطواه " ع "، أو لأنه نودي به مرتين، طوى في كلامهم بمعنى مرتين، لأن الثانية كالمطوية على الأولى، أو لأن الوادي قدس مرتين، أوطأ الوادي بقدميك.(2/295)
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
14 - {لذكرى} لتذكرني فيها، أو لا تدخلفيها إلا بذكر، أو حين تذكيرها(2/295)
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)
15 - {أُخْفِيهَا} لا أظهر عليها أحداً فيكون " أكاد " بمعنى أريد، أو أُخفيها من نفسي " ع " مبالغة في تبعيد إعلامه بها، أو أخفيها أظهرها أخفيته(2/295)
كتمته وأظهرته من الأضداد، وأسررته كتمته وأظهرته أيضاً، أو المعنى آتية: أكاد آتي بها فحذف للعلم به ثم استأنف {أُخْفِيهَا لِتُجْزَىَ كُلُّ نَفْسٍ} قال:
(هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله)
أي وكدت أقتله. {بِمَا تَسْعَى} من خير أو شر، أقسم أنه يأتي بها للجزاء، أو أخبر بذلك.(2/296)
فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)
16 - {فتردى} فتشقى، أو تزل. {وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مئارب أخرى قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حيةٌ تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى واضمم يديك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوءٍ ءايةً أخرى لنريك من ءاياتنا الكبرى} 17،(2/296)
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)
18 - {وَمَا تِلْكَ} سؤال تقرير وجوابه {هِىَ عَصَاىَ} ولكنه أضافها إلى ملكه ليكفي الجواب إن سئل عنها ثم ذكر احتياجه إليها لئلا يكون عابثاً بحملها {وَأَهُشُ} أخبط ورق الشجر، والهش والهس واحد، أو المعجم(2/296)
خبط الشجر، وغير المعجم زجر الغنم {مَآرِبُ} حاجات نص على لوازم الحاجات وكنى عن عارضها من طرد السباع، أو قدح النار واستخراج الماء أو كانت تضيء له بالليل.(2/297)
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)
22 - {جَنَاحِكَ} عضدك، أو جنبك، أو جيبك عبّر عنه بالجناح لأنه مائل في جهته. {اذهب إلى فرعون إنّه طغى قال ربّ اشرح لي صدرك ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزرى وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً}(2/297)
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)
27 - {عُقْدَةً} من الجمرة التي ألقاها في فمه صغيراً، أو حدثت عند مناجاته ربه فلا يكلم غيره إلا بإذنه، أو استحياؤه من الله - تعالى - أن يكلم غيره بعد مناجاته.(2/297)
اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
31 - {أَزْرِى} الظهر من موضع الحقوين، أو يكون عوناً يستقيم به أمري وكان هارون أكبر منه بثلاث سنين، " وأكثر لحماً وأتم طولاً وأبيض جسماً وأفصح لساناً ومات قبل موسى بثلاث سنين " وكان بجبهته شامة وعلى أرنبة أنف موسى شامة، وعلى طرف لسانه شامة " لم تكن على أحد قبله ولا تكون(2/297)
على أحد بعده قيل إنها سبب العقلة في لسانه ". {قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننّا عليك مرةً أخرى 37 إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه أليمّ بالساحل يأخذه عدوٌّ لي وعدوٌّ له وألقيت عليك محبةً مني ولتصنع على عيني إذ تمشى أختك فتقول هل أدّلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقرّ عينها ولا تحزن وقتلت نفساً فنجيناك من الغم وفتناك فتوناً فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى}(2/298)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)
39 - {مَحَبَّةً مِّنِّى} حببتك إلى عبادي، أو حسناً وملاحة، أو رحمتي، أو من رآك حتى أحبك فرعون فخلصت منه، وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك {وَلِتُصْنَعَ} لتغذى على اختياري، أو تصنع بك أمك ما صنعت في اليم بعيني ومشاهدتي.(2/298)
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)
40 - {فُتُوناً} اختباراً حتى صلحت للرسالة، أو بلاء بعد بلاء خلصناك من محنة بعد محنة، أولها حملته أمه في سنة الذبح، ثم ألقي في(2/298)
اليم ثم مُنع الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم جر بلحية فرعون فهم بقتله فتناول الجمرة / بدل الدرة فتركه، ثم جاءه رجل يسعى لما عزموا عليه من قتله " ع " أو أخلصناك إخلاصاً {عَلَى قَدَرٍ} موعد، أو قدر من النبوة والرسالة. {واصطنعتك لنفسي اذهب أنت وأخوك بئاياتي ولا تنيا في ذكري اذهبا إلى فرعون إنّه طغى 4 فقولا له قولاً ليناً لعلّه يتذكروا أو يخشى}(2/299)
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)
41 - {لِنَفْسِى} لمحبتي أو لرسالتي.(2/299)
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)
42 - {وَلا تَنِيَا} تفترا في أمري، أو تضعفا في رسالتي، أو تبطئا " ع "، أو لا تزالا.(2/299)
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)
44 - {لَّيِّناً} لطيفاً رفيقاً، أو كنياه وكنيته أبو مرة أو أبو الوليد قيل كان لحسن تربية موسى فجعل الله - تعالى - رفقه به مكافأة له لما عجز موسى عن مكافأته. {قالا ربّنا إنّنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع(2/299)
وأرى فأتياه فقولا إنّا رسولا ربّك فأرسل معنا بني إسرئيل ولا تعذبهم قد جئناك بئايةٍ من رّبك والسلام على من اتّبع الهدى إنّا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذّب وتولى}(2/300)
قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)
45 - {يَفْرُطَ} يعجل، أو يعذبنا عذاب الفارط في الذنب وهو المتقدم فيه، أفرط إذا أكثر من الشيء وَفَرطَ إذا نقص منه {أَوْ أن يطغى} يقتلنا. {قال فمن ربّكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتابٍ لا يضل ربي ولا ينسى}(2/300)
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)
50 - {كُلَّ شيءٍ} زوجه من جنسه ثم هداه لنكاحه، أو صورته ثم هداه إلى معيشته وطعامه وشرابه، أو ما يصلحه ثم هداه له.(2/300)
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)
51 - {الْقُرُونِ} " القرن: أهل كل عصر لاقترانهم فيه، أو أهل كل عصر فيه نبي، أو طبقة عالية في العلم لاقترانهم بأهل العلم "، قاله الزجاج، سأله عنهم هل كانوا على مثل ما يدعوا إليه، أو بخلافه، أو ذكره دفعاً للجواب وقطعاً لما دعا إليه وعنتاً، أو سأل عن بغيهم للجزاء، أولما دعاه إلى الإيمان بالبعث قال: فما بال القرون لم يبعثوا.(2/300)
قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)
52 - {في كتاب} اللوح الحفوظ {لا يضل ربي} لا يخطئ فيه ولا يتركه أو لا يضل الكتاب عن ربي ولا ينسى ربي ما في الكتاب " ع " ولم يكن موسى يعلم علم القرون لأن التوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون. {الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزوجاً من نباتٍ شتى كلوا وارعوا أنعامكم إنّ في ذلك لآياتٍ لأولى النهى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ولقد أريناه ءاياتنا كلهّا فكذّب وأبى}(2/301)
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54)
54 - {النُّهَى} الحكم أو العقل، أو الورع لأنه يُنتهى إلى رأيهم، أو لأنهم ينهون النفس عن القبيح.(2/301)
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)
56 - {آياتنا} الدالة على التوحيد، أو على نبوة موسى [صلى الله عليه وسلم] . {فكذب} الخبر {وابي} الطاعة. {قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فنأتينّك بسحرٍ مثله فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى}(2/301)
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)
58 - {سُوىً) 6 منصفاً بينهم، أو عدلاً وسطاً، أو مستوياً يتبين للناس ما بيننا فيه، وسوى بالضم والكسر واحد، أو بالضم المنصف وبالكسر العدل.(2/301)
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)
59 - {يَوْمُ الزِّينَةِ} عيد كان لهم، أو يوم السبت، أو عاشوراء، أو يوم سوق كانوا يتزينون فيه. {فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذابٍ وقد خاب من افترى 61 فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً وقد أفلح اليوم من استعلى}(2/302)
قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)
61 - {لا تَفْتَرُواْ} بسحركم، أو بقولكم إني ساحر {فيسحتكم} يستأصلكم بالهلاك.(2/302)
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)
62 - {أمرهم} فيما هيؤوه من الحبال والعصي، أو أيهم يبدأ بالإلقاء. {النَّجْوَى} قولهم: إن كان ساحراً فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمره، أو لما قال: {وَيْلَكُمْ} الآية، قالوا ما هذا كلام ساحر، أو أسروها دون موسى وهارون {إن هذين لساحران} الآيات، أو قالوا: إن غلبنا موسى اتبعناه.(2/302)
قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)
63 - {إِنَّ هذان} رفع الاثنين ونصبهما وخفضهما بالألف على لغة بلحارث بن كعب وكنانة وزبيد، قال:(2/302)
(فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمما)
(إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها)
أو تقديره " إنه هذان " فحذف الهاء وإن لم تكن هذه اللغة فصحى فيجوز ورود القرآن بالأفصح وبما عداه قاله متقدموالنجاة / [110 / ب] أو هذان مبني كبناء الذين لا يتغير في أحوال الإعراب، أو إن بمعنى نعم.
(ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت إنه)
وهو قول السحرة، أو قول فرعون أشير به إلى جماعة، أو قول قومه. {بِطَرِيقَتِكُمُ} أهل العقل والشرف والأسنان. أو بنو إسرائيل كانوا ذوي عدد(2/303)
ويسار، أو بسيرتكم، أو بدينكم وعبادتكم لفرعون، أو بأهل طريقتكم المثلى، والمثلى تأنيث الأمثل وهو الأفضل.(2/304)
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)
64 - {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} أجمعوا جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون، أو أحكموا أمركم. {قالوا يا موسى أمّا أن تلقى وإمّا أن نّكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى 66 فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى فألقى السحرة سجدا قالوا ءامنا برب هارون وموسى 6}(2/304)
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)
66 - {بَلْ أَلْقُواْ} إنما أمر بذلك لإظهار حجته وبطلان كيدهم وإلا فهو كفر لا يجوز الأمر به، أو هو خبر بصيغة الأمر تقديره " إن كان إلقاؤكم حجة فألقوا ". وكانوا سبعين ألف ساحر أو تسعمائة ثلاثمائة من العريش وثلاثمائة من الفيوم ويشكون في الثلاثمائة من الإسكندرية، أو اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل، كانوا أول النهار سحرة وآخره شهداء.(2/304)
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)
67 - {فَأَوْجَسَ} فأسر {خِيفَةً} أن يلتبس الأمر على الناس فيظنوا أن الذي فعلوه مثل فعله، أو وجد ما هو مركوز في الطباع من الحذر. 69 {تَلْقَفْ} تبتلع بسرعة فابتلعت حمل ثلاثمائة بعير من الحبال والعصي ثم أخذها موسى فرجعت كما كانت وكانت من عوسج، أو من آس الجنة " ع " وبها قتل موسى - عليه الصلاة والسلام - عوج بن عناق. 70 {سُجَّداً} طاعة لله - تعالى - وتصديقاً بموسى فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما، فلذلك {قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ} ، وسألت امرأة فرعون عن الغالب فقيل: موسى وهارون، فقالت: آمنت برب موسى وهارون، فأمر فرعون بأن يُلقى عليها أعظم صخرة توجد إن أقامت على قولها فلما أتوها رفعت رأسها إلى السماء فرأت منزلها في الجنة، فمضت على قولها فانتزعت روحها فأُلقيت الصخرة على جسد لا روح فيه.(2/305)
{قال ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاضٍ إنما تقضى هذه الحياة الدنيا إنا ءامنّا بربّنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خيرٌ وأبقى إنّه من يأت ربّه مجرماً فإن له جهنّم لا يموت فيها ولا يحيى ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى.}(2/306)
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)
72 - {والذي فطرنا} قسم، أومعطوف {فَاقْضِ} فاصنع ما أنت صانع أو احكم ما أنت حاكم.(2/306)
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)
73 - {وَاللَّهُ خَيْرٌ} منك {وَأَبْقَى} ثواباً إن أُطيع وعقاباً إن عُصي، أو {خَيْرٌ} ثواباُ منك إن أطيع و [ {وَأَبْقَى} ] عقاباً إن عُصى. {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادى فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ماغشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى 79}(2/306)
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)
77 - {لا تَخَافُ دَرَكاً} من فرعون {وَلا تَخْشَى} غرقاً من البحر. {يابني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوّكم ووعدناكم جانب الطّور الأيمن ونزّلنا عليكم المنّ(2/306)
والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى 81 وإنّى لغفارٌ لمن تاب وءامن وعمل صالحاً ثم اهتدى}(2/307)
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)
81 - {وَلا تَطْغَوْا فِيهِ} لا تكفروا به، ولا تستعينوا برزقي على معصيتي أو لا تدخروا منه لأكثر من يوم وليلة فادخروا فدوُّد ولولا ذلك لما دوَّد طعام أبداً " ع " {فَيَحِلَّ بالضم} ينزل وبالكسر يجب. {هَوَى} في النار، أو هلك في الدنيا.(2/307)
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)
82 - {لمن تاب} من الشرك {وآمن} بالله - تعالى - ورسوله [صلى الله عليه وسلم] {ثُمَّ اهْتَدَى} لم يَشُك في إيمانه " ع " أو لزم الإيمان حتى يموت، أو أخذ بسنة نبيه [صلى الله عليه وسلم] أو أصاب العمل، أو عرف جزاء عمله من ثواب، أوعقاب، أو اهتدى / [110 / ب] في ولائه أهل بيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] . {ومآ أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثرى وعجلت إليك ربّ لترضى قال فإنا قد فتنّا قومك من بعدك وأضلهم السامرى فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال ياقوم ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً أفطال عليكم(2/307)
العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضبٌ من رّبكم فأخلفتم موعدى قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنّا حملنا أوزاراً من زينة القوم فقدفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوارٌ فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسى أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً}(2/308)
فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)
86 - {أَسِفاً} شديد الغضب، أو الحزين، أو الجزع، أو المتندم، أو المتحسر {وَعْداً حَسَناً} النصر والظفر، أو قوله - تعالى - {وَإِنِّى لَغَفَّارٌ} الآية أو ثواب الآخرة، أو التوراة يعملون بما فيها فيستحقون ثوابه {مَّوْعِدِى} " وعدهم أن يقيموا على أمره فاختلفوا، أو بالمسير " على أثره للميقات فتوقفوا.(2/308)
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)
87 - {بِمَلْكِنَا} بطاقتنا، أو بملك أنفسنا عند البلية التي وقعت بنا، أو لم يملك المؤمنون منع السفهاء من ذلك، وعدهم أربعين ليلة فعدوا عشرين يوماً وظنوا أنهم أكملوا الميعاد بالليالي وأوهمهم السامري ذلك. {أَوْزَاراً} أثقالاً من زينة {الْقَوْمِ} قوم فرعون لأن موسى أمرهم أن يستعيروا حليهم.(2/308)
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)
88 - {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً} لما استبطؤوا موسى قال السامري: إنما احتبس عنكم من أجل ما عندكم من الحلي، فجمعوه ودفعوه للسامري فصاغ منه عِجلاً، وألقى عليه قبضة من أثر فرس جبريل - عليه السلام -، وهو الحياة فصار له خوار {خوارٌ} لما ألقى قبضة أثر الرسول حَيَ العجل وخار " ح "(2/308)
أو لم يصر فيه حياة ولكن جعل فيه خروقاً إذا دخلتها [الريح] سمع لها صوت كالخوار {فَنَسِى} السامري إسلامه وإيمانه، أو قال السامري قد نَسِي موسى إلاهه عندكم، أو نَسِي السامري أن قومه لا يصدقونه في عبادة عجل لا يضر ولا ينفع، أو نَسِي موسى أن قومه عبدوا العجل بعده.(2/309)
أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)
89 - {أَفَلا يَرَوْنَ} أفلا يرى بنو إسرائيل أن العجل لا يرد إليهم جواباً، قيل: لما مضى من الموعد خمس وثلاثون أمر السامري بجمع الحلي وصاغه عجلاً في السادس والثلاثين والسابع والثامن ودعاهم إلى عبادته في التاسع فأجابوه وجاء موسى بعد كمال الأربعين. {ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنّما فتنتم به وإنّ ربّكم الرحمن فاتّبعوني وأطيعوا أمرى قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبّعن أفعصيت أمري قال يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرّقت بين بنى إسرائيل ولم ترقب قولي}(2/309)
قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)
92 - {ضَلُّواْ} بعبادة العجل.(2/309)
أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)
93 - {تتبعني} في الخروج من بينهم، أو في منعهم والإنكار عليهم {أمري} قوله {اخلفني في قومي} الآية [142 من الأعراف] ,(2/309)
قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)
94 - {يا ابن أم} كان أخاه لأبويه، أو لأبيه دون أُمه، وقاله اسرقاقاً واستعطافاً. {بِلِحْيَتِى} أخذ شعره بيمينه ولحيته بيساره " ع "، أو بلحيته وأذنه، فعبّر عن الأذن بالرأس، فعل ذلك لِيُسر إليه نزول الألواح عليه في تلك المناجاة إرادة إخفائها على بني إسرائيل قبل التوبة، أو وقع عنده أن هارون مايلهم في أمر العجل، قلت: وهذا فجور من قائله لأن ذلك لا يجوز على الأنبياء، أو فعل ذلك لتركه الإنكار على بني إسرائيل ومقامه بينهم وهو الأشبه. {فَرَّقْتَ} بينهم بما وقع من اختلاف معتقدهم، أو بقتال من عبد العجل منهم، قيل: عبدوه كلهم إلا اثني عشر ألفاً بقوا مع هارون لم يعبدوه {وَلَمْ تَرْقُبْ} لم تعمل بوصيتي، أو لم تنتظر عهدي. {قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضةً من أثرالرسول فنبذتها وكذلك سوّلت لي نفسي قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعداً لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنّه ثم لننسفنّه في اليمّ نسفاً 97 إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شىءٍ علماً}(2/310)
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95)
95 - {فَمَا خَطْبُكَ} الخطب ما يحدث من الأمور الجليلة التي يخاطب عليها، وكان السامري كرمانياً تبع موسى، " أو من عظماء بني إسرائيل " اسمه(2/310)
موسى بن ظفر من قبيلة يقال لها سامرة، أو قرية يقال لها: سامرة.(2/311)
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)
96 - {بصرت} نظرت، أو فظنت، بصرت وأبصرت واحد، أو أبصرت نظرت، وبصرت فطنت والقبضة بجميع الكف وبغير إعجام بأطراف الأصابع {الرَّسُولِ} جبريل - عليه السلام - عرفه لأنه رآه يوم فلق البحر حين قبض القبضة من أثره، أوعرفه لأنه كان يغذوه صغيراً لما ألقته أمه خوفاً أن يقتله فرعون لما كان يقتل بني إسرائيل فعرفه في كبره فأخذ التراب من تحت حافر فرسه {فَنَبَذْتُهَا} ألقاها فيما سكه من الحلي فخار بعد صياغته، أو ألقاها في جوفه بعد صياغته فظهر خواره، أو الرسول موسى وأثره شريعته، قبض قبضة من شريعته نبذها وراء ظهره ثم اتخذ العجل إلاهاً، ونبذُها ترك العمل بها. {سَوَّلَتْ} حدثت، أو زينت.(2/311)
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)
97 - {فَاذْهَبْ} وعيد من موسى، فخاف فهرب يهيم في البرية مع الوحش لا يجد أحداً من الناس يمسه، فصار كالقائل لا مساس لبعده عن الناس وبعدهم عنه أو حرمه موسى بهذا القول، فكان بنو إسرائيل لا يخالطونه ولا يؤاكلونه فكان لا يَمس ولا يمس.(2/311)
إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)
98 - {وَسِعَ} أحاط علمه بكل شيء فلم يخرج عن علمه شيء، أو لم يخل شيء من علمه به. {كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد ءاتيناك من لدنا ذكراً 11 من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملاً يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشراً نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوماً}(2/311)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)
102 - {زُرْقاً} عمياً، أو عطاشاً، ازرقت أعينهم من العطش أو شوه خلقهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه، أو الطمع الكاذب إذا تعقبته الخيبة وهو نوع من العذاب، أو شخوص البصر من شدة الخوف، " أو الزرق الأعداء يعادي بعضهم بعضاً من قولهم: عدو أزرق ".(2/312)
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103)
103 - {يَتَخَافَتُونَ} يتسارون {إِن لَّبِثْتُمْ} في الدنيا، أو القبور {إِلا عَشْراً} على التقريب دون التحديد.(2/312)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)
104 - {أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أكثرهم سداداً، أو أوفرهم عقلاً {إِن لَّبِثْتُمْ} في الدنيا، أو القبور {إِلا يَوْماً} لأنه كان عنده أقصر زماناً وأقل لبثاً. {ويسئونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً 105 فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا يومئذ يتّبعون الدّاعى لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً}(2/312)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)
105 - {يَنسِفُهَا} يجعلها كالرمل تنسفه الرياح، أو تصير كالهباء.(2/312)
فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106)
106 - {قَاعاً} موضعاً مستوياً لا نبات فيه، أو أرضاً ملساء، أو مستنقع الماء قاله الفراء {صَفْصَفاً} موضعاً لا نبات فيه ولا مستوياً كأنه على وصف واحد في استوائه.(2/312)
لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)
107 - {عِوَجاً} وادياً {أَمْتاً} رابية " ع "، أو عوجاً: صدعاً، أمتاً: أكمة، أو عوجاً: ميلاً، أمتاً: أثراً، أو الأمت الحدب والانثناء، أو الصعود والارتفاع من الأمت في العصا والحبل وهو أن يغلظ في مكان منه ويدق في مكان.(2/313)
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108)
108 - {وَخَشَعَتِ} خضعت بالسكون {هَمْساً} صوتاً خفياً، أو تحريك الشفة واللسان، أو نقل الأقدام. {يؤمئذٍ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولاً يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً 110 وعنت الوجوه للحى القيوم وقد خاب من حمل ظلماً ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً} 111 _ {وَعَنَتِ} ذلت، أو خشعت، الذليل أن يكون ذليل النفس والخشوع أن يتذلل لذي طاعة أوعملت أو استسلمت، أو وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود {الْقَيُّومِ} القائم على كل نفس بما كسبت، أو بتدبير الخلق، أوالدائم الذي لا يزول ولا يبيد {حَمَلَ ظُلْماً} شركاً.(2/313)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)
112 - {فلا يخاف ظلما} بالزيادة / [111 / ب] في سيئاته {وَلا هَضْماً} بالنقصان من حسناته " ع ". {وكذلك أنزلناه قرءاناً عربيّاً وصرفنا فيه من الوعيد لعلّهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرءان من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رّبّ(2/313)
زدني علماً}(2/314)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)
113 - {لَهُمْ ذِكْراً} جداً، أو شرفاً لإيمانهم به أو ذكراً يعتبرون به.(2/314)
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)
114 - {ولا تعجل بالقرآن} لا تسأل إنزاله قبل أن يأتيك وحيه، أو لا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله، أو لا تعجل بتلاوته قبل فراغ جبريل من إبلاغه خوف نسيانه {زدني علماً} علماً: قرآناً. {ولقد عهدنا إلىءادم من قبل فنسى ولم نجد له عزما وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا أبليس أبى فقلنا يا آدم إن هذا عدوٌّ لك ولزوجك فلا يخرجنّكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنّك لا تظمؤا فيها لا تضحى فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرةٍ الخلد وملكٍ لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصىءادم ربّه فغوى ثمّ اجتباه ربّه فتاب عليه وهدى}(2/314)
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)
115 - {فَنَسِىَ} ترك أَوْ سَهَا {عَزْماً} صبراً، أو حفظاً، أو ثباتاً قال أبو أمامة لو وزنت أحلام بني آدم لرجح حلمه على حلمهم وقد قال الله -(2/314)
تعالى - {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} أو عزماً في العود إلى الذنب ثانياً.(2/315)
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)
117 - {فَتَشْقَى} " بأن تأكل من كد يدك وما تكسبه بنفسك وتصنعه بيدك " أراد فيشقيا لاستوائهما في العلة، وخصه بالذكر لأنه المخاطب دونها، أو لأنه الكاد عليها الكاسب لها. {قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعضٍ عدو فإما يأتينّكم منّى هدى فمن اتّبع هداي فلا يضل ولا يشقى 123 ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك ءاياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بئايات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى}(2/315)
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)
123 - {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ} ضمن الله - تعالى - لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة " ع ".(2/315)
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
124 - {ضنكا} كسباً حراماً، أو إنفاق من لا يؤمن بالخلف " ع " أو عذاب القبر، قاله الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو طعام الضريع والزقوم في جهنم. والضنك:(2/315)
الضيق. {أعمى} في حال بصيراً في أخرى، أو أعمى عن الحجة، أوعن جهات الخير لا يهتدي لشيء منها. {أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى ولولا كلمةٌ سبقت من ربك لكان لزاماً وأجلٌ مسمى فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن ءانائ الّيل فسبّح وأطراف النهار لعلك ترضى}(2/316)
وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)
129 - {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} بجعل الجزاء يوم القيامة، أو بتأخيرهم إلى يوم بدر {لِزَاماً} عذاباً لازماً، أو فصلاً {وَأَجَلٌ مُّسَمّىً} يوم بدر، أو يوم القيامة. تقديره " ولولا كلمة وأجل لكان لزاماً ".(2/316)
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)
130 - {مَا يَقُولُونَ} من الأذى والافتراء {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} صلاة الفجر {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} صلاة العصر {آناء الليل} ساعاته واحدها إني صلاة الليل كله، أو المغرب والعشاء {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} صلاة الظهر لأنها آخر النصف(2/316)
الأول وأول النصف الثاني، أو صلاة التطوع {تَرْضَى} تُعطى و " تُرضى " بالكرامة، أو الشفاعة. {ولا تمدّنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربّك خيرٌ وأبقى وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسئلك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى وقالوا لولا يأتينا بئايةٍ من رّبه أو لم تأتهم بينّة ما في الصحف الأولى ولو أنا أهلكناهم بعذابٍ من قبله لقالوا ربّنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتّبع ءاياتك من قبل أن نذّلّ ونخزى قل كلّ متربصٌ فتربصّوا فستعلمون من أصحاب الصرط السّوى ومن اهتدى}(2/317)
وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)
131 - {تَمُدَّنَّ} لا تأسفن، أو لا تنظرن. {أَزْوَاجاً} أشكالاً من المزاوجة {زَهْرَةَ الْحَيَاةِ} زينتها {لِنَفْتِنَهُمْ} لنعذبهم {وَرِزْقُ رَبِّكَ} القناعة بما تملكه والزهد فيما لا تملكه، أو ثواب الآخرة {خَيْرٌ وَأَبْقَى} مما مُتِّعوا به، نزلت لما أبى اليهودي أن يسلف الرسول [صلى الله عليه وسلم] الطعام إلا برهن فشق ذلك على الرسول [صلى الله عليه وسلم] .(2/317)
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)
132 - {أَهْلَكَ} نسباؤك، أو من أطاعك لتنزلهم منزلة الأهل في الطاعة {وَالْعَاقِبةُ} حسن العاقبة لذوي التقوى.(2/317)
سورة الأنبياء
مكية اتفاقاً
بسم الله الرحمن الرحيم
{اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكرٍ من ربّهم محدثٍ إلا استمعوه وهم يلعبون لاهيةً قلوبهم وأسرّوا النّجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشرٌ مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بئايةٍ كما أرسل الأوّلون ما ءامنت قبلهم من قريةٍ أهلكناها أفهم يؤمنون}(2/318)
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)
1 - {حِسَابُهُمْ} عذاب بدر، أو حساب القيامة لأن كل آتٍ قريب، أو لقلة ما بقي من الزمان وكثرة ما مضى.(2/318)
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)
2 - {مُّحْدَثٍ} تنزله سورة بعد سورة وآية بعد آية.(2/318)
لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)
3 - {لاهِيَةً} غافلة باللهو عن الذكر أو مشتغلة بالباطل عن الحق {وَأَسَرُّواْ} أخفوا، أو أظهروا.(2/318)
بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)
5 - {أَضْغَاثُ} أهاويل أحلام، أو تخاليط، أو ما لا تأويل له {أحلام}(2/318)
ما لاتأويل له ولا تفسير، أو الرؤيا الكاذبة. {وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحى إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين}(2/319)
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)
7 - {أهل الذكر} التوراة والإنجيل، أو مؤمنوا أهل الكتاب، أو المسلمون.(2/319)
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)
8 - {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ} ولا يموتون فنجعلك كذلك ردٌ لقولهم {هل هذا إلا بشر} الآية [3] أو جعلناهم جسداً إلا ليأكلوا للطعام فلذلك خلقناك جسداً مثلهم، جسداً: هو المُجَسدُ الذي فيه روح ويأكل ويشرب، أو ما لا يأكل ولا يشرب. {لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون وكم قصمنا من قريةٍ كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً ءاخرين فلمّا أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون قالوا ياويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين}(2/319)
لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)
10 - {ذِكْرُكُمْ} شرفكم إن عملتم به، أو حديثكم، أو ما تحتاجون إليه من أمر دينكم، أو مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم.(2/319)
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)
12 - {أَحَسَّواْ} عاينوا عذابنا {مِّنْهَا} من القرية، أو العذاب {يَرْكُضُونَ} يسرعون.(2/319)
لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)
13 - {وارجعوا} استهزاء بهم وتوبيخ {أترفتم} نعمتم {تسألون} شيئاً من دنياكم استهزاء بهم، أو عما عملتم، أو تفيقون بالمسئلة.(2/320)
فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)
15 - {حَصِيداً} قطعاً بالاستئصال كحصاد الزرع {خَامِدِينَ} بالعذاب، أو بالسيف لما قتلهم بختنصر، والخمود: الهمود تشبيهاً لخمود الحياة بخمود النار إذا طُفِئت كما يقال لمن مات طُفىء تشبيهاً بانطفاء النار. {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الّيل والنهار لا يفترون 7}(2/320)
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)
17 - {لَهْواً} ولداً [ردٌ] لقولهم في عيسى، أو المرأة بلغة أهل اليمن [ردٌ] لقولهم في مريم، أو داعي الهوى ونازع الشهوة {مِن لدنا} لا تخذنا نساءً وولداً من أهل السماء لا من أهل الأرض {إِن كُنَّا} نفي، أو شرط تقديره لا تخذناه عندنا بحيث لا يصل علمه إليكم.(2/320)
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)
18 - {بِالْحَقِ} المتبوع على الباطل المدفوع، أو بالقرآن، والباطل إبليس {زاهق} ذاهب، أوهالك.(2/320)
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
19 - {يستحسرون} يملون، أو يعبون، أو يستنكفون، أو ينقطعون والبعير المنقطع بالإعياء حسيرٌ.
(بها جيف الحسى ... ... ... )
{أم أتخذوا ءالهةٌ من الأرض هم ينشرون لوكان فيهما ءالهةٌ إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عمّا يصفون لا يسئل عمّا يفعل وهم يسئلون(2/321)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)
21 - {مِّنَ الأَرْضِ} مما خلق في الأرض {يُنشِرُونَ} يخلقون، أو يحيون الموتى من النشر بعد الطي.(2/321)
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)
22 - {إِلا اللَّهُ} سوى الله، أو " إلا " بمعنى الواو {لفسدتا} هلكتا بالفساد.(2/321)
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
23 - {لا يسأل} عن قضائه وهو يَسأل الخلق عن أعمالهم، أو لا يُحاسب على أفعاله وهم يُحاسبون، أو لا يُسأل عن أفعاله لانها صواب ولا يريد بها الثواب {وهم يسألون} لأن في أعمالهم غيرَ الصواب وقد لا يريدون بها الثواب، وإن كانت صواباً. {أم أتخذوا من دونه ءالهةً قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلى بل أكثرهم لا يعلمون الحقّ فهم معرضون وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون وقالوا أتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عبادٌ(2/321)
مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إنّى إله من دونه فذلك نجزيه جهنّم كذلك نجزى الظالمين 29} \ 24 - {ذِكْرُ مَن مَّعِىَ} يما يلزمهم من حلال وحرام {وَذِكْرُ مَن قَبْلِى} ممن نجا بالإيمان وهلك بالشرك، أو ذِكرُ من معي بإخلاص التوحيد في القرآن وذِكرُ من قبلي في التوراة والإنجيل.(2/322)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)
28 - {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أمر الآخرة {وَمَا خَلْفَهُمْ} من الدنيا، أو ما قدموا وأخروا من أعمالهم، أو ما عملوا وما لم يعملوا {وَلا يَشْفَعُونَ} في الدنيا أو الآخرة في القيامة / [112 / ب] {ارتضى} عمله، أو رضي عنه. {أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شىءٍ حيٍ أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلّهم يهتدون وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن ءاياتها معرضون وهوالذي خلق الّيل والنهار والشمس والقمر كلٌّ في فلكٍ يسبحون} \ 30 - {رَتْقاً} ملتصقتين ففتق الله - تعالى - عنهما بالهواء " ع " أو كانت(2/322)
السموات مرتتقة مُطبقة ففتقها سبعاً وكذلك الأرض، أو السماءَ رتقاً لا تُمطر ففتقها بالمطر، والأرض لا تنبت ففتقها بالنبات، أرتق: السد، والفتقُ: الشق. {كُلَّ شَىْءٍ} خلق كل شيء من الماء، أو حفظ حياة كل حي بالماء، أو أراد ماء الصلب.(2/323)
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)
31 - {رَوَاسِىَ} لأنها رست في الأرض وثبتت، أو لأن الأرض رست بها فالرواسي الثوابت، أو الثقال {تَمِيدَ} تزول، أو تضطرب {فِجَاجاً} أعلاماً يُهتدي بها، أو جمع فج وهو الطريق الواسع بين الجبلين {سُبُلاً} للاعتبار، أو مسالك للسابلة {يَهْتَدُونَ} بالاعتبار بها إلى دينهم، أو ليهتدوا طُرق بلادهم.(2/323)
وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)
32 - {مَّحْفُوظاً} أن يقع على الأرض، أو مرفوعاً، أو من الشياطين.(2/323)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
33 - {فَلَكٍ} الفلك السماء، أو القطب المستدير الدائر بما فيه من القمرين والنجوم ومنه فَلكة المغزل لاستدارتها ودورانها. واستدارة الفلك كدور الكرة، أو كدور الرحى والفلك السماء تدور بالقمرين والنجوم، أو استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء، أو استدارة بين السماء والأرض تدور فيها النجوم. {يَسْبَحُونَ} يجرون، أو يدروون " ع ". {وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد أفإين متّ فهم الخالدون كل نفسٍ ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنةً وإلينا ترجعون}(2/323)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
35 - {بِالشَّرِّ} الشدة والرخاء، أو بالفقر والمرض {وَالْخَيْرِ} الغنى والصحة أوالشر: غلبة الهوى، والخير: العصمة من المعاصي، أو ما تحبون(2/323)
وما تكرهون لنعلم شكركم على ما تحبون وصبركم على ما تكرهون {فِتْنَةً} ابتلاء واختباراً. {وإذا رءاك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي يذكر ءالهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون خلق الإنسان من عجلٍ سأوريكم ءاياتي فلا تستعجلون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفّون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتةً فتبهتهم فلا يستطيعون ردّها ولا هم ينظرون}(2/324)
خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
37 - {الإِنسَانُ} آدم خلق بعجل يوم الجمعة آخر الأيام الستة قبل غروب الشمس أو لما نفخ الروح في عينيه ولسانه بعد إكمال صورته سأل ربه أن يعجل تمام خلقه وإجراء الروح في جسده قبل الغروب، أوالعجل الطين. قال:
(والنبع في الصخرة الصماء منبتهُ ... والنخل ينبت بين الماء والعجل)
أو الإِنسان الناس كلهم فخلق الإنسان عجولاً، أو خلق على حب العجلة، أو خلقت العجلة فيه، والعجلة تقديم الشيء قبل وقته، والسرعة(2/324)
تقديمه في أول أوقاته. {ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون قل من يكلؤهم بالّيل والنّهار من الرّحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون أم لهم ءالهةٌ تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منّا يصحبون}(2/325)
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)
42 - {يَكْلَؤُكُم} يحفظكم استفهام نفي.(2/325)
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)
43 - {يُصْحَبُونَ} يُجارون، إن لك من فلان صاحباً أي مجيراً، أو يُحفظون، أو ينصرون أو لا يصحبون من الله بخير. {بل متعنا هؤلاء وءاباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنّا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون 44 قل إنّما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصّمّ الدعاء إذا ما ينذرون ولئن مسّتهم نفحةٌ من عذاب ربّك ليقولنّ ياويلنا إنّا كنا ظالمين ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفسٌ شيئاً وإن كان مثقال حبّةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين}(2/325)
بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)
44 - {نَنقُصُهَا} بالظهور عليها وفتحها بلداً بعد بلد " ح " أو بنقصان أهلها وقلة بركتها، أو بالقتل والسبي أو بموت فقهائها وعلمائها.(2/325)
ولقد ءاتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون وهذا ذكرٌ مباركٌ أنزلناه أفأنتم له منكرون}(2/326)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)
48 - {الْفُرْقَانَ} التوراة الفارقة بين الحق والباطل، أو البرهان الفارق بين حق موسى وباطل فرعون، أو النصر والنجاة الفارقان بين موسى وفرعون. {ولقد ءاتينا إبراهيم رشده من قبل وكنّا به عالمين إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا ءاباءانا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وءباؤكم في ضلالٍ مبين قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين قال بل ربّكم ربّ السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين}(2/326)
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)
51 - {رُشْدَهُ} النبوة، أو هدايته في الصغر {مِن قَبْلُ} إرساله نبياً، أو من قبل: موسى وهارون {عالمين} بأهليته للرشد، أو للنبوة. {وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلّهم إليها يرجعون قالوا من فعل هذا بالهتنا إنّه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم 60 قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون قالوا ءأنت فعلت هذا بئالهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم(2/326)
هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون}(2/327)
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)
58 - {جُذَاذاً} حُطاماً " ع "، جِذاذاً: قِطعاً مقطوعة، قال الضحاك: هو أن يأخذ من كل عضوين عضواً ويدع عضواً. من الجذ وهوالقطع.(2/327)
قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)
61 - {أَعْيُنِ النَّاسِ} بمرأى منهم {يَشْهَدونَ} عقابه " ع " أو يشهدون عليه بما فعل كرهوا عقابه بغير بينة " ح " أو بما يقول من حجة وما يقال له من جواب.(2/327)
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)
63 - {فسألوهم} جعل سؤالهم مشروطاً بنطقهم، أو أخرجه مخرج الخبر يريد من اعتقدها آلهة لزمه السؤال فلعلها تجيبه إن كانت ناطقة، وقوله {يَنطِقُونَ} أي يخبرون. {فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنّكم انتم الظالمون 64 ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضرّكم أّفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون}(2/327)
فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
64 - {إِلَى أَنفُسِهِمْ} رجع بعضهم إلى بعض، أو رجع كل واحد إلى نفسه مفكراً فيما قاله إبراهيم. {أَنتُمُ الظَّالِمُونَ} بسؤاله لأنها لو كانت آلهة لم يصل إليها، حادوا عما أرادوه من الجواب وأنطقهم الله بالحق.(2/327)
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)
65 - {نُكِسُواْ} رجعوا إلى الشرك بعد اعترافهم بالحق، أو رجعوا إلى احتجاجهم على إبراهيم بقولهم {لَقَدْ عَلِمْتَ} " الآية " أو خفضوا رؤوسهم. {قالوا حرّقوه وانصروا ءالهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يانار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين}(2/328)
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)
68 - {قَالُواْ حَرِّقُوهُ} أشار عليهم بذلك رجل من أكراد فارس، أو هيزون فخسفت به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، ولما أوثق ليلقى فيها قال: لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك ولا شريك لك، فلما أُلقي فيها قال: " حسبي الله ونعم الوكيل " فلم يحرق منه إلا وثاقه، وكان ابن ست وعشرين سنة " ولم يبق يومئذ في الأرض دابة إلا كانت تطفىء النار عنه إلا الوزغ كان ينفخها فأمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] بقتله " قال(2/328)
الكلبي: بنوا له أتوناً ألقوه فيه وأوقدوا عليه النار سبعة أيام ثم أطبقوه عليه وفتحوه من الغد فإذا هو عرق أبيض لم يحترق، وبردت نار الأرض مما أنضجت يومئذ كراعاً. {ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين 3 ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلواة وإيتآء الزكاة وكانوا لنا عابدين ولوطاً ءاتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين وأدخلناه في رحمتنآ إنه من الصالحين}(2/329)
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)
71 - {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً} كان ابن أخي إبراهيم فآمن به فنجا معه {إِلَى الأَرْضِ} مكة، أو أرض القدس، أو الشام {بَارَكْنَا} ببعث أكثر الأنبياء منها أو بكثرة خصبها ونمو نباتها، أو بعذوبة مائها وتفرقه في الأرض منها فتهبط المياه العذبة من السماء إلى صخرة بيت المقدس ثم تتفرق في الأرض.(2/329)
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)
72 - {نَافِلَةً} غنيمة، أو النافلة ابن الأبن، أو زيادة العطاء فالنافلة(2/329)
يعقوب لأنه دعا بالولد فزاده الله - تعالى - ولد الولد " ع " أو النافلة إسحاق ويعقوب لأنهما زيادة على ما تقدم من الإنعام عليه.(2/330)
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)
74 - {ولوطا آتيناه حُكْماً} نبوة أو قضاء بين الناس " ع " {وَعِلْماً} فقهاً {الْخَبَآئِثَ} اللواط، أو الضراط والقرية: سدوم. {ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بئاياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين}(2/330)
وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
76 - (نَادَى} دعانا على قومه من قبل إبراهيم {الكرب العظيم} / [113 / ب] الغرق بالطوفان. {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلاً ءاتينا حكماً وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين وعلمناه صنعة لبوسٍ لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمرة إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذالك وكنا لهم حافظين}(2/330)
78 -،(2/331)
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)
79 - {الْحَرْثِ} زرع، أو كرم نبتت عناقيده {نَفَشَتْ} النفش رعي الليل والهمل رعي النهار، قال بعض المتكلمين كان حكمهما صواباً متفقاً إذ لا يجوز الخطأ على الأنبياء فقوله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} لأنه أوتي الحكم في صغره وأوتيه داود في كبره، وهذا شاذ، أو أخطأ داود وأصاب سليمان على قول الجمهور فحكم داود لصاحب الحرث بالغنم، وحكم سليمان بأن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بدرها ونسلها ويدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليعمره فإذا عاد في القابل رُدت الغنم إلى صاحبها والحرث إلى مالكه فرجع داود إلى حكمه، ويجوز أن يكون ذلك اجتهاداً من سليمان ويكون من داود فُتْيا عبّر عنها بالحكم لئلا تكون نقضاً للأجتهاد بالاجتهاد، ويجوز أن يكون حكم سليمان عن وحي فيجب على داود نقض الحكم عملاً بالنص، قلت: ويمكن أن يجوز في شرعهم نقض الاجتهاد بالاجتهاد والخطأ جائز على جميع الأنبياء، أو يُستثنى منهم محمد [صلى الله عليه وسلم] إذ لا نبي بعده يستدرك غلطه، وهذا مبني على جواز اجتهاد الأنبياء، وشرعنا موافق لشرعهما في ضمان ما أتلفته البهائم ليلاً وإن اختلف الشرعان في صفة الضمان وكيفيته {وخرنا مَعَ دَاوُدَ} ذللنا، أو ألهمنا {يُسَبِّحْنَ} يسرن من السبح، أو يصلين، أو يسبحن تسبيحاً كان مسموعاً كان يفهمه.(2/331)
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)
80 - {لَبُوسٍ} الدروع، أو جمع السلاح لبوس عند العرب {بأسكم}(2/331)
سلاحكم، أو حرب أعدائكم.(2/332)
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)
81 - {عَاصِفَةً} العصوف شدة حركتها، والتِّبْن عصف لأنها تعصفه بشدة تطييرها له {الأَرْضِ} الشام بورك فيها بمن بُعث فيها من الأنبياء، أو بأن مياه أنهار الأرض تجري منها، أو بما أودعها من الخيرات فما نقص من الأرض زيد في الشام وما نقص من الشام زيد في فلسطين. {وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وءاتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين} 83 - {وأيوب} كان ذا مال وولد فهلك ماله، ومات أولاده، ثم بُلي في بدنه فقرح وسعى فيه الدود واشتد بلاؤه فطرح على مزبلة بني إسرائيل ولم يبقَ أحدٌ يدنو منه إلا امرأته. {الضُّرُّ} المرض، أو البلاء الذي بجسده حتى(2/332)
كانت الدود تسقط منه فيردها ويقول كُلي مما رزقك الله، أو الشيطان لقوله {مَسَّنِىَ الشيطان بِنُصْبٍ} [ص: 41] أو وثب ليصلي فلم يقدر فقال: {مَسَّنِىَ الضُّرُّ} إخباراً عن حاله لا شكوى لبلائه، أو انقطع عنه الوحي أربعين يوماً فخاف هجران ربه فقال: {مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ} تقديره أيمسني الضر وأنت أرحم الراحمين، أو أنت أرحم بي أن يمسني الضر، أو قاله استقالة من ذنبه ورغباً إلى ربه، أو شكا ضره استعطافاً / [114 / أ] لرحمته وكشف بلائه.(2/333)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)
84 - {أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم} رد إليه أهله الذين أهلكهم بأعيانهم وأعطاه مثلهم(2/333)
معهم قاله ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -، أو كان له سبع بنين وسبع بنات فماتوا في بلائه، فلما كُشف بلاؤه رُد عليه بنوه وبناته، وولد له بعد ذلك مثلهم، قال الحسن - رضي الله تعالى عنه - ماتوا قبل آجالهم فأحياهم الله - تعالى - فوفاهم آجالهم وأبقاه حتى أعطاه من نسلهم مثلهم. {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين}(2/334)
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)
85 - {وَذَا الْكِفْلِ} عبد صالح كَفَل لليسع بصوم النهار وقيام الليل وأن لا يغضب ويقضي بالحق فوفى بذلك، أو كان نبياً كفل بأمر فوفى به " ح " سُمي ذا الكفل لوفائه بما كفل به، أو لغير سبب، أو لأن ثوابه ضعف ثواب غيره من أهل زمانه. {وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدرعليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذالك ننجي المؤمنين}(2/334)
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
87 - {النُّونِ} الحوت {مُغَاضِباً} مراغماً للملك حزقيا ولم يكن به بأس، أو لقومه، أو لربه من غير مراغمة لانها كفر، بل مغاضبته خروجه بغير إذنه. وذهب لأن خلقه كان ضيقاً فلما أثقلته أعباء النبوة ضاق بهم فلم يصبر،(2/334)
أو كان من عادة قومه قتل الكاذب فلما أخبرهم بنزول العذاب ثم رفعه الله تعالى عنهم قال: لا أرجع إليهم كذاباً وخاف القتل فخرج هارباً {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ} نضيق {عَلَيْهِ} طرقه " ع " {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] ضُيق، أو ظن أن لن نحكم عليه بما حكمنا، أو ظن أن لن نُقَدِّر عليه من العقوبة ما قدرنا من القدر وهو الحكم دون القدرة، ولذلك قرأ ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - " نُقدِر عليه "، أو تقديره أفظن أن لن نقدر عليه، ولا يجوز أن يحمل على ظن العجز لأنه كفر. {الظُّلُمَاتِ} ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت " ع " أو الحوت في بطن الحوت {مِنَ الظَّالِمِينَ} لنفسي بخروجي بغير إذنك ولم يكن ذلك عقوبة له لأن الأنبياء لا يعاقبون بل كان تأديباً وقد يؤدب من لا يستحق العقاب كالصبيان.(2/335)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
88 - {فَاسْتَجَبْنَا} إجابة الدعاء ثواب من الله - تعالى - للداعي ولا تجوز أن تكون غير ثواب، أو هي استصلاح قد يكون ثواباً وقد يكون غير ثواب أوحى الله - تعالى - إلى الحوت لا تكسري له عظماً ولا تخدشي له جلداً فلما صار في بطنها قال: يا رب اتخذت لي مسجداً في موضع ما اتخذه أحد، ولبث في بطنه أربعين يوماً، أو ثلاثة أيام، أو من ارتفاع النهار إلى آخره، أو أربع ساعات، ثم فتح الحوت فاه فرأى يونس ضوء الشمس، فقال: {سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فلفظه الحوت.(2/335)
{وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}(2/336)
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)
89 - {فَرْداً} خلياً من عصمتك، أو عادلاً عن طاعتك، أو وحيداً بغير ولد عند الجمهور.(2/336)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
90 - {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} كانت عاقراً فصارت ولوداً فولدت له وهو ابن اثنتين وسبعين سنة وهي قريبة من سنه، أو كان في لسانها طول فحسنا خلقها {يسارعون} / [114 / ب] يبادرون بالأعمال الصالحة، {رَغَباً} في ثوابنا {وَرَهَباً} من عقابنا أو رغباً في الطاعات ورهباً من المعاصي، أو رهباً بظهور الأكف ورغباً ببطونها، أو طمعاً وخوفاً {خَاشِعِينَ} متواضعين، أو راغبين راهبين، أو وضع اليمنى على اليسرى والنظر إلى موضع السجود في الصلاة. {والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها ءاية للعالمين}(2/336)
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)
91 - {أحْصَنَتْ فَرْجَهَا} بالعفاف من الفاحشة، أو جيب درعها منعت منه جبريل - عليه السلام - قبل أن تعلم أنه رسول الله {مِن رُّوحِنَا} أجرينا فيها روح المسيح - عليه الصلاة والسلام - كما يجري الهواء بالنفخ، أو أمر جبريل(2/336)
- عليه السلام - فمد جيب درعها بإصبعه ثم نفخ فيه فحبلت من وقتها وولدته يوم عاشوراء {أيه} خلقه من غير ذكر، وكلامه ببراءتها. {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون}(2/337)
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
92 - {أُمَّتُكُمْ} دينكم دين واحد.(2/337)
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)
93 - {وَتَقَطَّعُواْ} اختلفوا في الدين، أو تفرقوا فيه. {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون 95 حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدبٍ ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصةٌ أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنّا في غفلةٍ من هذا بل كنّا ظالمين}(2/337)
وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
95 - {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ} وجدناها هالكة بالذنوب {أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} إلى التوبة، أو أهلكناها بالعذاب {أنهم لا يرجعون} إلى الدنيا " {وحزمٌ} وجب على قرية " {أَهْلَكْنَاهَآ} أنهم لم يكونوا ليؤمنوا.(2/337)
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)
96 - {فُتِحَتْ} فُتح لها السد، ويأجوج ومأجوج: أخوان لأب من ولد يافث بن نوح، من أجة النار، أو من الماء الأجاج {حَدَبٍ} الفجاج والطرق أو الجوانب، أو التلاع والآكام من حَدَبة الظهر {يَنسِلُونَ} يخرجون.
( ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... من ثيابك تَنْسُلي)
أو يسرعون وهم يأجوج ومأجوج أو الناس يحشرون إلى الموقف. {إنّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لوكان هؤلاء ءالهةً ما وردوها وكلٌ فيها خالدون لهم فيها زفيرٌ وهم فيها لا يسمعون 6 إن الذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون}(2/338)
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)
98 - {حَصَبُ جَهَنَّمَ} وقودها، أو حطبها، أو يرمون فيها كما ترمى(2/338)
الحصباء فكأنها تحصب بهم، " وحضب جهنم " بالإعجام يقال: حضبت النار إذا خبت وألقيت فيها ما يشعلها من الحطب.(2/339)
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)
101 - {الْحُسْنَى} طاعة الله - تعالى - أو السعادة منه، أو الجنة، يريد به عيسى والعُزير والملائكة الذين عُبدوا وهم كارهون، أو عثمان وطلحة والزبير، أو عامة في كل من سبقت له الحسنى، لما نزلت {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} الآية قال المشركون: إن المسيح والعُزير والملائكة قد عُبدوا فنزلت {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ} الآية.(2/339)
لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)
103 - {الْفَزَعُ الأَكْبَرُ} النفخة الأخيرة " ح " أو ذبح الموت، أو حين تطبق جهنم على أهلها.(2/339)
{يوم نطوى السماء كطىّ السجل للكتب كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده وعداً علينا إنّا كنّا فاعلين ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادى الصالحون إنّ في هذا لبالغاً لقومٍ عابدين وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}(2/340)
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)
104 - {السِّجِلِّ} الصحيفة تُطوى على ما فيها من الكتابة، أو ملك يكتب أعمال العباد، أو اسم رجل كان يكتب للرسول [صلى الله عليه وسلم] " ع ".(2/340)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)
105 - {الزَّبُورِ} الكتب المنزلة على الأنبياء - صلوات الله تعالى عليهم وسلامه - والذكر: الكتاب الذي في السماء، أو الزبور الكتب المنزلة بعد التوراة " والذكر التوراة " ع "، أو زبور داود - عليه الصلاة والسلام -، والذكر: التوراة " {الأَرْضَ} أرض الجنة {يَرِثُهَا} أهل الطاعة، أو أرض الشام يرثها بنو إسرائيل، أو أرض الدنيا يرثها أمه محمد [صلى الله عليه وسلم] بالفتوح " ع ".(2/340)
إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)
106 - {إِنَّ فِى هَذَا} القرآن أو السورة {لَبَلاغاً} إليهم يكفهم عن المعصية ويبعثهم على الطاعة أو يبلغهم إلى رضوان الله - تعالى - وثوابه. {عَابِدِينَ} مطيعين، أو عاملين.(2/340)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)
107 - {رَحْمَةً} هداية {لِّلْعَالَمِينَ} المؤمنين، أو رفعاً لعذاب الاستئصال عن كافة الخلق. {قل إنّما يوحى إلى أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ فهل أنتم مسلمون فإن تولّوا فقل ءاذنتكم على سواءٍ وإن أدرى أقريبٌ أم بعيد ما توعدون إنّه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدرى لعلّه فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين 111 قل ربّ احكم بالحق وربّنا الرحمن المستعان على ما تصفون}(2/341)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)
109 - {تولوا} أعرضوا عنك، أو عن القرآن {آذنتكم عَلَى سَوَآءٍ} أمر سوي، أو مهل، أو عدل، أو بيان علانية غير سر، أو على سواء في الإعلام فلا يظهر لبعضهم ما كتمه عن بعض، أو لتستووا في الإيمان به، أو من كفر به فهم سواء في قتالهم وجهادهم " ح ".(2/341)
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)
111 - {لَعَلَّهُ} رفع الاستئصال، أو تأخير العذاب. {فِتْنَةٌ} هلاك، أو ابتلاء، أو اختبار {إِلَى حِينٍ} القيامة، أو الموت، أو أن يأتي قضاء الله - تعالى - فيهم.(2/341)
قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)
122 - {احْكُم بِالْحَقِّ} عجل الحكم بالحق، أو افصل بيننا وبين المشركين بما يظهر به الحق للجميع {تصفون} تكذبون، أو تكتمون، كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] إذا شهد قتالاً قرأ هذه الآية.(2/341)
فارغة.(2/342)
سورة الحج
مدنية، أو ألا أربع آيات مكيات {وما أرسلنا من قبلك} [52] إلى آخر الأربع " ع " أو كلها مكية إلا آيتين مدنية {ومن الناس من يعبد الله على حرف} [11] وما بعدها.
بسم الله الرّحمن الرحيم
{يا أيها الناس أتّقوا ربّكم إنّ زلزلة الساعة شىء عظيمٌ يوم ترونها تذهل كل مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}(2/343)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)
1 - {زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} زلزلة من أشراط الساعة تكون في الدنيا أو نفخة البعث أو عند القضاء بين الخلق.(2/343)
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
2 - {تَذْهَلُ} تسلو كل والدة عن ولدها، أو تشتغل، أو تلهى أو تنساه. {سُكَارَى} من الخوف {وما هم بسكارى} من الشرب. {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتّبع كلّ شيطان مريدٍ كتب عليه(2/343)
أنّه من تولاه فأنّه يضله ويهديه إلى عذاب السعير}(2/344)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)
3 - {يُجَادِلُ} يرد النص بالقياس أو يخاصم في الدين بالهوى، نزلت في النضر بن الحارث " ع ". {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنّا خلقناكم من ترابٍ ثم من نظفةٍ ثم من علقةٍ ثمّ من مضغةٍ مخلقةٍ وغير مخلقةٍ لنبين لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجلٍ مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثمّ لتبلغوا أشدّكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئاً وترى الأرض هامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنّه يحى الموتى وأنّه على كل شىءٍ قديرً وأنّ الساعة ءاتيةٌ لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور}(2/344)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
5 - {مِّن تُرَابٍ} يريد آدم {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} يريد ذريته فتصبر النطفة علقة ثم تصير العلقة مضغة بقدر ما يمضغ من اللحم {مُّخَلَّقَةٍ} صارت خلقاً {وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} دفعتها الأرحام فلم تصر خلقاً، أو تامة الخلق وغير تامة أو مصورة وغير مصورة، أو لتمام شهوره وغير تمام {لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ} في القرآن بدو خلقكم وتنقل أحوالكم {يُتَوَفَّى} قبل الأشد، أو قبل أرذل العمر، {أَرْذَلِ الْعُمُرِ} الهرم، أو حالة ضعف كحال خروجه من بطن أمه، أو ذهاب العقل(2/344)
{لِكَيْلا يَعْلَمَ} شيئاً وينسى ما كان يعلمه، أو لا يعقل بعد عقله الاول شيئاَ. {هَامِدَةً} غبراء متهشمة، أو يابسة لا تنبت شيئاً، أو دراسة والهمود: الدروس {اهْتَزَّتْ} استبشرت، أو اهتز نباتها لشدة حركته {وَرَبَتْ} أضعف نباتها، أو انتفخت لظهور نباتها على التقديم والتأخير ربت واهتزت. {زَوْجٍ} نوع، أو لون أصفر وأحمر وأخضر وغير ذلك {بَهيجٍ} حسن الصورة. {ومن الناس من يجادل في الله بغير علمٍ ولا هدى ولا كتاب منيرٍ 8 ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزى ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد}(2/345)
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)
9 - {ثَانِىَ عِطْفِهِ} لاوي عنقه إعراضاً عن الله ورسوله، " أو عادلاً جانبه " كبراً عن الإجابة " ع " والعطف / [115 / ب] الجانب، ومنه نظر في أعطافه، نزلت في النضر بن الحارث. {ليضل} بتكذيبه الرسول [صلى الله عليه وسلم] " واعتراضه على القرآن "، أو كان رأى راغباً في الإسلام أحضره " طعامه وشرابه وغناء قينة له " وقال هذا خير لك مما يدعوك إليه محمد [صلى الله عليه وسلم] .(2/345)
{ومن الناس من يعبد الله على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأن به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هوالضلال البعيد يدعوا لمن ضرّه أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد}(2/346)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)
11 - {حَرْفٍ} ميل، أو متحرفاً بين الإيمان والكفر، أو على ضعف في العبادة كالقائم على حرف، نزلت في المنافق يعبد الله - تعالى - بلسانه ويعصيه بقلبه " ح "، أو في ناس من القبائل وفيمن حول المدينة كانوا يقولون نأتي محمد فإن صادفنا عنده خيراً اتبعناه وإلا لحقنا بأهالينا {الْخُسْرَانُ} لذهاب الدنيا والآخرة.(2/346)
يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)
13 - {لَبِئْسَ الْمَوْلَى} الناصر والعشير: المخالط، أو المولى: المعبود والعشير: الخليط والزوج لمخالطته من المعاشرة. {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسببٍ إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ وكذلك أنزلناه ءايات بينات وأن الله يهدى من يريد 10 إنّ الذين ءامنوا والذين هادوا الصائبين والنصارى والمجوس(2/346)
والذين أشركوا إنّ الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيءٍ شهيدٌ}(2/347)
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)
15 - {يَنصُرَهُ} من ظن أن الله - تعالى - لا ينصر محمداً [صلى الله عليه وسلم] على أعدائه في الدنيا بالغلبة وفي الآخرة بظهور الحجة {فَلْيَمْدُدْ} بحبل إلى سماء الدنيا {ليقطع} عنه الوحي ثم لينظرهل يُذهب هذا الكيد منه ما يعطيه من نزول الوحي، أو ينصره الله - تعالى - يرزقه والنصر: الرزق، أو أن لن يمطر الله - تعالى - أرضه، يقال للأرض الممطورة منصورة {فَلْيَمْدُدْ} بحب إلى سقف بيته، ثم ليختنق به فلينظر هل يذهب ما يغيظه من أن الله - تعالى - لا يرزقه. {ألم تر أنّ الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدّواب وكثيرٌ من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرمٍ إن الله يفعل ما يشاء}(2/347)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)
18 - {ومن يهن الله} بإدخال النار {فماله مِن مُّكْرِمٍ} يدخله الجنة {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} من ثواب وعقاب، أو من يهنه بالشقاء فلا مُكرم له بالسعادة {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} من شقاوة وسعادة. {هاذان خصمان اختصموا في ربّهم فالذين كفروا قطعت لهم ثيابٌ من نارٍ يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود 10 ولهم مقامع من حديد كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍ أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق}(2/347)
19 - {خصمان} المسلمون والمشركون لما اقتتلوا ببدر، أونزلت في ثلاثة مسلمين بارزوا ثلاثة من المشركين فقتلوهم، أو أهل الكتاب قالوا: نبينا وكتابنا قد تقدما نبيكم وكتابكم ونحن خير منكم وقال المسلمون: نبينا خاتم الأنبياء ونحن أولى بالله منكم، أو المؤمنون والمشركون اختلفوا في البعث والجزاء، أو الجنة والنار اختصمتا فقالت النار خلقني الله - تعالى - لنقمته وقالت الجنة: خلقني الله - تعالى - لرحمته قاله عكرمة {قُطِّعَتْ} عبّر بتقطيع الثياب عن إحاطة النار بهم إحاطة الثوب بلابسه {الْحَمِيمُ} الماء الحار لأنه ينضج لحومهم والنار تحرقها، قيل نزلت في مبارزي بدر فقتل حمزة عتبة بن ربيعة، وقتل علي الوليد بن عتبة بن ربيعة، وقتل عبيدة بن الحارث شيبة بن ربيعة.(2/348)
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)
20 - {يُصْهَرُ} يذاب صهرت الألية أذبتها، أو يحرق، أو يقطع به، أو ينضج.(2/348)
وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)
21 - {مَّقَامِعُ} جمع مقمعة، والقمع: ضرب الرأس حتى يقعى فينكب، أو ينحط. {إنّ الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حريرٌ وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد}(2/349)
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)
24 - {الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} لا إله إلا الله، أو الإيمان، أوالقرآن، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. {صِرَاطِ الحميد} / [116 / أ] الإسلام، أو الجنة. {إنّ الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله والمسجد الحرامٍ الذي جعلناه للنّاس سواءً العاكف فيه والبادِ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليمٍ(2/349)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)
25 - {المسجد الْحَرَامِ} المسجد نفسه {جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ} قبلة ومنسكاً للحج فحاضره والبادي سواء في حكم المسجد، أو في حكم النسك، أو أراد جميع الحرم فالحاضر والبادي سواء في الأمن فيه وأن لا يقتلا به صيداً ولا يعضدا شجراً، أو سواء في دوره ومنازله فليس العاكف أولى بها من البادي {بِإِلْحَادٍ} الإلحاد: الميل عن الحق، الباء زائدة. قال الشاعر:
(نحن بنو جعدة أصحاب الفلج ... نضرب بالسيف ونرجوا بالفرج)(2/349)
{بِظُلْمٍ} بشرك، أو باستحلال الحرام، أو باستحلال الحرم تعمداً " ع " أو احتكار الطعام بمكة، أو نزلت في أبي سفيان وأصحابه لما صدوا الرسول [صلى الله عليه وسلم] عام الحديبية " ع ". {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}(2/350)
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
26 - {بَوَّأْنَا} وطأنا، أو عرفناه بعلامة سحابة تطوقت حيال الكعبة فبنى على ظلها أو ريح فكنست حول البيت يقال لها: الخجوج {وَطَهِّرْ بَيْتِىَ} من الشرك وعبادة الأوثان. أو من الأنجاس كالفرث والدم الذي كان يطرح حول البيت، أو قول الزور {لِلطَّآئِفِينَ} بالبيت {وَالْقَآئِمِينَ} في الصلاة، أو المقيمين بمكة {وَالْرُّكَّعِ السُّجُودِ} في الصلاة.(2/350)
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
27 - {وَأَذِّن فِى النَّاسِ} أعلمهم ونادِ فيهم، خوطب به محمد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، أو إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - فقام إبراهيم على أبي(2/350)
قُبَيْس فقال: عباد الله إن الله - تعالى - قد بنى بيتاً، وأمركم بحجة فحجوا فأجابوه من أصلاب الرجال وأرحام النساء. لبيك داعي ربنا فلا يحجه إلى يوم القيامة إلا من أجاب إبراهيم قيل أول من أجابه به أهل اليمن فهم أكثر الناس حَجاً {رِجَالاً} جمع راجل {ضَامِرٍ} جمع مهزول {عَمِيقٍ} بعيد. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق}(2/351)
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
28 - {لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ} شهود المواقف وقضاء المناسك، أو المغفرة، أو التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة، {مَّعْلُومَاتٍ} عشر ذي الحجة أخرها يوم النحر " ع "، أو أيام التشريق، أو يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر {عَلَى مَا رَزَقَهُم} على نحر ما رزقهم من الأزواج الثمانية من الضحايا والهدايا {فَكُلُواْ} الأكل والإطعام واجبان، أو مستحبان، أو يجب الإطعام دون الأكل، {الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ} الذي جمع الفقر والزمانة، أو الفقر وضر الجوع أو الفقر والطلب، أو الذي ظهر عليه أثر البؤس، أو الذي يُؤنف من مجالسته.(2/351)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
29 - {تَفَثَهُمْ} مناسك الحج " ع "، أو حلق الرأس، أو إزالة قشف(2/351)
الإحرام بالتقليم والطيب وأخذ الشعر وتقليم الأظفار والغسل " ح " {نُذُورَهُمْ} من نحر، أو غيره {وَلْيَطَّوَّفُواْ} طواف الإفاضة {الْعَتِيقِ} عتقه الله - تعالى - من الجبابرة " ع "، أو عتيق لم يملكه أحد من الناس، أو من الغرق زمن الطوفان، أو قديم أول بيت وضع للناس بناه آدم - عليه الصلاة / والسلام -، وأعاده بعد الطوفان إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -. {ذلك ومن يعظّم الله فهو خيرٌ له عند ربّه وأحلّت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيقٍ}(2/352)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)
30 - {حُرُمَاتِ اللَّهِ} فعل المناسك، أو منهيات الإحرام {ما يتلى عليكم} من {المنخنقة} إلى قوله {عَلَى النصب} [المائدة: 3] ، أو {غَيْرَ مُحِلِّى الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ، [المائدة: 1] {الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} من للجنس، أو اجتنبوا منها رجسها وهو عبادتها {قَوْلَ الزُّورِ} الشرك، أو الكذب، أو شهادة الزور، أو أعياد المشركين.(2/353)
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)
31 - {حنفاء} مسلمين، أومخلصين أو مستقيمين، أو حُجَّاجاً، {غَيْرَ مُشْرِكينَ} مرائين بعبادته، أو شهادة الزور، أو قولهم في التلبية: " إلا شريكاً هو لك ". {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب 6 لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمى ثم محلّها إلى البيت العتيق}(2/353)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)
32 - {شعائرالله} فروضه، أو معالم دينه يريد مناسك الحج تعظيمها: بإتمامها.(2/353)
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
33 - {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} بالتجارة، والأجل المسمى: العود، ومحلها: محل المناسك - هي الحج والعمرة - الطواف بالبيت العتيق، أو يريد بالشعائر البدن المشعرة تعظيمها باستسمانها واستحسانها، والمنافع الركون والدر والنسل، والأجل المسمى: " إيجابها " " ع "، أو نحرها، ومَحِلُّها: مكة، أو(2/353)
الحرم كله، أو يريد بالشعائر دين الله كله نعظمه بالتزامه " ح "، والمنافع: الأجر والأجل المسمى: القيامة ومحلها إلى البيت: " يحتمل إلى رب البيت "، أو ما اختص منها بالبيت " كالصلاة إليه وقصده بالحج والعمرة ". {تَقْوَى القلوب} [32] إخلاصها. {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}(2/354)
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
34 - {منسكا} حجاً، أو ذبحاً، أو عيداً، والمنسك في كلامهم الموضع المعتاد، مناسك الحج لاعتياد مواضعها {بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} الهدى إن جعلنا المنسك الحج، أو الأضاحي إن جعلناه العيد {المختبين} المطمئنين إلى ذكر الله - تعالى - أو المتواضعين، أو الخاشعين، الخشوع في الأبدان والتواضع في الأخلاق، أو الخائفين، أو المخلصين، أو الرقيقة قلوبهم، أو المجتهدون في العبادة، أو الصالحون المقلون، أو الذين لا يظلمون وإذا ظُلموا لم ينتصروا قاله الخليل. {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خيرٌ فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا(2/354)
وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلّكم تشكرون لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخّرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين}(2/355)
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)
36 - {وَالْبُدْنَ} الإبل عند الجمهور، أو الإبل والبقر، أو ذوات الخف من الإبل والبقر والغنم حكاه ابن شجرة سميت بدناً لأنها مُبدنة بالسمن {شَعَائِرِ اللَّهِ} معالم دينه، أو فروضه {فِيهَا خَيْرٌ} أجر، أو ركوبها عند الحاجة وشرب لبنها عند الحلب {صَوَآفَّ} مصطفة، أو قائمة تصفُّ بين أيديها بالقيود، أو معقولة، قرأ الحسن " صوافي " أي خالصة لله - تعالى - من الصفوة، ابن مسعود " صوافن " معقولة إحدى يديها فتقوم على ثلاث صفن الفرس ثنى إحدى يديه وقام على ثلاث. وقال:
(ألف الصفون فما يزال كأنه ... مما يقوم على الثلاث كسيرا)(2/355)
{وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} سقطت إلى الإرض، وجب الحائط سقط، وجبت الشمس غربت {فَكُلُواْ} يجب الأكل من المتطوع به، أو يستحب عند الجمهور ولا يجب، كانوا في الجاهلية يحرمون أكلها على أنفسهم. {القانع} السائل و {المعتر} المتعرض بغير سؤال " ح " / أوالقانع الذي لا يسأل والمعتر يعتري فيسأل، أو القانع المسكين الطَّوَّاف والمعتر الصديق الزائر، أو القانع: الطامع، والمعتر الذي يعتري بالبدن ويتعرض للحم لأنه ليس عنده لحم.(2/356)
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
37 - {لَن يَنَالَ اللَّهَ} لن يتقبل الدماء وإنما يتقبل التقوى، أو لن يصعد إلى الله - تعالى - اللحم والدم وإنما يصعد إليه التقوى والعمل الصالح، كانوا في الجاهلية إذا نحروا البدن استقبلوا الكعبة بدمائها فنضحوها نحو البيت فأراد المسلمون فعل ذلك فنزلت " ع " {هَدَاكُمْ} أرشدكم إليه من حجكم. {إنّ الله يدافع عن الذين ءامنوا إن الله لا يحبّ كل خوانٍ كفورٍ إذن للذين يقاتلون بأنهّم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربّنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيعٌ وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيزٌ الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا(2/356)
الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}(2/357)
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
38 - {يَدْفع} بالكفار عن المؤمنين وبالعصاة عن المطيعين، وبالجهال عن العلماء، " أو يدفع عنهم هواجس النفس ووسواس الشيطان "، أو يدفع بنور السنة ظلمات البدعة.(2/357)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
40 - {بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} دفع المشركين بالمسلمين، أو عن الدين بالمجاهدين، أو بالنبيين عن المؤمنين، أو بالصحابة عن التابعين، أو دفعه عن الحقوق بالشهود قاله مجاهد، أو عن النفوس بالقصاص {صَوَامِعُ} الرهبان، أو مصلى الصابئة سُميت بذلك لانصمام طرفيها، المتصمع المنصم ومنه أذن صمعاء، {وَبِيَعٌ} النصارى، أو كنائس اليهود، {وَصَلَوَاتٌ} كنائس اليهود يسمونها صلوتاً فعرب، أو تركت صلوات {وَمَسَاجِدُ} المسلمين، لَهَدَمها المشركون الآن لولا دفع الله بالمسلمين، أو لهدمت صوامع أيام شرع موسى، وبيع أيام شرع عيسى ومساجد أيام شرع محمد [صلى الله عليه وسلم] وعليهم أجمعين يعني لهدم في كل شريعة الموضع الذي يعبد الله - فيه. {وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوحٍ وعادٌ وثمود وقوم إبراهيم وقوم(2/357)
لوطٍ وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثمّ أخذتهم فكيف كان نكير فكأين من قريةٍ أهلكناها وهي ظالمةٌ فهي خاويةٌ على عروشها وبئرٍ معطلةٍ وقصرٍ مشيدٍ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو ءاذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}(2/358)
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
45 - {مُّعَطَّلَةٍ} خالية من أهلها، أو من دلائها وأرشيتها، أو غائرة الماء {مَّشِيدٍ} حصين، أو رفيع أو مجصص، الشِّيد: الجص أصحاب القصور أهل الحضر وأصحاب الآبار أهل البدو، أهلك الطائفتين.(2/358)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
46 - {يَعْقِلُونَ بِهَآ} يُعَبرون، أو يعلمون، يدل على أن العقل علم وأن محله القلب {يَسْمَعُونَ} يفهمون {لا تَعْمَى الأَبْصَارُ} قيل نزلت في ابن أم مكتوم. {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوماً عند ربّك كألف سنةٍ مما(2/358)
تعدّون وكأين من قريةٍ أمليت لها وهي ظالمةٌ ثمّ أخذتها وإلى المصير}(2/359)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)
47 - {وَإِنَّ يَوْماً} من الأيام التي خلقت فيها السماوات والأرض، أو طول يوم من أيام الآخرة كطول ألف سنة من أيام الدنيا، أو ألم العذاب في يوم من أيام الآخرة كألم ألف سنة من الأيام الدنيا في الشدة وكذلك النعيم. {قل يا أيها إنّما أنا لكم نذيرٌ مبينٌ 4 فالذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ والذين سعوا في ءاياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم}(2/359)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
51 - {سعوا في آياتنا} تكذيبهم بالقرآن، أو عنادهم في الدين {معجِّزين} مثبطين من أراد اتباع الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو مثبطين في اتباعه، أو مكذبين، أو مظهرين لمن آمن به تعجيزه في إيمانه {مُعَاجِزِينَ} مشاقين " ع "، أو متسارعين، أو معاندين، أو يظنون أنهم يعجزون الله هرباً. {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيٍ إلا إذا تمنّى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله ءاياته والله عليم حكيمٌ ليجعل ما يلقى الشيطان فتنةً للذين في قلوبهم مرضٌ والقاسية قلوبهم وإنّ الظالمين لفى(2/359)
شقاق بعيدٍ وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربّك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهادٍ الذين ءامنوا إلى صراط مستقيمٍ}(2/360)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)
52 - {تَمَنَّى} حدّث نفسه فألقى الشيطان في نفسه، أو قرأ فألقى الشيطان في قراءته، لما نزلت: النجم قرأها الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى قومه {ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 20] ألقى الشيطان / [117 / ب] على لسانه " تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى "، ثم ختم السورة وسجد [وسجد معه] المسلمون والمشركون ورضي بذلك كفار قريش فأنكر جبريل - عليه السلام - ما قرأه وشق ذلك على الرسول [صلى الله عليه وسلم] فنزلت. وألقاه الشيطان على لسانه فقرأه ساهياً، أو كان ناعساً(2/360)
فقرأه في نعاسه، أو تلاه بعض المنافقين عن إغواء الشيطان فتخيل لهم أنه من تلاوة الرسول [صلى الله عليه وسلم] أوعني بقوله: " الغرانيق العلا " الملائكة " وإن شفاعتهم لترتجى " في قولكم " ح " {رَّسُولٍ} الرسول والنبي واحد، أو الرسول من(2/361)
يوحى إليه الملك والنبي من يوحي إليه في نومه، أو الرسول هو المبعوث إلى أمة والنبي مُحَدَّثٌ لا يبعث إلى أمة، أو الرسول هوالمتبدئ بوضع الشريعة والأحكام والنبي هو الذي يحفظ شريعة غيره قاله الجاحظ.(2/362)
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)
53 - {فِتْنَةً} محنة، أو اختباراً {مَّرَضٌ} نفاق، أو شك {وَالْقَاسِيَةِ قُلُوُبُهُمْ} المشركون {شِقَاقٍ بَعِيدٍ} ضلال طويل، أو فراق للحق بعيد إلى يوم القيامة. {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتةً أو يأتيهم عذاب(2/362)
يومٍ عقيمٍ الملك يؤمئذٍ لله يحكم بينهم فالذين ءامنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم والذين كفروا وكذبوا بئاياتنا فأولئك لهم عذابٌ مهينٌ}(2/363)
وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)
55 - {مزية مِّنْهُ} شك من القرآن {السَّاعَةُ} القيامة على من تقوم عليه من المشركين " ح " أو ساعة موتهم {يَوْمٍ عَقِيمٍ} القيامة، أو يوم بدر والعقيم: الشديد، أوالذي لا مثل له لقتال الملائكة فيه. {والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنّهم الله رزقاً حسناً وإن الله لهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلاً يرضونه وإن الله لعليمٌ حليمٌ ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور}(2/363)
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)
60 - {وَمَنْ عَاقَبَ} لقي قوم من المسلمين قوماً من المشركين لليلتين بقيتا من المحرم فحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا فأظفر الله - تعالى - المسلمين بهم فنزلت، أو لما مَثَّلُوا بالمسلمين بأُحُد عاقبهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] بمثله فنزلت {لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ} - تعالى -(2/363)
في الدنيا بالقهر والغلبة وفي الآخرة بالحجة والبرهان. {ذلك بأن الله يولج الّيل في النهار ويولج النهار في الّيل وأن الله سميع بصيرٌ ذلك بأنّ الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأنّ الله هو العلي الكبير ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة إنّ الله لطيف خبيرٌ له ما في السموات وما في الأرض وإنّ الله لهو الغني الحميد ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفورٌ}(2/364)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)
62 - {هُوَ الْحَقَّ} اسم من أسماء الله - تعالى - أو ذو الحق، أو عبادته حق {مَا يدعون} الأوثان، أو إبليس. {لكلّ أمةٍ جعلنا منسكاً هم ناسكوه فلا ينازعنّك في الأمر وادع إلى ربّك إنّك لعلى هدىً مستقيمٍ وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتابٍ إن ذلك على الله يسير ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطاناً وما ليس لهم به علمٌ وما للظالمين من نصير وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بيناتٍ تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم ءاياتنا قل أفأنبئكم بشرٍ من ذلكم النار وعدها(2/364)
الله الذين كفروا وبئس المصير}(2/365)
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)
67 - {مَنسَكاً} عيداً، أو موضعاً معتاداً لمناسك الحج والعمرة، أو مذبحاً، أو متعبداً، النسك: العبادة، والناسك العابد " ح ". {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقويٌ عزيزٌ}(2/365)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)
73 - {ضُرِبَ مَثَلٌ} مثلهم في عبادة غير الله كمن عبد من لا يخلق ذباباً أو لا مثل ها هنا والمعنى ضربوا لله مثلاً بعبادة غيره، وسُمي ذباباً، لأنه يُذب استقذاراً له واحتقاراً، وخصه بالذكر لمهانته وضعفه واستقذاره وكثرته.(2/365)
مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)
74 - {ما قدروا} نزلت في اليهود لما قالوا: استراح الله في السبت ما عظموه حق تعظيمه، أو ما عرفوه حق معرفته، أو ما وصفوه حق صفته. {الله يصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس إنّ الله سميعٌ بصيرٌ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور}(2/365)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)
76 - {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء {وَمَا خَلْفَهُمْ}(2/365)
ما يكون بعد خلقهم، أو أول أعمالهم وما خلفهم آخرها، أو أمر الآخرة وما خلفهم أمر الدنيا. {يا أيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلّكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفى هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}(2/366)
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
78 - {حَقَّ جِهَادِهِ} اعملوا له حق عمله، أو أن يُطاع فلا يُعصى ويُذكر فلا يُنسى ويُشكر فلا يُكفر نسخها {فاتقوا الله مَا استطعتم} [التغابن: 16] أو هي محكمة لأن حق جهاده ما لا حرج فيه. / [118 / أ] {اجْتَبَاكُمْ} اختاركم {حَرَجٍ} ضيق فخلصكم من المعاصي بالتوبة، أو من الأيمان بالكَفَّارة، أو بتقديم الأهلة وتأخيرها في الصوم والفطر والأضحى " ع " أو رُخص السفر القصر والفطر، أو عام إذ ليس في الإسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من الإثم فيه {مِّلَّة أَبِيكُمْ} وسع دينكم كما وسع ملة إبراهيم، أو افعلوا الخير كفعل إبراهيم، أو ملة(2/366)
إبراهيم وهي دينه لازمة لأمة محمد [صلى الله عليه وسلم] داخلة في دينه، أو عليكم ولاية إبراهيم ولا يلزمكم حكم دينه {هُوَ سَمَّاكُمُ} الله سماكم المسلمين قبل القرآن، أو إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لقوله {أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} [البقرة: 128] {شَهِيداً} ليشهد الرسول عليكم أنه بلغكم وتشهدوا على بعدكم أنكم بلغتموهم ما بلغكم، أو يشهد الرسول عليكم بأعمالكم، وتشهدوا على الناس أن رسلهم بلغوهم {فأقيموا الصلاة} المكتوبة {وآتوا الزَّكَاةَ} المفروضة {وَاعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ} امتنعوا به، أو تمسكوا بدينه {مَوْلاكُمْ} مالككم، أو المتولي لأموركم {فَنِعْمَ الْمَوْلَى} لما لم يمنعكم الرزق إذ عصيتموه {ونعم النصير} لما أعانكم حين أطعمتوه.(2/367)
سورة المؤمنون
مكية اتفاقاً
بسم الله الرحمن الرحيم
} {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}(2/368)
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
1 - {أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} سعدوا، أو بقيت لهم أعمالهم، أو بقوا في الجنة الفلاح: البقاء أو أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا " ع ".(2/368)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)
2 - {خَاشِعُونَ} خائفون، أو خاضعون، أو ساكنون، أو غض البصر وخفض الجناح، أو النظر إلى موضع السجود، وأن لا يجاوز بصره مصلاه.(2/369)
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
3 - {اللَّغْوِ} الباطل " ع " أو الكذب، أو الحلف، أو الشتم شتمهم كفار مكة فنهوا عن إجابتهم، أو المعاصي كلها.(2/369)
أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)
10 - {الوارثون} قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " ما منكم من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار، فإن دخل النار ورث أهل الجنة منزله، وإن دخل الجنة ورث أهل النار منزله فذلك قوله {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}(2/369)
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
11 - {الْفِرْدَوْسَ} اسم للجنة " ح " أو أعلى الجنان، أو جبل الجنة(2/369)
الذي تنفجر منه أنهارها، أو البستان رومي عُرِّب، قاله الزجاج. أو عربي وهو الكرم. {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طين ثم جعلناه نطفةً في قرارٍ مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً ءاخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنّكم بعد ذلك لميّتون ثم إنّكم يوم القيامة تبعثون} \ 12 - {الإنسان} آدم - عليه الصلاة والسلام - أُستل من الطين، أو بنوه لرجوعهم إليه. {سُلالَةٍ} سلالة كل شيء صفوته التي تُستل منه، أو القليل مما يُستل وتُسمى النطفة والولد سلالة لأنهما صفوتان، أو ينسلان، أو السلالة الطين الذي إذا عصرته بين أصابعك خرج منه شيء، أوالتراب.(2/370)
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)
13 - {قَرَارٍ} الرحم {مَّكِينٍ} متمكن هيء لاستقراره.(2/370)
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
14 - {عَلَقَةً} الدم الطري سمي به لأنه أول أحوال العلوق {مضغة} قدر ما يمضغ من اللحم، ذكر ذلك ليعلم الخلق أن الإعادة أهون من النشأة {خلقا آخر} بأن نفخ فيه الروح " ع "، أو بنبات الشعر / [118 / ب] ، أو بأنه ذكر، أو أنثى(2/370)
" ح "، أو استوى شبابه " {فَتَبَارَكَ} تعظيم {أَحْسَنُ الخالقين} أصنع الصانعين ". {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين} \ 17 - {طَرَآئِقَ} سماوات لأن كل طبقة طريقة للملائكة أو طباقاً بعضها فوق بعض ومنه طراق النعل إذا أطبق عليها ما يمسكها، أو كل طبقة منها على طريقة من الصنعة والهيئة. {غَافِلِينَ} من نزول المطر عليهم من السماء أو من سقوطها عليهم، أو عاجزين عن رزقهم. {وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون}(2/371)
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)
20 - {وَشَجَرَةً} الزيتون خصت بالذكر لكثرة نفعها وقلة تعاهدها {سَيْنَآءَ} البركة كأنه قال: جبل البركة " ع "، أو الحسن المنظر أو الكثير [الشجر] ، أو الجبل الذي كلم عليه موسى - عليه الصلاة والسلام - أو المرتفع من السناء وهو الارتفاع فيكون عربياً وعلى ما سبق سريانياً " ع " أو نبطياً، أو حبشياً {تَنبُتُ بِالدُّهْنِ} بالمطر ليصح دخول الباء. أو الزيت أي تثمر الدهن فالباء صلة.
( ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ونرجو بالفرج)
أو معناه تنبت وفيها الدهن، وهذه عبرة تشرب الماء وتنبت الدهن {وَصِبْغٍ} أدم يصطبغ به، وقيل الصبغ كل ما يؤتدم به سوى اللحم. {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون فقال الملؤا الذين كفروا من قومه ما هذ إلا بشرٌ مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو(2/372)
شاء الله لأنزل ملائكةً مّا سمعنا بهذا في ءابائنا الأوّلين إن هو إلا رجل به جنةٌ فتربصوا به حتى حين 2}(2/373)
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)
24 - {مَّا سَمِعْنَا} بمثل دعوته، أو ببشرٍ أتى برسالة ربه {الأَوَّلِينَ} أول أب ولدك أو أقرب آبائك إليك.(2/373)
إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)
25 -[ {حَتَّى حِينٍ} ] الحين: موته، أو ظهور جنونه. {قال رب انصرني بما كذّبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنّهم مغرقون فإذا استويت أنت ومن مّعك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رّب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين إن في ذلك لأيات وإن كنّا لمبتلين}(2/373)
فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)
27 - {التَّنُّورُ} تنور الخبز، أو أحر مكان في دارك، أو طلوع الفجر أو عَبَّر به عن شدة الأمر كقولهم: حمى الوطيس.(2/373)
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)
29 - {أَنزِلْنِى} في السفينة {مُنزَلاً مُّبَارَكاً} بالنجاة، أو أنزلني منها منزلاً مباركاً بالماء والشجر. {ثم أنشأنا من بعدهم قرناً ءاخرين فأرسلنا فيهم رسولاً منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتّقون وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الأخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشرٌ مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب ممّا تشربون ولئن أطعتم بشراٌ مثلكم إنّكم إذا لخاسرون أيعدكم إنّكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنّكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدّنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذباً وما نحن له بمؤمنين قال ربّ انصرني بما كذّبون 39 قال عمّا قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصّيحة بالحق فجعلناهم غثاءً فبعداً للقوم الظالمين}(2/374)
إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)
37 - {نَمُوتُ} يموت قوم ويولد آخرون، أو يموت قوم ويحيا آخرون، أو فيه تقديم وتأخير، أو يموت الآباء ويحيا الأبناء.(2/374)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)
41 - {غُثَآءً} البالي من الشجر " ع "، أو ورق الشجر إذا وقع في الماء ثم جف، أو ما حمله الماء من الزبد والقذى {فَبُعْداً} لهم من الرحمة باللعنة، أو بُعْدًا لهم في العذاب زيادة في هلاكهم. {ثمّ أنشأنا من بعدهم قروناً ءاخرين ما تسبق من أمّةٍ أجلها وما يستئخرون ثمّ أرسلنا رسلنا تتراً كل ما جاء أمّةً رسولها كذّبوه فأتبعنا بعضهم بعضاّ وجعلناهم أحاديث(2/374)
فبعداً لقومٍ لا يؤمنون} 44 - {تَتْرَا} منون متواترين يتبع بعضهم بعضاً " ع "، أو متقطعين بين كل اثنين دهر طويل، تتراً: اشتُق من وتر القوس لاتصاله بمكانه منه أو من الوتر لأن كل واحد يبعث فرداً بعد صاحبه، أو من التواتر. {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بئاياتنا وسلطان مبينٍ إلى فرعون وملإئه فاستكبروا وكانوا قوماً عالين فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون فكذبوهما فكانوا من المهلكين ولقد ءاتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون}(2/375)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46)
46 - {عالين} متكبرين، أو مشركين، أو قاهرين، أوظالمين.(2/375)
فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47)
47 - {عَابِدُونَ} مطيعون، أو خاضعون، أو مستعبدون، أو كان بنو إسرائيل يعبدون فرعون، وفرعون يعبد الأصنام. {وجعلنا ابن مريم وأمّه ءايةً وءاويناهما إلى ربوةٍ ذات قرارٍ ومعينٍ}(2/375)
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)
50 - {آية} بخلفه من غير والد وكلامه في المهد ببراءة أمه {رَبْوَةٍ} المكان المرتفع إذا اخضر بالنبات فإن لم يكن فيه نبات فهو نشز، أو ربوة وإن لم يكن به نبات، والمراد بها الرملة، أو دمشق، أو مصر، أو بيت القدس،(2/375)
قال كعب: هي أقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلاْ {قَرَارٍ} استواء، أو ثمار، أو معيشة تقوتهم " ح "، أو منازل يستقرون فيها {وَمَعِينٍ} الماء الجاري، أو الظاهر، أشتق من العيون لجريانه منها فهو مفعول من العيون، أو من المعونة، أو الماعون. {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنّى بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمّة واحدةً وأنا ربّكم فاتّقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين أيحسبون أنّما نمدّهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون 56}(2/376)
وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)
52 - {امتكم} دينكم، أو جماعتكم، أو خلقكم.(2/376)
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)
53 - {فتقطعوا} فتقرقوا أمر دينهم {زُبُراً} فرقاً وجماعات، أو كتباً أخذ كل فريق كتاباً / [119 / أ] آمن به وكفر بما سواه {بِمَا لَدَيْهِمْ} من دين وكتاب أو أموال وأولاد {فَرِحُونَ} معجبون، أو مسرورون.(2/376)
فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)
54 - {غمرتهم} ضلالتهم، أو جهلهم، أو غفلتهم، أو حيرتهم {حَتَّى حِينٍ} الموت، أو يوم بدر، أو تهديد كقول القائل " لك يوم " قاله الكلبي.(2/377)
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55)
55 - {نُمِدُّهُم} نعطيهم ونزيدهم.(2/377)
نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)
56 - {نُسَارِعُ} بجعله خيراً لهم عاجلاً، أو نريد لهم به خيراً {لا يَشْعُرُونَ} أنه استدراج، أو اختبار. {إنّ الذين هم من خشية ربّهم مشفقون والذين هم بئايات ربّهم يؤمنون والذين هم بربّهم لا يشركون والذين يؤتون ما ءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}(2/377)
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)
60 - {يوتون} الزكاة، أو أعمال البر كلها {وَجِلَةٌ} خائفة، قيل وجل العارف من طاعته أكثر من وجله من مخالفته، لأن التوبة تمحو المخالفة والطاعة تطلب بتصحيح الغرض {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ} يخافون أن لا ينجوا من عذابه إذا قدموا عليه، أو أن لا يقبل عملهم إذا عرضوا عليه.(2/377)
أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)
61 - {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} لمن تقدمهم من الأمم. {ولا نكلّف نفساً إلا وسعها ولدينا كتابٌ ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرةٍ من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون 63 حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب(2/377)
إذا هم يجئرون لا تجئروا اليوم إنكم منا لا تنصرون قد كانت ءاياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامراً تهجرون}(2/378)
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)
63 - {غمرة} غطاء، أوغفلة من هذا القرآن، أو الحق {أَعْمَالٌ} خطايا من دون الحق، أو أعمال أُخر سبق في اللوح المحفوظ أنهم يعملونها.(2/378)
حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)
64 - {مُتْرَفِيهِم} الموسع عليهم بالخصب، أو الأموال والأولاد {يجأرون} يجزعون، أو يستغيثون " ع "، أو يضجون، أو يصرخون إلى الله - تعالى - بالتوبة فلا تُقبل منهم " ح " قيل نزلت في قتلى بدر {إذا هم يجأرون} الذين بمكة.(2/378)
قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)
66 - {تَنكِصُونَ} تستأخرون، أو تكذبون، أو رجوع القهقرى عَبَّر به عن ترك القبول.(2/378)
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)
67 - {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} بحرم الله أن يظهر عليهم فيه أحد {سَامِراً} فاعل من السمر وهو الحديث ليلاً، أو ظل القمر يقولون حلف بالسمر(2/378)
والقمر، لأنهم يسمرون في ظلمة الليل وضوء القمر ويقولون: لا أكلمك السمر والقمر أي الليل والنهار، قال الزجاج: أخذت سمرة اللون من السمر. {تَهْجُرُونَ} تعرضون عن الحق أو " تُهِجرون " القول بالقبيح من الكلام وبالضم من هُجر القول، أنكر تسامرهم بالإزراء على الحق مع ظهوره لهم، أو أنكر تسامرهم آمنين والخوف أحق بهم. {أفلم يدّبرّوا القول أم جاءهم ما لم يأت ءاباءهم الأوّلين أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنّة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ولو أتّبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهنّ بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون أم تسئلهم خرجاً فخراج ربّك خيرٌ وهو خيرٌ الرازقين وإنّك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وإنّ الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ولو رحمانهم وكشفنا ما بهم من ضرٍ للجّوا في طغيانهم يعمهون} {71 - {اتَّبَعَ الْحَقُّ} الله عند الأكثرين، أو التنزيل {أهواءهم} فيما(2/379)
يشتهون، أو يعبدون. {وَمَن فِيهِنَّ} الثقلان والملائكة، أو ما بينهما من خلق {بِذِكْرِهِم} بيان الحق لهم، أو شرفهم، لأن الرسول [صلى الله عليه وسلم] منهم والقرآن بلسانهم، فهم عن شرفهم، أو عن القرآن {مُّعْرِضُونَ} .(2/380)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)
72 - {فَخَرَاجُ رَبِّكَ} فرزق ربك في الدنيا والآخرة، أو أجره في الآخرة، الخَرْج: ما يؤخذ عن الرقاب، والخراج ما يؤخذ عن الأرض قاله أبو عمرو بن العلاء.(2/380)
وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)
74 - {لَنَاكِبُونَ} عادلون، أو حائدون، أو تاركون، أو معرضون. {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرعون حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذابٍ شديدٍ إذا هم فيه مبلسون وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون وهو الذي يحيى ويميت وله اختلاف الّيل والنهار أفلا تعقلون بل قالوا مثل ما قال الأوّلون قالوا أءذا متنا وكنّا تراباً وعظاماً أءنا لمبعوثون لقد وعدنا نحن وءاباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأوّلين}(2/380)
77 - {بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} السبع التي دعا بها الرسول [صلى الله عليه وسلم] فقحطوا سبع سنين حتى أكلوا العلهز من الجوع وهو الوبر بالدم، أو قتلهم يوم بدر " ع " أو باباً من عذاب جهنم.(2/381)
وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79)
79 - {ذرأكم} خلقكم، أونشركم.(2/381)
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)
80 - {اختلاف الليل والنهار} بالزيادة والنقصان، أو تعاقبهما. {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من ربّ السموات السبّع وربّ العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون 5 قل من بيده ملكوت كل شىءٍ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون 89 بل أتيناهم بالحق(2/381)
وإنهم لكاذبون}(2/382)
قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88)
88 - {مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ} خزائن كل شيء، أو ملك كل شيء وهو مبالغة كالجبروت والرهبوت، {يُجِيرُ} يمنع ولا يمنع منه.(2/382)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)
89 - {تُسْحَرُونَ} تُصرفون عن التصديق بالبعث، أو تكذبون فيخيل إليكم أن الكذب حق. {ما أتخذ الله من ولدٍ وما كان معه من إلهٍ إذاً لّذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعضٍ سبحان الله عمّا يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عمّا يشركون قل رّب إمّا ترينّي ما يوعدون ربّ فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنّا على أن نّريك ما نعدهم لقادرون ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون}(2/382)
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)
96 - {بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} ادفع بالإغضاء والصفح إساءة المسيء، أو الفحش بالسلام، أو المنكر بالموعظة، أو أمح بالحسنة السيئة، أو قابل أعداءك بالنصح وأولياءك بالموعظة.(2/382)
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)
97 - {هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} نزغاتهم، أو إغوائهم، أو أذاهم، أو الجنون.(2/382)
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)
98 - {يحضرون} يشهدون، أو يقاربون. {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون}(2/383)
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)
100 - {ورائهم} أمامهم {بزرخ} حاجز بين الموت والبعث، أو بين الدنيا والآخرة، أو بين الموت والرجوع إلى الدنيا، أو الإمهال إلى يوم القيامة، أو ما بين النفختين وهو أربعون سنة. {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون 101 فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون}(2/383)
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)
101 - {فَلا أَنسَابَ} يتواصلون بها، أو لا يتعارفون للهول {وَلا يَتَسَآءَلُونَ} أن يحمل بعضهم عن بعض ولا أن يعين بعضهم بعضاً، أو لا يتساءلون لانشغال كل منهم بنفسه. {ألم تكن ءاياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذّبون قالوا ربّنا غلبت علينا شقوتنا وكنّا قوماً ضالين ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون}(2/383)
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)
106 - {شِقْوَتُنَا} الهوى، أو حسن الظن بالنفس، وسوء الظن(2/383)
بالخلق. {قال اخسئوا فيها ولا تكلّمون إنّه كان فريقٌ من عبادى يقولون ربّنا ءامنّا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الرحمين فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكرى وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنّهم هم الفائزون}(2/384)
قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)
108 - {اخسئوا} اصغروا، الخاسئ: الصاغر " ح "، أو الساكت الذي لا يتكلم، أو ابعدوا بُعد الكلب {وَلا تُكَلِّمُونِ} في دفع العذاب، أو زجرهم عن الكلام غضباً عليهم " ح "، فهو آخر كلام يُكلمون به.(2/384)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
110 - {سِخْرِيّاً} هزواً بالضم والكسر، أو بالضم من السخرة والاستعباد وبالكسر الاستهزاء " ح ".(2/384)
{قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يومٍ فسئل العادّين قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنّكم كنتم تعلمون أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً وأنّكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم}(2/385)
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112)
112 - {لَبِثْتُمْ} في الدنيا، أو القبور، استقلوا ذلك لما صاروا إليه من العذاب الطويل.(2/385)
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)
133 - {العادين} الملائكة، أو الحساب. {ومن يدع مع الله إلهاً ءاخر لا برهان له به فإنّما حسابه عند ربّه إنّه لا يفلح الكافرون وقل ربّ اغفر وارحم وأنت خير الراحمين}(2/385)
وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)
117 - {لا بُرْهَانَ لَهُ} أن مع الله إلاهاً آخر، أوصفة الإله المعبود [من دون الله] أنه لا برهان له {حِسَابُهُ} محاسبته عند الله يوم القيامة، أو مكافأته، والحساب المكافأة " حسبي الله " أي كافيني الله.(2/385)
سورة النور
مدنية اتفاقاً.
بسم الله الرحمن الرحيم
{سورة أنزلناها وفرضناها وانزلنا فيها ءايات بينات لعلكم تذكرون الزّانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدةٍ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}(2/386)
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)
1 - هذه {سُورَةٌ} {وَفَرَضْنَاهاَ} مخففاً قَدَّرنا فيها الحدود، أو فرضنا فيها إباحة الحلال وحظر الحرام، وبالتشديد بَيَّناها " ع " أو كثَّرنا ما فرض من الحلال والحرام {آيات بَيْنَاتٍ} حججاً دالة على التوحيد ووجوب الطاعة، أو الحدود والأحكام.(2/386)
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)
2 - {الزَّانِيَةُ} بدأ بها لأن شهوتها أغلب وزناها أعرُّ ولأجل الحبل أضر {فَاجْلِدُواْ} أخذ الجلد من وصول الضرب إلى الجلد، وهو أكبر حدود الجلد، لأن الزنا أعظم من القذف، وزادت السنة التغريب وحد المحصن بالسنة(2/386)
بياناً لقوله {أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء: 15] أو ابتداء فرض {فِى دِينِ اللَّهِ} في طاعته {رَأْفَةٌ} رحمة نهى عن آثارها من تخفيف الضرب إذ لا صنع للمخلوق في الرحمة. {تُؤْمِنُونَ} تطيعونه طاعة المؤمنين {عَذَابَهُمَا} حدهما {طَآئِفَةٌ} أربعة فما زاد أو ثلاثة، أو اثنان، أو واحد، وذلك للزيادة في نكاله. {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} \ 3 - {الزَّانِى لا يَنكِحُ} خاصة برجل استأذن الرسول [صلى الله عليه وسلم] في نكاح أم مهزول كانت بغيّاً في الجاهلية / [120 / أ] من ذوات الرايات وشرطت له أن تنفق عليه فنزلت فيهما، قال ابن عمرو ومجاهد - رحمهما اللَّهُ تعالى -، أو في أهل الصُّفَّة من المهاجرين، كان في المدينة بغايا معلنات بالفجور فهموا بنكاحهن ليأووا إلى مساكنهن وينالوا من طعامهن وكسوتهن وكن مخاصيب(2/387)
الرحال بالكسوة والطعام، أو الزانية لا يزني بها إلا زانٍ والزاني لا يزني إلا بزانية " ع "، أوالزانية محرمة على العفيف والعفيف محرم على الزانية ثم نسخ بقوله تعالى: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء} [النساء: 3] ، أو خاص بالزاني المحدود لا ينكح إلا زانية محدودة ولا ينكح غير محدودة ولا عفيفة، والزانية المحدودة لا ينكحها غير محدود ولا عفيف " ح " {حرم} الزنا، أو نكاح الزواني {على المؤمنين} . {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}(2/388)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)
4 - {ثَمَانِينَ جَلْدَةً} حد القذف حق الآدمي لوجوبه بطلبه وسقوطه بعفوه، أو حق الله، أو مشترك بينهما. ويتعلق به الحد والفسق ورد الشهادة.(2/388)
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
5 - {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ} فيزول فسقهم ولا يسقط الحد عنهم وتقبل شهادتهم قبل الحد وبعده لارتفاع فسقه قاله الجمهور، أو لا تقبل بحال، أو تقبل قبل الحد ولا تقبل بعده، أو عكسه وتوبته بإكذابه نفسه، أو بالندم والاستغفار وترك العود إلى مثله.(2/388)
{والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنّه لمن الصادقين والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين والخامسه أنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأنّ الله تواب حكيم}(2/389)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)
6 - {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ} أي هلال بن أمية جاء الرسول [صلى الله عليه وسلم] وهو جالس مع أصحابه فقال: يا رسول الله جئت عشياً فوجدت رجلاً مع أهلي رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره الرسول [صلى الله عليه وسلم] ذلك وثقل عليه فنزلت، أو أتاه عويمر فقال: يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه به أم كيف يصنع فنزلت فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : قد نزل فيك وفي صاحبتك ولاعن بينهما، {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} عبر عن اليمين بالشهادة.(2/389)
قال قيس:
(وأشهد عند الله أني أحبها ... فهذا لها عندي فما عندها ليا)
أو هو شهادة فلا يلاعن الكافر والرقيق.(2/390)
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)
8 - {ويدرأ} يدفع {الْعَذَابَ} الحد، أو الحبس، وإذا تم اللعان وقعت الفرقة بلعان الزوج، أو بلعانهما، أو بلعانهما وتفريق الحاكم، أو بطلاق يوقعه الزوج. ثم تحرم أبداً، فإن أكذب نفسه ففي حِلَّها مذهبان(2/390)
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
10 - {فَضْلُ اللَّهِ} الإسلام {وَرَحْمَتُهُ} القرآن، أو فضله: منته، ورحمته: نعمته تقديره ورحمته بإمهالكم حتى تتوبوا لهلكتم، أو لولا فضله ورحمته لنال الكاذب منكم عذابٌ عظيم. {إن الذين جاءوا بالإفك عصبةٌ منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خيرٌ لكم لكل امرئٍ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}(2/390)
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
11 - {الذين جاءوا بِالإِفْكِ} : عبد الله بن أُبي، ومسطح بن أثاثة،(2/390)
وحسان بن ثابت وزيد بن رفاعة وحمنة بنت جحش، والإفك: الكذب أو الإثم {خَيْرٌ لَّكُمْ} لأن الله تعالى برَّاْ منه وأثاب عليه، يريد عائشة وصفوان، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] وأبو بكر، وعائشة - رضي الله تعالى عنهما - {ما اكتسب} / [120 / ب] عقاب ما اكتسب {وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ} عبد الله بن أُبي، أو حسان ومسطح، والعذاب العظيم: العمى. {لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفكّ مبينٌ لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون}(2/391)
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)
12 - {لَّوْلآ} هَلاَّ {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} أي الإفك {بِأَنفُسِهِمْ} ظن بعضهم ببعض، أو ظنوا بعائشة - رضي الله تعالى عنها - كظنهم بأنفسهم {إِفْكٌ مُّبِينٌ} كذب بيِّنٌ، ولم يحد الرسول [صلى الله عليه وسلم] أحداً من أهل الإفك؛ لأن الحد لا يقام إلا(2/391)
ببينة أو إقرار ولم ينفذ بإقامته بإخبار الله تعالى كما لا يقتل المنافق بإخباره بنفاقه، أو حدَّ حسان وابن أُبي ومسطحاً وحمنة فيكون العذاب العظيم الحدُّ. وقال فيهم بعض المسلمين:
(لقد ذاق حسان الذي كان أهله ... وحمنة إذ قالوا هجيراً ومسطحُ)
(تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم ... وسخطة ذي العرش العظيم فأبرحوا)
(وآذوا رسول الله فيها فَجُلِّلُوا ... مَخازي تبقى عُمِّمُوها وفُضِّحوا)
(كما ابن سلول ذاق في الحد خِزية ... كما خاض في قول من الإفك يفصح)
(فصبت عليهم مُحصدات كأنها ... شآبِيبُ مزن من ذُرى المزن تسفحُ)
وقال حسان يعتذر من إفكه:(2/392)
(حصانٌ رزانٌ ما تُزَنُّ بريبةٍ ... وتُصبحُ غَرثَى من لُحوم الغَوَافِلِ)
(مطهرة قد طيب الله خلقها ... وطهرها من كل سوء وباطل)
(عقيلة حي من لؤي بن غالب ... كرام المساعي مجدهم غير زائل)
(فإن كنت قد قلت الذي قد أتاكم ... فَلا رَفَعتْ سوطِي إليَّ أَنامِلِي)
(وكيف وَوُدِّي ما حَييتُ ونُصرتي ... لآل رسول الله زين المحافل)
(وإن الذي قد قيل ليس بلائط ... ولكنه قول امرئٍ غير ماحل)
{ولولا فضل الله عليكم ورحمتّه في الدنيا والآخرة لمسّكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علمٌ وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيمٌ يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم(2/393)
الآيات والله عليم حكيم إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرةٍ والله يعلم وأنتم لا تعلمون لولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوفٌ رحيمٌ}(2/394)
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)
15 - {تَلَقَّوْنَهُ} بالقبول من غير إنكار، أو تتحدثُون به وتلقونه حتى ينتشر. {يا أيها الذين ءامنوا لا تتّبعوا خطوات الشيطان ومن يتّبعٍ خطوات الشيطان فإنّه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ولكن الله يزكى من يشاء والله سميع عليمٌ}(2/394)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)
21 - {خطوات الشيطان} خطاياه، أو أثره، أوتخطبه من الطاعة والحلال إلى المعصية والحرام، أو النذر في المعاصي. {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر الله لكم والله غفورٌ رحيم إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذابٌ عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين}(2/394)
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)
22 - {يَأْتَلِ} ويتألَّ واحد أي لا يقسم، أو لا يقصر، ما ألوت جهداً(2/394)
أي ما قصرت، أو يأتلِ: يقصر، ويتألَّ: يقسم، كان أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - ينفق على مسطح - وكان ابن خالته - فلما تكلم في الإفك أقسم أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - أن لا ينفق عليه، فنزلت. {وَلْيَعْفُواْ} عن الأفعال {وَلْيَصْفَحُواْ} عن الأقوال، أو العفو: ستر الذنوب من غير مؤاخذة والصفح: الإغضاء عن المكروه {أَلا تُحِبُّونَ} كما تحبون أن تُغفر ذنوبكم فاغفروا لمن أساء إليكم فلما سمِعَها أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - رَدَّ إليه النفقة. {الْخَبِيثَاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريم}(2/395)
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)
26 - {الْخَبِيثَاتُ} خبيثات النساء لخبيثي الرجال، وخبيثوا الرجال لخبيثات النساء، وطيبات النساء لطيبي الرجال، وطيبو الرجال لطيبات النساء، أو أراد بالخبيثات والطيبات: الأعمال الخبيثة والطيبة لخبيثي الناس وطيبيهم. أو أراد الكلمات الخبيثات والطيبات لخبيثي الناس وطيبيهم {أولئك مبرءون} أزواج الرسول [صلى الله عليه وسلم] مبرآت / من الفواحش، أو عائشة، وصفوات مبرآن من الإفك، أو الطيبون والطيبات مبرءون من الخبيثين والخبيثات. {يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها(2/395)
ذلكم خيرٌ لكم لعلّكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ليس عليكم جناحٌ أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونةٍ فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون} \ 27 - {تَسْتَأْنِسُواْ} تَستأذنوا قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أخطأ الكاتب فكتب " تستأنسوا "، أو عَبَّر عن الاستئذان بالاستئناس لأنه مؤنس، أو تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح ليعلموا بالدخول عليهم، أوتعلموا فيها من يأذن لكم؛ لقوله {فَإِنْ آنَسْتُمْ} [النساء: 6] أو الاستئناس: الاستخبار(2/396)
والإيناس: اليقين {وَتُسَلِّمُواْ} السلام مسنون بعد الاستئذان على ظاهر الآية، ولأنه تحية للقاء واللقاء بعد الإذن، أو السلام قبل الاستئذان على ما تضمنته السنة، وإن كان قريباً فإن لم يكن مَحْرَماً لزم الاستئذان عليه كالأجانب، وإن كانوا محارم فإن كان ساكناً معهم في المنزل لزمه إنذارهم بدخوله بوطئ أو نحنحة مفهمة إلا الزوجة فلا يلزم ذلك في حقها بحال لارتفاع العورة بينهما وإن لم يكن ساكناً معهم في المنزل لزم الاستئذان بوطئ أو نحنة، أوهم كالأجانب.(2/397)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)
29 - {بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} الخانات المشتركة ذوات البيوت المسكونة، أو حوانيت التجار، أومنازل الأسفار ومناخات الرحال التي يرتفق بها المسافرون، أو الخرابات العاطلة، أو بيوت مكة {مَتَاعٌ لَّكُمْ} عروض الأموال ومتاع التجارة، أو الخلاء والبول؛ لأنه متاع لهم، أوالمنافع كلها. فلا يلزم الاستئذان فيها. {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}(2/397)
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)
30 - {من أبصارهم} من صلة، أويغضوها عما لايحل، أوهي للتبعيض؛ لأن البصر إنما يجب غضه عن الحرام {وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} بالعفاف عن الزنا، أو بسترها عن الأبصار، وكل موضع فيه حفظ فالمراد به عن الزنا، إلا في هذا الموضع قال أبو العالية، وسميت فروجاً؛ لأنها منافذ للبدن.(2/397)
{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهنّ إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهنّ إلا لبعولتهن أو ءابائهنّ أو ءاباء بعولتهنّ أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون}(2/398)
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
31 - {زِينَتَهُنَّ} الزينة ما أدخلته على بدنها حتى زانها وحسنها في العيون كالحلي والثياب، والكحل والخضاب، وهي ظاهرة وباطنة فالظاهرة لا يجب سترها ولا يحرم النظر إليها {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الثياب، أو الكحل والخاتم " ع "، أو الوجه والكفان، والباطنة: القرط والقلادة، والدملج والخلخال وفي السوار مذهبان وخضاب القدمين باطن، وخضاب الكفين ظاهر، والباطنة يجب سترها عن الأجانب ولا يجوز لهم النظر إليها. {وليضربن بخمرهن} بمقانعهن على صدورهن تغطية لنحورهن وكن يلقينها على ظهورهن بادية نحورهن، أو كانت قمصهن مفرجة الجيوب كالدراعة يبدو منها صُدُورهن فأُمِرن بإلقاء الخُمُرُ عليها لسترها وكنى عن الصدور بالجيوب لأنها ملبُوسة عليها / [121 / ب] {ولايبدين زِينَتَهُنَّ} الباطنة {إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} ، {أَوْ نِسَآئِهنَّ} المسلمات، أو عام فيهن وفي الكافرات {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} من العبيد والإماء، أو خاص بالإماء قاله ابن(2/398)
المسيب ومجاهد وعطاء {غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ} الصغير لا إرب له فيهن لصغره، أو العِنِّين لا إرب له لعجزه، أو المعتوه الأبله لا إرب له لجهله، أو المجبوبُ لفقد إربه مأثور، أو الشيخ الهرم لذهاب إربه، أو الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل، أو المستطعم الذي لا يهمه إلا بطنه، أو تابع القوم يخدمهم لطعام بطنه فهو مصروف الشهوة لذله " ح "، وأخذت الإربة من الحاجة، أو من العقل من قولهم رجل أريب {لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} لم يكشفوها لعدم شهوتهم، أو لم يعرفوها لعدم تمييزهم، أو لم يطيقوا الجماع، وسميت العورة عورة لقبح ظُهورها وغض البصر عنها أخذاً من عور العين {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} كن إذا مشين ضربن بأرجلهن لتسمع قعقعة خلاخلهن فنهين عن ذلك. {وأنكحوا الإيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفورٌ رحيمٌ ولقد أنزلنا إليكم ءايات مبيناتٍ ومثلاً من الذين خلوا من قبلكم وموعظةٍ للمتّقين}(2/399)
وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)
32 - {وَأَنكِحُواْ} خطاب للأولياء، أو للأزواج أن يتزوجوا ندباً عند الجمهور أو إيجاباً {الأَيَامَى} المتوفى عنها زوجها، أو من لا زوج لها من(2/399)
الثيب والأبكار، رجل أيم وامرأة أيم {وَالصَّالِحِينَ} أنكحوا الأيامى بالصالحين من رجالكم، أو أمر بإنكاح العبيد والإماء كما أمر بإنكاح الأيامى {فُقَرَآءَ} إلى النكاح يغنهم الله به عن السفاح، أو فقراء من المال يغنهم الله - تعالى - بقناعة الصالحين، أو باجتماع الرزقين {وَاسِعٌ} الغنى {عَلِيمٌ} بالمصالح، أو واسع الرزق عليم بالخلق.(2/400)
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
33 - {فَكَاتِبُوهُمْ} ندباً، أو وجوباً إذا طلب العبد {خَيْراً} قدرة على الاحتراف والكسب " ع " أو مالاً، أو ديناً وأمانة، أو وفاءً وصدقاً أو الكسب والأمانة. {وآتوهم} من الزكاة من سهم الرقاب أو بحط بعض نجومه ندباً، أو إيجاباً فيحط ربعها، أو سهماً غير مقدر " ع "، كان لحويطب بن عبد العزى عبد سأله الكتابة فامتنع فنزلت، {فتيانكم} الإماء {الْبِغَآءِ} الزنا {تَحَصُّناً} عفة {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} لا يتحقق الإكراه إلا عند إرادة التحصن لأن من لا تبغي التحصن تسارع إلى الزنا بغير إكراه، أو ورد على سبب فخرج على صفة السبب وليس بشرط فيه كان ابن أُبَيِّ يُكره أمته على الزنا فزنت ببرد فأخذه وقال: ارجعي فازني على آخر فقالت: لا والله وأخبرت الرسول [صلى الله عليه وسلم] فنزلت. وكان(2/400)
ذلك مستفيضاً من عادتهم طلباً للولد والكسب {لِّتَبْتَغُواْ} لتأخذوا أجورهن على الزنا {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} للمكرهات دون المكرهين. {الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباح في زجاجةٍ الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نارٌ نورٌ على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شىءٍ عليم}(2/401)
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
35 - {نُورُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ} : هاديهما أو مدبرهما، أو ضياؤهما / [122 / أ] أو مُنَوِّرهما؛ نَوَّر السماء بالملائكة والأرض بالأنبياء، أو السماء بالهيبة والأرض بالقدرة، أو نَوَّرهما بالشمس والقمر والنجوم {مَثَلُ نُورِهِ} نور المؤمن في قلبه، أو نور محمد [صلى الله عليه وسلم] في قلب المؤمن، أو نور القرآن في قلب محمد [صلى الله عليه وسلم] أو نور الله - تعالى - في قلب محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو قلب المؤمن {كَمِشْكَاةٍ} كُوَّة لا تنفذ {والمصباح} السراج، أو قنديل [و] المصباح: الفتيلة، أو موضع الفتيلة من القنديل وهو الأنبوب والمصباح: الضوء " ع "، أو السلسلة والمصباح: القنديل، أو صدر المؤمن والمصباح: القرآن الذي فيه والزجاجة قلبه والمشكاة، حبشي معرَّبٌ، {الْمِصْبَاحٌ فِي زُجَاجَةٍ} القنديل؛ لأنه فيها أضوأ قاله الأكثرون، أو الصباح القرآن والإيمان والزجاجة قلب المؤمن {كَوْكَبٌ} الزهرة، أو كوكب غير معين عند الأكثر(2/401)
{درئ} يشبه الدر في صفائه، درئ: مضئ، درئ: متدافع قوي الضوء من درأ دفع دِرِّيٌّ: جارٍ درأ الوادي إذا جرى، والنجوم الدراري الجواري {شجرة مباركة} إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، والزجاجة: محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو صفة لضياء دهن المصباح {مُّبارَكَةٍ} ؛ لأنها من زيتون الشام وهو أبرك من غيره، أو لأن الزيتون يورق غصنه من أوله إلى آخره {لا شَرْقِيَّةٍ} ليست من شجر الشرق ولا من شجر الغرب لقلة زيت الجهتين وضعف نوره ولكنها من شجر ما بينهما كالشام لاجتماع القوتين فيه، أو لا شرقية تستتر عن الشمس عند الغروب ولا غربية تستتر عنها وقت الطلوع بل هي بارزة من الطلوع إلى الغروب فإنه أقوى لزيتها وأضوأ، أوهي وسط الشجر لا تنالها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت وذلك أجود لزيتها، أو ليس في شجر الشرق ولا في شجر الغرب مثلها، أوليست من شجر الدنيا التي تكون شرقية، أو غربية وإنما هي من شجر الجنة " ح " أو مؤمنة ليست بنصرانية تصلي إلى الشرق ولا يهودية تصلي إلى الغرب، أو الإيمان ليست بشديد ولا لين؛ لأن في أهل الشرق شدة وفي أهل الغرب لين {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ} صفاؤه كضوء النهار {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} أو يكاد قلب المؤمن من يعرف الحق قبل أن يُبين له، أو يكاد العلم يفيض من فم المؤمن العالم قبل أن يتكلم به " ح " أو تكاد أعلام النبوة تشهد للرسول [صلى الله عليه وسلم] قبل أن يدعو إليها {نُّورٌ عَلَى نُورِ} ضوء النار على ضوء الزيت(2/402)
على ضوء الزجاجة، أو نور النبوة على نور الحكمة، أو نور الرجاء على نور الخوف، أو نور الإيمان على نور العمل، أو نور مؤمن هو حجة لله يتلوه مؤمن هو حجة لله حتى لا تخلو الأرض منهم، أونور نبي من نسل نبي {لِنُورِهِ} نبوته، أو دينه، أو دلائل هدايته {ويضرب / [122 / ب] اللَّهُ الأَمْثَالَ} هذا مثل ضربه للمؤمن في وضوح الحق له وفيه، أو ضربه لطاعته وسماهما نوراً لتجاوزهما عن محلهما، أو قالت اليهود يا محمد كيف يخلص نور الله من دون السماء فضرب الله - تعالى - ذلك مثلاً لنوره " ع ". {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغيرحساب}(2/403)
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)
36 - {بُيُوتٍ} المساجد " ع "، أو سائر البيوت {تُرْفَعَ} تُبْنَى، أو تطهر من الأنجاس والمعاصي، أو تعظم، أو ترفع فيها الحوائج إلى الله - تعالى - {وَيُذْكَرَ فِيهَا أسْمُهُ} يتلى كتابه " ع "، أو تذكر أسماؤه الحسنى، أو توحيده بأن لا إله غيره، {فِى بُيُوتٍ} متعلق بقوله كمشكاة، أو بقوله - تعالى - " يسبح " {يُسَبِّحُ} يصلي له " ع " أو ينزهه {وَالأَصَالِ} العشايا.(2/403)
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)
37 - {تِجَارَةٌ} التجار: الجلاب المسافرون، والباعة: المقيمون. {عَن ذِكْرِ اللَّهِ} بأسمائه الحسنى، أو عن الآذان {تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} على جمر جهنم، أوتتقلب أحوالها بأن تلحقها النار ثم تنضجها ثم تحرقها، أو تقلب القلوب: وجيبها وتقلب الأبصار نظرها إلى نواحي الأهوال، أو تقلب القلوب: بلوغها الحناجر وتقلب الأبصار الزُّرق بعد الكُحْل والعمى بعد الإبصار، أو يتقلب قلب الكافر عن الكفر إلى الإيمان ويتقلب بصره عما كان يراه غيَّاً فيراه رشداً(2/404)
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)
38 - {بِغَيْرِ حِسَابٍ} بغير جزاء بل يبتديه تفضلاً، أوغير مقدر بالكفاية حتى لا يزيد عليها، أوغير قليل ولا مضيق، أوغير ممنون به. {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمئان ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلماتٍ في بحرٍ لجى يغشاه موجٌ من فوقه موج من فوقه سحابٌ ظلمات بعضها فوق بعضٍ إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نورٍ}(2/404)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)
39 - {كَسَرَابٍ} : هو الذي يتخيل لرائيه أنه ماء جارْ والآل مثله إلا أنه يرتفع عن الأرض ضُحى حتى يصير كأنه بين السماء والأرض، وقيل السراب بعد الزوال والآل قبل الزوال، والرقراق بعد العصر (بِقِيعَةٍ} جمع قاع كجيرة(2/404)
وجار وهو ما انبسط من الأرض واستوى. مثل مضروب لاعتماد الكافر على ثواب عمله فإذا قدم على الله - تعالى - وجد ثوابه حابطاً بكفره ووجد أمر الله عند حشره، أو وجد الله - تعالى - عند عرضه، نزلت في شيبة بن ربيعة ترهّب في الجاهلية ولبس الصوف وطلب الدين وكفر في الإسلام.(2/405)
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)
40 - {كَظُلُمَاتٍ} ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل {لُّجِّىٍّ} واسع لا يرى ساحله، أو كثير الموج، أو عميق، ولجة البحر: وسطه {لَمْ يَكَدْ} لم يَرَهَا ولم يكد قاله الزجاجَ، أو رآها بعد أن كادَ لا يراها، أو لم يطمع أن يراها، أو يكد صلة {وَمَن لًّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً} سبيلاً إلى النجاة فلا سبيل له إليها، أو من لم يهده الله إلى الإسلام لم يهتدِ إليه. مثل للكافر والظلمات ظلمة الشرك وظلمة الشك وظلمة المعاصي، والبحر اللجي قلبه يغشاه موج عذاب الدنيا من فوقه موج عذاب الآخرة. {ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون}(2/405)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)
41 - {صَآفَّاتٍ} مُصْطفة الأجنحة في الهواء {صَلاتَهُ} الصلاة: للإنسان والتسبيح: لسائر الخلق، أو هذا في الطير؛ ضرب أجنحتها صلاة وأصواتها تسبيح، أو للطير صلاة لا ركوع فيها ولا سجود، قاله سفيان، علم الله(2/405)
صلاته وتسبيحه، أو علمها هو. {ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار}(2/406)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)
43 - {يُزْجِى} يسوق {رُكَاماً} يركب بعضه بعضاً {الْوَدْقَ} البرق يخرج من / [123 / أ] خلال السحاب، أو المطر عند الجمهور {مِن الجبال} أي في السماء جبال بَرَد فينزل من السماء من تلك الجبال ما يشاء من البرد، أو ينزل من السماء بَرَداً يكون كالجبال، أو السماء: السحاب والسماء صفة للسحاب سُمي جبالاً لعظمته فينزل منه برداً {سَنَا بَرْقِهِ} صوت برقه، أو ضوؤه، أو لمعانه. {يقلب الله الّيل والنّهار إنّ فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار والله خلق كلّ دابّة من مآء فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشى على رجلين ومنهم من يمشى على أربع يخلق الله ما يشاء إنّ الله على كل شىء قديرٌ لّقد أنزلنا ءايات مبيّنات والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم}(2/406)
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)
44 - {يقلب الله الليل وَالنَّهَارَ} بتعاقبهما، أو بنقص كل واحد منهما وزيادة الآخر، أو يغير النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى ويغير الليل بظلمة السحاب تارة وبضوء القمر أخرى.(2/406)
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)
45 - {مِّن مَّآءٍ} النطفة، أو أصل الخلق كله الماء ثم قلب إلى النار فخلق(2/406)
منها الجن وإلى الريح فخلق منها الملائكة وإلى الطين فخلق منه ما خلق {عَلَى بَطْنِهِ} كالحوت والحية {عَلَىَ رِجْلَيْنِ} كالإنسان والطير {عَلَى أَرْبَعٍ} كالأنعام ولم يذكر ما زاد لأنه كالماشي على أربع لأنه يعتمد في مشيته على أربع. {ويقولون ءامنّا بالله وبالرّسول وأطعنا ثمّ يتولى فريق منهم من بعد ذلك ومآ أولائك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بيّنهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لّهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفى قلوبهم مّرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله علّيهم ورسوله بل أولائك هم الظّلمون إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولائك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتّقه فأولائك هم الفآئزون(2/407)
وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)
48 - {مُّعْرِضُونَ} كان بين بِشْر المنافق وبين يهودي خصومة فدعاه اليهودي إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] ودعا بشر إلى كعب بن الأشراف؛ لأن الحق إذا توجه على المنافق دعا إلى غير الرسول [صلى الله عليه وسلم]-[ليسقط عنه] وإن كان الحق له حاكم(2/407)
إليه ليستوفيه له فنزلت {وَإِذَا دُعُواْ}(2/408)
وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)
49 - {مُذْعِنِينَ} طائعين، أو خاضعين، أو مسرعين، أو مقرين.(2/408)
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)
50 - {مرض} شرك، أو نفاق. {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين}(2/408)
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)
54 - {مَا حُمِّلَ} من إبلاغكم {مَّا حُمِّلْتُمْ} من طاعته {تَهْتَدُواْ} إلى الحق {البلاغ} بالقول للطائع وبالسيف للعاصي. {وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدّلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولائك هم الفاسقون وأقيموا الصّلاة وءاتوا الزّكاة أطيعوا الرّسول لعلّكم ترحمون لا تحسبن الّذين كفروا معجزين فى الأرض ومأواهم النّار ولبئس المصير 57(2/408)
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)
55 - {الأَرْضِ} بلاد العرب والعجم، أو أرض مكة؛ لأن المهاجرين سألوا الله - تعالى - ذلك {الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} بنو إسرائيل في أرض الشام، أو(2/408)
داود وسليمان - عليهما الصلاة والسلام - {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ} بإظهاره على كل دين {لا يُشْرِكُونَ} لا يعبدون إلهاً غيري، أو لا يراؤون بعبادتي، أو لا يخافون غيري " ع "، أو لا يحبون غيري. قيل هي في الخلفاء الأربعة. قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " الخلافة بعدي ثلاثون ". {يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيّمانكم واّلذين لمّ يبّلغوا الحلم منكم ثلاث مّرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لّكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذالك يبين الله لكم الأيات والله عليم حكيم وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا كما استئذن الذين من قبلهم كذالك يبين الله لكم ءاياته والله عليم حكيم والقواعد من النساء التي لا يرجون نكاحاً فليس عليهنّ جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرّجات بزينة أن يستعففن خيرٌ لّهن والله سميع عليمٌ}(2/409)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)
58 - {الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} النساء يستأذن في الأوقات الثلاث خاصة ويستأذن الرجال في جميع الأوقات، أو العبيد والإماء فيستأذن العبد دون الأمة(2/409)
على سيده في هذه الأوقات، أو الأمة وحدها؛ لأن العبد يلزمه الاستئذان في كل وقت " ع "، أو العبد والأمة جميعاً {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ} الصغار الأحرار فإن كان لا يصف ما رأى فليس من أهل الاستئذان وإن كان يصفه فيستأذن في الأوقات الثلاث ولا يلزمهم الاستئذان فيما وراء الثلاث. وخُصَّت هذه الأوقات لخلوة الرجل فيها بأهله وربما ظهر منه فيها / [123 / ب] ما يكره أن يرى من جسده. وبعث الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى عمر - رضي الله تعالى عنه - وقت القائلة غلاماً من الأنصار فدخل بغير إذن فاستيقظ عمر - رضي الله تعالى عنه - بسرعة فانكشف منه شيء فرآه الغلام فحزن عمر - رضي الله تعالى عنه - لذلك وقال: وددت أن الله - تعالى - بفضله نهى أن يدخل علينا في هذه الساعات إلا بإذننا فانطلق إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] فوجد هذه الآيات قد نزلت فخر ساجداً. {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ} لما اشتملت الساعات الثلاث على العورات سماهن عورات إجراءً لعورات الزمان مجرى عورات الأبدان فلذلك خصها بالإذن {لَيْسَ عَلَيْكُمْ} جناح في تبذلكم في هذه الأوقات، أو من منعهم فيها {وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ} في ترك الاستئذان فيما سواهن. {طَوَّافُونَ عَلَيْكُم} بالخدمة فلم يُحرَّج عليهم في دخول منازلكم، والطوَّاف: الذي يكثر الدخول والخروج.(2/410)
وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)
59 - {الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} الرجال أوجب الاستئذان على من بلغ؛ لأنه صار رجلاً.(2/410)
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)
60 - {وَالْقَوَاعِدُ} جمع قاعد قعدت بالكبر عن الحيض والحمل، أو(2/410)
لأنها تكثر القعود بعد الكبر، أو لأنها لا فتقعد تراد عن الاستماع {لا يَرْجُونَ} لا يردن لأجل كبرهن الرجال ولا يريدهن الرجال {ثِيَابَهُنَّ} رداؤها الذي فوق خمارها تضعه إذا سترها باقي ثيابها، أو خمارها ورداءها {مُتَبَرِّجَاتٍ} مظهرات من زينتهن ما يستدعى النظر إليهن فإنه حرام على القواعد وغيرهن، وجاز لهن وضع الجلباب لانصراف النفوس عنهن، وتمنع الشواب من وضع الجلباب ويُؤمرن بلباس أكثف الجلابيب لئلا تصفهن ثيابهن {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ} تعفف القاعدة من وضع الجلابيب أفضل لها وأولى بها من وضعه وإن كان جائزاً. {لَّيْسَ على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج وَلاَ على أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أو بيوت ءابآئكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عمّاتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مّفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً فإذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الأيات لعلّكم تعقلون}(2/411)
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
61 - {لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى} ... . إلى {الْمَرِيضِ} كان الأنصار يتحرجون من الأكل مع هؤلاء إذا دعوا إلى طعام ويقولون الأعمى لا يبصر أطيب الطعام، والأعرج لا يقدر على الزحام عند الطعام، والمريض عن المشاركة الصحيح في الطعام، فكانوا يعزلون طعامهم، ويرون أنه أفضل من مشاركتهم(2/411)
فنزلت الآية رافعة للحرج في مؤاكلتهم " ع "، أو كان الأنصار يستخلفون أهل الزَّمانة المذكورين في منازلهم إذا خرجوا للجهاد فكانوا يتحرجون أن يأكلوا منها فرخص لهم أن يأكلوا من بيوت من استخلفهم، أو نزلت في سقوط الجهاد عنهم " ح "، أو لا جناح على من دُعي منهم إلى وليمة أن يأخذ معه قائده {بُيُوتِكُمْ} أموال عيالكم وزوجاتكم لأنهم في بيته، أو أولادكم فنسبت بيوت الأولاد إليهم كقوله: " أنت ومالك لأبيك " ولذلك لم تذكر بيوت / [124 / أ] الأبناء، أو البيوت التي أنتم ساكنوها خدمة لأهلها واتصالاً بأربابها كالأهل والخدم {أو بيوت آبائكم} ... إلى {خَالاتِكُمْ} أباح الأكل من بيوت هؤلاء إذا كان الطعام مبذولاً غير مُحرز، فإن كان مُحرزاً فلا يجوز هتك الحرز، ولا يتعدى إلى غير المأكول ولا يتجاوز الأكل إلى الادخار {ملكتهم مَّفَاتِحَهُ} وكيل الرجل وقَيِّمُه في ضيعته يجوز أن يأكل مما يقوم [عليه] من ثمار الضيعة " ع "، أو(2/412)
يأكل من منزل نفسه ما ادخره، أو أكله من ماله عبده {صَدِيقِكُمْ} في الوليمة خاصة، أو في الوليمة وغيرها إذا كان الطعام غير محرز، والصديق واحد يعبّر به عن الجمع، قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " قد جعل الله في الصديق البار عوضاً من الرحم المذمومة "، والصديق: من صدقك عن مودته، أو من وافق باطنه باطنك كما يوافق ظاهره ظاهرك، وما تقدم ذكره محكم لم ينسخ منه شيء، قاله قتادة: أو نسخ بقوله - تعالى -: {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى} [الأحزاب: 53] وبقوله: " لا يحل مال امرئ مسلم " الحديث {أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً} كان بنو كنانة في الجاهلية يرى أحدهم أنه يحرم عليه الأكل وحده حتى أن أحدهم ليسوق الذود الحُفَّل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه فنزلت فيهم، أو في قوم من العرب كانوا يتحرجون إذا نزل بهم ضيف أن يتركوه يأكل وحده حتى يأكلوا معه، أو في قوم تحرجوا من الاجتماع على الأكل ورأوا ذلك دِيناً، أو في قوم مسافرين اشتركوا في أزوادهم فكان إذا تأخر أحدهم أمسك(2/413)
الباقون حتى يحضر فرخص لهم في الأكل جماعة وفرادى {بُيُوتاً} المساجد، أو جميع البيوت {عَلَى أَنفُسِكُمْ} إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلكم وعيالكم، أو المساجد، فسلموا على من فيها " ع "، أو بيوت غيركم فسلموا عليهم " ح "، أوبيوتاً فسلموا على أهل دينكم، أو بيوتاً فارغة فسلموا على أنفسكم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أو سلام علينا من ربنا تحية من الله {تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ} السلام اسم من أسماء الله - تعالى -، أو الملائكة ترد عليه إذا سلم فيكون ثواباً من عند الله {مُبَارَكَةً} بما فيها من الثواب الجزيل، أو لما يرجى من قبول دعاء المجيب. {إنّما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتى يستئذنوه إن الذين يستئذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فإذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفورٌ رحيمٌ 8}(2/414)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)
62 - {أَمْرٍ جَامِعٍ} الجهاد، أو طاعة الله، أو الجمعة، أو الاستسقاء والعيدان وكل شيء تكون فيه الخطبة {لِّمَن شِئْتَ} على حسب ما ترى من أعذارهم ونياتهم. قيل نزلت في عمر - رضي الله تعالى عنه - استأذن الرسول [صلى الله عليه وسلم] في غزوة تبوك / [124 / ب] أن يرجع إلى أهله، فأذن له وكان المنافقون إذا استأذنوه نظر إليهم ولم يأذن، فيقول بعضهم لبعض إن محمداً يزعم أنه بُعث بالعدل وهكذا يصنع بنا {وَاسْتَغْفِرْ} لمن أذنت له لتزول عنه مذمة الانصراف. {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين(2/414)
يتسللون منكم لو أذاّ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذاب أليم ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما علموا والله بكل شئٍ عليم}(2/415)
لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
63 - {لا تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ} نهى عن التعرض لدعائه بإسخاطه فإن دعاءه يوجب العقوبة وليس كدعاء غيره " ع "، أو لا تدعونه بالغلطة والجفاء ولكن بالخضوع والتذلل؛ يا رسول الله، يا نبي الله، أو لا تتأخروا عن أمره ولا تقعدوا عن استدعائه إلى الجهاد كما يتأخر بعضهم عن أجابة بعض {الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ} المنافقون يتسللون عن صلاة الجمعة يلوذ بعضهم ببعض استتاراً من الرسول [صلى الله عليه وسلم] ولم يكن أثقل عليهم من الجمعة وحضور الخطبة، أو كانوا يتسللون في الجهاد برجوعهم عنه يلوذ بعضهم ببعض {لِوَاذاً} فراراً من الجهاد " ح " {يُخَالِفُونَ} يعرضون، أو " عن " صلة {عَنْ أَمْرِهِ} أمر الله - تعالى -، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] {فتنة} كفر، أوعقوبة، أو بلية تظهر نفاقهم {عَذَابٌ أَلِيمٌ} جهنم، أو القتل في الدنيا.(2/415)
سورة الفرقان
مكية أو إلا ثلاث آيات {والذين لا يدعون} [68] إلى {غفورا رحيما} [70]
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيءٍ فقدره تقديراً واتخذوا من دونه ءالهةً لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً}(2/416)
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)
1 - {تَبَارَكَ} تفاعل من البركة " ع "، أو خالق البركة، أو الذي تجيء منه البركة وهي العلو، أو الزيادة، أو العظمة {الْفُرْقَانَ} القرآن؛ لأنه فيه بيان الحلال والحرام، أوالفرقة بين الحق والباطل، وقيل الفرقان اسم لكل منزل {ليكون} محمداً [صلى الله عليه وسلم] أو الفرقان {لِلْعَالَمِينَ} الجن والإنس؛ لأنه أرسل(2/416)
إليهم {نَذِيراً} محذراً من الهلاك، ولم تعم رسالة نبي قبله إلا نوح - عليه الصلاة والسلام - فإنه عم الإنس برسالته بَعد الطوفان وقبل الطوفان مذهبان. {وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم ءاخرون فقد جاءو ظلماً وزوراً وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلاً قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً}(2/417)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4)
4 - {وقال الذين كفروا} مشركو مكة، أوالنضر بن الحارث " ع " {إِفْكٌ} كذب اختلقه وأعانه {قَوْمٌ} من اليهود، أو عبد الله بن الحضرمي، أو عداس مولى عتبة " وجبر مولى عامر بن الحضرمي "، أو أبو فكيهة الرومي. {وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملكٌ فيكون معه نذيراً أو يلقى إليه كنزٌ أو تكون له جنةٌ يأكل منها وقال الظالمون إن تتّبعون إلا رجلاً مسحوراً انظر كيف ضربوا لك(2/417)
الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهارويجعل لك قصوراً بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً إذا رأتهم من مكان بعيدٍ سمعوا لها تغيظاً وزفيراً وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرّنين دعوا هنالك ثبوراً لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً}(2/418)
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7)
7 - {يَأْكُلُ الطَّعَامَ} أنكروا أن يكون الرسول مثلهم محتاجاً إلى الطعام متبذلاً في الأسواق، أو ينبغي كما اختص بالرسالة فكذلك يجب أن لا يحتاج إلى الطعام كالملائكة ولا يتبذل في الأسواق كالملوك {أنزل عليه مَلَكٌ} دليلاً على صدقه، أو وزيراً يرجع إلى رأيه.(2/418)
أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)
8 - {كنزٌ} ينفق منه على نفسه وأتباعه كأنهم استقلوه لفقره {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} مشركو مكة، أو عبد الله بن الزَّبَعْرَى {مَّسْحُوراً} سُحر فزال عقلُه، أو سحركم فيما يقوله.(2/418)
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)
9 - {ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ} بما تقدم من قولهم {فَضَلُّواْ} عن الحق في ضربها، أو فناقضوا / [125 / أ] في ذلك لأنهم قالوا: افتراه ثم قالوا يُملى عليه {سَبِيلاً} مخرجاً من الأمثال التي ضربوها، أو سبيلاً لطاعة الله - تعالى - أو سبيلاً إلى الخير.(2/418)
وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)
13 - {ضَيِّقاً} تضيق جهنم على الكافر كمضيق الزُّج على الرمح {مُّقَرَّنِينَ} مُكَتَّفين، أو قرن كل واحد منهم إلى شيطانه. {ثُبُوراً} ويلاً أو هلاكاً، أو وانصرافاه عن طاعة الله كقول الرجل واحسرتاه وانداماه.(2/418)
قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيراً لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعداً مسئولاً(2/419)
لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)
16 - {مَا يَشَآءُونَ} من النعيم وتُصرف المعاصي عن شهواتهم {وَعْداً مَّسْئُولاً} وعدهم الله الجزاء فسألوه الوفاء فوفى " ع "، أو يسأله لهم الملائكة فيجابون إلى مَسْألتهم، أو سألوه في الدنيا أن يرزقهم الجنة فأجابهم. {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول ءأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل 5 قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وءاباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوماً بوراً فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً ومن يظلم منكم نذقه عذاباً كبيراً(2/419)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)
17 - {يَحْشُرُهُمْ} حشر الموت، أو البعث " ع " {وَمَا يَعْبُدُونَ} عيسى وعُزير والملائكة {فَيَقُولُ} للملائكة، أو لعيسى وعزير والملائكة {أأنتم} تقريرٌ لإكذاب المدعين عليهم ذلك.(2/419)
قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)
18 - {مِنْ أَوْلِيَآءَ} نواليهم على عبادتنا، أو نتخذهم لنا أولياء {مَّتَّعْتَهُمْ} بتأخير العذاب، أو بطول العمر، أو بالأموال والأولاد {بُوراً} هلكى، البوار: الهلاك " ع "، أو لا خير فيهم، بارت الأرض: تعطلت من الزرع فلم يكن(2/419)
فيها خير، أو البوار: الفساد بارت السلعة: كسدت كساداً فاسداً.(2/420)
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)
19 - {فَقَدْ} كذبكم الكفار أيها المؤمنون {بِمَا تَقُولُونَ} من نبوة محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو كذب الملائكة والرسل الكفار بقولهم إنهم اتخذوهم أولياء من دونه {صَرْفاً} للعذاب عنهم ولا ينصرون أنفسهم، أو صرف الحجة {وَلا نَصْراً} على آلهتهم في تكذيبهم، أو صرفك يا محمد عن الحق ولا نصر أنفسهم من عذاب التكذيب، أو الصرف: الحيلة من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال، وفي الحديث " لا يقبل منه صرف أي نافلة ولا عدل أي فريضة "، {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا انهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربّك بصيراً}(2/420)
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
20 - {فِتْنَةً} اختباراً يقول الفقير لو شاء لجعلني غنياً مثل فلان وكذلك يقول الأعمى والسقيم للبصير، والسليم، أو العداوات في الدين أو صبر الأنبياء على تكذيب قومهم، أو أسلم بلال وعمار وصهيب وأبو ذر(2/420)
وعامر بن فهيرة وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم من الفقراء والموالي قال: المستهزئون من قريش انظروا إلى أتباع محمد من فقرائنا وموالينا فنزلت، والفتنة: البلاء، أو الاختبار {أَتَصْبِرُونَ} على ما امتُحنتم به من الفتنة تقديره أم لا تصبرون {بصيرا} بمن يجزع. {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتواً كبيراً يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجراً محجوراً 22 وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً أصحاب الجنة يومئذ خيرٌ مستقراً وأحسن مقيلاً 24}(2/421)
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)
21 - {لا يَرْجُونَ} لا يخافون، أو لا يأملون، أو لا يبالون {الْمَلائِكَةُ} ليخبرونا بنبوة محمد، أو رسلاً بدلاً من رسالته {اسْتَكْبَرُواْ} باقتراحهم رؤية ربهم ونزول الملائكة، أو بإنكارهم إرسالَ محمد [صلى الله عليه وسلم] إليهم / [125 / ب] {عُتُوّاً} تجبراً، أو عصياناً، أو سرفاً في الظلم، أو غلواً في القول، أو شدة الكفر " ع "، نزلت في عبد الله بن أبي أمية ومكرز بن حفص في جماعة من قريش قالوا: لولا(2/421)
أنزل علينا الملائكة، أو نرى ربنا.(2/422)
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)
22 - {يَوْمَ يَرَوْنَ} يوم الموت، أو القيامة {لا بُشْرَى} للمجرمين بالجنة {وَيَقُولُونَ} الملائكة للكفار، أو الكفار لأنفسهم {حِجْراً مَّحْجُوراً} معاذ الله أن تكون لكم البشرى، أو حراماً محرماً أن تكون لكم البشرى، أو منعنا أن يصل إلينا شيء من الخير.(2/422)
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)
23 - {وَقَدِمْنَآ} عمدنا {مِنْ عَمَلٍ} خير فأحبطناه بالكفر، أو عمل صالح لا يراد به وجه الله. {هَبَآءً} رَهَج الدواب " غبار يسطع من تحت حوافرها "، أو كالغبار يكون في شعاع الشمس إذا طلعت في كوة، أو ما ذرته الريح من أوراق الشجر، أو الماء المهراق " ع " أو الرماد.(2/422)
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)
24 - {وأحسن مقيلا} المستقر في الجنة، والمقبل دونها، أو عبّر به عن الدعة وإن لم يقيلوا، أو مقيلتهم الجنة على الأسرة مع الحور، ومقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين " ع "، أو يفرغ من حسابهم وقت القائلة وهو نصف النهار.(2/422)
ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً الملك يومئذٍ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً 26 ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً ياويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً 28 لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً}(2/423)
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)
25 - {بِالْغَمَامِ} المعهُود لأنه لا يبقى بعد انشقاق السماء، أوغمام أبيض يكون في السماء ينزله الله - تعالى - على الأنبياء فيشقق السماء فيخرج منها {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ} ليبشروا المؤمن بالجنة والكافر بالنار، أو ليكون مع كل نفس سائق وشهيد.(2/423)
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)
27 - {الظَّالِمُ} قيل عقبة بن أبي مُعيط {سَبِيلاً} طريقاً إلى النجاة أو بطاعة الله، أو وسيلة عند الرسول [صلى الله عليه وسلم] تكون صلة إليه.(2/423)
يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)
28 - {فُلاناً} لا يثنى ولا يجمع. وهو هنا الشيطان، أو أُبي بن خلف، أو أمية بن خلف كان خليلاً لعقبة وكان عقبة يغشى مجلس الرسول [صلى الله عليه وسلم] فقال: أمية بلغني أنك صبوت إلى دين محمد، فقال: ما صبوت، فقال: وجهي من وجهك حرام حتى تأتيه فتتفل في وجهه وتبرأ منه، فأتاه عقبة وتفل في وجهه وتبرأ منه فاشتد ذلك على الرسول [صلى الله عليه وسلم] فنزلت. (وقال الرسول يا رب إنّ قومي اتّخذوا هذا القرءان مهجوراً وكذلك جعلنا لكل نبىٍ(2/423)
عدواً من المجرمين وكفى بربّك هادياً ونصيراً}(2/424)
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)
30 - {مَهْجُوراً} أعرضوا عنه، أو قالوا: فيه هُجراً وقبيحاً، أو جعلوه هجراً من الكلام وهو ما لا فائدة فيه كالعبث والهذيان. {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرءان جملةً واحدةً كذلك لنثبت به فؤادك ورتّلناه ترتيلاً ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شرٌ مكاناً وأضل سبيلاً}(2/424)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)
32 - {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} قريش، أو اليهود: هلا نُزل القرآن جملة واحدة كالتوراة {لِنُثَبِّتَ} لنشجع به قلبك؛ لأنه معجزة تدل على صدقك، أو أنزلناه متفرقاً لنثبت به فؤادك؛ لأنه أُمي لا يقرأ فنزل مفرقاً ليكون أثبت في فؤاده وأعلق بقلبه، أو ليثبت فؤاده باتصال الوحي فلا يصير بانقطاعه مستوحشاَ {وَرَتَّلْنَاهُ} رسلناه شيئاً بعد شيء " ع "، أو فرقناه، أو فصلناه، أو فسرناه، أو بيناه " ع ". {ولقد ءاتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بئاياتنا فدمرناهم تدميراً وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس ءايةً وأعتدنا للظالمين عذاباً أليماً وعاداً وثمودا وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً وكلاّ ضربنا له الأمثال وكلاً تبرنا(2/424)
تتبيراً ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشوراً}(2/425)
وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39)
39 - {الرَّسِّ} المعدن، أو قرية من قرى اليمامة يقال: لها الفلج من ثمود، أو ما بين نجران واليمن إلى حضرموت، أو بئر بأذريبجان " ع "، أو بأنطاكية الشام قتل بها صاحب ياسين، أو كل بئر لم تُطْو فهي / [126 / أ] رس. وأصحابها قوم شعيب، أو قوم رسو نبيهم في بئر، أو قوم نزلوا على بئر وكانوا يعبدون الأوثان فلا يظفرون بأحد يخالف دينهم إلا قتلوه وَرَسُّوه فيها وكان الرس بالشام، أو قوم أكلوا نبيهم.(2/425)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)
40 - {الْقَرْيَةِ} سدوم. و {مَطَرَ السَّوْءِ) {الحجارة} (يَرَوْنَهَا} يعتبرون بها {لا يَرْجُونَ} لا يخافون بعثاً. {وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي بعث الله رسولاً إن كاد ليضلنا عن ءالهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضلُّ سبيلاً أرءيت من اتَخذ إلاههُ هواهُ أفأنت تكون عليه وكيلاً أم تحسبُ أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاَّ كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلاً(2/425)
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)
43 - {من اتخذ إلاهه هَوَاهُ} قوم كانوا يعبدون ما يستحسنونه من(2/425)
الحجارة فإذا رأوا أحسن منه عبدوه وتركوا الأول " ع "، أو الحارث بن قيس كان إذا هوى شيئاً عبده، أو التابع هواه في كل ما دعاه إليه " ح ". {وَكِيلاً} ناصراً، أو حفيظاً، أو كفيلاً، أو مسيطراً. {ألم تر إلى ربك كيف مدّ الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً وهو الذي جعل لكم الّيل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً}(2/426)
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)
45 - {مَدَّ} بسط {الظِّلَّ} الليل يظل الأرض يدْبر بطلوع الشمس ويقبل بغروبها، أوظلال النهار بما حجب عن شعاع الشمسن والظل: ما قبل الزوال والفيء بعده أو الظل: قبل طلوع الشمس والفيء بعد طلوعها. " {سَاكِناً} دائماً. {دَلِيلاً} برهاناً على الظل، أو تالياً يتبعه حتى يأتي عليه كله ".(2/426)
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)
46 - {قبضناه} قبضنا الظل بطلوع الشمس، أوبغروبها {يسيرا} سريعاً " ع "، أو سهلاً، خفياً.(2/426)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)
47 - {لِبَاساً} غطاء كاللباس {سُبَاتاً} راحة لقطع العمل فيه، أو لأنه مسبوت فيه كالميت لا يعقل. {نُشُوراً} باليقظة كالنشور بالبعث، أو ينتشر فيه للمعاش.(2/426)
{وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً لنحى به بلدةً ميتاً ونسقيه ممّا خلقنا أنعاماً وأناسى كثيراً ولقد صرفناه بينهم ليذّكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراً}(2/427)
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)
48 - {الرِّيَاحَ} قال أُبي بن كعب: كل شيء من ذكر الرياح في القرآن فهو رحمة وكل شيء من الريح فهو عذاب، قيل لأن الرياح جمع وهي الجنوب والشمال والصبا لأنها لواقح، والعذاب ريح واحدة، وهي الدَّبور؛ لأنها لا تُلقح. {نشراً} تنشر السحاب ليمطر، أو تحيي الخلق كما يحيون بالنشور. {بشراً} لتبشيرها بالمطر. أو لأنهم يستبشرون بالمطر. {رَحْمَتِهِ} بالمطر.(2/427)
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)
49 - {بَلْدَةً مَّيْتاً} لا عمارة بها ولا زرع، وإحياؤها إنبات زرعها وشجرها {أناسي} جمع إنسان، أو جمع إنسي.(2/427)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)
50 - {صَرَّفْنَاهُ} الفرقان، أو المطر. قسمة بينهم فلا يدوم على مكان فيهلك، ولا ينقطع عن آخر فيفسد، أو يصرفه في كل عام من مكان إلى مكان، قال ابن عباس. رضي الله تعالى عنهما: ليس عام بأمطر من عام ولكن الله تعالى يصرفه بين عباده {كفورا} قولهم: مطرنا بالأنواء. {ولو شئنا لبعثنا في كلّ قريةٍ نذيراً فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً وهو الذي مرج البحرين هذا عذبٌ فراتٌ وهذا ملحٌ أجاجٌ وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان(2/427)
ربّك قديراً}(2/428)
فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)
52 - {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} في تعظيم آلهتهم، أو موادعتهم {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} بالقرآن أو الإسلام. {كَبِيراً} بالسيف، أو الغلظة.(2/428)
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)
53 - {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} أرسل أحدهما في الآخر، أو خلاهما مرجت الشيء خليته، ومرج الوالي الناس تركهم، ومرجت الدابة تركتها ترعى، فهما بحر السماء وبحر الأرض، أو بحر فارس والروم، أو بحر العذب وبحر الملح. {فُرَاتٌ} عذب أو أعذب العذب {أُجَاجٌ} ملح، أو أملح الملح، أو مر، أو حار متوهج من تأجج النار {بَرْزَخاً} حاجزاً من اليبس " ح " أو التخوم، أو الأجل ما بين الدنيا والآخرة. {حجراً} مانعاً أن يختلط العذب بالمالح.(2/428)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)
54 - {نسباً} / [126 / ب] كل من ناسب بولد أو والد وكل شيء أضيف إلى آخر ليعرف به فهو يناسبه. {وَصِهْراً} الرضاع، أو المناكح، أو النسب ما لا يحل نكاحه من قريب وغيره والصهر ما يحل نكاحه من قريب وغيره، أصل الصهر الملاصقة، أو الاختلاط لاختلاط الناس بها. {ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربّه ظهيراً وما(2/428)
أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً قل ما أسئلكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش الرحمن فسئل به خبيراً وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً}(2/429)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)
55 - {عَلَى رَبِّهِ} أولياء ربه. {ظَهِيراً} عوناً، أو الكافر هين على الله، ظهر فلان بحاجتي استهان بها، ومنه 0 وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} [هود: 92] قيل نزلت: في أبي جهل.(2/429)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)
60 - {قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ} لم تكن العرب تعرف هذا الاسم لله تعالى فلما دعوا إلى السجود له بهذا الاسم سألوا عنه مسألة الجاهل، أو لأن مسيلمة يُسمى بالرحمن فلما سمعوه في القرآن ظنوه مسيلمة فأنكروا السجود له، أو ورد في قوم لا يعرفون الصانع ولا يقرون فلما دعوا إلى السجود أزدادوا نفوراً على نفورهم وإلا فالعرب كانت تعرف الرحمن قبل ذلك. {تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً وهو الذي جعل اليل والنهار خلفةٌ لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً}(2/429)
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)
61 - {بُرُوجاً} نجوماً عظاماً أو قصوراً فيها الحرس، أو مواضع(2/429)
الكواكب، أو منازل الشمس {سِرَاجاً} الشمس، سُرُجاً: النجوم، وسمى الشمس سراجاً لاقتران نورها بالحرارة كالسراج، وسمى القمر بالنور لعدم ذلك فيه.(2/430)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)
62 - {خِلْفَةً} ما فات في أحدهما قضي في الآخر، أو يختلفان ببياض أحدهما وسواد الآخر، أو يخلف كل واحد منهما الآخر بالتعاقب. {يَذَّكَّرَ} يصلي بالليل صلاة النهار، وبالنهار صلاة الليل. {شُكُوراً} النافلة بعد الفرض قيل نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه. {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}(2/430)
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)
63 - {هَوْناً} علماء حلماء " ع "، أو أعفاء أتقياء، أو بالسكينة(2/430)
والوقار، أو متواضعين غير متكبرين {الْجَاهِلُونَ} الكفار، أو السفهاء، {سَلاماً} سداداً، أو طلباً للمسالمة، أو وعليك السلام.(2/431)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)
65 - {غلاما} غراماً ملازماً، والغريم لملازمته، أو شديداً وشدة المحنة غرام، أو ثقيلاً. مغرمون: مثقلون، أو أغرموا بنعيم الدنيا عذاب النار.(2/431)
وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)
67 - {يُسْرِفُواْ} النفقة في المعاصي " ع "، أو لم يكثروا حتى يقول الناس قد أسرفوا، أو لا يأكلون الطعام لإرادة النعيم ولا يلبسون الثياب للجمال وهم أصحاب محمد [صلى الله عليه وسلم] كانت قلوبهم كقلب رجل واحد، أو لم ينفقوا نفقة في غير حقها. {يَقْتُرُواْ} يمنعوا حق الله " ع "، أو لا يجيعهم ولا يعريهم، أو لم يمسكوا عن طاعة الله تعالى، أو لم يقتصروا في الحق قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " من منع في حق فقد أقتر ومن أعطى في غير حق فقد أسرف " {قَوَاماً} عدلاً، أو إخراج شطر الأموال في الطاعة، أو ينفق في الطاعة ويكف عن محارم الله تعالى. والقوام بالفتح الاستقامة والعدل، وبالكسر ما يدوم(2/431)
عليه الأمر ويستقر. {والذين لا يدعون مع الله إلهاً ءاخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وءامن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفوراً رحيماً ومن تاب وعمل صالحاً فإنّه يتوب إلى الله متاباً 71}(2/432)
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)
68 - {إِلا بالْحَقِّ} كفر بعد الإيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل / نفس بغير نفس. / [127 / أ] {أَثَاماً} عقوبة، أو جزاء، أو اسم وادٍ في جهنم.(2/432)
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
69 - {يُضَاعَفْ} عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، أو يجمع له بين عقوبات الكبائرالتي فعلها، أو استدامة العذاب بالخلود.(2/432)
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)
70 - {من تاب} من الزنا {وآمن} من الشرك وعمل صالحاً بعد السيئات {حَسَنَاتٍ} يبدلون في الدنيا بالشرك إيماناً وبالزنا إحصاناً، وذكر الله تعالى بعد نسيانه وطاعته بعد عصيانه، أو في الآخرة من غلبت سيئاتُه(2/432)
حسناتِه بُدلت سيئاته حسنات، أو يبدل عقاب سيئاته إذا تاب منها بثواب حسناته التي انتقل إليها. {غَفُوراً} لما سبق على التوبة. {رَّحِيماً} بعدها. لما قتل وحشي حمزة كتب إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] هل لي من توبة فإن الله تعالى أنزل بمكة إياسي من كل خير. {والذين لا يدعون مع الله} الآية [68] وأن وحشياً قد زنا وأشرك وقتل النفس فأنزل الله تعالى: {إلا مَن تَابَ} من الزنا وآمن بعد شرك وعمل صالحاً بعد السيئات الآية. فكتب بها الرسول [صلى الله عليه وسلم] إليه فقال: هذا شرط شديد ولعلي لا أبقى بعد التوبة حتى أعمل صالحاً. فكتب إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] هل من شيء أوسع من هذا. فنزلت {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} الآية [النساء: 66] فكتب بها الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى وحشي فقال: إني أخاف أن لا أكون من مشيئة الله فنزل في وحشي وأصحابه {قل يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ} الآية [الزمر: 53] فبعث بها إلى وحشي فأتى الرسول [صلى الله عليه وسلم] فأسلم.(2/433)
{والذين لا يشهدون الزور وإذا مرّوا باللغو مروا كراماً والذين إذا ذكروا بئايات ربّهم لم يخروا عليها صمّاً وعمياناً والذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعينٍ واجعلنا للمتقين إماماً}(2/434)
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)
72 - {الزُّورَ} الشرك بالله، أو أعياد أهل الذمة وهو الشعانين، أو الغناء، أو مجالس الخنا، أو لعب كان في الجاهلية، أو الكذب، أومجلس كان النبي [صلى الله عليه وسلم] يُشتم فيه. {بِاللَّغْوِ} كان المشركون إذا سبوهم وأذوهم أعرضوا عنهم وإذا ذكروا النكاح كفوا عنه، ويكنون عن الفروج إذا ذكروها، أو إذا مروا بإفك المشركين أنكروه، أو المعاصي كلها ومرورهم بها {كِرَاماً} تركها والإعراض عنها.(2/434)
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)
73 - {لَمْ يَخِرُّواْ} لم يقيموا، أو لم يتغافلوا. {صُمّاً وَعُمْيَاناً} لكنهم سمعوا الوعظ وأبصروا الرشد.(2/434)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
74 - {مَنْ أَزْوَاجِنَا} اجعل أزواجنا وذريتنا قرة أعين أو ارزقنا من أزواجنا(2/434)
أولاداً ومن ذريتنا أعقاباً، وقرة العين: أن تصادف العين ما يرضيها فتقر على النظر إليه دون غيره، أو القر البرد معناه بَرَّدَ الله دمعها، دمع السرور بارد، ودمع الحزن حار، وضد قرة العين سخنة العين. {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} أهل طاعة تقر أعيننا في الدنيا بصلاحهم وفي الآخرة / [127 / ب] بالجنة {إِمَاماً} أئمة هدى يهتدى بنا " ع "، أو نأتم بمن قبلنا حتى يأتم بنا من بعدنا، أو أمثالاً، أو قادة إلى الجنة، أو رضاً. {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقّون فيها تحيّة وسلاماً خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً}(2/435)
أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)
75 - {الْغُرْفَةَ} الجنةٍ، أو أعلى منازل الجنة {صَبَرُواْ} على الطاعة، أو عن شهوات الدنيا. {تَحِيَّةً} بقاء دائماً، أو ملكاً عظيماً، {وَسَلاماً} جميع السلامة والخير، أو يحيي بعضهم بعضاً بالسلام.(2/435)
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)
77 - {ما يعبأ} ما يصنع، أو ما يبالي بكم. {دُعَآؤُكُمْ} عبادتكم له وإيمانكم به، أو لولا دعاؤه لكم إلى الطاعة. {لِزَاماً} القتل ببدر أو عذاب القيامة، أو الموت، أو لزوم الحجة لهم في الآخرة على تكذيبهم في الدنيا. وأظهر الوجوه أن اللزام الجزاء للزومه.(2/435)
سورة الشعراء
مكية، أو إلا أربع آيات نزلت بالمدينة {والشعراء يبتعهم} [224] إلى آخرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
{طسم تلك ءايات الكتاب المبين لعلك باخعٌ نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننزل عليهم من السماء ءايةً فظلت أعناقهم لها خاضعين وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدثٍ إلا كانوا عنه معرضين فقد كذّبوا فسيأتيهم أنبؤا ما كانوا به يستهزءون أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوجٍ كريمٍ إن في ذلك لآيةً وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربّك لهو العزيز الرحيم}(2/436)
طسم (1)
1 - {طسم} اسم لله تعالى أقسم به جوابه {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ} [4] " ع "، أو اسم للقرآن، أو من الفواتح التي افتتح بها كتابه، أو حروف من أسماء الله تعالى وصفاته مقطعة الطاء من طول،(2/436)
أو طاهر، والسين من قدوس أو سميع، أوسلام. والميم من مجيد، أو رحيم، أو ملك.(2/437)
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)
3 - {باخع} قاتل أو مخرج، والبخع: القتل.(2/437)
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)
4 - {أيه} مَا عَظُم من الأمور القاهرة، أو ما ظهر من الدلائل الواضحة {أَعْنَاقُهُمْ} لا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية، أو أراد أصحاب الأعناق، أو الأعناق الرؤساء، أو العنق الجماعة من الناس، أتاني عنق من الناس أي جماعة.(2/437)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)
7 - {زَوْجٍ} نوع معه قرينه من أبيض وأحمر وحلو وحامض {كَرِيمٍ} حسن، أو مما يأكل الناس والأنعام، أو النافع المحمود، أو الناس نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم قاله الشعبي، {والله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً} [نوح: 17] . {وإذ نادى ربّك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون قال ربّ إني أخاف أن يكذّبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون 13 ولهم على ذنبٌ فأخاف أن يقتلون قال لكلاّ فاذهبا بئاياتنا إنّا معكم مستمعون فأتيا فرعون(2/437)
فقولا إنّا رسول ربّ العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل قال ألم نربّك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين ففررت منكم لمّا خفتكم فوهب لي ربّي حكماً وجعلني من المرسلين وتلك نعمةٌ تمنّها على أن عبدت بني إسرائيل}(2/438)
وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13)
13 - {ويضيق صدري} لتكذيبهم، أو للضعف من إبلاغ الرسالة. {وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِى} من مهابته، أو للعقدة التي كانت به.(2/438)
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)
14 - {ولهم علي} عندي ذنب، أوعقوبة ذنب هو قتل النفس.(2/438)
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)
16 - {رَسُولُ} بمعنى رَسُولاً، أو كل واحد منا رسول، أو إنا رسالة ومنه
( ... ... ... ... ... ... ... ... . ... وما أرسلتهم برسول)(2/438)
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)
18 - {ولبثت فينا} لأنه كان لقيطاً في دار " لبث فيهم ثلاثين سنة "(2/438)
وغاب عنهم عشر سنين، ثم دعاه ثلاثين سنة، وعاش بعد غرقه خمسين سنة. ذكر ذلك امتناناً عليه.(2/439)
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)
19 - {فَعْلَتَكَ} قتل النفس {مِنَ الْكَافِرِينَ} أي على ديننا الذي تقول أنه كفر، أو من الكافرين لإحساني إليك.(2/439)
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)
20 - {الضَّآلِّينَ} الجاهلين لأنه لم يعلم أنها تبلغ النفس، أو من الضالين عن النبوة، أو من الناسين كقوله {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [البقرة: 282] .(2/439)
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)
22 - {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ} اتخاذك بني إسرائيل عبيداً قد أحبط نعمتك التي تمن علي بها، لما ظلمت بني إسرائيل ولم تظلمني اعتددت بذلك نعمة تمن بها عليَّ أو لم يكن لفرعون على موسى نعمة وإنما رباه بنو إسرائيل بأمر فرعون لاستعباده لهم فأبطل موسى نعمته لبطلان استرقاقه، أو أنفق فرعون على تربية موسى من / [128 / أ] أموال بني إسرائيل التي أخذها منهم لما استعبدهم فأبطل موسى نعمته وأبطل منته لأنها أموال بني إسرائيل لا أموال فرعون " ح " والتعبيد الحبس والإذلال والاسترقاق لما فيه من الذل.(2/439)
{قال فرعون وما ربّ العالمين قال ربّ السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربّكم وربّ ءابائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنونٌ قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشىءٍ مبينٍ قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبانٌ مبينٌ 32 ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليمٌ يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحّارٍ عليمٍ 37}(2/440)
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32)
32 - {ثُعْبَانٌ} الحية الذكر، أو أعظم الحيات، أو أعظم الحيات الصفر شعرالعنف. {مُّبِينٌ} أنها ثعبان، أو أنها آية وبرهان، قيل كان اجتماعهم بالإسكندرية. قيل كان السحرة أثني عشر ألفاً، أو تسعة عشر ألفاً. 35 - {تَأْمُرُونَ} تشيرون.(2/440)
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)
36 - {أَرْجِهْ} أخره، أو أحبسه. ولم يأمروا بقتله لأنهم رأوا منه ما بهر عقولهم فخافوا الهلاك من قِبله، أو صرفوا عن ذلك تأييداً للدين وعصمة لموسى عليه الصلاة والسلام، أو خافوا أن يفتن الناس بما شاهدوا منه ورجوا أن يغلبه السحرة. {فجمع السحرة لميقات يومٍ معلومٍ وقيل للنّاس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع(2/440)
السحرة إن كانوا هم الغالبين فلمّا جاء السحرة قالوا لفرعون أئنّ لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذاّ لمن المقربين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيّهم وقالوا بعزة فرعون إنّا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون فألقى السحرة ساجدين 4 قالوا ءامنّا برب العالمين ربّ موسى وهارون قال ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم إنّه لكبيركم الذي علمّكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعّن أيديكم وأرجلكم من خلافٍ ولأصلّبنّكم أجمعين قالوا لا ضير إنّا إلى ربنا منقلبون إنّا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أوّل المؤمنين وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنّكم متّبعون فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشر ذمةٌ قليلون وإنّهم لنا لغائظون وإنّا لجميعٌ حاذرون فأخرجناهم من جناتٍ وعيونٍ وكنوزٍ ومقامٍ كريمٍ كذلك وأورثناها بني إسرائيل}(2/441)
إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)
54 - {شرذمة: سفلة الناس، أو العصبة الباقية من " عصب كبيرة "؛ شرذمة كل شيء بقيته القليلة، والقميص إذا أخلق شراذم، وما قطع من فضول النعال حتى تحذي شراذم. وكان عدد بني إسرائيل لما قال ذلك ستمائة ألف وتسعين ألفاً، أو ستمائة وعشرين ألفاً لا يعدون ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره، أو ستمائة ألف مقاتل، أو خمس مائة ألف وثلاثة آلاف(2/441)
وخمسائة مقاتل واستقل هذا العدد لكثرة من قَتَل منهم، أو لكثرة من معه، كان على مقدمته هامان في ألف وتسعمائة ألف حصان أشهب ليس فيها أنثى، أو كانوا سبعة ألاف ألف.(2/442)
وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)
55 - {لَغَآئِظُونَ} لأنهم استعاروا حُلِي القبط وذهبوا به مغايظة لهم، أو لقتلهم أبكارهم وهربهم منهم، أو بخلاصهم من رقهم واستخدامهم.(2/442)
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)
56 - {حذرون} وحاذرون واحد، أو الحَذِر الخائف والحاذر المستعد أو الحذر المطبوع على الحذر والحاذر فاعل الحذر، أو الحذر المتيقظ والحاذر آخِذُ السلاح لأن السلاح حذر.(2/442)
وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)
58 - {وكنوز} الخزائن، أوالدفائن، أو الأنهار {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} المنابر " ع " أو مجالس الأمراء، أو المنازل الحسان، أو مرابط الخيل لتفرد الزعماء بارتباطها عدة وزينة. {فأتبعوهم مشرقين فلمّا ترءا الجمعان قال أصحاب موسى إنّا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كلٌ فرقٍ كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرون وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم(2/442)
اغرقنا الآخرين إن في ذلك لآيةً وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو لعزيز الرحيم}(2/443)
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)
60 - {مًّشْرِقينَ} حين أشرقت الشمس بالشعاع، أو أشرقت الأرض بالضياء، أو ناحية الشرق شرقت الشمس: طلعت وأشرقت: أضاءت وتأخر فرعون وقومه عنهم لاشتغالهم بدفن أبكارهم لأن الوباء تلك الليلة وقع فيهم، أو لأن سحابة أظلتهم فخافوها حتى أصبحوا فانقشعت عنهم.(2/443)
فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
61 - {لَمُدْرَكُونَ} ملحوقون لأنهم رأوا فرعون وراءهم والبحر أمامهم.(2/443)
قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
62 - {كَلآ} زجر وردع {سَيَهْدِينِ} إلى الطريق، أو سيكفيني.(2/443)
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)
63 - {فَانفَلَقَ} أثني عشر طريقاً لكل سبط طريق عرض كل طريق / [128 / ب] فرسخان وكان ذلك ضحوة النهار يوم الأثنين عاشر المحرم بعد أربع ساعات من النهار. والبحر بحر النيل ما بين أيلة ومصر، وقطعوه في ساعتين فصار ست ساعات {كَالطَّوْدِ} كالجبل.(2/443)
وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64)
64 - {وَأَزْلَفْنَا} قربنا فرعون وقومه إلى البحر " ع "، أو جمعنا فرعون وقومه في البحر.(2/443)
واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوانعبد أصناماً فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا ءاباءنا كذلك يفعلون قال أفرءيتم ما كنتم تعبدون أنتم وءاباؤكم الأقدمون فإنهم عدوٌّ لي إلا ربّ العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثمّ يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الذين}(2/444)
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)
78 - {خَلَقَنِى) {بنعمته} (فَهْوَ يَهْدِينِ} لطاعته، أو خلقني لطاعته فهو يهدين لجنته. {ربّ هب لي حكماً وألحقني بالصالحات واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي إنّه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليمٍ}(2/444)
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)
83 - {حُكْماً} لُبّاً، أو علماً، أو نبوة، أو القرآن 0 بِالصَّالِحِينَ} الأنبياء والمؤمنين.(2/444)
وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)
84 - {لِسَانَ صدقٍ} ثناء حسناً من الأمم كلها، أو أن يؤمن به أهل كل ملة، أو يجعل من ولده من يقوم بالحق بعده.(2/444)
وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)
86 - {لأَبِى} كان يُسِِر الإيمان ويظهر الكفر فيصح استغفاره له. والأظهر أنه كان كافراً في الباطن أيضاً فسأل أن يغفر له في الدنيا ولا يعاقبه فيها أو يغفر(2/444)
له جنايته عليه التي تسقط بعفوه.(2/445)
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
89 - {سَلِيمٍ} من الشك، أو الشرك " ح " أو المعاصي، أو مخلص، أوناصح لله تعالى في خلقه. {وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون 92 من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيهاهم والغاون وجنود إبليس أجمعون 95 قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلالٍ مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرةً فنكون من المؤمنين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإنّ ربّك لهو العزيز الرحيم}(2/445)
فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)
94 - {فَكُبْكِبُواْ} جمعوا في النار، أو طرحوا فيها على وجوههم، أو نكسوا فيها على رؤوسهم، أو قلب بعضهم على بعض. {هُمْ} يعني الآلهه. {والغاوون} المشركون، أو الشياطين.(2/445)
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)
95 - {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ} أعوانه من الجن أو أتباعه من الإنس.(2/445)
فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)
100 - {شَافِعِينَ} من الملائكة، أو الناس.(2/445)
وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)
101 - {حَمِيمٍ} شفيق، أو قريب نسيب، حُم الشيء قرب والحمى(2/445)
لتقريبها من الأجل قال الشاعر:
(لعل لبنى اليوم حُم لقاؤها ... ببعض بلاد إنَّ ما حُم واقع)
أو سمي القريب حميماً من الحمية لأنه يحمى لغضب صاحبه، ذهبت يومئذ مودة الصديق ورقة الحميم. {كذبت قوم نوحٍ المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوحٌ ألا تتقون إنى لكم رسولٌ أمين فاتقوا الله واطيعون وما أسئلكم عليه من أجرٍ إن أجري إلا على ربّ العالمين فاتقوا الله وأطيعون قالوا أنؤمن لك واتّبعك الأرذلون قال وما علمى بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذيرٌ مبينٌ}(2/446)
قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)
111 - {الأرذلون} الذين يسألون ولا يقنعون، أو المتكبرون، أو السفلة، أو الحاكة، أو الأساكفة. {قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين قال ربّ إن قومي كذّبون فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لأيةٌ وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربّك لهو(2/446)
العزيز الرحيم}(2/447)
قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)
116 - {الْمَرْجُومِينَ} بالحجارة، أو بالشتم أو القتل.(2/447)
فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)
118 - {فَافْتَحْ} فاقض ولم يدع عليهم إلا بعد ما قيل له {لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ من قد آمن} [هود: 36] . {كذبت عاد المرسلين 123 إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسولٌ أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجرٍ إن أجرى إلاعلى رب العالمين أتبنون بكل ريع ءايةً تعبثون وتتخذون مصانع لعلّكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدّكم بما تعلمون أمدّكم بأنعام وبنين وجنات وعيونٍ إني أخاف عليكم عذاب يومٍ عظيمٍ}(2/447)
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)
128 - {رِيعٍ} طريق، أو الثنية الصغيرة، أو السوق، أو الفج بين الجبلين، أو الجبال، أو المكان المشرف من الأرض " ع " {آية} بنياناً، أو أعلاماً " ع " أو أبراج الحمام. {تعبثون} باللهو واللعب، أوعبث العشارين بأموال من يمرُّ بهم.(2/447)
وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)
129 - {مَصَانِعَ} قصوراً مشيدة، أو مآخذ الماء تحت الأرض، أو أبراج الحمام. {لَعَلَّكُمْ} كأنكم تخلدون وهي كذلك في بعض القراءات.(2/447)
وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)
130 - {جبارين} أقوياء " ع " أوبضرب السياط، أو القتل بالسيف في غير حق، أو القتل على الغضب. {قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأوّلين وما نحن بمعذّبين 3 فكذّبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وماكان أكثرهم مؤمنين وإن ربّك لهو العزيز الرحيم}(2/448)
وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)
138 - {خُلُقُ الأَوَّلِينَ} دينهم أو كذبهم، أو عادتهم، أو كان الأولون يموتون فلا يبعثون ولا يحاسبون. {كذّبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالحٌ الأ تتقون إني لكم رسولٌ أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجرٍ إن أجرى إلا على رب العالمين أتتركون في ما هاهنا ءامنين في جنات وعيونٍ وزروع ونخلٍ طلعها هضيمٌ وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين 149 فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون 152}(2/448)
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)
148 - {هَضِيمٌ} رطب لين " ع "، أو المذنَّب من الرطب، أو ما لا نوى له " ح " أو المتهشم المتفتت، أو الملاصق بعضه ببعض، أو الطلع حين(2/448)
يتفرق ويخصر / [129 / أ] أو اليانع النضيج " ع "، أو المكتنز قبل أن ينشق عنه القشر، أو الرخو، أو اللطيف، والطلع من الطلوع وهو الظهور، ومنه طلعت الشمس والقمر.(2/449)
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)
149 - {فَرهين} شرهين أو معجبين، أو آمنين، أو فرحين، أو بطرين اشرين " ع "، أومتخيرين {فَارِهينَ} كيسين، أو حاذقين من فراهة الصنعة " ع "، أو قادرين، أو جمع فاره وهو المرح. {قالوا إنّما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشرٌ مثلنا فأت بئايةٍ إن كنت من الصادقين 154 قال هذه ناقةٌ لها شربٌ ولكم شرب يوم معلومٍ ولا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذابٍ يومٍ عظيمٍ فعقروها فأصبحوا نادمين أخذهم العذاب إن في ذلك لأيةً وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربّك لهو العزيز الرحيم}(2/449)
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)
153 - {المسحرين} المسحورن، أو الساحرين، أو المخلوقين " ع "، أو المخدوعين، أو الذي ليس له شيء ولا ملك، أو ممن له سَحَر وهو الرئة، أو ممن يأكل ويشرب.(2/449)
{كذبت قوم لوطٍ المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إنى لكم رسولٌ أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قومٌ عادون قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزاً في الغابرين ثم دمرنا الآخرين وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين إن في ذلك لآيةً وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربّك لهو العزيز الرحيم كذب أصحاب لئيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسولٌ أمينٌ فاتقوا الله وأطعيون وما أسئلكم عليه من أجرٍ إن أجري إلا على رب العالمين أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين 183 واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين}(2/450)
وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)
182 - {بِالْقِسْطَاسِ} القبان " ح "، أو الحديد، أو المعيار، أو الميزان، أو العدل بالرومية، أو بالعربية من القسط وهو العدل.(2/450)
وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)
183 - {وَلا تَعْثَوْا} لا تمشوا فيها بالمعاصي، أو بالظلم.(2/450)
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)
184 - {والجبلة} الخليقة. قال أمرؤا القيسس:(2/450)
(والموت أكبر حادث ... مما يمر على الجبلة)
{قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم}(2/451)
فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)
187 - {كسفا} جانباً، أو قطعاً، أوعذاباً. {وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين}(2/451)
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)
193 - {الرُّوحُ الأَمِينُ} جبريل عليه السلام.(2/451)
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)
195 - {عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ} لسان جُرْهم، أو قريش. {وَإِنَّهُ لفى زبر الأولين أو لم يكن لهم ءايةً أن يعلمه علموا بني إسرائيل ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين}(2/451)
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)
196 - {وإنه} ذكر القرآن، أو ذكر محمد [صلى الله عليه وسلم] وصفته، أو ذكر دينه وصفة أمته. {لَفِى زُبُرِ الأَوَّلِينَ} التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب.(2/451)
{كذالك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرءيت إن متعناهم سنين 205 ثم جآءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون وما أهلكنا من قريةٍ إلا لها منذرون ذكرى وما كنّا ظالمين}(2/452)
كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)
200 - {سلكناه} أدخلنا الشرك، أو التكذيب، أوالقسوة في قلوب المجرمين {وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون}(2/452)
إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)
212 - {عن السمع} عن سمع القرآن لمصروفون، أوعن فهمه وإن سمعوه، أوعن العمل به وإن فهموه. {فلا تدع مع الله إلها ءاخر فتكون من المعذّبين وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني برىءٌ مّمّا تعملون وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم 220}(2/452)
الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)
218 - {حِينَ تَقُومُ} في الصلاة " ع "، أو من فراشك ومجلسك، أو قائماً وجالساً وعلى حالتك، أو حين تخلو عبّر بالقيام عن الخلوة لوصوله(2/452)
إليها بالقيام عن ضدها.(2/453)
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)
219 - {فِى السَّاجِدِينَ} من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبياً " ع "، أو تقلبك في سجود صلاتك وركوعها، أو ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك، أو تصرفك في الناس، أو تقلب ذكرك وصفتك على ألسنة الأنبياء قبلك، أو حين تقوم إلى الصلاة منفرداً وتقلبك في الساجدين إذا صليت جماعة، قاله قتادة. {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزّل على كل أفاكٍ أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون 223 والشعراء يتبعهم الغاون ألم تر أنّهم في كل وادٍ يهيمون وأنّهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون}(2/453)
وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)
224 - {وَالشُّعَرَآءُ} يعني الذين إذا غضبوا سَبُّوا، وإذا قالوا كذبوا {يتبعهم الغاوون} الشياطين، أو المشركون، أو السفهاء، أوالرواة " ع ".(2/453)
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)
225 - {وَادٍ يَهِيمُونَ} في كل فن من الكلام يأخذون " ع "، أو في كل لغو يخوضون، أو يمدحون قوماً بباطل، ويذمون قوماً بباطل. والهائم المخالف في القصد، أو المجاوز للحد.(2/453)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)
226 - {يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} من كذب في شعرهم بمدح، أو ذم، أو تشبيه، أو تشبيب.(2/454)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
227 - {إلا الذين آمنوا} فإنه لا يتبعهم الغاوون، ولا يقولون ما لا يفعلون. ولما نزلت {وَالشُّعَرَآءُ} جاء عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وكنا عند الرسول [صلى الله عليه وسلم] / [129 / أ] وقالا هلكنا يا رسول الله فنزلت {إِلاَّ الذين آمنوا} . فقرأها عليهم، وقال: أنتم هم {وَذَكَرُواْ اللَّهَ} في شعرهم، أو في كلامهم، {وَانتَصَرُواْ} بردهم على المشركين ما هجوا به المسلمين {مُنقَلَبٍ} مصير يصيرون إليه من النار والعذاب، والمنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه، والمرجع العود من حال هو عليها إلى حال كان فيها.(2/454)
سورة النمل
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
{طس تلك ءايات القرءان وكتابٍ مبينٍ هدىً وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون وإنك لتلقى القرءان من لدن حكيم عليم}(2/455)
طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)
1 - {تِلْكَ} أي هذه آيات القرآن وآيات الكتاب والإشارة بتلك عائد إلى السورة، أو إلى الحروف التي هي {طس} المبين حلاله وحرامه وأمره ونهيه ووعده ووعيده.(2/455)
هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
2 - {هُدىً} إلى الجنة {وَبُشْرى} بالثواب، أو هدى من الضلالة وبشرى بالجنة.(2/455)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)
3 - {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} المفروضة باستيفاء فروضها وسننها " ع "، أو بالمحافظة على مواقيتها. {الزَّكَاةَ} زكاة المال، أو زكاة الفطر، أو طاعة الله تعالى والإخلاص، أو تطهير أجسادهم من دنس المعاصي " ع ".(2/455)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
4 - {يَعْمَهُونَ} يترددون " ع "، أو يتمادون أو يلعبون، أويتحيرون " ح ".(2/455)
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
6 - {لتقلى} لتأخذ، أو لتؤتى، أو لتلقن، أو لتلقف. {حكيم} في أمره. {عليم} بخلقه. {إذ قال موسى لأهله إني ءانست ناراً سئاتيكم منها بخبرٍ أو ءاتيكم بشهابٍ قبسٍ لعلكم تصطلون فلما جاءها نودى أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك فلما رءاها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب ياموسى لاَ تَخَفْ إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإنى غفورٌ رحيمٌ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع ءايات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوماً فاسقين فلما جاءتهم ءاياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}(2/456)
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
7 - {آنست} رأيتُ، أو أحْسَسْتُ، الإيناس: الإحساس من جهة يؤنس بها. {بِخَبْرٍ} بخبر الطريق لأنه كان ضلها " ع "، أو سأخبركم عنها بعلم {بِشهَابٍ} الشعاع المضيء ومنه شهب السماء. {قَبَسٍ} قطعة من نار، اقتبس النارأخذ قطعة منها، واقتبس العلم لاستضاءته به كما يستضيء بالنار. {لَّعَلَّكُمْ} لكي تصطلوا من البرد وكان شتاء.(2/456)
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)
8 - {جَآءَهَا} جاء النور الذي ظنه ناراً وقف قريباً منها فوجدها تخرج من(2/456)
شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق، لا تزداد النار إلا تضرماً ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً {بُورِكَ} قُدِس " ع "، أو تبارك، أو البركة في النار. {النَّارِ} نار فيها نور، أو نور لا نار فيه عند الجمهور {مَن فِى النَّارِ} مَنْ: صلة تقديره بوركت النار، أو بورك النور الذي في النار، أو بورك الله الذي في النور أو الملائكة، أوالشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق. {ومن حولها} الملائكة، أو موسى عليه الصلاة والسلام. {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} من كلام الله تعالى لموسى، أو قاله موسى لما سمع الكلام وفزع استعانة بالله تعالى وتنزيهاً له، وسمع موسى كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وحكى النقاس أن الله تعالى خلق في الشجرة كلاماً حتى خرج(2/457)
منها فسمعه موسى عليه الصلاة والسلام ولا خبر فيما ذكره من ذلك قال وهب لم يمس موسى عليه الصلاة والسلام امرأة بعد ما كلمه ربه.(2/458)
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)
10 - {جَآنٌّ} الحية الصغيرة سميت بذلك لاختفائها واستتارها، أو / [130 / أ] الشيطان لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشياطين لقوله: {طلعها كأنه رؤوس الشياطين} [الصافات: 65] وقد كان انقلابها إلى أعظم الحيات وهو الثعبان قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ولما توجه إلى مدين أعطاه العصا(2/458)
ملك من الملائكة. {وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يرجع، أو لم ينتظر، أو لم يلتفت. {لا يَخَافُ لَدَىَّ} أي لا يخافون في الموضع الذي يوحى إليهم فيه وإلا فهم أخوف الخلق لله تعالى.(2/459)
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)
11 - {إلا من ظلم} من غيرالمرسلين فيكون الاستثناء منقطعاً، أو أراد آدم ظَلَم نفسه بأكل الشجرة، أو يخافون مما كان منهم قبل النبوة كقتل موسى للقبطي، أو يخافون من الصغائر بعد النبوة لأنهم غير معصومين منها. {ولقد ءاتينا داود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثيرٍ من عباده المؤمنين وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون حتى إذا أتوا على وادٍ النمل قالت نملةٌ يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}(2/459)
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)
15 - {عِلْماً} فهماً، أو قضاء، أو علم الدين، أو منطق الطير، أو بسم الله الرحمن الرحيم، أو صنعة الكيمياء. وهو شاذ {فَضَّلَنَا} بالنبوة، أو الملك، أو العلم.(2/459)
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)
16 - {وورث سليمان} نبوة داود وملكه، أوسخر له الشياطين والرياح، أو استخلفه في حياته على بني إسرائيل فسمي ذلك وراثة، وكان لداود تسعة عشر أبناً.(2/459)
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
17 - {يُوزَعُونَ} يساقون، أو يدفعون، أو يدفع أخراهم ويوقف أولاهم، أو يسحبون، أويجمعون، أو يحبسون، أو يُمْنعون، وَزَعه عن الظلم: منعه منه، وقالوا لا بد للسلطان من وَزْعه: أي من يمنع الناس عنه، وقال عثمان: ما وزع الله بالسلطان أكثر مما وزع بالقرآن، والمراد بهذا المنع أن يرد أولهم على آخرهم ليجتمعوا ولا يتفرقوا.(2/460)
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)
18 - {وَادِ النَّمْلِ} بالشام، وكان للنملة جناحان فعلم منطقها لأنها من الطير ولولا ذلك لما علمه، قاله الشعبي. {يَحْطِمَنًّكُمْ} يهلكنكم {وَهُمْ} والنمل {لا يشعرون} بسليمان وجهوه، أو سليمان وجنوده لا يشعرون بهلاك النمل، قيل سمع كلامها من ثلاثة أميال حملته الريح إليه. وسميت نملة لتنملها، وهو كثرة حركتها وقلة قرارها.(2/460)
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
19 - {تبسم} من حذرها بالمبادرة أو من ثنائها عليه، أومن إستبقائها النمل قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما! فوقف سليمان وجنوده حتى دخل النمل مساكنه. {أَوْزِعْنِى} ألهمني، أو اجعلني " ع "، أو حرضني {أّنْ أَشْكُرَ} سبب شكره علمه بمنطق الطير حتى فهم قولها أو حمل الريح صوتها إليه حتى سمعه من ثلاثة أميال فأمكنه الكف. {صَالِحاً} شكر ما أنعم عليه به. {بِرَحْمَتِكَ} بنبوتك، أو بمعونتك التي أنعمت بها عليّ {فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} الأنبياء، أو الجنة التي هي دار الأولياء. {وَتَفَقَّدَ الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنّه عذاباً شديداً أو لأذبحنّه أو ليأتينّى بسلطان مبينٍ}(2/460)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)
20 - {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} كان إذا سافر أظله الطير من الشمس، فلما غاب الهدهد / [130 / ب] أتت الشمس من مكانه وكانت الأرض للهدهد كالزجاج يرى ما تحتها(2/460)
فيدل على مواضع الماء حتى تحفر {أمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ} أي انتقل عن مكانه، أو غاب.(2/461)
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)
21 - {لأُعَذِّبَنَّهُ} بنتف ريشه حتى لا يمتنع من شيء " ع "، أو بإحواجه إلى جنسه، أو بجعله مع أضداده. {بسلطان} حجة بينّة أوعذر ظاهر. {فمكث غير بعيدٍ فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنيإ يقينٍ إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شىءٍ ولها عرش عظيمٌ وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذى يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون}(2/461)
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)
22 - أَحَطتُ} بلغت، أو علمت، أو اطلعت " ع "، والإحاطة: العلم بالشيء من جميع جهاته. {سَبَإٍ} مدينة باليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء ثلاث ليالي، أو حَيُّ من اليمن سموا بأسم أمهم، أو سئل الرسول [صلى الله عليه وسلم] عن سبأ فقال: " هو رجل وُلِدَ له عشرة أولاد باليمن منه ستة وبالشام أربعة فأما اليمانيون؛ فمذحج وحمير وكندة وأنمار والأزد والأشعريون. وأما الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان " وقيل هو سبأ بن يعرب بن قحطان سمي سبأ(2/461)
لأنه أول من سبى.(2/462)
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)
23 - {امرأة} بلقيس بني شراحيل أو شرحبيل بن مالك بن الريان وأمها جنية. {مِن كُلِّ شَىْءٍ} في أرضها، أو من أنواع الدنيا كلها. {عَرْشٌ} سرير، أو كرسي، أو مجلس، أو ملك. {عَظِيمٌ} كريم، أو حسن الصنعة، أو كان ذهباً مستراً بالديباج والحرير قوائمه لؤلؤ وجوهر. وكان يخدمها ستمائة امرأة، وأهل مشورتها ثلاثمائة واثنا عشر رجلاً؛ كل رجل على عشرة آلاف رجل.(2/462)
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)
25 - {الخبء} غيب السماوات والأرض، أو خبء السموات المطر وخبء الأرض: النبات، والخبء المخبوء وصفه بالمصدر، والخبء في اللغة ما غاب واستتر. {أَلا يَسْجُدُواْ} من قول الله، أمر خلقه بالسجود أو من قول الهدهد تقديره يا هؤلاء اسجدوا. {قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون قالت يا أيها الملؤا إنّى ألقى إلى كتاب كريم إنّه من سليمان وإنّه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على وأتوني مسلمين}(2/462)
اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)
28 - {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} كن قريباً منهم " ع " أو تقديره " فألقه إليهم فانظر(2/462)
ماذا يرجعون ثم تول عنهم " أخذ الهدهد الكتاب بمنقاره وجعل يدور في بهوها، فقالت: ما رأيت خيراً منذ رأيت هذا الطير في بهوي فألقى الكتاب إليها، أو ألقاه على صدرها وهي نائمة.(2/463)
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)
29 - {كَرِيمٌ} لحسن ما فيه، أو مختوم، أو لكرم صاحبه وأنه ملك، أو لتسخيره الهدهد لحمله.(2/463)
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)
30 - وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] يكتب باسمك اللهم فلما نزلت {بِسْمِ الله مَجْرَاهَا} [هود: 41] كتب بسم الله فلما نزلت {أَوِ ادعوا الرحمن} [الأسراء: 110] كتب بسم الله الرحمن فلما نزلت {إنه من سليمان} الآية كتب بسم الله الرحمن الرحيم.(2/463)
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
31 - لا تَعْلُوا: لا تخافوا، أو لا تتكبروا، أو لا تمتنعوا {مُسْلِمِينَ} مستسلمين، أو موحدين " ع "، أو مخلصين، أو طائعين. {قالت يا أيها الملؤ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون قالوا نحن أولوا قوةٍ وأولوا بأسٍ شديدٍ والأمر إليك فانظرى ماذا تأمرين 33 قالت إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلةً وكذلك يفعلون وإنّى مرسلةٌ إليهم بهديةٍ فناطرةٌ بم يرجع المرسلون}(2/463)
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)
32 - {أَفْتُونِى} أشيروا عَلَيَّ. {قَاطِعَةً} ممضية {تَشْهَدُونِ} تشيروا، أو تحضروا.(2/463)
قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)
33 - {قوة} عدد وعدة. {بأس} شجاعة وآله / [131 / أ] تفويضاً منهم الأمر إليها، أو إجابة منهم إلى قتاله.(2/464)
قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)
34 - {دَخَلُواْ قَرْيَةً} أخذوها عنوة " ع ". {أَفْسَدُوهَا} أخربوها. {أَذِلَّةً} بالسيف، أو الاستعباد. {وَكّذَلِكَ يَفْعَلُونَ} من قول الله إنهم يفسدون القرى " ع "، أو قالت بلقيس وكذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا.(2/464)
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)
35 - {بِهَدِيَّةٍ} لبنة من ذهب " ع "، أو صحائف الذهب في أوعية الديباج، أو جوهر، أو غلمان ولباسهم لباس الجواري وجواري لباسهم لباس الغلمان، ثمانون غلاماً وجارية أو ثمانون غلاماً وثمانون جارية وقصدت بالهدية استعطافه لعلمها بموقع الهدايا من الناس، أو اختبرته فإن قبل هديتها فهو مَلِك فتقاتله وإن لم يقبلها فهو نبي فلا طاقة لها به، أو اختبرته بأن يميز الجواري من الغلمان فأمرهم بالوضوء فاغترف الغلام بيده وأفرغت الجارية على يدها فميزهم بذلك، أو بغسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها وغسل الجواري بطون السواعد قبل ظهورها، وبدأ الغلمان بغسل المرافق إلى الأكف وبدأ الجواري من الأكف إلى المرفق. {فلما جاء سليمان قال أتمدّونن بمالٍ فما ءاتان الله خيرٌ ممّا ءاتاكم بل أنتم بهديّتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينّهم بجنودٍ لا قبل لهم بها ولنخرجنّهم منها أذلّةٌ وهم صاغرون}(2/464)
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)
36 - {فَلَمَّا جَآَءَ} رسلها، أو هداياها {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} أمر الشياطين فموهوا لبِن المدينة وحيطانها بالذهب والفضة وبعثت إليه بعصا كان يتوارها ملوك حمير، وطلبت أن يميز أعلاها من أسفلها، وبقدح التمست أن يملأه ماء فريداً لا من الأرض ولا من السماء وبخرزتين ليثقب أحدهما وليدخل في ثقب(2/464)
الأخرى خيطاً وكان ثقبها أعوج فلما جاء رسلها وكانوا رجالاً أو نساء قال {أَتُمِدُّونَنِ بمال فما آتاني الله} من النبوة والملك {خير مما آتاكم} من المال. ثم ميز الجواري من الغلمان وأرسل العصا إلى الهواء وقال أي الرأسين سبق إلى الأرض فهو أسفلها وأجريت الخيل حتى عرفت فملأ القدح من عرقها، وثقب إحدى الخرزتين وأدخل الخيط في الأخرى فهال الرسل ما شاهدوه منه.(2/465)
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)
37 - {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} أيها الرسول بما جئت به من الهدايا، أو أمر الهدهد بالرجوع وأن يقول: {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لا قِبَلَ} لا طاقة، وصدق لأن من / [131 / ب] جنوده الجن والإنس والطير والريح. {وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ} أخبرهم بما يصنع بهم ليبادروا إلى الإسلام. فلما رجعت إليها الهدايا قالت: قد والله علمت ما هذا بملك ولا طاقة لنا به ثم أرسلت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي وأمرت بعرشها فجُعِل في سبعة أبيات بعضها في بعض وأغلقت عليه الأبواب وشخصت إليه في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن فلما علم بقدومها. قَالَ يا أيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوك مسلمين قال عفريتٌ من الجن أنا ءاتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإنّي عليه لقوي أمينٌ قال الذي عنده علمٌ من الكتاب أنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلمّا رءاه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليلوني ءأشكر أم أكفر ومن شكر فإنمّا يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربّى غنيّ كريمٌ}(2/465)
قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)
38 - {قال يا أيها الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا} أراد أن يعلم بذلك صدق(2/465)
الهدهد " ع " أو أعجبه لما وصفه الهدهد فأراد أخذه قبل أن يَحْرُمَ عليه بإسلامها، أو أراد أن يعايها، وكانت الملوك يتعايون بالملك والقدرة، قاله ابن زيد، أو أراد اختبار فطنها هل تعرفه أو تنكره، أو أراد أن يعرفها بذلك صحة نبوته قال وهب بن منبه. {مُسْلِمِينَ} طائعين أو على دين الحق.(2/466)
قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
39 - {عِفْرِيتٌ} ، وهو المارد القوي والعفريت البالغ من كل شيء أُخِذ من قولهم فلان عفرية نفرية إذا كان مبالغاً في الأمور. أو من العفر وهو الشديد فزيدت فيه الهاء فقيل عفريه وعفريت. {مَّقَامِكَ} مجلسك، أو يوماً كان يقوم فيه سليمان عليه الصلاة والسلام خطيباً يعظهم ويذكرهم وكان مجيء ذلك اليوم قريباً أو أراد قبل أن تسير إليهم من ملكك محارباً، {لَقَوِىٌ} على حمله {أَمِينٌ} على ما فيه من جوهر ولؤلؤ أو لا آتيك بغيره بدلاً منه أو أمين على فرج المرأة.(2/466)
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
40 - {قال الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ} مَلَك أُيَّد به سليمان عليه الصلاة والسلام والعلم الذي عنده هو ما كتب الله تعالى لبني آدم وقد أعلم الله تعالى الملائكة كثيراً منه فأذن الله له أن يعلم سليمان ذلك وأن يأتيه بالعرش أو بعض جنوده من الإنس أو الجن، وعلم الكتاب: علمه بكتاب سليمان إلى بلقيس وعلم أن الريح مسخرة لسليمان وأن الملائكة تعينه فوثق بذلك وأخبره أن يأتيه به قبل(2/466)
ارتداد طرفه، أو هو سليمان قال ذلك للعفريت، أو هو بعض الإنس: مليخا أو أسطوم أو آصف بن برخيا وكان صدِّيقاً، أو ذو النون مصر، أو الخضر {عِلْمٌ الْكِتَابِ} هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب {يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} يأتيك أقصى من تنظر إليه أو: قبل أن يعود طرفك إلى مد بصرك أو يعود طرفك إلى مجلسك أو قبل الوقت الذي ينتظر وروده فيه من قولهم أنا ممتد الطرف إليك أي منتظر أو قبل أن يرجع إليك طرف رجائك خائباً لأن الرجاء يمد الطرف والإياس يقصره، أو قبل أن يقبض طرفك بالموت أخبره أنه سيأتيه به قبل موته ودعا بالاسم الأعظم وعاد طرف سليمان عليه الصلاة والسلام إليه فإذا العرش بين يديه ولم يكن سليمان عليه الصلاة والسلام يعلم ذلك الإسم {هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى} وصول العرش قبل ارتداد طرفي، {أأشكر} على وصوله {أَمْ أَكْفُرُ} فلا أشكر إذا رأيت من هو أعلم مني في الدنيا وكان ذلك معجزة لسليمان عليه الصلاة والسلام أجراها الله تعالى على يد بعض أوليائه وكان العرش باليمن وسليمان بالشام قيل خرق الله تعالى به الأرض حتى صار بين يديه. {قال نكّروا لها عرشها ننظر أتهتدى أم تكون من الذين لا يهتدون فلمّا جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنّها كانت من قومٍ كافرين قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجّةٌ وكشفت عن ساقيها قال إنّه صرحٌ ممردٌ من قوارير قالت رب إن ظلمت نفسي وأسلمت مع(2/467)
سليمان لله رب العالمين}(2/468)
قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)
41 - {نَكِّرُواْ} غيروه بانتزاع ما عليه من فصوص وجواهر ومرافق " ع " / [132 / أ] أو بجعل ما كان أحمر أخضر وما كان أخضر أحمر، أو بالزيادة فيه والنقصان منه، أو بجعل أعلاه أسفله مقدمه مؤخره أو جعل فيه تمثال السمك {أَتَهْتَدِى} إلى الحق بعقلها أم تكون من الذين لا يعقلون، أو تعرف العرش بفطنتها أم تكون ممن لا يفطن ولا يعرف.(2/468)
فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)
42 - {كَأَنَّهُ هُوَ} لما خلفته وراءها فوجدته أمامها منعها معرفتها به من إنكاره وتركها له خلفها من إثباته، أو لأنها رأت فيه ما تعرفه فلم تنكره وما غيِّر وبدل فلم تثبته، أو شبهوا عليها بقولهم {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} فشبهت عليهم بقولها: {كَأَنَّهُ هُوَ} ولو قالوا هذا عرشك لقالت نعم. {وأوتينا} قاله سليمان عليه الصلاة والسلام، أو بعض قومه. {الْعِلْمَ} بمعرفة الله تعالى وتوحيده، أو النبوة، أو علمنا أنه عرشها قبل أن نسألها. {مُسْلِمِينَ} طائعين لله تعالى بالاستسلام له، أو مخلصين له بالتوحيد.(2/468)
وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)
43 - {وَصَدَّهَا} عبادة الشمس أن تعبد الله تعالى، أو صدها كفرها أن تهتدي للحق، أو صدها سليمان عما كانت تعبد في كفرها، أو صدها الله تعالى عن الكفر بتوفيقها للإيمان.(2/468)
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)
44 - {الصرح} بركة بنيت من قوارير، أو صحن الدار، وصرحه الدار وساحتها وباحتها وقاعتها كلها واحد من التصريح وهو الإظهار، أو القصر. {حَسِبَتْهُ لُجَّةً} لأنه أمر الجن أن يبنوه من قوارير في ماء فبنوه وجعلوا حوله أمثال السمك فأمرها بالدخول إليه لأنها وصفت له فأحب أن يراها وكانت(2/468)
هلباء الشعر وقدماها كحافر حمار وأمها جنية وخافت الجن إن تزوجها أن تطلعه على أشياء كانت الجن تخفيها ويبعد أن يتولد بين الإنس والجن ولد لأن الجن لطيف والإنس كثيف. {وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} فرأهما شعراوين فصنعت له الجن النورة وقصد بدخولها الصرح. وكشف ساقيها اختبار عقلها، أو أُخبر أن ساقيها ساقاً حمار فأراد أن يعلم ذلك، أو أراد تزوجها فأحب مشاهدتها. {مُّمَرَّدٌ} مملس، أو واسع في طوله وعرضه. {ظَلَمْتُ نَفْسِى} بالشرك، أو ظنت أن سليمان أراد تغريقها لما أمرها بدخول الصرح فلما بان أنه صرح علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن، قاله سفيان. {وَأَسْلَمْتُ} استسلمت طاعة لله قبل تزوجها سليمان عليه الصلاة والسلام، واتخذ لها بالشام حماماً ونورة، وكان أول من اتخذ ذلك. {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون قالو أطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قومٌ تفتنون}(2/469)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)
45 - {فَرِيقَانِ} مؤمن وكافر، أو مصدق ومكذب. {يَخْتَصِمُونَ} بقولهم {أتعلمون أن صالحاً / [132 / ب] مرسلٌ مِّن رَّبِّهِ} [الأعراف: 75] ، أو يقول كل فريق: نحن على الحق دونكم.(2/469)
قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)
46 - {بالسيئة} بالعذاب قبل الرحمة؛ لقولهم: {فأتنا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ المرسلين} [الأعراف: 77] ، أو بالبلاء قبل العافية. {تَسْتَغْفِرُونَ} بالتوبة، أو بالدعاء. {تُرْحَمُونَ} بالكفاية أو الإجابة.(2/469)
قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)
47 - {اطَّيَّرْنَا} تشاءموا به لافتراق كلمتهم، أو للشر الذي نزل بهم. {طَآئِرُكُمْ} مصائبكم " ع "، أو عملكم {تُفْتَنُونَ} بالطاعة والمعصية، أو(2/469)
تصرفون عن الإسلام الذي أمرتم به. {وكان في المدينة تسعة رهطٍ يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيّتنّه وأهله ثمّ لنقولنّ لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنّا لصادقون ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لايةً لقومٍ يعلمون وأنجينا الذين ءامنوا وكانوا يتقون}(2/470)
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)
48 - {رَهْطٍ} الرهط: جمع لا واحد له وهم عاقروا الناقة: فُسَّاق من أشراف قومهم. {يُفْسِدُونَ} بالكفر ولا يصلحون بالإيمان، أو بالمنكر ولا يصلحون بالمعروف، أو بالمعاصي ولا يصلحون بالطاعة، أو بقطع الدنانير والدراهم ولا يصلحون بتركها صحاحاً، أو يتبعون عورات الناس ولا يسترون عليهم.(2/470)
قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)
49 - {تقاسموا} تخالفوا. {لَنُبَيِّتَنَّهُ} لنقتلنه ليلاً. البيات قتل الليل. {لِوَلِيِّهِ} لرهط صالح {مَهْلِكَ أَهْلِهِ} قتلهم {لَصَادِقُونَ} في إنكار القتل.(2/470)
وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)
50 - {وَمَكَرُواْ} عزموا على بياته {ومكر الله} بهم فرماهم بصخرة فهلكوا أو أظهروا أنهم خرجوا مسافرين فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوه فألقى الله تعالى صخرة فسدت عليهم فم الغار {لا يَشْعُرُونَ} بمكرنا أو بالملائكة الذين أرسلوا لحفظ صالح من قومه لما دخلوا عليه ليقتلوه فرموا كل رجل منهم بحجر فقتلوهم جميعاً.(2/470)
{ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أئنكم لتأتون الرجال شهوةً من دون النساء بل أنتم قومٌ تجهلون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا ءال لوطٍ من قريتكم إنّهم أناسٌ يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدّرناها من الغابرين وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين}(2/471)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
54 - {تُبْصِرُونَ} أنها فاحشة، أو يبصر بعضكم بعضاً. {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفىءالله خيرٌ أما يشركون أمّن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجةٍ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أءلةٌ مع الله بل هم قومٌ يعدلون}(2/471)
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)
60 - {حَدَآئِقَ} النخل، أو الحائط من الشجر والنخل {بَهْجَةٍ} غضاضة، أو حُسْن {مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ} لا تقدرون على خلق مثلها {أإله مَّعَ اللَّهِ} يفعل هذا، أو نفي للآلهة. {يَعْدِلُونَ} عن الحق، أو يشركون فيجعلون له عدلاً. {أمّن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أءلهٌ مع الله بل أكثرهم لا يعلمون}(2/471)
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)
61 - {قَرَاراً} مستقراً. {خِلالَهَآ} في مسالكها ونواحيها {الْبَحْرَيْنِ} بحر السماء وبحر الأرض، أو بحر فارس والروم، أو بحر الشام والعراق، أو العذب والمالح. {حَاجِزاً} مانعاً من الله تعالى لا يبغي أحدهما على صاحبه، أو حاجزاً من الأرض أن يختلطا. {لا يَعْلَمُونَ} التوحيد، أو لا يعقلون، أو لا يتفكرون. {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون}(2/472)
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)
62 - {السُّوءَ} الضر، أو الجور. {خُلَفَآءَ} خلفاً بعد خلف، أولادكم خلفاً منكم، أو خلفاً من الكفار ينزلون أرضهم بطاعة الله تعالى بعد كفرهم. {ماتذكرون} النعم. {أمّن يهديكم في ظلماتٍ البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أءلهٌ مع الله تعالى الله عمّا يشركون}(2/472)
أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)
63 - {يهديكم في ظلمات} : يرشدكم إلى مسالك البحر والبر، أو يخلصكم من أهوالهما، {البر} الأرض و {البحر} السماء، أو البر بادية الأعراب والبحر الأمصار والقرى {نشرا} منشرة، أو ملحقات. {رحمته} المطر اتفاقاً.(2/472)
{أمن يبدؤا الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أءله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيّان يبعثون بل أدارك علمهم في الآخرة بل هم في شكٍ منها بل هم منها عمون}(2/473)
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)
66 - {ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ} هذا ذم أي غاب علمهم " ع "، أو لم يدرك علمهم، أو اضمحل / [133 / أ] أو ضل، أو هو مدح لعلمهم وإن كانوا مذمومين أي أدرك علمهم، أو أجمع، أو تلاحق. {وقال الذين كفروا أءذا كنا تراباً وءاباؤنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وءاباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيقٍ ممّا يمكرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون وإنّ ربّك لذو فضلٍ على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون وإنّ ربّك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وما من غائبةٍ في السماء والأرض إلا في كتاب مبين}(2/473)
قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)
72 - {رَدِفَ لَكُم} قرب منكم " ع "، أو أعجل لكم، أو تبعكم، ورِدْف المرأة لأنه تبع لها من خلفها. {بَعْضُ الَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ} يوم بدر، أوعذاب القبر.(2/473)
وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)
75 - {غَآئِبَةٍ} جمع ما خفي عن الخلق، أو القيامة، أو ما غاب عنهم(2/473)
من عذاب السماء والأرض. {كِتَابٍ مُّبِينٍ} اللوح المحفوظ، أو الفضاء المحتوم. {إن هذا القرءان يقصّ على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون وإنه لهدىً ورحمةٌ للمؤمنين إنّ ربّك يقضى بينهم بحكمه وهو العزيز العليم فتوكل على الله إنّك على الحق المبين إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بئاياتنا فهم مسلمون وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّةً من الأرض تكلمهم إنّ الناس كانوا بئاياتنا لا يوقنون}(2/474)
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)
82 - {وَقَعَ الْقَوْلُ} حق عليهم القول أنهم لا يؤمنون، أو وجب الغضب، أو وجب السخط عليهم إذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، أو نزل العذاب {دَآبَّةً} سئل عنها علي رضي الله تعالى عنه فقال: " أما والله ما لها ذَنَبْ وإن لها للحية " إشارة إلى أنها من الإنس، أوهي من دواب الأرض عند الجمهور ذات زغب وريش لها أربع قوائم " ع "، أو ذات وَبَر تناغي السماء، أو لها رأس ثور وعينا خنزير وأذنا فيل وقرن أيل وعنق نعامة وصدر أسد ولون نمر وخاصرة هر وذنب كبش وقوائم بعير بين كل مفصلين أثنا عشر ذراعاً رأسها في السحاب. معها عصا موسى وخاتم سليمان فتنكت في مسجد المؤمن نكتة بيضاء فتبيض وجهه. وتنكت في وجه الكافر بخاتم سليمان فتسود وجهه. قاله أبو الزبير. {مِّنَ الأَرْضِ} بعض أودية تهامة " ع "، أو(2/474)
صخرة من شِعْب أجياد، أو الصفا، أو بحر سدوم {تَكْلِمُهم} مخففاً تَسِمُ وجوههم بالبياض والسواد حتى يتنادون في الأسواق يا مؤمن يا كافر، قال: الرسول [صلى الله عليه وسلم] : تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم، أو تجرحهم فيختص هذا بالكافر والمنافق، وجرحهما بإظهار الكفر والنفاق كجرح الشهود بالتفسيق {تُكَلِّمُهُمْ} عبّر عن ظهور الآيات منها بالكلام من غير نطق، أو تنطق فتقول هذا مؤمن وهذا كافر، أو تقول {أَنَّ النَّاسَ كَانُواْ بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} قاله ابن مسعود وعطاء، قال ابن عمر - رضي الله تعالى عنه -: تخرج ليلة النحر والناس يسيرون إلى منى. {ويوم نحشر من كل أمةٍ فوجاً ممّن يكذّب بئاياتنا فهم يوزعون حتى إذا جاءوا وقال أكذبتم بئاياتي ولم تحيطوا بها علماً أماذا كنتم تعلمون ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ألم يروا أنّا جعلنا الّيل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً إن في ذلك لاياتٍ لقومٍ يؤمنون}(2/475)
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)
83 - {مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً} وهم كفارها. {بِآيَاتِنَا} محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو بالرسل عند الأكثرين. {يُوزَعُونَ} يجمعون، أو يدفعون، أو يساقون، أويرد أولاهم على أخراهم.(2/475)
{ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمرّ مرّ السحاب ضنع الله الذي أتقن كل شىءٍ إنّه خبير بما تفعلون من جاء بالحسنة فله خيرٌ منها وهم من فزع يومئذ ءامنون ومن جاء بالسيئة فكبّت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون}(2/476)
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)
87 - {وَيَوْمَ يُنفَخُ} يوم النشور من القبور. {الصُّورِ} جمع صورة ينفخ فيها أرواحها، أو شيء كالبوق يخرج منه صوت يحيى به الموتى، أو مثل ضرب لخرج الموتى في وقت واحد كخروج الجيش عند نفخ البوق. {فَفَزِعَ} أسرع إلى إجابة النداء فزعت إليك في كذا أسرعت إلى ندائك / [133 / ب] في معونتك. {إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ} استثناء من الإسراع والإجابة إلى النار، أو الفزع الخوف والحذر لأنهم أزعجوا من أجداثهم فخافوا {إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ} فلا يفزعون وهم الملائكة أو الشهداء، وقيل إن إسرافيل هو النافخ في الصور. {دَاخِرِينَ} راغمين، أو صاغرين " ع " فالفزع في النفخة الأولى وإتيانهم صاغرين في النفخة الثانية.(2/476)
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
88 - {جَامِدَةً} واقفة {تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} لا يرى سيرها لبعد أطرافها، مثل ضُرب للدنيا تظن أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال، أو للإيمان تحسبه ثابتاً في القلب وعمله صاعداً إلى السماء {أَتْقَنَ} أحكم، أو(2/476)
أحصى، أو أحسن، أو أوثق سريانية، أو عربية من إتقان الشيء إذا أُوثق وأحكم، وأصله التقن وهو ما ثقل في الحوض من طينة.(2/477)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)
89 - {بالحسنة} أداء الفرائض كلها، أوالتوحيد والإخلاص. {خَيْرٌ مِّنْهَا} الجنة، أو أفضل: بالحسنة عشر، أو فله منها خير للثواب العائد عليه " ع " {من فزع} القيامة. {آمنون} في الجنة، أو من فزع الموت في الدنيا آمنون في الآخرة.(2/477)
وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
90 - {بالسيئة} الشرك " ع ". {إنما أمرت أن أعبد ربّ هذه البلدة الذي حرّمها وله كل شىءٍ وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلوا القرءان فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين وقل الحمد لله سيريكم ءاياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعلمون}(2/477)
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)
91 - {البلدة} مكة، أومنى {حَرَّمَهَا} بتعظيم حرمتها والكف عن صيدها وشجرها {وَلَهُ كُلُّ شَىْءٍ} ملكه فيحل منه ما يشاء ويحرم ما يشاء.(2/477)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
93 - {سيريكم آياته} في الآخرة {فَتَعْرِفُونَهَا} على ما قال في الدنيا " ح " أو يريكم في الدنيا آيات السموات والأرض فتعرفون أنها حق. {تَعْمَلُونَ} من خير وشر فيجازي عليه.(2/477)
سورة القصص
مكية أو إلا آية {إن الذي فرض عليك القرآن} [85] نزلت بالجحفة.
بسم الله الرحمن الرحيم
{طسم تلك ءايات الكتاب المبين نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون 3 إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفةٌ منهم يذبّح أبناءهم ويستحي نساءهم إنّه كان من المفسدين ونريد أن نّمنّ على الذن استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}(2/478)
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
4 - {عَلا} بملكه وسلطانه، أو بقتله أبناء بني إسرائيل واستعبادهم، أو بإدعائه الربوبية وكفره. {الأَرْضِ} مصر. لأنه لم يملك الأرض كلها. وعلوِّه لغلبته وقهره، أو لكبره وتجبره. {شِيَعاً} فرقاً؛ فرق بني إسرائيل والقبط، استضعف طائفة بني إسرائيل بالاستعباد والأعمال القذرة {يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ} رأى في نومه ناراً أقبلت من القبلة واشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط(2/478)
وتركت بني إسرائيل فسأل عن تأويلها، فقيل يخرج من هذا البلد رجل يكون على يده هلاك مصر. فأمر بذبح أبنائهم وأسرع الموت في شيوخ بني إسرائيل. فقيل له قد فني شيوخ بني إسرائيل بالموت وصغارهم بالقتل فاستبقهم لعملنا وخدمتنا فأمر أن يقتلوا عاماً ويتركوا عاماً فولد هارون عام الاستحياء وموسى عام القتل، وعاش فرعون أربعمائة سنة وهو أول من خضب بالسواد. وكان قصيراً دميماً. وعاش موسى عليه الصلاة والسلام مائة وعشرين سنة.(2/479)
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)
5 - {الذين استضعفوا} بنو إسرائيل، أو يوسف / [134 / أ] وولده: قاله قتادة. {ائمة} ولاة الأمر، أو قادة متبوعين، أو أنبياء لأن الأنبياء بين موسى وعيسى كانوا من بني إسرائيل وكان بينهما ألف ألف نبي. قاله الضحاك {الْوَارِثِينَ} للملك، أو لأرض فرعون. {وَأَوْحَيْنَآ إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافى ولا تخزنى إنّا رآدّوه إليك وجاعلوه من المرسلين فالتقطه ءال فرعون ليكون لهم عدوا وحزناً إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين وقالت امرأت فرعون قرت عينٍ لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون}(2/479)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)
7 - {وَأَوْحَيْنَآ} ألهمنا، أو رؤيا نوم أو وحي مع الملك كوحي الأنبياء. أوحى إليها برضاعه قبل الولادة، أو بعدها. {خِفْتِ عَلَيْهِ} القتل، أو أن يسمع(2/479)
جيرانك صوته. {الْيَمِّ} البحر وهو النيل. {وَلا تَخَافِى} عليه الغرق، أو الضيعة. {وَلا تَحْزَنِى} لفراقه، أو أن يقتل. فجعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه مثلها. وجعلت المفتاح مع التابوت وألقته في اليم بعد أن أرضعته أربعة أشهر، أو ثلاثة أشهر، أو ثمانية أشهر، ولما فرغ النجار منه أخبر فرعون به، فبعث معه من يأخذه فطمس الله تعالى على عينيه وقلبه فلم يعرف الطريق. فعلم أنه المولود الذي خافه فرعون فآمن ذلك الوقت وهو مؤمن آل فرعون. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنها: فلما غاب عنهما ندَّمها الشيطان فقالت. لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من إلقائه في دواب البحر وحيتانه فقال الله تعالى: {إِنَّا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} .(2/480)
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)
8 - {فالتقطه آل فِرْعَوْنَ} خرجت جواري امرأة فرعون لاستقاء الماء فوجدن تابوته فحملنه إليها " ع "، أو خرجت امرأة فرعون إلى البحر وكانت برصاء فوجدته فأخذته فبرئت من برصها فقالت هذا صبي مبارك.(2/480)
وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)
9 - {قرة عَيْنٍ} لما علم أصحاب فرعون بموسى جاءوا ليذبحوه فمنعتهم وأتت فرعون وقالت قرة عين لي ولك. فقال فرعون لها: قرة عينٌ لك أما لي فلا. قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " لو أقر بأنه يكون قرة عين له لهداه الله تعالى به كما هداها به ". وقرة العين بردها بالسرور من القر وهو البرد، أو قر دمعها فلم(2/480)
يخرج بالحزن مأخوذ من القرار {لا يَشْعُرُونَ} أن هلاكهم على يديه. {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون}(2/481)
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)
10 - {فَارِغاً} من كل شيء إلا من ذكر موسى " ع "، أو من الوحي بنسيانه " ح " أو من الحزن لعلمها أنه لم يغرق، أو نافراً، أو ناسياً، أو والهاً، أو فازعاً من الفزع. {وَأَصْبَحَ} لأنها ألقته ليلاً فأصبح فؤادها فارغاً، أو ألقته نهاراً فيكون أصبح يعني صار. {لَتُبْدِى به} لتصيح به عند إلقائه وابناه " ع "، أو تقول لما حملت لإرضاعه وحضانته هو ابني لأنه ضاق صدرها لما قيل هو ابن فرعون، أو لتبدي بالوحي. {رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} بالإيمان، أو العصمة، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بِردِّه وجعله من المرسلين.(2/481)
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)
11 - {قُصِّيهِ} تتبعي أثره واستعلمي خبره. {جُنُبٍ} جانب / [134 / ب] " ع " أو بعد، أو شوق بلغة جذام جنبت إليك اشتقت إليك. {لا يَشْعُرُونَ} أنها أخته.(2/482)
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
12 - {وَحَرَّمْنَا} منعناه {الْمَرَاضِعَ} فلا يؤتى بمرضع فيقبلها. {مِن قَبْلُ} مجيء أخته أو قبل رده إلى أمه.(2/482)
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
13 - {فَرَدَدْنَاهُ} انطلقت أخته إلى أمه فأخبرتها فجاءت فوضعته في حجرها فترامى إلى ثديها فامتصه حتى امتلأ جنباه رياً " ع ". فقيل لها: كيف ارتضع منك دون غيرك. قالت لأني طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني فَسَخَّر الله تعالى فرعون لتربيته وهو يقتل الخلق لأجله وكان إلقاؤه في البحر وهو سبب لهلاكه سبباً لنجاته. {أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ} في رده إليها وجعله من المرسلين حق. {لا يَعْلَمُونَ} ما يراد بهم. أو مثل علمها به. {ولمّا بلغ أشدّه واستوىءاتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين 14 ودخل المدينة على حين غفلةٍ من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثاه الذي من شيعته على الذي من عدوّه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنّه عدوٌّ مضلٌّ مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم قال ربّ بما أنعمت علىّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين}(2/482)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)
14 - {أَشُدَّهُ} أربعون سنة، أو أربع وثلاثون، أو ثلاث وثلاثون " ع " أو ثلاثون أو خمس وعشرون، أو عشرون، أو ثماني عشرة، أو خمس عشر، أو(2/482)
الحلم، أو الأشد جمع لا واحد له، أو واحد شُدَّ. {وَاسْتَوَى} باعتدال القوة، أو نبات اللحية، أو انتهاء شبابه، أو بأربعين سنة " ع ". {حُكْماً} عقلاً، أو نبوة، أو القرآن، أو الفقه {وَعِلْماً} بما في دينه وحدوده وشرائعه، أو فهماً أو فقهاً.(2/483)
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
15 - {الْمَدِينَةَ} مصر، أو منف، أو عين شمس. {حِينِ غَفْلَةٍ} نصف النهار وهم قائلون، أو بين المغرب والعشاء " ع "، أو يوم عيد لهم وهم في لهوهم، أو لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به {مِن شِيعَتِهِ} إسرائيلي ومن عدوه قبطي " ع " أو من شيعته مسلم ومن عدوه كافر. سخر القبطي الإسرائيلي ليحمل حطباً إلى مطبخ فرعون فامتنع، واستغاث بموسى وكان خبازاً لفرعون {فَوَكَزَهُ} ولكزه واحد إلا أن الوكز الدفع في الصدر واللكز الدفع في الظهر. ولم يرد موسى بذلك قتله. {فَقَضَى عَلَيْهِ} أي قتله ولم يكن مباحاً حينئذ لأنها حال كف عن القتال " ع " {عَمِلِ الشَّيْطَانِ} إغوائه.(2/483)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)
17 - {أنعمت علي} من المغفرة، أو الهداية. {فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين}(2/483)
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)
18 - {خَآئِفاً} من الله تعالى، أو من قومه، أو أن يؤخذ بقتل النفس، {يَتَرَقَّبُ} يتلفت من الخوف، أو ينتظر عقوبة الله تعالى إن جعلنا خوفه منه، أو أن يسلمه قومه للقتل إن كان خوفه منهم، أو أن يطلب بقتل النفس إن كان خوفه من الأخذ بها. {يَسْتَصْرِخُهُ} على قبطي آخر خاصمه. {لَغَوِىٌّ} قاله للإسرائيلي لأنه أغواه حتى قتل النفس، أو قاله للقطبي فظن الإسرائيلي أنه عناه فخافه " ع ".(2/484)
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)
19 - {أَن يَبْطِشَ} أخذت موسى الرقة على الإسرائيلي فهم بالقبطي فظن الإسرائيلي أنه يريد قتله لما رأى من غضبه وسمع من قوله {إِنَّكَ لَغَوِىٌّ} الآية فقال الإسرائيلي: أتريد أن تقتلني / [135 / أ] ، أو ظن الإسرائيلي أن موسى يقتل القبطي فيقتل به الإسرائيلي فقال ذلك دفعاً لموسى عنه. قيل هذا الإسرائيلي هو السامري، فتركه القبطي وذهب فأشاع أن المقتول بالأمس إنما قتله موسى. {جَبَّاراً} قَتَّالاً. قال عكرمة: ولا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين. {وَجَآءَ رجلٌ من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى إن الملآ يأتمرون بك ليقتلوك فأخرج إنّى لك من الناصحين}(2/484)
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)
20 - {وَجَآءَ رَجُلٌ} هو مؤمن آل فرعون قيل ابن عم فرعون أخي أبيه. {يَأَتَمِرُونَ} يتشاورون، أو يأمر بعضهم بعضاً. {فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجّني من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين قال(2/484)
عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمّةً من الناس يسقون ووجد من دونهم امراتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبيرٌ فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خيرٍ فقيرٌ}(2/485)
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)
22 - {تِلْقَآءَ مَدْيَنَ} عرض له أربع طرق فلم يدر أيها يسلك فقال {عَسَى رَبِّى} الآية، أو قال ذلك بعد أخذه طريق مدين. {سَوَاءَ السَّبِيلِ} قصد الطريق إلى مدين قاله قتادة. ومدين ماء كان عليه قوم شعيب قال " ع " وكان بينه وبينها ثمان مراحل ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر وخرج حافياً فما وصل إليها حتى وقع خف قدميه.(2/485)
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)
23 - {أُمَّةً} جماعة قال ابن عباس: الأمة أربعون. {تَذُودَانِ} تحبسان، أو تطردان غنمهما عن الماء لضعفهما عن الزحام، أو يمنعان الغنم أن تختلط بغنم الناس، أو يذودان الناس عن غنمهما. {ما خطبكما} ماشأنكما. والخطب تفخيم للشيء والخُطبة لأنها من الأمر المعظم {يُصْدِرَ) 6 ينصرف ومنه الصدر لأن التدبير يصدر عنه فعلتا ذلك تَصوُّناً عن مزاحمة الرجال، أو لضعفهما عن الزحام {الرِّعَآءُ} جمع راعٍ {وَأَبُونَا شَيْخٌ} قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعينهما أو اعتذاراً من معاناتهما السقي بأنفسهما.(2/485)
فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
24 - {فَسَقَى لَهُمَا} بأن زحم القوم فأخرجهم عن الماء ثم سقى لهما، أو أتى بئراً فاقتلع عنها صخرة لا يقلها إلا عشرة من أهل مدين وسقى لهما ولم يستق(2/485)
إلا ذَنُوباً واحداً حتى رويت الغنم {ثمَّ تَوَلَّى} إلى ظل سَمُرة. {فَقَالَ رَبِّ} قال ذلك وقد لصق بطنه بظهره جوعاً وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة أمعائه من الجوع " ع "، أو مكث سبعة أيام لا يذوق إلا بقل الأرض. فعرض لهما بحاله {مِنْ خَيْرٍ} شبعة من طعام " ع "، أو شبعة يومين. {فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استئجره إنّ خير من استئجرت القوى الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حججٍ فإن أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشّق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين قال ذلك بيني وبينك إيّما الأجلين قضيت فلا عدوان علىّ والله على ما نقول وكيل}(2/486)
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)
25 - {فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا} استكثر أبوهما سرعة صدورهما بالغنم حُفَّلاً بِطاناً فقال إن لكما لشأناً فأخبرتاه بصنع موسى فأمر أحداهما أن تدعوه. {عَلَى اسْتِحْيَآءٍ} مستترة بكم درعها، أو لبعدها من النداء له، واستحيت لأنها دعته لتكافئه وكان الأجمل مكافأته من غير إعناء، أو لأنها كانت رسول أبيها، أو ما قاله عمر ليست بسلفع من النساء خراجة ولا(2/486)
ولاجة. أراد تمشي مشي من لم تتعود الخروج حياء وخَفَرَاً وكان أبوهما شعيباً، أو يثرون ابن أخي شعيب قاله الكلبي وأبو عبيدة / [135 / ب] {لِيَجْزِيَكَ} ليكافئك فمشت أمامه فوصفت الريح عجيزتها فقال: امشي خلفي ودليني للطريق إن أخطأت. {الْقَصَصَ} خبره مع آل فرعون {نَجَوْتَ} إذ لسنا من مملكة فرعون.(2/487)
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)
26 - {قَالَتْ إِحْداهُمَا} الصغرى التي دعته استأجره لرعي الغنم {الْقَوِىُّ} فيما ولي {الأَمِينُ} فيما استودع. " ع " أو القوى في بدنه الأمين في عفافه.(2/487)
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)
27 - {ثَمَانِى حِجَجٍ} أي رعي الغنم ثماني حجج كانت هي الصداق أو(2/487)
شرطاً للأب في الإنكاح وليست بصداق. {عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ} كانت الثمان واجبة والعشر عدة فوفى بالعشر " ع ". {مِنَ الصَّالِحِينَ} في حسن الصحبة، أو فيما وعده به. وكان جعل له كل سخلة تُوضَع على خلاف شبه أمها. فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن الق عصاك في الماء فولدن كلهن خلاف شبههن، أو جعل له كل بلقاء تولد فولدن كلهن بلقاً.(2/488)
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
28 - {فَلا عُدْوَانَ} فلا سبيل. {وَكِيلٌ} شهيد، أو حفيظ، أو رقيب. {فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله ءانس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إني ءانست ناراً لعلىءاتيكم منها بخبرٍ أو جذوةٍ من النار لعلّكم تصطلون فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني انا الله ربّ العالمين وأن ألق عصالك فلما رءاها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الأمنين أسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من رّبك إلى فرعون وملإيه إنّهم كانوا قوماً فاسقين}(2/488)
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)
29 - {قَضَى مُوسَى الأَجَلَ} وَفَّى العمل. قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " أَجَّر موسى نفسه لعفة فرجه وطعمة بطنه. فقيل: أي الأجلين قضى. قال أبرهما(2/488)
وأوفاهما ". {آنس} رأى {امْكُثُواْ} اقيموا مكانكم {جَذْوَةٍ} أصل شجرة فيها نار، أو عود في بعضه نار وليست في بعضه، أو عود في بعضه نار ليس له لهب، أو شهاب من نار ذو لهب " ع ". {تَصْطَلُونَ} تستدفئون.(2/489)
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)
30 - {أنا الله رب العالمين} عرف وحدانيته ولم يَصِرْ بذلك رسولاً. لأنه لم يأمره بالرسالة وإنما صار بذلك من أصفيائه {الشجرة} العليق وهو العوسج " ع ". 31 / 32 - {وألق عَصَاكَ} ليعلم بذلك أن الذي سمعه كلام الله تعالى. {وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يثبت مأخوذ من العقب الذي يثبت به القدم أو لم يتأخر لسرعة مبادرته. {الأَمِنِينَ} من الخوف فلا يصير رسولاً إلا بقوله {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ} ، أو الآمنين المرسلين لقوله: {لا يخاف لدي المرسلون} فيصير بذلك رسولاً. {بُرْهَانَانِ} اليد والعصا {الرَّهْبِ} الكم، أو الخوف.(2/489)
{قال رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني إني أخاف أن يكذّبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بئاياتنا أنتما ومن أتبعكما الغالبون.}(2/490)
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)
34 - {ردءا} عوناً، أو زيادة والردء: الزيادة. {فلمّا جاءهم موسى بئاياتنا بيناتٍ قالوا ما هذا إلا سحرٌ مفترى وما سمعنا بهذا في ءابائنا الأولين وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي ياهامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنّه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنّهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمةٌ يدعون إلى النار ويوم القيمامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة هم من المقبوحين}(2/490)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)
38 - {مَا عَلِمْتُ لَكُم} كان بينها وبين قوله {أنا ربكم الأعلى} أربعون سنة " ع " {عَلَى الطِّينِ} هو أول من طبخ الآجُر. {صَرْحاً} قصراً عالياً وهو(2/490)
أول من صنع الصرح فصعده ورمى نُشَّابة نحو السماء فعادت ملتطخة دماً فقال قتلت إله موسى.(2/491)
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)
40 - {الْيَمِّ} بحر يقال له أساف من وراء مصر غرقوا فيه.(2/491)
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)
41 - {أَئِمَّةً} يقتدى بهم في الكفر، أو يأتم بهم المعتبرون ويتعظ بهم ذوو البصائر {إِلَى النَّارِ} إلى عملها، أو إلى ما يوجب دخولها.(2/491)
وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)
42 - {لعنه} خزياً وغضباً، أو طرداً منها / [136 / أ] بالهلاك فيها. {الْمَقْبُوحِينَ} بسواد الوجوه وزرقة الأعين، أو المشوهين بالعذاب، أو المهلكين، أو الملعونين. {ولقد ءاتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدىً ورحمةً لعلهم يتذكرون}(2/491)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)
43 - {الْكِتَابَ} ست من المثاني السبع المنزلة على محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو التوراة وهي أول كتاب نزل فيه الفرائض والحدود والأحكام. {مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى} قال أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه " لم تهلك قريةٍ ولا أمة ولا قرن بعذاب من السماء ولا من الأرض بعد نزول التوراة، إلا الذين مسخوا قردة " {بَصَآئِرَ} بينات {وَهُدىً} دلالة {وَرَحْمَةً} نعمة {يَتَذَكَّرُونَ} هذه(2/491)
النعم فيثبتون على إيمانهم. {وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قروناً فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاوياً في أهل مدين تتلوا عليهم ءاياتنا ولكنّا كنّا مرسلين وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلّهم يتذكرون ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدّمت أيديهم فيقولوا ربّنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع ءاياتك ونكون من المؤمنين}(2/492)
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)
46 - {وَمَا كُنتَ} يا محمد {بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني، أو نودوا في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت. {وَلَكِن رَّحْمَةً} ما نودي به موسى من جانب الطور من ذكرك نعمة من ربك، أو إرسالك إلى قومك نعمة مني. {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهر وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتابٍ من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لك فاعلم إنّما يتبعون أهواءهم ومن أضلّ ممن أتبع هواه بغير هدى(2/492)
من الله إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون}(2/493)
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)
48 - {قالوا} موسى ومحمد {ساحران} قاله مشركو العرب، أو موسى وهارون قالته اليهود من ابتداء الرسالة، أو عيسى ومحمد وهو قول اليهود اليوم {سِحْرَانِ} . التوراة والقرآن، أو التوراة والإنجيل، أو القرآن والإنجيل وقائل ذلك اليهود. أو قريش.(2/493)
وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)
51 - {وَصَّلْنَا} بَيَّنا، أو أتممنا كصلتك الشيء بالشيء، أو أتبعنا بعضه بعضاً. {الْقَوْلَ} الخبر عن أمر الدنيا والآخرة، أو الخبر عمن أهلكناهم بماذا أهلكناهم من أنواع العذاب {يَتَذَكَّرُونَ} محمداً فيؤمنون به " ع "، أو يتذكرون فيخافون أن ينزل بهم كما نزل بمن قبلهم، أو يتعظون بالقرآن عن عبادة الأوثان. {الذين ءاتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذ يتلى عليهم قالوا ءامنا به إنّه الحق من رّبّنا إنّا كنا من قبله مسلمين 8 أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين}(2/493)
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52)
52 - {الْكِتَابَ) {التوراة والإنجيل} (قَبْلِهِ} من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون، أو من قبل القرآن هم بالقرآن يؤمنون. نزلت والتي بعدها في تميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي، أو في أربعين رجلاً من أهل(2/493)
الإنجيل. آمنوا بالرسول [صلى الله عليه وسلم] قبل مبعثه. اثنان وثلاثون من الحبشة قدموا مع جعفر بن أبي طالب على الرسول [صلى الله عليه وسلم] وثمانية قدموا من الشام منهم بحيرا أو أبرهة(2/494)
أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)
54 - {أَجْرَهُمْ مَّرَّتَيْنِ} لإيمانهم بالكتاب الأول، والكتاب الآخر، {بِمَا صَبَرُواْ} على الإيمان، أو الأذى أو الطاعة وعن المعصية {بِالْحَسَنَةِ} يدفعون بالعمل الصالح ما سلف من الذنب، أو بالحلم جهل الجاهل، أو بالسلام قبح اللقاء، أو بالمعروف المنكر، أو بالخير الشر. {يُنفِقُونَ} الزكاة " ع "، أو نفقة الأهل وهذا قبل نزول الزكاة، أو يتصدقون من أكسابهم.(2/494)
وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)
55 - {وإذا سمعوا اللغو} / [136 / ب] قوم أسلموا من اليهود فكان اليهود يلقونهم بالسب والأذى فيعرضون، أو أسلم منهم قوم فكانوا إذا سمعوا ما غُيِّر من التوراة. من نعت الرسول [صلى الله عليه وسلم] كرهوه وأعرضوا عنه، أو المؤمنون إذا سمعوا الشرك أعرضوا عنه، أو ناس من أهل الكتاب ليسوا يهود ولا نصارى وكانوا على دين الأنبياء ينتظرون مبعث الرسول [صلى الله عليه وسلم] فلما سمعوا بظهوره بمكة أتوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا فكان أبو جهل ومن معه يلقونهم فيقولون لهم: " أُفٍّ لكم من قوم منظور إليكم تبعتم غلاماً قد كرهه قومه وهم أعلم به منكم " فإذا قالوا ذلك أعرضوا عنهم. {أَعْمَالُنَا} لنا ديننا ولكم دينكم، أو لنا حلمنا ولكم سفهكم. {لا نَبْتَغِى الجاهلين} لا نتبعهم أو لا نجازيهم.(2/494)
{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرماً ءامناً يجبي إليه ثمرات كل شيءٍ رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون}(2/495)
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
56 - {مَنْ أَحْبَبْتَ} هدايته، أو أحببته لقرابته نزلت في أبي طالب. {يَهْدِى مَن يَشَآءُ} قال قتادة: يعني العباس {بِالْمُهْتَدِينَ} بمن قَدَّر له الهدى.(2/495)
وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)
57 - {وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى} نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] إنا لنعلم أن قولك حق ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك مخافة أن يتخطفنا العرب في أرضنا يعني مكة وإنما نحن أكلة رأس للعرب ولا طاقة لنا بهم. {آمنا} بما طبعت عليه النفوس من السكون إليه حتى لا يفر الغزال من الذئب والحمام من الحدأ، أو أمر بأن يكون آمناً لمن دخله ولاذ به يقول كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبدون غيري. أفتخافون إذا عبدتموني(2/495)
وآمنتم بي. {يُجْبَى} يجمع {ثَمَرَاتُ كُلِّ} أرض وبلد {لا يَعْلَمُونَ} لا يعقلون، أو لا يتدبرون. {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنّا نحن الوارثين وما كان ربّك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلوا عليهم ءاياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون}(2/496)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58)
58 - {بَطِرَتْ} البطر: الطغيان بالنعمة {مَعِيشَتَهَا} في معيشتها قاله الزجاج أو أبطرتها معيشتها.(2/496)
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)
59 - {أُمِّهَا} أوائلها " ح "، أو معظم القرى من سائر الدنيا، أو مكة. {وما أوتيتم من شىءٍ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خيرٌ وأبقى أفلا تعقلون أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين}(2/496)
أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
61 - {أفمن وعدناه} الرسول [صلى الله عليه وسلم] {وَعْداً حَسَناً} النصر في الدنيا والجنة في الآخرة أو حمزة بن عبد المطلب، والوعد الحسن الجنة وملاقاتها دخولها. {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ} أبو جهل {الْمُحْضَرِينَ} للجزاء، أو في النار، أو المجهولين.(2/496)
{ويوم يناديهم فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيّانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذٍ فهم لا يتساءلون فأمّا من تاب وءامن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين}(2/497)
فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66)
66 - {الأَنبَآءُ} الحجج، أو الأخبار. {لا يَتَسَآءَلُونَ} بالأنساب، أو لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله، أو أن يحمل من ذنوبه شيئاً. {وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون وربّك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون قل أرءيتم إن جعل الله عليكم الّيل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياءٍ أفلا تسمعون قل أرءيتم إن جعل الله عليكم ألنهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليلٍ تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم اليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلّكم تشكرون}(2/497)
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)
68 - {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} كان قوم في الجاهلية يجعلون خير أموالهم(2/497)
لآلهتهم. فقال {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} من خلقه {وَيَخْتَارُ} منهم ما يشاء لطاعته، أو يخلق ما يشاء من الخلق ويختار من يشاء للنبوة، أو يخلق ما يشاء النبي ويختار الأنصار لدينه {وما كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} أي يختار للمؤمنين الذي فيه خيرتهم، أو " ما " نافية أن يكون للخلق على الله تعالى خيرة نزلت في الذين / [137 / أ] {جعلوا للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً فَقَالُواْ هذا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَآئِنَا} [الأنعام: 136] ، أو في الوليد بن المغيرة قال {لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] يعني نفسه وأبا مسعود الثقفي فقال الله تعالى ما كان لهم أن يتخيروا على الله الأنبياء. {ويوم يناديهم فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمةٍ شهيداً فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون}(2/498)
وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)
75 - {وَنَزَعْنَا} أخرجنا {مِن كُلِّ أُمَّةٍ} رسولاً مبعوثاً إليها، أو أحضرناه ليشهد عليها أن قد بلغها الرسالة. {بُرْهَانَكُمْ} حجتكم، أو بينتكم. {الْحَقَّ لِلَّهِ} التوحيد، أو العدل، أو الحجة. {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وءاتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولى القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين 77}(2/498)
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
76 - {قارون} كان ابن موسى أخي أبيه وقطع البحر مع بني إسرائيل(2/498)
ونافق كما نافق السامري. {فَبَغَى} كفر بالله، أو زاد في طول ثيابه شبراً، أو علا بكثرة ماله وولده، أو كان غلاماً لفرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم، أو نسب ما أتاه الله تعالى من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته، أو لما أمر موسى برجم الزاني دفع قارون إلى بَغِيٍّ مالاً قيل ألفي درهم وأمرها أن تدعي على موسى أنه زنا بها ففعلت فعظم ذلك على موسى فأحلفها بالله تعالى الذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت. فقالت: أشهد أنك برىء وأن قارون أعطاني مالاً وحملني على ذلك " ع " {مِنَ الْكُنُوزِ} أصاب كنزاً، أو كان يعمل الكيمياء {مَفَاتِحَهُ} خزائنه، أو أوعيته، أو مفاتيح خزائنه وكانت من جلود يحملها أربعون بغلاً، أو مفاتيحها: إحاطة علمه بها. {لتنوء} لتثقل العصبة " ع "، أو لتمر بالعصبة من النأي وهو البعد، أو ينهض بها العُصبة {العصبة} الجماعة يتعصب بعضهم لبعض مهم سبعون رجلاً، أو ما بين العشرة إلى الأربعين، أو ما بين العشرة إلى الخمسة عشر، أو ستة أو سبعة، أو ما بين الثلاثة والتسعة وهم النفر، أو عشرة قال أبو عبيدة: هذا من المقلوب تأويله أن العصبة لتنوء بالمفاتيح {الْقُوَّةِ} الشدة {إِذْ قال له(2/499)
قومه} مؤمنوا قومه، أو موسى {لا تَفْرَحْ} لا تبغ، أو لا تبخل، أو لا تبطر.(2/500)
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
77 - {وابتغ فيما آتاك} بطلب الحلال في الكسب " ح "، أو بالصدقة وصلة الرحم {وَلا تَنسَ} حظك من الدنيا أن تعمل فيه لآخرتك " ع "، أولاً تنس الغَناء بالحلال عن الحرام أو لا تنس ما أنعم الله عليك فيها أن تشكر الله بطاعته. {وَأَحْسِن} فيما فرض عليك كما أحسن الله تعالى في نعمه عليك، أو في طلب الحلال. كما أحسن إليك بالإحلال، أو أعط فضل مالك كما زادك على قدر حاجتك. {لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} لا يقربهم، أو لا يحب أعمالهم. {قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون}(2/500)
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
78 - {عِلْمٍ عِندِى} بقوتي وعملي، أو خير عندي، أو لرضا الله عني وعلمه باستحقاقي، أو علم بوجه المكاسب، أو صنعه الكيمياء علمه موسى ثلث الصنعة ويوشع الثلث وهارون / [137 / ب] الثلث. فخدعهما قارون وكان على إيمانه فعلم ما عندهما فعمل الكيمياء وكثرت أمواله. {ولا يسأل عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} سؤال استعتاب، أو لا تسأل عنهم الملائكة لأنهم يعرفونهم بسيماهم، أو يعذبون ولا يحاسبون، أو لا يسألون عن إحصاء أعمالهم ويعطون(2/500)
الصحائف فيعرفونها ويعترفون بها. {فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظٍ عظيمٍ وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خيرٌ لمن ءامن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون}(2/501)
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)
79 - {فِى زِينَتِهِ} حشمه، أو تَبَعِه سبعين ألفاً عليهم المعصفرات وهو أول يوم رؤيت فيه المعصفرات وكان أول من خضب بالسواد، أو جَوارٍ بيض على بغال بيض بسروج من ذهب على قُطُف أرجوان {حظ} درجة، أو جد. {فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون}(2/501)
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)
81 - {فخسفنا} قيل شكاه موسى عليه الصلاة والسلام إلى الله تعالى فأمر الأرض أن تطيع موسى فأقبل قارون وشيعته فقال موسى عليه الصلاة والسلام " يا أرض خذيهم " فأخذتهم إلى أعقابهم، ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى أوساطهم ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم فخسف بهم وبدار قارون وكنوزه، أو قال بنو إسرائيل: إنما أمر الأرض بابتلاعه ليرث ماله لأنه كان ابن(2/501)
عمه فخسف بداره وبجميع أمواله بعد ثلاثة أيام.(2/502)
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)
82 - {وَيْكَأَنَّ} أو لا يعلم أن الله، أو لا يرى أن الله، أو ولكن الله بلغة حمير، أو الياء صلة تقديره كأن الله، أو الياء والكاف صلتان تقديره وأن الله، أو الكاف صلة والياء للتنبيه، أو ويك مفصولة بمعنى ويح فأبدل الحاء كافاً، أو ويلك فحذف اللام، أو وي منفصلة على جهة التعجب ثم استأنف كأن الله. قاله الخليل. {وَيَقْدِرُ} يختار له. " ع "، أو ينظر له إن كان الغنى خيراً له أغناه وإن كان الفقير خيراً له أفقره. " ح " أو يضيق. {تلك الدّار الأخرة نجعلها للذين لا يردون علوّا فى الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتّقين من جآء بالحسنة فله خيرٌ منها ومن جآء بالسّيئة فلا يجزى الذين عملوا السّيئات إلا ما كانوا يعملون(2/502)
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)
83 - {عُلُوّاً} بغياً، أو تكبراً، أو شرفاً وعزاً، أو ظلماً، أو شركاً أو لا يجزعون من ذلها ولا يتنافسون في عزها. {فَسَاداً} أخذها بغير حق، أو المعاصي، أو قتل الأنبياء والمؤمنين. {والعاقبة} الثواب، أو الجنة. {إن الذى فرض عليك القرءان لرآدّك إلى معاد قل رّبى أعلم من جآء بالهدى ومن هو فى ضلال مّبين وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من رّبك فلا تكونن ظهيراً للكافرين ولا يصدّنّك عن ءايات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع(2/502)
إلى ربك ولا تكونن من المشركين ولا تدع مع الله إلاهاً اخر لا إلاه إلا هو كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعوني}(2/503)
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)
85 - {فرض عليك القرآن} أنزله، أو أعطاكه، أو ألزمك العمل به، أو حَمَّلك تأديته وتبليغه، أو بينه على لسانك. {مَعَادٍ} مكة، أو بيت المقدس، أو الموت. " ع "، أو يوم القيامة، أو الجنة.(2/503)
وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
88 - {إِلا وَجْهَهُ} إلا هو، أو ملكه، أو ما أريد به وجهه، أو إلا موت العلماء فإن علمهم باق، أو إلا جاهه، لفلان جاه ووجه بمعنى، أو العمل، {لَهُ الْحُكْمُ} القضاء في خلقه بما شاء، أو ليس للعباد أن يحكموا إلا بأمره {تُرْجَعُونَ} في القيامة فتجزون بأعمالكم.(2/503)
سورة العنكبوت
مكيه أو إلا عشر آيات من أولها مدنية إلى {وليعلمن المنافقين} [11] ، أو كلها مدنية وقال علي رضي الله تعالى عنه نزلت بين مكة والمدنية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{الم أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيّئات أن يسبقونا سآء ما يحكمون}(2/504)
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)
2 - {أحسب} أظن قائلو لا إله إلا الله {أَن يُتْرَكُواْ} فلا يختبر صدقهم وكذبهم، أو أَظَنَّ المؤمنون أن لا يؤمروا ولا ينهوا، أو أن لا يؤذوا ولا يقتلوا أو خرج قوم للهجرة فعرض لهم المشركون فرجعوا فنزلت فيهم فلما سمعوها خرجوا فقتل بعضهم وخلص آخرون فنزلت {والذين جاهدوا فينا} [الآية: 69] . أو نزلت في عمار ومن كان يعذب في الله تعالى بمكة، أو في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه عذبه أبو جهل على إسلامه حتى تلفظ بالشرك مُكرَهاً، أو في قوم أسلموا قبل فرض الزكاة والجهاد فلما فرضا شق(2/504)
عليهم {لا يُفْتَنُونَ} لا يهلكون، أو لا يختبرون في أموالهم وأنفسهم بالصبر على أوامر الله تعالى وعن نواهيه.(2/505)
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
3 - {فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} بما فرض عليهم، أو بما بلاهم به. {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} فليميزن الصادق من الكاذب، أو ليظهرن لرسوله صدق الصادق. قيل نزلت في مهجع مولى عمر أول قتيل بين الصفين من المسلمين ببدر. فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " سيد الشهداء مهجع ". وقيل هو أول من يدعى إلى الجنة من شهداء المسلمين.(2/505)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)
4 - {الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} اليهود. والسيئات الشرك {يَسْبِقُونَا} يعجزونا فلا نقدر عليهم، أو يسبقوا ما كتب عليهم من محتوم القضاء. {يَحْكُمُونَ} يظنون، أو يقضون لأنفسهم على أعدائهم. {من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لاتٍ وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغنى عن العالمين والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنكفرّنّ عنهم سيئاتهم ولنجزينّهم أحسن الذي كانوا يعملون}(2/505)
مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)
5 - {يَرْجُواْ} يخاف، أو يأمل. {لِقَآءَ اللَّهِ} لقاء ثوابه، أو البعث إليه {أَجَلَ اللَّهِ} بالجزاء في القيامة. {السَّمِيعُ} لأقوالكم {الْعَلِيمُ} باعتقادكم. {وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما(2/505)
إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين}(2/506)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
8 - {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ} ألزمناه أن يبرهما، أو ما أوصيناه به من برهما {حُسْناً} {لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} حجة، أو لا يعلم أحد أن لله تعالى شريكاً. نزلت في سعد بن أبي وقاص حلفت أمه أن لا تأكل طعاماً حتى يرجع عن دين محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو في عياش بن أبي ربيعة حلفت أمه كذلك وخدعه أخوه لأمه أو جهل حتى أوثقه وعاقبه. {ومن الناس من يقول ءامنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصرٌ من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين ءامنوا وليعلمنّ المنافقين وقال الذين كفروا للذين ءامنوا اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من(2/506)
خطاياهم من شيءٍ إنّهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليسئلن يوم القيامة عمّا كانوا يفترون 2}(2/507)
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)
13 - {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} أعوان الظلمة، أو المبتدعة إذا تُبعوا على بِدَعهم، أو محدثو السنن الجائرة إذا عمل بها بعدهم. {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون 14 فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها ءايةً للعالمين}(2/507)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)
14 - {نُوحاً} هو أول رسول بعث وبعث من الجزيرة. {أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً} وهي مبلغ عمره لبث قبل دعائهم ثلاثمائة ودعاهم ثلاثمائة وبقي بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين، أو بعث لأربعين ودعاهم ألفاً إلا خمسين وبقي بعد الطوفان ستين فذلك ألف وخمسون " ع "، أو لبث فيهم ألفاً إلا خمسين وعاش بعد ذلك سبعين فذلك ألف وعشرون، أو بعث على ثلاثمائة وخمسين ودعاهم ألفاً إلا خمسين وبقي بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين فذلك ألف وستمائة وخمسون {الطُّوفانُ} المطر " ع "، أو الغرق، أو الموت مأثور قيل كان(2/507)
الطوفان في نيسان. {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون إنّما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون وإن تكذّبوا فقد كذّب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسيرٌ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الأخرة إن الله على كل شىءٍ قديرٌ يعذّب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولىٍ ولا نصيرٍ والذين كفروا بئايات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذابٌ أليمٌ}(2/508)
يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21)
21 - {يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} بالانقطاع إلى الدنيا {وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ} بالإعراض عنها، أو يعذب بسوء الخلق ويرحم بحسنه، أو يعذب بالحرص / [138 / ب] ويرحم بالقناعة، أو يعذب ببغض الناس له ويرحم بحبهم، أو يعذب بمتابعة البدعة ويرحم بملازمة السنة.(2/508)
{فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرّقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لاياتٍ لقومٍ يؤمنون وقال إنّما أتخذتم من دون الله أوثاناً مودّة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعضٍ ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين فأمن له لوطٌ وقال إني مهاجرٌ إلى ربي إنّه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وءاتيناه أجره في الدنيا وإنّه في الآخرة لمن الصالحين}(2/509)
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)
26 - {لُوطٌ} كان ابن أخيه وآمنت به سارة وكانت بنت عمه، أو كانت سارة أخت لوط. {مُهَاجِرٌ} للظالمين. فهاجر من الجزيرة إلى حَرَّان، أو من كوثى وهي سواد الكوفة إلى الشام.(2/509)
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)
27 - {أَجْرَهُ فِى الدُّنْيَا} الذكر الحسن " ع "، أو رضا أهل الأديان به، أو النية الصالحة التي اكتسب بها آجر الآخرة " ح "، أو لسان صدق، أو ما أوتي في الدنيا من الأجر، أو الولد الصالح حتى إن أكثر الأنبياء من ولده.(2/509)
{ولوطاً إذا قال لقومه إنّكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إئنّكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين قال رب انصرني على القوم المفسدين ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنّا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ولما أن جاءت رسلنا لوطاً سىءَ بهم وضاق بهم ذرعاً وقالوا لا تخف ولا تحزن إنّا منجّوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين إنّا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها ءاية بينةً لقومٍ يعقلون وإلى مدين أخاهم شعيباً فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين فكذّبوه فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين وعاداً وثموداً وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلاًّ أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض(2/510)
ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}(2/511)
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)
29 - {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} لأن الناس انقطعوا عن الأسفار حذراً من فعلهم الخبيث، أو قطعوا الطريق على المسافرين، أو قطعوا سبيل النسل بترك النساء إلى الرجال {نَادِيكُمُ} مجلسكم {الْمُنكَرَ} كانوا يتضارطون أو يحذفون من يمر بهم ويسخرون منه مأثور، أو يأتي بعضهم بعضاً، أو الصفير ولعب الحمام والجلاهق ومضغ العِلْك وبصاق بعضهم على بعض والسؤال وحل أزرار القباء في المجلس. {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت أتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شىءٍ وهو العزيز الحكيم وتلك الأمثال(2/511)
نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}(2/512)
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)
41 - {كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ} كما لا يغني عنها بيتها كذلك لا تغني عبادة الأصنام شيئاً وقيل العنكبوت شيطان مسخها الله عز وجل. {خلق الله السموات والأرض بالحق إن في ذلك لآيةً للمؤمنين أتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون}(2/512)
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
45 - {اتْلُ} يا محمد على أمتك القرآن. {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} المفروضة " ع " أو القرآن، أو الدعاء إلى أمر الله تعالى. {الْفَحْشَآءِ} الزنا {وَالْمُنكَرِ} الشرك " ع "، تنهى الصلاة عنهما ما دام المصلي فيها، أو تنهى عنهما قبلهما وبعدها " ع " قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله تعالى إلا بعداً "، أو ما تدعوهم إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(2/512)
نهاهم عن الفحشاء والمنكر {وَلَذِكْرُ اللَّهِ} إياكم أكبر من ذكركم إياه " ع "، أو ذكره أفضل من كل شيء، أو ذكره في الصلاة أفضل مما نهت عنه من الفحشاء والمنكر، أو ذكره في الصلاة أكبر من الصلاة، أو ذكره أكبر أن تحويه عقولكم، أو ذكره أكبر من قيامكم بطاعته، أو أكبر من أن يُبقي على صاحبه عقاب الفحشاء والمنكر. {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلاهكم واحدٌ ونحن له مسلمون(2/513)
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
46 - {بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} قول لا إله إلا الله " ع "، أو الكف عند بذل الجزية والقتال عند منعها، أو إن قالوا شراً قلنا لهم خيراً. {الَّذِينَ ظَلَمُواْ} أهل الحرب، أو من منع الجزية، أو من ظلم بالإقامة على الكفر بعد ظهور الحجة، أو الذين ظلموا في جدلهم فأغلظوا لهم، منسوخة، أو محكمة. {وقولوا آمنا} كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية للمسلمين فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم {وقولوا آمنا) {الآية} (مُسْلِمُونَ} بقوله لأهل الكتاب، أو لمن آمن.(2/513)
{وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالّذين ءاتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هاؤلاء من يؤمن به وما يجحد بأياتنا إلا الكافرون وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذا لاّرتاب المبطلون بل هو ءايات بينات في صدور الذين أتوا العلم وما يجحد بأياتنا إلا الظّالمون(2/514)
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)
48 - {وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ} قبل القرآن كتاباً من الكتب المنزلة ولا / تكتبه بيمينك فتعلم ما فيه حتى يشكوا في إخبارك عنه أنه من وحي الله إليك، أو كان نعته في الكتب المنزلة أن لا يكتب ولا يقرأ فكان ذلك دليلاً على صحة نبوته. {المبطلون} مكذبو اليهود، أو مشركوا العرب، أو قريش لأنه لو كتب وقرأ قالوا تعلمه من غيره(2/514)
بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)
49 - {بل هو آيات} يعني النبي [صلى الله عليه وسلم] في كونه لا يقرأ ولا يكتب آيات بينات في صدور العلماء من أهل الكتاب لأنه في كتبهم بهذه الصفة، أو القرآن آيات بينات في صدور النبي [صلى الله عليه وسلم] والمؤمنين به خُصوا لحفظه في صدورهم بخلاف من قبلهم فإنهم كانوا لا يحفظون كتبهم عن ظهر قلب إلا الأنبياء {الظَّالِمُونَ) {المشركون} (وقالوا لولا أنزل عليه ءاياتٌ من رّبه قل إنّما الآيات عند الله وإنما أنا نذيرٌ مبين أو لم يكفهم أنّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمةً وذكرى لقومٍ يؤمنون قل كفى بالله بين وبينكم شهيداً يعلم ما في السموات والأرض والذين ءامنوا بالباطل وكفروا بالله(2/514)
أولئك هم الخاسرون} 50،(2/515)
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)
51 - {لَوْلآ أُنزِلَ} اقترحوا عليه الآيات ليجعل الصفا ذهباً وتفجير الأنهار، أو سألوه مثل آيات الأنبياء كالناقة والعصا واليد وإحياء الموتى {الأَيَاتُ} عند الله تعالى يخص بها من شاء من الأنبياء {وَإِنَّمَآ أَنَأْ نذيرٌ} لا يلزمني الإتيان بالمقترح من الآيات وإنما يلزمني أنه يشهد على تصديقي وقد فعل الله تعالى ذلك وأجابهم بقوله: {أو لم يَكْفِهِمْ} دلالة على نبوتك القرآن بإعجازه واشتماله على الغيوب والوعود الصادقة، أو أراد بذلك ما روي أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أُتِي بكتاب في كتف فقال: " كَفَى بقوم حمقاً أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى غير نبيهم، أو كتاب غير كتابهم " فنزلت {أو لم يَكْفِهِمْ} {لَرَحْمَةً} إستنقاذاً من الضلال. {وَذِكْرَى} إرشاداً إلى الحق {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يقصدون الإيمان دون العناد.(2/515)
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)
52 - {شيهداً} لي بالصدق " ع " والإبلاغ وعليكم بالكذب والعناد. {بِالْبَاطِلِ} إبليس، أو عبادة الأصنام {الْخَاسِرُونَ} لأنفسهم بإهلاكها، أو لنعيم الجنة بعذاب النار. {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب ولولا أجلٌ مسمى لجاءهم العذاب وليأتينّهم بغتةً وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنّم لمحيطة بالكافرين يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعلمون}(2/515)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)
53 - {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} عناداً، أو استهزاءً كقول النضر {إن كان هذا هو االحق} الآية: [32 الأنفال] {أَجَلٌ مُّسَمّىً} القيامة، أو أجل الحياة إلى الموت وأجل الموت إلى البعث، أو النفخة الأولى أو الوقت الموقت لعذابهم. {بَغْتَةً} فجأة. {لا يَشْعُرُونَ} بنزوله قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : تقوم الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فِيه فما تصل إلى فِيه حتى تقوم الساعة ". {ياعبادي الذين ءامنوا إنّ أرضى واسعة فإياي فاعبدون كل نفسٍ ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنبوّئنهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون وكأين من دابةٍ لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم.}(2/516)
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)
56 - {أَرْضِى وَاسِعَةٌ} فجانبوا العصاة بالخروج من أرضهم، أو اطلبوا أولياء الله تعالى، أو رحمتي واسعة، أو رزقي واسع. {فَاعْبُدُونِ} بالهجرة إلى المدينة، أو بأن لا تطيعوا أحداً في معصيتي، أو فارهبون.(2/516)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)
57 - {ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ} كل حي ميت، أو تجد كرب الموت وشدته إرهاباً(2/516)
لهم لِيدَعوا المعاصي، أو إعلاماً أن الرسل يموتون فلا تضلوا بموت من مات منهم.(2/517)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)
58 - {لنثوينهم} / [139 / ب] من الثواء وهو طول المقام والباء لنسكننهم {غرقا} الغرف أعالي البيوت وهي أنزه وأطيب من البيوت.(2/517)
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
60 - {لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} بل ما تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئاً، أو تأكل لوقتها ولا تدخر لغذها " ح "، أو يأتيها بغير طلب وذكر النقاش شيئاً لا يحل ذكره ولبئس ما قال وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الحيوان كل ما دب لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر. {يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} يسوي بين القادر والعاجز والحريص والقانع ليعلم أن ذلك يقدره الله تعالى دون حول وقوة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لما أمرهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالهجرة خافوا الضيعة والجوع وقال بعضهم نهاجر إلى بلدة ليس فيها معاش فنزلت هذه الآية فهاجروا. {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولنّ الله فأنّى يؤفكون الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيءٍ عليم ولئن سألتهم من نّزّل من السماء ماءً فأحيا به الأرض من بعد موتها لقولن الله قل(2/517)
الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون وما هذه الحياة الدنيا إلا لهوٌ ولعبٌ وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلمّا نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما ءاتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون}(2/518)
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)
64 - {الحيوان} الحياة الدائمة. قال أبو عبيدة: الحيوان والحياة واحد. {أو لم يروا أنّا جعلنا حرماً ءامناً ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون 67 ومن أظلم ممن أفترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوىً للكافرين والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}(2/518)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)
67 - {وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ} بالقتل والسبي {أَفَبِالْبَاطِلِ} الشرك، أو إبليس {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ} بعافيته " ع "، أو عطائه وإحسانه أو بالهدى الذي جاء به الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو بإطعامهم من جوع وأمنهم من خوف.(2/518)
67 - {افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} جعل له شريكاً وولداً. {بِالْحَقِّ} التوحيد أو القرآن، أو محمد [صلى الله عليه وسلم] . {مثوى} مستقر.(2/518)
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
69 - {جَاهَدُواْ} أنفسهم في هواها، أو العدو بالقتال، أو اجتهدوا في الطاعة وترك المعصية، أو تابوا من ذنوبهم جهاداً لأنفسهم. {سُبُلَنَا} طريق الجنة، أو دين الحق، أو نعلمهم ما لا يعلمون، أو نخلص نياتهم في الصوم والصلاة والصدقة. {لمع المحسنين} بالنصر والمعونة.(2/519)
سورة الروم
مكية اتفاقاً
بسم الله الرحمن الرحيم
{الم غلبت الروم في اذنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضعٍ سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصرمن يشاء وهو العزيز الرّحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولاكن أكثر النّاس لا يعلمون يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الأخرة هم غافلون 1، 2،(2/520)
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)
3 - كان المسلمون يؤثرون ظهور الروم على فارس لأنهم أهل كتاب، وآثر المشركون ظهور فارس على الروم لأنهم أهل أوثان فلما غلبت فارس سُرَّ المشركون وقالوا للمسلمين إنكم تزعمون أنكم تغلبونا لأنكم أهل كتاب وقد غلبت فارس الروم وهم أهل كتاب وكان آخر فتوح كسرى فتح فيه القسطنطينية بنى فيها بيت النار فبلغ الرسول [صلى الله عليه وسلم] فساءه ذلك فنزلت هاتان الآيتان فبادر أبو بكر رضي الله عنه فأخبر المشركين بذلك فاقتمر المسلمين(2/520)
والكفار على أنهم يغلبون إلى ثلاث سنين، أو خمس سنين، أو سبع سنين. قامر عن المسلمين أبو بكر رضي الله تعالى عنه. وعن المشركين أبو سفيان بن حرب، أو أُبي بن خلف وذلك قبل تحريم القمار وكان العوض خمس قلائص، أو سبع قلائص فلما علم الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن أبا بكر قدر المدة أمره أن يزيد في الخطر فزاد قلوصين وازداد سنتين وكانت الزيادة بعد انقضاء الأجل الأول قبل الغلبة، أو قبل انقضاء الأجل الأول. وغلبت الروم فارس عام بدر في يوم بدر، أو / قبل الهجرة بسنتين، أو عام حديبية. {أدنى الأرض} أدنى أرض فارس، أو أدنى أرض الروم عند الجمهور بأطراف الشام " ع "، أو أذرعات الشام كانت بها الوقعة، أو الجزيرة أقرب أرض الروم إلى فارس، أو الأردن وفلسطين. 4،(2/521)
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)
5 - {بِضْعِ} ما بين الثلاث إلى العشر. مأثور، أو ما بين العقدين من الواحد إلى العشرة. قاله بعض أهل اللغة، فيكون من الثاني إلى التاسع، أو ما بين الثلاث والتسع. والنَّيف ما بين الواحد إلى التسعة، أو ما بين الواحد والثلاثة عند الجمهور. {مِن قَبْلُ} ما غُلِبتْ الروم {وَمِن بَعْدُ} ما غُلِبت، أو قبل دولة فارس على الروم وبعد دولة الروم على فارس. {يَفْرَحُ الْمؤْمِنُونَ} جاءهم الخبر بهلاك كسرى يوم الحديبية ففرحوا {بِنَصْرِ اللَّهِ} لضعف فارس وقوة العرب، أو فرحوا بنصر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب مثلهم، أو لأنه مقدمة لنصرهم على المشركين، أو لما فيه من تصديق خبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] بذلك.(2/521)
{يَنصُرُ مَن يَشَآءُ} من أوليائه ونصره مختص بهم وغلبة الكفار ليست بنصر منه وإنما هي بلاء ومحنة {الْعَزِيزُ} في نقمته من أعدائه {الرَّحِيمُ} بأوليائه.(2/522)
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)
7 - {ظَاهِراً} أمر معاشهم متى يزرعون ويحصدون وكيف ينبتون ويغرسون " ع " وكبنيان قصورها وشق أنهارها وغرس أشجارها، أو يعلمون ما ألقته الشياطين إليهم باستراق السمع من أمور الدنيا. {أو لم يتفكرون في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى إنّ كثيراً من الناس بلقآئ ربّهم لكافرون أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشّد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر ممّا عمروها وجآءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولاكن كانوا أنفسهم يظلمون ثمّ كان عاقبة الذّين أسائوا السّوأى أن كذّبوا بأيات الله وكانوا بها يستهزءون}(2/522)
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)
8 - {بِالْحَقِّ} بالعدل، أو الحكمة، أو بأن استحق عليهم الطاعة والشكر، أو للثواب والعقاب. {وَأَجَلٍ مُّسَمّىً} القيامة " ع " أو أجل كل مخلوق.(2/522)
ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)
10 - {أَسَآءُواْ} كفروا. {السُّوأَى} جهنم، أو عقاب الدارين " ح ". {أَن كَذَّبُواْ} لأن كذبوا. {بِآيَاتِ اللَّهِ} محمد [صلى الله عليه وسلم] والقرآن، أو معجزات الرسل، أو نزول العذاب بهم. {الله يبدؤا الخلق ثم يعيده ثم إليه ترّجعون ويوم تقوم السّاعة يبلس(2/522)
المجرمون ولم يكن لهم من شركائهم شفعاؤا وكانوا بشركائهم كافرين ويوم تقوم الساعة يومئذٍ يتفرقون فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فهم في روضةٍ يحبرون وأما الذين كفروا وكذّبوا بئاياتنا ولقائ الآخرة فأولئك في العذاب محضرون}(2/523)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)
12 - {يُبْلِسُ} يفتضح، أو يكتئب، أو ييأس، أو يهلك، أو يندم، أو يتحير.(2/523)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)
14 - 0 يَتَفَرَّقُونَ} في المكان بالجنة والنار، أو بالجزاء بالثواب والعقاب.(2/523)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)
15 - {رَوْضَةٍ} البستان المتناهي منظراً وطيباً. {يُحْبَرُونَ} يكرمون " ع "، أو ينعمون، أو يلتذون بالسماع والغناء، أو يفرحون. والحبرة: السرور والفرح.(2/523)
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)
16 - {مُحْضَرُونَ} نازلون، أو مقيمون، أو يدخلون، أو مجموعون. {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون}(2/523)
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)
17 - {فَسُبْحَانَ اللَّهِ} سبحوه، أو صلّوا له سميت الصلاة تسبيحاً لاشتمالها عليه في الركوع والسجود، أو من السبحة وهي الصلاة {تُمْسُونَ} المغرب والعشاء المساء بدو الظلام بعد المغيب {تُصْبِحُونَ} صلاة الصبح.(2/523)
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)
18 - {وَلَهُ الْحَمْدُ} على نعمه، أو الصلاة لاختصاصها بقراءة حمده بالفاتحة وخص صلاة النهار باسم الحمد لأن تقلب النهار يكثر فيه الإنعام الموجب للحمد والليل وقت فراغ وخَلوة يوجب تنزيه الله تعالى من الأسواء فيها. {وَعَشِيّاً} العصر والعشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب لنقص(2/523)
نورها / [140 / ب] أخذ من عشا العين وهو نقص نورها {تُظْهِرُونَ} صلاة الظهر. نزلت هذه الآية بعد الإسراء به قبل الهجرة وكل آية نزلت تذكر الصلاة قبل الإسراء فليست من الصلوات الخمس لأنهن إنما فرضن ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة.(2/524)
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)
19 - {يُخْرِجُ} الإنسان الحي من النطفة الميتة والنطفة الميتة من الإنسان الحي " ع "، أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، أو الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة، أو النخلة من النواة والنواة من النخلة والسنبلة من الحبة والحبة من السنبلة. {تُخْرَجُونَ} كما أحيى الموات وأخرج النبات فكذلك تبعثون. {ومن ءاياته أن خلقكم من ترابٍ ثم إذا أنتم بشرٌ تنتشرون ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون}(2/524)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
21 - {أَزْوَاجاً} حواء من ضلع آدم، أو سائر الأزواج من أمثالكم من الرجال. {لِّتَسْكُنُواْ} لتأنسوا {مَّوَدَّةً} محبة {وَرَحْمَةً} شفقة، أو المودة: الجماع والرحمة: الولد " ح "، أو المودة حب الكبير والرحمة والرحمة الحُنو على الصغير، أو الرحمة بين الزوجين. {ومن ءاياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآياتٍ للعالمين ومن ءاياته منامكم باليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لاياتٍ لقومٍ يسمعون}(2/524)
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)
22 - {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} بما فيهما من العبر، أو لعجز الخلق عن إيجاد مثلهما. {أَلْسِنَتِكُمْ} لغاتكم كالعربية والرومية والفارسية {وَأَلْوَانِكُمْ} أبيض وأحمر وأسود، أو اختلاف النغمات والأصوات وألوانكم صوركم فلا يشتبه صورتان ولا صوتان. كيلا يشتبهوا في المناكح والحقوق. {لِّلْعَالِمِينَ} الإنس والجن وبالكسر العلماء.(2/525)
وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)
23 - {منامكم بالليل} {وَابْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ} بالنهار، أو منامكم وابتغاؤكم فيهما جميعاً لأن منهم من يتصرف في المعاش ليلاً وينام نهاراً وابتغاء الفضل بالتجارة، أو بالتصرف في العمل. فالنوم كالموت والتصرف نهاراً كالبعث {يسمعون} الحق فيتبعونه، أو الوعظ فيخافونه، أو القرآن فيصدقونه. {ومن ءاياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينزل من السماء ماءً فيحى به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقلون ومن ءاياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوةً من الأرض إذا أنتم تخرجون}(2/525)
وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)
24 - {خَوْفاً} للمسافر {وَطَمَعاً} للمقيم، أو خوفاً من الصواعق وطمعاً في الغيث، أو خوفاً من البرد أن يهلك الزرع وطعماً في الغيث أن يحييه، أو خوفاً أن يكون خُلباً لا يمطر وطمعاً أن يمطر.(2/526)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)
25 - {تقوم السماء والأرض} تكون، أو تثبت {بأمره} بتدبيره وحكمته، أو بإرادته أن تقوم بغير عمد. {دعاكم} من السماء فخرجتم من الأرض من قبوركم عبر عن النفخة الثانية بالدعاء، أو أخرجهم بدعاء دعاهم به، أو بما هو بمنزلة الدعاء وبمنزلة قوله كن. {وله من في السموات والأرض كلّ له قانتون وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم}(2/526)
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)
26 - {قَانِتُونَ} مطيعون. مأثور، أو مصلون " ع "، أو مقرون بالعبودية، أو قائمون له يوم القيامة، أو قائمون بالشهادة أنهم عباده " ع " أو مخلصون.(2/526)
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
27 - {يبدأ الْخَلْقَ} بعلوقه في الرحم ثم يعيده بالبعث استدلالاً بالنشأة على الإعادة. {أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أعادة الخلق أهون على الله تعالى من ابتدائه لأن(2/526)
الإعادة أهون من البُدأة عُرفاً وإن كانا هينين على الله تعالى، أو الإعادة أهون على المخلوق لأنه يقلب نطفة ثم علقه ثم مضغة ثم عظماً ثم رضيعاً ثم فطيماً وفي الإعادة يُصاح به فيعود سوياً " ع " أو أهون بمعنى هين قال:
(إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول)
وأهون / [141 / أ] أيسر وأسهل {الْمَثَلُ الأَعْلَى} الصفة العليا ليس كمثله شيء " ع " أو شهادة أن لا إله إلا الله، أو يحيي ويميت {الْعَزِيزُ} المنيع في قدرته أو القوي في انتقامه {الْحَكِيمُ} في تدبيره، أو في إعذاره وحجته إلى عباده. {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين}(2/527)
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)
28 - {ضرب لكم مثلا} سبب ضربه إشاركهم في عبادته، أو قولهم في التلبية إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، أو كانوا يورثون آلهتهم أي لما لم يشرككم عبيدكم في أموالكم لملككم إياهم فالله تعالى أولى أن لا يشاركه أحد في العبادة لأنه مالك كل شيء {تَخَافُونَهُمْ} أن يشاركوكم في أموالكم كما تخافون ذلك من شركائكم، أو تخافون أن يرثوكم كما تخافون ورثتكم، أو تخافون لأئمتهم كما يخاف بعضكم بعضاً.(2/527)
{فأقم وجهك للدّين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدّين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه وأتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقّوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون}(2/528)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
30 - {وجهك} قصدك، أودينك، أوعملك، {حَنِيفاً} مسلماً، أو مخلصاً، أو متبعاً، أو مستقيماً، أو حاجاً " ع " أو مؤمناً بجميع الرسل. {فطرة اللَّهِ} صنعة الله، أو دينه الإسلام " ع " الذي خلق الناس عليه(2/528)
{الخلق اللَّهِ} لدين الله، أو لا يُتَغير بخلقه من البهائم أن يخصى فحولها " ع " أو لا خالق غير الله كخلقه {الدِّينُ الْقَيِّمُ} الحساب البين، أو القضاء المستقيم " ع ".(2/529)
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)
31 - {مُنِيبِينَ} مقبلين، أو داعين، أو مطيعين، أو تائبين من الذنوب والإنابة من القطع وهي الانقطاع إلى الله تعالى بالطاعة ومنه الناب لقطعه، أو من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد مرة ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة. \ 32 - {فَرَّقُواْ دِينَهُمْ} بالاختلاف فصاروا فرقاً و {فارقوا دينهم} وهم اليهود، أو اليهود والنصارى، أو خوارج هذه الأمة مأثوره، أو أهل الأهواء والبدع مأثور. {شِيَعاً} فرقاً، أو أديان {بِمَا لَدَيْهِمْ} من الضلالة {فَرِحُونَ}(2/529)
مسرورون عند الجمهور، أو معجبون أو متمسكون. {وإذا مس الناس ضرٌ دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمةً إذا فريقً منهم بربهم يشركون ليكفروا بما ءاتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم بما كانوا به يشركون وإذا أذقنا الناس رحمةً فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدّمت أيديهم إذا هم يقنطون}(2/530)
أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35)
35 - {سُلْطَاناً} كتاباً، أو عذراً، أو برهاناً، أو رسولاً.(2/530)
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)
36 - {رَحْمَةً} عافية وسعة، أو نعمة ومطر {سَيِّئَةٌ} بلاء وعقوبة، أو قحط المطر. {يَقْنَطُونَ} القنوط اليأس من الرحمة والفرج عند الجمهور أو ترك فرائض الله تعالى في السر " ح ". {فأت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خيرٌ للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون وما ءاتيتم من رباّ ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عندالله وما ءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شىءٍ سبحانه وتعالى عما يشركون}(2/530)
فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)
38 - {ذَا الْقُرْبَى} قرابة الرجل يصلهم بماله ونفسه، أو قرابة الرسول [صلى الله عليه وسلم](2/530)
بنو هاشم وبنو المطلب يعطون حقهم من الفيء والغنيمة. {وَابْنَ السَّبِيلِ} المسافر، أو الضيف " ع ".(2/531)
وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)
39 - {مِّن رِّباً} هو أن يهدي الهدية ليكافأ بأفضل منها " ع "، أو رجل خدم في السفر فجعل له جزء من الربح لخدمته لا لوجه الله تعالى، أو رجل وهب قريبه ليصير غنياً ذا مال ولا يفعله طلباً للثواب. {فلا يربو} لا يكون له ثواب عند الله {زكَاةٍ} مفروضة، أو صدقة. {وَجْهَ اللَّهِ} ثوابه {الْمُضْعِفُونَ} الحسنة بعشر، أو يضاعف أموالهم في الدنيا بالنمو والبركة. {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلّهم يرجعون 6 قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين}(2/531)
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)
41 - {الْفَسَادُ} الشرك، أو المعاصي أو قحط المطر، أو فساد البر قتل ابن آدم أخاه وفساد البحر أخذ السفينة غصباً {الْبَرِّ} الفيافي {والبحر} القرى. العرب تسمى الأمصار / [141 / ب] البحر، أو البر أهل العمود والبحر أهل القرى والريف، أو البر بادية الأعراب والبحر الجزائر، أو البر ما كان من المدن والقرى على غير نهر والبحر ما كان منها على شاطئ نهر " ع " {بَعْضَ الِّذِى عَمِلُواْ} لأن(2/531)
للمعصية جزاء عاجلاً وجزاء آجلاً. {يَرْجِعُونَ} عن المعاصي، أو إلى الحق، أو يرجع من بعدهم " ح ". {فأقم وجهك للذين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدّعون من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون ليجزى الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من فضله إنّه لا يحب الكافرين}(2/532)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)
43 - {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} للتوحيد، أو استقم للدين المستقيم بصاحبه إلى الجنة {يَصَّدَّعُونَ} يتفرقون في عرصة القيامة، إلى النار والجنة، أو يتفرق المشركون وآلهتهم في النار.(2/532)
مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)
44 - {يَمْهَدُونَ} يُسَوُّون المضاجع في القبور، أو يوطئون في الدنيا بالقرآن وفي الآخرة بالعمل الصالح. {ومن ءاياته أن يرسل الرياح مبشراتٍ وليذيقكم من رحمته ولتجرى الفلك بأمره ولتبغوا من فضله ولعلّكم تشكرون ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الدين أجرموا وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}(2/532)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)
46 - {مبشرات} بالمطر رياح الرحمة أربعة المبشرات والذرايات والناشرات والمرسلات، ورياح العذاب أربعة العقيم والصرصر في البر والعاصف والقاصف في البحر {مِّن رَّحْمَتِهِ} بردها وطيبها، أو المطر.(2/532)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
47 - {نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} الأنبياء بإجابة دعائهم على مكذبيهم، أو نصرهم بإيجاب الذب عن أعراضهم.(2/532)
{الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرونَ وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلىءاثار رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيءٍ قديرٌ ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون}(2/533)
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)
48 - {كِسَفاً} قطعاً، أو متراكباً بعضه على بعض، أو في سماء دون سماء. {الْوَدْقَ} البرق، أو المطر.(2/533)
فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)
50 - {رحمة الله} المطر.(2/533)
وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)
51 - {فرأوه} رأوا السحاب {مُصْفَرّاً} بأنه لا يمطر، أو الزرع مصفراً بعد خضرته " ع ". {لظلوا} أظل إذا فعل أول النهار ووقت الظل وكذلك أضحى فتوسعوا في استعمال ظَلَّ في أول النهار وآخره وقل ما يستعمل أضحى إلا في صدر النهار. {فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين وما أنت بهاد العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بئاياتنا فهم مسلمون}(2/533)
فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52)
52 - {الْمَوْتَى} الذين ماتوا كفاراً و {الصُّمَّ} الذين تولوا عن الهدى فلم يسمعوه، أو مَثَّل الكافر في أنه لا يسمع بالميت والأصم لأن كفره قد أماته وضلاله قد أصمه. {مُدْبرِينَ} لأن المدبر لا يفهم بالإشارة وإن كان الأصم لا يسمع مقبلاً ولا مدبراً قيل نزلت في بني عبد الدار. {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير}(2/533)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)
54 - {ضعف} نطفة. {قوة} شباباً. {ضعفا} هرماً {وشيبة} شمطاً. {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمين ما لبثوا غير ساعةٍ كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون 4}(2/534)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
55 - {الْمُجْرِمُونَ} الكفار. {مَا لَبِثُواْ} في الدنيا، أو في القبور {كَذَلِكَ} هكذا {يُؤْفَكُونَ} يكذبون في الدنيا، أو يصرفون عن الإيمان بالبعث.(2/534)
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56)
56 - {الذين أوتوا العلم} الملائكة، أو أهل الكتاب. {في كتاب الله} في علمه، أو بما بيانه في كتابه، أو تقديره: أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان {لقد لبثتم} في الدنيا، أو القبور إلى يوم البعث. {لا تعلمون} أن البعث حق.(2/534)
فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)
57 - {مَعْذِرَتُهُمْ} في تكذيبهم. {يُسْتَعْتَبُونَ} يستتابون، أو يعاتبون على سيئاتهم أو لا يطلب منهم العتبى وهو أن يردوا إلى الدنيا ليؤمنوا. {ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كل مثلٍ ولئن جئتهم بئايةٍ ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفّنّك الذين لا يوقنون}(2/534)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)
60 - {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ} لا يستعجلنك، أو لا يستفزنك، أو لا يستنزلنك. {لا يوقنون} لا يومنون، أو لا يصدقون بالعبث والجزاء.(2/534)
سورة لقمان
مكية، أو إلا آيتين نزلتا بالمدينة {ولو أن ما في الأرض} : [27] والتي بعدها، أو إلا آية {الذين يقيمون الصلاة} : [4] .
