قال تعالى (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ {112} البقرة) لله لام حرف جر لله، أخرى (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {22} لقمان) مرة لام ومرة إلى، هناك واحد أسلم وجهه إلى الله والآخر أسلم وجهه لله طبعاً ربما لم تخطر على بال أحد لماذا؟ مرة واحد أسلم وجهه إلى الله وواحد أسلم وجهه لله. مثلاً أنا أقول أعطيت ألف درهمٍ إلى فلان أو أقول أعطيت ألف درهمٍ لفلان ما الفرق؟ حروف الجر هذه معجزة اللغة العربية هذه هي العكوس للحنفيّات يعني هذا البوري الذي تشرب أنت منه الماء هذا يخرج يمين ويسار ويصعد هذا يربط بعكس هذا العِكس هو الذي يوجه الماء بدونه الماء لا يصل ينفرط الماء في كل مكان الذي يمسك الماء ويوجهه توجيهاً صحيحاً هذه العكوس التي تربط المواسير ببعضها هذا العكس الصغير كحرف الجر هو الذي يوجه معنى اللغة العربية وخاصة لغة الكتاب العزيز. فرق كبير بين كما علمتم (أُنزِل علينا) على حرف جر و(أُنزِل إلينا) إلى حرف جر هنا أيضاً فرق كبير بين أسلمت وجهي لله للذي فطرني وبين أسلمت وجهي إلى الله. كما قلنا أعطيت إلى فلان ألف درهم أنت لم تعطيه بيدك ولكن بعثته مع شخص يا فلان خذ هذا المال وأعطه إلى فلان فالعطاء تم لكن طريقته أني أرسلته إليه من بعدي بواسطة من بعيد وقد يكون لم يصل بعد. لكن لما أقول أعطيته لفلان وصل ووضعه في جيبه.(1/159)
هذا الفرق بين كما يقول الدكتور نجيب الفرق بين أسلمت وجهي إلى الله واحد أسلم حديثاً هو مسلم لكن إلى الآن لم يصل فلا يزال في بداياته تعلم كيف يصلي وتعلم كيف يتوضأ وكيف يتقرب من رب العالمين وكيف يتقدم درجات درجات ويتدرج من مسلم عام إلى مسلم كذا إلى مؤمن عام إلى مؤمن خاص إلى تقي إلى أن ينتقل من البعد إلى العند إلى أن يصير (الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ (206) الأعراف) وصلوا من هذا الطريق إلى أن صار عند ربك. هذا طبعاً من البداية اسلم وجهه إلى الله ولكن بعد ما وصل ولكن عندما يقول (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) هذا وصل. حينئذٍ هذا وصل للقمة بدليل الإحسان حينئذٍ عندما تقرأ (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ). الأخرى (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) ما زال متمسكاً وانظر القرآن هذا نهايات الآيات أعجوبة (إِلَى اللَّهِ) يعني هو ما زال بادئاً يقول (اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) ما زال هو بتسلق يعني أنت ما زلت تصعد لكن هذا بأسلوب عروة وثقى وأنت ماسك ويسحبونك أو أنت تندفع بمصعد كهربائي إلى الجبال كما رأينا هذا في بعض دول العالم تطلع هكذا بشكل عامودي حينئذٍ هذا إلى الله متجه إلى الله متوجه حينئذٍ كما قلنا عن إلينا وعلينا. فحينئذٍ إذا قرأت في القرآن الكريم (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) سيدنا إبراهيم بعد ما عرف قال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {79} الأنعام) للذي وليس إلى الذي هذا في البداية عندما كان يبحث عن ربه كان إلى الله إلى ربه الآن وصل.(1/160)
لاحظ هذا الفرق بين (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ) وبين (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) كما قال سيدنا إبراهيم (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ {99} الصافات) إلى لسه في الطريق في الأخير وصل (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي) مش إلى الذي هكذا وعلى هذا النسق نفس الآيتين واحدة تقول (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) الحج) وتقول الأخرى (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الذي قال (لله) وصل أمري الآن بيد الله وأنا معه أنا مع عبدي (الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) وصل هذا (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) الحج). الآخر (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) لسه عاد لما نوصل الأمور تعود إلى الله في النهاية. هذا الفرق بين التعبير القرآني المعجز.
*في آية البقرة يقول تعالى (فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) ولم يقل في لقمان لا انفصام لها؟(1/161)
السياق هو الذي يحدد، قال تعالى في سورة البقرة (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)) قال (فمن يكفر بالطاغوت) والطاغوت رأس كل طغيان من ظالم أو غيره، هذا معنى الطاغوت من كان رأساً في الطغيان مثل فرعون والشيطان وجمعها طواغيت. فمن يكفر بالطاغوت أحياناً الكفر بالطاغوت يؤدي إلى أذى شديد وهلكة إذن تحتاج إلى (لا انفصام لها) يعني لا يحصل فيها أي خدش أو انفصال أو شيء. لما ذكر الكفر بالطاغوت الذي قد يؤدي إلى مظلمة كبيرة أو إلى عذاب أو إلى هلكة أكّد ربنا تعالى فقال (لا انفصام لها) أما في لقمان فهي اتباع (ومن يسلم وجهه إلى الله فقد استمسك بالعروة الوثقى) لا تحتاج. لذلك لما ذكر الكفر بالطاغوت الذي قد يؤدي إلى هلكة (فرعون صلّبهم في جذوع النخل) قال (لا انفصام لها) تستمسك ولا تنفصم ولا تنفصل وكأنها تحفيز للإستعصام والاستمساك بالله سبحانه وتعالى.
*ما دلالة (فقد) في قوله تعالى (فقد استمسك بالعروة الوثقى)؟
((1/162)
قد) حرف تحقيق على الماضي وإن كان على المضارع حصل أكثر من سؤال هل هي تفيد التقليل؟ هي من معانيها التقليل، (قد) إذا دخلت على المضارع تفيد التحقيق والتكثير ومن معانيها الشك. تفيد التوكيد والتكثير (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء (144) البقرة) (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا (18) الأحزاب). أحياناً يسألون أليست (قد) للتقليل إذا دخلت على المضارع؟ هذا من أحد معانيها وليس معناها الكامل كما يذكر النحاة. (قد نرى تقلب وجهك) هذا يقين، للتحقيق إذا عرفنا أن الفعل متحقق إذن (قد) تفيد التحقيق. الله تعالى يرى ويعلم سبحانه وتعالى. إذا دخلت (قد) على الماضي فهي للتحقيق أن الأمر تحقق وأحياناً قد تغير معنى الفعل من دعاء إلى خبر مثلاً تقول رزقك الله محتمل أنك تدعو له بالرزق وتحتمل أنك تخبر أن الله رزقه وأعطاه لكن لو قلت (قد رزقك الله) لا يمكن أن تكون دعاء وإنما إخبار لذا لا يصح أن تقول قد غفر الله لك وإنما تقول غفر الله لك أنت مخبر ولست داعياً. إذن (قد) تفيد التحقيق إذن (فقد استمسك بالعروة الوثقى) تعني تحقق استمساكه.
أيها الراكب الميمم أرضي أقري من بعضي السلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بأرضٍ وفؤادي وساكنيه بأرضِ
قد قضى الله بالفراق علينا فعسى باجتماعنا سوف يقضي
إن بيتاً أنت ساكنه غير محتاج إلى السُرُج
ومريضاً أنت عائده قد أتاه الله بالفرج
إذن (فقد استمسك) تحقق استمساكه، هذا تحقق لأنه في الغالب الفعل الماضي بعد جواب الشرط في الغالب استقبال (درست نجحت) إذا قلت فقد نجحت أي تحقق الأمر مثل الدعاء تقول: غفر الله له يعني تدعو له، قد غفر الله له تحقق. (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) المؤمنون) هذا إخبار وتحقق. إذن (فقد استمسك بالعروة الوثقى) تحقق استمساكه.(1/163)
ذكرنا يسلم واختيار الفعل المضارع ووقفنا عند (فقد) وهو قال استمسك ولم يقل أمسك (فقد استمسك). استمسك استفعل قد تفيد المبالغة في التمسك والاستمساك، أحياناً إستفعل لها معاني قد تكون للطلب (الألف والسين والتاء) مثل استنصره أي طلب نصره (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ (72) الأنفال) استنجد به أي طلب النجدة، استغفر طلب المغفرة. وقد تكون للمبالغة مثل استيأس (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ (110) يوسف) فيها مبالغة في اليأس، ومثل استقر فيها مبالغة في الاستقرار (قرّ واستقرّ)، استمسك المبالغة في الاستمساك. قد تكون بمعنى الوجود على الشيء استصغره يعني وجده صغيراً. المحدِّد الدلالي هو السياق فاستمسك هنا للمبالغة في الإمساك. وثد تأتي للصيرورة بمعنى التحوّل مثل استنوق الجمل، لها معاني متعددة، مثل استحجر الطين أي صار حجراً. فإذن استمسك هو المبالغة في الاستمساك. للعلم الإستمساك في القرآن لا يأتي إلا في أمور الدين (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) الزخرف) كلمة استمسك هذه وردت في أمور الدين (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) الزخرف) وهذا من خصوصيات الاستعمال القرآني واستمسك في اللغة تأتي بمعاني عدة. ثم وصف العروة بأنها الوثقى ولم يقل الوثيقة لاحظ المبالغات لم يقل العروة الوثيقة وإنما هي أوثق العرى وهي أعلى درجات التفضيل. العروة هي ما يُمسك به والوثقى هي أقواها وأمتنها لم يقل وثيقة.(1/164)
وثيقة وثيق تأتي صفة مشبهة وتأتي صيغة مبالغة وتأتي فعيل بمعنى مفعول، وثقى فُعلى مؤنث الأوثق، مذكّر الوثقى الأوثق، الأعظم – العظمى، الأفضل – الفضلى، الأكبر – الكبرى (نقول الكبرى أو كبرى بالإضافة مثل كبرى النساء) الفُعلى تأتيث الأفعل، الأوثق هو الدرجة العليا في التفضيل تقول أكبر من فلان لكن تقول فلان الأكبر أي الأكبر من كل من عداه ولا يصح أن تأتي بـ (من) فلا يقال فلان الأكبر من فلان. الوثقى تأنيث الأوثق وليست تأنيث أوثق.
(وإلى الله عاقبة الأمور) تقديم الجار والمجرور للحصر لأن الأمور عاقبتها ترجع إليه وحده سبحانه وتعالى ولو قال عاقبة الأمور إلى الله لا تدل على الحصر. استمسك فيها مبالغة والوثقى فيها مبالغة والتقديم فيه حصر، من كل المؤشرات نستدل على أن نسلم وجوهنا إلى الله تعالى ونفوض أمورنا إلى الله ونسلم انقيادنا إليه مع الإحسان لأنه تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة تسلم وجهك ليس فقط في حالة وقوعك في أمر وإنما ينبغي أن تكون محسناً حتى يكون الاستمساك بالعروة الوثقى ينبغي أن لا يكون في حالة شدة فقط.
*ما الفرق بين قوله تعالى (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ {28} آل عمران) - (إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ {53} الشورى) - (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ {109} آل عمران) - (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {22} لقمان)؟(د.أحمد الكبيسى)
((1/165)
إلى الله المصير) فيما يتعلق بنهاية رحلتنا نحن كبشر من عباد الله من بني آدم رحلتنا طريقة وطويلة مما كنا في ظهور آدم في عالم الأمر ورب العالمين خاطبنا (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى {172} الأعراف) ثم بقينا هناك إلى أن تزوج آباؤنا بأمهاتنا ثم حملوا بنا ثم ولدنا ثم مشينا في الطريق إلى أن متنا ثم ذهبنا إلى البرزخ والبرزخ عالم تحدثنا عنه طويلاً ثم سوف نبعث يوم القيامة ثم سوف نحشر مسيرة طويلة جداً إلى أن تصل أجسامنا وأجسادنا إلى ساحة المحشر هذا مصيرنا (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) تبقى الخطوة الأخيرة عندما نتوجه إما إلى الجنة وإما إلى النار ذاك ممشى آخر. إذاً صار (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {126} البقرة) المصير في أجسادنا عندما نقف أمام الله وبين يديه (إلى الله المصير) انتهت الرحلة. عندما أصبحنا في المصير النهائي لمن تصير الأمور؟ في الدنيا كان الأمر لأبيك لأختك لأمك للملك للحاكم للمعلِّم للمدرس للمؤدب للأنبياء الخ، في تلك الساعة لمن تصير الأمور؟ أنت جسدك صار إلى النهاية (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) أمرك بيد من؟ مصيرك بيد من؟ بيد الله إذاً صار (إلى الله المصير) بجسدك (إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) بالحكم عليك وشؤونك وأحوالك كلها إلى ما لا نهاية. هذا الفرق بين مصيرك أنت كإنسان وبين أن تصير أمورك كلها مباشرة بدون أسباب بيد الله عز وجل هذا الفرق بين (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) وبين (إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ). نحن وقفنا أما رب العالمين فهذا المصير رب العالمين سبحانه وتعالى في تلك الساعة سوف يحاسبنا، من الذي يملك المحاكمة؟ ومن الذي يملك أن يحكم عليك بالخلود في النار أو بالخلود في الجنة؟ هذا يسمى مرجعية الحكم.(1/166)
من هي المرجعية التي يكون كلامها هي الفصل؟ عند الخصومة في الدنيا القاضي هو الذي ترجع إليه الأمور تذهب أنت والخصم عندك محامي وهو عنده محامي وتذهب إلى المحكمة وأوراق ودعاوى ثم يقف الخصمان أمام القاضي فالقاضي هو الذي يحكم بينكما فترجع الأمور إلى القاضي الذي يقوله القاضي هو الصح ليس هناك غيره، هذا في الدنيا إلى القاضي ترجع الأمور يوم القيامة لمن ترجع الأمور؟ إلى الله عز وجل. فهذه تتكلم لما رب العالمين ينزل كما في الحديث ثم بعد المحشر ينزل الله سبحانه وتعالى للفصل بين العباد، هذا الفصل الحساب ثم إصدار الحكم هذا (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ثم حكم عليه، صدر الحكم المرجعي صدر الحكم من مرجعيته المباشرة وهو الله عز وجل إلى أين نتوجه؟ قال ستتوجهون حتى النهاية (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) إما خالدٌ في الجنة أو خالد في النار، فلما تمشي من ساعة الحساب ثم تعبر الصراط وعلى الصراط هناك مشاكل وبعد الصراط حوض الكوثر وبعد حوض الكوثر دخول الجنة ثم يستقبلونك على الباب ويكون لديك مدير أعمال يأخذوك إلى دارك هذا الممشى (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) العاقبة آخر شيء، عقب الإنسان آخر شيء، إلى الله في الطريق وأنت ذاهب إلى أن تستقر استقراراً نهائياً إما في الجنة خالداً أو في النار خالداً (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الذي يدخل النار ثم يخرج منها هذا إلى العاقبة على أن يخرج من النار ثم يغتسل ثم يذهب إلى الجنة في الطريق كل هذا إلى الله (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) المرحلة النهائية لما يصل كل واحد منا إلى داره إلى سكناه ويدخل القصر واستقبال حافل كما جاء في الكتاب والسنة (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {41} الحج). هذا الفرق بين (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) وبين (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).(1/167)
وهناك انتهى الأمر وأصبحنا (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ {23} سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ {24} الرعد) هذه العاقبة آخر شيء (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) هذا هو الفرق بين (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) و (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
آية (23):
(وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23))
قال (من كفر) بالماضي وقبلها قال (ومن يسلم) بالمضارع. في آية سابقة قال تعالى (وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ (40) النمل) الشكر يتجدد وينبغي أن يتكرر لأن النعم متكررة متجددة فكل نعمة تستوجب شكر فقال ومن يشكر أما الكفر يكفي أن يكفر فمسألة واحدة (ومن كفر). قلنا من يسلم وجهه إلى الله، يفوض أمره إلى الله أو يتبع أوامر الله الاتّباع مسائل كثيرة وما يقتضي التفويض إلى الله أمور كثيرة متعددة في الحياة فقال (ومن يسلم) أما من كفر ليس بالضرورة أن يتجدد الكفر لو كفر في الاعتقاد مرة واحدة فلا يحتاج إلى التكرار. (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ (22) لقمان) قلنا إما يتبع أوامر الله أو يفوض أمره إلى الله وقلنا الإتباع في أمور كثيرة والتفويض تفويض الأمور إلى الله وما يحصل فيها والمصائب التي تقع عليه وما يحذره وما يخافه أمور كثيرة جداً فقال (ومن يسلم وجهه).
*ما دلالة الفاء في (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ) ثم ما دلالة هذا التعبير بالذات وما اللمسات البيانية فيها؟
((1/168)
وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ) لو تأملنا فيه فهو تعبير غريب وليس مثل فلا تحزن لكفره، الكفر فاعل والكاف المخاطب مفعول به (المخاطَب هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - )، في اللغة المنهي هو الفاعل لما أقول لا يضرب محمد خالداً المنهي هو محمد، المنهي هو الفاعل ففي الآية الكفر هو المنهي وليس الرسول - صلى الله عليه وسلم - . المعنى العام لا تحزن لكفره هذا أصل المعنى لكن كيف اختار التعبير؟ لماذا لم يقل فلا تحزن لكفره. في اللغة المنهي هو الفاعل إلى المفعول. لم يقل تعالى فلا تحزن وإنما قال (فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ) الكاف مفعول به. لو قال لا تحزن يكون الفاعل المخاطب (أنت) لكن في الآية المنهي هو الكفر. المنهي في الآية هو الكفر يعني أيها الكفر لا تُحزِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ينهى تعالى الكفر ألا يُحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إشفاقاً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكأن الكفر يريد أن يُحزِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . هذه فيها تعبير مجازي كأن الكفر ذات عاقلة تريد أن تحزن الرسول فينهاه تعالى (فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ) تعبير في غاية اللطافة والرقة. قال تعالى في آيات أخرى (وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل) ليس هنا مفعول به منهي. في القرآن (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) فاطر) لأن الشيطان يغرّ المسلم، المنهي هو إبليس لكن المقصود به الإنسان أن لا يغتر بإبليس. (فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ) المنهي هو الكفر أن لا يُحزِن رسول الله.(1/169)
الفاء في (فَلَا يَحْزُنكَ) الفاء يمكن حذفها. ذكرها له معنى وحذفها له معنى. الفاء هنا عرّفتنا جواب الشرط ولو حذف الفاء لا تكون شرطية، هناك ضوابط لاقتران الفاء بجواب الشرط. الفاء تحتمل أن تكون موصولة وتحتمل أن تكون شرطية والذي يحدد أحياناً ضابط لفظي كأن يكون الجزم (من يدرس ينجح) هذا شرط للأن إسم الموصول لا يجزم. هذا الذي يحدد الفاء الموطن موطن وجوب اقتران الفاء بالشرط لأن هذا نهي (لا) الناهية إذا كانت (من) شرطية فالفاء لا بد أن تأتي, وإذا كانت (من) موصولة لا تأتي الفاء. لو لم تأتي بالفاء في الآية تكون موصولة، الفاء شرطية وهذا هو المقصود. وإذا كانت موصولة ومن كفر لا يحزنك كفره المعنى ليس واحداً. الشرط يفيد العموم قطعاً (من يستعن بالله يعنه) لا يقصد شخص معين. أما الموصول فلا يدل على الغموم لأن الموصول معرفة وقد يكون المعرفة للجنس أو للواحد (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) المدثر) شخص معين واحد هو الوليد بن المغيرة. الموصول لا يقتضي أن يكون جنساً يحتمل أن يكون واحداً معيناً أو جنساً (أكرمت من زارني) من يزورني أكرمه، من يعتدي عليّ أعتدي عليه. الشرط يدل على العموم والكوصول ليس بالضرورة وفي الآية أراد تعالى العموم وليس جماعة معينة في الكفر وإنما الكلام على الإطلاق وفهمنا الإطلاق من الفاء.(1/170)
هذه الفاء عيّنت أن (من) شرطية والشرط يفيد العموم إطلاقاً لأنه لو قال لا يحزنك يحتمل أن يكون جماعة معينة بينهم مشادة أو أذى لا تعني غيرهم لكن عندما جاء بالفاء صارت للعموم ولو حذفها ليست بالضرورة للعموم إذن ذكرها ليس كحذفها، وجود الفاء يحدد معنى الشرطية لـ (من) وهذا فيه العموم وهذا هو المقصود بالآية.
*قال تعالى في الآية (إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ (23)) بالجمع وفي آية سابقة قال (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ (15) لقمان) بالمفرد واضافة (ثم) فما الفرق؟
(إلينا) ضمير التعظيم، إليّ ضمير الإفراد. الآية السابقة (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)) الآية السابقة في مقام الوحدانية والنهي عن الشرك فجاء بضمير الوحدة (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) (وإن جاهداك على أن تشرك بي) كلها في مقام التوحيد والنهي عن الشرك فيقول (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ). أما الآية الثانية فليست في مقام التوحيد فجاء كضير التعظيم وأيضاً قدم الجار والمجرور (إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ) للحصر أي إلينا مرجعهم لا إلى غيرهم.
*هنا قال (فَنُنَبِّئُهُم) وفي مواطن أخرى قال (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60) الأنعام) فما الفرق؟(1/171)
في الآية السابقة في لقمان قال (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم (15)) (ثم) عاطفة تفيد التراخي. في الآية لم يأتي بـ (ثم) قال (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ). في الآية الأولى الكلام على التراخي معناها تقريب المرجع (إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ) هنالك مهلة أما في الآية لم يكن هناك مهلة وإنما جعل المرجع أقرب. لماذا جعل هناك مهلة وهنا لم يجعل مهلة بدون (ثم)؟ هو جاء بـ (ثم) هناك أكثر من سبب قال (وَإِن جَاهَدَاكَ) المجاهدة قد تسغرق وقتاً وقال (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) فيها وقت (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) فيها وقت وهذا يناسب (ثم). أما في هذه الآية ليس فيها ما يدل على التراخي ما يقتضي التراخي أما في تلك الآية ما يدل على التراخي. السياق في هذه الآية ليس فيه تراخي كأن فيه تقريب الأمر (إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ) وقت قليل وينتهي لما نهاه عن الحزن فقال له الوقت قريب ولا يعقل أن ينهاه عن الحزن وأن لا يهتم بهذا ثم يقول له هناك وقت طويل فقال (إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ) إذن هناك أكثر من مسألة استدعت استعمال (ثم). عندما ترى صاحبك في ضيق وتريد أن تخفف عنه تقول له الدنيا قصيرة فتقلل الأمر في عينه حتى يخف فلما قال تعالى (فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ) يريد أن يصبره فقال أن الوقت قصير (إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ) المهم أن تهون المسألة عليه لا العكس، الله تعالى ينهاه عن الحزن فلا يطيل الوقت عليه.
العرب كان تعرف هذا وهم كانوا إذا أرادوا أو يواسوا شخصاً يقولون له الدنيا قصيرة.
*قال تعالى (فأنبئكم) وفي مواطن أخرى لم يستعمل الفاء فلماذا؟(1/172)
في مواطن قال (فأنبئكم) (فينبئهم) (ثم ينبئهم) الأمر الأساسي في فهم التعبير هو السياق ووضعه في مكانه. أصل السياق في الدنيا (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا (159) الأنعام) لم يذكر إلينا مرجعهم. هناك لما ذكر المرجع صار بين الدنيا والتنبيه وقت طويل قال (ثم ينبئهم) وهناك قال (إلي مرجعهم) فلما رجعوا سيكون التنبيه أقرب وهنا لم يقل الرجوع (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (14) المائدة) إلى يوم القيامة الوقت ممتد فيقول سوف، السياق هو الذي يحدد. لما يذكر الكلام إذا كان السياق مبني على التأخير يقول (ثم). (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) الأنعام) ليس هناك استعجال فلا يقول فأنبئكم. في نفس السياق (قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) الأنعام) يقول (ثم) لأن المقام ليس في الاستعجال. السياق الذي يحدد ولا ينبغي أن نقطع كلمة من سياقها.
*قال تعالى بما عملوا وفي آية سابقة في السورة قال بما كنتم تعملون فما الفرق بين الآيتين؟(1/173)
الآية الكريمة قوله تعالى (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ذكرنا بعض الأمور التي تتعلق بالآية فيما سبق ووقفنا عند قوله تعالى (فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا). ربنا تعالى في آية سابقة في السورة نفسها قال (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)) (كنتم تعملون) هذا الماضي المستمر، كان يعمل مستمر، كنتم تعملون أي كنتم مستمرون على العمل في الماضي يسمى الماضي المستمر و(عملوا) هذا الماضي المنقطع. هناك أكثر من ماضي وأنواعه متعددة لكن في الآية (بما كنتم تعملون) بالماضي المستمر وهذه الآية بالماضي المنقطع (بما عملوا). السبب كما ذكرنا أكثر من مرة أن السياق يحدد المسألة، في الآية السابقة ذكر استكرار المجاهدة (وإن جاهداك) واستمرار المصاحبة بالمعروف (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) واستمرار الإتباع اتباع المنيبين إليه (واتبع سبيل من أناب إليّ) ثم قال (ثم إلي مرجعكم) و (ثم) تفيد المهلة والتراخي، هذه الأمور تحتاج إلى استمرار عمل، هنا ليس فيها استمرار عمل (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا) ما ذكر أموراً فيها دلالة على استمرار العمل لكن المصاحبة والمجاهدة واتباع سبيل المؤمنين ثم إلي مرجعكم أما هنا ما قال (ثم) فيها أصلاً إذن هناك سياق الآية يدل على استمرار العمل قال بما كنتم تعملون جاء بالماضي المستمر وهنا ليس فيها استمرار عمل فقال بما عملوا فإذن هذه مناسبة لهذا الموضع وتلك مناسبة للموضع الذي وردت فيه.(1/174)
الماضي المستمر له دلالات سياقية. مسألة الماضي فيها أكثر من ستة عشر زمن في الماضي، يُدرّس للأطفال الفعلال ماضي أنه ما مضى وانقطع فقط وتبقى هذه المعلومة ثابتة بينما الماضي كثير هناك الماضي المنقطع، وأحياناً الماضي بحد ذاته هكذا عملوا، هو الآن ماضي منقطع أي انقطع وانتهى لأن الماضي بهذه الصورة قد يكون ماضي واستمر عليه لم ينقطع (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) طه) ليس مرة واحدة (وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) الأعراف) وأحياناً المنقطع لما يكون مسبوقاً بـ (كان) مثل قد كان فعل (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ (15) الأحزاب). وأيضاً هناك الماضي المعتاد كان رسول الله يفعل كذا أي معتاد عليه كان رسول الله ? يمسح كذا ثلاثاً ماضي معتاد بمعنى الماضي المستمر يسمونه المعتاد أي ما اعتاد عليه. هناك كلام كثير في الماضي.
*قال تعالى (فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا) بالفاء وفي سورة المائدة قال (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (14))؟
ذكرنا هذا الأمر في الحلقة السابقة أنه في بعضها لم يذكر إلينا مرجعهم وهنا ذكر إلينا مرجعهم فلما يكون المدة بين الرجوع والتنبيء ليست طويلة بينما لم يذكر أصلاً المرجع فيكون المسافة أطول وشرحنا أمثلة في حينها.
*في قوله تعالى (إن الله عليم بذات الصدور) لم يقل إننا مع أنه قال قبلها (إلينا مرجعهم) بضمير الجمع؟(1/175)
في أكثر من مناسبة ذكرنا أنه إذا ورد ضمير التعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على الإفراد وهذا سمت في القرآن الكريم لم يتخلف في أي موطن من المواطن في جميع القرآن. لما كان ما سبق هو في ضمير التعظيم (إلينا مرجعهم فننبئهم) يأتي بعده ما يدل على المرد لئلا تبقى في الذهن شائبة شرك فقال (إن الله عليم بذات الصدور) وهذا ثابت في القرآن واضح في جميع القرآن لم يتخلف في موطن واحد حيث ذكر ضمير التعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على أنه مفرد.
*(إن الله عليم بذات الصدور) مع أن الآية تتكلم عن الذي كفر ومع هذا لم يقل عليم به؟(1/176)
قال تعالى (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) كأنما المناسب أن الله عليم به أي بالكافر على الأقل. لو قال إن الله عليم به سيقصر العلم الآن على من كفر لكن لما قال عليم بذات الصدور صارت أشمل ودخل فيها الذي كفر وغيره. عليم بالذي كفر فيها تخصيص بالذي كفر تحديداً لو قال عليم به يعود الضمير على من كفر، إنما قال عليم بذات الصدور دخل فيها من كفر ومن لم يكفر والله تعالى ليس فقط عليم بالذي كفر بل هو عليم بذات الصدور عموماً فهذا حتى يفيد العموم وهذا في القرآن كثير (وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) الأعراف) ما قال إنا لا نضيع أجرهم وهذا أفاد أن هؤلاء من المصلحين معناه أن الذين يمسكون الكتاب وأقاموا الصلاة من المصلحين ثم هنالك مصلحون آخرون دخلوا فيهم فدخل فيهم هؤءلا وهؤلاء. من اعتدى على فلان فإننا نعاقب المعتدين فدخل فيهم من اعتدى على فلان وعلى غيره فهذا أفاد الشمول فدخل فيه هؤلاء ودخل فيه صار عموماً أن الله عليم بذات الصدور ولو قال عليم به المعنى يختلف من ناحية أخرى، هو قال بذات الصدور وذات الصدور يعني خفايا الصدور لو قال عليم به ستكون للأشياء الظاهرة إن الله عليم به أي بالشحص الذي كفر لكن لما قال بذات الصدور صار الخفايا يعني ما في داخل الصدور. فإذن شمل علمه ما في الصدور، (فننبئهم بما عملوا) هذا أمر ظاهر (إن الله عليم بذات الصدور) بذات الصدور هذا أمر خفي إذن هذا الكلام للظاهر والخفي، إذن لما قال بذات الصدور شملت الظاهر والباطن ولو قال عليم به أفادت الظاهر فقط.(1/177)
إذن أولاً أفادت الآية عموم العموم وليس الخصوص هؤلاء وغيرهم من كفر ومن لم يكفر وأيضاً الظاهر والباطن، الأمور الظاهرة وخفايا الصدور ولو قال عليم به لا تشمل هذا فإذن هذا توسع كثير والآن وضح أنه شمل علمه ما ظهر وما بطن ولو قال عليم به لم تشمل هذا الشيء.ثم قال عليم ولم يقل عالم، عليم صيغة مبالغة. في أكثر من مناسبة قلنا أن كلمة عالم في القرآن لم ترد إلا في علم الغيب خصوصاً والمفرد (عالم الغيب) أو الغيب والشهادة (عالم الغيب والشهادة) وعلاّم للغيوب وعليم مطلقة لكل شيء. لهذا قال عليم بذات الصدور وما قال علام ولا عالم وهذا من خصوصية استعمال القرآن الكريم لأنه خصص كلمة عالِم بهذا المعنى لكن من حيث الاستخدام اللغوي يتعاور بعض هذه الكلمات مكان البعض الآخر عدا المبالغة وإسم الفاعل، المبالغة فيها تكثير وإسم الفاعل ليس فيه تكثير هذا من حيث اللغة. وكذلك أكّد هذه المسألة بـ (إنّ) في قوله (إن الله عليم بذات الصدور) واستخدم عليم دونما عالم أو علام وقال بذات الصدور وليس به.
آية (24):
(نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24))
*كلمة (قليلاً) ما دلالتها وما إعرابها؟
((1/178)
قليلاً) فيها احتمالان في الإعراب محتمل أن نعربها مفعول مطلق يعني تمتيعاً قليلاً أي قليل وصف للمصدر أو نعربها ظرف زمان أي زمناً قليلاً. فإذن من حيث الإعراب تحتمل الحدث وهو تمتيعاً قليلاً وتحتمل الزمن زمناً قليلاً، وهو حذف الموصوف لأنه لو ذكر الموصوف لتحدد بشيء واحد لو قال زمناً أو تمتيعاً لحدد. حذف والآن يشمل الاثنين معناه يمتعهم تمتيعاً قليلاً زمناً قليلاً فجمع المعنيين بالحذف، الآن اتسع واستفدنا أنه يمتعهم تمتيعاً قليلاً زمناً قليلاً ولو ذكر لخصص الذي ذكره وأطلق الآخر. لو أراد أن يقول تمتيعاً قليلاً زمناً قليلاً، الحذف أغنى عن أن يقول تمتيعاً قليلاً زمناً قليلاً فشمل المعنيين وقال (نمتعهم قليلاً). بدل العبارة الطويلة حذف فتوسع المعنى (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (82) التوبة) بدل أن يقول فليضحكوا ضحكاً قليلاً زمناً قليلاً وليبكوا بكاء كثيراً زمناً كثيراً حذف فجمع المعنيين وأحياناً يكون الحذف أبلغ من الذكر وقد يكون الحذف للتوسع في المعنى وأحياناً الذكر يكون للتخصيص مثل (هو يُكرم) إطلاق و (هو يكرم فلاناً) تحديداً. إذن حينما يحذف لا بد أن تدل (قليلاً) على المعنيين نمتعهم تمتيعاً قليلاً زمناً قليلاً ولما تُعرب تُعرب باحتمالين، والحذف هنا جائز.
*في البقرة قال (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)) بضمير المفرد وفي لقمان بالجمع (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ) فما الفرق بينهما؟(1/179)
حتى نفهم المسألة نقرأ سياق آية البقرة لأن السياق هو الذي يوضح (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)) إذن آية البقرة في مكة (رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا) وقبل أن توجد مكة، ولما قال (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا (35) إبراهيم) هذا بعد البناء بعد أن صارت بلداً. فإذن آية البقرة في مكة وآية لقمان عامة (نمتعهم قليلاً) كلاماً عاماً وليس في بلد معين ولا أناس معينين. أيها الأكثر؟ الآية في لقمان، فجاء بضمير الكثرة وتسمى الكثرة النسبية (نمتعهم قليلاً) يعني يُعبَّر عن الأكثر بالضمير الذي يدل على الكثرة والجمع ويعبر عن الأقل بالمفرد. و (من) تحتمل ذلك إذن فمن كفر فأمتعه قليلاً وهؤلاء أقل من الذين قال فيهم أمتعه قليلاً هذا أقل من الذين نمتعهم فجاء بضمير الجمع. في القرآن يراعي هذا الشيء (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (42) وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ (43) يونس) الذين يستمعون أكثر من الذين ينظرون فقال يستمعون هذه تسمى مناسبة وهذا ما جعل المفعول في لقمان بالجمع وفي البقرة بالمفرد.
*قال تعالى(وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) في آية البقرة ونمتعهم بالجمع في آية لقمان؟(1/180)
هذا يدخل فيه أكثر من مسألة. مسألة التعظيم ذكرنا أنه لماذا قال (إن الله عليم بذات الصدور) وقلنا أن قبلها جاء بالجمع (إلينا مرجعهم) ثم هنا جاء بالمفرد وفي البقرة بالعكس ذكر الإفراد أولاً ثم الجمع. هذه فيها أكثر من مناسبة (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة) هذه جمع سيأتي بعدها مفرد، بعد الجمع يأتي المفرد، ضمير التعظيم (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ). والأمر الآخر قال (أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ) البيت نسبه تعالى إلى نفسه وصاحب البيت يتولى الأمر وربنا صاحب البيت يتولى هذا فقال (وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) وهو قال طهرا بيتي للطائفين هو صاحب البيت ويتولى من يسيء فهي أنسب من كل ناحية وقال بيتي فمناسبة أكثر للإفراد.
*في لقمان قال (إلينا مرجعهم) ولم يقلها في البقرة؟(1/181)
إبراهيم سأل ربه (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) إذن لما قال فأمتعه قليلاً كان من دعاء إبراهيم لما قال (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) والرزق فيه تمتيع إذن هذه المسألة ليست متعلقة بالتبليغ وإنما هو طلب الرزق (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) الجواب (فأمتعه قليلاً) لأنه طلب الرزق فالجواب يكون فأمتعه قليلاً وهذه ليست في التبليغ أما آية لقمان ففي التبليغ (ومن كفر) والسياق مختلف تماماً. فإذن لما كانت الآية في التبليغ قال (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا) أما في آية البقرة ليست في التبليغ فقال (فأمتعه قليلاً). في لقمان قال (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ولم يقلها في البقرة أيضاً، هؤلاء في آية لقمان الكفار موجودين أما هؤلاء الذين قال فيهم الآية في سورة البقرة لم يخلقوا بعد هذا باعتبار ما سيكون هم ليسوا مخلوقين أصلاً قال (اجعل هذا بلداً آمناً) فكيف يقول فلا يحزنك كفره هم غير موجودين ويأتون بعده بقرون، أما في آية لقمان فهو معاصر لهم يبلغهم.
*في لقمان قال (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24)) وفي البقرة قال (وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126))؟(1/182)
أيها الأشد أن تقول إلى عذاب غليظ أو إلى عذاب النار وبئس المصير؟ عذاب النار. عندما يقول عذاب غليظ هل معناه أنك ستحرقه؟ كلا لأنك لم تصرح أنه بالنار، عندما تقول سأعذبه عذاباً غليظاً هل معناه أنك ستحرقه؟ لم تصرح أنه بالنار، أما عذاب النار فيها حرق فأيها الأشد؟ عذاب النار. لم يذكر نار في لقمان وفي البقرة ذكر ناراً وبئس المصير إذن هذا العذاب أشد، ذكر النار وقال أنه بئس المصير. عذاب غليظ لا يشترط أن يكون بالنار قد يكون بعضا غليظة. قال عذاب النار في أهل مكة وإبراهيم يطلب البلد الآمن والرزق، السيئة في مكة تتضاعف أكثر بكثير من مكان آخر وكذلك الحسنة تتضاعف في مكة والسيئة في مكة تتضاعف فمن أساء في مكة في بلد الله الحرام ليس كمن أساء في غيرها، نفس السيئة إذا فعلها شخص في مكة ليست عقوبتها كمن أساء في غير مكة السيئة فيها تتضاعف والحسنة فيها تتضاعف فإذن عندما تكون السيئة تتضاعف فالعذاب يتضاعف ويشتد لذا قال عذاب النار وبئس المصير لأن ذكر السيئة والكفر في مكة ليس كالكفر في غير مكة والمعصية في مكة ليست كالمعصية في غير مكة الحسنة أكثر والسيئة أكثر ولذلك شدّد العذاب فقال عذاب النار وبئس المصير.
آية (25):
(وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25))
*في هذه الآية لم يقل الله تعالى ليقولن خلقهن الله مع أنه في سورة الزخرف قال تعالى (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)) فما الفرق؟(1/183)
كل الآيات التي سألهم فيها نحو هذا السؤال من خلق السموات والأرض أو من خلقهم يقولون الله من دون ذكر خلقهن الله أو خلقنا الله إلا آية الزخرف فقط (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) المعنى معلوم سواء ذكر فعل خلق أو لم يذكر. ولا شك أنه (ليقولن الله) أوجز من حيث الإيجاز الكلام أوجز و(ليقولن خلقهن العزيز العليم) هذا فيه توسع إذن هو المقام والبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال ففي مقام الإيجاز يوجز وفي مقام التوسع يتوسع.(1/184)
في الزخرف أراد أن يتوسع في الكلام على الخلق (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)) فذكر ما يتعلق بالخلق لم يقل فقط خلق السموات والأرض، في الآيات الأخرى التي لم يذكر خلقهن لم يذكر شيئاً في الخلق ولم يتوسع وقد تكون آية وحيدة وليس بعدها شيء يدل على الخلق مثلاً (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) العنكبوت) بعدها مباشرة (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)) ليس فيها خلق، (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) لقمان) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) الزمر) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)(1/185)
وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ (88) الزخرف) آية الزخرف هي الآية الوحيدة من بين ما ورد التي توسع فيها بالسياق ذكر الخلق فناسب لهذا التوسع والتفصيل أن يقول (خلقهن العزيز العليم) فالبلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
* لماذا جاء الفعل (ليقولَّن) بالنصب في آية سورة هود (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)) بينما جاءت بالضم في آية أخرى في سورة لقمان (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25)) ؟
في الآية الأولى في سورة هود الفعل يُبنى على الفتح لأن نون التوكيد باشرت الفعل المضارع لأنه مُسند إلى اسم ظاهر (الذين كفروا) والفعل يُفرد مع الفاعل وهذه قاعدة إذا كان الفاعل ظاهراً فنأتي بالفعل في حالة الإفراد ويُبنى على الفتح لأن نون التوكيد باشرته كما في قوله تعالى (وإذا جاءك الذين كفروا) ولا نقول جاءوك الذين كفروا.
أما في الآية الثانية فالفعل مُسند إلى واو الجماعة ولم تباشره نون التوكيد وأصل الفعل إذا حذفنا نون التوكيد (يقولون) ومثلها الآيات 61 و63 في سورة العنكبوت والآية 9 و87 في الزخرف والآية 38 في الزمر والآية 65 من سورة التوبة (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)) والآية 8 من سورة هود (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)).(1/186)
ولهذا فلا بد أن يكون الفعل في الآية الأولى مبني على الفتح لأنه مُسند إلى اسم ظاهر (ليقولَّن) والثاني مُسند إلى واو الجماعة (ليقولُنّ) مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين. أصل الفعل يقولون مرفوع بثبات النون وعندما جاءت نون التوكيد الثقيلة يصبح عندنا 3 نونات ويصبح هذا كثيراً فيحذفون نون الرفع وتبقى نون التوكيد واللام لام الفعل.
وفي الآية الأولى اللام في (ليقولنّ) واقعة في جواب القسم. (لئن) اللام موطّئة للقسم و(إن) الشرطية و(لئن) قسم. واللام في الاثبات لا بد أن تأتي في الجواب (حتى يكون الفعل مثبتاً). فإذا قلنا لئن سألتهم من خلق السموات والأرض يقولون يُصبح الفعل منفيّاً. في جواب القسم إذا أجبنا القسم بفعل مضارع إذا كان الفعل مثبتاً فلا بد من أن نأتي باللام سواء معه نون أو لم يكن معه نون كأن نقول "والله لأذهب الآن، أو والله لأذهبنّ" فلو حُذفت اللام فتعني النفي قطعاً فّإذا قلنا والله أذهب معناها لا أذهب كما في قوله تعالى في سورة يوسف (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)) بمعنى لا تفتأ. فمتى أجبت القسم بالفعل المضارع ولم تأت باللام فهو نفي قطعاً كما في هذه الأبيات:
رأيت الخمر صالحة وفيها مناقب تُفسد الرجل الكريما
فلا والله أشربها حياتي ولا أشفي بها أبداً سقيما
وكذلك:
آليت حَبَّ العراق الدهر أطعمه والحَبُّ يأكله في القرية السوس
فالقاعدة تقول أن اللام في جواب القسم دلالة على إثبات الفعل.
*قال تعالى (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) ما دلالة الحمد لله في الآية الكريمة؟(1/187)
لأكثر من سبب أولاً أن الحجة قامت عليهم هو يدعوهم ويبلغهم هم يعلمون لكن لما قالوا (ليقولن الله) صار إقراراً لذا يجب أن يعبدوا الله الذي خلقهم لا يشركون به شيئاً إذن الحجة لزمتهم وأبرأ نفسه فأقام الحجة عليهم. ثم الحمد لله الذي هدانا للحق اننا لم نكن مثلهم ممن يدعوهم الشيطان إلى عذاب السعير، إذن الحمد لأن الحجة قامت عليهم ,الزمتهم الحجة وأبرأ نفسه والحمد لله الذي هدانا إلى الحق ولم يجعلنا مثلهم أن نكون من أصحاب السعير والحمد لله الذي خلق السموات والأرض فهو سبحانه يستحق الحمد (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) إذن الحمد لله مناسبة لعدة جهات.
*قال تعالى في آية لقمان (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25)) وفي العنكبوت قال (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)) فما الفرق بينهما؟(1/188)
لا يعلمون يعني لا يعلمون أن الذي خلق السموات والأرض هو وحده المستحق للعبادة مع أنهم يعرفون أن الله هو الذي خلق السموات والأرض لكن لا يعلمون ماذا ينبني على هذا العلم. من آمن بالله ووحّده هذا علِم أن الذي خلق السموات والأرض هو مستحق لأن يُفرد ويوحّد ولا يُشرك به وهنالك آخرون يعلمون أن الله هو الذي خلق السموات والأرض لكن لا يعلمون ماذا ينبني على هذا العلم؟ مثل الذي يعلم البديهيات لكن لا يعلم ما ينبني عليها لا يعلمون أن الله مستحق للعبادة يعلمون الأساس ولا يعلمون ما ينبني عليه وما هو المطلوب منهم. هم يعلمون أن الله خلقهم لكن ما الذي ينبني على هذا العلم؟ هل ينبني عليه التوحدي؟ أكثرهم لا يعلمون هذا. مثلاً واحد يعرف أباه ويعلم أنه هو الذي رباه وأنفق عليه أغدق عليه النعم لكن لا يعلم أن عليه أن يطيعه ولا يعصيعه فيطيع ويشكر من لا فضل عليه. هذا الأول ثم نأتي للسؤال في العنكبوت قال (لا يعقلون) نفي عنهم العقل، طبعاً الذمّ بعدم العقل أشد من عدم العلم لأن نفي العقل معناه مساواة بالبهائم لأنه يتعلم بالعقل.(1/189)
ننظر في السياق: قال في لقمان (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) وفي العنكبوت قال (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)) في لقمان سألهم سؤالاً واحداً (من خلق السموات والأرض) وفي العنكبوت سألهم أكثر من سؤال، عن كلها قالوا الله يعني معرفتهم بكل هذه المسلّمات ثم لا يوحّدوه هذا عدم عقل. معناه ليس عندهم من العقل ما يترقون به من المسلمات إلى التوحيد. في لقمان سألهم سؤالاً واحداً من الأسئلة التي سألها في العنكبوت إذن كان الأمر في لقمان أيسر فقرنهم بما هو أيسر (لا يعلمون) وفي العنكبوت قرنهم بما هو أشد فقال (لا يعقلون).
آية (26):
(لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26))(1/190)
فكرة عامة عن الآية: الآية الكريمة (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)) نلاحظ ابتداءً أنه قدّم الجار والمجرور قال (لله ما في السموات والأرض) الذي هو الخبر على المبتدأ (لله) خبر و(ما في السموات) مبتدأ أصلها ما في السموات والأرض لله، فقدّم الجار والمجرور للحصر هذا من باب تقديم العامل على المعمول في الغالب يفيد الحصر أو القصر يعني لله ما في السموات والأرض حصراً لله ليس لأحد غيره. نلاحظ هنا أنه ذكر أن له ما في السموات والأرض وقبل هذه الآية قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) ذكر هنالك خلق السموات وهنا قال لله ما في السموات وهذا يدل على أن له السموات والأرض وما فيهما هنا ذكر ما فيهما لم يذكر السموات والأرض وإنما ذكر ما فيهما وهناك خلقهما إذن هو الصانع لهما فدل على أن له السموات والأرض وما فيهما باعتبار خالقاً وصانعاً ومالكاً لما فيهما لأن الشخص قد يكون يملك الظرف لكن لا يملك ما فيه، (لله) اللام تفيد الملكية. قد يملك الإنسان الظرف ولا يملك ما فيه فقد يملك أحدهم بيتاً وآخر يملك الأثاث فالأثاث للساكن والبيت لصاحب البيت. إذن لا نفهم من خلق السموات والأرض أنه يملك ما فيهما فالخلق شيء والملك شيء. هو خلق السموات والأرض إذن هما ملكه وذكر أن ما فيهما أيضاً ملكه إذن صار السموات والأرض وما فيهما ملكه حتى لا يظن ظان أنه مجرد خالق للسموات والأرض أما المالك فشخص آخر كمن عنده مخزن يؤجره لشخص يضع فيه بضاعة البضاعة لشخص والمالك شخص آخر، السموات الظرف والمظروف كله لله سبحانه وتعالى. إذن دل بهذه الآية ما قبلها أن الله تعالى مالك السموات والأرض ومالك ما فيهما.(1/191)
وقال سابقاً (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) تسخير، نستفيد من قوله (سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وقوله (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) على أنه المتصرف فيهما وليس فقط أنه المالك. هناك خلق وهنالك مِلك وهنالك تصرف. الخلق لا يغني عن الملك والتصرف. إذن هو المالك للسموات والأرض وما فيهما والمتصرف فيهما. أنت تملك داراً بنيتها وأثثتها فصارت الدار وما فيها لك والحاكم يريد أن يقيم شارعاً فرأى أن يهدم البيت فالحاكم هو المتصرف وليس أنت لأنه يحدد المصلحة العليا. إذن هنا المالك للسموات والأرض وما فيهما والمتصرف فيهما هو الله سبحانه وتعالى.
*قال تعالى هنا (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) وقال في الحج (وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)) فما الفرق بين الآيتين؟(1/192)
لما ذكر أن له ما في السموات والأرض معناه أنه غني هذا ابتداءً. وفي الآية السابقة لما قال (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) معناه أنه حميد، الذي له الحمد هو الحميد فهو الغني الحميد أي الغني المحمود في غناه وعلى وجه الإطلاق. ذكرنا سابقاً في قوله (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)) وتعرضنا لهذه الآية سابقاً، هنالك في الآية (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) لم يقل إن الله هو الغني الحميد من دون تعريف ومن دون ضمير فصل وهنا قال (إن الله هو الغني الحميد) بالتعريف (الغني الحميد) وضمير الفصل (هو). في آية الحج التي ذكرناها (وإن الله لهو الغني الحميد) زيادة على هذه الآية باللام (لهو). إذن صار عندنا ثلاث آيات: إن الله غني حميد، إن الله هو الغني الحميد، إن الله لهو الغني الحميد . في الآية الأولى الغني في عُرف الناس هو الذي يملك. في الآية الأولى عندما قال (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) لم يذكر له ملك وإنما قال (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) وضربنا مثلاً قول أحدهم أعطني حتى أكتب عنك وأذكرك في الصحف أو أثني عليك في قصيدة فيقول أنا غني عن مدحك، إذن إن يشكر أو يكفر فإن الله غني عن ذلك وذكرنا سليمان عندما أرسل إلى الخليل ابن أحمد بغال محمّلة وجاء إلى الخليل بن أحمد وهو في البصرة يأكل الخبز اليابس وقال له يقول الأمير تحوّل إلينا نكرمك وأتى له ببغال محمّلة قال الخليل:
أبلِغ سليمان أني عنه في جِدَة وفي غنى غير أني لست ذا مال(1/193)
غني عن هذا يكتفي بما هو عنده وغني عما يدفعه سليمان أو غيره من نعمة العيش ويكفيه رغيف خبز يابس وقال هذا عندي ما يكفيني. غني يستغني عما في أيدي الناس يرى في نفسه أنه مكتف عن غيره، هذه مرحلة أولى لذلك في الآية الأولى التي لم يذكر له ملك. في هذه الآية ذكر ملك قال (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أيها الأغنى أن تقول فلان غني أو فلان هو الغني؟ فلان هو الغني. لما ذكر له ما في السموات والأرض ليس مثل تلك التي لم يذكر له ملك، هنا قال (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فلما زاد الملك زاد في الغنى تخصيصاً ومعرّفاً وحصراً لم يبق شيء لغيره الآخرون ما يسمون أغنياء هم يملكون أشياء مالكها الله تعالى إذن (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي لا غني غير الله سبحانه وتعالى. نأتي إلى آية الحج (وإن الله لهو الغني الحميد) قال في الحج (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) الحج) أولاً كرر (ما) والتكرار يفيد التوكيد والسعة ولم يكتف بهذا وإنما قال وإنما جاء بالواو (وإن الله لهو الغني الحميد). آية لقمان التي نحن بصددها جعل ما في السموات والأرض دليلاً على غناه، استدل على غناه بأن له ما في السموات والأرض وفي آية الحج جعلها من غناه وليست الدليل على غناه، جعلها من جملة ما يملك وليست السموات والأرض دليل على غناه وإنما هو غني بأشياء أخرى. تقول فلان يملك مائة دار وألف بستان إنه غني وفلان يملك مائة دار وألف بستان وإنه غني يعني لو زالت هذه هو يبقى غنياً وهذه من جملة ما يملك، إذن الدور والبساتين هي من جملة ما يملك لو ذهبت هو يبقى غنياً وليست هي كل غناه أما تلك لما قلنا إنه غني جعلته بما ذكرت له مما يملك.(1/194)
في سورة لقمان جعل غنى الله مرتبطاً بملك السموات والأرض وفي آية الحج جعلها من جملة ما يملك، هذه الواو استئناف وليست عاطفة، (وإنه غني) يعني حتى لو ذهبت لا يؤثر على غناه. أيها الأولى بالتوكيد؟ الآية في سورة الحج لذا لا يمكن أن نضع تعبيراً مكان تعبير بلاغياً بيانياً لأن الموازين في التعبير دقيقة جداً (إن الله غني حميد) (إن الله هو الغني الحميد) (وإن الله لهو الغني الحميد) المشركون لم يكونوا يتكلمون بهذه البلاغة وهي متفاوتة عندهم لكنهم كانوا يفهمون هذا الكلام ويستشعرون الفروق الموجودة واللمسات أكثر مما يستشعر كل كلمة عاشقة مكانها، في أماكن متباعدة كأنها لمحة واحدة بينما كل كلمة نزلت في آية نزلت في زمن متباعد بينما هي كلها وضعت في وقت واحد، لا يمكن أن نتصدى لآية مبتورة عن السياق لا بد أن نضعها في السياق.
*مرة يقول (لله ملك السموات والأرض) ومرة يقول (لله ما في السموات والأرض) فما الفرق؟(1/195)
هناك فرق بين مُلك ومِلك، المُلك الحُكم فرعون قال (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ (51) الزخرف) يعني الحكم وليس مملوكة له. والمِلك من التملّك فصاحب المُلك مَلِك وصاحب المِلك مالك في الفاتحة نقول ملك يوم الدين ومالك يوم الدين لأنه تعالى الملك والمالك. لما يقول (ملك السموات والأرض) يعني هو الحاكم ولما يقول (له ما في السموات والأرض) هذا التملك مملوكة له. فإذن في مجموعة هذه الآيات أنه هو المالك وهو الملك، كل آية لا تدل على الأخرى (له ما في السموات) من التملك فهو ملكهما ومالكهما كما قال تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ (26) آل عمران) المُلك هو مِلكه (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء) بيده التصرف فهي ملكه. في الفاتحة هنالك قراءتان متواتران ملك يوم الدين ومالك يوم الدين، الآية نزلت مرتين مرة ملك يوم الدين ومرة مالك يوم الدين وهي قراءات نزل بها جبريل وأقرها رسول الله ? بأمر من ربه. هناك عشر قراءات متواترة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأمر من ربه.
آية (27):
(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27))(1/196)
فكرة عامة عن الآية: لما ذكر قبل هذه الآية أن له ما في السموات والأرض لربما يظن ظان أن هذا جميع ملكه، لكن جاءت بعدها (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) كلماته ما يريد أن يعمل ويخلق وكل شيء إذن لا حدود لملكه وخزائنه لعله يفهم أن ما سبق هو كل ما يملك فذكر لنا أن هذا ليس شيئاً إذا ربنا شاء أن يفعل فهذا شيء من كلماته سبحانه وتعالى. الآية (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ) معناها لو تتبعنا شجر الأرض شجرة شجرة ولذلك حتى الزمخشري قال لماذا لم يقل من شجر؟ لو تتبعناها شجرة شجرة وجعلنا من أغصانها كل واحدة أقلام والشجرة فيها عدد لا يحصى من الأقلام وكل ما في الأرض لا نترك شجرة نصنع منها أقلاماً، جميع أشجار الأرض تتبع وإحصاء وإنما شدرة شجرة بحيث لا تترك شجرة في الأرض ويضنع منها أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر بمداد (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) الكهف) يكتب به كلمات، الأشياء التي عنده تعالى في خزائنه، الأقلام تفنى والبحر ينفد ويجف ولا تنفذ كلمات الرحمن. اختار كلمات مع أنها جمع قلة واستخدم القرآن كلِم بالجمع (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ (46) النساء) أن كلماته لا تفي بها البحار فكيف بالكلِم؟! ما قل من كلمة لا تفي بها هذه البحار والأقلام فكيف بالكلِم؟! حتى نعلم أن ما ذكر قبلها من الآية هي شيء من كلماته سبحانه، ما في السموات والأرض مجرد شيء.
*(إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وفي نفس السورة قال (العزيز الحكيم) بتعريف العزيز الحكيم فما الفرق بين الآيتين؟(1/197)
هو سبحانه عزيز بقدرته التي لا تحد وعلمه الذي لا ينتهي وبخزائنه التي لا تنفد وحكيم لا يصدر فعله إلا عن حكمة. لو قرأنا الآية (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) والآية السابقة قال تعالى (وهو العزيز الحكيم) من دون تأكيد. هذه الآية في الآخرة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)) في الآخرة معلوم واضح أنه لا يبقى عزيز إلا هو ولا حاكم إلا هو حصراً أما في الدنيا نرى أشخاصاً أعزة وحكام وملوك يتداولون هذا في الدنيا أما في الآخرة فهو العزيز الأوحد وهو الحكيم الأوحد وهذا معلوم للجميع هذا يوم لا ينطقون يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون، هناك يظهر للجميع وهو معلوم أنه العزيز الأوحد لا عزيز سواه ولا حكيم سواه لذلك عرّف (هو العزيز الحكيم) حصراً لا عزيز سواه حصراً فالتعريف هنا يفيد الحصر.(1/198)
لما نقول هو عزيز يحتمل أن يكون هنالك عزيز آخر أما لما نقول هو العزيز أي لا عزيز غيره وفي الآخرة قال (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ولم يؤكد لأن التوكيد يكون عند المخاطب عنده شك أو ظنّ فيحتاج للتوكيد لكن هذا أمر ظاهر للجميع في الآخرة الأمر ظاهر لا يحتاج فقال (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حصراً بينما في الدنيا هناك من يخالف هناك من يشك هناك من يظن هناك من يقول لا هناك من ينكر قال (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وهنالك أعزة وهناك حكماء وهناك حكام وهنالك ملوك أما في الآخرة فالجميع يرون أنه ليس هنالك عزيز أصلاً لا أحد يتمكن أن يتكلم أو ينطق إلا إذا أراد الله فهو الحاكم والحكيم حصراً لا أحد يحكم سواه، في الآخرة قال (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حصراً وقصراً بما لا شك فيه. إذن ربنا تعالى يؤكد ما له إذا اقتضى المقام التأكيد ولا يؤكد إذا لم يقتض لتأكيد وهذا من البلاغة. لغوياً يجوز لكن بلاغياً فيها كلام. يجب أن نضع الآية في مسرحها هذه الآية في الدنيا أو في الآخرة ولا نقول أن عزيز في اللغة تعني كذا وحكيم تعني كذا لأن هذا أمر معجمي نأخذ المعاني من المعجم لنفهمها أما أمر بياني فيوضع في النص أنت تأخذ المعاني من المعجم لتفهمها أما في التركيب فشيء آخر. على سبيل المثال فسق خرج عن الطاعة، عندنا في القرآن المصدر فِسْق وفسوق في اللغة تعني الخروج عن الطاعة لكن القرآن يستعمل الفسق في سياق الأطعمة مطلقاً (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ (121) الأنعام) أما الفسوق فعام (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ (11) الحجرات) الفسوق عامة والفسق فقط في الأطعمة وهذا من خصوصية الاستعمال في القرآن. أيها الأكثر في الحروف الفسق أو الفسوق؟ الفسوق فجعلها عامة في كل عموم الفسق، هناك مواءمة بين أحرف الكلمات والدلالة.
آية (28):
((1/199)
مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28))
*(مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) لقمان) ما اللمسة البيانية في الآية وما هو ارتباط هذه الآية بما قبلها وما بعدها؟
هذه الآية أولاً من الناحية البيانية ارتبطت بما قبلها (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)) (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) لقمان) خلق الناس من كلمات الله وبعثة من كلمات الله، خلقكم كنفس واحدة من كلمات الله وبعثهم كنفس واحدة من كلمات الله. ختم الآية (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) وقبلها قال (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ما قبلها قال (عزيز حكيم). لاحظ كيف ارتبطت هذه الآية بخاتمة الآية السابقة من الناحية البيانية الخالق عزيز حكيم، الخالق له العزة والمخلوقات كلها من صنعه وهي له طائعة إذن هذا مرتبط باسمه (عزيز). الخالق حكيم، حكيم في خلقه وصنعه وخلقهم لحكمة أرادها (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) إذن هو حكيم في الصنع وحكيم في الغرض، إذن (مَّا خَلْقُكُمْ) ارتبط بقوله العزيز من حيث الحكمة والعزة. الذي يبعث الخلق (وَلَا بَعْثُكُمْ) عزيز حكيم، عزيز لأنه يجازي ويعذِّب ولا رادّ لأمره، حكيم بمعنى الحكم هو الحاكم، هكذا هو الحاكم (أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ (46) الزمر) وهو الحكمة (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون) إذن هو حكيم بمعنى الحكم وبمعنى الحكمة.(1/200)
إذن ارتبطت هذه بالآية وأيضاً بخاتمة الآية (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ) لأن الخالق والباعث عزيز حكيم من الحكم ومن الحكمة. وارتبطت هذه الآية بما بعدها (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى (29)) هذ الأجل مسمى هو البعث الذي يبعث الله فيه الخلائق الذي ذكره (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) لقمان) وهم يجرون كجري الشمس والقمر إلى منتهاه.(1/201)
وارتبطت بجو السورة التي شاع فيها ذكر الخلق والبعث قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (10)) (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (11)) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25)). والبعث شائع من أولها إلى آخرها أول السورة قال (وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) وفي آخرها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (23)) ارتبط بالبعث. قال (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)) الخلق ألا يكون سميعاً بصيراً؟ لا بد أن يكون، والذي يبعث لا بد أن يكون سميعاً بصيراً وإلا كيف يحاسبهم على أقوالهم وعلى أفعالهم ويسمع أقوالهم؟ بصير بأعماهم والأعمال قسم ظاهرة وقسم مضمرة، بصير بأعمالهم الظاهرة والمضمرة لأن البصير قد يكون من البصيرة. فإذن هي مرتبطة بالآية التي قبلها والآية التي بعدها والجو العام للسورة وبخاتمة السورة.(1/202)
ثم نلاحظ أنه قال (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ولم يقل (إن الله هو السميع البصير) لأنه أثبت السمع والبصر بخلقه في السورة فقال (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (20)) هذا بصر، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ (29)) هذا بصر، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ (31)) هذا بصر، السمع (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا (7)) هذا سمع، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا (21)) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25)) إذن أثبت لهم السمع والبصر.
*حينما نتأمل في هذه الآية المتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أنها تعبر عن القدرة الإلهة في الخلق والبعث والقريب للعقل أن تختتم الآية إن الله على كل شيء قدير ولكن الآية ختمت (سميع بصير) فكيف نفهم الخاتمة في سياقيات الآية؟(1/203)
الآية قد تحتمل أكثر من خاتمة فيمكن أن تجعل "إن الله على كل شيء قدير" وهذه يمكن أن تصلح لخاتمة أكثر من آية في السورة مثلاً يمكن أن نختم الآيات التالية بإن الله على كل شيء قدير (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ) تحتمل أن تكون هذه خاتمتها وكذلك في السور الأخرى قد تحتمل السورة أكثر من خاتمة لكن اختيار الخاتمة ينبغي أن يكون مناسباً للسياق الذي وردت فيه الآية والغرض الذي ذكرت من أجله الآية. هذه ليست كقتطعة وإنما الآية موضوعة في سياقها فلماذا ذُكِرت الآية؟ مثلاً في عموم الآيات أيّ آية ننظر هل هي واردة في سياق بيان القدرة الإلهية؟ أو بيان الحكمة؟ في عموم ما يرد في الآيات ننظر أي آية لأي غرض وردت؟ هل السياق لبيان القدرة أو بيان الحكمة أو بيان التفضل والنعمة، عموم الآيات، الآية عندما ننظر فيها لأي غرض وردت وفي أي سياق؟ بيان الغنى؟ بيان صفة الإلهية؟ بيان موقف الإنسان منها؟ مثلاً إنزال الماء من السماء وإخراج الزرع والفاكهة والحبوب هذا يمكن أن يساق في بيان قدرة الله ويمكن أن يساق في بيان نعمة الله على الإنسان والحيوان، زرع وحبوب وفاكهة هذا أمر آخر ويمكن أن يساق في أمر آخر للاستدلال على البعث والنشور ويمكن أن يساق في بيان جحود الإنسان لنعمة ربه وهذا كله ممكن في مسألة واحدة وهي إنزال الماء من السماء وإخراج النبات وكلها تحتمل، كيف تأتي الخاتمة؟ الخاتمة تختلف بحسب السياق والغرض.(1/204)
مثال: قال تعالى (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) آل عمران) قال (وتوفنا مع الأبرار)، (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران) هنا ختم الآية بـ(انصرنا على القوم الكافرين)، لو أخذناها مقتطعة لسألنا لماذا اختلاف الخاتمة؟ لكن الآية (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران) قبلها مباشرة (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)) هل يمكن في القتال أن تقول توفّنا؟ تقول في القتال انصرنا، لذا لا يجوز أن نقتطعها ونضع لها خاتمة. ولا يمكن أن تضع خاتمة تلك الآية في هذه الآية لأن كل منها في سيقا واحدة في سياق حرب وقتال وطلب الثبات.(1/205)
والقدامى يضربون لنا مثالاً (ون تعدوا نعمت الله لا تحصوها) وردت مرتين كل مرة بخاتمة، الآية الواردة في سورة النحل (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18)) هي في بيان صفات الله فختمها بقوله (إن الله لغفور رحيم) أما الثانية ففي بيان صفات الإنسان وجحوده، فلما كانت في بيان صفات الإنسان وجحوده ختمها (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) إبراهيم) النعم لا تحصى لكن الإنسان ظلوم كفار مع أن نِعَم الله إن الإنسان متتالية عليه ومتتابعة لكنه ظلوم كفار، السياق هكذا واحدة في صفات الله وواحدة في صفات الإنسان فلا يصح أن تؤخذ الآية مقتطعة من سياقها. حتى في حياتنا اليومية نذكر أمراً لكن الغرض من ذكره يختلف، مثلاً تذكر حادثة غريبة تدل على كسل شخص لكنك تذكر الحادثة لبيان صفة الشخص أو للتندر منها أو لبيان أن هذا الشخص لا يصلح في المكان الذي عُهِد به إليه أو سيفرِّط في المسألة، هي مسألة واحدة لكن ما الغرض من الذي ذكرته؟ التعقيب يكون بحسب الغرض من الذكر في حادثة واحدة يمكن أن نذكرها في أماكن متعدة وفي جلسات متعددة وهكذا ينبغي أن يكون النظر في خواتيم الآيات عموماً لا نقتطعها وإنما نضعها في سياقها وننظر الغرض في هذه الآية.(1/206)
ننظر في الآية (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) كيف اتفقت خاتمة الآية بسياقها؟ ابتدأت بالخلق والبعث وختمت بالسمع والبصر، الخالق ألا بد أن يكون سميعاً بصيراً؟ لا بد أن يكون سميعاً بصيراً، الذي يبعث الخلق من مدافنها لا بد أن يكون سميعاً بصيراً، الخالق الذي يخلق عباده ليعبدوه وليبلوهم أيهم أحسن عملاً لا بد أن يكون سميعاً لأقوالهم بصيراً بأعمالهم، الذي يبعثهم ليحاسبهم على أعمالهم لا بد أن يكون سميعاً لما قالوه في الدنيا وما يحتجون به في الآخرة، وبصير بأعمالهم في الدنيا وبما كانوا يعملون وبما أعد لهم لا بد أن يكون بصيراً بهذا الشيء وأنه لا يبقى منهم أحد لا يحاسب. أعمال الإنسان منها ما يُسمَع ومنها ما يُبصَر ومنها ما يُضمَر ولما قال (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) استوفى ما يُسمع وما يُبصر وما يُضمر، السميع يسمع والبصير يحتمل رؤية العين ويحتمل أن يكون من البصيرة (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) القيامة) (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر) البصير تحتمل من البصر ومن البصيرة إذن سميع يشمل ما يُسمع وبصير يشمل ما يُبصر وما يُضمر وقبلها قال (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23)) فإذن ذكر ما يُضمر تنصيصاً إذن هذه الآية شملت ما يُسمع وما يُبصر وما يُضمر وهذا يتلاءم مع الخلق والبعث ولا بد للخالق أن يكون كذلك والباعث لا بد أن يكون كذلك سميع بصير. ونفهم القدرة الإلهية من الخلق والبعث السمع والبصر ولو قال إن الله على كل شيء قدير هذا مفهوم أصلاً لكنه أضاف معنى جديد آخر.
*قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ولم يقل إن الله هو السميع البصير فما دلالة عدم توكيد سميع بصير؟(1/207)
لما يقول (هو السميع البصير) يعني المتفرد بالسمع والبصر لكنه أثبت لنا في السورة أنه سميع بصير في قوله (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (20)) يعني الإنسان يُبصر، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ (29)) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ (31)) إذن أثبت البصر للإنسان. وقال (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا (7)) يعني يجعل نفسه كأنه لا يسمع هو يسمع (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20)) الذي يجادل يسمع الكلام، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا (21)) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25)) أجابوا عن السؤال إذن أثبت لهم السمع وأثبت لهم الرؤية فكيف يكون متفرداً في السمع والبصر؟ السياق لا يتحمل هذا، في السورة أثبت لهم السمع والبصر. أحد معاني البصير من البصر وهي الأشهر فطالما أثبتها للعباد لا يتناسب أن يقول إن الله هو السميع البصير لأن السورة مليئة بالسمع والبصر.
