مقدمة
سبحان من أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وبين له من الشعائر الشرائع كل ما جل ودق أنزل عليه أظهر بينات وأبهر حجج قرآنا عربيا غير ذي عوج مصدقا لما بين يديه من الكتاب ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ناطقا بكل أمر رشيد هاديا إلى الصراط العزيز الحميد آمرا بعبادة الصمد المعبود كتابا متشابها مثاني تقشعر منه الجلود تكاد الرواسي لهيبته تمور ويذوب منه الحديد ويميع صم الصخور حقيقا بأن يسير به الجبال وييسر به كل صعب محال معجزا أفحم كل مصقع من مهرة قحطان وبكت كل مفلق من سحرة البيان بحيث لو اجتمعت الإنس والجن على معارضته ومباراته لعجزوا عن الإتيان بمثل آيه من آياته نزل عليه على فترة من الرسل ليرشد الأمة إلى أقوم السبل فهداهم إلى الحق وهم في ضلال مبين فاضمحل دجى الباطل وسطع نور اليقين فمن أتبع هداه فقد فاز بمناه وأما من عانده وعصاه وإتخذ إلهه هواه فقد هام في موامي الردى وتردى في مهاوي الزور ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور صلى الله عليه وعلى آله الأخيار وصحبه الأبرار ما تناوبت الأنواء وتعاقبت الظلم والأضواء وعلى من تبعهم بإحسان مدى الدهور والأزمان(1/1)
وبعد فيقول العبد الفقير إلى رحمة ربه الهادي أبو السعود محمد بن محمد العمادي إن الغاية القصوى من تحرير نسخة العالم وما كان حرف منها مسطورا والحكمة الكبرى في تخمير طينة آدم ولم يكن شيئا مذكورا ليست إلا معرفة الصانع المجيد وعبادة البارئ المبدئ المعيد ولا سبيل إلى ذاك المطلب الجليل سوى الوقوف على مواقف التنزيل فإنه عز سلطانه وبهر برهانه وإن سطر آيات قدرته في صحائف الأكوان ونصب رايات وحدته في صفائح الأعراض والأعيان وجعل كل ذرة من ذرات العالم وكل قطرة من قطرات العلم وكل نقطة جرى عليها قلم الإبداع وكل حرف رقم في لوح الإختراع مرآة لمشاهدة جماله ومطالعة صفات كماله حجة نيرة واضحة المكنون وآية بينة لقوم يعقلون برهانا جليا لاريب فيه ومنهاجا سويا لا يضل من ينتحيه بل ناطقا يتلو آيات ربه فهل من سامع واع ومجيب صادق فهل له من داع يكلم الناس على قدر عقولهم ويرد جوابهم بحسب مقولهم يحاور تارة بأوضح عبارة ويلوح أخرى(1/2)
بألطف إشارة لكن الإستدلال بتلك الآيات والدلائل والإستشهاد بتلك الأمارات والمخايل والتنبيه لتلك الإشارات السرية والتفطن لمعاني تلك العبارات العبقرية وما في تضاعيفها من رموز أسرار القضاء والقدر وكنوز آثار التعاجيب والعبر مما لا يطيق به عقول البشر إلا بتوفيق خلاق القوى والقدر فإذن مدار المراد ليس إلا كلام رب العباد إذ هو المظهر لتفاصيل الشعائر الدينية والمفسر لمشكلات الآيات التكوينية والكاشف عن خفايا حظائر القدس والمطلع على خبايا سرائر الأنس وبه تكتسب الملكات الفاخرة وبه يتوصل إلى سعادة الدنيا والآخرة كما وأنه أيضا من علو الشأن وسمو المكان ونهاية الغموض والإعضال وصعوبة المأخذ وعزة المنال في غاية الغايات القاصية ونهاية النهايات النائية أعز من بيض الأنوق وأبعد من مناط العيوق لا يتسنى العروج إلى معارجه الرفيعة ولا يتأتى الرقى إلى مدارجه المنيعة كيف لا وأنه مع كونه متضمنا لدقائق العلوم النظرية والعملية ومنطوبا على دقائق الفنون الخفية والجلية حاويا لتفاصيل الأحكام الشرعية ومحيطا بمناط الدلائل الأصلية والفرعية منبئا عن أسرار الحقائق والنعوت مخبرا بأطوار الملك والملكوت عليه يدور فلك الأوامر والنواهي وإليه يستند معرفة الأشياء كما هي قد نسج على أغرب منوال وأبدع طراز واحتجبت طلعته بسبحات الإعجاز طويت حقائقه الأبية عن العقول وزويت دقائقه الخفية عن أذهان الفحول يرد عيون العقول سبحانه ويخطف أبصار البصائر بريقه ولمعانه
ولقد تصدى لتفسير غوامض مشكلاته أساطين أئمة التفسير في كل عصر من الأعصار وتولى لتيسير عويصات معضلاته سلاطين أسرة التقرير والتحرير في كل قطر من الأقطار فغاصوا في لججه وخاضوا في ثبجه فنظموا فرائده في سلك التحرير وأبرزوا فوائده في معرض التقرير وصنفوا كتبا جليلة الأقدار وألفوا زبرا جميلة الآثار(1/3)
أما المتقدمون المحققون فاقتصروا على تمهيد المعاني وتشييد المباني وتبيين المرام وترتيب الأحكام حسبما بلغهم من سيد الأنام عليه شرائف التحية والسلام
وأما المتأخرون المدققون فراموا مع ذلك إظهار مزاياه الرائقة وإبداء خباياه الفائقة ليعاين الناس دلائل إعجازه ويشاهدوا شواهد فضله وامتيازه عن سائر الكتب الكريمة الربانية والزبر العظيمة السبحانية فدونوا أسفارا بارعة جامعة لفنون المحاسن الرائعة يتضمن كل منها فوائد شريفة تقر بها عيون الأعيان وعوائد لطيفة يتشنف بها آذان الأذهان لا سيما الكشاف وأنوار التنزيل المتفردان بالشأن الجليل والنعت الجميل فإن كلا منهما قد أحرز قصب السبق أي إحراز كأنه مرآة لا جتلاء وجه الإعجاز صحائفهما مرايا المزايا الحسان وسطورهما عقود الجمان وقلائد العقبان ولقد كان في سوابق الأيام وسوالف الدهور والأعوام أوأن اشتغالي بمطالعتهما وممارستهما وزمان انتصابي لمفاوضتهما ومدارستهما يدور في خلدي على استمرار آناء الليل وأطراف النهاران أنظم درر فوائدهما في سمط دقيق وأرتب غرر فرائدهما على ترتيب أنيق وأضيف إليها ما ألفيته في تضاعيف الكتب الفاخرة من جواهر الحقائق وصادفته في أصداف العيالم الزاخرة من زواهر الدقائق وأسلك خلالها بطريق الترصيع على نسق أنيق وأسلوب بديع حسبما يقتضية جلالة شأن التنزيل ويستدعيه جزالة نظمه الجليل ما سنح الفكر العليل بالعناية الربانية وسمح به(1/4)
النظر الكليل بالهداية السبحانية من عوارف معارف يمتد إليها أعناق الهمم من كل ماهر لبيب وغرائب رغائب ترنوا إليها أحداق الأمم من كل نحرير أريب وتحقيقات رصينة تقيل عثرات الأفهام في مداحض الإقدام وتدقيقات متينة تزيل خطرات الأوهام من خواطر الأنام في معارك أفكار يشتبه فيها الشؤن ومدارك أنظار يختلط فيها الظنون وأبرز من وراء أستار الكمون من دقائق السر المخزون في خزائن الكتاب المكنون ما تطمئن إليه النفوس وتقر به العيون من خفايا الرموز وخبايا الكنوز وأهديها إلى الخزانة العامرة الغامرة للبحار الزاخرة لجناب من خصه الله تعالى بخلافة الأرض واصطفاه سلطنتها في الطول والعرض ألا وهو السلطان الأسعد الأعظم والخاقان الأمجد الأفخم مالك الإمامة العظمى والسلطان الباهر وارث الخلافة الكبرى كابرا عن كابر رافع رايات الدين الأزهر موضح آيات الشرع الأنور مرغم أنوف الفراعنة والجبابرة معفر جباه القياصره والأكاسرة فاتح بلاد المشارق والمغارب بنصر الله العزيز وجنده الغالب الهمام الذي شرق عزمه المنير فانتهى إلى المشرق الأسنى وغرب حتى بلغ مغرب الشمس أو دنا بخميس عرمرم متزاحم الأفواج وعسكر كخضم متلاطم الأمواج فأصبح ما بين أفقى الطلوع والغروب وما بين نقطتى الشمال والجنوب منتظما في سلك ولاياته الواسعة ومندرجا تحت ظلال راياته الرائعة فأصبحت منابر الربع المسكون مشرفة بذكر اسمه الميمون فياله من ملك استوعب ملكه البر البسيط واستعرق فلكه وجه البحر المحيط فكأنه فضاء ضربت فيه خيامه او نصبت عليه ألويته وأعلامه مالك ممالك العالم ظل الله الظليل على كافة الأمم قاصم القياصرة وقاهر القروم سلطان العرب والعجم والروم وسلطان المشرقين وخاقان الخافقين الإمام المقتدر بالقدرة الربانية والخليفة المعتز بالعزة السبحانيه المفتخر بخدمة الحرمين الجليلين المعظمين وحماية المقامين الجميلين المفخمين ناشر القوانين السلطانية عاشر الخواقين(1/5)
العثمانية السلطان ابن السلطان السلطان سليمان خان بن السلطان المظفر المنصور والخاقان الموقر المشهور صاحب المغازي المشهورة في أقطار الأمصار والفتوحات المذكورة في صحائف الأسفار السلطان سليم خان بن السلطان السعيد والخاقان المجيد السلطان بايزيد خان لا زالت سلسلة سلطنته متسلسلة إلى إنتهاء سلسلة الزمان وأرواح أسلافه العظام متنزهة في روضة الرضوان
وكنت أتردد في ذلك بين إقدام وإحجام لقصور شأني و عزة المرام أين الحضيض من الذرى شتان بين الثريا والثرى وهيهات اصطياد العنقاء بالشباك واقتياد الجوزاء من بروج الأفلاكفمضت عليه الدهور والسنون وتغيرت الأطوار وتدلت الشئون فابتليت بتدبير مصالح العباد برهة في قضاء البلاد وأخرى في قضاء العساكر والأجناد فحال بيني وبين ما كنت أخال تراكم المهمات وتزاحم الأشغال وجموم العوارض والعلائق وهجوم الصوارف والعوائق والتردد إلى المغازي والأسفار والتنقل من دار إلى دار وكنت في تضاعيف هاتيك الأمور أقدر في نفسي أن أنتهز نهزة من الدهور ويتسنى لي القرار وتطمئن بي الدار وأظفر حينئذ بوقت خال أتبتل فيه إلى جناب ذي العظمة والجلال وأوجه إليه وجهتي وأسلم له سرى وعلانيتي وأنظر إلى كل شيء بعين الشهود وأتعرف سر الحق في كل موجود تلافيا لما قد فات واستعدادا لما هو آت وأتصدى لتحصيل ما عزمت عليه وأتولى لتكميل ما توجهت إليه برفاهة وأطمئنان وحضور
قلب وفراغ جنان فبينما أنا في هذا الخيال إذ بدا لي ما لم يخطر بالبال تحولت الأحوال والدهر حول فوقعت في أمر أشق من الأول أمرت بحل مشكلات الأنام فيما شجر بينهم من النزاع والخصام فلقيت معضلة طويلة الذيول وصرت كالهارب من المطر إلى السيول فبلغ السيل الزبى وغمرني أي غمر غوارب ما جرى بين زيد وعمرو فأضحيت في ضيق المجال وسعة الأشغال أشهر ممن يضرب بها الأمثال فجعلت اتمثل بقول من قال
لقد كنت أشكوك الحوادث برهة
وأستمرض الأيام وهي صحائح(1/6)
إلى أن تغشتني وقيت حوادث
تحقق أن السالفات منائح
فلما أنصرمت عرى الآمال عن الفوز بفراغ البال ورأيت أن الفرصة على جناح الفوات وشمل الأسباب في شرف الشتات وقد مسنى الكبر وتضاءلت القوى والقدر ودنا الأجل من الحلول وأشرفت شمس الحياة على الأفول عزمت على إنشاء ما كنت أنويه وتوجهت إلى إملاء ما ظلت أبتغيه ناويا أن أسميه عند تمامه بتوفيق الله تعالى وإنعامه إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم فشرعت فيه مع تفاقم المكاره على وتزاحم المشادة بين يدى متضرعا إلى رب العظمة والجبروت خلاق عالم الملك والملكوت في أن يعصمني عن الزيغ والزلل ويقيني مصارع السوء في القول والعمل ويوفقني لتحصيل ما أرومه وأرجوه ويهديني إلى تكميله على أحسن الوجوه ويجعله خير عدة وعتاد أتمتع به يوم المعاد فيامن توجهت وجوه الذل والإبتهال نحو بابه المنيع ورفعت أيدى الضراعة والسؤال إلى جنابه الرفيع أفض علينا شوارق أنوار التوفيق وأطلعنا على دقائق أسرار التحقيق وثبت أقدامنا على مناهج هداك وأنطقنا بما فيه أمرك ورضاك ولا تكلنا إلى أنفسنا في لحظة ولا آن وخذ بناصيتنا إلى الخير حيث كان جئناك على جباه الإستكانة ضارعين ولأبواب فيضك قارعين أنت الملاذ في كل أمر هم وانت المعاذ في كل خطب ملم لا رب وغيرك ولا خير إلا خيرك بيدك مقاليد الأمور لك الخلق والأمر وإليك النشور(1/7)
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول ولا قوة الا بالله وصلى الله على محمد واله
قال الشيخ الامام الحافظ ابو محمد ابن الامام الحافظ الكبير ابي حاتم - محمد بن ادريس الرازي - رحمه الله ورضي عنه
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم الانبياء وعلى اله اجمعين سالني جماعة من اخواني اخراج تفسير القران مختصرا باصح الاسانيد وحذف الطرق والشواهد والحروف والروايات وتنزيل السور وان نقصد لاخراج التفسير مجردا دون غيره مقتصين تفسير الاي حتى لا نترك حرفا من القران يوجد له تفسير الا اخرج ذلك
فاجبتهم الى ملتمسهم وبالله التوفيق واياه نستعين ولا حول ولا قوة الا بالله
فتحريت اخراج ذلك باصح الاخبار اسنادا واشبهها متنا فاذا وجدت التفسير عن رسول الله {صلى الله عيه وسلم} - لم اذكر معه احدا من الصحابة ممن اتى بمثل ذلك واذا وجدته عن الصحابة فان كانوا متفقين ذكرته عن اعلاهم درجة باصح الاسانيد وسميت موافقيهم بحذف الاسناد
وان كانوا مختلفين ذكرت اختلافهم وذكرت لكل واحد منهم اسنادا وسميت موافقيهم بحذف الاسناد فان لم اجد عن الصحابة ووجدته عن التابعين عملت فيما اجد عنهم ما ذكرته من المثال في الصحابة وكذا اجعل المثال في اتباع التابعين واتباعهم جعل الله ذلك لوجهه خالصا ونفع به
فاما ما ذكرنا عن ابي العالية في سورة البقرة بلا اسناد فهو ما
حدثنا عصام بن رواد ا لعسقلاني ثنا ادم عن ابي جعفر الرازي عن الربيع بن انس عن ابي العالية وما ذكرنا فيه عن السدى بلا اسناد فهو ما
حدثنا ابو زرعة عمرو بن حماد بن طلحة ثنا اسباط عن السدى
وما ذكرنا عن الربيع بن انس بلا اسناد فهو ما
حدثنا ابى ثنا احمد بن عبد الرحمن الدشتكي ثنا عبد الله بن ابي جعفر عن ابيه عن الربيع بن انس
وما ذكرنا فيه عن مقاتل فهو ما
قرات على محمد بن الفضل بن موسى عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق عن محمد بن مزاحم عن بكير بن معروف عن مقاتل(2/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
قال الشيخ الإمام العالم العلامة البحر الفهامة المحقق المدقق حجة وقدوة النحاة والأدباء الأستاذ ( ( أبو عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي الجياني ) ) - رحمه الله تعالى - وأمتع بعلومه المسلمين آمين ( الحمد لله ) مبدئ صور المعارف الربانية في مرايا العقول ومبرزها من محال الأفكار إلى محال المقول وحارسها بالقوتين الذاكرة للمنقول والمفكرة للمعقول ومفيض الخير عليها من نتيجة مقدمات الوجود السائر روح قدسه في بطون التهائم وظهور النجود المبرز في الاتصالات الإلهية والمواهب الربانية على كل موجود محمد ذي المقام المحمود والحوض المورود المبتعث بالحق للأنام داعياً وبالطريق الأنهج إلى دار الإسلام منادياً الصادع بالحق الهادي للخلق المخصوص بالقرآن المبين والكتاب المستبين الذي هو أعظم المعجزات وأكبر الآيات البينات السائرة في الآفاق الباقي بقاء الأطواق في الأعناق الجديد على تقادم الأعصار اللذيد على توالي التكرار الباسق في الإعجاز إلى الذروة العليا الجامع المصالح الآخرة والدنيا الجالي بأنواره ظلم الإلحاد الحالي بجواهر معانيه طلى الأجياد صلى الله على من أنزل عليه وأهدى أرج تحية وأزكاها إليه وعلى آله المختصين بالزلفى لديه ورضي الله عن صحبه الذين نقلوا عنه كتاب الله أداء عرضا وتلقوه من فيه جيناً وغضاً وأدوه إلينا صريحاً مخصاً وبعد فإن المعارف جمة وهي كلها مهمة وأهمها ما به الحياة الأبدية والسعادة السرمدية وذلك علم كتاب الله هو المقصود بالذات وغيره من العلوم كالأدوات هو العروة الوثقى والوزر الأقوى الأوقى والحبل المتين والصراط المبين وما زال يختلج في ذكري ويعتلج في فكري أني إذا بلغت الأمد الذي يتغضد فيه الأديم ويتنغص برؤيتي النديم وهو العقد الذي يحل عرى الشباب المقول فيه إذا بلغ الرجل الستين(3/1)
فإياه وإيا الشواب ) ألوذ بجناب الرحمن وأقتصر على النظر في تفسير القرآن فأتاح الله لي قبل بلوغ ذلك العقد وبلغني ما كنت أروم من ذلك القصد وذلك بانتصابي مدرساً في علم التفسير في قبة السلطان الملك المنصور قدس الله مرقده وبل بمزن الرحمة معهده وذلك في دولة ولده السلطان القاهر الملك الناصر الذي رد الله به الحق إلى أهله وأسبغ على العالم وارف ظله واستنقذ به الملك من غصابه وأقره في منيف محله وشريف نصابه وكان ذلك في أواخر سنة عشر وسبعمائة وهي أوائل سنة سبع وخمسين من عمري فعكفت على تصنيف هذا الكتاب وانتخاب الصفو واللباب أجيل الفكر فيما وضع الناس في تصانيفهم وأنعم النظر فيما اقترحوه من تآليفهم فألخص مطولها وأحل مشكلها وأقيد مطلقها وأفتح مغلها وأجمع مبددها وأخلص منقدها وأضيف إلى ذلك ما استخرجته القوة المفكرة من لطائف علم البيان المطلع على إعجاز القرآن ومن دقائق علم الإعراب المغرب في الوجوه أي إغراب المقتنص في الأعمار الطويلة من لسان العرب وبيان الأدب فكم حوى من لطيفة فكري مستخرجها ومن غريبة ذهني منتجها تحصلت بالعكوف على علم العربية والنظر في التراكيب النحوية والتصرف في أساليب النظم والنثر والتقلب في أفانين الخطب والشعر لم يهتد إلى إثارتها ذهن ولاصاب بريقها مزن وأني ذلك وهي أزاهر خمائل غفل ومناظر ما لمستغلق أبوابها من قفل في إدراك مثلها تتفاوت الأفهام وتتبارى الأوهام وليس العلم على زمان مقصوراً ولا في أهل زمان محصوراً بل جعله الله حيث شاء من البلاد وبثه في التهائم والنجاد وأبرزه أنواراً تتوسم وأزهاراً تتنسم وما زال المغربي الأندلسي على بعده من مهبط الوحي النبوي علماء بالعلوم الإسلامية وغيرها كملة وفهماء تلاميذ لهم دراة نقلة يروون فيروون ويسقون فيرتوون وينشدون فينشدون ويهدون فيهدون هذا وإن اختلفوا في مدارك العلوم وتباينوا في المفهوم فكل منهم له مزية لا يجهل قدرها وفضيلة لا يسر بدرها ومما(3/2)
برعوا فيه علم الكتاب انفردوا باقرائه مد أعصار دون غيرهم من ذوي الآداب أثاروا كنوزه وفكوا رموزه وقربوا قاصيه وراضوا عاصيه وفتحوا مقفله وأوضحوا مشكلة وأنهجوا شعابه وذللوا صعابه وأبدوا معانيه في صورة التمثيل وأبدعوه بالتركيب والتحليل فالكتاب هو
المرقاة إلى فهم الكتاب إذ هو المطلع على علم الأعراب والمبدي من معالمه ما درس والمنطق من لسانه ما خرس والمحيي من رفاته ما رمس والراد من نظائره ما طمس فجدير لمن تاقت نفسه إلى علم التفسير وترقت إلى التحقيق فيه والتحرير أن يعتكف على كتاب ( ( سيبويه ) ) فهو في هذا الفن المعول عليه والمستند في حل المشكلات إليه ولم ألق في هذا الفن من يقارب أهل قطرنا الأندلسي فضلاً عن المماثلة ولا من يناضلهم فيداني في المناضلة وما زلت من لدن ميزت أتلمذ للعلماء وأنحاز للفهماء وأرغب في مجالسهم وأنافس في نفائسهم وأسلك طريقهم وأتبع فريقهم فلا أنتقل إلا من إمام إلى إمام ولا أتوقل إلا ذروة علام فكم صدر أودعت علمه صدري وحبر أفنيت في فوائده حبري وإمام أكثرت به الإمام الإلمام وعلام أطلت معه الاستعلام أشنف المسامع بما تحسد عليه العيون وأذيل في تطلاب ذلك المال المصون وأرتع في رياض وارفة الظلال وأكرع في حياض صافية السلسال وأقتبس بها من أنوارهم وأقتطف من أزهارهم وأبتلج من صحفاتهم وأتأرج من نفحاتهم وألقط من نثارهم وأضبط من فضالة إيثارهم وأقيد من شورادهم وأنتقي من فرائدهم فجعلت العلم والنهار سحيري وبالليل سميري زمان غيري يقصر ساريه على الصبا ويهب للهو ولا كهبوب الصبا ويرفل في مطارف اللهو ويتقمص أردية الزهو وبؤثر مسراتك الأشباح على لذات الأرواح ويقطع نفائس الأوقات في خسائس الشهوات من مطعم شهي ومشرب روي وملبس بهي ومركب خطي ومفرش وطي ومنصب سني وأنا أتوسد أبواب العلماء وأتقصد أماثل الفهماء وأسهر في حنادس الظلام وأصبر على شظف الأيام وأوثر العلم على الأهل والمال والولد وأرتحل من(3/3)
بلد إلى بلد حتى ألقيت بمصر عصا التسيار وقلت ما بعد عبادان من دار هذه مشارق الأرض ومغاربها وبها طوالع شموسها وغواربها بيضة الإسلام ومستقر الأعلام فأقمت بها المعرفة أبديها وعارفة علم أسديها وثأي أرأبه وفاضل أصحبه وبها صنفت تصانيفي وألفت تآليفي ومن بركاتها على تصنيفي لهذا الكتاب المقرب من رب الأرباب المر
أن يكون نوراً يسعى بين يدي وستراً من النار يضفو علي فما لمخلوق بتأليفة قصدت ولا غير وجه الله به أردت جعلت كتاب الله والتدبير لمعانية أنيسي إذ هو أفضل مؤانس وسميري إذا أخلو لكتب ظلم الحنادس
نعم السمير كتاب الله إن له
حلاوة هي أحلى من جنى الضرب
به فنون المعاني قد جمعن فما
يقتن من عجب إلا إلى عجب
أمر ونهي وأمثال وموعظة
وحكمة أودعت في أفصح الكتب
لطائف يجتليها كل ذي بصر
وروضة يجتنيها كل ذي أدب(3/4)
منهجه في تأليف هذا الكتاب ( وترتيبي في هذا الكتاب ) أني أبتدئ أولاً بالكلام على مفردات الآية التي أفسرها لفظة فيما يحتاج إليه من اللغة والأحكام النحوية التي لتلك اللفظة قبل التركيب وإذا كان للكملة معنيان أو معان ذكرت ذلك في أول موضع فيه تلك الكلمة لينظر ما يناسب لها من تلك المعاني في كل موضع تقع فيه فيحمل عليه ثم أشرع في تفسير الآية ذاكراً سبب نزولها إذا كان لها سبب ونسخها ومناسبتها وارتباطها بما قبلها حاشداً فيها القراءات شاذها ومستعملها ذاكراً توجيه ذلك في علم العربية ناقلاً أقاويل السلف الخلف في فهم معانيها متكلماً على جليها وخفيها بحيث إني لا أغادر منها كلمة وإن اشتهرت حتى أتكلم عليها مبدياً ما فيها من غوامض الإعراب ودقائق الآداب من بديع وبيان مجتهداً أني لا أكرر الكلام في لفظ سبق ولا في جملة تقدم الكلام عليها ولا في آية فسرت بل أذكر في كثير منها الحوالة على الموضع الذي تلكم فيها على تلك اللفظة أو الجملة أو الآية وإن عرض تكرير فبمزيده فائدة ناقلاً الفقهاء الأربعة وغيرهم في الأحكام الشرعية مما فيه تعلق باللفظ القرآني محيلاً على الدلائل التي في كتب الفقه وكذلك ما نذكره من القواعد النحوية أحيل في تقررها والاستدلال عليها على كتب النحو وربما أذكر الدليل إذا كان الحكم غريباً أو خلاف مشهور ما قال معظم الناس بادئا بمقتضى الدليل وما دل عليه ظاهر اللفظ مرجحاً له لذلك ما لم يصد عن الظاهر ما يجب إخراجه به عنه منكباً في الأعراب عن الوجوه التي تنزه القرآن عنها مبيناً أنها مما يجب أن يعدل عنه وأنه ينبغي أن يحمل على أحسن إعراب وأحسن تركيب إذ كلام الله تعالى أفصح الكلام فلا يجوز فيه جميع ما يجوزه النحاة في شعر ( ( الشماخ ) ) و ( ( الطرماح ) ) وغيرهما من سلوك التقادير البعيدة والتراكيب القلقة والمجازات المعقدة ثم أختتتم الكلام في جملة من الآيات التي فسرتها إفراداً وتركيباً بما ذكروا(3/5)
فيها من علم البيان والبديع ملخصاً ثم أتبع آخر الآيات بكلام منثور أشرح به مضمون تلك الآيات على ما أختاره من تلك المعاني جملها في أحسن تلخيص وقد ينجر معها ذكر معان لم تتقدم في التفسير وصار ذلك أنموذجاً لمن يريد أن يسلك ذلك فيما بقي من سائر القرآن وستقف على هذا المنهج
الذي سلكته إن شاء الله تعالى وربما ألممت بشيء من كلام الصوفية مما فيه بعض مناسبة لمدلول اللفظ وتجنبت كثيراً من أقاويلهم ومعانيهم التي يحملونها الألفاظ وتركت أقوال الملحدين الباطنية المخرجين الألفاظ القريبة عن مدلولاتها في اللغة إلى هذيان افتروه على الله تعالى وعلى علي كرم الله وجهه وعلى ذريته ويسمونه علم التأويل وقد وقفت على تفسير لبعض رؤوسهم وهو تفسير عجيب يذكر فيه أقاويل السلف مزدرياً عليهم وذاكراً أنه ما جهل مقالاتهم ثم يفسر هو الآية على شيء لا يكاد يخطر في ذهن عاقل ويزعم أن ذلك هو المراد من هذه الآية وهذه الطائفة لا يلتفت إليها وقد رد أئمة المسلمين عليهم أقاويلهم وذلك مقرر في علم أصول الدين نسأل الله السلامة في عقولنا وأدياننا وأبداننا وكثيراً ما يشحن المفسرون تفاسيرهم من ذلك الإعراب بعلل النحو ودلائل أصول الفقة ودلائل أصول الدين وكل هذا مقرر في تآليف هذه العلوم وإنما يؤخذ ذلك مسلماً في علم التفسير دون استدلال عليه وكذلك أيضاً ذكروا ما لا يصح من أسباب نزول وأحاديث في الفضائل وحكايات لا تناسب وتواريخ إسرائيلية ولا ينبغي ذكر هذا في علم التفسير ومن أحاط بمعرفة مدلول الكلمة وأحكامها قبل التركيب وعلم كيفية تركيبها في تلك اللغة وارتقى إلى تمييز حسن تركيبها وقبحه فلن يحتاج في فهم ما تركب من تلك الألفاظ إلى مفهم ولا معلم وإنما تفاوت الناس في إدراك هذا الذي ذكرناه فلذلك اختلفت أفهامهم وتباينت أقوالهم وقد جرينا الكلام يوماً مع بعض من عاصرنا فكان يزعم أن علم التفسير مضطر إلى النقل في فهم معاني تراكبيه بالإسناد إلى ( ((3/6)
مجاهد ) ) و ( ( طاوس ) ) و ( ( عكرمة ) ) وأضرابهم وأن فهم الآيات متوقف على ذلك والعجب له أنه يرى أقوال هؤلاء كثير ة الاختلاف متباينة الأوصاف متعارضة ينقض بعضها بعضاً ونظير ما ذكره هذا المعاصر أنه لو تعلم أحدنا مثلاً لغة الترك إفراداً وتركيباً حتى صار يتكلم بتلك اللغة ويتصرف فيها نثراً ونظماً ويعرض ما تعلمه على كلامهم فيجده مطابقاً للغتهم قد شارك فيها فصحاءهم ثم جاءه كتاب بلسان الترك فيحجم عن تدبره وعن فهم ما تضمنه من المعاني حتى يسأل عن ذلك ( ( سنقرأ ) ) التركي ( ( أو سنجراً ) ) ترى مثل هذا يعد من العقلاء وكان هذا المعاصر يزعم أن كل آية نثل فيها التفسير خلف عن سلف بالسند إلى أن وصل ذلك إلى الصحابة ومن كلامه أن الصحابة سألوا رسول الله e عن تفسيرها هذا وهم العرب الفصحاء الذين نزل القرآن بلسانهم وقد روي عن ( ( علي ) ) كرم الله وجهه ) ) وقد سئل هل خصكم رسول الله e بشيء فقال ما عندنا غير ما في هذه الصحيفة أو فهماً يؤتاه الرجل في كتابه وقول هذا المعاصر يخالف قول علي رضي الله عنه وعلى قول هذا المعاصر يكون ما استخرجه الناس بعد التابعين من علوم التفسير ومعانيه ودقائقة وإظهارا ما احتوى عليه من علم الفصاحة والبيان والإعجاز لا يكون تفسيراً حتى ينقل بالسند إلى مجاهد ونحوه وهذا كلام ساقط
العلوم التي يحتاج إليها المفسر(3/7)
وإذ قد جر الكلام إلى هذا فلنذكر ما يحتاج إليه علم التفسير من العلوم على الاختصار وننبه على أحسن موضوعات التي في تلك العلوم المحتاج إليها فيه فنقول النظر في تفسير كتاب الله تعالى يكون من وجوه الوجه الأول علم اللغة أسماً وفعلاً وحرفاً الحروف لقلتها تكلم على معانيها النحاة فيؤخذ ذلك من كتبهم أما الأسماء والأفعال فيؤخذ ذلك من كتب اللغة وأكثر الموضوعات في علم اللغة كتاب ( ( ابن سيده ) ) فإن الحافظ أبا محمد ( ( علي بن أحمد الفارسي ) ) ذكر أنه في مائة سفر بدأ فيه بالفك وختم بالذرة ومن الكتب المطولة فيه كتاب ( ( الأزهري ) ) و ( ( الموعب ) ) لابن التياني و ( ( ( الصحاح ) ) للجوهري و ( ( البارع ) ) لأبي على لقالي و ( ( مجمع البحرين ) ) للصاغاني وقد حفظت في صغرى في علم اللغة كتاب الفصيح لأبي العباس أحمد بن يحيى الشيباني ) ) و ( ( اللغات ) ) المحتوي عليها دواوين مشاهير العرب الستة ( ( امرئ القيس ) ) ( ( النابغة ) ) و ( ( علقمة ) ) و ( ( زهير ) ) و ( ( طرفة ) ) و ( ( عنترة ) ) وديوان ( ( الأفوه الأودي ) )(3/8)
لحفظي عن ظهر قلب لهذه الدواوين وحفظت كثيراً من اللغات المحتوي عليها نحو الثلث من كتاب الحماسة واللغات التي تضمنها قصائد مختارة من شعر ( ( حبيب بن أوس ) ) لحفظي ذلك ومن الموضوعات في الأفعال كتاب ابن القوطية وكتاب ( ( ابن طريف ) ) وكتاب ( ( السرقنطي ) ) المنبوز بالحمار ومن أجمعها كتاب ( ( ابن القطاع ) ) الوجه الثاني معرفة الأحكام التي للكلم العربية من جهة إفرادها ومن جهة تركيبها ويؤخذ ذلك من علم النحو وأحسن موضوع فيه وأجله كتاب ( ( أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه ) ) - رحمه الله تعالى - وأحسن ما وضعه المتأخرون من المختصرات وأجمعه للأحكام كتاب ( ( تسهيل الفوائد ) ) لأبي عبد الله محمد بن مالك الجياني الطائي مقيم دمشق وأحسن ما وضع في التصريف كتاب ( ( الممتع ) ) لأبي الحسن ( ( علي بن مؤمن بن عصفور ) ) الحضرمي الإشبيلي رحمه الله تعالى وقد أخذت هذا الفن عن أستاذنا الأوحد العلامة أبي جعفر ( ( أحمد بن(3/9)
إبراهيم بن الزبير الثقفي ) ) في كتاب ( ( سيبويه ) ) وغيره الوجه الثالث كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح ويؤخذ ذلك من علم البيان والبديع وقد صنف الناس في ذلك تصانيف كثيرة وأجمعها ما جمعه شيخنا الأديب الصالح أبو عبد الله ( ( محمد بن سليمان النقيب ) ) وذلك في مجلدين قدمهما أمام كتابه في التفسير وما وضعه شيخنا الأديب الحافظ المتبحر أبو الحسن ( ( حازم بن محمد بن حازم الأندلسي الأنصاري القرطاجني ) ) مقيم تونس المسمى ( ( منهاج البلغاء وسراج الأدباء ) ) وقد أخذت جملة من هذا الفن عن أستاذنا أبي جعفر بن الزبير رحمه الله تعالى الوجه الرابع تعيين مبهم وتبيين مجمل وسبب نزول ونسخ ويؤخذ ذلك من النقل الصحيح عن رسول الله e وذلك من علم الحديث وقد تضمنت الكتب والأمهات التي سمعناها ورويناه ذلك ( ( كالصحيحين ) ) و ( ( الجامع للترمذي ) ) و ( ( سنن أبي داود ) ) و ( ( سنن النسائي ) ) و ( ( سنن ابن ماجة ) ) و ( ( سنن الشافعي ) ) و ( ( مسند الدارمي ) ) و ( ( مسند الطيالسي ) ) و ( ( مسند الشافعي ) ) و ( ( سن الدار قطني ) ) و ( ( معجم الطبراني الكبير ) ) و ( ( المعجم الصغير له ) ) و ( ( مستخرج أبي نعيم ) ) على مسلم وغير ذلك الوجه الخامس معرفة الإجمال والتبيين والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد ودلالة الأمر والنهي وما أشبه هذا ويختص أكثر هذا الوجه بجزء الأحكام من القرآن ويؤخذ هنا(3/10)
من أصول الفقه ومعظمه هو في الحقيقة راجع لعلم اللغة إذ هو شيء يتكلم فيه على أوضاع العرب ولكن تكلم فيه غير اللغويين أو النحويين ومزجوه بأشياء من حجج العقول ومن أجمع ما في هذا الفن كتاب المحصول لأبي عبد الله محمد بن عمر الرازي وقد بحثت في هذا الفن في كتاب ( ( الإشارة ) ) لأبي الوليد الباجي ) ) على الشيخ الأصولي الأديب ( ( أبي الحسن فضل بن إبراهيم المعافري ) ) الإمام بجامع ( غرناطة ) ) والخطيب به وعلى الأستاذ العلامة ( ( أبي جعفر بن الزبير ) ) في كتاب ( ( الإشارة ) ) وفي شرحها له وذلك بالأندلسي وبحثت أيضاً في هذا الفن على الشيخ ( ( علم الدين عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري المعروف بابن بنت العراقي ) ) في مختصره الذي اختصره من كتاب المحصول وعلى الشيخ ( ( علاء الدين علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي ) ) في ( ( مختصره ) ) الذي اختصره من كتاب ( ( محصول ) ) وعلى الشيخ شمس الدين ( ( محمد بن محمود الأصبهاني صاحب ( ( شرح المحصول ) ) بحثت عليه في كتاب ( ( القواعد ) ) من تأليفه رحمه الله تعالى الوجه السادس الكلام فيما يجوز على الله تعالى وما يجب له وما يستحيل عليه والنظر في النبوة ويختص هذا الوجه بالآيات التي تضمنت النظر في الباري تعالى وفي الأنبياء وإعجاز القرآن ويؤخذ هذا من علم الكلام وقد صنف علماء الإسلام من سائر الطوائف في هذا كتباً كثيرة وهو علم إذ المزلة فيه والعياذ بالله مفض إلى الخسران في الدنيا والآخرة وقد سمعت منه مسائل تبحث على الشيخ شمس الدسن الأصفهاني وغيره الوجه السابع اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص أو تغيير حركة أو إتيان بلفظ بدل لفظ وذلك بتواتر وآحاد ويؤخذ هذا الوجه من علم القرآن وقد صنف علماؤنا في ذلك كتباً لا تكاد تحصى وأحسن الموضوعات في القراءات السبع كتاب ( ( الإقناع ) ) ( ( لأبي جعفر بن الباذش ) ) وفي القراءات العشر كتاب ( ( المصباح ) ) لأبي الكرم(3/11)
الشهرزوري ) ) وقد قرأت القرآن بقراءة السبعة بجزيرة الأندلس على الخطيب أبي جعفر ( ( أحمد بن علي بن محمد الرعيني ) ) عرف بابن الطباع بغرناطة وعلى الخطيب أبي محمد ( ( وعبد الحق بن علي بن عبد لاله الأنصاري ) ) الوادي تشبتي ( ( بمطحشارش ) ) من حضرة غرناطة وعلى غيرها بالأندلس وقرأت القرآن بالقراءات الثمان بثغر ( ( الإسكندرية ) ) على الشيخ الصالح رشيد الدين أبي محمد عبد النصير بن علي بن يحيى الهمداني عرف بابن المربوطي وقرأت القرآن بالقراءات السبع بمصر حرسها الله تعالى الشيخ المسند العدل فخر الدين أبي الطاهر إسماعيل بن هبة الله بن علي المليجي وأنشأت في هذا العلم كتاب ( ( عقد اللآليء ) ) قصيداً في عروض قصيد ( ( الشاطبي ) ) ورويه يشتمل على ألف بيت وأربعة وأربعين بيتاً صرحت فيها بأسامي القراء من غير رمز ولا لغز ولا حوشي لغة وأنشأته من كتب تسعة كما قلت
تنظم هذا العقد من در تسعة
من الكتب فالتيسير عنوانه انجلى
بكاف لتجريد وهاد لتبصره
وإقناع تلخيصين مكملا
جنيت له أنسي لفظ لطيفة
وجانبت وحشياً كثيفاً معقلا(3/12)
فهذه سبعة وجوه لا ينبغي أن يقدم على تفسير كتاب الله إلا من أحاط بجملة غالبها من كل وجه منها ومع ذلك فاعلم أنه لا يرتقي من علم التفسير ذروته ولا يمتطي منه صهوته إلا من كان متبحراً في علم اللسان مترقياً منه إلى رتبة الإحسان قد جبل طبعه على إنشاء النثر والنظم دون اكتساب وإبداء ما اخترعته فكرته السليمة في أبدع صورة وأجمل جلبات واستفرغ في ذلك زمانه النفيس وهجر الأهل والولد والأنيس ذلك الذي له في رياضه أصفى مرتع وفي حياضه أصفى مكرع يتنسم عرف أزاهر طال ما حجبتها الكمام ويترشف كؤوس رحيق له المسلك ختام ويستوضح أنوار بدور سترتها كثائف الغمام ويستفتح أبواب مواهب الملك العلام يدرك إعجازك القرآن بالوجدان لا يالتقليد وينفتح له ما استغلق إذ بيده الإقليد وأما من اقتصر على غير هذا من العلوم أو قصر في إنشاء المنثور والمنظوم فإنه بمعزل عن فهم غوامض الكتاب وعن إدراك لطائف ما تضمنه من العجب العجاب وحظه من علم التفسير إنما هو نقل أسطار وتكرار محفوظ على مر الأعصار ولبتاين أهل الإسلام في إدراك فصاحة وتوقل في معارف الآداب وقوانينها أدرك بالوجدان أن القرآن أتى في غاية من الفصاحة لا يوصل إليها ونهاية من البلاغة لا يمكن أن يحام عليها فمارضته عنده غير ممكنة للبشر ولا داخلة تحت القدر ومن لم يدرك هذا المدرك ولا سلك هذا المسلك رأى أنه من نمط كلام العرب وإن مثله مقدور لمنشى ء الخطب فإعجازه عنده(3/13)
إنما هو بصرف الله تعالى إياهم عن معارضته ومناضلته وإن كانوا قادرين على مماثلته والقائلون بأن الإعجاز وقع بالصرف هم من نقصان الفطرة الإنسانية في رتبة بعض النساء حين رأت زوجها يطأ جارية فعاتبته فأخبر أنه ما وطئها فقالت له إن كنت صادقاً فاقرا شيئاً من القرآن فأنشدها بيت شعر قاله ذكر الله فيه ورسوله فصدقته فلم تزرق من الرزق ما تفرق به بين كلام الخلق وكلام الحق وحكى لنا أستاذنا العلامة ( ( أبو جعفر ) ) - رحمه الله تعالى - عن بعض من كان له معرفة بالعلوم القديمة ومعرفة بكثير من العلوم الإسلامية أنه كان يقول له يا أبا جعفر لا أدرك فرقاً بين القرآن وبين غيره من الكلام فهذا الرجل وأمثاله من علماء المسلمين يكون من الطائفة الذين يقولون بأن الإعجاز وقع بالصرفة وكان بعض شيوخنا من له تحقق بالمعقول وتصرف في كثير من المنقول إذا أراد أن يكتب فقرأ فصيحة أتى لبعض تلامذته وكلفة أن ينشئها له وكان بعض شيوخنا ممن له التبحر في علم لغة العرب إذا أسقط من بيت الشعر كلمة أو ربع البيت وكان المعين بدون ما أسقط لا يدرك ما أسقط من ذلك وأين هذا في الإدراك من آخر إذا حركت له مسكناً أو سكنت له محركاً في بيت أدرك ذلك بالطبع وقال إن هذا البيت مكسور ويدرك ذلك في أشعار العرب الفصحاء إذا كان فيه زحاف ما وإن كان جائزاً في كلام العرب لكن يجد مثل هذا طبعه ينبو عنه ويقلق لسماعه هذا وإن كان لا يفهم معنى البيت لكونه حوشء اللغات أو منطويا على حوشي فهذه كلها من مواهب الله تعالى لا تؤخذ باكتساب لكن الاكتساب يقويها وليس العرب متساوين في الفصاحة ولا في إدراك المعاني ولا في نظم الشعر بل فيهم من يكسر الوزن ومن لا ينظم ولا بيتاً واحداً ومن هو مقل من النظم وطباعهم كطباع سائر الأمم في ذلك حتى فحول شعرائهم يتفاوتون في الفصاحة وينفتح الشاعر منهم القصيدة حولاً حتى يسمى قصائد الحوليات فهم مختلفون في ذلك وكذلك كان بعض الكفار حين سمع(3/14)
القرآن أدرك إعجازه للوقت فوفق وأسلم وآخر أدرك إعجازه فكفر ولج في عناده ( بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ) البقرة 90 فنسبه تارة إلى الشعر وتارة إلى الكهانة والسحر وآخر لم يدرك إعجاز القرى ن كتلك المرأة العربية التي قدمنا ذكرها وكحال أكثر الناس فإنهم لا يدركون إعجاز القرآن من جهة الفصاحة ممن أدرك إعجازه فوق وأسلم بأول سماع سمعه ( ( أبو ذر ) ) إعجازه وكفر عناداً ( ( عتبة بن ربيعة ) ) وكان من عقلاء الكفار حتى كان يتوهم ( ( أمية بن الصلت ) ) أنه هو يعني عتبة يكون النبي المنبعث في ( ( قريش ) ) فلما بعث الله محمدً e حسده عتبة وأضرابه مع علمهم بصدقة وأن ما جاء به معجز وكذلك ( ( الوليد بن المغيرة ) ) روى عنه أنه قال لبني مخزوم والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو وما يعلى ومع هذا الاعتراف غلب عليه الحسد والأشر حتى قال ما حكى الله عنه ( إن هذا إلا سحر يؤثر عن هذا إلا قول البشر ) المدثر 25 وممن
لم يدرك إعجازه أو أدرك وعاند وعارض مسيلمة الكذاب أتى بكلمات زعم أنها أوحيت إليه انتهت في الفهاهة والعي والغثاثة بحيث صارت هزأة للسامع وكذلك ( ( أبو الطيب المتنبي ) ) وقد ذكر القاضي أبو بكر محمد بن أبي الطيب الباقلاني في كتاب ( ( الانتصار في إعجاز القرآن ) ) شيئاً من كلام أبي الطيب مما هو كفر وذكر لنا قاضي القضاة أبو الفتح محمد بن علي بن وهب القشيري أن أبا الطيب أدعى النبوة واتبعه ناس من عبس وكلب وأنه اختلق شيئاً ادعى أنه أوحي إليه به سوراً سماها العبر وإن شعره لا يناسبها لجودة أكثرة ورداءتها كلها أو كلاما هذا معناه وإنما أتينا بهذه الجملة من الكلام ليعلم أن أذهان الناس مختلفة في الإدراك على ما شاء الله تعالى وأعطى كل أحد ( ولنبين )
الشروط الواجب توافرها في المفسر(3/15)