بسم الله الرحمن الرحيم
{الم تلك ءايات الكتاب الحكيم هدىً ورحمةً للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدىً من ربهم وأولئك هم المفلحون}(2/535)
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2)
2 - {الْحَكِيمِ} المحكم آياته بالحلال والحرام والأحكام، أو المتقن {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] أو البين أنه من عند الله، أو المظهر للحكمة بنفسه / [142 / أ] كما يظهرها الحكيم بقوله.(2/535)
2 - {هُدىً} من الضلالة، أو إلى الجنة. {وَرَحْمَةً} من العذاب لما فيه من الزواجر عن استحقاقه، أو بالثواب لما فيه من البواعث على استيجابه، نعته بذلك أومدحه به {لِّلْمُحْسِنِينَ} الإحسان الإيمان الذي يحسن به إلى نفسه، أو الصلة والصلاة، أو أن تخشى الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وتحب للناس ما تحب لنفسك.(2/535)
أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
5 - {هُدىً مِّن رَّبِّهِمْ} نور، أو بينة، أو بيان {الْمُفْلِحُونَ} السعداء، أو المنجحون، أو الناجون، أو الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا " ع ".(2/535)
{ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علمٍ ويتخذها هزواً أولئك لهم عذابٌ مهين وإذا تتلى عليه ءاياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذابٍ أليمٍ إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقاً وهو العزيز الحكيم}(2/536)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)
6 - {يَشْتَرى لَهْوَ الْحَدِيثِ} شراء المغنيات، أو الغناء " ع "، أو الزمر والطبل، أو الباطل، أو الشرك، أو ما ألهى عن الله تعالى، أو الجدال في الدين والخوض في الباطل نزلت في النضر بن الحارث كان يجلس فإذا قيل له: قال محمد كذا ضحك وحدثهم بحديث رستم واسفنديار وقال: إن حديثي أحسن حديثاً من محمد. أو في قرشي اشترى مغنية شغل بها الناس عن اتباع الرسول [صلى الله عليه وسلم] . {لِيُضِلَّ} ليصد عن دين الله تعالى، أو ليمنع من قراءة القرآن.(2/536)
{وَيَتَّخِذَهَا} يتخذ سبيل الله {هُزُؤاً} يكذب بها، أو يستهزئ بها. {خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين}(2/537)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
10 - {بِغَيْرِ عَمَدٍ} وأنتم ترونها، أو بعمد لا ترونها {أَن تَمِيدَ} تزول، أو تتحرك. {وَبَثَّ} بسط، أو فرق {دَآبَّةٍ} سمي به الحيوان لدبيبه(2/537)
والدبيب الحركة. {فَأَنبَتْنَا} الناس نبات الأرض فالكريم من دخل الجنة واللئيم من دخل النار، أو الأشجار والزروع {زَوْجٍ} نوع {كَرِيمٍ} حسن أو الثمر الطيب، والنافع. {ولقد ءاتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد}(2/538)
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
12 - {لُقْمَانَ} نبي - قاله عكرمة، أو من سودان مصر ذو مشافر أعطاه الله تعالى الحكمة ومنعه النبوة، أو كان عبداً حبشياً، أو نوبياً قصيراً أفطس خياطاً بمصر، أو راعياً، أو نجاراً وكان فيما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، أو ولد لعشر سنين من ملك داود وبقي إلى زمان يونس {الْحِكْمَةَ} الفهم والعقل، أو الفقه والعقل والإصابة في القول، أو الأمانة {أَنِ اشْكُرْ} أتيناه الحكمة والشكر، أو آتيناه الحكمة لأن يشكر قاله الزجاج {اشْكُرْ لِلَّهِ} أحمده على نعمه، أو أطعه ولا تشرك به، أو لا تعصه على نعمه {يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لأنه تزداد نعمه كلما ازداد شكراً. {وَمَن كَفَرَ} بالنعمة، أو بالله واليوم الآخر. {غَنِىٌّ} عن خلقه {حَمِيدٌ} في فعله، أو غني عن فعله مستحمد إلى خلقه. {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عظيمٌ(2/538)
ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصلناه في عامين ان اشكر لي ولوالديك إلى المصير وإن جهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلى ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون}(2/539)
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
13 - {يَعِظُهُ} يذكره ويؤدبه {لَظُلْمٌ} يظلم به نفسه {عَظِيمٌ} عند الله قيل: كان ابنه مشركاً.(2/539)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
14 - {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ} عامة، أو نزلت في سعد بن أبي وقاص. {وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} شدة على شدة " ع "، أو جهداً على جهد، أو ضعفاً على ضعف، ضعف الولد على ضعف الوالدة، أو ضعف نطفة الأب / [142 / ب] على ضعف نطفة الأم، أو ضعف الولد أطور خلقه، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم سوياً ثم وليداً ثم رضيعاً ثم فطيماً. {اشْكُرْ لِى} النعمة بالحمد والطاعة {وَلِوَالِدَيْكَ} التربية بالبر والصلة.(2/539)
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
15 - {مَعْرُوفاً} إحساناً تعودهما إذا مرضا وتشيعهما إذا ماتا وتواسيهما إذا افتقرا {ومن أَنَابَ} أقبل بقلبه {إِلَىَّ} مخلصاً وهو الرسول [صلى الله عليه وسلم] والمؤمنون. {يا بنى إنها أن تك مثقال حبةٍ من خردلٍ فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبيرٌ يا بنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا(2/539)
تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخورٍ واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}(2/540)
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
16 - {حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} من الخير، أو الشر. {صَخْرَةٍ} خضراء تحت الأرض السابعة على ظهر الحوت، خضرة السماء منها وقيل: إنها في سجين التي يكتب فيها أعمال الكفار، أو في صخرة في جبل {يَأَتِ بِهَا اللَّهُ} أي بجزاء ما وازنها من خير، أو شر، أو يعلمها ويأتي بها إذا شاء كذلك قليل العمل من الخير والشر يعلمه الله تعالى فيجازي عليه {لَطِيفٌ} في إخراجها. {خَبِيرٌ} بمكانها قيل لما وعظ ابنه ألقى حبة خردل في عرض البحر ثم مكث ما شاء الله ثم ذكرها وبسط يده فبعث الله تعالى ذبابة فأخذتها فوضعتها في يده.(2/540)
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)
17 - {ومن عَزْمِ الأُمُورِ} مما أمر الله تعالى به من الأمور، أو من ضبط الأمور، أو من قطع الأموُر. العزم والحزم واحد، أو الحزم الحذر والعزم القوة وفي المثل لا خير في عزم بغير حزم، أو الحزم التأهب للأمر والعزم النفاذ فيه وفي المثل رَوِّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم.(2/540)
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)
18 - {تُصَعِّرْ} الصعر الكبر " ع "، أو الميل، أو التشدق في الكلام، يقول لا تعرض بوجهك عن الناس تكبراً، أو بالتشدق، أو في الأمر بالمعروف(2/540)
والنهي عن المنكر، أو يلوي شدقه عن ذكر الإنسان احتقاراً، أو الإعراض عمن بينه وبينه إحنة هجراً له فكأنه أمر بالصفح والعفو، أو أن يكون الغني والفقير عنده في العلم سواء {مَرَحاً} بالمعصية، أو بالخيلاء والعظمة، أو البطر والأشر. {مُخْتَالٍ} منان، أو متكبر، أو بطر. {فَخُورٍ} متطاول على الناس بنفسه، أو مفتخر عليهم بما يصفه من مناقبه " ع "، أو الذي يعدد ما أعطى ولا يشكر الله تعالى فيما أعطاه.(2/541)
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
19 - {وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ} تواضع فيه، أو انظر في مشيك إلى موضع قدمك، أو أسرع فيه أو لا تسرع فيه، أو لا تختل فيه. {وَأَغْضُضْ} اخفض {أَنكَرَ الأَصْوَاتِ} أقبحها، أو شرها، أو أشدها، أو أبعدها. خص الحمار لأن صوته مستقبح في النفوس مستنكر في السمع، أو لأن صياح كل شيء تسبيحه إلاَّ الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان. {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علمٍ ولا هدىً ولا كتاب منيرٍ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه ءاباءنا اولوا كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير(2/541)
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)
20 - {سَخَّرَ} سهل، أو الانتفاع به. {نعمهُ} جنس أو أراد الإسلام. {ظَاهِرَةً} على اللسان {وَبَاطِنَةً} في القلب، أو الظاهرة الإسلام والباطنة ما ستره من المعاصي، أو الظاهرة الخلق والرزق والباطنة ما أخفاه من العيوب والذنوب، أو ما أعطاهم من الزي والثياب والباطنة متاع المنازل، أو الظاهرة الولد والباطنة الجماع {مَن يجادل} نزلت في يهودي قال للرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أخبرني عن ربك من أي شيء هو فجاءت صاعقة فأحرقته، أو في النضر بن الحارث كان يقول الملائكة بنات الله. {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعكم فننبّئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذابٍ غليظٍ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا(2/542)
يعلمون لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغني الحميد}(2/543)
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)
22 - {يُسْلِمْ وَجْهَهُ} يخلص دينه، أو يقصد بوجهه طاعة الله تعالى {وَهُوَ مُحْسِنٌ} في عمله {بِالْعُرْوَةِ} قول لا إله إلا الله، أو القرآن، أو الإسلام، أو الحب في الله تعالى والبغض فيه {الْوثْقَى} للاستيثاق بالتمسك بها كما يتوثق من الشيء بإمساك عراه أو تشبيهاً بالبناء الوثيق لأنه لا ينحل {عَاقِبَةُ الأُمُورِ} ثواب ما صنعوا. {وَلَوْ أَنَّمَا فِى الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيمٌ ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفسٍ واحدةٍ إن الله سميع بصيرٌ}(2/543)
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
27 - {ولو أن ما فِى الأَرْضِ} نزلت لما قال المشركون إنما القرآن كلام يوشك أن ينفد، أو نزلت لما قال اليهود للرسول [صلى الله عليه وسلم] أرأيت قولك {وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85] إيانا تريد أم قومك فقال: كل لم يؤت من العلم إلا قليلاً أنتم وهم. قالوا: فإنك تتلو ما جاءك من الله أَنَّا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء. فقال: إنها في علم الله تعالى قليلة. والمعنى لو أن الأشجار أقلام والبحار مداد لتكسرت الأقلام، ونفذت مياه البحار قبل أن تنفد عجائب ربي وعلمه وحكمته. {يَمُدُّهُ} يزيد فيه شيئاً بعد شيء يقال في الزيادة مدَدته وفي المعونة أمددته {كلمات ربي} نعمه على أهل الجنة، أو(2/543)
على أصناف الخلق، أو جميع ما قضاه في اللوح المحفوظ من أمور خلقه، أو عبّر بالكلمات عن العلم.(2/544)
مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)
28 - {مَّا خَلْقُكُمْ} نزلت في أُبَي بن خلف وأبي الأشدين ونبيه ومنبه ابني الحجاج. قالوا للرسول [صلى الله عليه وسلم] إن الله تعالى خلقنا أطواراً نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم تقول إنا نبعث جميعاً في ساعة فنزلت {مَّا خَلْقُكُمْ} أي لا يصعب على الله تعالى ما يصعب على الناس. {ألم تر أن الله يولج الّيل في النّهار ويولج النّهار في الّيل وسخّر الشمس والقمر كل يجرى إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلىّ الكبير}(2/544)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)
29 - {يولج الليل} يأخذ الصيف من الشتاء والشتاء من الصيف. أو ما ينقص من النهار يجعله في الليل وما ينقص من الليل يجعله في النهار، أو يسلك الظلمة مسلك الضياء والضياء مسلك الظلمة فيصير كل واحد منهما مكان الآخر {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} ذللهما بالطلوع والأفول تقديراً للآجال وإتماماً للمنافع. {أَجَلٍ مُّسَمّىً} القيامة، أو وقت الطلوعه وأفوله.(2/544)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)
30 - {هُوَ الْحَقُّ} لا إله غيره، أو الحق اسم من أسمائه، أو القاضي بالحق. {وما تدعون} الشيطان، أو الأصنام. {الْعَلِىُّ} في أحكامه {الْكَبِيرُ} في سلطانه. {ألم تر أن الفلك تجرى في البحر بنعمت الله ليريكم من ءاياته إنّ فى ذالك لأيات لكل(2/544)
صبّار شكور وإذا غشيهم موجٌ كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجّاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بأيتنا إلاّ كلّ ختّار كفور}(2/545)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)
31 - {من آياته} يجري السفن فيه، أو ما تشاهدون من قدرة الله فيه، أو ما يرزقكم الله - تعالى - منه. {صَبَّارٍ} على البلوى {شَكُورٍ} على النعماء، أو صبار على طاعة شكور على الجزاء.(2/545)
وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
32 - {كَالظُّلَلِ} السحاب، أو الجبال شبهه بها لسواده، أو لعظمه {مُخْلِصِينَ} موحدين لا يدعون سواه {مُّقْتَصِدٌ} عدل يوفي بعهده الذي التزمه في البحار، أو مؤمن متمسك بالطاعة، أو مقتصد في قوله وهو كافر. {خَتَّارٍ} جاحد، أو غدار عند الجمهور. جحد الآيات: إنكار أعيانها والجحد بها إنكار دلائلها. {ياأيها النّاس اتّقّوا ربّكم واخشوا يوماً لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إنّ وعد الله حق فلا تغرّنّكم الحياة الدنيا ولا يغرّنّكم بالله الغرور}(2/545)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
33 - {لا يَجْزِى} لا يغني، أو لا يقضي، أو لا يحمل {الغرور} الشيطان، / [143 / ب] أو الأمل. {إنّ الله عنده علم السّاعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكتسب غداً وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير}(2/545)
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
34 - {عِلْمُ السَّاعَةِ} وقت مجيئها. {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} يعلم نزوله في زمانه(2/545)
ومكانه، أو منزله فيما يشاء من زمان ومكان {مَا فِى الأَرْحَامِ} من ذكر وأنثى وصحيح وسقيم، أو مؤمن وكافر وشقي وسعيد {تَكْسِبُ غَداً} من خير وشر، أو إيمان وكفر. {بِأَىِّ أَرْضٍ} على أي حكم تموت من سعادة وشقاوة، أو في أي أرض تموت وتدفن. قيل نزلت في الوارث بن عمرو بدوي قال للرسول [صلى الله عليه وسلم] : إن امرأتي حُبلى فأخبرني ماذا تلد وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث وقد علمت متى ولدت " فأخبرني متى أموت وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ما أعمل غداً " وأخبرني متى تقوم الساعة.(2/546)
سورة السّجدة
مكية أو إلا ثلاث آيات {أفمن كان مؤمنا} : [18 - 20] إلى آخرهن، أو إلا خمس آيات {تتجافى} : [15] إلى {الذي كنتم به تكذبون} : [20]
بسم الله الرحمن الرحيم
} {الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون}(2/547)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
2 - {لا رَيْبَ} الرَّيْب الشك الذي يميل إلى السوء والخوف. {الله الذى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثمّ استوى على العرش ما لكم من دونه من ولى ولا شفيع أفلا تتذكرون 6 يدبر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مّمّا تعدّون ذالك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم}(2/547)
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
5 - {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} يقضيه، أو يدبره بنزول الوحي من السماء الدنيا إلى الأرض العليا ويدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل موكل بالرياح والجنود وميكائيل(2/547)
بالقطر والماء وملك الموت بقبض الأرواح وإسرافيل ينزل عليهم بالأمر {يَعْرُجُ} يصعد جبريل إلى السماء بعد نزوله بالوحي، أو الملك الذي يدبر من السماء إلى الأرض، أو أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع الملائكة. {مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ثم يلقيه إلى الملائكة فإذا مضت قضى لألف لأخرى ثم كذلك أبداً أو يصعد الملك في يوم مسيرة ألف سنة " ع " فيكون بين السماء والأرض ألف سنة، أو ينزل الملك ويصعد في يوم مقداره ألف سنة ينزل في خمسمائة ويصعد في مثلها فيكون بين السماء والأرض خمسمائة. {تَعُدُّونَ} تحسبون من أيام الدنيا وعَبَّر عن الزمان باليوم ولا يريد ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس. {الذى أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثمّ جعل نسله من سلالة من مآء مهّين ثمّ سوّاه ونفخ فيه من رّوحه وجعل لكم السّمع والأبصار والافئدة قليلاً مّا تشكرون}(2/548)
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)
7 - {أَحْسَنَ كُلِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ} في خَلْقِه حسن حتى الكلب حسن في خَلْقه " ع "، أو أحكمه حتى أتقنه، أو أحسن إلى كل شيء خلقه فكان خلقه إحساناً إليه، أو ألهم الخلق ما يحتاجون إليه فعلموه من قولهم فلان يحسن كذا أي يعلمه، أو أعطى خلقه ما يحتاجون إليه ثم هداهم إليه.(2/548)
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)
8 - {سُلالَةٍ} سمى ماء الرجل سلالة لانسلاله من صلبه والسلالة الصفوة التي تنسل من غيرها. {مهين} ضعيف.(2/548)
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)
9 - {سَوَّاهُ} سوى خلقه في الرحم، أو سوى خلقه كيف شاء {مِن رُّوحِهِ} قدرته، أو ذريته، إذ المراد بالإنسان آدم، أو من أمره أن يقول كن فيكون، أو روحاً من روحه أي خَلْقِه أضافه إلى نفسه لأنه من فعله وعبر عنه بالنفخ لأن الروح من جنس الريح. {والأَفْئِدَةَ} سمي القلب فؤاداً لأنه منبع الحرارة الغريزية من المفتأد وهو موضع النار. {وقالوا أءذا ضللنا في الأرض أءنا لفى خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربّكم ترجعون}(2/549)
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)
10 - {ضَلَلْنَا} هلكنا، أو صرنا رفاتاً وتراباً، وكل شيء غلب على غيره فخفي فيه أثره ضل، أو غُيِّبْنا، وبالصاد أنْتَنَّا من صَلَّ / [144 / أ] اللحم، أو صرنا بالصَلَّةِ وهي الأرض اليابسة ومنه الصلصال قيل: قاله أُبي بن خلف.(2/549)
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
11 - {يتوفاكم} بأعوانه، أو بنفسه رآه الرسول [صلى الله عليه وسلم] عند رأس أنصاري فقال: أرفق بصاحبي فإنه مؤمن. فقال طِبْ نفساً وقر عيناً فإني بكل مؤمن رفيق.(2/549)
{ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ} إلى جزائه، أو إلى أن لا يملك لكم أحد ضراً ولا نفعاً سواه. {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنّا موقنون ولو شئنا لاتينا كلّ نفس هداها ولاكن حق القول منّى لأملأنّ جهنم من الجنّة والنّاس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقآء يومكم هذآ إنّا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون}(2/550)
وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)
12 - {نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ} من الغم، أو الذل، أو الحياء، أو الندم، {عِندَ رَبِّهِمْ} عند محاسبته {أَبْصَرْنَا} صِدقَ وعيدك {وَسَمِعْنَا} صدق رسلك، أو أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا. {مُوقِنُونَ} مصدقون بالبعث أو بما أتى به محمد [صلى الله عليه وسلم] .(2/550)
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)
13 - {هُدَاهَا} إلى الإيمان، أو الجنة، أو هدايتها في الرجوع إلى(2/550)
الدنيا لأنهم سألوا الرجعة. {حَقَّ الْقَوْلُ} سبق، أو وجب {مِنَ الْجِنَّةِ} الملائكة قاله عكرمة. سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار، أو عصاة الجن.(2/551)
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)
14 - {فَذُوقُواْ} عذابي بما تركتم أمري، أو بترك الإيمان بالبعث في هذا اليوم. {نَسِيَناكُمْ} تركناكم من الخير، أو في العذاب، ويعبر بالذوق عما يطرأ على النفس لأحساسها به. قال:
(فذق هجرها إن كنت تزعم أنه ... رشاد ألا يا ربما كذب الزعم)
{إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}(2/551)
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)
15 - {بآياتنا} بحججنا، أو القرآن. {ذكروا بها} دعوا إلى الصلوات الخمس بالآذان والإقامة أجابوا إليها وإذا قرئت آيات القرآن خروا سجوداً على الأرض طاعة وتصديقاً وكل من سقط على شيء فقد خَرَّ عليه. {وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} صلّوا حمداً له، أو سبحوه بمعرفته وطاعته {لا يَسْتَكْبِرُونَ} عن العبادة،(2/551)
أو السجود كما استكبر أهل مكة.(2/552)
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
16 - {تَتَجَافَى} ترتفع لذكر الله في الصلاة، أو في غيرها " ع "، أو الصلاة: العشاء، أو الصبح والعشاء في جماعة، أو للنفل بين المغرب والعشاء، أو قيام الليل. والمضاجع مواضع الاضطجاع خوفاً من حسابه وطمعاً في رحمته، أو خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه. {يُنفِقُونَ} الزكاة، أو صدقة التطوع، أو نفقة الأهل، أو النفقة في الطاعة.(2/552)
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
17 - {مَّآ أُخْفِىَ} للذين تتجافى جنوبهم، أو للمجاهدين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. مأثور، أو هو جزاء قوم أخفوا عملهم فأخفى الله تعالى ما أعده لهم، أو زيادة تَحَفِّ من الله ليست في جناتهم يكرمون بها في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات، أو زيادة نعيمهم وسجود الملائكة لهم. {أَفَمَن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لاّ يستون أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات(2/552)
فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذى كنتم به تكذبون ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلّهم يرجعون ومن أظلم ممّن ذكر بأيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون}(2/553)
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)
18 - {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً} علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والفاسق عقبة بن أبي معيط تَسَابَّا فقال عقبة: أنا أَحَدُّ منك سناناً وأبسط منك لساناً وأملأ منك حَشوًا. فقال: علي رضي الله تعالى عنه ليس كما قلت يا فاسق. / [144 / ب] فنزلت فيهما " ع ".(2/553)
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
21 - {الْعَذَابِ الأَدْنَى} مصائب الدنيا في النفس والمال، أو القتل بالسيف، أو الحدود " ع "، أو القحط والجدب، أو عذاب القبر قاله البراء بن عازب ومجاهد، أو عذاب الدنيا، أو غلاء السعر. {الْعَذَابِ الأَكْبَرِ} جهنم، أو خروج المهدي بالسيف، {يَرْجِعُونَ} إلى الحق، أو يتوبون من الكفر " ع ".(2/553)
{ولقد ءاتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقآئه وجعلناه هدى لبنى إسرآئيل وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بأياتنا يوقنون إن ربّك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}(2/554)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)
23 - {فَلا تَكُن فِى} شك من لقاء موسى فقد لقيته ليلة الإسراء " ع ". وقد أخبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أنه رأه ليلته. قال أبو العالية: قد بينه الله تعالى بقوله {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} [الزخرف: 45] أو لا تكن في شك من لقاء موسى فستلقاه في القيامة، أو لا تشك في لقاء موسى للكتاب، أو لا تشك في لقاء الأذى كما لقيه موسى " ح "، أو لا تشك في لقاء موسى لربه. {وَجَعَلْنَاهُ هُدىً} موسى، أو الكتاب.(2/554)
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)
24 - {إثمه} رؤساء في الخير تبعوا الأنبياء، أو الأنبياء مأثور {لَمَّا صَبَرُواْ} عن الدنيا، أو على الحق، أو على الأذى بمصر لما كلفوا ما لا(2/554)
يطيقون. {بِآيَاتِنَا} التسع، " أنها من عند الله " {يوقنون} .(2/555)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)
25 - {يَفْصِلُ} يقضي بين الأنبياء وقومهم، أو بين المؤمنين والمشركين فيما اختلفوا فيه من الإيمان والكفر. {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون}(2/555)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)
27 - {نَسُوقُ الْمَآءَ} بالمطر والثلج أو بالأنهار والعيون. {الأَرْضِ الْجُرُزِ} اليابسة، أو التي أكلت ما فيها من زرع وشجر، أو التي لا يأتيها الماء إلا من السيول " ع "، أو التي لا تنبت، أو هي قرى بين اليمن والشام وأصله الانقطاع. سيف جراز أي قاطع، وناقة جرازة إذا كانت تأكل كل شيء لأنها لا تبقي شيئاً إلا قطعته رجل جروز: أكول. {ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إيمانهم ولا هم ينظرون فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون}(2/555)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28)
28 - {الْفَتْحُ} فتح مكة، أو القضاء بعذاب الدنيا، أو بالثواب والعقاب في الآخرة.(2/555)
قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)
29 - {يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} الذين قتلهم خالد يوم الفتح من بني كنانة، أو يوم القيامة، أو اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب.(2/556)
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
30 - {فأعرض عنهم} نزلت قبل الأمر بقتالهم.(2/556)
سورة الاحزاب
مدنية اتفاقاً
بسم الله الرحمان الرحيم
} {يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا}(2/557)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)
1 - {أتَّقِ اللَّهَ} أكثِر من تقواه في جهاد عدوه، أو دُم على تقواك، أو الخطاب له والمراد أمته، أو نزلت لما قدم أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبو الأعور السلمي المدينة ليجددوا خطاب الرسول [صلى الله عليه وسلم] في عهد بينهم وبينه فنزلوا على ابن أبي والجد بن قيس ومعتب بن قشير فتآمروا بينهم وأتوا الرسول [صلى الله عليه وسلم] فعرضوا عليه أموراً كرهها فهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] والمؤمنون بقتلهم فنزلت {اتق الله} في نقض عهدهم {وَلا تُطِعِ} كفار مكة ومنافقي أهل المدينة فيما دعوا إليه.(2/557)
{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجهم الئي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذالكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل أدعوهم لأبآئهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا ءابآءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً}(2/558)
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
4 - {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ} كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] قائماً يوماً يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه: إنه له قلبين قلباً معكم وقلباً معهم فنزلت إكذاباً لهم فالمراد بالقلبين جسدين، أو قال قرشي من بني فهر: إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد فنزلت إكذاباً له فيكون المراد بالقلبين عقلين / [145 / أ] ، أو قال رجل: إن لي نفسين نفساً تأمرني ونفساً تنهاني فنزلت فيه " ح "، أو كان جميل بن معمر الجمحي أحفظ الناس لما يسمع ذا فهم ودهاء فقالت قريش: ما يحفظ ما يسمعه بقلب واحد وإن له قلبين فانهزم يوم بدر بيده إحدى نعليه والأخرى في رجله فلقي أبا سفيان بشاطىء البحر فأخبره بمن قتل من أشرافهم. فقال: إنه قد ذهب عقلك فما بال أحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك. فقال: ما كنت أظنها إلا في يدي فظهر لهم حاله ونزلت فيه، أو ضرب ذلك مثلاً لزيد لما تبناه الرسول [صلى الله عليه وسلم] فلا يكون لرجل أبوان حتى يكون زيد بن محمد وابن حارثة، أو لا يكون لرجل قلب مؤمن معنا وقلب كافر علينا لأنه لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب واحد فيكون معناه ما جعل الله لرجل من دينين {أَدْعِيَآءَكُمْ} كان الذليل في الجاهلية يأتي القوي(2/558)
الشريف فيقول أنا ابنك فيقول نعم فإذا قبله واتخذه ابناً أصبح أعز أهله وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] قد تبنى زيد بن حارثة على تلك العادة فنزلت {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ} في الجاهلية {أَبْنَآءَكُمْ} في الإسلام. {ذَلِكُمْ قَوْلُكُم} في المُظَاهر عنها وابن التبني {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} في أنها ليست بأم ولا الدعي بابن.(2/559)
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)
5 - {أَقْسَطُ} أعدل قولاً وحكماً. {فَإِخْوَانُكُمْ} فانسبوهم إلى أسماء إخوانكم كعبد الله وعبد الرحمن وغيرهما، أو قولوا أخونا فلان ومولانا فلان، أو إن لم يعرف نسبهم كانوا إخوانا في الدين إن كانوا أحراراً وموالي إن كانوا عتقاء {أَخْطَأْتُمْ بِهِ} قبل النهي و {مَّا تَعَمَّدَتَ قُلُوبُكُمْ} بعد النهي في هذا وغيره، أو ما سهوتم به وما تعمدته قلوبكم: قصدته، أو ما أخطأتم أن تدعوه إلى غير أبيه " ظاناً أنه أبوه وما تعمدت قلوبكم أن تدعوه إلى غير أبيه عالماً بذلك " {غَفُوراً} لما كان في الشرك {رَّحِيماً} بقبول التوبة في الإسلام. {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله من المؤمنين والمهاجرين إلآ أن تفعلوا إلى أوليآئكم معروفاً كان ذلك في الكتاب مسطوراً}(2/559)
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)
6 - {أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ} من بعضهم ببعض لإرساله إليهم وفرض طاعته، أو أولى بهم فيما رأه لهم منهم بأنفسهم، أو لما أمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] الناس بالخروج إلى تبوك قال قوم: نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت، أو أولى بهم في قضاء ديونهم وإسعافهم في نوائبهم قال: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم في الدنيا والآخرة فمن ترك مالاً فليرثه عصبته وإن ترك ديْناً، أو ضياعاً فليأتني(2/559)
فأنا مولاه ". {وأزواجه أمهاتهم} في حرمة نكاحين وتعظيم حقوقهن دون النفقة والميراث، وفي إباحة النظر إليهن مذهبان هذا في اللائي مات عنهن، وفي إلحاقه مطلقاته بمن مات عنهن ثلاثة مذاهب يفرق في الثلث بين من دخل بهن ومن لم يدخل بهن وهل هن أمهات مؤمنات / [145 / ب] كالرجال فيه مذهبان، قالت امرأة لعائشة رضي الله تعالى عنها: يا أمَّه فقالت: لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم. {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الأنصار {وَالْمُهَاجرِينَ} قريش. نسخت التوارث بالهجرة لما نزل في الأنفال {والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حتى يهاجروا} [الآيه: 72] . توارثوا بالهجرة فكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئاً فنسخ ذلك بقوله ها هنا {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} ، أو نسخت التوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين، قال الزبير: نزلت فينا خاصة قريش والأنصار قدمنا المدينة فآخينا الأنصار فأورثونا وأورثناهم فآخى أبو بكر خارجة بن زيد وآخيت كعب بن مالك فقُتِل يوم أُحد فوالله لقد مات عن الدنيا ما ورثه أحد غيري حتى أنزل الله هذه الآية فرجعنا إلى مواريثنا. {فِى كِتَابِ اللَّهِ} القرآن، أو اللوح المحفوظ. {مِنَ الْمؤْمِنِينَ والْمُهَاجِرِينَ} أي التوارث بالأنساب أولى من التوارث بالمؤاخاة في الهجرة(2/560)
{تفعلوا إلى أوليائكم معروفا} بالوصية للمشركين من ذوي الأرحام، أو الوصية للحلفاء والذين آخى بينهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] من المهاجرين والأنصار، أو الذين آخيتم فآتوا إليهم معروفاً في الحياة، أو وصية الرجل لإخوانه في الدين {مَسْطُوراً} كان التوارث بالهجرة والمؤاخاة في الكتاب مسطوراً قبل النسخ، أو كان نسخه بميراث ذوي الأرحام مسطوراً قبل التوارث، أو كان لا يرث مسلم كافراً في الكتاب المسطوراً، و {الْكِتَابِ} اللوح المحفوظ، أو القرآن، أو الذكر، أو التوراة، أمر بني إسرائيل أن يصنعوا مثله في بني لاوي بن يعقوب. {وإذ أخذنا من النبين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى أبن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ليسئل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذاباً أليماً}(2/561)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)
7 - {مِيثَاقَهُمْ} على قومهم أن يؤمنوا بهم " ع "، أو ميثاق الأمم على الأنبياء أن يبلغوهم، أو ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً {ومنك ومن نوح} سئل الرسول [صلى الله عليه وسلم] عن ذلك فقال: " كنت أولهم في الخلق وآخرهم في البعث " وخص هؤلاء بالذكر تفضيلاً، أو لأنهم أصحاب الشرائع. {مِّيثَاقاً غَلِيظاً} تبليغ الرسالة، أو أن يصدق بعضهم بعضاً، أو أن يعلنوا ان محمد [صلى الله عليه وسلم](2/561)
رسول ويعلن محمد أن لا رسول بعده.(2/562)
لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)
8 - {ليسأل الصَّادِقِينَ} الأنبياء عن تبليغ الرسالة، أو عما أجابهم به قومهم أو عن الوفاء بالميثاق الذي أخذ عليهم، أو يسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة. {ياأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جآءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظّنونا}(2/562)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)
9 - {نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} بالنصر والصبر {جُنوُدٌ} أبو سفيان وعيينة بن حصن وطلحة بن خويلد وأبو الأعور السلمي وبنو قريظة. {رِيحاً} الصّبا أكفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم. {وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} الملائكة. تقوية لقلوب المؤمنين من غير قتال، أو بإيقاع الرعب في قلوب المشركين، أو بتفريق كلمتهم / وإقعاد بعضهم عن بعض، أو نصروهم بالزجر حتى جأوت بهم مسيرة ثلاثة أيام فقال طلحة بن خويلد: إن محمداً قد بدأكم بالسحر فالنجاة النجاة.(2/562)
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
10 - {مِّن فَوْقِكُمْ} من فوق الوادي وهو أعلاه جاء منه عوف بن مالك(2/562)
في بني نصر وعيينة بن حصن في أهل نجد وطلحة بن خويلد الأسدي في بني أسد {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} بطن الوادي من قبل المغرب جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة ويزيد بن جحش على قريش وجاء أبو الأعور وحيي بن أخطب في بني قريظة وعامر بن الطفيل من وجه الخندق. {زَاغَتِ الأَبْصَارُ} شخصت، أو مالت. {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ} زالت عن أماكنها من الرعب فبلغت الحناجر وهي الحلاقم وإحدها حنجرة ويعبّر بذلك عن شدة الخوف وإن لم تُزل عن أماكنها مع بقاء الحياة {الظنون} فيما وعدهم به من النصر، أو اختلاف ظنونهم ظن المنافقون أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه يُستأصلون وأيقن المؤمنون أن وعده في إظهاره على الدين كله حق " ح ". {هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً وإذ يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً وإذ قالت طّائفة منهم ياأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستئذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هى بعورة إن يريدون إلا فراراً}(2/563)
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)
11 - {ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ} بالحصار، أو الجوع أصابهم بالخندق جوع شديد، أو امتحنوا بالصبر على إيمانهم. هنالك للمكان البعيد وهنا للقريب وهناك للمتوسط {وَزُلْزِلُواْ} حركوا بالخوف، أو اضطربوا عما كانوا عليه، منهم من اضطرب في نفسه ومنهم من اضطرب في دينه، أو راحوا عن أماكنهم فلم(2/563)
يكن لهم إلا موضع الخندق.(2/564)
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
12 - {مَّرَضٌ} نفاق، أو شرك لما أخبرهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] يومئذ بما يفتح عليهم من بيض المدائن وقصور الروم ومدائن اليمن. قال رجل من الأوس أيعدنا ذلك واحد لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل. هذا والله الغرور فنزلت.(2/564)
وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)
13 - {طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ} ابن أُبي وأصحابه، أو أوس بن قيظى، أو من بني سليم {يَثْرِبَ} المدينة ويثرب من المدينة، أو المدينة في ناحية من يثرب قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] من قال للمدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة ثلاث مرات {لا مُقَامَ لَكُمْ} على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب " ح "، أو لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان، أو لا مقام لكم في أماكنكم فارجعوا إلى مساكنكم. والمقام بالفتح الثبات على الأمر وبالضم الثبات على المكان، أو بالفتح النزل وبالضم الإقامة. {عَوْرَةٌ} قاصية من المدينة نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي، أو خالية ليس فيها إلا العورة من النساء من قولهم أعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب، أو مكشوفة / [146 / ب] الحيطان نخاف عليها السَّرْق والطلب. أعور المنزل إذا ذهب ستره وسقط جداره، وكل ما كره كشفه فهو عورة. {ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوّها وما تلبّثوا بها إلا يسيراً(2/564)
ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادّبار وكان عهد الله مسئولاً قل لن ينفعك الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلاً قل من ذا الذى يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً}(2/565)
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)
14 - {وَلَوْ دُخِلَتْ} المدينة على المنافقين من نواحيها {الْفِتْنَةَ} القتال في المعصية، أو الشرك. {وَمَا تَلَبَّثُواْ} بالإجابة إلى الفتنة. أو بالمدينة {إِلا يَسِيراً} حتى يعذبوا.(2/565)
وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15)
15 - {عَاهَدُواْ} قبل الخندق وبعد بدر، أو قبل نظرهم إلى الأحزاب، أو قبل قولهم: يا أهل يثرب.(2/565)
قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)
17 - {سُوءًا} هزيمة والرحمة النصر، أو عذاباً والرحمة الخير، أو قتلاً والرحمة التوبة. {قد يعلم الله المعوقين منكم والقآئلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً أشحة عليكم فإذا جآء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذى يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً}(2/565)
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)
18 - {الْمُعَوِّقِينَ} المثبطين: ابن أُبي وأصحابه {وَالْقَآئِلِينَ} المنافقون قالوا لإخوانهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، وهو هالك ومن تبعه فهَلُم إلينا أو قريظة قالوا لإخوانهم المنافقين: هَلُم إلينا فإن محمداً هالك وإن ظفر بكم أبو سفيان لم يُبق منكم أحداً، أو انصرف يومئذ صحابي فوجد بين يدي أخيه لأبويه رغيفاً وشواء، فقال: أنت هكذا والرسول [صلى الله عليه وسلم] بين الرماح والسيوف فقال: هَلُم إليَّ فقد أحيط بك وبصاحبك. فقال: كذبت، وأتى الرسول [صلى الله عليه وسلم](2/565)
ليخبره فوجدها قد نزلت {وَلا يَأْتُونَ} القتال إلا كارهين، أيديهم مع المسلمين وقلوبهم مع المشركين، أو لا يشهدونه إلا رياء وسمعة.(2/566)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)
19 - {أشحة عليكم} بالخير، أو بالقتال معكم، أوبالغنائم إذا أصابوها، أو بالنفقة في سبيل الله {فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ} من النبي إذا غلب، أو من العدو إذا أقبل {سَلَقُوكُم} رفعوا أصواتهم عليكم، أو آذوكم بالكلام الشديد والسَّلْق: الأذى، قال الخليل: سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره {حِدَادٍ} شديدة ذربة، جدالاً في أنفسهم، أو نزاعاً في الغنيمة {أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} على قسمة الغنيمة، أو الغنيمة في سبيل الله، أو على الرسول [صلى الله عليه وسلم] لظفره {لَمْ يُؤْمِنُواْ} بقلوبهم {فَأَحْبَطَ اللَّهُ} ثواب حسناتهم. {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون فى الأعراب يسئلون عن أنبآئكم ولو كانوا فيكم مّا قاتلوا إلا قليلاً}(2/566)
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)
20 - {يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ} لخوفهم وشدة جزعهم، أو تصنعاً للرياء واستدامة للتخوف {إِلاَّ قَلِيلاً} كرهاً، أو رياء. {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيراً ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً}(2/566)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
21 - {أُسْوَةٌ} مواساة عند القتال، أو قدوة حسنة يُتبع فيها، والأُسوة: المشاركة في الأمر، واساه في ماله جعل له فيه نصيباً. حثَّهم بذلك على الصبر(2/566)
معه في الحروب، أو تسلية فيها أصابهم، فإن الرسول [صلى الله عليه وسلم] شُج وكُسرت رباعيته وقُتل عمه. {يَرْجُواْ} ثواب الله في يوم الأخر، أو يرجو لقاءه بالإيمان ويصدق بالبعث. خطاب للمنافقين، أو المؤمنين، وهذه الأُسوة واجبة، أو مستحبة.(2/567)
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
22 - {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ} بقوله في البقرة {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم} ، الآية: [البقرة: 214] أو قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] يوم الخندق أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة في قصور الحيرة ومدائن / [147 / أ] كسرى فأبشروا بالنصر فاستبشروا وقالوا: الحمد لله موعد صادق إذ وعدنا بالنصر مع الحصر فطلعت الأحزاب فقالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله. {إِيمَاناً} بالرب {وَتَسْلِيماً} لقضائه، أو إيماناً بوعده وتسليماً لأمر. {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما}(2/567)
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
23 - {عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ} بايعوا على أن لا يفروا فصدقوا في اللقاء يوم أُحد، أو قوم لم يشهدوا بدراً فعاهدوا الله أن لا يتأخروا عن رسوله في حرب حضرها أو أمر بها، فوفوا بما عاهدوا {قَضَى نَحْبَهُ} مات {وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ} الموت " ع "، أو قضى عهده قتلاً، أو عاش {وَمِنْهُم من ينتظر} أن يقتضيه(2/567)
بقتال، أو صدق لقاء، أو النحب: النذر، وعلى الأول الأجل وعلى الثاني العهد {وَمَا بَدَّلُواْ} ما غيروا كما غير المنافقون، أو {ما بَدَّلُواْ} عهدهم بالصبر ولا نكثوا بالفرار " ح ".(2/568)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)
24 - {ويعذب المنافقين إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} بإخراجهم من النفاق، أو يعذبهم في الدنيا، أو في الآخرة بالموت على النفاق {أو يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} بإخراجهم من النفاق حتى يموتوا تائبين. {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا}(2/568)
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
25 - {بِغَيْظِهِمْ} بحقدهم، أو غمهم {لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً} لم يصيبوا ظفراً ولا مغنماً {وَكَفَى اللَّهُ المؤمنين القتال} بالريح والملائكة، أو بعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه {قَوِيّاً} في سلطانه {عَزِيزاً} في انتقامه. {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديراً}(2/568)
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)
26 - {الِّذِينَ ظَاهَرُوهُم} بنو قريظة وكان بينهم وبين الرسول [صلى الله عليه وسلم] عهد فنقضوه، والمظاهرة: المعاونة، فغزاهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] بعد ستة عشر يوماً من(2/568)
الخندق فحصرهم إحدى وعشرين ليلة فنزلوا على التحكيم في أنفسهم وأموالهم فحكموا سعداً فحكم بقتل مقاتلتهم وبسبي ذراريهم وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فكبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] وقال: " قضى فيهم بحكم الله "، أو نزلوا على حكم الرسول ولم يحكم فيه سعد وإنما أرسل إليه يستشيره فقال: لو وُليت أمرهم لقتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم، فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : والذي نفسي بيده لقد أشرت فيهم بالذي أمرني الله تعالى به فيهم {صَيَاصِيهِمْ} حصونهم لامتناعهم بها كما تمتنع البقر بصياصيها وهي قرونها ومنه صيصية الديك شوكة في ساقه. {وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} بصنيع جبريل بهم {فَرِيقاً تَقْتُلُونَ} قتل أربعمائة وخمسين وسبى سبعمائة وخمسين، وقيل: عرضوا عليه فأمر بقتل من احتلم، أو أنبت.(2/569)
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
27 - {أَرْضَهُمْ} المزارع والنخيل {وَدِيَارَهُمْ} منازلهم وأموالهم المنقولة {وأرضا لم تطؤوها} مكة، أو خيبر، أو فارس والروم " ح "، أو ما ظهر المسلمون عليه إلى يوم القيامة / [147 / ب] {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ} أراد فتحه من القرى والحصون {قَدِيراً) وعلى ما أراده من نقمة أو عفو. {ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن(2/569)
وأُسرِّحكنَّ سراحاً جميلاً وإن كنتنَّ تردن الله ورسوله والدَّار الأخرة فإنَّ الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيما}(2/570)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)
28 - {قُل لأَزْوَاجِكَ} لم يخيرهن في الطلاق بل خيرهن من اختيار الدنيا فيفارقهن، أو اختيار الآخرة فيمسكهن " ح "، أو خيرهن في الطلاق، أو المقام معه فاخترن كلهن إلا الحميرية فإنها اختارت نفسها. وسبب تخييرهن أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] خُير بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة فأمره بتخييرهن ليكنَّ على مثل حاله أو لأنهن تغايرن عليه فآلى منهن شهراً، وأُمر بتخييرهن، أو اجتمعن يوماً وقلن: نريد ما تريده النساء من الحلي والثياب، حتى قال بعضهن: لو كنا عند غير الرسول [صلى الله عليه وسلم] لكان لنا شأن وحلي وثياب فنزلت، أو(2/570)
لأن الله تعالى صان خلوة نبيه [صلى الله عليه وسلم] فخيرهن على أن لا يتزوجن بعده فأجبن إلى ذلك فأمسكهن، أو سألته أم سلمة سِتراً معلماً وميمونة حلة يمانية وزينب ثوباً مخططاً وهو البرد اليماني أم حبيبة ثوباً سحولياً وحفصة ثوباً من ثياب مصر وجويرية مِعجراً وسودة قطيفة فدكية فلم تطلب عائشة رضي الله تعالى عنها شيئاً فأمره الله تعالى بتخييرهن، وكان تحته يومئذٍ تسع سوى الحميرية(2/571)
خمس قرشيات عائشة وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وسودة وصفية بنت حُيي الخيبري وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية. فلما اخترن الصبر معه على الرخاء والشدة عُوضن بأن جُعلن أمهات المؤمنين تعظيماً لحقوقهن وتأكيداً لحرمتهن، وخطر عليه طلاقهن أبداً وحُرم النكاح عليهن ما دام معسراً فإن أيسر ففيه مذهبان، قالت عائشة رضى الله عنها ما مات الرسول [صلى الله عليه وسلم] حتى حل له النساء، يعني اللآتي حظرن عليه، وقَيل الناسخ لتحريمهن قوله: {إِنَّآ أَحْلَلْنَا لك} الآية: [50] . {يا نسآء النبىِّ من يأت منكنَّ بفاحشةٍ مبينة يضاعف لها العذابُ ضعفين وكان ذالك على الله يسيراً ومن يقنت منكنَّ للهِ ورسولهِ وتعمل صالحاً نُّؤتهآ أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريما(2/572)
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
30 - {بفاحشةٍ مبيِّنة} الزنا، أو النشوز وسوء الخلق " ع " {ضِعْفَيْنِ} عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، أو عذابان في الدنيا، لأذاهن للرسول [صلى الله عليه وسلم] حدان في الدنيا غير السرقة. قال أبو عبيدة الضعفان أن تجعل الواحد ثلاثة فيكون عليهن ثلاثة حدود لأن ضعف الواحد اثنان فكان ضعفي الواحد ثلاثة، أو المراد بالضعف المثل والضعفان المثلان قاله ابن قتيبة وقال آخرون إذا كان ضعف(2/572)
الشيء مثليه وجب أن يكون ضعفان أربعة أمثاله. قال ابن جبير: فجعل عذابهن ضعفين وجعل على من قذفهن الحد ضعفين.(2/573)
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)
31 - {يَقْنُتْ} تطع {وَتَعْمَلْ صَالِحاً} بينها وبين ربها {مَرَّتَيْنِ} كلاهما في الآخرة أو أحدهما في الدنيا والثاني في الآخرة {رزقا كريما} / [148 / أ] في الجنة، أو في الدنيا واسعاً حلالاً. {يا نساء النبىّ لستُنّ كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولا معروفاً وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرّج الجاهلية الأولى وأقمن الصّلاة وءاتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً واذكرن ما يتلى فى بيوتكن من ءايات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً}(2/573)
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)
32 - {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ} من نساء هذه الأمة {فَلا تَخْضَعْنَ} فلا ترققن بالقول، أو لا ترخصن به " ع " أو تلن القول أو لا تكلمن بالرفث أو بالكلام الذي فيه ما يهوي المريب أو ما يدخل من كلام النساء في قلوب الرجال. {مرض} شهوة الزنا والفجور، أو النفاق، وكان أكثر من تصيبه الحدود في زمن الرسول [صلى الله عليه وسلم] المنافقون {مَّعْرُوفاً} صحيحاً، أو عفيفاً، أو جميلاً.(2/573)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
33 - {وقرن} من القرار في مكان وبالكسر من السكينة والوقار {تبرجن تبرج} التبخير، أو كانت لهن مشية وتكسر وتغنج. قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " المائلات المميلات لا يدخلن الجنة " المائلات في مشيهن والمميلات قلوب الرجال إليهن، أو كانت المرأة تمشي بين الرجال، أو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وعنقها وقرطها فيبدوا ذلك كله منها، أو تُبدي من محاسنها ما يلزمها ستره، أصله من تبرج العين وهو سعتها. {الْجَاهِليَّةِ الأُولَى} بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، أو زمن إبراهيم عليه الصلاة السلام كانت أحداهن تمشي في الطريق لابسة درعاً مفرجاً ليس عليها غيره، أو ما بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام، ثمانمائة سنة فكن النساء يردن الرجال على أنفسهن لحسن رجالهن وقبح نسائهن، أو بين نوح وإدريس عليهما الصلاة والسلام ألف سنة كانت إحداهن تجمع زوجاً وخِلماً أي صاحباً فتجعل لزوجها النصف الأسفل ولخِلمها النصف الأعلى، أو كان بطنان من بني آدم يسكن أحدهما الجبل رجالهم صِبَاح وفي نسائهم دمامة " وأهل السهل عكس ذلك " فاتخذ لهم(2/574)
إبليس عيداً اختلط فيه أهل السهل بأهل الجبل فظهرت فيهم الفاحشة فذلك تبرج الجاهلية الأولى. {الرِّجْسَ} الإثم، أو الشرك " ح "، أو الشيطان، أو المعاصي، أو الشك، أو الأقذر {أَهْلَ الْبَيْتِ} علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم أجمعين قاله أربعة من الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أو الأزواج خاصة، أو الأهل والأزواج. {وَيُطَهِّرَكُمْ} من الإثم، أو السوء، أو الذنوب.(2/575)
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)
34 - {آيات اللَّهِ} القرآن {وَالْحِكْمَةِ} السنة، أو الحلال والحرام والحدود {لَطِيفاً} باستخراجها {خَبِيراً} بمواضعها. {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصداقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً}(2/575)
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
35 - {إن المسلمين} قالت أم سلمة للرسول [صلى الله عليه وسلم] : ما للرجال يُذكَرون في القرآن ولا تذكر النساء فنزلت {الْمُسْلِمِينَ} المتذللين {وَالْمُؤْمِنِينَ} المصدقين، أو المسلمين في أديانهم، والمسلم والمؤمن واحد، أو الإسلام الإقرار باللسان والإيمان التصديق بالقلب، أو الإسلام اسم الدين والإيمان التصديق به والعمل عليه / [148 / ب] . {والقانتين} المطيعين، أو الداعين " ع " {والمصدقين} في أيمانهم أو عهودهم {وَالْصَّابِرينَ} على(2/575)
أمر الله ونهيه، أو في البأساء والضراء {وَالْخَاشعِينَ} المتواضعين لله، أو الخائفين منه، أو المصلين {وَالْمُتَصَدِّقِينَ} بأنفسهم في طاعة الله، أو بأموالهم في الزكاة المفروضة أو بأعطاء النوافل بعد الفرض {وَالْصًّآئِمِينَ} عن المعاصي والقبائح أو الصوم الشرعي المفروض، أو رمضان وثلاثة أيام من كل شهر {فُرُوجَهُمْ} عن الحرام والفواحش، أو منافذ الجسد كلها يحفظون السمع عن اللغو والخنا " والأعين عن النظر إلى ما لا يحل " والفروج عن الفواحش والأفواه عن قول الزور وأكل الحرام {وَالْذَّاكِرِينَ اللَّهَ} باللسان أو التالين لكتابه، أو المصلين {مَّغْفِرَةً} لذنوبهم {وأجرا عظيما} لأعمالهم. {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}(2/576)
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)
36 - {وما كان لمؤمن} لما خطب الرسول [صلى الله عليه وسلم] زينب بنت جحش لزيد بن حارثة امتنعت هي وأخوها لأنهما ولداً عمة الرسول [صلى الله عليه وسلم] أُميمة بنت عبد المطلب، وأنهما من قريش وأن زيداً مولى فنزلت فقالت زينب: أمري(2/576)
بيد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فزوجها من زيد " ع " أو نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أول من هاجر من النساء فوهبت نفسها للرسول [صلى الله عليه وسلم] فقال: قد قبلت فزوجها زيد بن حارثه فسخطت هي وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فزوجها عبده {ضَلالاً مُّبِيناً} جار جوراً مبيناً، أو أخطأ خطأ طويلاً. {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا}(2/577)
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
37 - {أنعم الله عليه} بمحبة رسوله [صلى الله عليه وسلم] {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالتبني، أو بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق وهو زيد بن حارثة أتى الرسول [صلى الله عليه وسلم] منزله فرأى زوجته زينب بنت جحش فأعجبته فقال: سبحان مقلب القلوب، فسمعت ذلك فجلست فجاء زيد فذكرت له ذلك فعرف أنها وقعت في نفسه فأتاه فقال: يا(2/577)
رسول الله إئذن لي في طلاقها فإن فيها كِبراً إنها لتؤذيني بلسانها، فقال: اتق الله تعالى وأمسك عليك زوجك وفي نفسه [صلى الله عليه وسلم] غير ذلك {وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ} إيثار طلاقها، أو الميل إليها، أو أنه إن طلقها تزوجتها، أو أعلمه الله بغيب أنها تكون من زوجاته قبل أن يتزوجها " ح " {وَتَخْشَى} مقالة الناس، أو أن تبديه لهم {وَطَراً} حاجة، أو طلاقاً والوَطَر الأرب المشتهى {زَوَّجْنَاكَهَا} فدعا الرسول [صلى الله عليه وسلم] زيداً، وأمره أن يخبرها أن الله تعالى زوجه إياها فجاءها فاستفتح فقالت: من هذا قال: زيد فقالت: وما حاجة زيد إليَّ وقد طلقني فقال: إن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أرسلني فقالت: مرحباً برسول رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وفتحت فدخل وهي(2/578)
تبكي فقال: لا يبكي الله عينيك قد كنت نعمت المرأة إن كنت لتبري قسمي وتطيعي أمري / [149 / أ] وتشبعي مسرتي فقد أبدلك الله تعالى خيراً مني قالت: من لا أباً لك قال: رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فخرت ساجدة وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] في عُسرة فأصدقها قربة وعباءة ورحى يد ووسادة أدم حشوها ليف وأولم عليها تمر وسويق ودخل عليها بغير إذن وكانت تفخر على نسائه وتقول زوجكن أولياؤكن وآباؤكن وأما أنا فزوجني رب العرش {كيلا يكون} قال المشركون للرسول [صلى الله عليه وسلم] : زعمت أن زوجة الابن لا تحل وقد تزوجت حليلة أبنك زيد. فقال الله تعالى {كيلا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حرجٌ} الآية أي لا تحرم زوجة ابن الدعي {أَمْرُ اللَّهِ} تزويج الرسول [صلى الله عليه وسلم] زينب رضي الله تعالى عنها. {مَفْعُولاً} حكماً لازماً وقضاء واجباً. {ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا}(2/579)
مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)
38 - {فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} أحله له من تزويج زينب أو من التي وهبته نفسها أن زوجه الله إياها بغير صداق ولكن أعطاها الصداق فضولاً " ح " أو أن ينكح ما شاء من عدد النساء وإن حرم على أمته أكثر من أربع لأن اليهود عابوه بذلك. قال الطبري نكح الرسول [صلى الله عليه وسلم] خمس عشرة ودخل بثلاث عشرة ومات(2/579)
فارغة(2/580)
عن تسع وكان القسم لثمان. {سُنَّةَ اللَّهِ} السنة الطريقة المعتادة {فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ} أي لا حرج على الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم بسلامه فيما أحل لهم كما أحل لداود عليه الصلاة والسلام مثل هذا في نكاح ما شاء وفي المرأة التي نظر إليها وتزوجها ونكح مائة امرأة، وأحل لسليمان عليه الصلاة والسلام ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سُرّية {قَدَراً مَّقْدُوراً} فعلاً مفعولاً، أو قضاء مقضياً عند الجمهور. {الذين يبلغون رسالت الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً ما كان محمداً أبا أحدٍ من رجّالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين وكان الله بكل شيءٍ عليماً}(2/581)
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
40 - {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} لما قال المشركون قد تزوج محمد امرأة ابنه أكذبهم الله تعالى بهذه الآية {وَخَاتَمَ النبيين} آخرهم. {يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبّحوه بكرةً وأصيلاً هو الذي يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً تحيتهم يوم يلقونه سلامٌ وأعدّ لهم أجراً كريماً}(2/581)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)
41 - {اذْكُرُواْ اللَّهَ} تعالى بقلوبكم ذكراً دائماً مؤدياً إلى طاعته، أو بألسنتكم ذكراً كثيراً بالدعاء والرغبة، أو بالإقرار له بالربوبية والاعتراف بالعبودية.(2/581)
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)
42 - {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأًصِيلاً} صلاة الصبح والعصر والأصيل ما بين العصر والليل، أو الأصيل الظهر والعصر والمغرب والعشاء. {وَسَبِّحُوهُ} بالتنزيه، أو الصلاة، أو الدعاء.(2/582)
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
43 - {يُصَلِّى عَلَيْكُمْ} صلاته ثناؤه، أو إكرامه، أو رحمته، أو مغفرته وصلاة الملائكة دعاؤهم واستغفارهم {مِّنَ الظُّلُمَاتِ} من الكفر إلى الإيمان أو من الضلالة إلى الهدى، أو من النار إلى الجنة. {يا أيها النبي إنّا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذانهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً}(2/582)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)
45 - {شَاهِداً} على أمتك بالبلاغ {وَمُبَشِّراً} بالجنة {وَنَذِيراً} من النار " ع ".(2/582)
وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)
46 - {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ} إلى طاعته، أو الإسلام، أو شهادة أن لا إله إلا الله {بِإِذْنِهِ} بأمره " ع " أو علمه " ح "، أو القران. / [149 / ب] (وسراجاً} القرآن، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] {مُّنِيراً} يُهتدى به كالسراج.(2/582)
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)
47 - {فَضْلاً كَبِيراً} ثواباً عظيماً، أو الجنة لما رجع الرسول [صلى الله عليه وسلم] من الحديبية فنزل عليه 0 إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} الآيات [الفتح 1 - 3] قال المسلمون هنيئاً لك يا رسول الله قد غُفر لك ما تقدم وما تأخر فماذا لنا فنزلت {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}(2/582)
وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)
48 - {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} أبو سفيان وعكرمة وأبو الأعور والمنافقين عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد وطعمة بن أبيرق قالوا: يا محمد اذكر أن(2/582)
لآلهتنا شفاعة {وَدَعْ أَذَاهُمْ} دع ذكر آلهتهم أن لها شفاعة، أو كف عن أذاهم وقتالهم قبل الأمر بالقتال، أو اصبر على أذاهم، أو قولهم زيد بن محمد وما تكلموا به حين نكح زينب. {يا أيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدّةٍ تعتدّونها فمتعوهنّ وسرحوهنّ سراحاً جميلاً}(2/583)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)
49 - {فَمَتِّعُوهُنَّ} متعة الطلاق إذا لم تُسموا لهن صداقاً فتقوم المتعة مقام نصف المسمى وقدرها نصف مهر المثل، أو أعلاها خادم وأوسطها ثوب وأقلها ماله ثمن {سَرَاحاً جَمِيلاً} تدفع المتعة بحسب اليسار والإعسار، أو طلاقها طاهراً من غير جماع قاله قتادة، قلت: هذه غفلة منه لأن الآية فيمن لم يدخل بهن. {يا أيها النبي إنّا أحللنا لك أزواجك التي ءاتيت أجورهن وما ملكت يمينك ممّا أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك خالك وبنات خالاتك التي هاجرن معك وامرأة مؤمنةً إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصةً لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرجٌ وكان الله غفوراً رحيماً}(2/583)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
50 - {أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} اللاتي تزوجتهن قبل هذه الآية ولا يحل غيرهن لقوله {لاَّ يَحِلُّ لك النساء} الآية [52] . أو أحل له بهذه الآية سائر(2/583)
النساء قالته عائشة رضي الله تعالى عنها وينسخ بها قوله {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء من بعد} الآية: [52] إذ أحل له فيها من سماه من النساء دون من لم يسم {وما مَلَكَتْ يَمِينُكَ} فكان من الإماء مارية {مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} من الغنيمةَ صفية وجويرية أعتقهما وتزوجهما وبنات عمه وعماته وبنات خاله وخالاته. قاله أُبي بن كعب {هَاجَرْنَ} أسلمن، أو هاجرن إلى المدينة قالت أم هانئ نزلت هذه الآية فأراد الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يتزوجني فَنُهي عني لاني لم أهاجر وهذه الهجرة شرط في نكاحه لبنات عمه وعماته المذكورات في الآية خاصة بهن، أو شرط في نكاح القريبات والأجنبيات فلا يجوز له أن ينكح غير مهاجرة. {وَهَبَتْ نَفْسَهَا} لم يكن عنده امرأة وهبته نفسها " ع " وهو تأويل من كسر " إِنْ "، أو كانت عنده على قول الجمهور، وهو تأويل من فتحها، أو من فتح أراد امرأة بعينها من وهبت نفسها حل له نكاحها ومن كسر أراد كل امرأة تهب نفسها فإنه يحل نكاحها. والواهبة التي كانت عنده. أم شريك بنت جابر بن ضباب، أو خولة بنت حكم أو ميمونة بنت الحارث " ع "، أو زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار {خَالِصَةً لَّكَ} تزوج الواهبة بغير ولي ولا مهر ولا يلزمك لها صداق، أو يصح نكاحك لها بلفظ الهبة {مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} من ولي وشاهدين وصداق، أو أن لا يجاوزوا الأربع، أو النفقة والقسمة. {وَمَا(2/584)
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي حللناهن من غير عدد محصور ولا قسم مستحق. {كيلا يكون عليك / [150 / ب] حَرَجٌ} متعلق بقوله {أَحْلَلْنَا لَكَ} ، أو بقوله {وامرأة مؤمنة إن وهبت} {ترجى من تشاء منهنّ وتئوى إليك من تشاء ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرّ أعينهن ولا يحزن ويرضين بما ءاتيتهن كلّهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليماً حليماً}(2/585)
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
51 - {ترجي} تطلق {وتؤوي} تمسك " ع "، أو تترك نكاح من تشاء وتنكح من تشاء " ح "، أو تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها وتأتي من شئت منهن فلا تعزلها وهذا يدل على سقوط القسم عنه، أو تعزل من تشاء من أزواجك وتضم إليك من تشاء من أزواجك ولما بلغ بعضهن أنه يريد أن يخلي سبيلهن أتينه فقلن: لا تخل سبيلنا وأنت في حل مما بيننا وبينك فأرجى سودة وميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما شاء وآوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب فكان قسمه من ماله ونفسه فيهن سواء. {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ} فأويته إليك {مِمَّنْ عَزَلْتَ} أن تئويه إليك {فَلآ جُنَاحَ عَلَيْكَ} فيمن ابتغيت وفيمن عزلت، أو فيمن عزلت أن تئويه إليك {ذّلِكَ أَدْنَى} إذا علمن أنه لا يطلقهن قرت أعينهن ولم يحزن أو إذا علمن أنه لا يتزوج عليهن قَرَّت أعينهن ولم يحزنَّ، أو إذا علمن هذا حكم الله قَرَّت أعينهن، أو إذا علمن أن له ردهن إلى فراشه إذا اعتزلهن قرت أعينهن. {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شىءٍ رقيباً}(2/585)
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
52 - {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءَ مِن بَعْدُ} نسائك اللاتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة " ع " فقصر على التسع ومنع من غيرهن، أو لا يحل لك النساء بعد اللاتي حللن لك بقوله {إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزوَاجَكَ} إلى قوله {إن(2/585)
وهبت نفسها} [50] فقصر الإباحة على بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات المهاجرات معه. قاله أُبي بن كعب، أو لا يحل لك النساء من بعد المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات ويحل ما سواهن من المسلمات. {وَلآ أَن تَبَدَّلَ} بالمسلمات مشركات، أو ولا أن تطلق زوجاتك لتستبدل بهن من أعجبك حسنهن قيل التي أعجبه حسنها أسماء بنت عميس بعد قتل جعفر بن أبي طالب، أو ولا أن تبدل بأزواجك زوجات غيرك، كانوا في الجاهلية يتبادلون بالأزواج فيعطي أحدهم زوجته لرجل ويأخذ زوجته بدلاً منها قاله ابن زيد. {يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فسئلوهن من وراء حجابٍ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداّ إن ذلكم كان عند الله عظيماً إن تبدوا شيئاً أو تخفوه فإن الله كان بكل شىءٍ عليماً}(2/586)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
53 - {لا تدخلوا بيوت النبي} مر الرسول [صلى الله عليه وسلم] ببعض نسائه وعندهن رجال يتحدثون وكان حديث عهد بزينب بنت جحش فهنينه وهنأه الناس فأتى عائشة - رضي الله عنها - فإذا عندها رجال يتحدثون فكره ذلك وكان إذا كره الشيء عرف في وجهه فلما كان العشي صعد المنبر وتلا هذه الآية. {ناظرين(2/586)
إِنَاهُ} منتظرين نضجه، أو متوقعين بحينه ووقته 0 ولا مستأنسين} لما أهديت زينب للرسول [صلى الله عليه وسلم] صنع طعاماً ودعا قوماً فدخلوا وزينب مع الرسول [صلى الله عليه وسلم] فجعلوا يتحدثون وجعل الرسول [صلى الله عليه وسلم] يخرج ثم يرجع وهم قعود. / [150 / ب] فنزلت {فإذا طعمتم فانتشروا} {فيستحيي منكم} أن يخبركم به {والله لا يستحيي من الحق} أن يأمركم به {مَتَاعاً} حاجة، أو صحف القرآن أو عارية أمرن وسائر النساء بالحجاب كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] وعائشة - رضي الله تعالى عنها - يأكلان حيساً في قعب فَمَرَّ عمر - رضي الله تعالى عنه - فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبع عائشة فقال حسبي لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، أو كن يخرجن للتبرز إلى المناصع وكان عمر - رضي الله تعالى عنه - يقول للرسول [صلى الله عليه وسلم] : أحجب نساءك فلم يكن يفعل فنزل الحجاب، أو أمرهن عمر بالحجاب فقالت زينب: يا عمر إنك لتغار علينا وإن الوحي ينزل في بيوتنا فنزل الحجاب {وَلا أَن تَنكِحُواْ} لما نزل الحجاب قال قرشي من بني تميم حجبنا الرسول عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده فنزلت ولتحريمهن بعده وجبت نفقاتهن من بيت المال وفي وجوب العدة عليهن مذهبان لأن العدة تربص للإباحة ولا إباحة في حقهن.(2/587)
{لا جناح عليهن في ءابائهن ولا أبنائهن ولا أخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شىءٍ شهيداً}(2/588)
لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)
55 - {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ} في ترك الحجاب، أو في وضع الجلباب. لما نزلت {فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} قال الآباء والأبناء فقالوا: يا رسول الله نحن لا نكلمهن أيضاً إلا من وراء حجاب فنزلت قال الشعبي: لم يذكر العم لأنها تحل لابنه فيصفها له. {نِسَآئِهِنَّ} عام، أو المسلمات دون المشركات {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} الإماء خاصة، أو الإماء والعبيد فيحل للعبيد ما يحل للمحرم، أو ما لا يواريه الدرع من ظاهر يديها. {إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً}(2/588)
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)
56 - {يُصَلُّونَ} صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء، أو صلاة الملائكة أن يباركوا عليه " ع " وقولنا اللهم صل على محمد أي زده بركة ورحمة قيل: لما نزلت قال المسلمون: فما لنا يا رسول الله فنزلت {هو الذي يصلي علكيم} الآية [43] .(2/588)
{إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}(2/589)
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)
57 - {الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أصحاب التصاوير، أو الذين طعنوا على الرسول [صلى الله عليه وسلم] لما اتخذ صفية بنت حيي أو قوم من المنافقين كانوا يكذبون على الرسول [صلى الله عليه وسلم] ويبهتونه {ويوذون الله} أي أولياءه، أو رسوله [صلى الله عليه وسلم] ، جَعْله أذاه أذى له تشريفاً لمنزلته، أو ما روى من قوله سبحانه وتعالى " شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني أم شتمه إياي فقوله إن لي صاحبة وولداً وأما تكذيبه إياي بقوله لن يعيدني كما بدأني ". لعنوا في الدنيا بالقتل والجلاء وفي الآخرة بالنار.(2/589)
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)
58 - {الذين يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ} نزلت في الزناة كانوا يرون المرأة فيغمزونها، أو في قوم كانوا يؤذون علياً - رضي الله تعالى عنه - ويكذبون عليه، أو في أهل الإفك. {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً مّلعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً سنة الله في الذين(2/589)
خلوا من قبل ولن تجد لسنّة الله تبديلاً}(2/590)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)
59 - {جَلابِيبِهِنَّ} الجلباب: الرداء، أو القناع، أو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها وإدناؤه أن تشد به رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا / [151 / أ] ترى ثغرة نحرها، أو تغطي به وجهها حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى {يُعْرَفْنَ} من الإماء بالحرية أو من المتبرجات بالصيانة. قال قتادة: كانت الأَمَةَ إِذا مرَّت تناولها المنافقون بالأذى فنهى الله - تعالى - الحرائر أن يتشبهن بهن.(2/590)
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)
60 - {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} عن أذية نساء المسلمين، أو عن إظهار ما في قلوبهم من النفاق " ح " {وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} الزناة، أو أصحاب الفواحش والقبائح {والمرجفون} الذين يكايدون النساء ويتعرضون لهن، أو ذاكرو الأخبار المضعّفة لقلوب المؤمنين المقوية لقلوب المشركين، أو الإرجاف التماس الفتنة " ع " وسميت الأراجيف لاضطراب الأصوات فيها وإفاضة الناس فيها {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} لنسلطنك عليهم، أو لنعلمنك بهم، أو لنحملنك على مؤاخذتهم {إِلاَّ قَلِيلاً} بالنفي عن المدينة والقليل ما بين قوله لهم اخرجوا وبين خروجهم.(2/590)
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)
62 - {سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ} بأن من أظهر الشرك قُتل، أو من زنا حُدَّ أو من أظهر النفاق أُبعد {تَبْدِيلاً} تحويلاً وتغييراً، أو من قتل بحق فلا دِية على قاتله. {يسئلك الناس عن الساعة قل إنّما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا(2/590)
أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبّيلا ربّنا ءاتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً}(2/591)
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)
67 - {سَادَتَنَا} الرؤساء، أو الأمراء، أو الأشراف {وَكُبَرَآءَنَا} العلماء أو ذوو الأسنان مأثور {السَّبِيلاْ} طريق الإيمان و {الرَّسُولاْ} و {السَّبِيلاْ} مخاطبة يجوز ذلك فيها عند العرب، أو لفواصل الآي. قيل نزلت في المطعمين يوم بدر وهم اثنا عشر رجلاً من قريش.(2/591)
67 - {ضِعْفَيْنِ} من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، أو عذاب الكفر وعذاب الإضلال. {لَعْناً كَبِيراً} عظيماً وبالثاء لعناً على إثر لعن. {يا أيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين ءاذوا موسى فبرأه الله ممّا قالوا وكان عند الله وجيهاً}(2/591)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)
69 - {لا تكونوا} في أذية محمد [صلى الله عليه وسلم] بقولكم زيد بن محمد، أو بقول الأنصاري إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله - تعالى - {آذوا مُوسَى} رموه بالسحر والجنون، أو بالأُدرة والبرص في حديث اغتساله خلوا، أو صعد مع هارون الجبل فمات هارون فقالوا لموسى أنت قتلته وكان ألين لنا منك وأشد حباً فأمر الله الملائكة فحملته ومرت به على مجالسهم وتكلمت الملائكة بموته ثم دفنته قال علي - رضي الله عنه -: ومات هارون في التيه ومات موسى بعد انقضاء مدة التيه بشهرين {وَجِيهاً} مقبولاً، أو مستجاب الدعوة " ح "، أو ما سأل الله - تعالى - شيئاً إلا أعطاه إلا النظر. والوجيه: مشتق من الوجه لأنه أرفع الجسد. {يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}(2/592)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)
70 - {سديدا} عدلاً، أو صدقاً، أو صوباً، أو قول لا إله إلا الله، أو يوافق باطنه ظاهره، أو ما أريد به وجه الله - تعالى - دون غيره.(2/592)
71 - {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} بالقبول، أو بالتوفيق لها. {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً ليعذّب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيما}(2/593)
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
72 - {الأَمَانَةَ} ما أُمروا به ونهوا عنه، أو الفرائض والأحكام الواجبة على العباد " ع " أو ائتمان النساء والرجال على الفروج، أو الأمانة التي يأتمن الناس بعضهم بعضاً عليها، أو ما أودعه في هذه المخلوقات من الدلائل على الربوبية / [141 / ب] أن يظهروها فأظهروها إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها، وعرضها إظهار ما يجب من حفظها وعظم المأثم في تضييعها، أو عورضت بالسماوات والأرض والجبال فكانت أثقل منها لتغليظ حكمها فلم تستقل بها وضعفت عن حملها، أو عرض الله - تعالى - حملها ليكون الدخول فيها بعد العلم بها فعرضها الله - تعالى - على السموات والأرض والجبال " ع "، أو على أهل السموات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة " ح " {فأبين أن يحملنها} حذراً {وأشفقن منها} تقصيراً، أو أبَيْنَ حملها عجزاً وأشفقن منها خوفاً {وحملها الإنسان} الجنس، أو آدم عليه الصلاة والسلام ثم انتقلت إلى ولده " ح " لما عرضت عليهن قلن وما فيها قيل إن أحسنت جُوزيتِ وإن أسأت عُوقبتِ قالت لا، فلما خلق آدم عليه الصلاة والسلام عرضها عليه فقال وما هي قال إن أحسنت أجرتك وأن أسأت عذبتك قال فقد حملتها يا رب. فما كان بين أن حملها إلى أن خرج من الجنة إلا كما بين الظهر والعصر {ظَلُوماً} لنفسه {جَهُولاً} بربه " ح "، أو ظلوماً في خطيئته جهولاً(2/593)
بما حَمَّل ولده من بعده، أو ظلوماً بحقها جهولاً بعاقبة أمره.(2/594)
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
73 - {لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ والْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} بالشرك والنفاق، أو لخيانتهما الأمانة 0 وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} يتجاوز عنهم بأداء الأمانة {غَفُوراً} لمن تاب من الشرك {رحيما} بالهداية.(2/594)
سورة سبإ
مكية أو إلا آية {ويرى الذين أوتوا العلم} [6] .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {الحمد لِلِه الَّذي لَهُ مَا فِي السَّمَواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيَها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) }(3/5)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)
1 - {ما في السماوات وما في الأرض} خلقاً، أو ملكاً {الْحَمْدُ فِى الأَخِرَةِ} حمد أهل الجنة - {الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} [فاطر: 34] {الحمد للَّهِ الذى صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر: 74] ، أو له الحمد في السماء والأرض لأنه خلق السموات قبل الأرض فصارت هي الأولى والأرض الآخرة، أو له " الحمد في الأولى على الهداية " وفي الآخرة على الثواب والعقاب. {الْحَكِيمُ} في أمره {الْخَبِيرُ} بخلقه.(3/5)
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)
2 - {يَلِجُ فِى الأَرْضِ} المطر و {يَخْرُجُ مِنْهَا} النبات، أو الوالج الأموات والخارج الذهب والفضة والمعادن، أو الوالج البذور والخارج الزرع. {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ} من الملائكة {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} منهم، أو النازل القضاء(3/5)
والعارج العمل، أو النازل المطر والعارج الدعاء.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السَّمَواتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلِكَ ولاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْ فِيءَايَتِنَا مَعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِن رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيكَ مِن ربِّكَ هُو الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِراَطِ العَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) }(3/6)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)
5 - {سعوا في آياتنا} بالجحد، أو التكذيب {مُعَاجِزِينَ} مسابقين أو مجاهدين، أو مراغمين مشاقين " ع "، أو لا يعجزونني هرباً ولا يفوتونني طلباً {معجّزين} مثبطين الناس عن اتباع الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو مضعفين الله أن يقدر عليهم، أو معجزين من آمن بإضافة العجز إليه {مِّن رِّجْزٍ} من عذاب أليم.(3/6)
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)
6 - {الذين أوتوا العلم} أصحاب محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو مؤمنو أهل الكتاب {الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ} القرآن {صراط [152 / أ] الْعَزِيزِ} دين الإسلام مأثور، أو طاعة الله - تعالى وسبيل مرضاته.(3/6)
{وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد (7) أفترى على الله كذباً أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد (8) أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء إن في ذلك لآيةً لكل عبد منيب (9) }
7 -،(3/7)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)
8 - {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} بالبعث. قيل: قاله أبو سفيان لأهل مكة فأجاب بعضهم بعضاً. {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ} يعنون قائل هذا إما مجنون، أو كذاب. فرد الله - تعالى - عليهم بقوله: {بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} بالبعث {فِى الْعَذَابِ} في الأخرة {وَالْضَّلالِ الْبَعِيدِ} في الدنيا.(3/7)
أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
9 - {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من السماء والأرض كيف أحاطت بهم لأنهم كيف ما نظروا عن يمين وشمال ووراء وأمام رأوهما محيطتين بهم، أو ما بين أيديهم: من هلك من الأمم الماضية في أرضه {وَمَا خَلْفَهُم} من أمر الآخرة في سمائه {كِسَفاً} عذاباً، أو قِطعاً إن شاء عذب بسمائه، أو بأرضه. فكل خلقه له جند {مُّنِيبٍ} مجيب، أو مقبل بتوبته، أو مستقيم إلى ربه، أو مخلص بالتوحيد.