* ما دلالة تقديم السمع على البصر.؟(1/208)
الأكثر في القرآن تقديم السمع على البصر (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) غافر) (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) الإنسان) (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) الفرقان) القدامى يقولون أن السمع أفضل واستدلوا على أنه تعالى لم يبعث نبياً أصمّ (يعقوب ? عميَ لكنه لم يفقد السمع)، الظاهر أن السمع بالنسبة لتلقي الرسالة أفضل من البصر لأن فاقد البصر يسمع الرسالة، القرآن يسمعه الأعمى ويفهم مقاصده أما الأصم فلا يفهم. إذن بالنسبة إلى تلقي الرسالة السمع أفضل وفاقد البصر يسمع. وقد يكون سبب آخر أن مدى السمع أقل من مدى الرؤية أنت ترى أشياء من بعيد لكن لا تسمعها تسمع الصوت أقرب فإذا اقتضى هذا الشيء قدم السمع (إنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه) يشير إلى معنى قريب منكم، مدى السمع أقرب فمعناها أنه قريب. وقد يقدّم البصر لكن في المواطن التي تقتضي، على سبيل المثال (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) السجدة) قدّم البصر لأكثر من سبب أولاً قال (وَلَوْ تَرَى) والرؤية تحتاج إلى بصر، هم قالوا (أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا) كانوا في الدنيا يسمعون عن جهنم والآخرة ولكن لا يبصروها والآن أبصروها وسمعوا، قدّم البصر لأولويته في هذا المقام والإبصار هنا أهم من السمع لأن السمع يدخل في باب الظن الشك أما الابصار فهو يقين قال (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) يقين.(1/209)
إذن التقديم والتأخير هو السمع على البصر على العموم لكن إذا اقتضى الأمر تقديم البصر على السمع يقدِّم، وفي الخِلقة يخلق الله تعالى السمع قبل البصر.
آية (29):
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29))(1/210)
فكرة عامة عن الآية وموقعها في السياق: الآية الكريمة وهي قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)) هو ذكر في السورة قبل هذا الموضع خلق السموات وذكر ما يتعلق بالأرض على العموم من إلقاء الرواسي وغيرها (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ (10)) فذكر خلق السموات والأرض على العموم وما ألقى في الأرض ثم ذكر تسخير ما فيها على العموم أيضاً (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (20)) إذن ذكر الخلق وما أودع فيهما على العموم وذكر ما فيهما على العموم وهنا ذكر تسخير بعض ما فيهما هناك تسخير ما فيهما (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) على العموم وهنا ذكر تسخير بعض ما فيهما يعني قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) هذه بعض ما في السموات ليس الكل، هناك تسخير عام وهنا تسخير خاص، وبعدها قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ (31)) وهناك تسخير بعض ما في الأرض. هناك لما قال (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وهنا ذكر بعض ما في السموات ثم قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ) هذا بعض ما في الأرض.(1/211)
إذن ذكر العموم في الخلق والتسخير ثم انتقل إلى الخصوص فذكر بعض ما فيهما وهو تسخير الليل والنهار والشمس والقمر من بعض ما في السماء وقال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ) هذا بعض ما في الأرض. إذن ذكر العموم ثم انتقل إلى الخاص، هكذا المنهج الذي سار عليه في كيفية ترتيب الآيات.
*ما وجه ارتباط هذه الآية (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) لقمان) بما قبلها وبأول السورة؟(1/212)
هي ليست مرتبطة فقط بأول السورة وإنما مرتبطة بما قبلها ومرتبطة بأول السورة. قبلها قال (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) لقمان) إلى قبلها مباشرة قال (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)) ثم تأتي هذه الآية (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)). أولاً (ولئن سألتهم ) والليل والنهار والشمس والقمر أليس مما في الأرض؟ بلى. الأجل المسمى (كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) وقبلها (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ) متى سيكون البعث؟ في الأجل المسمى الذي ذكره فهي مرتبطة بما قبلها إرتباطاً واضحاً. يأتي ارتباطها بأول السورة (الم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)) وقال في هذه الآية التي نحن بصددها (كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) هذا اليوم الذي يجازى فيه المحسنون ويحاسب فيه الكافرون، قال (وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) أليس هذا في الآخرة؟ بلى، هذا أمر.(1/213)
ربنا ختم الآية (وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)) ذكر الأعمال في أول السورة قال (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ (4)) أليست هذه أعمال، هو خبير بما تعملون وهذه أعمال، فكأنما هذه الآية جاءت بعد أول السورة، فإذن المناسبة ظاهرة بما قبلها وبأول السورة.
سؤال: هل كلنا مطالبٌ بأن يُعمل عقله وفكره وما أوتي من ثقافة حتى يفهم آي القرآن الكريم بهذا الشكل؟
بقدر ما يريد وبقدر اختصاصه والمنهج الذي يبتغيه والأمر ليس فيه تكليف وإنما يجتهد.
* هنا قال ألم تر بالمفرد وقبلها قال ألم تروا بالجمع فلماذا؟(1/214)
ننظر في السياق الذي يوضح لنا الإجابة. أولاً السياق في الآية الأولى بالجمع (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)) إذن الخطاب هو في الجمع فقال ألم تروا. هذا الآية في خطاب المفرد (وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25)) فقال ألم تر أن الفلك مفرد، السياق هناك في الجمع وهنا في سياق الإفراد، هذا يسمى تحوّل في الخطاب من الجمع إلى المفرد. ذكر أولاً ما في السموات وما في الأرض على العموم فلما ذكر ما في السموات وما في الأرض على العموم خاطب على العموم فقال (ألم تروا) بالجمع ولما ذكر بعض ما فيهما خصص فقال (ألم تر أن الله). إذن لما عمم جمع ولما خصص أفرد، لما ذكر العموم خاطب الناس على العموم ولما ذكر قسماً منهم خاطب بالإفراد فناسب بين الإفراد والإفراد والعموم والعموم. (ألم تروا) الخطاب هنا لكل واحد يرى لكل مخاطَب يصلُح أن يُخاطَب مؤمناً كان أو كافراً، المؤمن يزيد إيمانه والكافر لعله يتفكّر.
*ما دلالة تقديم الليل على النهار في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ)؟(1/215)
الليل أصلاً أسبق من النهار في الوجود لأنه قبل خلق الشمس كان كله ليل. قبل خلق الشمس كان ليلاً حتى المفسرون القدامى قالوا الليل هو الأصل بدليل قوله تعالى في سورة يس (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) يس) أي النهار هو كالغلاف، نسلخ يعني ننزع النهار فيصير ليل فإذا هم مظلمون. الأصل هو الليل والنهار هو غلاف ولو سلخنا النهار يصير ليلاً. (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُون (15) الحجر) إذا خرج أحد من الغلاف الأرضي لا يرى شيئاً وسيكون في ظلام دامس وهذا من الإعجاز العلمي، إذا صعد فوق الغلاف الجوي يصير ظلاماً دامساً ولا يبصر فالليل هو الأصل ولذلك قدم الليل. يولج يعني يدخل، في القرآن الكريم حيثما ورد الليل والنهار قدم الليل على النهار وكذلك تقديم الشمس على القمر، تقديم الليل لأسبقيته في الوجود. وكذلك القمر وجوده وقالوا القمر هو من الأرض أصلاً والأرض هي من الشمس (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا (30) الأنبياء) رتقاً بمعنى ملتصقتين والفتق الإبعاد بينهما كما قال الشاعر: فهي بنت الشمس أُمُّ القمر. إذن هذا التقديم مقصود بحد ذاته داخل القرآن. إذا قال يولج الليل في النهار لا يُفهم منها أنه يولج النهار في الليل لأن النهار قد يقصر وقد يطول والليل أيضاً قد يقصر وقد يطول فهو يولج هذا في هذا ويولج هذا في هذا الليل يدخله في النهار والنهار يدخله في الليل وهذا حاصل في كل لحظة وفي كل وقت الليل يأخذ من النهار والنهار يأخذ من الليل.(1/216)
عندما يولج النهار في الليل يصبح الليل أطول وبالعكس لما يولج الليل في النهار يصير النهار أطول في الصيف النهار أطول لأنه يأخذ جزءاً من الليل وهذا من جملة ما ذُكِر. ليس هذا فقط وإنما هو في كل لحظة يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل لأن الأرض كروية ففي كل لحظة ينتقل الليل والنهار في بقاع الأرض مرة يكون ليلاً ومرة يكون نهاراً، التي كانت ليلاً أصبحت نهاراً والتي كانت نهاراً أصبحت ليلاً فهو في كل لحظة يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ومن هذا نفهم رب المشرق والمغرب، رب المشرقين ورب المغربين، رب المشارق والمغارب، (رب المشارق والمغارب) من جملة ما ذكر فيها أن مشارق الشمس تختلف على مدار السنة في كل يوم تشرق الشمس من مكان وتغرب في مكان آخر ومنها قالوا مشارق الكواكب وليس فقط الشمس فالشمس لها مشارق ولها مغارب في كل يوم بل في كل لحظة فيها مشرق ومغرب لأنها في كل لحظة تشرق في مكان وتغرب في مكان على مدار السنة إذن هي مشارق ومغارب للشمس في كل لحظة وعلى مدار السنة وكذلك الكواكب فيها مشارق ومغارب، المشرقين والمغربين في السنة الصيف والشتاء لأنه في السنة مرتين تأتي لنفس الموضع تشرق من نفس المكان وتغرب في نفس المكان والمشرق والمغرب على العموم.
*ما الفرق بين يولج الليل ويكور الليل؟
الله تعالى يولج ويكور والتكوير استدل به ابن حزم على كروية الأرض وليس فيهما إشكال وإنما هذا زيادة في الإعجاز.
*قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) يولج جاءت بالفعل المضارع ومع الشمس والقمر جاء بالماضي فما دلالة تغير الزمن؟(1/217)
الفعل المضارع مع يولج لأنه يتجدد، الإيلاج يتجدد في كل لحظة والتسخير ربنا منذ خلقها سخّرها وليست هي كل لحظة مسخرة ابتداءً، بينما يولج في كل لحظة وفي كل يوم هو يولج فالمضارع يفيد التجدد والاستمرار أما سخرها فمنذ خلقها سخرها الله تعالى وهذا أنسب تعبير ولو قال يسخر الشمس والقمر لفهم أنه كل يوم يسخِّرها.
*قال تعالى (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ولم يقل سخر لكم كما جاء في آية قبلها (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (20))؟
تلك في مقام تعداد النعم (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20)) أما هذه الآية ففي سياق إظهار الآيات (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ (31)) فلما كان السياق في تعداد النعم على الإنسان قال (سخر لكم) ولما كان الكلام لمطلق القدرة وليست لها علاقة بالنعم قال (سخر). لما يقول (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) عامة وليست في باب تعداد النعم. قال (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى (29)) ذكر أن لهما أجلاً مسمى وهذا لا يناسب النعم لأن من تمام النعم الدوام بينما في الثانية ذكر انقطاع ولذلك للعلم حيثما قال (سخر الشمس والقمر) لم يقل إلى أجل مسمى في جميع القرآن مما يُفهم دوام النعمة لأنه لا يناسب الإنقطاع مع دوام النعمة ولذلك لم يرد في القرآن سخر لكم مع أجل مسمى مطلقاً لأن فيها إشعار بالإنقطاع. (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) يحدد معها إلى أجل مسمى أما (سخر لكم) فلأنها في تعداد النعم لا يقول فيها أجل مسمى.(1/218)
* (كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) عدى الفعل بإلى مع أنه في مواطن أخرى عداه باللام (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى (13) فاطر)؟
القدامى لفت انتباههم هذا الأمر طريقة تعدية الفعل بإلى واللام. (إلى) تفيد الإنتهاء، (اللام) قد تفيد الإنتهاء وقد تكون للتعليل قد تكون للغرض لغرض الوصول وبيان العلّة. مثال: أدرس لأنجح هذه اللام لبيان العلة والسبب، تأتي اللام بمعنى الإنتهاء والأصل أن دلالة (إلى) الإنتهاء واللام قد تأتي للانتهاء وقد تأتي للملك والاختصاص و للتعليل. قال القدامى حيث ورد فيها التنبيه على الإنتهاء والحشر يوم القيامة جاء بـ (إلى) وحيث كان الكلام على بداية الخلق يأتي باللام. قال (كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) هذه الآية في لقمان وقال قبلها (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)) وبعدها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)) الكلام عن الحشر، بينما في فاطر (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13)) هذه بدايات الخلق، الكلام في بدايات الخلق فقال (لِأَجَلٍ مُّسَمًّى)، أما في آية لقمان يتكلم عن الآخرة فقال (إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى).(1/219)
عندما يذكر نهاية الخلق يكون أقرب، الأجل سينتهي إلى أجل مسمى، هو ذكر انتهاء الغاية وذكر الحشر هو انتهاء الغاية فعندما ذكر انتهاء الغاية من حياة الناس يذكر (إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) وعندما يذكر بداية الخلق وليس انتهاء الخلق، مع البداية يذكر اللام وعندما يذكر النهاية يذكر الانتهاء (إلى). (إلى) هي الأصل في معناها الأساسي، واللام للشبه والملك ولها كثير من المعاني
واللام للمِلْك وشبهه وفي تعدية أيضاً وتعليل قفى وزيد
حتى في فاطر (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)) هذا ليس في نهاية الخلق وبعدها (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى (13)) الكلام ليس في نهاية الخلق. عندما يذكر الإنتهاء يذكر (إلى) وعندما بدايات الخلق لا يأتي بـ (إلى) وإنما يأتي بما يدل على الغرض والتعليل.
* ختمت الآية (وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فما دلالة تقديم العمل على الخبرة الإلهية؟(1/220)
مر هذا السؤال معنا في سورة الحديد. هنالك قاعدة استنبطت مما ورد في القرآن الكريم: إذا كان السياق في عمل الإنسان قدم عمله (والله بما تعملون خبير) لو كان السياق في غير العمل أو كان في الأمور القلبية أو كان الكلام على الله سبحانه وتعالى قدّم صفة الله خبير (خبير بما تعملون). مثال: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة) هذا عمل، لما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله (بما تعملون خبير)، (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) الحديد) هذا عمل، قتال وإنفاق ختمها (والله بما تعملون خبير) لما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله. (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) البقرة) هذا عمل فقدّم (والله بما تعملون خبير). (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) التغابن) هذا عمل أيضاً. ((1/221)
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل) هذا ليس عمل الإنسان فقدّم الخبرة على العمل وقال خبير بما تفعلون. أو لما يكون الأمر قلبياً غير ظاهر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) الحشر) فهذا على العموم أنه إذا كان الأمر في عمل الإنسان قدم العمل وإذا كان في غير عمل الإنسان أو في الأمور القلبية أو عن الكلام عن الله سبحانه وتعالى يقدم خبير. العرب كان تعي هذه المعاني والقواعد من حيث البلاغة، البليغ هو الذي يراعي، هذه أمور بلاغية فوق قصد الإفهام يتفنن في صوغ العبارة ومراعاة البلاغة. على سبيل المثال عندما تضيف إلى ياء المتكلم (هذا كتابي، أستاذي، قلمي) بدون نون، بالنسبة للفعل تقول أعطاني، أضاف نون الوقاية، عموم الكلمات نأتي بنون الوقاية مع الفعل مثل ضربني وظلمني أما مع الإسم فلا تأتي هذه قاعدة وعموم الناس يتكلمون بها دون أن يفطنوا إلى أن هذا إسم وهذا فعل، الناس يقولونها وهي قواعد أخذوها على السليقة. الناس يتفاوتون في البلاغة العرب كلهم كانوا يتكلمون كلاماً فصيحاً من حيث صحة الكلام ولذلك يؤخذ من كلام المجانين عندهم لأن المجانين يتكلمون بلغة قومهم ويستشهدون بأشعار المجانين لأن كلامهم يجري على نسق اللغة أما البلاغة فمتفاوتة ويقول ?: أنا أفصح من نطق بالضاد. صحة الكلام كل واحد يتكلم على لغة قومه أما من ناحية البلاغة فهناك تفاوت.(1/222)
الله تعالى تحداهم في البلاغة وفي طريقة النظم والتعبير وتحداهم بأن يأتوا بسورة والسورة تشمل قصار السور مثل العصر والكوثر سورة، الإخلاص سورة قبل التشريع وهناك إعجاز كثير في القرآن في الإخبار عن المغيبات والمستقبل وعندما تحداهم الله تعالى تحداهم بسورة ليس فيها تشريع وليس فيها إخبار عن الغائب أو عن الماضي.
في الآية قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى (29) لقمان) ما هو هذا الأجل؟ يوم القيامة. وهذا موعد النظر في الأعمال فقد العمل لأنه موعد النظر في الأعمال فقدم عمل الإنسان على الخبير فمن كل ناحية ناسب تقديم عمل الإنسان (وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
سؤال: إذن السياق القرآني له خصوصية خاصة؟
لا بد من النظر في السياق قبل إعطاء الحكم.
آية (30):
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30))(1/223)
فكرة عامة عن الآية: ذكر أمور إيلاج الليل في النهار وصفات ربنا تعالى وما ذكر من إيلاج الليل في النهار وتسخير الشمس والقمر وما إلى ذلك هذا كله سبب أن الله هو الحق الموجد الأول الذي أوجد هذا الكون. (ذلك) تعود على ما ذكر سابقاً، كيف حصلت؟ لأن الله الموجد الأول هو الذي فعّل ذلك هو الحق، وما يدعون من دونه الباطل لأنه لا يمكن أن تصنع مثل ذلك وما أمر به ونهى عنه هو الحق لأن ربنا لما كان هو الحق المبين فما فعله هو الحق ليس الباطل وما أمر به هو الحق وكل أوامره ونواهيه لازمة بسبب أنه الحق، فهو الحق تعليل لكل أفعاله وصفاته وتعليل للزوم طاعته سبحانه لأنه الحق والإنسان ينبغي أن يطيع ما هو حق والله هو الحق أوامره هي الحق ينبغي أن يُطاع، صفاته هي الحق ينبغي أن يُعبَد، الله هو الحق ينبغي أن يُعبد. اختيار كلمة الحق تحديداً كل هذا التسخير معناه أن الله هو الحقيقة الوحيدة الموجودة في الكون المستحقة للعبادة وليس ما يدعون من دونه أصنام وتماثيل التي هي الباطل بعينه والله هو الحق وحده وليس هناك حق بمنزلة هذا الحق، الباقي حق بما خلقه ربنا الجنة حق والنار حق كون ربنا خلقها وأوجدها وهو الحق فهي حق.
* كيف نفهم تعريف الحق والباطل في الآية؟(1/224)
فرق بين أن تقول هو حق فيكون من جملة ما هو حق أنت قلت هذا تلفاز فهو حق وهذا وهذا قدح وهو حق، هو حق لكن ليس هو الحق، الحق الأول الموجب لجميع الأشياء والذي أفاض على كل الأشياء الموجودة بالوجود، هي حق لأن الحق الأول أوجدها والأرض حق والسموات حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق وهذه مخلوقات لله تعالى وهي حق لأن الحق الأول هو الذي أوجدها لو لم يكن الحق الأول موجود لما وُجِد شيئ ولهذا تفرّد سبحانه وتعالى بالحق بالتعريف أنه هو الحق المطلق الواحد بهذا المعنى لا يتعداه. وأن ما يدعون من دونه من آلهة هو الباطل. الباطل بالتنكير على العموم والشمول لأنها بمقابل الحق سبحانه وتعالى ليست أن تقول هذه شجرة، هذا حيوان وهذا باطل، ليست بمنزلتها ولكن هذا جعل لله نداً وهو أعلى من منزلة الله (يدعون من دونه) هذا أكبر من الشرك فالشرك أن تجعل لله نداً كفار قريش مشركين لكن قالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) أما هؤلاء يعبدون من دونه يعني جعلوا الله تعالى جانباً (من دونه لا تعني أقل منه، من دونه غير ممن هو دونه) هم لا يعبدون الله أصلاً يعبدون من دونه أي ينحّون الله جانباً جعلوه بإزاء الله سبحانه وتعالى هذا هو الباطل بعينه ولو قال باطل لكان من جملة ما هو باطن فأراد تعالى أن يفخم فعلتهم هذه فقال الباطل العبادة أعلى شيء لأنها الغاية من خلق المكلّفين (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات). يدعون من دونه ويعبدون من دونه فهذه ليست مسألة جزئية، هذه مراعاة حالة محددة عند أناس كفروا بالله تعالى.
(وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ) قال ما يدعون ولم يقل من يدعون إظهاراً لجهلهم وسوء معتقدهم لأن (ما) لغير العاقل لأنهم يدعون غير عاقل ويتخذونه إلهاً.(1/225)
*في هذه الآية قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ) في آية الحج قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)) بضمير الفصل (هو) فلماذا هذا الفرق؟(1/226)
لا شك أن هو الباطل أقوى لأن ضمير الفصل يفيد التوكيد الحصر والسياق يوضح سبب اختيار كل تعبير. في سورة الحج الصراع مع أهل الباطل، أهل الباطل متمكنون يشردون المؤمنين ويقتلونهم (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)) ثم قال (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)) إذن أصحاب الباطل يقتلون المؤمنين ويجبرونهم على ترك ديارهم ويهاجرون في سبيل الله إذن هم متمكنون ولا تجد مثل هذا في لقمان، فلما كانوا كذلك بهذه القوة ووهذا التسلط فأكد الله تعالى بطلانهم (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) لا يغرنكم ما ترونه من تسلطهم وقوتهم فإذن هذا هو الباطل بعينه بإزاء قوة الله تعالى.(1/227)
في لقمان ليس فيها هذا الشيء، قال (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25)) كلها فيها أخذ ورد وسؤال وجواب ليس فيها صورة الباطل المتمكن الذي يعاند المعاجز المعاند الذي يقتل المؤمنين ويضطرهم إلى الهجرة فاحتاج الأمر إلى زيادة تثبيت للمؤمنين وعدم افتتانهم بسلطة أصحاب الباطل ولا شك أن للسلطان فتنة ورهبة فاقتضى السياق أن هؤلاء عليه هو الباطل وتوكيد ذلك هذا أمر وهو الأمر الأول وهو أن أصحاب الباطل في آية الحج هم متمكنون متسلطون معاجزون معاندون يفتنون المؤمنين إذن احتاج إلى تثبيت المؤمنين في هذه الناحية فأكد أن ما عليه هؤلاء هو الباطل.(1/228)
هذا أمر وسبب آخر أنه تقدم في سورة الحج ذكر ما يدعون من دون الله من المعبودات الباطلة (يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ {71}) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)) الكلام على المعبودات الباطلة جاري في آية الحج فأكد أن هؤلاء هو الباطل وليس ذلك في لقمان. فهنالك أمران دعيا إلى التأكيد في سورة الحج أولاً قوة وتسلط أصحاب الباطل في سياق آية الحج وذكر معبوداتهم التي يعبدونها فذكر أنهم على باطل وأن معبوداتهم باطلة لا تنفع شيئاً فأكد هذا الأمر وليس في لقمان هذا السياق فلم يقتضي هذا الأمر. إذن آي القرآن الكريم تغطي كل حالة بقدرها وكل تعبير مناسب لما ورد فيه. مع أن الآيتان تبدوان متشابهتان إلا في ضمير الفصل الذي اقتضاه السياق من أكثر من جهة السياق اقتضى تأكيد أن أهل الباطل ما يدعون من دونه هو الباطل لأنه ذكر عدة مرات ما يدعون من دون الله ولم يذكر هذا الأمر في لقمان وذكر تمكن أصحاب الباطل وقوتهم.(1/229)
لو قال في الحج وأن ما يدعون الباطل الآية صحيحة لكن بلاغة التعبير تكون أقل والبلاغة توزن بالميزان الدقيق لأن البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال ومقتضى الحال في كل آية مختلف.
والأمر الآخر أن الضمير (هو) من الناحية اللفظية في سمة التعبير ورد في سورة الحج 13 مرة وفي لقمان ورد 7 مرات فقط لأن السمة التعبيرية في السياق لها أثرها أيضاً فكأنما ورد في سورة الحج ضعف ما ورد في سورة لقمان. وضمير الفصل أصلاً ذكر في الحج 8 مرات وفي لقمان 3 مرات. إذن فمن كل النواحي السمة التعبيرية أو البلاغية أو غيرها ذكر (هو) في آية سورة الحج أكثر مما يقتضيه في سورة لقمان.
* ختمت الآية (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)) ماذا عن هذه الفاصلة؟
جاء بضمير الفصل في الآيتين وعرف العلي الكبير، والعلي هو القاهر الذي ليس فوقه شيء (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) الأنعام) والكبير السلطان العظيم الشأن. إذن بعد أن وصف ربنا تعالى نفسه بأنه هو الحق ووصف ما يدعون من دونه الباطل ذكر أن هذا الحق هو عالي على وجه الثبوت والدوام والحق هو العالي دائماً والباطل هو سافل مهين، الحق هو العالي فالحق هو العالي الذي يزهق الباطل وهو العالي على وجه الدوام والثبوت وظاهر وهو القاهر والباطل هو سافل مهين يزهقه الحق فالحق كبير والباطل صغير صغراً وصغاراً صغير في الحجم وصغار في الحقيقة (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ (124) الأنعام) الصغار بمعنى الذلة مهما انتفش ومهما انتفخ فهو صغير وذليل.
* ألا توحي كلمة (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ) أنه العلي الكبير؟ وكلمة العلي ألا توحي بأنه كبير؟(1/230)
الحق أحياناً يأتي في موطن الموت مثلاً (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (53) فصلت). الآية الكريمة أرادت أن تعلي الله تعالى وتضعه في مكانه اللائق بجلاله وعزيم سلطانه في مثل هذا السياق. (وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ (39) النار) هنا الله هو الحق لكن غير هذا الحق، غير سياق. إذن حتى تعدد صفات الله وأسمائه كل إسم يضيف دلالة جديدة حسب السياق الذي يرد فيه.
آية (31):
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31))(1/231)
فكرة عامة عن الآية: ربنا تعالى أول مرة ذكر خلق السموات على العموم وما فيها وذكر تسخير السموات والأرض على العموم ثم ذكر بعض ما فيهما فذكر في الآية السابقة تسخير الشمس والقمر (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ (29) لقمان) هذه من آيات السماء وهنا في الآية ذكر تسخير بعض ما في الأرض لأنه قبلهما قال (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (20)) إجمالاً ثم ذكر بعض ما في السماء والآن يذكر قسماً مما في الأرض ما سخره ربنا قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ (31)) فذكر هناك جريان الشمس والقمر وذكر هنا جريان الفلك، هناك (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى (29)) وهنا (كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) وهنا ذكر بعض آيات الأرض وهو الفلك التي سخرها لنا ربنا (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ) وذكر الشمس والقمر. هنا قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ) ما المقصود بنعمة الله؟ هنا فيها احتمالان: يعني تجري بسبب نعمة الله هو الذي سخرها فتسخيرها من نعم الله يعني جريانها نعمة من الله، والباء هنا سبب يعني تجري بسبب نعمة الله، والاحتمال الثاني تجري بنعمة الله بما تحمله من البضائع مما أنعم الله به على الإنسان، البضائع من نعم الله (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ (42) هود) تجري بهم أي تحملهم.(1/232)
فإذن تجري بنعمة الله فيها احتمالان بسبب الله وجريانها نعمة من نعم الله لو لم يسخرها لم تجري، سخرها وسخر البحر (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ (32) إبراهيم) (اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ (12) الجاثية) هذا أمر والاحتمال الثاني تجري بما تحمله من النعم، من البضائع وهي كلها من نعمة الله. الأمران مقصودان في الآية وهذا من باب التوسع في المعنى والمعنيين مرادان أنها تجري بنعمة الله أي بسبب نعمة الله سخرها ولولا نعمة الله لم تجري. في قصة نوح حدد دلالة واحدة للجريان بمعنى تحملهم (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ).
*ما دلالة اقتران صبار مع شكور في الآية؟(1/233)
قبلها قال (لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ (31)) ما هذه الآيات التي يرنا إياها الله تعالى في البحر؟ منها آيات في التسخير ومنها آيات في أسرار البحار التي يطلع عليها الناس وما فيها من العجائب ومنها آيات في ضعف الإنسان إذا ركب البحر وعجزه (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا (67) الإسراء) الإنسان وخوفه وهذه كلها آيات كيف يعتري الخوف راطب البحر ويتبين ضعف الإنسان وعجزه أمام هذا المخلوق الكبير، وآيات في قدرة الله إذا شاء ينجي وإذا شاء يغرق. (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) صبار على طاعة الله وعلى الشدائد، صبّار (على وزن فعال) من صبر على وزن فعال من صيغ المبالغة إما صبار على طاعة الله أو على ما يصيبه من الشدائد. والشكور على ما أفاض به عليه من النعم، وشكور على وزن فعول كثير الشكر.(1/234)
الصبر عام قد يكون صبر عن المعصية أو صبر على الطاعة أو صبر على الشدة فالطاعات تحتاج إلى صبر مثل الصلاة والصوم (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا (132) طه) والصوم نصف الصبر والصبر نصف الإيمان، الطاعات تحتاج إلى صبر والشدائد تحتاج إلى صبر والله تعالى يطلب منا أن نشكر على النعم (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) الروم) (اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) الجاثية) (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ) وقد يكون الشكر على النجاة وقال تعالى على لسان الناجين من البحر (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) الأنعام) والنجاة أيضاً نعمة.(1/235)
هل يقترن الصبار مع الشكور دائماً؟ الصبار لم يرد في القرآن كله إلا مع الشكور بينما الشكور قد تأتي منفردة (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء) (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) فاطر) الشكور تأتي منفردة وغير منفردة أما الصبار فلم تأتي في جميع القرآن وحدها وإنما مقترنة بالشكور. لماذا اقترن الصبار بالشكور في هذه الآية طكالما أن الشكر ينفرد؟ لما قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ) هذا اقتضى شكر بعدها مباشرة (وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)) هذا اختبار الصبر، ذكر اختبار الصبر وليس الشكر إذن لما ذكر أمرين ذكر النعم وذكر التهديد (وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) قرن الصبر بالشكر وجاء بالوصفين على صيغة مبالغة لأن الإنسان يحتاج الصبر على وجه الدوام ويحتاج الشكر على وجه الدوام. هناك ملاحظة عامة في القرآن إذا ذكر تهديداً في البحر أو خوفاً فيه قرن الصبر والشكر وإن لم يذكر التهديد والتخويف ذكر الشكر وحده.(1/236)
قال تعالى في سورة لقمان (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)) ذكر الصبر والشكر، في سورة الشورى (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ (34)) اي يهلكهم، هذا تهديد يهلكهم ويهلك من فيها. ذكر أمرين لما هددهم ذكر الصبر والشكر. إذا لم يذكر التهديد يذكر الشكر وحده (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) النحل) لم يذكر صبّار لأن الآية كلها نعم، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) الروم) كلها نعم، (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) فاطر) (اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) الجاثية) إذا لم يذكر تهديداً ذكر الشكر وحده وإذا ذكر التهديد قرن صبّار مع شكور في جميع القرآن وقدّم صبار على شكور.
*من المخاطب في الآية (ألم تر)؟(1/237)
كل من يصح خطابه من المكلّفين. بدأ الخطاب بالمفرد (ألم تر) ثم جاء بالجمع (لنريكم) هذه عامة ولم يخص النبي ? بالخطاب.
آية (32):
(وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32))(1/238)
فكرة عامة عن الآية: هذه آية عظيمة من آيات الله في الإنسان. الله تعالى فطر الإنسان على التوحيد، على الإيمان به وتوحيده لكن فطرة الإنسان قد تغطيها أتربة الحياة والمنطق العقلي ينكر أحياناً وجود الله أو يشرك به لكن إذا وقع في مهلكة وأصابه مرض وانقطعت به الأسباب وانقطعت به كل أسباب الرجاء وأيقن بالهلاك وخاب أمله في كل من كان يرجو منه العون وعجز الجميع عن تنجيته انزاح عن الفطرة ما كان يغطيها من الأتربة واتجه إلى الله تعالى وظهرت الفطرة التي فطره الله تعالى عليها مستغيثة بالواحد الأحد فقط (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا (67) الاسراء) هذه آية عظيمة من آيات الله وقد رأينا وسمعنا في حياتنا أناساً من أشد الناس إلحاداً فلما انقطعت بهم الأسباب قالوا يا رب يا حفيظ وطلبوا ممن معهم أن يدعوا لهم بالشفاء، هذه آية عظيمة. الظُلل جمع ظلة وهو الجبل أو السحاب أو كل ما أظلّك، يعني إذا جاءهم الموج كالجبال وغطاهم وأيقنوا بالهلاك دعوا الله مخلصين له الدين، وكأن الآية تصورهم في البحر في عزلة تامة لا أحد يتمكن من الوصول إليهم في هذا البحر العظيم المتلاطم. فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد، من المقتصد؟ هو مقتصد في الإخلاص يعني لم يكن على إخلاصه عندما وقع به الحال كان يدعو ربه ويستغيث كان مخلصاً له الدين فلما خرج لم يكن على هذا الاخلاص قلّ إخلاصه ومنهم مقتصد في الكفر كان كافراً لكن لما نجا قال لعلي أرجع مرة أخرى يقلل غلواءه في الكفر فيقتصد، يقتصد في الطاعة وإما يقتصد في الكفر ويرتدع بعض الشيء المسألة لا تزال قريبة من نفسه وهناك هزة عنيفة فينزجر بعض الإنزجار ويرتدع، هذا المقتصد. أما الختار، الختر هو أشد الغدر والخيانة، ختر بمعنى غدر وخان. ((1/239)
وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) لقمان)، هو أخلص لله عندما دعا ربه في البحر الآن خرج. والجحود هو إنكار ما تعلم من الحق، ينكر حقاً يعلم أنه حق، هذا معنى الجحود وهو إنكار ما تعلم من الحق لو شخص مدين إلى شخص والمدين يعلم أنه مدين وقال لست مديناً هذا جحود لكن لو نسي لا يسمى جاحداً. الجحود إنكار ما يعلم من الحق (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل) بآياتنا أي بما رأى وما حدث وما حصل بهذه الآيات عموماً كفور جاحد خان العهد الذي قطعه على نفسه سيخلص له دينه ويطيعه لكنه غدر وخان.
*في سورة العنكبوت قال (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)) وفي لقمان قال مقتصد فما الفرق بينهما؟(1/240)
لو قرأنا الآيتين، آية لقمان الخطر فيها أكبر والهول فيها أعظم (وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)) هنا لم يذكر (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) لم يذكر خطراً أصابهم وإنما هذا خوف يعتري راكب البحر عموماً فإذن الهول أكبر وأعظم في آية لقمان (وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ) قال فمنهم مقتصد خفف من غلوائه، هناك لما نجاهم من البر (فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ) آية لقمان تصور نوعاً من الهول ولهذا ناسب معه مقتصد وفي آية العنكبوت فيها فقط ركوب، في عدم وجود الأهوال لن يرى شيئاًً يزجره، ركب في البحر ولم ير آية وكأنه شيء طبيعي ركب في الفلك، هذا أمر وهناك أمر آخر والسياق في العنكبوت يختلف والسياق يتكلم في المشركين (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)) هو يعتقد بالله لكن ينصرف إلى غير الله (يؤفكون يعني يصرفون) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)) (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)) إذن هذا السياق في العنكبوت في سياق المشركين أما في لقمان فليس في سياق المجرمين (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ(1/241)
لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)). إذا كان المتحدث عنهم في العنكبوت هم المشركون وفي لقمان لم تصور الآية أنهم مشركون قال تعالى (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) يونس) كلاهما دعا في الآيتين تحسباً لما قد يقع يعني لعله يتم شيء غير متوقع ففي الحالتين دعوا الله. غشيهم الموج اقتضى مقتصد وعدم ذكر غشيهم الموج اقتضى مشركون ما جاءهم شيء يدعوهم إلى الإنزجار أو يردعهم.
*(وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (32) لقمان) تقديم الجار والمجرور على الدين وفي آيات أخرى قدم الدين على الجار والمجرور (وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ (146) النساء)؟(1/242)
في عموم الآيات في القرآن الكريم يقدم الجار والمجرور على الدين عدا آية النساء (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ (146)) قدم الدين على الجار والمجرور. التقديم والتأخير حسب ما يقتضيه السياق. السياق في سورة النساء في الكلام على المنافقين يبدأ من قوله تعالى (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا(1/243)
لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)) 9 آيات تتعلق بذكر المنافقين فلما كان الكلام على ذكر المنافقين قدم ما يتعلق بالمنافقين وهو كلمة دين المضافة إلى ضميرهم (وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ) دينهم مضافة إليهم، دينهم أي معتقدهم، أخلصوه لله. الآيات الأخرى كلها الكلام على الله تعالى هنا الكلام على المنافقين فقدم ما يتعلق به والآيات الأخرى الكلام على الله تعالى فقدم ما يتعلق به مثال: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ (3) الزمر) الكلام على الله تعالى، ويستمر الكلام (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)) (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14) الزمر) الكلام على الله تعالى فما كان الكلام على الله قدم ضميره ما يتعلق به، (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65) غافر) لما كان الكلام على الله قدم ما يتعلق به وهو مضيره ولما كان الكلام على المنافقين قدم ما يتعلق بهم وهو ضميرهم (دينهم) هكذا في جميع القرآن.
آية (33):
((1/244)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33))
* قال تعالى (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) ولم يقل اتقوا الله كما ورد في بعض آي القرآن الكريم فما دلالة اختيار كلمة (ربكم) تحديداً؟(1/245)
ربنا سبحانه وتعالى أمر الناس أن يتقوا ربهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أولاً بإفراد الرب (ربكم) وإضافة إلى ضمير (ربكم) يدل على أن لهم رباً واحداً وليست أرباب، رب واحد للخلق أجمعين وليس هو رب فئة دون فئة أو شعب أو دون شعب، قسم كانوا يقولون هو رب شعب دون شعب وكانوا يقولون هو رب إسرائيل، إذن هو رب الجميع (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) رب واحد وهو رب الجميع، هم كانوا يعتقدون أن هنالك أرباباً (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ (31) التوبة) أيضاً فرعون قال (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) النازعات) (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ (127) الأعراف) (أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) يوسف) فإذن هو رب واحد لجميع الناس فقط وهو رب الناس جميعاً ليس رب شعب دون شعب ولا فئة دون فئة، رب واحد. ثم اختيار لفظ الرب له دلالته فهنا الرب هو المربي والسيد والقيم والمنعم إذن بيده النفع والضر لما كل هذه بيده هو الذي ينفع ويضر يمسك رحمته لأن الرزاق من معاني الرب والسيد والمنعم والقيم إذن بيده النفع والضر، (الله) إسم العلم، اللفظة في اللغة الله العلم في اللغة والرب والمنعم هذه صفات وكل واحدة لها دلالة الرزاق ليس معناها الرحمن، (إن لله تسعاً وتسعين إسماً) يسمونها أسماء وصفات (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى (8) طه) يعني هي أسماؤه وصفاته وإسمه العلم الله. الله يستعمل في غير الله نقول رب الدار (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ (42) يوسف) (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) يوسف) الرب ليست خاصة بالله ونقول من رب الدار؟ أي من مالكها؟
* هل تكون التقوى من الله أو من الرب؟(1/246)
التقوى هي لله لكن بصفاته، لما فيه من صفات يتّقوه. أحياناً الناس يتقون شخصاً ويحذرونه لما له من صفة كرئيس أو غيره إما لكونه عزيزاً أو رئيساً فيتقونه لصفته. القرآن قال اتقوا الله، إذن السياق هو الذي يختار. إذن هو الآن (اتقوا ربكم) معناه بيده النفع والضر والناس يتقون من بيده ذلك يخشون أن يقطع عنهم النفع أو يدخل عليهم الضر، هذا واحد ثم قال بعدها (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) والوالد هو المربي والرب أول معنى له هو المربي فإذن مناسبة، الرب الوالد هو مربي أولاده والرب هو المربي فتتناسب مع اتقوا ربكم. الرب هو المعلم والقيم والمرشد والمربي وهي مناسبة مع الوالد وهو القيم على أبنائه ويربيهم وهو المنفق عليهم إذن هناك تناسب، إذن اختيار الرب هنا مناسب لقوله تعالى (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ).
*في قوله تعالى (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) هذه جملة صفة والقياس كما نعلم أنه في جملة الصفة لا يجزي فيه والد عن ولده كما قال (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (281) البقرة) (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) النور) فلماذا لا يأتي هنا بـ (فيه)؟(1/247)
جملة الصفة يكون فيها عائد يعود على الموصوف ضمير قد يكون مذكوراً وقد يكون مقدّراً وهنا مقدر يعني النحاة يقدرون لا يجزي فيه هذا من حيث التقدير، هو جائز الذكر وجائز التقدير لأنه ذكرها في مواطن أخرى (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ) يبقى لماذا اختار عدم الذكر؟ الأمران جائزان وقد ذكرا في مواطن. عادة الحذف يفيد الإطلاق عموماً يعني فلان يسمعك أو فلان يسمع، يسمع أعم، يقول الحق أو يقول، يقول أعم، عدم ذكر المتعلقات يفيد الإطلاق، يعطي المال أو يعطي، يعطي أعمّ. إذن هو الآن أظهر التعبير بمظهر الإطلاق لم يذكر (فيه) معناه أظهره بمظهر الإطلاق. حق السؤال لماذا لم يذكر هنا وفي مواطن ذكر؟ لو جزى والد عن ولده لو دفع في يوم القيامة هل هذا الجزاء يختص بهذا اليوم أو بما بعده؟ بذلك اليوم، لو جزى والد عن ولده (بدون فيه) لو جزى عنه يعني لو قضى عنه ما عليه، هذا الجزاء سيكون الجنة، لو جزى لى يكون في ذلك اليوم انتهى وإنما الخلود وسيدخل الجنة، إذن الجزاء ليس في ذلك الوقت وإنما أثر الجزاء سيمتد، الجزاء سيكون في هذا اليوم ولكن الأثر هو باق ولذلك حيث قال لا يجزي لم يقل (فيه) في كل القرآن مثال: (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (48) البقرة) ما قال (فيه)، (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (123) البقرة) بخلاف الآيات التي فيها (فيه) (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (281) البقرة) توفى في ذلك اليوم وإما يذهب للجنة وإما إلى النار. ((1/248)
يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) في ذلك اليوم وبعدها ليس فيه تقلب لأنه يذهب للجنة، ذِكر (فيه) خصصها باليوم فقط لما قال (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) هذا في يوم القيامة وليس مستمراً يومياً، الذي في الجنة توفي والذي في النار توفي عمله، التوفي في يوم القيامة توفية الحساب في يوم هو يوم القيامة وأثر التوفية إما يذهب إلى الجنة وإما إلى النار، تقلّب القلوب والأبصار في يوم القيامة ثم يذهب الناس إلى الجنة ولا يعود هناك تقلب قلوب ولا أبصار، وأصحاب النار في النار. لو جزى والدٌ عن ولده لكان أثر الجزاء ليس خاصاً في ذلك اليوم وإنما تمتد إلى الخلود إلى الأبد ولذلك لم يذكر (فيه) وأخرجه مخرج الإطلاق. لذلك حيث قال لا تجزي لم يقل (فيه) لنفي المتعلق وما يترتب عليها فيما بعد.
*(لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ (233) البقرة) وفي سورة لقمان (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا (33)) فما دلالة هذه الصيغة؟
الولد يقع على الولد وولد الولد أي الأحفاد أما المولود لا يقع إلا على من ولِد منك. فقول عندي ولد غير قول عندي مولود والولد تستعمله العرب لمن ولِد منك ولمن بعده. الولد يعني ابني أو ابن ابني أما المولود فهو ابني. في الآية الولد لو شفع للأب الأدنى أي لأبيه الذي ولِد منه لن تقبل شفاعته فكيف بالآخرين؟!، (وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) هذه خاصة، الأب الأقرب. (لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) هذه عامة سواء كان ابنه أو حفيده ويقولون أحياناً الحفيد أعز من الولد. لكن المولود خاصة فجاءت (وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) يعني لا يشفع لأبيه الأقرب فكيف بغيره؟! فإن كان لا يشفع للأقرب فلن يشفع لغيره.(1/249)
سؤال: أليست اللغة العربية تبدو عصيّة على الفهم من خلال ما تفضلتم به الآن؟ نزل بها القرآن الكريم ومعظمنا لا يجيدها فضلاً عن الأجانب الذين لا يتعلمون الفصحى فكيف يفهمون كتاب الله عز وجل؟
هناك الفهم العام المارد به العمل المكلف به هذا ليس فيه إشكال لكن النحو والاشتقاق مثلاً ففيه لكل واحد طريقة فطالب النحو غير طالب الصرف غير طالب الاشتقاق غير طالب البلاغة وهكذا كل واحد له طريقه في هذه المسألة وليس كل الناس مكلفون بهذا الأمر إنما هم مكلفون بسلامة الاعتقاد وحسن العمل. ومن أراد أن يتذوق كلام الله فعليه أن يتعلم اللغة العربية فهي متسعة ولكن ليست صعبة فنحن مهما تعلّمنا نجهل أكثر بكثير مما نعلم، هذا هو الواقع وكلنا تلاميذ وكل واحد في مرحلة.
* (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) وفي البقرة قال (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (48) البقرة) فما الفرق بين الوالد والولد والنفس؟(1/250)
لا ننسى أنه في هذه السورة نفسها في لقمان ذكر الوالدين والوصية بهما (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) والسورة تحمل إسم لقمان (والد) وهي مأخوذة من موقف وموعظة لقمان لابنه وكيف أوصاه ووصية ربنا بالوالدين وهي داخل وصية لقمان لابنه، إذن هذه أنسب أولاً مع إسم السورة ومع ما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر بهما ومصاحبتهما في الدنيا معروفاً، في البقرة لم يذكر هذا. فإذن ذكر الوالد والولد في آية لقمان مناسب لما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر ومع أنه قال (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) ذكّر هنا أن هذا لا يمتد إلى الآخرة وإنما خاص بالدنيا. في هذه الآية (لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) هذا في الآخرة إذن المصاحبة بالمعروف والإحسان إليهما وما وصى به في السورة لا يمتد إلى الآخرة (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) إذن الإحسان مرتبط بالدنيا فقط (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) إذن لا يتوقع الأب أن ولده سيجزي عنه في الآخرة، عليه أن لا يتوقع ذلك وأن هذه المصاحبة ستنقطع في الدنيا وهي في أمور الدنيا وليست في أمور الآخرة فإذن هذه مناسبة لقطع أطماع الوالدين المشركين أنه إذا كان ولدهما مؤمناً فلا ينفع عنهما ولا يدفع ولا يجزي عنهما شيئاً في الآخرة فإذن هي مناسبة لما ورد في السورة من ذكر الوالدين والأمر بالمصاحبة لهما ونحوه.
*في الآية (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) قدم الوالد على الولد فلماذا؟(1/251)
لأن الوالد أكثر شفقة على الولد فالوالد يتمنى أن ينقذ ابنه بأي سبيل من السبل، أية وسيلة بدافع الشفقة وليس بدافع التكليف، أي أب يتمنى أن يدفع عن ابنه الضر إذا رأى أنه سيصيبه فقدم الوالد بدافع الشفقة لأن الأب أحرص على ابنه وأحرص على نفعه وأحرص على دفع الضر عنه.
سؤال من المقدم: في مكان آخر في نفس تصوير الموقف قال تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس) المرء هو الذي يفر من والديه، فما الفرق؟(1/252)
فرق بين الجزاء والفرار، هذا الإنسان يريد أن يخلو بنفسه وليس في موقف جزاء هذا ولا إنقاذ، حتى الآن في البيت أحياناً يقول أحدهم اتركوني وحدي، عنده ما يشغله، عنده شيء يفكر فيه (لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس) فهذا موقف فرار يريد أن يخلو بنفسه، ماذا قدّم؟ ماذا هناك؟ كيف يفعل؟ هذا موقف آخر غير هذا الموقف، موقف ثاني هذا، هذا موقف جزاء وذاك موقف الفرار لينظر ماذا هناك؟ كيف سينجو؟ ماذا قدّم (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس) والفرار المعلوم في الدنيا أولاً المرء يفر من الأباعد ثم ينتهي بأقرب الناس إليه، هكذا عندما تفرّ تفر أولاً من البعيد فالأخ هو أبعد المذكورين (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس) آخر من يفر منهم هم الأبناء لأنهم ألصق الناس بقلبه. وقدّم الفرار من الأم على الفرار من الأب لأن الأب أقدر على النفع والدفع من الأم، في الدنيا الأب هو الذي يدفع أما الأم يمكن أن تبكي وتصيح والأب هو الذي يدفع، هذا الأعرابي الذي بشر بمولودة فقالوا جاءتك مولودة فقال والله ما هي بنعِم الولد نصرُها بكاء وبِرُّها سرقة (تأخذ من مال زوجها وتعطي). إذن الفرار رتب بهذا الترتيب، الفرار من أخيه لأنه أبعد المذكورين قد لا يلتقي به مدة طويلة ولو كانا في مكان واحد في مدينة واحدة وحتى مع الأم والأب هناك بيت شرعي وحده خارج عن امه وأبيه هو يومياً مع زوجه وبنيه لكن قد تمر أشهر دون أن يرى أمه وأبيه، فإذن يوم المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، الصاحبة هو يومياً يأوي إليها وبنيه لأنه قد يفارق الإنسان زوجته ولكن يبقى أولاده معه، الصاحبة هنا بمعنى الزوجة وأحياناً يصير خلاف على الأبناء، إذن البنين آخر من يفر منهم.(1/253)
كل كلمة في اللغة لها دلالة وقد يكون لها أكثر من دلالة مثل المشترك اللفظي والأضداد لكن السياق هو الذي يحددها حتى المترادفات توضع في سياقها.
* (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) يجزي جاء بصيغة بالفعل وجازٍ بصيغة إسم الفعل فما دلالة اختلاف الصيغة؟
الأقوى هو الإسم لأنه يدل على الثبوت، ربنا وصّى الأبناء بالآباء إذن هذا تكليف شرعي يعني الإحسان إلى الأبوين تكليف شرعي ثابت. الأب ليس مكلفاً الإنفاق على الولد إذا بلغ سن الرشد فإذن بعد البلوغ يصير الإبن مكلفاً بنفسه وبأبيه، إذن بعد البلوغ الإبن هو المكلّف وهو المطلوب منه الإحسان إلى والديه وليس العكس فهذا والأب على وجه الشفقة،الإحسان إلى الأبوين الأبناء هم مكلفون فيه على وجه التكليف والآباء إحسانهم على وجه الشفقة وليس على وجه التكليف. بعد البلوغ الأب ليس مكلفاً شرعاً بالإحسان إلى أبنائه والإنفاق عليهم وإنما الإبن هو مكلف شرعاً بالإحسان إلى والديه إذن الأثبت هو الحكم الشرعي (وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) بالإسمية الدالّة على الثبوت ولكن بدافع الشفقة أما هذه بدافع التكليف الشرعي ربنا أجبره وكلّف به الفرد. (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) هذا بدافع الشفقة و (وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) هذا بدافع التكليف لأن الإبن هو مكلّف بالإحسان إلى الأب. أصلاً المصاحبة ليست واحدة فلا يمكن أن يساوي بينهما، واحدة مصاحبة واجبة من الإبن لأبيه بدافع التكليف وواحدة بدافع الشفقة من الأب لابنه وليس مكلفاً شرعاً.
* هل هناك لمسات أخرى في هذه الآية؟
((1/254)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) ما معنى شيئاً؟ شيئاً فيها احتمالان إما شيئاً من الجزاء معناه سيصير (شيئاً) مفعول مطلق لفعل (يجزي) يجزي شيئاً من الجزاء أنا لا أجزيك شيئاً من الجزاء، هذه يسمونها البعضية والكُلية: ضربته كل الضرب، ضربته بعض الضرب، يسير الضرب، شيئاً من الضرب هذه كلها مفعول مطلق. (شيئاً) فيها احتمالان إما لا يجزي شيئاً من الجزاء أو لا يجزي شيئاً من الأشياء الملموسة مثل (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا (36) النساء) شيئاً فيها احتمالان وليست مثل (ولا يشرك به أحداً) أحداً يعني شخص. (شيئاً) فيها دلالتان إما شيئاً من الشرك لأن الشرك هو درجات هناك شرك أصغر وشرك أكبر أو شيئاً من الأشياء كل شيء سواء كان أحداً من الناس أو الأصنام أو غيره. إذن (لا تشركوا به شيئاً) فيها دلالتان: لا تشركوا به شيئاً من الشرك ولا شيئاً من الأشياء، لا شيئاً من الشرك بأن تستعين بغير الله فالشرك درجات كما أن الإيمان درجات ولا شيئاً من الأشياء. (شيئاً) إما لا شيئاً من الجزاء أو شيئاً من الأشياء مثلاً هو مدين لواحد أو تعدّى على واحد أو سبّ واحداً أو قذف واحداً هذا يتعلق بالأشخاص. اشتريت شيئاً من السوق (شيئاً هنا مفعول به)، (أنا لا أظلمك شيئاً من الظلم) يعني لا أظلمك ظلماً ولو كان قليلاً، كيف نعرب (ظلماً)؟ مفعول مطلق. لا أظلمك شيئاً إذا قصدت به شيئاً من الظلم فهو مفعول مطلق وإذا قصدت به شيئاً من الأشياء فهو مفعول به. بحسب ما يقصد من الكلام وهذا من باب التوسع في المعنى، هو لم يرد أن يحدد معنى واحداً ولو أراد لجاء بشيء يحدده لو قال شيئاً من الجزاء أو شيئاً من الأبناء لصار مفعول مطلق تحديداً هو أراد الإطلاق العام سواء في الجزاء أو في ما يجزى به من الأشياء. ((1/255)
شيئاً) نفهمها هنا للوالد والولد معاً. إذن يحتمل معنييان المصدرية والمفعول به وضربنا سابقاً مثلاً (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (82) التوبة) وقلنا أنها تحتمل المصدر وتحتمل الظرف، وقتاً قليلاً أو ضحكاً قليلاً (بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) الفتح) هل قليل من الأمور أو قليل من الفقه؟ فِقهم قليل أو الأمور التي يفقهها قليلة؟
* أي المعنيين أفضل؟
أنت ماذا تريد؟ هل تريد الإطلاق؟ هل تريد كليهما أو تريد أن يخصص؟ إذا لم يوجد قرينة سياقية يجمع المعاني ويكون هناك توسع في المعنى ما لم يكن هناك قرينة تحدد أحدهما.
(إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33))(1/256)
لا تغرنّكم هذا نهي عن الإغترار بالحياة الدنيا. وأولاً هو نسب الغر للحياة الدنيا أصلها فلا تغتروا بالحياة الدنيا فكأن الحياة الدنيا والشيطان ينصبان الشَرَك لغرّ الإنسان، لو قال لا تغتروا فقط سيكون النهي متعلقاً بالإنسان. (لا) ناهية، هو ينهي الحياة الدنيا عن أن تغرّ الإنسان وينهي الشيطان عن غرّه والمعنى لا تغتروا لأن الحياة الدنيا تنصب لكم الشرك كأنما الحياة الدنيا والشيطان هما قائمان على نصب الشراك لإيقاع الإنسان بالعداوة. المعنى لا يغتر الإنسان بهذه الحياة لكن والصيغة نهى الحياة الدنيا عن أن لا تغر المسلم. الغرور هو الشيطان وما قال الشيطان، هنالك فرق بين الغُرور والغَرور، الغرور مصدر والغَرور صيغة مبالغة على وزن فعول أي كثير الغرّ للآخرين فهو لم يقل الشيطان لأن الشيطان أشهر من يغرّ الإنسان لكن كل من يغرّ يدخل في ذلك قد يغر شخصٌ شخصاً آخر فيخدعه ويغره فإذن اختار الغرور وليس الشيطان حتى يشمل ويعم كل من يغر شخصاً آخر، ونلاحظ أنه أكّد الفعلين بالنون (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ) ، (وَلَا يَغُرَّنَّكُم) في خارج القرآن فلا تغرّكم أو تغرركم بفك الإدغام، هذه النون نون التوكيد الثقيلة مثل (ليسجنّنّ) والخفيفة مثل (وليكوننّ). المعنى أنه نهي مؤكد، لماذا نهي مؤكد؟ لأن الدنيا والشيطان يغرّان الإنسان قطعاً لا محالة إذن النهي ينبغي أن يكون مؤكداً فلما كان غرهما مؤكد ينبغي أن يكون النهي مؤكداً وقدم الحياة الدنيا على الشيطان لأنها مبتغى الإنسان الأول حتى لما يغرّه الشيطان يغرّه بالدنيا، هو يكدح من أجل الدنيا والشيطان قال (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) طه) عموم ما في السعادة والراحة والدنيا، دنيا فقدمها لأنها مبتغى الإنسان والشيطان إذا أراد أن يغر الإنسان فبسببها.(1/257)
لم يقل لا تغرنكم الدنيا وإنما قال الحياة الدنيا لأن الحياة هي المطلب الأول.
*ما الفرق بين الغَرور والغُرور؟
الغَرور هو الشيطان والغُرور هو المصدر (وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) الغَرور صيغة مبالغة وإسم للشيطان أما الغرور فهو المصدر.
آية (34):
(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34))(1/258)
يقولون إن هذه الآية الكريمة ذكرت مفاتح الغيب فبدأت بعلم الساعة وهذا أمر اختص الله تعالى به بنفسه لم يطلع عليه أحد قال تعالى (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) الأحزاب) في أكثر من موطن (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (187) الأعراف) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) النازعات) فإذن الساعة ربنا اختص بها حتى تركيب الآية (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) قدّم الخبر (عنده) على المبتدأ (علم الساعة) والجملة كلها خبر (إنّ) أصلها علم الساعة عنده، هذا التقديم يفيد الاختصاص أي عند الله فقط حصراً تقديم الخبر على المبتدأ إذا كان النبتدأ معرفة يفيد الحصر في الغالب، قدم الخبر على المبتدأ أفادت الإختصاص أي لا يعلمه إلا هو، و(إنما) أداة حصر وأكد الجملة بـ (إنّ) وهو يفيد تأكيد القصر، إذن التقديم والتأكيد يفيد القصر والحصر بأن علم الساعة منتهاه إلى الله تعالى حصراً.
* ما دلالة العطف في الآية؟(1/259)
ربنا سبحانه وتعالى استأثر بالعلم والقدرة لأنه أول مرة ذكر علم الساعة (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ثم قال بعدها (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) يعني هو لم يذكر علة نزول الغيث ما قال ويعلم نزول الغيث لكن قال (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) لأن تنزيل الغيث هو الذي يعني العباد وليس العلم به بمعنى تنزيل الغيث هو الذي فيه حياتهم ومعاشهم فإذن هو ذكر ما هو أمس بحياة الناس ونعمة الله عليهم الغيث تتم به مصالحهم وحياتهم فاختار ما هو أدل على النعم قال (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ). علم الساعة بعد زوال هؤلاء وذهباهم بقرون، في حياتهم الحالية يعنيهم للتذكر وأخذ العبرة أما موعدها فلا يعنيهم، نزول الغيث يعنيهم هم لذلك ذكر ما هو أدل على النعمة فقال (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) قال ينزل بالمضارع لأن هذا يتكرر ويتجدد وكذلك قال (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) لأن هذا متجدد أيضاً الأرحام مستمرة في كل لحظة يحصل ما في الأرحام.(1/260)
ثم إن هذا العلم البعض يقولون أن الناس قد يعلمون علم الأجنة بالسونار وغيره، ليس المقصود فقط علم الجنس ذكر أو أنثى وإنما هذا شيء من العلم، يعلم ما في الأرحام يعلم الجنس وغير ذلك كونه تام أو ناقص، ذكي أو بليغ شقي أو سعيد ما استعدادته البدنية هذه لا يمكن أن يعلم بها أحد فليس المقصود الجنس وإنما الاستعداد الجنسي والنفسي ولون العين أخرس أو غير أخرس وحتى علم الأجنة يعلم فقط عندما يستكمل الجنين ولا يعلمون جنسه عندما يكون علقة ولا يمكن أن يعلموا ما في الأرحام من الآية الأولى وإنما يعلمونه بعد التشكل بينما ربنا تعالى يعلم ما في الأرحام من بدايته والأرحام لا تعني الإنسان فقط وإنما تشمل كل شيئء (اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8) الرعد) ليس فقط ما يتعلق بالإنسان، ربنا يتكلم عنا يعلم في السموات والأرض (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (4) التغابن). (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) في كل الكرة الأرضية وهو مستمر وليس الجنس فقط وإنما العلم بهذه السعة والشمول والدقة في كل الأحوال على مدى الزمن وفي كل لحظة يحصل فيها الله تعالى فقط يعلم بها.
*(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) قصر وحصر أن علم الساعة لله تعالى دون غيره فهل باقي الآية تفيد القصر والحصر أيضاً؟(1/261)
قسم يقول إذا دخلت (إنّ) ليس بالضرورة تفيد القصر لأنها معطوفة على خبر (إن) وقسم قال كما أنه أفاد القصر في الأول فالمعطوف عليه يفيد القصر أيضاً وقسم قال ليس بالضرورة المعطوف يكون نفس المعطوف عليه، نقول محمد حضر وحضر فلان معه عطف جملة فعلية على جملة إسمية وقد تعطف جملة مؤكدة على جملة غير مؤكدة أو جملة مثبتة على جملة منفية أو العكس: حضر فلان ولم يحضر أخوه، هذا ممكن. ربنا قال تعالى عن نفسه (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) لكن ليس فيها قصر على نفسه فإذن لا غرابة في أن يتحدث أحد يقول نعلم ذكراً أو أنثى لكنه علم ناقص وفي وقت محدد عند الاستكمال. نحن نفهم الآية عامة بهذه الدلالة أن ما في الأرحام في كل لحظة وفي كل الأحوال وهذا لا يمكن أن يكون إلا لله تعالى. ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - " أجله ورزقه، شقي أو سعيد" هذا لا يعلمه إلا الله تعالى.
(وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) تأتي إلى نفس الإشكال إذا كانت تفيد القصر لغة قسم قالوا تفيد وقسم قالوا لا.
هل يستطيع الإنسان أن ينزل الغيث الآن؟ ربنا ينزل الغيث، يسوق السحاب وينزل الغيث، الناس تصلي صلاة الاستسقاء والبلاد الأخرى التي فيها جفاف من ينزل الغيث؟ فلينزلوا غيثهم إذا استطاعوا، الجفاف يأكل الأرض فمن ينزل الغيث إلا الله تعالى فإذن ربنا سبحانه وتعالى هو الذي ينزل الغيث ربنا سبحانه وتعالى هو القادر على ذلك وهو الذي يفعل ذلك إن شاء.
*ما دلالة الترتيب في الآية؟(1/262)
قبل الترتيب، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا) قسم كان يقول أنا موظف وراتبي محدود فيقول أنا أعلم ما أكسبه اليوم وغداً، أولاً الكسب لا يتعلق بأمور المعاش فقط، المعاش كسب لكن ربنا تعالى ذكر الكسب في الأعمال من الحسنات والسيئات قال (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (286) البقرة) (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ (81) البقرة) الكسب قد يكون للقلب (وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ (225) البقرة) والكسب لليد (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30) الشورى) فالكسب عام وحتى أصحاب الأجور الثابتة قد يأتيهم ما ليس في البال، بهذا المعنى المطلق لا يمكن أن يعلم أحد ماذا سيكسب غداً لأن الكسب متعلق بالأعمال من حسنات وسيئات وكسب القلب وما إلى ذلك والذي يأتيه من مال. الرزق واحد من معاني الكسب فالكسب عام فلماذا يحدد بشيء واحد؟ ومن يعلم ذلك؟ لا يستطيع أحد أن يعلم ماذا سيكسب غداً وماذا لو توفاه الله؟ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) هذا مكان الأجل.(1/263)
حكمة الترتيب في الآية: هو أولاً بدأ بالساعة وهي رأس المغيبات وجعلها بعد قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) هذه الساعة فناسب ذكر ما تقدّم قبلها (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) هذه الساعة فلما قال عنده علم الساعة ناسب ما قبلها هذا اليوم الذي طلب منا أن نخشاه. هذا أمر ثم ذكر بعد ذكر الساعة تنزيل الغيث (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) وهو أسبق المذكورات بعده وجوداً، بعده ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب أسبقها نزول الغيث، المطر أسبق لأن الإنسان لا يعيش من دون زرع.(1/264)
المطر أسبق المذكورات بعده وجوداً فإذن بدأ بالأسبق هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ربنا تعالى كثيراً ما يستدل في القرآن بنزول الغيث على الساعة (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) ق) إذن صارت مرتبطة بما قبلها، إذن تنزيل الغيث ارتبط بما قبلها وهي الساعة وارتبط بما بعده وهو ما في الأرحام لأن ما في الأرحام يعيشون على الزروع إذن ينزل الغيث له ارتباط بما قبله وما بعده، ارتبط بعلم الساعة أنه تعالى يستدل به على علم الساعة ويستدل به على اليوم الآخر ومرتبط بما بعدها (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) لأن ما في الأرحام كثيراً ما يعيشون على الزروع وما تنبت الأرض سواء كان إنسان أو حيوان ثم ذكر ماذا تكسب غداً هذا بعد الولادة وبعد ما في الأرحام ثم ذكر الموت في الآخر، فإذن رتبها ترتيب أسبقية الوجود والارتباط، فيها إثبات لعلم الله ونفي لما عداه، إثبات لعلم الله (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) ونفي ما عداه (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ). ثم ختمها ختمها بقوله (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فأثبت له العلم والخبرة على صفة المبالغة وهذا من اجتماع العلم والخبرة، عليم بالأمور خبير ببواطنها. خبير تضيف إلى عليم.(1/265)
****عندنا في مزايا اللغة العربية التي لا يمكن التعبير عنها في اللغات الأخرى تعدد أدوات النفي. تقول أنا ما أذهب، أنا لا أذهب، أنا إن أذهب، أنا لست أذهب، كلها تقولها في الإنجليزية I don’t go. (إن أذهب) وردت مثلها في القرآن في قوله (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (109) الأنبياء) بمعنى نفي (ما). في القرآن قال (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ (9) الأحقاف) نفاها بـ (ما)، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (34) لقمان) قال (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق) قال ما أدري وقال إن أدري وقال لا أدري، نفاها كلها. الفرق من حيث الدلالة المعلوم المشهور أنه إذا نفيت الفعل المضارع بـ (ما) دلّ على الحال يعني ما أدري الآن، لا أدري أكثر النحاة يخصصوها للإستقبال لكن قسم من النحاة يقول هي للحال والاستقبال مطلقة وأكثرهم يخصصوها بالإستقبال والزمخشري يقول لا ولن أختان في نفي المستقبل وهذا عليه أكثر النحاة وأنا أميل أنها تكون للحال والاستقبال وأستدل بما استدل به بعض النحاة في القرآن (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ (20) النمل) حال، (أنا لا أفهم ما تقول) حال، (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (48) البقرة) للإستقبال فهي إذن مطلقة. خاصة هي منتهية بالألأف والألف حرف مطلق لا يمتد به الصوت فهي ممتدة. (إن أذهب) إن أقوى كما يقول النحاة. (لست أذهب) ليس فيها الكثير أنها تنفي الحال لكن فيها جملة إسمية وفعلية فهي مركبة. ((1/266)
لم أذهب) هذا المضارع، ما ذهبت، لمّا أذهب، إن ذهبت، لست قد ذهبت، كلها نقولها بالانجليزية I didn’t do صيغة واحدة، (ما) جواب القسم أصلاً، (لمّا) اللام كما بدأ بها سيبويه في باب نفي الفعل قال فعلت نفيه لم أفعل، والله لقد فعل نفيه ما فعل، قد فعل نفيه لمّا يفعل، ليفعلنّ نفيه لا يفعل، سوف يفعل نفيه لن يفعل، هذه النصوص موجودة وكل واحدة لها دلالة.
* هل الله سبحانه وتعالى في حاجة إلى كل هذا التأكيد ونحن نقرّ له بالعلم؟
لأنه قسم يقر له بالعلم وهناك من من لم يقر له بالعلم وإنما هناك من يعبد الحجر وهناك من يعبد الشجر وهناك من يعبد الحيوان وهناك وهناك. فهذا الكلام للجميع. أنت علمت بعد أن علمت من القرآن بعدما أعلمك الله تعالى ولم يكن هناك اختلاف في شيء إلا اختلاف على الله سبحانه وتعالى قسم قالوا (أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) الصافات) وربنا قال تعالى (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) الصافات) يصفونه بأشياء لا ينبغي أن يوصف بها فمن أهمّ الأشياء ينبغي أن نعلم أن ربنا عليم وخبير وقدير وحليم والأسماء الحسنى.
*لماذا حُدد المكان ولم يُحدد الزمان في الآية الأخيرة من سورة لقمان؟(1/267)
قال تعالى في آخر سورة لقمان (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {34} ) وإذا نظرنا إلى سياق الآيات نجد أن الإنتقال من أرض إلى أرض والإنتقال في الفلك هو السياق ثم بعدها قال تعالى ماذا غشيهم (موج) في قوله (وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ {32}) فلما نجاهم إلى البر أي أن كل سياق الآيات تفيد الإنتقال من مكان إلى مكان لذا ناسب ذكر المكان في الآية وجاءت بأي أرض تكوت هل في البحر أم في الأرض.