إن علم التفسير ليس متوقفاً على علم النحو فقط كما يظنه بعض الناس بل أكثر العربية هم بمعزل عن التصرف في الفصاحة والتفنن في البلاغة ولذلك قلت تصانيفهم في علم التفسير وقل أن ترى نحوياً بارعاً في النظم والنثر كما قل أن ترى بارعاً في الفصاحة يتوغل في علم النحو وقد رأينا من ينسب للإمامة في علم النحو وهو لا يحسن أن ينطق بأبيات من أشعار العرب فضلاً عن أن يعرف مدلولها أو يتكلم على ما انطوت عليه من علم البلاغة والبيان فأنى لمثل هذا أن يتعاطى علم التفسير ولله در أبي القاسم الزمخشري حيث قال في خطبة كتابه في ( ( التفسير ) ) ما نصه إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح عن غرائب نكت يلطف مسلكها ومستودعات أسرار يدق سلكها علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وأجالة النظر فيه كل ذي علم كما ذكر الجاحظ في كتاب ( ( نظم القرآن ) ) فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام والمتكلم وإن بز أهل الدنيا في صناعة الكلام وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرية أحفظ والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن وهما المعاني وعلم البيان وتمهل في ارتيادهما آونة وتعب في التنقير عنهما أزمنة وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله وحرص على استيضاح معجزة رسول الله بعد أن يكون آخذاً من سائر العلوم بحظ جامعاً بين أمرين تحقيق وحفظ كثير المطالعات طويل المراجعات قد رجع زماناً ورجع إليه ورد ورد عليه فارساً في علم الإعراب مقدماً في جملة الكتاب وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها يقظان(3/16)
النفس دراً كالمجة وإن لطف شأنها منتبهاً على الرمزة وإن خفي مكانها لا كزاً جاسياً ولا غليظاً جافياً متصرفاً ذا درية بأساليب النظم والنثر مرتاضاً غير ريض بتلقيح نبات الفكر قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف وكيف نظم ويرصف طالما دفع إلى مضايقه ووقع في مداحضة ومزالقه انتهى كلام ( ( الزمخشري ) ) في وصف متعاطي تفسير القرآن وأنت ترى هذا الكلام وما احتوى عليه من الترصيف الذي يبهر بجنسه الأدباء ويقهر بفصاحته البلغاء وهو شاهد له بأهليته للنظر في تفسير القرآن واستخراج لطائف الفرقان حديثه عن الزمخشري وابن عطية وهذا ( ( أبو القاسم محمود بن عمر المشرقي الخوارزمي الزمخشري ) ) و ( ( أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي ) ) المغربي الغرناطي أجل من صنف في علم التفسير وأفضل من تعرض للتنقيح فيه والتحرير وقد اشتهرا ولا كاشتهار الشمس وخلدا في الأحياء وإن هدا في الرمس وكلامهما فيه يدل على تقديمها في علوم من منثور ومنظوم ومنقول ومفهوم وتقلب في فنون الآداب وتمكن من علمي المعاني والإعراب وفي خطبتي كتابيهما وفي غضون كتاب ( ( الزمخشري ) ) ما يدل على أنهما فارسا ميدان وممارسا فصاحة وبيان وللزمخشري تصانيف غير تفسيره منها ( ( الفائض ) ) في لغات الحديث و ( ( مختلف الأسماء ومؤتلفها ) ) و ( ( ربيع الأبرار ) ) و ( ( الرائض في الفرائض ) ) و ( ( المفصل ) ) وغير ذلك وقد ذكر الوزير أبو نصر الفتح بن خاقان الأشبيلي في كتابه المسمى ( ( قلائد العقيان ومحاسن الأعيان ) ) أبا محمد بن عطية فقال فيه نبعة روح العلا ومحرز ملابس الثنا فذ الجلالة وواحد العصر والأصالة وقار كما رسا الهضب وأدب كما اطرد السلسل العذب أثره في كل معرفة علم في رأسه نار وطوالعه في آفاقها صبح ونهار وقد أثبت من نظمه ما ينفخ عبيراً ويتضح منيراً وأورد له نثراً كما نظم قلائد ونظماً تزدان بمثله أجياد الولائد من ألفاظ عذبة تستنزل برقتها العصم ومعان مبتكرة(3/17)
تفحم الألد الخصم أبقت له ذكراً مخلداً على جبين الدهر وعرفاً أرجاً كتضوع الزهر ولما كان
كتاباهما في التفسير قد أنجدا وأغارا وأشرقا في سماء هذا العلم وأنارا وتنزلا من الكتب التفسيرية منزلة الإنسانية من العين والذهب الا بريز من العين ويتيمة الدر من اللالي وليلة القدر من الليالي فعكف الناس شرقا وغربا عليهما وثنوا أعنه الاعتناء إليهما وكان فيهما على جلالتهما مجال لانتقاد ذوي التبريز ومسرح للتخييل فيهما والتمييز ثنيت إليهما عنان الانتقاد وحللت ما تخيل الناس فيهما من الاعتقاد أنهما في التفسير الغاية التي لا تدرك والمسلك الوعر الذي لا يكاد يسلك وعرضتهما على محك النظر وأرويت فيهما نار الفكر حتى خلص دسيسهما وبرز نفيسهما وسيرى ذلك من هو للنظر أهل واجتمع فيه إنصاف وعدل فإنه يتعجب من التولج على الضراغم والتحرز لأشبالها والأنف راغم إذ هذان الرجلان هما فارسا علم التفسير وممارسا تحريره والتحبير نشراه نشراً وطار لهما به ذكراً وكانا متعاصرين في الحياة متقاربين في الممات ( ولد أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري ) ( ( بزمخشر ) ) قرية من قرى خوارزم يوم الأربعاء السابع عشر لرجب سنة سبع وستين وأربعمائة ( وتوفي بكركانج ) قصبة ( ( خوارزم ) ) ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة ( وولد أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية المحاربي من أهل غرناطة ) سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وتوفي بلورقة في الخامس والعشرين لرمضان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة هكذا ذكره القاضي ابن أبي جمرة في وفاة ابن عطية وقال الحافظ أبو القاسم بن بشكوال توفي يعني ( ( ابن عطية ) ) سنة اثنين وأربعين وخمسمائة وكتاب ابن عطية أنقل وأجمع وأخلص وكتاب الزمخشري ألخص وأغوص إلا أن الزمخشري قائل بالطفرة ومقتصر من الذؤابة على الوفرة فربما سنح له آبي المقادة فأعجزه اعتياصه ولم(3/18)
يمكنه لتأنيه اقتناصه فتركه عقلاً لمن يصطاده وغفلاً لمن يرتاده وربما ناقض هذا المنزع فثنى العنان إلى الواضح والسهل اللائح وأجال فيه كلاماً ورمى نحو غرضه سهاماً هذا مع ما في كتابه من نصره مذهبه وتقحم مرتكبه وتجشم حمل كتاب الله عز وجل عليه ونسبه ذلك إليه فمغتفر إساءته لإحسانه ومصفوح عن سقطه في بعض لإصابته في أكثر تبيانه فما كان في كتابي هذا من تفسير الزمخشري رحمه الله تعالى فأخبرني به أستاذنا العلامة أبو(3/19)
جعفر ( ( أحمد بن إبراهيم بن الزبير ) ) قراءة مني عليه فيه وإجازة أيام كنت أبحث معه في كتاب سيبويه عن القاضي ( ( ابن الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السكوني ) ) عن ( ( أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الخشوعي ) ) ح وأخبرني به عالياً ( ( أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي عرف بابن البخاري ) ) في كتابه إلي من ( ( دمشق ) ) عن ( ( أبي طاهر الخشوعي ) ) وهو آخر من حدث عنه عن ( ( الزمخشري ) ) وما كان في هذا الكتاب من تفسير ( ( ابن عطية ) ) فأخبرني به القاضي الإمام ( ( أبو علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص ) ) القرشي قراءة مني عليه لبعضه ومناولة عن الحافظ ( ( أبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي ) ) قال أخبرنا أبو ( ( القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأنصاري يعرف بابن حبيش ) ) قال أخبرنا به مصنفه قراءة عليه لجميعة وأخبرني به عالياً القاضي الأصولي المتكلم ( ( أبو الحسن محمد بن القاضي الأصولي المتكلم ) ) ( ( أبي عامر يحيى بن عبد الرحمن الأشعري ) ) نسباً ومذهباً إجازه كتبها لي بخطه ( ( بغرناطة ) ) عن أبي الحسن علي بن أحمد بن علي الغافقي الشقوري بقرطبة وهو آخر من حدث عن ( ( ابن عطية ) ) وهو آخر من روى عنه واعتمدت في أكثر نقول كتابي هذا على كتاب ( ( التحرير والتحبير ) ) لأقوال أئمة التفسير من جمع شيخنا الصالح القدوة الأديب ( ( جمال الدين أبي عبد الله محمد بن سليمان بن حسن بن حسين المقدسي ) ) عرف ( ( بابن النقيب ) ) - رحمه الله تعالى - إذ هو أكبر كتاب رأيناه صنف في علم التفسير يبلغ في العدد مائة سفر أو يكاد إلا أنه كثير التكرير قليل التحرير مفرط الإسهاب لم يعد جامعه من نسخ كتب في كتابه كذلك كان فيه بحال التهذيب ومراد الترتيب وهذا الكتاب روايتي بالإجازة من(3/20)
جامعه رحمه الله تعالى وقد شاهدناه غير مرة حين جمعه يقول للناسخ اقرا علي فيقرأ عليه فيقول اكتب من كذا إلى كذا وينقل ما في كتب التفسير التي اعتمدها ويعزو أكثر المواضع ما ينقل منها إلى مصنف ذلك الكتاب وكان فيه فضيلة أدب وله نثر ونظم متوسط رحمه الله تعالى ورضي عنه ( وقد تقدم أني قرأت كتاب الله تعالى على جماعة من المقرئين رحمهم الله تعالى ) وأنا الآن أسند قراءتي القرآن من بعض الطرق وأذكر شيئاً مما ورد في القرآن وفضائله وتفسيره على سبيل الاختصار فأقول قرأت القرآن برواية ( ( ورش ) ) وهي الرواية التي ننشأ عليها ببلادنا ونتعلمها أولاً في المكتب على المسند المعمر العدل أبي طاهر إسماعيل بن هبة اله بن علي المليجي بمصر وقرأتها على أبي الجود غياث بن فارس بن مكي المنذري بمصر وقرأتها على ( ( أبي الفتوح ناصر بن الحسن بن إسماعيل الزيدي ) ) ( ( بمصر ) ) وقرأتها على ( ( أبي الحسن يحيى بن علي بن أبي الفرج الخشاب ) ) ( ( بمصر ) ) وقرأتها علي ابن الحسن أحمد بن سعيد بن نفيس بمصر وقرأتها على ( ( ابن عدي عبد العزيز بن علي بن محمد عرف بابن الإمام ) ) ( ( بمصر ) ) وقرأتها على ( ( أبي بكر بن عبد الله بن مالك بن سيف ) ) ( ( بمصر ) ) وقرأتها على ( ( أبي يعقوب بن يوسف بن عمرو بن سيار ) ) ويقال يسار الأزرق ( ( بمصر ) ) وقرأتها على ( ( أبي عمر وعثمان بن سعيد بن عدي الملقب ) ) بورش ( ( بمصر ) ) وقرأتها على ( ( أبي عبد الرحمن نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ) ) يمدينة رسول الله e وقرأ ( ( نافع ) ) على ( ( أبي جعفر يزيد بن القعقاع ) ) بمدينة رسول الله e وقرأ ( ( يزيد ) ) على
( ((3/21)
عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي ) ) بمدينة رسول الله e وقرأ ( ( عبد الله ) ) على ( ( أبي المنذر أبي بن كعب ) ) بمدينة رسول الله e وقرأ ( ( أبي ) ) على رسول الله e هذا إسناد صحيح دائر بين مصري ومدني فمن شيخي إلى ورش مصريون ومن نافع إلى من بعده مدنيون ( ومثل هذا الإسناد عزيز الوجود بيني وبين رسول الله e ثلاثة عشرة رجلاً ) وهذا من أعلي الأسانيد التي وقعت لي وقد وقع لي في بعض القراءات أن بيني وبين رسول الله e اثني عشر رجلاً وذلك في قراءة ( ( عاصم ) ) وهي القراءة التي ينشأ عليها أهل العراق وهو إسناد أعلى ما وقع لأمثالنا وقرأت القرآن على ( ( أبي الطاهر بن المليجي ) ) قال قرأت على ( ( أبي الجود ) ) قال قرأت على ( ( أبي الفتوح الزيدي ) ) قال قرأت على ( ( أبي الحسن علي بن أحمد الأبهري ) ) قال قرأت على ( ( أبي محمد يحيى بن محمد بن قيس الأنصاري العليمي ) ) الكوفي قال قرأت على ( ( أبي بكر بن عياش ) ) قال قرأت على ( ( عاصم ) ) وقرأ ( ( عاصم ) ) على ( ( أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي ) ) على ( ( أبي بن كعب ) ) و ( ( عثمان بن عفان ) ) و ( ( علي بن أبي طالب ) ) و ( ( عبد الله بن مسعود ) ) و ( ( زيد بن ثابت ) ) وقرأ هؤلاء الخمسة على رسول الله e
ذكر فضائل القرآن
( وأما ما ورد في القرآن وفضائله ) فقد صنف الناس في ذلك ( ( كأبي عبيد القاسم بن سلام ) ) وغيره ( ومما روي ) أن رسول الله e قال إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم قيل فما النجاة منها يا رسول الله(3/22)
قال كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بنيكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبراً قصمه الله تعالى ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله تعالى وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن عصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم وقال رسول الله e من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن وقال رسول الله e اتلوا هذا القرآن فإن الله تعالى يأجركم بالحرف عشر حسنات أما إني لا أقول ألم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف وروي عنه e أنه قال في آخر خطبة خطبها وهو مريض أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين إنه لن تعمى أبصاركم ولن تضل قلوبكم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم كتاب الله سبب بينكم وبينه طرفه بيده وطرفه بأيديكم فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وأحلوا حلاله وحرموا حرامه ألا وأهل بيتي وعترتي وهو الثقل الآخر فلا تسبوهم فتهلكوا وروي عن رسول الله e أنه قال من قرأ القرآن فرأى أن أحداً أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله وعنه e أنه قال ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك وعنه e أفضل عبادة أمتي القرآن وعنه e أنه قال أشرف أمتي حملة القرآن وعنه e أنه قال من قرأ مائة آية كتب من الفانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكن من الغافلين ومن قرأ(3/23)
ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن وعنه e أنه قال القرآن شافع مشفع وما حل مصدق من شفع له القرآن نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة أكبه الله لوجهه في النار وأحق من شفع له القرآن أهله وحملته وأولى من محل به القرآن من عدل عنه وضيعه وعنه e أنه قال إن أصغر البيوت بيت صفر من كتاب الله تعالى وعنه e أنه قال إن الذي يتعاهد القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة وعنه e أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه وقال قوم من الأنصار للنبي e أم تر يا رسول الله ( ( ثابت بن قيس ) ) لم تزل داره البارحة تزهر وحولها أمثال المصابيح فقال لهم فلعله قرأ سورة البقرة فسئل ( ( ثابت بن قيس ) ) فقال قرأت سورة البقرة وقد خرج البخاري في تنزيل الملائكة في الظلمة لصوت ( ( أسيد بن حضير ) ) بقراءة سورة البقرة وقال ( ( عقبة بن عامر ) ) عهد إلينا رسول الله e في حجة الوداع فقال عليكم بالقرآن وسئل رسول الله e عن أحسن الناس قراءة أو صوتاً بالقرآن فقال الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى
الترغيب في تفسير القرآن
( وأما ما ورد في تفسيره ) فروى ابن عباس أن رجلاً سأل النبي e فقال أي علم القرآن أفضل فقال النبي e عربيته فالتمسوها في الشعر وقال أيضاً e أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فإن الله تعالى يحب أن يعرف وقد فسرت الحكمة من قوله تعالى ( ومن يؤت الحمكة ) البقرة 269 بأنها تفسير القرآن وقال رسول الله e لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة وقال ( ( الحسن ) ) أهلكتم العجمة يقرأ أحدهم الآية فيعيا بوجوهما حتى يفترى(3/24)
على الله بها وقال ( ( ابن عباس ) ) الذي يقرأ ولا يفسر كالأعرابي الذي يهذ الشعر ووصف علي ( ( جابر بن عبد الله ) ) لكونه يعرف تفسير قوله تعالى ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) القصص 85 ورحل ( ( مسروق ) ) إلى ( ( البصرة ) ) في تفسير آية فقيل له الذي يفسرها رجع إلى ( ( الشام ) ) فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها وقال ( ( مجاهد ) ) أحب الخلق إلى الله تعالى أعلمهم بما أنزل ( وما روى ) عن رسول الله e من كونه لا يفسر من كتاب الله إلا أبا بعدد علمه إياهن جبرائيل عليه السلام محمول ذلك على مغيبات القرآن وتفسيره لمجمله ونحوه مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى ( وما روى ) عنه e من قوله ( من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ) محمول على من تسور على تفسيره برأيه دون النظر في أقوال العلماء وقوانين العلوم كالنحو واللغة والأصول وليس من اجتهد ففسر على قوانين العلم والنظر بداخل في ذلك الحديث ولا هو يفسر برأيه ولا يوصف بالخطا
المفسرون من الصحابة
والمنقول عنه الكلام في تفسير القرآن من الصحابة جماعة منهم ( ( علي بن أبي طالب ) ) و ( ( عبد الله بن مسعود ) ) و ( ( أبي بن كعب ) ) و ( زيد بن ثابت ) ) و ( ( عبد الله بن عمرو بن العاص ) ) فهؤلاء مشاهير من أخذ عنه التفسير من الصحابة رضي الله عنه تعالى عنهم وقد نقل عن غير هؤلاء غير ما شيء من التفسير
المفسرون من التابعين
( ومن المتكلمين ) في التفسير من التابعين ( ( الحسن بن أبي الحسن ) ) و ( ( مجاهد بن جبر ) )
و ( ( سعيد بن جبير ) ) و ( ( علقمة ) ) و ( ( الضحاك بن مزاحم ) ) و ( ( السدي ) ) و ( ( وأبو صالح ) ) وكان ( ( الشعبي ) ) يطعن على ( ( السدي ) ) و ( ( أبي صالح ) ) لأنه كان يراهما مقصرين في النظر
منهج التفسير في العصور المتقدمة له والمتأخرة(3/25)
ثم تتابع الناس في التفسير وألفوا فيه التأليف وكانت تآليف المتقدمين أكثرها إنما هي شرح لغة ونقل سبب ونسخ وقصص لأنهم كانوا قريبي عهد بالعرب وبلسان العرب فلما فسد اللسان وكثرت العجم ودخل في دين الإسلام أنواع الأمم المختلفو الألسنة والناقصو الإدراك احتاج المتأخرون إلى إظهار ما انطوى عليه كتاب الله تعالى من غرائب التركيب وانتزاع المعاني وإبراز النكت البيانية حتى يدرك ذلك من لم تكن في طبعه ويكتسها من لم تكن نشأته عليها ولا عنصره يحركه إليها بخلاف الصحابة والتابعين من العرب فإن ذلك كان مركوزاً في طباعهم يدركون تلك المعاني كلها من غير موقف ولا معلم لأن ذلك لسانهم وخطتهم وبيانهم على أنهم كانوا يتفاوتون أيضاً في الفصاحة وفي البيان ألا ترى إلى قوله e حين سمع كلام ( ( عمرو بن الأهتم ) ) في ( ( الزبرقان ) ) إن من البيان لسحراً وقد أشرنا فيما تقدم إلى تفاوت العرب في الفصاحة
تعريف علم التفسير لغة واصطلاحاً(3/26)
وقبل أن نشرع فيما قصدنا وننجز ما به وعدنا ونبدأ برسم لعلم التفسير فإني لم أقف لأحد من علماء التفسير على اسم له فنقول التفسير في اللغة الاستبانة والكشف قال ( ( ابن دريد ) ) ومنه يقال للماء الذي ينظر فيه الطبيب تفسرة وكانه تسمية بالمصدر لأن مصدر فعل جاء أيضاً على تفعله نحو جرب تجربة وكرم تكرمة وإن كان القياس في الصحيح من فعل التفعيل كقوله تعالى ( وأحسن تفسيراً ) وينطلق أيضاً التفسير على التعرية للانطلاق قال ( ( ثعلب ) ) تقول فسرت الفرس عريته لينطلق في حضره وهو راجع لمعنى الكشف فكأنه كشف ظهره لهذا الذي يريده منه من الجري وأما الرسم في الاصطلاح فنقول التفسير علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك فقولنا علم هو جنس يشمل سائر العلوم وقولنا يبحث فيه عن كيفية النظق بألفاظ القرآن هذا هو علم القراءات وقولنا ومدلولاتها أي مدلولات تلك الألفاظ وهذا هو علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا العلم وقولنا وأحكامها الإفرادية والتركيبية هذا يشمل علم التصريف وعلم الإعراب وعلم البيان وعلم البديع ومعانيها التي تحمل بها حالة التركيب شمل بقوله التي تحمل عليها ما لا دلالة عليه بالحقيقة وما دلالته عليه بالمجاز فإن التركيب قد يقضي بظاهره شيئاً ويصد عن الحمل على الظاهر صاد فيحتاج لأجل ذلك أن يحمل على الظاهر وهو المجاز وقولنا وتتمات لذلك هو معرفة النسخ وسبب النزول وقصة توضح بعض ما انبهم في القرآن ونحو ذلك(3/27)
خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم ) وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ( قرآن كريم الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا فتحدى بأقصر سورة
من سورة مصاقع الخطباء من العرب العرباء فلم يجد به قديرا وأفحم من تصدى لمعارضته من فصحاء عدنان وبلغاء قحطان حتى حسبوا أنهم سحروا تسحيرا ثم بين للناس ما نزل
إليهم حسبما عن لهم من مصالحهم ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب تذكيرا فكشف لهم قناع الانغلاق عن آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات هي رموز الخطاب تأويلا وتفسيرا وأبرز غوامض الحقائق ولطائف الدقائق ليتجلى لهم خفايا الملك والملكوت وخبايا قدس الجبروت ليتفكروا فيها تفكيرا ومهد لهم قواعد الأحكام وأوضاعها من نصوص الآيات وألماعها ليذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا فمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد فهو في الدارين حميد وسعيد ومن لم يرفع إليه رأسه وأطفأ نبراسه يعش ذميما ويصلى سعيرا فيا واجب الوجود ويا فائض الجود ويا غاية كل
مقصود صلى عليه صلاة توازي غناءه وتجازي عناءه وعلى من أعانه وقرر تبيانه تقريرا وأفض علينا من بركاتهم واسلك بنا مسالك كراماتهم وسلم عليهم وعلينا تسليما كثيرا وبعد فإن أعظم العلوم مقدارا وأرفعها شرفا ومنارا علم التفسير الذي هو رئيس
العلوم الدينية ورأسها ومبنى قواعد الشرع وأساسها لا يليق لتعاطيه والتصدي للتكلم فيه إلا من برع في العلوم الدينية كلها أصولها وفروعها وفاق في الصناعات العربية والفنون الأدبية بأنواعها ولطالما أحدث نفسي بأن أصنف في هذا الفن كتابا يحتوي على صفوة ما(4/1)
بلغني من عظماء الصحابة وعلماء التابعين ومن دونهم من السلف الصالحين وينطوي على نكت بارعة ولطائف رائعة استنبطتها أنا ومن قبلي من أفاضل المتأخرين وأماثل المحققين ويعرب عن وجوه القراءات المشهورة المعزوة إلى الأئمة الثمانية المشهورين والشواذ المروية عن القراء المعتبرين إلا أن قصور بضاعتي يثبطني عن الإقدام ويمنعني عن الانتصاب في هذا المقام حتى سنح لي بعد الاستخارة ما صمم به عزمي على الشروع فيما أردته والإتيان بما قصدته ناويا أن أسميه بعد أن أتممه بأنوار التنزيل وأسرار التأويل فها أنا الآن أشرع وبحسن توفيقه أقول وهو الموفق لكل خير ومعطي كل مسؤول
سورة الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم وتسمى أم القرآن لأنها مفتتحه ومبدؤه فكأنها أصله ومنشؤه ولذلك تسمى أساسا
أو لأنها تشتمل على ما فيه من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتعبد بأمره ونهيه وبيان
وعده ووعيده أو على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء وسورة الكنز والوافية والكافية لذلك وسورة الحمد والشكر والدعاء وتعليم المسألة لاشتمالها عليها والصلاة لوجوب قراءتها أو استحبابها فيها والشافية والشفاء لقوله عليه الصلاة والسلام هي شفاء
من كل داء والسبع المثاني لأنها سبع آيات بالاتفاق إلا أن منهم من عد التسمية دون ) أنعمت عليهم ( ومنهم من عكس وتثنى في الصلاة أو الإنزال إن صح أنها نزلت بمكة حين فرضت الصلاة وبالمدينة حين حولت القبلة وقد صح أنها مكية لقوله تعالى ) ولقد آتيناك سبعا من المثاني ( وهو مكي بالنص )(4/2)
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
يقول العبد الفقير إلى الله المعترف بذنبه الراجي رحمة ربه عبد الرحمن ابن محمد بن مخلوف الثعالبي لطف الله به في الدارين وبسائر المؤمنين
الحمد لله رب العالمين وصلوات ربنا وسلامه على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه السادة المكرمين والحمد لله الذي من علينا بالإيمان وشرفنا بتلاوة القرآن فأشرقت علينا بحمد الله أنواره وبدت لذوي المعارف عند التلاوة أسراره وفاضت على العارفين عند التدبر والتأمل بحاره فسبحان من أنزل على عبده الكتاب وجعله لأهل الفهم المتمسكين به من أعظم الأسباب كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب
أما بعد أيها الأخ أشرق الله قلبي وقلبك بأنوار اليقين وجعلني وإياك من أوليائه المتقين الذين شرفهم بنزل(5/1)
قدسه وأوحشهم من الخليقة بأنسه وخصهم من معرفته ومشاهدة عجائب ملكوته وآثار قدرته بما ملأ قلوبهم حبره ووله عقولهم في عظمته حيره فجعلوا همهم به واحدا ولم يروا في الدارين غيره فهم بمشاهدة كماله وجلاله يتنعمون وبين آثار قدرته وعجائب عظمته يترددون وبالانقطاع إليه والتوكل عليه يتعززون لهجين بصادق قوله قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فإني جمعت لنفسي ولك في هذا المختصر ما ارجو أن يقر الله به عيني وعينك في الدارين فقد ضمنته بحمد الله المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية وزدته فوائد جمة من غيره من كتب الأئمة وثقات أعلام هذه الأمة حسبما رأيته أو رويته عن الاثبات وذلك قريب من مائة تأليف وما منها تأليف إلا وهو منسوب لإمام مشهور بالدين ومعدود في المحققين وكل من نقلت عنه من المفسرين شيئا فمن تأليفه نقلت وعلى لفظ صاحبه عولت ولم أنقل شيئا من ذلك بالمعنى خوف الوقوع في الزلل وإنما هي عبارات وألفاظ لمن أعزوها إليه وما انفردت بنقله عن الطبري فمن اختصار الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد اللخمي النحوي لتفسير الطبري نقلت لأنه اعتنى بتهذيبه وقد أطنب أبو بكر بن الخطيب في حسن الثناء على الطبري ومدح تفسيره وأثنى عليه غاية نسأل الله تعالى أن يعاملنا وإياهم برحمته وكل ما في آخره انتهى فليس هو من كلام ابن عطية بل ذلك مما انفردت بنقله عن غيره ومن أشكل عليه لفظ في هذا المختصر فليراجع الأمهات المنقول منها فليصلحه منها ولا يصلحه برأيه وبديهة عقله فيقع في الزلل من حيث لا يشعر وجعلت علامة(5/2)
التاء لنفسي بدلا من قلت ومن شاء كتبها قلت وأما العين فلابن عطية وما نقلته من الأعراب عن غير ابن عطية فمن الصفاقسي مختصر أبي حيان غالبا وجعلت الصاد علامة عليه وربما نقلت عن غيره معزوا لمن عنه نقلت وكل ما نقلته عن ابي حيان فإنما نقلي له بواسطة الصفاقسي غالبا قال الصقاقسي وجعلت علامة ما زدته على أبي حيان م وما يتفق لي إن أمكن فعلامته قلت وبالجملة فحيث أطلق فالكلام لأبي حيان وما نقلته من الأحاديث الصحاح والحسان عن غير البخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي في باب الأذكار والدعوات فأكثره من النووي وسلاح المؤمن وفي الترغيب والترهيب وأحوال الآخرة فمعظمه من التذكرة للقرطبي والعاقبة لعبد الحق وربما زدت زيادات كثيرة من مصابيح البغوي وغيره كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى كل ذلك معزو لمحاله وبالجملة فكتابي هذا محشو بنفائس الحكم وجواهر السنن الصحيحة والحسان المأثورة عن سيدنا محمد ? وقد قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التقصي وأولى الأمور بمن نصح نفسه والهم رشده معرفة السنن التي هي البيان لمجمل القرآن بها يوصل إلى مراد الله تعالى من عباده فيما تعبدهم به من شرائع دينه الذي به الابتلاء وعليه الجزاء في دار الخلود والبقاء التي لها يسعى الالباء العقلاء والعلماء الحكماء فمن من الله عليه بحفظ السنن والقرآن فقد جعل بيده لواء الإيمان فإن فقه وفهم واستعمل ما علم دعي في ملكوت السماوات عظيما ونال فضلا جسيما انتهى والله اسأل أن يجعل هذا السعي خالصا لوجهه وعملا صالحا يقربنا إلى مرضاته وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وسميته بالجواهر الحسان في تفسير القرآن(5/3)
سأل الله أن ينفع به كل من حصله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وها أنا إن شاء الله أشرع في المقصود والتقط من كلام ابن عطية رحمه الله ما ستقف عليه من النبذ الحسنة المختارة ما تقر به العين وإذا نقلت شيئا من غيره عزوته لصاحبه كما تقدم قال ع رحمه الله بعد كلام في اثناء خطبته ولما أردت أن أختار لنفسي وانظر في علم أعد أنواره لظلم رمسى سبرت العلوم بالتنويع والتقسيم وعلمت أن شرف العلم على قدر شرف المعلوم فوجدت أمتنها حبالا وأرسخها جبالا وأجملها آثارا واسطعها أنوارا علم كتاب الله جلت قدرته وتقدست أسماؤه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي استقل بالسنة والفرض ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض وأيقنت أنه أعظم العلوم تقريبا إلى الله تعالى وتخليصا للنيات ونهيا عن الباطل وحضا على الصالحات إذ ليس من علوم الدنيا فيختل حامله من منازلها صيدا ويمشي في التلطف لها رويدا ورجوت أن الله تعالى يحرم على النار فكرا عمرته أكثر عمره معانيه ونفسا ميزت براعة رصفه ومبانيه ثم قال قال الله تعالى ) إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ( قال المفسرون ايى علم معانيه والعمل بها وقد قال النبي ? قيدوا العلم بالكتب ففزعت إلى تعليق ما يتنخل لي في المناظرة من علم التفسير قال ولنقدم بين يدي القول في التفسير أشياء قد قدم أكثرها المفسرون وأشياء ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في هذا العلم مجتمعة لذهنه
باب في فضل القرآن(5/4)
قال رسول الله ? أنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم قيل فما النجاة منها يا رسول الله قال كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الاهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به اجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم وقال رسول الله ? من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن وقال ? ان الذي يتعاهد القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة وقال ? اتلوا هذا القرآن فان الله ياجركم بالحرف منه عشر حسنات أما أنى لا أقول ألم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف وقال ? ما من شفيع افضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك وقال صلى الله عليه ولم افضل عبادة امتي القرآن وحدث انس بن مالك عن رسول الله ? انه قال من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن قال الشيخ يحيى بن شرف النووي اعلم ان قراءة القرآن اكد الاذكار وافضلها فينبغي المداومة عليها فلا يخلو عنها يوما وليلة ويحصل له اصل القراءة بقراءة الآيات القليلة والمطلوب القراءة بالتدبر والخشوع والخضوع وقد روينا في كتاب ابن السني عن انس عن النبي صلى الله عليه(5/5)
وسلم انه قال من قرأ خمسين آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يحاجه القرآن يوم القيامة ومن قرأ خمسمائة آية كتب له قنطار من الاجر وفي رواية من قرأ أربعين آية بدل خمسين وفي رواية عشرين آية وفي رواية عن أبي هريرة عن النبي ? من قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين وجاء في الباب أحاديث كثيرة بنحو هذا انتهى من الحلية وروى ابن عباس عن النبي ? انه قال اشراف امتي حملة القرآن وروى انس بن مالك ان رسول الله ? قال القرآن شافع مشفع وما حل مصدق ومن شفع له القرآن نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله لوجهه في النار واحق من شفع له القرآن اهله وحملته واولى من محل به من عدل عنه وضيعه وقال قوم من الأنصار للنبي ? الم تر يا رسول الله ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح فقال لهم فلعله قرأ سورة البقرة فسئل ثابت ابن قيس فقال نعم قرأت سورة البقرة وفي هذا المعنى حديث صحيح عن اسيد ابن حضير في تنزل الملائكة في الظلة لصوته بقراءة سورة البقرة قلت وفي رواية سورة الكهف وهذا الحديث خرجه البخاري ومسلم والترمذي والنساءي انتهى وقال عقبة بن عامر عهد الينا رسول الله ? في حجة الوداع فقال عليكم بالقرآن وقال عبد الله بن عمرو بن العاص ان من اشراط الساعة ان يبسط القول ويخزن الفعل ويرفع الاشرار ويوضع الاخيار وان تقرأ المثناة على رءوس الناس لا تغير قيل وماالمثناة قال ما استكتب من غير كتاب الله قيل له فكيف بما جاء من حديث رسول الله ? قال ما اخذتموه عن من تامنونه على نفسه ودينه فاعقلوه وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه ابناءكم(5/6)
فانكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل وقال رجل لعبد الله ابن مسعود اوصني فقال إذا سمعت الله تعالى يقول يا ايها الذين ءامنوا فارعها سمعك فإنه خير يأمر به او شر ينهى عنه وروى أبو هريرة أن رسول الله ? سئل عن احسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى وقال ? اقرءوا القرآن قبل ان يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون اجره ولا يتأجلونه وروي أن أهل اليمن لما قدموا أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه سمعوا القرآن فجعلوا يبكون فقال أبو بكر هكذا كنا ثم قست القلوب وروي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ مرة ) إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع ( فأن أنة عيد منها عشرين يوما قال القرطبي في التذكرة وما تقرب المتقربون إلى الله تعالى بشيء مثل القرآن قال ? يقول الرب تبارك وتعالى من شغله قراءة القرآن عن مسألتي اعطيته افضل ما اعطى السائلين رواه الترمذى انتهى قلت ولفظ الترمذى عن أبي سعيد قال قال رسول الله ? يقول الرب عز وجل من شغله القرآن وذكري عن مسألتي اعطيته افضل ما اعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وعن عبدالله بن عمرو أن النبي ? قال لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى وعماد الامر التدبر والتفهم فقلة القراءة مع التفهم افضل من كثرتها من غير تفهم وهذا الذي عليه المحققون وهو الذي يدل عليه القرآن وصحيح الآثار ولولا الاطالة لاتينا من ذلك بما يثلج له الصدر وقد ذكر بعض شراح الرسالة في الذي يقرأ القرآن من غير تأمل ولا تفهم هل له أجر أم لا قولان وهذا(5/7)
الخلاف والله اعلم في غير المتعلم والقول بعدم الاجر على ضعفه هو ظاهر ما حكاه عياض في المدارك عن الشلبي في قصته مع الامام المقرى ء وبالجملة فالتدبر والتفهم هو الذي يحصل معه الانابة والخشوع وكل خير ونقل الباجى في سنن الصالحين عن محمد بن كعب القرظي قال لان اقرأ في ليلى حتى أصبح بإذا زلزلت وبالقارعة لا أزيد عليها واتردد فيها واتفكر احب إلى من أن اهذ القرآن ليلى هذا أو قال انثره نثرا ونحوه عن مجاهد وغيره وعن ابن عباس قال ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه انتهى قال ابن ابي جمرة والمرغب فيه التدبر في القراءة وان قلت وهو خير من كثرة القراءة بلا تدبر وفائدة التدبر هو أن تعرف معنى ما تتلوه من الآي انتهى وقال الحسن بن أبي الحسن انكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا تركبونه فتقطعون به المراحل وان من كان قبلكم رأوه رسائل اليهم من ربهم فكانوا يتدبرونه بالليل وينفذونه بالنهار وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول انزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا درسه عملا ان احدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا وقد اسقط العمل به قال ع قال الله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر وقال تعال انا سنلقي عليكم قولا ثقيلا أي علم معانيه والعمل به والقيام بحقوقه ثقيل فمال الناس إلى الميسر وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم وقيل ليوسف بن اسباط بأي شيء تدعوا إذا ختمت القرآن فقال استغفر الله من تلاوتي لأني إذا ختمته ثم تركت ما فيه من الاعمال خشيت المقت فاعدل إلى الاستغفار والتسبيح وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء قال فلما ختمته اردت الرجوع من اوله فقال لي اتخذت القراءة علي عملا اذهب فاقرأه على الله تعال في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه قال الغزالي في كتاب(5/8)
التفكر واما طريق الفكر الذي تطلب به العلوم التي تثمر اجتلاب احوال محمودة أو التنزه عن صفات مذمومة فلا يوجد فيه انفع من تلاوة القراءن بالفكر فانه جامع لجميع المقامات والاحوال وفيه شفاء للعالمين وفيه ما يورث الخوف والرجاء والصبر والشكر والمحبة والشوق وسائر الاحوال المحمودة وفيه ما يزجر عن سائر الصفات المذمومة فينبغي ان يقرأه العبد ويردد الآية التي هو محتاج إلى التفكر فيها مرة بعد أخرى ولو ليلة كاملة فقراءة آية بتفكر وفهم خير من ختمة من غير تدبر وفهم فان تحت كل كلمة منه اسرارا لا تنحصر ولا يوقف عليها الا بدقيق الفكر عن صفاء القلب بعد صدق المعاملة وكذلك حكم مطالعة اخبار رسول الله ? فقدة اوتي عليه السلام جوامع الكلم فكل كلمة من كلماته بحر من بحور الحكمة لو تأمله العالم حق تأمله لم ينقطع فيه نظره طول عمره وشرح ءاحاد الآيات والاخبار يطول وانظر قوله ? ان روح القدس نفث في روعى احبب من احببت فانك مفارقه وعش ما شئت فانك ميت واعمل ما شئت فانك مجزي به فان هذه الكلمات جامعة لحكم الاولين والآخرين وهي كافية للمتأملين ولو وقفوا على معانيها وغلبت على قلوبهم غلبة يقين لاستغرقتهم ولجالت بينهم وبين التلفت إلى الدنيا بالكلية انتهى من الاحياء باب في فضل تفسير القرآن واعرابه
قال النبي ? اعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فان الله تعالى يحب ان يعرب قال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل ومن يوت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا قال الحكمة الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة القرآن والفقه(5/9)