{ولقد ءاتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد (10) أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحاً إني بما تعملون بصير (11) .(3/7)
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)
10 - {فَضْلاً} نبوة، أو زبوراً، أو قضاء بالعذاب، أو فطنة وذكاء، أو(3/7)
رحمة الضعفاء، أو حسن الصوت، أو تسخير الجبال والطير {أَوِّبِى} سبحي معه " ع " أو سيري " ح "، والتأويب سير النهار كله، أو سير الليل كله، أو سير النهار كله دون الليل. أو رجِّعي معه إذا رجع {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} فكان يعمل به كالعمل بالطين لا يدخله النار ولا يعمل بمطرقة.(3/8)
أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)
11 - {سَابِغَاتٍ} دروعاً تامة. إسباغ النعمة: تمامها {وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ} عدل المسامير في الحِلَق فلا تصغرها فتسلس ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فتنقصم الحلقة، أو لا تجعل الحلق واسعة فلا تفي صاحبها. والسرد المسامير التي في الحلق من سرد الكلام سرداً إذا تابع بينه ومنه قول الرسول [صلى الله عليه وسلم] ثلاثة سرد وواحد فرد، أو النقب الذي في الحلق " ع " فكان يرفع كل يوم درعاً يبيعها بستة آلاف درهم ألفان لأهله وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل خبزَ حواري {وَاعْمَلُواْ صَالِحاً} قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ع "، أو جميع الطاعات.
{ولسليمان الريح غدوها شهرٌ ورواحها شهرٌ وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعلم بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير (12) يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدورٍ راسياتٍ اعملوا آل داود شكراً وقليلٌ من عبادي الشكور (13) }(3/8)
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)
12 - {غُدُوُّهَا} إلى نصف النهار شهر {وَرَوَاحُهَا} إلى آخره شهر في كل يوم شهران. قال الحسن: كانت تغدوا من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع وتروح فيبيت بكابل وبينهما شهر للمسرع {عَيْنَ الْقِطْرِ} سال له القِطر من صنعاء اليمن ثلاثة أيام. كما يسيل الماء، أو هي عين بالشام والقطر النحاس " ع "، أو الصفر {بِإِذْنِ رَبِّهِ} بأمر ربه. {يَزِغْ} يمل {عَنْ أَمْرِنَا} طاعة الله - تعالى -، أو ما يأمر به سليمان عليه الصلاة والسلام لأن أمره كأمر الله {نُذِقْهُ} في الآخرة، أو الدنيا ولم يُسخِّر منهم إلا الكفار فإذا آمنوا تركهم وكان مع المسخرين ملك بيده سوط من عذاب السعير فإذا خالف سليمان ضربه بذلك السوط {والسعير} النار [152 / ب] / المسعورة.(3/9)
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
13 - {مَّحَارِيبَ} القصور، أو المساجد، أو المساكن ومحراب الدار أشرف موضع فيها. {وَتَمَاثِيلَ} الصور ولم تكن محرمة وكانت من نحاس، أو من رخام وشِبْه، صور الأنبياء الذين كانوا قبله، أو طواويس وعقباناً ونسوراً على كرسيه ودرجات سريره ليهاب من شاهدها أن يتقدم. {كَالْجَوَابِ} كالحياض، أو الجوبة من الأرض، أو كالحائط. {رَّاسِيَاتٍ} عظام، أو أثافيها منها " ع "، أو ثابتات لا يزلن عن مكانهن وذكر أنها باقية باليمن آية وعبرة {شُكْراً} توحيداً، أو تقوى وطاعة، أو صوم النهار وقيام الليل. فليس ساعة من نهار إلا وفيها من آل داود صائم ولا ساعة من الليل إلا وفيها منهم قائم، أو(3/9)
اعملوا عملاً تستوجبون عليه الشكر أو اذكروا أهل البلاء وسلوا ربكم العافية، أو قال لما أمر بالشكر: إلهي كيف أشكرك والشكر نعمة منك عليّ فقال: الآن شكرتني حين علمت أن النعم مني {الشَّكُورُ} المؤمن الموحد " ع "، أو المطيع، أو ذاكر النعمة. والشاكر من لم يتكرر شكره والشكور من تكرر شكره، أو الشاكر على النعم والشكور على البلوى، أو الشاكر من غلب خوفه والشكور من غلب رجاؤه.
{فما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين (14) }(3/10)
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)
14 - {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} وقف في المحراب يصلي متوكئاً على عصاهُ فمات وبقي قائماً على العصا سنة وكان سأل ربه أن لا يعلم الجن موته إلا بعد سنة لأنه كان قد بقي من إتمام عمارة بيت المقدس سنة، أو لأن الجن ذكرت للإنس أنها تعلم الغيب فطلب ذلك ليعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب مأثور، أو لم يمت إلا على فراشه وكان الباب مغلقاً عليه كعادته في عبادته فأكلت الأَرَضَة العتبة بعد سنة فخر الباب ساقطاً وكان سليمان يعتمد على العتبة إذا جلس " ع " {دَآبَّةُ الأَرْضِ} الأرضة " ع " أو دابة تأكل العيدان يقال لها القادح {مِنسَأَتَهُ} العصا بلغة الحبشة، أو مأخوذ من نسأت الغنم إذا سقتها {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} المسخرين أنهم لو علموا الغيب {مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ} أو تبينت الإنس أن الجن لو علموا الغيب {مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ} سنة، أو أوهمهم الجن أنهم(3/10)
يعلمون الغيب فدخل عليهم شُبْهة فلما خَرَّ عرفوا كذبهم وزالت الشُّبهة.
{لقد كان لسبإٍ في مسكنهم ءاية جنتان عن يمين وشمالٍ كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدةٌ طيبةٌ وربٌ غفور (15) فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكلٍ خمط وأثلٍ وشيء من سدرٍ قليلٍ (16) ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجزى إلا الكفور (17) }(3/11)
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)
15 - {لِسَبَإٍ} أرض باليمن يقال لها مأرب، أو قبيلة سموا بأسم أبيهم، أو أمهم وبعث إليهم ثلاثة عشر نبياً {جَنَّتَانِ} أحدهما عن يمين الوادي والأخرى عن شماله {أيه} كانت المرأة تمشي ومكتلها على رأسها فيمتلئ وما مسته بيدها، أو لم يكن في قريتهم ذباب ولا بعوض ولا برغوث ولا بق ولا حية ولا عقرب ويأتيهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فتموت تلك الدواب {كُلُواْ مِن رِّزْقِ} الجنتين {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} قيل هي صنعاء.(3/11)
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)
16 - {فأعرضوا} عن اتباع [153 / أ] / الرسل {الْعَرِمِ} المطر الشديد " ع " أو المسناة بالحبشية، أو العربية، أو اسم واد تجتمع فيه المياه من أودية سبأ فسدوه بين جبلين بالحجارة والقار وجعلوا له أبواباً يأخذون منه ما شاءوا فلما تركوا أمر الله - تعالى - بعث عليهم جرذاً يقال له الخلد فخرقه فأغرق بساتينهم وأفسد أرضهم، أو ماء أحمر أرسل في السد فخرقه وهدمه، أو الجرذ الذي نقب السد. {جَنَّتَيْنِ} ليزدوج الكلام كقوله {فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ} لأنهما لم يتبدلا بجنتين(3/11)
{أُكُلٍ} البرير ثمر الخمط، أو اسم لثمر كل شجرة {خَمْطٍ} الآراك " ع "، أو كل شجر ذي شوك، أو كل نبت مُرٍّ لا يمكن أكله. {وَأَثْلٍ} الطرفاء " ع "، أو شيء يشبه الطرفاء، أو شجر النضار، أو شجرة حطب لا يأكلها شيء، أو السَّمُر.
{وَجَعَلْنَا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرةً وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين (18) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلنهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور (19) }(3/12)
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)
18 - {الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا} بيت المقدس " ع "، أو الشام بورك فيها بالمياه والثمار والأشجار. قيل: إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية {قُرىً ظَاهِرَةً} متصلة ينظر بعضهم إلى بعض " ح "، أو عامرة، أو كثيرة الماء، أو قريبة وهي السَّرْوات، أو قرى بصنعاء، أو قرى ما بين مأرب والشام {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} أي المبيت والمقيل، أو كانوا يصبحون في قرية ويمسون في آخرى " ح "، أو جعل ما بين القرية والقرية مقداراً واحداً. {أمنين} من الجوع والظمأ أو من الخوف كانوا يسيرون أربعة أشهر آمنين لا يحرك بعضهم بعضاً، ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه.(3/12)
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
19 - {بَاعِدْ بَيْنَ أًسْفَارِنَا} قالوا ذلك ملالاً للنعم كما مَلَّ بنو إسرائيل المن والسلوى " ح "، أو قالوا لو كانت ثمارنا أبعد مما هي كانت أشهى وأحلى، أو طلبوا الزيادة في عمارتهم حتى تبعد أسفارهم فيها. فيكون ذلك طلباً للكثرة والزيادة {وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} بقولهم: {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} ، أو بالتغيير والتبديل بعد أن كانوا مسلمين " ح " أو بتكذيب ثلاثة عشر نبياً وقالوا لرسلهم لما ابتلوا قد كنا نأبى عليكم وأرضنا عامرة خير أرض فكيف اليوم وأرضنا خراب شر أرض {أَحَادِيثَ} يتحدث بما كانوا فيه من نعم وما صاروا إليه من هلاك حتى ضرب(3/12)
بهم المثل فقيل: تفرقوا أيادي سبأ. {وَمَزَّقْنَاهُمْ} بالهلاك فصاروا تراباً تذروه الريح، أو مزقوا بالتفرق فلحقت غسان بالشام وخزاعة بمكة والأوس والخزرج بالمدينة والأزد بِعُمان.
{وَلَقَدْ صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين (20) وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيءٍ حفيظٌ (21) }(3/13)
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)
20 - {صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} لما أُهبط آدم وحواء قال إبليس: أَما إذْ أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف ظناً منه فصدق ظنه " ح "، أو قال: خلقت من نار وآدم من طين والنار تحرق كل شيء {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [الإسراء: 62] فصدق ظنه " ع "، أو قال يا رب أرأيت هؤلاء الذين كرمتهم عليَّ إنك لا تجد أكثرهم شاكرين ظناً منه فصدق ظنه، أو ظن أنه إن أغواهم [153 / ب] / وأضلهم أجابوه وأطاعوه فصدق ظنه {فَاتَّبَعُوهُ} الضمير للظن، أو لإبليس " ح ".
{قُلِ ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير (22) ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير (23) }(3/13)
وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)
23 - {لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} في الشفاعة، أو فيمن يشفع له {فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ}(3/13)
جُلي عنها الفزع، أو كُشف عنها الغطاء يوم القيامة، أو دعوا فأجابوا من قبورهم من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ فسمي الداعي فزعاً والمجيب فزعاً، أو فزع عن قلوب الشياطين ففارقوا ما كانوا عليه من إضلال أوليائهم، أو الملائكة فزعوا لسماع الوحي من الله لانقطاعه ما بين عيسى ومحمد فخروا سجداً خوف القيامة ف {قَالُواْ مَاذَا قال ربكم قالوا الحق} أي الوحي وفُزِّع بالمعجمة من شك وشرك يوم القيامة فقالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا قالوا: الحق.
{قُلْ من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ظلالٍ مبين (24) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نُسئل عما تعملون (25) قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم (26) قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم (27) }(3/14)
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
24 - {يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَات} المطر ومن الأرض النبات، أو رزق السموات ما قضاه من أرزاق عباده ورزق الأرض ما مكنهم فيه من مباح. {وَإِنَّآ} نحن على هدى، وإياكم في ضلال، فتكون أو بمعنى الواو، أو معناه أحدنا على هدى والآخر على ضلال كقول القائل بل أحدنا كاذب دفعاً للكذب عن نفسه وإن أحدنا لصادق إضافة للصدق إلى نفسه ودفعاً له عن صاحبه، أو معناه الله يرزقنا وإياكم كنا على هدى، أو في ضلال مبين.(3/14)
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)
26 - {يَفْتَحُ} يقضي لأنه بالقضاء يفتح وجه الحكم {بالحق} بالعدل(3/14)
{الْعَلِيمُ} بالحكم، أو بما يخفون، أو بخلقه.
{وَمَا أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون (28) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (29) قل لكم ميعادٌ يوم لا تستئخرون عنه ساعة ولا تستقدمون (30) }(3/15)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)
28 - {كَآفَّةً لِّلْنَّاسِ} كافاً لهم عن الشرك والهاء للمبالغة أو أرسلناك إلى الجميع تضمهم ومنه كف الثوب لضم طرفيه، أو ما أرسلناك إلا إلى كافتهم أي جميعهم " ع ".
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين (31) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين (32) وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون (33) }(3/15)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)
31 - {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} مشركو العرب، أو أبو جهل {بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ} التوراة والإنجيل، أو الأنبياء والكتب، أو أمر الآخرة.(3/15)
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
33 - {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ} بل عملكم في الليل والنهار، أو معصية الليل والنهار، أو غركم اختلافهما، أو مَرُّهما، أو مكركم فيهما. {أَندَاداً} أشباهاً، أو شركاء.
{وَمَا أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون (34) وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين (35) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون (36) وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات ءامنون (37) والذين يسعون في ءاياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون (38) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدرُ له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين (39) }(3/16)
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)
34 - {مُتْرَفُوهَآ} جبّاروها، أو أغنياؤها، أو ذوو التنعم والبطر.(3/16)
وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)
35 - {وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً} قالوه للأنبياء والفقراء.(3/16)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)
36 - {يبسُطُ الرِّزْقَ} يوسعه {وَيقْدِرُ} يقتر عليه يبسط على هذا مكراً به ويقتر على الآخر نظراً له أو لخير له أو ينظر له {لا يَعْلَمُونَ} أن البسط والإقتار بيده.(3/16)
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)
37 - {زُلْفَى} قربى، والزلفة القربة {جَزَآءُ الضِّعْفِ} الحسنة بعشر والدرهم بسبعمائة، أو الغني التقي يؤتى أجره مرتين بهذه الآية {آمنون} من النار، أو من انقطاع النعم، أو الموت، أو الأحزان والأسقام.(3/16)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
39 - {فهو يُخْلِقُه} إذا شاء ورآه صلاحاً كإجابة الدعاء، أو يخلفه بالأجر(3/16)
في الآخرة إذا أنفق في الطاعة، أو معناه فهو أخلفه لأن نفقته من خلف الله - تعالى - ورزقه.
{وَيَومَ يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون (40) قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون (41) فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضراً ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون (42) }(3/17)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)
40 - {يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} المشركون ومن عبدوه من الملائكة {أَهَؤُلآءِ} استفهام تقرير.(3/17)
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)
41 - {أَنتَ وَلِيُّنَا} الذي نواليه بالطاعة، أو ناصرنا {يعبدون الجن} [154 / أ] / يطيعونهم في عبادتنا.
{وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِم ءاياتُنا بَيْناتٍ قَالُواْ مَا هَذا إلاَّ رَجُلٌ يُريدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُءَاباؤُكُمْ وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين (43) وما ءاتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير (44) وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما ءاتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير (45) }(3/17)
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
44 - {وما آتيناهم مِّن كُتُبٍ} ما نُزِّل على مشركي قريش كتاباً قط {يَدْرُسُونَهَا} فيعلمون أن الذي جئت به حق، أو باطل، أو فيعلمون أن لله شركاء كما زعموا {مِن نَّذِيرٍ} ما جاءهم رسول قط غيرك.(3/17)
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)
45 - {وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ} ما عملوا معشار ما أمروا به " ع "، أو ما أُعطي من كذب محمداً [صلى الله عليه وسلم] معشار ما أُعطي من قبلهم من القوة والمال، أو ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما آتيناهم، أو ما أعطي من قبلهم معشار ما أعطي هؤلاء من البيان والعلم والبرهان " ع " فلا أمة أعلم من أمته ولا كتاب أبين من كتابه. والمعشار والعشر واحد، أو المعشار عشر العشر وهو العشير، أو عشر العشير والعشير عشر العشر فيكون جزءاً من ألف. {نكيري} : عقابي تقديره فأهلكتهم فيكف كان نكيري.
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أن تَقُومُوا لِلهِ مَثْنَى وفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبَكُم مِن جِنَّةٍ إنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شديدٍ (46) }(3/18)
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)
46 - {بِوَاحِدَةٍ} طاعة الله - تعالى -، أو قول لا إله إلا الله {أَن تَقُومُواْ} بالحق كقوله {وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط} [النساء: 127] {مَثْنَى وَفُرَادَى} جماعة وفرادى أو منفرداً برأيه ومشاوراً لغيره مأثور، أو مناظراُ لغيره ومفكراً في نفسه.
{قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ فهو لَكَمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَما يُعِيدُ (49) قُلْ إن ضَلَلْتُ فَإنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وإنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَىَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) }(3/18)
قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)
47 - {مِّنْ أَجْرٍ} من مودة لأنه سأل قريشاً أن يكفوا عن أذاه حتى يبلغ الرسالة " ع "، أو جُعْل {شَهِيدٌ} أن ليس بي جنون، أو أني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.(3/18)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)
48 - {يَقْذِفُ} يتكلم، أو يوحي، أو يلقي {بِالْحَقِّ} الوحي أو القرآن و {الْغُيُوبِ} الخفيّات.(3/19)
قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)
49 - {جاء الحق} بعثة الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو القرآن، أو الجهاد بالسيف {الْبَاطِلُ} الشيطان، أو إبليس، أو دين الشرك {وَمَا يُبْدِئُ} لا يخلق ولا يبعث، أو لا يحيي ولا يميت، أو لا يثبت إذا بدا ولا يعود إذا زال.
{وَلَو تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُواءَامَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكّانٍ بَعيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ (54) }(3/19)
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)
51 - {فَزِعُواْ} في القيامة أو في الدنيا عند رؤية بأس الله، أو يُخسف بجيش في البيداء فيبقى منهم رجل فيُخبر بما لقي أصحابه فيفزع الناس، أو فزعهم ببدر لما ضُربت أعناقهم فلم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة، أو فزعهم في القبور من الصيحة " ح " {فَلا فَوْتَ} فلا نجاة " ع "، أو لا مهرب، أو لا سبق. {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} من تحت أقدامهم، أو يوم بدر، أو جيش السفياني " ع "، أو عذاب الدنيا، أو حين(3/19)
خرجوا من القبور " ح "، أو يوم القيامة.(3/20)
وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)
52 - {آمنا بِهِ} بالله تعالى أو البعث، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] {التَّنَاوُشُ} الرجعة
" ع ".
(تمنى أن تؤوب إليَّ ميّ ... وليس إلى تناوشها سبيل)
أو التوبة، أو التناوش نشته أنوشه نوشاً إذا تناولته من قريب، تناوش القوم تناول بعضهم بعضاً والتحم بينهم القتال {مَّكَانٍ بَعِيدٍ} من الآخرة إلى الدنيا أو ما بين الآخرة والدنيا [154 / ب] /، أو عُبِّر به عن طلبهم للأمر من حيث لا ينال " ح ".(3/20)
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)
53 - {كَفَرُواْ بِهِ} بالله تعالى، أو البعث، أو الرسول صلى الله عليه وسلم {مِن قَبْلُ} في الدنيا، أو قبل العذاب. {وَيَقْذِفُونَ} يرجمون بالظن في الدنيا فيقولون لا بعث ولا جنة ولا نار " ح "، أو يطعنون في القرآن، أو في الرسول [صلى الله عليه وسلم] بأنه ساحر، أو شاعر. سماه قذفاً لخروجه من غير حقه.(3/20)
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)
54 - {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} وبين الدنيا، أو بينهم وبين الإيمان " ح "، أو التوبة أو طاعة الله - تعالى - أو بين المؤمن وبين العمل وبين الكافر وبين الإيمان.
قاله ابن زيد {أشياعهم} أوائلهم من الأمم الخالية أو أصحاب الفيل لما(3/20)
أرادوا هدم الكعبة، أو أمثالهم من الكفار لم يقبل لهم توبة عند المعاينة {فِى شَكٍّ} من نبيهم فلا يعرفونه أو من نزول العذاب بهم.(3/21)
سورة الملائكة
سورة فاطر
مكية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَتِ وَاْلأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعُ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ اْللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) }(3/22)
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
1 - الفَطْر: الشق عن الشيء بإظهاره للحسِّ. قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ما كنت أدري ما فاطر حتى اختصم أعرابيان في بئر فقال: أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها ففاطر السموات والأرض خالقهما، أو شقها بما ينزل فيها وما يعرج منها. {رُسُلاً} إلى الأنبياء، أو إلى العباد برحمة، أو نقمة {مَّثْنَى} لبعض جناحان ولبعض ثلاثة ولآخرين أربعة {يَزِيدُ فِى} أجنحة الملائكة ما يشاء، أو حسن الصوت، أو الشعر الجعد. {مَّا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) } .(3/22)
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
2 - {مِن رَّحْمَةٍ} من خير، أو مطر، أو توبة " ع "، أو وحي " ح " أو(3/22)
دعاء، أو رزق مأثور.
{يَأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَاْلأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأْمُورُ (4) يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌ فَاْتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ اْلسَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاْلَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّاَلِحَتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) }(3/23)
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
8 - {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ} اليهود والنصارى والمجوس، أو الخوارج، أو الشيطان أو قريش. نزلت في أبي جهل، أو العاص بن وائل. وفيه محذوف تقديره فهو يتحسر عليه يوم القيامة، أو كمن آمن وعمل صالحاً، أو كمن علم الحسن من القبيح.
{وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرَّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباَ فَسُقْنَهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ اْلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ الْنُّشُورُ (9) مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَاْلَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هَوَ يَبُورُ (10) وَاللهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (11) }(3/23)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
10 - {مَن كَانَ يريدُ العزَّة) وهي المنعة فليتعزَّز بطاعة الله تعالى، أو من يرد علم العزة لمن هي {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} لما اتخذوا آلهة ليكونوا لهم عِزاً أخبرهم الله - تعالى - أن العزة له جميعاً {الكَلِم الطَّيِّبُ} التوحيد، أو الثناء على الله - تعالى - يصعد به الملائكة المقربون {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ} يرفعه الكلم الطيب، أو العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، أو يرفع الله - تعالى - العمل الصالح لصاحبه {السَّيِّئَاتِ) {الشرك} (يَبُور} يفسد عند الله تعالى، أو يهلك البوار: الهلاك، أو يبطل.(3/24)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)
11 - {مِّن تُرَابٍ) {آدم} (مِن نُّطْفَةٍ) {نسله} (أَزْوَاجاً} زَوَّج بعضكم ببعض أو ذكوراً وإناثاً وكل واحد معه آخر من شكله فهو زوج {وَمَا يُعَمر} ما يمد عمر أحد حتى يهرم ولا ينقص من عمر آخر فيموت طفلاً، أو ما يعمر معمر قدر الله - تعالى - أجله إلاَّ كان ما نقص منه من الأيام الماضية في كتاب الله تعالى. قال ابن جبير: كتب الله تعالى الأجل في أول الصحيفة ثم يكتب في أسفلها ذهب يوم كذا ذهب يوم كذا حتى يأتي على أجله، وعمر المعمر [155 / أ] / ستون سنة، أو أربعون، أو ثماني عشرة {إِنَّ ذَلِكَ} إن حفظه بغير كتاب هين على الله - تعالى -.
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ الَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِه مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِياَمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكُ(3/24)
مِثْلُ خَبِيرٍ (14) }(3/25)
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
12 - {فُراتٌ} أي عذب كقولهم حسن جميل {أُجَاج} مُرّ من أجة النار كأنه يحرق لمرارته {لَحْماً طَرِيّاً} الحيتان منهما {وَتَسْتَخْرِجُونَ} الحلية من الملح دون العذب، أو في من البحر الملح عيون عذبة يخرج اللؤلؤ فيما بينهما عند التمازج، أو من مطر السماء و {لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} بالتجارة في الفلك.
يَأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللهِ والله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وإِن تَدْعُ مُثُقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِاْلغَيْبِ وَأَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (18)(3/25)
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
18 - {وَلا تَزِرُ} لا تحمل نفس ذنوب أخرى ومنه الوزير لتحمله أثقال الملك بتدبيره {وَإِن تَدْعُ} نفس مثقلة بالذنوب إلى تحمل ذنوبها لم تجد من يحمل عنها شيئاً وإن كان المدعو للتحمل قريباً مناسباً ولو تحمل ما قبل تحمله لقوله - تعالى - {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ} {بِالْغَيْبِ} في السر حيث لا يراه أحد أو في التصديق بالآخرة.
{وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلاَ الظُّلُمَتُ وَلاَ النُّورُ (20) وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَآءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (23) إِنَّآ أَرْسَلْنَكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهاَ نَذِيرٌ (24) وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالبَيِّنَاتِ وَبِاْلزُّبُرِ وَبِاْلكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) .(3/25)
19 -، 20،(3/26)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)
21 - {وَمَا يَسْتَوِى الأَعْمَى} [فيه قولان أحدهما: أن هذا مثل ضربه الله - تعالى - للمؤمن والكافر كما لا يستوي الأعمى والبصير ولا تستوي الظلمات ولا النور ولا يستوي الظل ولا الحرور لا يستوي المؤمن والكافر. قاله قتادة. الثاني: أن معنى قوله وما يستوي الأعمى والبصير أي عمى القلب بالكفر وبصره بالإيمان ولا تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان ولا يستوي] ظل الجنة وحرور النار، والحرور: الريح الحارة كالسموم قال الفراء: الحرور بالليل والنهار والسموم [لا يكون إلا بالنهار] وقال: لا يكون الحرور إلا مع شمس النهار والسموم يكون بالليل والنهار وقيل: الحرور الحر والظل البرد.(3/26)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)
22 - {وَمَا يَسْتَوِى الأَحْيَآءَ} كما لا يستوي الحي والميت فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر أو الأحياء المؤمنون أحياهم إيمانهم والأموات الكفار أماتهم كفرهم أو العقلاء والجهال و " لا " صلة مؤكدة أو نافية. {يُسْمِعُ} يهدي {مَّن فِى الْقُبُورِ} كما لا تسمع الموتى كذلك لا تسمع الكافر أو لا تسمع الكافر الذي أماته الكفر حتى أقبره في كفره.(3/26)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
24 - {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا} سلف فيها نبي قيل: إلا العرب.(3/26)
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدُ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَاْلأَنْعَمِ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَنُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَؤُاْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)(3/27)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
27 - {جُدَدٌ} جمع جُده وهي الخطط و {غرابيب} الغربيب الشديد السواد. كلون الغراب قيل تقديره سودٌ غرابيب.(3/27)
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
28 - {كَذَلِكَ} أي مختلف ألوانه أبيض وأحمر وأسود، أو كما اختلف ألوان ما ذكرت فكذلك تختلف أحوال العباد في الخشية ثم استأنف فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ من عباده العلماء} به.
{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَبَ اللهِ وَأَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَرَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) .(3/27)
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
29 - {تِجَارَةً} الجنة {تَبُورَ} تكسد، أو تفسد.(3/27)
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
30 - {أُجُورَهُمْ} ثواب أعمالهم {وَيَزِيدَهُم} يفسح لهم في قبورهم، أو يشفعهم فيمن أحسن إليهم في الدنيا، أو تضاعف حسناتهم مأثور، أو يغفر لهم الكثير ويشكر اليسير {غَفُورٌ} للذنب {شَكُورٌ} للإحسان لأنه يقابله مقابلة الشاكر.(3/27)
{وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) .(3/28)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
32 - {أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ} القرآن. ومعنى الإرث انتقال الحكم إليهم، أو إرث الكتاب هو الإيمان بالكتب السالفة لأن حقيقية الإرث الانتقال من قوم إلى آخرين {الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} الأنبياء. فيكون قوله {فَمِنْهُمْ ظالمٌ} كلاماً مستأنفاً لا يرجع إلى المصطفين أو الذين اصطفينا أمة محمد [صلى الله عليه وسلم] . والظالم لنفسه أهل الصغائر. قال عمر رضي الله - تعالى - عنه: وظالمنا مغفور له [155 - ب] /، أو أهل الكبائر وأصحاب المشأمة، أو المنافقون، أو أهل الكتاب، أو الجاحد {مقتصدٌ} متوسط في الطاعات قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] " أما السابق فيدخل الجنة بغير حساب وأما المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً وأما الظالم فيحبس طول الحبس ثم يتجاوز الله - تعالى - عنه "، أو أصحاب اليمين، أو أهل الصغائر، أو متبعو سنة الرسول [صلى الله عليه وسلم] بعده " ح " {سابقٌ بِالْخَيْرَاتِ} المقربون، أو أهل المنزلة العليا في الطاعة، أو من كان في عهد الرسول [صلى الله عليه وسلم] فشهد له بالجنة وسأل(3/28)
عقبة بن صهبان عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن هذه الآية فقالت: كلهم في الجنة السابق من مضى على عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فشهد له بالجنة والمقتصد من اتبع أثره حتى لحق به والظالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتبعنا. {جَنَّتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلُّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (32) وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزْنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) .(3/29)
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)
43 - {الحَزَنَ} خوف النار " ع "، أو حزن الموت، أو تعب الدنيا وهمومها أو حزن الخبز، أو حزن الظالم يوم القيامة لما يشاهد من سوء حاله، أو الجوع، أو خوف السلطان، أو طلب المعاش، أو حزن الطعام مأثور.(3/29)
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
35 - {المُقَامة} الإقامة {نَصَبٌ} تعب، أو وجع {لغوبٌ} عناء، أو إعياء.(3/29)
{والَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَلِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ اْلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (37) .(3/30)
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
37 - {يَصْطَرِخُون} يستغيثون {مَّا يَتَذكَّر فِيهِ} البلوغ، أو ثماني عشرة سنة، أو أربعون " ع "، أو ستون، أو سبعون {وجاءكم النذير} محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو الشيب، أو الحمى، أو موت الأهل والأقارب.
{إِنَّ اللهَ عَلِمُ غَيْبِ السَّمَوَتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ الْكَفِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتًا وَلاَ يَزِيدُ الْكَفِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً (39) .(3/30)
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)
39 - {خَلائِفَ) يخلف بعضكم بعضاً خلفاً بعد خلف، وقرناً بعد قرن والخلف هو التالي للمتقدم ولما قيل لأبي بكر - رضي الله تعالى عنه -(3/30)
خليفة الله قال: لست خليفة الله ولكني خليفة رسوله وأنا راض بذلك، قال بعض السلف: إنما يُستخلف من يغيب، أو يموت والله - تعالى - لا يغيب ولا يموت {فعليه} عقاب كفره.
{قُلْ أَرَءَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السَّمَوَتِ أَمْءَاتَيْنَهُمْ كِتَباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّلِمُونَ بَعَْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (40) إِنَّ اللهَ يُمْسِكَ السَّمَوَتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) .(3/31)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)
40 - {شُركاءَكم} في الأموال الذين جعلتم لهم قسطاً منها وهي الأوثان أو الذين أشركتموهم في العبادة. {مِنَ الأَرْضِ} أي في الأرض {شركٌ) {في خلق السماوات} (كتاباً} بما هم عليه من الشرك فهم على احتجاج منه، أو بأن لله شركاء من الأصنام والملائكة فهم متمسكون به، أو بألا يعذبهم على كفرهم فهم واثقون به {إِلا غُرُوراً} وعدوهم أن الملائكة تشفع لهم، أو أنهم [ينصرون عليهم] أو بالمعصية.
{وَأَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَنِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى اْلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42) اسْتِكْبَاراً فِي اْلأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (43) .(3/31)
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)
43 - {ومَكْرَ السيء} الشرك، أو مكرهم بالرسول [صلى الله عليه وسلم] {يحيق} يحيط،(3/31)
أو ينزل، فعاد ذلك عليهم فقُتلوا ببدر {سنة الأَوَّلِينَ} وجوب العذاب عند الإصرار على الكفر، أو لا تقبل توبتهم عند نزول العذاب. {أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزُهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرَا (45) .(3/32)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
45 - {بِمَا كَسَبُواْ} من الذنوب {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ} قيل: بحبس المطر عنهم. عام في كل ما دَبَّ ودرج وقد فعل ذلك زمن الطوفان، أو من الجن والإنس دون غيرهم [156 / أ] / لأنهما أهل تكليف أو من الناس وحدهم {أجلٍ مُسمىً} وعدوا به في اللوح المحفوظ، أو القيامة {جَآءَ أَجَلُهُمْ} نزول العذاب، أو القيامة.(3/32)
سورة يس
مكية أو إلا آية {وإذا قيل لهم أنفقوا} : [47] .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{يس (1) والقرآن الحكيم (2) إنك لمن المرسلين (3) على صراط مستقيم (4) تنزيل العزيز الرحيم (5) لتنذر قوماً ما أنذر ءاباؤهم فهم غافلون (6) لقد حق القول على أكثرهم منهم لا يؤمنون (7) }(3/33)
يس (1)
1 - {يس} اسم للقرآن، أو لله - تعالى - أقسم به " ع "، أو فواتح من كلام الله - تعالى - افتتح بها كلامه، أو يا محمد وهو مأثور، أو يا إنسان بالحبشية أو السريانية، أو بلغة كلب، أو طيء.(3/33)
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)
6 - {ما أنذر آباؤهم} كما أنذر آباؤهم فيكون عاماً، أو خاص بقريش أنذروا ولم ينذر آباؤهم قبلهم.(3/33)
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)
7 - {حَقَّ الْقَوْلُ} وجب العذاب، أو سبق في علمي {أكثرهم} الذين عاندوا الرسول [صلى الله عليه وسلم] من قريش لم يؤمنوا، أو ماتوا على كفرهم، أو قتلوا عليه تحقيقاً لقوله {فَهُمْ لا يؤمنون} .
{إِنّا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون (8) وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون (9) وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (10) إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرةٍ وأجرٍ كريمٍ (11) إنا نحن نحىِ الموتى ونكتب ما قدموا وءاثرهم وكل شيءٍ أحصينه في إمامٍ مبينٍ (12) }(3/34)
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)
8 - {أَغْلالاً} شبّه امتناعهم من الهدى بامتناع المغلول من التصرف، أو همَّت طائفة منهم بالرسول [صلى الله عليه وسلم] فغُلّت أيديهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يداً {فِى أَعْنَاقِهِمْ} عبّر عن الأيدي بالأعناق لأن الغل يكون في الأيدي، أو أراد حقيقة الأعناق لأن الأيدي تجمع بالأغلال إلى الأعناق " ع " {إِلَى الأَذْقَانِ} مجتمع اللحيين والأيدي تماسها، أو عَبَّر بها عن الوجوه لأنها منها {مُّقْمَحُونَ} المقمح الرافع رأسه الواضع يده على فيه، أو الطامح ببصره إلى موضع قدميه " ح " أو غض الطرف ورفع [الرأس مأخوذ] من [البعير] المقمح وهو الذي يرفع رأسه ويطبق أجفانه في الشتاء إذا ورد ماء، أو أن يجذب ذقنه إلى صدره ثم يرفعه من القمح وهو رفع الشيء [إلى الفم] .(3/34)
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
9 - {سَدّاً} عن الحق، أو ضلالاً، أو ظلمة منعتهم من الرسول [صلى الله عليه وسلم] لما هموا به. قيل: السُّد بالضم ما صنعه الله وبالفتح ما صنعه الناس.(3/34)
{فَأَغْشَيْنَاهُمْ} بظلمة الكفر {فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} الهدى، أو بظلمة الليل فهم لا يبصرون الرسول [صلى الله عليه وسلم] لما هموا بقتله.(3/35)
إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)
11 - {بِالْغَيْبِ} بما يغيب عن الناس من شر عمله، أو بما غاب من عذاب الله - تعالى -.(3/35)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
12 - {نُحْيِ الْمَوْتَى} بالإيمان بعد الكفر، أو بالبعث للجزاء {مَا قَدَّمُواْ} من خير، أو شر {وآثارهم} ما ابتدءوا من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعدهم، أو خطاهم إلى المساجد نزلت لما أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فقال رسول [صلى الله عليه وسلم] " إن آثاركم تكتب " فلم يتحولوا {إِمَامٍ} اللوح المحفوظ، أو أم الكتاب، أو طريق مستقيم.
{وَاضْرِبْ لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون (13) إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون (14) قالوا ما أنتم إلا بشرٌ مثلنا ومآ أنزل الرحمن من شيءٍ إن أنتم إلا تكذبون (15) قالوا ربنا يعلم إنآ إليكم لمرسلون (16) وما علينآ إلا البلغ المبينُ (17) }
{الْقَرْيَةِ} إنطاكية اتفاقاً.(3/35)
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)
14 - {اثنين} شمعون ويوحنا، أو صادق ومصدوق " ع "، أو سمعان ويحيى {فَعَزَّزْنَا} فزدنا أو قوينا، أو شددنا " كانوا رسلاً من الله - تعالى -، أو(3/35)
من الحواريين أرسلهم عيسى [156 - ب] / ".(3/36)
وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)
17 - {الْبَلاغُ الْمُبِينُ} بالإعجاز قيل: إنهم أحْيوا ميتاُ وأبرءوا زَمِناً.
{قَالُوَاْ إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهواْ لنرجمنكمْ وليمسنكم منا عذابٌ أليمٌ (18) قالوا طائركم معكمْ أئن ذكرتم بلْ أنتمْ قومٌ مسرفونَ (19) }(3/36)
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)
18 - {تَطَيَّرْنَا} تشاءمنا، أو معناه إن أصابنا شر فهو من أجلكم تحذيراً من الرجوع عن دينهم {لَنَرْجُمَنَّكُمْ} بالحجارة، أو الشتم والأذى أو لنقتلنكم {عَذَابٌ أَلِيمٌ} القتل، أو التعذيب المؤلم قبل القتل.(3/36)
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
19 - {طَآئِرُكُم مَّعَكُمْ} الشؤم إن أقمتم على الكفر إذا ذكِّرتم أو أعمالكم معكم إن ذكِّرتم بالله تطيرتم، أو كل من ذكَّركم بالله تطيرتم. {مُّسْرِفُونَ} في تطيركم، أو كفركم.
{وَجَاءَ من أقصَا المدينةِ رجلٌ يسعَى قالَ ياقومِ اتبعُوا المرسلينَ (20) اتبعواْ من لاَّ يسئلكمْ أجراً وهم مهتدون (21) ومالِىَ لآ أعبدُ الذِي فطرنِى وإليهِ ترجعونَ (22) ءأتخذُ من دونهِ ءالهةً إن يردنِ الرحمنُ بضرٍّ لاَّ تغنْ عنِّى شفاعتهمْ شيئاً ولاَ ينقذونِ (23) إنِّى إذاً لفِى ضلالٍ مبينٍ (24) إنِىءامنتُ بربكمْ فاسمعونِ (25) }(3/36)
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
20 - {وَجَآءَ} رجل هو حبيب النجار " ع "، أو كان إسكافاً أو قصاراً(3/36)
علم نبوتهم لأنه كان مجذوماً زَمِناً فأبرءوه " ع "، أو لما دعوه قال أتأخذون على ذلك أجراً قالوا لا فآمن بهم وصدقهم.(3/37)
وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
22 - {وَمِاليَ لآ أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى} لما قالها وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه وهو يقول يا رب اهد قومي فإنهم لا يعلمون.(3/37)
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
25 - {إني آمنت بِرَبِّكُمْ} يا قوم، أو خاطب به الرسل {فاسمعون} فاشهدوا لي.
{قِيلَ ادخلِ الجنةَ قالَ ياليتَ قومِي يعلمونَ (26) بمَا غفرَ لِى ربِّى وجعلنِى منَ المكرمينَ (27) وما أنزلنَا علَى قومهِ من بعدهِ من جندٍ مِّنَ السمآءِ ومَا كنَّا منزلينَ (28) إن كانتْ إلاَّ صيحةً واحدةً فإذَا همْ خمِدُونَ (29) }(3/37)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
26 - {يا ليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ} تمنى أن يعلموا حُسن عاقبته، أو تمنى ذلك ليؤمنوا كإيمانه فيصيروا إلى ما صار إليه فنصحهم حياً وميتاً " ع ".(3/37)
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)
28 - {مِن جُندٍ} أي رسالة لأن الله - تعالى - قطع عنهم الرسل لما قتلوا رسله، أو الملائكة الذين ينزلون الوحي على الأنبياء.(3/37)
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)
29 - {صَيْحَةَ} عذاباً، أو صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة ليس لها مثنوية.
{يَاحَسْرَةً علَى العبادِ ما يأتيهِم مِّن رَّسولٍ إلاَّ كانواْ يستهزءونَ (30) ألمْ يرواْ كمْ أهلكنَا(3/37)
قَبلهم مِّنَ القرونِ أنهمْ إليهمْ لاَ يرجعونَ (31) وإن كلٌّ لمَّا جميعٌ لدينَا محضرونَ (32) }(3/38)
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)
30 - {يا حسرةً) يا حسرة العباد على أنفسهم، أو يا حسرتهم على الرسل الثلاثة أو حلوا محل من يُتحسر عليه " ع " والحسرة بعد معاناة العذاب، أو في القيامة " ع ".(3/38)
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
32 - {محضرون} معذبون، أو مبعوثون.
{وَءَايةٌ لهمُ الأرضُ الميتةُ أحييناهَا وأخرجنَا منهَا حبًّا فمنهُ يأكلونَ (33) وجعلنَا فيهَا جنَّتٍ مِّن نَّخيلٍ وأعنابٍ وفجَّرنَا فيهَا منَ العيونِ (34) ليأكلواْ من ثمرِهِ ومَا عملتْهُ أيديهمْ أفلاَ يشكرونَ (35) سبحانَ الذِي خلقَ الأزواجَ كلهَا ممَّا تنبتُ الأرضُ ومنْ أنفسهمْ وممَّا لا يعلمونَ (36) }(3/38)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
35 - {وما عَمِلَتْ} ومما عملت، أو وما لم تعمله أيديهم من الأنهار التي أجراها الله - تعالى - لهم كالفرات ودجلة والنيل ونهر بلخ، أو وما لم تعمله أيديهم من الزرع الذي أنبته الله - تعالى - لهم.(3/38)
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
36 - {الأَزْوَاجَ} " ع " الأصناف، أو الذكر والأنثى {مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ} النخل والشجر والزرع من كل صنف وزوج {ومما لا يعلمون} الأرواح.
{وَءَايَةٌ لهمُ اليلُ نسلخُ منهُ النهارَ فإذَا هم مظلمونَ (37) والشمسُ تجرِي لمستقرٍّ لهَا ذلكَ تقديرُ العزيزِ العليمِ (38) والقمرَ قدرناهُ منازلَ حتَّى عادَ كالعرجونِ القديمِ (39) لا الشمسُ ينبغِي لهَآ أن تدركَ القمرَ ولاَ اليلُ سابقُ النهارِ وكلٌّ في فلكٍ يسبحونَ (40) }(3/39)
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)
37 - {نَسْلَخُ} نخرج من سلخ الشاة إذا أخرجت من جلدها {مُّظْلِمُونَ} داخلون في الظلمة.(3/39)
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
38 - {لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} انتهاء أمرها عند انتهاء الدنيا، أو لوقت واحد لا تعدوه، أو أبعد منازلها إلى الغروب وقرأ ابن عباس - رضي الله عنهما - لا مستقر لها أي لا قرار ولا وقوف.(3/39)
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
39 - {قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} يطلع كل ليلة في منزلة {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} قنو النخل اليابس وهو العذق أو النخل إذا انحنى حاملاً " ع ".(3/39)
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
40 - {أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} " لكلٍّ حد وعلَم " لا يعدوه ولا يقصر دونه ويُذهب سلطان كل واحد منهما مجيء الآخر، أو لا يدرك أحدهما ضوء الآخر، أو لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة، أو إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر " ع "، أو لا تدركه ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالغروب قبل طلوعها {سَابِقُ النَّهَارِ} لا يتقدم الليل [157 / أ] / قبل كمال النهار، أو لا يأتي(3/39)
ليلتين متصلتين من غير نهار فاصل {وَكُلٌّ} الشمس والقمر والنجوم {فِى فَلَكٍ} بين الأرض والسماء غير ملتصقة بالسماء {يسبحون} يعملون، أو يجرون " ع "، أو يدورون كما يدور المغزل في الفلكة.
{وَءَايةٌ لهمْ أنا حملنَا ذريتهمْ في الفلكِ المشحونِ (41) وخلقنَا لهم من مثلهِ مما يركبونَ (42) وإن نشأْ نغرقهمْ فلاَ صريخَ لهمْ ولاَ همْ ينقذونَ (43) إلاَّ رحمةً مِّنَّا ومتاعاً إلى حينٍ (44) }(3/40)
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)
41 - {ذُرِّيَّتَهُمْ} آباءهم لأن منهم ذرى الأبناء والفلك: سفينة نوح أو الأبناء والنساء لأنهم ذرءوا الآباء حملوا في الفلك: وهي السفن الكبار أو النطف حملها الله - تعالى - في بطون النساء تشبيهاً بالفلك قاله علي - رضي الله تعالى عنه - {الْمَشْحُونِ} الموقر، أو المملوء.(3/40)
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)
42 - {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ} خلقنا مثل سفينة نوح من السفن ما يركبونه " ع "، أو السفن الصغار خلقها كالكبار، أو سفن الأنهار كسفن البحار، أو الإبل تركب في البر كما تركب السفن في البحر " ح " والعرب يشبهون الإبل بالسفن.(3/40)
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)
43 - {فَلا صَرِيخَ} فلا مغيث، أو لا منعة {يُنقَذُونَ} من الغرق، أو العذاب.(3/40)
إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)
44 - {إِلا رَحْمَةً} نعمة، أو إلا برحمتنا {إِلَى حين} الموت، أو القيامة
{وَإِذَا قيلَ لهمُ اتقواْ ما بينَ أيديكمْ ومَا خلفكمْ لعلكمْ ترحمونَ (45) ومَا تأتيهم مِّنْ ءايةٍ مِّنْ ءاياتِ ربهمْ إلاَّ كانواْ عنهَا معرضينَ (46) وإذَا قيلَ لهمْ أنفقواْ ممَّا رزقكُمُ اللهُ قالَ الَّذينَ(3/40)
كفرواْ للذينَ ءامنوآْ أنطعمُ من لوْ يشاءُ اللهُ أطعمهُ إنْ أنتُمْ إلاَّ فِي ضلالٍ مُّبينٍ (47) }(3/41)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)
45 - {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} ما مضى من ذنوبكم وما خلفكم ما يأتي من الذنوب، أو ما بين أيديكم من الدنيا وما خلفكم عذاب الآخرة، أو ما بين أيديكم من الدنيا وما خلفكم عذاب الآخرة، أو ما بين أيديكم عذاب [الله لمن تقدم] كعاد وثمود وما خلفكم أمر الساعة وجواب هذا الكلام أعرضوا.(3/41)
وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)
46 - {من آية} من كتاب الله، أو من رسوله، أو من معجزة.(3/41)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)
47 - {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} اليهود أمروا بإطعام الفقراء فقالوا ذلك " ح " أو الزنادقة أو مشركو قريش جعلوا لأصنامهم سهماً من أموالهم فلما سألهم الفقراء أجابوهم بذلك. {إِنْ أَنتُمْ إِلا في ضلال} قول الكفار لمن أمرهم بالإطعام، أو قول الله للكفار لما ردوا هذا الجواب.
{وَيَقُولُونَ متَى هذَا الوعدُ إن كنتمْ صادقينَ (48) ما ينظرونَ إلاَّ صيحةً واحدةً تأخذهُمْ وَهُمْ يخصِّمُونَ (49) فلا يستطيعونَ توصيةً ولآَ إلَى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) }(3/41)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)
48 - {هَذَا الْوَعْدُ} من العذاب، أو ما وعدوا به من الظفر بهم.(3/41)
مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
49 - {صَيْحَةً} النفخة الأولى ينتظرها آخر هذه الأمة من المشركين {يَخْصِّمُونَ} يتكلمون، أو يخصِّمون في دفع النشأة الثانية.(3/41)
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
50 - {تَوْصِيَةً} أن يوصي بعضهم إلى بعض بما في يديه من حق. {إِلَى أَهْلِهِمْ} منازلهم.
{وَنُفِخَ في الصُّورِ فإذَا هُم مِّنَ الأجْدَاثِ إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) قالواْ يوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن(3/41)
مَّرْقَدِنَا هذَا مَا وَعَدَ الرحْمَنُ وَصَدقَ المُرْسَلُونَ (52) إن كانَتْ إلاَّ صيحةً واحدةً فإذَا هُمْ جميعٌ لَّديْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نفسٌ شَيْئاً ولاَ تَجْزَوْنَ إلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون (54) }(3/42)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)
51 - {ونُفِخ فِى الصُّورِ} نفخة البعث يبعث بها كل ميت والأولى يموت بها كل حي وبينهما أربعون سنة والنفخة الثانية من الآخرة والأولى من الدنيا، أو الآخرة " ح " {الأَجْدَاثِ) {القبور} (ينسلون} يخرجون، أو يسرعون.(3/42)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)
52 - {قالوا يا ويلنا} يقوله المؤمنون ثم يجيبون أنفسهم فيقولون: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} أو يقوله الكفار فيقول لهم المؤمنون، أو الملائكة {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن} .
{إِنَّ أَصْحَبَ الجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَجُهُمْ فِي ظِلَلِ علَى الأرآئِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لهمْ فيهَا فَكِهةٌ ولهُم مَّا يدَّعُونَ (57) سَلَمٌ قوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحيمٍ (58) }(3/42)
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)
55 - {شُغُلٍ} عما يلقاه أهل النار، أو افتضاض الأبكار، أو الطرب أو النعمة {فَاكِهُونَ} وفكهون واحد كحذر وحذر، أو الفكه الذي يتفكه بالطعام [أو بأعراض] الناس والفاكه ذو الفاكهة وها هنا فرحون " ع "، أو ناعمون، أو(3/42)
معجبون، أو ذو فاكهة كشاحم [ولا حم ولابن] وتامر.(3/43)
لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)
57 - {مَّا يَدَّعُونَ} يشتهون، أو يسألون، أو يتمنون، أو يدعونه [157 / أ] / فيأتيهم مأخوذ من الدعاء.(3/43)
سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)
58 - {سَلامٌ} تسليم الرب عليهم إكراماً لهم، أو تبشيره لهم بالسلامة.
{وامتَزُواْ اليومَ أيُّهَا المجرمونَ (59) ألمْ أعهدْ إليْكُمْ يَبَنِىءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إنَّهُ لكُمْ عدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وأنِ اعبدونِى هذَا صراطٌ مُّستقِيمٌ (61) ولقدْ أضلَّ مِنكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تكونُواْ تَعْقِلُونَ (62) }(3/43)
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)
62 - {جبلا} جموعاً، أو أمماً، أو خلقاً.
{هَذِهِ جهنَّمُ الَّتِي كنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا اليَوْمَ بِمَا كنتُمْ تكفرُونَ (64) اليَوْمَ نختمُ علَى أفواههِمْ وتُكَلِّمُنآ أيديهمْ وتشهدُ أرجُلُهُم بِمَا كانُواْ يكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نشآءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فاستَبَقُواْ الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَهُمْ علَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا استْطَاعُواْ مُضِيًّا وَلاَ يَرْجِعُونَ (67) }(3/43)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
65 - {نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} ليعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم، أو لأن إقرار غير الناطق وشهادته أبلغ من إقرار الناطق، أو ليعلم أن أعضاءه التي أعانته في حق نفسه من المعصية صارت شهوداً عليه في حق الله، أو إذا قالوا {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] ختم على أفواههم حتى نطقت جوارحهم {وَتُكَلِّمُنَآ} نطقاً، أو يظهر منها ما يقوم مقام الكلام، أو إن الموكلين(3/43)
بها يشهدون عليها. وسمي كلام الأرجل شهادة لأن العمل باليد والرجل حاضرة وقول الحاضر على غيره شهادة وقول الفاعل على نفسه إقرار فعبّر عما صدر عن الأيدي بالكلام وعما صدر عن الأرجل بالشهادة قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " أول عظم [من الإنسان] يتكلم فخذه من الرجل اليسرى.(3/44)
وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)
66 - {لَطَمَسْنَا} أعمينا أبصار المشركين في الدنيا فضلوا عن الطريق فلا يبصرونه أو أعمينا قلوبهم فضلوا عن الحق فلا يهتدون إليه " ع " والمطموس الذي لا يكون بين عينيه شق مأخوذ من طمس الأثر.(3/44)
وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)
67 - {لَمَسَخْنَاهُمْ} أقعدناهم على أرجلهم فلا يستطيعون تقدماً ولا تأخراً، أو لأهلكناهم في مساكنهم " ع "، أو لغيرنا خلقهم فلا ينتقلون {فَمَا اسْتَطَاعُواْ} لو فعلنا ذلك تقدماً ولا تأخراً أو ما استطاعوا مضياً في الدنيا ولا رجوعاً فيها.
{وَمَن نُّعمِّرْهُ ننكِّسْهُ في الخَلْقِ أفلاَ يَعْقِلُونَ (68) ومَا علَّمنهُ الشِّعْرَ ومَا ينبغِي لهُ إنْ هُوَ إلاَّ ذكرٌ وقرْءَانٌ مُّبينٌ (69) لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حيًّا ويحقَّ القوْلُ عَلَى الكَفِرينَ (70) }(3/44)
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
68 - {نُّعَمِّرْهُ} ببلوغ الهرم، أو ثمانين سنة {نُنَكِّسْهُ} نرده إلى الضعف وحالة الصغر لا يعلم شيئاً، أو نغير سمعه وبصره وقواه {أَفَلا يَعْقِلُونَ} أن فاعل هذا قادر على البعث.(3/45)
لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)
70 - {لتنذر} يا محمد وبالياء القرآن {حَيّاً} عاقلاً، أو مؤمناً، أو مهتدياً، أو حي القلب والبصر {ويحق القول} يجب العذاب.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أنَّا خلقْنَا لهُم مِّمَّا عملتْ أيدينآ أنعاماً فَهُمْ لَهَا مَلِكُونَ (71) وذلَّلْنها لهمْ فَمِنْهَا ركُوبُهُمْ ومنْهَا يَأْكُلُونَ (77) ولَهُمْ فيهَا مَنَفِعُ ومشَارِبُ أَفَلاَ يشْكُرُونَ (73) }(3/45)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)
71 - {ما عَمِلَتْ أَيْدِينَآ} من فعلنا من غير أن نكله إلى غيرها، أو بقوتنا {والسماء بنيناها بأيد} [الذاريات: 47] {مَالِكُونَ} [ضابطون] ، أو مقتنون، أو مطيقون.(3/45)
وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)
72 - {رَكُوبُهُمْ} الدابة التي تصلح للركوب.(3/45)
وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)
73 - {منافع} لباس أصوافها {ومشارب} ألبانها.
{وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ ءالِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74) لاَ يستطيعونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ (75) فلاَ يحزُنكَ قوْلُهُمْ إنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) }(3/45)
لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)
75 - {جُندٌ} شيعة، أو أعوان أي المشركون جند الأصنام {مُحْضَرُونَ} في النار، أو عند الحساب، أو في الدفع عن الأصنام وهي لا تدفع عنهم. قال قتادة: كانوا في الدنيا يغضبون لآلهتهم إذا ذُكرت بسوء وآلهتهم لا تنصرهم.
{أَوَلَمْ يَرَ الإنسانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْىِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكمُ مِّنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80) }(3/46)
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)
77 - {أو لم يَرَ الإِنسَانُ} أُبي بن خلف جادل في البعث، أو العاص بن وائل أخذ عظماً من البطحاء ففته بيده ثم قال يا محمد: أيحيي هذا الله بعد ما بلى. قال: نعم يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم فنزلت " ع " {خَصِيمٌ} مجادل {مُّبِينٌ} حجة، يجوز أنُ يذكِّره بذلك نعمه، أو يدله به على قدرته على البعث.(3/46)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)
80 - {مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ} الذي قدر على إخراج النار من الشجر مع ما بينهما من التضاد قادر على البعث. قيل تُقدح النار من كل شجر إلا العناب [158 / أ] / وقيل الشجر محمد [صلى الله عليه وسلم] والنار الهدى والنور الذي جاء به {تُوقِدُونَ} تقتبسون الدين.(3/46)
{أَوَلَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالأَرْضَ بِقَدِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّقُ الْعَلِيمُ (81) إنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَأدَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَنَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) }(3/47)
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)
82 - {أَن يَقُولَ لَهُ كُن} بأمره فيوجد، أو ليس في كلامهم أخف ولا أسرع من كن فجعلها مثلاً لأمره في السرعة.(3/47)
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
83 - {مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ} خزائنه، أو ملكه وفيه مبالغة.(3/47)
سورة الصافات
مكية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَالصَّافَّاتِ صَفًا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فالتَّاليات ذِكْرا (3) إنَّ إلهكم لواحدٌ (4) رَّبُّ السَمواتِ والأرضِ وَما بينهما وربُّ المشَارِقِ (5) }(3/48)
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1)
1 - {وَالصَّآفَّاتِ} الملائكة صُفُوفاً في السماء، أو في الصلاة عند ربهم " ح " أوصافة أجنحتها في الهواء قائمة حتى يأمرها الله - تعالى - بما يريد، أو هم عباد السماء أو جماعة المؤمنين صافِّين في الصلاة والقتال.(3/48)
فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2)
2 - {فَالزَّاجِرَاتِ} الملائكة لزجرها السحاب، أو عن المعاصي، أو آيات القرآن الزواجر الأمر والنهي التي زجر الله - تعالى - بهما عباده.(3/48)
فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)
3 - {فَالتَّالِيَاتِ} الملائكة تقرأ كتب الله، أو الأنبياء يتلون الذكر على أُممهم " ع " أو ما يُتلى في القرآن من أخبار الأُمم السالفة. أقسم بذلك، أو(3/48)
برب ذلك تعظيماً له فحذف.(3/49)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)
5 - {رَّبُّ السَّمَاوَاتِ} خالقها، أو مالكها {الْمَشَارِقِ} مشارق الشمس صيفاً وشتاء مائة وثمانون مشرقاً تطلع كل يوم في مطلع فتنتهي إلى آخرها ثم ترجع في تلك المطالع حتى تعود إلى أولها قاله السدي هو بعيد.
{إِنَّا زَيَّنا السماءَ الدُّنيا بِزِينةٍ الكواكِبِ (6) وَحِفظاً مِن كُلِّ شَيطانٍ مَاردٍ (7) لاَّ يسمعونَ إلى الملأِ الأَعلَى ويُقذفون من كُلِّ جانبٍ (8) دُحُوراً ولهُم عذابٌ واصبٌ (9) إلا من خطِفَ الخطفَة فأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) }(3/49)
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)
7 - {وَحِفْظاً} للسماء من كل شيطان مارد، أو جعلنا من الكواكب حفظاً من كل شيطان قاله السدي {مَّارِدٍ} متجرد من الخير.(3/49)
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)
8 - {لا يَسَّمَّعُونَ} منعوا من السمع والتسمع، أو يتسمعون ولا يسمعون " ع " {الْمَلإِ الأَعْلَى} السماء الدنيا، أو الملائكة {وَيُقْذَفُونَ} يرمون من كل مكان.(3/49)
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)
9 - {دُحُوراً} قذفاً بالنار، أو طرداً بالشهب، أو الدحور الدفع بعنف.(3/49)
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)
10 - {خطف الخطفة} وثب الوثبة " ع "، أو استراق السمع. {شِهَابٌ} نجم {ثَاقِبٌ} مضيء، أو ماضي، أو محرق، أو يثقب، أو يستوقد من قولهم أثقب زندك أي استوقد نارك.(3/49)
{فَاسْتَفِتْهِمْ أهمْ أشدُّ خلقاً أم من خلقنا أنا خلقناهم من طينٍ لازبٍ (11) بلْ عجِبْتَ ويَسْخَرونَ (12) وإذا ذُكِروا لا يَذكرون (13) وإذا رأوا ءايةً يستخسِرون (14) وقالوا إن هذا إلا سحرٌ مبين (15) أءذنا متنا وكنا تراباً وعظاماً إءنا لمبعوثون (16) أو ءاباؤنا الأولون (17) قل نعمْ وأنتم داخرون (18) فإنما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذَا هم ينظُرُون (19) }(3/50)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)
11 - {فَاسْتَفْتِهِمْ} فحاجهم، أو سلهم من استفتاء المفتي {أمِّن خَلَقْنَآ} السماوات والأرض والجبال، أو السموات والملائكة، أو الأمم الماضية هلكوا وهم أشد خلقاً من هؤلاء {طِينٍ لاَّزِبٍ} " خلق آدم من ماء وتراب ونار "، أو لزج أو لاصق، أو لازق وهو الذي لزق بما أصابه واللاصق الذي يلصق بعضه ببعض، أو اللازب واللازم بمعنى قيل نزلت في ركانة بن عبد يزيد وأبي الأشد بن [أسيد بن كلاب الجمحي] .(3/50)
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)
12 - {بل عجبتُ} أنكرت، أو حلوا محل من يتعجب منه لأن الله - تعالى - لا يتعجب إذ التعجب بحدوث العلم بما لم يعلم وبالفتح عجبت يا محمد من القرآن حين أُعطيته، أو من الحق الذي جاءهم فلم يقبلوه {ويسخرون} من الرسول [صلى الله عليه وسلم] إذا دعاهم [158 / ب] /، أو من القرآن إذا تلي عليهم.(3/51)
وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13)
13 - {لا يَذْكُرُونَ} لا ينتفعون، أو لا يبصرون.(3/51)
وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)
14 - {يَسْتَسْخِرُونَ} يستهزئون قيل ذلك في ركانه وأبي الأشد.(3/51)
قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)
18 - {داخرون} صاغرون ".(3/51)
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)
19 - {زجرة} صيحة أي النفخة الثانية.
{وَقَالُواْ يَويلنا هذا يومُ الدين (20) هذا يومُ الفصلِ الذي كنتمُ بهِ تُكَذِبونَ (21) أحشٌ رُوا الذين ظَلموا وأَزْواجِهمْ ومَا كانوا يَعْبُدُون (22) مِن دُونِ الله فاهدُوهُمْ إلى صِراطِ الجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إنهُم مسئولون (24) مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُون (25) بلْ هُمُ اليومَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) }(3/51)
وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)
20 - {الدِّينِ} الجزاء، أو الحساب.(3/51)
هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)
21 - {يَوْمُ الْفَصْلِ} بين الحق والباطل، أو القضاء بين الخلق.(3/51)
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22)
22 - {وأزواجَهُم} أشباههم المرابي مع المرابين والزاني مع الزناة وشارب الخمر مع شاربيه، أو قرناءهم " ع "، أو أشياعهم، أو نساؤهم الموافقات على الكفر. {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ} إبليس، أو الشياطين، أو الأصنام.(3/52)
مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)
23 - {فَاهْدُوهُمْ} دلوهم، أو وجهوهم، أو ادعوهم و {صِرَاطِ الْجَحِيمِ} طريق النار.(3/52)
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
24 - {مَّسْئُولُونَ} عن قول لا إله إلا الله، أو عما دَعَوا إليه من بدعة مأثور أو عن جلسائهم، أو عن ولاية علي، أو محاسبون، أو مسئولون بقوله {مالكم لا تناصرون} : [25] توبيخاً وتقريعاً.(3/52)
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25)
25 - {لا تَنَاصَرُونَ} لا ينصر بعضكم بعضاً، أو لا يمنع بعضكم بعضاً عن دخول النار، أو لا يتبع بعضكم بعضاً في النار يعني العابد والمعبود.
{وَأَقْبَلَ بعضهُمُ على بعضٍ يتساءَلُونَ (27) قالوا إنكم كنتمُ تأتوننا عَنِ اليَمينِ (28) قالوا بل لم تكونوا مؤمنين (29) وَما كَانَ لنا عليكمُ من سُلطانٍ بل كنتمُ قوماً طاغينَ (30} فحقَّ علينا قولُ ربنا إنا لَذائقون (31) فأغَوَيْنَاكُمْ إنا كُنا غَاوين (32) فإنهم يومئذٍ في العذابِ مُشتركُونَ (33) إنَّا كذلكَ نَفْعَلُ بالمجرِمين (34) إنَّهُم كَانوا إذا قيلَ لهمْ لا إلهَ إلا اللهُ يستكبرونَ (35) ويقولونَ إئنا لتاركوا ءالهتِنَا لشاعرٍ مجنونٍ (36) بلْ جاءَ الحقِ وصدَقَ المُرْسَلينَ (37) }(3/52)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)
27 - {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} عام " ع "، أو أقبل الإنس على الجن، {يَتَسَآءَلُونَ} يتلاومون، أو يتوانسون.(3/53)
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)
28 - {أنكم كنتم} قاله الإنس للجن، أو الضعفاء للمستكبرين " ع " {عَنِ الْيَمِينِ} تقهروننا بالقوة " ع " واليمين القوة، أو من قبل ميامنكم، أو من قبل الخير فتصدونا عنه " ح "، أو من حيث نأمنكم، أو من قبل الدين، أو من قبل النصيحة واليُمْن، والعرب تتيمن بما جاء عن اليمين، أو من قبل الحق.
{إِنَّكُمْ لذائقوا العذاب الأليمِ (38) ومَا تُجْزَوْنَ إلا ما كنتُمْ تعملونَ (39) إلا عبادَ اللهِ المُخلصينَ (40) أولئكَ لهمْ رِزْقٌ معلومٌ (41) فَواكِهُ وهم مكرمون (42) في جنات النعيم (43) على سُرُرٍ متقابلين (44) يُطَافُ عليهم بكأسٍ من معينٍ (45) بيضاءَ لَذَّةٍ للشاربين (46) لا فيها غَوْلٌ ولا هُمْ عنها يُنزَفُونَ (47) وعندَهُمْ قَاصِراتُ الطَّرْفِ عينٌ (48) كأنَّهُنَّ بَيْضٌ مكنونٌ (49) }(3/53)
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45)
45 - {بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} الخمر الجاري، أو الذي لم يعصر، والماء المعين هو الظاهر للعيون، أو الشديد الجري من قولهم أمعن في كذا إذا اشتد دخوله فيه.(3/53)
لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)
47 - {غَوْلٌ} صداع " ع "، أو وجع البطن، أو أدنى مكروه، أو إثم، أو لا تغتال عقولهم {يُنزَفُونَ} لا تنزف عقولهم ولا يذهب حلمهم بالسكر، أو لا يبولون " ع " برأ الله خمرهم عن السكر والبول والصداع والقيء بخلاف خمر(3/53)
الدنيا، أو لا تفنى خمرهم من نزف الركيَّة، بفتح الزاي ذهاب العقل وبكسرها فناء الخمر.(3/54)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48)
48 - {قاصرات الطرف} قصرن نظرهن عن أزواجهن فلا ينظرن إلى سواهم واقتصر على كذا قنع به وعدل عن غيره {عِينٌ} حسان الصور، أو عظام الأعين.(3/54)
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
49 - {بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} لؤلؤ في صدفة " ع "، أو بيض مصون في قشره شبهن ببيض النعام يكنه الريش من الغبار والريح فهو أبيض إلى الصفرة، أو شبههن ببطن البيض إذا لم تناله يد أو شبههن ببياضه حين ينزع قشره أو بالسحاء الذي يكون بين قشر البيضة العليا ولبابها.
{فَأَقْبَلَ بعضُهمْ على بعضٍ يتساءلون (50) قالَ قائلٌ منهم إني كانَ لي قرينٌ (51) يقولُ أءنكَ لمنَ المصدقين (52) أءذا مِتْنا وكُنَّا تُراباً وعظَاماً أءنا لمَدِينونَ (53) قال هلْ أنتم مطلعون (54) فاطلعَ فراءه في سواءِ الجحيم (55) قال تالله إن كدتَ لتردين (56) ولولا نعمةُ ربي لكنتُ منَ المُحْضَرينَ (57) أفما نحن بميتين (58) إلا موتتَنا الأولى وما نحنُ بمعذبينَ (59) إن هذا لهوَ الفوزُ العظيمُ (60) لمثْلِ هذا فليعملِ العاملون (61) }(3/54)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)
50 - {يَتَسَآءَلُونَ} يسأل أهل الجنة كما يسأل أهل النار.(3/54)
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)
51 - {قَرِينٌ} في الدنيا شيطان يغويه فلا يطيعه، أو شريك له يدعوه إلى(3/54)
الكفر فلا يجيبه " ع " أو الأخوان [159 / أ] / المذكوران في سورة الكهف.(3/55)
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
53 - {لَمَدِينُونَ} محاسبون، أو مجازون " ع ".(3/55)
قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)
54 - {قَالَ هَلْ} قال لأهل الجنة، أو الملائكة هل أنتم {مُّطَّلِعُونَ} في النار.(3/55)
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)
55 - {سَوَآءِ الْجَحِيمِ} وسطها سمي الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب قال قتادة: فوالله لولا أن الله - تعالى - عَرَّفه إياه لما كان يعرفه لقد تغير حِبْره وسِبْره يعني حسنه وتخطيطه.(3/55)
قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56)
56 - {قال تالله} قاله المؤمن لقرينه الكفار {لَتُرْدِينِ} لتباعدني من الله - تعالى -، أو لتهلكني لو أطعتك.(3/55)
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)
57 - {نعمة ربي} بالإيمان.
{أَذَلِكَ خيرٌ نزلاً أم شجرةُ الزقوم (62) إنا جعلناها فتنةً للظالمين (63) إنها شجرةٌ تخرجُ في أصل الجحيم (64) طلعها كأنه رءوس الشياطين (65) فإنهم لآكلونَ منها فمالئون منها البطون (66) ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم (67) ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم (68) إنهم ألفوا ءاباءهم ضالين (69) فهم علىءاثارهم يهرعون (70) ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين (71) ولقد أرسلنا فيهم منذرين (72) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين (73) }(3/55)
إلا عباد الله المخلصين (74) }(3/56)
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
62 - {نُزُلاً} النزل الرزق الواسع أصله الطعام الذي يصلح أن ينزلوا معه {شجَرَةُ الزَّقُّومِ} قوت أهل النار مرة الثمرة خشنة اللمس منتنة الريح، ولما نزلت قال [كفار] قريش ما نعرف هذه الشجرة وقال ابن الزَّبَعْرَى الزقوم رطب البربر والزبد فقال أو جهل يا جارية أبغينا تمراً وزبداً ثم قال لأصحابه تزقموا هذا الذي يوعدنا محمد بالنار.(3/56)
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)
63 - {فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ} بما ذكرنا أنهم قالوه فيها، أو شدة عذاب لهم.(3/56)
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
64 - {تَخْرُج فِى أَصْلِ الْجَحِيمِ} وصفها بذلك لاختلافهم فيها قال قطرب: الزقوم من خبيث النبات وهو كل طعام قتال، أو أعلمهم بذلك جواز بقائها في النار لأنها تنبت فيها قيل تنبت في الباب السادس وتحي بلهب النار كما تحي أشجارنا بالماء.(3/56)
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
65 - {رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} شبهها بها لاستقباحها في النفوس وإن لم تشاهد قال: امرؤ القيس:
(أيقتلنِي والمَشرفيُّ مُضاجِعي ... وَمسنُونةٌ زُرْقٌ كأنيابِ أغوالِ)
شبهها بالأغوال وإن لم ترها الناس، أو شبهها بحية قبيحة الرأس يسميها العرب شيطاناً، أو أراد شجراُ بين مكة والمدينة سمي رؤوس الشياطين.(3/56)
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)
67 - {لشَوْباً} مزاجاً {مِّنْ حَمِيمٍ} الحار الداني من الإحراق وسمي القريب حميماً لقربه من القلب والمحموم لقرب حرارته من الإحراق.(3/56)
(أحم الله ذلك من لقاء ... ... ... ... ... ... ... ... ... )
أي قَرَّبه، فيمزج الزقوم بالحميم لتجمع حرارة الحميم ومرارة الزقوم.(3/57)
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)
68 - {مَرْجِعَهُمْ} مأواهم في النار، أو يدل على أنهم إذا أكلوا الزقوم وشربوا الحميم ليسوا في النار بل في عذاب آخر، أو مرجعهم بعد أكل الزقوم إلى عذاب الجحيم، والجحيم: النار الموقدة، أو هم في النار {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44] ثم يرجعون إلى مواضعهم.(3/57)
فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)
70 - {يُهرعونَ} يُسرعون الإهراع: إسراع المشي برعدة، أو يُستحثون من خلفهم، أو يُزعجون إلى الإسراع.
{وَلَقَدْ نادانا نوحٌ فلنعم المجيبون (75) ونجيناه وأهلهُ من الكرب العظيم (76) وجعلنا ذريته هم الباقين (77) وتركنا عليه في الآخرين (78) سلامٌ على نوحٍ في العالمين (79) إنا كذلك نجزي المحسنين (80) إنه من عبادنا المؤمنين (81) ثم أغرقنا الآخرين (82) }(3/57)
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)
75 - {نَادَانَا} دعانا على قومه بالهلاك لما يئس من إيمانهم ليطهر الأرض منهم، أو ليكونوا عبرة لغيرهم ممن بعدهم.(3/57)
وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
76 - {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} كانوا ثمانية. نوح وأولاده الثلاثة وأربع نسوة {الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} أذى قومه، أو غرق الطوفان.(3/57)
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)
77 - {هم الباقين} [159 / ب] / فالناس كلهم من ذريته العرب والعجم أولاد سام(3/57)
والروم والترك والصقالبة أولاد يافث والسودان أولاد حام " ع ".(3/58)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
78 - {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأَخِرِينَ} الثناء الحسن، أو لسان صدق للأنبياء كلهم، أو قوله {سَلاَمٌ على نوح في العالمين} [79] .
{وَإِنَّ من شيعتهِ لإبراهيم (83) إذ جاء ربه بقلب سليم (84) إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون (85) إئفكاً ءالهةً دون الله تريدون (86) فما ظنكم بربِّ العالمين (87) }(3/58)
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)
83 - {شِيعَتِهِ} من أهل دينه، أو على سنته ومنهاجه يعني إبراهيم من شيعة نوح، أو شيعة محمد [صلى الله عليه وسلم] قيل الشيعة الأعوان أخذ من الأشياع الحطب الصغار يوضع مع الكبار لتعين على وقودها.(3/58)
إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
84 - {سَلِيمٍ} من الشك " أو ناصح لله - تعالى - في خلقه، أو الذي يحب للناس ما يحب لنفسه وسلم الناس من غشه وظلمه وأسلم لله - تعالى - بقلبه ولسانه "، أو مخلص، أو لا يكون لعاناً.
{فَنَظَرَ نظرةً في النجومِ (88) فقال إني سقيم (89) فتولوا عنه مدبرين (90) فراغ إلىءالهتهم فقال ألا تأكلون (91) ما لكم لا تنطقونَ (92) فراغ عليهم ضرباً باليمين (93) فأقبلوا إليه يزفون (94) قال أتعبدون ما تنحِتُون (95) والله خلقكم وما تعملون (96) قالوا ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم (97) فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين (98) }(3/58)
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88)
88 - {فنظر نظرة في النجوم} رأى نجماً طالعاُ [فقال {إني سقيم} قاله(3/58)
سعيد بن المسيب] أو هي كلمة للعرب تقول لمن نظر في أمره وتفكر قد نظر في النجوم قاله قتادة، أو نظر فيما نجم من قومه، أو كان علم النجوم من علم النبوة فلما حبست الشمس على يوشع بن نون أبطل الله ذلك فنظر إبراهيم فيها وكانت علماً نبوياً.(3/59)
88 - {فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ} استدل بها على وقت حمى كانت تأتيه، أو سقيم فيما في عنقي من الموت، أو بما أرى من قبح عبادتكم لغير الله - تعالى -، أو سقيم لعلة عرضت له، أو أرسل إليه ملكهم بأن يخرج معهم من الغد إلى عيدهم فنظر إلى نجم فقال إن هذا النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقمي فكابد نبي الله [صلى الله عليه وسلم] عن دينه، سقيم: أي طعين وكانوا يفرون من المطعون وهذه خطيئته التي قال اغفر لي خطيئتي يوم الدين وعدها الرسول [صلى الله عليه وسلم] من كذبه في ذات الله.(3/59)
فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)
91 - {فراغ إلى آلهتهم} ذهب، أو مال إليهم، أو أقبل عليهم، أو أحال عليهم {أَلا تأْكُلُونَ} استهزاء بهم، أو وجدوهم خرجوا إلى العيد وجعلوا لأصنامهم طعاماً كثيراً فقال لها ألا تأكلون تجهيلاً لمن عبدها وتعجيزاً لها.(3/59)
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)
93 - {بِالْيَمِينِ} اليد اليمنى لأن ضربها أشد، أو باليمين التي حلفها في قوله {وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ) [الأنبياء: 57] أو اليمين القوة وقوة النبوة أشد.(3/60)
فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)
91 - {يَزِفُّون} يجرون " ع "، أو يسعون، أو يتسللون، أو يرعدون غضباً، أو يختالون وهو مشية الخيلاء ومنه أخذ زفاف العروس إلى زوجها، " وقوله يتسللون حال بين المشي والعدو ومنه زفيف النعامة لأنه بين المشي والعدو ".(3/60)
فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)
98 - {الأَسْفَلِينَ} في الحجة، أو في جهنم، أو المهلكين لأن الله - تعالى - عقب ذلك بهلاكهم، أو المقهورين لخلاصه من كيدهم فما أحرقت النار إلا وثاقه وما انتفع بها يومئذ أحد من الناس وكانت الدواب كلها تطفئ النار عنه إلا الوزغ فإنه كان ينفخها عليه فأمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] بقتله.