****تناسب فواتح لقمان مع خواتيمها****(1/268)
هذه الآية الأخيرة تكون لها ارتباطات بأوائل السورة (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) مرتبطة بقوله تعالى في أوائل السورة (وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) الآخرة هي الساعة (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6)) (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)) هذا في الآخرة. (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) مرتبطة في أوائل السورة (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء (10))، (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) مرتبطة بأوائل السورة (وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ (10))، (ومَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا) مرتبطة بقوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا (6)) الذي يشتري ماذا يريد؟ يريد أن يكسب، إذن لا يعلم ماذا يكسب غداً ثم (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) هذا سيكسبه، (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) مرتبط بقوله (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)) الذي يفعل هذا أليس هو العليم الخبير؟ بلى، إذن هي مرتبطة وهذا خط عام في القرآن ارتباط خواتيم السور بأوائلها. العرب كانت تعي هذا الأمر ربما لم ينظروا في أوائل السور وخواتيمها ولكنهم كانوا يعلمون أكثر مما نعلم في ترتيب الآيات في القرآن وإعجازه.
*في بناء القصيدة هناك وحدة الموضوع أو وحدة بناء القصيدة فهل هذا موجود في القرآن؟
هناك رسالة دكتوراه "وحدة السورة في القرآن الكريم" إذن هنالك ترابط بين سور القرآن في موضوعاتها.
*****تناسب خواتيم لقمان مع فواتح السجدة*****(1/269)
قال في آخر لقمان (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)) وذكر قبلها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)) هذا عن الساعة، يتحدث عن يوم القيامة، وفي بداية السجدة قال (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)) (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12))، (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ذكر مشهداً من مشاهد الساعة وهناك ذكر تحذيراً وهنا ذكر مشهداً، (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)) - (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)) مشهد من مشاهد الساعة.(1/270)
قال (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ (34)) (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)) هذه في الأرحام، هناك قال ويعلم ما في الأرحام وهنا ذكر لنا الخلق في الأرحام فذكر لنا في سورة السجدة ما في الأرحام وفصّل. وقال في لقمان (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) وقال في السجدة (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)) هذه مرتبطة كل الارتباط.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة لقمان كما تفضل بها الدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله عنا خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/271)
سورة السجدة
تناسب خواتيم لقمان مع فواتح السجدة ... آية (14) ... آية (26)
هدف السورة ... آية (15) ... آية (27)
آية (4) ... آية (20) ... تناسب فواتح السجدة مع خواتيمها
آية (5) ... آية (21) ... تناسب خواتيم السجدة مع فواتح الأحزاب
آية (12) ... آية (22)
آية (13) ... آية (25)
*تناسب خواتيم لقمان مع فواتح السجدة*
قال في آخر لقمان (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)) وذكر قبلها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)) هذا عن الساعة، يتحدث عن يوم القيامة، وفي بداية السجدة قال (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)) (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12))، (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ذكر مشهداً من مشاهد الساعة وهناك ذكر تحذيراً وهنا ذكر مشهداً، (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)) - (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ(1/1)
رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)) مشهد من مشاهد الساعة. قال (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ (34)) (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)) هذه في الأرحام، هناك قال ويعلم ما في الأرحام وهنا ذكر لنا الخلق في الأرحام فذكر لنا في سورة السجدة ما في الأرحام وفصّل. وقال في لقمان (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) وقال في السجدة (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)) هذه مرتبطة كل الارتباط.
**هدف السورة: الخضوع لله تبارك وتعالى**
سورة السجدة سورة مكية وهدفها واضح من اسمها، ألا وهو الخضوع لله تعالى لأن السجود هو صفة الخضوع لله تعالى. وفيها آية السجدة (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) آية 15 التي صوّرت المؤمنين يخرّون سجداً وهذه قمة الخضوع ولذلك كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقرأها في الركعة الأولى من صلاة الصبح يوم الجمعة وهو اليوم الذي منّ الله تعالى بخلق آدم - عليه السلام - .(1/2)
نتيجة عدم الخضوع: تبين السورة كذلك عقاب من لا يخضع لله في الدنيا فعدم الخضوع لله في الدنيا إيماناً به وتعظيماً له ينتج عنه خضوع ذلٍ في الآخرة (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) آية 14 و (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) آية 20. أما المؤمنون فهم خاضعون لله والسجود لله عندهم عزة ورفعة (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) آية 16.
رسالة السورة هي توجيه للناس بأن يتذكروا الآخرة ويخضعوا في الدنيا حتى يكونوا من الفائزين في الدنيا والآخرة.
ونلاحظ من خلال أهداف سور القرآن الكريم أنها عبارة عن رسائل لو جمعناها تعطي رسالة كاملة ومنهج متكامل راقي للأمّة التي تستحق أن تكون مستخلفة في الأرض. وهذا القرآن نقل أمّة كانت ترعى الغنم إلى أمة قائدة ومعجزة القرآن أنه إذا قرأناه وعملنا به ننتقل من أناس لا قيمة لهم إلى عظماء قادة يحكموا الأرض بالعدل وبمنهج الله تعالى.
***من اللمسات البيانية فى سورة السجدة***
آية (4):
*(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ (4) السجدة) هل قبل الخلق كان على العرش؟(د.فاضل السامرائى)
((1/3)
ثم) في غالب معناها يكون الترتيب والتراخي لكنها لا تنحصر بهذا المعنى. قد تكون (ثم) للتفاوت بالرتبة هي ليست دائماً للترتيب والتراخي يعني ما بعدها أكبر وأعظم مما قبلها في رتبته وحتى النحاة ضربوا مثلاً أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، ما صنعت أمس هذا قبله استعمل (ثمّ) وهي مفترض أن يكون للترتيب والتراخي هو استعملها لما قبلها ليس المقصود الترتيب الزمني ولكن في الرتبة والمرتبة ليس الزمن الأصل فيها للترتيب والتراخي والمهلة لكنها ليست منحصرة في هذا الشيء قد تكون للترتيب الذكري للتفاوت في الرتبة والمنزلة. نضرب مثالاً من القرآن (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) البلد) أيها الأكبر؟ ما بعد (ثم) أكبر، فإذن تفاوت في الرتبة سيكون هذا الشيء أعلى. (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) هذا تفاوت في الرتبة هذا أكبر من خلق السموات والأرض إذن ليس هو كما يظن السائل أنها تكون بعد وإنما رتبتها أعلى، (فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) يونس) ربنا سبحانه وتعالى عالم دائماً، إذن (ثم) تفيد أن ما بعده هو أكبر مما قبلها. مثال النحاة أعجبني ما صنعتَ اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، هذا للتفاوت.(1/4)
دخل محمد ثم خالد هذا للترتيب والتراخي حتى في الفاء قد تكون للترتيب الذِكري فقط للذكر وليس للترتيب والتعقيب ليس مثل جاء أحمد فخالد (وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ (4) الأعراف) هل جاءها البأس قبل الإهلاك؟ ربنا قدّم الإهلاك هذا يسمى الترتيب الذكري، توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغسل يديه رجليه، هو غسل أولاً حتى يصير وضوءاً.
*(وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) الأنعام) و (مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) السجدة) و (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر)، (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) فما الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟(د.فاضل السامرائى)(1/5)
ذكرنا في أكثر من مناسبة في القرآن ضابط ليس فقط في هذين الفعلين وإنما تعبير عام وذكرنا في حينها أنه يحذف من الفعل مثل استطاعوا واسطاعوا للدلالة على أن الحدث أقل مما لم يحذف منه، إذا حذف معناه أن الزمن المحذوف منه أقصر يقتطع للدلالة على الاقتطاع من الحدث. وإذا كان المقام مقام إيجاز يوجز وإذا كان المقام تفصيل يقول تتذكرون. ذكرنا في أكثر من مناسبة (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) هذه في ليلة و (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت) هذا في كل لحظة (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ) هذه في ليلة فحذف التاء للدلالة على أن الحدث أقل. وذكرنا توفاهم وتتوفاهم قال (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ (97) النساء) (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) النحل) أولئك كانوا مستضعفين وظالمي أنفسهم صاروا أقل قال توفاهم والآخرون فقط ظالمي أنفسهم لم يكونوا مستضعفين فلما كثر هؤلاء قال تتوفاهم ولما قل هؤلاء قال توفاهم، هذه قاعدة مثل تفرقوا وتتفرقوا وفي القرآن هذا كثير وهو أمر عام.(1/6)
نأتي إلى أصل السؤال وفق هذه القاعدة أنه إذا كان الحدث أطول تأتي تتذكرون وإذا كان أقل يقتطع من الفعل أو إذا كانت في مقام الإيجاز يوجز وفي مقام التفصيل يفصل. مثال: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) لو سألنا أي واحد مهما كانت ثقافته تقول له هل الأعمى يستوي مع البصير؟ والأصم هل يستوي مع السميع؟ سيقول مباشرة لا، إذن لا يحتاج إلى طول تذكر وإنما يجيب مباشرة. هل يستويان؟ لا، هذا لا يحتاج إلى طول تذكر فقال (أفلا تذكرون). (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر) هنا صار إيمان وعمل صالحات، إيمان وعمل صالح (قليلاً ما تتذكرون) لأن دخل به إيمان وعمل صالح والمعنى أنه الذي لم تؤمن ولم تعمل صالحاً هذه قضية أخرى، هذه أطول من تلك تحتاج إلى تأمل وتفكير والرسول يدعو طويلاً إلى الإيمان والعمل الصالح واتهموه بالجنون، إذن هذه تتذكرون لأنها تحتاج إلأى طول تذكر. (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) النحل) سل أي واحد سيقول لا هذه لا تحتاج إلى تذكر، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية) ختم على سمعه وبصره غشاوة وأضله على علم لا تحتاج إلى طول تفكر.(1/7)
نضرب مثالاً آخر للإيجاز والتفصيل قال تعالى في السجدة (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)) في يونس قال (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)) إحداها تتذكرون والأخرى تذكرون. قال في يونس (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وفي السجدة قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) لم يقل (ما بينهما) في يونس. في يونس قال (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) فقط وفي السجدة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) فالسجدة فيها تفصيل أكثر. قال في يونس (مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) وفي السجدة قال (مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ) في السجدة تفصيل أكثر.
سؤال: هل حرف التاء يعطينا فكرة عن هذا الوقت المستنفذ لاتمام العمل الذي تذكره الآية الكريمة؟
لو كان المتكلم هكذا يقول كما يشاء لكن لو كان المتكلم يحسب لكل كلمة ولكل حرف حساباً لا بد أن يفعل ذلك لسبب.
سؤال: هل العرب كانت تفهم تذكرون وتتذكرون؟(1/8)
هم يعرفون معناها عند وضعها في مكانها. لماذا تحداهم الله تعالى بسورة؟ سورة يعني أقصر سورة معناه بمقدار أقصر أي سورة يصير اختيار في الكلام ، الكلمة ليس فيها اختيار لكن النص بمقدار أقصر سورة يصير فيه اختيار، سبب الاختيار عليه المعول مثل (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) لماذا إنا؟ ولماذا أعطيناك؟ يبقى توظيف المفردة في سياق الآية. المعروف أن العرب بلغاء لكنه ليس بالضرورة أن يأتوا بالبلاغة في كلامهم، هل كلهم على مستوى واحد من البلاغة؟. أنا أقول شعراً لكن هل شعري مثل شعر المتنبي؟ هل الشعر الذي يقوله المبتديء كالبحتري؟ هم درجات.
سؤال: لكن من حيث الدلالة والمعنى كانوا يفهمون الفرق بين تذكرون وتتذكرون، توفاهم وتتوفاهم؟
يفهمونها هذا في سياقها ويفهمون أكثر مما نفهم نحن لأن هذه لغتهم ونحن الآن نتعلم وهم لم يشكوا في مصداقية القرآن (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل).
آية (5):
* ما الفرق بين اليوم في كلا الآيتين (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة) (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج)؟(د.فاضل السامرائى)(1/9)
هذان اليومان مختلفان: خمسين ألف سنة هو يوم القيامة كما في الحديث الصحيح وكما هو في سياق الآية (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)) هذا يوم القيامة وكل الكلام في يوم القيامة إذن ليس هو نفس اليوم، في سورة السجدة هذا الكلام في الحياة الدنيا (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)) الزمن الذي تأخذه الملائكة للصعود بأعمال العباد إلى السماء. يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة ويُخفّف على المؤمن كالصلاة المكتوبة كما في الحديث وعلى غير المؤمن خمسين ألف سنة والرسول - صلى الله عليه وسلم - بيّنه في حديث في صحيح مسلم. هو هكذا كما ذكر ربنا لكنه يُخفف على المؤمنين أما في آية السجدة هذا في الدنيا وهو ليس نفس اليوم.(1/10)
هل الزمن في التعبير القرآني له نفس مقدار الزمن كما في حياتنا عموماً؟ ذكرنا هذا سابقاً وقلنا أن الله تعالى لما يذكر الأحكام الشرعية يذكرها بما نعلم من أيامنا، شهر رمضان، كفارة اليمين، عشرة كاملة، شهرين، فأماته الله مائة عام يعني مائة عام، ثلاثمائة سنين، فهي كما ذكر تعالى. هذه على زمننا نحن ولما يقول تعالى مائة عام فهي كما ذكر. اختلفوا في بعض المسائل (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ (80) التوبة) يبدو لي هذا على الحقيقة لأن الرسول قال أرى ربي قد أذن لي بالإستغفار فلأزيدنّ على السبعين فأنزل الله تعالى (سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (6) المنافقون) يبدو لي أن السبعين على الحقيقة أيضاً. في معلوماتنا الأولية أن سنة المشتري غير سنة الأرض ويوم المشتري غير يوم الأرض وكل كوكب يختلف أيامه وسنواته عن أيامنا فلماذا نستغرب من طول يوم القيامة؟!.
آية (12):
*لماذا قدّم البصر على السمع في آية سورة الكهف وآية سورة سورة السجدة؟(د.فاضل السامرائى)(1/11)
قال تعالى في سورة الكهف (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً {26}) وقال في سورة السجدة (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ {12}) والمعلوم أن الأكثر في القرآن تقديم السمع على البصر لأن السمع أهم من البصر في التكليف والتبليغ لأن فاقد البصر الذي يسمع يمكن تبليغه أما فاقد السمع فيصعب تبليغه ثم إن مدى السمع أقل من مدى البصر فمن نسمعه يكون عادة أقرب ممن نراه، بالإضافة إلى أن السمع ينشأ في الإنسان قبل البصر في التكوين. أما لماذا قدّم البصر على السمع في الآيتين المذكورتين فالسبب يعود إلى أنه في آية سورة الكهف الكلام عن أصحاب الكهف الذين فروا من قومهم لئلا يراهم أحد ولجأوا إلى ظلمة الكهف لكيلا يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في تقلبهم في ظلمة الكهف وكذلك طلبوا من صاحبهم أن يتلطف حتى لا يراه القوم إذن مسألة البصر هنا أهم من السمع فاقتضى تقديم البصر على السمع في الآية.
وكذلك في آية سورة السجدة، الكلام عن المجرمون الذين كانوا في الدنيا يسمعون عن القيامة وأحوالها ولا يبصرون لكن ما يسمعوه كان يدخل في مجال الشك والظنّ ولو تيقنوا لآمنوا أما في الآخرة فقد أبصروا ما كانوا يسمعون عنه لأنهم أصبحوا في مجال اليقين وهو ميدان البصر (عين اليقين) والآخرة ميدان الرؤية وليس ميدان السمع وكما يقال ليس الخبر كالمعاينة. فعندما رأوا في الآخرة ما كانوا يسمعونه ويشكون فيه تغير الحال ولذا اقتضى تقديم البصر على السمع.
آية (13):(1/12)
*(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) وفي السجدة (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) الجنة مقصود بهم الجن فما الفرق بين الجن والجِنّة؟ وما دلالة البدء بالجن والجِنّة؟(د.فاضل السامرائى)(1/13)
الجن القرآن يستعمله بما يقابل الإنس (الجنّ – الإنس) هما الأصلان لهذين الجنسين، أصلان للمخلوقات (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) أما الجِنة فيستعملها بمقابل الناس (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (6) الناس). الجنّ والإنس هما الأصلان أما الناس فتكون مجموعة قليلة أو كثيرة من هؤلاء أو أفراد منهم، قد يكون الجميع (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (158) الأعراف) لجميع المخاطبين من آدم إلى أن تقوم الساعة، أو أفراد منهم (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ (173) آل عمران) تكون هناك قرينة سياقية تحدد المعنى لكن لا تدل على عدد معين إنما تدل على مجموع قد يشمل جميع الناس (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) وفي الحديث " أشيروا عليّ أيها الناس" والمقصود الأنصار. الجِنّة مجموعة من الجن قد تكون قليلة أو كثيرة. الجنّ هم الأصل مع الإنس ويستعمل في الغالب الجان بمقابل الإنسان. الجنّ الأصل مثل الإنس والجان قد يكون واحد من هؤلاء مثل الإنس والإنسان والإنسان واحد من الناس وقد يطلق على الأكثر. الإنس غير الناس أحياناً لا يمكن استعمال الإنس مكان الناس (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ (13) البقرة) لا يمكن أن يقال كما آمن الإنس.(1/14)
أصل البشرية الإنس، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ (173) آل عمران) لا تنفع هنا الإنس، فإذن الإنس بمقابل الجنّ والناس بمقابل الجِنّة. الذي يدل على عموم الجنس في البشر الإنس ومقابله الجنّ، الجنّ مقابل الإنس والجِنّة مقابل الناس والجان مقابل الإنسان (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ (15) الرحمن). هذا ليس من خصوصية الاستعمال القرآني وإنما هو في لغة العرب.
*ما معنى حق القول؟(د.فاضل السامرائى)(1/15)
حق القول في القرآن معناه ثبت لهم العذاب. القول هو قوله تعالى (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة). كلمة حق القول إشارة إلى حق القول مني. الذي ورد في القرآن الكريم طبعاً عموم النحاة كلهم يذكرون أن حق القول المقصود به (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) أو (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) ص) حق القول في القرآن الكريم وكذلك حقت الكلمة لم ترد إلا في ثبوت العذاب هذا يمتد في جميع القرآن استقصاء بإلا بمعنى وجب لهم العذاب أو ثبت لهم العذاب مثال (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) القصص) (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت) (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) الأحقاف) (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) يس) (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس) (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) الصافات) (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ (19) الزمر) (وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ(1/16)
عَلَى الْكَافِرِينَ (71) الزمر) (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) غافر) (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (97) يونس) (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33) يونس) كلها لم ترد في القرآن لم ترد إلا بهذا المعنى وهذه الدلالة، حق القول أو حقت الكلمة لم ترد إلا بهذه الدلالة.
آية (14):
* (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)السجدة) كيف ينساهم الله تعالى؟(د.حسام النعيمى)(1/17)
أحياناً نحن نأخذ الكلمة على معنى واحد من معانيها ونتحيّر فيها بمعنى أنه نحن نفهم النسيان نسيت هذا الأمر بمعنى غاب عن ذاكرتي وهذا ليس معنى النسيان في لغة العرب دائماً وله دلالة أخرى وهي الترك والإهمال. لما تقول نسيت هذا الأمر بمعنى أهملته. (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) هم لم يكونوا متذكرين للقاء هذا اليوم حتى ينسوه وإنما كانوا منكرين له مهملين له. هل نسوا يوم القيامة؟ أم كانوا غير مكترثين به؟ فالنسيان هنا جاء بمعنى عدم الإكتراث والعبء بالشيء. طبعاً هناك مقابلة : نسيتم- ننساكم، ننساهم - كما نسوا، نسيتها- تُنسى، نوع من المقابلة اللفظية. نسيتها أي أهملتها فاليوم تُهمل من رحمة الله عز وجل يعني لا تنالك رحمة الله عز وجل لأنه (في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) بمعنى الغفلة عن الشيء لكن هنا النسيان بمعنى ترك الشيء وإهمال الشيء أنه يهمل واليوم تُنسى يعنى تُهمَل. السياق هو الذي يعين على فهم المعنى. القرينة السياقية المعنوية في الحقيقة أن الله تعالى لا يغيب عنه شيء فلا يُنسب له النسيان الذي نتخيله للوهلة الأولى أنه غفل عن الشيء، كلا. ليس في السياق الموجود فقط ولكن للقرينة المعنوية أيضاً . كلمة النسيان التي بمعنى الغفلة لا تُنسب لله سبحانه وتعالى نأخذها من المعنى أن الله عز وجل لا يُنسب له الغفلة لقوله سبحانه وتعالى (في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى). لكن من المعنى: أنت تقول مثلاً: بنى الأمير المدينة الفلانية فهل تفهم منها أنه ذهب بنفسه ووضع الحجر أو أمر ببنائها؟ أمر ببنائها. من أين فهمنا هذا المعنى؟ السياق ليس فيه أن الأمير بنى المدينة. من السياق والفكر والعلم يحملك على القول أنه ليس هو الذي قام عملياً بالبناء وإنما أمر به. فلما تأتي (فاليوم ننساهم) الله سبحانه وتعالى لا يضل ولا ينسى فلا ينسب له النسيان.(1/18)
وثانياً من اللفظ نفسه : هم لم ينسوا لقاء يوم القيامة وإنما ما أعدّوا له عدة ولم يكترثوا به. لا يقول أحد نسوه هم لم يتذكروه حتى نسوا وإنما ما أعدوا له العدة. قال تعالى (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى) هو لما خوطب بآيات الله تعالى إبتداءً أهملها ولم يلق لها بالاً فإذن اليوم تُنسى في نفس النمط أي لا يلقى لك بالاً، وليس أن هناك تعارض بين الآيات وهذا كلام عربي يفهمه العربي ومتعلّم العربية يفهمه أيضاً.
آية (15):
*ما الفرق بين (اسجدوا) – (قعوا له ساجدين) – (خرّوا سجداً)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/19)
رب العالمين يقول (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا {34} البقرة) هذه آية وفي سورة ص لم يقل اسجدوا وإنما قال (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ {72}ص) مداخلة وانتباهة هائلة من أم راضي في الشارقة. رب العالمين يقول (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {34} البقرة) في آية ص قال (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ {71} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ {72} ص) وآية أخرى (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ?{58} مريم) ما الفرق بين سجدوا وبين وقعوا له ساجدين وبين خروا سجداً؟ والله تقتضي التفريق. وفعلاً الفرق بين (سجدوا) هذا سجود اعتيادي أنك أنت قمت بعملية السجود التي نفعلها في الصلاة هذه سجود كلنا نفعل سجود كسجود الصلاة سجدنا. في يوم الجمعة من السنن أن نقرأ سورة السجدة ونحن واقفون الإمام نحن واقفون خلفه ويقرأ هو سورة السجدة ويأتي إلى قوله تعالى (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ {15}السجدة) خروا لماذا؟ ونحن واقفين ننزل رأساً إلى تحت (خروا). والخرّ هو الهبوط مع صوت من خرير الماء وهنالك فرق بين جريان الماء بلا صوت. الخرير من شلال نازل بصوت هذا خرّ (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) إما صوت البكاء مع السجود شخص قرأ آية يسجد لكن قرأ آية مؤثرة فبدأ بالبكاء وهو يبكي نزل على الأرض هبط بقوة لكي يسجد ولكن مع صوت هذا. مرة قال (خَرُّوا سُجَّدًا) ومرة قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) البكاء صوت السجود قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا) من التسبيح سبحان الله وبحمده. إذاً الفرق بين سجدوا وخروا سجداً هذا. الفرق بين سجدوا وخروا سجداً وفقعوا له ساجدين كنت مشغولاً.(1/20)
رب العالمين يحمل عرشه ثمانية الذين حول العرش يا الله لا يحصى عددهم! (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ {17} الحاقة) الذين يحملون العرش ومن حوله (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {75} الزمر) هذه من أعظم بشائر المسلمين (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ {7} رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {8} وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {9} غافر) يعني دعاء مستجاب لأن أكرم وأعظم وأقرب الملائكة إلى الله الذين يحملون العرش ومن حوله الحافّين. الحافون كما يقول إمام الرازي وغيره ونقل هذا عن عدة مفسرين منهم الكشاف والرازي أثنى عليه قال إن لم يكن لصاحب الكشاف إلا هذه اللطيفة أنه تذكرها لكفاه. الذين يحملون العرش ومن حوله كل واحد له طريقة عبادة، ناس واقفة هكذا من الملائكة طبعاً على اليمين وعلى اليسار وناس تسبح فقط وناس راكعة فقط يقول حوالي مئات الآلاف من الخطوط حول العرش تصور لو أردنا أن نضع رجال حول دولة الإمارت جميع الحدود كم نحتاج؟ ملايين.(1/21)
فكيف لما مليون صف؟! هؤلاء كلهم أقرب الملائكة إلى الله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) رب العالمين في هذه القضايا يخاطب هؤلاء أقرب وأحب الملائكة إليه، فلما خلق آدم قال لهؤلاء أو جزء منهم (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) أنت ألست تعبدني؟ وأنت تسبح؟ اتركوا عملكم وقعوا له ساجدين. إذاً رب العالمين يخاطب هؤلاء الملائكة المشغولون فالذي يقع هو الذي كان مشغولاً بشيء ثم انتبه. يعني واحد يشتغل أو يكتب سمع ابنه وقع أو طاح رأساً ركض عليه ترك الشغل الذي بيده لأهمية الحدث الآخر. فرب العالمين قال (فَقَعُوا) بالفاء (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) من روحي، لا يستحق أن تسجدوا له لأنه طين أو أني سويته ولكن لأني نفخت فيه من روحي (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) كلٌ ترك عمله قسمٌ منهم هو ما خاطب كل الملائكة ولكن مجموعة منهم أنتم عندما أنفخ فيه روحي رأساً فقعوا اتركوا الذي في أيديكم (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وهذا الفرق بين فقعوا له وبين اسجدوا وبين خروا.
آية (20):
*ما اللمسة البيانية في استخدام (الذي) مرة ومرة (التي) مع عذاب النار؟(د.فاضل السامرائى)(1/22)
في سورة السجدة (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ {20} ) الخطاب في السورة موجّه للفاسقين و(الذي) يشير إلى العذاب نفسه. أما في سورة سبأ (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ {42} فالخطاب في هذه السورة موجّه إلى الكافرين و(التي) مقصود بها النار نفسها. فالفاسق يمكن أن يكون مؤمناً ويمكن أن يكون كافراُ فهو لا يُكذّب بالنار إنما يُكذّب بالعذاب أما الكافرون فهم يُكذّبون بالنار أصلاً ولا ينكرون العذاب فقط وإنما يُنكرون النار أصلاً.
آية (21):
* يأتي الضر مع فعل مسّ ومع الرحمة يأتي الفعل أذقنا فى القرآن الكريم ، فما الفرق بين المسّ والإذاقة في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)(1/23)
أولاً هذا التفريق غير دقيق فالذوق والمس يأتي للضر وغير الضر، الذوق هو إدراك الطعم والمسّ هو أي إتصال. أما كون المس يأتي مع الشر فغير صحيح لأن المس يأتي مع الرحمة أيضاً (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) المعارج) (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (120) آل عمران) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (17) الأنعام) وكذلك الإذاقة تأتي مع العذاب ومع الرحمة (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة) (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (48) الشورى) (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) الفرقان) ليس هنالك تقييد في الاستعمال.
آية (22):
*ما الفرق بين الآيتين (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا (22) السجدة)؟(د.فاضل السامرائى)(1/24)
نقرأ الآيتين حتى يتبين لنا سبب الاختلاف: آية الكهف (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57))، آية السجدة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22)) بعدها (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)) نحن نعرف من القواعد النحوية اللغوية أن الفاء تفيد الترتيب والتعقيب لا تراخي في الزمن و(ثم) تفيد الترتيب والتراخي (يعني مهلة من الزمن). معنى هذا أن وقوع الإعراض في آية الكهف أسرع منه في آية السجدة لأنه قال ذُكِّر فأعرض وهناك قال ذُكِّر ثم أعرض، إذن معنى ذلك أن الإعراض في آية سورة الكهف وقوعه أسرع هذا من حيث اللغة. ما الموجب لذلك؟ هو ذكر في آية الكهف أموراً تسرع في إعراضه لم يذكرها في آية السجدة، الإعراض واقع في عقب التذكير فقال: (ونسي ما قدمت يداه) (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) (وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً) هذا كله مما يسرع في إعرضاهم، لم يقل هذا في السجدة ولم يذكر دواعي تُسرع في إعراضه كما ذكر في آية الكهف إذا قلنا لأي متخصص في اللغة ضع الفاء وضع ثم سيضعها في مكانها كما هي في القرآن الكريم، قانون تعبيري.
آية (25):
* كلمة يختلفون وتختلفون وردت في القرآن في مواضع كثيرة (113) البقرة، (19) يونس، (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة)، (48) المائدة ، ما كُنه الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى)(1/25)
الآية توضح (إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة) أنبئه بالأمر فقال (بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) والثانية في القضاء والفصل فصل في القضية (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هذا حكم، قال (فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي في الذي كانوا فيه يختلفون. إما يقول قضي بينهم أو يحكم بينهم ولما يقول يحكم بينهم وقضي بينهم يستعمل فيه. أما كانوا وكنتم فالأكثر لما يقول (كانوا) الكلام عن يوم القيامة والاختلاف كان في الدنيا (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) الاختلاف في الدنيا (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية). (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) هذه الآن وليس في يوم القيامة (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) لأنها تقصد الدنيا.
سؤال: هل (كان) هنا فعل ناقص؟ نعم فعل ناقص وأحياناً يأتي تام وله استخدامات كثيرة.
*(إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) ما الفرق بين يفصل ويقضي؟ وما دلالة ضمير الفصل (هو) في آية السجدة؟(د.فاضل السامرائى)(1/26)
لو قرأنا الآيتين تتضح الإجابة (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) يقول المفسرون يفصل بين الأنبياء وأممهم لأن السياق هو بين المؤمنين والكافرين (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)).(1/27)
ربنا سبحانه وتعالى قال (فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ) صاروا أمتين جماعة بني إسرائيل نبيهم موسى آتيناه الكتاب وأنت أيضاً يا محمد آتيناك الكتاب فصاروا ملّين مختلفتين فلا تكن في مرية من لقائه. نقرأ الآية الثانية لنرى الفرق بينهما ونشرح، آية الجاثية (وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)) الاختلاف بين بني إسرئيل في ملة واحدة (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ)، في آية السجدة الاختلاف بين أمم مختلفة وعلى الأقل بين أمة الإسلام وبني إسرائيل أما آية الجاثية فالفصل بين ملة واحدة مختلفة فيما بينها، أيّ الذي يدعو إلى الاختلاف أكثر والتوكيد بين مِلّة واحدة أو ملل مختلفة؟ بين ملل مختلفة فلما كان بين ملل مختلفة قال (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) أكّد وما كان بين ملة واحدة قال (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) ولم يأت بـ (هو). هناك فرق دلالي بين يقضي ويفصل، يفصل يعني يجعلهما مختلفين بينهما حاجزاً افتراق بين الطائفتين فلما كان الخلاف في الملل المختلفة هؤلاء لا يلتقون يذهب بعضهم إلى النار وبعضهم إلى الجنة ولهذا قال يفصل أما الثانية فهي بين ملة واحدة فقال يقضي بينهم أي يحكم بينهم وليس بالضرورة فصل، الحكم لا يقتضي الفصل لكن الفصل يقتضي الحكم لأن فيه حكم وفصل ولهذا الاختلاف في الملل يحتاج حكم وفصل.(1/28)
وقال (هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) هذا ضمير الفصل وهو يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصله مبتدأ وخبر مثال: محمد هو القائل، مبتدأ وخبر، (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (62) آل عمران) يقع الضمير بين إسم إنّ وخبرها، (فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) الصافات) بين إسم كان وخبرها، ظننت محمد هو المسافر، ظننت خالداً هو المنطلق، بين مفعولين، الغرض البلاغي من مضير الفصل هو التوكيد والقصر في الغالب (وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) البقرة) حصراً ليس هناك مفلح غيرهم حصر ومؤكد، (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) البقرة) هذا ضمير الفصل يفيد في الغالب التوكيد والقصر. حتى تسمية ضمير الفصل قالوا يفصل الخبر عن الصفة وهذا أصل التسمية، أصل التسمية حتى يعلم أن الذي بعده خبر وليس صفة لأنه أحياناً يأتي السائل أن هذا صفة وبعده خبر، (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)، هذا القصص الحق يحتمل أن يكون القصص بدل فيها إلتباس فإذا أردنا أن نجعل القصص هو الخبر وليس الصفة نقول هذا هو القصص والحق تكون صفة وإذا أردنا أن نقرر أن حتماً القصص ليس خبراً نقول هذا القصص هو الحق يكون الحق هنا خبر للقصص، القصص بدل لهذا، هذا أصل التسمية حتى يفصل وأن ما بعجها خبر وليس صفة، هذا أصل التسمية ثم ذكر له فوائد في الغالب القصر الحقيقي أو الإدعائي (تدعي أن فلان شاعر مثلاً وهو ليس بشاعر) أو التوكيد. أما في قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) هذا ضمير الشأن وليس ضمير الفصل. ضمير الفصل على الأرجح ليس له محل من الإعراب، نقول هو ضمير مبني ونعده حرفاً وهذا من أشهر الأقوال لأنه لو كان إسماً يذكر له محل من الإعراب، في أشهر الأقوال أنه حرف لا محل له من الإعراب.
* ما الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)(1/29)
الفرق بين الحكم والفصل، الحكم القضاء والفصل أشد لأنه يكون بَوْن أحدهما، أن يكون بينهما فاصل حاجز إذن الفصل أشد فإذن لما يقول في القرآن يفصل بينهم تكون المسافة أبعد كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار أما الحكم فلا وقد يكون في ملة واحدة، نضرب أمثلة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هؤلاء يذهبون معاً إلى جهة واحدة اليهود والنصارى كلاهما ليس أحدهما إلى الجنة والآخر إلى النار فليس فيه فصل. (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) اختلاف في ملة واحدة وهم اليهود، وكلهم يذهبون معاً إلى جهة واحدة مع بعض. (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) كلهم يذهبون إلى جهة واحدة. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج) هؤلاء لا يذهبون إلى جهة واحدة فهم فئات مختلفة إذن يفصل. الفصل يتضمن الحكم حكم وفصل فيكون أشد.(1/30)
ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) قالوا الفصل بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والمشركين. فإذن الفصل حكم لكن فيه بَوْن كل جهة تذهب إلى مكان لذا قال في سورة ص (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ (22)) هذا حكم قضاء.
آية (26)-(27):
*ما دلالة الإختلاف بين الآيات (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) السجدة) (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) يس) (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) طه) ؟(د.حسام النعيمى)(1/31)
عبارة (أولم يهد) تكررت في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع: في موضعين (أولم يهد) وفي موضع (أفلم يهد). وكلمة (ألم يروا) تكررت كثيراً سأشير إلى أعدادها بشكل سريع. لكن الملاحظ بصورة عامة أن عبارة (ألم يهد لهم) أو ألم يهد له أو لك في غير القرآن العرب تستعملها بمعنى ألم يتبين لك؟، ألم يظهر لك؟ وألم تر، ألم يروا أيضاً بمعنى ألم يتبين لك؟ لكن هناك فارق جزئي بسبب إشتقاق اللفظ: ألم يهد: من الهداية، وألم يروا: من الرؤية، الهداية قطعاً متعلقة بشيء في القلب والرؤية متعلقة بشيء ظاهر مادي. هذا هو الأمر الذي يهيمن على الآيات في جميع المواطن التي وردت. عندما يريد القرآن أن يوجه العناية إلى التدبر والتفكر الزائد بحيث يشتغل القلب بهذا ولا يكون مجرد النظر وتفكير يسير إستعمل (أولم يهد) من الهداية (أولم يهد لهم) لأن هذا الفعل فيه هذا المعنى، وغالباً يكون الكلام في الآيات إما على الألباب، القلوب، الآخرة التي تحتاج إلى تأمل وإلى تفكّر أن يتفكر في الآخرة، و (ألم يروا) تشمل هذا وهذا لكن إذا تحدثت عن أمور في الآخرة يراد منها النظر السريع والإستدلال السريع. هذه القاعدة العامة بالنسبة لـ (يهدي) و(يرى).(1/32)
الآيات الواردة في هذا، السؤال عندنا (أولم يهد) فيها واو، (ألم يروا) ليس فيها هذه الواو. هذه الواو هي واو العطف وواو العطف لا تتقدم على الهمزة لأن الهمزة لها الصدارة كأنما في غير القرآن قال: كذا وكذا وألم يروا؟، لكن (وألم يروا) (وألم يهد لهم) لا تكون في اللغة لأن الهمزة تتقدم فيقول: أولم يروا، تدخل الواو بين الهمزة وبين الكلمة التي تليها. والواو لا تتقدم على الهمزة لأن علماؤنا من خلال إستعراضهم لكلام العرب - والقرآن الكريم على لغة العرب – فالهمزة تتقدم فيقول (أولم يروا)، أولم أقل لك هذا؟ يعني قلت لك كذا وكذا، أولم تستمع لقولي؟ في حقيقتها هي: وألم تستمع، لكن لأن الهمزة لها صدر الكلام تتقدم على حرف العطف الواو. إذن لما نجد أولم معناه هناك سياق عطف، تعطف جملة على جملة، جملة على ما قبلها، العاطف هو الواو والهمزة لا تحيل العطف أي لا تحول بين المعطوف والمعطوف عليه. الهمزة إستفهام إنكاري فيه معنى التوبيخ يُنكر عليهم عدم رؤيتهم وينكر عليهم عدم إهتدائهم، فيه إنكار. فالهمزة لا تحول دون هذا العطف لأنه أصله للعطف. فلما نجد الواو أو نجد الفاء نحس أن هناك ربط هذه الجملة بالجملة التي قبلها هناك إرتباط عن طريق هذا العطف أو جاءت في سياق عطف.(1/33)
لما ننظر في آيات السجدة نجد قوله عز وجل (أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) ثم يقول (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)) كله عطف لكن لأنه جاءت الهمزة وفيها معنى هذا الإنكار عليهم إنهم لم يستعملوا عقولهم، لم يهتدوا، لم ينظروا فيم أهدي إليهم من معانٍ فجاء العطف.(1/34)
بينما في سورة يس هناك قطع يعني استئناف. يبدأ من قوله تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)) هذه ربطت بما قبلها، الآية التي تليها بدأت إبتداء (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)) ما قال وإن كانت إلا صيحة واحدة، ليس فيها عطف هنا فصل، والغرض من الفصل توجيه العناية والاهتمام كأنه جملة جديدة. (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) لم يقل ويا حسرة على العباد، ثم جاء قوله (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)) لا يوجد عطف، إستأنف لغرض التأكيد (ألم يروا) جعلها مستأنفة ولم يجعلها مرتبطة بما قبلها بحرف عطف. هذا في معاني الوصل والفصل في القرآن الكريم وهذا موطن فصل لغرض التأكيد، لغرض لفت العناية ولغرض الاهتمام (ألم يروا) كأنه بدأ كلاماً جديداً مع أنه مرتبط وآيات القرآن يرتبط بعضها ببعض لكن لما يريد لفت الإنتباه والتركيز على معنى معين كأنه يستأنف لغرض التأكيد فهنا (ألم يروا) هذا من حيث وجود الواو وعدم وجود الواو.(1/35)
في سورة طه (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) طه) قصة عن الآخرة نقلها القرآن إلى الواقع الحالي كأنها وقعت لأن المستقبل في عين الله سبحانه وتعالى ماضي. نجد (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)) يعني بناء على كل هذا لأن الفاء للترتيب ترتب شيئاً على شيء، هي للعطف أيضاً لكنها تفيد الترتيب والمباشرة لما تقول: جاء زيد فخالد أي جاء مباشرة بعده وترتب مجيء هذا على مجيء هذا. فيها معنى الترتيب أي بعد كل هذا الكلام (أفلم يهد لهم) الفاء مرتِّبة وفيها شيء من التعليل أيضاً كأنها تبيّن عِلّة ما بعدها أنه هذا الذي ذكرناه ألا يكون مُذكِّراً لكم؟ ينبني على هذا الذي قلناه ما نقوله الآن. أفلم فيها معنى العطف لكن الدلالة فيها إضافة، الفاء فيها معنى العطف وإضافة الترتيب أما الواو فلا تقتضي ترتيباً وإنما مجرد عطف. تقول مثلاً: جاء زيد وخالد ممكن أن يكونا جاءا سوية معاً أو يكون خالد جاء قبل زيد المهم جاء فلان وفلان، تقول سأل عنك فلان وفلان قد يكونا سألا سوية أو كل واحد لوحده تحتمل الإثنين. أما الفاء فهي للترتيب تقول: سأل عنك زيد فخالد، أي سأل زيد وبعد ذلك بقليل سأل خالد. كذلك الفرق بين الفاء و(ثم)، يقولون (ثم) للتراخي والترتيب. أما الفاء فترتيب مباشر والواو ليس فيها ترتيب.(1/36)
الترتيب في سورة طه مقصود لذاته: الفاء في سورة طه لأنه ينبني على ذلك، يترتب على هذا الكلام، تقول فلان قال كذا وقال فلان كذا فيكون كذا وكذا يعني ينبني على هذه الأقوال هذا الشيء أنت تبني شيئاً على ما قبله، الآن نقول يترتب على هذا إجراء هذا الأمر كذا وكذا أي ينبني عليه. فالفاء هنا ترتيب على هذا المثال الذي ذكرناه،هذا لا يحرك مشاعركم بحيث تهتدون وبحيث تنظرون نظراً في القلب؟.
أما (ألم يروا) جاءت في خمسة مواضع في المصحف كله من غير عطف (ونحن نعتمد في هذه الإحصائيات على ما جمعه محمد فؤاد عبد الباقي رحمة الله عليه في المعجم المفهرس)، بالعطف (أولم يروا) وردت في 11 موضعاً لن أقرأها حتى لا نطيل لكن المشاهد الكريم لو رجع إلى الآيات سيجد أنه لما تأتي (ألم يروا) من غير الواو يعني ليس هناك سياق عطف. وفي 11 موضعاً التي فيها الواو هي في سياق عطف جميعاً. معناه هناك نظام واحد في العبارة القرآنية لا يختلّّ. ولا تأتي (أولم) وهو ليس هناك عطف أو تأتي (ألم) والسياق سياق عطف، لا يكون هذا.
(من قبلهم) و (قبلهم):
(من) لابتداء الغاية، تقول جاء فلان من كذا ووصل إلى المكان أي بدأ مجيئه من المكان الفلاني. فلما يقول (كم أهلكنا من قبلهم) يعني القبلية مباشرة من وجودهم هم، يعني يُذكّرهم بمن هلك قبلهم قريباً. تبدأ غاية الهلاك من وجودهم هم يعني كأن يكون من آبائهم، أصدقائهم، أصحابهم، هذا التذكير أوقع في النفس لما يراد التخويف والإنذار لأن هذه الآيات الأولى التي فيها ذكر الآخرة وفيها هزٌّ لضمائرهم أن يهتدوا كأنما أُهدي لهم هذا المعنى فينبغي أن يشغّلوا قلوبهم في هذا الأمر إستعمل عند ذلك (من قبلهم) أدعى للتخويف أن فلاناً كان معك وهلك.
((1/37)
قبلهم) عامّة ليس فيها هذه اللمسة التي تذكرهم بالبداية والقبلية تشمل الجميع لكن لما يريد أن يلمس هذا الشيء قبلك مباشرة يستعمل (من). تقول: ألم تتنبه إلى ما حدث لأخيك من قبل ساعة أو من قليل أو من قبل أن أكلمك؟ (هذا مباشر)، ألم تر ما حدث لأخيك قبل أن أكلمك؟ (هذا كلام عام) من كلامي معك وقبل ذلك، أما من قبل أن أكلمك، يعني الآن من لحظات مرتبط بكلامي معك.
لم يعترض أحد على هذا الكلام لأن هذا في الذروة من كلام العربية لذلك سلّوا سيوفهم وما أخرجوا أقلامهم ليكتبوا بها وكان أيسر أن يكتبوا سطرين حملوا سيوفهم وقتل الإبن أباه والأب حارب ولده وهم قوم عنصريون
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
يقاتل آل فلان ولا يكتب سطراً لأنه يستحي أن يكتب شيئاً يضحك منه الناس ويقولون له أين هذا من هذا؟(1/38)
لماذا هذه الهجمة الشرسة على القرآن هذه الآيام؟ الهجمة الشرسة على القرآن ليست في هذه الأيام وإنما تزيد وتنقص وهي منذ بداية نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهي ماضية إلى يوم القيامة ولا نتوقع أن يأتي زمان لا يكون هناك من لا يحارب الدين. لكن أن يكون هناك إستغلال لغفلة المسلمين ولإنشغال المسلمين بأمور فتبدأ الحرب على الإسلام بأشكال مختلفة. بعض إخواننا يتحدث عن بعض الناس الذين أتخذوا لأنفسهم منهجاً خاصاً في الفقه هؤلاء لم ينشروا الإسلام في أي بلد كافر من وجودهم في التاريخ ولكن دائماً شغلهم في تحويل المسلمين من عقيدة أهل السنة والجماعة إلى فقههم، هذا شغلهم وعلى قول أحدهم يصيدون السمك من المقلاة! ولا يذهب لصيد السمك، الهند مفتوحة إذهب وادعُ الناس فيها للإسلام! لا نتوقع أن تتوقف الهجمة في أي وقت لكن على الناس أن ينتبهوا إلى ذلك وهو ليس فقط مسألة أسلوب القرآن الكريم وإنما الذي لا يعرف أسلوب القرآن الكريم ولا يعرف أساليب العربية يعرف على الأقل أحكام الشرع ويوازن بين أحكام الشرع والقوانين الوضعية، بين الأحكام الشرعية التي تضمن الخلق النظيف والمجتمع النظيف المتآخي المتواصل وهذه النظم التي تخاف من القانون فإذا غفل عنها القانون فعلت ما لا يفعله الشيطان. المجتمع المسلم مجتمع طاهر نقي نظيف من خلال تعاليم هذا الدين. العرب الآن الذين هم من أعراق عربية لم يعد لديهم ذلك الذوق العربي صرنا نتعلم العربية بحيث إذا سمعت إثنان عراقيان يتحدثان لا يفهمها الجزائري وإذا سمعت إثنان من المغرب يتحدثان أنت لا تفهمهما، فنحن إبتعدنا لذا نقول هذا الكلام هي لمسات للتذكير بهذه المعاني البيانية في كتاب الله عز وجل أما الإيمان والثبات فعلى شرع الله سبحانه وتعالى ومعرفة ما شرّعه الله سبحانه وتعالى.(1/39)
*ما دلالة اختلاف الفاصلة القرآنية بين قوله تعالى (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) السجدة) وبعدها مباشرة (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) السجدة)؟
(د.فاضل السامرائى )
آيتان متتاليتان في سورة السجدة. قال في الأولى (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ) هذا يأتي عن طريق السماع قرون ماضية يسمعون الأخبار فقال (أَفَلَا يَسْمَعُونَ)، في الثانية (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ) هذا يُنقل مشاهدة وليس سماعاً فقال (أَفَلَا يُبْصِرُونَ)، لما كان الأمر يأتي عن طريق السماع قال (أَفَلَا يَسْمَعُونَ) ولما كان الأمر مشاهداً يأتي عن طريق المشاهدة قال أفلا يبصرون.
****تناسب فواتح السجدة مع خواتيمها****
((1/40)
الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)) في الخواتيم قال (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)) المرية يعني الشك أي لا تكن في شك وهذا متعلق بقولهم أنه مفترى فلا تشكّ. قال في أوائل السورة (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)) وفي آخرها يقول (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28)) كأن هذه الآية تالية للآية الأولى.
*****تناسب خواتيم السجدة مع فواتح الأحزاب *****
قال تعالى في خاتمة السجدة (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)) وقال في الأحزاب (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)) لا تطع الكافرين فأعرض عنهم. في أواخر السجدة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)) (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) الأحزاب) حتى لا تكون في دائرة الذي ذُكِّروا فأعرضوا، لا تنسى ولا تُعرِض بل إتّبع.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله(1/41)
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة السجدة للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى والخواطر القرآنية للأستاذ عمرو خالد وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله جميعاً عنا خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/42)
سورة الأحزاب
تناسب خواتيم السجدة مع فواتح الأحزاب ... آية (18) ... آية (33) ... آية (51) ... آية (69)
هدف السورة ... آية (24) ... آية (35) ... آية (52) ... آية (72)
آية (4) ... آية (26) ... آية (37) ... آية (54) ... تناسب فواتح الأحزاب مع خاتمتها
آية (5) ... آية (27) ... آية (42) ... آية (55) ... تناسب خواتيم الأحزاب مع فواتح سبأ
آية (9) ... آية (28) ... آية (47) ... آية (59)
آية (10) ... آية (30) ... آية (49) ... آية (63)
آية (16) ... آية (31) ... آية (50) ... آية (65)
*تناسب خواتيم السجدة مع فواتح الأحزاب *
قال في خاتمة السجدة (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)) وقال في الأحزاب (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)) لا تطع الكافرين فأعرض عنهم. في أواخر السجدة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)) (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) الأحزاب) حتى لا تكون في دائرة الذي ذُكِّروا فأعرضوا، لا تنسى ولا تُعرِض بل إتّبع.
**هدف السورة: الإستسلام لله في المواقف الحرجة**(1/1)
الأجزاء التي سبقت من القرآن الكريم من الجزء الأول إلى جزء 21 شملت المنهج الكامل للمسلم الذي هو مستخلف في الأرض وكان لكل سورة هدف واضح محدد يوضّح لنا عنصراً من عناصر هذا المنهج. أما الأجزاء القادمة في القرآن من 22 إلى 30 فكل مجموعة من السور تشترك في هدف محدد مجتمعة وتتطرق كل سورة من السور إلى جانب من هذا الهدف كما سنلاحظ في السور القادمة. ونبدأ بالجزئين 22 و23 من سورة الأحزاب إلى سورة ص والواضح أنها مجتمعة تهدف إلى الدعوة إلى الإستسلام إلى الله تعالى واسم ديننا الإسلام وهو التسليم الكامل لله رب العالمين خالقنا والخضوع التام للخالق عزّ وجلّ. وكل سورة في هذين الجزئين تركّز على جانب من جوانب الإستسلام لله تعالى: ونستعرض سريعاً هذه الأهداف كما هو مبين ثم نفصّل كل سورة على حدة:
السورة ... الهدف
سورة الأحزاب ... الإستسلام لله في المواقف الحرجة
سورة سبأ ... الإستسلام لله سبيل بقاء الحضارات
سورة فاطر ... الإستسلام لله هو سبيل العزة
سورة يس ... الإستسلام لله بالإصرار على الدعوة
سورة الصّافّات ... الإستسلام لله وإن لم تفهم الأمر
سورة ص ... الإستسلام لله بالعودة للحق بلا عناد(1/2)
وكأن الله تعالى يريدنا أن نعلم بعد أن استقرّ المنهج ومعنى الإيمان الذي أوضحه في سور القرآن في الأجزاء 1 – 21 يجب أن تكون خاضعين مستسلمين لله تعالى الذي شرّع هذا المنهج وارتضى هذا الدين لنا. ولنعلم أن عزّتنا هي في استسلامنا لله تعالى والخضوع التام له وفي هذا يتحقق معنى العبودية التامة لله كيف؟ الإيمان بالله قد يكون على هيئتين فقد يؤمن أحدنا بالله تعالى لكن بعد أن يعلم الحكمة من كل أوامر الله ويطمئن لها عقله وقلبه فيؤمن ومنها أن يؤمن بالله لما يرى من ابداع خلق الكون والمخلوقات من حوله، ولكن الإيمان الحقّ أن تؤمن وأنت لا تفهم مراد الله تعالى في أوامره ونواهيه وهذا الإيمان المطلق بالله أنا أؤمن بالله سواء عرفت الحكمة من الإمتثال لأوامره ام لم أعرف لأني على يقين أن هذا هو الحق والإيمان هو التصديق التام والخضوع التام لله فيما أمر وفيما نهى عنه. وإلا فكيف أكون مؤمناً إذا طالبت في كل مرة أن أعرف المقصود من أمر الله وأفهم الحكمة من وراء ذلك؟ واستسلامي لله هو الذي يعطيني العزّة في الدنيا وهو الذي يعطيني اليقين بأني لو أخطأت لا أستكبر عن العودة للحق.(1/3)
ننتقل للحديث عن سورة الأحزاب، وهي سورة مدنية تحدثت عن غزوة الأحزاب (او غزوة الخندق) (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) آية 22 و23 وصورتها تصويراً دقيقاً بتآلب قوى الشرّ على المؤمنين وقد أحاط المشركون بالمسلمين من كل جانب (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) آية 10 و11 وكان موقف المسلمين حرج للغاية ولكن هذا هو الابتلاء من الله تعالى ولتأكيد معنى أنه لمّا استسلم المؤمنون لله تعالى في هذا الموقف رد تعالى كيد أعدائهم بارسال الملائكة والريح.(1/4)
وتحدثت السورة عن عدة مواقف صعبة مرّت على الرسول ? وعلى المسلمين في تلك الفترة منها إلغاء التبني (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) آية 5، وتطليق زيد بن حارثة لزينب بنت جحش ثم يتزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم موقف الحجاب (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) آية 59، نقض اليهود عهدهم مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
ومحور هذه السورة هي الآية (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) آية 36. تؤكد على معنى الإستسلام لله تعالى والامتثال لأوامره وأوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بدون معرفة الحكمة من وراء ذلك فهو الله وطاعته لازمة واجبة و نتجرأ بأن نطيعه في أمور ونقول له لن أطيع في هذا الأمر إلا بعد أن أعرف الحكمة من ورائه، تخيّل هذا المعنى من رفض الإستسلام لله وإطاعته! إن كان البشر لا يتجرأون أن يعصوا ولي الأمر أو رئيسهم في العمل وإنما ينفذون الأوامر بلا تردد فكيف بنا بأوامر خالق الخلق؟!(1/5)
وتأتي ختام السورة (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) آية 72 عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال فرفضت حملها لأنها أرادت أن تبقى مستسلمة لله بدون أن تكون مخيّرة وخافوا من حمل الأمانة أم الإنسان فحملها لأنه كان جاهلاً ثقلها والعواقب الوخيمة التي تقع على من يفرّط بها.
سميّت السورة بـ (الأحزاب) لأن غزوة الأحزاب هي رمز لأصعب موقف مرّ به الصحابة (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) آية 11 بعد أن تحزّب عليهم المشركين من كل جهة ولكن الله ردّهم وكفى المؤمنين المستسلمين له الخاضعين له القتال.
***من اللمسات البيانية فى سورة الأحزاب***
آية (4):
*وردت كلمة السبيل مرة وست مرات سبيلاً فى القرآن الكريم ما دلالة اختلاف الفاصلة؟(د.حسام النعيمى)
يقول تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)).
(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)).
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)).
(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)).
(إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)).
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)).
((1/6)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)).
هذا كلام يتعلق بما قلناه في سورة الأحزاب وقلنا أن الفاصلة ليست مرادة لذاتها ولكنها تأتي التقاطاً واللفظ هو المطلوب فهي تأتي في المرتبة الثانية بعد المعنى المُراد (كما سبق وذكرنا في سورة الضحى في استخدام وما قلى في الآية (ما ودعك ربك وما قلى) ولم يقل قلاك وذكرنا أنه ليس من المناسب أن يذكر ضمير المخاطب الكاف مع فعل قلى في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ) واستدللنا على ذلك فيما ذكرنا في الآية الرابعة من سورة الأحزاب وقلنا أنه ضحي بالفاصلة من أجل المعنى (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) مع ان جميع الآيات مطلقة في السورة وقلنا لأن كلمة السبيل عندما تقف عليها تقف على السكون والسكون فيه معنى الاستقرار والسكون و السبيل المعروف هو الاسلام.(1/7)
كلمة السبيل بالألف واللام وهي لم ترد في القرآن إلا في ثلاثة مواضع منها في سورة الفرقان (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)) والسبيل هنا يعني سبيل الاسلام (أل) مع سبيل تعني الاسلام والآيات الست الأخرى في سورة الفرقان ليس فيها أل: ثلاث منها ليس فيها مجال إلا أن تُنصب والمنصوب في الآخر يُمدّ لأنه جاءت تمييزاً آخر الآية منصوب فمُدّت الفتحة (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)) تمييز(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)) تمييز (إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)) تمييز وفي الآية (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)) لم يأت بـ(أل) وجاء بكلمة سبيل منكرة وهنا حتى يشير الى أي سبيل يعني يتمنى لو اتخذ مع الرسول سبيلاً أي سبيل: سبيل المجاهدين، سبيل المنفقين، سبيل الملتزمين بالفرائض، سبيل المحافظين على النوافل، أو غيرهم وكلها تصب في سبيل الله. وعندما قال سبيلاً جعله نكرة بما يضاف اليه. وعندما يقول السبيل فهو يعني الاسلام خالصاً فالظالم يعض على يديه يتمنى لو اتخذ مع الرسول أي سبيل منجي له مع الرسول وليس سبيلاً محدداً. والآية الأخرى (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)) ايضاً لا يستطيعون أي سبيل خير أو أي سبيل هداية.
نلاحظ ان الآيات الأخرى :(1/8)
1. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) النساء.
2. وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) الفرقان.
3. مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) الاحزاب.
آية سورة النساء كلمة السبيل في نهاية الآية تعني الاسلام وكل ما قبلها وبعدها جاءت مطلقة إلا هذه. وعندما نقول السبيل فهي تعني المستقر الثابت وكذلك السبيل في آية 17 في سورة الفرقان وآية 4 في سورة الأحزاب . وذكرنا أنه وردت كلمة السبيل مرة بالاطلاق في سورة الأحزاب (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)) (سبيلا) بالألف واللام والاطلاق بخلاف الآيات الثلاث وقلنا في وقتها أنهم في وضع اصطراخ فهم يصطرخون في النار فحتى كلامهم عن السبيل جاء فيه صريخ وامتداد صوت. هذه هي الأماكن فقط أما الأماكن الأخرى فجاءت كلمة السبيل بدون اطلاق ولن نجدها إلا عند الوقف مستقرة لأنه يراد بها الاسلام.
آية (5):
* ما الفرق بين قوله تعالى (لا جُناح عليكم) وقوله تعالى (ليس عليكم جناح)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/9)
أولاً: لا جناح عليكم جملة إسمية، و (لا) هنا هي لا النافية للجنس على تضمن من الاستغراقية والمؤكِّدة دخلت على المبتدأ والخبر، والنحاة يقولون أن (لا) في النفي هي بمثابة (إنّ) في الاثبات . ومن المسلمات الأولية في المعاني أن الجملة الإسمية أقوى وأثبت وأدلّ على الثبوت من الجملة الفعلية ، وعليه يكون (لا جناح عليكم) مؤكّدة كونها جملة إسمية وكونها منفية بـ (لا) هذا من الناحية النحوية. أما الجملة (ليس عليكم جناح جملة) فهي جملة فعلية ولا يمنع كون ليس ناسخاً لأن المهم أصل الجملة قبل دخول الناسخ عليها. هذا من حيث الحكم النحوي أن الجملة الإسمية أقوى وأثبت وأدلّ على الثبوت من الجملة الفعلية.
أما من حيث الاستعمال القرآني فإذا استعرضنا الآيات التي وردت فيها ليس عليكم جناح ولا جناح عليكم في القرآن نجد أن لا جناح عليكم تستعمل فيما يتعلق بالعبادات وتنظيم الأسرة وشؤونها والحقوق والواجبات الزوجية والأمور المهمة، أما ليس عليكم جناح تستعمل فيما دون ذلك من أمور المعيشة اليومية كالبيع والشراء والتجارة وغيرها مما هو دون العبادات في الأهمية. ونورد الآيات القرآنية التي جاءت فيها الجملتين:
لا جناح عليه
في سورة البقرة: (158) عبادة، (229) (230) (233) (234) (235) (236) (240)) هذه الآيات كلها في الحقوق وفي شؤون الأسرة.
في سورة الأحزاب (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ (51)) و(لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ (55)).
ليس عليكم جناح
في سورة البقرة: (198)) فى الإفاضة من عرفات وقوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا(282))(1/10)
في سورة الأحزاب (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ (5)).
آية (9):
*قال تعالى (وجنوداً لم تروها) ما المقصود بكلمة: لم تروها؟(د.حسام النعيمى)
في سورة الأحزاب قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)) (جاءتكم جنود) جنود تراها العين : قريش ومن جاء معهم من الأحزاب. (جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ) ريحاً هي من جنود الله أيضاً، (وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا). الريح رأيتم فعلهاهذا من جند الله وهناك جنوداً لم تروها. هذه الجنود: التخذيل الذي حدث، الملائكة التي أدخلت الرعب في قلوب هؤلاء الناس، الخلاف الذي وقع بينهم (نبقي أو نمضي) كل هذا هو من جنود الله غير المرئي. فإذن لا يتوقع المسلم أن الله سبحانه وتعالى دائماً يرسل جنداً مرئية لأن الملائكة شاهدها بعضهم في القتال وسمعها بعضهم. أثناء القتال في معركة بدر بعضهم رأى الملائكة وسمع صوتها وهي تتحدث مع بعضها. ويمكن هناك جند لم تروها لم تقع أعينكم عليها سواء من الملائكة أو من غير الملائكة. المهم أن تكون واثقاً بنصر الله سبحانه وتعالى وأنه تعالى له جنود يسخّرهم يكونوا نصراء لدينه. (لم تروها) أي لم تروها رأي العين. الله سبحانه وتعالى يخبرنا عن آثارها كيف ينصر رسوله؟ سماه نصراً نجاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قريش (إلا تنصروه فقد نصره الله) كان نصراً.
آية (10):
* لماذا جاءت كلمة (أسفلَ) منصوبة في قوله تعالى (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) الأحزاب) ؟ (د.فاضل السامرائى)
أسفلَ مجرورة بالفتحة لأنها ممنوعة من الصرف ومثلها أصفر وأخضر وأحمر.(1/11)
وكذلك في قوله تعالى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) النساء) بأحسنَ ليست منصوبة ولكنها مجرورة بالفتحة لأنها ممنوعة من الصرف (وجُرّ بالفتحة ما لا ينصرف) وهي صيغة على وزن أفعل. أحسن: إسم تفضيل على وزن الفعل فالقاعدة تقول إن الوصفية إذا كانت على وزن الفعل تمنع من الصرف ما لم تونّث بالتاء.
آية (16):
*ما الفرق بين الموت والقتل في الآية (قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) الأحزاب)؟(د.فاضل السامرائى)
الموت نقيض الحياة لما نقول قتله يعني أماته بضرب أو حجر أو سُمّ يعني يفعل فيه فعل يضر به بأي آلة تؤدي إلى أن يموت. الموت أن يموت وحده وتخرج روحه هكذا أما القتل فبفعل فاعل. قال تعالى (يميتكم) هذا فعل الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء.
آية (18):
*ما دلالة استعمال (قد) في قوله تعالى (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)) في سورة الأحزاب؟(د.حسام النعيمى)(1/12)
أحياناً نحن نتعلم شيئاً موجزاً فنظن أنه هذه القاعدة العامة. نحن عُلّمنا بشكل موجز أن (قد) إذا دخلت على الفعل الماضي تفيد التحقيق (فقد جاء) محققاً، وإذا دخلت على الفعل المضارع تفيد التقليل (قد يأتي زيد) أو الشك. هذا ليس على إطلاقه وإنما السياق يتحكم في (قد) ومن الممكن أن تأتي (قد) للتكثير، للكثرة. لما يقول الباري عز وجل (قد نرى تقلب وجهك في السماء) الرسول ? كان يقلّب وجهه في السماء فهل (قد نرى) تعني أن الله تعالى محتمل أن يراه؟ أو كثيراً ما كنا نرى تقلب وجهك في السماء؟ الحفظ القليل هذا هو للمتعلمين نعطي أموراً بسيطة يسيرة لكن في توسع النظر في لغة العرب عند ذلك نجد أن (قد) تستعمل في هذا المعنى ةفي هذا المعنى يضبطها السياق.
آية (24):
*(إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (24) الأحزاب) ما دلالة استخدام كان بصيغة الماضي؟(د.فاضل السامرائى)
((1/13)
كان) بحد ذاتها فيها كلام عند النحاة وفيها معاني وفيها بحث مخصوص. هي فعل لكن فعل له دلالاته الخاصة. عندنا كان الاستمرارية بمعنى لا يزل ولم يزل ومنها (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) لا يزال هذه صفة مستمرة (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53) الإسراء) استمرارية كان ولا يزال. (كان) فعل ماضي لكن له دلالات، (ليس) فعل ماضي وتقبل علامات الفعل الماضي تقبل بالتاء والتاء علامات الفعل الماضي (لست لسنا) الأصل في ليس أن تقال للحال (لست مسافراً) (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ (8) هود) بعض الأفعال لها خصائص معينة ولها بحوث خاصة عند النحاة. عندنا (كان) الاستمرارية (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) الأحزاب) معناه مستمر، (وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) الكهف) مستمر، (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11) الإسراء)، وقد تكون للحال (فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) النمل) هذا الآن، (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس) الآن هذه دلالة على الحال، وتكون للاستقبال (وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) الإنسان). (كان) فعل ماضي من حيث الإعراب النحوي لكن من حيث الدلالة الزمن مختلف. هناك قرينة في الآية تدلنا على معنى معين. (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) هذه مطلقة لأن صفات الله تعالى ثابتة دائماً ومنها (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) الإنسان) بمعنى صار، (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) النبأ) بمعنى صار تحوّل. ((1/14)
كان) فيها أمور أخرى أيضاً وليس فيها قول فصل وكل حالة بقدرها فلا ينبغي أن نعمم، من حيث الإعراب نقول فعل ماضي لكن ينبغي أن نوضح من حيث الدلالة وهذا ليس خاصاً بالقرآن وإنما في الشعر قيل (قد كانت فراخاً بيوضها) هل البيوض كانت فراخاً؟ كلا وإنما المعنى أنها صارت. وعلى نفس الغرار (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (110) آل عمران) قلنا أن (كان) تأتي للحال إذن أنتم وقسم يقول كنتم في علم الله أو بين الأمم لكن من الأمور الظاهرة أن (كان) قد يكون فعل ماضي تام بمعنى وُجِد بمعنى وُجِدتم خير أمة مثل قوله تعالى (قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) مريم) هل كان في المهد صبياً؟ هو الآن في المهد بحيث أتت به قومها تحمله، بمعنى من وُجِد في المهد صبياً هذا فعل تام أو يدل على الحال. (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (280) البقرة) يعني إن وُجِد، هو مدين ليس أنه كان ذو عسرة والآن صار غنياً أي بمعنى وجد ذو عسرة. (كان) بحد ذاتها قد تكون للحال بمعنى وُجِد. إذن فعل كان متعدد الدلالة في التراكيب المستخدم فيها.
آية (26):
* ما دلالة تقديم وتأخير كلمة فريقاً في قوله تعالى (فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا) في سورة الأحزاب؟(د.فاضل السامرائى)(1/15)
قال تعالى في سورة الأحزاب (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)) حالة القتل التي وردت في هذه الآية هي أغرب حالات القتل وأندرهاز والإنسان يدافع عادة عن نفسه، عن ماله، عن عرضه، عن ماله، عن داره، عن أهله، عن أرضه فإذا اجتمعت كلها يدافع عن كل شيء. فكيف إذا جاء أحدهم وقال لك أعطني سيقك لأقتلك وآخذ مالك وأرضك وأموالك وكل ما تملك ؟ هذه تعتبر من أغرب حالات القتل وأندرها. فما بالك إذا كان هذا الشخص في حصن فاقيل له انزل حتى أقتلك ؟ هذه حالة أعجب! والحالة في الآية المذكورة تقول أنه أنزلهم من الحصن وألقوا أسلحتهم وأخذ أراضيهم وديارهم وأموالهم وأولادهم فهل هناك أعجب وأغرب من هذه الحالة؟ كانوا 600 رجل في الحصن ألقوا اسلحتهم من غير قتال وكانوا في حالة رعب عجيبة فسلّموا كل ما عندهم سيوفهم ونزلوا من حصونهم وأخذ أرضهم وديارهم وأموالهم وأسر نساءهم وذريتهم فقدّم فريقاً في حالة القتل لأنها حالة عجيبة من الرعب والذعر (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) وصياصيهم بمعنى حصونهم. أما مع الأسر فلا داعي هنا لتقديم فريقاً على تأسرون لأنه ليس هناك مقاتلة وإنما أسروا النساء والأطفال فهذا الفريق الثاني ليس بينهم مقاتل أصلاً وهذه الحالة لا تستدعي التقديم. أما الأولى فهي أعجب وأندر وأغرب حالات القتل.