فيه وقال غيره الحكمة تفسير القرآن وقال الشعبي رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له ان الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل اليه حتى علم تفسيرها وذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم فقال له رجل جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وانت انت فقال انه كان يعرف تفسير قوله تعالى ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وقال اياس ابن معاوية مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعلم التفسير كرجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب وقال ابن عباس الذي يقرأ ولا يفسر كالاعرابي الذي يهذ الشعر وقال مجاهد احب الخلق إلى الله اعلمهم بما انزل الله وقال الحسن والله ما انزل الله آية الا احب ان يعلم فيمن انزلت وما يعنى بها وقال النبي ? لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرءان وجوها كثيرة
فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرءة عليه ومراتب المفسرين
روي عن عائشة رضي الله عنها انها قالت ما كان رسول الله ? يفسر من كتاب الله تعالى الا ءايا بعدد علمهن اياه جبريل عليه السلام قال ع ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل اليه الا بتوقيف من الله تعالى ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به عباده كوقت قيام الساعة ونحوها ومنها ما يستقرأ من الفاظه كعدد النفخات في الصور وكرتبة خلق السموات والأرض وروي ان رسول الله ? قال من(5/10)
تكلم في القرآن برأيه فاصاب فقد أخطأ ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو والأصول وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحاة نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر فإن هذا القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه وكان جلة من السلف كسعيد ابن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه وهم ابقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عن جميعهم ت وخرج أبو عيسى الترمذي في جامعه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله ? من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وخرج أيضا عن ابن عباس عن النبي ? قال اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار قال ابو عيسى هذا حديث حسن وخرج عن جندب قال قال رسول الله ? من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ قال أبو عيسى هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي ? وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم أو من قبل انفسهم وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم حدثنا الحسين بن مهدي البصري حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال ما في القرآن آية الا وقد سمعت فيها بشيء وحدثنا ابن(5/11)
أبى عمر حدثنا سفيان بن عيينه عن الاعمش قال قال مجاهد لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج إلى أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت انتهى ما نقلته من الترمذي ثم قال ع فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ويتلوه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو تجرد للأمر وكمله وتتبعه العلماء عليه كمجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما والمحفوظ عنه في ذلك اكثر من المحفوظ عن علي بن ابي طالب وقال ابن عباس ما اخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب وكان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ويحض على الأخذ عنه وكان عبد الله ابن مسعود يقول نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس وهو الذي قال فيه رسول الله ? اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وحسبك بهذه الدعوة ويتلوه عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص وكل ما اخذ عن الصحابة فحسن متقدم ومن المبرزين في التابعين الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة وقد قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية ويتلوهم عكرمة والضحاك بن مزاحم وان كان لم يلق ابن عباس وانما اخذ عن ابن جبير وأما السدى رحمه الله تعالى فكان عامر الشعبي يطعن عليه وعلى أبى صالح لأنه كان يراهما مقصرين في النظر ثم حمل تفسير كتاب الله عز وجل عدول كل خلف والف الناس فيه كعبد الزراق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري وغيرهم ثم أن محمد بن جرير الطبري رحمه الله جمع على الناس اشتات التفسير وقرب البعيد وشفى في الاسناد ومن المبرزين في المتأخرين أبو إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي فإن كلامهما منخول وأما أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس رحمهما الله فكثيرا ما
استدرك الناس عليهما وعلى سننهما مكي بن أبي طالب رحمه الله وأبو العباس المهدوي رحمه الله متقن التأليف وكلهم مجتهد ماجور رحمهم الله ونضر وجوههم
فصل(5/12)
واختلف الناس في معنى قوله ? انزل القرآن على سبعة احرف فاقرءوا ما تيسر منه ثم قال ع بعد كلام والذي مال إليه كثير من أهل العلم كأبي عبيد وغيره أن معنى الحديث أنه أنزل على سبع لغات لسبع قبائل ثم اختلفوا في تعيينهم وانا الخص الغرض جهدي بحول الله فأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي ? قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وشب وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسد وضبة والفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب فلما بعثه الله تعالى ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف وهي اختلافها في العبارة قال ثابت بن قاسم لو قلنا من هذه الأحرف لقريش ومنها لكنانة ومنها لأسد ومنها لهذيل ومنها لتميم ومنها لضبة والفافها ومنها لقيس لكان قداتي على قبائل مضر فى مراتب سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن وهذا نحو ما ذكرناه وهذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدخل ويسرها الله لذلك ليظهر آية نهيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم فأما اليمن وهو جنوبي الجزيرة فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود على أن أبا عبيد القاسم بن سلام وأبا العباس المبرد قد ذكرا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلغاتها قال ع وذلك عندي إنما هو فيما استعملته(5/13)
عرب الحجاز من لغة اليمن كالعرم والفتاح فأما ما انفردوا به كالزخيخ والقلوب فليس في كتاب الله منه شيء وأما ما وإلى العراق من جزيرة العرب وهي بلاد ربيعة وشرقي الجزيرة فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنبط ونصارى الحيرة وغير ذلك وأما الذي يلي الشام وهو شمالي الجزيرة وهي بلاد ءال جفنة وغيرهم فأفسدها مخالطة الروم وكثير من بني اسرائل وأما غربي الجزيرة فهي جبال تسكن بعضها هذيل وغيرهم وأكثرها غير معمور فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم ويقوى هذا المنزع أنه لما أتسع نطاق الإسلام وداخلت الأمم العرب وتجرد أهل المصرين البصرة والكوفة لحفظ لسان العرب وكتب لغتها لم يأخذوا إلا من هذه القبائل الوسيطة المذكورة ومن كان معها وتجنبوا اليمن والعراق والشام فلم يكتب عنهم حرف واحد وكذلك تجنبوا حواضر الحجاز مكة والمدينة والطائف لأن السبي والتجار من الأمم كثروا فيها فأفسدوا اللغة وكانت هذه الحواضر في مدة النبي ? سليمة لقلة المخالطة فمعنى قول النبي ? أنزل القرآن على سبعة أحرف أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة الا ترى أن فطر معناها عند غير قريش ابتداء خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها قال ابن عباس ففهمت حينئذ موقع قوله سبحانه فاطر السماوات والأرض وقال أيضا ما كنت أدري معنى قوله تعالى ربنا افتح بيننا وبين قومنا حتى سمعت بنت ذي جدن تقول لزوجها تعال افاتحك أي أحاكمك وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله(5/14)
عنه وكان لا يفهم معنى قوله تعالى أو يأخذهم على تخوف فوقف به فتى فقال ان أبي يتخوفني حقي فقال عمر الله اكبر أو يأخذهم على تخوف أي على تنقص لهم وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي ? يقرأ في الصلاة ) والنخل باسقات ( ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر إلى غير هذا من الأمثلة فأباح الله تعالى لنبيه عليه السلام هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الرصف ولم تقع الإباحة في قوله فاقرءوا ما تيسر منه بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن وكان معرضا أن يبدل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي ? ليوسع بها على أمته فقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا وفي صحيح البخاري عن النبي ? قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف
فصل في ذكر الألفاظ التي في القرآن مما للغات العجم بها تعلق
اختلف الناس في هذه المسألة فقال أبو عبيدة وغيره أن في كتاب الله تعالى من كل لغة وذهب الطبري وغيره إلى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها توارد اللغتين فتكلمت العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد وذلك مثل قوله(5/15)
تعالى ) إن ناشئة الليل ( قال ابن عباس نشأ بلغة الحبشة قام من الليل ومنه قوله تعالى ) يؤتكم كفلين من رحمته ( قال أبو موسى الأشعري كفلان ضعفان من الأجر بلسان الحبشة وكذلك قال ابن عباس في القسورة أنه الأسد بلغة الحبشة إلى غير هذا من الأمثلة قال ع والذي أقوله أن القاعدة والعقيدة هي أن القرآن بلسان عربي مبين وليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب فلا تفهمها الا من لسان ءاخر فاما هذه الالفاظ وما جرى مجراها فانه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وسفر إلى الشام وأرض الحبشة فعلقت العرب بهذا كله الفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الصريح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن فإن جهلها عربي ما فكجهله الصريح مما في لغة غيره كما لم يعرف ابن عباس معنى فاطر إلى غير ذلك فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية لكن استعملتها العرب وعربتها فهي عربية بهذا الوجه وما ذهب إليه الطبري من أن اللغتين اتفقتا في لفظة لفظة فذلك بعيد بل إحداهما أصل والأخرى فرع في الأكثر لأنا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا باب تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية
هو القرآن وهو الكتاب وهو الفرقان وهو الذكر فالقرآن مصدر من قولك قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرءانا وقراءة وقال قتادة القرآن معناه التأليف قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا وبهذا فسر قتادة قوله تعالى ) إن علينا جمعه وقرآنه ( أي تأليفه
والقول الأول أن القرآن مصدر من قرأ إذا تلا ومنه قول حسان بن ثابت يرثي عثمان بن عفان رضي الله عنه
ضحوا باشمط عنوان السجود به
يقطع الليل تسبيحا وقرءانا
أي وقراءة وأما الكتاب فهو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر
واكتبها باسيار(5/16)
أي اجمعها وأما الفرقان فهو أيضا مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر فرقانا وفرقانا وأما الذكر فسمي بذلك لأنه ذكر به الناس ءاخرتهم وإلاههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم وقيل سمي بذلك لأن فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء وفيل سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمد ? وقومه وسائر العلماء به وأما السورة فإن قريشا كلها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل وسعد بن بكر وكنانة يقولون سورة بغير همز وتميم كلها وغيرهم يهمزون فأما من همز فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من اسأر إذا ابقى ومنه سؤر الشراب وأما من لا يهمز فمنهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه لأن كل بناء فإنما بني قطعة بعد قطعة فكل قطعة منها سورة فكان سور القرآن هي قطعة بعد قطعة حتى كمل منها القرآن ويقال أيضا للرتبة الرفيعة من المجد والملك سورة ومنه قول النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر
ألم تر ان الله أعطاك سورة
ترى كل ملك دونها يتذبذب
فكأن الرتبة انبنت حتى كملت وأما الآية فهي العلامة في كلام العرب ولما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية هذا قول بعضهم وقيل سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام كما تقول العرب جئنا بآيتنا أي بجماعتنا وقيل لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها
وما بعدها سميت آية ت وقوله ? في الصحيح آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب الحديث وآية الإيمان حب الأنصار وآية ما بيننا وبين المنافقين شهود العشاء يقوى القول الأول والله أعلم وهذا هو الراحج في مختصر الطبري قال والآية العلامة وذلك أطهر في العربية والقرآن واصح القول أن آيات القرآن علامات للإيمان وطاعة الله تعالى ودلالات على وحدانيته وإرسال رسله وعلى البعث والنشور وأمور الآخرة وغير ذلك مما تضمنته علوم القرآن انتهى باب في الاستعاذة(5/17)
قال الله عز وجل فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم معناه إذا أردت أن تقرأ فأوقع الماضي موقع المستقبل لثبوته وأجمع العلماء على أن قول القارى ء اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ليس بآية من كتاب الله واجمعوا على استحسان ذلك والتزامه عند كل قراءة في غير صلاة واختلفوا في التعوذ في الصلاة فابن سيرين والنخعي وقوم يتعوذون في كل ركعة ويمتثلون أمر الله سبحانه بالاستعاذة على العموم في كل قراءة وابو حنيفة والشافعي يتعوذان في الركعة الأولى من الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ومالك رحمه الله لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة ويراه في قيام رمضان ولم يحفظ عن النبي ? أنه تعوذ في صلاة وأما لفظ الاستعاذة فالذي عليه جمهور الناس وهو لفظ كتاب الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأما المقرءون فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله وفي الجهة الأخرى كقول بعضهم أعوذ بالله المجيد من الشيطان المريد ونحو هذا مما هذا مما لا أقول فيه نعمت البدعة ولا أقول أنه لا يجوز
ومعنى الاستعاذة الاستجارة والتحيز إلى الشيء على وجه الامتناع به من المكروه وأما الشيطان فاختلف في اشتقاقه فقال المحذاق هو فيعال من شطن إذا بعد لأنه بعد عن الخير والرحمة وأما الرجيم فهو فعيل بمعنى مفعول كقتيل وجريح ومعناه أنه رجم باللغة والمقت وعدم الرحمة باب في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم(5/18)
روي أن رجلا قال بحضرة النبي ? تعس الشيطان فقال رسول الله ? لا تقل ذلك فإنه يتعاظم عنده ولكن قل بسم الله الرحمن الرحيم فإنه يصغر حتى يصير اقل من الذباب والبسملة تسعة عشر حرفا قال بعض الناس إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم عليها تسعة عشر إنما ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم لكل حرف ملك وهم يقولون في كل أفعالهم بسم الله الرحمن الرحيم فمن هنالك هي قوتهم وباسم الله استضلعوا قال ع وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم ت ولا يخفي عليك لين ما بلغ هؤلاء ولقد أغنى الله تعالى بصحيح الأحاديث وحسنها عن موضوعات الوراقين فجزى الله نقاد الأمة عنا خيرا وما جاء من الأثر عن جابر وأبي هريرة مما يقتضي بظاهره أن البسملة آية من الفاتحة يرده صحيح الأحاديث كحديث أنس وأبي بن كعب وحديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ونحوها ولم يحفظ قط عن النبي ? ولا عن الخلفاء بعده أنهم يبسملون في الصلاة ع ولباء في بسم الله متعلقة عند نحاة البصرة باسم تقديره ابتداءى مستقر أو ثابت بسم الله وعند نحاة الكوفة بفعل تقديره ابتدأت بسم الله واسم اصله سمو بكسر السين أو سمو بضمها وهو عند(5/19)
البصريين مشتق من السمو ت وهو العلو والارتفاع قال ص والاسم هو الدال بالوضع على موجود في العيان أن كان محسوسا وفي الأذهان إن كان معقولا من غير تعرض ببنيته للزمان ومدلوله هو المسمى والتسمية جعل ذلك اللفظ دليلا على المعنى فهي أمور ثلاثة متباينة فإذا أسندت حكما إلى لفظ اسم فتارة يكون حقيقة نحو زيد اسم ابنك وتارة يكون مجازا وهو حيث يطلق الاسم ويراد به المسمى كقوله تعالى تبارك اسم ربك وسبح اسم ربك وتأول السهيلي سبح اسم ربك على إقحام الاسم أي سبح ربك وإنما ذكر الاسم حتى لا يخلو التسبيح من اللفظ باللسان لأن الذكر بالقلب متعلقه المسمى والذكر باللسان متعلقه اللفظ وتأول قوله تعالى ) ما تعبدون من دونه إلا أسماء ( بأنها أسماء كاذبة غير واقعة على الحقيقة فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء التي اخترعوها انتهى وقال الكوفيون أصل اسم وسم من السمة وهي العلامة لأن الاسم علامة لمن وضع له والمكتوبة التي لفظها الله ابهر أسمائه تعالى وأكثرها استعمالا وهو المتقدم لسائرها في الأغلب وإنما تجيء الأخر أوصافا وحذفت الألف الأخيرة من الله ليلا يشكل بخط اللات وقيل طرحت تخفيفا والرحمن صفة مبالغة من الرحمة معناها أنه انتهى إلى غاية الرحمن وهي صفة تختص بالله تعالى ولا تطلق على البشر وهي ابلغ من فعيل وفعيل ابلغ من فاعل لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك والرحمن النهاية في الرحمة
تفسير فاتحة الكتاب بحول الله تعالى وقوته
قال ابن عباس وغيره أنها مكية ويؤيد هذا أن في سورة الحجر ) ولقد آتيناك سبعا من المثاني ( والحجر مكية بإجماع وفي حديث أبي بن كعب أنها السبع المثاني(5/20)
ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة وما حفظ انه كانت قط في الإسلام صلاة بغير الحمد لله رب العالمين وروي عن عطاء بن يسار وغيره أنها مدينة وأما أسماؤها فلا خلاف أنه يقال لها فاتحة الكتاب واختلف هل يقال لها أم الكتاب فكره ذلك الحسن بن أبي الحسن وأجازه ابن عباس وغيره وفي تسميتها بأم الكتاب حديث رواه أبو هريرة واختلف هل يقال لها أم القرآن فكره ذلك ابن سيرين وجوزه جمهور العلماء وسميت المثاني لأنها تثنى في كل ركعة وقيل لأنها استثنيت لهذه الأمة وأما فضل هذه السورة فقد قال رسول الله ? في حديث أبي بن كعب أنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها وروي أنها تعدل ثلثي القرآن وهذا العدل إما أن يكون في المعاني وإما أن يكون تفضيلا من الله تعالى لا يعلل وكذلك يجيء عدل قل هو الله أحد وعدل إذا زلزلت وغيره ت ونحو حديث أبي حديث أبي سعيد بن المعلى إذ قال له ? ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن الحمد الله رب العالمين هي سبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه انتهى من سلاح المؤمن تأليف الشيخ المحدث أبي الفتح تقي الدين محمد بن علي بن همام رحمه الله )(5/21)
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أحيا بما شاء مآثر الآثار بعد الدثور ووفق لتفسير كتابه العزيز بما وصل إلينا بالإسناد العالي من الخبر المأثور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تضاعف لصاحبها الأجور وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أسفر فجره الصادق فمحا ظلمات أهل الزيغ والفجور صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ذوي العلم المرفوع والفضل المشهور صلاة وسلاما دائمين ممر الليالي والدهور
وبعد فلما ألفت كتاب ترجمان القرآن وهو التفسير المسند عن رسول الله وأصحابه رضي الله عنهم وتم بحمد الله في مجلدات فكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله فخلصت منه هذا المختصر مقتصرا فيه على متن الأثر مصدرا بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر وسميته الدر المنثور في التفسير بالمأثور والله أسأل أن يضاعف لمؤلفه الأجور ويعصمه من الخطأ والزور بمنه وكرمه إنه البر الغفور
مقدمة سورة الفاتحة
أخرج عبد بن حميد في تفسيره عن إبراهيم قال سألت الأسود عن فاتحة الكتاب أمن القرآن هي قال نعم وأخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن الانباري في المصاحف عن محمد بن سيرين وابن الأنباري في المصاحف أن أبي كعب كان يكتب فاتحة الكتاب والمعوذتين واللهم إياك نعبد واللهم إياك نستعين ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن
وكتب عثمان بن عفان فاتحة الكتاب والمعوذتين
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال كان عبدالله لايكتب فاتحة الكتاب في المصحف وقال لو كتبتها لكتبت في أول كل شيء
وأخرج الواحدي في أسباب النزول والثعلبي في تفسيره عن علي رضي الله عنه قال نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش(6/1)
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة والواحدي والثعلبي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله قال لخديجة إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء فقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا فقالت معاذ الله
ماكان الله ليفعل بك
فوالله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث
فلما دخل أبو بكر وليس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكرت خديجة حديثه لها وقالت إذهب مع محمد إلى ورقة فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ أبو بكر بيده فقال انطلق بنا إلى ورقة فقال ومن أخبرك قال خديجة
فانطلقا إليه فقصا عليه فقال إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يامحمد يامحمد
فأنطلق هاربا في الأرض
فقال لاتفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع مايقول ثم ائتني
فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل ) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ( حتى بلغ ) ولا الضالين ( قال قل لاإله إلا الله
فأتى ورقة فذكر ذلك له
فقال له ورقة أبشر ثم أبشر فإني أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق ابن اسحق حدثني بن يسار عن رجل من بني سلمة قال لما أسلم بني سلمة وأسلم ولد عمرو بن الجموح قالت امرأة عمرو له هل لك أن تسمع من ابنك ماروي عنه فقال أخبرني ما سمعت من كلام هذا الرجل
فقرأ عليه ) الحمد لله رب العالمين ( إلى قوله ) الصراط المستقيم ( فقال ماأحسن هذا وأجمله وكل كلامه مثل هذا فقال ياأبتاه وأحسن من هذا وذلك قبل الهجرة
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأبو سعيد بن الأعرابي في معجمه والطبراني في الأوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة
أن إبليس رن حين أنزلن فاتحة الكتاب
وأنزلت بالمدينة(6/2)
وأخرج وكيع والفريابي في تفسيريهما وأبو عبيد في فضائل القرآن وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر في تفسيره وأبو بكر بن الأنباري في كتاب المصاحف وأبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية من طرق عن مجاهد قال نزلت فاتحة الكتاب بالمدينة
وأخرج وكيع في تفسيره عن مجاهد قال نزلت فاتحة الكتاب بالمدينة
وأخرج أبو بكر بن الأنباري في المصاحف عن قتادة قال نزلت فاتحة الكتاب بمكة
وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن أيوب أن مجمد بن سيرين كان يقول يكره أن يقول أم القرآن
ويقول قال الله ( وعنده أم الكتاب ) ولكن فاتحة الكتاب
وأخرج الدارقطني وصححه والبيهقي في السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأتم ) الحمد ( فاقرؤا ) بسم الله الرحمن الرحيم ( إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني ) بسم الله الرحمن الرحيم ( إحدى آياتها
وأخرج البخاري والدارمي في مسنده وأبو داود والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي مردويه في تفاسيرهم عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) الحمد لله رب العالمين ( أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وأخرج أحمد في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه في تفاسيرهم عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأم القرآن هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم وأخرج الثعلبي عن عبد الجبار بن العلاء قال كان سفيان بن عيينة يسمي فاتحة الكتاب الوافية
وأخرج الثعلبي عن عفيف بن سالم قال سألت عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عن قراءة الفاتحة خلف الإمام فقال عن الكافية تسأل قلت وما الكافية قال الفاتحة أما علمت أنها عن سواها ولايكفي سواها عنها
وأخرج الثعلبي عن الشعبي أن رجلا شكا إليه وجع الخاصرة فقال عليك بأساس القرآن قال وما أساس القرآن قال فاتحة الكتاب(6/3)
وأخرج الدارقطني والبيهقي في السنن بسند صحيح عن عبد خير قال سئل علي رضي الله عنه عن السبع المثاني فقال ) الحمد لله رب العالمين ( فقيل له إنما هي ست آيات فقال ) بسم الله الرحمن الرحيم ( آية
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه في تفسيره والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) الحمد لله رب العالمين ( سبع آيات ) بسم الله الرحمن الرحيم ( إحداهن وهي السبع المثاني والقرآن العظيم وهي أم القرآن وهي الفاتحة الكتاب
وأخرج الدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ - وهو يؤم الناس - افتتح ) بسم الله الرحمن الرحيم ( قال أبو هريرة آية من كتاب الله اقرؤا إن شئتم فاتحة الكتاب فإنها الآية المسابعة
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أم سلمة قالت قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ( وقال هي سبع يا أم سلمة
وأخرج أحمد والبخاري والدارمي وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد بن المعلى قال كنت أصلي فدعاني النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه فقال ألم يقل الله ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ) ( الأنفال الآية 24 ) ثم قال لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج قلت يارسول الله إنك قلت لأعلمنك سورة في القرآن قال ) الحمد لله رب العالمين ( هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته(6/4)
وأخرج أبو عبيد وأحمد والدارمي والترمذي وصححه النسائي وابن خزيمة وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو ذر الهروي في فضائل القرآن والبيهقي في سننه عن أبي هريرة إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج على أبي بن كعب فقال ياأبي - وهو يصلي - فالتفت أبي فلم يجبه
فصلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال السلام عليك يارسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مامنعك أن تجبني إذ دعوتك فقال يارسول الله إني كنت في الصلاة قال أفلم تجد فيما أوحى الله إلي أن ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ( الأنفال الآية 24 ) قال بلى
ولا أعود إن شاء قال أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها قال نعم يا رسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تقرأ في الصلاة فقرأ بأم الكتاب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها وإنها السبع من المثاني
أو قال السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته
وأخرج الدارمي والترمذي وحسنه والنسائي وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وابن الضريس في فضائل القرآن وابن جرير وابن خزيمة والحاكم وصححه من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أنزل الله في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثل أم القرآن
وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل
وأخرج مسلم والنسائي وابن حبان والطبراني والحاكم عن ابن عباس قال بينما(6/5)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وعنده جبريل إذ سمع نقيضا من السماء من فوق فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال يامحمد هذا ملك قد نزل لم ينزل إلى الأرض قط قال فأتى النبي فسلم عليه فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي من قبلك
فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا إلا أوتيته
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن أبي زيد وكانت له صحبة قال كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض فجاج المدينة فسمع رجلا يتهجد ويقرأ بأم القرآن
فقام النبي فاستمع حتى ختمها ثم قال ما في الأرض مثلها
وأخرج أبو عبيدة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية ثلاثين راكبا فنزلنا بقوم من العرب فسألناهم أن يضيفونا فأبوا فلدغ سيدهم فأتونا فقالوا فيكم أحد يرقي من العقرب فقلت نعم أنا
ولكن لا أفعل حتى تعطونا شيئا قالوا فإنا نعطيكم ثلاثين شاة فقال فقرأت عليها ) الحمد ( سبع مرات فبرأ فلما قبضنا الغنم عرض في أنفسنا منها فكففنا حتى أتينا النبي فذكرنا ذلك له قال أما علمت أنها رقية اقتسموها واضربوا لي معكم بسهم
وأخرج أحمد والبخاري والبيهقي في سننه عن ابن عباس
أن نفرا من أصحاب رسول الله مروا بماء فيه لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الحي فقال هل فيكم من راق إن في الماء رجلا لديغا أو سليما
فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا يارسول الله أخذ على كتاب الله أجرا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أحق ما أخذتم عليه أجرا
كتاب الله
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان بسند جيد عن عبد الله بن جابر أن رسول الله قال له ألا أخبرك بأخير سورة نزلت في القرآن قلت بلى يا رسول الله قال فاتحة الكتاب(6/6)
وأحسبه قال فيها شفاء من كل داء
وأخرج الطبراني في الأوسط والدارقطني في الأفراد وابن عساكر بسند ضعيف عن السائب بن يزيد قال عوذني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفاتحة الكتاب تفلا
وأخرج سعيد بن منصور في سننه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال فاتحة الكتاب شفاء من السم
وأخرج أبو الشيخ بن حبان في كتاب الثواب من وجه آخر عن أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعا
مثله
وأخرج الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان بسند رجاله ثقات عن عبد الملك بن عمير قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتحة الكتاب شفاء من كل داء
وأخرج الثعلبي من طريق معاوية بن صالح عن أبي سلمان قال مر أصحاب رسول الله في بعض غزوهم على رجل قد صرع فقرأ بعضهم في أذنه بأم القرآن فبرأ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي أم الكتاب وهي شفاء من كل داء
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه
أنه أتى رسول الله ثم أقبل راجعا من عنده
فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله أعندك ماتداوي به هذا فإن صاحبكم قد جاء بخير قال فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام في كل يوم مرتين غدوة وعشية أجمع بزاقي ثم أتفل فبرأ فأعطوني مائة شاة
فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال كل فمن أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق
وأخرج البزار في مسنده بسند ضعيف عن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت ( فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ) فقد أمنت من كل شيء إلا الموت
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قرأ ( أم القرآن ) و ( قل هو الله أحد ) ( الإخلاص الآية 1 ) فكأنما قرأ ثلث القرآن(6/7)
وأخرج عبد بن حميد في مسنده بسند ضعيف عن ابن عباس يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتحة الكتاب تعدل بثلثي القرآن
وأخرج الحاكم وصححه وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في الشعب عن أنس قال كان - صلى الله عليه وسلم - في مسير له فنزل فمشى رجل من أصحابه إلى جنبه فاتفت إليه النبي فقال ألا أخبرك بأفضل القرآن فتلا عليه ) الحمد لله رب العالمين (
وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن والبيهقي في الشعب عن أنس عن النبي قال إن الله أعطاني فيما من به علي أني أعطيتك فاتحة الكتاب وهي من كنوز عرشي ثم قسمتها بيني وبينك نصفين
وأخرج اسحق بن راهويه في مسنده عن علي
أنه سئل عن فاتحة الكتاب فقال حدثنا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أنها أنزلت من كنز تحت العرش
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه في تفسيره وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في الشعب عن معقل بن يسار قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش والمفصل نافلة
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن عمران بن حصين
فاتحة الكتاب وآية الكرسي لايقرؤهما عبد في دار فتصيبهم في ذلك اليوم عين إنس أو جن
أوخرج أبو الشيخ في الثواب والطبراني وابن مردويه والديلمي والضياء المقدسي في المختارة عن أبي أمامة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع أنزلن من كنز تحت العرش لم ينزل منه شيء غيرهن أم الكتاب وآية الكرسي وخواتم سورة البقرة والكوثر
وأخرج ابن الضريس عن أبي أمامة موقوفا
مثله
وأخرج أبو نعيم والديلمي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتحة الكتاب تجزى ء مالا يجزى ء شيء من القرآن
ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات(6/8)
وأخرج أبو عبيد في فضائله عن الحسن قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قرأ فاتحة الكتاب فكأنما قرأ التوراة والانجيل و الزبور و الفرقان
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن قال أنزل الله مائة وأربعة كتب أودع علومها أربعة منها
التوراة والانجيل والزبور والفرقان ثم أودع علوم التوارة والانجيل والزبور والفرقان ثم أودع علوم القرآن المفصل ثم أودع المفصل فاتحة الكتاب
فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة
وأخرج وكيع في تفسيره وابن الآنباري في المصاحف وأبو الشيخ في العظمة وأبو
نعيم في الحلية عن مجاهد قال رن إبليس أربعا
حين نزلت فاتحة الكتاب وحين لعن وحين هبط إلى الأرض وحين بعث محمد - صلى الله عليه وسلم -
وأخرج ابن الضريس عن مجاهد قال لما نزلت ) الحمد لله رب العالمين ( شق على إبليس مشقة شديدة ورن رنة شديدة ونخر نخرة شديدة
قال مجاهد فمن أن أو نخر فهو ملعون
وأخرج ابن الضريس عن عبد العزيز بن ربيع قال لما نزلت فاتحة الكتاب رن إبليس كرنته يوم لعن
وأخرج أبو عبيد عن مكحول قال أم القرآن قراءة ومسألة ودعاء
وأخرج أبو الشيخ في الثواب عن عطاء قال إذا أردت حاجة فاقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختمها تقضى إن شاء الله
وأخرج ابن قانع في معجم الصحابة عن رجاء الغنوي قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استشفوا بما حمد الله به نفسه قبل أن يحمده خلقه وبما مدح الله به نفسه
قلنا وماذاك يا نبي الله قال ( الحمد لله ) و ( قل هو الله أحد ) ( الإخلاص الآية 1 ) فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله
وأخرج أبو عبيد عن أبي المنهال سيار بن سلامة أن عمر بن الخطاب سقط عليه رجل من المهاجرين وعمر يتهجد من الليل يقرأ بفاتحة الكتاب لايزيد عليها ويكبر ويسبح ثم يركع ويسجد
فلما أصبح الرجل ذكر ذلك لعمر فقال عمر لامك لأمك الويل(6/9)
أليست تلك صلاة الملائكة قلت فيه أن الملائكة أذن لهم في قراءة الفاتحة فقط فقد ذكر ابن الصلاح أن قراءة القرآن خصيصة أوتيها البشر دون الملائكة وأنهم حريصون على سماعه من الإنس
وأخرج ابن الضريس عن أبي قلابة يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من شهد فاتحة الكتاب حين يستفتح كان كمن شهد فتحا في سبيل الله ومن شهد حتى تختم كمن شهد الغنائم حتى تقسم
وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق عن شداد بن أوس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ أحدكم مضجعه ليرقد فليقرأ بأم القرآن وسورة
فإن الله يوكل به ملكا يهب معه إذا هب
وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في مسنده والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في السنن عن عبادة بن الصامت