{وَقَالَ إني ذاهبٌ إلى ربي سيهدين (99) رب هب لي من الصالحين (100) فبشرناه بغلامٍ حليم (101) فلما بلغَ معه السعيَ قالَ يابني إني أرى في المنام أني أذبحكم فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين (102) فلما أسلما وتله للجبين (103) وناديناه أن يا إبراهيم (104) قد صدَّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين (105) إن هذا لهو البلؤا المبين (106) وفديناه بذبح عظيم (107) وتركنا عليه في الآخرين (108) سلام على إبراهيم (109) كذلك نجزي المحسنين (110) إنه من عبادنا المؤمنين (111) وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين (112) وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسنٌ وظالمٌ لنفسه مبين (113) }(3/60)
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
99 - {ذاهبٌ إِلَى رَبِّى} منقطع إليه بالعبادة، أو ذاهب إليه بقلبي وديني وعملي، أو مهاجر إليه بنفسي من أرض العراق وهو أول من هاجر من الخلق(3/60)
مع لوط وسارَّة إلى حران، أو الشام. {سَيَهْدِينِ} إلى طريق الهجرة، أو الخلاص من النار، أو إلى قول حسبي الله عليه توكلت [160 / أ] /.(3/61)
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)
101 - {بِغُلامٍ} إسماعيل، أو إسحاق {حَلِيمٍ} وقور.(3/61)
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
102 - {السَّعْىَ} مشى معه، أو العمل، أو العبادة، أو العمل الذي تقوم به الحجة وكان ابن ثلاث عشرة سنة {أَرَى فِى الْمَنَامِ} قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " رؤيا الأنبياء وحي " {مَاذَا تَرَى} من صبرك وجزعك، أو قاله امتحاناً لصبره على أمر الله - تعالى - ولم يقل ذلك استشارة. {مِنَ الصَّابِرِينَ} على القضاء، أو الذبح، فوجده صادق الطاعة سريع الإجابة قوي الدين.(3/61)
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
103 - {أَسْلَمَا} اتفقا على أمر واحد، أو سلما لأمر الله - تعالى - فسلم(3/61)
إسحاق نفسه لله - تعالى - وسلم إبراهيم أمره الله - تعالى - {وَتَلَّهُ} صرعه على جبينه " ع " فالجبين ما عن يمين الجبهة وشمالها، أو أكبه لوجهه، أو وضع جبينه على تل قال إسحاق: " يا أبتِ إذبحني وأنا ساجد ولا تنظر إلى وجهي فقد ترحمني فلا تذبحني ".(3/62)
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
105 - {صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ} عملت بما رأيته في النوم وكان رأى أنه قعد منه مقعد الذابح ينتظر الأمر بإمضاء الذبح ففعل ذلك، أو رأى أنه أمر بذبحه بشرط التمكين فلم يمكن وكان كلما اعتمد بالشفرة انقلبت وجُعل على حلقه صفيحة من نحاس، أو رأى أنه ذبحه وفعل ذلك فوصل إلى الأوداج بلا فصل، والذبيح " إسحاق " بن سارة كان له سبع سنين وكان مذبحه من بيت المقدس على ميلين ولدته سارة ولها تسعون سنة ولما علمت ما أراد بإسحاق بقيت يومين وماتت في الثالث، أو إسماعيل مذبحه بمنى عند الجمار التي رُمي إبليس منها في(3/62)
فارغة.(3/63)
كل جمرة بسبع حصيات فَجمر بين يديه أي أسرع فسميت جماراً، أو ذبحه على الصخرة التي بأصل الجبل بمنى.(3/64)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)
106 - {البلاء الْمُبِينُ} الاختبار العظيم، أو النعمة البينة.(3/64)
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
107 - {بِذِبْحٍ} كبش من غنم الدنيا " ح "، أو كبش نزل من الجنة وهو الذي قربه أحد ابني آدم فتقبل منه " ع "، أو كبش رعى في الجنة أربعين خريفاً، أو تيس من الأروى أُهبط عليهما من ثبير " ح " والذِبح المذبوح وبالفتح فعل الذبح {عَظِيمٍ} لرعيه في الجنة " ع "، أو لأنه ذبح بحق " ح "، أو لأنه متقبل.(3/64)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108)
108 - {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأَخِرِينَ} الثناء الحسن، أو أن يقال {سلام على إبراهيم} [109] .
{وَلَقَدْ مننا على موسى وهارون (114) ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم (115) ونصرانهم فكانوا هم الغالبين (116) وءاتيناهما الكتاب المستبين (117) وهديناهما الصراط المستقيم (118) وتركنا عليهما في الآخرين (119) سلامٌ على موسى وهارون (120) إنا كذلك نجزي المحسنين (121) إنهما من عبادِنا المؤمنين (122) وإن إلياس لمن المرسلين (123) إذ قالَ لقومه ألا تتقون (124) أتدعون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين (125) الله ربكم ورب ءابائكم الأولين (126) فكذبوه فإنهم لمحضرون (127) إلا عباد الله(3/64)
المخلصين (128) وتركنا عليه في الآخرين (129) سلام على إل ياسين (130) إن كذلك نجزي المحسنين (131) إنه من عبادنا المؤمنين (132) }(3/65)
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124)
124 - {إِلْيَاسَ} إدريس " ع "، أو نبي من ولد هارون وجوز قوم أن يكون إلياس بن مضر.(3/65)
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)
125 - {بَعْلاً} رباً بلغة أزد شنوءة وسمع ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - رجلاً من أهل اليمن يسوم ناقة بمنى فقال من بعل هذه؟ أي ربها، أو صنم اسمه بعل كانوا يعبدونه وبه سميت بعل بك، أو امرأة كانوا يعبدونها {أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} أحسن من قيل له خالق، أو أحسن الصانعين لأن الناس يصنعون ولا يخلقون.(3/65)
سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)
130 - {إلْياسين} جمع يدخل فيه جميع إلياسين، أو زاد في إسم إلياس لأنهم يغيرون الأسماء الأعجمية بالزيادة كميكال وميكائيل {آلِ ياسين} تسليم على آله دونه وأضافهم إليه تشريفاً له، أو هو إلياس فقيل ياسين لمؤاخاة الفواصل كطور سيناء وطور سينين، أو دخلت للجمع فيكون داخلاً في جملتهم.
{وَإنَّ لوطاً لمن المرسلين (133) إذ نجيناه وأهله أجمعين (134) إلا عجوزاً في الغابرين (135) ثم دمرنا الآخرين (136) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين (137) وبالليل أفلا تعقلون (138) }(3/65)
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135)
135 - {الغابرين} الهلكى، أو الباقين من الهلكى [160 / ب] /، أو الباقين في عذاب الله، أو الماضين في العذاب.(3/65)
{وإنَّ يونس لمنَ المرسلين (139} إذ أبقَ إلى الفلكِ المشحونِ (140) فساهمَ فكانَ منَ المُدَحَضينَ (141) فالتقمهُ الحوتُ وهوَ مُليمٌ (142) فلولاَ أنه كانَ من المسبحين (143) للبثَ في بطنهِ إلى يوم يُبعثون (144) فنبذناه بالعراءِ وهم سقيم (145) وأنبتنا عليه شجرةً من يقطين (146) وأرسلناه إلى مائةِ ألفٍ أو يزيدون (147) فآمنوا فمتعناهم إلى حين (148) }(3/66)
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)
139 - {يُونُسَ} بعثه الله - تعالى - إلى نينوى من أرض الموصل بشاطئ دجلة.(3/66)
إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
140 - {أَبَقَ} فر، والآبق المار إلى حيث لا يعلم به وكان أنذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا وجعل علامته خروجه من بينهم فلما خرج جاءتهم ريح سوداء فخافوا فدعوا الله - تعالى - بأطفالهم وبهائمهم فصرف الله - تعالى - عنهم العذاب فخرج مكايداً لقومه مغاضباً لدين ربه فركب في سفينة موقرة فلما استثقلت خافوا الغرق لريح عصفت بهم " ع " أو لحوت عارضهم فقالوا فينا مذنب لا ننجوا إلا بإلقائه فاقترعوا فخرجت القرعة عليه فألقوه فَأَمِنوا.(3/66)
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
141 - {فَسَاهَمَ} قارع بالسهام {الْمُدْحَضِينَ} المقروعين، أو المغلوبين.(3/66)
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
142 - {مُلِيمٌ} مسيء مذنب " ع "، أو يلوم نفسه على ما صنع، أو يلام على ما صنع.(3/66)
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
143 - {الْمُسَبِّحِينَ} المصلين " ع "، أو القائلين {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ} الآية [الأنبياء: 87] ، أو العابدين، أو التائبين.(3/66)
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
144 - {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} إلى القيامة فيصير بطن الحوت قبراً له والتقمه ضُحىً ولفظه عشية، أو بعد ثلاثة أيام، أو سبعة، أو أربعين.(3/66)
فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)
145 - {بِالْعَرَآءِ} بالساحل " ع " أو الأرض، أو موضع بأرض اليمن، أو الفضاء الذي لا يواريه نبت ولا شجر {سَقِيمٌ} كهيئة الصبي، أو الفرخ الذي ليس عليه ريش.(3/67)
وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)
146 - {مِّن يَقْطِينٍ} القرع، أو كل شجرة ليس لها ساق تبقى من الشتاء إلى الصيف، أو كل شجرة لها ورق عريض، أو كل ما ينبسط على وجه الأرض من البطيخ والقثاء، أو شجرة سماها الله - تعالى - يقطيناً أظلته.(3/67)
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
147 - {وَأَرْسَلْنَاهُ} بعد نبذ الحوت " ع " فكأنه أرسل إلى أمة بعد أمة أو أرسل إلى الأولين فآمنوا بشريعته {أَوْ يَزِيدُونَ} أو للإبهام كأنه قال أرسلناه إلى أحد العددين، أو هو على شك المخاطبين، أو معناه بل يزيدون " ع " فزادوا على ذلك عشرين ألفاً مأثور، أو ثلاثين ألفاً " ع " أو بضعة وثلاثين ألفاً قاله الحكم، أو بضعه وأربعين ألفاً، أو سبعين ألفاً.
{فَاسْتَفِتهِمْ ألربَكَ البناتُ ولهمُ البنونَ (149) أمْ خلقنَا الملائكَة إناثاً وهمْ شاهدونَ (150) ألا إنهم من إفكِهِمْ ليقولون (151) ولدَ اللهَ وإنهم لكاذبونَ (152) أصطفى(3/67)
البناتِ على البنينَ (153) ما لكم كيفَ تحكمونَ (154) أفلا تذكرونَ (155) أم لكم سلطانٌ مبين (156) فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين (157) وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً ولقد علمتِ الجنة أنهم لمحضرون (158) سبحان الله عما يصفون (159) إلا عباد الله المخلصين (160)(3/68)
أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)
156 - {سلطانٌ مبينٌ} عذر بين، أو حجة واضحة، أو كتاب بين.(3/68)
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)
158 - {بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} إشراكهم الشياطين في عبادته، أو قول يهود أصفهان إن الله صاهر الجن فكانت الملائكة من بينهم، أو الزنادقة قالوا إن الله وإبليس أخوان فالخير والنور والحيوان النافع من خلق الله والظلمة والشر والحيوان الضار من خلق الشيطان، أو قول المشركين الملائكة بنات الله فقال أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - فمن أمهاتهم؟ فقالوا بنات سروات الجن. سموا جنة لاجتنابهم واستتارهم كالجن، أو لأنهم على الجنان، أو بطن من الملائكة يسمون الجنة {عَلِمَتِ الْجِنَّةُ} الملائكة، أو الجن أن قائل هذا القول محضر، أو علمت الجن أن أنفسهم محضرة في النار، أو للحساب.
{فَإِنَّكُمْ وما تعبدون (161) ما أنتم عليه بفاتنين (162) إلا من هو صال الجحيم (163) وما منا إلا له مقامٌ معلوم (164) وإنا لنحن الصافون (165) وإنا لنحن المسبحون (166) وإن كانوا ليقولون (167) لو أن عندنا ذكراً من الأولين (168) لكنا عبادَ اللهِ المخلصينَ (169) فكفروا به فسوف يعلمون (170)(3/68)
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161)
161 - {فَإِنَّكُمْ} أيها المشركون {وَمَا تَعْبُدُونَ} من آلهتكم.(3/68)
مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162)
162 - {بِفَاتِنِينَ} بمضلين من تدعونه إلى عبادتها.(3/68)
إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)
163 - {إِلا مَنْ هُوَ صَالِ} إلا من سبق في العلم الأول أنه يصلاها " ع " أو من [161 / أ] / أوجب الله أنه يصلاها " ح ".(3/69)
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)
164 - {وَمَا مِنَّآ} ملك إلاَّ له في السماء {مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} ، أو كان يصلي الرجال والنساء جميعاً حتى نزلت فتقدم الرجال وتأخر النساء.(3/69)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)
165 - {لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ} الملائكة صفوف في السماء، أو في الصلاة، أو حول العرش ينتظرون ما يؤمرون به، أو كان الناس يصلون متبددين فلما نزلت أمرهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يصطفوا.(3/69)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
166 - {الْمُسَبِّحُونَ} المصلون، أو المنزهون الله عما أضافه إليه المشركون فكيف يعبدوننا ونحن نعبده.
{وَلَقَدْ سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين (171) إنهم لهم المنصورون (172) وإن جندنا لهم الغالبون (173) فتول عنهم حتى حين (174) وأبصرهم فسوف يبصرون (175) أبعذابنا يستعجلون (176) فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين (177) وتولَّ عنهم حتى حين (178) وأبصر فسوف يبصرون (179) سبحانَ ربك رب العزة عما يصفون (180) وسلامٌ على المرسلين (181) والحمدُ للهِ رب العالمينَ (182) }(3/69)
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)
172 - {لَهُمُ الْمَنصُورُونَ} بالحجج، أو بأنهم سينصرون، قال الحسن - رضي الله تعالى عنه - لم يقتل من الرسل أصحاب الشرائع أحد قط نصروا(3/69)
بالحجج في الدنيا وبالعذاب في الآخرة أو بالظفر إما بالإيمان، أو بالانتقام.(3/70)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)
174 - {حَتَّى حِينٍ} يوم بدر، أو فتح مكة، أو الموت أو القيامة منسوخة، أو محكمة.(3/70)
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)
175 - {وَأَبْصِرْهُمْ} أبصر ما ضيعوا من أمري فسيبصرون ما يحل بهم من عذابي أو أبصرهم وقت النصر فسوف يبصرون ما يحل بهم، أو أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ذلك في القيامة، أو أعلمهم فسوف يعلمون.(3/70)
سُورة ص
مكية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{صَ والقرآن ذي الذكر (1) بل الذين كفروا في عزةٍ وشقاقٍ (2) كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ فنادوا حين مناصٍ (3) }(3/71)
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
1 - {ص} اسم للقرآن، أو لله أقسم به " ع "، أو فواتح افتتح بها القرآن، أو حرف من هجاء أسماء الله - تعالى -، أو صدق الله، أو من المصاداة وهي المعارضة أي عارض القرآن بعملك، أو من المصاداة وهي الاتباع أي اتبع القرآن بعملك. {ذِى الذكر} الشرف " ع "، أو البيان، أو التذكر، أو ذكر ما قبله من الكتب وجواب القسم. {بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ} أو {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} [64] ، أو حذف جوابه تفخيماً لتذهب النفس فيه كل مذهب، وتقدير المحذوف " لقد جاء الحق "، أو " ما الأمر كما قالوا ".(3/71)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)
2 - {عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} حمية وفراق أو تعزز واختلاف أو أنفة وعداوة.(3/71)
كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
3 - {مِّن قَرْنٍ} من أمة والقرن: زمان مدته عشرون سنة، أو أربعون، أو(3/71)
ستون، أو سبعون، أو ثمانون، أو مائة، أو عشرون ومائة {وَّلاتَ} بمعنى لا، أو ليس ولا يعمل إلا في الحين خاصة أي ليس حين ملجأ، أو مغاث " ع "، أو زوال، أو فِرار، والمناص: مصدر ناص ينوص والنوصُ والبوص التأخر وهو من الأضداد، أو بالنون التأخر وبالباء التقدم كانوا إذا أحسوا في الحرب بفشل قال بعضهم لبعض مناص أي حملة واحدة ينجو فيها من ينجو ويهلك من يهلك فمعناه أنهم لما عاينوا الموت لم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة.
{وَعَجِبُواْ أن جاءهم منذرٌ منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب (4) أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيءٌ عجاب (5) وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا علىءالهتهم إن هذا لشيء يراد (6) ما سمعنا بهذا في الملة الأخرة إن هذا إلا اختلاق (7) أءنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شكٍ من ذكرى بل لما يذوقوا عذاب (8) أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب (9) أم لهم ملكُ السموات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب (10) جندٌ ما هنالك مهزومٌ من الأحزاب (11)(3/72)
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
5 - {أَجَعَلَ الأَلِهَةَ إِلَهَاً وَاحِداً} لما أمرهم بكلمة التوحيد قالوا أيسع لحاجتنا جميعاً إله واحد {عُجَابٌ} عجيب كطوال وطويل وقال الخليل: العجيب والطويل ماله مثل والعجاب والطوال مالا مثل له.(3/72)
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)
6 - {وَانطَلَقَ الْمَلأُ} الانطلاق الذهاب بسهولة ومنه طلاقة الوجه {والملأ} عقبة بن أبي معيط أو أبو جهل [161 / ب] / أتى أبا طالب في مرضه شاكياً من(3/72)
الرسول [صلى الله عليه وسلم] ثم انطلق من عنده حين يئس من كفه " ع " {أَنِ امْشُواْ} اتركوه واعبدوا آلهتكم، أو امضوا في أمركم في المعاندة واصبروا على عبادة آلهتكم تقول العرب امش على هذا الأمر أي امض عليه والزمه. {إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ يُراد} لما أسلم عمر وقوي به الإسلام قالوا: إِن إسلامه وقوة الإسلام لشيء يراد وأن مفارقة محمد لدينه، أو خلافه إيانا إنما يريد به الرياسة علينا والتملك لنا.(3/73)
مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)
7 - {الملة الآخرة} النصرانية لأنها آخر الملل " ع "، أو فيما بين عيسى ومحمد، أو ملة قريش، أو ما سمعنا أنه يخرج ذلك في زماننا " ح " {اخْتِلاقٌ} كذب اختلقه محمد.(3/73)
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
9 - {خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} [مفاتيح] رحمته، أو مفاتيح النبوة فيعطونها من أرادوها ويمنعونها ممن أرادوا.(3/73)
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)
10 - {فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأَسْبَابِ} في السماء " ع " أو الفضل والدين، أو طرق السماء وأبوابها، أو فيعملوا في أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة.(3/73)
جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)
11 - {جند ما هنالك} يعني قريشاً، و " ما " صلة وقوله جند أي أتباع مقلدون لا عالم فيهم {مَهْزُومٌ} بَشَّره بهزيمتهم وهو بمكة فكان تأويله يوم بدر {مِّنَ الأَحْزَابِ} أحزاب إبليس وتِباعه، أو لأنهم تحزبوا على جحود ربهم وتكذيب رسله.
{كَذَّبَتْ قبلهُمْ قومُ نوحٍ وعادٌ وفرعونُ ذُو الأوتاد (12) وثمودُ وقومُ لوطٍ وأصحابُ لئيكة أؤلئك(3/73)
الأحزابُ (13) إن كل إلا كذبَ الرسلَ فحق عقاب (14) وما ينظرُ هؤلاء إلا صيحةً واحدةً ما لها من فواق (15) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب (16) }(3/74)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)
12 - {كَذَّبَتْ} أنث لأن القوم تذكر وتؤنث، أو هو مذكر اللفظ ولا يجوز تأنيثه إلا أن يقع المعنى على القبيلة والعشيرة. {الأَوْتَادِ} أي الكثير البنيان والبنيان يعبّر عنه بالأوتاد، أو كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها " ع "، أو كان يعذب الناس بالأوتاد، أو أراد أن ثبوت ملكه وشدة قوته كثبوت ما شد بالأوتاد.(3/74)
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13)
13 - {وَثَمُودَ} قيل عاد وثمود أبناء عم بعث الله إلى ثمود صالحاً فآمنوا فمات صالح فارتدوا فأحياه الله - تعالى - وبعثه إليهم وأعلمهم أنه صالح فأكذبوه وقالوا: قد مات صالح فأتِ بآية إن كنت من الصادقين، فأتاهم الله - تعالى - بالناقة فكفروا وعقروها فأهلكوا " ع "، أو بعث إليهم صالح شاباً فدعاهم حتى صار شيخاً فعقروا الناقة ولم يؤمنوا حتى هلكوا {وَقَوْمُ لُوطٍ} لم يؤمنوا حتى هلكوا، وكانوا أربعمائة ألف بيت في كل بيت عشرة وما من نبي إلا يقوم معه طائفة من أمته إلا لوط فإنه يقوم وحده {وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ} قوم شعيب والأيكة الغيضة " ع "، أو الملتف من النبع والسدر فأهلكوا بعذاب يوم الظلة وأرسل إلى مدين فأخذتهم الصيحة.(3/74)
وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)
15 - {صَيْحَةً وَاحِدَةً} النفخة الأولى {فواقٍ} بالفتح من الإفاقة وبالضم فُواق الناقة وهو قدر ما بين الحلبتين من المدة، أو كلاهما بمعنى واحد أي مالها من ترداد " ع "، أو حبس، أو رجوع إلى الدنيا " ح " أو رحمة " ع "، أو راحة، أو تأخير لسرعتها، أو ما لهم بعدها من إفاقة.(3/74)
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
16 - {قِطَّنَا} نصيبنا من الجنة التي وعدتنا بها، أو حظنا من العذاب استهزاءً منهم " ع "، أو رزقنا، أو أرنا منازلنا، أو عجل لنا في الدنيا كتابنا في الآخرة المذكورة في قوله {فأما من أوتي كتابه [162 / أ] / بِيَمِينِهِ} [الحاقة: 19] قالوه استهزاء وأصل القط القطع ومنه قط القلم وما رأيته قط أي قطع الدهر بيني وبينه فأطلق على النصيب والكتاب والرزق لِقَطِّه من غيره وهو في الكتاب أظهر استعمالاً والقط كل كتاب يتوثق به، أو مختص بما فيه عطية وصلة.
{اصْبِرْ على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيدِ إنه أواب (17) إنا سخرنا الجبال معه يسبحنَ بالعشي والإشراق (18) والطير محشورة كل له أواب (19) وشددنا ملكه وءاتيناه الحكمة وفصل الخطابِ (20) }(3/75)
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)
17 - {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} فإنا نحسن إليك كما أحسنا إليه قبلك بصبره {الأَيْدِ} القوة " ع "، أو النعمة في الطاعة والنصر في الحرب أو في العبادة والفقه في الدين كان يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر {أَوَّابٌ} تواب، أو مسبح، أو الذي يؤوب إلى الطاعة ويرجع إليها، أو الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها.(3/75)
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
20 - {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} بالتأييد والنصر، أو بالجنود والهيبة قال قتادة: باثنين وثلاثين ألف حرس {الْحِكْمَةَ} النبوة، أو السنة أو العدل، أو العدل، أو العلم والفهم، أو الفضل والفطنة {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} علم القضاء والعدل فيه " ع "، أو تكليف المدعي البينة والمدعى عليه اليمين، أو " أما بعد " وهو أول من تكلم بها، أو البيان الكافي في كل غرض مقصود، أو الفضل بين الكلام الأول والكلام الثاني.(3/75)
{وَهَلْ أتاك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب (21) إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعضٍ فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط (22) إن هذا أخي له تسعٌ وتسعون نعجةً ولي نعجةٌ واحدةٌ فقال اكفلينها وعزني في الخطاب (23) قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجهِ وإن كثيراً من الخلطاءِ ليبغي بعضهم على بعضٍ إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب (24) فغفرنا له ذلك وإنه له عندنا لزلفى وحسن مئاب (25) }(3/76)
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)
21 - {والخَصْم} يقع على الواحد والأثنين والجماعة لكونه مصدراً {تسوروا} أتوه من أعلا سوره {الْمِحْرَابَ} صدر المجلس ومنه محراب المسجد، أو مجلس الأشراف الذي يحارب عنه لشرف صاحبه، أو الغرفة. حدث داود نفسه أنه إن ابتُلي اعتصم فقيل له إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر من أحسن ما يكون فدرج بين يديه فهم بأخذه فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب فدنا ليأخذه فانقض فاطلع لينظره فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها وكان زوجها في الغزاة فكتب داود إلى أميرهم أن يجعل زوجها في حملة التابوت وكان حملة التابوت إما أن يفتح عليهم، أو يقتلوا فقدمه فيهم فقتل فخطب زوجته بعد عدتها فشرطت عليه إن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة من بعده وكتبت عليه بذلك كتاباً فأشهدت فيه خمسين رجلاُ من بني إسرائيل فلم يشعر بفتنتها حتى ولدت سليمان وشبَّ، وتسور الملكان المحراب " ع " ولم يكونا خصمين ولا بغى أحدهما على الآخر وإنما قالا ذلك على الفرض والتقدير إن أتاك خصمان فقالا: كيت وكيت.(3/76)
إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
22 - {فَفَزِعَ} لتسورهم من غير باب، أو لإتيانهم في غير وقت جلوسه للنظر {بِالْحَقِّ} بالعدل {تُشْطِطْ} تمِل، أو تَجُر، أو تسرف. مأخوذ من البعد شطت الدار بعُدت، أو من الإفراط {سَوَآءِ الصِّرَاطِ} أرشدنا إلى قصد الحق، أو عدل القضاء.(3/77)
إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)
23 - {أَخِى} صاحبي، أو على ديني {نَعْجَةً} ضرب النعجة مثلاً لداود، أو المرأة تسمى نعجة [162 / ب] / {أكفلينها} ضمها إليَّ، أو أعطنيها " خ " أو تحول عنها " ع " {وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ} قهرني في الخصومة، أو غلبني على حقي من عزَّيَزَّ أي من غَلَبَ سَلَب، أو إن تكلم كان أبين مني وإن بطش كان أشد مني(3/77)
وإن دعا كان أكثر مني.(3/78)
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
24 - {لقد ظلمك} حكم عليه الظلم بعد إقراره. وحذف ذكر الإقرار اكتفاء بفهم السامعين، أو تقديره إن كان الأمر كما تقول فقد ظلمك {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} وقليل منهم من يبغي بعضهم على بعض " ع "، أو قليل من لا يبغي بعضهم على بعض و " ما " صلة مؤكدة أو بمعنى الذي تقديره: قليل الذين هم كذلك {وَظَّنَّ دَاوُدُ} علم {فَتَنَّاهُ} اختبرناه " ع "، أو ابتليناه، أو شددنا عليه في التعبد قال قتادة: قضى نبي الله على نفسه ولم يفطن لذلك فلما تبين له الذنب استغفر {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} من ذنبه وهو سماعه من أحد الخصمين وقضاؤه له قبل أن يسمع من الآخر، أو أشبع نظره من امرأة أوريا وهي تغتسل حتى علقت بقلبه، أو نيته أنه إن قُتل بعلها تزوجها وأحسن الخلافة عليها " ح "، أو " إغراؤه زوجها ليستشهد " قال علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -: " لو سمعت رجلاً يذكر أن داود عليه الصلاة والسلام قارف من تلك المرأة محرماً لجلدته ستين ومائة لأن حد الناس ثمانون وحدود الأنبياء صلوات الله - تعالى - وسلامه عليهم ستون ومائة ". {رَاكِعاً} عَبَّر بالركوع عن السجود مكث ساجداً أربعين يوماً حتى نبت المرعى من دموعه فغطى رأسه، ثم رفع رأسه وقد تقرح جبينه ومكث حيناً لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه وكان يدعو(3/78)
على الخطائين فلما أصاب الخطيئة كان لا يمر بوادٍ إلا قال: " اللهم اغفر للخطائين لعلك تغفر لي ولهم ".(3/79)
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
25 - { {لزلفى} كرامة، أو رحمة {مآب} مرجع.
{يَادَاوُدَ إنا جعلنك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذابٌ شديدٌ بما نسوا يوم الحساب (26) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار (27) أم نجعلُ الذينَ ءامنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار (28) كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا ءاياته وليتذكر أولوا الألباب (29) }(3/79)
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
26 - {خَلِيفَةً} لله - تعالى - والخلافة: النبوة، أو ملكاً، أو خليفة لمن تقدمك {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} لا تمل مع من تهواه فتجور أو لا تحكم بما تهواه فتزل {سَبِيل اللَّهِ} دينه، أو طاعته {بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ} تركهم العمل له، أو بإعراضهم عنه " ح ".
{وَوَهَبْنَا لداود سليمانَ نعمَ العبدُ إنه أواب (30) إذْ عُرضَ عليه بالعشيِ الصافناتُ الجيادُ (31) فقال إني أحببتُ حبَّ الخيرِ عن ذكر ربي حتى توارتْ بالحِجابِ (32) ردوها عليَّ فطَفِقَ مسحاً بالسوقِ والأعناق (33) }(3/79)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
31 - {الصَّافِنَاتُ} الخيل وصفونها: قيامها، أو رفع إحدى اليدين على(3/79)
طرف الحافر حتى تقوم على ثلاث {الْجِيَادُ} السراع لأنها تجود بالركض، أو الطوال الأعناق من الجيد وهو العنق، وطوله من صفة فراهتها.(3/80)
فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)
32 - {حُبَّ الْخَيْرِ} حب المال، أو حب الخيل، أو حب الدنيا {أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} آثرت حب الخير، أو تقديره أحببت حباً الخير ثم أضافه فقال حب الخير {ذِكْرِ رَبِّى} ذكر الله - تعالى - " ع "، أو صلاة العصر سُئل الرسول [صلى الله عليه وسلم] عن الصلاة الوسطى فقال: هي صلاة العصر التي فرط فيها نبي الله سليمان - عليه الصلاة والسلام - {تَوَارَتْ} الشمس {بِالْحِجَابِ} وهو جبل أخضر محيط بالدنيا، أو توارت الخيل بالحجاب والحجاب: الليل لستره ما فيه.(3/80)
رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
33 - {فَطَفِقَ} بسوقها وأعناقها من شدة حبه لها " ع "، أو ضرب [163 / أ] / عراقيبها وأعناقها لما شغلته عن الصلاة " ح " وكانت نفلاً ولم تكن فرضاً إذ(3/80)
ترك الفرض عمداً فسوق. فعل ذلك تأديباً لنفسه والخيل مأكولة فلم يكن ذلك إتلافاً يأثم به قاله الكلبي وكانت ألف فرس فعرقبت منها تسعمائة وبقي مائة فما في أيدي الناس من الخيل العتاق فمن نسل تلك المائة.
{وَلَقَدْ فتنا سليمانَ وألقيناَ على كُرسيه جسداً ثم أنابَ (34) قالَ رب اغفرِ لي وهبْ لي ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي إنك أنتَ الوهاب (35) فسخرنا لهُ الريحُ تجري بأمره رخاءً حيث أصاب (36) والشياطين كل بناءٍ وغواص (37) وءاخرين مقرنين في الأصفاد (38) هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب (39) وإن له عندنا لزلفى وحسن مئاب (40) }(3/81)
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)
34 - {فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} ابتليناه، أو عاقبناه بأنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض، أو غيره، أو كانت له زوجة اسمها جرادة وكان بين أهلها وبين قوم خصومة فحكم بينهم بالحق ولكنه وَدَّ أن الحق كان لأهلها فقيل له: سيصيبك بلاء فجعل لا يدري أيأتيه البلاء من الأرض أم من السماء، أو احتجب ثلاث أيام عن الناس فأوحى الله - تعالى - إليه إني لم أستخلفك لتحتجب عن عبادي ولكن لتقضي بينهن وتنصف مظلومهم من ظالمهم، أم غزا ملكاً وسبا ابنته وأحبها وهي معرضة عنه تذكراً لأبيها لا تكلمه ولا تنظر إليه إلا شزراً ثم سألته أن يصنع لها تمثال على صورة أبيها ففعل فعظمته وسجدت له هي وجواريها وعبد في داره إربعين يوماً حتى فشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره ثم حرقه ثم ذراه في الريح، أو قال للشيطان: كيف تضلون الناس فقال: أعطني خاتمك حتى أخبرك فأعطاه خاتمه فألقاه في البحر حتى ذهب ملكه، أو قال والله لأطوفن على نسائي في هذه الليلة كلهن سيحملن بغلام يقاتل في سبيل الله - تعالى - ولم يسْتَثْنِ فلم تحمل منهم إلا امرأة واحدة فولدت له شق إنسان {وألقينا على(3/81)
كُرْسِيِّهِ جَسَداً} وجعلنا في ملكه جسداً والكرسي المُلْك، أو ألقينا على سرير ملكه جسداً هو جسد سليمان كان مريضاً ملقى على كرسيه، أو وُلد له ولد فخاف عليه الجن فأودعه في السحاب يغذى في اليوم كالجمعة وفي الجمعة كالشهر فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتاً قاله الشعبي، أو جعل الله -(3/82)
تعالى - ملكه في خاتمه وكان إذا أجنب، أو أتى الغائط دفعه لأوثق نسائه فدفعه إليها يومً فجاء شيطان في صورته فأخذه منها واسمها جرادة، أو الأمينة. فجاء سليمان يطلبه فقالت: قد أخذته فأحسَّ سليمان، أو وضع الخاتم تحت فراشه فأخذه الشيطان من تحته، أو قال للشيطان: كيف تضلون الناس فقال: أعطني خاتمك حتى أخبرك فأعطاه الخاتم فجلس على كرسيه متشبهاً بصورته يقضي بغير الحق ويأتي نساء سليمان في الحيض أو منعه الله - تعالى - منهن فالجسد الشيطان والذي قعد على كرسيه اسمه صخر، أو آصف، أو حبقيق، أو أسيد ثم وجد سليمان خاتمه في جوف سمكة بعد أربعين يوماً من زوال ملكه قيل: وجد الخاتم بعسقلان فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعاً لله - تعالى - ثم ظفر بالشيطان فجعله في تخت رخام وشدة بالنحاس وألقاه في البحر [163 - ب] / {ثُمَّ أَنَابَ} تاب من ذنبه، أو رجع إلى ملكه، أو برئ من مرضه.(3/83)
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)
35 - {وَهَبْ لِى مُلْكاً} سأل ذلك ليكون معجزة له ويستدل به على الرضا وقبول التوبة، أو ليقوى به على عصاته من الجن فسخرت له حينئذ الريح، أو {لا يَنبَغِى لأَحَدٍ مِّن بَعْدِى} في حياتي أن ينزعه مني كالجسد الذي جلس على كرسيه قيل: سأل ذلك بعد الفتنة فزاده الله - تعالى - الريح والشياطين بعدما ابتُلي " ح ".(3/83)
فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
36 - {فَسَخَّرْنَا} ذللنا {رُخَآءً} طيبة، أو سريعة، أو لينة أو مطيعة، أو(3/83)
ليست بالعاصف المؤذية ولا بالعصيفة المعصرة " ح ". {أَصَابَ} أراد بلسان هجر، أو حيثما قصد من إصابة السهم الغرض المقصود.(3/84)
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37)
37 - {كُلَّ بَنَّآءٍ} في البر {وَغَوَّاصٍ} في البحر على حليته وجواهره.(3/84)
وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)
38 - {فِى الأَصْفَادِ} السلاسل، أو الأغلال، أو الوثاق " ع "، ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفارهم فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم.(3/84)
هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
39 - {هَذَا عَطَآؤُنَا} الملك الذي لا ينبغي لأحد والريح والشياطين {فَامْنُنْ} على الجن بالإطلاق، أو الإمساك في عملك من غير حرج عليك في ذلك، أو اعط من شئت من الناس وامنع من شئت منهم {بِغَيْرِ حِسَابٍ} بغير تقدير فيما تعطي وتمنع، أو بغير حرج، أو لا تحاسب عليه في القيامة فما أنعم على أحد بنعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان، أو التقدير هذا عطاؤنا بغير حساب أي جزاء، أو قلة، أو هذا عطاؤنا إشارة إلى غير مذكور وهو أنه كان في ظهره ماء مائة وكان له ثلاثمائة حرة وسبعمائة سُرِّية فقيل له {هَذَا عَطَآؤُنَا} يعني القوة على الجماع {فَامْنُنْ} بجماع من شئت من نسائك {أَوْ أَمْسِكْ} بغير مؤاخذة فيمن جامعت أو تركت، أو بغير عدد محصور فيمن استبحت، أو نكحت وهذا خلاف الظاهر بغير دليل.
{وَاذْكُرْ عبدنا أيوب إذ نادى ربه إني مسني الشيطان بنصبٍ وعذابٍ (41) اركض برجلك هذا مغتسلٌ بارد وشراب (42) ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمةً منا وذكرى لأولي الألباب (43) وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب (44) }(3/84)
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)
41 - {عَبْدَنَآ أَيُّوبَ} من نسل يعقوب، أو لم يكن من نسله كان في زمنه وتزوج ابنته ليا بنت يعقوب وكانت أمه بنت لوط {مَسَّنِىَ الشَّيْطَانُ} بوسوسته(3/84)
وتذكيره ما كان فيه من نعمة وما صار إليه من بلية أو استأذن الشيطان ربه أن يسلطه على ماله فسلطه ثم على أهله وولده فسلطه ثم على جسده فسلطه ثم على قلبه فلم يسلطه فهذا مسه " ع " {بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} النصب الألم والعذاب السقم، أو النصب في جلده والعذاب في ماله، أو النصب العناء والعذاب البلاء.(3/85)
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)
42 - {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} هما عينان في الشام بأرض يقال لها الجابية اغتسل من إحداهما فأذهب الله - تعالى - ظاهر دائه وشرب من الأخرى فأذهب الله - تعالى - باطن دائه " ح "، أو اغتسل من إحداهما فبرأ وشرب من الأخرى فروي {مُغْتَسَلٌ} موضع الغسل، أو ما يغتسل به، ومرض سبع سنين وسبعة أشهر أو ثماني عشرة سنة مأثور.(3/85)
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43)
43 - {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ} كانوا مرضى فبرئوا، أو غُيَّباً فردوا، أو ماتوا عند الجمهور فرد الله - تعالى - عليه أهله وولده ومواشيه بأعيانهم لأنهم ماتوا قبل آجالهم ابتلاءً ووهب له من أولادهم مثله " ح "، أو ردوا عليه بأعيانهم ووُهب له مثلهم [164 / أ] / من غيرهم، أو رد عليه ثوابهم في الجنة ووهبه مثلهم في الدنيا، أو(3/85)
رد عليه أهله في الجنة وأصاب امرأته فجاءت بمثلهم في الدنيا، أو لم يرد عليه منهم أحداً وكانوا ثلاثة عشر ووهب له من أمهم مثلهم فولدت ستة وعشرين ابناً قاله الضحاك {رَحْمَةً مِّنَّا} نعمة {وَذِكْرَى} عبرة لذوي العقول.(3/86)
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
44 - {ضغثا} عثكال النخل بشماريخه " ع "، أو الأثل، أو السنبل أو الثمام اليابس، أو الشجر الرطب، أو حزمة من حشيش، أو ملء الكف من الحشيش أو الشجر، أو الشماريخ وذلك خاص لأيوب - عليه الصلاة والسلام - أو يعم هذه الأمة، لقي إبليس زوجة أيوب في صورة طبيب فدعته إلى مداواته فقال: أداويه على أنه إذا برئ قال: أنت شفيتني لا أريد جزاء سواه قالت: نعم فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها " ع "، أو أتته بزيادة على عادته من الخبز فخاف خيانتها فحلف ليضربنها، أو أغواها الشيطان على أن تحمل أيوب على أن يذبح له سِخْلاً ليبرأ بها فخلفا ليجلدنها فلما برأ وعلم الله - تعالى - إيمانها أمره أن يضربها بالضغث رفقاً بها وبراً. وكان بلاؤه اختباراً لرفع درجته وزيادة ثوابه أو عقوبة على أنه دخل على بعض الجبابرة فرأى منكراً فسكت عنه، أو لأنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع لم يطعمه {أَوَّابٌ} راجع إلى ربه.
{وَاذْكُرْ عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار (45) إنا أخلصناهم بخالصةٍ ذكرى الدار (46) وإنهم عندنا لمنَ المصطفين الأخيار (47) واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكلٌ من الأخيار (48) }(3/86)
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)
45 - {الأَيْدِى} القوة على العبادة {وَالأَبْصَارِ} الفقه في الدين، أو الأيدي القوة في أمر الله - تعالى - والأبصار العلم بكتابه أو الأيدي النعم والأبصار العقول، أو الأيدي قوة أبدانهم والأبصار قوة أديانهم، أو الأيدي العمل(3/86)
والأبصار العلم قيل: لم يذكر معهم إسماعيل لأنه لم يبتلَ وابتلي إبراهيم بالنار وإسحاق بالذبح ويعقوب بذهاب البصر.(3/87)
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
46 - {أَخْلَصْنَاهُمْ} نزعنا ذكر الدنيا وحبها من قلوبهم وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها، أو اصطفيناهم بأفضل ما في الآخرة وأعطيناهم إياه، أو أخلصناهم بخالصة الكتب المنزلة التي فيها ذكر الآخرة مأثور، أو أخلصناهم بالنبوة وذكر الدار الآخرة، أو أخلصناهم من العاهات والآفات وجعلناهم ذاكرين للدار الآخرة.
{هَذَا ذكرٌ وإن للمتقين لحسن مئابٍ (49) جناتِ عدن مفتحةً لهم الأبوابُ (50) متكئين فيها يدعون فيها بفاكهةٍ كثيرة وشراب (51) وعندهم قاصرات الطرف أتراب (52) هذا ما توعدون ليوم الحساب (53) إن هذا لرزقنا ما له من نفاد (54) }(3/87)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)
52 - {أَتْرَابٌ} أمثال، أو أقران، أو متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن، أو مستويات الأسنان بنات ثلاث وثلاثين، أو أتراب أزواجهن خلقن على مقاديرهم والترب اللذة مأخوذ من اللعب بالتراب.
{هَذَا وإن للطاغين لشر مئاب (55) جهنم يصلونا فبئس المهاد (56) هذا فليذوقوه حميمٌ وغساقٌ (57) وءاخرُ من شكله أزواج (58) هذا فوجٌ مقتحمٌ معكم لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار (59) قالوا بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار (60) قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذاباً ضعفاً في النار (61) وقالوا ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من(3/87)
الأشرار (62) اتخذناهم سخرياً أم زاغتْ عنهم الأبصارُ (63) إن ذلك لحقٌ تخاصم أهل النار (64) }(3/88)
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)
57 - {فَلْيَذُوقُوهُ} منه حميم ومنه غساق، أو تقديره هذا حميم وغساق فليذوقوه {غساق} البارد الزمهرير " ع "، أو قيح يسيل من جلودهم، أو دموع تسيل من أعينهم، أو عين تسيل في جهنم لها حُمَةُ كُلِّ ذي حُمَةٍ من حية أو عقرب، أو المنتن مأثور. أو السواد والظلمة ضد ما يراد من صفاء الشراب ورقته وهو بلغة الترك أو عربي من الغسق وهو الظلمة، أو من غسقت القرحة إذا خرجت [164 / ب] /.(3/88)
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)
58 - {وأُخَرُ من} شكل العذاب أنواع، أو من شكل عذاب الدنيا في الآخرة لم تر في الدنيا " ح "، أو الزمهرير {أزواجٌ} أنواع، أو ألوان أو مجموعة.(3/88)
هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59)
59 - 60 {فوجٌ} يدخلونها قوم بعد قوم فالفوج الأول بنو إبليس والثاني بنو آدم " ح "، أو كلاهما بنو آدم الأول الرؤساء والثاني الأتباع أو الأول قادة المشركين ومطعموهم ببدر والثاني أتباعهم ببدر يقول الله - تعالى - للفوجِ الأول عن دخول الفوج الثاني {هَذَا فوجٌ مقتحمٌ مَّعَكُمْ) {فيقولون} (لا مَرْحَباً بِهِمْ} فيقول الفوج الثاني بل أنتم {لا مَرْحَباً بِكُمْ} أو قالت الملائكة لبني(3/88)
إبليس {هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ} إشارة إلى بني آدم لما أدخلوا عليهم فقال بنو إبليس لا مرحباً بهم فقال بنو آدم بل أنتم لا مرحباً بكم {قَدَّمْتُمُوهُ} شرعتموه وجعلتم لنا إليه قدماً، أو قدمتم لنا هذا العذاب بإضلالنا عن الهدى، أو قدمتم لنا الكفر، الموجب لعذاب النار {فَبِئْسَ الْقَرَارُ} بئس الدار النار. {مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا} من سنه وشرعه، أو من زينه {مَرْحَباً} المرحب والرحب السعة ومنه الرحبة لسعتها معناه لا اتسعت لكم أماكنكم.(3/89)
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)
62 - {مَا لَنَا لا نَرَى} يقوله أبو جهل وأتباعه {رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم} عماراً وصهيباً وبلالاً وابن مسعود.(3/89)
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)
63 - {سِخْرِيّاً} من الهزؤ وبالضم من التسخير {زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ} يعني أهم معنا في النار أم زاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم ولا نعلم مكانهم وإن كانوا معنا في النار وقال الحسن - رضي الله تعالى عنه -: كلا قد فعلوا اتخذوهم سخراً وزاغت عنهم أبصارهم حقرية لهم.
{قُلْ إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار (65) رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار (66) قل هو نبؤا عظيم (67) أنتم عنه معرضون (68) ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون (69) إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذيرٌ مبينٌ (70) }(3/89)
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67)
67 - {هو نبأ} القيامة لأن الله - تعالى - أنبأ بها في كتابه، أو القرآن لأنه أنبأنا به فعرفناه، أو أنبأ به عن الأولين {عَظِيمٌ} زواجره وأوامره أو عظيم قدره كثير نفعه.(3/89)
مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)
69 - {بِالْمَلإِ الأَعْلَى} الملائكة {يَخْتَصِمُونَ} قولهم {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30] " ع "، أو قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] سألني ربي فقال يا محمد " فيم يختصم الملأ الأعلى قلت في الكفارات والدرجات قال وما الكفارات قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات والتعقيب في المساجد انتظار الصلوات قال وما الدرجات قلت إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام ".
{إِذْ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين (71) فإذا سويته ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين (72) فسجدَ الملائكةُ كلهم أجمعون (73) إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين (74) قال ياإبليس ما منعكَ أن تسجدَ لما خلقتُ بيدي استكبرتَ أم كنتَ من العالينَ (758) قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ (76) قال فاخرج منها فإنك رجيم (77) وإن عليكَ لعنتي إلى يومِ الدين (78) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون (79) قال فإنك من المنظرين (80) إلى يومِ الوقتِ المعلومِ (81) قال فبعزتكَ لأُغوينهمْ أجمعينَ (82) إلا عبادكَ منهم المخلصينَ (83) قالَ فالحقُّ والحقَّ أقولُ (84) لأملأنَّ جهنمَ منكَ وممن تبعكَ منهم أجمعين (85) }(3/90)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)
75 - {بيدي} بقوتي، أو قدرتي، أم توليت خلقه بنفسي، أو خلقته(3/90)
بيدي صفة ليس بجارحة {أَسْتَكْبَرْتَ} عن الطاعة أم تعاليت عن السجود.(3/91)
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
84 - {فالحق} أنا وأقول الحقَّ، أو الحقُّ والحقُّ قولي، أو أقول حقاً حقاً لأملأن جهنم " ح ".
{قُلْ ما أسئلكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلفين (86) إن هوَ إلا ذكرٌ للعالمين (87) ولتعلمنَّ نبأهُ بعدَ حين (88) }(3/91)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)
86 - {ما أسألكم} على طاعة الله، أو على القرآن أجراً {الْمُتَكَلِّفِينَ} للقرآن من تلقاء نفسي، أو لأن آمركم بما لم أُومر به، أو ما أنا بمكلفكم الأجر(3/91)
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
88 - {نَبَأَهُ} نبأ القرآن أنه حق، أو محمد [صلى الله عليه وسلم] أنه رسول، أو الوعيد أنه صدق {بَعْدَ حِينٍ} بعد الموت، أو يوم بدر، أو القيامة.(3/91)
سُورة الزمر
مكية، أو إلا آيتين مدنية (الله نزل [165 / أ] / أحسن الحديث) : [23] .
و {قل يا عبادي الذين أسرفوا} " ع "، أو إلا سبع آيات {قل يا عبادي الذين أسرفوا} : [53] إلى آخر السبع.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{تنزيل الكتابِ من الله العزيزِ الحكيم (1) إنا أنزلنا إليكَ الكتابَ بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين (2) ألا للهِ الدينُ الخالِصُ والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكمُ بينهمْ في ما همْ فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذبٌ كفارٌ (3) }(3/92)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
1 - {الْعَزِيزِ) في ملكه {الْحَكِيمِ} في أمره، أو العزيز في نقمته الحكيم في عدله.(3/92)
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)
2 - {مُخلِصاً} للتوحيد، أو للنية لوجهه {الدِّينُ} الطاعة، أو العبادة.(3/92)
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
3 - {الدِّينُ الْخَالِصُ} شهادة أن لا إله إلا الله، أو الإسلام " ح "، أو ما لا رياء فيه من الطاعات. {مَا نَعْبُدُهُمْ} قالته قريش في أوثانها وقاله من عبد الملائكة وعُزيراً وعيسى {زُلفى} منزلة، أو قرباً، أو الشفاعة ها هنا.(3/92)
{خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكورُ النهارَ على الليل وسخرَ الشمس والقمرَ كل يجري لأجلٍ مسمىً ألا هو العزيزُ الغفار (5) خلقكم من نفسٍ واحدةٍ ثم جعلَ منها زوجهَا وأنزلَ لكم من الأنعامِ ثمانيةَ أزواجٍ يخلفكم في بطونِ أمهاتكم خلقاً من بعد خلقٍ في ظلماتٍ ثلاثٍ ذلكم اللهُ ربكمْ لهُ الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون (6) }(3/93)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
5 - {يكور الليل} يحمل كل واحد منهما على الآخر " ع "، أو يغشي الليل على النهار فيذهب ضوءه ويغشي النهار على الليل فيذهب ظلمته، أو يرد نقصان كل واحد منهما في زيادة الآخر.(3/93)
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
6 - {نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} آدم {زَوْجَهَا} حواء خلقها من ضلع آدم السفلي، أو خلقها من مثل ما خلقه منه {وَأَنزَلَ لَكُم} جعل " ح " أو أنزلها بعد أن خلقها في الجنة {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} المذكورة في سورة الأنعام {خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ} نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم لحماً، أو خلقاً في بطون أمهات بعد خلق في ظهر آبائكم قاله ابن زيد {ظُلُمَاتٍ ثلاثٍ} ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة " ع "، أو ظلمة صلب الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم.
{إن تكفروا فإن الله غنيٌ عنكم ولا يرضى لعباده الكفرَ وإن تشكروا يرضه لكمْ ولا تزرَ وازرةٌ وزرَ أخرى ثم إلى ربكم مرجعكمْ فينبئكم بما كنتمْ تعلمون إنه عليم(3/93)
بذات الصدور (7) وإذا مس الإنسانَ ضرٌ دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوله نعمةً منه نسيَ ما كان يدعوا من قبل وجعلَ للهِ أنداداً ليضلَّ عنه سبيلهِ قل تمتع بكفركَ قليلاً إنك من أصحاب النار (8) }(3/94)
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)
8 - {مُنِيباً} مخلصاً له، أو مستغيثاً به، أو مقبلاً عليه {نِعْمَةً مِّنْهُ} تَرَكَ الدعاء، أو عافيةً نسي الضر، والتخويل العطية من هبة، أو منحة.
{أَمَّنْ هوَ قانتٌ ءاناءَ الليلِ ساجداً وقائماً يحذرُ الآخرةَ ويرجوا رحمةَ ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكرُ أولوا الألباب (9) }(3/94)
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
9 - {قانتٌ} مطيع، أو خاشع في الصلاة، أو قائم فيها، أو داعٍ لربه {آناء الليل} جوف الليل " ع "، أو ساعاته " ح "، أو ما بين المغرب والعشاء. {رحْمَةَ رَبِّهِ} نعيم الجنة. نزلت في الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو في أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - " ع "، أو عثمان بن عفان، أو عمار وصهيب وأبي ذر وابن مسعود، أو مرسلة فيمن هذا حاله {أَمَّنَ} فجوابه كمن ليس كذلك، أو كمن جعل لله أنداداً. ومن جعل له نداء فمعناه: يا من هو قانت {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعلمون} الذين يعلمون هذا فيعلمون له والذين لا يعملونه ولا يعلمون به، أو الذين يعلمون أنهم ملاقو ربهم والذين لا يعلمون المشركون الذين جعلوا لله أنداداً، أو الذين يعلمون نحن والذين لا يعلمون هم المرتابون في هذه الدنيا.
{قل ياعبادِ الذين ءامنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرضُ اللهِ(3/94)
واسعةٌ إنما يوفى الصابرونَ أجرهم بغير حسابٍ (10) قل إني أمرتُ أن أعبدَ الله مخلصاً له الدين (11) وأمرت لأن أكون أول المسلمين (12) }(3/95)
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
10 - {حسنةٌ} في الآخرة وهي الجنة، أو في الدنيا زيادة على ثواب الآخرة وهو ما رزقهم مَنّ خير الدنيا أو العافية والصحة أو طاعة الله في الدنيا وجنته في الآخرة " ح "، أو الظفر والغنيمة. {وَأَرْضُ اللَّهِ} أرض الجنة، أو أرض الهجرة {بِغَيْرِ حِسَابٍ} بغير مَنٍّ ولا تباعة أو لا يحسب عليهم ثواب عملهم فقط ولكن يزادون على ذلك، أو يعطونه جزافاً غير مقدر أو واسعاً بغير ضيق [165 / ب] / قال علي - رضي الله تعالى عنه - كل أجر يكال كيلاً ويوزن وزناً إلا أجر الصابرين فإنه يحثى لهم حثواً.
{قُلْ إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يومٍ عظيم (13) قل الله أعبد مخلصاً له دين (14) فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يومَ القيامة ألا ذلك هو الخسرانُ المبين (15) لهم من فوقهم ظللٌ من النار ومن تحتهم ظللٌ ذلك يخوف الله به عباده ياعباد فاتقون (16) }(3/95)
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)
15 - {خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ} بهلاك النار وخسروا أهليهم بأن لا يجدوا في النار أهلاً وقد كان لهم في الدنيا أهل، أو خسروا أنفسهم بما حرموا من الجنة وأهليهم: الحور العين الذين أعدوا لهم في الجنة " ح ".
{والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد (17) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب (18) أفمن}(3/95)
{حَقَّ عليه كلمةُ العذابِ أفأنتَ تنقذُ من في النار (19) لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرفٌ من فوقها غرفٌ مبينةٌ تجري من تحتها الأنهار وعدَ اللهِ لا يخلفُ الله الميعاد (20) }(3/96)
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)
17 - {الطَّاغُوتَ} الشيطان، أو الأوثان أعجمي كهاروت وماروت أو عربي من الطغيان {وَأَنَابُواْ إِلَى اللَّهِ} أقبلوا عليه أو استقاموا إليه. {الْبُشْرَى} الجنة، أو بشارة الملائكة للمؤمنين.(3/96)
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)
18 - {القول} كتاب الله، أو لم يأتهم كتاب الله ولكنهم استمعوا أقوال الأمم. قاله ابن زيد {أَحْسَنَهُ} طاعة الله، أو لا إله إلا الله، أو أحسن ما أُمِروا به، أو إذا سمعوا قول المشركين وقول المسلمين اتبعوا أحسنه وهو الإسلام، أو يسمع حديث الرجل فيحدث بأحسنه ويمسك عن سواه فلا يحدث به " ع " قال ابن زيد نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر وسلمان اجتنبوا الطاغوت في الجاهلية واتبعوا أحسن ما صار من القول إليهم.
{أَلَمْ تر أن الله أنزلَ من السماءِ ماءً فسلكهُ قي ينابيعَ في الأرضِ ثم يخرجُ به زرعاً مختلفاً ألوانهُ ثم يهيجُ فتراه مصفراً ثم يجعله حطاماً إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب (21) أفمن شرحَ الله صدرهُ للإسلام فهو على نورٍ من ربه فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلالٍ مبين (22) }(3/96)
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)
22 - {شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ} وسعه للإسلام حتى ثبت فيه أو شرحه بفرحه وطمأنينته إليه {نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} هدى، أو كتاب الله يأخذ به وينتهي إليه نزلت في(3/96)
الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو في عمر، أو في عمار بن ياسر تقديره: أفمن شرح الله صدره كمن طبع على قلبه {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم} القاسية قلوبهم قيل: أبو جهل وأتباعه من قريش.
{اللهُ نزل أحسنَ الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشونَ ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد (23) }(3/97)
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
23 - {مُّتَشَابِهًا} في نوره وصدقه وعدله، أو متشابه الآي والحروف {مَّثَانِىَ} لأنه ثنى فيه القضاء، أو قصص الأنبياء، أو ذكر الجنة والنار، أو الآية بعد الآية والسورة بعد السورة، أو تثنى تلاوته فلا يُمل لحسنه، أو يفسر بعضه بعضاً ويرد بعضه على بعض " ع " أو المثاني اسم لأواخر الآي والقرآن أسم جميعه والسورة اسم كل قطعة منه والآية اسم كل فصل من السورة {تَقْشَعِرُّ} من وعيده وتلين من وعده، أو تقشعر من الخوف وتلين من الرجاء " ع "، أو تقشعر من إعظامه وتلين القلوب عند تلاوته.
{أَفَمَن يتقي بوجهه سوءَ العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون (24) كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون (25) فأذاقهم الله الخزيَ في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون (26) }(3/97)
أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)
24 - {يَتَّقِى بِوجْهِهِ} تبدأ النار بوجهه إذا دخلها، أو يسحب على وجهه(3/97)
إليها.(3/98)
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25)
25 - {مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} فجأة، أو من مأمنهم.
{وَلَقَدْ ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون (27) قرءاناً عربياً غير ذي عوجٍ لعلهم يتقون (28) ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجلٍ هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون (29) إنك ميت وإنهم ميتون (30) ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون (31) }(3/98)
قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
28 - {عِوَجٍ} لبس، أو اختلاف، أو شك.(3/98)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)
29 - {مُتَشَاكِسُونَ} متنازعون، أو مختلفون، أو متعاسرون، أو متضايقون. رجل شكس أي ضيق الصدر، أو متظالمون؛ شكسني مالي أي ظلمني {سالماً} مُخلِصاً مثل لمن عبد آلهة ومن عبد إلاهاً واحداً لأن العبد المشترك لا يقدر على توفية حقوق سادته من الخدمة والذي سيده واحد يقدر على القيام بخدمته.(3/98)
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)
30 - {إِنَّكَ مَيِّتٌ} ستموت، الميِّت بالتشديد الذي سيموت وبالتخفيف من قد مات. ذكرهم الموت تحذيراً من الآخرة، أو حثاً على الأعمال، أو لئلا يختلفوا في موته كاختلاف الأمم في غيره [166 / أ] / وقد احتج بها أبو بكر على عمرة.(3/98)
رضي الله تعالى عنهما - لما أنكر موته، أو ليعلمه الله - تعالى - أنه سوّى فيه بين خلقه. وكل هذه احتمالات يجوز أن يراد كلها، أو بعضها.(3/99)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
31 - {تَخْتَصِمُونَ} فيما كان بينهم في الدنيا، أو المداينة أو الإيمان والكفر، أو يخاصم الصادق الكاذب والمظلوم الظالم والمهتدي الضال والضعيف المستكبر " ع " قال الصحابة. لما نزلت ما خصومتنا بيننا فلما قتل عثمان - رضي الله تعالى عنه - قالوا: هذه خصومتنا بيننا.
{فَمَنْ أظلم ممن كذبَ على اللهِ وكذبَ بالصدقِ إذ جاءهُ أليسَ في جهنم مثوى للكافرين (32) والذي جاء بالصدق وصدقَ به أولئك هم المتقون (33) لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاءُ المحسنين (34) ليكفرَ الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون (35) }(3/99)
وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
33 - {وَالَّذِى جَآءَ بِالصِّدْقِ} محمد، أو الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام، أو جبريل عليه السلام، أو المؤمنون جاءوا بالصدق يوم القيامة، والصدق لا إله إلا الله " ع " أو القرآن {وصدق به} الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو مؤمنو هذه الأمة، أو أتباع الأنبياء كلهم، أو أبو بكر، أو علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهما - والذي ها هنا يراد به الجمع وإن كان مفرد اللفظ.(3/99)
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
35 - {أَسْوَأَ الَّذِى عَمِلُواْ} قبل الإيمان والتوبة، أو الصغائر لأنهم قد اتقوا الكبائر.(3/99)
{أَلَيْسَ الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد (36) ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي التقام (37) ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرءيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكاتُ رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون (38) قل ياقوم اعملوا على مكانتكم إني عاملٌ فسوف تعلمون (39) من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحل عليه عذابٌ مقيمٌ (40) }(3/100)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)
36 - {بكاف عبده} محمداً [صلى الله عليه وسلم] كفاه الله - تعالى - المشركين {بِكَافٍ عباده} الأنبياء {بالذين من دونه} خوفوه بأوثانهم يقولون تفعل بك كذا وتفعل، أو خوفوه من أنفسهم بالتهديد والوعيد.(3/100)
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39)
39 - {مَكَانَتِكُمْ} ناحيتكم، أو تمكنكم، أو شرككم {عَامِلٌ} على ما أنا عليه من الهدى.
{إِنَّآ أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل (41) الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسكُ التي قضى عليها الموتَ ويرسلُ الأخرى إلى أجلٍ مسمى إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون (42) }(3/100)
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
42 - {يَتَوَفَّى الأَنفُسَ} يقبض أرواحها من أجسادها ويقبض نفس النائم عن التصرف مع بقاء الروح في الجسد {فَيُمْسِكُ} أرواح الموتى أن تعود إلى أجسادها ويرسل نفس النائم فيطلقها باليقظة للتصرف إلى أجل موتها، أو لكل جسد نفس وروح فيقبض بالنوم النفوس دون الأرواح حتى تتقلب بها وتتنفس ويقبض بالموت الأرواح والنفوس فيمسك نفوس الموتى فلا يردها إلى أجسادها ويرد نفوس النيام إلى أجسادها حتى تجتمع مع روحها إلى أجل موتها " ع "، أو يقبض أرواح النيام بالنوم والأموات بالموت فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت فلا يعديها ويرسل الأخرى فيعديها قاله علي - رضي الله عنه - فما رأته النفس وهي في السماء قبل إرسالها فهي الرؤيا الصادقة وما رأته بعد الإرسال وقبل الاستقرار في الجسد يلقها الشياطين ويخيل لها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة.
{أَمِ اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون (43) قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون (44) وإذا ذكر اللهُ وحدهُ اشمأزتْ قلوبُ الذين لا يؤمنون بالآخرةِ وإذا ذكرَ الذين من دونهِ إذا هم يستبشرون (45) }(3/101)
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
45 - {اشمأزت} انقبضت، أو نفرت، أو استكبرت.
{قُلِ اللهم فاطرَ السموات والأرض عالم الغيبِ والشهادة أنتَ تحكمُ بين عبادكَ في ما كانوا فيه يختلفون (46) ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوءِ العذابِ يومَ القيامةِ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون (47) وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون (48) }(3/101)
قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)
46 - {فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من الهدى والضلال.(3/101)
{فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إلى خولناه نعمةً منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنةٌ ولكن أكثرهم لا يعلمون (49) قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون (50) فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئاتُ ما كسبوا وما هم بمعجزين (51) أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقومٍ يؤمنون (52) }(3/102)
فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)
49 - {فَإِذَا مّسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ} نزلت في أبي حذيفة بن المغيرة {عَلَى عِلْمٍ} عندي: على خبر عندي، أو بعلمي، أو علمت أن سوف أصيبه [166 / ب] / أو علم يرضاه عني، أو بعلم علمنيه الله إياه " ح " {بَلْ هِىَ} النعمة، أو مقالته: أوتيته على علم {فِتْنَةٌ} بلاء، أو اختبار {لا يعلمون} البلاء من النعماء.
{قُلْ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم (53) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذابُ ثم لا تنصرون (54) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكمُ العذابُ بغتةً وأنتم لا تشعرون (55) أن تقول نفسٌ يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين (56) أو تقول لو أن الله هداني لكنتُ من المتقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرةً فأكونَ(3/102)
من المحسنين (58) بلى قد جاءتك ءاياتي فكذبت بها واستكبرت وكنتَ من الكافرين (59) }(3/103)
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
53 - {أَسْرَفُواْ} بالشرك {تَقْنَطُواْ) {تيأسوا} (يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} بالتوبة منها " ح "، أو بالعفو عنها إلا الشرك، أو يغفر الصغائر باجتناب الكبائر نزلت والتي بعدها في وحشي قاتل حمزة قال علي: ما في القرآن آية أوسع منها. قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " ما أحب أن لي الدنيا وما عليها بهذه الآية ".(3/103)
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)
55 - {أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ} تأدية الفرائض، أو طاعة الله - تعالى - في الحلال والحرام، أو الناسخ دون المنسوخ، أو الأخذ بما أمروا به والكف عما نهوا عنه أو ما أمرهم به في كتابه.(3/103)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
56 - {جَنْبِ اللَّهِ} مجانبة أمره، أو في طاعته، أو في ذكره وهو القرآن، أو في قرب الله من الجنة، أو في الجانب المؤدي إلى رضا الله. والجنب والجانب سواء، أو في طلب القرب من الله {والصاحب بالجنب} [النساء: 36] أي بالقرب {السَّاخِرِينَ} المستهزئين بالقرآن، أو بالنبي والمؤمنين " ع ".(3/103)
{وَيَوْمَ القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههمْ مسودةٌ أليس في جهنم مثوى للمتكبرين (60) وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون (61) }(3/104)
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)
61 - {بِمَفَازَتِهِمْ} بنجاتهم من النار، أو بما فازوا به من الطاعة، أو بما ظفروا به من الإرادة {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما فاتهم من لذات الدنيا أو لا يخافون سوء العذاب.
{اللهُ خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل (62) له مقاليد السموات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون (63) قل أفغير الله تأمروني أعبدُ أيها الجاهلون (64) ولقد أوحي إليكَ وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين (65) بل الله فاعبد وكن من الشاكرين (66) وما قدروا الله حق قدره والأرضُ جميعاً قبضتهُ يوم القيامة والسموات مطوياتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون (67) }(3/104)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
67 - {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ} ما عظموه حق عظمته إذ عبدوا الأوثان دونه، أو دعوك إلى عبادة غيره، أو ما وصفوه حق صفته {قبضته} أي هي في مقدوره كالذي يقبض القابض عليه في قبضته {بِيَمِينِهِ} بقوته لأن اليمين القوة، أو في ملكه لقوله {أو ما ملكت أيمانكم} [النساء: 3] .(3/104)
{وَنُفِخُ في الصور فصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون (68) وأشرقت الأرض بنور ربها ووضعَ الكتابُ وجائ بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون (69) ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون (70) }(3/105)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
68 - {فَصَعِقَ} الصعقة: الغشية، أو الموت عند الجمهور {إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ} جبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل ثم يقبض ملك الموت أرواحهم بعد ذلك مأثور، أو الشهداء، أو هو الله الواحد القهار. والعجب من الحسن يقول هذا مع أن المشيئة لا تتعلق بالقديم {قِيَامٌ} على أرجلهم {يَنظُرُونَ} إلى البعث الذي أُعيدوا به.(3/105)
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)
69 - {وَأَشْرَقَتِ} أضاءت {بِنُورِ رَبِّهَا} بعدله، أو بنور قدرته، أو نورٌ خلَقه لإشراق أرضه، أو اليوم الذي يقضي فيه بين الخلق لأنه نهار لا ليل معه {الْكِتَابُ} الحساب، أو كتاب الأعمال {وَالشُّهَدَآءِ} الملائكة الذين يشهدون على أعمال العباد، أو الذين استشهدوا في طاعة [الله] . {بالحق}(3/105)
بالعدل {لا يُظْلَمُونَ} بنقص الحسنات، أو الزيادة في السيئات.
{وَسِيقَ
{وَسِيقَ الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسلٌ منكم يتلون عليكم ءاياتِ ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمةُ العذابِ على الكافرين (71) قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين (72) }(3/106)
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)
71 - {زُمَراً} أفواجاً، أو أمماً، أو جماعات، أو جماعات متفرقة بعضها إثر بعض، أو دفعاً وزجراً لصوت كصوت المزمار ومنه قولهم مزامير داود.
{وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلامٌ عليكم طبتم فادخلوها خالدين (73) وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العالمين (74) }(3/106)
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
73 - 74 - {طِبْتُمْ} بالطاعة، أو بالعمل الصالح، أو على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان يشربون من إحداهما فتطهر أجوافهم ويشربون من الأخرى فتطيب أبشارهم فحينئذ يقول {خَزَنَتُهَا سَلامٌ عليكم طبتم فادخلوها خالدين} [167 / أ] / فإذا دخلوها قالوا {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ} بالجنة ثواباً على الإيمان، أو بظهور دينه على الأديان وبالجزاء في الآخرة على الإيمان. {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ} أرض الدنيا، أو أرض الجنة عند الأكثرين سماها ميراثاً لأنها صارت(3/106)
إليهم في آخر الأمر كالميراث، أو لأنهم ورثوها عن أهل النار {نَتَبَوَّأُ} ننزل {حَيْثُ نشاء} من قرار أو علو، أو من منازل، أو مَنَازِه.
{وتَرَى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين (75) }(3/107)
وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
75 - {حَآفِّينَ} محدقين {يُسَبِّحُونَ} تلذذاً {بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} بمعرفة ربهم " ح "، أو يذكرون بأمر ربهم {وَقَضِىَ} بين بعضهم لبعض، أو بين الرسل والأمم {بِالْحَقِّ} بالعدل {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ} يحمده الملائكة على عدله وقضائه أو يحمده المؤمنون.(3/107)
سورة المؤمن
سُورَةُ غَافِرٍ
مكية، أو إلا آيتين {الذين يجادلون في آيات الله} [الآية: 35] والتي بعدها.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{حم (1) تنزيلُ الكتاب من الله العزيز العليم (2) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير (3) }(3/108)
حم (1)
1 - {حم} اسم للقرآن، أو لله أقسم به، أو حروف مقطعة من أسمه {الرَّحْمَنِ} و {الر} و {حم} و {ن} هي الرحمن قاله ابن جبير، أو هو محمد [صلى الله عليه وسلم] أو فواتح السور.(3/108)
غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
3 - {غَافِرِ الذَّنبِ} لمن استغفره، أو ساتِره على من شاء، أو هو موصوف بمغفرته {وَقَابِلِ التَّوْبِ} بإسقاط الذنب بها مع الإثابة عليها {ذِي الطَّوْلِ} النعم " ع "، أو القدرة، أو الغنى والسعة، أو الجزاء والمن، أو الفضل، والمن: عفو عن ذنب، والفضل: إحسان غير مستحق وأُخذ الطَّول من الطول كأنه طال بإنعامه على غيره، أو لأنه طالت مدة إنعامه.
{مَا يجادل في ءاياتِ الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد (4) كذبت(3/108)
قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمةٍ برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب (5) وكذلك حقت كلمتُ ربكَ على الذين كفروا أنهم أصحابُ النار (6) }(3/109)
مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)
4 - {يُجادِل} يماري، أو يجحد ولا تكون المجادلة إلا بين مبطلين أو مبطل ومحق والمناظرة بين المحقين، أو المجادلة فتل الخصم عن مذهبه حقاً كان أو باطلاً والمناظرة التوصل إلى الحق في أي جهة كان. نزلت في الحارث بن قيس أحد المستهزئين {تَقَلُّبُهُمْ} في السعة والنعمة أو تقلبهم في الدنيا بغير عذاب والتقلب الإقبال والإدبار وتقلب الأسفار نزلت لما قال المسلمون نحن في جَهْد والكفار في سَعة.(3/109)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)
5 - {لِيَأخُذُوهُ} ليقتلوه، أو ليحبسوه ويعذبوه والأسير أخيذ لأنه يؤسر للقتل وأخذهم له عند دعائه لهم، أو عند نزول العذاب بهم {وجَادَلوا} بالشرك ليبطلوا به الإيمان {فأخَذْتُهم} فعاقبتهم {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} سؤال عن صدق العقاب، أو عن صفته. قال قتادة: شديد والله.(3/109)
وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)
6 - {وَكَذَلِكَ} أي كما حقت كلمة العذاب على أولئك حقت على هؤلاء {حَقَّت} وجب عذاب ربك، أو صدق وعده أنهم أصحاب النار جعلهم لها أصحاباً لملازمتهم لها.
{الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين ءامنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم (7) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من ءابائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم (8) وقهم السيئات(3/109)
ومن تقِ السئيات يومئذٍ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم (9) }(3/110)
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)
7 - {رَّحْمَةً} نعمة عليه {وَعِلْماً} به، أو وسعت رحمتك وعلمك كل شيء كقولهم: طبت نفساً {تَابُواْ} من الشرك {سَبِيلَكَ} الإسلام لأنه طريق الجنة {وقهم عذاب الجحيم} [167 / ب] / بتوفيقهم لطاعتك.
{إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون (2) قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل (11) ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير (12) هو الذي يريكم ءاياته وينزل لكم من السماء رزقاً وما يتذكرُ إلا من ينيب (13) فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (14) }(3/110)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)
10 - {يُنَادّوْن} في القيام "، أو في النار {لمقتُ اللَّهِ} لكم إذا دعيتم إلى الإيمان فكفرتم {أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ} أنفسكم لما عاينتم العذاب وعلمتم أنكم من أهل النار " ح "، أو مقته إياكم إذا عصيتموه أكبر من مقت بعضكم لبعض حين علمتم أنهم أضلوكم واللام في " لمقت " لام اليمين تدخل على الحكاية، أو ما ضارعها، أو لام ابتداء قاله البصريون.(3/110)
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)
11 - {أَمتَّنا اثْنَتَيْنِ} إحداهما خلقهم أمواتاً في الأصلاب والأخرى موتهم في الدنيا وحياة في الدنيا والثانية بالبعث أو أحياهم يوم الذر لأخذ الميثاق ثم أماتهم ثم أخرجهم أحياء ثم أماتهم بآجالهم ثم أحياهم للبعث فيكون حياتان وموتتان في الدنيا وحياة في الآخرة، أو أحياهم في الدنيا ثم أماتهم فيها ثم(3/110)
أحياهم في القبور ثم أماتهم ثم أحياهم بالبعث {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا} فاعترفوا بحياتين بعد موتتين وكانوا ينكرون البعث بعد الموت {مِّن سَبِيلٍ} هل من طريق نرجع فيها إلى الدنيا فنقر بالبعث، أو هل عمل نخرج به من النار ونتخلص به من العذاب " ح ".(3/111)
ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)
12 - {كَفَرْتُمْ} بتوحيده. {تُؤْمِنُواْ} بالأوثان، أو تصدقوا من أشرك به {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ} في جزاء الكافر وعقاب العاصي {الْعَلِىِّ} شأنه ولا يوصف بأنه رفيع لأنها لا تستعمل إلا في ارتفاع المكان والعلي منقول من علو المكان إلى علو الشأن.
{رَفِيعُ الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق (15) يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (16) اليوم تجزى كل نفسٍ بما كسبتْ لا ظلمَ اليومَ إن الله سريعُ الحساب (17) }(3/111)
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)
15 - {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} رفيع السموات السبع، أو رافع درجات أوليائه، أو عظيم الصفات {الرُّوحَ} الوحي، أو النبوة أو القرآن " ع "، أو الرحمة، أو أرواح عباده لا ينزل ملك [إلا] ومعه منها روح أو جبريل - عليه السلام - يرسله بأمره {لِيُنذِرَ} الله - تعالى - أو الأنبياء -[صلى الله عليه وسلم]- {يَوْمَ التَّلاقِ} القيامة يلتقي فيه الخالق والخلق، أو أهل السماء وأهل الأرض، أو الأولون والآخرون " ع ".(3/111)
يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)
16 - {بَارِزُونَ} من قبورهم {لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ} من أعمالهم شيء أو أبرزهم جميعاً لأنه لا يخفى عليه شيء من خلقه {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} يقوله الله - تعالى - بين النفختين إذا لم يبق سواه فيجيب نفسه فيقول {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} لأنه بقي وحده وقهر خلقه، أو يقوله الله في القيامة والخلائق سكوت فيجيب نفسه، أو تجيبه الخلائق كلهم مؤمنهم وكافرهم فيقولون: لله الواحد القهار. قاله ابن جريج.
{وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع (18) يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (19) والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير (20) }(3/112)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)
18 - {يَوْمَ الأَزِفَةِ} حضور المنية، أو القيامة لدنوها {إِذِ الْقُلُوبُ} النفوس بلغت الحناجر عند حضور المنية، " أو القلوب تخاف في القيامة " فتبلغ الحناجر خوفاً فلا هي تخرج ولا تعود إلى أماكنها. {كَاظِمِينَ} مغمومين، أو باكين، أو ساكتين والكاظم الساكت على امتلائه غيظاً، أو ممسكين بحناجرهم من كظم القربة وهو شد رأسها {حَمِيمٍ} قريب، أو شفيق {يُطَاعُ} يجاب إلى الشفاعة سمى الإجابة طاعة لموافقتها إرادة المجاب.(3/112)
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
19 - {خائنة الأعين} الرمز بالعين، أو النظرة [168 / أ] / بعد النظرة أو مسارقة النظر " ع " أو النظر إلى ما نُهي عنه، أو قوله رأيت وما رأى، أو ما رأيت وقد رأى سماها خائنة لخفائها كالخيانة، أو لأن استراق نظر المحظور خيانة. {وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ} الوسوسة، أو ما تضمره إذا قدرت عليها تزني بها أم لا(3/112)
" ع " أو ما يُسرُّه من أمانة وخيانة وعبر عن القلوب بالصدور لأنها مواضعها.
{أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وءاثاراً في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق (21) ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديدُ العقاب (22) }(3/113)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)
21 - {قوة} بطشا، أو قدرة {وآثارا فِى الأَرْضِ} بخرابها وعمارتها. أو مشيتهم فيها بأرجلهم، أو بعد الغاية في الطلب، أو طول الأعمار، أو آثارهم في المدائن والأبنية.
{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين (23) إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب (24) فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين ءامنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال (25) وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدلَ دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد (26) وقال موسى إني عذتُ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب (27) }(3/113)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)
26 - {ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى} أشيروا عَلَيَّ بقتله لأنهم كانوا أشاروا أن لا(3/113)
يقتله لو قتله لمنعوه، أو ذروني أتولى قتله لأنهم قالوا هو ساحر إن قتلته هلكت لأنه لو أمر بقتله خالفوه، أو كان في قومه مؤمنون يمنعونه من قتله فسألهم أن يمكنوه من قتله {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} وليسأله فإنه لا يجاب، أو يستعينه فإنه لا يعان {دِينَكُمْ} " عبادتكم "، أو أمركم الذي أنتم عليه {الْفَسَادَ} عنده هو الهدى، أو العمل بطاعة الله، أو محاربته لفرعون بمن آمن معه، أو أن يقتلوا أبناءكم ويستحيون نساءكم إن ظهروا عليكم كما كنتم تفعلون بهم.
{وقال رجل مؤمن من ءال فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب (28) ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد (29) }(3/114)
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
28 - {من آل فِرْعَوْنَ} ابن عم فرعون، أو من جنسه من القبط ولم يكن من أهله كان ملكاً على نصف الناس وكان له الملك بعد فرعون بمنزلة ولي العهد وهو الذي قال لموسى {إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [القصص:(3/114)
20 -] ولم يؤمن من آل فرعون غيره وغير امرأة فرعون وكان مؤمناً قبل مجيء موسى، أو آمن بمجيء موسى وصدق به {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} رفقاً بقومه ثم أظهره بعد ذلك فقال في حال كتمانه {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً} لأجل قوله {رَبِّىَ اللَّهُ} {بِالْبَيِّنَاتِ} الحلال والحرام، أو العصا واليد. والطوفان والسنين ونقص من الثمرات وغيرها من الآيات {وَإِن يَكُ كَاذِباً} قاله تلطفاً ولم يقله شكاً {بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ} لأنه وعدهم النجاة إن آمنوا والهلاك إن كفروا فإذا كفروا أصابهم أحد الأمرين وهو بعض الذي وعدهم، أو وعدهم على الكفر بهلاك الدنيا وعذاب الآخرة فهلاكهم في الدنيا بعض الذي وعدهم، أو بعض الذي يعدهم هو أول العذاب لأنه يأتيهم حالاً فحالاً فحذرهم بأوله الذي شكوا فيه وما بعد الأول فهم على يقين منه، أو البعض يستعمل في موضع الكل توسعاً. قال:
(قد يُدرِك المتأنِّي بعضَ حاجتهِ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...)(3/115)
يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)
29 - {ظَاهِرِينَ} غالبين في أرض مصر قاهرين لأهلها يذكرهم المؤمن بنعم الله عليهم {بَأْسِ اللَّهِ} عذابه قال ذلك تحذيراً منه وتخويفاً فعلم فرعون ظهور حجته فقال {مَآ أُرِيكُمْ} ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي و {سبيل الرشاد} عنده التكذيب بموسى.
{وقال الذي ءامن ياقوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب (30) مثل دأب قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلماً للعباد (31) وياقوم إني أخاف عليكم يوم التناد (32) يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد) }(3/115)
{ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً كذلك يضل الله من هو مسرفٌ مرتاب (34) الذين يجادلون في ءاياتِ الله بغير سلطانٍ أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين ءامنوا كذلك يطبعُ الله على كل قلبِ متكبرٍ جبار (35) }(3/116)
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)
32 - {يَوْمَ التَّنَادِ} يوم القيامة ينادي بعضهم بعضاً يا حسرتا ويا ويليتا ويا ثبوراه، أو ينادي [168 / ب] / {أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار أَن قَدْ وَجَدْنَا} [الآية الأعراف: 44] . ويناديهم أصحاب النار {أَفِيضُواْ عَلَيْنَا} الآية [الأعراف: 50] . والتنادِّ بالتشديد الفرار وفي حديث " أن للناس جولة يوم القيامة يندون يظنون أنهم يجدون مفراً ثم تلا هذه الآية ".(3/116)
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)
33 - {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} في انطلاقهم إلى النار، أو في فرارهم منها حين يقذفوا فيها {عاصم} ناصر، أو مانع وأصل العصمة المنع. قاله موسى، أو مؤمن آل فرعون.(3/116)
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)
34 - {يُوسُفُ} بن يعقوب أُرسل إلى القبط بعد موت الملك(3/116)
{بِالْبَيِّنَاتِ} وهي الرؤيا، أو بعث الله إليهم رسولاً من الجن يقال له يوسف.
{وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغُ الأسباب (36) أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيدُ فرعونَ إلا في تباب (37) }(3/117)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36)
36 - {صَرْحاً} مجلساً " ح "، أو قصراً، أو بناء بالآجر، أو الآجر معناه أوقد لي على الطين حتى يصير آجراً.(3/117)
أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)
37 - {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} طرقها، أو أبوابها، أو ما بينها {فَأَطَّلِعَ} قال ذلك بغلبة الجهل والغباوة عليه، أو تمويها على قومه مع علمه باستحالته " ح " {فِى تَبَابٍ} خسران " ع " أو ضلال في الآخرة لمصيره إلى النار أو في الدنيا لما أطلعه الله عليه من إهلاكه.
{وقال الذي ءامن يا قوم اتبعونِ أهدكم سبيل الرشاد (38) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار (39) من عملَ سيئةً فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب (40) ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار (41) تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علمٌ وأنا أدعوكم(3/117)
إلى العزيز الغفار (42) لا جرمَ أنما تدعونني إليه ليس له دعوةٌ في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحابُ النار (43) فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصيرٌ بالعباد (44) فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاقَ بآل فرعون سوء العذاب (45} النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويومَ تقومُ الساعةُ أدخلوا ءال فرعون أشدَ العذاب (46) }(3/118)
لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)
43 - {لا جَرَمَ} لا بد، أو لقد حق واستحق، أو لا يكون إلا جواباً كقول القائل: فعلوا كذا فيقول المجيب لا جرم أنهم سيندمون {ما تدعونني إليه} من عبادة غير الله {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة، أو لا ينفع ولا يضر فيهما، أو لا يشفع فيهما {مَرَدَّنَآ} رجوعنا إلى الله بعد الموت ليجزينا بأعمالنا {الْمُسْرِفِينَ} المشركون، أو سافكو الدماء بغير حق.(3/118)
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)
44 - {فَسَتَذْكُرُونَ} في الآخرة، أو عند نزول العذاب {وَأُفَوِّضُ} أسلم، أو أتوكل على الله، أو أشهده عليكم {بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} بمصيرهم، أو بأعمالهم قاله موسى، أو المؤمن فأظهر به إيمانه.(3/118)
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)
45 - {فَوَقَاهُ اللَّهُ} بإنجائه مع موسى وغرق فرعون، أو خرج هارباً من فرعون إلى جبل يصلي فيه فأرسل فرعون في طلبه فوجدوه يصلي فذبت السباع والوحوش عنه فرجعوا فأخبروا به فرعون فقتلهم. {وَحَاقَ بِآلِ فِرعَوْنَ} الفرق، أو قتله للذين أخبروه عن المؤمن، أو عبّر عن فرعون بآل فرعون.(3/118)
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
46 - {يُعْرَضُونَ} يعرض عليهم مقاعدهم غدوة وعشية ويقال يا آل فرعون هذه منازلكم، أو أرواحهم في أجواف طير سود تغدوا على جهنم وتروح، أو يعذبون بالنار في قبورهم غدوة وعشية وهذا خاص بهم {تَقُومُ السَّاعَةُ} قيامها وجود صفتها على استقامة قامت السوق إذا حضر أهلها على استقامة في وقت العادة {أَشَدَ الْعَذَابِ} لأن عذاب جهنم مختلف قال الفَرَّاء فيه(3/118)
تقديم وتأخير تقديره: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها.
{وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار (47) قال الذينَ استكبروا إنا كلٌ فيها إن الله قد حكم بين العباد (48) وقال الذين في النار لخزنةِ جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب (49) قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال (50) إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد (51) يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار (52) ولقد ءاتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب (53) هدى وذكرى لأولي الألباب (54) فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار (55) إن الذين يجادلون في ءاياتِ اللهِ بغير سلطانٍ أتاهم إن في صدورهم إلا كبرٌ ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير (56) }(3/119)
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)
51 - {لننصر رسلنا والذين آمنوا} بإفلاج حججهم، أو بالانتقام لهم فما قتل قوم نبياً أو قوماً من دعاة الحق إلا بُعث من ينتقم لهم فصاروا منصورين في الدنيا وإن قتلوا {وَيَوْمَ يَقُومُ} بنصرهم في القيامة بإعلاء كلمتهم وإجزال(3/119)
ثوابهم، أو بالانتقام من أعدائهم {الأَشْهَادُ} الأنبياء [169 / أ] / شهدوا على الأنبياء بالإبلاغ وعلى أممهم بالتكذيب، أو الأنبياء والملائكة أو الملائكة والنبيون والمؤمنون جمع شهيد كشريف وأشراف، أو جمع شاهد كصاحب وأصحاب.(3/120)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)
55 - {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} ما وعد الرسول [صلى الله عليه وسلم] والمؤمنين بعطائه، أو أن يعذب كفار مكة {وَاسْتَغْفِرْ} من ذنب إن كان منك {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} صلِّ بأمر ربك {بِالْعَشِىِّ وَالإِبْكَارِ} صلاة العصر والغداة، أو العشي ميل الشمس إلى أن تغيب والإبكار أول الفجر، أو هي صلاة مكة قبل فرض الصلوات الخمس ركعتان غدوة وركعتان عشية " ح ".(3/120)
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)
56 - {سُلْطَانٍ} حجة {كِبْرٌ} العظمة التي في كفار قريش ما هم ببالغيها، أو ما يستكبر من الاعتقاد وهو تأميل قريش أن يهلك الرسول [صلى الله عليه وسلم] ومن معه، أو قول اليهود الدجَّال منا وتعظيمه واعتقادهم أنهم سيملكون وينتقمون منا {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} من كفرهم {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لأقوالهم {البصير} بضمائرهم.
{لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون (57) وما يستوي الأعمى والبصير والذين ءامنوا وعملوا الصالحات ولا المسيءُ قليلاُ ما تتذكرون (58) إن الساعة لاتيةٌ لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (59) }(3/120)
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)
57 - {لَخَلْقُ الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ} من خلق الدجَّال لما عظمت اليهود شأنه، أو أكبر من إعادة خلق الناس، أو أكبر من أفعال الناس حين أذل الكفار بالقوة وتواعدوهم بالقهر.
{وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (60) }(3/121)
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)
60 - {أدْعُونِى أَسْتَجِبْ} وحدوني بالربوبية أغفر لكم ذنوبكم " ع " أو اعبدوني أثبكم على العبادة، أو سلوني أعطكم وإجابة الدعاء مقيدة بشروط المصلحة والحكمة.
{الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن الله لذو فضلٍ على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون (61) ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون (62) كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون (63) الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً وصوركم فأحسنَ صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين (64) هو الحيُّ لا إلهَ إلا هو فادعوه مخلصين له الدين(3/121)
الحمد لله رب العالمين (65) }(3/122)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)
61 - {لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} عن عمل النهار، أو لتكفوا عن طلب الرزق أو لتحاسبوا فيه أنفسكم على ما عملتموه بالنهار {مُبْصِراً} لقدرة الله في خلقه، أو لطلب الأرزاق.(3/122)
كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63)
63 - {يُؤْفَكُ} يصرف، أو يكذب بالتوحيد، أو يعدل عن الحق، أو يقلب عن الدين.
{قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين (66) هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمىً ولعلكم تعقلون (67) هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون (68) ألم تر إلى الذين يجادلون في ءايات الله أنى يصرفون (69) الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون (70) إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون (71) في الحميم ثم في النار يسجرون} ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون (73) من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئاً كذلك يضل الله الكافرين (74) ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون (75) ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين (76) }(3/122)
ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75)
75 - {تفرحون} الفرح: السرور والمرح: البطر، سروا بالإمهال وبطروا بالنعم، أو الفرح: السرور والمرح: العدوان.(3/122)
{فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذين نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون (77) ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضيَ بالحق وخسرَ هنالك المبطلون (78) الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون (79) ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون (80) ويريكم ءاياته فأي ءاياتِ الله تنكرون (81) أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وءاثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون (82) فلما جاءتهم رسلهم بالبيناتِ فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون (83) فلما رأوا بأسنا قالوا ءامنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين (84) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون (85) }(3/123)
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)
83 - {بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ} قالوا نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب، أو كان عندهم أنه علم وهو جهل، أو فرحت الرسل بما عندها من العلم بنجاتها وهلاك أعدائها، أو رضوا بعلمهم واستهزءوا برسلهم. {وَحَاقَ بهم} أحاط وعاد عليهم.(3/123)
سورة السجدة
مكية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{حم (1) تنزيلٌ من الرحمن الرحيم (2) كتابٌ فصلتْ ءاياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون (3) بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون (4) وقالوا قلوبنا في أكنةٍ مما تدعونا إليه وفي ءاذننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجابٌ فاعمل إننا عاملون (5) }(3/124)
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)
3 - {فصلت آياته} فُسِّرت، أو فُصِّلت بالوعد والوعيد " ع " أو بالثواب والعقاب، أو ببيان الحلال والحرام والطاعة والمعصية أو بذكر محمد [صلى الله عليه وسلم] فحكم ما بينه وبين [من] خالفه {لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أنه إله واحد في التوراة والإنجيل، أو يعلمون أن القرآن نزل من عند الله أو يعلمون العربية فيعجزون عن مثله.(3/124)
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)
5 - {أَكِنَّةٍ} أغطية، أو أوعية كالجعبة للنبل، أو في غلف لا تسمع منك {وَقْرٌ} صمم والوقر لغة: ثقل السمع والصمم ذهاب جميعه {حِجَابٌ} ستر مانع من الإجابة، أو فرقة في الأديان، أو تمثيل بالحجاب ليؤيسوه من الإجابة، أو استغشى أبو جهل على رأسه ثوباً وقال يا محمد بيننا وبينك حجاب [169 - ب] / استهزاء منه {فَاعْمَلْ} لإلهك فإنا نعمل لآلهتنا، أو اعمل في هلاكنا فإنا نعمل في(3/124)
هلاكك، أو اعمل بما تعلم من دينك فإنا بما نعلم من ديننا.
(قُلْ إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويلٌ للمشركين (6) الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون (7) إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم أجرٌ غير ممنون (8) }(3/125)
الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)
7 - {لا يؤتون الزكاة} تركهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء، أو لا يزكون أعمالهم، أو لا يأتون ما يكونون به أزكياء " ح "، أو لا يؤمنون بالزكاة، أو ليس هم من أهل الزكاة.(3/125)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
8 - {مَمْنونٍ} محسوب، أو منقوص " ع "، أو مقطوع مننت الحبل: قطعته أو ممنون به عليهم.
{قُلْ إئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين (9) وجعل فيها رواسيَ من فوقها وبارك فيها وقدرَّ فيها أقواتها في أربعة أيام سواءً للسائلين (10) ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا آتينا طائعين (11) فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم (12) }(3/125)
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)
9 - {يَوْمَيْنِ} الأحد والاثنين " ع " {أَندَاداً} أشباهاً " ع "، أو شركاء أو أكفاء من الرجال تطيعونهم في معاصيه، أو قول الرجل لولا كلب فلان لأتاني اللص ولولا فلان لكان كذا " ع ".(3/125)
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)
10 - {وَبَارَكَ فِيهَا} أنبت شجرها بغير غرس وزرعها بغير بذر، أو أودعها منافع أهلها {أَقْوَاتَهَا} أرزاق أهلها " ح "، أو مصالحها من بحارها وأشجارها(3/125)
وجبالها وأنهارها ودوابها، أو المطر، أو قدر في كل بلدة منها ما ليس في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد آخر {فِى أَرْبَعَةِ أَيَامٍ} في تتمة أربعة أيام لقولك خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً أي في تتمة خمسة عشر يوماً وفي حديث مرفوع أنه خلق الأرض يوم الأحد والأثنين والجبال يوم الثلاثاء والشجر والماء والعمران يوم الأربعاء والسماء يوم الخميس والنجوم والشمس والقمر والملائكة وآدم يوم الجمعة وخلق ذلك شيئاً بعد شيء ليعتبر به من حضر من الملائكة، أو لتعتبر به العباد إذا أخبروا {لِّلسِّآئِلِينَ} عن مدة الأجل الذي خلق فيها الأرض، أو في أقواتهم وأرزاقهم.(3/126)
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
11 - {اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ} عمد إليها، أو استوى أمره إليها. {ائتنا طَوْعاً} قال لهما قبل خلقهما تكَوَّنا فتكوَّنتا كقوله لكل شيء كن، أو أمرهما بعد خلقهما عند الجمهور بأن يعطيا الطاعة في السير المقدر لهما، أو أمرهما بالطاعة والمعرفة، أو ائتيا بما فيكما، أو كونا كما أردت من شدة ولين وَحَزن وسله ومنيع وممكن {طوعا} اختياراً، {أَوْ كَرْهاً} إجباراً، كلمهما الله - تعالى - بذلك، أو ظهر من قدرته ما قام مقام الكلام في بلوغ المراد {أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} أعطينا الطاعة، أو أتينا بما فينا فأتت السماء بما فيها من الشمس والقمر والنجوم وأتت الأرض بالأشجار والأنهار والثمار " ع " تكلمتا بذلك، أو قام ظهور طاعتها مقام قولهما.(3/126)
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
12 - {فَقَضَاهُنَّ} خلقهن {فِى يَوْمَيْنِ} قبل الخميس والجمعة، أو خلق السموات قبل الأرضين في يوم الأحد والأثنين والأرضين يوم الثلاثاء والجبال(3/126)
يوم الأربعاء وما عداهما من العالم في الخميس والجمعة، أو خلق السماء دخانها قبل الأرض ثم فتقها سبع سماوات بعد الأرض {وَأَوْحَى فِى كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا} أسكن فيها ملائكتها، أو خلق في كل سماء خلقها وخلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها وأوحى إلى ملائكة كل سماء ما أمرهم به من العبادة {بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً} أي جعلناها زينة وحفظاً.
{فَإِنْ أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود (13) إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون (14) فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون (15) فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيامٍ نحساتٍ لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون (16) وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون (17) ونجينا الذين ءامنوا وكانوا يتقون (18) }(3/127)
إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)
14 - {مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} رسل من بين أيديهم ورسل من بعدهم " ع "، أو ما بين أيديهم عذاب الدنيا وما خلفهم [170 / أ] / عذاب الآخرة.(3/127)
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)
16 - {صَرْصَراً} شديدة البرد، أو شديدة السموم، أو شديدة الصوت من الصرير قيل إنها الدبور. {نحسات} مشئومات وكن في آخر شهر من الشتاء من الأربعاء إلى الأربعاء قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: ما عذب قوم لوط(3/127)
إلا في يوم الأربعاء، أو باردات، أو متتابعات، أو ذات غبار.(3/128)
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)
17 - {فَهَدَيْنَاهُمْ} دعوناهم، أو بينا لهم سبيل الخير والشر، أو أعلمناهم الهدى من الضلالة. {فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَىَ} اختاروا الجهل على البيان أو الكفر على الإيمان، أو المعصية على الطاعة {صَاعِقَةُ الْعَذَابِ} النار أو صيحة من السماء، أو " الموت لكل شيء مات "، أو كل عذاب صاعقة لأن من سمعها يصعق لهولها {الْهُونِ} الهوان، أو العطش.
{وَيَوْمَ يُحشر أعداءُ الله إلى النار فهم يوزعون (19) حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون (20) وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون (21) وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون (22) وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين (23) فإن يصبروا فالنار مثوىً لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين (24) }(3/128)
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)
19 - {يُوزَعُونَ} يدفعون " ع "، أو يساقون، أو يمنعون من التفرق، أو يحبس أولهم على آخرهم وزعته كففته.(3/128)
وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)
21 - {لِجُلُودِهِمْ} حقيقة، أو لفروجهم، أو أيديهم وأرجلهم " ع " قيل: أول ما يتكلم الفخذ الأيسر والكف الأيمن.(3/128)
وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)
22 - {تَسْتَتِرُونَ} تتقون، أو تظنون، أو تسخفون منها. {ولكن ظننتم}(3/128)
نزلت في ثلاثة نفر تماروا فقالوا ترى الله يسمع سرنا.(3/129)
فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
24 - {يستعتبوا} يطلبوا الرضا فما هم بمرضي عنهم والمعتب الذي قُبل إعتابه وأُجيب إلى سؤاله، أو أن يستغيثوا فما هم من المغاثين. أو أن يستقيلوا، أو أن يعتذروا فما هم من المعذورين، أو أن يجزعوا فما هم من الآمنين قال ثعلب: يقال عتب إذا غضب وأعتب إذا رضي.
{وَقَيَّضْنا لَهُمْ قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين (25) وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآنِ والغوا فيه لعلكم تغلبون (26) فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون (27) ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاءً بما كانوا بآياتنا يجحدون (28) وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين (29) }(3/129)
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
25 - {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ} هيأنا لهم شياطين، أو خلينا بينهم وبين الشياطين أو أغرينا الشياطين بهم {مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أمر الدنيا وما خلفهم من أمر الآخرة، أو ما بين أيديهم من أمر الآخرة فقالوا لا حساب ولا نار ولا بعث وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم اللذات، أو ما بين أيديهم فعل الفساد في زمانهم وما خلفهم هو ما كان قبلهم، أو ما بين أيديهم ما فعلوه وما خلفهم ما عزموا أن يفعلوه.(3/129)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)
26 - {لا تسمعوا لهذا القرآن} لا تتعرضوا لسماعه ولا تقبلوه ولا تطيعوه من قولهم السمع والطاعة {وَالْغَوْاْ فِيهِ} قعوا فيه وعيبوه " ع " أو اجحدوا وانكروه، أو عادوه وعاندوه، أو الغوا فيه بالمكاء والتصفير والتخليط في المنطق حتى يصير لغواً.(3/130)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
29 - {أرنا} أعطنا، أو أبصرنا {اللذين أضلانا من الجن} إبليس {ومن الإنس} قابيل، أو دعاة الضلال من الجن والإنس {مِنَ الأَسْفَلِينَ} في النار قالوه حنقاً عليهما، أو عداوة لهما.
{إِنَّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون (30) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون (31) نزلاً من غفورٌ رحيم (32) }(3/130)
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
30 - {رَبُّنَا اللَّهُ} وَحَّدُوا " ع " {اسْتَقَامُواْ} على التوحيد أو على لزوم الطاعة وأداء الفرائض " ع "، أو على إخلاص الدين والعمل إلى الموت، أو استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم، أو استقاموا سراً كما استقاموا جهراً {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةُ} عند الموت، أو عند الخروج من قبورهم {لا تخافوا} أمامكم {ولا تحزنوا} على ما [170 / ب] / خلفكم، أو لا تخافوا الموت ولا تحزنوا على أولادكم {وأبشروا} يبشرون عن الموت ثم في القبر ثم في البعث.(3/130)
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)
31 - {أَوْلِيَآؤُكُمْ} نحفظ أعمالكم في الدنيا ونتولاكم في الآخرة أو نحفظكم في الحياة ولا نفارقكم في الآخرة حتى تدخلوا الجنة {مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ} من النعم، أو الخلود لأنهم كانوا يشتهون في الدنيا البقاء.(3/130)
{تَدَّعُونَ} تمنون أو ما تدعي أنه لك فهو لك بحكم ربك " ع ".(3/131)
نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
32 - {نُزُلاً} ثواباً، أو مناً، أو منزلة، أو عطاء مأخوذ من نُزُل الضيف ووظائف الجند.
{وَمَنْ أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين (33) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميمٌ (34) وما يُلقاها إلا الذين صبروا وما يُلقاها إلا ذو حظٍ عظيمٍ (35) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم (36) }(3/131)
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
33 - {ممن دعا إلى الله} الرسول [صلى الله عليه وسلم] دعا إلى الإسلام " ح " أو المؤذنون دعوا إلى الصلاة {وَعَمِلَ صَالِحاً} أداء الفرائض، أو صلاة ركعتين بين الآذان والإقامة كان بلال إذا قام للآذان قالت اليهود: قام غراب لا قام فإذا ركعوا في الصلاة قالوا: جثوا لا جثوا فنزلت هذه الآية في بلال والمصلين.(3/131)
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
34 - {الحسنةُ} المداراة {والسيئةُ} الغلظة، أو الحسنة الصبر والسيئة النفور، أو الإيمان والكفر " ع "، أو العفو والانتصار، أو الحلم والفحش، أو حب آل بيت الرسول [صلى الله عليه وسلم] وبغضهم قاله علي - رضي الله تعالى عنه - {بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} ادفع بحلمك جهل الجاهل عليك " ع " أو ادفع بالسلام إساءة المسيء {وَلِىٌّ} صديق {حَمِيمٌ} قريب نزلت في أبي جهل كان يؤذي(3/131)
الرسول [صلى الله عليه وسلم] فأُمر بالصبر عليه والصفح عنه.(3/132)
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)
35 - {وَمَا يُلَقَّاهَآ} ما يلقى دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على الحلم، أو ما يلقى الجنة إلا الذين صبروا على الطاعة {حَظٍّ عَظِيمٍ} جد عظيم، أو نصيب وافر " ع "، أو الحظ العظيم الجنة " ح ".(3/132)
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
36 - {نَزْغٌ} غضب، أو الوسوسة وحديث النفس، أو البغض، أو الفتنة، أو الهمزات " ع " {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} اعتصم {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لاستعاذتك {الْعَلِيمُ} بأذيتك.
{وَمِنْ ءاياته الليلُ والنهارُ والشمسُ والقمرُ لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون (37) فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليلِ والنهارِ وهم لا يسئمون (38) ومن ءاياته أنك ترى الأرض خاشعةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير (39) }(3/132)
وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
37 - {خَلَقَهُنَّ} خلق هذه الآيات والسجود عند قوله {تعبدون} " ح "، أو {لا يسأمون} " ع ".(3/132)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
39 - {خَاشِعَةً} غبراء يابسة، أو ميتة يابسة {اهْتَزَّتْ} بالحركة للنبات {وَرَبَتْ} بالارتفاع قبل أن تنبت، أو اهتزت بالنبات {وربت} بكثرة الريع.(3/132)
{إِنَّ الذين يُلحدون في ءاياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خيرٌ أم من يأتي ءامناً يومَ القيامة اعلموا ما شئتم إنه بما تعملون بصير (40) إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيزٌ (41) لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد (42) ما يقال لك إلا ما قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقابٍ أليمٍ (43) }(3/133)
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)
40 - {يُلْحِدُونَ} يكذبون بآياتنا، أو يميلون عن أدلتنا، أو يكفرون بنا، أو يعاندون رسلنا، أو المكاء والصفير عند تلاوة القرآن {لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ} تهديد ووعيد {أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ} أبو جهل والآمن: عمار، أو عمر، أو أبو جهل وأصحابه والآمن الرسول [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه، أو عامة في الكافرين والمؤمنين {اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ} تهديد.(3/133)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)
41 - {بِالذِّكْرِ} القرآن اتفاقاً جوابه هالكون، أو معذبون {عَزِيزٌ} على الشيطان أن يبدله، أو على الناس أن يقولوا مثله.(3/133)
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
42 - {الْبَاطِلُ} إبليس، أو الشيطان، أو التبديل، أو التكذيب {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} من أول التنزيل ولا من آخره " ح "، أو لا يقع الباطل فيه في الدنيا ولا في الآخرة، أو لا يأتيه في إنبائه عما تقدم ولا في إخباره عما تأخر {حَكِيمٍ} في فعله {حميد} إلى خلقه [171 / أ] /.(3/133)
مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)
43 - {مَّا يُقَالُ لَكَ} من أنك ساحر، أو شاعر، أو مجنون، أو ما تخبر إلا بما يخبر به الأنبياء قبلك {إِنَّ رَبَّكَ لذو مغفرة} الآية.(3/133)
ولو جعلناه قرءاناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت ءاياته ءاعجمي وعربي قل هو للذين ءامنوا هدىً وشفاء والذين لا يؤمنون في ءاذانهم وقرٌ وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد (44) ولقد ءاتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمةٌ سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب (45) }(3/134)
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)
44 - {أَعْجَمِيّاً} غير مبين وإن كان عربياً، أو بلسان أعجمي {فصلت آياته} بالفصيح على الوجه الأول وبالعربية على الثاني {ءاعجمي} كيف يكون القرآن أعجمياً ومحمد [صلى الله عليه وسلم] عربي، أو ونحن قوم عرب {عَمىً) {حيرة} (مكانٍ بعيدٍ} من قلوبهم، أو من السماء، أو ينادون بأبشع أسمائهم.
{من عملَ صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلامٍ للعبيد (46) إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركاءى قالوا ءاذناك ما منا من شهيد) 47) وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص (48) }(3/134)
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)
48 - {وَظَنُّواْ مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ} علموا ما لهم من معدل، أو تيقنوا أن ليس لهم ملجأ من العذاب وقد يعبّر عن اليقين بالظن فيما طريقه الخبر دون العيان لأن الخبر محتمل والعيان غير محتمل.
{لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوسٌ قنوط (49) ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي(3/134)
إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ (50) وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض (51) }(3/135)
لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)
49 - {دُعَاء الْخَيْرِ} الصحة والمال والإنسان هنا الكافر و {الشَّرُّ} الفقر والمرض.(3/135)
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50)
50 - {هَذَا لِى} باجتهادي، أو استحقاقي. قيل نزلت في المنذر بن الحارث.(3/135)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)
51 - {عريضٍ} تام بإخلاص الرغبة، أو كثير لدوام المواصلة واستعمل العرض لأن العريض يجمع عرضاً وطولاً فكان أعم قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - الكافر يعرف ربه في البلاء ولا يعرفه في الرخاء.
{قل أرءيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاقٍ بعيدٍ (52) سنريهم في ءاياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيدٌ (53) ألا إنهم في مرية من لقاءِ ربهم ألا إنه بكل شيء محيط (54) }(3/135)
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)
53 - {فِى الأَفَاقِ} فتح أقطار الأرض {وَفِى أَنفُسِهِمْ} فتح مكة، أو في(3/135)
الآفاق ما أخبروا به من حوادث الأمم وفي أنفسهم ما أنذروا به من الوعيد، أو في الآفاق آيات السماء وفي أنفسهم حوادث الأرض أو في الآفاق إمساك القطر عن الأرض كلها وفي أنفسهم البلاء الذي يكون في أجسادهم، أو في الآفاق انشقاق القمر وفي أنفسهم خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم كيف إدخال الطعام والشراب من موضع واحد وإخراجه من موضعين. {أَنَّهُ الْحَقُّ} القرآن، أو الذي جاء به الرسول [صلى الله عليه وسلم] .(3/136)
أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
54 - {مِرْيَةٍ} شك من البعث {مُّحِيطٌ} بعلمه، أو قدرته.(3/136)
سورة حم عسق
سُورَةُ الشُّورَى
مكية أو إلا أربع آيات مدنية {قل لا أسألكم عليه أجرا} [23] إلى آخرها.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{حم (1) عسق (2) كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيزُ الحكيمُ (3) له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيمُ (4) تكادُ السموات يتفطرن من فوقهن والملائكة يُسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم (5) والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظٌ عليهم وما أنت عليهم بوكيل (6) }
1 -،(3/137)
حم (1) عسق (2)
2 - {حم عسق} اسم للقرآن، أو لله أقسم به " ع "، أو فواتح السور، أو اسم الجبل المحيط بالدنيا، أو حروف مقطعة من أسماء الله - تعالى - الحاء والميم من الرحمن والعين من عليم والسين من قدوس والقاف من قاهر أو حروف مقطعة من حوادث آتية الحاء من حرب والميم من تحويل ملك والعين من عدو مقهور والسين من استئصال سنين كسني يوسف، والقاف من قدرة الله في ملوك الأرض قاله عطاء، أو نزلت في رجل يقال له عبد الإله كان بمدينة على نهر بالمشرق خسف الله - تعالى - به الأرض فقوله حم يعني عزيمة من الله عين عدلاً منه سين سيكون ق واقعاً بهم قاله حذيفة بن اليمان.(3/137)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)
5 - {يَتَفَطَّرْنَ} يتشققن من عظمة الله - تعالى -، أو من علم الله أو ممن فوقهن " ع "، أو لنزول العذاب منهن {يُسَبِّحُونَ} تعجباً من تعرض الخلق لسخط الله - تعالى -، أو خضوعاً [171 / ب] / لما يرون من عظمته " ع " {بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} بأمره، أو بشكره {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الأَرْضِ} من المؤمنين لما رأت ما أصاب هاروت وماروت سبحت بحمد ربها واستغفرت لبني آدم من الذنوب والخطايا، أو بطلب الرزق لهم والسعة عليهم وهم جميع الملائكة أو حملة العرش.
{وكذلك أوحينا إليك قرءاناً عربياً لتنذر أم القرىَ ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير (7) ولو شاءَ اللهُ لجعلهم أمةً واحدةً ولكن يُدخِلُ من يشاءُ في رحمته والظالمون ما لهم من وليٍ ولا نصيرٍ (8) }(3/138)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)
8 - {أُمَّةً وَاحِدَةً} أهل دين واحد إما ضلال، أو هدى. {فِى رَحْمَتِهِ} الإسلام {مِّن وَلِىٍّ} ينفع {ولا نصير} يدفع.
{أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيءٍ قديرٌ (9) وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى اللهِ ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب (10) فاطرُ السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير (11) له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم (12) }(3/138)
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
11 - {ويذرؤكم} يخلقكم، أو يكثر نسلكم، أو يعيشكم، أو يرزقكم أو يبسطكم، أو نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ} ليس كمثل(3/138)
الرجل والمرأة شيء. قاله ابن عباس - رضي الله عنهما - والضحاك أو ليس كمثل الله شيء بزيادة الكاف للتوكيد، أو بزيادة مثل للتوكيد.(3/139)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
12 - {مقاليد السماوات والأرض} خزائنهما، أو مفاتيحهما " ع " بالفارسية، أو العربية، مفاتيح السماء المطر والأرض النبات، أو مفاتيح الخير والشر، أو مقاليد السماء الغيوب والأرض الآفات، أو مقاليد السماء حدوث المشيئة ومقاليد الأرض ظهور القدرة، أو قول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو الأول والآخر والظاهر والباطن يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير مأثور يبسط ويقدر: يوسع ويضيق، أو يسهل ويعسر {إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ} من البسط والتقتير {عَلِيمٌ} .
{شَرَعَ لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب (13) وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ولولا كلمةٌ سبقت من ربك إلى أجلٍ مسمىٌ لقضيَ بينهم وإن الذين أورثوا الكتابَ من بعدهمْ لفي شكٍ منه مُرِيبٍ (14) }(3/139)
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)
13 - {شَرَعَ} سَنَّ، أو بيّن أو اختار، أو أوجب {مِّنَ الدِّينِ} من زائدة {مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} من تحريم البنات والأمهات والأخوات لأنه أول نبي أتى(3/139)
بذلك، أو من تحليل الحلال وتحريم الحرام {أَقِيمُواْ الدِّينَ} اعملوا به، أو ادعوا إليه {وَلا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} لا تتعادوا عليه وكونوا عليه إخواناً، أو لا تختلفوا فيه بل يصدق كل نبي من قبله {مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من التوحيد {يَجْتَبِى إِلَيْهِ} من يولد على الإسلام و {مَن يُنِيبُ} من أسلم عن الشرك، أو يستخلص لنفسه من يشاء ويهدي إليه من يقبل على طاعته.(3/140)
وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
14 - {وما تفرقوا} عن محمد [صلى الله عليه وسلم] أو في القول. {مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ} بأن الفرقة ضلال، أو العلم القرآن، أو بعد ما تَبَحَّرُوا في العلم. {بَغْياً} من بعضهم على بعض، أو اتباعاً للدنيا وطلباً لملكها {كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} رحمته للناس على ظلمهم، أو تأخيره العذاب عنهم إلى أجل مسمى {لِّقُضِىَ بَيْنَهُمْ} بتعجيل هلاكهم {أُورِثُواْ الْكِتَابَ} اليهود والنصارى، أو انبئوا بعد الأنبياء {لَفِى شَكٍّ} من العذاب والوعد أو الإخلاص، أو صدق الرسول [صلى الله عليه وسلم] .
{فلذلك فادع واستقم كما أُمرتَ ولا تتبع أهواءهم وقل ءامنتُ بما أنزل الله من كتابٍ وأمُرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير (15) }(3/140)
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)
15 - {فَلِذَلِكَ} فللقرآن، أو التوحيد. {فَادْعُ} فاعمل، أو فاستدع {وَاسْتَقِمْ} على القرآن، أو على أمر الله، أو على تبليغ الرسالة. {لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} في الأحكام، أو التبليغ {لا حُجَّةَ} لا خصومة منسوخة نزلت قبل السيف [172 / أ] / والجزية، أو معناه عدلتم بإظهار العداوة عن طلب الحجة، أو قد أعذرنا بإقامة الحجة عليكم فلا يحتاج إلى إقامة حجة عليكم. نزلت في الوليد وشيبة سألا الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يرجع إلى دين قريش على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته.(3/140)
{والذين يحاجون في الله من بعد ما استُجيب له حجتهم داحضةٌ عند ربهم وعليهم غضبٌ ولهم عذابٌ شديدٌ (16) الله الذي أنزل الكتابَ بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريبٌ (17) يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين ءامنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلالٍ بعيدٍ (18) }(3/141)
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
16 - {يُحَآجُّونَ فِى اللَّهِ} في توحيده، أو رسوله طمعاً أن يعود إلى الجاهلية بمحاجتهم، أو هم اليهود قالوا: كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن خير منكم {مَا أسْتُجِيبَ له} من بعدما أجابه الله إلى إظهار المعجزات على يديه، أو من بعدما أجاب الرسول إليه من المحاجة أو من بعدما استجاب المسلمون لربهم وآمنوا بكتابه.(3/141)
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
17 - {الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} بالمعجز الدال على صحته، أو بالصدق فيما أخبر به من ماضٍ ومستقبل {وَالْمِيزَانَ} العدل فيما أمر به ونهى عنه، أو جزاء الطاعة والمعصية، أو الميزان حقيقة نزل من السماء لئلا يتظالم الناس {قَرِيبٌ} ذُكِّر لأن الساعة بمعنى الوقت.
{الله لطيفٌ بعباده يرزقُ من يشاء وهو القوي العزيز (19) من كان يريد حرثَ الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب (20) أم لهم شركاؤا شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم (21) ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين ءامنوا وعملوا الصالحات في روضات الجناتِ لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير (22) }(3/141)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
20 - {حَرْثَ الدُّنْيَا} الآية يعطي الله على نية الآخرة من الدنيا ما شاء(3/141)
ولا يعطي على الدنيا إلا الدنيا، أو من عمل للآخرة أعطي بالحسنة عشر أمثالها ومن عمل للدنيا لم يزد على ما عمل لها {مِن نَّصِيبٍ} في الجنة شبه العامل بالزارع لاشتراكهما في طلب النفع.
{ذلك الذي يبشر الله عباده الذين ءامنوا وعملوا الصالحات قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القُربى ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسناً إن الله غفور شكور (23) أم يقولون افترى على الله كذباً فإن يشإ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحقَّ بكلماته إنه عليم بذات الصدور (24) }(3/142)
ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)
23 - {إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى} تودُّوني في نفسي لقرابتي منكم لأنه لم يكن بطن من قريش إلا بينه وبين الرسول [صلى الله عليه وسلم] قرابة " ع " أو إلا أن تودوا قرابتي، أو إلا أن تودوني فتؤازروني كما تودون ذوي قرابتكم، أو إلا أن تتوددوا إلى الله - تعالى - وتتقربوا إليه بالعمل الصالح " ح "، أو إلا أن تودوا قرابتكم وتصلوا أرحامكم {غَفُورٌ} للذنوب {شَكُورٌ} للحسنات، أو غفور: لذنوب [آل] الرسول [صلى الله عليه وسلم] شكور: لحسناتهم.(3/142)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)
24 - {يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} ينسيك ما أتاك من القرآن، أو يربط على قلبك فلا يصل إليك الأذى بقولهم {افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} ، أو لو حدثت نفسك بأن تفتري على الله كذباً لطبع على قلبك.
{وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون (25) ويستجيب الذين ءامنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد (26) ولو(3/142)
بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبيرٌ بصيرٌ (27) وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميدُ (28) }(3/143)
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)
28 - {الْغَيْثَ} المطر النافع في وقته والمطر قد يكون ضاراً أو نافعاً في وقته وغير وقته قيل لعمر - رضي الله عنه -: أجدبت الأرض وقنط الناس فقال: مطروا إذاً. والقنوط: اليأس. {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} بالمطر، أو بالغيث فيما يعم به ويخص {الْوَلِىُّ} المالك {الْحَمِيدُ} مستحق الحمد، أو الولي: المنعم الحميد: المستحمد.
{ومن ءاياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا شاء قدير (29) وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير (30) وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) 31) }(3/143)
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)
30 - {وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مصيبةٍ} الحدود لأجل المعاصي " ح "، أو البلوى في النفوس والأموال عقوبة على المعاصي للبالغين وثواباً للأطفال أو عامة للأطفال أيضاً في غيرهم من والد ووالدة قاله العلاء بن زيد. {عَن كثيرٍ} من العصاة فلا يعاجلهم بالعقوبة، أو عن كثير من المعاصي فلا حد فيها [172 / ب] /.
{ومن ءاياته الجوار في البحر كالأعلام (32) إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور (33) أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير (34) ويعلم الذين يجادلون في ءاياتنا ما لهم من محيص (35) }(3/143)
وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)
32 - {الجواري} السفن {كَالأَعْلامِ} كالجبال.(3/144)
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)
33 - {صَبَّارٍ} على البلوى {شَكُورٍ} على النعماء.(3/144)
أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)
34 - {يُوبِقْهُنَّ} يغرقهن {وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} من أهلهن فلا يغرقهم معها.(3/144)
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)
35 - {مَّحِيصٍ} مهرب، أو ملجأ فلان يحيص عن الحق أي يميل عنه.
{فما أوتيتم من شيء فمتاعُ الحياة الدنيا وما عند الله خيرٌ وأبقى للذينَ ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون (36) والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحشَ وإذا ما غضبوا هم يغفرون (37) والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم يُنفقون (38) والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون (39) }(3/144)
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)
38 - {الذين اسْتَجَابُواْ} الأنصار استجابوا بالإيمان لما أنفذ إليهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] أثني عشر نقيباً منهم قبل الهجرة {وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ} بالمحافظة على مواقيتها وبإتمامها بشروطها {وَأَمْرُهُمْ شُورَى} كانوا قبل قدوم الرسول [صلى الله عليه وسلم] يتشاورون فيما عزموا عليه، أو عبّر عن اتفاقهم بالمشاورة، أو تشاوروا لما جاءهم النقباء فاجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على نصرة الرسول [صلى الله عليه وسلم] والإيمان به، أو تشاورهم فيما يعرض لهم {ينفقون} بالزكاة.(3/144)
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
39 - {أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ} بغي المشركين عليهم في الدين انتصروا منهم بالسيف أو إذا بغى عليهم باغٍ كُرِه أن يُستذلوا لئلا يجترئ عليهم الفساق وإذا قدروا عفواً وإذا بغي عليهم تناصروا عليه وأزالوه.
{وجزؤا سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين (40) ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل (41) إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون(3/144)
في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذابٌ أليمٌ (42) ولمن صَبَرَ وغَفَرَ إن ذلك لمن عزم الأمور (43) }(3/145)
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
40 - {سيئةٌ مِّثْلُهَا} يريد به القصاص في الجراح المتماثلة، أو في الجراح وإذا قال أخزاه الله أو لعنه قابله بمثله ولا يقابل القذف بقذف ولا الكذب بالكذب {وأصْلَح} العمل، أو بينه وبين أخيه {فأجْرُه عَلَى اللَّهِ} ندب إلى العفو {الظَّالِمِينَ} بالابتداء، أو بالتعدي في الاستيفاء.(3/145)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
41 - {انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} استوفى حقه.(3/145)
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)
42 - {يَظْلِمُونَ النَّاسَ} بعدوانهم، أو بالشرك المخالف لدينهم {وَيَبْغُونَ} يعملون المعاصي، أو في النفوس والأموال، أو ما ترجوه قريش من أن يكون بمكة غير الإسلام ديناً؟(3/145)
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)
43 - {عَزْمِ الأُمور} العزائم التي أمر الله - تعالى - بها، أو عزائم الصواب التي وفق لها نزلت مع ثلاث آيات قبلها في أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - شتمه بعض الأنصار فرد عليه ثم سكت عنه.(3/145)
{ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مردٍ من سبيل (44) وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرفٍ خفي وقال الذين ءامنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذابٍ مقيمٍ (45) وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل (46) }(3/146)
وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)
45 - {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} المشركون يعرضون على جهنم عند انطلاقهم إليها قاله الأكثر، أو آل فرعون خاصة تحبس أرواحهم في أجواف طيور سود تغدوا على جهنم وتروح، أو المشركون يعرضون على العذاب في قبورهم وتعرض عليهم ذنوبهم في قبورهم {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىِّ} ببصائرهم لأنهم يحشرون عمياً، أو يسارقون النظر إلى النار حذراً، أو بطرف ذابل ذليل " ع ".
{استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يومٌ لا مردَّ له من الله ما لكم من ملجأٍ يومئذ وما لكم من نكير (47) فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور (48) }(3/146)
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)
47 - {مَّلْجَإٍ} منجى، أو محرز {نَكِيرٍ} ناصر، أو منكر بغير ما حل بكم(3/146)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)
48 - {رَحْمَةً} عافية، أو مطراً {سَيِّئَةٌ} قحط، أو مرض.
{لله ملكُ السمواتِ والأرضِ يخلُقُ ما يشاءُ يهبُ لمن يشاءُ إناثاُ ويهبُ لمن يشاءُ(3/146)
الذكور (49) أو يزوجهم ذكراناً وإناثاُ ويجعلُ من يشاءُ عقيماً إنه عليمٌ قديرٌ (50)(3/147)
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)
49 - {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً} محضة ولمن يشاء الذكور متمحضة ولشرف الذكور أدخل عليهم أداة التعريف.(3/147)
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
50 - {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ} بأن تلد غلاماً ثم جارية، أو تلدهما معاً والتزويج هنا الجمع زوجت الإبل جمعت بين صغارها وكبارها {عَقِيماً} عقم فرجه عن الولادة، والعقم: المنع، أو الآية خاصة بالأنبياء [173 / أ] / محض للوط البنات ولإبراهيم الذكور وزوجهم لإسماعيل وإسحاق وجعل يحيى وعيسى عقيمين.
{وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً أو من ورآئ حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم (51) وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمانَ ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم (52) صراطِ الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمورُ (53) }(3/147)
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)
51 - {إِلا وَحْياً} بالنفث في قلبه والإلهام، أو رؤيا المنام. {من وراء حِجَابٍ} كما كلم موسى {رَسُولاً} جبريل - عليه السلام - {فَيُوحِىَ} هذا الوحي خطاب من الرسل إلى الأنبياء يسمعونه نطقاً ويرونهم عياناً، أو نزل جبريل - عليه السلام - على كل نبي فلم يره منهم إلا محمد وإبراهيم وموسى وعيسى وزكريا - عليهم الصلاة والسلام - وأما غيرهم فكان وحياً وإلهاماً في المنام نزلت لما قال اليهود للرسول [صلى الله عليه وسلم] ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً صادقاً كما كلمه موسى ونظر إليه.(3/147)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
52 - {رُوحاً} رحمة، أو نبوة، أو قرآناً {مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ}(3/147)
لولا الرسالة ولا الإيمان لولا البلوغ {وَلا الإِيمَانُ} بالله وهذا يعرفه بعد البلوغ وقبل النبوة، أو الإسلام وهذا لا يعرفه إلا بعد النبوة {نُوراً} القرآن، أو الإيمان {صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} الإسلام، أو طريق مستقيم.(3/148)
صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
53 - {صراط الله} القرآن، أو الإسلام.(3/148)
سُورَةُ الزّخْرُفِ
مكية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{حم (1) والكتابِ المبين (2) إنا جعلناه قرءاناً عربياً لعلكم تعقلون (3) وإنه في أم الكتابِ لدينا لعلي حكيمٌ (4) أفنضرب عنكم الذكر صحفاً أن كنتم قوماً مسرفين (5) وكم أرسلنا من نبي في الأولين (6) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون (7) فأهلكنا أشد منهم بطشاً ومضى مثلُ الأولين (8) }(3/149)
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
2 - {المبين} للأحرف " الستة التي سقطت من ألسنة الأعاجم " أو للهدى والرشد والبركة، أو للأحكام والحلال والحرام، أقسم بالكتاب أو برب الكتاب.(3/149)
إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)
3 - {جَعَلْنَاهُ} أنزلناه، أو قلناه، أو بيّناه {عَرَبِيّاً} لأن كل نبي بعث بلسان قومه، أو لأن لسان أهل السماء عربي {تَعْقِلُونَ} تفهمون، أو تتفكرون.(3/149)
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
4 - {أُمِّ الْكِتَابِ} جملة الكتاب، أو أصله، أو الحكمة التي نبّه الله عليها جميع خلقه {الْكِتَابِ} اللوح المحفوظ، أو ذكر عند الله - تعالى - فيه ما(3/149)
سيكون من أعمال العباد يقابل به يوم القيامة ما ترفعه الحفظة من أعمالهم قاله ابن جريج {لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ} عليٌ عن أن ينال فيبدل {حَكِيمٌ} محفوظ من نقص، أو تغيير عند من رآه كتاب ما يكون من أعمال الخلق، أو عليٌّ: لنسخه ما تقدم من الكتب حكيم: محكم فلا ينسخ.(3/150)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)
5 - {أَفَنَضْرِبُ} أحسبتم أن يصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به " ع "، أو أنكم تكذبون بالقرآن فلا يعاقبكم فيه، أو أن نهملكم فلا نعرفكم ما يلزمكم، أو نقطع تذكيركم بالقرآن وإن كذبتم به {صَفْحاً} إعراضاً. صفحت عن فلان أعرضت عنه أصله أن توليه صفحت عنقك.
(صفوحٌ فما تلقاكَ إلاَّ بخيلَةً ... فمن ملَّ منها ذلك الوصل ملَّتِ)
أي تعرض بوجهها. {مُّسْرِفِينَ} في الرد، أو مشركين.(3/150)
فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)
8 - {مَثَلُ الأَوَّلِينَ} سنتهم، أو عقوبتهم، أو عبرتهم، أو خبرهم أنهم هلكوا بالتكذيب.
{ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم (9) الذي جعل لكم الأرض مهداً وجعل لكم فيها سبلاً لعلكم تهتدون (10) والذي نزل من السماء ماءً بقدرٍ فأنشرنا به بلدةً ميتاً كذلك تخرجون (11) والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون (12) لتستووا على ظهروه ثم تذكروا نعمةَ ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (13) وإنا إلى ربنا لمنقلبون (14) }(3/150)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)
10 - {مهاداً} فراشاً {سُبُلاً} طرقاً {تَهْتَدُونَ} في أسفاركم أو تعرفون نعمة الله تعالى عليكم.(3/151)
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
12 - {الأزواج} الأصناف كلها، أو الذكر والأنثى [173 / ب] / من الحيوان، أو الشتاء والصيف والليل والنهار والشمس والقمر والجنة والنار " ح " {وَالأَنْعَامِ} الإبل والبقر، أو الإبل وحدها.(3/151)
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
13 - {ظُهُورِهِ} أضاف الظهور إلى واحد لأن المراد الجنس {مُقْرِنِينَ} ضابطين، أو مماثلين في القوة فلان قِرْن فلان إذا كان مثله في القوة، أو مطيقين " ع " من أقرن إقراناً إذا أطاق أو من المقارنة وهو أن تقرن بعضها ببعض في السير.
{وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفورٌ مبين (15) أم اتخذ مما يخلقُ بناتٍ وأصفاكم بالبنين (16) وإذا بُشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم (17) أومن ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين (18) وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويُسئلون (19) وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون (20) }(3/151)
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)
15 - {جُزْءاً} عدلاً، أو نصيباً، أو من الملائكة ولداً، أو البنات،(3/151)
الجزء: النبات أجزأت المرأة إذا ولدت البنات.(3/152)
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)
17 - {كظيم} حزين، أو مكروب، أو ساكت.(3/152)
أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)
18 - {يُنَشَّؤُ} يُرَبَّى يريد به الجوارى " ع "، أو البنات، أو الأصنام {الْخِصَامِ} الحجة، أو الجدل {غَيْرُ مبين} قليل البلاغة، أو ضعيف الجنة أو ساكت عن الجواب قال [قتادة] ما حاجت امرأة قط إلا أوشكت أن تتكلم بغير حجتها.(3/152)
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)
19 - {عِبَادُ الرَّحْمَنِ} جمع عابد، أو أضافهم إليه تكريماً {إِنَاثاً} بنات الرحمن، أو ناقصون نقص الإناث {سَتُكتَب شَهَادَتُهُمْ ويُسئلون} عنها إذا بعثوا.
{أم ءاتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون (21) بل قالوا إنا وجدنا ءاباءنا على أمةٍ وإنا علىءاثارهم مهتدون (22) وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا ءاباءنا على أمةٍ وإنا علىءاثارهم مقتدون (23) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه ءاباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون (24) فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين (25) }(3/152)
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)
22 - {أُمَّةٍ} دين، أو ملة، أو قبلة، أو استقامة، أو طريقة.(3/152)
وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
23 - {مُّقْتَدُونَ} متبعون قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل وعتبة وشيبة.
{وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براءٌ مما تعبدون (26) إلا الذي فطرني فإنه سيهدين (27) وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون (28) بل متعت هؤلاء وءاباءهم حتى جاءهم الحق ورسولٌ مبين (29) ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وأنه به كافرون (30) وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم (31) أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذ بعضهم بعضاً سُخرياً ورحمتُ ربك خير مما يجمعون (32) ولولا أن يكون الناس أمةً واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سُقُفاً من فضةٍ ومعارجٍ عليها يظهرون (33) ولبيوتهم أبواباً وسُرراً عليها يتكئون (34) وزخرفاً وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرةُ عند ربك للمتقين (35) }(3/153)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)
26 - {بَرَآءٌ} مصدر لا يثنى ولا يجمع وصف به.(3/153)
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)
27 - {إِلا الَّذِى فَطَرَنِى} استثناء منقطع {سَيَهْدِينِ} قاله ثقة بالله وتعريفاً أن الهداية بيده.(3/153)
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)
28 - {كَلِمَةً بَاقِيَةً} لا إله إلا الله لم يزل في ذريته من يقولها أو أن لا يعبدوا الله، أو الإسلام {عَقِبِهِ} نسله " ع "، أو آل محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو من خلَفه {لَعَلَّهُمْ(3/153)
يَرْجِعُونَ} إلى الحق، أو إلى دينك دين إبراهيم، أو يتوبون " ع "، أو يذَّكرون.(3/154)
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)
31 - {الْقَرْيَتَيْنِ} مكة والطائف وعظيم مكة الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة وعظيم الطائف: حبيب بن عمرو [بن عمير الثقفي] " ع " أو ابن عبد ياليل، أو عروة بن مسعود، أو كنانة بن عبد [بن] عمرو.(3/154)
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)
32 - {رحمةَ ربكَ} النبوة فيضعونها حيث شاءوا {مَّعِيشَتَهُمْ} أرزاقهم. فتلقاه قليل الحيلة ضعيف القوة عِي اللسان وهو مبسوط عليه في رزقه وتلقاه شديد الحيلة عظيم القوة بسيط اللسان وهو مقتر عليه {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ} بالفضائل، أو الحرية والرق، أو بالغنى والفقر، أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بالتفضيل في الرزق فقسم رحمته بالنبوة كما قسم الرزق بالمعيشة {سُخريًّا} خدما، أو مِلكا {ورحمة رَبِّكَ} النبوة خير من الغنى، أو الجنة خير من الدنيا، أو إتمام الفرائض خير من كثيرة النوافل، أو ما يتفضل به عليهم خير مما يجازيهم عليه.(3/154)
وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)
33 - {أُمَّةً وَاحِدَةً} على دين واحد كفاراً " ع " أو على اختيار الدنيا على الدين قاله ابن زيد {سُقُفاً} أعالي البيوت، أو الأبواب {ومعارجَ} درجات فضة {يَظْهرون} [174 / أ] / يصعدون.
( ... ... ... ... ... ... ... ... . ... وإنا لنبغي فوق ذلك مظهراً)(3/154)
أي مصعداً قال الحسن - رضي الله تعالى عنه - والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك فكيف لو فعل.(3/155)
وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)
35 - {وَزُخْرُفاً} الذهب " ع "، أو النقوش " ح "، أو الفرش ومتاع البيت.
{ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين (36) وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون (37) حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين (38) ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون (39) أفأنت تُسمع الصم أو تهدي العمى ومن كان في ضلالٍ مبين (40) فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون (41) أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون (42) فاستمسك بالذي أُوحي إليك أنك على صراط مستقيم (43) وإنه لذكرٌ لك ولقومك وسوف تُسئلون (44) وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهةً يعبدون (45) }(3/155)
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)
36 - {يَعْشُ} يعرض، أو يعمى " ع "، أو السير في الظلمة من العشا وهو البصر الضعيف {ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} القرآن، أو ما بينه من حلال وحرام وأمر ونهي " ع "، أو ذكر الله {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} نلقيه شيطاناً، أو نعوضه من المقايضة وهي المعاوضة {قَرِينٌ} في الدنيا يحمله على الحرام والمعاصي ويمنعه من الحلال والطاعات، أو إذا بعث من قبره شفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصير إلى النار.(3/155)
حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)
38 - {جاءنا} ابن آدم وقرينه {يا ليت} يقوله الآدمي لقرينه. {الْمَشْرِقَيْنِ} المشرق والمغرب فغلبت أحدهما كالقمرين، أو مشرق الشتاء ومشرق الصيف. {فَبِئْسَ} الشيطان قريناً لمن قارنه لأنه يورده النار.(3/156)
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)
41 - {نَذْهَبَنَّ بِكَ} نخرجنك من مكة من أذاهم {فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} بالسيف يوم بدر، أو أراد قبض روحه، فإنا منتقمون من أمتك فيما أحدثوا بعدك. أُري ما لقيت أمته بعده فما زال منقبضاً ولم ينبسط ضاحكاً حتى لقي الله - تعالى -.(3/156)
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
44 - {لَذِكْرٌ} لشرف، أو تذكرون به أمر الدين وتعملون به {وَلِقَوْمِكَ} قريش، أو من اتبعه من أمته، أو قول الرجل حدثني أبي عن جدي {تُسْئَلون} عن الشكر، أو عما أتاك.(3/156)
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)
45 - {من أرسلنا} سبعون نبياً جُمعوا له ليلة الإسراء منهم إبراهيم وموسى وعيسى فلم يسألهم لأنه كان أعلم بالله - تعالى - منهم " ع "، أو أهل التوراة والإنجيل تقديره واسأل أمم من أرسلنا، أو جبريل تقديره وسل عمن أرسلنا: أمر بذلك لما قالت اليهود والمشركون إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك فأمر بسؤالهم. لا أنه كان في شك منه قال الواقدي. فسألهم فقالوا(3/156)
بعثنا بالتوحيد، أو لم يسألهم ليقينه بالله تعالى حتى قال ميكائيل لجبريل هل سألك محمد عن ذلك فقال هو أشد إيماناً وأعظم يقيناً من أن يسأل عن ذلك.
{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملإيه فقال إني رسول رب العالمين (46) فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون (47) وما نريهم من ءايةٍ إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون (48) وقالوا ياأيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون (49) فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) }(3/157)
وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49)
49 - {يا أيها السَّاحِرُ} قالوه استهزاء " ح "، أو جرى على ألسنتهم ما ألفوه من اسمه، أو أرادوا بالساحر غالب السحرة، أو الساحر عندهم العالم فعظموه بذلك {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} لئن آمنا لتكشفن عنا العذاب فدعا فأجيب فلم يفوا بالإيمان.
50 - {ينكثون} يغدرون.
{ونادى فرعونُ في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون (51) أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين (52) فلولا ألقي عليه أسورةٌ من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين (53) فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين (54) فلما ءاسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم(3/157)
أجمعين (55) فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين (56) }(3/158)
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)
51 - {وَنَادَى} قال، أو أمر من ينادي {مُلْك مِصْرَ} الإسكندرية أو ملك منها أربعين فرسخاً في مثلها {تَجْرِى مِن تَحْتِى} كانت جنات وأنهار تجري من تحت قصره، أو من تحت سريره، أو النيل يجري أسفل منه، أو أراد القواد والجبابرة يسيرون تحت لوائي قاله الضحاك.(3/158)
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)
52 - {أم أنا} بل أنا [174 / ب] / {مهينٌ} ضعيف، أو حقير، أو كان يمتهن نفسه في حوائجه {يُبِينُ} يفهم لعي لسانه، أو للثغه، أو لثقله بجمرة كان وضعها في فيه وهو صغير.(3/158)
فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)
53 - {أسورةٌ} لتكون دليلاً على صدقه، أو لأنها عادة ذلك الزمان وزي أهل الشرف والأساورة جمع أسورة والأسورة جمع سوار {مُقْتَرِنِينَ} متتابعين أو يقارن بعضهم بعضاً في المعونة، أو مقترنين يمشون معاً ليكونوا دليلاً على صدقه، أو أعواناً له وذكر الملائكة بناء على قول موسى فإنه لا يؤمن بالملائكة من لا يعرف خالقهم.(3/158)
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)
54 - {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ} استخفهم بالقول فأطاعوه على التكذيب، أو حركهم بالرغبة فخفوا في الإجابة، أو استجهلهم فأظهرو طاعته جهلهم، أو دعاهم إلى طاعته فخفوا إلى إجابته.(3/158)
فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)
55 - {آسفونا} أغضبونا، أو أسخطونا والغضب إرادة الانتقام والسخط إظهار الكراهة والأسف هو الأسى على فائت فلما وضع موضع الغضب صحت إضافته إلى الله، أو التقدير فلما آسفوا رسلنا لأن الله - تعالى - لا يفوته شيء.(3/158)
فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)
56 - {سُلُفاً} أهواء مختلفة " ع "، أو جمع سلف وهم الماضون من(3/158)
الناس {سَلَفاً} بالفتح متقدمين إلى النار، أو سلفاً لهذه الأمة، أو لمن عمل مثل عملهم {وَمَثَلاً} عبرة لمن بعدهم، أو عظة لغيرهم.
{ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون (57) وقالوا ءألهتنا خيرٌ أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون (58) إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل (59) ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون (60) وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعونِ هذا صراط مستقيم (61) ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين (62) ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون (63) إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم (64) فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذابٍ يومٍ أليمٍ (65) } .(3/159)
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)
57 - {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً} قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : يا معشر قريش ليس أحد يعبد من دون الله - تعالى - فيه خير. فقالوا: ألست تزعم أن عيسى كان عبداً صالحاً ونبياً فقد كان يعبد من دون الله فنزلت، أو نزلت لما قالت قريش إن محمداً يريد أن نعبده كما عُبد عيسى، أو لما ذكر الله - تعالى - نزول عيسى في القرآن قالت قريش ما أردت إلى ذكر عيسى فنزلت، أو نزلت لما ذكر أنه خلق عيسى من غير أب فأكبرته قريش فضربه مثلاً بأنه خلق من غير أب كما(3/159)
خلق آدم من غير أم ولا أب {يَصِدُّونَ} بالضم والكسر واحد كشد يشِد ويشُد ونم ينم وينُم يضجون " ع "، أو يضحكون، أو يجزعون، أو يعرضون أو بالضم يعدلون وبالكسر يفرقون، أو بالضم يعتزلون وبالكسر يصيحون، أو بالضم من الصدود وبالكسر يضجون.(3/160)
وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)
58 - {ءَالِهَتُنَا خيرٌ} أم محمد، أو عيسى {إِلا جدلا} قالوا للرسول [صلى الله عليه وسلم] أنت تزعم أن كل معبود دون الله - تعالى - في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عُزير والمسيح والملائكة فإنهم قد عبدوا من دون الله {خَصِمُونَ} الخصم الحاذق بالخصومة، أو المجادل بغير حجة.(3/160)
إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)
59 - {أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} بسياسة نفسه وقمع شهوته {مَثَلاً لبني إسرائيل} آية، أو لتمثيله بآدم.(3/160)
وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)
60 - {لجعلنا منكم ملائكة} قلبنا بعضهم ملائكة من غير أب كما خلق عيسى ليكونوا خلفاء ممن ذهب عنكم، أو لجعلنا بدلاً منكم ملائكة {يَخْلُفُونَ} يخلف بعضهم بعضاً، أو يخلفونكم، أو يعمرون الأرض بدلاً منكم، أو يكونون رسلاً إليكم بدلاً من الرسل منكم.(3/160)
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
61 - {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} القرآن لما فيه من البعث والجزاء " ح " [175 / أ] / أو إحياء عيسى الموتى دليل على بعث الموتى، أو خروج عيسى عليم للساعة لأنه من أشراطها " ع " {فَلا تَمْتَرُنَّ} لا تشكن في الساعة، أو لا تكذبن بها {صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} القرآن مستقيم إلى الجنة " ح "، أو عيسى " ع "، أو الإسلام.(3/160)
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)
63 - {بِالْبَيِّنَاتِ} الإنجيل، أو آياته من إحياء الموتى وإبراء الأسقام والإخبار بكثير من الغيوب " ع " {بِالْحِكْمَةِ} النبوة، أو علم ما يؤدي إلى(3/160)
الجميل ويكف عن القبيح {بَعْضَ الَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} تبديل التوراة، أو ما تختلفون فيه من أمر دينكم لا من أمر دنياكم، أو يبين بعضه ويكل البعض إلى اجتهادهم، أو بعض بمعنى كل.(3/161)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)
65 - {الأَحْزَابُ} اليهود والنصارى، أو فرق النصارى اختلفوا في عيسى فقالت النسطورية هو ابن الله وقالت اليعاقبة هو الله وقالت الملكية عيسى ثالث ثلاثة الله أحدهم.
{هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتةً وهم لا يشعرون (66) الأخلاءُ يومئذٍ بعضكم لبعض عدوٌ إلا المتقين (67) ياعباد لا خوفٌ عليكمُ اليوم ولا أنتم تحزنون (68) الذين ءامنوا بآياتنا وكانوا مسلمين (69) ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون (70) يطاف عليهم بصحافٍ من ذهبٍ وأكوابٍ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون (71) وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون (72) لكم فيها فاكهةٌ كثيرةٌ منها تأكلون (73) }(3/161)
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)
67 - {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} في الدنيا لأن كلاً زين للآخر ما يوبقه، أو أعداء في الآخرة مع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا قيل: نزلت في أمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط لما أمره أن يتفل في وجه الرسول [صلى الله عليه وسلم] ففعل فنذر الرسول [صلى الله عليه وسلم] قتله فقتله يوم بدر صبراً(3/161)
وقتل أمية في المعركة.(3/162)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)
70 - {وَأَزْوَاجُكُمْ} من الحور العين، أو المؤمنات في الدنيا، أو قرناؤكم في الدنيا {تُحْبَرُونَ} تكرمون " ع "، أو تفرحون، أو تنعمون، أو تسرون، أو تعجبون، أو التلذذ بالسماع.(3/162)
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)
71 - {وأكواب} آنية مدروة الأفواه، أو ليست لها آذان أو الكوب المدور القصير عنقه وعروته والإبريق الطويل المستطيل عنقه وعروته، أو الأباريق التي لا خراطيم لها، أو الأباريق التي لا عرى لها.
{إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون (74) لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون (75) وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين (76) ونادوا يا مالك ليقضِ علينا ربك قال إنكم ماكثون (77) لقد جئناكم بالحقِ ولكن أكثركم للحق كارهون (78) أم أبرموا امراً فإنا مبرمون (79) أم يحسبون أنا لا نسمعُ سرهم ونجواهم بل ورسلنا لديهم يكتبون (80) }(3/162)
وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)
77 - {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} ليميتنا {مَّاكِثُونَ} مقيمون وبين دعائهم وجوابه أربعون سنة، أو ثمانون، أو مائة، أو ألف سنة " ع " لأن بُعْد الجواب أخزى لهم.(3/162)
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)
79 - {أَمْ أَبْرَمُواْ} أجمعوا على التكذيب فإنا مجمعون على التعذيب أو أحكموا كيداً فإنا محكمون كيداً، أو قضوا فإنا قاضون عليهم بالعذاب قيل نزلت لما اجتمعوا في دار الندوة للمشورة في الرسول [صلى الله عليه وسلم] فاجتمع رأيهم على ما أشار به أبو جهل من قتل الرسول [صلى الله عليه وسلم] واشتراكهم في دمه فنزلت هذه الآية وقُتلوا ببدر.(3/162)
{قل إن كان للرحمن ولدٌ فأنا أول العابدين (81) سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون (82) فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون (83) وهو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ وهو الحكيم العليم (84) وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون (85) ولا يملك الذي يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون (86) ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون (87) وقيله يا رب إن هؤلاء قومٌ لا يؤمنون (88) فاصفح عنهم وقل سلامٌ فسوف يعلمون (89) }(3/163)
قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)
81 - {إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ} من يعبد الله - تعالى - بأنه ليس له ولدٌ، أو {فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} له ولكن لم يكن ولا ينبغي أن يكون له ولد، أو لم يكن له ولد وأنا أول الشاهدين بأنه ليس له ولد " ع "، أو ما كان للرحمن ولد ثم استأنف فقال: وأنا أول العابدين أي الموحدين من أهل مكة، أو إن قلتم له ولد فأنا أول الجاحدين أن يكون له ولد، أو أنا أول الآنفين إن كان له ولد.(3/163)
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)
84 - {فِى السَّمَآءِ إِلَهٌ وَفِى الأَرْضِ إِلَهٌ} مُوَحَّد فيهما، أو معبود فيهما [175 / ب] /.(3/163)
وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)
86 - {الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} الملائكة وعيسى وعُزير، أو الملائكة. قال النضر ونفر من قريش: إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن نتولى الملائكة(3/163)
وهم أحق بالشفاعة لنا منه فنزلت. {إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ} أي لا تشفع الملائكة إلا لمن شهد أن لا إله إلا الله وهم يعلمون أن الله ربهم، أو الشهادة بالحق إنما هي لمن شهد في الدنيا بالحق وهم يعلمون أنه الحق فتشفع لهم الملائكة.(3/164)
وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)
88 - {وَقِيلِهِ} بالجر تقديرها وعنده علم الساعة وعلم قيلهِ وتقديرها بالنصب إلا من شهد بالحق وقال قيلَه {إِنَّ هَؤُلآءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ} إنكار منه عليهم، أو معطوف على سرهم ونجواهم، أو شكا محمد [صلى الله عليه وسلم] إلى ربه قَيلَهُ ثم ابتدأ فأخبر يا رب إن هؤلاء.(3/164)
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
89 - {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} منسوخ بالسيف {سَلامٌ} ما تسلم به من شرهم، أو قل خيراً بدل شرهم، أو احلم عنهم، أو أمره بتوديعهم بالسلام ولم يجعله تحية، أو عرفه بذلك كيف السلام عليهم.(3/164)
سُورَةُ الدُّخَانِ
مكية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{حم (1) والكتابِ المبين (2) إنا أنزلناه في ليله مباركة إنا كنا منذرين (3) فيها يفرق كل أمرٍ حكيم (4) أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين (5) رحمةً من ربك إنه هو السميع العليم (6) رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين (7) لا إله إلا هو يحي ويميت ربكم ورب ءابائكم الأولين (8) }(3/165)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)
3 - {أَنزَلْنَاهُ} القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا {لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} لما تنزل فيها من الرحمة، أو لما يجاب فيها من الدعاء ليلة النصف من شعبان، أو ليلة القدر قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان والتوراة لست مضين منه والزبور لاثني عشرة مضين منه والإنجيل لثماني عشرة مضت منه والفرقان لأربع وعشرين مضت منه " {كُنَّا مُنذِرِينَ} بالقرآن من النار.(3/165)
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)
4 - {يُفْرَقُ} يُقضى، أو يكتب " ع "، أو ينزل، أو يخرج {كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة من السنة إلى السنة " ع "، أو كل ما(3/165)
يقضى من السنة إلى السنة إلا الحياة والموت وحكيم هنا: بمعنى محكم، وليلة القدر في رمضان باقية ما بقي الدهر ولا وجه لقول من قال رفعت بموت الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو جوز كونها في جميع السنة.(3/166)
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)
6 - {أَمْراً مِّنْ عِندِنَآ} القرآن نزل من عنده، أو ما يقضيه في الليلة المباركة من أحوال عباده {كُنَّا مُرْسِلِينَ} الرسل للإنذار، أو منزلين ما قضيناه على العباد، أو {مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن ربك} وهي نعمته ببعثه الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو رأفته بهداية من آمن به {السَّمِيعُ} لقولهم {العليم} بفعلهم.
{بل هم في شكٍ يلعبون (9) فارتقب يوم تأتي السماءُ بدخانٍ مبينٍ (10) يغشَى الناسَ هذا عذابٌ أليمٌ (11) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون (12) أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين (13) ثم تولوا عنه وقالوا معلمٌ مجنون (14) إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون (15) يومَ نبطشُ البطشةَ الكبرى إنا منتقمون (16) }(3/166)
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)
10 - {فَارْتَقِبْ} فانتظر للكفار، أو احفظ قولهم حتى تشهد عليهم يوم تأتي السماء ولذلك سمي الحافظ رقيباً {بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} لما دعا عليهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] بسبع كسبع يوسف حتى صار بينهم وبين السماء كهيئة الدخان قال أبو عبيدة الدخان الجدب. قال ابن قتيبة سمي دخاناً ليبس الأرض منه حتى يرتفع منها غبار كالدخان وقيل لسنة الجدب غبراء لكثرة الغبار فيها، أو(3/166)
يوم [176 / أ] / فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة، أو دخان يهيج بالناس في القيامة فيأخذ المؤمن منه كالزكمة وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه.(3/167)
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)
12 - {عَنَّا الْعَذَابَ} الدخان، أو الجوع، أو الثلج ولا وجه له.(3/167)
إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)
15 - {عَآئِدُونَ} إلى جهنم، أو إلى الشرك لما كشف عنهم الجدب باستسقاء الرسول [صلى الله عليه وسلم] عادوا إلى تكذيبه.(3/167)
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)
16 - {الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} العقوبة الكبرى وهي القتل ببدر، أو جهنم في القيامة " ع "، " ح " {مُنتَقِمُونَ} من أعدائنا، العقوبة بعد المعصية لأنها من العاقبة والنقمة قد تكون قبلها أو العقوبة ما تقدرت والانتقام غير مقدر، أو العقوبة قد تكون في المعاصي والنقمة قد تكون في خلفه لأجله.
{ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسولٌ كريمٌ (17) أن أدوا إلي عباد الله إني(3/167)
{لكم رسولٌ أمينٌ (18) وأن لا تعلوا على الله إني ءاتيكم بسلطان مبين (19) وإني عذتُ بربي وربكم أن ترجمون (20) وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون (21) فدعا ربه أن هؤلاء قومٌ مجرمون (22) فأسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون (23) واترك البحر رهواً إنهم جندٌ مغرقون (24) كم تركوا من جناتٍ وعيونٍ (25) وزروع ومقامٍ كريم (26) ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين (27) كذلك وأورثناها قوماً آخرين (28) فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين (29) ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين (30) من فرعون إنه كان عالياً من المسرفين (31) ولقد اخترناهم على علمٍ على العالمين (32) وءاتيناهم من الآيات ما فيه بلاءٌ مبينٌ (32) }(3/168)
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17)
17 - {فَتَنَّا} ابتلينا {رَسُولٌ} موسى {كَرِيمٌ} على ربه أو في قومه، أو كريم الأخلاق بالتجاوز والصفح.(3/168)
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)
18 - {أَنْ أَدُّواْ} أرسلوا معي بني إسرائيل ولا تستعبدوهم، أو أجيبوا عبادَ الله خيراً.(3/168)
وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19)
19 - {لا تَعْلُواْ عَلَى اللَّهِ} لا تبغوا على الله، أو لا تفتروا عليه " ع " البغي بالفعل والافتراء بالقول، أو لا تعظموا عليه، أو لا تستكبروا على عبادته، التعظم تطاول المقتدر والاستكبار ترفع المحتقَر. {بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بحجة بينة، أو عذر بين.(3/168)
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20)
20 - {عدت} لجأت، أو استعنت الملتجئ مستدفع والمستعين مستنصر {تَرْجُمُونِ} بالحجارة، أو تقتلوني أو تشتموني فتقولون ساحر وكاهن وشاعر.(3/168)
وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21)
21 - {فَاعْتَزِلُونِ} إن لم تصدقوني فخلوا سبيلي وكفوا عن أذيتي.(3/168)
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)
24 - {رَهْواً} سمتاً " ع "، أو يابساً، أو سهلاً، أو طريقاً، أو منفرجاً، أو فرقاً، أو ساكناً لما نجوا من البحر أراد موسى - عليه الصلاة والسلام أن يضربه بالعصا ليعود إلى حاله خوفاً أن يدركهم فرعون فقيل له: اترك البحر رهواً أي طريقاً يابساً حتى يدخلوه {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} قال مقاتل هو النيل كان عرضه يومئذ فرسخين. قال الضحاك غرقوا بالقلزم وهو بلد بين الحجاز ومصر.(3/169)
كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25)
25 - {وَعُيُونٍ} من الماء عند الجمهور، أو من الذهب عند ابن جبير.(3/169)
وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26)
26 - {وَزُرُوعٍ} كانوا يزرعون ما بين الجبلين من أول مصر إلى آخرها وكانت تروى من ستة عشر ذراعاً لما دبروه وقدروه من قناطر وجسور {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} المنابر " ع "، أو المساكن، أو مجالس الملوك {كَرِيمٍ} حسن، أو المعطي لذته كما يعطي الرجل الكريم صلته، أو كريم لكرم من فيه.(3/169)
وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)
27 - {وَنَعْمَةٍ} نيل مصر، أو الفيوم، أو أرض مصر لكثرة خيرها، أو ما كانوا فيه من سعة ودعة {النعمة} بكسر النون في الملك وبفتحها في البدن والدين، أو بالكسر من الأفضال والعطية وبفتحها من التنعم وهو سعة العيش والراحة {فَاكِهِينَ} فرحين، أو ناعمين، أو الفاكه المتمتع بأنواع اللذة كتمتع الآكل [176 / ب] / بأنواع الفاكهة.(3/169)
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)
28 - {قوما آخرين} بنو إسرائيل صارت إليهم كمصير الميراث.(3/169)
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)
29 - {فما بكت عليهم السماء والأرض} أي أهلهما " ح " أو تبكي السماء والأرض على المؤمن أربعين صباحاً قاله مجاهد أو يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء قاله علي - رضي الله تعالى عنه -، أو قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب(3/169)
يدخل منه كلامه وعمله فإذا مات فقداه فبكيا عليه "، ثم تلا هذه الآية؛ وبكاؤهما كبكاء الحيوان المعروف، أو حمرة أطرافهما ولما قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه - احمّرت له آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها، أو يظهر منها ما يدل على الحزن والأسف. {مُنظَرِينَ} مؤخرين بالغرق، أو لم يناظروا بعد الآيات التسع حتى أغرقوا.(3/170)
وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32)
32 - {اخْتَرْنَاهُمْ} اصطفيناهم للرسالة، والدعاء إلى الطاعة، أو اختارهم لدينه وتصديق رسله، أو بإنجائهم من فرعون وقومه {عَلَى عِلْمٍ} مِنَّا بهم {الْعَالَمِينَ} عالمي زمانهم لأن لأهل كل زمان عالم، أو جميع العالمين لما جعل فيهم من الأنبياء وهذا خاص بهم.(3/170)
وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)
33 - {مِّنَ الأَيَاتِ} إنجاؤهم من فرعون وفلق البحر وإنزال المن والسلوى يريد به بني إسرائيل، أو العصا واليد البيضاء يريد به قوم فرعون، أو الشر الذي كفهم عنه والخير الذي أمرهم فيتوجه إلى الفريقين {بلاء مُّبِينٌ} نعمة ظاهرة، أو عذاب شديد، أو اختبار يتبين به المؤمن من الكافر.
{إن هؤلاء ليقولون (34) إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين (35) فأتوا بآياءنا إن كنتم صادقين (36) أهم خيرٌ أم قومُ تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين (37) }(3/170)
فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)
36 - {فَأْتُواْ بِآبَآئِنَآ} قال أبو جهل: يا محمد إن كنت صادقاً في قولك إنا نحي فابعث لنا رجلين من آبائنا أحدهما: قصي بن كلاب فإنه كان رجلاً صادقاً لنسأله عما يكون بعد الموت.(3/171)
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)
37 - {أَهُمْ خَيْرٌ} أي أظهر نعمة وأكثر أموالاً، أو أعز وأشد {قَوْمُ تُبَّعٍ} قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " لا تسبّوا تُبَّعاً فإنه قد كان أسلم، وسمي تبعاً لأنه تبع من قبله من ملوك اليمن، كما يقال خليفة لمن خلف من قبله، أو لأنه أسم ملوك اليمن، ذم الله - تعالى - قومه ولم يذمه وضربهم مثلاً لقريش لقربهم منهم وعظمتهم في أنفسهم.
{وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين (38) ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون (39) إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين (40) يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون (41) إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم (42) }(3/171)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)
38 - {لاعِبِينَ} غائبين، أو لاهين.(3/171)
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)
39 - {إِلا بِالْحَقِّ} للحق، أو بقول الحق.(3/171)
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)
40 - {يَوْمَ الْفَصْلِ} يوم القيامة لأنه تفصل فيه أمور العباد، أو لأنه يفصل بين المرء وعمله.
{إن شجرتَ الزقوم (43) طعامُ الأثيم (44) كالمهل يغلي في البطون (45) كغلي الحميم (46) خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم (47) ثم صبوا فوق رأسه من عذابِ(3/171)
الحميم (48) ذق إنك أنت العزيز الكريم (49) إن هذا ما كنتم به تمترون (50) }(3/172)
إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43)
43 - {شجرة الزَّقُّومِ} قد ذكرناها والزقوم في اللغة ما أكل بكره شديد، أو شجرة الزقوم أو جهل محكي عن مجاهد.(3/172)
طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)
44 - {الأَثِيمِ} الآثم، أو المشرك المكتسب للإثم.(3/172)
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47)
47 - {فاعْتِلُوه} فجروه " ح "، أو فادفعوه، أو سوقوه أو اقصفوه كما يقصف الحطب، أو قودوه بالعنف. {سَوَآءِ الْجَحِيمِ} وسطها " ع "، أو معظمها حيث يصيبه الحر من جوانبها.(3/172)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
49 - {أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} عند نفسك نزلت في أبي جهل، أو يقال له ذلك استهزاء وإهانة، أو العزيز في قومك الكريم في أهلك، أو لست بعزيز ولا كريم لأنه قال أيوعدني محمد والله إني لأعز من مشى بين جبليها فرد الله - تعالى - عليه قوله.
{إن المتقين في مقامٍ أمين (51) في جناتٍ وعيونٍ (52) يلبسونَ من سُندسٍ وإستبرق متقابلين (53) كذلك وزوجناهم بحورٍ عينٍ (54) يدعون فيها بكل فاكهةٍ ءامنين (55) لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذابَ(3/172)
الجحيم (56) فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم (57) فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون (58) فارتقب إنهم مرتقبون (59) }(3/173)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)
51 - {مقامٍ أمينٍ} من الشيطان والأحزان، أو من [177 / أ] / العذاب، أو من الموت.(3/173)
يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53)
53 - {سندسٍ} الحرير الرقيق والاستبرق: الديباج الغليظ، أو السندس يعمل [بسوس العراق وهو أفخر الرقم] والإستبرق الديباج سمي إستبرقاً لبريقه، أو السندس ما يلبسونه، والإستبرق ما يفترشونه {مُّتَقَابِلِينَ} بالمحبة لا متدابرين بالبغضة، أو متقابلين في المجالس لا ينظر بعضهم إلى قفا بعضه.(3/173)
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)
58 - {يَسَّرناه) {جعلناه} (بِلِسَانِكَ} عربياً، أو أطلقنا به لسانك بتيسير.(3/173)
فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
59 - {فَارْتَقِبْ} فانتظر ما وعدتك من النصر إنهم منتظرون لك الموت، أو انتظر ما وعدتك من الثواب إنهم كالمنتظرين ما وعدتهم من العقاب.(3/173)
سُورَةُ الجَاثِيةِ
مكية، أو إلا آية {قل للذين آمنوا} [14] نزلت في عمر - رضي الله تعالى عنه -.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{حم (1) تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم (2) إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين (3) وفي خلقكم وما يبث من دابة ءاياتٌ لقومٍ يوقنون (4) واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح ءاياتٌ لقوم يعقلون (5) }(3/174)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
2 - {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ} أضافه إليه تعظيماً لشأنه، أو افتتح بأنه كتاب منه كما يفتتح الكاتب كتابه بذكر اسمه والوجهان يجريان في أمثال هذه.(3/174)
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)
5 - {وتصريف الرياح} ينقل الشمال جنوباً والجنوب شمالاً، أو إرسالها حيث شاء، أو تارة رحمة وتارة نقمة.
{تلك ءاياتُ الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وءاياته يؤمنون (6) ويل لكل أفاكٍ أثيم (7) يسمعُ ءاياتِ الله تتلى عليهم ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها فبشرهُ بعذابٍ أليم (8) وإذا علم من ءاياتنا شيئاً اتخذها هزواً أولئك لهم عذابٌ مهين (9) من ورائهم جهنم ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئاً ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذابٌ عظيم (10) هذا هدىً والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذابٌ من رجزٍ أليم (11) }(3/174)
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)
7 - {أَفَّاكٍ} كذاب، أو مكذب بربه، أو كاهن.(3/175)
يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)
8 - {يُصِرُّ} يقيم على الشرك مستكبراً عن الطاعة، أو الإصرار عقد العزم على الشيء من عقد الصرة إذا شدها {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} في عدم الاتعاظ بها والقبول لها، نزلت في النضر بن الحارث.
{الله الذي سخر لكم البحر لتجريَ الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (12) وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون (13) قل للذين ءامنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون (14) من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون (15) }(3/175)
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)
14 - {لا يرجون} لا يبالون نعم الله أولا يخشون عقاباً ولا يطعمون في نصره في الدنيا ولا في الآخرة وأراد بالأيام أيام النعم والنقم في الدنيا إذ ليس في الآخرة ليل ولا نهار، أو أيام ثواب الآخرة وعقابها فعبّر عن الوقت بالأيام {يَغْفِرُواْ} تقديره " قل اغفروا " يغفر بالعفو وترك المجازاة على الأذى نزلت في عمر - رضي الله تعالى عنه - سبّه مشرك فهمَّ أن يبطش به فلما نزلت كف عنه وهي محكمة في العفو عن الأذى في غير الدين، أو نسختها آية السيف، أو قوله {أذن للذين يقاتلون} [الحج: 39] .
{ولقد ءاتينا بني إسرائيل الكتاب والحكمَ والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين (16) وءاتيناهم بيناتٍ من الأمرِ فما اختلفوا إلا من بعدِ ما جاءهمُ العلمُ بغياً بينهم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (17) ثم(3/175)
جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون (18) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياءُ بعضٍ والله وليُّ المتقين (19) هذا بصائرُ للناس وهدىً ورحمةٌ لقومٍ يوقنون (2) }(3/176)
وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)
17 - {بيناتٍ مِّنَ الأَمْرِ} ذكر الرسول [صلى الله عليه وسلم] وشواهد نبوته، أو بيان الحلال والحرام {مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ} من بعد يوشع بن نون فآمن بعضهم وكفر بعض، أو من بعد علمهم بما في التوراة {بَغْياً} طلبا للرياسة وأنفة من اتباع الحق، أو بغياً على الرسول [صلى الله عليه وسلم] بجحد صفته في كتابهم، أو أرادوا رخاء الدنيا فأحلوا من كتابهم ما شاءوا وحرموا ما شاءوا.(3/176)
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)
18 - {شريعةٍ} طريقة كالشريعة التي هي طريق الماء والشارع طريق إلى المقصد {مِّنَ الأَمْرِ} الدين لأنه طريق النجاة. أو الفرائض والحدود والأمر والنهي، أو السنة، أو البينة لأنها طريق إلى الحق أو السنة بمن تقدمه.
{أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواءٌ محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (21) وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفسٍ بما كسبت وهم لا يظلمون (22) أفرءيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علمٍ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غِشاوةً فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون (23) }(3/176)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)
21 - {اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ} اكتسبوا الشرك يريد عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة {كالذين آمنوا} علي وحمزة وعبيدة بن الحارث حين [177 / ب] /(3/176)
برزوا لهم يوم بدر فقتلوهم.(3/177)
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
23 - {إِلَهَهُ هَوَاهُ} لا يهوى شيئاً إلا ركبه " ع "، أو يعبد ما يهواه ويستحسنه كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه رماه وعبد الآخر، أو أرأيت من ينقاد لهواه انقياده لإلهه ومعبوده {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ} وجده ضالاً، أو ضل عن الله.
قال الشاعر:
(هَبُوني امْرَأ منكُمْ أضلَّ بَعيرَهُ ... له ذِمَّةٌ إِنَّ الذِّمَامَ كَبِيرُ)
ضل عنه بعيره.(3/177)
{عَلَى عِلْمٍ} منه أنه ضال، أو عِلِم الله - تعالى - في سابق علمه أنه سيضل {وَخَتَمَ علَىَ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} فلا يسمع الوعظ ولا يفقه الهدى وغشي بصره فلا يبصر الرشد أخبر عنهم بذلك، أو دعا به عليهم نزلت في الحارث بن قيس، أو في الحارث بن نوفل.
{وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) 24) وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بيناتٍ ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين (25) }(3/178)
وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)
24 - {نَمُوتُ} نحن ويحيا أولادنا، أو يموت بعضنا ويحيا بعضنا، أو تقديره نحيا ونموت {إِلا الدَّهْرُ} العمر، أو الزمان، أو الموت.
( ... ... ... ... ... ... ... ... ... . . ... والدهرُ ليسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ)
أو وما يهلكنا إلا الله. قال عكرمة.
{ولله ملك السموات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون (27) وترى كل أمة جاثيةً كل أمةٍ تدعى إلى كتابها اليومَ تجزون ما كنتم تعملون (28) هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون (29) }(3/178)
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
28 - {كل أمة} كل أهلة ملة {جَاثِيَةً} مستوفزة والمستوفز الذي لا يصيب الأرض إلا ركبتاه وأطراف أنامله أو مجتمعة " ع "، أو متميزة، أو خاضعة بلغة قريش، أو باركة على الركب " ح " للكفار خاصة، أو عامة فيهم وفي المؤمنين انتظاراً للحساب. قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " كأني أراكم بالكوم جاثين دون جهنم " {كِتَابِهَا} حسابها، أو المنزل على رسولها، أو الذي كان يستنسخ لها فيه ما علمت من شر أو خير.(3/179)
هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)
29 - {هَذَا كِتَابُنَا} القرآن يدلكم على ما فيه من الحق فكأنه شاهد عليكم، أو اللوح المحفوظ يشهد بما فيه من شقاوة وسعادة أو كتاب أعمالهم يشهد عليكم بما تضمنه من صدق أعمالكم. {نَسْتَنسِخُ} يستكتب الحفظة أعمالهم في الدنيا، أو الحفظة تستنسخ الخزنة ما هو مدون عندها من أحوال العباد. أو ما حفظته عليكم الحفظة لأن الحفظة ترفع إلى الخزنة صحائف الأعمال.
{فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين (30) وأما الذين كفروا أفلم تكن ءاياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوماً مجرمين (31) وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين (32) وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون (33) وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين (34) ذلكم بأنكم اتخذتم ءايتِ الله هزواً وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون (35) فلله}(3/179)
{الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين (36) وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم (37) }(3/180)
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34)
34 - {نَنسَاكُمْ} نترككم في النار كما تركتم أمري، أو نترككم من الخير كما تركتم العمل، أو نترككم من الرحمة كما تركتم الطاعة.(3/180)
وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
37 - {الْكِبْرِيَآءُ} العظمة، أو السلطان، أو الشرف، أو البقاء {وَهُوَ الْعَزِيزُ} في انتقامه {الْحَكِيمُ} في تدبيره.(3/180)
سورة الأحقاف
مكية أو إلا آية {قل أرأيتم إن كان من عند الله) شاذ، أو قوله {وشهد شاهد من بني إسرائيل} الآية: 10.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{حم (1) تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم (2) ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفورا عما أنذروا معرضون (3) قل أرءيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شركٌ في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علمٍ إن كنتم صادقين (4) ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون (5) وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) }
1 -،(3/181)
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
2 - {حم} قَضِي نزول الكتاب من الله العزيز الحكيم، أو هذا الكتاب القرآن تنزيل من الله.(3/181)
مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)
3 - {بِالْحَقِّ} الصدق، أو العدل، أو للحق، أو للبعث {وأجلٍ مُّسَمّىً} آجال الخلق، أو القيامة.(3/181)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)
4 - {آثاره} رواية، أو بقية، أو علم تأثرونه عن غيركم. {أَثَرةٍ} خط، أو ميراث، أو خاصة، أو بينة، أو أثرة يستخرجه فيثيره.
{وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين (7) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئاً هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيداً بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم (8) قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذيرٌ مبينٌ (9) }(3/182)
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
9 - {بِدْعاً} أولاً والبدع الأول والبديع من كل شيء المبتدأ {مَا يُفْعَلُ بِى وَلا بِكُمْ} في الدنيا دون الآخرة أتخرجوني، أو تقتلوني كما أُخرجت الأنبياء وقُتلت {وَلا بِكُمْ} في العذاب والإمهال وفي تصديقي وتكذيبي " ح "، أو في الآخرة قبل نزول {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} [الفتح: 2] عام الحديبية فعلم ما يفعل به فلما تلاها [178 / أ] / على أصحابه قالوا هنيئاً لك. قد بيّن الله - تعالى - لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت {لِّيُدْخِلَ المؤمنين} [الفتح: 5] أو رأى في نومه بمكة أه يخرج إلى أرض فلما اشتد عليهم البلاء قالوا: يا رسول الله: حتى متى نلقى هذا البلاء ومتى نخرج إلى الأرض التي أُريت فقال: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم أنموت بمكة أم نخرج منها، أو لا أدري ما أؤمر به ولا ما تؤمرون به.
{قل أرءيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن(3/182)
واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (10) وقال الذين كفروا للذين ءامنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفكٌ قديم (11) ومن قبله كتابُ موسى إماماً ورحمةً وهذا كتابٌ مصدقٌ لساناً عربياً لينذرَ الذين ظلموا وبشرى للمحسنين (12) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (13) أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءً بما كانوا يعملون (14) }(3/183)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
10 - {إنْ كانَ} القرآن من عند الله، أو محمد نبياً منه {شاهدٌ} عبد الله بن سلام شهد على اليهود أن محمداً [صلى الله عليه وسلم] مذكور في التوراة " ع "، أو آمين بن يامين لما أسلم ابن سلام قال: أنا شاهد كشهادته ومؤمن كإيمانه، أو هو موسى مثل محمد يشهد على نبوته والتوراة مثل القرآن تشهد بصحته، أو مؤمنو بني إسرائيل بموسى والتوراة لأن محمداً مثل موسى والتوراة مثل القرآن، أو موسى الذي هو مثل محمد شهد على التوراة التي هي مثل القرآن {فَآمَنَ) ابن سلام بالرسول والقرآن واستكبر الباقون عنه، أو آمن من آمن بموسى والتوراة واستكبرتم أنتم عن الإيمان بمحمد والقرآن. وجواب الشرط محذوف التقدير فآمن أتؤمنون، أو أفما تهلكون، أو فمن أضَلُّ منكم.(3/183)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)
11 - {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} لو كان ما جاء به محمداً خيراً لما أسلمت غفار قالته قريش، أو قال الكفار لو كان خيراً ما سبقنا إليه اليهود، أو الذين كفروا عامر وأسد وغطفان وحنظلة قالوا لمن أسلم من غفار وأسلم وغطفان وجهينة وأشجع: لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا إليه رعآء البهم، أو لما أسلمت زِنِّيرة أُصيب بصرها فقالوا أصابك اللات والعزى فرد الله بصرها فقال(3/183)
عظماء قريش لو كان خيراً ما سبقتنا إليه زِنِّيرة {لَمْ يَهْتَدُواْ} يؤمنوا {بِهِ} بالقرآن، أو بمحمد [صلى الله عليه وسلم] .(3/184)
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)
13 - {اسْتَقَامُواْ} على أن الله ربهم، أو على شهادة أن لا إله إلا الله " ع "، أو على أداء الفرائض " ع "، أو على إخلاص الدين والعمل، أو استقاموا عليه فلم يرجعوا عنه إلى موتهم {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} في الآخرة {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} عند الموت.
{ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن اعملَ صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبتُ إليك وإني من المسلمين (15) أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون (16) }(3/184)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)
15 - {إِحْسَاناً} براً {كُرْهاً} بمشقة والكره بالضم ما حمله الإنسان على نفسه وبالفتح ما حمل على غيره {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ} فطامه ثلاثونَ شهراً مدة لأكثر فصاله وأقل حمله ففصاله حولان كاملان فإن وضعته لتسعة أشهر، أو أكثر فلا يوجب ذلك نقص الحولين قاله الجمهور، أو الثلاثون جامعة لزمان الحمل ومدة الرضاع فإن وضعته لتسعة أشهر أرضعته أحداً وعشرين شهراً وإن وضعته لعشرة أرضعته عشرين لئلا تزيد مدتهما على الثلاثين " ع " {أَشُدَّهُ} بلوغه، أو(3/184)
خمس عشرة سنة، أو ثماني عشرة سنة، أو عشرون، أو خمس وعشرون، أو ثلاثون، أو ثلاث وثلاثون " ع "، أو أربع وثلاثون، أو أربعون " ح " {أَرْبَعِينَ سَنَةً} لأنها زمان الأشد، أو زمان الاستواء ولما بلغ موسى أشده [178 / ب] / واستوى ببلوغ الأربعين، أو لأنها عمر بعد تمام عمر {أَوْزِعْنِى} ألهمني أصله الإغراء أوزع بكذا أغرى به. {فِى ذُرِّيَّتِى} اجعلهم لي خلف صدق ولك عبيد حق وأبراراً بي مطيعين لك، أو وقفهم لما يرضيك عنهم {تُبْتُ إِلَيْكَ} رجعت عما كنت عليه نزلت في أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - خاصة، أو هي عامة " ح ".(3/185)
أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)
16 - {نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ} نقبل حسناتهم ونغفر خطاياهم إذا أسلموا، أو الجزاء بالحسنة عشراً، أو الطاعات يثابون عليها لأنها أحسن أعمالهم وليس في المباح ثواب ولا عقاب {وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ} بالرحمة، أو عن صغائرهم بالعفو، أو عن كبائرهم بالتوبة {وَعْدَ الصِّدْقِ} الجنة {الَّذِى كَانُواْ يوعدون} في الدنيا على ألسنة الرسل.
{والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك ءامن إن وعد الله حقٌ فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين (17) أولئك الذين حق عليهم القولُ في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين (18) ولكلٍ درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون (19) ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون (20) }(3/185)
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)
17 - {أُفٍّ} كلمة تبرم يقصد بها إظهار السخط وقبح الرد وأصل الأف والتف أن الأف وسخ الأذن والتف وسخ الأنف أو الأف وسخ الأظفار والتف الذي يكون في أصول الأفخاذ، أو الأف تقليب الأنف والتف الإبعاد {أَنْ أُخْرَجَ} أبعث {يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ} يدعوان اللهم أهده اللهم أقبل بقلبه اللهم اغفر له {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ} فلم يبعثوا نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر كان أبوه وأمه يدعوانه إلى الإسلام فيجيبهما بذلك ثم أصاب الله - تعالى - فيه دعوة ابيه فأسلم ونزلت توبته في قوله {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عملوا} [19] قاله السدي وقال ما رأيت بالمدينة أعبد منه أو في عبد الله بن أبي بكر قاله مجاهد، أو في جماعة من الكفار قالوا ذلك لآبائهم ولذلك قال {أولئك الذين حق عليهم القول} [18] فأراد بقوله {الذي} جمعاً لأنهم يذكرون الواحد يريدون به الجمع.(3/186)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)
20 - {طَيِّبَاتِكُمْ} شبابكم وقوتكم من قولهم ذهب أطيباه أي شبابه وقوته. قال الضحاك. {الهون} الهوان بلغة قريش.
{واذكر أخا عادٍ إذ أنذرَ قومه بالأحقافِ وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلقه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (21) قالوا أجئتنا لتأفكنا عن ءالهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (22) قال إنما العلم عند الله وأُبلغكم ما أُرسلت به ولكني أراكم قوماً تجهلون (23) فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارضٌ ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريحٌ فيها عذابٌ أليمٌ (24) تدمر كل شيءٍ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين (25) }(3/187)
وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)
21 - {أَخَا عَادٍ} في النسب {بِالأَحْقَافِ} جمع حقف وهو ما استطال واعوج من الرمل العظيم ولم يبلغ أن يكون جبلاً وهي رمال مشرفة على البحر في الشِّحْر باليمن، أو أرض من حُسمى تسمى الأحقاف، أو جبل بالشام يسمى الأحقاف، أو ما بين عمان وحضرموت، أو واد بين عمان ومهرة " ع " {وَقَدْ خَلَتِ النُذُرُ} الرسل {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} قبله. {وَمِنْ خَلْفِهِ} بعده.(3/187)
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22)
22 - {لِتَأْفِكَنَا} لتزيلنا عن عبادتها بالإفك، أو لتصدنا عنها بالمنع.(3/187)
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24)
24 - العارض: السحاب لأخذه في عرض السماء أو لأنه يملأ آفاقها، أو لأنه مار فيها والعارض المار الذي لا يلبث وهذا أشبه، وكان المطر أبطأ عنهم(3/187)
فظنوه سحاباً ممطراً. فقال بكر بن معاوية منهم هذا عارض ممطر فنظر إليه هود فقال {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} لأنهم استعجلوا العذاب استهزاء فنظر بكر بن معاوية إلى السحاب فقال إني لأرى سحاباً مرمداً لا يبقى من عاد أحداً، والريح: الدبور كانت تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم واعتزل هود والمؤمنون في حظيرة لا يصيبهم منها إلا ما يلين على الجلود وتلذ به الأنفس وإنها لتمر من عاد بالظُّعن بين السماء والأرض قال شاعرهم [179 / أ] /
(فدعا هود عليهم ... دعوة أضحوا همودا)
(عصفت ريح عليهم ... تركت عادا خمودا)
(سخرت سبع ليال ... لم تدع في الأرض عودا)
وعُمِّر هود بعدهم في قومه مائة وخمسين سنة.
{ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدةً فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون (26) ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون (27) فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً ءالهةً بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون (28) }(3/188)
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)
26 - فيما لم نمكنكم فيه " ع "، أو فيما مكناكم فيه وإن(3/188)
صلة زائدة.
{وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرءان فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين (29) قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم (30) يا قومنا أجيبوا داعي الله وءامنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم (31) ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجزٍ في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلالٍ مبين (32) }(3/189)
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)
29 - {صَرَفْنَآ} صرفوا عن استراق السمع لما بعث الرسول [صلى الله عليه وسلم] فقالوا ما هذا الذي حدث في الأرض ضربوا في الأرض حتى وقفوا على الرسول [صلى الله عليه وسلم] ببطن نخلة عامداً إلى عكاظ وهو يصلي الفجر فنظروا إلى صلاته واقتداء أصحابه به وسمعوا القرآن فرجعوا إلى قومهم فقالوا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} [الجن: 1] " ع "، وكانت السورة التي قرأها ببطن نخلة {سَبِّحِ اسم ربك الأعلى} " ع "، أو صرفوا عن بلادهم بتوفيق الله - تعالى - هداية لهم حتى وقفوا على الرسول [صلى الله عليه وسلم] ببطن نخلة وكانوا من جن نصيبين " ع " أو نينوى، أو جزيرة الموصل، أو حَران اثنا عشر ألفاُ من جزيرة الموصل، أو تسعة أحدهم زوبعة، أو سبعة ثلاثة من أهل نجران وأربعة من نصيبين ولم يشعر بهم رسول [صلى الله عليه وسلم] حتى أوحي إليهم أمرهم وأخبر به " ع " أو أعلمه الله - تعالى - بهم قبل مجيئهم فأتاهم وقرأ عليهم القرآن وقضى بينهم في قتيل منهم {فما قُضِيَ} فرغ من(3/189)
الصلاة {ولو إلى قومهم منذرين} بالرسول [صلى الله عليه وسلم] مخوفين به، أو فلما فرغ من القراءة ولوا إلى قومهم مؤمنين.(3/190)
وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)
32 - {دَاعِىَ اللَّهِ} نبيه {فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ} أي سابق فلا يفوت الله هرباً.
{أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير (33) ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (34) فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغٌ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون (35) }(3/190)
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
35 - {أُوْلُواْ الْعَزْمِ} الذين أمروا بالقتال، أو العرب من الأنبياء، أو من لم تصبه منهم فتنة، أو من أصابه بلاء بغير ذنب أو أولو العزم الذين صبروا على أذى قومهم فلم يجزعوا أو جميع الأنبياء أولو العزم أُمِر أن يصبر كما صبروا أو نوح وهود وإبراهيم أمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يكون رابعهم، أو نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى، أو إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد أو منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب وليس منهم يونس ولا سليمان ولا آدم {ولا(3/190)
تَسْتَعْجِل} بالدعاء عليهم، أو بالعذاب {مَا يُوعَدُونَ} من العذاب، أو الآخرة {لَمْ يَلْبَثُواْ} في الدنيا، أو القبور {بلاغٌ} هذا اللبث بلاغ أو هذا القرآن بلاغ، أو ما وصفه من هلاك الدنيا، أو عذاب الآخرة بلاغ {فَهَلْ يُهلَكَ} بعد هذا البلاغ {إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} أي المشركون قيل نزلت هذه الآية بأحد فأمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولو العزم.(3/191)
سُورة محمد
مدنية، أو إلا نزلت بعد حجة حين خرج من مكة وجعل ينظر إلى البيت وهو يبكي خزناً عليه فنزلت {وكأين من قرية} [الآية: 13] .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم (1) والذين ءامنوا وعملوا الصالحات وءامنوا ما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم (2) ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين ءامنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم (3) }(3/192)
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)
1 - {كَفَرُواْ} بالتوحيد {سَبِيلِ اللَّهِ} الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه، أو عن بيت الله [179 / ب] / بمنع قاصديه إذا عرض عليهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] الدخول في الإسلام قيل نزلت في اثني عشر رجلاً من أهل مكة.(3/192)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)
2 - {والذين آمنوا} الأنصار {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} بمواساتهم في مساكنهم وأموالهم، أو خاصة في ناس من قريش {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} بهجرتهم {كَفَّرَ} ستر، أو غفر {بَالَهُمْ} حالهم، أو شأنهم، أو أمرهم.(3/193)
ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)
3 - {الْبَاطِلَ} الشيطان، أو إبليس {اتَّبَعُواْ الحَقَّ} القرآن، أو محمداً [صلى الله عليه وسلم] لمجيئه بالحق {للناس} محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو عام {أمثالهم} صفات أعمالهم.
{فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم (4) سيهديهم ويصلح بالهم (5) ويدخلهم الجنة عرفها لهم (6) يا أيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (7) والذين كفروا فتعساً لهم وأضلَّ أعمالهم (8) ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم (9) }(3/193)
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)
4 - {الَّذِينَ كَفَرُواْ} عبدة الأوثان، أو كل كافر من كتابي أو مشرك إذا لم يكن ذمة أو عهد. {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} بالقتل صبراً عند القدرة، أو قتالهم بالسلاح واليدين. {أَثْخَنتُمُوهُمْ} ظفرتم بهم {فشدوا الوثاق} بالأسر {منا} بالعفو والإطلاق {فِدَآءً} بمال، أو أسير، أو بالبيع {الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} أثقالها من السلاح. الوزر الثقل، وزير الملك يحمل أثقاله، أو يضعون السلاح بالهزيمة، أو الموادعة، أو أوزار كفرهم بالإسلام، أو يظهر الإسلام على الدين كله، أو ينزل عيسى بن مريم، وهي منسوخة بقوله {فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57] أو محكمة فتخير الإمام بين المن والفداء، والقتل والاسترقاق(3/193)
{لانتَصَرَ مِنْهُمْ} بالملائكة، أو بغير قتال {وَالَّذِينَ قُتِلُواْ} قيل قتلى أُحد.(3/194)
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5)
5 - {سَيَهْدِيهِمْ} يحقق لهم الهداية، أو إلى محاكمة منكر ونكير في القبر أو إلى طريق الجنة.(3/194)
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)
6 - {عَرَّفَهَا} بوصفها على ما يشوق إليها، أو عرفهم ما لهم فيها من الكرامة، أو طَيَّبها بأنواع الملاذ من العَرْف وهو الرائحة الطيبة، أو عرفهم مساكنهم حين لا يسألون عنها، أو وصفها لهم في الدنيا فلما دخلوها عرفوها بصفتها.(3/194)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
7 - {تنصروا الله} دينه، أو نبيه {يثبت أَقْدَامَكُمْ} بالنصر، أو قلوبكم بالأمن.(3/194)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)
8 - {فَتَعْساً} خزياً، أو شقاء، أو شتماً من الله، أو هلاكاً، أو خيبة أو قبحاً، أو بعدا، أو رغما. والتعس الانحطاط والعثار.
{أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها (10) ذلك بأن الله مولى الذين ءامنوا وأن الكافرين لا مولى لهم (11) إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنارُ مثوىً لهم وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكاهم فلا ناصر لهم (13) أفمن كان على بينةٍ من ربه كمن زين له سوءُ عمله واتبعوا أهواءهم (14) مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهارٌ من ماءٍ غيرِ ءاسنٍ وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغير(3/194)
طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرةٌ من ربهم كمن هو خالدٌ في النار وسُقوا ماءً حميماً فقطع أمعاءهم (15) } .(3/195)
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)
14 - {أَفَمَن كَانَ} محمد والبينة: الوحي، أو المؤمنون والبينة معجزة الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو الدين، أو القرآن {كَمَن زُين لَهُ سوء عمله} بالشرك، أو عبادة الأوثان عامة، أو في الأثنى عشر رجلاً من قريش زينها الشيطان، أو أنفسهم {وَاتَّبَعُواْ} يعني المنافقين، أو من زين له سوء عمله.
{ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال ءانفاً أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم (16) والذين اهتدوا زادهم هدىً وءاتاهم تقواهم (17) فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتةً فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم (18) فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم (19) }(3/195)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)
16 - {مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} عبد الله بن أُبي وجماعة من المنافقين، كانوا يستمعون خطبة الجمعة فإذا سمعوا ذكر المنافقين أعرضوا فإذا خرجوا سألوا عنه، أو كانوا يحضرون مع المؤمنين فيسمعون قوله فيعيه المؤمن دون المنافق {أُوتُواْ الْعِلْمَ} ابن عباس وابن مسعود، أو أبو الدرداء، أو الصحابة قاله(3/195)
ابن زيد {أنفا} قريباً، أو مبتدئاً سألوا عن ذلك استهزاء، أو بحثاً عما جهلوه.(3/196)
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)
17 - {زَادَهُمْ} الاستهزاء هدى، أو زادهم القرآن، أو الناسخ والمنسوخ {هُدىً} علماً، أو نصرة في الدين وتصديقاً للرسول [صلى الله عليه وسلم] [180 / أ] /، أو شرحاً لصدورهم، أو عملاً بما علموا مما سمعوا {تَقْوَاهُمْ} الخشية، أو ثواب التقوى، أو وفقهم للعمل بما فرض عليهم، أو بين لهم ما يتقون، أو ترك المنسوخ والعمل بالناسخ.(3/196)
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)
18 - {أَشْرَاطُهَا} آياتها، أو انشقاق القمر على عهد الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] لأنه آخر الرسل وأمته آخر الأمم. " بعثت والساعة كهاتين " {فأنى لهم} فكيف لهم بالنجاة {جَآءَتْهُمْ} الساعة، أو الذكرى عند مجيء الساعة {ذكراهم} ذكيرهم بما عملوا من خير، أو شر، أو دعاؤهم بأسمائهم تبشيراً وتخويفاً. قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " أحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة يا فلان قم إلى نورك. يا فلان قم فلا نور لك ".(3/196)
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
19 - {فَاعْلَمْ} أن الله أعلمك {أَنَّهُ لآ إِلَهَ إِلا اللَّهُ} هو، أو ما علمته استدلالاً فاعلمه يقيناً، أو ما ذكر عبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه.
{ويقول الذين ءامنوا لولا أنزلت سورةٌ فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرضٌ ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم (20) طاعةٌ وقولٌ معروفٌ فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم (21) فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم (22) أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم (23) }
20 -،(3/197)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)
21 - {لَوْلا نُزِّلَتْ} كان المؤمنون إذا تأخر نزول القرآن اشتاقوا إليه وتمنوه {مُّحْكَمَةٌ} بذكر الحلال والحرام، أو بالقتال {مَّرَضٌ} شك لأن القلب به كالمريض {فَأَوْلَى لَهُمْ} وعيد كأنه قال العقاب أولى، أو أولى لهم. {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} من أن يجزعوا عن فرض الجهاد، أو طاعة وقول معروف حكاية من الله تعالى عنهم قبل فرض الجهاد {مَّعْرُوفٌ} الصدق والقبول، أو الإجابة بالسمع والطاعة {صَدَقُواْ اللَّهَ} بأعمالهم {لَكَانَ خَيْراً} من نفاقهم.(3/197)
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)
22 - {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} يا قريش، أو أيها الخوارج، أو المنافقون وهو الأظهر {تَوَلَّيْتُمْ} الحكم فتفسدوا بأخذ الرشا، أو توليتم أمر الأمة أن تفسدوا بالظلم، أو توليتم عن القرآن فتفسدوا بسفك الدم، أو توليتم عن الطاعة فتفسدوا بالمعاصي وقطع الأرحام.(3/197)
{أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (24) إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم (25) ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم (26) فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (27) ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم (28) }(3/198)
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)
25 - {الَّذِينَ ارْتَدُّواْ} اليهود كفروا بمحمد بعد علمهم أنه نبي، أو المنافقون قعدوا عن الجهاد بعدما علموه في القرآن. {سَوَّلَ} أعطاهم سؤالهم، أو زين لهم خطاياهم {وَأَمْلَى لَهُمْ} أمهلهم الله بالعذاب، أو مدَّ لهم في الأمل، أو مدَّ الشيطان آمالهم بالتسويف.(3/198)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)
26 - {بِأَنَّهُمْ قَالُواْ} قالت اليهود للمنافقين {سَنُطِيعُكُمْ} في أن لا نصدق بشيء من مقالته، أو في كتم ما علمناه من نبوته، أو قال المنافقون لليهود سنطيعكم في غير القتال في بغض محمد والقعود عن نصرته، أو في الميل إليكم والمظاهرة على محمد، أو في الارتداد بعد الإيمان.
{أم حسبِ الذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرجَ الله أضغانهم (29) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم (30) ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم (31) }(3/198)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)
29 - {مَّرَضٌ} نفاق، أو شك {أَضْغَانَهُمْ} غشهم، أو حسدهم، أو حقدهم، أو عدوانهم.(3/198)
وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)
30 - {لَحْنِ الْقَوْلِ} كذبه، أو فحواه واللحن الذهاب بالكلام في غير جهته، واللحن في الإعراب الذهاب عن الصواب، ألحن بحجته أذهب بها في الجهات، فلم يتكلم بعدها منافق عند الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلا عرفه {يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} يميزها أو يراها [180 / ب] /.(3/199)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)
31 - {الْمُجَاهِدِينَ} في سبيل الله، أو الزاهدين في الدنيا {وَالْصَّابِرِينَ} على الجهاد، أو عن الدنيا.
{إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئاً وسيحبط أعمالهم (32) يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم (33) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفارٌ فلن يغفر الله لهم (34) فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم (35) }(3/199)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)
33 - {أطيعوا الله} - تعالى - بتوحيده، {والرسول} [صلى الله عليه وسلم] بتصديقه، أو أطيعوا الله - تعالى - في حرمة الرسول [صلى الله عليه وسلم] والرسول [صلى الله عليه وسلم] في تعظيم الله عز وجل {أَعْمَالَكُمْ} حسناتكم بالمعاصي، أو لا تبطلوها بالكبائر، أو بالرياء والسمعة.(3/199)
فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)
35 - {يتركم} ينقصكم أُجُورَ أعمالكم، أو يظلمكم، أو يستلبكم، ومنه(3/199)
فقد " وُتِرَ أهله وماله ".
{إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسئلكم أموالكم (36) إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم (37) هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم (38) }(3/200)
إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36)
36 - {ولا يسألكم أَمْوَالَكُمْ} لنفسه، أو لا يسألكم جميعها في الزكاة ولكن بعضها، أو لا يسألكم أموالكم إنما هي أمواله وهو المنعم بها.(3/200)
إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)
37 - {فَيُحْفِكُمْ} بأخذ الجميع، أو الإلحاح وإكثار السؤال من الحفاء وهو المشي بغير حذاء، أو {فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ} فيجدكم تبخلوا.(3/200)
هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)
38 - {تَتَوَلَّوْاْ} عن كتابي، أو طاعتي، أو الصدقة التي أمرتكم بها أو عن هذا الأمر فلا تقبلوه {قَوْماً غَيْرَكُمْ} أهل اليمن، أو من شاء من سائر الناس، أو الفرس. سئل الرسول [صلى الله عليه وسلم] عن ذلك فضرب على منكب سلمان: فقال: " هذا وقومه " {أَمْثَالَكُم} في البخل بالنفقة في سيبل الله،(3/200)
أو في المعصية وترك الطاعة.(3/201)
سُورَةُ الفَتْحِ
مدنية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً (1) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً (2) وينصرك الله نصراً عزيزاً (3)(3/202)
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)
1 - {فَتَحْنَا} أعلمناك بما أنزلناه من القرآن وعرفناك من الدين يعبّر عن العلم بالفتح ومنه {مَفَاتِحُ الغيب} [الأنعام: 59] علم الغيب، أو قضينا لك بفتح مكة قضاء بَيِّنا. وعده بذلك مرجعه من الحديبية، أو قضينا في الحديبية قضاء مبيناً بالهدنة. قال جابر: ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية، أو بيعة الرضوان قال البراء: أنتم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، أو نحره وحلقه يومئذ، والحديبية بئر تمضمض فيها الرسول [صلى الله عليه وسلم] . وقد غارت فجاشت بالماء.(3/202)
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)
2 - {لِّيَغْفِرَ لَكَ} إكمالاً للنعمة عليك، أو يَصْبرك على أذى قومك {مَا تَقَدَّمَ) {قبل الفتح} (وَمَا تَأَخَّرَ} بعده، أو ما تقدم النبوة وما تأخر عنها، أو ما(3/202)
وقع وما لم يقع. وعده بأنه مغفور إن وقع {نِعْمَتَهُ} بفتح مكة والطائف وخيبر، أو بخضوع من استكبر وطاعة من تجبر قال عبد الله بن أُبي للأنصار كيف تدخلون في دين رجل لا يدري ما يُفعل به ولا بمن اتبعه هذا والله هو الضلال المبين، فقال الشيخان: يا رسول الله ألا تسأل ربك يخبرك بما يفعل بك وبمن اتبعك فقال: إن له أجلاً فأبشروا بما يسركما فلما نزلت قرأها على أصحابه فقال أحدهم: هنيئاً مريئاً يا رسول الله قد بيّن الله تعالى لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت {لِّيُدْخِلَ المؤمنين} [5] .
{هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً (4) ليدخل المؤمنين والمؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفرَ عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزاً عظيماً (5) ويعذبَ المنافقين والمُنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرةُ السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا (6) ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً (7) }(3/203)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)
4 - {السَّكِينَةَ} الصبر على أمر الله، أو الثقة بوعده، أو الرحمة لعباده.(3/203)
وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)
6 - {ظَنَّ السَّوْءِ} أن له شريكاً، أو أنه لن يبعث أحداً، أو أن يجعلهم كرسوله، أو ينصرهم عليه. ظنت أسد وغطفان لما خرج الرسول [181 / أ] / [صلى الله عليه وسلم] إلى الحديبية أنه يقتل أو ينهزم فعاد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى المدينة سالماً ظافراً.
{إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً (8) لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرةً وأصيلا (9) إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد الله فسيؤتيه أجراً عظيماً (10) }(3/204)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)
8 - {شَاهِداً} على أمتك بالبلاغ، أو بأعمالهم من طاعة ومعصية، أو مبيناً لهم ما أرسلت به {وَمُبَشِّراً} للمؤمنين {وَنَذِيراً} للكافرين، أو مبشراً بالجنة للطائع ونذيراً بالنار للعاصي.(3/204)
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)
9 - {وَتُعَزِّرُوهُ} الضمائر الثلاثة لله، فتوقيره بإثبات ربوبيته ونفي الأولاد والشركاء عنه، أو التعزيز والتوقير للرسول [صلى الله عليه وسلم] فتوقيره أن يدعى بالنبوة والرسالة دون الاسم والكنية، أو تُسَوِّدوه، والتعزيز المنع وها هنا الطاعة، أو التعظيم، أو النصر. {وَتُسَبِّحُوهُ} بتنزيهه عن كل قبيح، أو بالصلاة المشتملة على التسبيح {بكرة وأصيلا} غدوة وعشياً.(3/204)
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)
10 - {يُبَايِعُونَكَ} بيعة الرضوان {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} لأن بيعة نبيه طاعة(3/204)
له. سميت بيعة تشبيهاً بالبيع، أو لأنهم باعوا أنفسهم بالجنة {يَدُ اللَّهِ} عقده في هذه البيعة فوق عقدهم، أو قوته في نصرة النبي فوق قوتهم، أو ملكه فوق ملكهم لأنفسهم، أو يده بالمنة في هدايتهم فوق أيديهم في طاعتهم، أو يده عليهم في فعل الخير بهم فوق أيديهم في بيعتهم {نَّكَثَ} نقض العهد عند الجمهور، أو كفر {عَاهَدَ عَلَيْهُ} في البيعة، أو الإيمان.
{سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضرّاً أو أراد بكم نفعاً بل كان الله بما تعملون خبيراً (11) بل ظننتم أن لن ينقلب الرسولُ والمؤمنون إلى أهليهم أبداً وزينَ ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوماً بوراً (12) ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً (13) ولله ملك السموات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفوراً رحيماً (14) }(3/205)
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)
12 - {بورا} فاسدين أو هلكى - أو أشراراً.
{سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا}(3/205)
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)
15 - {يبدلوا كلام الله} وعده لنبيه [صلى الله عليه وسلم] بالنصر والظفر لما ظنوا ظن السوء أنه يهلك، أو قوله {لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً} [التوبة: 83] لما استأذنوا في الخروج لأجل الغنائم بعد امتناعهم عنه بظن السوء.(3/205)
{قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديدٍ تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً (16) ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ ومن يطع الله ورسوله يدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذاباً أليماً (17) }(3/206)
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)
16 - {لِّلْمُخَلَّفِينَ} المنافقون ثلاثة أحدهم: لا يؤمن {سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ} [التوبة: 101] والثاني: تابوا {عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 102] فقبلت توبتهم والثالث: قوم بين الخوف والرجاء وهم المدعوون. {إِلَى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ} فارس، أو الروم، أو غطفان وهوازن بحنين، أو بنو حنيفة مع مسيلمة، أو قوم لم يأتوا بعد
{لقد رضي الله عنه المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً (18) ومغانم كثيرةً يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً (19) }(3/206)
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)
18 - {يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} لما تأخر عثمان - رضي الله تعالى عنه - بمكة وأرجف بقتله بايع الرسول [صلى الله عليه وسلم] هذه البيعة على الصبر والجهاد. وكانوا ألفاً وأربعمائة، أو خمسمائة، أو ثلاثمائة والشجرة سَمُرة، وسميت بيعة الرضوان لقوله تعالى: {لَّقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} . {مَا فِى قُلُوبِهِمْ} من صدق النية، أو كراهية البيعة على الموت. {السَّكِينَةَ} الصبر، أو سكون النفس بصدق الوعد {فتحا قريبا} خيبر، أو مكة.(3/206)
{وعدكم الله مغانم كثيرةً تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيديَ الناسِ عنكم ولتكون ءايةً للمؤمنين ويهديكم صراطاً مستقيماً (20) وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيءٍ قديراً (21) ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً ولا نصيراً (22) سنةَ اللهِ التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنةِ الله تبديلا (23) وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيراً (24) }(3/207)
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)
20 - {مغانم كَثِيرَةً} خيبر، أو كل مغنم غنمه المسلمون {لَكُمْ هَذِهِ} خيبر، أو صلح الحديبية {أَيْدِىَ النَّاسِ} اليهود كف أيديهم عن المدينة لما خرج الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى الحديبية، أو قريش بالحديبية أو الحليفان أسد وغطفان، جاءوا لنصرة أهل خيبر فألقى في قلوبهم الرعب فانهزموا {وَلِتَكُونَ} فتح خيبر، أو كف الأيدي {أيه} علامة لصدق [181 / ب] / وعد الله - تعالى -.(3/207)
وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21)
21 - {أخرى} أرض فارس والروم وكل ما فتحه المسلمون، أو خيبر، أو مكة {أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} قدر عليها أو حفظها لكم لتفتحوها.(3/207)
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)
23 - {سُنَّةَ اللَّهِ} طريقته السالفة في نصر رسله وأوليائه على أعدائه {وَلَن تَجِدَ} لن يغير سنته في نصرك على أعدائك.(3/207)
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)
24 - {كَفَّ أَيْدِيَهُمْ} بالرعب {وَأَيْدِيَكُمْ} بالنهي، أو أيديهم بالخذلان وأيديكم بالإبقاء لعلمه بمن يسلم منهم، أو أيديكم وأيديهم بصلح الحديبية {بِبَطْنِ مَكَّةَ} الحديبية لأن بعضها مضاف إلى الحرم، أو بمكة نفسها {أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} بفتح مكة فيكون نزول هذه الآية بعد الفتح، أو بقضاء العمرة التي(3/207)
صدوكم عنها، أو بالثمانين بأخذه الثمانين سلماً وأعتقهم وكانوا هبطوا من التنعيم ليقتلوا من ظفروا به.
{هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفاً أن يبلغ محله ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرةٌ بغير علمٍ ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً (25) إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميةَ حميةَ الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمةَ التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيءٍ عليما (26) }(3/208)
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)
25 - {صدوكم} عام الحديبية {مَعْكُوفاً} محبوساً، أو واقفاً، أو مجموعاً {مَحِلَّهُ} منحره أو الحرم المحل بالكسر غاية الشيء وبالفتح الموضع الذي يحله الناس وكان الهدى سبعين بدنة. {لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ} لم تعلموا إيمانهم {تطؤوهم} بخيلكم ورجلكم فتقتلوهم، أو لولا أن في أصلاب الكفار وأرحام نسائهم رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهن أن تطؤوا آبائهم فيهلك الأبناء {مَّعَرَّةٌ} إثم، أو غرم الدية، أو كفارة قتل الخطأ، أو الشدة، أو العيب، أو الغم {تزيلوا} تميزوا، أو تفرقوا، أو زايلوا حتى لا يختلطوا بمشركي مكة {لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ} بالقتل بالسيف ولكن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار.(3/208)
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
26 - {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} عصبيتهم لآلهتهم وأنفتهم أن يعبدوا غيرها، أو(3/208)
أنفتهم من الإقرار بالرسالة والافتتاح ببسم الله الرحمن الرحيم ومنعهم من دخول مكة {سَكِينَتَهُ} الصبر وإجابتهم إلى الصلح حتى عاد في قابل فقضى عمرته {كَلِمَةَ التَّقْوَى} لا إله إلا الله " ع "، أو الإخلاص، أو بسم الله الرحمن الرحيم، أو قولهم سمعنا وأطعنا بعد خوضهم وسميت كلمة التقوى لأنهم يتقون بها غضب الله - تعالى - فكان المؤمنون أحق بكلمة التقوى، أو أهل مكة لتقدم إنذارهم لولا سلب التوفيق.
{لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ءامنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً (27) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً (28) }(3/209)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)
28 - {الرؤيا} كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] رأى أنه يدخل مكة على الصفة المذكورة فلما صالح بالحديبية ارتاب المنافقون فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : فما رأيت في هذا العام {فَعَلِمَ} أن دخلوها إلى سنة ولم تعلموه أنتم، أو علم أن بها رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم {فَتْحاً قَرِيباً} صلح الحديبية، أو فتح خيبر {إِن شَآءَ اللَّهُ} شرط واستثناء، أو ليس بشرط بل خرج مخرج الحكاية معناه(3/209)
لتدخلنه بمشيئة الله - تعالى - أو إن شاء الله دخول الجميع أو البعض لأنه علم أن بعضهم يموت.
{محمدٌ رسول الله والذين معه أشداءُ على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً (29) }(3/210)
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
29 - {سِيمَاهُمْ} ثرى الأرض وندى الطهور، أو السمت الحسن، أو الصفار من السهر، أو تبدوا صلاتهم في وجوههم، أو نور وجوههم يوم القيامة {مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ} بأن سيماهم في وجوههم {ومثلهم في الإنجيل} كزرع [182 / أ] /، أو كلا المثلين في التوراة والإنجيل {شطأه} شوك السنبل وهو البهمي والسفا، أو السنبل يخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان، أو فراخه التي تخرج من جوانبه. شاطئ النهر جانبه {فَآزَرَهُ} ساواه فصار مثل الأم، أو شد فراخ الزرع أصول النبت وقواها {فَاسْتَغْلَظَ} باجتماع الفراخ مع الأصول {لِيَغِيظَ بِهِمُ} بالرسول [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه رضي الله - تعالى - عنهم لأن ما أعجب المؤمنين من قوتهم كإعجاب الزراع بقوة زرعهم هو الذي غاظ الكفار منهم شبه ضعف الرسول [صلى الله عليه وسلم] في أمره وإجابة الواحد بعد الواحد له حتى قوي أمره وكثر جمعه بالزرع يبدو ضعيفاً فيقوى حالاً بعد حال حتى يغلظ بساقه وأفراخه.(3/210)
سُورَةُ الحُجُراتِ
مدنية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{يأيها الذين ءامنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميعٌ عليمٌ (1) يأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون (2) إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذي امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ (3) }(3/211)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
1 - {لا تُقَدِّمُواْ} كان بعضهم يقول لو أنزل فِيَّ كذا لو أنزل فِيَّ كذا فنزلت، أو نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه " ع "، أو لا يفتاتوا على الله - تعالى - ورسوله [صلى الله عليه وسلم] حتى يقضي على لسان رسوله [صلى الله عليه وسلم] ، أو ذبحوا قبل الرسول [صلى الله عليه وسلم] فأمروا بإعادة الذبح، أو لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها المأمور به قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: بعث الرسول [صلى الله عليه وسلم] أربعة عشر رجلاً من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم إلا ثلاثة فلما رجعوا إلى المدينة لقوا رجلين من بني سليم فسألوهم عن نسبهما فقالا من بني عامر فقتلوهما فأتى بنو سليم وقالوا للرسول [صلى الله عليه وسلم] : إن بيننا وبينك عهداً وقد قتل منا رجلان فوداهما الرسول [صلى الله عليه وسلم](3/211)
ونزلت هذه الآية في قتلهما {وَاتَّقُواْ} في التقديم {إِنَّ اللَّهُ سَمِيعٌ} لأقوالكم {عَلِيمٌ} بأفعالكم.(3/212)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)
2 - {لا ترفعوا أصواتكم} تمارا عند الرسول [صلى الله عليه وسلم] رجلان فارتفعت أصواتهما فنزلت فقال أبو بكر - رضي الله تعالى عنه -: والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعدها إلا كأخي السرار {وَلا تَجْهَرُواْ} برفع أصواتكم، أو لا تدعوه باسمه وكنيته كدعاء بعضكم بعضاً بالأسماء والكنى ولكن أدعوه بالنبوة والرسالة {أَن تَحْبَطَ} أي فتحبط، أو لئلا تحبط.(3/212)
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)
3 - {امتحن} أخلصها، أو اختصها.
{إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون (4) ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفورٌ رحيمٌ (5) }(3/212)
إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)
4 - {الَّذِينَ يُنَادُونَكَ} جاءه رجل فناداه من وراء الحجرة يا محمد إن مدحي زين وإن شتمي شين فخرج الرسول [صلى الله عليه وسلم] فقال: ويلك ذاك الله. ذاك الله فنزلت، أو قال قوم انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن كان نبياً فنحن أسعد الناس(3/212)
به وإن يكن ملكاً نعش في جنابه فأتوه ينادونه وهو في حجرته يا محمد يا محمد فنزلت قيل: كانوا تسعة من بني تميم.(3/213)
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
5 - {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} أحسن أدباً وطاعة لله ورسوله، أو لأطلقت أسرارهم بغير فداء لأنه [182 / ب] / كان سبى قوماً من بني العنبر فجاءوا في فداء سبيهم.
{يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبإٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم ندامين (6) واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون (7) فضلاً من الله ونعمةً والله عليمٌ حكيمٌ (8) }(3/213)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
6 - {جَآءَكُمْ فَاسِقٌ} الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى بني المصطلق مصدقاً وأقبلوا نحوه فهابهم فرجع وأخبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أنهم ارتدوا عن الإسلام فأرسل خالداً وأمره بالتثبت فأرسل إليهم خالد عيونه فرأوا أذانهم وصلاتهم فأخبروا خالداً فلما علم ذلك منهم أخبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] فنزلت.(3/213)
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)
7 - {لَعَنِتُّمْ} لأثمتم، أو لاتهمتم، أو هلكتم، أو نالتكم شدة ومشقة {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ} حسَّنه عندكم، أو بما وصف من الثواب عليه {وَزَيَّنَهُ} بما وعد عليه من نصر الدنيا وثواب الآخرة، أو بدلالات صحته {وكَرَّه) قبح، أو بما وصف عليه من العقاب، الفاسقون: الكاذبون أو كل ما خرج من الطاعة.
{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (9) إنما المؤمنون إخوةٌ فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (10) }(3/214)
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)
9 - {وَإِن طَآئِفَتَانِ} كان بين الأوس والخزرج قتال بالنعال والسعف ونحوه على عهد الرسول [صلى الله عليه وسلم] فنزلت، أو اختصم اثنان منهم في حق فقال أحدهما لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته فدعاه الآخر إلى المحاكمة إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] فأبى فلم يزل الأمر حتى نال بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال فنزلت، أو كان لرجل منهم امرأة فأرادت زيارة أهلها فمنعها زوجها وجعلها في علية لا يدخل عليها أحد من أهلها فأرسلت إلى أهلها وجاءوا فأنزلوها لينطلقوا بها فاستعان زوجها بعصبته فجاءوا ليحولوا بينها وبين عصبتها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت، أو مَرَّ الرسول [صلى الله عليه وسلم] بابن أُبي فوقف عليه فراث حماره فأمسك ابن أُبي أنفه وقال إليك حمارك فغضب ابن رواحة وقال أتقول هذا لحمار رسول الله [صلى الله عليه وسلم](3/214)
فوالله لهو أطيب ريحاً منك ومن أبيك فغضب لكل واحد منهما قومه حتى اقتتلوا بالأيدي والنعال فنزلت فأصلح الرسول [صلى الله عليه وسلم] بينهم {الَّتِى تَبْغِى} بالتعدي في القتال، أو ترك الصلح، البغي التعدي بالقوة إلى طلب ما لا يستحق {إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} كتابه وسنة رسوله [صلى الله عليه وسلم] ، أو الصلح الذي أمر به {بِالْعَدْلِ} بالحق أو كتاب الله {الْمُقْسِطِينَ} ذوو العدل في أقوالهم وأفعالهم.
{يأيها الذين ءامنوا لا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمانِ ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون (11) }(3/215)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
11 - {لا يَسْخَرْ} غني بفقير أو مسلم بمن أعلن بفسقه والقوم: الرجال خاصة لقيام بعضهم مع بعض، أو لقيامهم بالأمور دون النساء {أَنفُسَكُمْ} أهل دينكم أو بعضكم بعضاً واللمز: العيب لا يطعن بعضكم على بعض، أو لا يلعنه، أو لا يخونه {تَنَابَزُواْ} وضع اللقب المكروه على الرجل ودعاؤه به قدم وفد بني سلمة على الرسول [صلى الله عليه وسلم] ولأحدهم اسمان وثلاثة فكان يدعوه بالاسم(3/215)
فيقال إنه يكره هذا فنزلت أو التسمية بالأعمال السيئة بعد الإسلام يا سارق يا زاني، يا فاسق، أو التعيير بعد الإسلام بما سلف من الشرك [183 / أ] / أو تسميته بعد الإسلام باسم دينه السابق كاليهودي والنصراني لمن كان يهودياً أو نصرانياً ولا يأتي بالألقاب الحسنة والنبز اللقب الثابت، أو القول بالقبيح نزلت في ثابت بن قيس نبز رجلاً بلقب كان لأمه، أو في كعب بن مالك كان على المقسم فقال لعبد الله بن أبي حدرد يا أعرابي فقال له عبد الله يا يهودي فتشاكيا إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو في الذين نادوا الرسول [صلى الله عليه وسلم] من وراء الحجرات لما عابوا أتباع الرسول [صلى الله عليه وسلم] من الفقراء والموالي، أو في عائشة - رضي الله تعالى عنها - عابت أم سلمة بالقِصَر أو بلباس تشهرت به.
{يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله توابٌ رحيمٌ (12) }(3/216)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
12 - {كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ} ظن السوء {بَعْضَ الظَّنِّ} أي ظن السوء، أو(3/216)
التكلم بما ظنه فإن لم يتكلم به فلا إثم عليه {تَجَسَّسُواْ} بتتبع عثرات المؤمن أو بالبحث عما خفي حتى يظهر، والتجسس والتحسس واحد " ع "، أو بالجيم البحث ومنه الجاسوس وبالحاء الإدراك ببعض الحواس، أو بالحاء أن يطلبه لنفسه وبالجيم أن يكون رسولاً لغيره {وَلا يَغْتَب} الغيبة: ذكر العيب بظهر الغيب إذا كان صدقاً فإن كان كذباً فهو بهتان وإن كان من سماع فهو إفك {لَحْمَ أَخِيِهِ مَيْتاً} كما تمتنعون من أكل لحوم الموتى فكذلك يجب أن تمتنعوا من غيبة الأحياء، أو كما يحرم الأكل يحرم الاغتياب {فَكَرِهْتُمُوهُ} كرهتم أن يغتابكم الناس فكذلك فاكرهوا غيبتهم، أو كرهتم أكل الميتة فاكرهوا الغيبة.
{يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبيرٌ (13) }(3/217)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
13 - {من ذكرٍ وأثنى} نهى عن التفاخر بالأحساب {شُعُوباً} النسب الأبعد والقبائل النسب الأقرب لأنها تشعبت من الشعوب، أو الشعوب عرب اليمن من قحطان والقبائل ربيعة ومضر وسائر عدنان، أو الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب {لِتَعَارَفُواْ} لا لتفتخروا، وواحد الشعوب شَعب بالفتح والشِعب الطريق جمعه شِعاب.
{قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإنه تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم (14) إنما المؤمنون الذي ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون (15) قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في والأرض والله بكل شيء عليمٌ (16) يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين (17) إن الله(3/217)
يعلم غيب السموات والأرض والله بصيرٌ بما تعملون (18) }(3/218)
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
18 - {قالت الأعراب آمنا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ} أقروا ولم يعملوا فالإسلام قول والإيمان عمل، أو أرادوا التسمي باسم الهجرة قبل المهاجرة فأعلموا أن اسمهم أعراب، أو منُّوا بإسلام وقالوا للرسول [صلى الله عليه وسلم] لم نقاتلك فقيل لهم [لم] تؤمنوا {وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا} خوف السيف لأنهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم وتركوا القتال فصاروا مستسلمين لا مسلمين فيكون من الاستسلام دون الإسلام قيل نزلت في أعراب بني أسد {يَلِتْكُم} لا يمنعكم، أو لا ينقصكم من ثواب أعمالكم يألتكم ويلتكم واحد أو يألت أبلغ وأكثر من يلت.(3/218)
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)
16 - {أتُعَلِّمُون اللَّهَ} أعراب حول المدينة أظهروا الإسلام [183 / ب] / وأبطنوا الشرك ومنوا بإسلامهم على الرسول [صلى الله عليه وسلم] وقالوا: فضلنا على غيرنا لأنا أسلمنا طوعاً.(3/218)
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
17 - {لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم} لأنه إن كان حقاً فهو لخلاصكم وإن كان نفاقاً فللدفع عنكم فلا مِنَّة لكم فيه.(3/218)
سُوَرَةُ ق
مكية، أو إلا آية {ولقد خلقنا السماوات} [38] .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{ق والقرآن المجيد (1) بل عجبوا أن جاءكم منذرٌ منهم فقال الكافرون هذا شيءٌ عجيب (2) أءذا متنا وكنا تراباً ذلك رجعٌ بعيد (3) قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتابٌ حفيظٌ (4) بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج (5) }(3/219)
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)
1 - {ق} اسم لله - تعالى - أقسم به، أو اسم للقرآن، أو قضى والله كما حم: حُم والله، أو الجبل المحيط بالدنيا {الْمَجِيدِ} الكريم أو الكثير القدر والمنزلة، في كل الشجر نار واستمجد المرخ والعفار استكثر، أو العظيم من مجدت الإبل عظمت بطونها من كلأ الربيع أقسم به تعظيماً لقدره وتشريفاً لخطره لأن القسم لا يكون في العرف إلا بمعظم.(3/219)
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)
2 - {عَجِيبٌ} كون الإله واحد، أو كون المنذر منهم، أو إنذارهم بالبعث.(3/219)
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)
4 - {مَا تَنقُصُ الأَرْضُ} من يموت منهم، أو ما تأكله من لحومهم وتبليه من عظامهم {كِتَابٌ} اللوح المحفوظ {حَفِيظٌ} لأعمالهم، أو لما تأكله الأرض من لحومهم وأبدانهم.(3/220)
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)
5 - {بِالْحَقِّ} القرآن اتفاقاً {مَّرِيجٍ} مختلط، أو مختلف، أو ملتبس، أو فاسد.
{أفلم ينظرون إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج (6) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسيَ وأنبتنا فيها من كل زوجٍ بهيجٍ (7) تبصرةً وذكرى لكل عبدٍ منيب (8) ونزلنا من السماء ماءً مباركاً فأنبتا به جناتٍ وحب الحصيد (9) والنخل باسقياتٍ لها طلع نضيد (10) رزقاً للعباد وأحيينا به بلدةً ميتاً كذلك الخروج (11) }(3/220)
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)
6 - {فُرُوجٍ} شقوق، أو فتوق إلا أن الملك تفتح له أبوابها.(3/220)
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)
7 - {مَدَدْنَاهَا} بسطناها {رَوَاسِىَ} جبالاً ثوابت واحدها راسية {بَهِيجٍ} حسن، أو من أبهجني الأمر أي سرني لأن السرور يحدث حُسْن الوجه قال الشعبي: الناس نبات الأرض من دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم.(3/220)
تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)
8 - {تَبْصِرَةً} دلالة، أو بصيرة للإنسان، أو نعماً بصر الله - تعالى - بها عباده {مُّنِيبٍ} مخلص، أو تائب، أو راجع متذكر.(3/220)
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)
9 - {مُّبَارَكاً} لإحيائه النبات والحيوان {جَنَّاتٍ} البساتين عند الجمهور، أو الشجر {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} البُر والشعير وكل ما يحصد من الحبوب إذا تكامل واستحصد سمي حصيداً.(3/220)
وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
10 - {بَاسِقَاتٍ} طوالاً " ع "، أو أثقلها حملها {نَّضِيدٌ} منضود أي متراكم " ع "، أو منظوم، أو قائم معتدل.(3/220)
رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)
11 - {رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ} ماء المطر ونبات الأرض {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} إذا كانت النشأة الأولى مقدورة من غير أصل فالثانية أولى بذلك لأن لها أصلاً، أو(3/220)
مشاهدة إعادة ما مات من زرع ونبات دالة على أن إعادة الموتى أولى للتكليف والجزاء.
{كذبت قبلهم قوم نوحٍ وأصحابُ الرس وثمود (12) وعادٌ وفرعون وإخوانُ لوطٍ (13) وأصحابُ الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسلَ فحقَ وعيدٍ (14) أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبسٍ من خلقٍ جديدٍ (15) }(3/221)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12)
12 - {الرَّسِّ} كل بئر لم تطو أو كل حفر في الأرض من بئر أو قبر وهي البئر التي قتل فيها صاحب ياسين ورسُّوه، أو بئر بأذربيجان " ع "، أو قوم باليمامة على آبارٍ لهم، أو أصحاب الأخدود {وَثَمُودُ} قوم صالح وهم عرب بوادي القرى وما حوله من الثمر وهو الماء القليل.(3/221)
وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13)
13 - {وَعَادٌ} أسلم رجل من العماليق كثر ولده وصاروا قبائل بأحقاف اليمن وهم قوم هود {وَفِرْعَوْنُ} كان فارسياً من أهل اصطخر أو كان من أهل مصر وكان من لخم، أو من تبع {وإخوان لوط} كانوا [184 / أ] / أربعة آلاف ألف ألف وما من نبي إلا يقوم يوم القيامة معه قوم إلا لوط فإنه يقوم وحده.(3/221)
وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)
14 - {وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ} قوم شعيب أهلكوا بيوم الظلة وأرسل إلى مدين أيضاً فأهلكوا بالصيحة والأيكة: الغيضة ذات الشجر الملتف وكان عامة شجرهم الدوم {تُبَّعٍ} لكثرة أتباعه أسلم وكفر قومه وهو حميري من ملوك العرب.(3/221)
أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
15 - {أَفَعَيِينَا} ما عجزت عن أهلاك الأولين مع قوتهم أفيشكون في إهلاكي إياهم مع قلتهم وضعفهم، أو ما عجزت عن الإنشاء أفتشكون في قدرتي على الإعادة. واللبس اكتساب الشك والخلق الجديد إعادة خلق بعد خلق أول.
{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقربُ إليه من حبل الوريد (16) إذ يتلقى(3/221)
المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد (17) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18) وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد (19) ونفخ في الصور ذلك يومُ الوعيد (20) وجاءت كل نفسٍ معها سائقٌ وشهيدٌ (21) لقد كنتَ في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (22) }(3/222)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
16 - {تُوَسْوِسُ} الوسوسة كثرة حديث النفس بما لا يتحصل في خفاء وإسرار {الْوَرِيدِ} حبل معلق به القلب وهو الوتين، أو عرق في الحلق عرق العنق وهو حبل العاتق وهما وريدان عن يمين وشمال سمي وريداً لأنه ينصب إليه ما يرد من الرأس {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} من وريده الذي هو منه أو أملك به من حبل وريده مع استيلائه عليه.(3/222)
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)
17 - {الْمُتَلَقِّيَانِ} ملكان يتلقيان العمل أحدهما عن يمينك يكتب الحسنات والآخر عن شمالك يكتب السيئات وهم أربعة ملكان بالليل وملكان بالنهار {قعيدٌ} قاعد أو رصَد حافظ من القعود.(3/222)
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
18 - {يَلْفِظُ} يتكلم من لفظ الطعام وهو إخراجه من الفم {رقيبٌ} متبع للأمور، أو حافظ، أو شاهد {عتيدٌ} حاضر لا يغيب، أو حافظ معد للحفظ، أو الشهادة.(3/222)
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
19 - {تَحِيدُ} تفر، أو تعدل.(3/222)
وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)
21 - {سائقٌ} ملك يسوقه إلى محشره، أو أمر الله يسوقه إلى الحساب {وشهيدٌ} ملك يشهد بعمله، أو الإنسان يشهد على نفسه بعمله، أو يداه ورجلاه تشهد عليه، أو العمل يشهد عليه بنفسه، وهي عامة في المسلمين والكافرين عند الجمهور، أو خاصة بالكفار.(3/222)
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)
22 - {كُنْتَ) {أيها النبي} (غَفْلَةٍ} عن الرسالة فكشفنا عنك غطاءك بالوحي(3/222)
قاله ابن زيد، أو كنت أيها الكافر في غفلة من عواقب كفرك {غِطَآءَكَ} كان في بطن أمه فولد، أو في القبر فنشر " ع "، أو وقت العرض في القيامة {فَبَصَرُكَ} بصيرتك سريعة، أو صحيحة لسرعة مور الحديد وصحة قطعه، أو بصر عينك حديد شديد، أو بصير " ع "، ومدرَكه معاينة الآخرة، أو لسان الميزان، أو ما يصير إليه من ثواب وعقاب " ع "، أو ما أمر من طاعة وحذر من معصية وهو معنى قول ابن زيد، أو العمل الذي كان يعمله في الدنيا.
{وقال قرينه هذا ما لدي عتيد (23) ألقيا في جهنم كل كفارٍ عنيدٍ (24) مناعٍ للخيرِ معتدٍ مريب (25) الذين جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد (26) قال قرينهُ ربنا ما أطغيتُهُ ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ (27) قال لا تختصموا لديَّ وقد قدمتُ إليكم بالوعيد (28) ما يبدل القول لدي وما أنا بظلامٍ للعبيد (29) }(3/223)
وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)
23 - {قَرِينُهُ} الملك الشهيد عليه، أو الذي قيض له من الشياطين، أو الإنس قاله ابن زيد {مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ} هذا الذي وكلت به قد أحضرته، أو هذا الذي كان يحبني وأحبه قد حضر قاله ابن زيد.(3/223)
أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)
24 - {أَلْقِيَا} يؤمر بإلقاء كل كافر ملكان، أو ملك ويؤمر / بلفظ الاثنين قال:
(فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر ... وإن تَدَعاني أحمِ عِرضاً ممنعاً)(3/223)
أو بمعنى تثنية القول ألق ألق. {عَنِيدٍ} معاند للحق، أو منحرف عن الطاعة، أو جاحد متمرد، أو مشاق، أو المعجب بما عنده المقيم على العمل به.(3/224)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25)
25 - {لِّلْخَيْرِ} المال أن ينفقه في الطاعة، أو الزكاة المفروضة، أو عام في الخير من قول وعمل {مُّرِيبٍ} شاك في الله - تعالى -، أو في البعث، أو متهم نزلت في الوليد بن المغيرة استشاره بنو أخيه في الإسلام فمنعهم.(3/224)
قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)
28 - {لا تَخْتَصِمُواْ} اختصامهم اعتذار كل واحد منهم فيما قدم من معاصيه " ع "، أو تخاصم كل واحد مع قرينه الذي أغواه في الكفر وأما خصامهم في مظالم الدنيا فلا يضاع لأنه يوم التناصف {بالوعيد} بالرسول [صلى الله عليه وسلم] " ع "، أو القرآن، أو الأمر والنهي.(3/224)
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)
29 - {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ} فيما أَوجبه من أمر ونهي، أو فيما وعد به من ثواب وعقاب أو في أن الحسنة بعشر والصلوات الخمس بخمسين صلاة {بِظَلامٍ} بمعذب من لم يجترم " ع ".
{يوم نقولُ لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد (30) وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد (31) هذا ما توعدون لكل أوابٍ حفيظٍ (32) من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيبٍ (33) ادخلوها بسلامٍ ذلك يومُ الخلودِ (34) لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد (35) }(3/224)
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)
30 - {تقول} بلسان حالها.
(امتلأ الحوض وقال قطني ... ... ... ... ... ... ... ... .)(3/224)
أو يقول زبانيتها {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} هل يزاد إلى من ألقي فيَّ غيرهم كالاستخبار عمن بقي، أو امتلأت بمن ألقي فهل أتسع لغيرهم، أو هل يزاد في سعتي لإلقاء غير من ألقي فيَّ.(3/225)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
32 - {أَوَّابٍ} ذاكر ذنبه في الخلاء، أو إذا ذكر ذنباً تاب واستغفر، أو الذي لا يقوم من مجلس حتى يستغفر {حَفِيظٍ} لوصية الله - تعالى -، أو مطيع فيما أُمِر، أو حافظ لحق الله - تعالى - بالاعتراف ولنعمه بالشكر.(3/225)
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
33 - {بِالْغَيْبِ} يدع الذنب سراً كما يدعه جهراً، أو يتوب سراً كما أذنب سراً، أو أطاع الله - تعالى - بالأدلة ولم يره {مُّنِيبٍ} تائب، أو مقبل على الله - تعالى - أو مخلص.(3/225)
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)
35 - {مَزِيدٌ} مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها، أو التزوج بالحور العين ويوم الجمعة يسمى في الآخرة يوم المزيد إما لزيادة ثواب العمل فيه أو لأن الله - تعالى - يقضي فيه بين خلقه يوم القيامة.
{وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشاً فنقبوا في البلاد هل من محيص (36) إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد (37) ولقد خلقنا السموات والأرض وما بنيهما في ستة أيامٍ وما مسنا من لغوب (38) فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (39) ومن الليل فسبحه وأدبار السجود (40) }(3/225)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)
36 - {فَنَقَّبُواْ} أثَّروا، أو ملكوا، أو ساروا، أو طَوَّفوا، أو اتخذوا فيها(3/225)
طرقاً ومسالك {مَّحِيصٍ} منجى من الموت، أو مهرب، أو مانع.(3/226)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
37 - {قَلْبٌ} عقل لأن القلب محله، أو نفس حية مميزة عبر عنها بالقلب لأنه وطنها ومعدان حياتها {أَلْقَى السَّمْعَ} فيما غاب عنه بالأخبار {وَهُوَ شَهِيدٌ} فيما عاينه بالحضور، أو سمع ما نزل من الكتب وهو شهيد بصحته، أو سمع ما أُنذر به من ثواب وعقاب وهو شهيد على نفسه بما عمل من خير أو شر خاصة بأهل القرآن، أو باليهود والنصارى، أو عامة في جميع أهل الكتب.(3/226)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)
38 - {لُّغُوبٍ} نصب وتعب زعم يهود المدينة أن الله - تعالى - خلق السموات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد وآخرها الجمعة واستراح يوم السبت ولذلك جعلوه يوم راحة فنزلت تكذيباً لهم.(3/226)
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)
39 - {عَلَى مَا يَقُولُونَ} من تكذيب، أو وعيد [185 / أ] / {وَسَبِّحْ} بقولك تنزيهاً لله - تعالى -، أو فَصَلٌ قبل طلوع الشمس الصبح.(3/226)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)
40 - {فَسَبِّحْهُ} قولاْ بالليل، أو عشاء الآخرة، أو صلاة الليل، أو ركعتا الفجر {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} التسبيح أدبار الصلوات، أو النوافل بعد الفرائض، أو ركعتان بعد المغرب قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : " ركعتين بعد المغرب إدبار السجود وركعتين قبل الفجر إدبار النجوم ".(3/226)
{واستمع يوم ينادِ المنادِ من مكانٍ قريبٍ (41) يومَ يسمعون الصيحة بالحق ذلك يومُ الخروج (42) إنا نحن نحي ونميت وإلينا المصير (43) يوم تشققُ الأرض عنهم سراعاً ذلك حشرٌ علينا يسيرٌ (44) نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبارٍ فذكر بالقرآن من يخافُ وعيدٍ (45) }(3/227)
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41)
41 - {ينادي} بالنفخة الثانية إلى أرض المحشر {مَّكَانٍ قَرِيبٍ} صخرة بيت المقدس، أو وسط الأرض: يا أيتها العظام البالية قومي لفصل القضاء وما أعد من الجزاء وهي أقرب إلى السماء بثمانية عشرة ميلاً، أو يسمعها كل قريب وبعيد.(3/227)
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)
42 - {بِالْحَقِّ} بقول الحق، أو بالبعث الذي هو حق {الْخُرُوجِ} من القبور، أو الخروج من أسماء القيامة.(3/228)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)
45 - {بِجَبَّارٍ} برب، أو متجبر مسلط عليهم، كل متسلط: جبار، أو لا تجبرهم على الإسلام من جبرته على الأمر قهرته عليه.(3/228)
سُورَةُ الذّاريَاتِ
مكية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{والذاريات ذروا (1) فالحاملات وقرا (2) فالجاريات يُسرا (3) فالمقسمات أمرا (4) إنما توعدون لصادق (5) وإن الدين لواقعٌ (6) والسماء ذات الحبك (7) إنكم لفي قول مختلف (8) يؤفك عنه من أفك (9) قتل الخراصون (10) الذين هم في غمرة ساهون (11) يسئلون أيان يومُ الدين (12) يومَ هم على النار يفتنون (13) ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون (14) }(3/229)
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1)
1 - {الذاريات} الرياح واحدتها ذارية لأنها تذرو التراب والتبن أي تفرقه في الهواء {ذَرْواً} مصدر، أو مَا ذَرَتْه أقسم بها وبما ذرته.(3/229)
فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2)
2 - {فَالْحَامِلاتِ} السحاب موقرة بالمطر، أو الرياح موقرة بالسحاب.(3/229)
فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3)
3 - {فَالْجَارِيَاتِ} السفن، أو السحاب {يُسْرًا} إلى حيث يسرها الله من البلاد، أو سهولة تيسيرها.(3/229)
فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)
4 - {فَالْمُقَسِّمَاتِ} السحاب يقسم الله بها الحظوظ بين الناس، أو الملائكة تقسم أمره في خلقه: جبريل صاحب الوحي والغلظة، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل صاحب الصور واللوح، وعزرائيل قابض الأرواح؛ أقسم الله تعالى بذلك لما فيه من الآيات والمنافع.(3/229)
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5)
5 - {إِنَّمَا تُوعَدُونَ} يوم القيامة كائن، أو الثواب والعقاب حق.(3/230)
وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)
6 - {الدِّينَ} الحساب لواجب، أو الجزاء لكائن.(3/230)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)
7 - {والسَّمَآءِ} السحاب أو السماء المعروفة على المشهور قال ابن عمر - رضي الله عنهما - هي السماء السابعة {الْحُبُكِ} الاستواء " ع "، أو الشدة، أو الصفاقة، أو الطرائق من حباك الحمام طرائق على جناحه، أو الحسن والزينة، أو كحبك الماء إذا ضربته الريح، أو الريح، أو لأنها حبكت بالنجوم " ح ".(3/230)
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8)
8 - {قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} أمر مختلف فمؤمن وكافر ومطيع وعاصٍ، أو مصدق بالقرآن ومكذب به، أو أهل الشرك يختلف عليهم الباطل.(3/230)
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)
9 - {يُؤْفَكُ} يضل عنه من ضل " ع "، أو يصرف عنه من صرف، أو يؤفن عنه من أفن، والأفَن فساد العقل، أو يخدع عنه من خدع، أو يكذب فيه من كذب، أو يدفع عنه من دفع.(3/230)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)
10 - {قتل} لعن [185 / ب] / {الْخَرَّاصُونَ} المرتابون، أو الكذابون، أو أهل الظنون والفرية، أو المتكهنون، والخرص هاهنا تعمد الكذب، أو ظن الكذب لأن الخرص حذر وظن ومنه خرص الثمار، خرصوا للتكذيب بالرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو بالبعث.(3/230)
الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11)
11 - {غَمْرَةٍ} غفلة لاهون " ع "، أو ضلالة يتمادون، أو عمىً وشبهة يترددون.(3/230)
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12)
12 - {أَيَّانَ} متى يوم الجزاء قيل إنها مركبة من أي والآن.(3/230)
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)
13 - {يُفْتَنُونَ} يعذبون، أو يطبخون ويحرقون كما يفتن الذهب بالنار،(3/230)
أو يكذبون توبيخاً وتقريعاً.(3/231)
ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)
14 - {فتنتكم} عذابكم أو تكذيبكم أو حريقكم.
{إن المتقين في جناتٍ وعيون (15) ءاخذين ما ءاتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين (16) كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون (17) وبالأسحار هم يستغفرون (18) وفي أموالهم حقٌ للسائل والمحروم (19) وفي الأرض ءايات للموقنين (20) وفي أنفسكم أفلا تبصرون (21) وفي السماء رزقكم وما توعدون (22) فورب السماء والأرض إنه لحقٌ مثل ما أنكم تنطقون (23) }(3/231)
آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)
16 - {ما آتاهم رَبُّهُمْ} من الفرائض " ع "، أو الثواب {قَبْلَ ذَلِكَ} قبل الفرائض {مُحْسِنِينَ} بالإجابة، أو قبل القيامة محسنين بالفرائض.(3/231)
كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)
17 - {كَانُواْ قَلِيلاً} تم الكلام ثم قال {مِّنَ الليل مَا يَهْجَعُونَ} الهجوع: النوم، أو كان هجوعهم قليلاً، أو كان القليل منهم ما يهجعون وإن كان الأكثر هجوعاً، أو كانوا في قليل من الليل ما يهجعون حتى صلوا المغرب والعشاء، أو قليلاً يهجعون وما صلة وهذا لما كان قيام الليل فرضاً.(3/231)
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
18 - {يَسْتَغْفِرُونَ} يصلون، أو يؤخرون الاستغفار إلى السَّحَر كما آخره يعقوب لبنيه، قال ابن زيد: السَّحَر هو السدس الأخير من الليل.(3/231)
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
19 - {حَقٌّ} معلوم: الزكاة، أو غيرها مما يصل به رحماً، أو يقري به ضيفاً، أو يحمل به كلاً، أو يغني به محروماً " ع " {وَالْمَحْرُومِ} الذي لا يسأل، أو الذي يجيء بعد الغنيمة ليس له فيها سهم، أو من لا سهم له في الإسلام " ع " أو من لا يكاد يتيسر له كسب أو من يطلب الدنيا وتدبر عنه " ع "، أو المصاب بثمره وزرعه، أو المملوك، أو الكلب.(3/231)
وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
20 - {وفي الأرض آيات} الجبال والبحار والأنهار، أو من أهلك من الأمم الخالية.(3/232)
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)
21 - {وَفِى أَنفُسِكُمْ} سبيل البول والغائط، أو تسوية مفاصل الأيدي والأرجل والجوارح دال على أنه خلقكم لعبادته، أو خلقكم من تراب، فإذا أنتم بشر أو حياتكم وقوتكم وما يخرج ويدخل من طعامكم وشرابكم، أو الكبر والضعف والشيب بعد الشباب والقوة والسواد " ح ".(3/232)
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)
22 - {وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ} ، من عند الله الذي في السماء، أو المطر والثلج ينبتان الزرع فيحيا به الخلق فهو رزق من السماء {وَمَا تُوعَدُونَ} من خير وشر، أو جنة ونار، أو أمر الساعة.(3/232)
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)
23 - {إنه لحق} ما جاء به الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو ما عدده في هذه السورة من آياته وذكره من عظاته.
{هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين (24) إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ قومٌ منكرون (25) فراغ إلى أهله فجاء بعجلٍ سمين (26) فقربه إليهم قال ألا تأكلون (27) فأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف وبشروه بغلامٍ عليمٍ (28) فأقبلت امرأته في صرةٍ فصكت وجهها وقالت عجوزٌ عقيم (29) قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم (30) قال فما خطبكم أيها المرسلون (31) قالوا إنا أرسلنا إلى قومٍ مجرمين (32) لترسل عليهم حجارةً من طينٍ (33) مسومةً عند ربك للمسرفين (34) فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين (35) فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين (36) وتركنا فيها ءاية للذين يخافون العذاب الأليم (37) }(3/232)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
24 - {الْمُكْرَمِينَ} عند الله تعالى، أو خدمهم إبراهيم بنفسه.(3/233)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)
25 - {سَلاماً} من المسالمة، أو دعاء بالسلامة عند الجمهور، {مُّنكَرُونَ} لا يُعرفون أو يخافون أنكرته خفته أنكرهم لمجيئهم على غير صور البشر وعلى غير [186 / أ] / صور الملائكة التي يعرفها.(3/233)
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)
26 - {فَرَاغَ} فعدل، أو مال خفية {بِعِجْلٍ} كان عامة ماله البقر سُمي عجلاً لعجلة بني إسرائيل بعبادته، أو لأنه عجل في اتباع أمه.(3/233)
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)
28 - {بِغُلامٍ} إسحاق من سارة فبشرنا بإسحاق، أو إسماعيل من هاجر.(3/233)
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)
29 - {صَرَّةٍ} رنَّة، أو صيحة ومنه صرير الباب، أو جماعة ومنه صُرَّة الدراهم، المصرَّاة جُمع لبنها في ضرعها {صكت} لطمت " ع "، أو ضربت جبينها أتلد عجوز عقيم؟
{وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطانٍ مبينٍ (38) فتولى بركنه وقال ساحرٌ أو مجنون (39) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم (40) وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم (41) ما تذر من شيءٍ أتت عليه إلا جعلته كالرميم (42) وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين (43) فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون (44) فما استطاعوا من قيامٍ وما كانوا منتصرين (45) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوماً فاسقين (46) }(3/233)
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)
39 - {فَتَوَلَّى} أدبر، أو أقبل من الأضداد {بِرُكْنِهِ} جموعه وجنده، أو قوته " ع "، أو جانبه، أو عناده بالكفر وميله عن الحق.(3/233)
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)
41 - {الْعَقِيمَ} التي لا تلقح، أو لا تنبت، أو لا رحمة فيها، أو لا(3/233)
منفعة لها وهي الجنوب، أو الدبور، أو الصبا قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] " وأهلكت عاد بالدبور ".(3/234)
مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)
42 - {كَالرَّمِيمِ} التراب، أو الرماد، أو الشيء البالي الهالك، أو ما ديس من يابس النبات.
{والسماء بنيناها بأييدٍ وإنا لموسعون (47) والأرض فرشناها فنعم الماهدون (48) ومن كل شيءٍ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون (49) ففروا إلى الله إني لكم منه نذيرٌ مبينٌ (50) ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر إني لكم منه نذيرٌ مبينٌ (51) }(3/234)
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)
47 - {لَمُوسِعُونَ} الرزق بالمطر، أو السماء، أو لا يضيق علينا شيء نريده، أو نخلق سماء مثلها، أو على الاتساع بأكثر من اتساع السماء.(3/234)
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
49 - {زَوْجَيْنِ} من كل جنس نوعين، أو أمر خلقه ضدين: صحة وسقم، وغنى وفقر، وموت وحياة، وفرح وحزن، وضحك وبكاء.
50 - {فَفِرُّواْ} فتوبوا.
{كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسولٍ إلا قالوا ساحرٌ أو مجنون (52) أتواصوا به بل هم قومٌ طاغون (53) فتول عنهم فما أنت بملوم (54) وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (55) وما خلقت الجن والإنسَ إلا ليعبدون (56) ما أريدُ منهم من رزقٍ وما أريدُ أن يطعمون (57) إن الله هو الرزاق ذو القوةٍ المتين (58) فإن للذين ظلموا ذَنوباً مثل ذنوب أصحابهم فلا(3/234)
يستعجلون (59) فويلٌ للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون (60) }(3/235)
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)
55 - {وَذَكِّر} بالقرآن، أو بالموعظة.(3/235)
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
56 - {لِيَعْبُدُون} ليقروا بالعبودية طوعاً، أو كرهاً " ع "، أو لآمرهم وأنهاهم، أو لأجبلهم على الشقاء والسعادة، أو ليعرفون، أو للعبادة.(3/235)
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)
57 - {مِّن رِزْقٍ} أن يرزقوا عبادي ولا يطعموهم، أو يرزقوا أنفسهم ولا يطعموها، أو معونة ولا فضلاً.(3/235)
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59)
59 - {ذَنُوباً} عذاباً، أو سبيلاً، أو عني به الدلو " ع "، أو نصيباً {أصحَابِهم} مكذبو الرسل من الأمم السالفة.(3/235)
سُورة الطُّور
مكية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{والطور (1) وكتاب مسطور (2) في رق منشور (3) والبيت المعمور (4) والسقف المرفوع (5) والبحر المسجور (6) إن عذاب ربك لواقع (7) ما له من دافع (8) يوم تمور السماء مورا (9) وتسير الجبال سيرا (10) فويلٌ يومئذٍ للمكذبين (11) الذين هم في خوض يلعبون (12) يوم يُدَعون إلى نار جهنم دعا (13) هذه النار التي كنتم بها تكذبون (14) أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون (15) اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواءٌ عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون (16) }(3/236)
وَالطُّورِ (1)
1 - {الطور} الجبل بالسريانية، أو اسم لما ينبت من الجبال دون ما لا ينبت " ع " وهو هنا طور سيناء، أو الذي كلم عليه موسى عليه الصلاة والسلام، أو جبل مبهم.(3/236)
وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)
2 - {وَكِتَابٍ} القرآن في اللوح المحفوظ، أو صحائف الأعمال، أو التوراة، أو كتاب تقرأ فيه الملائكة، ما كان وما يكون.(3/236)
فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)
3 - {رَقٍّ مَّنشُورٍ} صحيفة مبسوطة تخرج للناس أعمالهم كل صحيفة رق(3/236)
لرقة حواشيها، أو هي رق مكتوب، أو ما بين المشرق والمغرب.(3/237)
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)
4 - {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} بالقصد إليه، أو بالمقام عليه وهو البيت الحرام، أو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة لو خرَّ لخرَّ عليها يدخلها كل يوم سبعون ألف ملك، أو بيت في ست سماوات دون السابعة يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس ثم لا يعودون إليه، أو كان في الأرض زمان آدم عليه الصلاة والسلام، فرفع زمان الطوفان إلى السماء الدنيا يعمره كل يوم سبعون [183 / ب] / ألف ملك.(3/237)
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
5 - {وَالسَّقْفِ} السماء، أو العرش.(3/237)
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)
6 - {وَالْبَحْرِ} جهنم، أو بحر تحت العرش، أو بحر الأرض {الْمَسْجُورِ} المحبوس " ع "، أو المرسل، أو الممتلئ، أو الموقد ناراً، أو المختلط، أو الذي ذهب ماؤه ويبس، أو الذي لا يُشرب من مائه ولا يُسقى به زرع.(3/237)
يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)
9 - {تَمُورُ} تدور، أو تموج، أو تشقق " ع "، أو تكفأ، أو تنقلب، أو تجري جرياً، أو السماء هنا الفلك وموره اضطراب نظمه واختلاف سيره.(3/237)
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)
13 - {يُدَعُّونَ} يدفعون دفعاً عنيفاً، أو يزعجون إزعاجاً.
{إن المتقين في جناتٍ ونعيم (17) فاكهين بما ءاتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم (18) كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون (19) متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عينٍ (20) }(3/237)
فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)
18 - {فَاكِهِينَ} معجبين، أو ناعمين، أو فرحين، أو متقابلين بالحديث(3/237)
السار المؤنس من الفكاهة، أو ذو فاكهة كلابن وتامر أو ذو بساتين فيها فواكه.(3/238)
مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)
20 - {سُرُرٍ} وسائد {مَّصْفُوفَةٍ} بين العرش، أو مرمولة بالذهب، أو وصل بعضها إلى بعض فصارت صفاً {بِحُورٍ} سُمِّين بذلك لأنه يَحارُ فيهن الطرف، أو لبياضهن ومنه الخبز الحواري {عِينٍ} عيناء وهي الواسعة العين في صفائها.
{والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين (21) وأمددناهم بفاكهة ولحمٍ مما يشتهون (22) يتنازعون فيها كأساً لا لغوٌ فيها ولا تأثيم (23) ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤٌ مكنون (24) وأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون (25) قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين (26) فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم (27) إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم (28) }(3/238)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)
21 - {وأتبعناهم} يدخل إلى الله تعالى الذرية بإيمان الآباء الجنة، أو نعطيهم مثل أجور الآباء من غير نقص في أجور الآباء، أو البالغون أطاعوا الله تعالى فألحقهم الله بآبائهم، أو لما أدركوا أعمال آبائهم تابعوهم عليها فصاروا مثلهم فيها {أَلَتْنَاهُم} ظلمناهم أو نقصناهم أي لم ننقص أجور الآباء، بما أعطيناه الأبناء فضلاً منا وإكراماً للآباء {رَهِينٌ} مؤاخذ كما يؤخذ الحق من الرهن أو محتبس كاحتباس الرهن بالحق.(3/238)
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)
23 - {يَتَنَازَعُونَ} يتعاطون ويناول بعضهم بعضاً المؤمن وزوجاته وخدمه {كَأْساً} كل إناء مملوء من شراب أو غيره فهو كأس، فإذا فرغ لم يسم كأساً(3/238)
{لا لَغْوٌ فِيهَا} لا باطل في الخمر ولا مأثم " ع "، أو لا كذب ولا خُلْف، أو لا يتسابون عليها ولا يؤثم بعضهم بعضاً، أو لا لغو في الجنة ولا كذب " ع "، واللغو هنا فحش الكلام.(3/239)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)
24 - {غِلْمَانٌ} أولادهم الأصاغر، أو أولاد غيرهم {مَّكْنُونٌ} مصون بالكن والغطاء.(3/239)
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)
27 - {السَّمُومِ} النار، أو اسم لجهنم، أو وهجها، أو حر السموم في الدنيا والسموم لفح الشمس والحر وقد يستعمل في لفح البرد.(3/239)
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)
28 - {الْبَرُّ} الصادق، أو اللطيف، أو فاعل البر المعروف.
{فذكر فما أنت بنعمتِ ربك بكاهن ولا مجنون (29) أم يقولون شاعرٌ نتربصٌ به ريب المنون (30) قل تربصوا فإني معكم من المتربصين (31) أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قومٌ طاغون (32) أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون (33) فليأتوا بحديثٍ مثله إن كانوا صادقين (34) }(3/239)
فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)
29 - {فذكر} بالقرآن {بنعمة رَبِّكَ} برسالته {بِكَاهِنٍ} بساحر تكذيباً لشيبة بن ربيعة {وَلا مَجْنُونٍ} تكذيباً لعقبة بن أبي معيط.(3/239)
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)
30 - {نَّتَرَبَّصُ بِهِ} قال أناس منهم تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان قيل هم بنو عبد الدار {رَيْب الْمَنُونِ)
الموت، أو حوادث الدهر والمنون الدهر.
{أم خُلُقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون (36) أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون (37) أم لهم سلمٌ يستمعون فيه فليأت(3/239)
مستمعهم بسلطانٍ مبين (38) أم له البناتُ ولكم البنون (39) أم تسئلهم أجراً فهم من مغرمٍ مثقلون (40) أم عندهم الغيبُ فهم يكتبون (41) أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون (42) أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون (43) }(3/240)
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)
37 - {خَزَآئِنُ رَبِّكَ} مفاتيح الرحمة، أو خزائن الرزق {المسيطرون} المسلطون، أو الأرباب، أو المُنزِلون، أو الحفظة من تسطير الكتاب الذي يحفظ ما كتب فيه فالمسيطر حافظ لما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ.(3/240)
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)
38 - {سُلَّم} مرتقى إلى السماء، أو سبب يتوصل به إلى عوالي [187 / أ] / الأشياء تفاؤلاً فيه بالسلامة {بسلطانٍ} بحجة دالة على صدقه، أو بقوة يتسلط بها على الاستماع تدل على قوته.
{وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحابٌ مركوم (44) فذرهم حتى يُلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون (45) يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاً ولا هم يُنصرون (46) وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون (47) واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم (48) ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم (49) }(3/240)
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)
44 - {كِسْفاً} قطعاً، أو جانباً، أو عذاباً سمي كسفاً لتغطيته والكسف التغطية ومنه كسوف الشمس {مركومٌ} غليظ، أو كثير متراكب.(3/240)
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)
45 - {يُصْعَقُونَ} يموتون، أو النفخة الأولى، أو يوم القيامة يغشى عليهم من هوله {وَخَرَّ موسى صعقا} [الأعراف: 143] .(3/241)
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)
47 - {لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أهل الصغائر من المسلمين، أو مرتكبو الحدود منهم {دُونَ ذَلِكَ} عذاب القبر، أو الجوع، أو مصائب الدنيا.(3/241)
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
48 - {بِأَعْيُنِنَا} بعلمنا، أو بمرأى منا، أو بحراستنا وحفظنا {حِينَ تَقُومُ} من نومك افتتاحاً لعملك بذكر ربك، أو من مجلسك تكفيراً للغوه، أو صلاة الظهر، إذا قام من نوم القائلة، أو تسبيح الصلاة إذا قام إليها في ركوعها سبحان ربي العظيم وفي سجودها سبحان ربي الأعلى، أو في افتتاحها سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك.(3/241)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)
49 - {ومن الليل فَسَبِّحْهُ} صلاة الليل، أو التسبيح فيها، أو التسبيح في الصلاة، وخارج الصلاة {وإِدْبَارَ النُّجُومِ} ركعتان قبل الفجر مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو ركعتا الفجر، أو التسبيح بعد الصلاة.(3/241)
سورة النجم
مكية أو إلا آية {الذين يجتنبون} [32]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{والنجم إذا هوى (1) ما ضل صاحبكم وما غوى (2) وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4) }(3/242)
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)
1 - {وَالنَّجْمِ} نجوم القرآن إذا نزلت، أو الثريا، أو الزهرة، أو جنس النجوم، أو النجوم المنقضة {هَوَى} رمى به الشياطين، أو سقط، أو غاب أو ارتفع، أو نزل، أو جرى ومهواها جريها لأنها لا تفتر في طلوعها ولا غروبها قاله الأكثرون.(3/242)
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)
2 - {ما ضل} محمد [صلى الله عليه وسلم] عن قصد الحق ولا غوى في اتباع الباطل، أو ما ضَلَّ بارتكاب الضلال {وَمَا غَوَى} بخيبة سعيه والغي: الخيبة قال:
( ... ... ... ... ... ... ... ... ... . ... ومن يغوِ لا يَعْدَم على الغَيِّ لائماً)
قيل: هي أول سورة أعلنها الرسول [صلى الله عليه وسلم] بمكة.
3 -،(3/242)
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)
4 - {ما يَنطِقُ} عن هواه {إِنْ هُوَ إِلا وَحْىٌ} يوحيه الله تعالى إلى جبرائيل عليه السلام ويوحيه جبريل إليه أو وما ينطق عن شهوة وهوى {إِنْ هُوَ(3/242)
إِلا وَحْىٌ يُوحَى} بأمر ونهي من الله تعالى وطاعة له.
{علمه شديد القوى (5) ذو مرةٍ فاستوى (6) وهو بالأفق الأعلى (7) ثم دنا فتدلى (8) فكان قاب قوسين أو أدنى (9) فأوحى إلى عبده ما أوحى (10) ما كذب الفؤاد ما رأى (11) أفتمارونه على ما يرى (12) ولقد رءاه نزلةً أخرى (13) عند سدرة المنتهى (14) عندها جنة المأوى (15) إذ يغشى السدرة ما يغشى (16) ما زاغ البصر وما طغى (17) لقد رأى من ءاياتِ ربه الكبرى (18) }
5 -،(3/243)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)
6 - {شديدُ الْقُوَى، ذُو مِرَّةٍ} جبريل عليه السلام اتفاقاً، مَرَّة: منظر حسن، أو غنى، أو قوة، أو صحة في الجسم، وسلامة من الآفات أو عمل {فَاسْتَوَى} جبريل عليه السلام في مكانه، أو على صورته التي خلق عليها، ولم يره عليها إلا مرتين، مرة ساداً للأفق ومرة حيث صعد معه وذلك قوله {وهو بالأفق الأعلى) [7] ، أو فاستوى القرآن في صدر محمد [صلى الله عليه وسلم] ، أو صدر جبريل، أو فاعتدل محمد [صلى الله عليه وسلم] في قوته، أو برسالته، أو فارتفع محمد [187 / ب] / [صلى الله عليه وسلم] بالمعراج، أو ارتفع جبريل عليه السلام إلى مكانه.(3/243)
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)
7 - {وهو بالأفق} الرسول [صلى الله عليه وسلم] لما رأى جبريل، أو جبريل لما رآه الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالأفق مطلع الشمس، أو مطلع النهار أي الفجر، أو كانت من جوانب السماء.(3/243)
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)
8 - {دنا} جبريل عليه السلام، أو الرب عز وجل " ع " {فَتَدَلَّى} قرب {وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام} [البقرة: 188] تقربوها إليهم، أو تعلق بين العلو والسفل لأنه رأه منتصباً مرتفعاً ثم رآه متدلياً قيل فيه تقديم معناه تدلى فدنا.(3/243)
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)
9 - {فكأن} جبريل من ربه، أو محمد [صلى الله عليه وسلم] من ربه عز وجل " ع "، أو(3/243)
جبريل عليه السلام من محمد [صلى الله عليه وسلم] {قَابَ قَوْسَيْنِ} قيد قوسين، أو بحيث الوتر من القوس، أو من مقبضها إلى طرفها، أو قدر ذراعين عبّر عن القدر بالقاب وعن الذراع بالقوس.(3/244)
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)
10 - {عَبْدِهِ} جبريل عليه السلام أوحى الله تعالى إليه ما يوحيه إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، أو محمد [صلى الله عليه وسلم] أوحى الله تعالى إليه على لسان جبريل عليه السلام.(3/244)
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)
11 - {الْفُؤَادُ} نفسه، أو عبّر به عن صاحبه لأنه قطب جسده وقوام حياته {مَا كَذَبَ} مخففاً ما أوهمه فؤاده خلاف الأمر كرائي السراب فيصير بتوهمه المحال كالكاذب به {ما كذَّب} ما أنكر قلبه ما رأته عينه {مَا رَأَى} رأى ربه بعينه " ع "، أو في المنام، أو بقلبه سئل الرسول [صلى الله عليه وسلم] عن ذلك فقال: " رأيته بقلبي مرتين " أو رأى جلاله وعظمته سئل هل رأيت ربك فقال: رأيت نهراً ووراء النهر حجاباً ورأيت وراء الحجاب نوراً فلم أرَ غير ذلك "، أو رأى جبريل عليه السلام على صورته مرتين.(3/244)
أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)
12 - {أَفَتُمَارُونَهُ} أفتجحدونه، أو تجادلونه، أو تشككونه.(3/245)
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)
13 - {نَزْلَةً} رأى ما رأه ثانية بعد أولى قال كعب سمع موسى عليه الصلاة والسلام كلام الله تعالى كرتين ورآه محمد [صلى الله عليه وسلم] مرتين.(3/245)
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)
14 - {المنتهى} لانتهاء علم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إليها وعزوبه عما وراءها " ع "، أو لانتهاء الأعمال إليها وقبضها منها، أو لانتهاء الملائكة والبشر إليها ووقوفهم عندها، أو لانتهاء كل من كان على سنة النبي [صلى الله عليه وسلم] ومنهاجه إليها، أو لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها.(3/245)
عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)
15 - {عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} قصد بذلك تعريف موضع الجنة أنها عند السدرة قاله الجمهور المأوى: المبيت، أو منزل الشهداء. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - وهي عن يمين العرش.(3/246)
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)
16 - {يَغْشَى السِّدْرَةَ} فراش من ذهب، أو الملائكة " ع "، أو نور الله.(3/246)
مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)
17 - {زَاغَ} انحرف، أو ذهب، أو نقص {طَغَى} ارتفع عن الحق، أو تجاوزه " ع "، أو زاد عليه بالتخيل. رآه على ما هو به بغير نقص عجز عن إدراكه ولا زيادة توهمها في تخيله.(3/246)
لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)
18 - {الْكُبْرَى} ما غشي السدرة من الفراش، أو جبريل [188 / أ] / ساداً الأفق بأجنحته، أو ما رآه في النوم ونظره بفؤاده.
{أفرءيتم اللات والعزى (19) ومناة الثالثة الأخرى (20) ألكم الذكر وله الأنثى (21) تلك إذاً قسمةٌ ضيزى (22) إن هي إلا أسماءٌ سميتموها أنتم وءاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى (23) أم للإنسان ما تمنى (24) فلله الآخرة والأولى (25) وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى (26) إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى (27) وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً (28) فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا (29) ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى (30) }(3/246)
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)
19 - {الَّلاتَ} صنم بالطائف كان صاحبه يلت عليه السويق لأصحابه، أو صخرة يُلَت عليها السويق بين مكة والطائف {وَالْعُزَّى} صنم كانوا يعبدونه عند(3/246)
الجمهور، أو سَمُرة يعلق عليها ألوان العهن يعبدها سليم وغطفان وجشم فبعث إليها الرسول [صلى الله عليه وسلم] خالد بن الوليد فقطعها، أو كانت نخلة يعلق عليها الستور والعهن، أو اللات والعزى رجل وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين، أو اللات بيت بنخلة تعبده قريش والعزى بيت بالطائف يعبده أهل مكة والطائف، واللاتَّ بالتشديد رجل كان يلت السويق على صخرة فلا يشرب منه أحد إلا سمن فعبدوه ثم مات فعكفوا على قبره، أو كان رجلاً يقوم على آلهتهم ويلت لهم السويق بالطائف فاتخذوا قبره وثناً معبوداً.(3/247)
وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)
20 - {وَمَنَاةَ} صنم بقُدَيْد بين مكة والمدينة، أو بيت بالمشلل يعبده بنو كعب، أو أصنام حجارة في الكعبة يعبدونها، أو وثن كانوا يريقون عليه الدماء تقرباً إليه وبذلك سميت مناة لكثرة ما يراق عليها من الدماء {الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} لأنها كانت مرتبة عندهم في التعظيم بعد اللات والعزى ولما جعلوا الملائكة بنات الله قال: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى}(3/247)
تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)
22 - {ضِيزَى} عوجاء، أو جائرة، أو منقوصة عند الأكثر، أو مخالفة.(3/247)
أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24)
24 - {مَا تَمَنَّى} البنوة تكون له دون غيره، أو البنين دون البنات.(3/247)
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)
25 - {فَلِلَّهِ الأَخِرَةُ} هو أقدر من خلقه فلو جاز عليه الولد لكان أحق بالبنين دون البنات منهم، أو لا يعطي النبوة إلا لمن شاء لأنه ملك الدنيا والآخرة.
{ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أسئوا بما علموا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى (31) الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنةٌ في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى (32) }(3/248)
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)
32 - {كَبَآئِرَ الإِثْمِ} الشرك، أو ما زجر عنه بالحد، أو مالا يكفر إلا بالتوبة، أو ما قاله الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن تدعو لله نداً أو تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك وأن تزاني حليلة جارك، أو كبائر الإثم ما لم يستغفر منه {الفواحش} الربا، أو جميع المعاصي {اللَّمَمَ} ما ألموا به من الجاهلية من إثم وفاحشة عفي عنه في الإسلام، أو أن يلم بها ويفعلها ثم يتوب، أو يعزم على المواقعة ثم يقلع عنها قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :
(إن تغفر اللهم تغفر جمَّا ... وأي عبد لك لا ألمَّا)(3/248)
أو ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة، أو صغائر الذنوب، أو ما لا حد عليه في الدنيا ولا عذاب في الآخرة " ع "، أو النظرة الأولى فإن عاد فليس بلمم جعله ما لم يتكرر من الذنوب، أو النكاح قيل: نزلت في نبهان التمار أتته امرأة تشتري تمراً فقال إن داخل الدكان ما هو خير من هذا فلما دخلت روادها عن نفسها [188 / ب] / فأبت وندم نبهان وأتى الرسول [صلى الله عليه وسلم] فقال: ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلى الجماع فقال: لعل زوجها غازٍ فنزلت {أَنشَأكُمْ من الأرض} آدم عليه الصلاة والسلام {فَلا تُزَكُّواْ} لا تمادحوا، أو لا تعملوا بالمعاصي وتقولون نعمل بالطاعة، أو إذا عملت خيراً فلا تقل عملت كذا أو كذا.
{أفرأيت الذي تولى (33) وأعطى قليلاً وأكدى (34) أعنده علم الغيب فهو يرى (35) أم لم ينبأ بما في صحف موسى (36) وإبراهيم الذي وفى (37) ألا تزر وازرة وزر أخرى (38) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39) وأن سعيه سوف يُرى (40) ثم يجزاه الجزاء الأوفى (41) }(3/249)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33)
33 - {الَّذِى تَوَلَّى} العاص بن وائل، أو الوليد بن المغيرة كان يأتي(3/249)