* ما دلالة استخدام صيغة المضارع في فعل (تقتلون وتأسرون) بينما استخدمت باقي الأفعال في الآية بصيغة الماضي (أنزل، قذف)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/16)
هذا يُسمّى حكاية الحال بمعنى إذا كان الحدث ماضياً وكان مهماً فإن العرب تأتي بصيغة المضارع حتى تجعل الحدث وكأنه شاخص ومُشاهد أمامك. والمضارع يدل على الحال والاستقبال والإنسان يتفاعل عادة مع الحدث الذي يشاهده أكثر من الحدث الذي لم يره أو الذي وقع منذ زمن بعيد فالعرب تحول صيغة الأحداث إلى صيغة مضارع وإن كانت ماضية، وهذا الأمر ورد في القرآن كثيراً كما في قوله تعالى في سورة البقرة (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)) قتل الأنبياء هي حالة مستغربة وفي القرآن يأتي بصيغة المضارع مع الأشياء التي تدل على الحركة والحيوية والمهمة. وقد جاء في قوله تعالى في سورة فاطر (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)) جاء فعل أرسل بصيغة الماضي ثم فعل (فتثير) بصيغة المضارع ثم فعل (فسقناه) بصيغة الماضي مع أن السّوق يأتي بعد الإثارة والأحداث كلها ماضية لكن الإثارة مشهد حركة فجعلها بصيغة المضارع ليدل على الحضور. وهذا الأمر نجده أيضاً في السيرة ففي ما روي عن الصحابي الذي قتل أبا رافع اليهودي الذي آذى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال يصف ما حصل شعراً:
فناديت أبا رافع فقال نعم فأهويت عليه بالسيف فأضربه وأنا دهش
فجعل صيغة المضارع للمشهد الأبرز وهو الضرب فكأن السامع يرى الحادثة أمامه ويرى الصحابي وهو يضربه.
آية (27):
*ما إعراب كلمة أرضهم وديارهم في الآية (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً {27})الأحزاب) ؟(د.فاضل السامرائى)
فعل أورث ينصب مفعولين وعليه فإن أرضهم مفعول به أول وديارهم مفعول به ثاني لفعل أورثكم.
آية (28):(1/17)
*ما الفرق بين يا أيها النبي ويا أيها الرسول؟(د.فاضل السامرائى)
الرسول من الرسالة التبليغ حتى لو لم يكن نبياً (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) مريم) الرسول معه رسالة تبيلغ والنبي أعم قد يكون رسولاً وقد يكون لنفسه ليس مكلفاً بتبليغ دعوة إلى الآخرين. كلمة النبي أعم وكل رسول نبي وليس كل نبي رسول. قد يكون ليس مكلفاً بالتبليغ مثل يعقوب عليه السلام غير مكلف بالتبليغ هو نبي وإسحق نبي، المكلف بالرسالة والتبليغ هو رسول وغير المكلف هو نبي والنبي قد يكون رسولاً وقد يكون غير رسول. لما في القرآن يقول يا أيها الرسول ينظر فيها إلى جانب التبليغ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ (67) المائدة) فالنبي أعم وقد يكون رسولاً فقد يستعمل في جانب الرسالة والدعوة والتبليغ وقد يستعمل في جانب آخر في الجانب الشخصي في غير التبليغ مثال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ (67) المائدة) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ (41) المائدة) النبي عامة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ (65) الأنفال) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى (70) الأنبياء) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ (73) التوبة) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ (28) الأحزاب) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ (1) التحريم) هذا شيء شخصي بينه وبين أزواجه. إذن النبي عامة. القرآن يستخدم يا أيها الرسول إذا كان يتكلم في أمر الرسالة والتبليغ والنبي عامة.
آية (30-31):(1/18)
*ما دلالة استخدام المذكر أولاً ثم المؤنث في قوله تعالى (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) الأحزاب) ثم لماذا الخطاب مرة لجماعة الإناث ثم جماعة الذكور ؟
د.فاضل السامرائى :
ذكرنا أن (ما) و (من) لفظهما مذكر ومعناهما يختلف قد يدل على واحد أو أكثر، مذكر أو مؤنث، (من وما) تسمى من الأسماء المشترِكة تشترك في العدد والجنس سواء كانتا اسم استفهام أو إسم موصول، إذاً من حيث اللغة يجوز.
العرب فى الغالب عندما تأتي (من) يبدأون بذكر ما يدل على لفظها ثم يبينون المعنى، لفظها مفرد مذكر يأتي أول مرة بالمفرد المذكر ثم يوضح المعنى.
أمثلة : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (من يقول) جاءت للمفرد المذكر و(ماهم بمؤمنين) (هم) جمع ليبين المعنى، بدأ بالمفرد المذكر على اللفظ ثم بين معناه. (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ (49) التوبة).(وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ (99) التوبة).(وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) التوبة).(1/19)
هذا أمر جارٍ وهو الأفصح في اللغة والأكثر والأشيع أن تبدأ بالمفرد المذكر ثم تبين المعنى. إذا طبقنا هذا على آية سورة الأحزاب (من يأت) و(من يقنت) مفرد مذكر ثم بين المعنى بـ(وتعمل).
القاعدة النحوية هو أن الفعل يؤنّث ويذّكر فإذا كان الفعل مؤنثاً ووقع بين الفعل والفاعل فاصلاً ثم إن الخطاب الموجه لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) هذا خطاب خاص بهن فجاء بصيغة خطاب الإناث أما في الآية (يريد الله ليذهب عنكم الرجز أهل البيت ويطهركم تطهيرا) هذا الخطاب يشمل كل أهل بيت النبوة وفيهم الإناث والذكور لذا اقتضى أن يكون الخطاب بصيغة المذكر.
سؤال: هل هذا مثل قوله تعالى (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ (30) يوسف)؟
لا هذا أمر مختلف، هذا غير (من) و(ما). يذكرون أيضاً قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا (14) الحجرات) يقولون ومنهم الفرّاء وغيره أن الفعل لما يأتي ويسند إلى جمع جمع القلة يأتي بالتذكير ولما يأتي لجمع الكثرة يأتي بالتأنيث. فالنسوة جمع قلّة، كم واحدة قالت؟ قليل والأعراب كثير. فالقلة (قال نسوة) لأنهن قليلات هم جماعة الملكة وحاشيتها أما مع الأعراب قال (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا) فجاء بالتأنيث للدلالة على جمع الكثرة .فالعرب عندهم التأنيث يدل على عدد أكثر من التذكير (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ (11) إبراهيم.
سؤال: أليس التأنيث هنا لأن الجمع ليس له مفرد من جنسه؟ لا، هذا ليس له دخل.(1/20)
مثال آخر: (الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (183)آل عمران) جاءكم رسل، وفى آية أخرى (لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الأعراف).
الأولى هي في بني اسرائيل الذين قالوا (الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ (183) آل عمران) كم واحد جاءهم بقربان تأكله النار؟ قليل. أما الثانية ففى الآخرة يوم القيامة عند الحساب عندما يخاطب الله تعالى الناس، الآخرة يوم القيامة كل الرسل للدلالة على كثرة الرسل الذين بعثوا إليهم. .
مداخلة حول آية (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ (37) الأحزاب) وكأن الله عز وجل يبيّن فيها زيادة تبرئة للنبي من الشبهات أن الله يريد إنهاء التبني وتبعيات وأن هذا الأمر شاق جداً حتى عليك أنت يا رسول الله فإذا أنت تخشى الناس أن تواجه بهذا الأمر فكيف بالآخرين؟!. الله تعالى يبين للناس جميعاً أن هذا الأمر ثقيل حتى على رسول الله فلو لم يفعله ما كان لأحد أن يفعله وهذا فيه زيادة تبرئة وزيادة تأكيد على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما فعله لأنه ملزم أن يفعله.
د.حسام النعيمى :(1/21)
الكلام هو لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهنّ. (ومن يقنت منكم) العلماء يقولون (من) لفظها لفظ مذكر ومعناها وفقٌ للسياق بما يوافق السياق. يعني ممكن أن تأتي (من) للمفرد المؤنث وتأتي للمفرد المذكر وتأتي للمثنى وتأتي لجمع الذكور وتأتي لجمع الإناث لكن لفظها لفظ مذكر فأنت تقول: من درس أو من يدرس. بعد ذلك يمكن أن تعيد عليها بالإفراد أو التثنية أو الجمع أو التذكير أو التأنيث فيمكن أن تقول: من يدرس ينجحون، من درس نجحوا، من درس نجحت، من درس نجحا، من درس ينجحون، فيقول مرة أعدت على اللفظ ومرة أعدت على المعنى. أنت ماذا تريد من المعنى؟ فإذا قلت : من درس نجحوا، تريد الذين درسوا نجحوا ويمكن إبتداءً أن تقول من درسوا نجحوا ومن درسن نجحن ومن درست نجحت لكن غالباً لو نظرنا في آيات القرآن الكريم نجد أنه مع (من) إبتداءً يُراعي لفظها لفظ المفرد المذكر فيقول مثلاً (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) طه) فأحياناً ينظر لمّا يكون الكلام على المفرد دائماً عن المفرد لكن لما يكون عن الجمع يبدأ بالإفراد مراعاة للفظ (من). (ومن يقنت) نظر إلى لفظ (من) أنه مذكر مفرد يقال (ومن يقنت) ثم بيّن (منكن) يعني من يقع منه القنوت منكن. فإذن (من) هنا روعي لفظها لأن قلنا لفظ (من) مفرد مذكر. المعنى هنا للمؤنث الجمع، ما الدليل على أن المعن للجمع المؤنث؟ الدليل أنه قال (منكن). فإذن في كلمة (يقنت) وهذا هو الماضي أولاً يبدأ بمراعاة لفظها ثم يُراعي معناها كأنما يعطي (من) حقها مرتين يعطي (من) حق اللفظ ثم يعطيها حق المعنى فقال (ومن يقنت منكن) راعى في كلمة (يقنت) حق اللفظ وهذه سُنّة العرب في كلامهم مع (من) تراعي حق اللفظ أولاً ثم تراعي حق المعنى.حتى يكون الكلام عاماً في البداية مع (من)
((1/22)
وتعمل صالحاً) راعى المعنى مع أنه لغة يجوز أن يقول (ومن يقنت منكن لله ورسوله ويعمل صالحاً نؤتها أجرها) هنا يكون قد راعى اللفظ فقط. وقُريء (ويعمل صالحاً) في السبعة و قرأ حمزة والكسائي (ويعمل صالحاً) معناها أن بعض قبائل العرب وفّقت بين الفعلين (يقنت – يعمل) ولا توجد قراءة (تقنت) لأنه خلاف لغة العرب. لغة العرب تراعي لفظ (من) أولاً ثم تعكف عليه بمراعاة المعنى لأن اللفظ هو الظاهر والمعنى يأتي بعد ذلك فهي أولاً تراعي اللفظ ثم تعلّق عليه بمراعاة المعنى. ولو عكس لاعترضت العرب وقالوا هذا ليس من كلامنا.
وشيء آخر يمكن أن نلحظه: طبعاً خمسة من القرّاء السبعة معناه أكثر القبائل العربية بل لغة قريش (من يقنت – وتعمل) لكن حمزة والكسائي أنهما كانا في الكوفة بعض قبائل العرب المحيطة بالكوفة وقرأوا بما أقرّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم وليس من عند أنفسهم وهذا نكرره دائماً وأن القراءة ليست من هوى النفس وإنما برواية. وقبائل العرب روت عن آبائهم الأمة أخذته عن الأمة لكن عموم القراء قرأوا (وتعمل). لما ننظر (وتعمل صالحاً) هذا التأنيث تذكيره قد يُلبس لأن قبله (ورسوله) (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا) كأن العمل يعود على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتفادياً لمثل هذا اللبس الذي قد يحدث قرأ الجمهور (وتعمل) ليس هذا هو السبب لكن كما قلت روعي اللفظ ثم المعنى ولكن لما روعي إبتعد هذا اللبس. الواو في (وتعمل) عاطفة على (ومن يقنت) ولذلك جزم.
في سورة يوسف قال (وقال نسوة) ولم يقل (قالت نسوة): قلنا هذا الجمع الذي هو جمع تكسير، النسوة جمع إمرأة لأن ليس لها مفرد من لفظه وهو جمع تكسير إذا قُدّر بالجمع وقال جمع النسوة يقول (قال) ولجماعة النسوة يقول (قالت جماعة النسوة).(1/23)
*في الأحزاب قال (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)) وفي القصص (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا (54)) وفى سورة الحديد قال كفلين لماذا الاختلاف وما الفرق بين الكفل والأجر؟ (د.فاضل السامرائى)
الكفل هو النصيب وأحياناً بمعنى المِثل. الأجر في اللغة هو الجزاء على العمل ، أصل الأجر الجزاء على العمل تقول أعطه أجراً، استأجره أي يعمل عملاً مقابل مال. الكِفل ليس له علاقة بالعمل وإنما نصيب. الكفل هو المِثل وقد يكون في الخير أو في الشر. لكن السؤال لماذا قال فى الحديد كفلين من رحمته وقال في القصص والأحزاب أجرهم وأجرها؟ قلنا أن الأجر هو الجزاء على العمل وفى الحديد لم يذكر عملاً وإنما التقوى والإيمان بالرسول هذا ليس عملاً وإنما قلبي الآن ما ذكر العمل بينما في القصص قال (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)) إذن ذكر الأجر بمقابل العمل قال (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) وفي سورة الأحزاب (وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ) إذن الأجر مقترن بالعمل أما الكفل فهو النصيب.
آية (33):
*ما المقصود بكلمة أهل في قوله تعالى (إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجز أهل البيت)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/24)
قال تعالى في سورة الأحزاب (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً {33}) يستعمل القرآن الكريم كلمة أهل للأزواج وهذه الآية ليست الوحيدة في القرآن التي وردت فيها كلمة أهل. فقد جاء في قوله تعالى (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) في قصة ابراهيم - عليه السلام - ، وفي قصة امرأة العزيز (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً) وفي قصة موسى - عليه السلام - (وسار بأهله). إذن أهل هي الأزواج كما وصفها القرآن وفي اللغة أيضاً.
*تسليط الضوء على لفظ الأولى في الآية (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى (33) الأحزاب) وهل هناك ما يسمى بجاهلية أخرى غير هذه الأولى؟ وكيف كانت تتبرج النساء في الجاهلية الأولى؟(د.فاضل السامرائى)(1/25)
المفسرون ذكروا أيضاً عدة جاهليات هي ليست واحدة والمقصود بالجاهلية الأولى هناك أكثر من رأي قسم قالوا في زمن ما بين نوح وادريس وقالوا كان لهم عيد كان الرجال يتبرجون للنساء والنساء تتبرج للرجال وهذا كان يوم عيد فظهرت فيهم الفاحشة وقسم قالوا في زمن سليمان وداوود كان النساء كانت تلبس قميصاً لا جوانب فيه غير مخيط الجانبين فيظهر ما يظهر وهذه قديمة من زمن داوود سليمان وقسم قال الجاهلية الأولى هي جاهلية الكفر قبل الإسلام والجاهلية الأخرى هي جاهلية الفسوق في الإسلام يعني ما يحدث الآن هو جاهلية جديدة – هذا رأي الزمخشري - مستحدثة وما نشاهده الآن ليس إسلاماً لكن هذه جاهلية مستحدثة حصلت في العصر الحديث وفي عصر الإسلام وفي مختلف العصور لو حصلت فهي جاهلية. الفسوق والفجور في الإسلام هي جاهلية مستحدثة والجاهلية الأولى قبل الإسلام. الخطاب في الآية لنساء النبي، والتبرج للنساء. إذن الجاهلية الأولى قبل الإسلام وكل ما يحدث في الإسلام من أمور مخالفة هي جاهلية جديدة.
آية (35):
*ما الفرق بين كلمة (المصّدقين) و(المتصدقين)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/26)
قال تعالى في سورة الحديد (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ {18) وقال في سورة الأحزاب (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً {35} ) وفي سورة يوسف (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ {88}).(1/27)
الأصل في كلمة المصّدقين هي المتصدقين وأُبدلت التاء إلى صاد مثل تزمّل ومزّمل وتدثّر ومدّثّر يجوز إبدال التاء مع الدال والصاد. لكن لماذا أبدل في آية سورة الحديد (الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ)؟ كلمة المصّدّقين فيها تضعيفان تضعيف في الصاد وتضعيف في الدال أما المتصدقين ففيها تضعيف واحد في الدال والتضعيف يفيد المبالغة والتكثير مثل كسر وكسّر. إذن المصّدّقين فيها للصدقة والتكثير فيه من حيث المعنى العام. ونأتي للسؤال لماذا ذكر (المصّدّقين) في آية سورة الحديد بينما استخدم المتصدقين في سورتي الأحزاب ويوسف؟ في سورة يوسف جاء في الآية (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) فناسب ذكر المتصدقين لأن إخوة يوسف طلبوا التصدق فقط لم يطلبوا المبالغة في الصدقة وهذا من كريم خلقهم فطلبوا الشيء القليل اليسير هذا أمر والآمر الآخر أنه قال تعالى (والله يجزي المتصدقين) فلو قال (يجزي المصّدّقين) لكان الجزاء للمبالغ في الصدقة دون غير المبالغ وهذا غير مقصود في الآية أما عندما يقول (يجزي المتصدقين) فيدخل فيها المصّدّقين وهذا ينطبق أيضاً على آية سورة الأحزاب. نأتي لماذا قال تعالى (المصّدّقين) في آية سورة الحديد؟ لو لاحظنا سياق الآيات في سورة الحديد نجد أن الآيات فيها اشتملت على المضاعفة والأجر الكريم وهذا يتناسب مع المبالغة في التصدق ويتناسب مع الذي يبالغ في الصدقة.(1/28)
ثم إن سورة الحديد فيها خط تعبيري واضح في دفع الصدقة والحث على دفع الأموال في السورة كلها (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ {7}) (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {10}) (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ {11}) (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ {18}) (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {24}) فجو السورة إذن هو جو الإيمان وجو الإنفاق فناسب أن يستعمل معها كلمة (المصّدّقين) لا المتصدقين.
* ما الحكمة من ذكر المسلمات والمؤمنات في الآية (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (35) الأحزاب) رغم أن المسلمين والمسلمين تشمل الجميع ؟(د.فاضل السامرائى)(1/29)
في أسباب نزول هذه الآية يُذكر أن أم سلمة رضي الله عنها قالت للرسول - صلى الله عليه وسلم - ما لنا لا نُذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ قالت فلم يرعني منه - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم إلا نداؤه على المنبر بهذه الآية. هذا أمر كما في السائلين: في السؤال (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ (219) البقرة) (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْر (215) البقرة) ورب العالمين سبحانه وتعالى يجيب وهذا السؤال أيضاً سألته أم سلمة فأجابها الله تعالى بقوله تعالى (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ). هذا أمر والأمر الآخر لو لاحظنا السياق ذكر قبل ذلك نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ (31) الأحزاب) وذكر بعدها (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) بعض النساء قد يقول هذه خاصة بنساء النبي ونحن ماذا لنا إذا عملنا؟ ففي السياق بعدما ذكر نساء النبي ذكر المسلمين والمسلمات حتى لا يُظن أن هذا خاص بنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بعد ذلك يستمر (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (36) البقرة) (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ (37)) السياق في ذكر الإناث والنساء نساء النبي ونساء المؤمنين.
آية (37):
*يذكر عقد الزواج بالنكاح في القرآن فما الفرق بين النكاح والزواج؟(د.فاضل السامرائى)(1/30)
موجود زوجناكها في القرآن الكريم .الزواج هو زوّجه أي قرنه به، قلنا زوج الرجل هو قرينه أما النكاح فأصله العقد عقد الزواج ثم استعير للجماع بدليل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ (49) الأحزاب) العقد قبل الدخول هذا الأصل لكنه استعير للدخول لعملية الجماع نفسها. العقد في الزواج هو النكاح نقول عقد النكاح، من حيث اللغة جائز أن يقال تزوجت (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا (37) الأحزاب) يعني أصبحت زوجة له. كلمة الزواج تدل على الاقتران والنكاح العقد (وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) ص) (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) الصافات) الزواج تدل على الإقتران لكن فيها عموم وشمول والنكاح فيها خصوصية العلاقة بين الرجل والمرأة والزواج أعم. والملاحظ أيضاً في استعمال القرآن في الزواج لا يستعمل في الحور العين متعدي إلى مفعولين وإنما يقول (وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) وإنما في زواج الدنيا نقول زوجته فلانة كما في قوله تعالى (زَوَّجْنَاكَهَا) متعدي إلى مفعولين الكاف والهاء أما في الحور العين ما قال نزوجهم حوراً عيناً وإنما قال زوجناهم بحور عين. هذا الاستعمال القرآني في الحياة الدنيا يستعمل متعدي إلى مفعولين وفي الآخرة يستعمل مفعول به واحد (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) يعني قرنّاهم بحور عين.(1/31)
*(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) الأحزاب) ما اللمسة البيانية في هذه الآية مع أن الرسول ? من ضمن من قال تعالى فيهم (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) الأحزاب)؟ وما المقصود بالخشية؟ (د.فاضل السامرائى)
تخشى الناس أي تستحي من إعتراضهم وليس الخوف فقد كان في المجتمع الجاهلي أمر كبير أن يتزوج الرجل ممن كانت زوجة إبنه بالتبني. زيد كان ابن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالتبني ثم أنزل تعالى (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ (40) الأحزاب) وقال (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ (5) الأحزاب) فكيف يتزوج المرء زوجة ابنه؟! هذا عندهم في المجتمع الجاهلي كبيرة، إمرأة المتبنى لا يمكن أن تتزوجها. إلغاء التبني وإلغاء ما يتبعه يجب أن يصير حكماً شرعياً.
الأمر من زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب بعدما يطلقها زيد دلالة على القضاء التام على التبين وعلى ما يتبعه من أمور وهذا أمر هو يقوم به فلذلك قال (وَتَخْشَى النَّاسَ) يستحي لأنه كيف يفعل هذا الفعل والناس أطبقوا على أن هذا أمر مستنكر في عقولهم (والله أحق أن تخشاه) هذا أمر وحكم شرعي ينبغي أن يقوم به هو.
سؤال: أحدهم يفهم الآية (وَتَخْشَى النَّاسَ) أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يحب زينب في قرارة نفسه (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) ؟
((1/32)
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) يعني ربنا أعلمه أن زيد سيطلقها، (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول لزيد لا تطلقها، (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) وقال (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) ربنا سبحانه وتعالى أوحى إلى الرسول أن زيد سيطلق زوجته زينب بنت جحش. كيف يقول له (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) إذا كان يريدها؟ كان يقول له طلقها! إنما هذا تشريع . كلمة (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) يعني بما أوحى الله تعالى إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن زيداً سيطلقها وأنت ستتزوجها هذا أمر كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يستحي منه (وَتَخْشَى النَّاسَ) لأن هذا أمر فيه طاعة. هذه الآية خاصة بإلغاء التبني والدلالة على ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتزوج زوجة ابنه بالتبني وهذا الأمر كان كبيراً عند العرب في الجاهلية.
* ما دلالة كتابة كلمة (لكي لا) منفصلة مرة و(لكيلا) موصولة مرة أخرى؟(د.فاضل السامرائى)(1/33)
أولاً خط المصحف لا يقاس عليه أصلاً لكن يبدو في هذا الرسم ملحظ بياني والله أعلم في أكثر من موطن. فمرة تكتب (لكي لا) مفصولة ومرة (لكيلا) موصولة. وأقول أن هذا ليس فقط للخط وإنما لأمر بياني هو كما ذكرنا سابقاً عن الفرق بين من بعد علم وبعد علم وقلنا أن (من) هي ابتداء الغاية أما بعد علم فقد يكون هناك فاصل بين هذا وذاك وذكرنا أمثلة (من فوقها) أي مباشرة وملامسة لها أما فوقها فلا تقتضي الملامسة بالضرورة. فمن حيث المعنى (وقالوا قلوبنا في أكنة) مباشرة يشمل كل المسافة بينهما ولو قال بيننا لما أفادت نفس المعنى, وقوله تعالى (وجعلنا من بين أيديهم سدا) بلا فاصلة. لكي لا يعلم بعد علم تحتمل الزمن الطويل والوصل أما قوله لكي لا يعلم من بعد علم فهي مباشرة بعد العلم فلمّا احتمل الفاصل فصل (لكي لا) وعندما وصل بينهما وصل (لكيلا).
وفي القرآن الكريم أمثلة على مثل هذا كما قال تعالى في آية سورة الأحزاب (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)) كتبت لكي لا منفصلة لأنه لا يحلّ الزواج بامرأة أخرى إلا بعد انفصالها عن زوجها الأول وقضاء العدّة فلا يصح إذن الزواج بها إلا بعد الإنفصال فجاء رسم (لكي لا) منفصلاً.(1/34)
وفي آية أخرى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) الأحزاب) ليس في الآية انفصال فالكلام عن أزواج الرسول وهنا الإتصال قائم فالإنسان مع زوجته في اتصال قائم وليس هناك فصل لذا جاءت (لكيلا) متصلة.
آية (42):
*(فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) الروم) ما دلالة تقديم الإمساء على الإصباح مع أن الإصباح أسبق وكذلك فى قوله تعالى(وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) الأحزاب)؟.(د.فاضل السامرائى)(1/35)
قال تعالى(فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) الروم) أصلاً هو السياق في ذكر الساعة (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) الروم) السياق في الآخرة والساعة هي آخر الدنيا والمساء آخر النهار فربط بين هذه وتلك. وفي الحديث قال "ما بقي من يومكم إلا ما بين العصر والمغرب" يذكر أن الوقت قصير. فالمساء هو آخر النهار والساعة هي الآخر فقدم المساء لمناسبة الحديث العام عن الموضوع بينما الاية الأخرى (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) الأحزاب) نأخذ الآن القياس بين البكرة والأصيل الظلمات تمثل الليل والنور يمثل النهار بعد الظلمات نهار ونور بعد الليل نهار إذن (بُكْرَةً وَأَصِيلًا) لأن البكرة تأتي مباشرة بعد الظلمة، البكرة هي الصباح والأصيل المغرب لما قال (مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) يقدم البكرة على الأصيل طبيعة الحال لأن بعد الظلمات هي البكرة وليس الأصيل تلك مناسبة الساعة الآخر بالآخر ومناسبة الظلمات والنور.
إذن ترتيب الكلمات يخضع لنسق عام أراده المولى تبارك وتعالى، السياق من الناحية الفنية.
آية (47):(1/36)
*قال تعالى في سورة النساء (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)) وفي سورة البقرة (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)) وفي سورة الأحزاب (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47))ذكر الباء في الآية الأولى (بأن) وحذفها في الثانية (أن) مع أن التقدير هو (بأن) لماذا؟(د.فاضل السامرائى)
لأن تبشير المنافقين آكد من تبشير المؤمنين. ففي السورة الأولى أكّد وفصّل في عذاب المنافقين في عشرة آيات من قوله (ومن يكفر بالله وملائكته). أما في الآية الثانية فهي الآية الوحيدة التي ذكر فيها كلاماً عن الجزاء وصفات المؤمنين في كل سورة البقرة. إذن (بأن) أكثر من (أن) فالباء الزائدة تناسب الزيادة في ذكر المنافقين وجزاؤهم.
وقال تعالى في سورة الأحزاب (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)) لأنه تعالى فصّل في السورة جزاء المؤمنين وصفاتهم.
*في إعراب أشهد أن لا إله إلا الله قدّرتم الباء بعد أشهد مع أن حرف الباء لا تدخل إلا على الإسم فكيف ذلك؟ (د.فاضل السامرائى)(1/37)
هي داخلة على إسم لأنها داخلة على أن المصدرية، أن حرف مصدري والمصدر المؤول هو الذي يدخل عليه حرف الجر مثل (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) النساء) (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) الأحزاب) سقط على نزع الخافض الباء داخلة على المصدر والمصدر إسم فصار مصدر مؤول (أن وما بعدها مصدر). الحروف المصدرية (أنّ) حرف مصدري وإسمها وخبرها علمت أنك مسافر أي علمت سفرك. الحروف المصدرية: أن وأنّ ولو وما وكي فإذن هي لم تدخل على الفعل كما ظنّ السائل. دخلت على المصدر المؤول وهذا جائز وعلى نُزِع الخافض في الأصل هي موجودة مثل (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) نُزِع الخافض. إذن هي أشهد بأن لا إله الله، نُزِع الخافض فصارت أشهد أن لا إله إلا الله. والخافض هو حرف الجر على مصطلح الكوفيين والخفض هو الجرّ.
آية (49):
انظر آية (37).???
آية (50):
*انظر آية (37).???
*ما دلالة استخدام المفرد ثم الجمع في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ (50) الأحزاب)؟ (د.فاضل السامرائى)
الرسول - صلى الله عليه وسلم - له خالات وله خال واحد هو عبد يغوث. يذكرون من خالاته فريعة بنت وهب وذكروا هالة بنت وهب ويذكر خالة اسمها فاختة وله خال واحد.(1/38)
وهناك سؤال آخر عن العم والعمات في قوله تعالى (وبنات عمك وبنات عماتك) الرسول - صلى الله عليه وسلم - له عمّات وبناتهم متزوجات وله أعمام كثيرون بناتهم متزوجات لكنه قال (وبنات عمك). ذكروا من أعمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - العباس وحمزة وعندهم بنات غير متزوجات لكن هؤلاء (العباس وحمزة) إخوان الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة فإذن لا تحلّ للرسول - صلى الله عليه وسلم - بناتهم وذكروا أبو طالب عنده أم هانئ لم تكن مهاجرة وفي الآية قال (اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) فيكون له عمّ واحد فقط له ابنة والباقي متزوجات فقال (وَبَنَاتِ عَمِّكَ). هذا هو الواقع وهذا أمر تاريخي.
آية (51):
*انظر آية (5).???
آية (52):
*ما الفرق بين تبدّل وتتبدل؟ (د.فاضل السامرائى)
في سورة الأحزاب قال تعالى(لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)) وقوله تعالى (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) النساء) في آية سورة الأحزاب هي مقصورة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والحكم مقصور عليه - صلى الله عليه وسلم - . أما الآية الثانية فهي آية عامة لكل المسلمين وهذا التبدّل هو لعموم المسلمين وليس مقصوراً على أحد معين وإنما هو مستمر إلى يوم القيامة. لذا أعطى الحدث الصغير الصيغة القصيرة (تبدّل) وأعطى الحدث الممتد الصيغة الممتدة (تتبدلوا).
آية (54):(1/39)
*(إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا {149} النساء) - (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا {54}الأحزاب)ما دلالة الاختلاف بين الآيتين؟(د.أحمد الكبيسى)
قال تعالى في سورة النساء (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا {149} النساء) هذا في النساء (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا)، في الأحزاب (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا {54} الأحزاب) (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا) لماذا هناك (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ) وهنا (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ)؟ في النساء عندما يقول (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا) يتكلم رب العالمين سبحانه وتعالى عن (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا {148} النساء) أنا جائع أنا فقير أنا مُعدم الخ لا، عيب هذا توكل على الله وتجمّل وبالتالي التجمّل هذا مروءة شخصية المروءة المحترم لا يشكو (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ{273} البقرة) قد يكون بعضهم لا يجد ما يأكله لكنه رغم ذلك شايف نفسه أمام الآخرين كأن هو غني هذا من المروءات من احترام الشخصية (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) إلا من ظلم هذا له علاقة بالآية السابقة القسط رفع الظلم أولاً ثم إحقاق الحق ثانياً ثم تنفيذ هذا الحق (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الله سبحانه وتعالى قال (قَائِمًا بِالْقِسْطِ) (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ) لماذا؟ رب العالمين يخبر الملائكة بقسطه والملائكة يخبرون(1/40)
العلماء بقسط الله والعلماء يخبرون الأمة بقسط الله (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ) بماذا شهدوا؟ (قَائِمًا بِالْقِسْطِ). حينئذٍ رب العالمين سبحانه وتعالى الذي يقوم بالقسط هنا يقول (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) يعني أنت إذا كنت تشكو والله تصغر من قيمتك خليك متماسك رب العالمين يعلم والذي رزق غيرك يرزقك (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) إذا كنت مظلوماً من حقك أن تجاهر بسبّ من ظلمك على أن لا يكون قذفاً والله فلان ظلمني فلان جار علي لماذا؟ إن لصاحب الحق مقالاً. يا أخي كل إنسان يحتمل الجوع يحتمل المرض يحتمل الغربة، الرجال يحتمل إلا الظلم ما تنام يمنعك النوم إذا كنت مظلوماً ولا تستطيع أن تحصل على حقك سواء إذا كان الذي ظلمك سلطان أو ظلمك غني أو ظلمك أخوك والظلم مرتع مبتغيه وخيم.(1/41)
حينئذٍ هذا المظلوم وحده الذي إذا رفع صوته وشكى لا بأس، إذا جهر وقال إن فلان عمل بي كذا وأخذ حقي ولهذا مرة جاء النبي صلى الله عليه وسلم رجل وقال له يا رسول الله فلان ظلمني قال خذ أنت أغراضك وارميها بالشارع يعني هذا الرجل كان عنده جار خرب بيته وتطاول عليه بالماء يعني جار سوء يعني جعل هذا جاره يعيش في جحيم فقال له النبي تحمل أغراضك وترميها في الشارع وكل واحد يمر بك قل فلان ظلمني وفعلاً حمل أغراضه وجعلها في الشارع فكل ما مر به شخص سأله ما أمرك؟ قال هذا جاري أخرجني وعمل بي كذا وكذا الخ وفعلاً هذا الجار الآخر الظالم جاء يتوسله يقول له خلاص أنا تبت إلى الله ولن أؤذيك مرة أخرى، فبالتالي النبي صلى الله عليه وسلم تطبيقاً لهذه الآية (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) وثم عاد استمر رب العالمين بعد هذه الآية مباشرة يقول (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) معناها صح أنت للك حق والظلم هذا مصيبة ولهذا عندما يتخاصم اثنان رب العالمين رحيم هذا الدين بل علاقة رب العالمين بعباده مبنية على رفع الحرج، أنا شخص تخاصمت أنا ونجيب يعني لا نتخاصم؟ بل نتخاصم ثلاثة أيام تهجرني وأهجرك ولا أسلم عليك ثلاثة أيام فقط أنفس عن نفسي قليلاً في اليوم الرابع يجب أن نتصالح (لا يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث) فرب العالمين قال ثلاثة أيام كفاية ثلاثة أيام تنفس عن حقدك فرب العالمين أعطاك رخصة يا مظلوم أن تقول يا جماعة يا ناس يا عالم شوفوا القاضي الفلاني أخذ رشوة وحكم ضدي وهذا حقي وهذا جاري فعل كذا وفلان شيء عمل لي كذا أخي أبي الخ ترفع صوتك لك الحق لأن لصاحب الحق مقالاً لكن (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا) يعني أنت بعد ما ظُلِمت كلامك كان طيباً يللا الله يسامحه معليش يمكن معذور يمكن كذا كلامك فيه لطف وفيه حِلم والحِلم هذا من(1/42)
صفات الأنبياء (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ {114} التوبة) (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ {101} الصافات). (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا) أنت أعلنت هذا أفضل شيء أن تقول لا الرجل لم يفعل لي شيئاً (أو تخفوه) أنت بقلبك سامحته لم تقل أمام الناس بل بقلبك سامحته فكرت بالموت ويوم القيامة والظالم يوم القيامة مصيبته سوداء فسامحت بقلبك أو تعفو تسامح لوجه الله علناً فإن الله (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) أن يعيد بينكما الألفة. إذاً (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا) هذا في سورة النساء.(1/43)
في سورة الأحزاب (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ) هذا ليس عن موضوع الغضب والزعل والظلم بل في التعامل مع نساء النبي (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ{6} الأحزاب) (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ {32} الأحزاب) (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ {4} الحجرات) حرمة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيت النبي أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته وآل بيت النبي علي والحسن والحسين وفاطمة أولادهم حينئذٍ لهم حرمة هائلة وبالتالي إذا دققت الباب أو مثلاً طلبت منهم شيئاً أو سمعت منهم كلاماً وقد ضمرت في قلبك أي شيء انتقاد أو شيء لم يعجبك ليس بالضرورة ظلم، شيء ما ليس هناك احترام أو أنت في خاطرك شيء عليهم (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا) أيّ شيء أيّ موقف سلبي (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) إعلم أن تعاملك في محيط النبي صلى الله عليه وسلم في أسرته الكريمة الطاهرة بأيّ شيء ترفع صوتك (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ {2} الحجرات) وإلى كل الأدب والاحترام غضوا أصواتكم غضوا أبصاركم أي شيء تخفيه في قلبك لأمرٍ ما قلة عقل منك، ضعف إيمان مشكلة لم تفهمها وقلبك صار فيه شيء سلبي أيّ شيء كان (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ) هناك خيراً وهنا شيئاً (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) لاحظ أن تبديل كلمة خير بكلمة شيء له معنى آخر موضوع ثاني لو قال هنا في الأحزاب إن تبدوا خيراً ليس لها معنى وهناك إن قال إن تبدوا شيئاً ليس لها معنى كل واحدة في مكانها (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ) هذا للمظلوم (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا) في معاملة الأسرة الطاهرة الكريمة التي نتقرب إلى الله بحبها والتي ستشفع لنا يوم القيامة إن شاء الله، هذا الفرق بين الاثنين.(1/44)
وإلا ما معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله إذا كان الشخص والعياذ بالله يبدي شيئاً أو يخفيه تجاههم؟ لا معنى له.
إضافة للدكتور الكبيسى :
إن تبدوا خيراً في كل تعاملاتك مع الله أو مع الناس أما إن تبدوا شيئاً أو تخفوه بالتعامل مع آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينبغي أن تكون حذراً من كل شيئ شائب عندما تتعامل مع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - أو مع آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إياك أن تتخدهم غرضاً بقتلهم كما فعل بعض المسلمين أو بتأليههم كما فعل البعض الآخر كل هؤلاء هالكون. آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر يأتون يوم القيامة تحت العرش كتلة واحدة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ أمرناالله بحبهم (من أحبهم فبحبي أحبهم) ورب العالمين قال (لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) الأحزاب) فأي مخالفة عقدية أو تعاملية أو سوء ظن ناهيك عن أن تشتمهم أو تقتلهم مصيبة المصائب. إذن (إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ) يعني أي شيء ليس شرطاً أن يكون محدداً. هذا الفرق بين إن تبدوا شيئاً أو تخفوه وإن تبدوا خيراً أو تخفوه.
آية (55):
*انظر آية (5).???
*ما الفرق بين بني وأبناء في الآيات (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ (31) النور) و (لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55) الأحزاب)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/45)
استعمال بني وأبناء: بني (بنو بالرفع) أكثر من أبناء من حيث العدد. بنو آدم ليست مثل أبناء آدم، بني إسرائيل كثير، أبناء يعقوب أقل. بني أكثر من أبناء. أبناء هي من صيغ جموع القِلّة: أفعُل، أفعال، أفعلة، فُعلة. الفرق بين الآيتين لو لاحظنا آية النور التي فيها (بني) هذه في عموم المؤمنين، الخطاب لعموم المؤمنين والمؤمنات. بينما في آية الأحزاب الخطاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - . في آية النور قال تعالى (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ) نساء المؤمنين كثير بني أخواتهن وبني إخوانهن فقال بني أخواتهن. أما في الأحزاب فالخطاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وهن قليلات بالنسبة لنساء المؤمنين فقال أبناء لأن أبناء أقل من بني وفي الكثير قال (بني) لأنها في عموم نساء المؤمنين وهذه طبيعة اللغة.
(بنو) ملحقة بجمع المذكر السالم (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) الشعراء). بنين حذفت النون للإضافة (بني آدم). فإذا أضيف المذكر السالم والمثنى تحذف النون فتصير بنو آدم وبني آدم.
آية (59):
*ما معنى الدنو في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59) الأحزاب)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/46)
نحن نتكلم في اللغة وليس في الفقه. الإدناء هو التقريب. الجلباب في اللغة هو ما يستر من الملابس سواء فوق الثوب أو الثوب. لغوياً هو الساتر من اللباس يسمى جلباباً. (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) أي يرخين عليهن. الإدناء هو الإرخاء والإسدال، ما ستر الجسم كله. عند اللغويين من فوق إلى أسفل، هذا في اللغة. الجلباب الذي يستر من فوق إلى أسفل وقسم يقول هو كل ثوب تلبسه المرأة فوق الثياب. يدنين أن يقرّبن عليهن، يسدلن عليهن لأن الإدناء فيه الإرخاء والإسدال. الإدناء ستر الجسد من فوق إلى أسفل.
في سورة النور (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (31)) الخمار هو غطاء الرأس، والجيب هو فتحة الصدر. هذا في حدود اللغة وليس من الناحية الفقهية.
*ما المقصود بآيات الحجاب في القرآن (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ (59) الأحزاب) فهل الستر أوجب أو الكشف أوجب؟(د.فاضل السامرائى)(1/47)
ليس المقصود أن يعرفها فلان بن فلان هي لا يمكن أن تُعرَف. الآية نزلت أنه في الليل تخرج المرأة لقضاء حاجتها فلا تُعرف فأمرها بالتستر بلبس الجلباب فيعرفون أنها حرّة وليست أمة فلا يتعرضون لها إذا رأوا المرأة تلبس جلباباً يعرفون أنها حرة والنساء الباقيات كن يلبسن القميص. (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59) الأحزاب) فوق القميص تُعرَف أن هذه حرة وليست أَمَة فلا يتعرض إليها لا أن تعرفها أنها فلانة بنت فلان. نحن الآن من اللباس نعرف الشخص من أين هو؟ في المدينة جُعل الجلباب علامة لمعرفة أن هؤلاء من الحرائر ولسن من الإماء فلا يُتعرض لهن. ذلك أدنى أن يعرفن أن هؤلاء حرائر أقرب أن يعرفن أقرب إلى المعرفة وليس المقصود معرفة الوجه أو كشفه هذا لا يُعرف وإنما الغرض تمييز النساء الحرائر بالجلباب فلا يعتدى عليها، ليس هو الكشف وإنما هو إدناء الجلباب حتى تُعرف أن هذه حُرّة إذا خرجت في الليل والنهار. يكون اللباس علامة أنها حُرّة وفيها معنى الستر.
*هل يمكن شرح آيات الحجاب، وما معنى الخمار والجلباب والجيوب؟ وكذلك في الحديث النبوي "فشققن مروطهن".(د.فاضل السامرائى)(1/48)
نتكلم فقط من حيث اللغة. نذكر ثلاث كلمات كلمتين في القرآن وواحدة في الحديث فقط لكن من حيث الأحكام الشرعية فليس من اختصاصنا. أولاً (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (31) النور) الخمار عند العرب وفي اللغة هو غطاء الرأس تحديداً والجيب هو فتحة الصدر، إذن تضع الخمار على رأسها وتداري صدرها هذا هو الخمار. والجلباب هو ثوب واسع تغطي به المرأة ثيابها، فوق الثياب (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ (59) الأحزاب) الجلباب هو يسترها من فوق إلى أسفل فوق الثياب، الجلباب تحته ثياب وهو يستر الثياب التي تحته فكل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها هو جلباب يسترها من فوق إلى أسفل سوءا كان بصورة عباءة أو بصورة آخرى. وعندنا المِرْط كما في الحديث (عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: إن كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليصلِّي الصبح فينصرف النساء متلفِّعاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ما يعرفن من الغلس) الغلس يعني الظلام، ظلمة الليل. المِرط ثوب يشتملون به غير مخيط مثل الملحفة، كل ثوب غير مخيط يؤتزر به يسمونه مرطاً (فما يعرفن من الغلس) معناه أنه لو كان الدنيا نهار كن يعرفنّ، لأنه في قوله تعالى (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30) النور) رأي الجمهور أن يظهر الوجه والكفين. يغضوا من أبصارهم على ماذا؟ لو كان ليس هناك شيء ظاهر فعن ماذا يغض بصره؟ يغض بصره عما يظهر من الوجه والكفين. وقال للمرأة (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ (31) النور) فهل يجب أن يكون الرجل مختمر أو يلبس حجاباً ولا أدري حقيقة إن كان هناك حديث صحيح حول هذا الأمر لكن هذا من حيث اللغة وهذه ليست فُتية. عندما قال تعالى يغضوا ويغضضن عن أي شيء يغضضن؟ لو وارى وجهه لما قال يغضضن، هذا من حيث اللغة وهو موافق لرأي الجمهور أما الحكم الشرعي فيُسأل به أهل الفقه.(1/49)
* ما المقصود بـ (يدنين) وما هو معنى الجلباب في آية سورة الأحزاب (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59))؟ وما هو الحجاب الشرعي؟(د.حسام النعيمى)
هذا السؤال ذو شقّين: الشق الأول يتعلق بالمعاني معاني هذه الآية الكريمة وما فيها من لمسات والشق الثاني يتعلق بالجانب الفقهي (صورة الحجاب). نحن نبيّن بقدر ما يتعلق بعلمنا والصورة بتفاصيلها يٌسأل عنها أهل الإختصاص على قلّتهم في هذا الزمان، المسلم يتحرّى كبار العلماء ويسألهم عن أمور دينه أما طلبة العلم فيسمع منهم ثم يتجه إلى كابر العلماء.(1/50)
الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)) الآية نزلت بمناسبة لكن هي عامة إلى قيام الساعة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب). العرب قديماً سواء كانوا في المدينة أو في الصحراء لم يكن لديهم أماكن لقضاء الحاجة في داخل البيوت وكانوا يتقذّرون منها كيف يجعل مكان قضاء الحاجة في داخل بيته، فكانوا يخرجون إلى البر، إلى الخلاء ومنه سُمي قضاء الحاجة الخلاء ثم تُرِك وهذه من الكلمات التي تُترك من وقت لآخر. أو ينزلون إلى الغائط وهو المكان المنخفض ثم صارت تُطلق على الخروج نفسه. النساء لا يستطعن الخروج خلال النهار فكُنّ يتقصّدن الخروج خىل الليل يذهبن لقضاء الحاجة. بعض السفهاء كانوا يتحرون أوقات خروج النسوة للتحرش بهنّ والسفهاء موجودون في كل مكان وفي كل زمان. فنساء المؤمنين، نساء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، بناته ٍ شأنهم شأن سائر الخلق: النساء يخرجون في هذه الأوقات ويتعرض لهن هؤلاء السفهاء. نزلت الآية الكريمة وكان السفهاء يعتذرون قائلين: كنا نظنهن إماء (هذه أمة نتحرش بها، أمة ليس لها أحد يدافع عنها فيُسمعونها بعض الكلام يتحرشون بها) فجاءت هذه الآية تريد أن يكون للمسلمة شعار خاص أو زيٌ خاص تُعرف به فإذا عُرِفت لا تؤذى عند ذلك إذا آذاها أحد يمكن أن ترد عليه أو تخبر وليّها بمن تعرّض لها ويكون ما يكون.
((1/51)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) الجلباب في اللغة، في المعجم هو ما يُلبس فوق الثياب : الإنسان يلبس ثوباً ثم يلب فوقه شيئاً وهذا الشيء يسمى جلباباً. وأحياناً قد يُطلق على ما يُلبس لوحده شرط أن يكون كاسياً، بشرط أن يكسو الجسم كله. لما نأتي إلى الروايات وكتب التفسير نجد أنهم يتوسعون في معناه فيذهبون إلى أن الجلباب نوع من أنواع الخِمار ويصفون العمل فيه أن تديره المرأة على جبينها ثم تنزل به على أنفها ثم تربطه بعد ذلك كأنه اللثام لا يظهر إلا العينان فقط. ومنهم من قال يُخفي نصف الوجه وتظهر عين واحدة حتى ترى الطريق. هذا في كلام العلماء والفقهاء من غير الدرس اللغوي، هذا فهمهم وفيها روايات. لكن عندنا رواية في الصحيح أن أم عطيّة رضي الله عنها من الصحابيات قالت للرسول - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله لسنا جميعاً نملك جلباباً (هذا يعزز القول أنه الملبس الذي فوق الثياب) قال - صلى الله عليه وسلم - : لتعطيها أختها جلباباً. يعني لما تخرج إلى قضاء حاجتها تأخذ جلباب أختها. يبقى طوله كيف يكون؟ هذا يتعلق بالملبس وهناك أحاديث تتحدث عن هذا الموضوع: أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها تسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما تحدّث عن إرسال الثوب (وهذا فيه كلام للرجال إذا نزل عن كعب القدم ومعلل أنه للكِبر لأنه في الحديث نفسه لما أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله إن أحد شقي ثوبي يسترسل إلا أن أتعاهد ذلك منه، قال: إنك لا تفعل ذلك خُيلاء) فتقول أم سلمة رضي الله عنها: نحن ما شأننا النسوة؟ قال: تطيله شبراً من الأرض قالت: إذن تنكشف أقدامهن يا رسول الله (لأن المرأة لم تكن تلبس الجورب) قال: تجعله ذراعاً ولا تزدن عن ذلك.(1/52)
في ذلك الوقت المرأة تطيل ثوبها ذراعاً على الأرض. هذه الصورة القديمة للجلباب والثوب الطويل. لما صار الجورب بواصفاته لا يشف ويمكن متابعة السير فيه وبعض البدويات تربط من القماش جول رجلها وساقها عندما تأخذ الحطب فصارت هذه الصورة. كان للفقهاء قول آخر في هيأة هذه الثوب وكوله وهذا ندعه لأهله. لكن هذا الذي ورد في الروايات والأحاديث.
(يجنين) الإدناء هو الإرسال. يقال أدني ثوبه أي أرسله وأطاله. إذا خرجت في الليل يكون هذا مظهرها فلا تؤذى أما إذا دخلت المعركة – وكانت المسلمات تدخلن الحروب - أو خرجت للسوق كيف سيكون حالها هذا نعيد فيه الناس إلى كلام علماء الأمة. هذه الآية والتي في سورة النور (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) تتكلم عن الحجاب في مكانين مختلفين لكن نقف عند ما هو من عملنا.
*أولاً (يا أيها النبي) هذا النداء لِمَ لم يقل (يا أيها الرسول)؟ كل كلمة لها مكانها. ثم (قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ) لِمَ لم يقل: أزواج وبنات المؤمنين؟ هذه تحتاج إلى وقفة.(1/53)
كلمة (يا أيها النبي) أولاً عندنا النبي والرسول: كل رسول هو نبي. الرسول هو الذي لديه رسالة إلى الناس مطلوب منه أن يبلّغها، النبي هو الذي كان يوحى إليه أشياء قد لا تكون مطلوبة منه أن يذيعها للناس وقد تكون لأهل بيته أو قبيلته فقط. فكلمة الرسول أوسع من النبي. (يا أيها النبي): نحن نظرنا في الآيات التي وردت فيها (يا أيها الرسول) والآيات التي وردت فيها (يا أيها النبي) فوجدنا من كتاب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن لمحمد فؤاد عبد الباقي أن (يا أيها الرسول) جاءت في مكانين فقط في مخاطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) المائدة) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) المائدة) الكلام على الرسالة والإيمان بالرسول. فيما سوى ذلك عندما يتعلق الأمر بتنظيم شؤون الحياة ليس الموضوع رسالة وإنما تنظيم شؤون حياتهم فقال (يا أيها النبي) في 13 موضعاً في القرآن كله.(1/54)
فإذن هنا في تنظيم شؤون حياتية وهي ليست في تبليغ رسالة أو إيصال رسالة وإنما تنظيم شؤون الحياة أنه حتى تنتظم شؤون حياتكم ليكُن هذا الأمر، لذلك المناسب هنا أن يقول (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) لأن الكلام في أمور حياتية وليس في الرسالة.
(قل لآزواجك) كان يقول : لنسائك أو لنساء المؤمنين وتشملهم لكن القرآن الكريم في هذا الموضع لأنه قال (إمرأة لوط وإمرأة نوح) لأن الزوج هو المُقارب كما قلنا في قلب الكلمة (كلمة جوز هي فلقتان كأن فيها تقريب). الله سبحانه وتعالى في هذه الآية يرفع من قدر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن جميعاً، مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو راضٍ عنهن جميعاً ومات وهو في حجر عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. (قل لآزواجك) قرّبهن هنا لأن المطلوب حماية لهنّ فهؤلاء رفيعات الشأن.
(وبناتك) رفعة لشأنهن وكل بناته - صلى الله عليه وسلم - جميعاً من صُلبه ومن رحِم خديجة رضي الله عنها لا كما يقول البعض أن فاطمة فقط هي بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - والباقيات بنات خديجة من زوجها السابق هذا كذ وإفتراء على التاريخ. (بناتك) رُسمت بالألف في كل المصاحف حتى لا يأتي ضال أو مضل فيقرأها بنتك. زوجات عثمان رضي الله عنه إبنتا محمد - صلى الله عليه وسلم - وخديجة ليعلم المسلمون ذلك لأن هناك نوع من التشويش والتضليل.
((1/55)
ونساء المؤمنين) لِمَ لم يقل أزواج وبنات المؤمنين؟ إختصرها بـ (نساء) لأنه إكتفى بما تقدّم لأنه قال الأزواج والبنات. والنساء تشمل الأزواج والبنات. والملاحظ أن كلمة أزواج جمع زوج وهي اللغة الفصحى. هناك لغة ضعيفة يسميها سيبويه لُغيّة أي لغة ضعيفة لبعض قبائل العرب غير المشهورة بالفصاحة المختلطة بالأعاجم يقولون هي زوجته بالتاء كما نقول الآن. الفصيح أن يقال زوج فلان تكمّل معه النصف الثاني. زوجة هي لُغيّة جمعها زوجات ولم ترد في القرآن الكريم أبداً ولا توجد كلمة زوجة بالتاء في القرآن. كلمة زوج يُقصد بها المرأة ويقصد بها الرجل.
(ونساء المؤمنين): كلمة نساء تشمل الزوجات والبنات. تُطلق على الإناث. ذكر تعالى (أزواجك وبناتك) صنفان ولأنه ذكر الصنفين جمع الإثنين مرة أخرى في كلمة (نساء) حتى لا يكرر فيقول: قل لآزواجك وبناتك وأزواج المؤمنين وبنات المؤمنين. وكلمة نساء تطلق كما قلنا على الأزواج وعل البنات كما في الآيات (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) في تقسيم المواريث (نساء) تدل على بنات المتوفّى (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) يعني الزوجات (نساء المؤمنين) فتشمل هذه وتشمل تلك.
((1/56)
نساء المؤمنين) قال المؤمنين ولم يقل المسلمين لأن المؤمنين تشمل المسلمين عامة. والمؤمنون دخل ضمنهم هؤلاء المسلمين الذين إلتزموا بتعاليم الله سبحانه وتعالى في قلوبهم وتحدثنا عن هذا في في قوله (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ). فلما يقول (ونساء المؤمنين) يعني الذين إستقر الإيمان في قلوبهم من المسلمين. أما الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم فهؤلاء ينبغي أن يكونوا تبعاً حتى من المنافقين ليحافظوا على أعراضهم وهذه فرصة أن تميّز نساؤهم من الإماء فالكل سيتبعون المؤمنين فجعل المؤمنين سمة أو ميزة على الذين أسلموا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (14) الأحزاب) فهؤلاء الذين دخل الإيمان في قلوبهم مميّزون مقدّمون. والجميع سيقلدون المؤمنين (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) هذه الحكمة للبيان عدم المعرفة حتى لا يؤذين لأن الكلمة تؤذي المرأة وربما تعود المرأة للبيت تبكي تقول قيل لي كذا، أحدهم تحرّش بي وقال لي كذا فالكلمة تؤذيها.
(وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) لما بدر منكم سابقاً من عدم تحجّب نسائكم بهذه الطريقة. والله سبحانه وتعالى غفور بالشيء الماضي رحيم بكم في توجيهه لكم بأن تعملوا هذا.
آية (63):
* (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) الأحزاب) كلمة الساعة جاءت بالمؤنث وقريب بالمذكر فهل يجوز ذلك من الناحية اللغوية؟(د.فاضل السامرائى)(1/57)
المعروف في اللغة أن كلمة قريب إذا كان القُرب للنَسَب تطابق تقول هو قريبي وهي قريبتي، هذا قريب في النسب تحديداً. وإذا لم تكن للنسب فتجوز المطابقة وعدمها قال تعالى (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) الأحزاب) (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى) هذه ليست للنسب. فإذن في النحو جائز .
*في سورة الأحزاب قال الله تعالى (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا {63}) وفي سورة الشورى (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ {17}) ما الفرق بين الآيتين؟(د.أحمد الكبيسى)
فى مداخلة مع برنامج أخر متشابهات:في الآية الأولى بما معناه أن الكفار لا يهمهم سواء قامت الساعة أو لم تقم لأنهم من الأصل ليسوا مؤمنين وفي الآية الثانية يقول تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) هنا معلقة الساعة بالفعل أن الإنسان ينتظر أي وقت ممكن أنها تأتي الساعة فيكون مستعداً لها والله أعلم.
الإجابة: أحسنت بارك الله فيك. كلمة (لعل) في القرآن نحن في الدنيا للترجي ممكن يصير ممكن لا يصير أقول لعلني سوف أكل أو سوف أذهب لعلني أجد فلاناً أما بالنسبة لله عز وجل تدل على التأكيد (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا {1} الطلاق) يعني معناها قد أحدث أمراً فعلاً هكذا.
آية (65):
*لماذا اقترن لفظ (أبداً) في خلود الكافرين في النار وأحياناً لاترد؟(د.فاضل السامرائى)
((1/58)
أبداً) ترد أحياناً مه أهل النار وأحياناً مع أخل الجنة وأحياناً يذكر الخلود من دون (ابداً). والقاعدة هو أنه إذا كان المقام مقام تفصيل وبسط للموضوع يذكر (أبداً) أو إذا كان المقام مقام تهديد كثير أو وعيد كثير أو وعد كثير كما جاء في الوعد الكثير للمؤمنين في سورة البينة وتفصيل جزائهم (جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ {8} ) وكذلك في سورة الجنّ الآيات فيها تهديد ووعيد شديد للكافرين فجاءت (أبداً) (إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً {23}) وكذلك في سورة الأحزاب في مقام التفصيل والتوعّد الشديد ذكر أبداً (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً {64} خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً {65}). وإذا لم يكن كذلك أي كان مقام إيجاز لا يذكر (أبداً) مثل قوله تعالى في سورة البيّنة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ {6}) .
آية (69):
*قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) الأحزاب) مم برّأه الله تعالى؟(د.حسام النعيمى)(1/59)
الآيات لا تقول لنا مم برّأه ولا ما الذي قالوه لكنها تدعوا المسلمين أن لا يكونوا كهؤلاء الذين آذوا نبيّهم. أي يا أيها الذين آمنوا لا تؤذوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - بشيء، أي نوع من الإيذاء، وذكّرهم أن موسى - عليه السلام - آذاه قومه فبرّأه الله من هذا الأذى فهو نهي عن إيذاء محمد - صلى الله عليه وسلم - . لم يحدثنا ما هو. عندنا روايات في الكتب: يمكن أنهم قالوا له "اذهب أنت وربك فقاتلا"، أو عندما عبروا وقالوا "اجعل لنا إلهاً: وهذا أشد إيذاءً. هم مشوا على أرض وكانت الأرض مغطاة بماء بأمر الله سبحانه وتعالى وبمجرد أن خرجتم يا بني إسرائيل رأيتم أناساً يعكفون على أصنام لهم أردتم صنماً تعبدونه؟!، هذا أذى. هناك روايات أخرى بعضها يذكر أربع صور من الأذى مختلفة قيل كذا وقيل كذا، أشاعوا عنه شيئاً يتعلق ببدنه وهذا كلام لا ينفعنا لكن المهم أن المؤمنين منادون بأحب الأسماء إليهم (يا أيها الذين آمنوا) أن لا يرتكبوا ما يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالمسلم يتفكر إلى قيام الساعة أنه هل كلامي هذا أو فعلي هذا يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: إني مباهٍ بكم الأمم، مفاخرٌ بكم الأمم، هل هذا العمل يؤدي إلى إيذائه - صلى الله عليه وسلم - ؟ إن كان يؤدي إلى ذلك يفترض أن لا أفعله.(1/60)
سؤال: هل هناك مواءمة دلالية بين برّأ وآذى؟ التبرئة من هذا الأذى كما قالوا (أنا برءاء منكم) أي بريئون من هذا الذين تفعلونه، نحن خارج هذه المنظومة، خارج هذا الإطار فهؤلاء قالوا كلاماً، موسى ما سمع هذا الكلام أخرجه الله من هذا الإطار، جعله الله تعالى بريئاً مما قالوا وأقوالهم المؤدية متعددة وليست قولاً واحداً والله سبحانه وتعالى لطف بهم كثيراً جلّت قدرته لأنهم كانوا في زمانهم أتباع الرسول المرسل فلطف بهم مع أنه عاقبهم في التيه لما اتخذوا العجل بمجرد أن غادرهم موسى (هذا إلهكم وإله موسى).
سؤال: ما القيمة التعبيرية في استعمال إسم الموصول (الذين) في (كالذين آذوا موسى)؟ لم يقل كبني إسرائيل مثلاً؟
هذا فيه نوع من الابعاد لهم فلو ذكرهم لقرّبهم. عندما يخاطبهم أو يبكّتهم أو يدعوهم أو يذكرهم في الأحكام الشرعية يقول: يا بني إسرائيل، لكن هنا في موطن الأذى لا يستحقون الذِكر فقال (لا تكونوا كالذين آذوا موسى) الإعراض عن ذكر اسمهم مقصود. وتكون أيضاً مواءمة بين (الذين آمنوا) و(الذين آذوا) كما قال في سورة يوسف (وراودته التي هو في بيتها) الاستعانة بإسم الموصول لأداء هذا الغرض البلاغي.
آية (72):
*ما دلالة ذكر الجبال مع السموات والأرض في آية الأمانة في سورة الأحزاب مع أن الجبال من الأرض؟(د.فاضل السامرائى)(1/61)
قال تعالى في أواخر سورة الأحزاب (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً {72})، من حيث الحكم النحوي هذا ما يُسمّى عطف الخاص على العام كما في قوله تعالى (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {238} سورة البقرة) والصلاة الوسطى مشمولة في الصلوات لكن لأهميتها وعظمة شأنها ذكرت وحدها، وقوله تعالى (مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ {98} سورة البقرة) وجبريل من الملائكة وذكره يفيد رفعة منزلته عند الله، وكذلك قوله تعالى (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ {68} سورة الرحمن) والنخل والرمان من الفاكهة وهي فاكهة أهل الجنة. فمن حيث التكييف اللغوي جائز لكن لماذا يؤتى بها؟
ذكر تعالى الجبال لأنه أعظم مخلوقات الأرض هذا أمر والأمر الآخر أن الأمانة ثقيلة وذكر الجبال مناسب للأمانة. ثم من قال أن الأرض خاصة بالجبال فقط فكل الأجرام فيها جبال والأمر الآخر أن الجبال هي رواسي الأرض (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ {10}سورة لقمان) فوظيفة الجبال أن تثبّت الأرض كيلا تميد وكذلك المؤمنون (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ {27} سورة ابراهيم) تزول الجبال ولا تزول الأمانة لأنه في الآخرة تثبت المؤمنين على الصراط فهي أرسى من الجبال.(1/62)
*(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) الأحزاب) لِمَ خصّ الإنسان تحديداً والجن أيضاً مكلَّف؟(د.فاضل السامرائى)
هذه الآية من سورة الأحزاب ولو نظرنا في السورة هي في الإنسان من أولها لآخرها (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ (1)) (يَا نِسَاء النَّبِيِّ (30)) (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ (37)) (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ (40)) (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)) (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ (63)) قال الناس ولم يقل الجن، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (70)) إلى آخرها (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ (73)) إذن السياق في الإنسان يتكلم عن الإنسان لكن لم يحصره فيه مع أن الجن مكلّف، لم يقل لم يحملها إلا الإنسان،
سؤال: مع أن الجن مكلّف، هو يتحدث عن الأمانة بمعنى التكليف الشرعي والجن مكلف شرعياً؟ أليس في (وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ) قصر على أن الإنسان حملها وحده؟
(وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ) من الناحية البيانية ليس فيها قصر على الإنسان فقط، ربما الإنسان وغيره، لكن الآن ذكر الإنسان وقد يكون الجن لم يحملوها، أيضاً أبوا أن يحملوها لكن السياق في الإنسان والإنسان هو الذي حملها، القرآن لا يخرج عن السياق.
****تناسب فواتح الأحزاب مع خاتمتها****(1/63)
مطلعها (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)) وآخرها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)) الخطاب في الأول للنبي - صلى الله عليه وسلم - والخطاب عام في الختام، الموضوع التقوى وكأنه أمر النبي أولاً بالتقوى ثم عمم الخطاب لكل المؤمنين. في الأول قال (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)) وفي آخرها (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)) كأنه لا تطع الكافرين وأطع الله ورسوله. في الأول (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)) وفي الآخر (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)) لا تطعهم لأن الله سيعذبهم في الآخرة، هذا تناسب طيب.
سؤال: نلاحظ في بعض السور أنه يجمل في بدايتها ويفصل في نهايتها هل هذا تفصيل بعد إجمال؟ هذا كأنه تفصيل لما ذكره وأجمله في البداية.
*****تناسب خواتيم الأحزاب مع فواتح سبأ*****(1/64)
السورتان الثالثة والثلاثون والرابعة والثلاثون وهما الأحزاب وسبأ. قال سبحانه في أواخر الأحزاب (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)) وفي سبأ قال (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)) الكلام عن الساعة. ذكر في أواخر الأحزاب عقوبة الكافرين وذكر المؤمنين قال (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)) إلى أن قال (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)) وذكر المؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)) ذكر عقوبة الكافرين وما أعد للمؤمنين من فوز، وقال في بداية سبأ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4))، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)) (أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)).(1/65)
ذكر الكافرين (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)) (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) هذا في العذاب، (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)) وفي سبأ (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)) الجزاء في الأجر وفي العقاب وفي إنكار الساعة وفي الإيمان بها.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله تجميع وترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الأحزاب للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى والخواطر القرآنية للأستاذ عمرو خالد وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله عنا خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/66)
سورة سبأ
تناسب خواتيم الأحزاب مع فواتح سبأ ... آية (13) ... آية (42)
هدف السورة ... آية (14) ... آية (53)
آية (2) ... آية (25) ... تناسب فواتح سورة سبأ مع خواتيمها
آية (3) ... آية (31) ... تناسب خواتيم سبأ مع فواتح فاطر
آية (11) ... آية (33)
آية (12) ... آية (38)
*تناسب خواتيم الأحزاب مع فواتح سبأ*
السورتان الثالثة والثلاثون والرابعة والثلاثون وهما الأحزاب وسبأ. قال سبحانه في أواخر الأحزاب (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)) وفي سبأ قال (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)) الكلام عن الساعة.(1/1)
ذكر في أواخر الأحزاب عقوبة الكافرين وذكر المؤمنين قال (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)) إلى أن قال (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)) وذكر المؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)) ذكر عقوبة الكافرين وما أعد للمؤمنين من فوز، وقال في بداية سبأ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4))، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)) (أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)). ذكر الكافرين (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)) (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) هذا في العذاب، (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)) وفي سبأ (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)) الجزاء في الأجر وفي العقاب وفي إنكار الساعة وفي الإيمان بها.
**هدف السورة: الإستسلام لله سبيل بقاء الحضارات**(1/2)
هذه السورة مكيّة وقد ضربت مثالين مهميّن لنماذج حضارات راقية: قصة سيدنا داوود وسليمان وقصة سبأ.
*أما قصة سيدنا داوود وسليمان فكانت نموذجاً لحضارة قوية راقية استقرّت وانتشرت لأنها كانت مستسلمة لله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) آية 10 وفي استخدام القرآن لكلمة (أوّبي) دلالة على منتهى الإستسلام، وقد سخر الله تعالى لسليمان الريح وعين القطر والجن لمّا استسلم لله تعالى.
*ويأتي النموذج العكسي لقصة سليمان وداوود في قصة سبأ (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) آية 15 إلى 17. هذه الحضارة العريقة لأنها لم تستسلم لله تعالى ولم تعبده كان مصيرها الزوال.
وتسمية السورة بـ (سبأ) هو رمز لأي حضارة لا تستسلم لله تعالى لأن الإستسلام لله هو سبيل بقاء الحضارات أما الحضارات البعيدة عن الله لن تستمر في الكون مهما ارتقت وعظمت تماماً مثل مملكة سبأ. ففي كل عصر يمكننا أن نضع اسماً مكان سبأ ينطبق عليهم قول الله تعالى فيهم فلكل عصر سبأ خاص.
***من اللمسات البيانية فى سورة سبأ***
آية (2):
*ما اللمسة البيانية في تقديم الرحيم على الغفور في سورة سبأ وقد وردت في باقي القرآن الغفور الرحيم؟(د.فاضل السامرائى)(1/3)
في آية واحدة وردت تقديم الرحيم على الغفور وفي بقية الآيات تقديم الغفور على الرحيم. لو لاحظنا آية سبأ التي تقدم فيها الرحيم على الغفور. أولاً المغفرة تكون للمكلّفين والرحمة عامة حتى الحيوانات تشملها الرحمة لكن المغفرة للمكلفين. سورة سبأ لم يتقدم الآية ما يتعلق بالمكلَّفين وإنما تقدّمها أمر عام قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)) ليس فيها ذكر للمكلفين. ذِكر المكلفين جاء بعدها (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3)) إذن تأخر ذكر المكلفين فتأخر ما يتعلق بهم (الغفور). الأولى عامة (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا) تقدمت العامة ولهذا قدّم الرحمة لما كان ما تقدم أمراً عاماً ليس خاصاً بالمكلفين قدم الرحمة ولما ذكر المكلفين فيما بعد قدم الغفور فيما بعد.(1/4)
ولذلك في جميع المواطن في القرآن بلا استثناء إذا قال غفور رحيم يتقدم ذكر المكلفين (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173) البقرة) (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199) البقرة) هؤلاء مكلّفون، (أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (74) المائدة) (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر).