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب
وأخرج الدارقطني والحاكم عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضا عنها
وأخرج أحمد والبيهقي في سنه عن أبي هريرة قال أمرني رسول الله قال كل صلاة لايقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداع
وأخرج مالك في الموطأ وسفيان بن عيينة في تفسيره وأبو عبيد في فضائله وابن أبي شيبة وأحمد في مسنده والبخاري في جزء القراءة ومسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف وابن حبان والدارقطني والبيهقي في السنن عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج فهي خداج ثلاث مرات
غير تام
قال أبو السائب فقلت ياأبا هريرة إني أحيانا أكون وراء الإمام(6/10)
فغمز ذراعي وقال اقرأ بها يا فارسي في نفسك فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقرؤا
يقول العبد ) الحمد لله رب العالمين ( فيقول الله حمدني عبدي
ويقول العبد ) الرحمن الرحيم ( فيقول الله أثنى علي عبدي
ويقول العبد ) مالك يوم الدين ( فيقول الله مجدني عبدي ويقول العبد ) إياك نعبد وإياك نستعين ( فيقول الله هذا بيني وبين عبدي أولها لي وآخرها لعبدي وله ماسأل
ويقول العبد ) اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ( فيقول الله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل
وأخرج الدارقطني والبيهقي في السنن بسند ضعيف عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تعالى قسمت هذه الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد ) بسم الله الرحمن الرحيم ( يقول الله ذكرني عبدي
فإذا قال ) الحمد لله رب العالمين ( يقول الله حمدني عبدي
فإذا قال ) الرحمن الرحيم ( يقول الله أثنى علي عبدي
فإذا قال ) مالك يوم الدين ( يقول الله
مجدني عبدي
فإذا قال ) إياك نعبد وإياك نستعين ( قال هذه الآية بيني وبين عبدي نصفين وآخر السورة لعبدي ولعبدي ماسأل
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيرهما عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين وله ما سأل
فإذا قال العبد ) الحمد لله رب العالمين ( قال حمدني عبدي
وإذا قال ) الرحمن الرحيم ( قال أثنى علي عبدي
ثم قال هذا لي وله مابقي
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي بن كعب قال قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتحة الكتاب ثم قال قال ربكم ابن آدم أنزلت عليك سبع آيات
ثلاث لي وثلاث لك وواحدة بيني وبينك(6/11)
فأم التي لي ) الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ( والتي بيني وبينك ) إياك نعبد وإياك نستعين ( منك العباده وعلي العون لك
وأما التي لك ) اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (
- سورة الفاتحة ( مكية وآياتها سبع
- قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم
أخرج أبو عبيد وابن سعد في الطبقات وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن الأنباري في المصاحف والدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي والخطيب وابن عبد البر كلاهما في كتاب المسألة عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ { بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قطعها آية آية وعددها عد الاعراب وعد بسم الله الرحمن الرحيم ولم يعد عليهم
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والدارقطني والبيهقي في سننه بسند ضعيف عن بريدة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية أو سورة لم تنزل على نبي بعد سليمان غيري
قال فمشى وتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد فأخرج احدى رجليه من أسكفة المسجد وبقيت الأخرى في المسجد
فقلت بيني وبين نفسي نسي ذلك
فأقبل علي بوجهه فقال بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة قلت ) بسم الله الرحمن الرحيم ( قال هي هي
ثم خرج
وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال ) بسم الله الرحمن الرحيم ( آية
وأخرج سعيد بن منصور في سننه وابن خزيمة في كتاب البسملة والبيهقي عن ابن عباس قال استرق الشيطان من الناس
وأخرج أبو عبيد وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال أغفل الناس آية من كتاب الله لم تنزل على أحد سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يكون سليمان بن داود عليهما السلام ) بسم الله الرحمن الرحيم ((6/12)
وأخرج الدارقطني بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كان جبريل إذا جاءني بالوحي أول مايلقي علي ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج الواحدي عن ابن عمر قال نزلت ) بسم الله الرحمن الرحيم ( في كل سورة
وأخرج أبو داود والبزار والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في المعرفة عن ابن عباس قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لايعرف فصل السورة - وفي لفظ خاتمة السورة - حتى ينزل عليه ) بسم الله الرحمن الرحيم ( زاد البزار والطبراني فإذا نزلت عرف أن السورة قد ختمت واستقبلت أو ابتدئت سورة أخرى
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال كان المسلمون لايعرفون انقضاء السورة حتى تنزل ) بسم الله الرحمن الرحيم ( فإذا نزلت عرفوا أن السورة قد انقضت
وأخرج أبو عبيد عن سعيد بن جبير أنه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا لايعرفون انقضاء السورة حتى تنزل ) بسم الله الرحمن الرحيم ( فإذا نزلت علموا أن قد انقضت سورة ونزلت أخرى
واخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جاءه جبريل فقرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( علم أنها سورة
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان والواحدي عن ابن مسعود قال كنا لانعلم فصل مابين السورتين حتى تنزل ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الصلاة ) بسم الله الرحمن الرحيم ( فإذا ختم السورة قرأها يقول ماكتبت في المصحف إلا لتقرأ
وأخرج الدارقطني عن أبي هريرة قال قال رسول الله علمني جبريل
الصلاة فقام فكبر لنا ثم قرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( فيما يجهر به في كل ركعة
وأخرج الثعلبي عن علي بن يزيد بن جدعان أن العبادلة كانوا يستفتحون القراءة ب ) بسم الله الرحمن الرحيم ( يجهرون بها
عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير(6/13)
وأخرج الثعلبي عن أبي هريرة قال كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد إذ دخل رجل يصلي فافتتح الصلاة وتعوذ ثم قال ) الحمد لله رب العالمين ( فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يارجل قطعت على نفسك الصلاة أما علمت أن ) بسم الله الرحمن الرحيم ( من الحمد
فمن تركها فقد ترك آية
ومن ترك آية فقد أفسد عليه صلاته
وأخرج الثعلبي عن علي أنه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( وكان يقول من ترك قراءتها فقد نقص وكان يقول هي تمام السبع المثاني
وأخرج الثعلبي عن طلحة بن عبيد الله قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ترك ) بسم الله الرحمن الرحيم ( فقد ترك آية من كتاب الله
وأخرج الشافعي في الأم والدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوبة أنه قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع
فناداه المهاجرون والأنصار حين سلم يا معاوية أسرقت صلاتك أين ) بسم الله الرحمن الرحيم ( وأين التكبير فلما صلى بعد ذلك قرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( لام القرآن وللسوره التي بعدها وكبر حين يهوي ساجدا
وأخرج البيهقي عن الزهري قال من سنة الصلاة أن تقرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( وإن أول من أسر ) بسم الله الرحمن الرحيم ( عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة وكان رجلا حييا
أخرج أبو داود والترمذي والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح صلاته ب ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج البزار والدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي الطفيل قال سمعت علي بن أبي طالب وعمار يقولان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر في
المكتوبات ب ) بسم الله الرحمن الرحيم ( في فاتحة الكتاب
وأخرج الطبراني في الأوسط والدارقطني والبيهقي عن نافع(6/14)
أن ابن عمر إذا افتتح الصلاة يقرأ ب ) بسم الله الرحمن الرحيم ( في أم القرآن وفي السورة التي تليها ويذكر أنه سمع ذلك من رسول الله
وأخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي عن ابي هريرة قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ب ) بسم الله الرحمن الرحيم ( في الصلاة
وأخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه عن نعيم المجمر قال كنت وراء أبي هريرة فقرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( ثم قرأ ( بأم القرآن ) حتى بلغ ) ولا الضالين ( قال آمين
وقال الناس آمين
ويقول كلما سجد الله أكبر وإذا قام من الجلوس قال الله أكبر ويقول إذا سلم والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأخرج الدارقطني عن علي بن أبي طالب قال كان النبي يجهر ب ) بسم الله الرحمن الرحيم ( في السورتين جميعا
وأخرج الدارقطني عن علي بن أبي طالب قال قال النبي كيف تقرأ إذا قمت إلى الصلاة قلت ) الحمد لله رب العالمين ( قال قل ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج الدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان عن جابر قال قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تقرأ إذا قمت إلى الصلاة قلت أقرأ ) الحمد لله رب العالمين ( قال قل ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج الدارقطني عن ابن عمر قال صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون ب ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج الدارقطني عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمني جبريل عليه السلام عند الكعبة فجهر ب ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج الدارقطني عن الحكم بن عمير وكان بدريا قال صليت خلف النبي
صلى الله عيه وسلم فجهر في الصلاة ) بسم الله الرحمن الرحيم ( في صلاة الليل وصلاة الغداة وصلاة الجمعة
وأخرج الدارقطني عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ب ) بسم الله الرحمن الرحيم ((6/15)
وأخرج أبو عبيد عن محمد بن كعب القرظي قال فاتحة الكتاب سبع آيات ب ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره والحاكم في المستدرك وصححه والبيهقي في شعب الإيمان وأبو ذر الهروي في فضائله والخطيب البغدادي في تاريخه عن ابن عباس
أن عثمان بن عفان سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ) بسم الله الرحمن الرحيم ( فقال هو اسم من أسماء الله تعالى ومابينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين وبياضها من القرب
وأخرج ابن جرير وابن عدي في الكامل وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر في تاريخ دمشق والثعلبي بسند ضعيف جدا عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن عيسى بن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم اكتب ) بسم الله الرحمن الرحيم ( قال له عيسى وما باسم الله قال المعلم لا أدري فقال له عيسى الباء بهاء الله والسين سناؤه والميم مملكته ) والله ( إله الآلهة والرحمن رحمان الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن الضحاك
مثل قوله
وأخرج ابن جريج وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أول ما نزل جبريل على محمد قال له جبريل ) بسم الله ( يا محمد
يقول اقرأ بذكر الله و ) الله ( ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين والرحمن الفعلان من الرحمة و ) الرحيم ( الرفيق الرقيق بمن أحب أن يرحمه والبعيد الشديد على من أحب أن يضعف عليه العذاب
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال اسم الله الأعظم
هو الله
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وابن الضريس في فضائله وابن أبي حاتم عن جابر بن يزيد قال اسم الله الأعظم
هو الله ألا ترى أنه في جميع
القرآن يبدأ به قبل كل اسم
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في الدعاء الشعبي قال اسم الله الأعظم
يا الله
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال ) الرحمن ( اسم ممنوع(6/16)
وأخرج ابن أبي حاتم قال ) الرحيم ( اسم لايستطيع الناس أن ينتحلوه
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال ) الرحمن ( لجميع الخلق و ) الرحيم ( بالمؤمنين خاصة
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال ) الرحمن ( وهو الرفيق ) الرحيم ( وهو العاطف على خلقه بالرزق
وهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر
وأخرج ابن جرير عن عطاء الخراساني قال كان الرحمن فلما اختزل الرحمن من اسمه كان ) الرحمن الرحيم (
وأخرج البزار والحاكم والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن عائشة قالت قال لي أبي ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وكان عيسى يعلمه للحواريين - لوكان عليك مثل أحد ذهبا لقضاه الله عنك قلت بلى
قال قولي اللهم فارج الهم كاشف الغم - ولفظ البزار وكاشف الكرب - مجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها أنت ترحمني رحمة تغنني بها عمن سواك
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهؤلاء الكلمات ويعلمهن اللهم فارج الهم وكاشف الكرب ومجيب المضطرين ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمها أنت ترحمني فارحمني رحمة تغنني بها عمن سواك
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهؤلاء الكلمات ويعلمهن
اللهم فارج الهم وكاشف الكرب ومجيب المضطرين ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمها ارحمني اليوم رحمة تغنني بها عن رحمة من سواك
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق ابن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن الله أنزل علي سورة لم ينزلها على أحد من الأنبياء والرسل من قبلي
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى قسمت هذه السورة بيني وبين عبادي فاتحة الكتاب جعلت نصفها لي ونصفها لهم وآية بيني وبينهم فإذا قال العبد ) بسم الله الرحمن الرحيم ( قال الله عبدي دعاني باسمين رقيقين(6/17)
أحدهما أرق من الآخر
فالرحيم أرق من الرحمن
وكلاهما رقيقان فإذا قال ) الحمد لله ( قال الله شكرني عبدني وحمدني
فإذا قال ) رب العالمين ( قال الله شهد عبدي أني رب العالمين
رب الإنس والجن والملائكة والشياطين ورب الخلق ورب كل شيء فإذا قال ) الرحمن الرحيم ( يقول مجدني عبدي
وإذا قال ) مالك يوم الدين ( - يعني بيوم الدين يوم الحساب -
قال الله تعالى شهد عبدي أنه لا مالك ليومه أحد غيري
وإذا قال ) مالك يوم الدين ( فقد أثنى علي عبدي
) إياك نعبد ( يعني الله أعبد وأوحد ) وإياك نستعين ( قال الله هذا بيني وبين عبدي إياي يعبد فهذه لي واياي نستعين فهذه له ولعبدي بعد ماسأل
بقية السورة ) اهدنا ( أرشدنا ) الصراط المستقيم ( يعني دين الإسلام لأن كل دين غير الإسلام فليس بمستقيم الذي ليس فيه التوحيد ) صراط الذين أنعمت عليهم ( يعني به النبيين والمؤمنين الذين أنعم الله عليهم بالإسلام والنبوة ) غير المغضوب عليهم ( يقول أرشدنا غير دين هؤلاء الذين غضبت عليهم وهم اليهود ) ولا الضالين ( وهم النصارى أضلهم اله بعد الهدى فبمعصيتهم غضب الله عليهم ( وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا ) ( المائدة الآية 60 ) في الدنيا والآخرة
يعني شر منزلا من النار ( وأض عن سواء السبيل ) ( المائدة الآية 60 ) من المؤمنين
يعني أضل عن قصد السبيل المهدى من المسلمين قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا قال الإمام ) ولا الضالين ( فقولوا آمينن يحبكم الله
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لي يا محمد هذه نجاتك ونجاة أمتك ومن اتبعك على دينك من النار قال البيهقي قوله رقيقان
قيل هذا تصحيف وقع في الأصل وإنما هو رفيقان
والرفيق من أسماء الله تعالى(6/18)
وأخرج ابن مردويه والثعلبي عن جابر بن عبد الله قال لما نزلت ) بسم الله الرحمن الرحيم ( هرب الغيم إلى المشرق وسكنت الريح وهاج البحر وأصغت البهائم بآذانها ورجمت الشياطين من السماء وحلف الله بعزته وجلاله أن لا يسمى على شيء إلا بارك فيه
وأخرج وكيع والثعلبي عن ابن مسعود قال من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( ليجعل الله له بكل حرف منها جنة من كل واحد
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس مرفوعا إن المعلم إذا قال للصبي قل ) بسم الله الرحمن الرحيم ( كتب للمعلم وللصبي ولأبويه براءة من النار
وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة والديلمي عن علي مرفوعا إذا وقعت في ورطة فقل ) بسم الله الرحمن الرحيم ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فإن الله يصرف بها ما يشاء من أنواع البلاء
وأخرج الحافظ عن عبد القادر الرهاوي في الأربعين بسند صحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ب ) بسم الله الرحمن الرحيم ( أقطع
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وأبو نعيم في الحلية عن عطاء قال إذا تناهقت الحمر من الليل فقولوا ) بسم الله الرحمن الرحيم ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن صفوان بن سليم قال الجن يستمتعون بمتاع الإنس وثيابهم فمن أخذ منكم أو وضعه فليقل ) بسم الله ( فإن اسم الله طابع
وأخرج أبو نعيم والديلمي عن عائشة قالت لما نزلت ) بسم الله الرحمن الرحيم ( ضجت الجبال حتى سمع أهل مكة دويها فقالوا سحر محمد الجبال فبعث الله دخانا حتى أظل على أهل مكة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( موقنا سبحت معه الجبال إلا أنه لايسمع ذلك منها(6/19)
وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( كتب له بكل حرف أربعة آلاف حسنة ومحي عنه أربعة آلاف سيئة ورفع له أربعة آلاف درجة
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والدارقطني والحاكم والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال كانت مدا ثم قرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( يمد ) بسم الله ( ويمد ) الرحمن ( ويمد ) الرحيم (
وأخرج الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في الجامع عن أبي جعفر محمد بن علي قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) بسم الله الرحمن الرحيم ( مفتاح كل كتاب
وأخرج الخطيب في الجامع عن سعيد بن جبير قال لايصلح كتاب إلا أوله ) بسم الله الرحمن الرحيم ( وإن كان شعرا
وأخرج الخطيب عن الزهري قال قضت السنة أن لايكتب في الشعر ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو بكر بن أبي داود والخطيب في الجامع عن الشعبي قال كانوا يكرهون أن يكتبوا أمام الشعر ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج الخطيب عن الشعبي قال أجمعوا أن لايكتبوا أمام الشعر ) بسم الله الرحمن الرحيم ( وأخرج أبوعبيد وابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد والشعبي أنهما كرها أن يكتب الجنب ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج أبونعيم في تاريخ أصبهان وابن اشته في المصاحف بسند ضعيف عن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كتب ) بسم الله الرحمن الرحيم ( مجودة تعظيما لله غفر الله له
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب قال تنوق رجل في ) بسم الله الرحمن الرحيم ( فغفر له
وأخرج السلفي في جزء له عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاتمد الباء إلى الميم حتى ترفع السين
وأخرج الخطيب في الجامع عن الزهري قال نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تمد ) بسم الله الرحمن الرحيم ((6/20)
وأخرج الخطيب وابن اشته في المصاحف عن محمد بن سيرين
أنه كان يكره أن يمد الباء إلى الميم حتى يكتب السين
وأخرج الديلمي في مشند الفردوس وابن عساكر في تارخ دمشق عن يزيد بن ثابت قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كتبت ) بسم الله الرحمن الرحيم ( فبين السين فيه
وأخرج الخطيب في الجامع والديلمي عن أنس عن النبي قال إذا كتب أحدكم ) بسم الله الرحمن الرحيم ( فليمد الرحمن
وأخرج الديلمي عن معاوية قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يامعاوية ألق الدواة وحرف القلم وانصب الباء وفرق السين ولاتغور الميم وحسن الله ومد الرحمن وجود الرحيم وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنه أذكر لك
وأخرج الخطيب عن مطر الوراق قال كان معاوية بن أبي سفيان كاتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يجمع بين حروف الباء والسين ثم يمده إلى الميم ثم يجمع حروف الله الرحمن الرحيم ولايمد شيئا من أسماء الله في كتابه ولاقراءته
وأخرج أبوعبيد عن مسلم بن يسار أنه كان يكره أن يكتب ( بم ) حين يبدأ قيسقط السين
وأخرج أبوعبيد عن ابن عون أنه كتب لابن سيرين ( بم ) فقال مه
اكتب سينا
اتقوا أن يأثم أحدكم وهو لايشعر
وأخرج أبوعبيد عن عمران بن عون
أن عمر بن عبد العزيز ضرب كاتبا كتب الميم قبل السين
فقيل له فيم ضربك أمير المؤمنين فقال في سين
وأخرج ابن سعد في طبقاته عن جويرية بنت أسماء
أن عمر بن عبد العزيز عزل كاتبا له في هذا كتب ( بم ) ولم يجعل السين
وأخرج ابن سعيد عن محمد بن سيرين أنه كان يكره أن يكتب الباء ثم يمدها إلى الميم حتى يكتب السين ويقول فيه قولا شديدا
وأخرج الخطيب عن معاذ بن معاذ قال كتبت عند سوار ) بسم الله الرحمن الرحيم ( فممدت الباء ولم أكتب السين فأمسك يدي وقال كان محمد والحسن يكرهان هذا(6/21)
وأخرج الخطيب عن عبد الله بن صالح قال كتبت ) بسم الله الرحمن الرحيم ( ورفعت الباء فطالت فأنكر ذلك الليث وكرهه وقال غيرت المعنى يعني لأنها تصير لاما
وأخرج أبوداود في مراسيله عن عمر بن عبد العزيز أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على كتاب في الأرض فقال لفتى معه ما في هذا قال ) بسم الله ( قال لعن من فعل هذا لاتضعوا ) بسم الله ( إلا في موضعه
وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن أنس مرفوعا من رفع قرطاسا من الأرض فيه ) بسم الله الرحمن الرحيم ( إجلالا له أن يداس كتب عند الله من الصديقين وخفف عن والديه وإن كانا كافرين
وأخرج ابن أبي داود في البعث عن أم خالد بن خالد بن سعيد بن العاص قال إني أول من كتب ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة فقال ) بسم الله الرحمن الرحيم ( فقالت قريش دق الله فاك
وأخرج أبوداود في مراسيله عن سعيد بن جبير قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ) بسم الله الرحمن الرحيم ( بمكة وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن
فقالوا إن محمدا يدعو إلى إله اليمامة فأمر رسول الله بإخفائها فما جهر بها حتى مات
وأخرج الطبراني من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( هزأ منه المشركون وقالوا محمد يذكر إله اليمامة وكان مسيلمة يتسمى الرحمن
فلما نزلت هذه الآية أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يجهر بها
وأخرج الطبراني عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسر ) بسم الله الرحمن الرحيم ( وأبو بكر وعمر(6/22)
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن ابن عبد الله بن مغفل قال سمعني أبي وأنا أقرأ ) بسم الله الرحمن الرحيم ( فقال أي بني محدث صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم جهر ) بسم الله الرحمن الرحيم (
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال الجهر ) بسم الله الرحمن الرحيم ( قراءة الأعراب
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال جهر الإمام ) بسم الله الرحمن الرحيم (
بدعة
وأخرج ابن الضريس عن يحيى بن عتيق قال كان الحسن يقول اكتبوا في أول الإمام ) بسم الله الرحمن الرحيم ( واجعلوا بين كل سورتين خطا(6/23)
مقدمة التفسير للعلامة الزمخشري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي انزل القرآن كلاما مؤلفا منظما ونزله بحسب المصالح منجما وجعله بالتحميد مفتتحا وبالاستعاذة مختتما واوحاه على قسمين متشابها ومحكما وفصل سورا وسوره آيات
وميز بينهن بفصول وغايات
وما هي الا صفات مبتدى ء مبتدع وسمات منشى ء مخترع فسبحان من استأثر بالأولية والقدم ووسم كل شيء سواه بالحدوث عن العدم أنشأه كتابا ساطعا تبيانه
قاطعا برهانه وحيا ناطقا ببينات وحجج قرآنا عربيا غير ذي عوج مفتاحا للمنافع الدينية والدنيوية مصداقا لما بين يديه من الكتب السماوية عجزا باقيا دون كل معجز على وجه كل زمان دائرا من بين سائر الكتب على كل لسان في كل مكان أفحم به من طولب بمعارضته من العرب العرباء وأبكم به من تحدى به من مصاقع الخطباء فلم يتصد للإتيان بما يوازيه او يدانيه واحد من فصحائهم ولم ينهض لمقدار أقصر من سورة منه ناهض من بلغائهم على انهم كانوا اكثر من حصى البطحاء واوفر عددا من رمال الدهناء ولم ينبض منهم عرق العصبية مع اشتهارهم بالإفراط في المضادة والمضارة وإلقائهم الشراشر على المعازة والمعارة ولقائهم دون المناضلة عن احسابهم الخطط وركوبهم في كل يرومونه الشطط إن اتاهم احد بمفخرة اتوه بمفاخر وإن رماهمم بمأثرة رموه بمآثر وقد جرد لهم الحجة اولا والسيف آخرا فلم يعارضوا الا السيف وحده على ان السيف القاضب مخراق لاعب إن لم تمض الحجة حده فما اعرضوا عن معارضة الحجة الا
لعلمهم ان البحر قد زخر فطم على الكواكب وان الشمس قد أشرقت فطمست نور الكواكب
والصلاة والسلام على خير من اوحى اليه حبيب الله أبي القاسم محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب بن هاشم ذي اللواء المرفوع في بني لؤي(7/1)
وذي القرع المنيف في عبد مناف بن قصي المثبت بالعصمة المؤيد بالحكمة الشادخ الغرة الواضح التحجيل النبي المي المكتوب في التوراة والإنجيل وعلى آله الأطهار وخلفائه من الأختان والأصهار وعلى جميع المهاجرين والأنصار
اعلم ان متن كل علم وعمود كل صناعة طبقات العلماء فيه متدانية وأقدام الصناع فيه متقاربة او متساوية إن سبق العالم العالم لم يسبقه الا بخطا يسيرة او تقدم الصانع الصانع لم يتقدمه الا بمسافة قصيرة وإنما الذي تباينت فيه الرتب وتحاكت فيه الركب ووقع فيه الاستباق والتناضل وعظم فيه التفاوت والتفاضل حتى انتهى الأمر الى امد من الوهم متباعد وترقى الى ان عد ألف بواحد ما في العلوم والصناعات من محاسن النكت والفقر ومن لطائف معان يدق فيها مباحث للفكر ومن غوامض اسرار محتجبة وراء أستار لا يكشف عنها من الخاصة الا اوحدهم وأخصهم وإلا واسطتهم وفصهم وعامتهم عماة عن إدراك حقائقها بأحداقهم عناة في يد التقليد لا يمن عليهم بجز نواصيهم وإطلاقهم
ثم إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح وانهضها بما يبهر الألباب القوارح من غرائب نكت يلطف مسلكها ومستودعات اسرار يدق سلكها علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذي علم كما ذكر الجاحظ في كتاب نظم القرآن فالفقيه(7/2)
وإن برز علم الأقران في علم الفتاوي والأحكام والمتكلم وإن برز أهل الدنيا في صناعة الكلام وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرية أحفظ والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ والنحوي وإن كان من سيبويه واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه لا يتصدى منهم احد لسلوك تلك الطرائق ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق الا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن وهما علم المعاني وعلم البيان وتمهل في ارتيادهما آونة وتعب في التنقير عنها ازمنة وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله وحرص على استيضاح معجزة رسول الله بعد ان يكون آخذا من سائر العلوم بحظ جامعا بين أمرين تحقيق وحفظ كثير المطالعات طويل المراجعات قد رجع زمانا وردع اليه ورد ورد عليه فارسا في علم الإعراب مقدما في حملة الكتاب وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها يقظان النفس دراكا للمحة وإن لطف شأنها منتبها على الرمزة وإن خفي مكانها لا كزا جاسيا ولا غليظا جافيا متصرفا ذا دراية بأساليب النظم والنثر مرتاضا غير ريض بتلقيح بنات الفكر قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف وكيف ينظم ويرصف طالما دفع الى مضايقه ووقع في مداحضه ومزالقه(7/3)
وبقد رأيت إخواننا في الدين من أفاضل الفئة الناجية العدلية الجامعيين بين علم العربية والأصول الدينية كلما رجعوا الي في تفسير آية فأبرزت لهم بعض الحقائق من الحجب أفاضوا في الاستحسان والتعجب واستطيروا شوقا الى منصف يضم اطرافا من ذلك حتى اجتمعوا الي مقترحين ان املى عليهم الكشف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل فاستعفيت فأبوا الا المراجعة والاستشفاع بعظماء الدين وعلماء العدل والتوحيد والذي حداني على الاستعفاء على علمي انهم طلبوا ما الإجابة اليه على واجبه لأنه الخوض فيه كفرض العين ما ارى عليه الزمان من رثاثة احواله وركاكة رجاله وتقاصر هممهم عن ادنى عدد هذا العلم فضلا ان تترقى الى الكلام المؤسس على علمي المعاني والبيان فأمليت عليهم مسألة في الفواتح وطائفة من الكلام في حقائق سورة البقرة وكان كلاما مبسوطا كثير السؤال والجواب طويل الذيول والأذناب وإنما حاولت به التنبيه على غزارة نكت هذا العلم وان يكون لهم منارا
ينتحنونه ومثالا يحتذونه فلما صمم العزم على معاودة جوار الله والاناخة بحرم الله فتوجهت تلقاء مكة وجدت في مجتازي بكل بلد من فيه مسكة من أهلها وقليل ما هم عطشى الكباد الى العثور على ذلك المملى(7/4)
متطلعين الى إيناسه حراصا على اقتباسه فهز ما رأيت من عطفى وحرك الساكن من نشاطي فلما حططت الرحل بمكة إذا أنا بالشعبة السنية من الدوحة الحسنية الأمير الشريف الامام شرف آل رسول الله أبي الحسن علي بن حمزة بن وهاس أدام الله مجده وهو النكتة والشامة في بني الحسن مع كثرة محاسنهم وجموم مناقبهم أعطش الناس كبدا وألهلهم حشى واوفاهم رغبة حتى ذكر انه كان يحدث نفسه في مدة غيبتي عن الحجاز مع تزاحم ما هو فيه من المشادة بطع الفيافي وطي المهامة والوفادة علينا بخوارزم ليتوصل الى إصابة هذا اغرض فقلت قد ضاقت على امستعفى الحيل وعيت به العلل ورأيتني قد اخذت مني السن وتقعقع الشن وناهزت العشر التى سمتها العرب دقاقة الرقاب
فأخذت في طريقة اخصر من الأولى مع ضمان التكثير من الفوائد والفحص عن السرائر ووفقه الله وسدده ففرغ منه في مقدار مدة خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عهنه وكان يقدر تمامه في أكثر من ثلاثين سنة وما هي الا آية من آيات ها البيت المحرم وبركة أفيضت علي من بركات هذا الحرم المعظم اسأل الله ان يجعل ما تعبت فيه منه سببا ينجيني ونورا على الصراط يسعى بين يدي وبيميني ونعم المسؤول
سورة فاتحة الكتاب
مكية
وقيل مكية ومدنية لأنها نزلت بمكة مرة وبالمدينة أخرى
وتمسمى ام القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى بما هو اهله ومن التعبد بالأمر والنهي ومن الوعد والوعيد
وسورة الكنز والوافية لذلك
وسورة الحمد والمثاني لأنه تثني في كل ركعة
وسورة الصلاة لأنها تكون فاضلة او مجزئة بقراءتها فيها
وسورة الشفاء والشافية
وهي سبع آيات بالاتفاق الا أن منهم من عد
أنعمت عليهم دون التسمية ومنهم من مذهبه على العكس(7/5)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المنزه بذاته عن إشارة الأوهام المقدس بصفاته عن إدراك العقول والأفهام المتصف بالألوهية قبل كل موجود الباقي بالنعوت السرمدية بعد كل محدود الملك الذي طمست سبحات جلاله الأبصار المتكبر الذي أزاحت سطوات كبريائه الأفكار القديم الذي تعالى عن مماثلة الحدثان العظيم الذى تنزه عن مماسة المكان المتعالى عن مضاهاة الأجسام ومشابهة الأنام القادر الذي لا يشار إليه بالتكييف القاهر الذي لا يسأل عن التحميل والتكليف العليم الذي خلق الانسان وعلمه البيان الحكيم الذى نزل القرآن شفاء للأرواح والأبدان والصلاة والسلام عى المستل من أرومة البلاغة والبراعة المحتل في بحبوحة النصاحة والفصاحة محمد المبعوث إلى خليقته الداعى إلى الحق وطريقته - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وشيعته قال مولانا الشيخ الامام المعظم والحبر الهمام المقدم استاذ أهل الأرض محى السنة والفرض كشاف حقائق أسرار التنزيل مفتاح أسرار حقائق التأويل ترجمان كلام الرحمن صاحب علم المعانى والبيان الجامع بين الأصول والفروع المرجوع إليه في المعقول والمسموع حافظ الملة والدين شيخ الإسلام والمسلمين وارث علوم الأنبياء والمرسلين أكمل فحول المجتهدين قدوة قروم المحققين ذو السعادات والكرامات أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفى نفع الله الإسلام بطول بقائه والمسلمين بيمن لقائه قد سألني من تتعين إجابته كتابا وسطا في التأويلات جامعا لوجوه الاعراب والقراءات متضمنا لدقائق علمى البديع والاشارات حاليا بأقاويل أهل السنة والجماعة خاليا عن أباطيل أهل البدع والضلالة ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل وكنت أقدم فيه رجلا وأؤخر أخرى استقصارا لقوة البشر عن درك هذا الوطر وأخذا لسبيل الحذر عن ركوب متن الخطر حتى شرعت فيه بتوفيق الله والعوائق كثيرة وأتممته في مدة يسيرة وسميته بمدارك التنزيل وحقائق التأويل وهو الميسر لكل عسير وهو على ما(8/1)
يشاء قدير وبالاجابة جدير
بسم الله الرحمن الرحيم
فاتحة الكتاب
مكية وقيل مدنية والأصح أنها مكية ومدنية نزلت بمكة حين فرضت الصلاة ثم نزلت بالمدينة حين حولت القبلة إلى الكعبة وتسمى أم القرآن للحديث قال عليه السلام لا صلاة لمن لم يقرا بام القرآن ولاشتمالها على المعاني التى في القرآن وسورة الوافية والكافية لذلك وسورة الكنز لقوله عليه السلام حاكيا عن الله تعالى فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرشى وسورة الشفاء والشافية لقولة عليه السلام فاتحة الكتاب شفاء من كل داء إلا السام وسورة المثانى لأنها تثنى في كل صلاة وسورة الصلاة لما يروى و لانها تكون واجبة أو فريضة وسورة الحمد والاساس فانها أساس القرآن قال ابن عباس رضي الله عنهما إذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالأساس وآيها سبع بالاتفاق(8/2)
مقدمة المصنف
قال أخبرنا أبو الفضل جبريل بن أحمد اليوناني قال أنبأنا أبو محمد لقمان بن حكيم بن خلف الفرغاني بأوزكندة قال حدثنا الفقيه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي رحمة الله عليه قال أخبرنا أبو جعفر الكرابيسي قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن مرة الهمذاني قال قال ابن مسعود رضي الله عنه ( من أراد العلم فليثر القرآن ) وفي رواية أخرى فليؤثر القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ما من شيء إلا وعلمه فى القرآن غير أن آراء الرجال تعجز عنه )
حدثنا أبو جعفر محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أنهم كانوا يقرؤون على النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل )
قال حدثنا الفقيه أبو الليث رحمه الله حدثنا أبي قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد المعلم قال حدثنا أبو عمران الفريابي قال حدثنا عبد الرحمن بن جبير قال حدثنا داود بن المخبر قال حدثنا عباد بن كثير عن عبد خير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته ( أيها الناس قد بين الله لكم في محكم كتابه ما أحل لكم وما حرم عليكم فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وآمنوا بمتشابهة واعملوا بمحكمه واعتبروا بأمثاله )(9/1)
قال فلما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يحل حلاله ويحرم حرامه ثم لا يمكن أن يحل حلاله ويحرم حرامه إلا بعد ما يعلم تفسيره ولأن الله تعالى أنزل القرآن هدى للناس وجعله حجة على جميع الخلق لقوله تعالى وأوحى إلى هذا القرءان لأنذركم به ومن بلغ الأنعام 19 فلما كان القرآن حجة على العرب والعجم ثم لا يكون حجة عليهم إلا بعد أن يعلموا تفسيره وتأويله فدل ذلك على أن طلب تفسيره وتأويله واجب ولكن لا يجوز لأحد أن يفسر القرآن برأيه من ذات نفسه ما لم يتعلم أو يعرف وجوه اللغة وأحوال التنزيل لأنه روي في الخبر ما حدثنا به محمد بن الفضيل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ) وروى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار )
قال الفقيه حدثنا محمد بن الفضيل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا أبو حفص عن ابن مجاهد قال قال رجل لأبي أنت الذي تفسر القرآن برأيك فبكى أبي ثم قال ( إني إذا لجرئ لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم
وروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن قوله تعالى وفكهة وأبا عبس 31 فقال لا أدري ما الأب فقيل له قل من ذات نفسك يا خليفة رسول الله قال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في القرآن بما لا أعلم فإذا لم يعلم الرجل وجوه اللغة وأحوال التنزيل فتعلم التفسير وتكلف حفظه فلا بأس ويكون بذلك على سبيل الحكاية والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم(9/2)
حدثنا القاضي الخليل بن أحمد قال حدثنا السراج قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا خالد عن داود عن عامر ع قال ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكتب باسمك اللهم فلما نزل في
سورة هود بسم الله مجريها ومرسها هود 41 كتب بسم الله فلما نزل في سورة بني إسرائيل قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن الإسراء 110 كتب بسم الله الرحمن فلما نزل في سورة النمل إنه من سليمن وإنه بسم الله الرحمن الرحيم النمل 30 كتب بسم الله الرحمن الرحيم
ففي هذا الخبر دليل على أنه ليس من أول كل سورة ولكنه بعض آية من كتاب الله تعالى من سورة النمل
فأما تفسير قوله بسم الله له يعني بدأت باسم الله ولكن لم يذكر بدأت لأن الحال ينبئ أنك مبتدئ فيستغنى عن ذكره وأصله باسم الله بالألف ولكن حذفت من الاسم لكثرة الاستعمال لأنها ألف وصل وليست بأصلية بدليل أنها تسقط عند التصغير فتقول سمي وقال بعضهم معنى قوله بسم الله يعني بدأت بعون الله وتوفيقه وبركته وهذا تعليم من الله تعالى لعباده ليذكروا اسم الله تعالى عند افتتاح القراءة وغيرها حتى يكون الافتتاح ببركة اسم الله
وقوله الله هو اسم موضوع ليس له اشتقاق وهو أجل من أن يذكر له اشتقاق وهو قول الكسائي قال أبو الليث رحمه الله هكذا سمعت أبا جعفر يقول روي عن محمد بن الحسن أنه قال هو اسم موضوع ليس له اشتقاق وروي عن الضحاك أنه قال إنما سمي الله إلها لأن الخلق يألهون إليه فى قضاء حوائجهم ويتضرعون إليه عند شدائدهم وذكر عن الخليل بن أحمد البصري أنه قال لأن الخلق يألهون إليه بنصب اللام ويألهون بكسر اللام أيضا وهما لغتان وقيل أيضا إنه إنما اشتق من الارتفاع فكانت العرب تقول للشيء المرتفع لاه وكانوا يقولون إذا طلعت الشمس طلعت لاهة وغربت لاهة وقيل أيضا إنما سمي الله لأنه لا تدركه الأبصار ولاه معناه احتجب كما قال القائل
لاه ربي عن الخلائق طرا
لا يرى خالق الخلق وهو يرى(9/3)
وقيل إنما سمي الله لأنه يوله قلوب العباد بحبه
فأما الرحمن فالعاطف على جميع خلقه بالرزق لهم ولا يزيد فى رزق التقي لأجل تقواه ولا ينقص من رزق الفاجر لأجل فجوره وما كان فى لغة العرب على ميزان فعلان يراد به المبالغة في وصفه كما يقال شبعان من شبع وغضبان من غضب إذا امتلأ غضبا
فلهذا سمى نفسه رحمانا لأن رحمته وسعت كل شيء فلا يجوز أن يقال لغير الله تعالى الرحمن لأن هذا الوصف لا يوجد لغيره
وأما الرحيم فالرفيق بالمؤمنين خاصة يستر عليهم ذنوبهم في الدنيا ويرحمهم في الآخرة ويدخلهم الجنة وقيل أيضا إنما سمى نفسه رحيما لأنه لا يكلف عباده جميع ما لا يطيقون وكل ملك يكلف عباده جميع ما لا يطيقون فليس برحيم
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في قوله بسم الله ( اسمه شفاء من كل دواء ) وعون على كل داء وأما الرحمن فهو عون لمن آمن به فهو اسم لم يسم به غيره وأما الرحيم فلمن تاب وآمن وعمل صالحا
وقد فسره بعضهم على الحروف وروى عبد الرحمن المدني عن عبد الله بن عمر أن عثمان بن عفان رضي الله عنهم سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التفسير بسم الله الرحمن الرحيم فقال أما ( الباء فبلاء الله وروحه ونضرته وبهاؤه وأما السين فسناء الله وأما الميم فملك الله وأما الله فلا إله غيره وأما الرحمن فالعاطف على البر والفاجر من خلقه وأما الرحيم فالرفيق بالمؤمنين خاصة )
وروي عن كعب الأحبار أنه قال ( الباء بهاؤه والسين سناؤه فلا شيء أعلى منه والميم ملكه وهو على كل شيء قدير فلا شيء يعازه ) وقد قيل إن كل حرف هو افتتاح اسم من أسمائه فالباء مفتاح اسمه بصير والسين مفتاح اسمه سميع والميم مفتاح اسمه مليك وقيل مجيد والألف مفتاح اسمه الله واللام مفتاح اسمه لطيف والهاء مفتاح اسمه هادي والراء مفتاح اسمه رزاق والحاء مفتاح اسمه حليم والنون مفتاح اسمه نور ومعنى هذا كله ودعاء الله تعالى عند الافتتاح(9/4)
بسم الله الرحمن الرحيم خطبة المفسر حمدا لمن جعل روح معاني الأكوان تفسيرا لآيات قدرته وصير نقوش أشباح الأعيان بيانا لبينات وحدته وأظهر من غيب هويته قرآنا غدا فرقانه كشافا عن فرق الكتب الألهية الغياهب وأبرز من سجف ألوهيته نروا أشرق على مرايا الكائنات بحسب مزايا الإستعدادات فأتضحت من معالم العوالم المراتب وصلاة وسلاما على أول ذرة أضاءت من الكنز المخفي في ظلمة عماء القدم فأبصرتها عين الوجود وعلة إيجاد كل ذرة برأتها يد الحكيم إذ تردت في هوة العدم فعادت ترفل بأردية كرم وجود مهبط الوحي الشفاهي الذي أرتفع رأس الروح الأمين بالهبوط إلى موطيء أقدامه ومعدن السر الألهي الذي أنقطع فكر الملأ الأعلى دون ذكر الوصول إلى أدنى مقامه فهو النبي الذي أبرزه مولاه من ظهور الكمون إلى حواشي متون الظهور ليكون شرحا لكتاب صفاته وتقريرا ورفعه بتخصيصه من بين العموم بمظهرية سره المستور وأنزل عليه قرآنا عربيا غير ذي عوج ليكون للعالمين نذيرا وشق له من أسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد وعلى آله وأصحابه مطالع أنوار التنزيل ومغارب أسرار التأويل الذين دخلوا عكاظ الحقائق بالوساطة المحمدية فما برحوا حتى ربحوا فباعوا نفوسا وشروا نفيسا وقطعوا أسباب العلائق بالهمم الحقيقية فما عرجوا حتى عرجوا فلقوا عزيزا وألقوا خسيسا فهم النجوم المشرقة بنور الهدى والرجوم المحرقة لشياطين الردى رضي الله عنهم وأرضاهم وإلى متبعيهم وأولاهم ما سرحت روح المعاني في رياض القرآن وسبحت أشباح المباني في حياض العرفان ( أما بعد ( فيقول عيبة العيوب وذنوب الذنوب أفقر العباد إليه عز شأنه مدرس دار السلطنة العلية ومفتي بغداد المحمية أبو الثناء شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي عفي عنه أن العلوم وإن تباينت أصولها وغربت وشرقت فصولها وأختلفت أحوالها وأتهمت وأنجدت أقوالها وتنوعت أبوابها وأشأمت وأعرقت أصحابها وتغايرت مسائلها وأيمنت وأيسرت وسائلها(10/1)
فهي بأسرها مهمة ومعرفتها على العلات نعمة إلا أن أعلاها قدرا وأغلاها مهرا وأسناها مبنى وأسماها معنى وأدقها فكرا وأرقها سرا وأعرقها نسبا وأعرفها أبا وأقومها قيلا وأقواها قبيلا وأحلاها لسانا وأجلاها بيانا وأوضحها سبيلا وأصحها دليلا وأفصحها نطقا وأمنحها رفقا العلوم الدينية والفهوم اللدنية فهي شمس ضحاها وبدر دجاها وخال وجنتها ولعس شفتها ودعج عيونها وغنج جفونها وحبب رضابها وتنهد كعابها ورقة كلامها ولين قوامها على نفسه فليبك من ضاع عمره وليس له منها نصيب ولا سهم فلا ينبغي لعاقل أن يستغرق النهار والليل إلا في غوص بحارها أو يستنهض الرجل والخيل إلا في(10/2)
سبر أغوارها أو يصرف نفائس الأنفاس إلا في مهور أبكارها أو ينفق بدر الأعمار إلا لتشوف بدر اسرارها إذا كان هذا الدمع يجري صبابة على غير سمي فهو دمع مضيع وإن من ذلك علم التفسير الباحث عما أراده الله سبحانه بكلامه المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فهو الحبل المتين والعروة الوثقى والصراط المبين والوزر الأقوى والأوقى وإني ولله تعالى المنة مذ ميطت عني التمائم ونيطت على رأسي العمائم لم أزل متطلبا لإستكشاف سره المكتوم مترقبا لإرتشاف رحيقه المختوم طالما فرقت نومي لجمع شوارده وفارقت قومي لو صال خرائده فلو رأيتني وأنا أصافح بالجبين صفحات الكتاب من السهر وأطالع إن أعوز الشمع يوما على نور القمر في كثير من ليالي الشهر وأمثالي إذ ذاك يرفلون في مطارف اللهو ويرقلون في ميادين الزهو ويؤثرون مسرآت الأشباح على لذات الأرواح ويهبون نفائس الأوقات لنهب خسائس الشهوات وأنا مع حذاثة سني وضيق عطني لا تغرني حالهم ولا تغيرني أفعالهم كأن لبني لمبانتي ووصال سعدي سعادتي حتى وقفت على كثير من حقائقه ووفقت لحل وفير من دقائقه وثقبت والثناء لله تعالى من دره بقلم فكري درأ مثمنا ولا بدع فأنا من فضل الله الشهاب وأبو الثنا وقبل أن يكمل سني عشرين جعلت أصدح به وأصدع وشرعت أدفع كثيرا من إشكالات الأشكال وأدفع وأتجاهر بما ألهمنيه ربي مما لم أظفر به في كتاب من دقائق التفسير وأعلق على ما أغلق مما لم تعلق به ظفر كل ذي ذهن خطير ولست أنا أول من من الله تعالى عليه بذلك ولا آخر من سلك في هاتيك المسالك فكم وكم للزمان ولد مثلي وكم تفضل الفرد عز شأنه على كثير بأضعاف فضلي ألا إنما الأيام أبناء واحد وهذي الليالي كلها أخوات إلا أن رياض هذه الأعصار عراها إعصار وحياض تيك الأمصار أعتراها إعتصار فصار العلم بالعيوق والعلماء أعز من بيض الأنوق والفضل معلق بأجنحة النسور وميت حي الأدب لا يرجي له نشور كأن لم(10/3)
يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر ولكن الملك المنان أبقى من فضله الكثير قليلا من ذوي العرفان في هذه الأزمان دينهم إقتناص الشوارد وديدنهم إفتضاض أبكار الفوائد يروون فيروون ويقدحون فيورون لكل منهم مزية لا يستتر نورها ومرتبة لا ينتثر نورها طالما أقتطفت من أزهارهم وأقتبست من أنوارهم وكم صدر منهم أودعت علمه صدري وحبر فيهم أفنيت في فوائده حبري ولم أزل مدة على هذه الحال لا أعبأ بما عبالي مما قيل أو يقال كتاب الله لي أفضل مؤانس وسميري إذا أحلولكت ظلمة الحنادس نعم السمير كتاب الله إن له حلاوة هي أحلى من جنى الضرب به فنون المعاني قد جمعن فما تفتر من عجب إلا إلى عجب أمر ونهي وأمثال وموعظة وحكمة أودعت في أفصح الكتب لطائف يجتليها كل ذي بصر وروضة يجتنيها كل ذي أدب وكانت كثيرا ما تحدثني في القديم نفسي إن أحبس في قفص التحرير ما أصطاده الذهن بشبكة الفكر أو أختطفه بان الإلهام في جو حدسي فأتعلل تارة بتشويش البال بضيق الحال وأخرى بفرط الملال لسعة المجال(10/4)
إلى أن رأيت في بعض ليالي الجمعة من رجب الأصم سنة الألف والمائتين والأثنتين والخمسين بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - رؤية لا أعدها أضغاث أحلام ولا أحسبها خيالات أوهام إن الله جل شأنه وعظم سلطانه أمرني بطي السموات والأرض ورتق فتقهما على الطول والعرض فرفعت يدا إلى السماء وخفضت الأخرى إلى مستقر الماء ثم أنتبهت من نومتي وأنا مستعظم رؤيتي فجعلت أفتفش لها عن تعبير فرأيت في بعض الكتب أنها إشارة إلى تأليف تفسير فرددت حينئذ على النفس تعللها القديم وشرعت مستعينا بالله تعالى العظيم وكأني إن شاء الله تعالى عن قريب عند إتمامه بعون عالم سري ونجواي أنادي وأقول غير مبال بتشنيع جهول هذا تأويل رؤياي وكان الشروع في الليلة السادسة عشرة من شعبان المبارك من السنة المذكورة وهي السنة الرابعة والثلاثون من سني عمري جعلها الله تعالى بسني لطفه معمورة وقد تشرف الذهن المشتت بتأليفه وأحكمت غرف مغاني المعاني بمحكم ترصيفه زمن خلافة الله الأعظم وظله المبسوط على خليقته في العالم مجدد نظام القواعد المحمدية ومحدد جهات العدالة الإسلامية سورة الحمد الذي أظهره الرحمن في صورة الملك لكسر سورة الكافرين وآية السيف الذي عوده الفاطر الفتح والنصر وأيده بمرسلات الذاريات في كل عصر فويل للمنافقين من نازعات أرواحهم إذا عبس صمصام عزمه المتين حضرة مولانا السلطان إبن السلطان سلطان الثقلين وخادم الحرمين المجدد الغازي محمود خان العدلي بن السلطان عبدالحميد خان أيده الرحمن وأبد ملكه ما دام الدوران آمين وبعد أن أبرمت حبل النية ونشرت مطوى الأمنية وعرا المخاض قريحة الأذهان وقرب ظهور طفل التفسير للعيان جعلت أفكر ما أسمه وبماذا أدعوه إذا وضعته أمه فلم يظهر لي أسم تهتشن له الضمائر وتبتش من سماعه الخواطر فرعضت الحال لدى حضرة وزير الوزراء ونور حديقة البهاء ونور حدقة الوزراء آية الله التي لا تنسخها آية ورب النهي الذي ليس له نهاية(10/5)
وصاحب الأخلاق التي ملك بها القلوب ومعدن الأذواق التي يكاد أن يعلم معها الغيوب مولانا علي رضا باشا لا زال له الرضا غطاء وفراشا فسماه على الفور وبديهة ذهنه تغنى عن الغور ( روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ( فياله أسم ما أسماه نسأل الله تعالى أن يطابقه مسماه وأحمد الله تعالى حمدا غضا وأصلي وأسلم على نبيه النبيه حتى يرضى وقد آن وقت الشروع في المقصود مقدما عليه فوائد يليق أن تكتب بسواد العيون على صفحات الخدود فأقول ( الفائدة الأولى ( في معنى التفسير والتأويل وبيان الحاجة إلى هذا العلم وشرفه
أما معناهما فالتفسير تفعيل من الفسر وهو لغة البيان والكشف والقول بأنه مقلوب السفر مما لا يسفر له وجه ويطلق التفسير على التعرية للإنطلاق يقال فسرت الفرس إذا عريته لينطلق ولعله يرجع لمعنى الكشف كما لا يخفى بل كل تصاريف حروفه لا تخلو عن ذلك كما هو ظاهر لمن أمعن النظر
ورسموه بأنه علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك كمعرفة النسخ وسبب النزول وقصة توضح ما أبهم في القرآن ونحو ذلك
والتأويل من الأول وهو الرجوع والقول بأنه من الأيالة وهي السياسة كأن المؤول للكلام ساس الكلام ووضع المعنى فيه موضعه ليس بشيء وأختلف في الفرق بين التفسير والتأويل فقال أبو عبيدة هما بمعنى وقال الراغب التفسير أعم وأكثر إستعماله في الألفاظ ومفرداتها في الكتب الألهية وغيرها والتأويل في المعاني والجمل في الكتب الألهية خاصة وقال الماتريدي(10/6)
التفسير القطع بأن مراد الله تعالى كذا والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون قطع وقيل التفسير ما يتعلق بالرواية والتأويل ما يتعلق بالدراية وقيل غير ذلك وعندي أنه إن كان المراد الفرق بينهما بحسب العرف فكل الأقوال فيه ما سمعتها وما لم تسمعها مخالفة للعرف اليوم إذ قد تعارف من غير نكير أن التأويل إشارة قدسية ومعارف سبحانية تنكشف من سجف العبارات للسالكين وتنهل من سحب الغيب على قلوب العارفين والتفسير غير ذلك وإن كان المراد الفرق بينهما بحسب ما يدل عليه اللفظ مطابقة فلا أظنك في مرية من رد هذه الأقوال أو بوجه ما فلا أراك ترضى إلا أن في كل كشف إرجاعا وفي كل إرجاع كشفا فأفهم وإما بيان الحاجة إليه فلأن فهم القرآن العظيم المشتمل على الأحكام الشرعية التي هي مدار السعادة الأبدية وهو العروة الوثقى والصراط المستقيم أمر عسير لا يهتدي إليه إلا بتوفيق من اللطيف الخبير حتى أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم على علو كعبهم في الفصاحة وإستنارة بواطنهم بما أشرق عليها من مشكاة النبوة كانوا كثيرا ما يرجعون إليه - صلى الله عليه وسلم - بالسؤال عن أشياء لم يعرجوا عليها ولم تصل أفهامهم إليها بل ربما ألتبس عليهم الحال ففهموا غير ما أراده الملك المتعال كما وقع لعدي بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود ولا شك أنا محتاجون إلى ما كانوا محتاجين إليه وزيادة ( وأما بيان شرفه ( فلان شرف العلم بشرف موضوعه وشرف معلومه وغايته وشدة الإحتياج إليه وهو حائز لجميعها فإن موضوعه كلام الله تعالى وماذا عسى أن يقال فيه ومعلومه مع أنه مراد الله تعالى الدال عليه كلامه جامع للعقائد الحقة والأحكام الشرعية وغيرها وغايته الإعتصام بالعروة الوثقى التي لا إنفصام لها والوصول إلى سعادة الدارين وشدة الإحتياج إليه ظاهرة مما تقدم بل هو رئيس جميع العلوم الدينية لكونها مأخوذة من الكتاب وهي تحتاج من حيث الثبوت أو من حيث الإعتداد إلى علم التفسير وهذا لا(10/7)
ينافي كون الكلام رئيسها أيضا لأن علم التفسير لتوقفه على ثبوت كونه تعالى متكلما يحتاج إلى الكلام والكلام لتوقف جميع مسائله من حيث الثبوت أو الإعتداد على الكتاب يتوقف على التفسير فيكون كل منهما رئيسا للآخر من وجه على أن رياسة التفسير بناء على ذلك الشرف مما لا ينتطح فيه كبشان وأما الآثار الدالة على شرفه فكثيرة أخرج إبن أبي حاتم وغيره من طريق إبن أبي طلحة عن إبن عباس في قوله تعالى ( يؤتى الحكمة ) قال المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخة ومحكمة ومتشابهة ومقدمة ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله وأخرج أبو عبيدة عن الحسن قال ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن تعلم فيما أنزلت وما أراد بها وأخرج إبن أبي حاتم عن عمرو بن مرة قال ما مررت بآية لا أعرفها إلا أحزنتني لأني سمعت الله يقول ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) إلى غير ذلك ( الفائدة الثانية ( فيما يحتاجه التفسير ومعنى التفسير بالرأي وحكم كلام السادة الصوفية في القرآن فأما ما يحتاجه التفسير فأمور ( الأول ( علم اللغة لأن به يعرف شرح مفردات الألفاظ ومعلولاتها بحسب الوضع ولا يكفي اليسير إذ قد يكون اللفظ مشتركا وهو يعلم أحد المعنيين والمراد الآخر فمن لم يكن عالما بلغات العرب لا يحل له التفسير كما قاله مجاهد وينكل كما قاله مالك وهذا مما لا شبهة فيه نعم روى عن أحمد أنه سئل عن القرآن يمثل له الرجل ببيت من الشعر فقال ما يعجبني وهو ليس بنص في المنع عن بيان المدلول اللغوي للعارف كما لا يخفى ( الثاني ( معرفة الأحكام التي للكلم العربية من جهة أفرادها وتركيبها ويؤخذ ذلك من علم النحو أخرج أبو عبيدة عن الحسن أنه سئل عن الرجل يتعلم العربية يلتمس بها أحسن المنطق ويقيم بها قراءته فقال حسن فتعلمها فإن الرجل يقرأ الآية فيعيا بوجهها فيهلك فيها وفي قصة الأسود ما يغني عن الإطالة ( الثالث ( علم المعاني والبيان والبديع ويعرف بالأول خواص تراكيب الكلام(10/8)
من جهة إفادتها المعنى وبالثاني خواصها من حيث إختلافها وبالثالث وجوه تحسين كلام وهو الركن
الأقوم واللازم الأعظم في هذا الشأن كما لايخفى ذلك على من ذاق طعم العلوم ولو بطرف اللسان ( الرابع ( تعيين مبهم وتبيين مجمل وسبب نزول ونسخ ويؤخذ ذلك من علم الحديث ( الخامس ( معرفة الإجمال والتبيين والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد ودلالة الأمر والنهي وما أشبه هذا وأخذوه من أصول الفقه ( السادس ( الكلام فيما يجوز على الله وما يجب له وما يستحيل عليه والنظر في النبوة ويؤخذ هذا من علم الكلام وللاه يقع المفسر في ورطات ( السابع ( علم القرا آت لأنه به يعرف كيفية النطق بالقرآن وبالقراآت ترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض هذا وعد السيوطي مما يحتاج إليه المفسر علم التصريف وعلم الإشتقاق وأنا أظن أن المهارة ببعض ما ذكرنا يترتب عليهما من الثمرة وعد أيضا علم الفقه ولم يعده غيره ولكل وجهة وعد علم الموهبة أيضا من ذلك قال وهو علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم وإليه الإشارة بالحديث من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم ثم قال ولعلك تستشكل علم الموهبة وتقول هذا شيء ليس في قدرة الإنسان تحصيله وليس كما ظننت والطريق في تحصيله إرتكاب الأسباب الموجبة له من العمل والزهد إلى آخر ما قاله وفيه أن علم الموهبة بعد تسليم أنه كسبي إنما يحتاج إليه في الإطلاع على الأسرار لا في أصل فهم معاني القرآن كما يفهمه كلام البرهان وكثير من المفسرين بصدد الثاني والواقفون على الأسرار وقليل ما هم لا يستطيعون التعبير عن كثير مما أفيض عليهم فضلا عن تحريره وإقامة البرهان عليه على أن ذلك تأويل لا تفسير فلعل السيوطي أراد من عبارته معنى آخر يظهر لك بالتدبر فتدبر ( وأما التفسير بالرأي ( فالشائع المنع عنه وأستدل عليه بما أخرجه أبو داؤد والترمذي والنسائي من قوله - صلى الله عليه وسلم - من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ وفي رواية عن أبي(10/9)
داؤد من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ولا دليل في ذلك أما أو لا فلأن في صحة الحديث الأول مقالا قال في المدخل في صحته نظر وإن صح فإنما أراد به والله تعالى أعلم فقد أخطأ الطريق إذ الطريق الرجوع في تفسير ألفاظه إلى أهل اللغة وفي نحو الناسخ والمنسوخ إلى الأخبار وفي بيان المراد منه إلى صاحب الشرع فإن لم يجد هناك وهنا فلا بأس بالفكرة ليستدل بما ورد على ما لم يرد أو أراد من قال بالقرآن قولا يوافق هواه بأن يجعل المذهب أصلا والتفسير تابعا له فيرد إليه بأي وجه فقد أخطأ فالباء على ذلك سببية أو يقال ذلك في المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله أو في الجزم بأن مراد الله تعالى كذا على القطع من غير دليل وأما الحديث الثاني فله معنيان الأول من قال في مشكل القرآن بما لا يعلم فهو متعرض لسخط الله تعالى والثاني وصحح من قال في القرآن قولا يعلم أن الحق غيره فليتبوأ مقعده من النار وأما ثانيا فلأن الأدلة على جواز الرأي والإجتهاد في القرآن كثيرة وهي تعارض ما يشعر بالمنع فقد قال تعالى ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) وقال تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) وقال تعالى ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) وأخرج أبو نعيم وغيره من حديث إبن عباس القرآن ذلول ذو وجوه فأحملوه على أحسن وجوهه وقد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإبن عباس بقوله اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وقد روى عن علي كرم الله وجهه أنه سئل هل خصكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء فقال ما عندنا غير ما في هذه الصحيفة أو فهم يؤتاه الرجل في كتابه إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة والعجب كل العجب مما يزعم أن علم التفسير مضطر إلى النقل في فهم معاني التراكيب ولم ينظر إلى إختلاف التفاسير وتنوعها ولم يعلم أن ماورد عنه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك(10/10)
كالكبريت الأحمر فالذي ينبغي أن يعول عليه أن من كان
متبحرا في علم اللسان مترقيا منه إلى ذوق العرفان وله في رياض العلوم الدينية أو في مرتع وفي حياضها أصفى مكرع يدرك أعجاز القرآن بالوجدان لا بالتقليد وقد غدا ذهنه لما أغلق من دقائق التحقيقات أحسن إقليد فذاك يجوز له أن يرتقى من علم التفسير ذروته ويمتطي منه صهوته وأما من صرف عمره بوساوس أرسطاطاليس وأختار شوك القنافذ على ريش الطواويس فهو بمعزل عن فهم غوامض الكتاب وإدراك ما تضمنه من العجب العجاب وأما كلام السادة الصوفية في القرآن فهو من باب الإشارات إلى دقائق تنكشف عى أرباب السلوك ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة وذلك من كمال الإيمان ومحض العرفان لا أنهم أعتقدوا أن الظاهر غير مراد أصلا وإنما المراد الباطن فقط إذ ذاك إعتقاد الباطنية الملاحدة توصلوا به إلى نفي الشريعة بالكلية وحاشى سادتنا من ذلك كيف وقد حضوا على حفظ التفسير الظاهر وقالوا لا بد منه أولا إذ لا يطمع في الوصول إلى الباطن قبل أحكام الظاهر ومن إدعى فهم أسرار القرآن قبل إحكام التفسير الظاهر فهو كمن إدعى البلوغ إلى صدر البيت قبل أن يجاوز الباب ومما يؤيد أن للقرآن ظاهرا وباطنا ما أخرجه إبن أبي حاتم من طريق الضحاك عن إبن عباس قال القرآن ذو شجون وفنون وظهور وبطون لا تنقضي عجائبه ولا تبلغ غايته فمن أوغل فيه برفق نجا ومن أوغل فيه بعنف هوى أخبار وأمثال وحلال وحرام وناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وظهر وبطن فظهره التلاوة وبطنه التأويل فجالسوا به العلماء وجانبوا به السفهاء وقال إبن مسعود من أراد علم الأولين والآخرين فليتل القرآن ومن المعلوم أن هذا لا يحصل بمجرد تفسير الظاهر وقد قال بعض من يوثق به لكل آية ستون ألف فهم وروى عن الحسن قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكل آية ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع قال إبن النقيب أن ظاهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظاهر(10/11)
وباطنها ما تضمنته من الأسرار اتي أطلع الله تعالى عليها أرباب الحقائق ومعنى قوله ولكل حرف حد أن لكل حرف منتهي فيما أراده الله تعالى من معناه ومعنى قوله ولكل حد مطلع أن لكل غامض من المعاني والأحكام مطلعا يتوصل به إلى معرفته ويوقف عن القدر يكفي بعد ذلك في المقصود كما لايخفى على من لم يركب مطية الجحود المراد به وقيل في رواية لكل آية ظهر وبطن وحد ومطلع والمذكور بوساطة الألفاظ وتأليفاتها وضعا وإفادة وجعلها طرقا إلى إستنباط الأحكام الخمسة هو الظهر وروح الألفاظ أعنى الكلام المعتلى عن المدارك الآلية بجواهر الروح القدسية هو البطن وإليه الإشارة بقول الأمير السابق والحد إما بين الظهر والبطن يرتقى منه إليه وهو المدرك بالجمعية من الجمعية وإما بين البطن والمطلع فالمطلع مكان الأطلاع من الكلام النفسي إلى الأسم المتكلم المشار إليه بقول الصادق لقد تجلى الله تعالى في كتابه لعباده ولكن لا يبصرون والحد بينهما يرتقي به من البطن إليه عند إدراك الرابطة بين الصفة والأسم وإستهلاك صفة العبد تحت تجليات أنوار صفة المتكلم تعالى شأنه وقيل الظهر التفسير والبطن التأويل والحد ما تتناهى إليه الفهوم من معنى الكلام والمطلع ما يصعد إليه منه فيطلع على شهود الملك العلام إنتهى(10/12)
فلا ينبغي لمن له أدنى مسكة من عقل بل أدنى ذرة من إيمان أن ينكر إشتمال القرآن على بواطن يفيضها المبدأ الفياض على بواطن من شاء من عباده وياليت شعري ماذا يصنع المنكر بقوله تعالى ( وتفصيلا لكل شيء ) وقوله تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ويا الله العجب كيف يقول بإحتمال ديوان المتنبي وأبياته المعاني الكثيرة ولا يقول بإشتمال قرآن النبي - صلى الله عليه وسلم - وآياته وهو كلام رب العالمين المنزل على خاتم المرسلين على ما شاء الله تعالى من المعاني المحتجبة وراء سرادقات تلك المباني ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) بل ما من حادثة ترسم بقلم القضاء في لوح الزمان إلا وفي القرآن العظيم إشارة إليها فهو المشتمل على خفايا الملك والملكوت وخبايا قدس الجبروت
وقد ذكر إبن خلكان في تاريخه أن السلطان صلاح الدين لما فتح مدينة حلب أنشد القاضي محيي الدين قصيدة بائية(10/13)
أجاد فيها كل الإجادة وكان من جملتها وفحك القلعة الشهباء في صفر مبشر بفتوح القدس في رجب فكان كما قال فسئل القاضي من أين لك هذا فقال أخذته من تفسير إبن برجان في قوله تعالى ( ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) قال المؤرخ فلم أزل أتطلب التفسير المذكور حتى وجدته على هذه الصورة وذكر له حسابا طويلا وطريقا في إستخراجه وله نظائر كثيرة ومن المشهور إستنباط إبن الكمال فتح مصر على يد السلطان سليم من قوله تعالى ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) فالأنصاف كل الإنصاف التسليم للسادة الصوفية الذين هم مركز للدائرة المحمدية ما هم عليه وإتهام ذهنك السقيم فيما لم يصل لكثرة العوائق والعلائق إليه وإذا لم تر الهلال فسلم لأناس رأوه بالأبصار وسيأتي تتمة لهذا البحث إن شاء الله تعالى والله الهادي إلى سواء السبيل ( الفائدة الثالثة ( أعلم أن لكتاب الله تعالى أسماء أنهاها شيدلة في البرهان إلى خمسة وخمسين أسما وذكر السيوطي بعد عدها في الإتقان وجوة تسميته بها ولم يذكر غير ذلك وعندي أنها كلها ترجع بعد التأمل الصادق إلى القرآن والفرقان رجوع أسماء الله تعالى إلى صفتي الجمال والجلال فهما الأصل فيها وقد أختلف الناس في تحقيق لفظ القرآن فالمروي عن الشافعي وبه قال جماعة أنه اسم علم غير مشتق خاص بهذا الكلام المنزل على النبي المرسل - صلى الله عليه وسلم - وهو معرفا غير مهموز عنده كما حكاه عنه البيهقي والخطيب وغيرهما والمنقول عن الأشعري وأقوام أنه مشتق من قرنت الشيء إذا ضممته إليه وسمى به عندهم لقرآن السور والآيات والحروف فيه بعضها ببعض وقال الفراء هو مشتق من القرائن لأن الآيات فيه يصدق بعضها بعضا ويشبه بعضها بعضا وهو على هذين القولين بلا همز أيضا ونونه أصلية وقال الزجاج هذا القول غلط والصواب أن ترك الهمزة فيه من باب التخفيف ونقل حركتها إلى ما قبلها فهو(10/14)
عنده وصف مهموز على فعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع ومنه قرأت الماء في الحوض إذا جمعته وسمى به لأنه جمع السور كما قال أبو عبيدة أو ثمرات الكتب السالفة كما قال الراغب أو لأن القاريء يظهره من فيه أخذا من قولهم ما قرأت الناقة سلى قط كما حكى عن قطرب وعند اللحياني وجماعة هو مصدر كالغفران سمى به المقروء تسمية المفعول بالمصدر قال السيوطي قلت والمختار عندي في هذه المسألة ما نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه إنتهى وأنا متبري من حولي أقول قول الزجاج أرق من وجه إذ الشائع فيه الهمز وبه قرأ السبعة ما عدا إبن كثير وقد وجه إسقاطها بما مر آنفا ولم يوجه إثباتها وكأن قول السيوطي محض تقليد لإمام مذهبه حيث لم يذكر الدليل ولم يوضح السبيل وعندي أنه في الأصل وصف أو مصدر كما قال الزجاج واللحياني لكنه نقل وجعل علما شخصيا كما ذهب إليه الشافعي ومحققو الأصوليين وعليه لا يعرف القرآن لأن التعريف لا يكون إلا للحاق الكلية ولعل من عرفه بالكلام المنزل للإعجاز بسورة منه أراد تصوير مفهوم لفظ القرآن وكذا من قال كالغزالي أنه ما نقل بين دفتي المصحف تواترا أراد تخصيص الأسم بأحد الأقسام الثلاثة مما نقل بين الدفتين ومما لم ينقل كالمنسوخ تلاوته نحو إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وما نقل ولم يتواتر نحو ثلاثة أيام متتابعات ليعلم أن ذلك هو الدليل وعليه الأحكام من نحو منع التلاوة والمس محدثا وإلا فيرد على الأول إن أريد التمييز أن كونه للإعجاز ليس لازما بينا إذ لا يعرفه إلا الأفراد من العلماء فضلا(10/15)
عن أن يكون ذاتيا فكيف يصح لتعريف الحقيقة وتمييزها وهو إنما يكون بالذاتيات أو باللوازم البينة وأيضا أن معرفة السورة منه متوقفة على معرفته فيدور ويرد على الثاني مثل ثاني ما ورد على الأول إذ معرفة المصحف موقوفة على معرفة القرآن إذ ليس هو إلا ما كتب فيه القرآن فأخذه في تعريفه دور أيضا هذا وقد قال ساداتنا الصوفية أفاض الله تعالى علينا من فتوحاتهم القدسية أن القرآن إشارة إلى الذات التي يضمحل بها جميع الصفات فهي المجلي المسمى بالأحدية أنزلها الحق تعالى شأنه على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون مشهد الأحدية من الأكوان ومعنى هذا الإنزال أن الحقيقة الأحدية المتعالية في ذراها ظهرت فيه - صلى الله عليه وسلم - بكمالها وما أدخر عنه شيء بل أفيض عليه الكل كرما إليها ذاتيا ووصف القرآن في بعض الآيات بالكريم لذلك إذ رأى كرما يضاهي هذا الكرم وأنى تقاس هذه النعمة بسائر النعم وأما القرآن الحكيم فهوية الحقائق الألهية يعرج العبد بالتحقيق بها في الذات شيئا فشيئا على ما أقتضته الحكمة وإلى ذلك أشار الحق تعالى بقوله ( ورتلناه ترتيلا ) وهذا الحكم لا ينقطع أبدا إذ لا يزال العبد في ترق والحق في تجل فسبحان من لا تقيده الأكوان وهو كل يوم في شأن وأما القرآن العظيم في قوله تعالى ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) فهو إشارة إلى الجملة الذاتية لا بإعتبار النزول ولا بإعتبار المكانة بل مطلق الأحدية الذاتية التي هي في مطلق الهوية الجامعة لجميع المراتب والصفات والشئون والإعتبارات ولهذا قرن بالعظيم وأما السبع المثاني فهو ما ظهر عليه في وجوده من التحقق بالصفات السبع وأما قوله تعالى ( الرحمن علم القرآن ) فهو إشارة إلى أن العبد إذا تجلى عليه الرحمن وجد لذة رحمانية تكسبه معرفة قرآنية فلا يعلم الحق إلا من طريق أسمائه وصفاته وأما الفرقان عندهم فإشارة إلى حقيقة الأسماء والصفات على إختلاف تنوعاتها(10/16)
فباعتباراتها تتميز كل صفة وأسم من غيرها فحصل الفرق في نفس الحق من حيث أسماؤه وصفاته فإن أسمه المنعم غير أسمه المنتقم وصفة الرضا غير صفة الغضب وإليه الإشارة بقوله سبقت رحمتي غضبي وهي متفاوتة المراتب في الفضل نظرا إلى أعيانها لا بإعتبار أن في شيء منها نقصا أو مفضولية ولهذا حكمت بعضها على بعض كما يشير إليه قوله - صلى الله عليه وسلم - أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك فكانت المعافاة أفضل من العقوبة والرضا أفضل من السخط فأعاذه بالفاضل مما يليه وكذا أعاذه بذاته من ذاته فكما أن الفرق حاصل في الأفعال كذلك في الصفات بل في نفس واحدية الذات التي لا فرق فيها لكن من غريب شؤنها جمعها النقيضين قال أبو سعيد عرفت الله تعالى بجمعه بين الضدين ولكونه - صلى الله عليه وسلم - مظهرا للقرآن والفرقان كان خاتم النبيين وإمام المرسلين لأنه ما ترك شيئا يحتاج إليه إلا وقد جاء به فلا يجد الذي يأتي بعده من الكمال شيئا مما ينبغي أن ينبه عليه قال تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) وقال تعالى ( فصلناه تفصيلا ) إلى غير ذلك من الآيات ( وقد يقال ( القرآن والفرقان إشارتان إلى مقام الجمع والفرق بأقسامها قالوا ولا بد للعبد الكامل منهما فإن من لا تفرقة له لا عبودية له ومن لا جمع له لا معرفة له والجمع عندهم شهود الأشياء بالله تعالى والتبري من الحول والقوة إلا بالله وجمع الجمع الإستهلاك بالكلية والفناء عما سوى الله تعالى وهو المرتبة الأحدية والفرق أنواع فرق أول وهو الإحتجاب بالخلق عن الحق وبقاء رسوم الخليقة بحالها وفرق ثان وهو شهود قيام الخلق بالحق ورؤية الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة من غير إحتجاب إحداهما عن الأخرى وفرق الوصف وهو ظهور الذات الأحدية بأوصافها في الحضرة الواحدة وفرق الجمع وهو تكثر الواحد بظهوره في المراتب(10/17)
التي هي ظهور شئون الذات الأحدية وتلك الشئون في الحقيقة إعتبارات محضة لا تحقق لها إلا عند بروز الواحد بصورها وكثيرا ما يطلقون القرآن على العلم اللدني الإجمالي الجامع للحقائق كلها والفرقان على العلم التفصيلي الفارق بين الحق والباطل وكتاب الله تعالى جامع لذلك كله كما لا يخفى على أهله وذكر الشيخ الأكبر قدس سره أن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لايتضمن القرآن لأن تفاصيل المراتب والأسماء المقتضية لها موجودة في الجمع والجمع لا يوجد في التفاصيل ولهذا ما أختص بالقرآن إلا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فليفهم ونسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويزيل بعلمه جهلنا إنه على ما يشاء قدير ( الفائدة الرابعة ( في تحقيق معنى أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ( أعلم ) أن هذه المسألة من أمهات المسائل الدينية والمباحث الكلامية كم زلت فيها أقدام وضلت عن الحق بهاأقوام وهي وإن كانت مشروحة في كتب المتقدمين مبسوطة في زبر المتأخرين لكني بحول من عز حوله وفضل من غمرنا فضله أوردها في هذا الكتاب ليتذكر أولو الألباب بأسلوب عجيب وتحقيق غريب لا أظنك شنفت سمعك بمثل لأليه ولا نورت بصرك بشبه بدر لياليه فماء ولا كصدى ومرعى ولا كالسعدان وما كل زهر ينبت الروض طيب ولا كل كحل للنواظر أثمد ( فأقول ( إن الإنسان له كلام بمعنى التكلم الذي هو مصدر وكلام بمعنى المتكلم به الذي هو الحاصل بالمصدر ولفظ الكلام موضوع لغة لثاني قليلا كان أو كثيرا حقيقة كان أو حكما وقد يستعمل إستعمال المصدر كما ذكره الرضي وكل من المعنيين إما لفظي أو نفسي ( فالأول ( من اللفظي فعل الإنسان باللسان وما يساعده من المخارج ( والثاني ( منه كيفية في الصوت المحسوس ( والأول ( من النفسي فعل قلب الإنسان ونفسه الذي لم يبرز إلى الجوارح ( والثاني ( كيفية في النفس إذ لا صوت محسوسا عادة فيها وإنما هو صوت معنوي مخيل أما الكلام اللفظي بمعنييه فمحل وفاق وأما النفسي(10/18)