*قال تعالى في سورة الحديد (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)) وقال في سورة سبأ (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)) اختلف ختام الآيتين وفي آية سورة سبأ لم يذكر (وهو معكم أينما كنتم) فما هي اللمسة البيانية في الآيتين؟(د.فاضل السامرائى)(1/5)
? في الدراسات القرآنية السياق يوضح كثيراً من الإجابات عن الأسئلة. عندما نرى آيتين تختلفان في كلمة أو في ذِكر أو عدم ذِكر فالرجوع إلى السياق يوضح هذا الأمر كثيراً. لو لاحظنا هذه الآية في سورة الحديد (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) قال تعالى قبلها (وهو بكل شيء عليم) هذا يدل على علمه وإحاطته بكل شيء، (وهو معكم أينما كنتم) هذا مناسب للعلم ويترابط معه. وبعدها قال تعالى (وهو عليم بذات الصدور) فهذه الآية متناسبة مع السياق التي وردت فيه وهو العِلم قبلها وبعدها (وهو معكم أينما كنتم) (والله بما تعلمون بصير) متناسب مع ما قبله (وهو بكل شيء عليم) ومتناسب مع ما بعده (وهو عليم بذات الصدور). هذا الموقع غير موجود في سورة سبأ، هذا أمر.
? الأمر الآخر قال تعالى (وهو معكم أينما كنتم) في سورة الحديد وهذا يدل على المراقبة ولذا جاء بعدها بما يدل على معرفته بعَمَلنا قال (والله بما تعملون بصير). وفي سورة سبأ قال في ختام الآية (وهو الرحيم الغفور) وفي الحديد قال (والله بما تعملون بصير) هذا متناسب مع المراقبة (وهو معكم أينما كنتم). إذن في سبأ ختمها (وهو الرحيم الغفور) فأراد تعالى أن يرحم الناس بالرحمة والمغفرة فرفع ذِكر المراقبة، أليس من رحمته أن يرفع ذكر المراقبة؟ عدم ذكر المراقبة أنسب مع الرحمة والمغفرة، أن تراقب الإنسان في كل شيء هذا ليس من الرحمة إذن ختام الآية (وهو الرحيم الغفور) أراد الله تعالى أن يرحم الناس فرفع ذِكر المراقبة في آية سبأ بخلاف آية سورة الحديد التي فيها العِلم (وهو معكم أينما كنتم)، هذا أمر.(1/6)
? الأمر الآخر في آية سبأ ذكر الآخرة قبل الآية وبعدها، بدأت الآية في سورة سبأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)) الآخرة ليست وقت عمل ولا مراقبة وإنما وقت جزاء. الآية التي بعدها في الساعة (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3)) قبلها وبعدها الكلام في الساعة والساعة ليست لا وقت مراقبة ولا وقت عمل. آية الحديد (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)) إذن آية الحديد في بداية خلق السموات والأرض وهو زمان بداية الأعمال واستمرارها، وفي سورة سبأ زمان طيّ صفحة الأعمال، الآخرة هي طيّ صفحة الأعمال، فما قال (وهو معكم أينما كنتم) في آية سبأ لأنه ليس وقتها وانطوت صفحة الأعمال في الآخرة وانتهت فلذلك لم يذكرها بينما في سورة الحديد فهو زمان بداية الأعمال وزمان المراقبة (هو الذي خلق السموات والأرض) فإذن السياق مختلف: في سبأ في الآخرة وهو في طيّ صفحة الأعمال وفي الحديد في بداية صفحة الأعمال ولذلك وضع المراقبة مع السياق الذي يقتضي وضعها فيه ورفعها من السياق الذي لا يقتضي سواء كان في الآخرة أو في وقوعها ما يتعلق بالآخرة.(1/7)
? الأمر الآخر جو السورة أحياناً يظهر إختيار العبارات أو ذِكر أو عدم الذِكر: في سورة الحديد تردد فيها ذكر العلم والمراقبة (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)) (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)) (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6)) (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)) (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)) (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ (25)) كلها عِلم، جو السورة يتردد فيه العلم.(1/8)
في سورة سبأ الذي شاع في جو السورة ذِكر الآخرة (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ (1)) (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ (3)) (أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)) (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ (5)) (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)) (بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)) (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)) (وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (23)) (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)) (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (29)) (قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)) (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)) (فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)) (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)) (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)) (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (51)) إلى آخر السورة سورة سبأ شاع فيها ذِكر الآخرة، وفتحت بذكر الآخرة وختمت بذكر الآخرة وهذا(1/9)
لا يتناسب مع جو المراقبة. ذاك جو العِلم يتناسب مع (وهو معكم أينما كنتم). إذن في كل الأمور: ما قبل الآية وما بعدها، ختام كل آية من الآيات يتناسب، السياق، بداية الأعمال وطيّ صفحة الأعمال، كل هذا يتناسب مع وضع كل تعبير في مكانه. ثم ختمها بقوله (والله بما تعملون بصير) قدّم العمل على البصر لأنه ورد بعدها (وهو معكم أينما كنتم) قدّم عملهم لأن الكلام عليهم أنفسهم (وهو معكم أينما كنتم) ما قال بصير بما تعملون.
آية (3):
*ما الفرق بين قوله تعالى (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) وقوله (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يونس (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {61}) وقال في سورة سبأ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {3}). بداية الآية مختلفة ، التذييل متشابه، آية سبأ جاءت تذييلا وتعقيبا للحديث عن الساعة، آية يونس جاءت لبيان مقدار إحاطة علم الله بكل شيء، وسعة ذلك العلم، ترتب على هذا اختلاف التعبير بين الآيتين كما سنوضح فيما يلي:(1/10)
? في آية سورة يونس استخدم (ما) أما في سورة سبأ استخدمت (لا) والسبب أن في الأولى جاء سياق الكلام عن مقدار إحاطة علم الله تعالى بكل شيء كما جاء في أول الآية (وما تكون في شأن). أما في الآية الثانية في سورة سبأ فالسياق في التذييل والتعقيب على الساعة. و(لا) هذه قد تكون لا النافية (لا يعزب) وتكون للإستقبال مثل (لا تجزي نفس عن نفس شيئاً) وقد تكون للحال (مالي لا أرى الهدهد). إذن (لا) مطلقة تكون للحال أو للمستقبل وهي أقدم حرف نفي في الهربية وأوسعها استعمالاً. وهي مع المضارع تفيد الإستقبال وهو مطلق كما في قوله تعالى (لا تأتينا الساعة إلا بغتة) فجاء الردّ من الله تعالى (بلى لتأتينكم) و(لا يعزب) كل الجواب يقتضي النفي بـ (لا). وجاء استخدام الضمير (عنه) في آية سورة سبأ لأنه تقدّم ذكر الله تعالى قبله، أما في سورة يونس فلم يتقدم ذكر الله تعالى فجاءت الآية (وما يعزب عن ربك).
? عالم الغيب في سورة سبأ وكلمة عالم لا تأتي إلا مع المفرد (عالم الغيب والشهادة) وعالم إسم فاعل كقوله تعالى (غافر الذنب) أما علاّم فهي تقتضي المبالغة مثل (غفّار).
? من مثقال ذرة: من الزائدة الإستغراقية وهي تفيد الإستغراق والتوكيد. نقول في اللغة (ما حضر رجل) وتعني أنه يحتمل أنه لم يحضر أي رجل من الجنس كله أو رجل واحد فقط. وإذا قلنا: ما حضر من رجل: فهي تعني من جنس الرجل وهي نفي قطعي. وقوله تعالى في سورة يونس (من مثقال ذرة) للتوكيد لأن الآية في سياق إحاطة علم الله بكل شيء لذا اقتضى السياق استخدام (من) الإستغراقية التوكيدية.(1/11)
? التقديم والتأخير في السماء والأرض: الكلام في سورة يونس عن أهل الأرض فناسب أن يقدم الأرض على السماء في قوله تعالى (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء) أما في سورة سبأ فالكلام عن الساعة والساعة يأتي أمرها من السماء وتبدأ بأهل السماء (فصعق من في السموات والأرض) و(ففزع من في السموات ومن في الأرض) ولذلك قدّم السماء على الأرض في قوله تعالى (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض).
? السماء والسموات : استخدمت السماء في سورة يونس لأن السياق في الإستغراق فجاء بأوسع حالة وهي السماء لأنها أوسع بكثير من السموات في بعض الأحيان. فالسماء واحدة وهي تعني السموات أو كل ما علا وفي سورة سبأ استخدم السموات حسب ما يقتضيه السياق.
? الفرق بين (ولا أصغرُ) في سورة سبأ و(ولا أصغرَ) في سورة يونس: في سورة يونس (أصغرَ) إسم مبني على الفتح ولا هي النافية للجنس وتعمل عمل إنّ وهي تنفي الجنس على العموم. ونقول في اللغة: لا رجلَ حاضرٌ بمعنى نفي قطعي. (هل من رجل؟ لا رجلَ) وهي شبيهة بحكم (من) السابقة. إذن جاء باستغراق نفي الجنس مع سياق الآيات في السورة. أما في سورة سبأ فالسياق ليس في الإستغراق ونقول في اللغة : لا رجلُ حاضرٌ. (هل رجلٌ؟ لا رجلٌ) فهي إذن ليست للإستغراق هنا.
آية (11):
*يقول تعالى (بما تعملون بصير) وفي آية أخرى يقول (بصير بما تعملون) فهل للتقديم والتأخير لمسة بيانية؟(د.فاضل السامرائى)(1/12)
التقديم والتأخير يأتي لسبب والسياق قد يكون الحاكم والموضح للأمور. إذا كان سياق الكلام أو الآية في العمل يقدّم العمل وإذا لم يكن السياق في العمل أو إذا كان الكلام على الله سبحانه وتعالى وصفاته يقدّم صفته. من باب تقديم العمل على البصر: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) البقرة) بهذا العمل بصير، إذا كان السياق عن العمل يقدم العمل على البصر وإذا كان الكلام ليس في السياق عن العمل أو الكلام على الله تعالى وصفاته يقدم صفته. ((1/13)
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) البقرة) هذا إنفاق، (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) هود) الكلام على العمل فقدم العمل (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) سبأ) قدم العمل، (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت) هذا في القرآن كله إذا كان الكلام ليس على العمل أو على الله تعالى (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) البقرة) ليس فيها عمل،(إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) الحجرات) يتكلم عن الله تعالى فيقدم صفة من صفات الله تعالى.
آية (12):
*ما دلالة كلمة (الريح)فى قوله تعالى(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ {12}) ولماذا جاءت على صيغة الإفراد؟(د.فاضل السامرائى)(1/14)
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر كما في قوله تعالى في سورة القمر (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ {19}) وسورة الحجّ (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ {31}) وسورة الإسراء (أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً {69}).
أما كلمة الرياح فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات كما في قوله تعالى في سورة الحجر (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ {22}) وسورة النمل (أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {63}).
وفي سورة سبأ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ {12}) استعملت كلمة ريح مع سليمان لكنها لم تُخصص لشيء فجاءت عامة قد تكون للخير أو للشر لأن الله سخّرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء.
آية (13):
*في سورة سبأ (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)) لماذا ورد فعل اعملوا مع أن الأقرب إلى العقل أن يقول اشكروا آل داوود شكراً باعتبار الشكر مصدر؟ ولماذا ورد الفعل اعملوا ولم يقل افعلوا؟(د.فاضل السامرائى)(1/15)
لو قال اشكروا لصار شكراً مفعول مطلق لكن (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) ما معناها وما إعرابها؟ إعملوا شكراً احتمال مفعول به وليس مفعول مطلق إعملوا الشكر وهو إشارة أن الشكر يُعمَل عمل وليس لساناً فقط إعملوا الشكر مثل اعملوا طاعة الشكر أيضاً عمل أنت إذا لم تعمل بما أعطاك الله من النعم فلست بشاكر ولو بقيت تقول بلسانك الشك لله طول الوقت يعني إذا كان عندك مال ولم تؤدي حقه فلست بشاكر إذن شكر النعمة تأدية حقها وتقول باللسان والعمل فإذن الشكر عمل عندما تعمل شيء في مالك تفيد الآخرين هذا عمل هذا من الشكر هذا الأمر الأول لو قال اشكروا شكراً ليس له هذه الدلالة. الآن قال اعملوا شكراً إشارة أن الشكر هو ليس فقط كلاماً وإنما عمل أيضاً. ويحتمل أن يكون شكراً مفعول لأجله، اعملوا لأجل الشكر أنتم أعطاكم نِعَم فاعملوا لتشكروه اللام لام التعليل، إذن صار مفعولاً لأجله. إذن يمكن أن يكون مفعول به أو مفعول لأجله وقد يكون مفعول مطلق أو حال إعملوا شاكرين المصدر بمعنى الحال مثل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً (15) الأنفال) زحفاً حال. إذن اعملوا شكراً فيها جملة معاني وهي مقصودة ومرادة لو قال اشكروا شكراً لكان معنى واحد تحديداً بينما هنا المفعول به والمفعول لأجله والمفعول المطلق والحال أيُّ الأشمل؟ اعملوا أشمل اتسعت دائرة الدلالة. وأيضاً قال اعملوا وليس افعلوا لأن العمل بقصد ولو قال افعلوا آل داوود شكراً ليس بالضرورة أن يكون بقصد (إنما الأعمال بالنيات) الله تعالى حكمه عام كيف يشاء لا أحد يحاسبه.
فى إجابة أخرى للدكتور فاضل:
((1/16)
اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) الشكر ليس لساناً فقط وإنما هو عمل ولذلك أعربها قسم مفعول به اعملوا الشكر، مثلاً لو أعطاك الله مالاً فشكره ليس أن تقول الحمد لله فقط وإنما أن تؤدي حقّه فإن لم تؤدي حقه فأنت لست بشاكر ولو بقيت تشكر ربك كلاماً طوال عمرك يعني شكر النعم القيام بحقها فالشكر عمل مع القول وليس قولاً فقط. اعملوا الشكر (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا). وقسم يجعل شكراً حال أي اعملوا كونكم شاكرين وقسم يجعلها مفعول لأجله وهي ليس كما قيل شاكروا آل داوود شكراً وإنما هذا واحد من المعاني وإنما الشكر هو عمل أن تؤدي الحقوق التي عليك فيما آتاك الله من النعم، أن تقوم به عملاً. أعطاك الله جاهاً فتنفع الناس بجاهك في الخير، أعطاك الله علماً وكتمته أنت آثم حتى لو قلت الحمد لله على ما أعطاني من النعمة، إذا كنت كاتماً للعلم فأنت لست بشاكر. (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) الشكور مبالغة فالذي يشكر ربه دائماً لأن هذا متعلق بالأعمال ومتعلق باللسان.
*ما الفرق بين استعمال كلمة (شكورا) و (شكرا)؟(د.فاضل السامرائى)
الشكور تحتمل الجمع والإفراد في اللغة وهي تعني تعدد الشكر والشكر في اللغة يُجمع على الشكور ويحتمل أن يكون مفرداً مثل القعود والجلوس، وفى آية الإنسان الجمع يدل على الكثرة أي لا نريد الشكر وإن تعدد وتكرر الإطعام باعتبار الجمع.(1/17)
وقد استعمل القرآن الكريم كلمة الشكور في الحالتين وإذا اردنا الشكور مصدراً فهو أبلغ من الشكر واستعمال المصادر في القرآن عجيب والذي يُقوي هذه الوجهة استعمال الشكور لما هو أكثر من الشكر. ولقد استعملت كلمة الشكور في القرآن مرتين في هذه الآية فى سورة الإنسان (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً {9}) وفي آية سورة الفرقان (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً {62}) فقط واستعمل الشكر مرة واحدة في قصة آل داوود (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ {13}سبأ) ومن ملاحظة الآيات التي وردت فيها كلمتي الشكور والشكر نرى أن استعمال الشكر جاء في الآية التي خاطب بها تعالى آل داوود وهو قلّة بالنسبة لعموم المؤمنين المخاطبين في سورة الفرقان أو في سورة الإنسان التي فيها الإطعلم مستمر إلى يوم القيامة والشكر أيضاً سيمتد إلى يوم القيامة ما دام هناك مطعِمين ومطعَمين. إذن هو متعلقات الشكر في هاتين الآيتين أكثر من متعلقات الشكر في قصة آل داوود. وفي سورة الفرقان قال تعالى (لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورا) وكلمة (يذّكّر) فيها تضعيفين فالذي يبالغ في التذكر هو مبالغ في الشكر فيبدو والله أعلم أن استعمال الشكور أبلغ من استعمال الشكر في آية سورة الإنسان.
آية (14):
*ما دلالة كلمة منسأته في آية سورة سبأ ؟(د.فاضل السامرائى)(1/18)
قال تعالى في سورة سبأ (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ {14})، والمنسأة هي العصى. نسأ في اللغة لها دلالتين نسأ البعير إذا جرّه وساقه والمنسأة هي عصى عظيمة تُزجر بها الإبل لتسوقها ونسأ بمعنى أخّر الشيء (النسيء). فلماذا اذن استعمل كلمة منسأة ولم يستعمل كلمة عصى؟ قلنا أن المنسأة لها معنيين وهما سوق الإبل والتأخير وفي قصة سليملن هذه العصى كانت تسوق الجنّ إلى العمل مع أن سليمان كان ميتاً إلى أن سقطت العصى وسقط سليمان (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) فكما أن الراعي يسوق الإبل لتسير فهذه المنسأة كانت تسوق الجنّ. والمنسأة كأنها مدّت حكم سليمان فهي أخّرت حكمه إلى أن سقط. فاستعمالها في قصة سليمان أفاد المعنيين واستعمالها من الجهتين اللغويتين في غاية البيان من جهة السوق ومن جهة التأخير.
أما في قصة موسى فاستعمل كلمة العصى (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى {18}) ليهشّ بها على غنمه وبها رحمة بالحيوان وعكس الأولى ولا يناسب استخدام كلمة منسأة.
آية (25):
*ما الفرق بين الآيتين (قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) سبأ) و (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (35) هود)؟ وما دلالة نسب الإجرام للمؤمنين والعمل لغير المؤمنين؟(د.فاضل السامرائى)(1/19)
آية سبأ (قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)) هي في سياق الدعوة والتبليغ والمحاجّة وهذا من باب الإنصاف في الكلام حتى يستميلهم يقول نحن لا نُسأل عما أجرمنا إذا كنا مجرمين كما لا تُسألون أنتم عن إجرامنا إذا كنا كذلك. أراد أن يستميل قلوبهم فقال (عما تعلمون) هذا يسموه من باب الإنصاف في الدعوة، غاية الإنصاف لا يريد أن يثيره خاصة في باب التبليغ يريد أن يفتح قلبه بالقبول وإذا قال تجرمون معناه أغلق باب التبليغ. وقال قبلها (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24)) هذا في باب الدعوة وفي باب التبليغ يجعله في باب الإنصاف في الكلام حتى لا يغلق الباب وهذا غاية الإنصاف. لأن السياق في سورة سبأ هو في سياق الدعوة (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ (22)) (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ (24)) (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)) يريد أن يستميل قلوبهم وألا يغلق الباب فقال لهم كذلك.
في حين في آية سورة هود (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (35) هود) هذه في قصة سيدنا نوح - عليه السلام - (قل إن افتريته فعلي إجرامي) لأن الذي يفتري على الله تعالى مجرم (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ) إذا أنتم نسبتم إليّ الافتراء ولست كذلك أنتم مجرمون بحقي إذا نسبتم الإفتراء إليّ أني أفتري على الله وأنا لست كذلك فأنتم مجرمون بحقي إذن وإن افتريته فأنا مجرم (فعلي إجرامي) وإن لم أكن كذلك فأنتم نسبتم الافتراء إليّ وأنا بريء من ذلك فأنتم إذن مجرمون بحقي.(1/20)
المقصود بتجرمون نسبة الافتراء إلى نبي الله هذا هو إجرام القوم في حقه، هذا أمر. والأمر الآخر قال (فعلي إجرامي) واحد وقال (تجرمون) جمع كثير وفيه استمرار لأنهم هم نسبوا إليه أمراً واحداً (افتريته) افترى الرسالة، افترى الكلام (فعلي إجرامي) لكن هم مستمرون إجرامهم كثير مستمر هذا قيل في باب غلق الدعوة لما قال له ربه تعالى (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (36) هود) هنا مفاصلة وليس كتلك الآية السياق الذي فيها محاجّة يأمل أنهم يعودوا فيستميل قلوبهم، هذا انغلق هنا (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ) انتهت المسألة وصارت مفاصلة لأنه غلق باب الدعوة والتبليغ. (مما تجرمون) أي الإجرام المستمر من السابق وإلى الآن فتبقوا مجرمين إلى أن يهلككم ربكم لذا قال (تجرمون) ولم يقل من إجرامكم لأنه ليس إجراماً واحداً. ما يفعلونه من المعاصي هو إجرام مستمر لكن كلام نوح - عليه السلام - كان منصباً على الافتراء (إن افتريته).
الواو في قوله تعالى (وأنا بريء) هي عطف جملة على جملة.
مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال (عما أجرمنا) هذا من باب الإنصاف كما أنت تتكلم مع شخص لا تريد أن تثيره فتقول: قد علِم الله الصادق مني ومنك وإن أحدنا لكاذب، هذا غاية الإنصاف لا تقول له أنت كاذب. الرسول - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يفتح القلوب ويستميلها لا أن يغلقها هذا يسمى غاية الإنصاف في الكلام.
آية (31):
* ما اللمسة البيانية في عدم ذكر الجواب فى بعض آيات القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)(1/21)
قد يُحذف للتعظيم وهذا ورد كثيراً في القرآن كما حذف جواب القسم في أوائل سورة ق (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1)). جواب الشرط يُحذف في القرآن كثيراُ كما في قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) سبأ) وقوله تعالى (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) الانشقاق) (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) الأنفال) وذلك حتى يذهب الذهن كل مذهب وهذا أمر عظيم فهناك من يستدعي العقوبات.
* ما دلالة استخدام صيغة صبّار شكور ولماذا جاءت صبّار مقدّمة على شكور؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً كلمة (صبّار) الصبر إما أن يكون على طاعة الله أو على ما بصيب الإنسان من الشدائد. فالصلاة تحتاج إلى صبر وكذلك سائر العبادات كالجهاد والصوم. والشدائد تحتاج للصبر.
أما كلمة (شكور) فالشكر إما أن يكون على النعم (واشكروا نعمة الله) أو على النجاة من الشّدّة (لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) فالشكر إذن يكون على ما يصيب الإنسان من النِّعَم أو فيما يُنجيه الله تعالى من الشِّدّة والكرب.(1/22)
إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه تعالى إذا كان السياق في تهديد البحر يستعمل (صبّار شكور) وإذا كان في غيره يستعمل الشكر فقط. ففي سورة لقمان مثلاً قال تعالى في سياق تهديد البحر (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)) وفي سورة الشورى (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33))
وهناك أمر آخر وهو أن كلمة صبّار لم تأت وحدها في القرآن كله وإنما تأتي دائماً مع كلمة شكور وهذا لأن الدين نصفه صبر ونصفه الآخر شكر كما في قوله تعالى في سورة ابراهيم (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)) وفي سورة سبأ (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)).
والآن نسأل لماذا استعمل صيغة صبّار على وزن (فعّال)؟ وهذا السؤال يدخل في باب صيغ المبالغة وهو موضوع واسع لكننا نوجزه هنا فيما يخصّ السؤال.
صيغ المبالغة : مِفعال، فعّال وفعول كل منها لها دلالة خاصة.(1/23)
مِفعال: (معطاء ومنحار ومعطار) هذه الصيغة منقولة من الآلة كـ (مفتاح ومنشار) فنقلوها إلى المبالغة، فعندما يقولون هو معطاء فكأنه صار آلة للعطاء، وقولنا امرأة معطار بمعنى زجاجة عطر أي أنها آلة لذلك.
والدليل على ذلك أن صيغة المبالغة هذه (مِفعال) تُجمع جمع الآلة ولا تُجمع جمع المذكر السالم ولا جمع المؤنث السالم، فنقول مثلاً مفتاح مفاتيح، ومنشار مناشير، ومحراث محاريث، ورجل مهذار ورجال مهاذير، فيجمع جمع الآلة، ولذلك لا يؤنث كالآلة
يا موقد النار بالهندي والغار هيجتني حزناً يا موقد النار
بين الرصافة والميدان أرقبها شبّت لغانية بيضاء معطار
فلا نقول معطارات وإنما نجمع معطار على معاطير، فنقول نساء معاطير ورجال معاطير، وامرأة مهذار رجال مهاذير..فهي من الصيغ التي يستوي فيها المذكر والمؤنث، ولا تجمع جمعا سالما، فلا نقول امرأة معطارة وإنما نقول امرأة معطار ورجل معطار ، ونجمعها جمع الآلة (معاطير) للرجال والنساء. هذه هي القاعدة
صيغة فعّال: من الحِرفة. والعرب أكثرما تصوغ الحِرَف على وزن فعّال مثل نجّار وحدّاد وبزّاز وعطّار ونشّار. فإذا جئنا بالصفة على وزن الصيغة (فعال) فكأنما حرفته هذا الشيء. وإذا قلنا عن إنسان أنه كذّاب فكأنما يحترف الكذب. والنجّار حرفته النجارة. إذن هذه الصيغة هي من الحِرفة وهذه الصنعة تحتاج إلى المزاولة. وعليه فإن كلمة صبّار تعني الذي يحترف الصبر. وقد وردت هذه الصيغة في القرآن الكريم في صفات الله تعالى فقال تعالى (فعّال لما يريد) قوله تعالى غفّار بعدما يقول (كفّار) ليدلّ على أن الناس كلما أحدثوا كفراً واستغفروا غفر الله تعالى لهم (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) نوح).(1/24)
صيغة فعول: مأخوذة من المادة (المواد) مثل الوقود وهو الحطب الذي يوقد ويُستهلك في الاتّقاد، والوضوء الماء الذي يُستهلك في الوضوء، والسحور ما يُؤكل في السحور، والسفوف وهو ما يُسفّ، والبخور وهو ما يُستهلك في التبخير. فصيغة فعول إذن تدل على المادة التي تُستعمل في الشيء الخاصة به. وصيغة فعول يستوي فيها المؤنّث والمذكر فنقول رجل شكور وامرأة شكور. ولا نقول شكورة ولا بخورة ولا وقودة مثلاً. وكذلك صيغة فعول لا تُجمع جمع مذكر سالم أو جمع مؤنّث سالم فلا نقول رجال صبورين أو نساء صبورات وإنما نقول صُبُر وشُكُر وغُفُر. وعليه فإن كلمة شكور التي هي على وزن صيغة فعول منقولة من المادة . فإذا قلنا صبور فهي منقولة من المادة وهي الصبر وتعني أن من نصفه بالصبور هو كله صبر ويُستنفذ في الصبر كما يُستنفذ الوقود في النار. وكذلك كلمة غفور بمعنى كله مغفرة ولذلك قالوا أن أرجى آية في القرآن هي ما جاء في سورة الزُمر في قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)).
وهنا نسأل أيهما أكثر مبالغة فعول أو فعّال؟ فعول بالتأكيد أكثر مبالغة من فعّال ولذلك فكلمة صبور هي أكثر مبالغة وتعني أنه يفني نفسه في الصبر أما كلمة صبّار فهي بمعنى الحِرفة.(1/25)
ونسأل أيضاً أيهما ينبغي أكثر في الحياة الصبر أو الشكر؟ الشكر بالتأكيد لأن الشكر يكون في كل لحظة والشكر يكون على نعم الله تعالى علينا وهي نعم كثيرة وينبغي علينا أن نشكر الله تعالى عليها في كل لحظة لأننا في نعمة من الله تعالى في كل لحظة. وقد امتدح الله تعالى ابراهيم عليه السلام بقوله (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)) واستعمل كلمة (أنعُم) لأنها تدل على جمع القِلّة لأنه في الواقع أن نِعم الله تعالى لا تُحصى فلا يمكن أن يكون إنسان شاكرا لنعم الله، والإنسان في نعمة في كل الأحوال هو في نعمة في قيامه وقعوده ونومه .. الخ كما جاء في قوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) النحل). وعليه فإن الشكر يجب أن يكون أكثر من الصبر فالصبر يكون كما أسلفنا إما عند الطاعات وهي لها أوقات محددة وليست مستمرة كل لحظة كالصلاة والصيام أو الصبر على الشدائد وهي لا تقع دائماً وكل لحظة على عكس النِّعم التي تكون مستمرة في كل لحظة ولا تنقطع تنقطع لحظة من لحظات الليل أو النهار، وتستوجب الشكر عليها في كل لحظة فالإنسان يتقلب في نعم الله تعالى.
ومما تقدّم نقول أنه تعالى جاء بصيغة صبّار للدلالة على الحِرفة وكلمة شكوربصيغة فعول التي يجب أن يستغرقها الإنسان في الشكر للدلالة على أن الانسان يستغرق في الشكر، ويكفي أن يكون الإنسان صبّاراً ولا يحتاج لأن يكون صبوراً. أما صيغة شكور فجاء بها لأن الانسان ينبغي أن يشكر الله تعالى على الدوام وحتى لو فعل فلن يوفّي الله تعالى على نِعَمه.
آية (33):(1/26)
*ما الفرق بين الحسرة (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ (39) مريم) والندامة (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ (33) سبأ)؟ (د.فاضل السامرائى)
الحسرة هي أشد الندم حتى ينقطع الإنسان من أن يفعل شيئاً. والحسير هو المنقطع في القرآن الكريم لما يقول (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك) حسير أي منقطع، إرجع البصر كرتين، ثم ارجع البصر، الحسير المنقطع. الحسير المنقطع والحسرة هي أشد الندم بحيث ينقطع الإنسان عن أن يفعل شيئاً ويقولون يكون تبلغ به درجة لا ينتفع به حتى ينقطع. (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ (30) يس) هذه أكبر الحسرات على الإنسان وليس هناك أكبر منها. الندم قد يندم على أمر وإن كان فواته ليس بذلك لكن الحسرة هي أشد الندم والتلهف على ما فات وحتى قالوا ينقطع تماماً. يقولون هو كالحسير من الدواب الذي لا منفعة فيه (أدرك إعياء عن تدارك ما فرط منه). في قصة ابني آدم قال (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) المائدة) الندم له درجات أيضاً ولكن الحسرة أشد الندم، هي من الندم لكن أقوى من الندم يبلغ الندم مبلغاً. (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ (167) البقرة) منقطعة ولا فائدة من الرجوع مرة ثانية.
آية (38):
*ما دلالة الفعل المضارع يسعون في قوله تعالى في سورة سبأ (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ {38})؟(د.فاضل السامرائى)(1/27)
الفعل المضارع له أزمنة كثيرة فقد يكون للمضي (فلم تقتلون أنبياء الله) أو للحال أو الإستمرار أو الإستقبال. فهو إذن له زمن متّسع اتساعاً كبيراً. وهنا في الآية استعمل للمزاولة وليس بالضرورة ما كان في المستقبل فقط ولو قال سعوا لاحتمل أن يكون هذا الساعي تاب ولا يقام عليه هذا الأمر لكن الذي هو مستمر هو الذي يُقام عليه الأمر.
وقد ورد هذا الفعل (يسعون) بصيغة المضارع أيضاً في سورة المائدة {33}) و{64}.
آية (42):
*متى يأتي الضر قبل النفع في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)(1/28)
القدامى بحثوا في هذه المسألة وقالوا حيث يتقدم ما يتضمن النفع يسبق النفع وحيث يتقدم ما يتضمن الضر يقدم الضر. (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَهفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) الأعراف) قدم النفع على الضر وقال قبلها (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) الأعراف) فلما قدم الهداية قدم النفع (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي). وقال بعدها في نفس السياق (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) قدم النفع على الضر إذن مناسب هنا تقديم النفع على الضر لأن تقدّمها. في تقديم الضر: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (49) يونس) هنا قدم الضر وقبلها قال تعالى (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ (11) يونس) هذا ضر، (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ (12) يونس) وبعدها قال (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا (50) يونس) تقديم الضر أنسب.(1/29)
مثال آخر في الرعد (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا (16)) قبلها (وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15) الرعد). (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا (42) سبأ) قبلها قال (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ (39) سبأ) بسط الرزق نفع ويقدر ضر فقالوا حيث يتقدم ما يتضمن النفع يقدم النفع وحيث يتقدم ما يتضمن الضر يقدم الضر.
*ما اللمسة البيانية في استخدام (الذي) مرة ومرة (التي) مع عذاب النار؟(د.فاضل السامرائى)
في سورة السجدة (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ {20} ) الخطاب في السورة موجّه للفاسقين و(الذي) يشير إلى العذاب نفسه. أما في سورة سبأ (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ {42}) فالخطاب في هذه السورة موجّه إلى الكافرين و(التي) مقصود بها النار نفسها. فالفاسق يمكن أن يكون مؤمناً ويمكن أن يكون كافراُ فهو لا يُكذّب بالنار إنما يُكذّب بالعذاب أما الكافرون فهم يُكذّبون بالنار أصلاً ولا ينكرون العذاب فقط وإنما يُنكرون النار أصلاً.
آية (53):
*ما معنى هذه الآية (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (53) سبأ)؟ (د.فاضل السامرائى)
((1/30)
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (53)) هذه فيها احتمالان أو دلالتان: الأولى قال (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) هم الآن في الآخرة ((وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)) وحتى قيل (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ (54)) كفروا بالله، ليس هذا فقط وإنما ذكروا من صفات الله والشرك، قسم قال الملائكة بنات الله وقسم قال لله إبن وقسم ذكروا في صفاتخ من الأمور مثل واحد يقذف لا يعلم أين هو الشيء والمكان بعيد. أنت تريد أن ترمي شيئاً ما يجب أن تعرف أين هو حتى ترميه ويجب أن تكون المسافة معقولة حتى توصله، أنت تقذف بالغيب، لا تعلم أين هو؟ والمكان بعيد فكيف يصل إليه؟ هؤلاء حالهم في الكلام على صفات الله وما هم فيه مثل هذا. (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ) كفروا بالله، (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) هم هكذا في الدنيا، يقذفون بالغيب أي يرجمون الكلام عن الله تعالى جزافاً فهذا هو حالهم أولاً كفروا ثم ذكروا من الصفات في الله فيذكرون من صفات الله كأنهم يقذفون بالغيب من مكان بعيد هذا تصوير عجيب لا يعلمون بما يرمون ولا أين يرمون ولا يعلمون هو في أي وجهة ومن مكان بعيد! والقذف في اللغة هو الرمي.
****تناسب فواتح سورة سبأ مع خواتيمها****(1/31)
في أوائلها قال تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)) وفي آواخرها (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)) الكلام عن الساعة، أنى لهم التناوش به وقد كفروا به من قبل؟ هذا الكلام كله عن الساعة. ثم ذكر جزاء الذين آمنوا في أول السورة (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)) وفي الآخر (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)) هؤلاء ربنا يرزقهم وهؤلاء حيل بينهم وبين ما يشتهون، في البداية ذكر جزاء المؤمنين وفي النهاية ذكر جزاء الكافرين.
***** تناسب خواتيم سبأ مع فواتح فاطر*****(1/32)
ذكر في خاتمة سبأ عاقبة الكافرين (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)) هذا الكلام كله في الآخرة وفي أوائل فاطر قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5))، لما قال (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)) ذكر عاقبتها والآن حذرنا من أن نقع في ذلك الموقع وفي أن نقف في ذلك الموقف (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) ذكر العذاب الشديد في خاتمة سبأ وقال (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) فالتناسب في العذاب والعقوبة في الموقفين.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله(1/33)
تم بحمد الله وفضله تجميع وترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة سبأ للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى والخواطر القرآنية للأستاذ عمرو خالد وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله عنا خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/34)
سورة فاطر
تناسب خواتيم سبأ مع فواتح فاطر ... آية (13) ... آية (29) ... آية (42)
هدف السورة ... آية (14) ... آية (32) ... آية (43)
آية (4) ... آية (18) ... آية (33) ... تناسب فواتح سورة فاطرمع خواتيمها
آية (7) ... آية (19) ... آية (35) ... تناسب خواتيم فاطر مع فواتح يس
آية (9) ... آية (25) ... آية (37)
آية (12) ... آية (28) ... آية (39)
* تناسب خواتيم سبأ مع فواتح فاطر*
ذكر في خاتمة سبأ عاقبة الكافرين (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)) هذا الكلام كله في الآخرة وفي أوائل فاطر قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5))، لما قال (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)) ذكر عاقبتها والآن حذرنا من أن نقع في ذلك الموقع وفي أن نقف في ذلك الموقف (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) ذكر العذاب الشديد في خاتمة سبأ وقال (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) فالتناسب في العذاب والعقوبة في الموقفين.
**هدف السورة: الإستسلام هو سبيل العزّة**(1/1)
سورة فاطر مكيّة نزلت قبل هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - . الإستسلام هو كمال الطاعة والإستسلام ليس مذلة وأنما هو عزّ فالعبودية للبشر ذلُ وصغار والعبودية لله تعالى رفعة وعزّ، فالعزّة تبدأ بالإستسلام لله تعالى (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) آية 10، والناس مهما كانوا وتعاظموا هم الفقراء والله تعالى هو الغني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) آية 15.
ثم تتحدث آيات كثيرة في السورة (الآيات 1، 2، 3، 9، 11، 12، 13، 27، 28، 41، 44) عن آيات الله تعالى في الكون ودلائل القدرة والسيطرة على هذا الكون الفسيح وكأنما في هذا تأكيد أن الإستسلام لخالق هذا الكون وما فيه ومن فيه لا يمكن أن يكون ذلاً أبداً إنما هو عزُ ما بعده عز أن أستسلم وأخضع لمن خلق السموات والأرض وخلق الأكوان والخلق والكائنات على اختلافها وكل هذه المخلوقات تشهد بعظمة الخالق وتنطق بعظمة الواحد القهّار فتبارك الخالق رب العالمين. وأن كان أحدنا يستسلم لرأي طبيبه ويرى أنه هو الصواب وعليه أن ينفّذ التعليمات كما وصفها وهو بشر لا يملك أن يضر او ينفع إلا بإذن الله ولا أسأله ما الحكمة من وراء هذا العلاج بالذات أخضع لأمره دون مناقشة ثم أعترض على خالق الخلق بأن لا أستسلم بالكلّية لأوامره وهو القدير الحكيم العليم؟ يا لجهالة البشر بخالقهم وصدق تعالى (وما قدروا الله حق قدره).
سميّت السورة بـ (فاطر) لذكر هذا الإسم الجليل في طليعتها لما يحمل هذا الوصف من دلائل الإبداع والإيجاد من عدم ولما فيه من التصوير الدقيق الذي يشير لعظمة الله وقدرته الباهرة وخلقه المبدع في هذا الكون.(1/2)
***من اللمسات البيانية فى سورة فاطر***
آية (4):
*ما دلالة تكرار الباء وعدمه فى قوله تعالى (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) آل عمران) وقوله(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) فاطر)؟(د.أحمد الكبيسى)
رب العالمين سبحانه وتعالى لماذا أول مرة قال (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) ومرة قال (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ)؟ واحدة في الماضي والأخرى في المستقبل هذا ما فيه إشكال.
(كُذِّبَ رُسُلٌ) و (كُذِّبَتْ رُسُلٌ) كُذّب رسل رب العالمين يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم إن كانوا كذبوك فأنت لست بدعاً ما قبلك كُذبوا. ولما قال كُذِّب رسل كُذبوا مرة واحدة-بدون التاء- جميع الرسل كلهم واحداً واحداً واحداً كُذبوا. لما قال في آية أخرى (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ) مجموعة رسل كُذبوا مرة واحد يعني يأتيك واحد لا يؤمن بالرسل نهائياً هناك رسل كل واحد في زمانه كذب ثم يأتي واحد في الأخير يكذب بهم جميعاً هذا (كُذِّبَتْ رُسُلٌ). ثم (جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) البينات المعجزات والزبر الكتب المكتوبة والكتاب المنير التوراة والإنجيل والفرقان هذه هي الكتب المنزلة.
آية (7):
*في سورة الحديد قال تعالى (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) وفي سورة فاطر أضاف المغفرة فقال (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) وفي سورة الملك (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)) فما دلالة ذكر المغفرة مع الأجر وعدم ذكرها؟(د.فاضل السامرائى)(1/3)
كل موطن في القرآن يذكر فيه المغفرة يجب أن يذكر فيه الذنوب والكافرين في سائر القرآن. لما يضيف المغفرة للأجر الكبير لا بد أن يسبقها أو يأتي بعدها الذنوب والكافرين، يذكر في السياق أمرين: الكافرين والذنوب. في سورة فاطر بدأ تعالى بقوله (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)) سوء عمله هذا ذنب، (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (10) فاطر) ذكر الكافرين مع الذنب، (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا) مباشرة بعده في سياق الكفر والذنب. نفس الأمر في سورة الملك (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)) ذنب وكافرون، كلما يقول مغفرة وأجر كبير يسبقها أمران الكفر والذنب. في سورة الحديد لم يذكر الكافرين ولا الذنب فلم يذكر المغفرة.
آية (9):(1/4)
* ما دلالة اختلاف صيغة الأفعال بين الماضى والمضارع فى قوله تعالى (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)) ؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) فاطر) (أرسل ماضي، فتثير مضارع، فسقناه ماضي) أيها الأسبق إثارة السحاب أم سوقه إلى بلد؟ إثارة السحاب أسبق من السوق. جاء فعل (أرسل) بصيغة الماضي ثم فعل (فتثير) بصيغة المضارع ثم فعل (فسقناه) بصيغة الماضي مع أن السّوق يأتي بعد الإثارة والأحداث كلها ماضية لكن الإثارة مشهد حركة فجعلها بصيغة المضارع ليدل على الحركة والحضور. وحتى في السيرة عندما قتل الصحابى أبا رافع اليهودى تكلم كيف قتله فقال:
فناديت أبا رافع فقال نعم فأهويت عليه بالسيف فأضربه وأنا دهِش
هو يريد أن يسلط الضوء على عملية الضرب. فجعل صيغة المضارع للمشهد الأبرز وهو الضرب فكأن السامع يرى الحادثة أمامه ويرى الصحابي وهو يضربه.
حتى هذا الأمر الغريب قد يأتى المضارع مع أداة الشرط مع أن أداة الشرط تصرف الماضي للمستقبل مثل (إن زرتنى أكرمتك) لكن أحياناً العربي يأتي بالمضارع بعدأداة الشرط ويريد بها الماضي. مثال أحدهم يرثي آخر فقال:
إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن عاراً عليك ورب قتلٍ عارُ
هم قتلوه فى الماضي وجاء الفعل بعد أداة الشرط بصيغة المضارع.
هو يرثي أبناءه الذين هلكوا وماتوا فقال:
فإن يهلك بنيّ فليس شىءٌ على شيء من الدنيا يدوم
وقد هلكوا، حتى يقول:
كأن الليل محبوسٌ دجاه فأوّله وآخره مقيم
لمهلكِ فتيةٍ تركوا أباهم وأصغر ما به منهم عظيم
فإن يهلك بنيّ فليس شىءٌ على شيء من الدنيا يدوم(1/5)
وقد هلكوا، الشاهد (يهلك) مضارع بعد أداة الشرط ويراد به الماضي.
سؤال: إذن ليست القضية بالنسبة لكم كعلماء في اللغة النظر إلى مدلول الكلمة لكن داخل السياق هو الذي يحدد.
نعم المضارع قد يأتي بمعنى الماضي والماضي يأتي بمعنى المستقبل وهذا اسمه حكاية الحال.
آية (12):
*(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) فاطر) (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ (12) فاطر) (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ (14) فاطر) ما دلالة استعمال أداة النفي (ما) و(لا)؟ (د.فاضل السامرائى)
((1/6)
ما) التي تدخل على المضارع هي لنفي الحال، (لا) يقولون للإستقبال وقسم من النُحاة يقولون قد تكون للحال وللاستقبال (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (48) البقرة) هذا استقبال. ننظر كيف تستعمل في القرآن (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) فاطر) هذا مشاهَد في الدنيا (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ (12) فاطر) هذا مُشاهَد (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ (22) فاطر) هذا مُشاهَد، (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ (95) النساء) عدم الإستواء هذا في الآخرة غير مشاهَد فقال (لا يستوي)، (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ (10) الحديد) عدم الإستواء هذا في الآخرة، (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ (20) الحشر) هذا في الآخرة غير مُشاهَد. (لا) تدل على النفي في الإستقبال (نفي غير مشاهد) وقسم يقولون قد تكون للحال وأكثر النحاة يقولون هي للإستقبال لكن قسم يقول قد تكون للحال والأكثر للإستقبال بدليل قوله تعالى (فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ (20) النمل) هذه حال وليس استقبال فقال قد تأتي للحال أيضاً وهم متفقون على أنها للإستقبال. الأصل أن تكون للإستقبال لذلك يقول الزمخشري لا ولن أُختان في نفي المستقبل إلا أنّ في لن تأكيداً.
*في سورة النحل الآية (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)) أما في سورة فاطر (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)) فما دلالة التقديم والتأخير واستخدام الواو وعدمه؟(د.فاضل السامرائى)(1/7)
نقرأ الآيتين آية النحل وآية فاطر، قال سبحانه وتعالى في سورة النحل (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)) وقال في سورة فاطر (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)) السياق يوضح لنا الكثير من الإجابات.
بالنسبة للتقديم والتأخير:(1/8)
تقدم هذه الآية في سورة النحل تقدم الكلام على وسائط النقل، ذكر الأنعام قال (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)) (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7)) ثم ذكر الخيل البغال والحمير قال (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا (8)) هذه وسائط نقل برية، ثم ذكر الفلك وهي واسطة نقل بحرية قال (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ (14)) فلما ذكر وسائط النقل وذكر الفلك في سياق وسائط النقل قدّم صفتها (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ) على البحر، (فيه) متعلق بالبحر إذن لما كان السياق في وسائط النقل قدّم صفة وساطة النقل (مواخر) يعني ألحق الصفة بالموصوف ليس الكلام على البحر وإنما الكلام على وسائط النقل فأخّر ما يتعلق بالبحر. أما في آية فاطر فالكلام على البحر وليس على وسائط النقل (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ (12)) كل الكلام على البحر (وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) فقدّم (فيه) (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) وقبلها قال (وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ (11)) الكلام ليس في وسائط النقل أما في آية النحل في وسائط النقل فقدم صفة واسطة النقل وهنا الكلام على البحر فقدم ضمير البحر (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) هذا بالنسبة للتقديم.
بالنسبة للواو (لتبتغوا) و(ولتبتغوا):(1/9)
قال (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ) لتأكلوا وتستخرجوا، هذه عطف وقال (وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ) هذه عاطفة، (سخر البحر لتأكلوا وتستخرجوا ولتبتغوا) وآية فاطر ليس فيها عطف (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). في آية النحل عطف عِلّة على عِلّة (لتأكلوا) لام التعليل، وتستخرجوا تعليل معطوفة على ما قبلها (ولتبتغوا) تعليل لام التعليل. في آية فاطر ليس هناك تعليل (وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) ليس فيها لام التعليل (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). العبرة هنا بالتعليل (ولتبتغوا) لام التعليل (لتأكلوا ولتبتغوا). (لتبتغوا) في آية فاطر أيضاً لام التعليل لكنها ليست معطوفة ليس هناك قبلها تعليل فكيف نعطفها؟ إذن وكأن دلالة السياق تتوقف عند (وترى الفلك فيه مواخر) لا تعليل قبلها حتى يعطف (لتبتغوا) عليها ليس هناك عِلّة قبلها مثلها ولو قال (ولتبتغوا) تصبح معطوفة على علة مقدّرة. (ولتبتغوا) الأولى التي ذكرنها المشهور فيها ما ذكرناه أنها معطوفة على ما قبلها لكن هناك من أعرب الواو أنها معطوفة على عِلّة مقدّرة في آية النحل، قالوا معطوفة على علة مقدرة لتنتفعوا، لماذا؟ الأمر الأول ظاهر معطوفة عطف ليس فيها إشكال.(1/10)
ولو أن هناك سؤال آخر لماذا قال (وتستخرجوا) من دون لام التعليل (ولتبتغوا) مع لام التعليل؟ العطف يفيد حتى في الدلالة المعطوف على ما قبله له حكم ما قبله المعطوف على المبتدأ مبتدأ والمعطوف على الخبر خبر والمعطوف على المجرور مجرور، المعطوف على الحال حال والمعطوف على الظرف ظرف والمعطوف على المفعول به مفعول به، لا يجوز أن نعطف مفعول به على حال. (وتستخرجوا) حذف لام التعليل لكن يبقى السؤال لماذا حذف لام التعليل في تستخرجوا؟ نحن عندنا قاعدة "الذكر آكد من الحذف"، (لتأكلوا) هذه عِلّة وعندنا أمرين: تستخرجوا حلية تلبسونها ولتبتغوا أيها الأكثر والآكد؟ إستخراج الحلي من البحر أو السفر لغرض التجارة وغيرها؟ لما تسافر في البحر هل هو لغرض التجارة أو تستخرج الحلى؟ السفر في البحر أكثر ويكون لأغراض أخرى للسفر أو للتجارة، غير استخراج الحلى وهذا مقصور على أناس متخصصين يمتهنون هذه المهنة وليس عموم المسافرين في البحر إذن السفر في البحر لأغراض أخرى أكثر إذن (لتبتغوا من فضله) أكثر من استخراج الحلي فهو آكد. (وترى الفلك مواخر فيه) دلالة على أن مواخر صفة للفلك فألصقها بها وأخّر البحر لأن الكلام على أن استخدام البحر كوسيلة نقل وبالتالي هي آكد من استخراج الحلي. (ولتبتغوا من فضله) آكد من استخراج الحلية، ذكر اللام فهي آكد. في فاطر قال (لتبتغوا) هذه ليس فيها عطف أصلاً. (ولتبتغوا من فضله) معطوفة على (وتستخرجوا). الواو في (وترى الفلك) هذه ليست عطف علة على علة. في آية النحل (ولتبتغوا من فضله) معطوفة.(1/11)
ونذكر مسألة أخرى: هنالك رأي آخر أن الواو عطف على عِلّة محذوفة (ولتبتغوا) جوّز بعضهم أن تكون معطوفة على علة محذوفة لتنتفعوا ولتبتغوا. ليست معطوفة على (وترى) لأن هذه مرفوعة. قسم جوّز أن يكون فيها وجه آخر يعني ليس فقط المعطوف على تستخرجوا ولتأكلوا وإنما عطف عل علة مقدرة أيضاً يجوز، هنالك أمر مقدر نعطف عليه هذا يجوز في اللغة والسياق في الآية يحتمل. الآن يبقى السؤال (ولتبتغوا) على الوجه الأول ليس فيها إشكال ولتبتغوا معطوفة على لتأكلوا وتستخرجوا لكن لو كانت على الوجه الثاني لماذا لم يقل في آية فاطر (ولتبتغوا) ويكون عطف على علة مقدرة؟ في اللغة موجود لكن من الناحية البيانية سياق آيات النحل في الكلام على نِعَم الله وذكرنا أن قسم من المفسرين يقولون أن سورة النحل سورة النِعم من آية (5) إلى الآية (18) فلما كان السياق في ذكر النعم وتعداد النعم قال (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يعني وهنالك نعم أخرى ما ذكرناها ولتبتغوا من فضله، هنالك نعم أخرى ومنافع أخرى ما ذكرناها وما عددناها يطول ذكرها (ولتبتغوا من فضله) فلما كان السياق في ذكر النعم وتعدادها فأراد أن يقال (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) وهنالك منافع ونعم أخرى لكن أشرنا (ولتبتغوا من فضله) أما السياق في فاطر فليس في تعداد النعم. وهذا في القرآن كثير عندنا العطف على مقدر موجود في القرآن كثيراً.(1/12)
مثال: لما قال ربنا تعالى في سيدنا عيسى (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)) (ولنجعله) على ماذا معطوفه؟ هل خلق عيسى فقط ليجعله آية للناس؟ هذه واو عاطفة، على ماذا عطفها؟ هل خلق عيسى - عليه السلام - فقط ليجعله آية للناس أو هناك أموراً أخرى؟ هنالك أمور أخرى لكنه لم يذكرها والآن ذكر (ولنجعله آية للناس). يقدرون المحذوف بمعنى ليكون نبياً ورسولاً ولنجعله آية للناس.
مثال: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ (259) البقرة) (ولنجعلك) على ماذا مععطوفة؟ عندما أحيا الله تعالى العزير هل أحياه فقط ليجعله آية للناس؟ هنالك أمور أخرى ذكر الآن منها (ولنجعلك آية للناس)، لما نجد العطف مقدر على محذوف نفهم أن هناك أموراً أخرى لم يذكرها الشرع.
آية (13):
*ما وجه الاختلاف بين الآيات (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ {40} النساء) - (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا {49} النساء) - (وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا {77} النساء) - (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا {124} النساء) - (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ {13} فاطر)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/13)
عندنا ذرة وفتيل ونقير وقطمير كل هذا لضرب المثل بالقلة لماذا قال مرة فتيل ومرة نقير؟ الفتيل كلغة عربية كلنا أحياناً بالصيف تلعب بجسمك وتحرك يدك على جسمك وتفتل فترى في يدك قذارة طبعاً من جسمك عرق وتراب الخ فلما تعمل هكذا ترى فتيلاً من الوساخة من وساخة جلدك شيء مفتول أسود وترميه أو من صار له مدة ولم يغتسل ويلعب برأسه فيرى فتائل صغيرة مثل الخيط ويرميها كلها وساخات فرب العالمين لما تكلم عن اليهود (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ{49} النساء) (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى {111} البقرة) (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ {18} المائدة) نحن شعب الله المختار نحن الخ (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا {49} النساء) يا ناس يا وسخين يا من يستحمون في السنة مرة شف كم فيك من فتيل صغير قذر أنا لا أظلمك فرب العالمين ضرب مثل في القلة لناس وسخين في عقيدتهم في سلوكهم قال (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) كهذا الفتيل الذي في أجسادكم الوسخ هذا (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا).(1/14)
لما رب العالمين عز وجل ضرب المثل لمسلمين لا يزالون يؤمنون بالله عز وجل قال أنتم من يعمل من الصالحات وهو مؤمن (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا {124} النساء) النقير هو هذه النقطة التي في ظهر النواة المعروف أن العرب جميعاً والمسلمين بل العالم كله ألذ فاكهة عندهم التمر معروف فالتمر فاكهة راقية أنت الآن لما ترى أنواع التمر في السوق والله حتى الذي فيه سكري يأكل من شدة لذتها وجمالها والإبداعات في تطويرها كما في الإمارات بعد ما كان العراق البلد الأول في العالم في التمور وكان فيه أكثر من ألف صنف ولكن للظلم الذي ساد فيه ولهذا الوباء الذي نحن فيه والانهيار الأخلاقي والسياسي الذي نحن فيه مما تآلفنا مع الأعداء وغير ذلك رب العالمين محق هذا والمعروف أن الزراعة من كرم الله (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ {58} الأعراف) الطيب الذي فيه عدلٌ وأمن، الحاكم يعدل بين شعبه رب العالمين ينمي الزراعة فيه بشكل عجيب كالإمارات بلد رملي أصبح بلداً زراعياً من الطراز الأول والعراق الذي كان بلد زراعي من الطراز الأول لم يعد فيه لا تمر ولا زراعة للظلم الذي ساد فيه.(1/15)
فحينئذٍ رب العالمين يضرب المثل للصالحين من عباده بأنكم ستأخذون جزاءكم كاملاً ولن تظلموا بقدر هذه النقطة التي في ظهر النواة التي تتركها في فمك تمصها كلنا لما نأكل التمر بجميع أنواعه نتركها في فمنا إلى أن نظل نمص بالنواة إلى أن نخرجها من فمنا بتلذذ ثم نرميها بمهل قد ما هي عنده محترمة قال (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) فعندما رب العالمين يضرب للناس مثل بالقلة وناس وسخين في أعمالهم وسلوكهم قال (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) لما يضرب المثل لناس صالحين ناس حلوين يضرب لهم المثل بشيء حلو وجميل أحلى ما في هذا الكون هو التمر وأحلى ما في التمرة عندما تمص النواة لاحظ فالذواقة في أكل التمر يتلذذ في أنه يلوك بالنواة في فمه إلى أن يلقيها بشكل رقيق. إذاً هذا الفرق بين (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) و (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا). ثم يقول تعالى (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) القطمير الغشاء الشفاف الذي على النواة ما قيمته هذا؟ فرب العالمين لما تكلم عن الملوك قال أنا رب العالمين أنا الذي أنعمت عليكم كل هذه النعم وملكي لا حدود له هذا الذي تعبده ما الذي لديه؟ حتى قطمير ما يملك، هذا الصنم أو العبد أو آلهتكم التي تصنعونها التي تدعونها من دون الله لا يملكون من قطمير، هذا ضرب المثل باللاشيء. القطمير شيء شفاف يكون غشاء النواة غشاء وحينئذٍ ماذا يمكن لك أن تجني من هذا الغشاء؟ (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ).
آية (14):
*انظر آية (12).???
آية (18):
*هل الإنذار خاص بالكافرين في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)(1/16)
الإنذار في القرآن الكريم لا يكون خاصاً للكفار والمنافقين وقد يأتي الإنذار للمؤمنين والكافرين. والإنذار للمؤمن ليس فيه توعد فهو للمؤمنين تخويف حتى يقوم المؤمن بما ينبغي أن يقوم به كما في قوله تعالى (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ {11} يس) وهذا ليس فيه تخصيص لمؤمن أو كافر. وقد يأتي الإنذار للمؤمنين (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {214} الشعراء) (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ {18}فاطر) وقد يكون للناس جميعاً (وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ {44} ابراهيم) (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {51}الأنعام) .
* ما اللمسة البيانية في استعمال الأفعال المضارعة واستعمال أفعال ماضية في وسط الأفعال المضارعة؟(د.فاضل السامرائى)(1/17)
لو نظرنا في المسألة نجد أنه في سورة الرعد قال تعالى (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)) ما كان له وقت محدد عبّر عنه بالفعل الماضي (أقاموا الصلاة) الصلاة لها أوقات محددة وحتى الإنفاق الزكاة أو الإفطار في رمضان وما كان سابقاً لكل الأوصاف فعل ماضي، الصبر هو يسبق كل هذه الأوصاف لأنها كلها تحتاج إلى صبر فهو أسبق منها جميعاً فعبر عنه بالماضي وما عدا ذلك هو مستمر (يوفون بعهد الله) ليس له وقت، يخشون ربهم، ليس لها وقت هذه مستمرة أما تلك فإما أن يكون لها وقت أو هي سابقة وهذا ليس التعبير الوحيد في القرآن ولكن هناك تعبير نظيره (وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ (170) الأعراف) (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) فاطر) (إِِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ (18) فاطر) يخشون ربهم ليس لها وقت ولكن الصلاة لها وقت.(1/18)
أما الصبر فلم يأت في القرآن صلة بغير صيغة الماضي قال (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) الشورى) (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ (11) هود) (وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ (22) الرعد) (الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) النحل) (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (96) النحل) (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا (35) فصلت) لم يرد صلة موصول إلا ماضي. هذه من خصوصيات التعبير والبيان القرآني. القرآن هزّ قلوباً استشعرت هذا البيان القرآني.
آية (19):
*انظر آية (12).???
آية (25):
*ما الفرق بين قوله تعالى(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ {184} آل عمران) و(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ {25} فاطر)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/19)
قال تعالى (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ {184} آل عمران) بالبينات والزبر والكتاب المنير، في سورة فاطر 25 أضاف باء حرف جر قال (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ {25} فاطر) بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير أضاف حرف جر. هناك (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) القرآن، هنا (بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) حينئذٍ واضحة كما قلنا في الآيات التي قبلها بذي وذي نفس النسق. نحن لدينا نوعين من الأنبياء أنبياء كتابه هو معجزته هذا بالبينات والزبر بدون باء وهو محمد صلى الله عليه وسلم الوحيد الذي معجزته هي كتابه النبي صلى الله عليه وسلم. سيدنا موسى معجزته العصا واليد والقمل والضفادع والماء وغيرها يعني كثير (وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ {133} الأعراف) لكن التوراة شيء ولهذا التوراة ليس معجز ولهذا حرف وضاع وقسموه وحرفوه الخ ليس له نفس حصانة القرآن لأن الله سبحانه وتعالى جعل معجزته غير الكتاب فالكتاب علم فقه ليس بذلك الوعد الإلهي (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9} الحجر) فلهذا التوراة الآن ما بقي منها شيء والإنجيل ما بقي منها شيء، أناجيل شبيهة كل ما يأتي ملك يعمل له إنجيل لماذا؟ البينات عند موسى وعيسى غير الكتابين عندهم إعجاز خالد لا يمكن أن ينكرها إلا إنسان ظلم نفسه.(1/20)
سيدنا عيسى يبريء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله لأن طبيعة بني إسرائيل مادية حسّية ولهذا قالوا (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا {90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا {91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا {92} الإسراء) (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً {55} البقرة). إذاً هذا الفرق بين هذه الباء لما قال (بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ) هناك معجزات وهناك كتاب لكن لما قال (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) الكتاب هو المعجزة نفسه. هكذا هذا الفرق بين الآيتين. إذاً معنى ذلك كما قلنا أن البينات هي الحجج والمعجزات البراهين إما حجة قرآنية أو توراتية أو إنجيلية بما أراد الله عز وجل أن يدلل على وحدانيته وإما معجزات هكذا ذكرنا بين جاءهم وجاءتهم. أمر آخر وهو أن الآية في آل عمران تبدأ (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) بالفاء في سورة فاطر (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (4)).(1/21)
هذه الأولى لأنها مترتبة على التي قبلها، في قوله (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هو كلام مستأنث أما بالفاء فهي تابعة بالضبط إلى الآية التي قبلها (وإن) كلام مستأنث يعني (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) كلام جديد ليس له علاقة بالماضي إطلاقاً فالله تعالى تكلم عن التوحيد (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ {3} فاطر) ثم قال (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) ليس لها علاقة بالآية التي قبلها بدليل المضارعة يدل على الحال والاستقبال هذا الفرق بين (فإن) وبين (وإن). وعندنا (فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) و (كذبت رسلٌ من قبلك) كذب رسلٌ واحد واحد كذب هذا وهذا لم يكذب ناس كذبوه وناس لم يكذبوه أما كُذّبت مجموعة صارت ظاهرة.
آية (28):
*(كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء (28) فاطر) ما المعنى الإعرابي للآية؟(د.فاضل السامرائى)
العلماءُ فاعل مؤخر مرفوع واللهَ مفعول به في محال نصب هل يجوز أن نقول الله لفظ الجلالة مفعول به؟ مثلاً في الأفعال الناقصة (كان الله غفوراً رحيماً) (كان) فعل ماضي ناقص لكن إذا ادخل على إسم من أسماء الله لا نقول فعل ماضي ناقص وإنما نقول فعل دوام واستمرار تأدباً مع الله. جواب الدكتور: قُل فعل ناسخ. هذا مصطلح إعرابي. و(إنما) تفيد القصر يعني أن الذين يخشون الله حق الخشية هم العلماء لأنهم يعرفون قدرته سبحانه ومن علِم خاف (أنا أعلمكم بالله وأتقاكم له) حديث شريف. وخشية العالم ليست كخشية الجاهل.
*ما الفرق بين كلمتى علماء وعالمون؟(د.أحمد الكبيسى)(1/22)
الله تعالى قال (وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ {51} الأنبياء) (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ {43} العنكبوت) جمع مذكر سالم (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ {28} فاطر) (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ {197} الشعراء) عندنا علماء وعالمون، العلماء صغارهم وكبارهم وطلاب العلم كل من يشتغل بالعلم - كما تعرفون الآن في واقعنا الحالي - ليس العلماء على نسقٍ واحد هناك الصغير والمبتدئ والجديد هناك عاقل هناك حفاظ هناك دراخ هناك من لا يفكر وهناك من يفكر خليط فلما تقول عالمون لا، هؤلاء قمم مجتهدون أصحاب نظريات (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) وحينئذٍ كل ما جئت به في لغتنا وفي القرآن الكريم جمع التكسير شامل يشمل الزين والشين وبعضه يفضل بعضه، لكن لما جمع مذكر سالم لا، القمم يعني عندما تجمع أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وجعفر الصادق والباقر وابن حزم الخ وتسميهم علماء! لا، هؤلاء عالمون، هناك عموم الشيء وهناك خصوصهم.
آية (29):
*ما دلالة استخدام الفعل الماضي والمضارع في آية سورة فاطر (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ {29}) ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/23)
قال تعالى في سورة فاطر (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ {29}). يتلون فعل مضارع وأقاموا فعل ماضي والفعل المضارع يدل على الحال والتجدد والإستقبال والماضي مضى هذا هو الأصل وفي الآية ذكر تعالى أكثر ما يتجدد أولاً لأن تلاوة القرآن أكثر من الصلاة لأن إقامة الصلاة لا تكون إلا بقراءة القرآن وقراءة القرآن تكون في كل وقت وإقامة الصلاة هي أكثر من الإنفاق إذن فالأفعال مرتّبة في الآية بحسب الكثرة وبحسب الإستمرار فبدأ بما هو أكثر بالأكثر والأكثر استمراراً ثم بما دونها كثرة (الصلاة) ثم الأقل (الإنفاق).(1/24)
وفعل أقاموا هو فعل ماضي فهل هو مضى؟ الفعل الماضي بعد إسم الموصول يكون له زمنان فقد يكون له زمن ماضي مثل قوله تعالى (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) وقد يحتمل معنى المضي والإستقبال مثل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {160} سورة البقرة) هذه الأفعال الماضية في الآية (تابوا وأصلحوا وبيّنوا) تدل على احتمال الإستقبال لأنها جاءت بعد الكتمان (إن الذين يكتمون). أصلاً زمن الفعل الماضي بعد الإسم الموصول يحتمل المضي ويحتمل الإستقبال. وهنالك أمور قطعية وهنالك أمور تبقى مشتركة. أما (كان) فلها أزمنة خاصة بها فهي تفيد الإستمرارية (كان ولا يزال) وتأتي أصلاً للإستقبال كما في وصف الآيات للآخرة (وفتحت السماء فكانت أبوابا) وفي الحديث عن الله تعالى (وكان الله غفوراً رحيما) فهي تدل على كونه غفور رحيم وهذا كونه سبحانه.
آية (32):
*ما دلالة إسناد الفعل للمجهول أو للمعلوم فى قوله تعالى (أورثوا الكتاب)و(أورثنا الكتاب)؟(د.فاضل السامرائى)
عموماً رب العالمين يسند التفضل والخير لنفسه وما فيه ذم فنسبه للمجهول (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) الشورى)، أما قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا (32) فاطر) هذا مدح.
آية (33):
*فلماذا جاءت ذكر اساور من فضة في سورة الإنسان بينما جاءت من ذهب ولؤلؤا في سورة فاطر؟(د.فاضل السامرائى)(1/25)
إذا نظرنا في سياق الآيات في سورة فاطر من قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)).
ففي سورة فاطر قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)) وفي سورة الإنسان قال (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً {7} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8}) والأكيد أن الإنفاق سراً وعلانية هو أعم وأشمل من إطعام الطعام على حبه المسكين واليتيم والأسير.(1/26)
ثم إن الذين يتلون الكتاب ويقيمون الصلاة هي أرفع وأعلى من الوفاء بالنذر لأن النذر أصلاً مكروه شرعاً وفي الحديث: "النذر صدقة البخيل" فالأمو التي ورد ذكرها في فاطر هي أعم وأرفع وأعلى مما ورد في سورة الإنسان فتلاوة القرآن أوسع من إفامة الصلاة ولهذا قدّم التلاوة على الصلاة والإنفاق لأن الصلاة لا تصح إلا بتلاوة القرآن والتلاوة تكون في الصلاة وفي غير الصلاة.
ثم إن التلاوة والصلاة جاءت بصيغة المضارع بينما جاء الإنفاق بصيغة الماضي لتكرر التلاوة والصلاة أكثر من الإنفاق. فالوصف في سورة فاطر أعلى مما جاء في سورة الإنسان هذا أمر
والأمر الآخر أنه تعالى في سورة فاطر ذكر (يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) بينما قال في سورة الإنسان (إن هذا كان لكم جزاء) ففي سورة فاطر توفية وزيادة وهما أعلى من الجزاء لذا ذكر الؤلؤ وهو الزيادة ، وكذلك في فاطر قال تعالى (إنه غفور شكور) وفي الإنسان (وكان سعيكم مشكورا) فزاد المفغرة على الشكر في سورة فاطر.
ثم ذكر في سورة فاطر (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا) باسناد الفعلين إلى نفسه تعالى وهذا في مقام التكريم ثم ذكر الإصطفاء بالذات وهو من باب التكريم أيضاً. اصطفاهم هذا تكريم والتكريم الآخر هو الإسناد في قوله (أورثنا).
قسّم تعالى المصطفين إلى قسمين (مقتصد) و(سابق بالخيرات) ذكر السابقين وهم أعلى المكلفين فلا يناسب معهم أن يذكر الأساور من فضة لأنها قد تدل على أن الفضة للسابقين مه أنه يجب أن يتميزوا لأنهم أعلة المكلّفين ولهذا جاء بأساور من ذهب لؤلؤا ليتناسب مع المذكورين.
قوله تعالى في فاطر (ويزيدهم من فضله) (وذلك هو الفضل الكبير) يناسب الزيادة أيضاً لأن هذا الفضل يقتضي الزيادة.(1/27)
ذكر المغفرة والشكر مرتين (إنه غفور شكور) و(إن ربنا لغفور شكور). من الناحية البلاغية، لمّا ذكر تعالى (يتلون كتاب الله) قال (إنه غفور شكور) بدون اللام ولمّا ذكر الظالم لنفسه والمقتصد ذكر أنهم يدخلون الجنّات ذكر اللام في قوله (إن ربنا لغفور شكور) لأنه هؤلاء محتاجون للمغفرة أكثر ولولا المغفرة لما دخلوا الجنة وهؤلاء أحوج إلى المغفرة من الأولين لذا أكد باللام (إن ربنا لغفور شكور) فالتأكيد جاء بحسب الحاجة إلى المغفرة.
قال تعالى في سورة الإنسان (حُلّوا أساور من فضة) وفي فاطر (يحلون فيها من أساور من ذهب) فيها تكريم لأن (من) تفترض الكثرة لأنهم أعلى من المذكورين في سورة الإنسان لأنه عندما نقول لأحد مثلاً إلبس هذه الثياب أو البس من هذه الثياب بالتأكيد الثانية أوسع لأن له أن يختار من بين الثياب ما يشاء.
ثم قال تعالى (حُلوا) بصيغة الماضي وفي سورة فاطر (يحلّون) بصيغة المضارع وفي الآيتين الفعل مبني للمجهول لكن في سورة الإنسان الإخبار بما هو حاصل أما في سورة فاطر فالإخبار بشيء لم يحدث بعد وفيه إخبارهم أنهم سيدخلون الجنة (يدخلون الجنة) لذا جاءت يُحلّون.
فى سؤال آخر:
*ما اللمسة البيانية في إستخدام حروف الجر في القرآن (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ (33) فاطر) لماذا قال من أساور ولم يقل بأساور؟(د.فاضل السامرائى)(1/28)
الفعل حلّ يتعدى بنفسه إلى مفعولين في الأصل. حلّاها أي ألبسها حِلية، حلّيتًها أساور أي ألبستها أساور وقد يستعمل مع (من) كبقية الأفعال التي تتعدى كأن تقول أعطيته دفاتر أو أعطيته من الدفاتر (تبعيض) والقرآن استعملها هكذا مرة معدى بنفسها إلى مفعولين (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ) المفعول الأول هو الواو التي هي نئاب فاعل وهي مفعول به وأساور مفعول ثاني. وقال يُحلّون من أساور من ذهب، هذه لها مفعول واحد كما تقول أعطيته من الكتب وأعطيته كتباً أحياناً يتعدى إلى مفعول واحد وأحياناً نستعمله لازم وأحياناً متعدي بمفعولين. لكن هو السؤال لماذا أحياناً يستعمل (من) وأحياناً لا يستعملها؟ أما الباء فهي ليست في الأصل لأن الفعل يتعدى بنفسه وليس بالباء لكن أحياناً يؤتى بـ (من) لغرض آخر كما في القرآن مرة عداه بنفسه إلى مفعولين (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ) ومرة عداها بمفعول واحد وجاء بـ (من) فقال (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ). ما الفرق بينهما؟ الباء ليست محلها لغة ولا يصح أن نقول يحلون فيها بأساور. يحلون لا يأتي مع الباء يقال في اللغة حليته أساور ومن أساور. الأصل في فعل حلّ أنه لا يتعدى بالباء.
لماذا مرة قال (من أساور) ومرة (وحلوا أساور)؟ لماذا مرة عدّاه إلى مفعولين (أحدهما نائب فاعل والآخر مفعول به) (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ) ومرة عداها إلى مفعول واحد وجاء بـ (من) (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ) لماذا لم يقل (يحلون فيها أساور من ذهب)؟(1/29)
في القرآن نجد استعمالين مرة قال (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ) جاء بـ (من) وهنا قال (أساور من ذهب). (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ) هذه في سورة فاطر وتلك في سورة الإنسان (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)) ما جاء بـ (من) أعلى، الأجر أعلى، الجزاء أعلى. نقرأ الآيتين: في سورة الإنسان قال (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)) ذكر أمرين في العمل أولاً يوفون بالنذر والآخر يطعمون الطعام على حبه. أما في فاطر فقال (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) فاطر) (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)) أي العملين أعلى؟ يوفون بالنذر النذر أصلاً مكروه لكن الوفاء به واجب، ثم إطعام الطعام ذكر مسكين ويتيم وأسير. هناك لدينا يتلون كتاب الله وإقامة الصلاة والصلاة عماد الدين وأنفقوا مما رزقناهم وليس فقط إطعام الطعام، الإنفاق أعم من الطعلم ومرة قال مسكيناً ويتيماً وأسيرا وهناك قال سراً وعلانية. إذن الأعلى (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ) أعلى من (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ). (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) لما كان العمل أكثر يكون الجزاء أكبر.
لماذا جاء بـ (من)؟(1/30)
لو قلت لك إلبس هذه الملابس أو إلبس من هذه الملابس؟ الأكثر (من هذه الملابس) هذه مثل (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ) هي كثيرة والبعضية أكثر من (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ) إلبس منها ما تشاء. أولاً قال من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فها حرير وتلك من فضة فالأولى أعلى ثم جاء بـ (من) دلالة على كثرة الموجود، العمل أعلى فالجزاء أعلى.
الفعل المستخدم عندما كان متعدياً بنفسه كان بالماضي لأن الكلام أصلاً في الماضي والله تعالى أخبر عنهم بالماضي (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)) بينما في سورة فاطر فأخبر عنهم بالاستقبال فقال (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)) فالسياق أصلاً الأولى في الماضي والثانية في المستقبل. أساور جمع وسوار مفرد، أسورة جمع قلة. سوار مفرد يُجمع على أسورة (جمع قلة: أفعُل مثل أذرع،أفعال، أفعِلة مثل أشربة، فِعلة مثل فتية وصبية) فتية أقل من فتيان. وأساور جمع كثرة .
آية (35):
* ما الفرق بين النصب واللغوب؟(د.فاضل السامرائى)(1/31)
النصب هو التعب والإعياء واللغوب هو الفتور وهو نتيجة النصب، نيجة النصب يفتر الإنسان. النصب أولاً ثم اللغوب. النصب تعب ثم نتيجة الإعياء يحصل فتور. وقسم من أهل اللغة يفرّق يقولون النصب تعب البدن واللغوب تعب النفس. قال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38) ق) يعني أيّ فتور. في الجنة قال (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) فاطر). (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ) ما مسنا من لغوب يعني حتى الفتور ما مسّنا فكيف بالنصب؟! الشيء القليل ما مسنا فما بالك بالكثير؟ في التوراة قالوا خلق الله السماء والأرض في ستة أيام ثم تعب فارتاح يوم السبت!.
آية (37):
*ما الفرق بين يذّكرون ويتذكرون؟(د.فاضل السامرائى)(1/32)
يذّكرون أصلها يتذكرون في اللغة صار فيها إبدال. وأصل الفعل الثلاثي ذَكَر يذكر (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) مريم) الفعل الثلاثي المجرد هو (ذكر). تذكّر هذا مزيد بالتاء والتضعيف. إذّكّر حصل فيه إبدال التاء صارت ذالاً وهذا إبدال جائز، التاء صار فيها إبدال يصير إدغام (ذال وذال) الأول ساكن والعرب لا تبدأ بالساكن فجاءوا بالهمزة فقالوا إذّكّر مثل إطّهر، إفّعل، إدّبر هذا كله من الإبدال الجائز. إذن يتذكرون ويذّكّرون هما في الأصل فعل واحد لكن أحدهما فيه إبدال والآخر ليس فيه إبدال: يتطهرون ويطّهرون، يدّبر ويتدبر أصلهما فعل واحد لكن أحدهما حصل فيه إبدال والآخر ليس فيه إبدال، هذا من الناحية اللغوية الصرفية. لكن كيف يستعمل القرآن يتذكرون ويذّكّرون؟ يتذكرون ويذّكرون من حيث اللغة واحد حصل إبدال كما في اصتبر واصطبر (التاء صارت طاء)، إزتحم وازدحم هذا إبدال واجب، وهناك إبدال جائز (يتذكرون ويذّكرون).(1/33)
إستخدام القرآن الكريم في هذا ونظائره: يتذكر ويذّكّر أيها الأطول في المقاطع؟ (يتذكر: ي/ت/ذ/ك/ر/) خمسة مقاطع، (يذّكّر: ي/ذ/ك/ر/) أربعة مقاطع. يتذكر أطول ومقاطعه أكثر هذا أمر. والأمر الآخر يتذكّر فيها تضعيف واحد ويذّكّر فيها تضعيفان. إذن عندنا أمران: أحدهما مقاطعه أكثر (يتذكر) والآخر فيه تضعيف أكثر (يذّكّر) والتضعيف يدل على المبالغة والتكثير. القرآن الكريم يستعمل يتذكر الذي هو أطول لما يحتاج إلى طول وقت ويستعمل يذّكّر لما فيه مبالغة في الفعل وهزة للقلب وإيقاظه. مثال (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (35) النازعات) يتذكر أعماله وحياته كلها فيها طول، (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) الفجر) يتذكر حياته الطويلة. (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ (37) فاطر) العمر فيه طول. (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) الأنفال) هؤلاء يحتاجون إلى هزة، ما عندهم قلب ويحتاجون إلى تشديد لتذكر الموقف، هنا موقف واحد وهناك عمر كامل. يحتاجون إلى من يوقظهم ويحتاجون إلى مبالغة في التذكر تخيفهم وترهبهم وليس تذكراً عقلياً فقط وإنما هذا تذكر فيه شدة وتكثير للتذكر ومبالغة فيه بحيث تجعله يستيقظ، هذا يسمى مبالغة في التذكر. ((1/34)
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) التوبة) هؤلاء في قلوبهم رجس يحتاجون إلى هزة توقظ قلوبهم ليس مسألة تعداد. (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (41) الإسراء) ليعتبر. إذن يتذكر ويذّكّر الصيغتان في القرآن عموماً. يتذكر لما هو أطول وهو تذكر عقلي ويذّكّر فيه مبالغة وفيه إيقاظ للقلب، تهز القلب. يذّكّر فيه إيقاظ للقلب وهزة ومبالغة مع أن الجَذر واحد.
آية (39):
*ما اللمسة البيانية في ذكر وحذف (في) في الآيتين (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ (165) الأنعام) و (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ (39) فاطر)؟ (د.فاضل السامرائى)
لما نقول هو ملك مصر أو ملك في مصر أيها أوسع؟ ملك مصر أوسع. خلائف الأرض قالوا هذه في الأمة المسلمة التي سترث الأرض ولن يأتي أمة من بعدها تحمل رسالة (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) الأنبياء) ترث الأرض فقالوا هذه الأمة المسلمة. خلائف في الأرض للأفراد كل واحد هو خليفة في الأرض يفعل ما يشاء لأنه في الآية (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (37) فاطر) وقسم قالوا لأهل مكة ولم يجعلوه عاماً. إذن خلائف الأرض عامة للأمة المسلمة على العموم (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) أما تلك ففيها احتمالات قالوا انتفاع بما في الأرض،خلفاء من قبلكم.(1/35)
خلائف من خليفة ذرية يخلف بعضهم بعضاً.
فى إجابة أخرى للدكتور فاضل عن نفس السؤال:
قال تعالى في سورة الأنعام (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {165} ) بدون ذكر (في) وقال تعالى في سورة فاطر (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً {39}) وفي سورة يونس (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ {14} ) وذكر فيهما (في). خلائف الأرض مع حذف (في) هي أوسع وأشمل من حيث اللغة أما خلائف في الأرض فهي ظرفية ومحددة. ونستعرض سياق الآيات في السور فنلاحظ أن سياق سورة فاطر هو في الكافرين ابتداءً وانتهاءًوكذلك في سورة يونس السياق فيمن أهلكهم الله تعالى من الكافرين. أما في سورة الأنعام فالسياق في مخاطبة المؤمنين إلى النهاية فكانوا أعمّ وأِشمل وفيها ورد قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {165}) ، فالمؤمنون خلائفهم أطول وأكثر من الكافرين فجاء بالمعنى الأعمّ والأشمل في سورة الأنعام بحذف (في).
آية (42):
*ما الفرق بين (لَّيَكُونُنَّ (42) فاطر) (وَلَيَكُونًا (32) يوسف)؟ (د.فاضل السامرائى)
هذا ليس تنويناً وإنما نون التوكيد الخفيفة ونون التوكيد الثقيلة.
آية (43):
*ما الحكمة من تكرار التركيب في قوله تعالى (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) فاطر)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/36)
التبديل هو تبديل العقوبة لأن الآية في سياق العقوبة (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) هي عامة ولكنها جاءت هكذا (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) سنة الأولين ذكرها تعالى في العقوبة فهذه لا يمكن لأحد أن يغيّر العذاب الذي أنزله أو يبدّل هذه العقوبة بأمر آخر. الذي يفعل مثل فعل الأولين ربنا يعاقبه بمثل العقاب، ربنا يريد أن يهلكهم وأحد يريد أن ينفعهم أو أن يبدل العقوبة لا يمكن ثم لا يحولها من ناس إلى آخرين هذا لا يمكن. أولاً لا يمكن أن يبدل الأمر الذي يفعله ربنا بمثل هؤلاء
الآية واحدة والقصة واحدة ومع هذا المفردات تتحول من كلمة لأخرى فما اللمسة البيانية فيها؟. التبديل غير التحويل. التبديل تبديل العقوبة بغيرها أو يبدلها من عقوبة إلى شيء آخر أو إكرام والتحويل تحويلها من أناس إلى أناس آخرين. هؤلاء يفعلون معاصي وتحل عليهم عقوبة فلا يمكن أن يحول أحد العقوبة من أحد إلى آخرين ربنا سبحانه وتعالى الذي يفعل مثل هذا الفعل السُنّة تجري عليه لا تتبدل فلا يمكن أن تتحول من هؤلاء إلى آخرين فالذي يفعل مثل هذا الفعل يناله نفس الجزاء، لا يمكن أن تبدل العقوبة بغيرها. في المجتمعات الظالمة ربنا يعاقبها بعقوبات محددة ولا يمكن لهذه العقوبة أن تتبدل إلى عقوبة أخرى غير التي قدّرها الله أو يحعلها مكافأة هذا لا يمكن أن يكون، لا يمكن لمجتمع ظالم أن يعطيه التحويل من مستحقه إلى آخر الذي يفعل مثل هذا الفعل يناله هذا الشخص ولا تتحول لغيره. يقولون يُعذّب بمثله لمن استحقه. لا يمكن أن تحوّل ما وضعه الله تعالى من سُنن لا يمكن أن تحول من الظالمين لغيرهم أو المكذبين لعيرهم.
****تناسب فواتح سورة فاطرمع خواتيمها****(1/37)
تبدأ (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)) وفي آخرها (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)) إذن هو يرحمهم ولو يؤاخذهم بما كسبوا فيها رحمة، إذن ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. (لو) حرف امتناع لوجود امتناع نزول العذاب لوجود رحمة الله، ما ترك على ظهرها من دابة وهو الآن تارك فإذن الرحمة موجودة. هو منع الأخذ لوجود الرحمة، لو آخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة، إذن هو لم يؤاخذهم لوجود الرحمة (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا). قال في أولها (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)) وقال في أواخرها (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44))، وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك أفلم ينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم كأنما يوضح لهم كيف فعل الله بالأقوام الماضية، إن يكذبوك فلينظروا كيف فعل الله بالأقوام الماضية.
*****تناسب خواتيم فاطر مع فواتح يس*****(1/38)
قال في أواخر سورة فاطر (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)) وفي بداية يس قال (وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) هم أقسموا بالله لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم، والآن جاءهم النذير (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ) كأنه تعالى أعطاهم ما يريدون (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)) وفي يس (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)). قال في أواخر فاطر (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)) الكلام عام وفي يس قال (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)) للعبرة، إضرب لهم مثلاً (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)) وكأنما ما ورد في يس يبين لهم ويضرب لهم مثلاً (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)).
سؤال: هل هذا الارتباط هو إجمال يعقبه تفصيل أو تفصيل وإجمال أو علاقة تضاد؟ وهل هذا يجعلنا نصدر حكماً أن القرآن لا يصح إلا أن يكون بهذه الشاكلة من حيث ترتيب السور؟(1/39)
هي علاقة إكمال للمسألة يستكملها. قلنا في حلقة سابقة أن هذا الترتيب التوقيفي وهذا التبيان هو اجتهادي ولا شك أنه عند غيرنا أعلى من هذا الاجتهاد وأعمق من هذا الاجتهاد ولكن هذا الاجتهاد يدل على الترابط واضح، هذا يجعلنا نقطع بأنه مترابط الله أعلم وترتيب السور بهذا النسق أمر توقيفي مع أنه نزل بشكل مختلف وهنالك ترابط واضح بيّن ولا شك أن هنالك حكم أعلى مما نعلم ونحن نستطيع أن نقول كما قال الأولون أنه مترابط كالكلمة الواحدة.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله تجميع وترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة فاطر للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى والخواطر القرآنية للأستاذ عمرو خالد وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله عنا خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/40)
سورة يس
تناسب خواتيم فاطر مع فواتح يس ... آية (12) ... آية (25) ... آية (38) ... آية (51) ... آية (64) ... آية (77)
هدف السورة ... آية (13) ... آية (26) ... آية (39) ... آية (52) ... آية (65) ... آية (78)
آية (1) ... آية (14) ... آية (27) ... آية (40) ... آية (53) ... آية (66) ... آية (79)
آية (2) ... آية (15) ... آية (28) ... آية (41) ... آية (54) ... آية (67) ... آية (80)
آية (3) ... آية (16) ... آية (29) ... آية (42) ... آية (55) ... آية (68) ... آية (81)
آية (4) ... آية (17) ... آية (30) ... آية (43) ... آية (56) ... آية (69) ... آية (82)
آية (5) ... آية (18) ... آية (31) ... آية (44) ... آية (57) ... آية (70) ... آية (83)
آية (6) ... آية (19) ... آية (32) ... آية (45) ... آية (58) ... آية (71) ... تناسب فواتح سورة يس مع خواتيمها
آية (7) ... آية (20) ... آية (33) ... آية (46) ... آية (59) ... آية (72) ... تناسب خواتيم يس مع فواتح الصافات
آية (8) ... آية (21) ... آية (34) ... آية (47) ... آية (60) ... آية (73)
آية (9) ... آية (22) ... آية (35) ... آية (48) ... آية (61) ... آية (74)
آية (10) ... آية (23) ... آية (36) ... آية (49) ... آية (62) ... آية (75)
آية (11) ... آية (24) ... آية (37) ... آية (50) ... آية (63) ... آية (76)
*تناسب خواتيم فاطر مع فواتح يس*(1/1)
قال في أواخر سورة فاطر (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)) وفي بداية يس قال (وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) هم أقسموا بالله لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم، والآن جاءهم النذير (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ) كأنه تعالى أعطاهم ما يريدون (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)) وفي يس (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)). قال في أواخر فاطر (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)) الكلام عام وفي يس قال (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)) للعبرة، إضرب لهم مثلاً (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)) وكأنما ما ورد في يس يبين لهم ويضرب لهم مثلاً (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)).
**هدف السورة: الإستسلام هو سبيل الإصرار على الدعوة**(1/2)
سورة يس مكّية نزلت قبل هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وهي تركّز على أهمية الإستمرار في الدعوة لأن الناس مهما كانوا بعيدين عن الحق فقد تكون قلوبهم حيّة وقد تستجيب للدعوة في وقت ما وعلينا أن لا نفقد الأمل من دعوتهم (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) آية 11. وتتحدث السورة عن الذين لم يؤمنوا (وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) آية 10. ثم تعرض نموذج لقرية (إنطاكية) أرسل الله لهم ثلاثة أنبياء ليدعوهم فكذبوهم لكن ارسال هؤلاء الأنبياء لم يمنع رجل مؤمن أن يأتي من أقصى المدينة ويبذل الجهد لينصح القوم (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) آية 20 وهذا دليل إيجابية من هذا الرجل أنه لم يترك أمر الدعوة للرسل فقط وإنما أخذ المبادرة بأن يدعو قومه عندما لم يصدقوا الرسل. قد يكون هناك أناس قد فقد الأمل من دعوتهم لكن علينا أن نتصور أنه ما زال لديهم قلوب حيّة قد تؤمن فمن آمن فاز ونجا أما الذين يصرّون ويرفضون الإستسلام لله فلكل شيء نهاية وجاءت نهاية السورة تتحدث عن الموت والنهاية فكلنا إلى موت وكل شيء له نهاية في هذا الكون، ولذا جاءت الآيات الكونية في السورة تخدم هدف السورة (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) آية 38 و39، فالشمس تسير إلى زوال وكذلك القمر والكون كله مآله إلى نهاية، وهذا دليل إعجاز القرآن باختيار الآيات الكونية التي تخدم هدف السورة بشكل واضح جليّ فسبحان من أنزل الكتاب وخلق الأكوان.(1/3)
وربما يكون في هذا المعنى من دعوة القلوب الحيّة ربطاً بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - (اقرأوا يس على موتاكم) لأن الميّت عندما تخرج روحه يبقى قلبه حيّاً وربما عندما يسمع الآيات يستسلم قلبه لها هذا والله أعلم.
فضل سورة يس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس، وددت لو أنها في قلب كل إنسان من أمتي"
*** اللمسات البيانية فى سورة يس للدكتور فاضل السامرائى***
آية (1):
(يس)
*ما دلالة الأحرف المقطعة في القرآن الكريم؟(1/4)
السورة تبدأ بـ (يس) بالأحرف المقطعة وقيل فيها كلام كثير قال فيها القدماء كلاماً كثيراً ولا أستطيع أن أضيف إلى ما قالوه وسبق أن ذكرنا في بداية سورة لقمان أنهم يقولون أنها تلفت انتباه السامع تجعله يصغي لما تبدأ بهذه الأحرف التي لم يألفها العرب تبدأ كلامك بأحرف مقطعة ثم تتكلم هذه غير مألوفة فتجعلها كأنها وسيلة تشد الذهن للإصغاء ولذلك هم قالوا هي فواتح للتنبيه حتى ينتبه لها السامع. وقسم قالوا هي إشارة إلى حروف المعجم أن الكتاب أُلف من هذه الحروف التي تتكلمون بها وتألفونها لكن جعل ربنا سبحانه تعالى من هذه الأحرف كلاماً معجزاً وأنتم تتكلمون وتحداكم به فهذا إشارة إلى أن هذا الكلام المعجز إنما هو من جنس ما تتكلمون لكن فعل الله تعالى به كلاماً لا يستطيع أن يتكلم به الإنس والجن وقد أعجزهم. هذا الذي قيل وقيل أكثر من ذلك وهم نظروا في الأحرف المقطعة في القرآن الكريم مثل الزمخشري وحاولوا أن يجدوا لها ظواهر معينة قالوا مثلاً الأحرف المقطعة مجموعها 14 حرفاً يعني نصف حروف المعجم تشمل أنصاف الحروف يعني من كل نوع تشمل نصفه، يعني هي تشمل نصف الحروف المهموسة (فحثه شخص سكت) وتشمل نصف الحروف المجهورة ونصف الشديدة (أجد قط بكت) ونصف الرخوة ونصف المُطبقة (ص، ض، ط، ظ) ونصف المنفتحة ونصف القلقلة ونصف اللين (الواو والألف) ونصف المستعلية (خص ضغط قظ) ونصف المستفلة ونصف الذلاقة (فر من لب) ونصف حروف الحلق، كلها أنصاف الحروف، نصف حروف المعجم والمستعملة هي أكثر الحروف الدائرة في كلام العرب في الكلام عموماً.(1/5)
ثم قالوا قسم يبدأ بحرف واحد (ن، ق، ص) وقسم حرفين (يس، طه) وقسم ثلاثة (ألم، ألر) وقسم أربعة (ألمص، ألمر) وقسم خمسة (كهيعص، حم عسق) وتنتهي لأن التأليف خمسة، الأسماء الأصلية لا تزيد على خمسة، وحروف المعاني حرف واحد مثل الباء والواو وحروف الجر وعندنا حرفين سواء كان مبيناً أو معرباً مثل أب ومع وغيرها وعندنا حروف وأسماء وعندنا ثلاثة وهي من أكثر الأنواع وعندنا أربعة وعندنا خمسة. ثم نظروا نظرة أخرى وانتبهوا لأمور أخرى قالوا مثلاً (ألم) الألف حرف حلقي واللام لساني (وسطي) والميم شفوي، كل سورة تبدأ بـ (ألم) تذكر أول الخلق ووسط الخلق ونهاية الخلق، تدرجت كل سورة بتدرج الحروف قالوا كل سورة تبدأ بهذه الأحرف يجب أن تتعرض لبداية الخلق ووسط الخلق ونهاية الخلق، سورة لقمان، سورة البقرة من خلق آم إلى التشريعات إلى القيامة. ليس فقط هذا ثم انتبهوا فلاحظوا أن كل السور التي تبدأ بحرف الطاء (طس، طسم، طه) كلها أول ما تبدأ بقصة موسى. (حم) كل السور التي تبدأ بـ (حم) إما تبدأ بتنزيل الكتاب أو القسم به تحديداً (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافر) (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) فصلت) (حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) الشورى) (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) الدخان) (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) الزخرف) بين التنزيل والقسم (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) الأحقاف)، كلها ملاحظات حاولوا أن ينتبهوا إليها.(1/6)
وقالوا أيضاً التي تبدأ بالسور تحاول أن تطبع السورة بهذه البداية فقالوا التي تبدأ بالقاف يكثر فيها الكلمات القافية والتي تبدأ بالصاد تكثر فيها الكلمات الصادية فهم حاولوا أن ينظروا إلى هذه الأشياء نظرات كثيرة ثم حاولوا أن يجعلوا منها عبارات وحاولت كل فرقة أن تجعل عبارة مؤيدة لفرقتها منها عبارة (نصٌ حكيم قاطعٌ له سِرّ) وذكروا أموراً أخرى تتعلق بالفِرق والمعتقدات فيصنعون منها عبارات لأنها هي أربعة عشر حرفاً نصف حروف اللغة، هي حروف الزيادة (سألتمونيها) كم جمعوا لها؟ اليوم تنساه، يا أوس هل نمت؟
*هل (يس) إسم للنبي صلى الله عليه وسلم؟
هذا الكلام أثير قديماً أيضاً وليس كلاماً جديداً. هم ذهبوا في (يس) وفي (طه) باعتبار أنهم يرجحون أنها من أسماء الرسول ? باعتبار قال (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)) (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)) هذا الاستدلال غير سديد لأنه لو أخذنا بهذا لكانت (حم (1) عسق (2)) من أسماء الرسول أيضاً لأنه قال بعدها (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)) وتكون (كهيعص) من أسماء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه قال بعدها (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) (ربك) وتكون (ن) من أسماء الرسول لأنه قال بعدها (مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)).
*إذن الربط بين المخاطَب كما جاء في تضعيف الآيات والأحرف المقطعة ليس صواباً؟
العلماء رجحوا أنها كبقية الأحرف المقطعة مثل (ألم) وغيرها ولا تدل على أنها أسماء للرسول - صلى الله عليه وسلم - .
آية (2):
(وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2))
* ما دلالة استعمال وصف الحكيم؟(1/7)
أولاً ربنا تعالى أقسم بالقرآن قال (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)) القرآن علَم على الكتاب الذي أُنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
*هو يقسم بالكتاب أيضاً، في بعض الأحرف المقطعة التي ذكرتها يأتي بعدها القسم بالقرآن أو بالكتاب؟
الكتاب ليس عَلَماً لكن القرآن عَلَم على هذا، علم يعني إسم كيف أن الإنجيل علم على كتاب أُنزل على عيسى - عليه السلام - يعني يحدد مسمى بعينه تعريفه في اللغة ما أُطلِق على إسم بعينه ولم يتناول ما أشبهه، يعني لما تقول هذا محمد أو خالد لا يتناول رجالاً آخرين وإنما علم يتناول ذات معينة أما كلمة رجل عامة، إسم جنس. إذن القرآن علم على الكتاب الذي أنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - . هو في الأصل مصدر من قرأ قراءة وقرآناً (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) القيامة) يعني قراءته، مصدر قرأ قراءة وقرآن فهو في الأصل مصدر ثم أطلق علماً على الكتاب (وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ).
*هل له علاقة بالأحرف المقطعة؟
الملاحظ أن قسم تبدأ بالإشارة إلى القرآن سواء عن طريق ذِكره أو عن طريق القسم (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)) وكذلك الكتاب قسم تبدأ بالإشارة للكتاب (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) (الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) آل عمران) أو قسم به (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) الزخرف) وأحياناً يجمع بينهما كتاب وقرآن مبين. الملاحظ أنه في كلامنا على ما بعد الأحرف المقطعة تحديداً أنه إذا ذكر الكتاب بعد الأحرف المقطعة قَسَماً أو ذِكراً ذكر الكتاب وحده لم يجمعه مع القرآن تتردد لفظ الكتاب ومشتقات الكتابة أكثر من لفظ القرآن في السورة.(1/8)
مثلاً في سورة البقرة قال (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) نلاحظ في هذه السورة تتردد لفظ الكتابة ومشتقاتها 47 مرة ولفظ القرآن ما ورد إلا مرة واحدة فقط (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (185)) وهذا لم يتخلف، في آل عمران قال (الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) تردد فيها لفط الكتاب ومشتقاه 33 مرة ولم يرد لفظ القرآن هذا لم يتخلف في الأعراف ويونس وهود وإبراهيم والشعراء لم يتخلف. الذي ورد فيه لفظ القرآن يكون لفظ القرآن يتردد أكثر مثلاً (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)) لفظ القرآن ورد ثلاث مرات والكتاب مرة واحدة، في سورة ق (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1)) ورد لفظ القرآن مرتين والكتاب مرة واحدة فقط في سورة ص تعادلا (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)) لكن (كتاب أنزلناه مبارك) فإذا اجتمع لفظ القرآن والكتاب في بداية السورة مثلاً (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ (1) النمل) ذكر الأمرين بعد الأحرف المقطعة يتقارب اللفظان في السورة ويمكن أن يكون الفرق بينهما لفظة واحدة مثل سورة الحجر (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1)) الكتاب مرتين القرآن ثلاث مرات متقاربة، الفرق بينهما واحد، النمل (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ (1)) القرآن أربع مرات والكتاب خمس مرات، متقاربة. (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)) القرآن ورد فيها مرتين ولم يرد فيها لفظ الكتاب، هذا ظاهر الملاحظة. فإذن أحياناً يذكر ربنا تعالى القرآن ومرة الكتاب ومرة يجمع بينهما للدلالة على أنه يُقرأ ويُكتب، كتاب مكتوب في اللوح المحفوظ هناك ومقروء وأيضاً هو مكتوب ومقروء هاهنا.(1/9)
إذا ذكر الكتاب بعد الأحرف المقطعة تكون السمة الغالبة للسورة ذكر الكتاب فيها وإذا وإذا ذكر القرآن تكون السمة الغالبة للسورة ذكر القرآن وإذا ذكرهما معاً يكونان متقاربان من بعضهما بعض بفرق واحد أو اثنان.
*ما دلالة ذكر وصف الحكيم هنا؟
ذكرنا سابقاً أن الحكيم يحتمل عدة معاني يمكن أن تكون كلها مرادة، حكيم قد تكون فعيل بمعنى مفعول محكم حكيم محكم لأن فعيل يأتي بمعنى فعول مثل أسير مأسور، قتيل مقتول وجريح مجروح حكيم محكم (مفعول به) والمحكم هو الذي لا يتناقض ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وربنا قال (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ (1) هود) (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ (7) آل عمران) إذن من المحتمل أن يكون هذا المعنى مقصود حكيم بمعنى محكم، ما قال محكمات وقال (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) ويمكن أن يكون صاحب حكمة يكون القرآن حكيماً لأنه ذو حكمة متضمن للحكمة متصف بالحكمة إذا كان متصفاً بالحكمة فهو حكيم وإن كان متضمناً للحكمة فهو حكيم يكون الإسناد مجازي حق الإسناد إلى الله لأن ربنا تعالى هو القائل فإذا وصف الكتاب بالحكيم فحقيقة المسألة إسناده إلى الله تعالى وهذا من باب الإسناد الممجازي كما قال ربنا (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) هود) هو قال ما الأمر برشيد والمقصود فرعون، فرعون ليس برشيد لما قال (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) إذن صاحبه ليس برشيد ولم يقصد الأمر لأن صدر عن غير رشيد فيكون الأمر غير رشيد ولو صدر الأمر عن رشيد لكان رشيداً إذن هي متلازمة فلما كان القرآن حكيماً فقائله حكيم. وقد يكون حكيم صيغة مبالغة في الحُكم، الحاكم إسم فاعل والحكيم مبالغة في الحكم.(1/10)
يجوز أن نطلق على الحاكم حكيم إذا كان مكثراً (حكيم صيغة مبالغة على وزن فعيل) فإذن حكيم من الحكم والحاكم فهو هذا القرآن الحكيم العادل القوي الفصل وحكمه يعلو على جميع الأحكام فهو يحكم ويهيمن على غيره لأنه نسخ ما قبله من الأحكام والكتب ثم قال ربنا (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (48) المائدة) إذن هو حكيم بهذا المعنى مهيمن في الأحكام ومهيمن على الأحكام كلها ومهيمن على ما سبق من الكتب نسخها ومهيمناً عليها يصدقها أو يكذبها يقول عنها محرفة أو غير محرفة إذن هو مهيمن. إذن جمع بلفظ الحكيم عدة معاني كلها مرادة مطلوبة هو أرادها هكذا أراد أن يجمع هذه المعاني كلها جمع بين الحقيقة والمجاز العقلي والاستعارة ومعاني مختلفة حكيم وحاكم ومحكم وذو حكمة.
((1/11)
يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)) هذا قسم جوابه (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)) والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين أقسم بالقرآن على كونه رسولاً من الرسل. إذن هو "والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين"، أثير سؤال من المخاطَب بهذا القسم؟ هل هو يقسم للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو للمكذبين؟ لا شك أنه يبلِّغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمقصود من القرآن التبيلغ ونشر الدعوة ومخاطبة كثير من المكذبين والمنكرين ودعوتهم للإسلام إذن معناه أنه هو يقسم للمدعوين للمخاطبين يقسم لهم بالقرآن إنك لمن المرسلين.(1/12)
هناك سؤال يقال أن المفروض أن في القسم يتفق المقسِم والمقسَم له على التعظيم المقسِم هو الله تبارك وتعالى والمقسَم له هم المخاطبين يتفقان على تعظيمه حتى يكون القسم؟! لا بد أن يؤمنوا هم بالقرآن ليقسم لهم لكنهم هم لم يؤمنوا فكيف يقسم لهم؟! القوم لا يرون أنه كلام الله ولا يرون أنه رسول فلماذا القسم؟ يقولون القرآن جعله الله تعالى معجزة للرسول - صلى الله عليه وسلم - فالقرآن هو الدليل الأكبر على رسالته والبرهان الأعظم عليها وقال تعالى (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) العنكبوت) وربنا تعالى سمى القرآن برهان (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ (174) النساء) معناه فيه الدليل وتحداهم به أكثر من مرة وصفه بأنه قرآن إذن هو أقسم بما تقوم الحجة عليه لأنهم لو تدبروا هم لم يستطيعوا أن يأتوا بمثله جعل فيه برهان إذن ما فيه من الأدلة على صدق الرسول كافية إذن قال لهم لو تأملتم هذا القرآن فإنه أحكم إحكاماً لا إحكام بعده وفيه الدليل على نبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو يقسم به لأنه هو الدليل إذن هذا ليس قسماً هكذا وإنما قسم بالبرهان وما فيه من دليل وهذا نستعمله في حياتنا اليومية مثلاً لو شخص أنكر فضل شخص آخر عليه وأنت تعلم أن القميص الذي يلبسه الآن هو من فضله عليه تقول له وحق هذا القميص هو محسن لأنه يعلم أن هذا القميص الذي يلبسه من فلان وأنت تنكر إحسانه؟ القميص الذي أنت تلبسه هو من إحسانه عليك فأنت تقسم بما تقيم عليه الحجة وكأن القسم بالقرآن هنا لأنه هو البرهان وهو المعجزة وقد تحداهم به وقد عجزوا أنتم هذا الذي عجزتم عنه هو هذا(1/13)
أنا أقسم به لأن فيه الدليل وأنه أعجزكم وأنه أفحكم وأنا أقسم بهذا. وهناك أمر آخر القرآن الكريم هو البرهان وهو موضوع الرسالة، البرهان يعني فيه الدليل على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - فيه أدلة كثيرة وهو موضوع الرسالة في آن واحد فيه التوحيد وفيه الأحكام لأنه أحياناً تحتلف المعجزة عن موضوع الرسالة مثلاً موسى - عليه السلام - قلب العصى حية أو إخراج اليد بيضاء ليستا موضوع الرسالة، موضوع الرسالة هو الإيمان بالله والتوحيد وإنما هذه هي معجزة لتصديق الرسالة إذن المعجزة اختلفت عن موضوع الرسالة، ناقة صالح ليست موضوع الرسالة هذه معجزة وموضوع الرسالة هي دعوتهم إلى التوحيد (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (73) الأعراف) وإخراج الناقة معجزة لتصديق صالح أما القرآن فهو معجزة وهو موضوع الرسالة. كل الأنبياء كانت المعجزة مخالفة للرسالة أما مع سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو نفسه المعجزة وموضوع الرسالة (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) العنكبوت) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ (174) النساء) إذن هو المعجزة لأنه تحداهم به وهو موضوع الرسالة فهو جمع الفضلين هو معجزة وهو موضوع الرسالة.
آية (3):
(إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) )
*ما دلالة كل التأكيدات في الآية (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) يس)؟(1/14)
ذكرنا في الحلقة الماضية قوله تعالى (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) يس) ذكرنا القَسَم بالقرآن وأجاب القَسَم بقوله (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)، والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين. وذكرنا أن القرآن هو البرهان وهو موضوع الرسالة في آن واحد وليس كبقية الأنبياء تكون المعجزة هي دليل على صحة الرسالة إلقاء العصى حية ليست موضوع الرسالة وإنما موضوع الرسالة التوحيد والتعليمات التي أنزلت إليهم أما القرآن فهو البرهان وهو موضوع الرسالة في آن واحد. يبقى السؤال لماذا أكد (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)؟ أكّد بـ (إنّ) وباللام (إنك لمن) وأجاب القسم (والقرآن الحكيم إنك) وذلك لشدة إنكار القوم والتوكيد يكون على ما يحتاج إليه المخاطَب هل هو منكر أو غير منكر فقوة هذا الإنكار يؤكد فإن كان لا يحتاج إلى توكيد لا نؤكد وقد نحتاج إلى مؤكد واحد أو أكثر، ربنا تعالى قال (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) يس) هذا أمر ثم قال (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) هذا أمر، و(وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9)) ذكر أن الإنذار وعدمه سواء عليهم (وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (10)) إذن الغفلة مستحكمة فاستدعى هذا الزيادة في التوكيد، هذه الأمور كلها تستدعي زيادة في التوكيد فناسب أن يقول (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وأجاب القسم إذن هو مناسب.
*إذا كانوا هم يكذبون بنبوة سيدنا محمد ? فلماذا لم يقل إنك رسول بدل إنك لمن المرسلين؟(1/15)
فرق بين إنك رسول وإنك من المرسلين، قوله (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) يدل على أنه واحد من جماعة مشتركين في هذا الوصف، أنه واحد منهم واحد من الأنبياء، لو قال إنك رسول هذا إخبار بالصفة بغض النظر إذا كان أحد يشاركه أو لا يشاركه، ذكر صفته التي يكذبونها هم أنه رسول بينما قال (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) يعني أنت واحد من جماعة أرسلوا بهذا الأمر. يعني فرق أن تقول هو ناجح أو هو من الناجحين، هو ناجح يعني أنه نجح بغض النظر عما إذا كان هناك ناجح آخر غيره قد لا يكون هناك ناجح غيره بينما من الناجحين يدل على أن هناك من اشتركوا بهذا الوصف، هو ناجٍ تحتمل أن يكون هو الوحيد الناجي أما هو من الناجين قطعاً يكون هناك ناجون آخرون (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) هود) إبن نوح ليس هو المغرَق الوحيد. إذن (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) يدل على أنه هو واحد من جماعة وليس بدعاً من الرسل (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ (9) الأحقاف) أنا سائر في هذا الطريق كما سار غيري من الأنبياء أنا واحد منهم لست بدعاً.
آية (4):
(عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4))
*ما دلالة ترتيبها مع ما قبلها؟
(يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4)) هذا التعبير من حيث الترتيب النحوي واللغوي يحتمل أمرين: يحتمل أن يكون خبراً بعد خبر والأخبار قد تتعدد (إنك لمن المرسلين وإنك على صراط مستقيم)
أخبروا باثنينِ أو بِأكثَرا عن واحدٍ كَهُم سَراةٌ شُعَرَا(1/16)
الإخبار يتعدد (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) البروج)، فإذن يحتمل أن يكون خبر على خبر يعني (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) كما نقول إنه من أهل بغداد من أصحاب الثراء. كما يحتمل أن يكون متعلقاً بالمرسَلين يعني إنك على صراط مستقيم متعلق بقوله إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم أرسلت على صراط مستقيم سيكون متعلق بما قبله. إذن يحتمل أن يكون خبر على خبر ويحتمل أن يكون متعلقاً بما قبله يعني أنك من الذين أرسلوا على صراط مستقيم أنت من المرسلين على هذا الأمر على صراط مستقيم. الفرق بين التقديرين من حيث الدلالة لو جعلناه خبر بعد خبر كان ممكن الاستغناء بأحد الخبرين (إنك لمن المرسلين) وتكون جملة تامة لكن أنه على صراط مستقيم أنه من المرسلين إذن لا يجوز الاستغناء عن (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ). إذن لو جعلناه خبر بعد خبر يحتمل أن نستغني بواحد نقول (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أو إنك (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) والمعنى تام. إذن يحتمل أن نكتفي بأحد الخبرين والمعنى تام بما نريد نحن. وربنا قال في موطن آخر اكتفى (تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) البقرة) لم يقل على صراط مستقيم، أو قد يكتفي بـ (إنك على صراط مستقيم) (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) الزخرف) هذا إذا جعلناه خبراً أما إذا جعلناه متعلقاً لا يصح ولا يكتفي يجب أن يكون متعلق به ويذكر الأمران معاً إذن كل تقدير له دلالة، لو جعلناه خبر يمكن أن نكتفي ماذا يريد المتكلم أن يقول؟ إذا أراد أن يكتفي بذلك قال (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أو أراد أن يكتفي بأنه على صراط مستقيم يقول (على صراط مستقيم) وإذا أراد الارتباط والتعلق ليس له أن يقول ذلك.(1/17)
تقول أنت من المرسلين إلى أوروربا، أنت من المرسلين بهذه الرسالة، أنت من المرسلين على نفقة الدولة مرتبط بها إذا قدرناه على أنه مرتبط لا يكتفي ولا بد أن نذكره وإلا يختل، إذن لو جعلناه خبر بعد خبر يصح الاكتفاء، لو أراد التعلّق لا يكتفي، لا يصح لأنه أراد أن يربط هذا بذاك يتعلق به فلا يكتفي.
*إذن ليس لنا أن نحدد دلالة معينة أو وجهة سياقية محددة؟
نقول احتمال والتركيب يحتمل وهناك كثير من التعبيرات الاحتمالية في اللغة العربية
*وبهذا الخصوص مرة يقول تعالى (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) و(عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) لماذا جمع الاثنين هنا مع أنهما وردتا في القرآن متفرقتين؟(1/18)
هو بحسب السياق الذي ترد فيه لو قال (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) واكتفى دل على أنه على صراط مستقيم تضمناً لا تصريحاً، لو قال (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وسكت يحتمل جملة أمور وجملة معاني يحتمل أنه على صراط مستقيم لأن المرسل أكيد يكون على صراط مستقيم لكن متضمن يشمل أموراً أخرى يحتمل أنه صادق بما يأمر به ومحتمل أنه يأمر بالخير ومحتمل أنه مجرد الإخبار أنه من المرسلين، لا يريد له معنى متضمن فقوله (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) حدد أمراً معيناً يريده المتكلِّم لم يجعل ذلك للذهن واحتمالات كثيرة هو عندما يقصد إلى أمر معين يذكره عندما يقصد العموم يعمم كما هو شأن العموم والخصوص. أما لو قال (إنك على صراط مسنقيم) وسكت كما قال في الزخرف لا يدل على أنه من المرسلين. السؤال إذن لماذا اكتفي في موطن (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وفي موطن (إنك عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)؟ لو وضعنا الآيات في سياقها يتضح الجواب: في البقرة قال (تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) البقرة)، في الزخرف قال (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) الزخرف).(1/19)
نضع كل واحدة في سياقها: في البقرة التي لم يذكر على صراط مستقيم هذه أصلاً لم نر فيها ذكراً للدعوة، السياق ليس فيه ذكر للدعوة والدعوة هي صراط مستقيم، وردت في سياق القصص القرآني ذكرها في سياق قصة طالوت وجالوت وقسم من الأنبياء أيضاً، عندما ذكر قصة طالوت وجالوت وذكر قسماً من الأنبياء قال (تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) البقرة) يعني أراد أن يُخبر أن هذا دليل على إثبات نبوته - صلى الله عليه وسلم - بإخباره عما لم يعلم من أخبار الماضي، قصة لم يعلمها لا هو ولا قومه فأجراها على لسانه أخبر بها أعلمه بها الله سبحانه وتعالى، فإذن لما ذكر هذه القصة التي لا يعلمها قومه ولا يعلمها هو فأجراها على لسانه هذا يدل على رسالته. كما ذكر تعقيباً في قصة نوح لما قال له (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) هود) الله تعالى أعلمه، فيها دلالة على كونه مرسَلاً من قِبَل الله سبحانه وتعالى يعني هذه دليل على إثبات نبوته ورسالته، في قصة يوسف (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (102)) وهذه مثل تلك، يعني هذه هي البرهان والدليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - مرسَل من المرسلين لم يقل على صراط مستقيم هي ليست في سياق الدعوة وإنما في سياق إثبات نبوته.(1/20)
آية الزخرف هي في سياق الدعوة إلى الله وفي هداية الخلق (أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (40) الزخرف) هو مكلَّف إذن بالهداية (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) الزخرف) إذن الكلام في سياق الدعوة. ثم لاحظ عندما قال (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) يعني إنك لمن المرسلين إذن هو جمع الاثنين جمع الرسالة (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) وقال (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا) من قبلك يعني أنت بعدهم فأنت واحد منهم. إذن هو جمع الأمرين هنا ولكن بشكل آخر وذكر الدعوة إلى الله لأنه في سياق الدعوة فذكر (إنك عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ثم وصف الصراط أنه مستقيم وليس الصراط يعني مستقيم الصراط هو الطريق الواسع (أصلها سراط (بالسين) من سرط بمعنى بلع لأنه يبلع السابلة لأنه ضخم ولذلك قسم يسموه لَقْم لأنه يلتقمهم) مستقيم وصف آخر للصراط (فاهدوهم إلى صراط الجحيم).
*نفهم مستقيم لا اعوجاج فيه؟(1/21)
صراط الجحيم يعني طريق الجحيم، هذا المستقيم الصراط هو الطريق الواسع والمستقيم وصف آخر للصراط، المستقيم هو أقرب الطرق الموصِلة إلى المراد أيّاً كان هذا المراد فهو أقرب الطرق إليه فليس هنالك أقرب منه طريق قويم ومستقيم وأقصر الطرق الموصلة إلى المراد ولا يحمل إيجاباً أو سلباً أو وصفاًً طيباً أو غير طيب. المستقيم الاستقامة أنه طريق مستقيم قويم التي توصلك إلى المطلوب بأقصر طريق وأقرب وأيسر طريق.
(فاستقم) استقم معناها كن معتدل الأمر لا تميل إلى الباطل أو كذا ما أراد ربنا من الأمور القويمة.
*ما دلالة تقديم (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) على (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)؟
التقديم له عدة أمور أولاً كونه من المرسلين هو أفضل من كونه على صراط مستقيم لأن كونه نبي يتضمن أنه على صراط مستقيم، هو مرسل ونبي وهو أيضاً متضمن تضمناً أنه على صراط مستقيم لكن لو قال على صراط مستقيم أولاً لا يدل على أنه نبي، إذن هذا يتضمن. ثم هذا من تقديم السبب على المسبَب هو كان على صراط مستقيم بسبب أنه نبي فالرسالة سبب في كونه على صراط مستقيم، إذن هذا بتقديم السبب. ثم ذكرنا أنه أمر آخر لما قدّم (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) يمكن أن نعلق به (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) لو أخرناه لا نستطيع أن نعلّق فتعطي توسعاً في المعنى أكثر.
*إذن في القرآن الكريم ليست هناك كلمة زائدة أو تعبير زائد؟
طبعاً لا يمكن. (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) و (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) كل واحدة وردت في موطن بينما وردت في يس معاً كل واحدة في سياقها (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) في سورة البقرة في سياق إثبات الرسالة وليست في سياق الدعوة بينما في الزخرف في سياق الدعوة ثم ذكر أنه رسول (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ).
*نقرأ في بعض الكتب أن هذا حرف جر زائد فما مفهوم الزيادة في القرآن الكريم؟(1/22)
فرق بين كونه زيادة أو مصطلح. هذا مصطلح لأنه لما يكون حرف زائد يعني المعنى العام يبقى نفسه ولو حذف مع زيادة التوكيد هم يقولون أن الحرف الزائد يفيد توكيداً في الغالب، يعني ليس ممكناً أن تطرحه هكذا وليس له فائدة، الحروف الزائدة من المؤكدات وقد تكون لأسباب أخرى وعندهم أمور أخرى يسموها زيادة تزيينية أو دلالة أخرى، يقولون الزيادة بين العامل والمعمول لكن لو أسقطه لبقي المعنى العام هو هو (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (46) فصلت) لو حذفنا الباء يبقى المعنى العام هو هو أن الله لا يظلم أحداً وإنما جيء بها للزيادة في التوكيد. قسم من القدامى يسموه حرف صلة تصل ما بعدها بما قبلها. هنا فرق بين ما يقصده النُحاة من الزيادة لأنه هذا مصطلح عندهم وقد قالوا (لا مشاحّة في الاصطلاح) هذا مصطلح وبين ما يقصده آخر من زيادة في القرآن النحاة لم يقولوا أنه زيادة هكذا ليس له فائدة وإنما يقولون حرف زائد هذا مصطلح نحوي لا يعني أنك ترميه وليس له فائدة وإنما الزيادة لغرض التوكيد والمعنى العام هو ما جيء به بين العامل والمعمول ولو حذف لبقي دلالة الكلام واحدة مع زيادة في التوكيد كما تدخل (إنّ) على الكلام تقول محمد قادم وإنّ محمداً قادم نفس الدلالة لكن زاد التوكيد فهذه مثلها.
*ما معنى لا مشاحّة في الاصطلاح؟
يعني لا مجادلة قلنا هذا مصطلح لا نقصد به المعنى اللغوي. مشاحّة يعني مجادلة يعني لا مجادلة هذا مصطلح فيه سعة.
آية (5):
(تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) يس)(1/23)
اولاً الكلام عن القرآن، بعد أن عظّم القرآن بأن أقسم به (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)) هذا إذن تعظيم، قسم ووصفه بالحكمة، بعد أن فعل هذا بالتعظيم وبالقسم به ووصفه بالحكمة عظمه بإضافته إلى ذاته (تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) ليس كل كتاب فيه حكمة تنزيل العزيز الرحيم، إذن هو عظّمه بإضافته إلى ذاته العلية. نلاحظ أن الكتاب يعظم من ناحيتين، أي كتاب يأتي يعظم من ناحيتين أولاً من حيث ما أودع فيه فإذا كان مضمونه عظيماً فهو عظيم وإذا كان غير ذلك فهو غير ذلك هذا يسموه تعظيم لذاته، ثم تعظيم من حيث مرسِله، من أرسله؟ ترسل كتاباً إلى واحد في دائرة رسمية قد يكون الكتاب ليس بذي قيمة فحواه لكن إذا كان المرسِل ذا قيمة بالغ الأهمية يكتسب الكتاب قيمة من المرسِل. إذن هناك أمران لتعظيم الكتاب من حيث ذاته ومن حيث مرسِله. ثم إن المرسِل صاحب الكتاب الذي أرسله إما أن يكون مرهوباً مخوفاً ذا قوة أو أن يُرجى خيره ويُطمع في نعمته وإما أن يكون مخوفاً محذوراً يُحذر وإما أن يكون عنده خير كثير يُنعِم به على الآخرين ففي الحالتين العظمة تصدر من هذا الكتاب لما قال (تنزيل) جمع بين الترغيب والترهيب، الترهيب في (العزيز) العزة والترغيب في (الرحيم) في رحمته بالآخرين وليس متجبراً إذن فخّم الكتاب وعظّمه من ناحيتين من حيث ذاته وما فيه من الحكمة (حكيم) وعظّمه من حيث مرسِله بصفتي العزيز الرحيم ولذلك جمع بينهما.
*ألا يعطي عدم الجمع بينهما نفس الدلالة؟(1/24)
لا فالعزيز ليس بالضرورة رحيماً والرحيم ليس بالضرورة عزيزاً عنده مال وأشياء أخرى وليس بالضرورة أنه قوي أو أنه صاحب جيش. في الجمع بين العزيز الرحيم دلالة معينة القوة وهي مصدر الرهبة والنِعمة ووالخير والإفاضة على الآخرين مصدر الرحمة. وهناك أمر آخر وهو التعظيم بدليل كلمة (تنزيل) تنزيل أنه في مكان عالي محفوظ، التنزيل يكون من علو وإلا كيف تكون تنزيلاً؟ الكتاب إذا كان ثمين حُفِظ في مكان أمين لا تمسه الأيدي ولا يعبث به العابثون فأشار أنه نزل إلى رسوله تنزيلاً هو في مكان مرتفع في مكان عالي لا تمسه الأيدي (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) الشعراء) في مكان عالي إذن نزّله. القرآن عُظِّم من أكثر من ناحية أولاً القسم به (والقرآن) ووصفه بأنه حكيم وأنه في مكان عالي وأضافه الله إلى ذاته باسمي العزيز الرحيم والترغيب والرهيب. إذن جمع كل ما يفيد التعظيم من حيث دلالته ومن حيث صفاته ومن حيث مرسِله ومن حيث مكانه والقسم به، الذات والمرسِل والصفة والمكان جمع فيه كل أمور التعظيم.
((1/25)
تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5))شرعنا في ذكر هذه الآية وبيان قسم مما فيها وهو قوله (تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)) ذكر القرآن (وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)). وذكرنا أن فيها إشارة إلى تعظيم القرآن من عدة نواحي أولاً القسم به أولاً (والقرآن) ثم وصفه بأنه حكيم (الحكيم) ثم (تنزيل) معناه أنه في مكان عالي وأضافه إلى نفسه بوصفين العزيز والرحيم وهذان الوصفان ينبئان عن الترغيب والترهيب فالعزيز فيه ترهيب ما فيه من عزة وقوة والرحيم فيه ترغيب. إختيار العزيز الرحيم فيه أكثر من دلالة في السورة، لا شك العزيز هو الغالب، لكن الملاحظ أن هذه السورة طُبعت بطابع هذين الإسمين الكريمين، الجو العام للسورة، جو السورة يشع فيها ذكر العزة والرحمة، العزة تظهر في نصر أوليائه ومحق أعدائه هو أهلك أصحاب القرية بصيحة واحدة، ذكر القرية التي كذبت (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)) هذه عزة، ذكر أن آلهتهم التي يعبدونها من دون الله لا تغني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون إن أرادها الرحمن بضُّر (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)) ليس لها وجاهة ولا قوة لأن الشفيع له وجاهة وإلا كيف يشفع عند واحد؟! لا تغني شفاعتهم شيئاً يعني ليس لها وجاهة. الآلهة لو اجتمعت لا تغني شيئاً عند صاحب العزة لا تنفع شفاعتها عنده ولا ينجّونهم إذن كيف تكون العزة؟! وما قيمة هذه الآلهة؟! مع اجتماعها ليس لها وجاهة ولا قوة، هذا عزيز.(1/26)
ذكر أنه إن شاء أغرقهم فلا معين لهم ولا يتمكن أحد من إنقاذهم إلا إذا أراد هو (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)) لا صريخ لهم يعني لا معين لهم ولا هم ينقذون إلا رحمة منا هذا فيه عزة (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا (44)) فيها رحمة. ذكر أنه تأخذهم صيحة واحدة تأخذهم جميعاً فلا يبقى منهم أحد ويجمعهم بصيحة واحدة، يأخذهم جميعاً بصيحة واحدة ويجمعهم بصيحة واحدة قال (مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)) ثم قال (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)) فهل هناك أعظم من هذه العزة؟! ذكر أنه لو شاء نطمس على أعينهم أو يمسخهم على مكانتهم فلا يستطيعون مضياً ولا يرجعون (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)) المسخ يعني يجعلهم على حالة يحّولهم، المسخ التحويل يمسخه يجعله إلى شيء جامد أو حجر يحوّله تماماً. ذكر أن أمره بكلمة واحدة ينفذ في الجميع يفعل ما يشاء ويكون ما يريد (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)) هذه العزة ظاهرة واضحة في جميع السورة.(1/27)
والرحمة أيضاً واضحة مترددة في السورة تتردد كثيراً، الرحمة ومقتضيات الرحمة (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)) (وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ (11)) (وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ (15)) (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ (23)) (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)) (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)) (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)) (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)) ثم ذكر عدد من مظاهر الرحمة، من مظاهر الرحمة التي شاعت في السورة أو ذكرها في السورة ما جعل في الأرض لعباده من جنات وأنهار وما أخرج منها من حبوب يأكلون منها قال (وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)) وأنه حمل ذريتهم في الفلك المشحون وخلق لهم من مثله ما يركبون (وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)) خلق لهم أنعاماً فهم لها مالكون وذللها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون، لهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73))، كيف تكون مظاهر الرحمة؟ جعل لهم من الشجر الأخضر ناراً (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80))، أرسل رسلاً فحذّرهم من عبادة الشيطان وهداهم الصراط المستقيم، هذه كلها من مظاهر الرحمة. إذن شاع مظاهر هذين الإسمين ومقتضياتهما في السورة كثيرة (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)).(1/28)
حتى هذان الإسمان لهما علاقة بالآية التي بعدها ليس فقط بجو السورة، هو قال بعدها (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)). الملاحظ أنه سبحانه وتعالى يذكر هذين الإسمين بعد إنزال العقوبات بالأقوام الآخرين قال (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) هذه في الشعراء عندما يذكر كل رسول ويعاقب أقوامهم يقول (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) بعد ذكر كل عقوبة في الأقوام يقول العزيز الرحيم، قوم نوح قوم شعيب، كلهم وراءها يقول (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ) يعني (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) وقال (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ). (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)) تنزيل العزيز الرحيم بما بعدها (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) هذا ترابط. حتى لما ذكر أهل مكة في سورة الشعراء لما قال (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)) ثماني مرات تكررت في السورة ذكر هذين الإسمين بعد العذاب (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) كقوله تعالى (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)).(1/29)
من مقتضيات العزة أن يعزّ المؤمنين وينصرهم وتكون العزة في حق المؤمنين نصراً وتأييداً وفي حق الكافرين محقاً وهلاكاً، مقتضيات الرحيم أن يرحم المؤمنين ويكرمهم وأن يقيم الحجة على الكافرين لا يعذبهم بدون إقامة الحجة عليهم يعني يبين لهم الحجة الواضحة ويهديهم إلى الصراط المستقيم حتى تقوم عليهم الحجة ثم يعذبهم بعد ذلك هذا من رحمته تعالى لا يعذبهم هكذا بدون إقامة حجة.(1/30)
نلاحظ أنه ذكر ثلاثة أسماء له سبحانه وتعالى واحداً بالتضمّن وهو الحكيم (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)) وصف القرآن بالحكيم فصاحبه حكيم لأن قائل الحكمة هو حكيم، وآخران بالتصريح (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)). إذن واحداً بالتضمن وهو الحكيم وآخران بالتصريح وهما العزيز الرحيم. كمال الاتصاف بهذين الإسمين أن العزيز الرحيم أن تكون الحكمة معهما، العزيز الغالب والرحيم فيه رأفه فكمال الإتصاف أن تكون معهما الحكمة يعني العزيز لا بد أيضاً من تمام الحكمة ولا بد أن تجتمع فالعزيز إذا لم يكن حكيماً يكون متهوراً وإذا لم يكن رحيماً تكون وبالاً على جماعته إذن الحكمة بمثابة الضابط للعزة والرحمة فهو عزيز رحيم بحكمة. الرحمة من دون عزّة ضعف ومن دون حكمة نقص، إذن هذه الصفات يكمل بعضها بعضاً. لا خير في رحمة من دون عزة ولا حكمة ولا خير في عزة من دون حكمة ولا رحمة ولا خير في حُكم (حكيم) من دون عزة ولا رحمة. حكيم تجمع الحكم والحكمة، إذن من متطلبات الحُكم أن يكون فيه عزة ورحمة. إذن هذه أكمل ارتباط وأكمل اتصال. إذن العزيز الرحيم والحكيم هو كمال الإتصاف ولا يصح إفراد إحداهما على الأخرى وإلا يكون نقصاً أو عيباً أو تهوراً وضعفاً لأن الرحمة من دون عزة ضعف والرحمة من دون حكمة نقص لأنه لا يعرف أين يضعها وكيف يضعها قد يضعها في غير مكانها وأحياناً الرحيم يحتاج إلى القوة والشدة ينبغي أن يضعها في مكانها الرحيم ينبغي أن يكون حكيماً فيعلم أين يضع هذه الرحمة.
آية (6):
(لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6))
((1/31)
لتنذر) هذه اللام حرف جر وما بعدها منصوب، هذه لام التعليل هي حرف جر وكل لام تنصب المضارع هي حرف جر، كل لام ينتصب بعدها المضارع هي حرف جر لأن النصب بـ(أن) المضمرة بعدها فيكون مصدراً مأولاً (لأن تنذر) فحذف (أن) وكل لام ينتصب بعدها مضارع هي حرف جر هذا عند الجمهور لأن النصب سيكون بتقدير (أن) وأن مصدرية يكون مصد مأول مجرور باللام. الفعل هنا ليس منصوباً باللام وإنما بـ (أن) مضمرة، (أن) والفعل مصدر مجرور باللام إذن هذه اللام حرف جر وكل لام ينتصب بعدها المضارع هي حرف جر هذه قاعدة سواء كان الإضمار واجباً أو جائزاً. إذن أصبح عندنا الآن جار ومجرور، هذا الجار والمجرور متعلق بشيء إما متعلق بنزّل أو تنزيل يعني نزّله لتنذر، أو تنزيل العزيز الرحيم لتنذر، أو بالفعل المحذوف (تنزيل) نعربه مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره نُزِّل تنزيل العزيز الرحيم اللام إما متعلقة بالمصدر أو بالفعل المقدر ويجوز الوجهان. أو يمكن الاحتمال أن يكون متعلقاً بالمرسلين (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)) لماذا أُرسِل؟ لينذر قوماً. إذن فيها احتمالان أنه نُزِّل لينذر وأنت من المرسلين لتنذر، ليست هناك قرينة سياقية تحدد مهنى معيناً لأن القرآن أُنزل لينذر والرسول - صلى الله عليه وسلم - ليُنذر، لماذا أنزل القرآن؟ لينذر، ولماذا أرسل الرسول؟ لينذر، لا نحتاج لقرينة سياقية، هذا توسع في المعنى. الخطاب في الآية للرسول - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)). إذن إما من المرسلين لتنذر وإما أنزل لينذر. و(ما) نافية (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) يعني لم ينذر أباؤهم فهم غافلون.
*من هم الغافلون؟
هؤلاء القوم المنذَرين ما أنذر آباؤهم، آباؤهم عبدة أصنام
*ألم يكن لديهم نبي؟(1/32)
أقرب واحد هو سيدنا عيسى وبينه وبين الرسول ? خمسة قرون هؤلاء سموهم أهل الفترة ثم عيسى جاء لبني إسرائيل قسم من العرب كان له علاقة معهم ولم يبعث للعرب تحديداً فهم غافلون.
*غافلون عن ماذا؟
غافلون عن الدين الحق، ربنا تعالى قال للرسول ? (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) هذا قبل أن تأتيه النبوة الغفلة عن الحق وعن الطريق المستقيم ليس كوصف عام لأن هذا هو المقصود ما يتعلق بالشريعة الحقة الطريق المستقيم الذي يريده ربنا، من أين يعلم هذا الشيء؟
*إذن (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) لا نأخذها على مدار السب والقذف لكنها توصيف حالة بأنهم غافلون عن طريق الله.
لا شك هم غافلون عن الشرائع الحقة الني أنزلها ربنا وهي متضمنة في قوله (لِتُنْذِرَ) يعني هم غافلون عن هذا النذير الذي أتى به سيدنا محمد ? حتى يذكرهم ويهديهم إلى الطريق لأنهم غافلون عن هذه الطريق لا يعلمون. إذن سبب الغفلة أنهم لم يُنذر آباؤهم، هذا سبب الغفلة عاشوا على ما عاش عليه الآباء وهم لم يُنذروا هم قالوا (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22) الزخرف) لم يُنذروا. هذا أرجح قول وقسم ذهب أن (ما) إسم موصول أو مصدرية وهذا يحتاج إلى تكلّف كثير هذا يعني أهل اللغة ولا يعني المشاهدين كثيراً. (ما) إسم موصول بمعنى الذي أي الذي أنذر آباؤهم، قالوا لتنذر آباؤهم يعني الذي أنذر آباؤهم الأقدمون إسماعيل لكنهم غفلوا فهم غافلون يعني نفس الإنذار الذي أنذر به آباؤهم الأولون لكنهم غافلون كما تقول إنصح فلاناً كما نصحت أباه فإنه غافل عن ذلك، الغفلة هنا يقصد بها القوم وأنا أميل أن (ما) نافية.
آية (7):
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7))
* ما معنى حق القول؟(1/33)
حق القول في القرآن معناه ثبت لهم العذاب. القول هو قوله تعالى (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة). كلمة حق القول إشارة إلى حق القول مني. الذي ورد في القرآن الكريم طبعاً عموم النحاة كلهم يذكرون أن حق القول المقصود به (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) أو (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) ص) حق القول في القرآن الكريم وكذلك حقت الكلمة لم ترد إلا في ثبوت العذاب هذا يمتد في جميع القرآن استقصاء بإلا بمعنى وجب لهم العذاب أو ثبت لهم العذاب مثال (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) القصص) (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت) (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) الأحقاف) (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) يس) (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس) (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) الصافات) (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ (19) الزمر) (وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ(1/34)
عَلَى الْكَافِرِينَ (71) الزمر) (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) غافر) (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (97) يونس) (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33) يونس) كلها لم ترد في القرآن لم ترد إلا بهذا المعنى وهذه الدلالة، حق القول أو حقت الكلمة لم ترد إلا بهذه الدلالة.
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) ذكرنا في الآية الكريمة معنى حق القول قلنا أنه ثبت لهم العذاب ووجب لهم العذاب كما في (حقت كلمة ربك) كما ذكرنا في حينها، وقال (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) ما قال فهم لم يؤمنوا ولم يقل فهم غير مؤمنين، فهم لا يؤمنون يعني في المستقبل، حق القول ثبت العذاب أنهم لا يؤمنون طالما ثبت العذاب عليهم وحقّ ووجب ولو آمنوا في المستقبل لما حق القول، وهذا ما حصل فإن أكثرهم لم يؤمنوا.
* ربنا يستشهد بعضهم هنا أن الإنسان لا دخل له؟(1/35)
ليس للإنسان، هو يتكلم عن كفار قريش عن فئة محددة (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) الكلام إخبار عن أمر معين في مجموعة معينة في قريش وهذا ما حصل فإن أكثرهم لم يؤمنوا وهذا يعتبر إعجازاً لأنه إخبار بشيء قبل حصوله وحصل وهذا يؤيد جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - ونبوّته لأنه لو آمن أكثرهم لكُذِّبت هذه الآية، هو ما قال فهم لم يؤمنوا هذا كلام عن الماضي لم يؤمن ولكن قد يؤمن في المستقبل، لم يقل فهم غير مؤمنين الإخبار عن لحال غير مؤمنين في الحال لكن قد يؤمنون في المستقبل وإنما قال (فهم لا يؤمنون) إذن هو إخبار (لقد) لام القسم وجواب القسم وقد التحقيق (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) يعني هذا الأمر مفروغ منه، هذا الأمر مقسم عليه وهذا إخبار بالغيب قبل وقوعه وهذا من الأدلة الكثيرة على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - . وقال (أكثرهم) للدقة لأن قسم منهم آمنوا وهم قِلّة.