فمعناه الأول تكلم الإسنان بكلمات ذهنية وألفاظ مخيلة يرتبها في الذهن على وجه إذا تلفظ بها بصوت محسوس كانت عين كلماته اللفظية ومعناه الثاني هو هذه الكلمات الذهنية والألفاظ المخيلة المرتبة ترتيبا ذهنيا منطبقا عليه الترتيب الخارجي والدليل على أن للنفس كلاما بالمعنيين الكتاب والسنة فمن الآيات قوله تعالى ( فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا ) فإن ( قال ) بدل من ( أسر ) أو إستئناف بياني كأنه قيل فماذا قال في نفسه في ذلك الأسرار فقيل ( قال أنتم شر مكانا ) وعلى التقديرين فالآية دالة على أن للنفس كلاما بالمعنى المصدري وقولا بالمعنى الحاصل بالمصدر وأثمد من أسر والجملة بعدها وقوله تعالى ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ) وفسر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بما أسره إبن آدم في نفسه وقوله تعالى ( وأذكر ربك في نفسك ) وقوله تعالى ( يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا ) أي يقولون في أنفسهم كما هو الأسرع إنسياقا إلى الذهن والآيات في ذلك كثيرة ومن الأحاديث ما رواه الطبراني عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقد سأله رجل فقال إني لأحدث نفسي بالشيء لو تكلمت به لأحبطت أجرى فقال لا يلقى ذلك الكلام إلا مؤمن فسمى صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك الشيء المحدث به كلاما مع أنه كلمات ذهنية والأصل في الإطلاق الحقيقة ولا صارف عنها وقوله تعالى في الحديث القدسي أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي الحديث وفيه دليل على أن للعبد كلاما نفسيا بالمعنيين وللرب أيضا كلاما نفسيا كذلك ولكن أين التراب من رب الأرباب
((10/19)
فالمعنى الأول ( للحق تعالى شأنه صفة أزلية منافية للآفة الباطنية التي هي بمنزلة الخرس في التكلم الإنساني اللفظي ليس من جنس الحروف والألفاظ أصلا وهي واحدة بالذات تتعدد تعلقاتها بحسب تعدد المتكلم به وحاصل الحديث من تعلق تكلمه بذكر اسمي تعلق تكملي بذكر أسمهوالتعلق من الأمور النسبية التي لا يضر تجددها وحدوث المتعلق إنما يلزم في التعلق التنجيزي ولا ننكره وأما التعلق المعنوي التقديري ومتعلقه فأزليان ومنه ينكشف وجه صحة نسبة السكوت عن أشياء رحمة غير نسيان كما في الحديث إذ معناه أن تكلمه الأزلي لم يتعلق ببيانها مع تحقق إتصافه أزلا بالتكلم النفسي وعدم هذا التعلق الخاص لا يستدعي إنتفاء الكلام الأزلي كما لا يخفى ( والمعنى الثاني ( له تعالى شأنه كلمات غيبية وهي ألفاظ حكمية مجردة عن المواد مطلقا نسبية كانت أو خيالية أو روحانية وتلك الكلمات أزلية مترتبة من غير تعاقب في الوضع الغيبي العلمي لا في الزمان إذ لا زمان والتعاقب بين الأشياء من توابع كونها زمانية ويقربه من بعض الوجوه وقوع البصر على سطور الصفحة المشتملة على كلمات مرتبة في الوضع الكتابي دفعة فهي مع كونها مترتبة لا تعاقب في ظهورها فجميع معلومات الله الذي هو نور السموات والأرض مكشوفة له أرلا كما هي مكشوفة له فيما لا يزال ثم تلك الكلمات الغيبية المترتبة ترتبا وضعيا أزليا يقدر بينها التعاقب فيما لا يزال والقرآن كلام الله تعالى المنزل بهذا المعنى فهو كلمات غيبية مجردة عن المواد مترتبة في علمه أزلا غير متعاقبة تحقيقا بل تقديرا عند تلاوة الألسنة الكونية الزمانية ومعنى تنزيلها إظهار صورها في المواد الروحانية والخيالية والحسية من الألفاظ المسموعة والذهنية والمكتوبة ومن هنا قال السنيون القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وهو مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور مقروء بالألسن مسموع بالأذان غير حال في شيء منها وهو في جميع هذه المراتب قرآن حقيقة شرعية(10/20)
معلوم من الدين بالضرورة فقولهم غير حال إشارة إلى مرتبته النفسية الأزلية فإنه من الشئون الذاتية ولم تفارق الذات ولا تفارقها أبدا ولكن الله تعالى أظهر صورها في الخيال والحس فصارت كلمات مخيلة وملفوظة مسموعة ومكتوبة مرئية فظهر في تلك المظاهر من غير حلول إذ هو فرع الإنفصال وليس فليس فالقرآن كلامه تعالى غير مخلوق وإن تنزل في هذه المراتب الحادثة ولم يخرج عن كونه منسوبا إليه ( أما ) في مرتبة الخيال فلقوله - صلى الله عليه وسلم - أغنى الناس حملة القرآن من جعله الله تعالى في جوفه وأما في مرتبة اللفظ فلقوله تعالى ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) وأما في مرتبة الكتابة فلقوله تعالى ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) وقول الإمام أحمد لم يزل الله متكلما كيف شاء وإذا يشاء بلا كيف إشارة إلى مرتبتين فالأول إلى كلامه في مرتبة التجلي والتنزل إلى مظهر له كقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان الحديث والثاني إلى مرتبة الكلام النفسي إذ الكيف من توابع مراتب التنزلات والكلام النفسي في مرتبة الذات مجرد عن المادة فأرتفع الكيف بإرتفاعها ( فالحاصل ( لم يزل الله تعالى متكلما وموصوفا بالكلام من حيث تجلي ومن حيث لا فمن حيث تجليه في مظهر لكلامه كيف وإذا شاء لم يتكلم بما أقتضاه مظهر تجليه فيكون متكلما بلا كيف كما كان ولم يزل والأشعري إذا حققت الحال وجدته قائلا بأن الله تعالى كلاما بمعنى التكلم وكلاما بمعنى المتكلم به وأنه بالمعنى الثاني لم يزل متصفا بكونه أمرا ونهيا وخبرا فإنها أقسام المتكلم به وأن الكلام النفسي بالمعنى الثاني حروفه غير عارضة للصوت في الحق والخلق غير أنها في الحق كلمات غيبية مجردة عن المواد أصلا إذ كان الله تعالى ولم يكن شيء غيره وفي الخلق كلمات مخيلة ذهنية فهي في مادة خيالية فكلمات الكلام النفسي في جنابه(10/21)
تعالى كلمات حقيقية لكنها ألفاظ حكمية ولايشترط اللفظ الحقيقي في كون الكمة حقيقية إذ قد أطلق الفاروق الكلمة على أجزاء مقالته
المخيلة في خبر يوم السقيفة والأصل في الإطلاق الحقيقة فالأجزاء كلمات حقيقية لغوية مع أنها ليست ألفاظا كذلك إذ ليست حروفها عارضة لصوت واللفظ الحقيقي ما كانت حروفه عارضة وهو لكونه صورة اللفظ النفسي الحكمي دال عليه وهو دال في النفس على معناه بلا شبهة ولاإنفكاك فيصدق على اللفظ النفسي بمعناه أنه مدلول اللفظ الحقيقي ومعناه فتفسير المعنى النفسي المشهور عن الأشعري بمدلول اللفظ وحده كما نقله صاحب المواقف عن الجمهور لا ينافي تفسيره بمجموع اللفظ والمعنى كما فسره هو أيضا وذلك بأن يحمل اللفظ في قوله على النفسي وفي قول الجمهور على الحقيقي ولا شك حينئذ أن مجموع النفسي ومعناه من حيث المجموع يصدق عليه أنه مدلول اللفظ الحقيقي وحده لأن اللفظ الحقيقي لكونه صورة النفسي في مرتبة تنزله دال عليه ويدل على أن المراد المجموع قول إمام الحرمين في الأرشاد ذهب أهل الحق إلى إثبات الكلام القائم بالنفس وهو القول أي المقول الذي يدور في الخلد وهو اللفظ النفسي الدال على معناه بلا إنفكاك نعم عبارة صاحب المواقف غير واضحة في المقصود وله مقاة مفردة في ذلك ومحصولها كما قال السيد قدس سره أن لفظ المعنى يطلق تارة على مدلول اللفظ وأخرى على الأمر القائم بالغير فالشيخ لما قال الكلام النفسي هو المعنى النفسي فهم الأصحاب منه أن مراده مدلول اللفظ وحده وهو القديم عنده وأما البعرات فإنما تسمى كلاما مجازا لدلالته على ما هو كلام حقيقي حتى صرحوا بأن الألفاظ خاصة حادثة على مذهبه أيضا لكنها ليست كلامه حقيقة وهذا الذي فهموه من كلام الشيخ له لوازم كثيرة فاسدة كعدم إكفار من أنكر كلامية ما بين دفتي المصحف مع أنه علم من الدين ضرورة كونه كلام الله تعالى حقيقة وكعدم المعارضة والتحدي بكلام الله الحقيقي وكعدم كون(10/22)
المقروء والمحفوظ كلامه حقيقة إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتفطن في الأحكام الدينية فوجب حمل كلام الشيخ على أنه أراد به المعنى الثاني فيكون الكلام النفسي عنده أمرا شاملا للفظ والمعنى جميعا قائما بذات الله تعالى وهو مكتوب في المصاحف مقروء بالألسن محفوظ في الصدور وهو غير الكتابة والقراءة والحفظ الحادثة ( وما يقال ( من أن الحروف والألفاظ مترتبة متعاقبة فجوابه أنذلك الترتب إنما هو في التلفظ بسبب عدم مساعدة الآلة فالتلفظ حادث والأدلة الدالة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون حدوث الملفوظ جمعا ين الأدلة وهذا الذي ذكرناه وإن كان مخالفا لما عليه متأخر وأصحابنا إلا أنه بعد التأمل يعرف حقيقته إنتهى ( وإعتراضه ( الدواني بوجوه قال ( أما أو لا ( فلان مذهب الشيخ أن كلامه تعالى واحد وليس بأمر ولا نهي ولا خير وإنما يصير أحد هذه الأمور بحسب التعلق وهذه الأوصاف لا تنطبق على الكلام اللفظي وإنما يصح تطبيقه على المعنى المقابل للفظ بضرب من التكلف ( وأما ثانيا ( فلان كون الحروف والألفاظ قائمة بذاته تعالى من غير ترتب يفضي إلى كون الأصوات مع كونها أعراضا سيالة موجودة بوجود لا تكون فيه سيالة وهو سفسطة من قبيل أنيقال الحركة توجد في بعض الموضوعات من غير ترتب وتعاقب بين أجزائها ( وأما ثالثا ( فلأنه يؤدي إلى أن يكون الفرق بين ما يقوم بالقاريء من الألفاظ وبين ما يقوم بذاته تعالى بإجتماع الأجزاء وعدم إجتماعها بسبب قصور الآلة ( فنقول ( هذا الفرق إن أوجب إختلاف الحقيقة فلا يكون القائم بذاته من جنس الألفاظ وإن لم يوجب وكان مايقوم بالقاريء وما يقوم بذاته تعالى حقيقة واحدة والتفاوت بينهما إنما يكون بإجتماعه(10/23)
وعدمه اللذين هما من عوارض الحقيقة الواحدة كان بعض صفاته الحقيقية مجانسا لصفات المخلوقات ( وأما رابعا ( فلان لزوم ما ذكره من المفاسد وهم فإن تكفير من أنكر كون ما بين الدفتين كلام الله تعالى إنما هو إذا أعتقد أنه من مخترعات البشر أما إذا أعتقد أنه ليس كلام الله بمعنى أنه ليس بالحقيقة صفة قائمة بذاته بل هو دال على الصفة القائمة بذاته لا يجوز تفكيره أصلا كيف وهو مذهب أكثر الأشاعرة ما خلا المصنف وموافقيه وما علم من الدين من كون ما بين الدفتين كلام الله تعالى حقيقة إنما هو بمعنى كونه دالا على ما هو كلام الله تعالى حقيقة لا على أنه صفة قائمة بذاته تعالى وكيف يدعي أنه من ضروريات الدين مع أنه خلاف ما نقله عن الأصحاب وكيف يزعم أن هذا الجم الغفير من الأشاعرة أنكروا ما هو من ضروريات الدين حتى يلزم تكفيرهم حاشاهم عن ذلك ( وأما خامسا ( فلأن الأدلة الدالة على النسخ لا يمكن حملها على التلفظ بل ترجع إلى الملفوظ كيف وبعضها مما لا يتعلق النسخ بالتلفظ به كما نسخ حكمه بقى تلاوته إنتهى ( والجواب ( أما عن الأول فهو أن الحق عز أسمه له كلام بمعنى التكلم وكلام بمعنى المتكلم به وما هو أمر واحد المعنى الأول وهو صفة واحدة تتعدد تعلقاتها بحسب تعدد المتكلم به من الكتب والكلمات وأنها ليست من جنس الحروف والألفاظ أصلا لا الحقيقية ولا الحكمية وماذكر في الإعتراض ينطبق عليه بلا كلفة ( والدليل ( على أن المنعوت بهذه الأوصاف عند الشيخ هو المعنى الأول نقل الإمام أن الكلام الأزلي لم يزل متصفا بكونه أمرا نهيا خبرا ولا شك أن هذه أقسام المتكلم به وكل من كان قائلا بإنقسام الثاني كان المنعوت بالوحدة ذاتا والتعدد تعلقا المعنى الأول عنده جمعا بين الكلامين ( وأما ( عن الثاني فهو أن ذلك إنما يلزم إذا أريد من اللفظ الحقيقي وأما إذا أريد النفسي الحكمي فلا ورود له لأن الألفاظ النفسية كلها مجتمعة الأجزاء في الوجود العلمي مع(10/24)
كونها مترتبة كما ذكره هو نفسه وكلام صاحب المواقف محتمل للتأويل كما تقدم فليحمل عليه سعيا بالإصلاح مهما أمكن ( وأما ( الثالث فهو أن الإيراد مبني على ظن أن المراد باللفظ الحقيقي مع أنه محتمل لأن يراد النفسي كما يقتضيه ظاهر تشبيهه بالقائم بنفس الحافظ ( وأما ( الرابع فهو أن الكلام النفسي عند أهل الحق هو مجموع اللفظ النفسي والمعنى ولكن ظاهر كلام صاحب المواقف يدل على أنه فهم من ظاهر كلام بعض الأصحاب أن مرادهم بالمعنى هو المقابل للفظ مجردا عن اللفظ مطلقا وقد سمعهم يقولون إن الكلام اللفظي ليس كلامه تعالى حقيقة بل مجازا فإذا أنضم قولهم بنفي كونه كلاما حقيقة شرعية إلى قولهم في ظنه أن النفسي هو المعنى المقابل للفظ لزم من هذا ما هو في معنى القول بكون اللفظي من مخترعات البشر ولا يخفى إستلزامه للمفاسد ولكن لم يريدوا بالمجاز الشرعي فإن إطلاق كلام الله تعالى المسموع متواتر فلا يتأتى نفيه لأحد بل المراد أن الكلام إنما يتبادر منه ما هو وصف للمتكلم وقائم به قياما يقتضيه حقيقة الكلام وذات المتكلم في الحق والخلق على الوجه اللائق بكلوأما ما يتلى فهو حروف عارضة للصوت الحادث ولا شك أنه ليس قائما بذاته سبحانه من حيث هو هو بل هو صورة من صور كلامه القديم القائم به تعالى ومظهر تنزلاته فهو دال على الحقيقي القائم فسمى كلاما حقيقة شرعية لذلك وفيه إطلاق لأسم الحقيقة على الصورة فيكون مجازا من هذا الوجه وإلى هذا يشير كلام التفتازاني فلا يلزم شيء من المفاسد وإعتراض صاحب المواقف مبني على ظنه ( وأما الخامس ( فهو أن كلام صاحب المواقف ليس نصافي أن الضمير راجع إلى التلفظ بل يحتمل أن يكون راجعا إلى الملفوظ وذلك أنه قال المعنى الذي(10/25)
في النفس لا ترتب فيه كما هو قائم بنفس الحافظ ولا ترتب فيه وقد مر أن المراد به مجموع اللفظ النفسي والمعنى كما يقتضيه ظاهر التشبيه بالقائم بنفس الحافظ ولا شك أنه لا ترتب فيه أي لا تعاقب فيه في الوجود العلمي وحينئذ فقولهم نعم الترتب إنما يحصل في التلفظ معناه أن الترتب في المعنى النفسي الذي هو مجموع اللفظ النفسي والمعنى إنما يحصل في التلفظ الخارجي لضرورة عدم مساعدة الآلة فقوله وهو الذي هو حادث أي الملفوظ بالتلفظ الخارجي الذي هو الصورة حادث لا اللفظ النفسي وتحمل الأدلة التي تدل على الحدوث على حدوثه أي الملفوظ بالتلفظ الخارجي وعلى هذا لا ورود للإعتراض أصلا ( ومنهم ( من أعترض أيضا بأنهم أشتركوا في المعجزة أن تكون فعل الله تعالى أو ما يقوم مقامه كالنزول فلا يكون القرآن اللفظي الذي هو معجزة قديما صفة له تعالى ولا يخفى أن المعجزة هو القرآن في مرتبة تنزله إلى الألفاظ الحقيقة العربية فكونه لفظا حقيقيا عربيا مجعول بالنص فيكون معجزة بلا شبهة والقديم على ما حقق هو القرآن اللفظي النفسي الذي هو مجموع اللفظ النفسي والمعنى وهذا واضح لمن ساعدته العناية وقد شنع على الشيخ الأشعري في هذا المقام أقوام تشابهت قلوبهم واتحدت أغراضهم وإن أختلفت أساليبهم وها أنا بحوله تعالى راد لإعتراضاتهم بعد نقلها غير هياب ولا وكل وإن أتسع علم أهلها فالبعوضة قد تدمي مقلة الأسد وفضل الله تعالى ليس مقصورا على أحد ( فأقول ( قال تلميذ مولانا الدواني عفيف الدين الإيجي ما حاصله أن هذا الذي تدعيه إلا شاعرة من أن للكلام معنى آخر يسمى النفسي باطل فإنا إذ قلنا زيد قائم فهناك أربعة أشياء ( الأول ) العبارة الصادرة عنه ( والثاني ) مدلول هذه العبارة وما وضع له هذه الألفاظ من المعاني المقصودة بها ( الثالث ) علمه بثبوت تلك النسبة وإنتفائها ( الرابع ( ثبوت تلك النسبة وإنتفاؤها في الواقع والأخير أن ليسا كلاما إتفاقا والأول لا يمكن أن(10/26)
يكون كلام الله حقيقة على مذهبهم فبقى الثاني وكذا نقول في الأمر والنهي ههنا ثلاثة أمور ( الأول ) الإرادة والكراهة الحقيقية ( الثاني ) اللفظ الصادر عنه ( الثالث ) مفهوم لفظه ومعناه والأول ليس كلاما إتفاقا والثاني كذلك على مذهبهم فبقى الثالث وبه صرح أكثر محققيهم وكونه كلاما نفسيا ثابتا لله تعالى شأنه محكوما عليه بأحكام مختلفة باطل من وجه ( الأول ) أنه مخالف للعرف واللغة فإن الكلام فيهما ليس إلا المركب من الحروف ( الثاني ) أنه لا يوافق الشرع إذ قد ورد فيما لا يحصى كتابا وسنة أن الله تعالى ينادي عباده ولا ريب أن النداء لا يكون إلا بصوت بل قد صرح به في الأخبار الصحيحة وباب المجاز وإن لم يغلق بعد إلا أن حمل ما يزيد على نحو مائة ألف من الصرائح على خلاف معناه مما لا يقبله العقل السليم ( الثالث ) أن ما قالوه من كون هذا المعنى النفسي واحدا يخالف العقل فإنه لا شك أن مدلول اللفظ في الأمر يخالف مدلوله في النهي ومدلول الخبر يخالف مدلول الإنشاء بل مدلول أمر مخصوص غير مدلول أمر آخر وكذا في الخبرولا يرتاب عاقل أن مدلول اللفظ لا يمكن أن يكون غير القرآن وسائر الكتب السماوية فيلزم أن يكون كل واحد مشتملا على ما أشتمل عليه الآخر وليس كذلك وكيف يكون معنى واحد خبرا وإنشاء محتملا للتصديق والتكذيب وغير محتمل وهو جمع بين النفي والإثبات إنتهى
( ولا يخفى ( أن مبنى جميع إعتراضاته على فهمه أن مرادهم بالمعنى النفسي هو مدلول اللفظ وحده أي المعنى المجرد عن مقارنة اللفظ مطلقا ولو حكميا وقد عرفت أنه ليس كذلك بل المراد به مجموع اللفظ النفسي والمعنى وهو الذي يدور(10/27)
في الخلد وتدل عليه العبارات كما صرح به إمام الحرمين وعليه إذا قال القائل زيد قائم فهناك أربعة أشياء كما ذكر المعترض وشيء خامس تركه وهو المراد وهي هذه الجملة بشرط وجودها في الذهن بألفاظ مخيلة ذهنية دالة على معانيها في النفس وهذا يعنونه بالكلام النفسي فلا محذور ( ونقول ) على سبيل التفصيل ( أما الأول ) فجوابه أنه إنما تتم المخالفة إذا لم يكن عندهم مجموع اللفظ النفسي والمعنى فحيث كان لا مخالفة لأن الكلام حينئذ مركب من الحروف إلا أنها نفسية غيبية في الحق خيالية في الخلق ( وأما الثاني ) فجوابه أن هذا الذي لا يحصى ليس فيه سوى أن الحق سبحانه وتعالى متكلم بكلام حروفه عارضة للصوت لا أنه لا يتكلم إلا به فلا ينتهض ما ذكر حجة على الشيخ بل إذا أمعنت النظر رأيت ذلك حجة له حيث بين أن الله تعالى لا يتكلم بالوحي لفظا حقيقيا إلا على طبق ما في علمه وكلما كان كذلك كان الكلام اللفظي صورة من صور الكلام النفسي ودليلا من أدلة ثبوتها ( والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ) ( وأما الثالث ( فجوابه أن المنعوت بأنه واحد بالذات تتعدد تعلقاته هو الكلام بمعنى صفة المتكلم ووحدته مما لا شك لعاقل فيها وأما الكلام النفسي بمعنى المتكلم به فليس عنده واحدا بل نص في الإبانة على إنقسامه إلى الخبر والأمر والنهي في الأزل فلا إعتراض وقال النجم سليمان الطوفي إنما كان الكلام حقيقة في العبارة مجازا في مدلولها لوجهين ( أحدهما ) أن المتبادر إلى فهم أهل اللغة من إطلاق الكلام إنما هو العبارة والمبادرة دليل الحقيقة ( الثاني ) أن الكلام مشتق من الكلم لتأثيره في نفس السامع والمؤثر فيها إنما هو العبارات لا المعاني النفسية بالفعل نعم هي مؤثرة للفائدة بالقوة والعبارة مؤثرة بالفعل فكانت أولى بأن تكون حقيقة والأخرى مجازا وقال المخالفون أستعمل لغة في النفسي والعبارة ( قلنا ) نعم لكن بالإشتراك أو بالحقيقة فيما ذكرناه وبالمجاز فيما(10/28)
ذكرتموه والأول ممن قالوا الأصل في الأطلاق الحقيقة قلنا والأصل عدم الإشتراكثم أن لفظ الكلام أكثر ما يستعمل في العبارات والكثرة دليل الحقيقة وأما قوله تعالى ( يقولون في أنفسهم ) فمجاز دل على المعنى النفسي بقرينة ( في أنفسهم ) ولو أطلق لما فهم إلا العبارة وأما قوله تعالى ( وأسروا قولكم ) الآية فلا حجة فيه لأن الأسرار خلاف الجهر وكلاهما عبارة عن أن يكون أرفع صوتا من الآخر وأما بيت الأخطل فالمشهور أن البيان وبتقدير أن يكون الكلام فهو مجاز عن مادته وهو التصورات المصححة له إذ من لم يتصور ما يقول لا يوجد كلاما ثم هو مبالغة من هذا الشاعر بترجيح الفؤاد على اللسان إنتهى وفيه ما لا يخفى أما أو لا فلأن ماأدعاه من التبادر إنما هو لكثرة إستعماله في اللفظي لمسيس الحاجة إليه لا لكونه الموضوع له خاصة بدليل إستعماله لغة وعرفا في النفسي والأصل في الإطلاق الحقيقة وقوله والأصل عدم الإشتراك قلنا نعم إن أردت به الإشتراك اللفظي ونحن لا ندعيه وإنما ندعي الإشتراك المعنوي وذلك أن الكلام في اللغة بنقل النحويين ما يتكلم به قليلا كان أو كثيرا حقيقة أو حكما ( وأما ثانيا ) فلأن ما أدعاه من أن المؤثر في نفس السامع إنما هو العبارات لا المعاني النفسية الأمر فيه بالعكس بدليل أن الإنسان إذا سمع كلاما لا يفهم معناه لا تؤثر ألفاظه في نفسه شيئا وقد يتذكر الإنسان في حالة سروه كلاما يحزنه ( وفي حالة حزنه كلاما يسره فيتأثر بهما ولا صوت ولا حرف هناك وإنما هي حروف وكلمات مخيلة نفسية وهو الذي عناه الشيخ بالكلام النفسي وعلى هذا فالسامع في قولهم لتأثيره في نفس السامع ليس بقيد والتأثير في النفس مطلقا معتبر في وجه التسمية ( وأما ثالثا ) فلأن ما قاله في قوله تعالى ( يقولون في أنفسهم ) من أنه مجاز دل على المعنى النفسي فيه بقرينة ( في أنفسهم ) ولو اطلق لما فهم إلا العبارة يرده قوله تعالى ( يقولون بأفواههم ) وفي آية ( بألسنتهم(10/29)
ما ليس في قلوبهم ) إذ لو كان مجرد ذكر ( في أنفسهم ) قرينة على كون القول مجازا في النفسي لكان ذكر ( بأفواههم وبألسنتهم ) قرينة على كونه مجازا في العبارة واللازم باطل فكذا الملزومنعم التقييد دليل على
أن القول مشترك معنى بين النفسي واللفظي وعين به المراد من فرديه فهو لنا لا علينا ( وأما رابعا ) فلأن ما ذكره في قوله تعالى ( وأسروا ) الآية تحكم بحت لأن السر كما قال الزمخشري ما حدث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال ويساعده الكتاب والأثر واللغة كما لا يخفى على المتتبع ( وأما خامسا ) فلأن ما ذكره في بيت الأخطل خطل من وجوه ( أما أولا ) فعلى تقدير أن يكون المشهور البيان بدل الكلام يكفينا في البيان لأنه إما أسم مصدر بمعنى ما يبين به أو مصدر بمعنى التبيين وعلى الأول هو بمعنى الكلام ولا فرق بينهما إلا في اللفظ وعلى الثاني هو مستلزم للكلام النفسي بمعنى المتكلم به إن كان المراد به التبيين القلبي أعني ترتيب القلب للكلمات الذهنية على وجه إذا عبر عنها باللسان فهم غيره ما قصده منها ( وأما ثانيا ) فلأن قوله وبتقدير أن يكون إلخ إقرار بالكلام النفسي من غير شعور ( وأما ثالثا ( فلأن دعوى المجاز تحكم مع كون الأصل في الإطلاق الحقيقة ( وأما رباعا ) فلأن دعوى أن ذلك مبالغة من هذا الشاعر خلاف الواقع بل هو تحقيق من غير مبالغة كما يفهم مما سلف فما ذكره هذا الشاعر كلمة حكمة سواء نطق بها على بينة من الأمر أو كانت منه رمية من غير رام فإن معناه موجود في حديث أبي سعيد العينان دليلان والأذنان قمعان واللسان ترجمان إلى أن قالوالقلب ملك فإذا صلح الحديث وفي حديث أبي هريرة القلب ملك وله جنود إلى أن قالوا للسان ترجمان الحديث فما قيل إن هذا الشاعر نصراني عدو الله تعالى ورسوله فيجب أطراح كلام الله تعالى ورسوله تصحيحا لكلامه أو حمله على المجاز صيانة لكلمة هذا الشاعر عنه وأيضا يحتاجون إلى إثبات هذا الشعر والشهرة غير(10/30)
كافية فقد فتش إبن الخشاب دواوين الأخطل العتيقة فلم يجد فيها البيت إنتهى كلام أوهن وأوهى من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت ( أما أو لا ) فلأن كلام هذا العدو موافق لكلام الحبيب حتى لكلام المنكرين للكلام النفسي حيث أعترفوا به في عين إنكارهم ( وأما ثانيا ) فلأنا أغنانا الله تعالى ورسوله من فضله عن إثبات هذا الشعر ( وأما ثالثا ) فلأن عدم وجدان إبن الخشاب لا يدل على إنتفائه بالكلية كما لا يخفى والحاصل أن الناس أكثروا القال والقيل في حق هذا الشيخ الجليل وكل ذلك من باب وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم نعم البحث دقيق لا يرشد إليه إلا توفيق كم أسهر أناسا وأكثر وسواسا وأثار فتنة وأورث محنة وسجن أقواما وأم إماما مرام شط مرمى العقل فيه ودون مداه بيد لا تبيد ولكن بفضل الله تعالى قد أتينا فيه بلب اللباب وخلاصة ما ذكره الأصحاب وقد أندفع به كثير مما أشكل على الأقوام وخفى على إفهام ذوي الأفهام ولا حاجة معه إلى ما قاله المولى المرحوم غنى زاده في التخلص عن هاتيك الشبه مما نصه ثم أعلم أني بعدما حررت البحث بعثني فرط الإنصاف إلى أنه لاينبغي لذي الفطرة السليمة أن يدعي قدم اللفظ لإحتياجه إلى هذه التكلفات وكذا كون الكلام عبارة عن المعنى القديم لركاكة توصيف الذات به كيف ومعنى قصة نوح مثلا ليس بشيء يمكن إتصاف الذات به إلا بتمحل بعيد فالحق الذي لا محيد عنه هو أن المعاني كلها موجودة في العلم الأزلي بوجود علمي قديم لكن لما كان في ماهية بعضها داعية البروز في الخارج بوجود لفظي حادث حسبما يستدعيه حدوث فيما لا يزال أقتضى أزليا إبراز ذلك البعض في الخارج بذلك الوجود الحادث فيما لا يزال فهذا الإقتضاء صفة للذات هو بها في الأزل مسماة بالكلام(10/31)
النفسي وأثره الذي هو ظهور المعنى القديم باللفظ الحادث إنما يكون فيما لا يزال والمغايرة بينه وبين صفة العلم ظاهرة وهذا هو غاية الغايات في هذا الباب والحمد لله على ما خصني بفهمه من بين أرباب الألباب إنتهى وفيه أنه غاية الغايات في الجسارة على رب الأرباب وإحداث صفة قديمة ما أنزل الله تعالى بها من كتاب إذ لم يرد في كتاب الله تعالى ولا في سنة نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم ولا روى عن صحابي ولا تابعي تسمية ذلك الإقتضاء كلاما بل لا يقتضيه عقل ولا نقل على أنه لا يحتاج إليه عند من أخذت العناية بيديه هذا وإذا سمعت ما تلوناه ووعيت ما حققناه فأسمع الآن تحقيق الحق في كيفية سماع موسى عليه السلام كلام الحق ( فأقول ) الذي إنتهى إليه كلام أئمة الدين كالماتريدي والأشعري وغيرهما من المحققين أن موسى عليه السلام سمع كلام الله تعالى بحرف وصوت كما تدل عليه النصوص التي بلغت في الكثرة مبلغا لا ينبغي معه تأويل ولا يناسب في مقابلته قال وقيل فقد قال تعالى ( وناديناه من جانب الطور الأيمن ) ( وإذ نادى ربك موسى ) ( نودي من شاطيء الوادي الأين ) ( إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى ) ( نودي أن بورك من في النار ومن حولها ) واللائق بمقتضى اللغة والأحاديث أن يفسر النداء بالصوت بل قد ورد إثبات الصوت لله تعالى شأنه في أحاديث لا تحصى وأخبار لا تستقصي
((10/32)
روى ( البخاري في الصحيح يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعدكما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان ومن علم أن لله تعالى الحكيم أن يتجلى بما شاء وكيف شاء وأنه منزه في تجليه قريب في تعاليه لا تقيده المظاهر عند أرباب الأذواق إذ له الإطلاق الحقيقي حتى عن قيد الإطلاق زالت عنه إشكالات وأتضحت لديه متشابهات ومما يدل على ثبوت التجلي في المظهر لله تعالى قول إبن عباس ترجمان القرآن في قوله تعالى ( أن بورك من في النار ) كما في الدر المنثور يعني تبارك وتعالى نفسه كان نور رب العالمين في الشجرة وفي رواية عنه كان الله في النور ونودي من النور وفي صحيح مسلم حجابه النور وفي رواية له حجابه النار ودفع الله سبحانه توهم التقييد بما ينافي التنزيه بقوله ( وسبحان الله ) أي عن التقييد بالصورة والمكان والجهة وإن ناداك منها لكونه موصوفا بصفة رب العالمين فلا يكون ظهوره مقيدا له بل هو المنزه عن التقييد حين الظهور ( ياموسى إنه ) أي المنادي المتجلي ( أنا الله العزيز ) فلا أتقيد لعزتي ولكني ( الحكيم ) فأقتضت حكمتي الظهور والتجلي في صورة مطلوبك فالمسموع على هذا صوت وحرف سمعهما موسى عليه السلام من الله تعالى المتجلي بنوره في مظهر النار لما أقتضته الحكمة فهو عليه السلام كليم الله تعالى بلا واسطة لكن من وراء حجاب مظهر النار وهو عين تجلي الحق تعالى له وأما ما شاع عن الأشعري من القول بسماع الكلام النفسي القائم بذات الله تعالى فهو من باب التجويز والإمكان لا أن موسى عليه السلام سمع ذلك بالفعل إذ هو خلاف البرهان ومما يدل على جواز سماع الكلام النفسي بطريق خرق العادة قوله تعالى في الحديث القدسي ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به الحديث ومن الواضح أن الله تبارك وتعالى إذا كان بتجليه النوري المتعلق بالحروف غيبية كانت أو خيالية(10/33)
أو حسية سمع العبد على الوجه اللائق المجامع ل ( ليس كمثله شيء ) عند من يتحقق معنى الإطلاق الحقيقي صح أن يتعلق سمع العبد بكلام ليس حروفه عارضة لصوت لأنه بالله يسمع إذ ذاك والله سبحانه يسمع السر والنجوى والإمام الماتريدي أيضا يجوز سماع ما ليس بصوت على وجه خرق العادة كما يدل عليه كلام صاحب التبصرة في كتاب التوحيد فما نقله إبن الهمام عنه من القول بالإستحالة فمراده الإستحالة العادية فلا خلاف بين الشيخين عند التحقيق ومعنى قول الأشعري أن كلام الله تعالى القائم بذاته يسمع عند تلاوة كل تال وقراءة كل قاريء أن المسموع أو لا وبالذات عند التلاوة إنما هو الكلام اللفظي الذي حروفه عارضة لصوت القاريء بلا شك لكن الكلمات اللفظية صور الكلمات الغيبية القائمة بذات الحق فالكلام النفسي مسموع بعين سماع الكلام اللفظي لأنه صورته لا من حيث الكلمات الغيبية فإنها لا تسمع إلا على طريق خرق العادة ( وقول ( الباقلاني إنما تسمع التلاوة دون المتلو والقراءة دون المقروء يمكن حمله على أنه أراد إنما يسمع أو لا وبالذات التلاوة أي المتلو اللفظي الذي حروفه عارضة لصوت التالي لا النفسي الذي حروفه غيبية مجردة عن المواد الحسية والخيالية فلا نزاع في التحقيق أيضا(10/34)
والفرق بين سماع موسى عليه السلام كلام الله تعالى وسماعنا له على هذا أن موسى عليه السلام سمع من الله عزوجل بلا واسطة لكن من وراء حجاب ونحن إنما نسمعه من العبد التالي بعين سماع الكلام اللفظي المتلو بلسانه العارض حروفه لصوته لا من الله تعالى من وراء حجاب العبد فلا يكون سماعا من الله تعالى بلا واسطة وهذا واضح عند من له قدم راسخة في العرفان وظاهر عند من قال بالمظاهر مع تنزيه الملك الديان وأنت إذا أمنعت النظر في قول أهل السنة القرآن كلام الله عزوجل غير مخلوق وهو مقروء بألسنتنا مسموع بآذاننا محفوظ في صدورنا مكتوب في مصاحفنا غير حال في شيء منها رأيته قولا بالمظاهر ودالا على أن تنزل القرآن القديم القائم بذات الله تعالى فيها غير قادح في قدمه لكونه غير حال في شيء منها مع كون كل منها قرآنا حقيقة شرعية بلا شبهة وهذا عين الدليل على أن تجلي القديم في مظهر حادث لا ينافي قدمه وتنزيهه وليس من باب الحلول ولا التجسيم ولا قيام الحوادث بالقديم ولا ما يشأ كل ذاك من شبهات تعرض لمن لا رسوخ له في هاتيك المسالك وعنه يظهر معنى ظهور القرآن في صورة الرجل الشاحب يلقى صاحبه حين ينشق عنه القبر وظهوره خصما لمن حمله فخالف أمره وخصما دون من حمله فحفظ الأمر بل من أحاط خبرا بأطراف ما ذكرناه وطاف فكره المتجرد عن مخبط الهوى في كعبة حرم ما حققناه أندفع عنه كل إشكال في هذا الباب ورأى أن تشنيع إبن تيمية وإبن القيم وإبن قدامة وإبن قاضي الجبل والطوفي وأبي نصر وأمثالهم صرير باب أو طنين ذباب وهم وإن كانوا فضلاء محققين وأجلاء مدققين(10/35)
لكنهم كثيرا ما أنحرفت أفكارهم وأختلطت أنظارهم فوقعوا في علماء الأمة وأكابر الأئمة وبالغوا في التعنيف والتشنيع وتجاوزوا في التسخيف والتفظيع ولولا الخروج عن الصدد لوفيتهم الكيل صاعا بصاع ولتقدمت إليهم بما قدموا باعا بباع ولعلمتهم كيف يكون الهجاء بحروف الهجاء ولعرفتهم اإلام ينتهي المراء بلا مراء في فرس للحم بالحلم ملجم ولي فرس للجهل بالجهل مسرج فمن رام تقويمي فإني مقوم ومن رام تعويجي فإني معوج على أن العفو أقرب للتقوى والأغضاء مبني الفتوة وعليه الفتوى والسادة الذين تكلم فيهم هؤلاء إذا مروا باللغو مروا كراما وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما وحيث تحرر الكلام في الكلام على مذهب أهل السنة وأندفع عنه بفضل الله تعالى كل محنة ومهة فلا بأس بأن نحكي بعض الأقوال كما حكى الله تعالى كثيرا من أقوال ذوي الضلال وبعد أن رسخ الحق في قلبك وتغلغل في سويدائه كلام ربك لا أخشى عليك من سماع باطل لا يزيدك إلا حقا وكاذب لا يورثك إلا صدقا ( فنقول ( أما المعتزلة فأتفقوا كافة على أن معنى كونه تعالى متكلما أنه خالق الكلام على وجه لا يعود إليه منه صفة حقيقية كما لا يعود إليه من خلق الأجسام وغيرها صفة حقيقية وأتفقوا أيضا على أن كلام الرب تعالى مركب من الحروف والأصوات وأنه محدث مخلوق ثم أختلفوا فذهب الجبائي وإبنه أبو هاشم إلى أنه حادث في محل ثم زعم الجبائي أن الله تعالى يحدث عند قراءة كل قاريء كلاما لنفسه في محل القراءة وخالفه الباقون وذهب أبو الهذيل بن العلاف وأصحابه إلى أن بعضه في محل وهو قوله كن وبعضه لا في محل كالأمر والنهي والخبر والإستخبار وذهب الحسن بن محمد النجار إلى أن كلام الباري إذا قريء فهو عرض وإذا كتب فهو جسم وذهبت الإمامية والخوارج والحشوية إلى ان كلام الرب تعالى مركب من الحروف والأصوات ثم اختلف هؤلاء فذهب الحشوية إلى أنه قديم أن لي قائم بذات الرب تعالى لكن منهم من زعم أنه من جنس كلام البشر(10/36)
وبعضهم قال لا بل الحرف حرفان والصوت صوتان قديم وحادث والقديم منهما ليس من جنس الحادث وأما الكرامية فقالوا إن الكلام قد يطلق على القدرة على التكلم وقد يطلق على الأقوال والعبارات وعلى كلا التقديرين فهو قائم بذات الله تعالى لكن إن كان بالإعتبار الأول فهو قديم متحد لا كثرة فيه وإن كان بالإعتبار الثاني فهو حادث متكثر وأما الواقفية فقد أجمعوا على أن كلام الرب تعالى كائن بعد أن لم يكن لكن منهم من توقف في إطلاق أسم القديم والمخلوق عليه ومنهم من توقف في إطلاق أسم المخلوق وأطلق أسم الحادث ومن القائلين بالحدوث من قال ليس جوهرا ولا عرضا وذهب بعض المعترفين بالصانع إلى أنه لا يوصف بكونه متكلما لا بكلام ولا بغير كلام والذي اوقع الناس في حيص بيص أنهم رأوا قياسين متعارضي النتيجة وهما كلام الله تعالى صفة له وكل ما هو صفة له فهو قديم فكلام الله تعالى قديم وكلام الله تعالى مركب من حروف مرتبة متعاقبة في الوجود وكل ما هو كذلك فهو حادث فكلام الله تعالى حادث فقوم ذهبوا إلى أن كلامه تعالى حروف وأصوات وهي قديمة ومنعوا أن كل ما هو مؤلف من حروف وأصوات فهو حادث ونسب إليهم أشياء هم برآء منها وآخرون قالوا بحدوث كلامه تعالى وأنه مؤلف من أصوات وحروف وهو قائم بغيره ومعنى كونه متكلما عندهم أنه موجد لتلك الحروف والأصوات في جسم كاللوح أو ملك كجبريل أو غير ذلك فهم منعوا أن المؤلف من الحروف والأصوات صفة الله تعالى وأناس لما رأوا مخالفة الأولين للضرورة الظاهرة(10/37)
التي هي أشنع من مخالفة الدليل ومخالفة الآخرين فيما ذهبوا إليه للعرف واللغة ذهبوا إلى أن كلامه تعالى صفة له مؤلفة من الحروف والأصوات الحادثة القائمة بذاته تعالى فهم منعوا أن كل ما هو صفة له تعالى فهو قديم وجمع قالوا كلامه تعالى معنى واحد بسيط قائم بذاته تعالى فهم منعوا أن كلامه تعالى مؤلف من الحروف والأصوات وكثر في حقهم القال والقيل والنزاع الطويل وبعضهم تحير فوقف وحبس ذهنه في مسجد الدهشة وأعتكف وعندى القياسان صحيحان والنتيجتان صادقتان ولكل مقام مقال ولكل كلام أحوال ولا أظنك تحوجني إلى اتفصيل بعد ما وعاه فكرك الجميل بل ولا تكلفني رد هذه الأقوال اشنيعة التي هي لديك إذا أخذت العناية بيديك كسراب بقيعة فليطر شحرور القلم إلى روضة أخرى وليغرد بها بفائدة لعلها أولى من الإطالة وأحرى والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب لا رب غيره
((10/38)
الفائدة الخامسة ( في بيان المراد بالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن أقول روى أحد وعشرون صحابيا حديث نزول القرآن على سبعة أحرف حتى نص أبو عبيدة على تواتره وفي مسند أبي يعلى أن عثمان رضي الله عنه قال على المنبر أذكر الله رجلا سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف لما قام فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا بذلك فقال وأنا أشهد معهم وأختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) أنه من المشكل الذي لا يدري لإشتراك الحرف وفيه أن مجرد الإشتراك لا يستدعي ذلك اللهم إلا أن يكون بالنظر إلى هذا القائل ( ثانيها ) أن المراد التكثير لا حقيقة العدد وقد جروا على تكثير الآحاد بالسبعة والعشرات بالسبعين والمآت بسبعمائة وسر التسبيع لا يخفى وإليه جنح عياض وفيه مع عدم ظهور معناه أن حديث أبي كما رواه النسائي أن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل أقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل أستزده حتى بلغ سبعة أحرف ونحوه من الأحاديث لا سيما حديث أبي بكرة الذي في آخره فنظرت إلى ميكائيل فسكت فعلمت أنه قد إنتهت العدة أقوى دليل على إرادة الإنحصار بل في جمع القلة نوع إشارة إلى عدم الكثرة كما لا يخفى ( ثالثها ( إن المراد بها سبع قرآت وفيه أن ذلك لا يوجد في كلمة واحدة إلا نادر والقول أن كلمة تقرأ بوجه أو وجهين إلى سبع يشكل عليه ما قريء على أكثر اللهم إلا أن يقال ورد ذلك مورد الغالب وفيه مالا يخفى حتى قال السيوطي قد ظن كثير من القوم أن المراد بها القرآت السبعة وهو جهل قبيح فتدبر ( رابعها ( أن المراد بها سبعة أوجه من المعاني المتفقة على ألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال وهلم وعجل وأسرع وإليه ذهب إبن عيينة وجمع وأيد برواية حتى بلغ سبعة أحرف قال كلها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب وبما حكى أن إبن مسعود أقرأ رجلا ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) فقال الرجل(10/39)