* ما اللمسة البيانية في تقديم القول على الجار والمجرور في هذه الآية مع أنه في موطن آخر عكس الترتيب قال (لقد حق عليهم القول)؟(1/36)
في آية سورة يس قدّم القول على الجار والمجرور (أكثرهم) وفي مواطن أخرى قدّم الجار والمجرور فقال (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ (25) فصلت) (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (96) يونس) التقديم والتأخير كما هو مقرر في علم البلاغة حسب العناية، السياق، ما كانت العناية به أكثر هو مدار التقديم والتأخير عليه، يقدم ما كان مدار العناية إذا كان الاهتمام بالقول أكثر قدم القول وإذا كان الاهتمام بمن حق عليهم القول أكثر يقدم من حق عليهم القول (عليهم). إذن إذا كان الاهتمام بالقول يقدم القول وإذا كان الاهتمام بمن حق عليهم القول بالأشخاص، بالمجموعة يقدّم (عليهم).(1/37)
مثال: قال تعالى (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت) قدّم (عليهم) من حق عليهم القول لأن سياق الناس فيمن حق عليهم القول الأقوام الذين حق عليهم القول الكلام على أعداء الله ابتداءً في عشر آيات في هذا السياق من الآيات 19 إلى 29 في سورة فصلت (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) الكلام كله عمن حق عليهم القول (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)) كل الكلام على أعداء الله وليس هناك كلام عن القول أو من قال (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)) إلى أن يقول (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)(1/38)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)) السياق كله فيمن حق عليهم القول، في أعداء الله إذن ناسب تقديم (عليهم).(1/39)
في حين قال (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33) يونس) قدم (كلمة) على الجار والمجرور لأن الاهتمام ليس منصرفاً إلى هؤلاء وإنما الكلام على الله صاحب الكلمة ونعمه واستحقاقه للعبادة فناسب تقديم (كلمة) نذكر السياق (فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)) الكلام عن الله سبحانه وتعالى (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)) الكلام عن الله فذكر كلمته، (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)) فلما كان الكلام عن الله واستحقاقه للعبادة قدّم (كلمة) ولما كان الكلام على أعداء الله قدّمهم.(1/40)
في آية يس (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) قدّم القول لأنه لم يقل فيهم إلا (فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) والباقي كله ما يفعله الله يعني استحقاق هذه الكلمة أنه جعل في أعناقهم وجعل من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً، فِعْل ربنا بما تستحقه الكلمة فإذن كل تعبير في مكانه المناسب. حقّ القول يعني ثبت لهم العذاب.
* قد يقول قائل حتى في اللغة خارج القرآن محمد بالداخل أو بالداخل محمد، المهم أن محمد بالداخل فما الفرق بين السياقين؟
من الناحية البلاغية أو من مجرد الإفهام العام؟ أنا لو أخطئ في اللغة الآن وأقول حضر محمداً ومحمد حضر فتقول لو قلت محمدٌ!. إذن لا بد أولاً أن تجري على سنن اللغة وليس على مجرد الإفهام العام. حضر محمداً لا تصير على هذا، لا يجوز مع أن السامع يفهم المقصود أن محمد حضر.
* خرق الثوبُ المسمارَ، هذا شاهد نحوي؟
عند بعض أهل اللغة هذه لا تقال إلا فيما يتضح فيه الفاعل قطعاً، عند أمن اللبس، (ورد الحوضُ الفرسَ) عند أولئك يجوز هذه لغة خاصة العرب لم يستعملوها وإنما استعملها قوم من العرب قِلّة ولم يستعملوها إلا فيما أُمن فيه اللبس فقط ما استعملوا أكرم محمد خالد.
* عندما نقول ضرب موسى عيسى فمن الذي ضرب؟
هنا يجب تقديم الفاعل إذا لم يتبين الفاعل من المفعول إلتزم تقديم الفاعل وتأخير المفعول هذا قاعدة، هذا من حيث اللغة. "أكرم أخي صديقي" من الذي أكرم؟ المقدّم قطعاً هو الفاعل.(1/41)
من حيث الدلالة اللغوية الحقيقية أما أن يتكلم كلاماً هكذا، محمد في الداخل هذا إخبار والمخاطَب خال الذهن لا يعلم أين محمد، في الداخل محمد هو يظن أنه ليس في الداخل وإنما في مكان آخر، هذا جواب لسؤال أين محمد؟ محمدٌ في الداخل هو يسأل عن مكانه فقدّم المكان. أين محمد؟ محمد في الداخل، ذاك إخبار أولي تخبره إخباراً. في الداخل محمد قد يظن أنه في المدرسة وليس في داخل البيت قد يظن أنه في السوق، إذا كان المبتدأ معرفة أما إذا كان نكرة فيجب تقديم الجار والمجرور (ولا يجوز الابتدا بالنكرة ما لم تفد).
* إذن يمكن أن نستقرئ مسرح الحالة من خلال الكلمات المكتوبة؟ نستقرأ حال التصور الذهني للمتحدثين والمخاطبين من خلال ما قيل من كلام؟ وعلى هذا النحو جاء القرآن الكريم يقدم ويؤخر؟
صح. وعلى هذا النحو جاء القرآن الكريم لأن هذا من الناحية البلاغية تغني عن النغمة الصوتية لأن أحياناً النغمة الصوتية تؤدي معنى معيناً. من عناصر الجملة النغمة الصوتية، القدامى فطنوا لها يقول إبن جنّي محمد عالم يمد الألف ويقولون محمد عالم عنده علم قليل، يقولون (عنده علم) يفخمون الصوت في (عنده) للدلالة على علمه الكبير بينما يقولون (عنده علم) بدون تفخيم للدلالة على علمه القليل.
*إذن هنالك بعض الرسائل التي تقول الدعاء أعذب نهر جرى، هذا له صدى في الدراسات القديمة؟
يقولون سألنا فلاناً فوجدناه إنساناً (بمد الألف وتفخيم الصوت). نحن نقرأ القرآن بما ورد إلينا من قواعد.
* سياق الآية يدلنا دلالة كاملة؟
يغني لأن القراءة ليست فقط تخاطب وإنما كتابة، التخاطب يكون بين اثنين موجودين، المكتوب الآن أكثر من المسموع فاللغة العربية تعطيك المعنى بهذه الجوانب التقديم والتأخير والقطع وما إلى ذلك وهذه المعاني تعطيك المقصود بينما في اللغات الأخرى ليس فيها تقديم وتأخير.
آية (8):
((1/42)
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8))
* ما معنى الأغلال وما معنى مقمحون؟
الأغلال جمع غُل وهو حلقة من حديد تحيط بالعنق أو باليد، قَيْد، أو تجمع بينهما (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ (29) الإسراء). المُقمَح الذي يرفع رأسه ويغضّ بصره. وقال المعنى أنه جعل في الأعناق أغلالاً يعني أطواق من حديد غلاظ ليست واسعة الفتحة ضيّقة أخذ العنق إلى الذقن فلا يستطيع أن يتحرك ولا يستطيع أن يمد رأسه فلا بد أن يرفع رأسه إلى أعلى ويغض بصره، لا يستطيع أن يلتفت لأن الأغلال تقيّد حركته. هؤلاء إذن لا يتمكنون من الرؤية ولا البصر ولا يهتدون لأنه هذه حالهم فكيف يهتدون؟ فإذن هم بهذه الصورة العنق كله في طوق ثقيل غليظ ليس واسع المساحة إلى العنق بحيث لا يتمكن أن يلتفت ويطأطئ رأسه إذن هو رافعاً رأسه (فهم مقمحون) بيان لحالتهم أن هؤلاء لا يهتدون لأنهم لا يبصرون، لا يبصر فكيف يهتدي؟! هذه حالتهم ولا يمكن حتى أن يلتفتوا لا إلى اليمين ولا إلى اليسار، يتخبط، هذه حالهم.
ذكرنا في قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)) فبيّنا الغُل وقلنا هو حلقة من حديد وذكرنا أنه جعل في أعناقهم أغلالاً يعني طوق من حديد، هذه الأطواق ثِقال عِراض من حيث تشمل الرقبة كلها ليست واسعة الفتحة فهم لا يستطيعون الإلتفات يميناً أو يساراً أو أن يطأطئ رأسه فيبقى رافع الرأس، المقمح هو الرافع رأسه الغاضّ بصره.
آية (9):
(وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9))
* لماذا بدأ تعالى بقوله (من)؟(1/43)
الآن في ذهني أنك سألت عن التقديم والتأخير قبل قليل في الآية التي سبقت (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا) قدّم الأعناق على الأغلال لأن الكلام عليهم وليس عن الأغلال، لم يتكلم عن الأغلال شيئاً بينما الكلام عليهم هم. في هذه الآية تكلم تعالى عن الذين لا يؤمنون أنهم مقمحون وصف حالتهم فقدّمهم ولم يتكلم عن الأغلال.
نأتي للآية الكريمة (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)) أيضاً بالمناسبة لم يقل سداً من بين أيديهم لأن الكلام عليهم وليس عن السد، لم يتكلم عن السد وإنما الكلام عنهم مثل الآية السابقة (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا). يبقى السؤال لماذا ذكر (من)؟ لماذا لم يقل جعلنا بين أيديهم سداً؟ (من) تفيد ابتداء الغاية يعني جعل السد ليس بينهم وبين السد أي فاصل، (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) يعني ليس هناك فاصل بين السد وبين أيديهم لو قال بين أيديهم تحتمل المسافة القريبة أو البعيدة (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) ق) كم بينك وبين السماء؟! كثير، ما قال من فوقهم لا يصح. (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) الملك)، (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا (10) فصلت).
((1/44)
من) كما ذكرنا تفيد ابتداء الغاية فلما قال (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) يعني متصل بهم ليس بينهم وبين السد مسافة وإنما السد ملتصق بهم لو قال (بين أيديهم) تحتمل هذا وتحتمل المسافة البعيدة وذكرنا مثالاً (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) ق) لم يقل من فوقهم لأنها مسافة بعيدة. (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) الملك)، وقال تعالى في فصلت يتكلم عن الأرض (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا (10) فصلت) لأن الجبال هي ملتصقة بالأرض ليس بينها وبين الأرض فاصل لذلك لم يقل رواسي فوقها، (فوقها) تحتمل الملاصقة وعدمها أما (من فوقها) فتهني الملاصقة. وفي مناسبة ذكرنا العرش في يوم القيامة (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ (75) الزمر) ليس بينهم وبين العرش فراغ ولو قال حول العرش تحتمل. إذن عندما قال (من بين أيديهم ومن خلفهم) يعني سد من بين أيديهم ليس بينهم وبينه فاصل ومن خلفهم سد ليس بينهم وبينه فاصل فيمنعهم من الحركة، هم بين سدين. المراد بالمعنى البسيط من الآية أنهم لا يمكن أن يتحركوا فيهتدوا إلى الطريق، هذه حالهم هم محجوزون، في هذه الحالة الطوق في عنقه ومقمح الرأس فكيف يهتدي؟! (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)) الصراط يراد له سالك هؤلاء كيف يسلكون؟! كيف يهتدون؟ هؤلاء معناه أنهم لا يمكن أن يهتدوا، هؤلاء مثلهم كمثل هذا فكيف ينتقل من الكفر إلى الإيمان؟ قال تعالى (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)) الصراط يراد له مشي وهنا ذكر ما يمنع السير، السد يمنع السير وعدم النظر يمنع السير.
*ما دلالة تقديم (من بين أيديهم) على السد؟(1/45)
ذكرنا أن الكلام عليهم هم وليس على السد لم يتكلم عن السد سوى أنه جعله بين أيديهم ومن خلفهم. فلما كان الكلام عليهم والسياق فيهم هم قدّم ما يتعلق بهم قال (من بين أيديهم) الكلام ليس على السد وإنما عليهم هم.
* ما دلالة (ومن خلفهم سداً) مع أنه ذكر أنه جعل من بين أيديهم سداً وهذا يمنعهم من الحركة؟
لم يقل هذا فقط وإنما قال (فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)، يعني هو ليس فقط جعل السد وإنما أغشاهم فكيف يبصرون؟! زيادة في عدم الإهتداء. منع طريقة أن يجوزوا على الصراط بالأغلال في الأعناق وبالسد من بين أيديهم ومن خلفهم وأغشاهم فهم لا يبصرون.
لماذا ذكر السد من خلفهم؟ الآن سائر في طريق فانقطع عليه الطريق ماذا يفعل؟ يرجع إلى مكانه، لكن إذا جعل من خلفه سداً لا يستطيع العودة إذن هو في مقام الهلكة، لا يستطيع أن يذهب إلى الأمام ولا أن يرجع إلى مكانه إذن جعل السد من خلفهم حتى يمنعه من العودة إلى مكانه فهو قطع الطريق عليه من الأمام فأراد أن يرجع إلى مكانه لم يستطع لأن هناك سد من خلفه إذن هو بقي في مكانه حتى يهلك لأن هذا المكان هو مهلكة يبقى في مكانه إلى أن يهلك لم يرجع إلى مكانه ولم يتقدم.
* هل تكرار كلمة السد له دلالة معينة؟
طبعاً، السد الثاني غير السد الأول، هذا غير هذا، هذا نكرة فتكرارها له دلالة، مثل: رأيت رجلاً وأكرمت رجلاً يعني الرجل الثاني غير الأول وإلا قلنا رأيت رجلاً وأكرمت الرجل هو كما في قوله تعالى (كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ (16) المزمل) هو نفسه لو قال فعصى فرعون رسولاً لكان غيره. إذن السد من خلفهم غير السد من بين أيديهم سد من الأمام وسد من الخلف السدان منفصلان تماماً والتنكير هنا له دلالة معينة. لو قال (السد) لدل على أنه نفسه.
* ما الفرق بين دلالة كلمة (خلفهم) و(بعدهم) ؟(1/46)
بعد نقيضة قبل وأظهر استعمال لها في الزمان. أما خلف فهي نقيضة قُدّام (وهي في الغالب للمكان) هذا من حيث اللغة. والخلف في اللغة هوالظهر أيضاً.
أحياناً لا يصح وضع إحداهما مكان الأخرى فلا يمكننا أن نضع خلف مكان بعد ففي هذه الآيات لا يمكن أن تحلّ خلف محل بعد (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) البقرة) (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) البقرة) (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ (230) البقرة) (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) آل عمران) لأن كلها متعلقة بالزمان.(1/47)
أما خلف فهي في الأصل للمكان، (ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) الأعراف) (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) يس) (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) البقرة) (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) النساء) أي يلونهم مباشرة كأنهم واقفين خلفهم وكذلك قوله تعالى (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)).
* قال تعالى في سورة البقرة (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7)) لم يقل هذا في سورة يس مع أن المعنى واحد فما دلالة هذا؟(1/48)
في يس ضمن ما ذكر في البقرة لأنه عندما قال (فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)) كأنما ختم على ابصارهم غشاوة، عندما جعل من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم معناه أنهم لا يسمعون أغشاهم لأن السد عالي فكيف يسمعون؟ أغشاهم إما بالسد أو بغشاء آخر فكيف يسمع؟ إذن ذهب السمع وذهب البصر إذن كيف يفقه؟ منافذ العلم سُدّت إذن هو لا يسمع ولا يبصر ولما كانت منافذ العلم مسدودة معناه لا يفقه بمعنى أن الله ختم على قلوبهم لكن لماذا كان التعبير بصورة أخرى؟ لماذا هناك قال ختم الله على قلوبهم تصريحاً وعلى سمعهم وهنا قال (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)) مع أن هذا يفضي إلى ما في البقرة؟ ذكرنا قبل قليل ربنا تعالى قال في سورة يس (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)) والصراط للسير فذكر ما يمنع السير مناسبة لذكر الصراط وهو يفضي إلى ما في البقرة لكن هو المناسب، ذكر ما يمنع السير وهو السد الذي يمنعه من الذهاب إلى الصراط، يمنعه أن يسير في ، أليس الصراط للسير؟ هو ذكر ما يمنع السير فهو أنسب لذكر الصراط فلما قال (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)) ذكر ما يمنع السير الأغلال التي تمنع والسد.(1/49)
بينما في البقرة قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) هذا يتعلق بالإيمان بالغيب والتقوى، إذن المسألة متعلقة بالإيمان والتقوى في سورة البقرة والتقوى محلها القلب كما قال - صلى الله عليه وسلم - التقوى هاهنا وأشار إلى قلبه فقال (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ) فكيف يتقون؟ هو قال (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) والتقوى هاهنا فكيف يتقي؟! لا يستطيع. ثم ذكر أنه ختم على السمع وعلى الأبصار غشاوة فكيف يؤمن إذا ليس له قلب؟ إنسدت منافذ العلم والتقوى والهدى كلها انسدّت، إنسدت منافذ التقوى السمع والبصر والقلب كما إنسدت الطرق أمام الذي على الصراط فلما كان الكلام على الصراط ذكر ما يمنع من الصراط ولما كان الكلام على التقوى والإيمان ذكر ما يمنع من الإيمان والتقوى. مع أن أحدها يفضي إلى الآخر لكن كل واحد أنسب لسياقها فواحدة أنسب للصراط والثانية أنسب للتقوى والإيمان فكل واحدة مناسبة لمكانها.
*(وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)) لماذا لم يتكرر فعل (جعلنا) كما في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) النبأ)؟(1/50)
التكرار يفيد التوكيد في الغالب. هل المطلوب السير إلى الأمام أو الرجوع؟ السير إلى الأمام، إذن ليسا بمنزلة واحدة الرجوع ليس كالسير إلى الأمام. السير إلى الأمام يكون عندك هدف والأهم هو السير إلى الأمام قال (وجعلنا) إذن العودة إلى الخلف ليست بمنزلة السير إلى الأمام فلم يقل (جعلنا) لأنهما ليسا بمنزلة واحدة ولو قال (وجعلنا من خلفهم سدا) يدل على أنهما بمنزلة واحدة بينما إلى الأمام ليس كـ إلى الخلف. بينما في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) النبأ) كلاهما لا تقوم الحياة إلا بهما وهما بمنزلة واحدة لا تصلح الحياة بأحدهما لا تصلح الحياة بليل لا نهار فيه أو نهار لا ليل فيه وقال تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) القصص) هذان بمنزلة واحدة للحياة الليل والنهار لا تصلح الحياة بأحدهما فكرر (جعلنا) أما في سورة يس فليسا بمنزلة واحدة.
آية (10):
(وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10))
* إذا كان الإنذار وعدمه سواء فلماذا ينذر؟(1/51)
أولاً ربنا أجاب عن هذا فألزمهم الحجة (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) الأعراف) حجة عليهم، إذن الغرض إقامة الحجة والإعذار، هذا من ناحية ثم إذا كان الوعد والإنذار بالنسبة إليهم فليسا سواء بالنسبة إليه لم يقل سواء عليك أأنذرتهم وإنما قال سواء عليهم أأنذرتهم، هو مكلف بالدعوة حتى لمن لا يستجيب لا تسقط عنه حتى لمن علم أنه لا يستجيب فعليه أن يدعو ليس عليه سواء ولكن عليهم سواء هو لا يقف عن الدعوة هذا الأمر وهذا الإنذار في غاية الأهمية لا يسقط حتى لو علم أن هؤلاء سواء عليهم الإنذار لأنه هؤلاء المنذورن المكذبون قد يستهزئون أمام آخر فيسمع فيدخل في عقله شيء مما يسمع، وقد ينقلون شيئاً إلى شخص آخر من باب النقل فيقتنع، قد لا يقتنعون هم لكن قد يقتنع من يسمع. إذن يكون سواء الإنذار عليهم وليس عليه، الإنذار لا يسقط ولا بد أن ينذرهم سواء كان الإنذار عليهم وعدمه سواء أو لم يكن، هم لا يلقون بالاً لهذا ولكن هذا يدخل في صحيفة أعماله أنه بلّغ وفيه حسنات حتى هو ليس مكلفاً أن يستجيب هؤلاء أو لا يستجيبون وإنما هو مكلف بالتبليغ.(1/52)
هذا توصيف لحالهم وليس إلزاماً لهم لكي يقيم الحجة عليهم ولذلك (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)) بالنسبة إليه إذا أنذر هذا دخل في صحيفة أعماله أنه بلّغ فتكتب له حسنات، هذا المبلِّغ الذي يبلّغ تكتب له الأجور وإن لم يستجب أولئك (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ (33) فصلت) إذا كان الإنذار وعدمه سواء عليهم فليس سواء عليه فهو في كل حال مستفيد دخلت في قائمة حسناته حسنات إذن هي ليست سواء عليه وإنما عليهم سواء هو يبلّغ في كل الأحوال حتى لو علم أن هؤلاء لن ينفع معهم يبلِّغ فيقيم الحجة وتكتب له حسنات وإشارة إلى أن الدعوة إلى الله لا تسقط في حال من الأحوال وتقام الحجة عليهم وهو منتفع ترتفع درجاته ومنزلته في الجنة وقد يستفيد عن طريق هؤلاء بالنقل قد ينتفع آخر بما يقوله هؤلاء سواء عن طريق الاستهزاء أو القول أو التندر قد يستفيد غيرهم.
* هذا السياق بهذا التركيب (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)) ألا يجعلنا نفهم أن الأمر للرسول من قبل الله عز وجل طالما أنه ختم عليهم هكذا فلا يبلغهم والدليل (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)) هذا قصر لمن يبلغ ولمن ينذر (صلى الله عليه وسلم)؟(1/53)
ذاك تنذر إنذاراً نافعاً ولا تعني لا تبلِّغ إلا أولئك لأن هؤلاء لا يسقط عنهم الإنذار وإنما ينفع الإنذار من اتبع الذكر وخشي الرحمن إن كان هؤلاء لا ينتفعون. هذه قصر الفائدة وليس قصر الإنذار والتبليغ (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)) هؤلاء يستفيدون من الإنذار وليس قصر الإنذار على هاتين الطائفتين. الإنذار ينفع صنفين صنف الذين اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب والصنف الآخر الذي ليس مقمحاً وإنما من يسمع ويقبل من كان حياً يسمع النصيحة ويقبل ولذلك هم قالوا من اتبع أكثر المفسرين قالوا معناها من اتبع ومن يتّبع لأن الفعل الماضي قد يأتي للمستقبل (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (149) البقرة) خرجت فعل ماضي ولكنها تفيد المستقبل. (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) البقرة) هذه أفعال ماضية، التوبة قبل الكتمان أو بعد الكتمان؟ بعد الكتمان، وقال (يكتمون) ما قال كتموا. هذا موجود في اللغة قد يأتي الماضي للدلالة على المضارع.
آية (11):
(إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ {11})
*هل الإنذار خاص بالكافرين في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)(1/54)
الإنذار في القرآن الكريم لا يكون خاصاً للكفار والمنافقين وقد يأتي الإنذار للمؤمنين والكافرين. والإنذار للمؤمن ليس فيه توعد فهو للمؤمنين تخويف حتى يقوم المؤمن بما ينبغي أن يقوم به كما في قوله تعالى (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ {11} يس) وهذا ليس فيه تخصيص لمؤمن أو كافر. وقد يأتي الإنذار للمؤمنين (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {214} الشعراء) (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ {18}فاطر) وقد يكون للناس جميعاً (وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ {44} ابراهيم) (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {51}) .
آية (12):
*لماذا جاءت (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يس) بالنصب (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) القمر)مرفوعة؟(د.فاضل السامرائى)(1/55)
كل له دلالة (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يس) بالنصب (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) القمر) لم يقل وكلَ شيء فعلوه، لا يمكن أن تقول وكلَّ شيء فعلوه في الزبر المعنى خطأ لأنها تعني أنهم فعلوا كل شيء في الزبر وهم لم يفعلوا شيئاً في الزبر، أصلاً لا يصح. (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر) لا يمكن أن تقول كلُّ شيء تصير غير معنى وتعني المخلوقات على قسمين قسم خلقه ربنا وقسم خلقه واحد آخر. لا يمكن.
* في سورة يس كلمة مبين وردت سبع مرات كثيرة وكل مرة تأتي بمعنى مختلف فلماذا وجودها 7 مرات ودلالة اختلاف معانيها؟(د.فاضل السامرائى)
مبين معناها ظاهر واضح ومُظهِر لنفسه (مبين أبان) وهذه تصلح أن تكون صفة لأشياء متعددة مختلفة: بلاغ مبين، سحر مبين، عدو مبين، ضلال مبين، ظاهر العداوة والدلالة، عدو مبين عن نفسه، ظاهر ومظهِر لنفسه، كتاب مبين، نذير مبين، يمكن أن يكون صفات لأشياء عديدة، فوز مبين مثل عظيم فوز عظيم، عذاب عظيم، قرآن عظيم هي صفة بحسب الموصوف وهنالك أشياء كثيرة يمكن أن توصف بمبين أو عظيم أو كبير.
آية (13):
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13))
((1/56)
واضرب لهم مثلاً): يحتمل هذا التعبير معنيين: المعنى الأول أن المقصود اضرب لأجلهم مثلاً أي بيّنه لهم واذكره لهم وقصّ عليهم قصة أصحاب القرية ليتعظوا وليعلموا أنك لست بدعاً من الرسل وإنما أرسل قبلك رسل وأنذروا قومهم وأن موقفهم من رسلهم كان التكذيب وإنكار الرسالات وأنهم آذوا رسلهم وعذبوهم فأهلكهم الله لعل قومك يتعظون. والمعنى الآخر أن المقصود مثِّل لنفسك حال قومك بأصحاب القرية واجعلهم مثلاً لهم أي شبِّه حالهم بحال أصحاب القرية فإن حال قومك شبيه بحال أصحاب القرية وأن مَثَلهم كمثلهم كما تقول مخاطباً شخصاً: أنا أشبّه حالك بفلان إذ فعل كذا وكذا. وتقول لشخص: أنا أضرب لزيد مثلاً خالداً فإن كليهما قد خسر في تجارته أي اجعله شبيهاً به. وعلى كلا هذين المعنيين يرتبط المثل بما قبله أحسن ارتباط. فإنه على المعنى الأول أي أن تضرب لهم المثل وتبيّنه لهم فإنه يقول له: بيّن لهم شأن أصحاب القرية وموقفهم من رسلهم فإنهم مثلهم في الاعتقاد والتكذيب وستكون عاقبتهم مثلهم إن أصروا على كفرهم وعنادهم لعلهم يتعظون ويرعوون. وعلى المعنى الثاني يكون المقصود أن قومك ليسوا بدعاً من الأقوام فهناك أقوام مثلهم في التعنت والكفر وأنه سواء عليهم الإنذار وعدمه وأنه حق القول على أكثرهم فهو لا يؤمنون وأنت لست وحدك تلاقي من العنت والإيذاء والتكذيب ما تلاقي فهؤلاء أصحاب القرية مثل قومك في موقفهم وعنادهم وإيذائهم رسلهم فقد أرسل إليهم ثلاثة رسل فكذبوهم وآذوهم فتصبّر وتأسّ بهم. وفي ذلك تصبير له وتأسية فيكون ضرب المثل له صلى الله عليه وسلم.(1/57)
والمعنيان مرادان مرتبطان بما قبلهما أجل ارتباط وأحسنه. جاء في التفسير الكبير في قوله (واضرب لهم مثلاً) "وفيه وجهان والترتيب ظاهر على الوجهين: الوجه الأول هو أن يكون المعنى واضرب لأجلهم مثلاً والثاني أن يكون المعنى واضرب لأجل نفسك أصحاب القرية لهم مثلاً أي مثّلهم عند نفسك بأصحاب القرية. وعلى الأول نقول لما قال الله (إنك لمن المرسلين) وقال (لتنذر) قال: قل لهم (ما كنت بدعاً من الرسل) بل قبلي بقليل جاء أصحاب القرية مرسولن وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة. وعلى الثاني نقول: لما قال الله تعالى إن الإنذار لا ينفع من أضلّه الله وكتب عليه أنه لا يؤمن قال للنبي عليه الصلاة السلام فلا تأس واضرب لنفسك وقومك مثلاً أي مثّل لهم عند نفسك مثلاً حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا وصبر الرسل على القتل والإيذاء وأنت جئتهم واحداً وقومك أكثر من قوم الثلاثة فإنهم جاؤوا قرية وأنت بُعثت إلى العالم".
جاء في روح المعاني: "فالمعنى على الأول: اجعل أصحاب القرية مثلاً لهؤلاء في الغلو في الكفر والإصرار على التكذيب أي طبق حالهم بحالهم على أن (مثلا) مفعول ثان لا ضرب و (أصحاب القرية) مفعوله الأول أُخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه. وعلى الثاني اذكر وبيّن لهم قصة هي في الغرابة كالمثل وقوله سبحانه وتعالى (أصحاب القرية) بتقدير مضاف أي مثل أصحاب القرية".(1/58)
وقال (إذ جاءها المرسلون) ولم يقل إذ جاءهم لأنه أراد أنهم أتوهم في مكانهم اينذروهم ولو قال (إذ جاءهم) لم يفد أنهم أتوهم إلى مكانهم بل يحتمل أنهم كانوا في مكان فأتاهم الرسل إليه. فقد يجتمع أهل قرية في مدينة ما ويأتيهم شخص إلى مكان اجتماعهم فيقال جاء أهل القرية فلان وكلّمهم ولم يفد ذلك أنه ذهب إلى قريتهم بخلاف قوله (جاءها) فإنه يفيد أنهم ذهبوا إليهم في دارهم ليبلغوهم دعوة ربهم وينذرونهم وفي هذا من الاهتمام بأمر التبليغ ما فيه. جاء في روح المعاني "وقيل (إذ جاءها) دون (إذ جاءهم) إشارة إلى أن المرسلين أتوهم في مقرهم".
وقال (جاءها) دون (أتاها) ذلك أن المجيء يكون لما فيه مشقة ولما هو أصعب من الإتيان ويبدو أنه كان في المجيء إلى أهل القرية وتبليغهم مشقى وإيذاء وتهديد فاختار المجيء على الإتيان ولذا قال تعالى (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء (40) الفرقان) لأنه كان إتياناً سهلاً وذلك أنهم مروا بها وهم في طريقهم. وقال (حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها (77) الكهف) لأن إتيانها ودخولها كان ميسراً ولم يجدوا من أهلها مساءة أو مشقة فاستعمل (أتيا) دون (جاءا).
آية (14):
(إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ {14})
قال (أرسلنا إليهم) ولم يقل (أرسلنا إليها) كما قال (جاءها) لأن الإرسال في الحقيقة إلى أهل القرية لا إلى القرية أما المجيء فكان إلى القرية فإن القرية تطلق على المساكن والأبنية والضِياع وإن كانت خالية، قال تعالى (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها (259) البقرة) ولذلك قال بعدها (فكذبوهما) فنسب التكذيب إلى أهلها ولم ينسبه إلى القرية لأنهم هم المرسَل إليهم وهم المكذبون.(1/59)
وقوله (فكذبوهما) يدل على أنهما أنذرا أصحاب القرية وبلغاهم دعوة ربهم إلا أنهم كذبوهما وهذه الفاء تسمى فاء الفصيحة وهي التي أفصحت عن المحذوف وهو التبليغ لأن التكذيب لا يكون إلا مع التبليغ فحذف ما هو مفهوم من الكلام وما لا داعي له لأن العناية ههنا بموقف أهلها منهما. وهو الموقف المشابه لموقف أهل مكة. جاء في روح المعاني " وقيل (أرسلنا إليهم) دون (ارسلنا إليها) ليطابق (إذ جاءها) لأن الإرسال حقيقة إنما يكون إليهم لا إليها بخلاف المجيء وأيضاً التعقيب بقوله تعالى (فكذبوهما) عليه أظهر, وهو هنا نظير التعقيب في قوله تعالى (فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت)".
((1/60)
فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) عززنا قوّينا والمعنى فقويناهما غير أنه لم يذكر المفعول به فلم يقل (فعززناهما) ذلك أن المقصود تقوية الحق الذي أرسلوا به علاوة على تقويتهما وليس المقصود تقوية الشخصين فقط، فأخرج الفعل مخرج العموم ولو ذكر مفعولاً به لتقيد التعزيز بذلك المفعول. فنحن نرى فيما نرى أنك تنصر شخصاً وتقويه ولا تنصر فكره ونرى شخصين أو فريقين متخاصمين يحارب أحدهما الآخر أو يقتله وهما يحملان فكراً واحداً. فقال ههنا (فعززنا بثالث) ليدل على أن التقوية عامة لهما ولدعوتهما. وقد ذهب الزمخشري وآخرون إلى أن الغرض من الحذف إنما هو لبيان المقصود ذكر المعزز به وهو الحق الذي أُرسلا به. والذي يبدو لي ما ذكرت والله أعلم. جاء في الكشاف في قوله تعالى (فعززنا بثالث) "فعززنا فقوّينا.. فإن قلت لمَ ترك ذكر المفعول به؟ قلت لأن الغرض ذكر المعزز به... وإذا كان الكلام منصباً إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجهه إليه سواء كأن ما سواه مرفوض مطرح ونظيره قولك (حكم السلطان اليوم بالحق) الغرض المسوق إليه (بالحق) فلذلك رفضت ذكر المحكوم له والمحكوم عليه". وجاء في التفسير الكبير" : وترك المفعول حيث لم يقل (فعززناهما) لمعنى لطيف وهو أن المقصود من بعثهما نصرة الحق لا نصرتهما والكل مقوون للدين المتين بالبرهان المبين".
وأسند التعزيز إلى نفسه سبحانه فقال (فعززنا) كما قال (إذ أرسلنا) للدلالة على أن المرسِل والمعزِّز واحد كل ذلك بأمره سبحانه.
((1/61)
فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) أسند القول إليهم جميعاً لأنهم يدعون بدعوة واحدة وقد انضم الثالث إلى الإثنين في دعوتهما إلى الله سبحانه. (إنا إليكم مرسلون) قالوا مؤكدة بـ (إنّ) لأن الموقف يحتاج إلى توكيد ذلك أن أصحاب القرية كذبوا الرسولين كما أخبر تعالى (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا) ولذا قوّاهما بثالث فاحتاج الكلام بعد التكذيب والتقوية بالثالث إلى توكيد فقال (إنا إليكم مرسلون) وهذا القول إنما هو بعد التكذيب والتعزيز يدل على ذلك (فقالوا) بالجمع وقوله (إنا إليكم مرسلون) بالجمع.
*(إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14) يس) هل كانوا رسلاً أم أنبياء؟ ومن هما؟
هذه مختلف فيها أيضاً قسم قالوا هم رسل عيسى إلى أنطاكيا من الحواريين أرسلهم بأمر الله سبحانه وتعالى وقسم قال هم من رسل الله لم يذكر ربنا سبحانه وتعالى أسماءهم.
آية (15):
(قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15))
((1/62)
قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) أي كيف اختصكم الله بالوحي دوننا ونحن بشر وأنتم بشر؟ وفي هذا القول تكذيب لهم وإنكار للنبوات على العموم وقد فصل ما تضمنته هذه العبارة من تكذيب للمرسلين وإنكار للنبوات بقوله بعد (ما أنزل الرحمن من شيء) فإن هذا القول يعني إنكار النبوات وبقوله (إن أنتم إلا تكذبون) تكذيب لهم خاصة. فذكر الأمر العام الذي يتضمن الأمرين ثم ذكر كل أمر مما تضمنته العبارة وهذا الإنكار شأن كثير من الأمم السالفة فإنهم أنكروا أن ينزل الله على بشر من شيء، جاء في تفسير ابن كثير في قوله (ما أنتم إلا بشر مثلنا) :"أي فكيف أوحي إليكم وأنتم بشرو ونحن بشر فلم لا أوحي إلينا مثلكم؟ ولو كنتم رسلاً لكنتم ملائكة. وهذه شبهة كثيرة في الأمم المكذبة كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله عز وجل (ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا) أي استعجبوا من ذلك وأنكروه وقوله تعالى (قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فائتونا بسلطان مبين) وقوله تعالى حكاية عنهم في قوله عز وجل (ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذا لخاسرون ) وقوله تعالى (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً )".
وقد تقول ولم لم يكتف بقوله (ما أنتم مثلنا) وقد ذكرت أنه يتضمن معنى ما بعده؟ والجواب أنه ليس المقصود من قولهم هذا إثبات بشرية الرسل فإن هذا لم ينازعهم فيه أحد وإنما المقصود إنكار النبوات وتكذيبهم فأوضحوا المقصود وأبانوا عن معتقدهم.(1/63)
ودفعا لحجة الرسل الذين سيحتجون عليهم بقولهم: نعم نحن بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده فيختصه بالرسالة وإن كوننا بشراً لا يمنع من أن يوحي إلينا ربنا وما إلى ذلك من الحجج التي تبين أنه لا مانع من أن يكون البشر رسولاً وأنه لو أرسل ربنا ملكاً لجعله رجلاً ولالتبس عليهم الأمر أيضاً فأبانوا عن معتقدهم بقولهم (وما أنزل الرحمن من شيء) ثم بينوا رأيهم في هؤلاء الرسل فقالوا (إن أنتم إلا تكذبون). وهذه العبارة الأخيرة تعني تكذيب الرسل وعدم الإيمان لهم حتى لو كان الرحمن أنزل شيئاً لأنهم كاذبون فيما يرون.
(وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ) : هذا القول يعني أنهم يؤمنون بالله وينكرون النبوات وهذا شأن كثير من المجتمعات البشرية التي حكى عنها في القرآن نحو قوله (ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة) وقوله (أبعث الله وبشراً رسولا) ومثلهم قوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم يؤمنون بالله وينكرون النبوات. قال تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله (61) العنكبوت). وقال (وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا بشر مثلكم (3) الأنبياء) وقال (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب (2) ق). جاء في روح المعاني :" وظاهر هذا القول يقتضي إقرارهم بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة ويتوسلون بالأصنام". قال الفخر الرازي : "وقوله (الرحمن) إشارة إلى الرد عليهم لأن الله لما كان رحمن الدنيا والإرسال رحمة فكيف لا ينزل رحمته وهو رحمن؟ فقال إنهم قالوا: ما أنزل الرحمن شيئاً وكيف لا ينزل الرحمن مع كونه رحمن شيئاً هو الرحمة الكاملة؟".(1/64)
وقد تقول: ولم قال ههنا (وما أنزل الرحمن من شيء) فأسند الفعل إلى الرحمن وقال في سورة الملك (وقلنا ما نزل الله من شيء (9) الملك). وفي سورة الأنعام (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء (91) الأنعام) بإسناد الفعل إلى الله؟ فتقول إن كل تعبير هو الأنسب في مكانه.(1/65)
فأما في سورة الملك فإنه يشيع فيها ذكر العذاب ومعاقبة الكفار فقد ذكر فيها مشهداً من مشاهد الذين كفروا في النار وسؤالهم عن النذر التي جاءتهم وذلك قوله (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)) ثم حذر عباده من عقوبته وبطشه في الدنيا وألا يأمنوا عذابه من فوقهم أو من تحت أرجلهم وأن يعتبروا بما فعله ربنا مع الأقوام الهالكة (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)) ثم حذرهم مرة أخرى وهددهم بقوله (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)) وعاد مرة أخرى فذكر إنكار الكفار ليوم النشور واستبعادهم له وحذرهم من عقوبات رب العالمين في الدنيا والآخرة فقال (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ(1/66)
اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)) وإزاء كل هذا التحذير والتخويف وذكر مشاهد العذاب لم يذكر بخصوص المؤمنين وجزائهم إلا آية واحدة وهي قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)) فلا يناسب إزاء كل هذا التهديد والتحذير للكافرين وما أعده الله لعذابهم في جهنم أن يقرنه بإسم الرحمن. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن القائلين لهذا القول إنما هم في أطباق النيران وأنهم ألقوا فيها فوجاً بعد فوج وقد اشتد غضب الله عليهم ولم تدركهم رحمته فلا يناسب ذكر الرحمن هنا أيضاً.
ثم إن الله جعل العذاب بمقابل الرحمة فقال (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) الحجر) ولما كان المشهد مشهد العذاب كان ذلك في مقابل الرحمة فلا يناسب هذا العذاب ذكر الرحمة وبخاصة أن هؤلاء كفروا بربهم فلا ترجى لهم رحمة ولا ينالهم من إسم الرحمن نصيب.
ومن ناحية أخرى إن القائلين في سورة يس إنما هم في الدنيا وهم يتقلبون في نِعم الله ورحمته أما القائلون في سورة الملك فإنما هم في جهنم وقد يئسوا من رحمته سبحانه فناسب كل تعبير موطنه.(1/67)
وأما سورة الأنعام فإنها يشيع فيها التحذير والتهديد والتوعد وليس فيها مشهد من مشاهد الجنة وإنما فيها صور غير قليلة من مشاهد النار. كما أن السورة لم يرد فيها إسم (الرحمن) على طولها في حين ورد فيها إسم (الله) تعالى (87) سبعاً وثماني مرة فناسب كل تعبير مكانه.
(إن أنتم إلا تكذبون)
لقد واجهوهم بالتكذيب صراحة بعد أن ذكروا ذلك ضمناً بقولهم (ما أنتم إلا بشر مثلنا) وقولهم (وما أنزل الرحمن من شيء) وكان النفي والإثبات بـ(ما) و(إلا) في قوله (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) وهنا بـ (إنْ) و(إلا) (إن أنتم إلا تكذبون). ذلك أن (إنْ) أقوى في النفي من (ما) فوضع كل حرف في الموضع الذي يقتضيه ذلك أن قولهم (ما أنتم إلا بشر مثلنا) غير منكور وهو معلوم للجميع. أما قولهم (إن أنتم إلا تكذبون) فهو موضوع النزاع فإنه الوصف الذي يلصقه أهل القرية بهم ويدفعه المرسلون عن أنفسهم فإن كونهم بشراً لا يحتاج إلى إثبات أو دليل بخلاف إثبات الكذب وأهل القرية لم يذكروا بشريتهم إلا ليصلوا إلى تكذيبهم فإن الغرض من قولهم (ما أنتم إلا بشر مثلنا) ليس إثبات البشرية لهم وإنما هو إثبات الكذب عليهم فناسب ذكر أقوى الحرفين فينا فيه قوة وإنكار ويحتاج إلى إثبات.
آية (16):
(قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16))(1/68)
بعد أنا بالغ أصحاب القرية في تكذيبهم وردهم رداً غير جميل لم يتركهم رسل الله ولم يرحلوا عنهم وإنما أقسموا على صدقهم واستمروا على إبلاغهم دعوة ربهم قائلين (قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) وفي هذا توجيه للدعاة أن لا يسأموا إذا جوبهوا بما يكرهون أو رُدوا رداً غير جميل أو اتهموا باتهامان باطلة بل عليهم أن يعيدوا النصح والتبليغ. وقولهم (ربنا يعلم) يجري عند العرب مجرى اليمين ويجاب بما يجاب به القسم فقوله (علم الله) و(ربنا يعلم) وما إلى ذلك هو نوع من القسم في كلام العرب ولذا أجيب بما يجاب به القسم وهو الجملة الإسمية المؤكدة بـ(إن واللام). واختيار هذا التعبير أنسب شيء هنا فإنه إضافة إلى القسم الذي فيه فإنهم نسبوا العلم إلى الله فقالوا (ربنا يعلم ذلك) فإنهم أرسلوا بأمره وبعلمه. وهو ههنا أبلغ من مجرد القسم بأن نقول (والله) أو (وربنا) فإن أصحاب القرية قالوا إن الرحمن لم ينزل شيئاً وإنكم تكذبون فيما ادعيتم به فرد عليه الرسل بأن ربنا يعلم صدقنا وإننا مرسلون إليكم. وقيل إن من قال (يعلم الله ذلك) وهو غير صادق فيما يقول فقد كفر لأنه نسب إلى الله الجهل بخلاف اليمين الكاذبة.
واختيار (الرب) مع الرسالة أنسب شيء فإن الرب هو المربي والهادي والهداية هي المقصودة من الرسالة ولذلك كثيراً ما يقترن الإرسال بالرب وذلك نحو قوله تعالى (لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا (134) طه) وقوله (ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا (47) القصص) وقوله (لقد أبلغتكم رسالة ربي (79) الأعراف) وقوله (إني رسول رب العالمين (46) الزخرف).(1/69)
وإضافته إلى ضمير المتكلمين (ربنا) يعني أن ربهم الذي خلقهم وله كمال الصفات هو الذي أرسلهم وأيدهم بالمعجزات ولو قالوا (ربكم يعلم...) لاحتمل أن يقولوا لهم: إن ربنا لا يرسل الرسل. ثم إنهم اتخذوا أرباباً لا تسمع ولا تبصر ولا تفقه فكيف ترسل الرسل؟ ثم إن ذلك يعني أن ربهم هو الذي أرسلهم إلى أهل القرية لأنه ربهم أيضاً ولو لم يكن ربهم لم يعنه أمرهم فإضافة الرب إلى ضمير المتكلمين له أكثر من مناسبة ودلالة. وتقديم الرب على الفعل يفيد التوكيد والتقوية. وتقديم الجار والمجرور (إليكم) يفيد التخصيص أي إنا أرسلنا إليكم على وجه الخصوص لنبلغكم رسالة ربنا.
وقال ههنا (لمرسلون) باللام وقبلها (مرسلون) بلا لام وذلك زيادة في التوكيد لزيادة الإنكار. فقد أكد العبارة الأولى بـ(أن) بعد التكذيب فلما زاد التكذيب والإنكار بثلاث جمل كل منها غاية في التكذيب والإنكار زاد في التأكيد. فقد قال في المرة الأولى (إنا إليكم مرسلون) وفي المرة الأخرى (ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) فأكد بالقسم وهو قوله (ربنا يعلم) وبالجملة الإسمية وهو تقديم ربنا على الفعل وبإنّ واللام فكان كل تعبير المناسب للمقام.
جاء في التفسير الكبير في قوله تعالى (قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) إنه "إشارة إلى أنهم بمجرد التكذيب لم يسأموا ولم يتركوا بل أعادوا ذلك وكرروا القول عليهم وأكدوه باليمين و (قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) وأكدوا باللام لأن (يعلم الله) يجري مجرى القسم لأن من يقول (يعلم الله) فيما لا يكون فقد نسب الله إلى الجهل وهو سبب العقاب كما أن الحنث سببه". وجاء في روح المعاني "استشهدوا بعلم الله تعالى وهو جار مجرى القسم في التأكيد والجواب بما يجاب به وذكر أن من استشهد به كاذباً يكفر ولا كذلك القسم على كذب وفيه تحذيرهم معارضة علم الله تعالى.(1/70)
وفي اختيار عنوان الربوبية رمز إلى حكمة الإرسال كما رمز الكفرة إلى ما ينافيه بزعمهم. وإضافة (رب) إلى ضمير الرسل لا يأبى ذلك ويجوز أن يكون اختياره لأنه أوفق بالحال التي هم فيها من إظهار المعجز على أيديهم فكأنهم قالوا: ناصرنا بالمعجزات يعلم أنا إليكم لمرسلون. وتقديم المسند إليه لتقوية الحكم أو للحصر أي ربنا يعلم لا أنتم لانتفاء النظر في الآيات عنكم.... وجاء كلام الرسل ثانياً في غاية التأكيد لمبالغة الكفرة في الإنكار جداً حيث أنه أتوا بثلاث جمل وكل منها دال على شدة الإنكار كما لا يخفى على من له أدنى تأمل".
*مفعول الفعل علِم مفتوح الهمزة (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ (20) المزمل) (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) الحاقة) لكن ورد في بعض المواضع مكسور الهمزة (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) التوبة) (قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) يس) (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون) لماذا وردت عكس القاعدة؟(د.حسام النعيمى)
فعل علِم ينبغي أن يأتي بعدها (أن) مفتوحة الهمزة لكن إذا جاءت اللام التي سميناها اللام المزحلقة أي لام الإبتداء كما في قولنا (علمت أن زيداً ناجح) فإذا قلنا (علمت إن زيداً لناجح) عند ذلك نكسر الهمزة في (إن). في ألفية إبن مالك توضيح هذه المسألة:
فاكسر في الإبتدا وفي بدء صلة وحيث إنّ لِيَمينٍ ُمكمله
أو حُكيت بالقول أو حلّت محلّ حالٍ كزُرته وإني ذو أمل
وكسروا من بعد فِعلٍ عُلّقا باللام كاعلم إنه لذو تُقى
فحيثما جاءت اللام تُكسر الهمزة كما في قوله تعالى ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون).
آية (17):
((1/71)
وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17))
ذكروا أن مهمتهم هي البلاغ المبين حتى إن كذبوهم وأساؤا إليهم فإن هذا لا يثنيهم عن البلاغ لأن هذا أمر نيط بهم وعليهم تنفيذه. ومعنى (علينا) أي نحن مكلفون بذلك وهو واجبنا فواجب الرسل هو التبليغ بل يلزمنا البلاغ المبين أي المبين للحق المظهر له والذي يصل إلى عموم المكلفين بحيث لا يبقى أحد لا يسمع به ولا يعلم ما هو فلا يصح أن نسر ذلك إلى شخص أو نبلغه إلى جماعة مخصوصة فإن ذلك لا يكون بلاغاً مبيناً فالبلاغ المبين يتضمن أمرين: الأمر الأول إيضاح الرسالة وتبليغها كلها بحيث لا يبقى منها شيء غير مبلغ ولا غير معلوم. والأمر الآخر أن يكون التبليغ شاملاً لكل من أرسل إليهم واصلاً إلى كل فرد فلا يترك سبيلا لإيصال الدعوة إلى كل من تعنيه. وإلا لم يكن بلاغاً مبيناً. وعلى هذا فإن عليهم أن يبلغوا كل ما أرسلوا به وألا يكتموا منه شيئاً وأن يوصلوه إلى جميع أصحاب القرية وهذان الأمران لا يصدهم عنهما صاد ولا يدفعهم عنهما دافع لأن ذلك مما ألزموا به إلزاماً.
جاء في التفسير الكبير " و(المبين) يحتمل أموراً: أحدهما البلاغ المبين للحق عن الباطل أي الفارق بالمعجزة والبرهان وثانيها البلاغ المظهر لما أرسلنا للكل أي لا يكفي أن نبلغ الرسالة إلى شخص أو شخصين وثالثها اللبلاغ المظهر للحق بكل ما يمكن".
آية (18):
(قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18))(1/72)
تطيرنا بكم أي تشاءمنا بكم فلم نر على وجوهكم خيراً في عيشنا. وقد تقول لقد قال في سورة النمل في قوم صالح (قالوا اطيرنا بك وبمن معك (47) النمل) فأبدل وأدغم فلم لم يقل ههنا كما قال ثمَّ؟ والجواب أنا ذكرنا في كتابنا بلاغة الكلمة في التعبير القرآني أن (اطّير) ونحوه كادّبّر واطّهّر أبلغ من (تطير) ونحوه لمكان التضعيف في الفاء زيادة على تضعيف العين فدل على أن التطير في سورة النمل أشد منه مما في هذه الآية، يدل على ذلك أنهم في هذه الآية هددوهم بالرجم والتعذيب إن لم ينتهوا. وأما في سورة النمل فقد تعاهدوا وتقاسموا بالله على قتله مع أهله (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله (49) النمل) فدل على أن تطيرهم في سورة النمل أقوى وأشد.
وقد تقول إذا كان الأمر كذلك فلم إذن أكّد التطير بـ (إنّ) في سورة يس فقال (إنا تطيرنا بكم) ولو يؤكده في سورة النمل فإنه قال (قالوا اطيرنا)؟ والجواب أنه لا يلزم في الكلام توكيد كل فعل فيه مبالغة وشدة دوما فإنه إذا ذكر المتكلم فعلاً أقوى وأبلغ من فعل أو وصفاً أقوى من وصف لا يلزمه أن يؤكد الفعل أو الوصف الأقوى منهما وإنما يكون ذلك بحسب الغرض فله أن يؤكد أي واحد منهما بحسب ما يقتضيه الكلام فله أن يقول مثلاً (اصطبرت عليك وإني صبرت على فلان) فيذكر الإصطبار من دون توكيد ويؤكد الصبر مع أن الاصطبار أبلغ وأقوى من الصبر لأن الغرض من العبارة أن يخبر باصطباره عليه ويؤكد صبره على الآخر.
ولك أن تقول (إنه كاذب) فتؤكد إسم الفاعل وتقول (هو كذاب) فلا تؤكد صيغة المبالغة مع أن المبالغة أقوى من إسم الفاعل ولا يلزم من مبالغة الوصف التوكيد وإنما يكون ذلك بحسب الغرض. قال تعالى (وإنهم لكاذبون) في أكثر من موطن فأكّد بـ(إنّ) واللام.
وقال (هذا ساحر كذاب (4) ص) و(بل هو كذاب أشر (25) القمر) ولم يؤكد مع أن (كذاب) صيغة مبالغة فأكد إسم الفاعل ولم يؤكد المبالغة.(1/73)
والذي أريد أن أخلص إليه أن المبالغة في الفعل والوصف لا تقتضي التوكيد دائماً وإنما ذلك بحسب الغرض والمقام فلك أن تؤكد أيّ فعل أو وصف أو لا تؤكده ولك أن تؤكد ما هو أقل مبالغة ولا تؤكد الأقوى وبالعكس فكل ذلك إنما يكون بحسب ما يقتضيه الكلام. وإيضاح ذلك أنك قد تذكر شخصاً هو موضع ثقة كبيرة عند من تخاطبه فتقول له (هو كاذب) فينكر ذلك عليك فتؤكد ذلك بقولك (إنه كاذب) ثم ينكر عليك قولك إنكاراً أشد ن الأول فتقول له (إنه لكاذب). وتقول عن شخص آخر معروف بكثرة الكذب (هو كذاب) فلا تحتاج إلى توكيد لأن مخاطبك لا ينكر ذلك عليك. فأنت احتجت إلى أن تؤكد إسم الفاعل دون المبالغة.
ونعود إلأى الآيتين فنقول إن قوم صالح أخبروه بتطيرهم الشديد وأما أصحاب القرية فإنهم أكدوا تطيرهم وهو نظير قولنا (اصطبرت عليك وإني صبرت على فلان) أو (هو مكتسب وإن زيداً كاسب) فيؤكد الأقل دون الأقوى.
إنه في آية يس قوله (قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) أكد التطير بـ (إنّ) وفي آية النمل وهي قوله (قالوا اطيرنا بك وبمن معك) لم يؤكده ذلك أن كل موطن يقتضي ما ذكر فيه.(1/74)
فإن أصحاب القرية أطالوا في كلامهم ولم يكتفوا بذكر التطير وإنما هددوهمبالرجم والتعذيب فقالوا (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) في حين كان الكلام موجزاً في سورة النمل فقد ذكروا التطير ولم يهددوهم بشيء فناسب الإيجاز الإيجاز وناسب التفصيل التفصيل. ولا شك أن القول (تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) أطول من (اطيرنا بك وبمن معك). هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن أصحاب القرية هددوهم بالرجم والتعذيب مؤكدين ذلك بالقسم ونون التوكيد (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) فناسب ذلك توكيد التطير في حين أن قوم صالح لم يهددوهم بشيء فناسب التوكيد في آية يس دون آية النمل. وهناك أمر آخر وهو أن رهطاً من قوم صالح كانوا يدبرون له ولأهله أمراً خفياً لا يريدون إشاعته ولا أن يعلم به غيرهم وهو أن يبيتوه وأهله بليل أي أن يغيروا عليهم ليلاً ويقتلوهم من دون أن يعلم أحد ثم إنهم إن سئلوا عن ذلك أجابوا أنهم لا يعلمون ذاك وقد تعاهدوا على ذلك وأقسموا عليه (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله) وهذا يقتضي عدم التهديد والتوعد المعلن لأنه سيفتضح أمرهم بل يقتضي عدم التوكيد في الكلام ولذا ذكروا أنهم متطيرون بهم ليس غير. فاقتضى كل موطن التعبير الذي ورد فيه. هذا علاوة على تردد التوكيد بـ(إنّ) في قصة أصحاب القرية أكثر من مرة (إنا إليكم مرسلون، إنا إليكم لمرسلون، إنا تطيرنا بكم، إني إذا لفي ضلال مبين، إني آمنت بربكم فاسمعون). في حين لم يرد ذلم في قصة صالح إلا قوله (وإنا لصادقون) فناسب كل تعبير موطنه وأما قوله (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين (51)) وقوله (إن في ذلك لآية (52)) فهذا من التعقيب على القصة وليس فيما دار فيها من كلام.(1/75)
جاء في التفسير الكبير: "لما ظهر من الرسل المبالغة في البلاغ ظهر منهم الغلو في التكذيب فلما قال المرسلون (إنا إليكم مرسلون) قالوا (إن أنتم إلا تكذبون) ولما أكد الرسل قولهم باليمين حيث قالوا (ربنا يعلم) أكدوا قولهم بالتطير بهم".
(لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) : بعد أن ذكروا تطيرهم بهم هددوهم بالرجم إن لم يكفوا عن دعوتهم وقد أكدوا ذلك بالقسم وبنون التوكيد ويدل على القسم اللام الداخلة على (إنْ) وهي اللام المطئة للقسم أي الدالة عليه وأكدوا تهديدهم بنون التوكيد الثقيلة الداخلة على الفعل (لنرجمنكم) فكما أكدوا تطيرهم بـ (إنْ) أكدوا تهديدهم بالقسم ونون التوكيد. وقد تقول لقد قال في مكان آخر (لتكونن من المرجومين (116) الشعراء) وقال في سورة مريم (لئن لم تنته لأرجمنك (46)) فلم لم يجعل التعبيرات على نمط واحد؟ والجواب أنه لا يصح جعلها على نمط واحد لأن المعنى مختلف والمقام مختلف ذلك أن قولك (لأرجمنك) يعني لأوقعن عليك الرجم ولا يعني أن هناك مرجومين معه أو نالهم الرجم. وقولك (هو من المرجومين) يعني أنه واحد ممن نالهم الرجم. فلا يصح في سورة يس أن يقال (لئن لم تنتهوا لتكونن من المرجومين) لأنه ليس هناك أشخاص آخرون غير هؤلاء نالهم الرجم فيكونون منهم. وكذلك في آية مريم فإنه قال (لئن لم تنته لأرجمنك) ولم يقل (لتكونن من المرجومين) لأنه ليس هنام آخرون معه نالهم الرجم أو سينالهم فإن هذا الكلام موجه من أبي إبراهيم لولده إبراهيم عليه السلام وحده. أما في سورة الشعراء فإنه تهديد لنوح ولمن معه (قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) أي لئن لم تنته لتكونن من الذين ينالهم الرجم. ولو قال (لنرجمنك) لكان الرجم مختصاً بنوح دون من آمن معه.(1/76)
فإن قيل ولم لم يقل (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) كما قال في سورة يس؟ والجواب أن الرسل في سورة يس ثلاثة كلهم بمنزلة واحدة داعون إلى الله مبلغون لرسالته ولذلك جاء الكلام على أنفسهم بصيغة الجمع (قالوا إنا إليكم مرسلون، قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون، وما علينا إلا البلاغ المبين) وكان التطير بهم جميعاً (قالوا إنا تطيرنا بكم) فكان الخطاب لهم جميعاً. وأما نوح فهو رسول واحد يبلغ عن ربه أما البقية فهم أتباع وهو صاحب الدعوة والمبلغ فخوطب وطلب منه الكف فقالوا (لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) أي لنرجمنك ومن معك فهذا تهديد له ولأتباعه. وهذا القول نظير ما قاله قوم لوط للوط (لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين (167) الشعراء) أي لنخرجنك ومن معك بدليل قوله تعالى على لسان قومه (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون (82) الأعراف) وقوله (اخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون (56) النمل) فلما واجهوا لوطاً قالوا له لتكونن من المخرجين أي لتكونن واحداً منهم وهو تهديد له ولأتباعه أيضاً. فكان كل تعبير هو المناسب في مكانه.
((1/77)
وليمسنكم منا عذاب أليم) : هددوهم بالعذاب الأليم إضافة إلى الرجم فإنهم لم يقولوا (أو ليمسنكم منا عذاب أليم) فيهددوهم بأحد الشيئين بل جاؤا بالواو التي تفيد الجمع قم أعادوا اللام الواقعة في جواب القسم (ليمسنكم) للدلالة على أن التهديد بالعذاب مؤكد كالمعطوف عليه لأنه أحياناً يكتفي باللام الداخلة على الفعل الأول أما الفعل الثاني فيكتفي فيه بنون التوكيد فيكون الثاني أقل توكيداً وذلك كقوله تعالى (لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم (11) الحشر) فإنه أدخل اللام الموطئة في قوله (لئن أخرجتم) ولم يدخلها على المعطوف وإنما اكتفى بتوكيد الفعل فقال (وإن قوتلتم لننصرنكم) فكان الثاني أقل توكيداً من الأول ذلك أنهم أكدوا الفعل الأول لأنه أيسر عليهم ولم يؤكدوا الثاني لأنه أصعب عليهم وأشق.(1/78)
وكان هناك خيار آخر وهو أن يخفف النون في الفعل المعطوف نظير قوله تعالى (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجننّ وليكوننْ من الصاغرين (32) يوسف) فيكون ما دخلت عليه النون الثقيلة آكد مما دخلت عليه النون الخفيفة ولكنه لم يفعل هذا ولا ذاك بل أعاد اللام وأتى بالنون الثقيلة للدلالة على أنهما بمنزلة واحدة في التوكيد وأنهم سيفعلونهما جميعاً. ثم قالوا (منا) للدلالة على الجهة التس ستقوم بالعذاب فالجهة التي ستقوم بالرجم والعذاب واحدة (لنرجمنكم وليمسنكم منا) فإنه لم يقل (وليمسنكم عذاب أليم) فيُبهم الجهة إذ لعله لو قالوا ذاك لفهم منه أنهم يقصدون أن آلهتهم هي التي ستمسهم بالعذاب. وقدم الجار والمجرور (منا) على العذاب لأكثر من سبب ذلك أن الكلام عليهم وهم مدار الإسناد (قالوا إنا تطيرنا، لنرجمنكم، وليمسنكم منا) فناسب تقديم ضميرهم فإنهم هم المتطيرون وهم الراجمون وهم المعذبون. ثم إن تقديم الجار والمجرور يفيد تعلقه بالفعل (ليمسنكم) أي (ليمسنكم منا) أي نحن الذين نعذبكم ونتولى أمر ذلك بأنفسنا ولا ندع ذلك لغيرنا ممن قد يرقّ لحالكم أو يخفف عنكم. ول قال (ليمسنكم عذاب أليم منا) لاحتمل أن يكون (منا) صفة لـ (عذاب) وعلى هذا الاحتمال يكون العذاب صادراً منهم أمره أما الذي يقوم بالتعذيب فهو غيرهم وهذا يكون نظير قولنا: "اتسعرت لمحمد كتاباً" و "استعرت كتاباً لمحمد" فإن الجملة الأولى يكون تعلق الجار والمجرور فيها بـ (استعرت) فتكون الإستعارة لمحمد أي "استعرت لمحمد" "كتاباً"، أما الجملة الثانية فتحتمل هذا المعنى وتحتمل معنى آخر وهو استعرت كتاباً عائداً لمحمد أي أن الكتاب هو كتاب محمد وأنت استعرته فيكون المعنى على النحو الآتي: (استعرت) (كتاباً لمحمد) فكان تقديم الجار والمجرور هو الأنسب.
آية (19):
(قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19))(1/79)
طائركم أي ما طار لكم من الخير والشر أو حظكم ونصيبكم منهما معكم وهو إنما يكون من أفعالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ. وفسر الطائر بالشؤم "أي شؤمكم معكم وهو الإقامة على الكفر وأما نحن فلا شؤم معنا لأنا ندعو إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وفيه غاية اليمن والخير والبركة" (روح المعاني).
(إئن ذكرتم) أي أئن ذكرتم بما هو خير لكم في الدنيا والآخرة تطيرتم أو تتوعدونا بالرجم والتعذيب؟ وحذف جواب الشرط لإطلاقه وعدم تقييده بشيء معين.
(بل أنتم قوم مسرفون) أي مجاوزون للحد في المعاصي أو في التطير أو في العدوان وأطلق الإسراف ولم يقيده بشيء ليشمل كل إسراف في سوء.
آية (20-21):
*ما دلالة التقديم والتأخير لكلمة رجل في الآيتين (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى (20) يس) و (وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى (20) القصص)؟(1/80)
الآية الأولى في سورة يس والأخرى في سورة القصص في قصة موسى - عليه السلام - . (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) يعني هو فعلاً جاء من أقصى المدينة أي من أبعد مكان فيها. (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) ليس بالضرورة ذلك وإنما تحتمل هذا المعنى وغيره. تحتمل أنه فعلاً جاء من أقصى المدينة وتحتمل لا هو من سكان تلك الأماكن البعيدة لكن ليس مجيئه من ذلك المكان ليس بالضرورة. كما تقول جاءني من القرية رجال تعني أن المجيء من القرية، جاءني رجال من القرية أي قرويون هذا يحتمل معنيين في اللغة، هذا يسمونه التعبير الاحتمالي. هناك نوعين من التعبير تعبير قطعي وتعبير احتمالي يحتمل أكثر من دلالة والتعبير القطعي يحتمل دلالة واحدة. لما تقول جاءني رجال من القرية تحتمل أمرين الرجال جاءوا من القرية أي مجيئهم من القرية وجاءني رجال من القرية احتمالين أن المجيء من القرية وتحتمل أنهم رجال قرويون ولكن ليس بالضرورة أن يكون المجيء من القرية. كما تقول: جاءني من سوريا رجل يعني رجل سوري وجاءني رجل من سوريا ليس بالضرورة أن يكون جاء من سوريا، جاء من سوريا رجل يعني جاء من سوريا. وجاء من أقصى المدينة رجل يعني جاء من أقصى المدينة، أما جاء رجل من أقصى المدينة ليس بالضرورة فقد يكون من سكان الأماكن البعيدة، مكانه من أقصى المدينة لكن ليس بالضرورة أن المجيء الآن من ذاك المكان وقد يكون من مكان آخر..(1/81)
سؤال: تعقيب الآية في سورة يس (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)) أما في القصص فالتعقيب (فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) المجيء في سورة يس أهم لذا قال (رجل يسعى) جاء لتبليغ الدعوة وإشهار الدعوة وأن يعلن ذلك أمام الملأ مع أنهم كلهم ضد على أصحاب يس، على الرسل وهناك في القصص جاء ليسرّ في أذن موسى - عليه السلام - كلاماً (إن الملأ يأتمرون بك). هذا إسرار أما ذاك فإشهار، ذاك تبليغ دعوة وهذا تحذير. في قصة يس أن القرية كلها ضد الرسل (إن لم تنتهوا) موسى لم يقل له أحد هذا. في يس كان إشهار الدعوة خطر على الشخص تحتاج إلى إشهار لكن عاقبتها خطر على الشخص. في القصص ليس كذلك لأنه ليس هناك ضد لموسى - عليه السلام - فلما كان الموضوع أهم وإن موضوع الدعوة لا يعلو عليه شيء والتبليغ لا يعلو عليه شيء وهو أولى من كل شيء قال (من أقصى المدينة رجل يسعى) يحمل هم الدعوة من أقصى المدينة ويسعى ليس متعثراً يخشى ما يخشى وإنما وقال يسعى لتبليغ الدعوة وليس مجيئاً اعتيادياً هكذا لكنه جاء ساعياً. ذاك جاء ساعياً أيضاً لأمر مهم لكنه أسرّ إلى موسى - عليه السلام - ولهذا جاء التقديم والتأخير بحسب الموضوع الذي جاء من أجله. فلما كان الموضوع أهمّ قدّم (جاء من أقصى المدينة) يحمل هم الدعوة. وفي الموضوع الآخر أخّر.
سؤال: الجُمَل بعد المعارف أحوال وبعد النكرات صفات، صفة رجل يس يسعى لذا عدد القرآن بعض أقواله ومناقبه أما رجل القصص؟
يحتمل أن شبه الجملة (من أقصى المدينة) أن يكون صفة و(يسعى) صفة ثانية هو كونه من أقصى المدينة فتكون صفة، يحتمل أن الجار والمجرور صفة ويسعى صفة ثانية. كلمة يسعى بعد المدينة وبعد رجل، كلمة (رجل) كلاهما نكرة. جملة (يسعى) صفة في آية يس وفي القصص (يسعى) صفة للرجل وليست للمدينة. كلمة رجل في الحالتين نكرة فجملة يسعى في الآيتين صفة. يسعى صفة للرجل في الحالتين.(1/82)
*فى إجابة أخرى للدكتور فاضل:
من حيث الدلالة اللغوية أصل المجيء مختلف بين الآيتين نقول مثلاً جاء من القرية رجل بمعنى أن مجيئه كان قطعياً من القرية وهذا تعبير قطعي أم إذا قلنا جاء رجل من القرية فهذا تعبير احتمالي قد يكون جاء من القرية أو يكون رجلاً قروياً ولم يجيء من القرية كأن نقول جاء رجل من سوريا فهذا لا يعني بالضرورة أنه جاء من سوريا ولكن قد تعني أنه سوري. وإذا قلنا جاء رجل من أقصى المدينة رجل يسعى تحتمل أن يكون من سكان أقصى المدينة وتحتمل أن مجيئه كان من أقصى المدينة. وفي سورة يس (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) تعني أنه جاء قطعياً من أقصى المدينة لأن مجيء صاحب يس كان لإبلاغ الدعوة لأن الرسل في السورة قالوا (وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ {17}) والبلاغ المبين هو البلاغ الواضح الذي يعمّ الجميع فمجيء الرجل من أقصى المدينة تفيد أن الدعوة بلغت الجميع وبلغت أقصى المدينة ليتناسب مع البلاغ المبين. أما في سورة القصص في قصة موسى - عليه السلام - (التعبير احتمالي) فالرجل جاء من أقصى المدينة للإسرار لموسى - عليه السلام - .