طعام الأثيم فردها عليه فلم يستقم بها لسانه فقال أتستطيع أن تقول الفاجر قال نعم قال فأفعل وفيه أن ذلك كان رخصة لعسر تلاوته بلفظ واحد على الأميين ثم نسخ والإ لجازت روايته بالمعنى ولذهب التعبد بلفظه ولا تسع الخرق ولفات كثير من الأسرار والأحكام وهذا يستدعي نسخ الحديث وفيه بعد بل لا قائل به ( خامسها ( أن المراد بها كيفية النطق بالتلاوة من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإشباع ومد وقصر وتشديد وتخفيف وتليين وتحقيق وفيه أن ذلك ليس من الإختلاف(10/40)
الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى واللفظ الواحد بهذه الصفات باق على وحدته فليس فيه حينئذ جليل فائدة ( سادسها ( أن المراد سبعة أصناف وعليه كثيرون ثم أختلفوا في تعيينها فقيل محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ وخصوص وعموم وقصص وقيل إظهار الربوبية وإثبات الوحدانية وتعظيم الألوهية والتعبد لله ومجانبة الإشراك والترغيب في الثواب والترهيب من العقاب وقيل أمر ونهي ووعد ووعيد وإباحة وإرشاد وإعتبار وقيل غير ذلك والكل محتمل بل وأضعاف أمثاله إلا أنه لا مستند له ولا وجه للتخصيص ( سابعها ( أن المراد سبع لغات وإليه ذهب ثعلب وأبو عبيد والأزهري وآخرون وأختاره إبن عطية وصححه البيهقي وأعترض بأن لغات العرب أكثر وأجيب بأن المراد أفصحها وهي لغة قريش وهذيل وتميم والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن كبر وأستنكره إبن قتيبة قائلا لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش بدليل ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) وعليه يلتزم كون السبع في بطون قريش وبه جزم أبو علي الأهوازي وليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل أنها مفرقة فيه ولعل بعضها أسعد من بعض وأكثر نصيبا وقيل السبع في مضر خاصة لقول عمر رضي الله عنه نزل القرآن بلغة مضر وقال بعضهم إنهم هذيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسيد بن خزيمة وقريش وقيل أنزل أولا بلسان قريش ومن جاورهم من الفصحاء ثم أبيح للعرب أن تقرأه بلغاتها دفعا للمشقة ولما كان فيهم من الحمية ولم يقع ذلك بالتشهي بل المرعى فيه السماع من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكيفية نزول القرآن على هذه السبع أن جبريل عليه السلام كان يأتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في كل عرضة بحرف إلى أن تمت قال السيوطي بعد نقل هذا القول وذكر ماله وما عليه وبعد هذا كله هو مردود بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهشام بن حكيم كلاهما قرشي من لغة واحدة وقبيلة واحدة وقد أختلفت قراءتهما ومحال أن ينكر عليه عمر لغته فدل على أن المراد بالأحرف(10/41)
السبعة غير اللغات إنتهى وياليت شعري أدعى أحد من المسلمين أن معنى إنزال القرآن على هذه السبع من لغات هؤلاء العرب أنه أنزل كيفما كان وأنهم هم الذين هذبوه بلغاتهم ورشحوه بكلماتهم بعد الأذن لهم بذلك فإذا لا تختلف أهل قبيلة واحدة في كلمة ولا يتنازع إثنان منهم فيها أبدا أم أن الله تعالى شأنه ظهر كلامه في مرايا هذه اللغات على حسب ما فيها من المزايا والنكات فنزل بها وحيه وأداها نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم ووعاها أصحابه فكم صحابي هو من قبيلة وعى كلمة نزلت بلغة قبيلة أخرى وكلاهما من السبع وليس له أن يغير ما وعى بل كثيرا ما يختلف صحابيان من قبيلة في الرواية عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكل من روايتيهما على غير لغتهما كل ذلك إتباعا لما أنزل الله تعالى وتسليما لما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ينفي صحابي غير روايته وبنكر رواية غيره وكل ذلك يدل على أن مرجع السبع الرواية لا الدراية فرد الإمام السيوطي لا أدري ماذا أرد منه وما الذي أسكت عنه فها هوبين يديك فأعمل ما شئت فيه وسلام الله تعالى عليك ومما ذكرناه علمت أن القلب يميل إلى هذا السابع فأفهم وقد حققنا بعض الكلام في هذا المقام في كتابنا الإجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية فأرجع إليه إن أردته والله سبحانه وتعالى أعلم ( الفائدة السادسة ( في جمع القرآن وترتيبه أعلم أن القرآن جمع أولا بحضرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقد أخرج الحاكم بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال كنا عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم نؤلف القرآن في الرقاع وثانيا بحضرة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقد أخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت أيضا قال أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب(10/42)
عنده فقال أبو بكر إن عمر أتاني فقال إن القتل قد أستحر بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت لعمر كيف نفعل شيئا يفعله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال عمر هذا والله خير فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت الذي رأى عمر قال زيد قال أبو بكر إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فنتبع القرآن فأجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان اثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره ( لقد جاءكم رسول ) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله تعالى ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر وأخرج إبن أبي داؤد بسند رجاله ثقات مع إنقطاع أن أبا بكر قال لعمر وزيد مع أنه كان حافظا أقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فأكتباه ولعل الغرض من الشاهدين أن يشهدا على أن ذلك كتب بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أو على أنه مما عرض عليه صلى الله تعالى عليه وسلم عام وفاته وإنما أكتفوا في آية التوبة بشهادة خزيمة لأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين والقول بأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتابة مما لا حجار له وما شاع أن عليا كرم الله وجهه لما توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تخلف لجمعه فبعض طرقه ضعيف وبعضها موضوع وما صح فمحمول كما قيل على الجمع في الصدر وقيل كان جمعا بصورة أخرى لغرض آخر ويؤيده أنه قد كتب فيه الناسخ والمنسوخ فهو ككتاب علم وقد أخرج إبن أبي(10/43)
داؤد بسند حسن عن عبد خير قال سمعت عليا يقول أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رضي الله تعالى عنه رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله أي على الوجه الذي تقدم فلا ينافي ما في مختصر القرماني أن أول من جمعه عمر رضي الله تعالى عنه وما روى عن أبي بريدة أنه قال أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه فهو مع غرابته وإنقطاعه محمول على أنه أحد الجامعين بأمر أبي بكر رضي الله تعالى عنه قاله الإمام السيوطي وهي عثرة منه لا يقال لصاحبها لعا لأن سالما هذا قتل في وقعة اليمامة كما يدل عليه كلام الحافظ إبن حجر في إصابته ونص عليه السيوطي نفسه في إتقانه بعد هذا المبحث بأوراق ولا شك أن الأمر بالجمع وقع من الصديق بعد تلك الوقعة وهي التي كانت سببا له كما يدل عليه حديث البخاري الذي قدمناه فسبحان من لا ينسى وما أشتهر أن جامعه عثمان فهو على ظاهره باطل لأنه رضي الله تعالى عنه إنما حمل الناس في سنة خمس وعشرين على القراءة(10/44)
بوجه واحد بإختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشى الفتنة من إختلاف أهل العراق والشام في حروف القرآت فقد روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليماني قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وآرذبيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة إختلافهم في القراءة فقال لعثمان أدرك الأمة قبل أن يختلفوا إختلاف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصة أنأرسلي إلينا بالصحف ننسخها ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحرث بن هشام فنسخوها في المصاحفوقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا أختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فأكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآت في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق قال زيد ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ بها فألتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) ألحقناها في سورتها في المصحف وقد أرتضى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى أن المرتضى كرم الله تعالى وجهه قال على ما أخرج إبن أبي داؤد بسند صحيح عن سويد بن غفلة عنه لا تقولوا في عثمان إلا خيرا فوالله ما فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا وفي رواية لو وليت لعملت بالمصحف الذي عمله عثمان وما نقل عن إبن مسعود أنه قال لما أحرق مصحفه لو ملكت كما ملكوا لصنعت بمصحفهم كما صنعوا بمصحفي كذب كسوء معاملة عثمان معه التي يزعمها الشيعة حين أخذ المصحف منه وهذا الذي ذكرناه من فعل عثمان هو ما ذكرناه غير واحد من المحققين حتى صرحوا بأن عثمان لم يصنع شيئا فيما جمعه أبو بكر من زيادة أو نقص أو تغيير ترتيب سوى أنه جمع الناس على(10/45)
القراءة بلغة قريش محتجا بأن القرآن نزل بلغتهم
ويشكل عليه ما مر آنفا من قول زيد ففقدت آية من الأحزاب إلخ فإنه بظاهره يستدعي أن في المصاحف العثمانية زيادة لم تكن في هاتيك الصحف والأمر في ذلك هين إذ مثل هذا الزيادة اليسيرة لا توجب مغايرة يعبأ بها ولعلها تشبه مسألة التضاريس ولو كان هناك غيرها لذكر وليس فليس ولا تقدح أيضا في الجمع السابق إذ يحتمل أن يكون سقوطها منه من باب الغفلة وكثيرا ما تعتري السارحين في رياض حظائر قدس كلام رب العالمين فيذكرهم سبحانه بما غفلوا فيتداركون ما أغفلوا وزيد هذا كان في الجمعين ولعله الفرد المعول عليه في البين لكن عراه في أولهما ما عراه وفي ثانيها ذكره من تكفل بحفظ الذكر فتدارك ما نساه وبعد إنتشار هذه المصاحف بين هذه الأمة المحفوظة لا سيما الصدر الأول الذي حوى من الأكابر ما حوى وتصدر فيه للخلافة الراشدة على المرتضى وهو باب مدينة العلم لكل عالم والأسد الأشد الذي لا تأخذه في الله لومة لائم لا يبقى في ذهن مؤمن إحتمال سقوط شيء بعد من القرآن وإلا لوقع الشك في كثير من ضروريات هذا الدين الواضح البرهان وزعمت الشيعة أن عثمان بل أبا بكر وعمر أيضا حرفوه وأسقطوا كثيرا من آياته وسوره فقد روى الكليني منهم عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله أن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -(10/46)
سبعة عشر ألف آية وروى محمد بن نصر عنه أنه قال كان ( في لم يكن ) أسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم وروى عن سالم بن سليمة قال قرأ رجل على أبي عبداللهوأنا أسمعه حروفا من القرآن ليس ما يقرأها الناس فقال أبو عبدالله مه عن ذه القرآءات وأقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم فأقرأ كتاب الله على حده وروى عن محمد بن جهم الهلالي وغيره عن أبي عبدالله ( أن أمة هي أربى من أمة ) ليس كلام الله بل محرف عن موضعه والمنزل أئمة هي أزكى من أئمتكم وذكر إبن شهر أشب المازندراني في كتاب المثالب له أن سورة الولاية أسقطت بتمامها وكذا أكثر سورة الأحزاب فإنها كانت مثل سورة الأنعام فأسقطوا منها فضائل أهل البيت وكذا أسقطوا لفظ ويلك من قبل لا تحزن أن الله معنا وعن ولاية على من بعد وقفوهم إنهم مسئولون وبعلي بن أبي طالب من بعد وكفى الله المؤمنين القتال وآل محمد من بعد وسيعلم الذين ظلموا إلى غير ذلك فالقرآن الذي بأيدي المسلمين اليوم شرقا وغربا وهو لكرة الإسلام ودائرة الأحكام مركزا أو قطبا أشد تحريفا عند هؤلاء من التوراة والإنجيل واضعف تأليفا منهما وأجمع للأباطيل وأنت تعلم أن هذا القول أو هي من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت ولا أراك في مرية من حماقة مدعيه وسفاهة مفتريه ولما تفطن بعض علمائهم لما به جعله قولا لبعض أصحابه قال الطبرسي في مجمع البيان أما الزيادة فيه أي القرآن فمجمع على بطلانها وأما النقصان فقد روى عن قوم من أصحابنا وقوم من حشوية العامة والصحيح خلافه وهو الذي نصره المرتضى وأستوفى الكلام فيه غاية الإستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات وذكر في مواضع أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة فإن الغاية أشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حد لم تبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن مفجر النبوة ومأخذ العلوم(10/47)
الشرعية والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء أختلف فيه من إعرابه وقراءته حروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد وقال أيضا أن العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها حتى لو أن مدخلا أدخل في كتاب سيبويه بابا من النحو ليس من الكتاب لعرف وميزانه ملحوق وأنه ليس من أصل الكتاب وكذا القول في كتاب المزني ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء وذكر أيضا أن القرآن كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن وأستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان وأنه كان يعرض على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويتلى عليه وأن جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عدة ختمات وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مثبور ولا مبثوث وذكر أن من خالف ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع بصحته إنتهى وهو كلام دعاه إليه ظهور فساد مذهب أصحابه حتى للأطفال والحمد لله على أن ظهر الحق وكفى الله المؤمنين القتال إلا أن الرجل قد دس في الشهد سما وأدخل الباطل في حمى الحق الأحمى ( أما أولا ( فلأن نسبة ذلك إلى قوم من حشوية العامة الذين يعي بهم أهل السنة(10/48)
والجماعة فهو كذب أو سوء فهم لأنهم أجمعوا على قدم وقوع النقص فيما تواترا قرآنا كما هو موجود بين الدفتين اليوم نعم أسقط زمن الصديق ما لم يتواتر وما نسخت تلاوته وكان يقرأه من لم يبلغه النسخ وما لم يكن في العرضة الأخيرة ولو يأل جهدا رضي الله تعالى عنه في تحقيق ذلك إلا أنه لم ينتشر نوره في الآفاق إلا زمن ذي النورين فلهذا نسب إليه كما روى عن حميدة بنت يونس أن في مصحف عائشة رضي الله عنها ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) وعلى الذين يصلون الصفوف الأولوأن ذلك قبل أن يغير عثمان المصاحف فما أخرج أحمد عن أبي قال قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك فقرأ علي ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) إن الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل ذلك فلن يكفرهوفي رواية ( ومن يعمل صالحا فلن يكفره وما أختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وفارقوا الكتاب لما جاءهم أولئك عند الله شر البرية ما كان الناس إلا أمة واحدة ثم ارسل الله النبيين مبشرين ومنذرين يأمرون الناس يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويعبدون الله وحده أولئك عند الله خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه وفي رواية الحاكم فقرأ فيها ولو أن إبن آدم سأل واديا من مال فأعطيه يسأل ثانيا ولو سأل ثانيا فأعطيه يسأل ثالثا ولا يملأ جوف إبن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وما روى عنه أيضا أنه كتب في مصحفه سورتي الخلع والحفداللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من(10/49)
يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق فهو من ذلك القبيل ومثله كثير وعليه يحمل ما رواه أبو عبيد عن إبن عمر قال لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله قد ذهب منه قرآن كثير ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى إلا أنها محمولة على ما ذكرناه وأين ذلك مما يقوله الشيعي الجسور ( ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور ) وأما ثانيا فلأن قوله إن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن إلخ إن أراد به أنه مرتب الآي والسور كما هو اليوم وأنه يقرأه من حفظه في الصدر من الأصحاب كذلك لكنه كان مفرقا في العسب واللخاف فمسلم إلا أنه خلاف الظاهر من سياق كلامه وسباقه وإن أراد أنه كان في العهد النبوي مقروءا كما هو الآن لا غير وكان مرتبا ومجموعا في مصحف واحد غير متفرق في العسب واللخاف فممنوع والدليل الذي أستدل به لا يدل عليه كما لا يخفى ويالله العجب كيف ذكر في هذا المعرض ختمات إبن مسعود وأبي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل ذلك من أدلة مدعاه مع أن مروي كل منهما يخالف مروي الآخر وكلاهما يخالفان ما في المصحف العثماني فالسور مثلا في مصحفنا مائة وأربعة عشرة بإجماع من يعتد به وقيل ثلاثة عشرة يجعب الأنفال وبراءة سورة واحدة وفي مصحف إبن مسعود مائة وإثنتا عشرة سورة لأنه لم يكتب المعوذتين بل صح عنه أنه كان يحكهما من المصاحف ويقول ليستأمن كتاب الله تعالى وإنما أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتعوذ بهما(10/50)
ولهذا عوذ بهما الحسن والحسين ولم يتابعه أحد من الصحابة على ذلك وقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأهما في الصلاة فالظاهر أنهما غير متواترتين قرآنا عنده والقول بأنه إنما أنكر الكتابة وأراد بالكتاب المصحف ليتم التأويل مستبعد جدا بل لا يصح كما لايخفى وفي مصحف أبي خمسة عشرة لأنه كتب في آخره بعد ( العصر ) سورتي الخلع والحفد وجعل سورة ( الفيل وقريش ) فيه سورة واحدة وترتيب كل أيضا متغاير ومغاير لترتيب مصحفنا لا سترة عليها فسورة ( ن ) في مصحف إبن مسعود بعد ( الذاريات ) و ( لا أقسم بيوم القيامة ) بعد ( عم ) ( والنازعات ) بعد ( الطلاق ) ( والفجر ) بعد ( التحريم ) إلى غير ذلك وسورة ( بني إسرائيل ) في مصحف أبي بعد ( الكهف ) و ( الحجرات ) بعد ( ن ) و ( تبارك ) بعد ( الحجرات ) ( والنازعات ) بعد ( الواقعة ) و ( ألم نشرح ) بعد ( قل هو الله أحد ) مع إختلاف كثير يظهر لمن رجع إلى الكتب المتقنة في هذا الباب وكأن ران البغض غطى على قلب هذا البعض فقال ما قال ولم يتفكر في حقيقة الحال ولم يبال بوقع النبال قاصدا أن يستر بمنخل مختل كذبه نور ذي النورين الساطع عليه من برح شمس الكونين ومن بدر صحبه مع أن نسبة هذا الجمع إليهما من أوضح الأمور بل أشهر من المشهور وهو شائع أيضا عند الشيعة وليس لهم إلى إنكاره ذريعة ولكن مركب التعصب عثور ومذهب التعسف محذور وإذا حققت ما ذكرناه ووعيت ما عليك تلوناه فأعلم أن ترتيب آية وسوره بتوقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم - أما ترتيب الآي فكونه توقيفيا مما لا شبهة فيه حتى نقل جمع منهم الزركشي وأبو جعفر الأجماع عليه من غير خلاف بين المسلمين والنصوص متظافرة على ذلك(10/51)
وما يدل بظاهره من الآثار على أنه إجتهادي معارض ساقط عن درجة الإعتبار كالخبر الذي أخرجه إبن ابي داؤد بسنده عن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال أتى الحرث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة فقال أشهد أني سمعتهما من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ووعيتهما فقال عمر وأنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فأنظروا آخر سورة من القرآن فألحقوها في آخرها فإنه معارض بما لا يحصى مما يدل على خلافه بل لإبن أبي داؤد مخرجه خبر يعارضه أيضا فقد أخرج أيضا عن أبي أنهم جمعوا القرآن فلما إنتهوا إلى الآية التي في سورة براءة ( ثم أنصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ) ظنوا أن هذا آخر ما نزل فقال أبي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقرأني بعد هذا آيتين ( لقد جاءكم رسول ) إلى آخر السورة وأما ترتيب السور ففي كونه إجتهاديا أو توقيفيا خلاف والجمهور على الثاني قال أبو بكر الأنباري أنزل الله تعالى القرآن كله إلى سماء الدنيا ثم فرقه في بضع وعشرين فكانت السورة تنزل لأمر يحدث والآية جوابا لمستخبر فيوقف جبريل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على موضع الآية والسورة فمن أواخر فقد أفسد نظم القرآن وقال الكرماني بترتيب السور هكذا هو عند الله تعالى في اللوح المحفوظ وعليه كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه وعرض عليه في السنة التي توفي فيها مرتين وقال الطيبي مثله وهو المروي عن جمع غفير إلا أنه يشكل على هذا ما أخرجه أحمد والترمذي وأبو داؤد والنسائي وإبن حبان والحاكم عن إبن عباس قال قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بها ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال فقال عثمان كان(10/52)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول دعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتهما في السبع الطوال فهذا يدل على أن الإجتهاد دخل في ترتيب السور ولهذا ذهب البيهقي إلى أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال وله أنشرح صدر الإمام السيوطي لما ضاق ذرعا عن الجواب والذي ينشرح له صدر هذا الفقير هو ما أنشرحت له صدور الجمع الغفير من أن ما بين اللوحين الآن موافق لما في الوح من القرآن وحاشا أن يهمل صلى الله تعالى عليه وسلم أمر القرآن وهو نور نبوته وبرهان شريعته فلا بد إما من التصريح بمواضع الآي والسور وإما من الرمز إليهم بذلك وإجماع الصحابة في المآل على هذا الترتيب وعدولهم عما كان أولا من بعضهم على غيره من الأساليب وهم الذين لا تلين قناتهم لباطل ولا يصدهم عن إتباع الحق لوم لائم ولا قول قائل أقوى دليل على أنهم وجدوا ما أفادهم علما ولم يدع عندهم خيالا ولا وهما وعثمان رضي الله تعالى عنه وإن لم يقف على ما يفيده القطع في براءة والأنفال وفعل ما فعل بناء على ظنه إلا أن غيره وقف وقبل ما فعله ولم يتوقف وكم لعمر رضي الله تعالى عنه موافقات لربه أدى إليها ظنه فليكن لعثمان هذه الموافقة التي ظفر غيره بتحقيقها من النصوص أو الرموز فسكت على أن ذلك كان قبل ما فعل عثمان عند التحقيق ولكن لما رفعت الأقلام وجفت الصحف وأجتمعت الكلمة في أيامه وأقتدت المسلمون في سائر الآفاق بإمامه نسب ذلك إليه وقصر من دونهم عليه والسؤال منه وجوابه ليسا قطعيين في الدلالة على الإستقلال لجواز أن(10/53)
يكون السؤال للإستخبار عن سر عدم المخالفة والجواب لإبدائه على ما خطر في البال وبالجملة بعد إجماع الأمة على هذا المصحف لا ينبغي أن يصاخ إلى آحاد الأخبار ولا يشرأب إلى تطلع غرائب الآثار فأفهم ذاك والله سبحانه وتعالى يتولى هداك ( الفائدة السابعة ( في بيان وجه إعجاز القرآن
( أعلم ( أن أعجاز القرآن مما لا مرية فيه ولا شبهة تعتريه وأرى الإستدلال هنا عليه مما لا يحتاج إليه والشبه صرير باب أو طنين ذباب وألاهم بالنسبة إلينا بيان وجه الإعجاز والكلام فيه على سبيل الإيجاز ( فنقول ( قد اختلف الناس في ذلك فذهب بعض المعتزلة إلى أن وجه إعجازه إشتماله على النظم الغريب والوزن العجيب والأسلوب المخالف لما أستنبطه البلغاء من العرب في مطالعه وفواصله ورد بوجهين ( ألأول ( أنا لا نسلم المخالفة فإن كثيرا من آياته على وزن أبيات العرب نحو قوله تعالى ( ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ) وقوله تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ومثله كثير ( الثاني ( أنا لو سلمنا المخالفة لكن لا نسلم أنه لمجردها يكون معجزا وإلا لكانت حماقات مسيلمة إذ هي على وزنه كذلك وذهب الجاحظ إلى أنه إشتماله على البلاغة التي تتقاصر عنها سائر ضروب البلاغات ورد بوجوه ( الأول ( أنا إذا نظرنا إلى أبلغ الخطب وأجزل الشعر وقطعنا النظر عن الوزن وقسناه بقصار القرآن كان الأمر في التفاوت ملتبسا والمعجز لا بد أن ينتهي إلى حد لا يبقى معه لبس ولا ريبة ( الثاني ( إن القرآن غير خارج عن كلام العرب وما من أحد من بلغائهم إلا وقد كان مقدورا له الإتيان بقليل من مثل ذلك والقادر على البعض قادر على الكل ( الثالث ( أن الصحابة أختلفوا في البعض ولو كان منتهيا إلى الإعجاز بلاغة لعرفوه وما أختلفوا ( الرابع ( أنهم طلبوا البينة ممن أتى بشيء(10/54)
منه ولو كانت بلاغته منتهية إلى حد الأعجاز ما طلبوها ( الخامس ( أن في كل عصر من تنتهي إليه البلاغة وذلك غير موجب للأعجاز ولا للدلالة على صدق مدعي الرسالة لجواز أن يكون هو من إنتهت إليه وقيل هو إشتماله على الأخبار بالغيب ورد أما أولا فبأن الإصابة في المرة والمرتين ليست من الخوارق والحد الذي يصير به الأخبار خارقا غير مضبوط فإذا لا يمتنع أن يقال ما أشتمل عليه القرآن لم يصل إليه وأما ثانيا فبأنه يلزم أن يكون أخبار المنجمين والكهنة عن الأموار المغيبة مع كثرة إصابتها معجزة وأما ثالثا فبأنه يلزم أن تكون التوراة كذلك لإشتمالها كإشتماله وأما رابعا فبأنه يلزم أن يكون الخالي عن الأخبار بالغيب من القرآن غير معجز وقيل هو كونه مع طوله وإمتداده غير متناقض ولا مختلف وأبطل بوجهين ( الأول ) أنا لا نسلم عدم التناقض والإختلاف فيه أما التناقض فقوله تعالى ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) والبحور كلها فيه وقال تعالى ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) ثم قال ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) وقال تعالى ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا ) فحصر المانع في أحد السببين وقال ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ) فحصر المانع في غيرهما إلى غير ذلك وأما الختلاف فكقوله تعالى ( كالصوف المنفوش ) بدل ( كالعهن المنفوش ) وقوله تعالى ( ضربت عليهم المسكنة والذلة ) بدل قوله الذلة والمسكنة وقوله تعالى ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) وهو أب لهم وقوله تعالى في خلق آدم مرة من تراب ومرة من حمأ ومرة من طين ومرة من صلصال على أن فيه تكرارا لفظيا ومعنويا كما في الرحمن وقصة موسى مثلا وتعرضا لإيضاح الواضحات كما في قوله تعالى ( فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ) وقال عثمان(10/55)
إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بالسنتها ( الثاني ) أنا لو سلمنا السلامة من جميع ذلك لكنه ليس بأعجاز إذ هو موجود في كثير من الخطب والشعر ويظهر كليا فيما يكون على مقدار بعض السور القصار بتقدير التحدي بها وقيل هو موافقته لقضية العقل ودقيق المعنى ورد بأنه معتاد في أكثر كلام البلغاء وينتقض أيضا بكلام الرسول الغير المعجز وبالتوراة والإنجيل وقيل إعجازه قدمه وأعترض بأنه يستدعي أن يكون كل من صفاته تعالى كذلك وايضا الكلام القديم مما لا يمكن الوقوف عليه فلا يتصور التحدي به ( وقال ( الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني والنظام إعجازه بصرف دواعي بلغاء العرب عن معارضته وقال المرتضى بسلبهم العلوم التي لا بد منها في المعارضة وأعترض بأربعة أوجه ( الأول ) أنه يستلزم أن يكون المعجز الصرفة لا القرآن وهو خلاف ما عليه إجماع المسلمين من قبل ( الثاني ) أن التحدي وقع بالقرآن على كل العرب فلو كان الإعجاز بالصرفة لكانت على خلاف المتعاد بالنسبة إلى كل واحد ضرورة تحقق الصرفة بالنسبة إليه فيكون الإتيان بمثل كلام القرآن معتادا له والمعتاد لكل ليس هو الكلام الفصيح بل خلافه فيلزم أن يكون القرآن كذلك وليس كذلك
( الثالث ) أنه يستلزم أن يكون مثل القرآن معتادا من قبل لتحقق الصرفة من بعد فتجوز المعارضة بما وجد من كلامهم مثل القرآن قبلها ( الرابع ) وهو خاص بمذهب المرتضى أنه لو كان الإعجاز بفقدهم العلوم لتناطقوا به ولو تناطقوا لشاع إذ العدة جارية بالتحدث بالخوارق فحيث لم يكن دل على فساد الصرفة بهذا الإعتبار وأستدل بعضهم على فساد القول بها بقوله تعالى ( قل لئن أجتمعت الإنس والجن ) الآية فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرهم ولو سلبوا القدرة لم تبق فائدة لإجتماعهم لأنه بمنزلة إجتماع الموتى وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره ولا بأس بإنضمامه إلى(10/56)
ما ذكرناه وأما الإكتفاء به في الإستدلال فلا أظنك ترضاه وقال الآمدي وغيره الإعجاز بجملته وبالنظر إلى نظمه وبلاغته وإخباره عن الغيب وإرتضاه الكثير وقولهم فيما قبل لا نسلم المخالفة إلخ يجاب عنه بأن ما ذكروه وإن كان على وزن الشعر إلا أنه لا يعد شعرا ولا قائله شاعر لأن الشعر ما قصد وزنه وحيث لا قصد لا شعر وقد يعرض للبلغاء في سرد خطبهم المنجسمة مثل ذلك بل قد يتفق لمن لا يعرف الشعر رأسا من العوام كلمات متزنة نحو قول السيد لعبده مثلا أدخل السوق وأشتر اللحم وأطبخ ولهذا قال الوليد لما قرأ عليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن فكأنما رق له فأقترح عليه أبو جهل أن يقول فيها ما يبلغ قومه أنه منكر له وكاره ماذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده ولا باشعار الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ووالله إن لقوله الذي يقوله حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه ومغدق اسفله وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه ليحطم ما تحته وقولهم إنا لو سلمنا إلخ مسلم لكن لا يلزم إن لا يكون مع البلاغة والأخبار بالغيب معجزا ومن هنا يعلم الجواب عن الإعتراض على أن وجه إعجازه بلاغته على أن الأوجه الخمسة التي ذكروها فيه باطلة ( أما الأول ( فلأن التفاوت بين لمن تحدى به من البلغاء ولذا لم يعارض وغيرهم عم عن ذلك لقصوره في الصناعة فلا إعتداد به ولا مضرة لثبوت الإعجاز بعجز اؤلئك ثم قياس أقصر سورة على ما ذكروه عدول عن سواء السبيل ( وأما الثاني ( فلأن القدرة على البعض لا تستلزم القدرة على الكل ولهذا نجد الكثير قادرا على بليغ فقرة أو فقرتين أو بيت أو بيتين ولا يقدر على وضع خطبة ولا نظم قصيدة ( وأما الثالث ( فلأن الصحابة لم يختلفوا فيما أختلفوا فيه أنه نازل على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من ربه أو أن بلاغته غير معجزة ولكنهم أختلفوا في أنه قرآن وذلك لا يضر فيما نحن بصدده ( وأما الرابع ( فلأن(10/57)
طلب البينة لما قدمناه في الفائدة السادسة أو للوضع والترتيب كما قيل أو لمزيد الإحتياط في الأمر الخطير ( وأما الخامس ( فلأن المعجز يظهر في كل زمان من جنس ما يغلب ويبلغ فيه الغاية القصوى ويوقف فيه على الحد المعتاد حتى إذا شوهد ما هو خارج عن الحد علم أنه من عند الله وإلا لم يتحقق عند القوم معجزة النبي ولظنوا أنهم لو كانوا من أهل تلك الصنعة أو متناهين فيها لأمكنهم أن يأتوا بمثلها والبلاغة قد بلغت في ذلك العهد حدها وكان فيها فخارهم حتى علقت السبع بباب الكعبة تحديا بمعارضتها فلما أتى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بما عجزوا عن مثله مع كثرة المنازعة والتشاجر والإفتراق علم أن ذلك من عند الله تعالى بلا ريب وإعتراضهم على كون الإخبار بالغيب معجزا مكابرة فإن الإخبار عن الغائبات مع التكرر والإصابة غير معتاد ولا معنى لكونه معجزا غير هذا وما ذكروه من الوجه باطل ( أما الأول ( فلأنه لا يلزم من عدم كون الإصابة في المرة والمرتين من الخوارق أن لا تكون الإصابة في الكرات الكثيرة منها والضابط العرف ولا يخفى أن ما ورد من أخبار الغيب في القرآن مما يعد في نظر أهل العرف كثيرا لا تعتاد الإصابة فيه بجملته ( وأما الثاني ( فلأن أخبار المنجمين ما كان كاذبا منها لا إحتجاج وما كان صادقا وتكررت الإصابة فيه كالكسوف والخسوف غير وارد لأنه من الحساب المعتاد لمن يتعاطى(10/58)
صناعة التنجيم وأخبار القرآن بالغيوب ليست كذلك وأما أخبار الكهنة فالقول فيها كما في السحر ( وأما الثالث ( فلأن ما في التوراة من الأخبار بالغيب إن كان كثيرا خارقا للعادة ووقع التحدي به فهو أيضا معجز وآية صدق لمن أتى به ولا يضرنا إلتزام ذلك ( وأما الرابع ( فلأنه لا يرد على من يقول وجه الإعجاز مجموع ما تقدم أصلا ومن يقول وجهه مجرد الأخبار بالغيب يقول بأن الخالي من ذلك غير معجز وإنما الأعجاز في القرآن بجملته ويكفي ذلك في غرضه والإعتراض على كون وجه الإعجاز عدم التناقض والإختلاف مع الطول والإمتداد بوجهيه مدفوع ( أما الأول ( فلأن آشتمال القرآن على الشعر قد سبق جوابه فلا يناقض ( وما علمناه الشعر ) وأما الآيتان ألاوليتان فقد أجاب عنهما ابن عباس حين سأله رجل عن آيات من هذا القبيل بأن نفي المسألة قبل النفخة الثانية وإثباتها فيما بعد والسدي بأن نفي المسألة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباتها فيما عداها وابن مسعود بأن المسألة المنفية طلب بعضهم العفو من بعض والمثبتة على ظاهر معناها فلا منافاة وأما الآيتان الأخريتان فمعنى الأولى منهما ( وما منع الناس أن يؤمنوا ) إلا إرادة الله أن تأتيهم سنة الأولين من نحو الخسف أو يأتيهم العذاب قبلا في الآخرة ولا شك أن إرادة الله تعالى مانعة من وقوع ما ينافي المراد فهذا حصر في السبب الحقيقي ومعنى الثانية ( وما منع الناس أن يؤمنوا ) إلا إستغراب بعثة البشر رسولا وهو مدلول القول إلتزاما والدال لا يناسب المانعية والمدلول ليس مانعا حقيقيا بل عادى لجواز وجود الإيمان معه فهو حصر في المانع العادي فلا تناقض وسيأتي لهذا إن شاء الله تعالى زيادة تحقيق وكذا لأمثاله مما يضيق عنه هذا المبحث وأما الإختلاف المذكور فليس هو المنفي في قوله تعالى ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا ) لأن المراد به أحد أمرين الأول الإختلاف المناقض للبلاغة(10/59)
والثاني الإختلاف فيما أخبر عنه من قصص الماضين وسير الأولين مع أمية من جاء به وعدم دراسته للعلوم ومطالعته للكتب ولا شك أنه لم يوجد في القرآن شيء من هذه الإختلافات على أن أمثال بعض ما ذكر من الإختلاف ليس بقرآن لأنه لم يتواتر وأمثال البعض الآخر إختلاف مقال لإختلاف الأحوال والمرجع إلى جوهر واحد وهو التراب في خلق آدم مثلا ومنه تدرجت تلك الأحوال وأي ضرر في ذلك وأما التكرار اللفظي والمعنوي فلا يخلو عن فائدة لا تحصل من غير تكرار كبيان إتساع العبارة وإظهار البلاغة وزيادة التأكيد والمبالغة إلى غير ذلك مما قد أمعن المفسرون في تحقيقه وبيانه وستراه بحوله تعالى وأما ما يتوهم فيه أنه من قبيل إيضاح الواضحات فليس يخلو عن درء إحتمال ورفع خيال فإنه لو لم يقل فيما ذكر من الآية ( تلك عشرة كاملة ) لتوهم ولو على بعد أن المراد وتمام ( سبعة إذا رجعتم ) بل في ذلك غير هذا أسرار ستأتيك بعون باريك وأما قول عثمان أن في القرآن لحنا إلخ فهو مشكل جدا إذ كيف يظن بالصحابة أولا اللحن في الكلام فضلا عن القرآن وهم هم ثم كيف يظن بهم ثانيا إجتماعهم على الخطأ وكتابته ثم كيف يظن بهم ثالثا عدم التنبه والرجوع ثم كيف يظن بعثمان عدم تغييره وكيف لتقيمه العرب وإذا كان الذين تولوا جمعه لم يقيموه وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم فلعمري إن هذا مما يستحيل عقلا وشرعا وعادة فالحق إن ذلك لا يصح عن عثمان والخبر ضعيف مضطرب منقطع وقد أجابوا عنه بأجوبة لا أراها تقابل مؤنة نقلها والذي أراه أن رواة هذا الخبر سمعوا شيئا ولم يتقنوه فحرفوه فلزم الإشكال وحل الداء العضال وهو ما روى بالسند عن عبدالله بن عبدالإعلى قال لما فرغ من المصحف أتى بع عثمان فنظر فيه فقال أحسنتم وأجملتم أرى شيئا سنقيمه بألسنتنا وهذا لا إشكال فيه لأنه عرض عليه عقيب الفراغ من كتابته فرأى فيه ما كتب(10/60)
على غير لسان قريش ثم وفى بذلك عند العرض والتقويم ولم يترك فيه شيئا ولا أحسبك في مرية من ذلك نعم يبقى ما روى بسند صحيح على شرط الشيخين عن هشام بن عروة عن أبيه قال سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن لحن القرآن عن قوله تعالى ( إن هذان لساحران ) وعن قوله ( والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ) وعن قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) فقالت يا ابن أخي هذا عمل الكتاب أخطأوا في الكتاب وكذا ما روى عن سعيد بن جبير كان يقرأ ( والمقيمين الصلاة ) ويقول هو لحن من الكاتب ويجاب عن الأول بأن معنى قولها أخطأوا أي في إختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه لا أن الذي كتبوه من ذلك خطأ لا يجوز فأن ما لا يجوز مردود وإن طالت مدة وقوعه وهذا الذي رأته عائشة وكم لها من رأى رضي الله تعالى عنها وعن الثاني بأن معنى قوله لحن من الكاتب لغة وقراءة له وفي الآية قراءة أخرى وللنحويين في توجيه هذه القرآءات كلام طويل ستسمعه فيما بعد إن شاء الله تعالى وأما الوجه الثاني ( فلأن من ذهب ( إلى أن وجه الأعجاز عدم التناقض والإختلاف مع الطول والإمتداد يقول القرآن بجملته معجز لذلك فسلامة كثير من الخطب والشعر من ذلك وظهور ذلك كليا فيما يكون على مقدار بعض السور القصار لا يضره شيئا كما لا يخفى فتدبر وقد أطال العلماء الكلام على وجه إعجاز القرآن وأتوا بوجوه شتى الكثير منها خواصه وفضائله مثل الروعة التي تلحق قلوب سامعيه وأنه لا يمله تاليه بل يزداد حبا له بالترديد مع أن الكلام يعادي إذا أعيد وكونه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله تعالى بحفظه والذي يخطر بقلب هذا الفقير أن القرآن بجملته وأبعاضه حتى أقصر سورة منه معجز بالنظر إلى نظمه وبلاغته وإخباره عن الغيب وموافقته لقضية العقل ودقيق المعنى وقد يظهر كلها في آية وقد يستتر البعض كالأخبار عن الغيب ولا ضير ولا عيب فما يبقى كاف وفي الغرض واف نجوم(10/61)
سماء كلما أنقض كوكب بدا كوكب تأوى إليه كواكب أما بيان كون النظم معجزا فلأن مراتب تأليف الكلام على ما قيل خمس ( الأولى ( ضم الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض فتحصل الكلمات الثلاث الأسم والفعل والحرف ( والثانية ) تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض فتحصل الجمل المفيدة وهو النوع الذي يتداوله الناس جميعا في مخاطباتهم وقضاء حوائجهم ويقال له المنثور ( والثالثة ) ضم ذلك إلى بعض ضما له مباد ومقاطع ومداخل ومخارج ويقال له المنظوم ( والرابعة ) أن يعتبر في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع ويقال له المسجع ( والخامسة ) أن يحصل له مع ذلك وزن ويقال له إن قصد الشعر والمنظوم إما محاورة ويقال له الخطابة وإما مكاتبة ويقال له الرسالة فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام ولكل من ذلك نظم مخصوص والقرآن جامع لمحاسن الجميع بنظم مكتس أبهى حلل ومتعر عن كل خلل ومشتمل على خواص ما شامها سواه ومزايا ما سامها عند أهل النقد نظم إلا إياه من كل لفظ تكاد الأذن تجعله ربا ويعبده القرطاس والقلم ويؤيد ذلك أنه لا يصح أن يقال له رسالة أو خطابة أو سجع كما يصح أن يقال هو كلام والبليغ إذا قرع سمعه فصل بينه وبين ما عداه من النظم بلا ترديد وهذا مما لا خفاء فيه على الرجال حتى على الوليد وأما بيان ذلك في البلاغة فهو أن أجناس الكلام مختلفة ومراتبها في البيان متفاوتة فمنها البليغ الرصين الجزل ومنها الفصيح القريب السهل ومنها الجاري الطلق الرسل وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود فالأول أعلاها والثاني أوسطها والثالث أدناها وأقربها وقد حازت بلاغة القرآن من كل قسم من هذه الأقسام أو فرصة وأخذت من كل نوع أعظم شعبة فأنتظم لها(10/62)
بإنتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة وهما كالمتضادين فكان إجتماع الأمرين فيه مع نبو كل منهما عن الآخر فضيلة ومنزلة جليلة وقد خص بذلك القرآن كما لا يخفى على ذوي الفطر السليمة ومن كان له في علم البلاغة إتقان وأما بيان إعجاز إشتماله على الأخبار بالغيب فلأنه تضمن ما يحكم العرف بكثرته من أخبار القرون الماضية والأمم البادية والشرائع الدائرة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك وتتبعه فيورده القرآن على وجهه ويأتي به على نصه ومن المعلوم أن من أتى به أمي لا يقرأ ولا يكتب صلى الله تعالى عليه وسلم مع الأعلام بما في ضمائر كثيرين من غير أن يظهر ذلك منهم بقول أو فعل كقوله تعالى ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ) وقوله تعالى ( ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله ) والأعلان بالحوادث المستقبلة في الأعصار الآتية كقوله تعالى ( ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) وأخبار أقوام في قضايا أنهم لا يفعلونها فما فعلوا ولا قدروا كقوله تعالى خطابا لليهود ( فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا ) فما تمناه أحد منهم إلى أضعاف مضاعفة من مثل ذلك قد اشتمل القرآن عليها وأختص من بين الكتب بها حتى أن أقصر سورة فيه وهي الكوثر تشير إلى أربعة أخبار عن الغيب مع أنها ثلاث آيات ( الأول ( في قوله تعالى ( إنا أعطيناك الكوثر ) إذا أريد به كما في بعض الروايات كثرة الإتباع ( والثاني ( في قوله ( وأنحر ) حيث أريد به كما هو الظاهر الأمر بالنحو فهو إشارة إلى اليسار حتى يمكنه الأقدام عليه ( والثالث والرابع ) في قوله تعالى ( إن شانئك هو الأبتر ) حيث صرح ورمز بأن شانئك لا أنت أبتر لا عقب له فكان كما أخبر ولا شك عند كل عاقل أن مجموع ما ذكرنا يعجز عنه البشر وأما إعجاز موافقته لقضية العقل ودقيق المعنى فلأنه أشتمل على(10/63)
توحيد الله تعالى وتنزيهه والدعاء إلى طاعته وبيان طرق عبادته من تحليل وتحريم ووعظ وتعليم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإشارة إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها واضعا كل شيء منها موضعه الذي لا يرى أولى منه ولا أليق ولا يتصور أحرى من ذاك ولا أخلق جامعا بين الحجة والمحتج له والدليل والمدلول عليه ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا إليه وإمتثال ما أمر به وإجتناب ما نهى عنه مع إشارة أنيقة ورموز دقيقة وأسرار جزيلة وحكم جليلة ستقف إن شاء الله تعالى على الكثير منها بحيث لا تبقى في شك من رد من يقول بأن ذلك معتاد في أكثر كلام البلغاء وأنه ينتقض بالتوراة والأنجيل وبكلام الرسول الغير المعجز فأين الثريا من يد المتناول وما كل مخضوب البنان بثينة ولا كل مصقول الحديد يماني فهذه الأوجه الأربعة هي الظاهرة في إعجاز القرآن والمشهور عند الجمهور الأقتصار على بلاغته وفصاحته حيث بلغت الرتبة العليا والغاية القصوى التي لم تكد تخفي على أهل هذا الشأن حتى النساء كما يحكى أن الأصمعي وقف متعجبا من أمرأة تنشد شعرا فقالت أتعجب من هذا أين أنت من قوله تعالى ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) فقد جمع أمرين ونهيين وبشارتين أي مع ما فيه مما يدرك بالذوق وبعضهم جعل المدار النظم المخصوص والباقي تابع له قائلا إن الأعجاز المتعلق بالفصاحة والبلاغة لا يتعلق بعنصره الذي هو اللفظ والمعنى فإن الألفاظ ألفاظهم كما قال تعالى ( قرآنا عربيا بلسان عربي ) ولا بمعانيه فإن كثيرا منها موجود في الكتب المتقدمة كما قال تعالى
((10/64)
وإنه لفي زبر الأولين ) وما فيه من المعارف الألهية وبيان المبدأ والمعاد والأخبار بالغيب فأعجازه ليس براجع إلى القرآن من حيث هو قرآن بل لكونه حاصلا من غير سبق تعليم وتعلم ولكون الأخبار بالغيب إخبارا بما لا يعتاد سواء كان بهذا النظم أو بغيره موردا بالعربية أو بلغة أخرى بعبارة أو إشارة فإذا هو متعلق بالنظم المخصوص الذي هو صورة القرآن وبإختلاف الصور يختلف حكم الشيء وأسمه لا بعنصره كالخاتم والقرط والسوار إذا كان الكل من ذهب مثلا فإن الأسم مختلف والعنصر واحد وكالخاتم المتخذ من ذهب وفضة وحديد يسمى خاتما والعنصر مختلف فظهر أن الأعجاز المختص بالقرآن متعلق بنظمه المخصوص وإعجاز نظمه قد سلف بيانه وأنت تعلم ما فيه وإن كان قريبا إلى الحق وأبعد الأقوال عندي كونه بالصرفة المحضة حتى أن قول المرتضى فيها غير مرتضى كما لا يخفى على من أنصفه ذهنه وأتسع عطنه وأبعد من ذلك كونه بالقدم كما هو قريب ممن هو حديث عهد بما تقدم وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة لهذا الكلام من بيان إختلاف الناس أيضا في تفاوت مراتب الفصاحة والبلاغة في آياته ويتضح لك ما هو الحق الحقيقي بالقبول والله تعالى المبتغي والمسئول ولنقتصر من الفوائد على هذا المقدار وفي السبعة ما لا يحصى من الأسرار وهذا أوان تقبيل شفاه الأقلام حروف سبحان كلام الله تعالى العلام(10/65)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرفنا على الأمم بالقرآن المجيد ودعانا بتوفيقه على الحكم الى الأمر الرشيد وقوم به نفوسنا بين الوعد والوعيد وحفظه من تغيير الجهول وتحريف العنيد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
أحمده على التوفيق للتحميد وأشكره على التحقيق فى التوحيد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يبقى ذخرها على التأبيد وأن محمدا عبده ورسوله أرسله الى القريب والبعيد بشيرا للخلائق ونذيرا وسراجا فى الأكوان منيرا ووهب له من فضله خيرا كثيرا وجعله مقدما على الكل كبيرا ولم يجعل له من أرباب جنسه نظيرا ونهى أن يدعى باسمه تعظيما له وتوقيرا وأنزل عليه كلاما قرر صدق قوله بالتحدي بمثله تقريرا فقال ) قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ( الاسراء 88 فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأزواجه وأشياعه وسلم تسليما كثيرا
لما كان القرأن العزيز أشرف العلوم كان الفهم لمعانيه أوفى الفهوم لأن شرف العلم بشرف المعلوم وإنى نظرت فى جملة من كتب التفسير فوجدتها بين كبير قد يئس الحافظ منه وصغير لا يستفاد كل المقصود منه والمتوسط منها قليل الفوائد عديم الترتيب وربما أهمل فيه المشكل وشرح غير الغريب فأتيتك بهذا المختصر اليسير منظويا على العلم الغزير ووسمته ب
زاد المسير فى علم التفسير
وقد بالغت فى اختصار لفظه فاجتهد وفقك الله فى حفظه والله المعين على تحقيقه فما زال جائدا بتوفيقه
فصل في فضيلة علم التفسير
روى أبو عبد الرحمن السلمى عن ابن مسعود قال كنا نتعلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشر فلا نجاوزها الى العشر الآخر حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل
وروى قتادة عن الحسن أنه قال ما أنزل الله آية إلا أحب أن أعلم فيم أنزلت وماذا عنى بها(11/1)
وقال إياس بن معاوية مثل من يقرأ القرآن ومن يعلم تفسيره أو لا يعلم مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلهم لمجئ الكتاب روعة لا يدرون ما فيه فإذا جاءهم المصباح عرفوا ما فيه
فصل
اختلف العلماء هل التفسير والتأويل بمعنى أم يختلفان فذهب قوم يميلون الى العربية إلى أنهما بمعنى وهذا قول جمهور المفسرين المتقدمين وذهب قوم يميلون الى الفقه الى اختلافهما فقالوا التفسير إخراج الشيء من مقام الخفاء الى مقام التجلى والتأويل نقل الكلام عن وضعه فيما يحتاج فى إثباته الى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ فهو مأخوذ من قولك آل الشيء الى كذا أي صار إليه
فصل فى مدة نزول القرأن
روى عكرمة عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ فى ليلة القدر الى بيت العزة ثم انزل بعد ذلك فى عشرين سنة
وقال الشعبى فرق الله تنزيل القرأن فكان بين أوله وآخره عشرون سنة
وقال الحسن ذكر لنا أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة انزل عليه بمكة ثمانى سنين
فصل
واختلفوا فى أول ما نزل من القرأن فأثبت المنقول أن أول ما نزل ) اقرأ باسم ربك ( العلق 1 رواه عروة عن عائشة وبه قال قتادة وأبوا صالح
وروي عن جابر به عبد الله أن أول ما نزل ) يا أيها المدثر ( المدثر 1 والصحيح أنه لما نزل عليه ) اقرأ باسم ربك ( رجع فتدثر فنزل ) يا أيها المدثر ( يدل عليه ما أخرج فى الصحيحين من حديث جابر قال سمعت النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث عن فترة الوحى فقال فى حديثه فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فاذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجثتت منه رعبا فرجعت فقلت زملوني زملوني فدثروني فأنزل الله تعالى ) يا أيها المدثر ( ومعنى جثتت فرقت يقال رجل مجؤوث ومجثوث وقد صحفه بعض الرواة فقال جبنت من الجبن والصحيح الأول وروي عن الحسن وعكرمة أن أول ما نزل ) بسم الله الرحمن الرحيم (
فصل(11/2)
واختلفوا في آخر ما نزل فروى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس قال آخر آية أنزلت على النبى - صلى الله عليه وسلم - آية الربا وفي أفراد مسلم عنه آخر سورة نزلت جميعا ) إذا جاء نصر الله والفتح ( النصر 1 وروى الضحاك عن ابن عباس قال آخر آية أنزلت ) واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( البقرة 281 وهذا مذهب سعيد بن جبير وأبي صالح وروى أبو إسحاق عن البراء قال آخر آية نزلت ) يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( النساء 176 وآخر سورة نزلت براءة وروي عن أبي بن كعب أن آخر آية نزلت ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( التوبة 138 الى آخر السورة
فصل
لما رأيت جمهور كتب المفسرين لا يكاد الكتاب منها يفي بالمقصود كشفه حتى ينظر للآية الواحدة فى كتب فرب تفسير أخل فيه بعلم الناسخ والمنسوخ أو ببعضه فان وجد فيه لم يوجد أسباب النزول أو أكثرها فان وجد لم يوجد بيان المكي من المدني وإن وجد ذلك لم توجد الإشارة الى حكم الآية فان وجد لم يوجد جواب إشكال يقع فى الآية الى غير ذلك من الفنون المطلوبة
وقد أدرجت فى هذا الكتاب من هذه الفنون المذكورة مع ما لم أذكره مما
لا يستغني التفسير عنه ما أرجو به وقوع الغناء بهذا الكتاب عن أكثر ما يجانسه
وقد حذرت من إعادة تفسير كلمة متقدمة إلا على وجه الإشارة ولم أغادر من الأقوال التى أحطت بها إلا ما تبعد صحته مع الاختصار البالغ فاذا رأيت في فرش الآيات ما لم يذكر تفسيره فهو لا يخلو من أمرين إما أن يكون قد سبق وإما أن يكون ظاهرا لا يحتاج الى تفسير
وقد انتقى كتابنا هذا أنقى التفاسير فأخذ منها الأصح والأحسن والأصون فنظمه فى عبارة الاختصار وهذا حين شروعنا فيما ابتدأنا له والله الموفق
فصل في الاستعاذة
قد أمر الله عز وجل بالاستعاذة عند القراءة بقوله تقالى ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( النحل 98 ومعناه إذا أردت القراءة ومعنى أعوذ ألجأ وألوذ(11/3)
) كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ( بسم الله الرحمن الرحيم
يروي المفتقر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى محمد بن محمد بن يحيى زبارة الحسنى اليمني غفر الله له وللمؤمنين للقاضي الحافظ الشهير محمد بن علي بن محمد الشوكاني الصنعاني المتوفى سنة 1250 هجرية عن المولى الجهبذ الكبير سيف الإسلام أحمد بن قاسم بن عبدالله حميد الدين أبقاه الله تعالى عن السيد الحافظ عبدالكريم بن عبدالله أبي طالب الحسن اليمني المتوفي سنة 1309 ه عن القاضي الحافظ أحمد بن محمد بن علي الشوكاني المتوفي سنة 1281 ه عن أبيه المؤلف قال رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل كتابه المبين كافلا ببيان الأحكام شاملا لما شرعها لعباده من الحلال والحرام مرجعا للأعلام عند تفاوت الأفهام وتباين الأقدام وتخالف الكلام قاطعا للخصام شافيا للسقام مرهما للأوهام فهو العروة الوثقى التي من تمسك بها فاز بدرك الحق القويم والجادة الواضحة التي من سلكها فقد هدى إلى الصراط المستقيم فأي عبارة تبلغ أدنى ما يستحقه كلام الحكيم من التعظيم وأي لفظ يقوم ببعض ما يليق به من التكريم والتفخيم كلا والله إن بلاغات البلغاء المصاقع وفصاحات الفصحاء البواقع وإن طالت ذيولها وسالت سيولها واستنت بميادينها خيولها تتقاصر عن الوفاء بأوصافه وتتصاغر عن التشبث بأدنى أطرافه فيعود جيدها عنه عاطلا وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا فهو كلام من لا تحيط به العقول علما ولا تدرك كنهه الطباع البشرية فهما فالإعتراف بالعجز عن القيام بما يستحقه من الأوصاف العظام أولى بالمقام وأوفق بما تقتضيه الحال من الإجلال والإعظام والصلاة والسلام على من نزل إليه الروح الأمين بكلام رب العالمين محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله المطهرين وصحبه المكرمين
وبعد فإن اشرف العلوم على الإطلاق وأولاها بالتفضيل على الإستحقاق وأرفعها قدرا بالإتفاق هو(12/1)
علم التفسير لكلام القوي القدير إذا كان على الوجه المعتبر في الورود والصدر غير مشوب بشيء من التفسير بالرأي الذي هو من أعظم الخطر وهذه الأشرفية لهذا العلم غنية عن البرهان قريبة إلى الفهام والأذهان يعرفها من يعرف الفرق بين كلام الخلق والحق ويدري بها من يميز بين كلام البشر وكلام خالق القوى والقدر فمن فهم هذا استغنى عن التطويل ومن لم يفهمه فليس بمتأهل للتحصيل ولقد صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول فيما أخرجه عنه الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه )
ولما كان هذا العلم بهذه المنزلة الشافخة الأركان العالية البنيان المرتفعة المكان رغبت إلى الدخول من أبوابه ونشطت إلى القعود في محرابه والكون من أحزابه ووطنت النفس على سلوك طريقة هي بالقبول عند الفحول حقيقة وها أنا أوضح لك منارها وأبين لك إيرادها وإصدارها فأقول(12/2)
إن غالب المفسرين تفرقوا فريقين وسلكوا طريقين الفريق الأول اقتصروا في تفاسيرهم على مجرد الرواية وقنعوا برفع هذه الراية والفريق الآخر جردوا أنظارهم إلى ما تقتضيه اللغة العربية وما تفيده العلوم الآلية ولم يرفعوا إلى الرواية رأسا وإن جاءوا بها لم يصححوا لها أساسا وكلا الفريقين قد أصاب وأطال وأطاب وإن رفع عماد بيت تصنيفه على بعض الأطناب وترك منها ما لا يتم بدونه كمال الإنتصاب فإن ما كان من التفسير ثابتا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان المصير إليه متعينا وتقديمه متحتما غير أن الذي صح عنه من ذلك إنما هو تفسير آيات قليلة بالنسبة إلى جميع القرآن ولا يختلف في مثل ذلك من أئمة هذا الشأن اثنان وأما ما كان منها ثابتا عن الصحابة رضي الله عنهم فإن كان من الألفاظ التي قد نقلها الشرع إلى معنى مغاير للمعنى اللغوي بوجه من الوجوه فهو مقدم على غيره وإن كان من الألفاظ التي لم ينقلها الشرع فهو كواحد من أهل اللغة الموثوق بعربيتهم فإذا خالف المشهور المستفيض لم تقم الحجة علينا بتفسيره الذي قاله على مقتضى لغة العرب فبالأولى تفاسير من بعدهم من التابعين وتابعيهم وسائر الأئمة وأيضا كثيرا ما يقتصر الصحابي ومن بعده من السلف على وجه واحد مما يقتضيه النظم القرآني باعتبار المعنى اللغوي ومعلوم أن ذلك لا يستلزم إهمال سائر المعاني التي تفيدها اللغة العربية ولا إهمال ما يستفاد من العلوم التي تتبين بها دقائق العربية وأسرارها كعلم المعاني والبيان فإن التفسير بذلك هو تفسير باللغة لا تفسير بمحض الرأي المنهي عنه وقد أخرج سعيد بن منصور في سننه وابن المنذر والبيهقي في كتاب الرؤية عن سفيان قال ليس في تفسير القرآن اختلاف إنما هو كلام جامع يراد منه هذا وهذا وأخرج ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية عن أبي قلابة قال قال أبو الدرداء لا تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوها وأخرج ابن سعد أن عليا قال لابن عباس(12/3)
اذهب إليهم يعني الخوارج ولا تخاصمهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة فقال له أنا أعلم بكتاب الله منهم فقال صدقت ولكن القرآن حمال ذو وجوه وأيضا لا يتيسر في كل تركيب من التراكيب القرآنية تفسير ثابت عن السلف بل قد يخلو عن ذلك كثير من القرآن ولا اعتبار بما لم يصح كالتفسير المنقول بإسناد ضعيف ولا بتفسير من ليس بثقة منهم وإن صح إسناده إليه وبهذا تعرف أنه لا بد من الجمع بين الأمرين وعدم الاقتصار على مسلك أحد الفريقين وهذا هو المقصد الذي وطنت نفسي عليه والمسلك الذي عزمت على سلوكه إن شاء الله مع تعرضه للترجيح بين التفاسير(12/4)
المتعارضة مهما أمكن واتضح لي وجهه وأخذي من بيان المعنى العربي والإعرابي والبياني بأوفر نصيب والحرص على إيراد ما ثبت من التفسير عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أو الأئمة المعتبرين وقد أذكر ما في إسناده ضعف إما لكون في المقام ما يقويه أو لموافقته للمعنى العربي وقد أذكر الحديث معزوا إلى راويه من غير بيان حال الإسناد لأني أجده في الأصول التي نقلت عنها كذلك كما يقع في تفسير ابن جرير والقرطبي وابن كثير والسيوطي وغيرهم ويبعد كل البعد أن يعلموا في الحديث ضعفا ولا يبينونه ولا ينبغي أن يقال فيما أطلقوه إنهم قد علموا ثبوته فإن من الجائز أن ينقلوه من دون كشف عن حال الإسناد بل هذا هو الذي يغلب به الظن لأنهم لو كشفوا عنه فثبتت عندهم صحته لم يتركوا بيان ذلك كما يقع منهم كثيرا التصريح بالصحة أو الحسن فمن وجد الاصول التي يروون عنها ويعزون ما في تفاسيرهم إليها فلينظر في أسانيدها موفقا إن شاء الله واعلم أن تفسير السيوطي المسمى بالدر المنثور قد اشتمل على غالب ما في تفاسير السلف من التفاسير المرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وتفاسير الصحابة ومن بعدهم وما فاته إلا القليل النادر وقد اشتمل هذا التفسير على جميع ما تدعو إليه الحاجة منه مما يتعلق بالتفسير مع اختصار لما تكرر لفظا واتحد معنى بقولي ومثله أو نحوه وضممت إلى ذلك فوائد لم يشتمل عليها وجدتها في غيره من تفاسير علماء الرواية أو من الفوائد التي لاحت لي من تصحيح أو تحسين أو تضعيف أو تعقب أو جمع أو ترجيح(12/5)
فهذا التفسير وإن كبر حجمه فقد كثر علمه وتوفر من التحقيق قسمه وأصاب غرض الحق سهمه واشتمل على ما في كتب التفاسير من بدائع الفوائد مع زوائد فوائد وقواعد شوارد فإن أحببت أن تعتبر صحة هذا فهذه كتب التفسير على ظهر البسيطة انظر تفاسير المعتمدين على الرواية ثم ارجع إلى تفاسير المعتمدين على الدراية ثم انظر في هذا التفسير بعد النظرين فعند ذلك يسفر الصبح لذي عينين ويتبين لك أن هذا الكتاب هو لب اللباب وعجب العجاب وذخيرة الطلاب ونهاية مارب الألباب وقد شميته
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
مستمدا من الله سبحانه بلوغ الغاية والوصول بعد هذه البداية إلى النهاية راجيا منه جل جلاله أن يديم به الانتفاع ويجعله من الذخائر التي ليس لها انقطاع
واعلم أن الأحاديث في فضائل القرآن كثيرة جدا ولا يتم لصاحب القرآن ما يطلبه من الأجر الموعود به في الأحاديث الصحيحة حتى يفهم معانيه فإن ذلك هو الثمرة من قراءة
قال القرطبي ينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه فينتفع بما قرأ ويعمل بما يتلو فما أقبح بحامل القرآن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم معنى ما يتلوه فكيف يعمل بما لا يفهم معناه وما أقبح به أن يسال عن فقه ما يتلوه ولا يدريه فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارا وينبغي له أن يعرف المكي من المدني ليفرق بين ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام وما ندبهم إليه في آخر الإسلام وما فرض في أول الإسلام وما زاد عليهم من الفرائض في آخره فالمدني هو الناسخ للمكي في أكثر القرآن(12/6)
وقال أيضا قال علماؤنا وأما ما جاء في فضل التفسير عن الصحابة والتابعين فمن ذلك أن علي بن أبي طالب ذكر جابر بن عبدالله ووصفه بالعلم فقال له رجل جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت فقال إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى ) إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ( وقال مجاهد أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل الله وقال الحسن والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيمن نزلت وما يعني بها وقال الشعبي رحل مسروق في تفسير آية إلى البصرة فقيل له إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إلى الشام حتى علم تفسيرها وقال عكرمه في قوله عز وجل ) ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ( طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته قال ابن عبدالبر هو ضميرة بن حبيب وقال ابن عباس مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يمنعني الامهابته فسألته فقال هي حفصة وعائشة وقال إياس بن معاوية مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من عند مليكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب وذكر ابن أبي الحواري أن فضيل بن عياض قال لقوم قصدوه ليأخذوا عنه العلم لو طلبتم كتاب الله لوجدتم فيه شفاء لما تريدون فقالوا قد تعلمنا القرآن فقال إن في تعلمكم القرآن شغلا لأعماركم وأعمار أولادكم فقالوا كيف يا أبا علي قال لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ومحكمة ومتشابهة وناسخة من منسوخة فإذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة وللسلف رحمهم الله من هذا الجنس ما لا يأتي عليه الحصر
سورة الفاتحة(12/7)
معنى الفاتحة في الأصل أول ما من شأنه أن يفتتح به ثم أطلقت على أول كل شيء كالكلام والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية فمسيت هذه السورة فاتحة الكتاب لكونه افتتح بها إذ هي أول ما يكتبه الكاتب من المصحف وأول ما يتلوه التالي من الكتاب العزيز وإن لم تكن أول ما نزل من القرآن وقد اشتهرت هذه السورة الشريفة بهذا الإسم في أيام النبوة قيل هي مكية وقيل مدنية
وقد أخرج الواحدي في أسباب النزول والثعلبي في تفسيره عن علي رضي الله عنه قال نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة والثعلبي والواحدي من حديث عمرو بن شرحبيل ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما شكا إلى خديجة ما يجده عند أوائل الوحي فذهبت بن إلى ورقة فأخبره فقال له إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأرض فقال لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل بسم الله الرحمن الرحيم حتى بلغ ولا الضالين ) الحديث وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن رجل من بني سلمة قال لما أسلمت فتيان بني سلمة وأسلم ولد عمرو بن الجموح قالت إمرأة عمرو له هل لك أن تسمع من أبيك ما روى عنه فساله فقرأ عليه الحمد لله رب العالمين وكان ذلك قبل الهجرة وأخرج أبو بكر بن الأنباري في المصاحف عن عبادة قال فاتحة الكتاب نزلت بمكة فهذا جملة ما استدل به من قال إنها نزلت بمكة واستدل من قال إنها نزلت بالمدينة بما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وأبو سعيد بن الأعرابي في معجمه
والطبراني في الأوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة ( رن إبليس حين أنزلت فاتحة الكتاب ) وأنزلت بالمدينة(12/8)
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابونعيم في الحلية وغيرهم من طرق عن مجاهد قال نزلت فاتحة الكتاب بالمدينة وقيل إنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة جمعا بين هذه الروايات
وتسمى أم الكتاب قال البخاري في أول التفسير وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن أيوب عن محمد بن سيرين كان يكره أن يقول أم الكتاب ويقول قال الله تعالى ) وعنده أم الكتاب ( ولكن يقول فاتحة الكتاب ويقال لها الفاتحة لأنها يفتتح بها القراءة وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام(12/9)
قال ابن كثير في تفسيره وصح تسميتها بالسبع المثاني قالوا لأنهت تثني في الصلاة فتقرأ في كل ركعة وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( لأم القرآن هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم ) وأخرج ابن جرير في تفسيره عن أبي هريرة أيضا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ( هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني ) وأخرج نحوه ابن مردويه في تفسيره والدارقطني من حديثه وقال كلهم ثقات وروى البيهقي عن علي وابن عباس وأبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى ( سبعا من المثاني ) بالفاتحة ومن جملة أسمائها كما حكاه في الكشاف سورة الكنز والوافية وسورة الحمد وسورة الصلاة وقد أخرج الثعلبي أن سفيان بن عيينة كان يسمي فاتحة الكتاب الواقية وأخرج الثعلبي أيضا عن عبدالله بن يحيى بن أبي كثير أنه سأله سائل عن قراءة الفاتحة خلف الإمام فقال عن الكافية تسأل قال السائل وما الكافية قال الفاتحة أما علمت أنها تكفي عن سواها ولا يكفي سواها عنها وأخرج أيضا عن الشعبي أن رجلا اشتكى إليه وجع الخاصرة فقال عليك بأساس القرآن قال وما أساس القرآن قال فاتحة الكتاب وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( إن الله أعطاني فيما من به علي فاتحة الكتاب وقال هي من كنوز عرشي ) وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده عن علي نحوه مرفوعا وقد ذكر القرطبي في تفسيره للفاتحة إثنى عشر اسما وهي سبع آيات بلا خلاف كما حكاه ابن كثير في تفسيره وقال القرطبي أجمعت الأمة على أن فاتحة الكتاب سبع آيات إلا ما روى عن حسين الجعفي أنها ست وهو شاذ وإلا ما روى عن عمرو بن عبيد أنه جعل إياك نعبد آية فهي عنده ثمان وهو شاذ انتهى وإنما اختلفوا في البسلمة كما سيأتي إن شاء الله وقد أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن الأنباري في المصاحف عن محمد بن سيرين أن أبي بن كعب وعثمان بن عفان كانا(12/10)
يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال كان عبدالله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف وقال لو كتبتها لكتبت في أول كل شيء وقد ورد في فضل هذه السورة أحاديث منها ما أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ( لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد قال فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال نعم الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) وأخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي من كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له ( أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ثم أخبره أنها الفاتحة ) وأخرجه النسائي وأخرج أحمد في المسند(12/11)
من حديث عبدالله بن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ( ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن قلت بلى يا رسول الله قال اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها ) وفي إسناده ابن عقيل وقد احتج به كبار الائمة وبقية رجاله ثقات وعبد الله بن جابر هذا هو العبدي كما قال ابن الجوزي وقيل الأنصاري البياضي كما قال ابن عساكر وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما أخبروه بأن رجلا رقى سليما بفاتحة الكتاب وما كان يدريه أنها رقية ) الحديث وأخرج مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث ابن عباس قال بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده جبريل إذ سمع نقيضا فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط قال فنزل منه ملك فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته ) وأخرج مسلم والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثا غير تامة ) وأخرج البزار في مسنده بسند ضعيف عن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت ) وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن أبي زيد وكان له صحبة قال ( كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض فجاج المدينة فسمع رجلا يتهجد ويقرأ بأم القرآن فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستمع حتى ختمها ثم قال ما في القرآن مثلها ) وأخرج سعيد بن منصور في سننه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ( فاتحة الكتاب شفاء من كل سقم ) وأخرج أبو الشيخ نحوه من حديثه وحديث أبي هريرة مرفوعا وأخرج الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان بسند رجاله ثقات(12/12)
عن عبدالملك بن عمير قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فاتحة الكتاب ( شفاء من كل داء ) وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن جرير والحاكم وصححه عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه ( أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أقبل راجعا من عنده فمر على قوم وعندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله أعندك ما تداوي به هذا فإن صاحبكم قد جاء بخير قال فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام في كل يوم مرتين غدوة وعشية أجمع بزاقي ثم أتفل فبرأ فأعطاني مائة شاة فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال كل فمن أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق ) وأخرج الفريابي في تفسيره عن ابن عباس قال ( فاتحة الكتاب ثلث القرآن ) وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من قرأ أم القرآن وقل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن ) وأخرج عبد بن حميد في مسنده بسند ضعيف عن ابن عباس يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فاتحة الكتاب تعدل بثلثي القرآن ) وأخرج الحاكم وصححه وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في الشعب عن أنس قال ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير له فنزل فمشى رجل من أصحابه إلى جنبه فالتفت إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ألا أخبرك بأفضل القرآن فتلا عليه الحمد لله رب العالمين ) وأخرج أبو نعيم والديلمي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزي شيء من القرآن ولو أن أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات ) وأخرج أو عبيد في فضائله عن الحسن مرسلا قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من قرأ فاتحة الكتاب فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان )(12/13)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي وفقنا لأداء أفضل الطاعات ووفقنا على كيفية اكتساب أكمل السعادات وهدانا إلى قولنا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من كل المعاصي والمنكرات بسم الله الرحمن الرحيم نشرع في أداء كل الخيرات والمأمورات الحمد لله الذي له ما في السموات رب العالمين بحسب كل الذوات والصفات الرحمن الرحيم على أصحاب الحاجات وأرباب الضرورات مالك يوم الدين في إيصال الأبرار إلى الدرجات وإدخال الفجار في الدركات إياك نعبد وإياك نستعين في القيام بأداء جملة التكليفات اهدنا الصراط المستقيم بحسب كل أنواع الهدايات صراط الذين أنعمت عليهم في كل الحالات والمقامات غير المغضوب عليهم ولا الضالين من أهل الجهالات والضلالات والصلاة على محمد المؤيد بأفضل المعجزات والآيات وعلى آله وصحبه بحسب تعاقب الآيات وسلم تسليما أما بعد فهذا كتاب مشتم على شرح بعض ما رزقنا الله تعالى من علوم الفاتحة ونسأل الله العظيم أن يوفقنا لإتمامه وان يجعلنا في الدارين أهلا لإكرامه وإنعامه إنه خير موفق ومعين وبإسعاف الطالبين قمين وهذا الكتاب مرتب على مقدمة وكتب أما المقدمة ففيها فصول -
الفصل الأول
في التنبيه على علوم هذه السورة على سبيل الإجمال(13/1)
اعلم أنه مر على لساني في بعض الأوقات أن هذه السورة الكريمة يمكن أن يستنبط من فوائدها ونفائسها عشرة آلاف مسألة فاستبعد هذا بعض الحساد وقوم من أهل الجهل وألغي والعناد وحملوا ذلك على ما ألفو من أنفسهم من التعلقات الفارغة عن المعاني والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمباني فلما شرعت في تصنيف هذا الكتاب قدمت هذه المقدمة لتصير كالتنبيه على أن ما ذكرناه أمر ممكن الحصول قريب الوصول فنقول وبالله التوفيق إن قولنا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لا شك أن المراد منه الاستعاذة بالله من جميع المنهيات والمحظورات ولا شك ان المنهيات إما أن تكون من باب الاعتقاد أو من باب أعمال الجوارح أما الاعتقاد فقد جاء في الخبر المشهور قوله ستفترق أمتي
على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة وهذا يدل على أن الاثنتين والسبعين موصوفون بالعقائد الفاسدة والمذاهب الباطلة ثم إن ضلال كل واحدة من أولئك الفرق غير مختص بمسألة واحدة بل هو حاصل في مسائل كثيرة من المباحث المعلقة بذات الله تعالى وبصفاته وبأحكامه وبأفعاله وبأسمائه وبمسائل الجبر والقدر والتعديل والتجوير والثواب والمعاد والوعد والوعيد والأسماء والأحكام والإمامة فإذا وزعنا الفرق الضالة - وهو الاثنتان والسبعون - على هذه المسائل الكثيرة بلغ العدد الحاصل مبلغا عظيما وكل ذلك أنواع الضلالات الحاصلة في فرق الأمة في جميع المسائل العقلية المتعلقة بالإلهيات والمتعلقة بأحكام الذوات والصفات بلغ المجموع مبلغا عظيما في العدد ولا شك أن قولنا أعوذ بالله يتناول الاستعاذة من جميع تلك الأنواع والاستعاذة من الشيء لا تمكن إلا بعد معرفة المستعاذ منه وإلا بعد معرفة كون ذلك الشيء باطلا وقبيحا فظهر بهذا الطريق أن قولنا أعوذ بالله مشتمل على عشرة آلاف مسئلة أو أزيد أو أقل من المسائل المهمة المعتبرة(13/2)