*ما سبب التقديم والتأخير في آية سورة يس (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)) وسورة القصص (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ( 20))؟ (د.حسام النعيمى)
((1/83)
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ( 20) القصص) هذه الآية لو تأملناها: لما يأتي النظام على صورته الطبيعية المفروض أن لا يرد السؤال فالنظام طبيعي هو أن يأتي الفعل ، الفاعل ثم المتممات للفعل مثل المفعول به أو المفعول معه أو الحال أو التمييز أو غيره. هذا نظام الجملة العربية فعل وفاعل ومتممات فلما يأتي نظام (جاء رجل) هذا على النظام طبيعي المفروض لا يُسأل عنه. مع ذلك لأنه ورد في مكان آخر (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) يس) يرد السؤال لِمَ لم يحدث تغيير هنا كما حدث في الآية الأخرى؟ نحن سنشرح لماذا حدث التغيير في الآية الثانية؟ السؤال لم لم يحدث فيه تغيير كما هو حدث في الآية الثانية يعني أن يقول في غير القرآن: (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك) هذا الرجل مقصود من الآية أن إنساناً حذّر موسى وكان لإهتمامه أنه جاء يسعى من أقصى المدينة فللإهتمام بالرجل الذي عرّض نفسه للمخاطرة لما يأتي ويحذّر موسى أن هناك من يأتمر بك ويُعرّض نفسه للخطورة ولذلك كان الإهتمام به فقدّم (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) لأنه جاء محذّراً ثم ذكر المكان الذي جاء منه والهيئة التي جاء بها على أن الأصل أن يأتي بعد الفعل مباشرة لكن مع ذلك حتى هذا الأصل حوفظ عليه لأن هناك إهتمام بهذا الإنسان الذي عرّض نفسه للخطر، يعني ليس هناك إهتمام بأقصى المدينة.(1/84)
هذه واحدة ولما ننتقل إلى الآية الأخرى نجد أنه (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) يس) هذا ما جاء ليحذّر وإنما جاء ليدعم المرسلين. جاء ليقويّ التبليغ في الدعوة. لما يأتي ليقويّ التبليغ في الدعوة يعني هو كان مؤمناً إذن هذه شهادة للمرسلين بأن دعوتهم بلغت أقصى المدينة. فإذن المكان هنا أهمّ من الرجل حتى يفهم القارئ أن هؤلاء المرسلين بلّغوا الدعوة ونشروها بحيث وصلت إلى أقصى المدينة فقال (وجاء من أقصى المدينة) ثم بعد ذلك قال (رجل) هو غير معتني بالرجل وإنما معتني بالمكان أنه من هذا المكان البعيد جاء مؤمناً فإذن هم إشتغلوا في نشر الدعوة بحيث بلغوا في دعوتهم إلى أقصى المدينة. وهذا هو الفارق لذلك هنا المكان أهم حتى يُظهر جهدهم وما بذلوه من نشر للدعوة.
يقال الجمل بعد المعارف أحوال وبعد النكرات صفات فهل رجل في الآية الثانية بعد نكرة هي صفة؟: كلمة (رجل) نكرة في الحالين وإن كانت قُيّدت بالآية الأولى (وجاء من أقصى المدينة رجل) وهذا لا يكسبها تعريفاً وليس تخصيصاً. وهذا يكسبها تخصيصاً تبقى صفة بعد النكرات لا تكون حالاً والجار والمجرور يُكسبها تخصيصاً ولا يكسبها تعريفاً.
(وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20))
في هذا الوقت المتأزم زالظرف العصيب الذي كثر فيه التهديد والتوعد واشتد فيه الإرهاب جاء من أقصى المدينة رجل يسعى ليعلن إتّباعه للرسل وإيمانه بهم ويبين ضلال قومه غير مبال بما سيحدث له. وفي هذا التعبير دلالات مهمة في هذا الخصوص.
فقد ذكر أنه جاء من أقصى المدينة أي من أبعد مكان فيها ى يثنيه شيء حاملاً همّ الدعوة.(1/85)
قال (من أقصى المدينة) ولم يقل (من أقصى القرية) وقد سماهما قرية بادئ ذي بدء فقال (واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية) ذلك للدلالة على أنها واسعة. فالقرية إذا كانت متسعة تسمى مدينة أيضاً فأفاد أن هذه القرية كبيرة متسعة ولذا أطلق عليها مدينة وذلك يفيد أنه جاء من مكان بعيد وذلك يدل على اهتمامه الكبير بمعتقده الجديد.
قال (يسعى) أي يعدو ويسرع في مشيه وليس متباطئاً يقدم رِجلاً ويؤخر أخرى وهو توجيه للدعاة بعدم التواني في أمر الله.
لم يسكت عن الحق ولم يجامل أو يهادن بل دعا قومه إلى الإيمان بما جاءت به الرسل وأتباعهم وأعلن عن إيمانه هو.
إن مجيئه من أقصى المدينة يدل على وصول البلاغ إلى أبعد مكان فيها مما يدل على جديتهم في التبليغ وتوسعهم فيه وهو تصديق قولهم (وما علينا إلا البلاغ المبين).
وقال هنا (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) فقدم (من أقصى) على (رجل) وقال في سورة القصص (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين (20) القصص) بتقديم (رجل) على (من أقصى المدينة). ذلك أن القصد في آية يس أن يبين أن مجيء الرجل كان من أبعد مواضعها وأما في القصص فإنه يفيد أن الرجل من أقصى المدينة أي هو من أهل المواضع البعيدة غير أنه لا يلزمأن يكون مجيئه من أقصى المدينة وهو كما تقول "جاءني من القرية رجال" أي جاؤوك من القرية، وتقول "جانء رجال من القرية" فالرجال هم من أهل القرية ولكن لا يقتضي أن مجيئهم إليك كان من القرية بل قد يكونون في المدينة ثم جاؤوك. وقد يكون المجيء من القرية فقولك "جاءني رجال من القرية" يحتمل معنيين بخلاف قولك "جاءني من القرية رجال".
وعلى أية حال فإن قوله (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) يفيد أنه جاء من أبعد مكان في المدينة. وقوله (وجاء رجل من أقصى المدينة) يحتمل ذلك ويحتمل أنه من أهل الأماكن البعيدة وإن لم يكن مجيئه من هناك.(1/86)
وفي تقديم (من أقصى المدينة) في سورة يس فائدة أخرى حتى لو كان مجيئهما كليهما من أقصى المدينة فإن قوله (وجاء من أقصى المدينة) يدل على أن الاهتمام أكبر لأكثر من سبب:
1. ذلك أن مجيء الرجل من أقصى المدينة إنما كان لغرض تبليغ الدعوة في حين أن مجيء الرجل إلى موسى كان لغرض تحذيره والأمر الأول أهم.
2. ثم إن مجيء الرجل من أقصى المدينة إنما كان إشهار إيمانه أمام الملأ ونصح قومه في حين أن مجيء الرجل إلى موسى ليسرّ إليه كلمة في أذنه فمجيء رجل يس إنما كان للإعلان والإشهار ومجيء رجل موسى إنما كان للإسرار وفرق بين الأمرين.
3. إن مجيء رجل يس فيه مجازفة ومخاطرة بحياته وليس في مجيء رجل موسى شيء من ذلك وإنما هو إسرار لشخص بأمر ما ليحذر.
4. إن المجتمع في القرية كله ضد على الرسل وعقيدتهم مكذب لهم متطير بهم فإعلان الرجل أنه مؤمن بما جاء به الرسل مصدق لهم فيه ما فيه من التحدي لهم بخلاف مجتمع سيدنا موسى عليه السلام فإنه ليس فيه فكر معارض أو مؤيد وليست هناك دعوة أصلاً.
5. إن نصر رسل الله وأوليائه ودعاته أولى من كل شيء فإن تعزيزهم تعزيز لدعوة الله وأما موسى عليه السلام فإنه كان رجلاً من المجتمع ليس صاحب دعوة آنذاك ولم يكلفه الله بعد حمل الرسالة.
فتقديم (من أقصى المدينة) دل على أن الموقف أهم وأخطر ومع ذلك أفادنا أن تحذير شخص من ظالم أمر مهم ينبغي أن يسعى إليه ولو من مكان بعيد. فإن كلا الموقفين مهم غير أن أحدهما أهم من الآخر فقدّم ما قدم ليدل على الاهتمام.
جاء في التفسير الكبير في قوله تعالى (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) :"وفي فائدته وتعلقه بما قبله وجهان: أحدهما أنه لبيان لكونهم أتوا بالبلاغ المبين حيث آمن بهم الرجل الساعي وعلى هذا فقوله (من أقصى المدينة) فيه بلاغة باهرة وذلك لما جاء من (أقصى المدينة رجل) وهو قد آمن دل على أن إنذراهم وإظهارهم بلغ إلى أقصى المدينة... وفي التفسير مسائل:(1/87)
المسألة الأولى قوله (وجاء من أقصى المدينة رجل) في تنكير الرجل مع أنه كان معروفاً معلوماً عند الله فائدتان:
1. الأولى أن يكون تعظيماً لشأنه أي رجل كامل في الرجولية.
2. الثانية أن لا يكون مفيداً لظهور الحق من جانب المرسلين حيث آمن رجل من الرجال لا معرفة لهم به فلا يقال إنهم تواطؤا.
المسألة الثانية قوله (يسعى) تبصرة للمؤمنين وهداية لهم ليكونوا في النصح باذلين جهدهم وقد ذكرنا فائدة قوله (من أقصى المدينة) وهي تبليغهم الرسالة بحيث انتهى إلى من في أقصى المدينة".
وجاء في روح المعاني " (وجاء من أقصى المدينة) أي من أبعد مواضعها (رجلٌ) أي رجل عند الله تعالى فتنوينه للتعظيم وجوز أن يكون التنكير لإفادة أن المرسلين لا يعرفونه ليتواطؤا معه.... (يسعى) أي يعدو ويسرع في مشيه حرصاً على نصح قومه وقيا أنه سمع أن قومه عزموا على قتل الرسل فقصد وجه الله تعالى بالذبّ عنهم.... وجاء (من أقصى المدينة) هنا مقدّماً على (رجل) عكس ما جاء في القصص وجعله أبو حيان من التفنن في البلاغة. وقال الخفاجي: قدّم الجار والمجرور على الفاعل الذي حقه التقديم بياناً لفضله إذ هداه الله تعالى مع بعده عنهم وأن بُعده لم يمنعه عن ذلك. ولذا عبر بالمدينة هنا بعد التعبير بالقرية إشارة إلى السعة وأن الله تعالى يهدي من يشاء سواء قرُب أو بعُد. وقيل قدّم للاهتمام حيث تضمن الإشارة إلى أن إنذارهم قد بغ أقصى المدينة فيشعر أنهم أتوا بالبلاغ المبين. وقيل أن لو تأخر توهم تعلقه بيسعى فلم يفد أنه من أهل المدينة مسكنه في طرفها وهو المقصود".
(قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21))
قال لهم (يا قوم) ليعطف قلوبهم وذكر لهم ثلاثة أمور تدعوهم إلى اتباع هؤلاء الدعاة:(1/88)
1. كونهم مرسلين من الله وهذا أهم ما يستوجب اتباعهم فكونهم مرسلين من ربهم يدعو إلى اتباعهم لأنهم لا يدعون لأنفسهم ولا إلى معتقدات شخصية ولا إلى آراء خاصة ولا إلى أفكار بشرية وإنما يدعونهم إلى ما أراده ربهم وخالقهم.
2. وأنهم لا يسألون أجراً على التبليغ ولا يبتغون مصلحة خاصة كما هو شأن كثير من أصحاب الدعوات والأرضية مما يدل على أنهم مخلصون في دعوتهم.
3. أنهم مهتدون وهذا يقتضي الاتباع وهو بغية كل متبع مخلص. جاء في الكشّاف " (من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون) كلمة جامعة في الترغيب يفهم أي لا تخسرون معهم شيئاً من دنياكم وتربحون صحة دينكم فينتظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة".
وقد كرر الاتباع بقوله (اتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون) لأكثر من غرض فالتكرار يفيد التوكيد ويفيد أمراً آخر وهو أن المرسلين ينبغي أن يتبعوا أصلاً فإذا ثبت أت شخصاً ما مرسل من ربه كان ذلك داعياً إلى أن يتبع قطعاً وهذه دلالة قوله (اتبعوا المرسلين). أما اتّباع غير المرسلين فيكون لمن فيه صفتان:
1. أن يكون مهتدياً
2. أن لا يسأل أجراً ولا يطلب منفعة ذاتية
وهذ توجيه لعموم المكلفين ولو قال (اتبعوا المرسلين من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون) لكان ذلك خاصاً باتباع الرسل ولا يشير إلى اتباع غيرهم من المصلحين والداعين إلى دعوتهم. فتكرار (اتبعوا) أفاد الإتباع للرسل في حالة وجودهم والاتباع الثاني لمن يحمل هاتين الصفتين.
جاء في روح المعاني "تكرير للتأكيد وللتوسل به إلى وصفهم بما يتضمن نفي المانع عن اتباعهم بعد الإشارة إلى تحقق المقتضي".
واختار (من) على (الذين) لكونها أعمّ فإنها تشمل كل داع إلى الله واحداً كان أو أكثر.
آية (22):
(وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22))(1/89)
بعد أن نصح لهم باتباع المرسلين لأنهم على الهدى ذكر أنه بدأ بنفسه فآمن بدعوتهم واتبعهم فقال (وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) لقد اختار من الدواعي الموجبة لعبادة ربه أنه هو المبديء والمعيد فهو الذي فطرهم وأوجدهم وأنهم إليه يرجعون فلا يتركهم بعد موتهم بل سيحشرهم إليه ويحاسبهم على ما قدموا فأنا أن يعاقبهم أو يكرمهم وفي هذا تخويف وإطماع. لقد اختار هذين الأمرين من موجبات العبادة وهما البدء والإعادة لعلمهم جميعاً أن آلهتهم لا تفعلها ولا تستطيعها وبهذا سقط كل موجب لعبادة غيره وثبت كل موجب لعبادته. وقد قدم الجار والمجرور (إليه) على (ترجعون) لشدة الاختصاص والمعنى الرجوع إليه حصراً لا إلى غيره وهو نظير قوله تعالى (وإليه المصير) و (وأن إلى ربك المنتهى) و (وإليه تحشرون). لقد ذكر الموجب لأن يعبده وأن يعبدوه هم فإنه قال (وما لي لا أعبد الذي فطرني) وهذا داعٍ لأن يعبده هو فكيف لا يعبد الذي فطره؟ وفيه دعوة لهم أيضاً ليعبدوه لأن الذي فطره فطرهم أيضاً.
وقال (وإليه ترجعون) وهذا داع لأن يعبدوه هم فإنهم رادعون إليه فيحاسبهم وهو مثلهم رادع إليه أيضاً لأنه فطره. فقوله (الذي فطرني) يقتضي أنه فطرهم أيضاً. وقوله (وإليه ترجعون) يقتضي أنه يردع إليه أيضاً. وبذلك أشار بأوجز تعبير إلى أنه فطره وفطرهم وأنه إليه يرجع وأنهم إليه يرجعون. فما له لا يعبده وما لهم لا يعبدونه؟ وهذا تعبير موجز عن القول (وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه أرجع وما لكم لا تعبدون الذي فطركم وإليه ترجعون).(1/90)
جاء في الكشاف "أبرز الكلام في معرض المناصحة لنفسه وهو يريد مناصحتهم ليتلطف بهم ويداريهم ولأنه أدخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لروحه. ولقد وضع قوله (وما لي لا أعبد الذي فطرني) مكان قوله (وما لكم لا تعبدون الذي فطركم)، ألا ترى إلى قوله (وإليه ترجعون)، ولولا أنه قصد ذلك لقال: الذي فطرني وإليه أرجع وقد ساقه ذلك المساق إلى أن قال (آمنت بربكم فاسمعون) يريد فاسمعوا قولي وأطيعوني فقد نبهتكم على الصحيح الذي لا معدل عنه أن العبادة لا تصح إلا لمن منه مبتدؤكم وإليه مرجعكم".
وجاء في التفسير الكبير :"إختار من الآيات فطرة نفسه لأنه لما قال (وما لي لا أعبد) بإسناد العبارة إلى نفسه اختار ما هو أقرب إلى إيجاب العبادة على نفسه.... وقوله (وإليه ترجعون) إشارة إلى الخوف والرجاء كما قال (ادعوه خوفاً وطمعا) وذلك لأن من يكون إليه المرجع يخاف منه ويرجى".
وجاء في روح المعاني:" تلطف في إرشاد قومه بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح حيث أراهم أنه اختار لهم ما يختار لنفسه والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره كما ينبئ عنه قوله (وإليه ترجعون) مبالغة في تهديدهم بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب مواجهة وتصريحاً ولو قال (وإليه أرجع) كان فيه تهديد بطريق التعريض".
آية (23):
(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23))(1/91)
بعد أن ذكر من يستحق العبادة وسبب استحقاقه لها أفاد أن ينبغي أن يوحده وأنه لا ينبغي له أن يتخذ إلهاً من دونه ولا معه أو يتخذ ذاتاً وسيلة لتقربه إليه. أما إنه لا ينبغي له أن يتخذ إلهاً من دونه فذلك قوله (أأتخذ من دونه آلهة) ولا أن يتخذ إلهاً معه لأن ما يتخذونهم معه لا يملكون ضراً ولا نفعاً فإذا أراده الرحمن بضر لا يملكون له شيئاً فهم إذن دونه فلا يصح أن يتخذوا معه آلهة. ولا أن يتخذوا ذاتاً لتقربه إليه لأنه ذكر أنه لا تغني شفاعتهم شيئاً فلا يصح على ذلك أن يتخذوا ذاتاً لتقربه إليه. وبهذا يكون دعاهم إلى التوحيد الخالص من دون شركاء أو شفعاء أو وسطاء وهو وإن أنكر على نفسه أن يتخذ آلهة من دون الله يقصد بذلك عموم من يصل إليه الخطاب من الناس فلا ينبغي أن يتخذ أحد إلهاً من دونه وما ذكره بحق نفسه لا يخصه وحده وإنما يعم جميع المكلفين فإنه قال (وما لي لا أعبد الذي فطرني) وهو لم يفطره وحده بل فطر المخلوقات جميعاً.
وقال (إن يردن الرحمن بضر) وهذا الأمر لا يخصه وحده بل أراد الله غيره بذلك فالأمر كذلك. لقد أخرج هذا الكلام مخرج الاستفهام الإنكاري وليس مخرج الخبر فإنه بعد أن ذكر ما ذكر قال (أأتخذ من دونه آلهة) أي أيصح ذلك عقلاً؟ أيجوز إتخاذ غيره إلهاً؟
ولا شك أن كل عاقل سيجيب قائلاً: لا، إنه لا يصح أن تتخذ إلهاً من دونه. وهذا لا شك أقوى من الكلام التقريري الخبري الذي يقول: أنا لا أتخذ من دونه آلهة وذلك لأنه قرار انفرادي رآه هو في حين أن قوله (أأتخذ من دونه آلهة) يستدعي إشتراك الآخرين في الجواب واتخاذ القرار.
جاء في التفسير الكبير: "ثم قال تعالى (أأتخذ من دونه أولياء) ليتم التوحيد... فقال (ومالي لا أعبد) إشارة إلى وجود الإله وقال (أأتخذ من دونه) إشارة إلى نفي غيره فيتحقق معنى لا إله إلا الله. وفي الآية أيضاً لطائف:(1/92)
? الأولى ذكره على طريق الاستفهام فيه معنى وضوح الأمر وذلك أن من أخبر عن شيء فقال مثلاً (لا أتخذ) يصح من السامع أن يقول له: لم لا تتخذ؟ فيسأله عن السبب فإذا قال (أأتخذ) يكون كلامه أنه مستغنٍ عن بيان السبب الذي يطالب به عند الإخبار كأنه يقول: استشرتك فدُلّني والمستشار يتفكر فكأنه يقول: تفكر في الأمر تفهم من غير إخبار مني.
? الثانية قوله (من دونه) وهي لطيفة عجيبة وبيانها هو أنه لما بيّن أنه يعبد الله بقوله (الذي فطرني) بيّن أن من دونه لا تجوز عبادته..
? الثالثة قوله (أأتخذ) إشارة إلى أن غيره ليس بإله لأن المتخذ لا يكون إله (كذا) ولهذا قال تعالى (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) وقال (الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً) لأنه تعالى لا يكون له ولد حقيقة ولا يجوز... ولا يقال قال الله تعالى (فاتخذه وكيلا) في حق الله تعالى حيث قال (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) نقول ذلك أمر متجدد".
ونريد أن نذكر أمراً بخصوص قوله تعالى (فاتخذه وكيلا) فإن الذي يبدو من الاستعمال في اللغة أنه إذا كان الشيء موجوداً أصلاً من غير انفكاك ولا اختيار فلا يقال (اتخذته) فلا يقال مثلاً اتخذت فلاناً أباً إذا كان أباه حقيقة ولا يقال اتخذته أخاً إذا كان أخاه حقيقة وإنما يقال ذلك لما يصح فيه التخلي والترك والاختيار كأن تقول اتخذت فلاناً صديقاً لي لأنك مختار في اختيار الأصدقاء وتقول اتخذت أخاً وصاحباً فيما أنت مختار فيه. ولا يصح أن تقول اتخذت فلاناً خالفاً أو اتخذت الكواكب خالقاً ولا اتخذت الله خالقاً لأنه هو الخالق وليس متخذاً لذلك لكنك تقول اتخذته معبوداً لأنك مختار في اتخاذ ما تعبد.
ونحوه قوله (فاتخذه وكيلا) فإن لك أن تختار الوكلاء وأن تتخذ من تشاء فاتخذ الله وكيلاً تفلح.(1/93)
وقد تقول: إن الله وكيل على كل شيء كما قال تعالى (والله على كل شيء قدير (12) هود) (وهو على كل شيء وكيل (102) الأنعام و(62) الزمر). فنقول هذه وكالة قسرية وكالة الاختيار والطاعة ونظير ذلك في العبودية فإن العبودية لله قد تكون قسرية كما قال تعالى (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً (93) مريم) وقوله (أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء (17) الفرقان) وهذه العبودية ليست من الطاعة ولا يتعلق بها ثواب. وقد تكون عبودية اختيارية وذلك بأن يختار المرء أن يكون عبداً لله مطيعاً له وهذه هي التي يتعلق بها الثواب كما قال تعالى (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون (172) النساء) وقال (عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا (6) الإنسان). ونحوه الألوهية والربوبية فالله سبحانه هو إله الخلق كلهم وربهم شاؤوا أم أبوا. قال تعالى (وهو رب كل شيء (164) الأنعام) و (الحمد لله رب العالمين) وقال (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو (163) البقرة) وقال (إنما هو إله واحد (19) الأنعام) وقال (وما من إله إلا الله الواحد القهار (65) ص). وهذه الربوبية والألوهية قسرية شاء الخلق أم أبوا ولا يترتب عليها ثواب وإنما يترتب الثواب والعقاب على من اتخذه إلهاً ورباً أو اتخذ غيره كما قال تعالى (أتتخذ أصناماً آلهة (74) الأنعام) (أرأيت من اتخذ إلهه هواه (43) الفرقان) (إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم (31) التوبة). فالاتخاذ أمر اختياري يفعله المتخذ وهو غير الأمر الكائن أصلاً من غير اتخاذ وذلك نحو "هذا ولدي" و "هذا اتخذته ولداً لي" والله أعلم.
((1/94)
إن يردن الرحمن بضر): استعمل الفعل المضارع فعلاً للشرط فقال (إن يردن) واستعمل الماضي في مكان آخر (إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره (38) الزمر) وعند النحاة إن الماضي في الشرط يفيد الاستقبال. جاء في التفسير الكبير "قال ههنا (إن يردن الرحمن بضر) وقال في الزمر (إن أرادني الله) فما الحكمة في اختيار صيغة الماضي هنالك واختيار صيغة المضارع ههنا؟ وذكر المريد بإسم الرحمن هنا وذكر المريد بإسم الله هناك؟ نقول أما الماضي والمستقبل فإن (إنْ) في الشرط تصير الماضي مستقبلاً وذلك لأن المذكور ههنا من قبل بصيغة الاستقبال في قوله (أأتخذ) وقوله (ومالي لا أعبد) والمذكور هناك من قبل بصيغة الماضي في قوله (أفرأيتم) وكذلك في قوله تعالى (وإن يمسسك الله بضر) لكون المتقدم عليه مذكوراً بصيغة المستقبل وهو قوله (من يُصرف عنه) وقوله (إني أخاف إن عصيت) والحكمة فيه هو أن الكفار كانوا يخوفون النبي صلى الله عليه وسلم بضر يصيبه من آلهتهم فكأنه قال: صدر منكم التخويف وهذا ما سبق منكم. وههنا ابتدأ كلام صدر من المؤمن للتقرير والجواب ما كان يمكن صدوره منهم فافترق الأمران".
والذي يترجح عندنا أن الفعل المضارع مع الشرط كثيراً ما يفيد افتراض تكرر الحدث بخلاف الفعل الماضي فإنه كثيراً ما يفيد افتراض وقوع الحدث مرة كما قال تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها (93) النساء) وقال (ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة (92) النساء) فجاء مع القتل المتعمد بالفعل المضارع لأنه يفترض فيه تكرر الحدث إذ كلما سنحت للقاتل فرصة قتل مؤمناً بخلاف قتل الخطأ فإنه لا يفترض تكرره.
ونحو ذلك قوله تعالى (قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً (17) المائدة) فجاء بفعل الإرادة ماضياً (إن أراد) لأن هذه الإرادة تكون مرة واحدة ولا تتكرر فإنه إذا أهلكه فقد انتهى الأمر.(1/95)
ونحوه قوله تعالى (فإن أراداً فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما (233) البقرة) فإن هذا لا يتكرر فإذا انفصلا فقد انتهى الأمر.
ونحوه قوله تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها (16) الإسراء) ونحوه قوله تعالى (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها (50) الأحزاب) هذه الإرادة لا تتكرر وإنما تكون مرة واحدة في حين قال (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نوته منها (145) آل عمران) فجاء بفعل الإرادة مضارعاً لأن إرادة الثواب تتكرر ومثله قوله تعالى (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله (62) الأنفال) فإن إرادة الخديعة تتكرر. ومثله قوله تعالى (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم (71) الأنفال) فإن إرادة الكفار خيانة الرسول قد تتكرر فجاء بالفعل مضارعاً. فنقول إن استعمال الفعل المضارع في سورة يس في قوله تعالى (إن يردن الرحمن بضر) إشارة إلى أنه كان يتوقع تكرر وقوع الضرر عليه من قومه وأنهم لا يكفون عن إلحاقه به ما دام بينهم.(1/96)
وقد تقول لم قال ههنا (إن يردن الرحمن بضر) فأسند الإرادة إلى الرحمن وقال في الزمر (إن أرادني الله بضر) فأسند الإرادة إلى الله؟ فنقول إن القائل في سورة يس يتوقع وقوع الضرر عليه وتطاوله كما ذكرنا فذكر إسم الرحمن كأنه يلوذ به ويعتصم وهو بمثابة سؤاله الرحمة بخلاف ما في الزمر فإنه ليس الأمر كذلك ولا يتوقع نحو هذا. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أنه حسن ذكر إسم الرحمن مع الشفاعة في سورة يس فقال (إن يردن الرحمن بضر فى تغن عني شفاعتهم شيئاً) لأن الشفيع إنما يستدر رحمة من يشفع عنده والمتصف بالرحمة قد يقبل شفاعة من ليس له جاه كبير عنده أما هؤلاء الآلهة فلا تنفع شفاعتهم حتى مع الرحمن إذ ليس لهم جاه البتة وهذا أبلغ في إسقاط وجاهة هؤلاء. ثم من ناحية ثالثة أنه ورد إسم الرحمن في سورة يس أربع مرات ولم يرد في سورة الزمر ولا مرة واحدة وورد إسم الله في سورة الزمر تسعاً وخمسين مرة وورد في سورة يس ثلاث مرات فقط فناسب ذكر إسم الله في الزمر والرحمن في يس.
وقد علل الفخر الرازي ذكر إسم الرحمن في يس وإسم الله في الزمر بقوله "وأما قوله هناك (إن أرادني الله) فنقول قد ذكرنا أن الإسمين المختصين بواجب الوجود الله والرحمن كما قال تعالى (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) والله للهيبة والعظمة والرحمن للرأفة والرحمة. وهناك وصف الله بالعزة والانتقام في قوله (أليس الله بعزيز ذي انتقام) وذكر ما يدل على العظمة بقوله (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض) فذكر الإسم الدال على العظمة. وقال ههنا ما يدل على الرحمة بقوله (الذي فطرني) فإنه نعمة هي شؤط سائر النعم فقال (إن يردن الرحمن بضر)".(1/97)
وقد تقول: لقد قال في سورة يس (إن يردن الرحمن بضر فلا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) وقال في الزمر (إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته (38)) فذكر الضر في يس ولم يذكر الرحمة إذ لم يقل وإن يردن برحمة لا يمسكوا رحمته في حين ذكر في الزمر الضر والرحمة فقال (إن أرادني الله بضر ...أو أردني برحمة) فما سبب ذلك؟ والجواب والله أعلم أن ذلك لأكثر من سبب: منها أن صاحب يس كان يتوقع الضر من أهل قريته ولم يكن يتوقع منهم شيئاً من لين أو رحمة بل ربما كان يتوقع القتل لأن الجو كان متأزماً كله تهديد ووعيد وقد انتهى الأمر بقتله فلا يناسب ذكر الرحمة. ومن ذلك أن ذكر إسم الرحمن أغنى ههنا عن ذكر (وإن يردن برحمة) فإن الرحمن يريد الرحمى وهو لا يريجها فقط وإنما يحققها وإلا فليس برحمن فاكتفى بذكر صفته عن أن يقول (وإن يردني برحمة) بخلاف ما في الزمر فإنه ذكر إسم الله ولم يذكر وصفاً فناسب ذلك أن يذكر الضر والرحمة تصريحاً. وعلى هذا فقد ذكر الأمران في يس على نحو آخر يناسب المقام والله أعلم.
وقد تقول لقد قال في يس (لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) فاستعمل ضمير الذكور العقلاء في (شفاعتهم) وفي (ينقذون). وقال في سورة الزمر (هل هن كاشفات ضره) و (هل هن ممسكات رحمته) بضمير الإناث فما الفرق؟(1/98)
والجواب أن ضمير الإناث يستعمل للإناث ويستعمل لجمع غير العاقل مذكراً كان أو مؤنثاً فتقول الجبال هن شاهقات والجبال جمع جبل وهو مذكر غير عاقل غير أننا نستعمل له ضمير الإناث. قال تعالى (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج (197) البقرة). فقال في الأشهر (فيهن) والأشهر جمع شهر والشهر مذكر غير عاقل فاستعمل له ضمير الإناث. فضمير الإناث يستعمل للإناث ولجمع غير العاقل مطلقاً. وكذلك جمع المؤنث السالم فإنه يستعمل جمعاً للمؤنث بشروطه ويستعمل أيضاً لجمع المذكر غير العاقل إسماً أو وصفاً نحو جبال شاهقات وشاهقات وصف لمذكر غير عاقل وأنهار جاريات وجاريات وصف لأنهار مفردها نهر وهو مذكر غير عاقل. والإسم المذكر غير العاقل قد يجمع وجمع مؤنث سالماً إذا لم يسمع له جمع تكسير نحو حمّامات جمع حمام واصطبلات جمع اصطبل. وأما ضمير جماعة الذكور نحو (هم) و(الواو) في نحو (يمشون) فهو خاص بجماعة الذكور العقلاء أو ما نزل منزلتهم.
وبعد بيان هذا الأمر نعود إلى الآيتين: قال تعالى في الزمر (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) ومن النظر في هذه الآية يتضح ما يأتي:
1. قال (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله) فجعل آلهتهم لا تعقل وذلك أنه استعمل لها (ما) فقال (ما تدعون) و(ما) تستعمل في العربية لذات ما لا يعقل.
2. جاء بضمير الإناث (هن) فقال (هل هن) وهذا الضمير إما أن يكون للإناث أو يستعمل لجمع غير العاقل مذكراً أو مؤنثاً كما ذكرت فجعلهم غير عقلاء وهو متناسب مع (ما) التي هي لغير العاقل.
3. جاء بجمع المؤنث السالم وهو كما ذكرنا إما أن يكون للإناث أو لصفات الذكور غير العقلاء فجعلهم غير عقلاء.(1/99)
4. هذه الآية نزلت في المجتمع الجاهلي والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى فيهم (إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريدا (117) النساء) فذكر أن ما يدعون من دون الله إنما هي إناث وقد روي عن الحسن "أنه كان لكل حيّ من أحياء العرب صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان... وقيل كان في كل صنم شيطانة". "وقيل كانوا يقولون في أصنامهم هي بنات الله" وكانوا يسمون كثيراً منها باسماء مؤنثة كاللات والعزى ومناة فناسب التأنيث من كل جهة، من جهة أنها غير عاقلة ومن جهة أن لها أسماء مؤنثة أو يرون أنها إناث.
وقال في يس (إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) فاستعمل ضمير العقلاء ذلك لأنه قال (لا تغن عني شفاعتهم) والشفيع لا بد أن يكون عاقلاً وإلا فكيف يشفع؟ ولذلك قال في الزمر (أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون (43)) فجاء بضمير جماعة الذكور للدلالة على أنه لا يكون الشفيع إلا عاقلاً. ثم نفى الشفاعة مع عدم العقل فقال (قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون) فاستعمل ضمير العقلاء مع الشفاعة.
ثم قال (ولا ينقذون) والمنقذ لا بد أن يكون عاقلاً أيضاً وإلا فكيف ينقذ؟ ولذلك قال في سورة يس (واتخذوا من دون آلهة لعلهم ينصرون* لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون) فاستعمل ضمير جماعة العقلاء وهو قوله (لا يستطيعون) و (هم) لأن الناصر لا بد أن يكون عاقلاً وهو كالمنقذ. وهذه الاية نظيرة الآية السابقة فناسب كل ضمير مكانه اللائق به.
وهناك أمر آخر في الآية وهو أنه قال (إن يردن الرحمن بضر) فأدخل الباء على الضر ولم يقل (إن يرد الرحمن بي ضراً) وكلاهما تعبير فصيح تقول (أراد به رحمة) و (أراده برحمة). قال تعالى (قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة (17) الأحزاب) فأدخل الباء على ضمير المخاطبين فما الفرق؟(1/100)
جاء في التفسير الكبير: "قال (إن يردن الرحمن بضر) ولم يقل إن يرد الرحمن بي ضراً وكذلك قال تعالى (إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره) ولم يقل إن أراد الله بي ضراً نقول: الفعل إذا كان متعدياً إلى مفعول واحد تعدى إلى مفعولين بحرف كاللازم يتعدى بحرف في قولهم ذهب به وخرج به ثم إن المتكلم البليغ يجعل المفعول بغير حرف ما هو أولى بوقوع الفعل عليه ويجعل الآخر مفعولاً بحرف. فإذا قال القائل مثلاً: كيف حال فلان؟ يقول اختصه الملك بالكرامة والنعمة. فإذا قال كيف كرامة الملك؟ يقول اختصها بزيد فيجعل المسؤول عنه مفعولاً بغير حرف لأنه هو المقصود. إذا علمت هذا فالمقصود فيما نحن فيه بيان كون العبد تحت تصرف الله يقلبه كيف يشاء في البؤس والرخاء. وليس الضر بمقصود بيانه كيف والقائل مؤمن يردو الرحمة والنعمة بناء على إيمانه بحكم وعد الله. ويؤيد هذا قوله من قبل (الذي فطرني) حيث جعل نفسه مفعول الفطرة فكذلك جعلها مفعول الإرادة وذكر الضر وقع تبعاً. وكذا القول في قوله (إن أرادني الله بضر) المقصود بيان أنه يكون كما يريد الله وليس الضر بخصوصه مقصوداً بالذكر ويؤيده ما تقدم حيث قال تعالى (أليس الله بكاف عبده) يعني هو تحت إرادته ويتأيد ما ذكرناه بالنظر في قوله تعالى (من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً) حيث خالف هذا النظم وجعل المفعول من غير حرف السوء وهو كالضُرّ والمفعول بحرف هو المكلف. وذلك لأن المقصود ذكر الضر للتخويف وكونهم محلاً له. وكيف لا وهم كفرة استحقوا العذاب بكفرهم فجعل الضر مقصوداً بالذكر لزجرهم.(1/101)
فإن قيل: فقد ذكر الله الرحمة أيضاً حيث قال (أو أراد بكم رحمة) نقول المقصود ذلك ويدل عليه قوله تعالى من بعده(ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيرا) وإنما ذكر الرحمة تتمة للأمر بالتقسيم الحاصر وكذلك إذا تأملت في قوله تعالى (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعا) فإن الكلام أيضاً على الكفار وذكر النفع وقع تبعاً لحصر الأمر بالتقسيم".
والذي يبدو لي غير ذلك فإن الذي يظهر من التعبير القرآني أن ما تتصل به الباء هو الذي عليه السياق وهو مدار الكلام وهو الأهم فيه.(1/102)
قال تعالى (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) الأحزاب) فقد اتصلت الباء بضمير المخاطبين (بكم) لا بالسوء. والكلام يدور على المخاطبين والسياق عليهم وذلك من الآية الثانية عشرة حتى الآية العشرين.(1/103)
قال تعالى (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)) فقد اتصلت الباء بضمير المخاطبين لأن الكلام يدور عليهم.(1/104)
وقال تعالى (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) الفتح) وقد اتصلت الباء بضمير المخاطبين أيضاً وذلك أن الكلام والسياق يدوران عليهم قال تعالى (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) الفتح)(1/105)
وقال (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين (70) الأنبياء) واتصلت الباء بضمير الغيبة (به) ولم تتصل بالكيد. والكلام على سيدنا إبراهيم عليه السلام وذلك في أكثر من عشرين آية من الآية (51 – 72).
في حين قال (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) الزمر) فقد اتصلت الباء ههنا بالضر وبالرحمة ولم تتصل بالضمير فقد قال (إن أرادني الله بضر – أو أرادني برحمة) ولم يقل إن أراد بي ضراً أو أراد بي رحمة وذلك أن الاهتمام والعناية بالضر والرحمة ويدلك على ذلك أنه عقب على ذلك بكشف الضر أو إمساك الرحمة فقال (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) والسياق إنما هو في ذلك والاهتمام به فقد قال تعالى (أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه) فالكلام على المعتقدات لا على الأشخاص.(1/106)
وقال (وإن يردك بخير فلا راد لفضله (107) يونس) فقد اتصلت الباء بالخير لا بضمير الخطاب فقال (وإن يردك بخير) ولم يقل وإن يرد بك خيراً وذلك أن الكلام إنما هو في هذا الأمر والسياق عليه قال تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) يونس) فالكلام على الضر والخير وما يتعلق بكشفهما أو ردهما لا على الأشخاص وذلك قال (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله). فليس أحد يكشف الضر إلا هو ولا أحد يملك أن يرد خيره تعالى ولذلك عقّب بقوله (فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده). وقد قال قبل هذه الآية (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك) فالكلام في النفع والضر كما ترى وإيصالهما أو دفعهما. وفي هذه السورة أعني سورة يس وصل الباء بالضر فقال (أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا هم ينقذون) ولم يقل إن يرد الرحمن بي ضراً وذلك أن الكلام على الضر وهو مدار الاهتمام ولذلك عقب بكشف الضر وإزالته فقال (لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) أي لا يدفعون الضر عني ولا ينقذونني منه. فاتضح بذلك أن الباء تتصل بما هو أهم في السياق وعليه الكلام والله أعلم.
(لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) : بيّن أن آلهتهم ليس لها جاه ولا قدرة. فكونها لا تنفع شفاعتها شيئاً معناه أنه ليس لها جاه. وكونها لا تنقذ من يعبدها ويلتجئ إليها معناه أنها ليس لها قدرة فكيف يعبدون آلهة هذه صفتها؟!
ثم بيّن أنها بمجموعها ليس لها مكانة ولا جاه وأنها بمجموعتها ليس لها قدرة فلو أن آلهتهم جميعها شفعت عند الله لم تغن شفاعتهم شيئاًز ولو أن جميعها أرادت أن تنقذه لم تستطع فما أتفه وأضهغ هذه الآلهة!.(1/107)
لقد قدم الشفاعة على القدرة لأن هذا هو الترتيب الطبيعي في الحياة فإن من استعان بشخص على آخر يشفع أولاً عنده فإن لم يُجدِ ذلك نفعاً لجأ إلى القوة وليس العكس. جاء في التفسير الكبير:" ثم قال (لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) على ترتيب ما يقع من العقلاء. وذلك لأن من يريد دفع الضر عن شخص أضر به شخص يدفع بالوجه الأحسن فيشفع أولاً فإن قبله وإلا يدفع فقال (لا تغن عني شفاعتهم) ولا يقدرون على إنقاذي بوجه من الوجوه".
وجاء في روح المعاني:" وهو ترقٍ من الأدنى إلى الأعلى بدأ أولاً بنفي الجاه وذكر ثانياً إنتفاء القدرة وعبّر عنه بانتفاء الإنقاذ لأنه نتيجته!"
فاستبان من هذه الآيات أن الله مستحق للعبادة من كل وجه:
1. أنه فطر الخلق
2. وأنه يرسل الرسل إليهم ليرشدوهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم
3. إليه المرجع والمصير فيعاقب المسيء ويكافئ المحسن
4. أنه رحيم بعباده (إن يردن الرحمن)
5. أنه قوي مقتدر ليس لقدرته حدود
6. وأن ما يدعون من دونه ليس لهم جاه وليس لهم قدرة وإن اجتمعوا
جاء في التفسير الكبير:" وفي هذه الآيات حصل بيان أن الله تعالى معبود من كل وجه. إن كان نظراً إلى جانبه فهو فاطر ورب مالك يستحق العبادة سواء أحسن بعد ذلك أو لم يحسن. وإن كان نظراً إلى إحسانه فهو رحمن وإن كان نظراً إلى الخوف فهو يدفع ضره وحصل بيان أن غيره لا يصلح أن يعبد بوجه من الوجوه فإن أدنى مراتبه أن يعد ذلك ليوم كريهة وغير الله لا يدفع شيئاً إلا غذا أراد الله وإن يرد فلا حاجة إلى دافع".
*ما اللمسة البيانية في تذكير كلمة شفاعة مرة وتأنيثها مرة أخرى في سورة البقرة؟(1/108)
قال تعالى في سورة البقرة (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {48} ) وقال في نفس السورة (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {123}).جاءت الآية الأولى بتذكير فعل (يقبل) مع الشفاعة بينما جاء الفعل (تنفعها) مؤنثاً مع كلمة الشفاعة نفسها. الحقيقة أن الفعل (يقبل) لم يُذكّر مع الشفاعة إلا في الآية 123 من سورة البقرة وهنا المقصود أنها جاءت لمن سيشفع بمعنى أنه لن يُقبل ممن سيشفع أو من ذي الشفاعة. أما في الآية الثانية فالمقصود الشفاعة نفسها لن تنفع وليس الكلام عن الشفيع. وقد وردت كلمة الشفاعة مع الفعل المؤنث في القرآن الكريم في آيات أخرى منها في سورة يس (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ {23}) وسورة النجم (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى {26}).(1/109)
وفي لغة العرب يجوز تذكير وتأنيث الفعل فإذا كان المعنى مؤنّث يستعمل الفعل مؤنثاً وإذا كان المعنى مذكّراً يُستعمل الفعل مذكّراً، والأمثلة في القرآن كثيرة منها قوله تعالى في سورة الأنعام (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ {11}) وسورة يونس (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ {73}) المقصود بالعاقبة هنا محل العذاب فجاء الفعل مذكراً، أما في قوله تعالى في سورة الأنعام (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {135}) سوة القصص (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {37}) فجاء الفعل مؤنثاً لأن المقصود هو الجنّة نفسها.
*فى سؤال عن الآية: (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) مريم) في هذه الآية ورد تهديد إبراهيم لأبيه لماذا استخدم إسم الرحمن مع العذاب مع أن إسم الرحمن إسم ينفع المؤمن؟(1/110)
قال (مس) والمس خفيف هذا ناسب الرحمة بينما نلاحظ في سورة الأنعام قال (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)) قال أتاكم وليس المسّ، وقال عذاب الله. أولاً أتاكم ثم عذاب الله بالإضافة بينما في سورة مريم (عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) (من هنا للإبتداء) عذاب نكرة يعني شيء من العذاب من الرحمن، أما تلك قال عذاب الله. إذن عذاب الله أقوى في التعبير من عذاب من الرحمن، فناسب ذاك المس عذاب من الرحمن. ثم قال (بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) كلها فيها قوة وشدة فقال (عذاب الله) بينما في مريم قال (أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) هذا إضافة أنه لم يرد لفظ الرحمن في الأنعام. ثم من ناحية الرحمة لا تنافي العقوبة إذا أساء أحدهم فعاقبته قد يكون من الرحمة. الرحمة لا يعني أنه لا يعاقب عندما يقول الرحمن ليس معناه أنه لا يعاقب، الرحمن إذا أساء أحد لا بد أن يعاقبه. ولم يرد في القرآن مطلقاً يمسك عذاب الله أو عذاب من الله، مع عذاب الله ليس هناك مسّ وإنما إتيان، وردت (إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ (23) يس) لكن لم ترد يمسك عذاب من الله. إذن هناك توأمة بين المسّ والرحمن هذه فيها رقة ورحمة والتنكير و(يا أبت) وجو السورة رحمة بينما في آية الأنعام (إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ) هذا تهديد وحتى عذاب الله تعالى فيه درجات (بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) هذه تتناسب مع عذاب الله.
آية (24):
(إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24))(1/111)
أي إن اتخذت من دونه آلهة فإني إذاً في ضلال ظاهر لا يخفى على من له أدنى مسكة من عقل وهو لا يعني بهذا القول نفسه فقط وإنما يريد بذلك المخاطبين أيضاً. والمعنى إن اتخذتم آلهة هذا شانها وتركتم فاطركم وخالقكم فأنتم في ضلال ظاهر وقد أجرى القول على نفسه ولم يواجههم بذاك لئلا يثير استفزازهم وعصبيتهم وليستعملوا عقولهم وتفكيرهم لعلهم يرجعون إلى الحق. وقد أكد العبارة بـ(إن واللام) ووصف الضلال بأنه مبين غير خفي لأنه إن فعل ذلك كان كذلك حقاً ولأن المقام يستدعي هذه التأكيدات مع ظهورها لأن المخاطبين ينكرون ذلك أشد الإنكار على ظهوره ووضوحه.
آية (25):
(إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25))
أعلن إيمانه في هذا الجو المفكهر بكل صراحة وصدع بالحق من دون مواربة وأعلن أنه بدأ بنفسه وسبقهم إلى ما يدعوهم إليه ولم ينتظر من أحد أن يسبقه فيشجعه ويقوي قلبه ويشد عضده وفي ذلك محض الإيمان ومحض الإخلاص. ثم انظر قوة إيمان هذا الرجل الذي تحدى قومه في ذلك الوقت الذي لا يطيقون فيه أن يسمعوا الرسل فهددوهم بالرجم إن لم يكفوا عن الدعوة. فقال: ها أنا آمنت بربكم فاسمعون. وقوله (فاسمعون) يدل على أتع أعلن إيمانه بصوت ظاهر مسموع غير خفي ولا متلجلج بسمعه كل أحد. وهذا يدل على أنه غير مبال بما سيحصل له من الرجم والتعذيب وما هو أكثر من ذلك. واختيار (إني آمنت) على أنا آمنت لما في ذلك من التوكيد والقوة. وقوله (بربكم) دون (بربي) مع أنه قال قبلها (ومالي لا أعبد الذي فطرني) ليبين أن ربهم هو ربه وهو الذي فطره وإليه يرجعون فهو ربه وربهم. وقيل إن الخطاب بقوله (بربكم) للرسل اي آمنت بربكم الذي تدعون إليه والحق أن الخطاب للجميع فرب الرسل هو ربه ورب قومه وهو قد أعلن ذلك على الملأ وطلب من قومه إتباع الرسل والإيمان بما يدعوه إليه. وعلى أية حال فهو صدع بالحق وجهر به ولم يبال بما سيحصل له من جراء إعلانه إيمانه هذا.(1/112)
قيل: وقوله (آمنت بربكم) أولى من قوله آمنت بربي لأن كل شخص إنما هو مؤمن بربه فيقول له بالمقابل وأن ا آمنت بربي أيضاً. فقوله (آمنت بربكم) يدل على أنه الرب الذي يدعو إليه الرسل ولو كان المقصود ربهم الذي يعبده قومه لما كان في قوله (اتبعوا المرسلين..) داع. وذكر الإيمان بالرب دون بقية الأسماء الحسنى له أكثر من مناسبة فقد مر قول الرسل (قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) فقال (إني آمنت بربكم).
وقوله (إني إذا لفي ضلال مبين) والرب هو الذي يهدي من الضلال لأن الرب هو المربي والمرشد والمعلم. والهداية من أبرز صفات الرب ولذلك كثيراً ما تقترن الهداية بإسم الرب وذلك نحو قوله تعالى (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) طه) وقوله (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (161) الأنعام) فناسب ذلك ذكر الرب. وهناك أمر آخر حسّن ذكر الرب وهو قوله (أأتخذ من دونه آلهة) أي لا أتخذ من دونه إلهاً أي معبوداً. وقال ههنا (إني آمنت بربكم) فجعله هو الإله وهو الرب فهو إلهه وربه وبذلك جمع له بين الألوهية والربوبية.
جاء في التفسير الكبير:" في المخاطب بقوله (بربكم) وجوه:
(أحدهما) هم المرسلون. قال المفسرون أقبل القوم عليه يريدون قتله فأقبل هو على المرسلين وقال: إني آمنت بربكم فاسمعوا قولي واشهدوا لي.
و(ثانيهما) هم الكفار كأنه نصحهم وما نفعهم، قال فأنا آمنت فاسمعون.
و(ثالثهما) بربكم أيها السامعون فاسمعون على العموم كما قلنا في قول الواعظ حيث يقول: يا مسكين ما أكثر أملك وما أنزر عملك، يريد به كل سامع يسمعه وفي قوله (فاسمعون) فوائد:
(احدها) أنه كلام مترو متفكر حيث قال (فاسمعون) فإن المتكلم إذا كان يعلم أن لكلامه حماعة سامعين يتفكر.(1/113)
و(ثانيها) أنه ينبه القوم ويقول: إني أخبرتكم بما فعلت حتى لا تقولوا لم أخفيت عنا أمرك ولو أظهرت لآمنا معك.
و(ثالثها) أن يكون المراد السماع الذي بمعنى القبول يقول القائل نصحته فسمع قولي أي قبله.
فإن قلت لم قال من قبل (ومالي لا أعبد الذي فطرني) وقال ههنا (آمنت بربكم) ولم يقل آمنت بربي؟ نقول قولنا الخطاب مع الرسل أمر ظاهر لأنه لما قال (آمنت بربكم) ظهر عند الرسل أنه قبل قولهم وآمن بالرب الذي دعوه إليه ولو قال (بربي) لعلهم كانوا يقولون كل كافر يقول: لي رب وأنا مؤمن بربي.
وأما على قولنا الخطاب مع الكفار ففيه بيان للتوحيد. وذلك لأنه لما قال (أعبد الذي فطرني) ثم قال (آمنت بربكم) فهم أنه يقول: ربي وربكم واحد وهو الذي فطرني وهو بعينه ربكم بخلاف ما لو قال: آمنت بربي فيقول الكافر وأنا أيضاً آمنت بربي ومثل هذا قوله تعالى (الله ربنا وربكم).
وجاء في البحر المحيط: "ثم صرح بغيمانه وصدع بالحق فقال مخاطباً لقومه إني آمنت بربكم أي الذي كفرتم به فاسمعون أي اسمعوا قولي وأطيعون فقد نبهتكم عل الحق وإن العبادة لا تكون إلا لمن منه نشأتكم وإليه مرجعكم والظاهر أن الخطاب بالكاف والميم وبالواو هو لقومه والأمر على جهة المبالغة والتنبيه... وقيل الخطاب في (بربكم) وفي (فاسمعون) للرسل".
وجاء في روح المعاني: "الظاهر أن الخطاب لقومه شافههم بذلك وضدع بالحق إظهاراً للتصلب في الدين وعدم المبالاة بما يصدر منهم.. وإضافة الرب إلى ضميرهم لتحقيق الحق والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الأصنام أرباباً أي إني آمنت بربكم الذي خلقكم. (فاسمعون) أي فاسمعوا قولي فإني لا أبالي بما يكون منكم على ذلك. وقيل مراده دعوتهم إلى الخير الذي اختاره لنفسه".
آية (26)-(27):
(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27))
((1/114)
قيل ادخل الجنة) لقد طوى القرآن ذكر ما حصل له بعد قولته التي قالها وما فعل به قومه وكيف واجهوه. إلا أن بيّن أنه لم يكد يتم قوله حتى قيل له (ادخل الجنة) ولم يذكر أمراً أو مشهداً بين الدنيا والآخرة ومعنى ذلك أنهم لم يمهلوه بعدها البتة فإنه ما إن قال ذلك حتى وجد نفسه على باب الجنة يقال له: ادخل الجنة. فاختصر كل ما لا حاجة له به وإنما دل عليه المقام. ومن مظاهر الاختصار أنه بنى الفعل للمجهول فقال (قيل) ولم يذكر القائل لأنه لا يتعلق غرض من ذكر القائل ولعل القائل هم الملائكة. كما أنه لم يقل (قيل له) لأن ذلك معلوم من السياق.
جاء في الكشاف :"قيل ادخل الجنة ولم يقل قيل له لانصباب الغرض إلى المقول وعظمه لا إلى المقول له مع كونه معلوماً".
وهكذا يطوي ما حصل له بعد قولته ويطوي الفاعل فيبني الفعل للمجهولويطوي المقول له ولا يذكر إلا قوله (ادخل الجنة). فيسير التعبير في نسق واحد وفي جو تعبيري واحد.
جاء في روح المعاني في قوله (ادخل الجنة): "استئناف لبيان ما وقع له بعد قوله ذلك. والظاهر أن الأمر إذن له بدخول الجنة حقيقة وفي ذلك إشارة إلى أن الرجل قد فارق الدنيا فعن عبد الله بن مسعود أنه بعد أن قال ما قال قتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قصبه من دبره وأُلقي في بئر وهي الرس (وقيل قتل بغير ذلك من أنواع القتل – انظر ص 228) ... والجمهور على أنه قتل. وادّعى ابن عطية أنه تواترت الأخبار والروايات بذلك".
((1/115)
قال يا ليت قومي يعلمون) ما إن دخل الجنة حتى تمنى أن قومه يعلمون بإكرامه وحسن عاقبته فإنهم لو علموا ذلك لاهتدوا وآمنوا بمثل ما آمن به ونالهم من الكرامة مثل ما ناله. وهو لم يتمن ذلك في نفسه فقط بل قال ذلك بلسانه فواطأ القلب اللسان وفي ذلك إشارة إلى تمني الهداية لقومه وحب الخير لهم. ولم يمنع ذلك من سوء ما فعلوه به فإن المؤمن يحب الهداية للخلق ولو كانوا ألدّ أعدائه بل ولو أساؤوا إليه وعذبوه بل ولو قتلوه. جاء في الكشاف: "وإنما تمنى على قومه بحاله ليكون علمهم بها سبباً لاكتساب مثلها بالتوبة عن الكفر والدخول في الإيمان والعمل الصالح المفضيين بأهلهما إلى الجنة. وفي حديث مرفوع (نصح قومه حياً وميتا). وفيه تنبيه عظيم على وجوب كظم الغيظ والحلم عن أهل الجهل والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي والتشمر في تخليصه والتلطف في اقتدائه والاشتغال بذلك عن الشماتة به والدعاء عليه. ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته والباغين له الغوائل وهم كفرة عبدة أصنام".
وجاء في روح المعاني: "وإنما تمنى على قومه بحاله ليحملهم ذلك على اكتساب مثله بالتوبة عن الكفر والدخول في الإيمان والطاعة جرياً على سنن الأولياء في كظم الغيظ والترحم على الأعداء وفي الحديث: نصح قومه حياً وميتا".
وفي هذا القول إشارة للدعاة وللمسلمين ليحبوا الهداية لعموم الخلق وأن يترفعوا عن الحقد والضغينة. لقد تمنى أن يعلم قومه أمرين:
1. مغفرة ربه له وذلك ليتوبوا ولا ييأسوا من رحمة الله.
2. وإكرامه ليحفزهم ذلك إلى العمل لينالوا حسن العاقبة.
((1/116)
بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) (ما) تحتمل أنها مصدرية أي يا ليت قومي يعلمون بمغفرة ربي لي وجعلني من المكرمين. ويحتمل أن تكون إسماً موصولاً أي يا ليت قومي يعلمون بالذي غفر لي به ربي وجعلني من المكرمين أي ليتهم يعلمون بالسبب الذي غفر لي به ربي وهو اتباع الرسل. وقال (بما) ولم يقل (يالذي) ليشمل المصدرية والموصولة أي بالمغفرة والإكرام وبسبب ذلك فيجمع المعنيين ولو قال (بالذي) لم يدل إلا على معنى واحد. ولم يأت بالمصدر الصريح فيقل (يا ليت قومي يعلمون بمغفرة ربي لي وجعلي من المكرمين) لأنه لو قال ذلك لدل على معنى واحد وهو المصدرية دون المعنى الآخر.
جاء في الكشاف: "(ما) في قوله (بما غفر لي ربي) أيّ الماءات هي؟ قلت المصدرية أو الموصولة أي بالذي غفره لي من الذنوب". وجاء في البحر المحيط: "والظاهر أن (ما) في قوله (بما غفر لي ربي) مصدرية. جوزوا أن يكون بمعنى (الذي) والعائد محذوف تقديره (بالذي غفره لي ربي من الذنوب) وليس هذا بجيد إذ يؤول إلى تمنى علمهم بالذنوب المغفورة والذي يحسن تمني علمهم بمغفرة ذنوبه وجعله من المكرمين". وجاء في روح المعاني: "والظاهر أن (ما) مصدرية ويجوز أن تكون موصولة والعائد مقدر أي يا ليت قومي يعلمون بالذي غفر لي به أي بسببه ربي. أو بالذي غفره أي بالغفران الذي غفره لي ربي. والمراد تعظيم مغفرته تعالى له فتؤول إلى المصدرية". وقال الزمخشري: "أي بالذي غفره لي ربي من الذنوب. وتعقب بأنه ليس بجيد إذ يؤول إلى تمني علمهم بذنوبه المغفورة ولا يحسن ذلك. وكذا عطف (وجعلني من المكرمين) عليه لا ينتظم".
وما ذهب إليه صاحب الكشاف من أن (ما) تحتمل أن تكون إسماً موصولاً على معنى: بالذي غفره لي من الذنوب يضعفه ثلاثة أمور منها:
1. أن ذلك يؤول إلى تمني علمهم بالذنوب المغفورة ولا يحسن علمهم بما عمل من معاص تستوجب المغفرة كما أشار إلى ذلك صاحب البحر.(1/117)
2. أن المغفرة معناها الستر وغفران الذنوب سترها وتمنيه علمهم بها يعني تمنيه نشرها وغضحها وهو مغاير لمعنى الستر وما أكرمه الله من سترها فإن ستر الذنوب من جلائل النِعم.
3. أنها لا تنتظم مع قوله (وجعلني من المكرمين) فإن ذلك يؤول إلى المعنى الآتي: يا ليت قومي يعلمون بالذي غفره لي من الذنوب وجعلني من المكرمين وهو لا يصح لأن (جعلني) ستكون معطوفة على (غفره لي) أي صلة للذي فيكون المعنى يا ليت قومي يعلمون بالذنب المغفور وجعلني من المكرمين. فإن قوله (ما غفره لي) يعني الذي غفره لي ربي من الذنوب. أو بعبارة أخرى الذنب المغفور.
فلا يصح جعل (وحعلني من المكرمين) صلة له. فاتضح أن (ما) إما أن تكون مصدرية أو إسماً موصولاً والباء تفيد السبب فيكون المعنى: يا ليت قومي يعلمون بالسبب الذي غفر له به ربي وجعلني من المكرمين فيستقيم المعنى على الوجهين والله أعلم.
ولم يذكر العائد فيقل: (بما غفر لي به ربي) ولو قال ذلك لاقتصر على معنى الموصولية الاسمية دون المصدرية فحذف العائد جمع المعنيين.
وقدّم الجار والمجرور على الفاعل فقال (بما غفر لي ربي) لأن هو المهم وهو مدار الكلام لأنه معلوم أن الله هو يغفر الذنوب فالفاعل معلوم ولكن المهم أن نعلم المغفور له.
واختيار لفظ الرب ههنا (غفر لي ربي) مناسب لقوله (إني آمنت بربكم) وإضافته إلى نفسه فيها من الرعاية واللطف ما لا يخفى.
وقدّم المغفرة على جعله من المكرمين لأن المغفرة هي سبب الإكرام ولأنها تسبقه فالمغفرة أولاً ثم يليها الإكرام.
وقوله (وجعلني من المكرمين) دون قوله وجعلني مكرماً إشارة إلى أن هذا طريق سار عليه قبله المؤمنين والشهداء والصالحون وهو واحد منهم وليس فذاً لم يسبقه إليه أحد. وكون أن معه جماعة مثله أكرمهم ربه فيه زيادة إيناس ونعيم. فإن الوحدة عذاب وإن كانت في جنان الخلد فأكرمه بالجنة والرفقة الطيبة.(1/118)
إن أصحاب القرية ومعتقدهم وموقفهم من رسلهم شبيه بحال قوم الرسول صلى الله عليه وسلم وموقفهم منه من عدة نواح ولذلك صح أن يضربوا مثلاً:
1. فقوله (إذ أرسلنا إليهم اثنين مكذبوهما) شبيه بموقف كفار قريش الذين قال الله فيهم (بل كذبوا بالحق لما جاءهم) وقوله (وكذبوا واتبعوا أهواءهم (3) القمر)
2. وقول أصحاب القرية لرسلهم (ما أنتم إلا بشر مثلنا) شبيه بقول كفار قريش (هل هذا إلا بشر مثلكم (3) الأنبياء) وقولهم (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب (2) ق)
3. وقولهم (إن أنتم إلا تكذبون) شبيه بقول كفار قريش (هذا ساحر كذاب (4) ص) وقوله تعالى فيهم (وكذبوا واتبعوا أهواءهم (3) القمر)
4. وقولهم (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) شبيه بموقف كفار قريش من رسول الله والمؤمنين معه فقد آذوهم وعذبوهم حتى أن بعضهم مات من التعذيب وقد رُجِم رسول الله بالحجارة في الطائف. وأخبر عنهم ربنا قائلاً (وإذ يمكر بك الذي كفروا ليثبتوك أن يقتلوك أو يخرجوك (30) الأنفال)
5. وقولهم (وما أنزل الرحمن من شيء) شبيه بقولهم (ما أنزل الله على بشر من شيء)
6. وقول المؤمن لهم (اتبعوا من لا يسالكم أجراً) شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم (قل ما أسألكم عليه من أجر (57) الفرقان)
7. وقوله (أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) يعني أنهم اتخذوا آلهة من دونه الله يعبدونهم وهذا شبيه بمعتقدات العرب في الجاهلية الذين اتخذوا من دون الله آلهة والذين قال الله فيهم (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون* لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون)
8. لقد بيّن أن اصحاب القرية لم يؤمنوا إلا واحداً منهم وأنهم استوى عليهم الإنذار وعدمه مثل كفار قريش الذين قال الله فيهم (لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون) وقال (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون).(1/119)
وأن الرسل الذين أُرسلوا إلى أهل القرية يصح أن يكونوا مثلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
1. فإنهم كذبوا كما أن الرسول كذبه قومه
2. وأنهم بلغوا الرسالة مع تكذيب أصحاب القرية لهم
3. وأنهم بلغوا الرسالة مع أنهم غرباء عن أهل القرية فقد جاؤها داعين إلى ربهم
4. أنهم واجهوهم بالتطير منهم والتهديد
5. وأنهم بلغوا رسالة ربهم بلاغاً مبيناً بحيث علم به كل واحد من أهل القرية
6. وأنه ثبّت من آمن منهم حتى استشهد
فكأن أصحاب القرية مثلاً في حالهم هم وفي حال رسلهم الذين بلغوا دعوة ربهم. وحال أهل القرية وموقفهم من رسلهم وسوء عاقبتهم التي لاقوها نتيجة التكذيب تكون مثلاً لقوم الرسول صلى الله عليه وسلم ليرتدعوا وليراجعوا أنفسهم.
إن قصة أصحاب القرية مرتبطة بالآيات الأول التي ذكرناها من هذه السورة والتي ذكرنا أنها بنيت عليها السورة ومقاصدها:
1. فقد ارتبط قوله (واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم) بقوله (إنك لمن المرسلين) فذكر أنه واحد من المرسلين وضرب مثلاً بمرسلين قبله.
2. وارتبط قوله (فكذبوهما فعززنا بثالث) بقوله (لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون)
3. وارتبط قوله (وإليه ترجعون) بقوله (إنا نحن نحيي الموتى)
4. وارتبط قوله (إن يردون الرحمن بضر) بقوله (وخشي الرحمن بالغيب)
5. وارتبط قوله (بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) بقوله (فبشره بمغفرة وأجر كريم)
فقوله (قيل ادخل الجنة) بشارة له فهو مقابل (فبشره) وقوله (بما غفر لي ربي) يقابل (بمغفرة). وقوله (وجعلني من المكرمين) يقابل (أجر كريم) والله أعلم.
آية (28):
(وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28))(1/120)
أي لم يحتجْ إلى إنزال جند من السماء ليهلكهم فهم أتفه من ذلك. وقوله (وما كنا منزلين) يعني أنه ما كان يصح في حكمتنا وتقديرنا أن ننزل عليهم جنداً من السماء ولا ينبغي ذلك لأنهم أقل شأناً من هذا. وقيل أيضاً أن المعنى "أننا ما كنا ننزل الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم بل نبعث عليهم عذاباً يدمرهم". وعلى هذا يكون معنى قوله (وما كنا منزلين) أنه لا ينبغي أن ننزل على هؤلاء جنداً من السماء لإهلاكهم وإنا لم نكن نفعل ذلك فيما مضى. فيكون المعنى نفي الإنزال على وجه العموم بدءاً من الماضي إلى هؤلاء القوم. وأما إنزال الجند لنصرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في بدر والأحزاب فذلك إنما كان تعظيماً لشأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو لا يشمله قوله (وما كنا منزلين) فإن ذلك متعلق بالأمم الماضية.
جاء في التفسير الكبير: "(وما كنا منزلين) أية فائدة فيه مع أن قوله (وما أنزلنا) يستلزم أنه لا يكون من المنزلين؟ نقول قوله (وما كنا) ما كان ينبغي لنا أن ننزل لأن الأمر كما كان يتم بدون ذلك فما أنزلنا وما كنا محتاجين إلى إنزال. أو نقول (وما أنزلنا، وما كنا منزلين) في مثل تلك الواقعة جنداً في غير تلك الواقعة فإن قيل فكيف أنزل الله جنوداً في يوم بدر وفي غير ذلك حيث قال (وأنزل جنوداً لم تروها) نقول ذلك تعظيماً لمحمد صلى الله عليه وسلم".
وذهب قوم إلى أن (ما) في قوله (وما كنا منزلين) ليست نافية وإنما هي إسم موصول معطوف على (جند) أي ما أنزلنا على قومه من جند من السماء والذي كنا ننزله على الأمم من أنواع العذاب. ورده أبو حيان بأن ذلك يعني عطف المعرفة على النكرة المجرورة بـ(من) الزائدة وهو لا يصح. جاء في البحر المحيط: "وقالت فرقة (ما) إسم معطوف على جند. قال ابن عطية أي من جند ومن الذي كنا منزلين على الأمم مثلهم، انتهى.(1/121)
وهو تقدير لا يصح لأن (من) في (من جند) زائدة، ومذهب البصريين غير الأخفش أن لزيادتها شرطين: أحدهما أن يكون قبلها نفي أو نهي أو استفهام والثاني أن يكون بعدها نكرة. وإن كان كذلك فلا يجوز أن يكون المعطوف على النكرة معرفة. لا يجوز (ما ضربت من رجل ولا زيد) وأنه لا يجوز (ولا من زيد) وهو قدر المعطوف بـ (الذي) وهو معرفة فلا يعطف على النكرة المجرورة بـ(من) الزائدة".
ورد أبو حيان فيه نظر فإن العطف في نحو هذا غير جائز غير أنه لا يعطف على اللفظ وإنما يعطف على الموضع. فإنه لا يصح أن نقول (ما جاءني من امرأة ولا محمود) بجرّ محمود وإنما نقول برفع محمود. ولا يصح أن نقول (ما رأيت من امرأة ولا خالدٍ) بجرّ خالد وإنما نقول (ما رأيت من امرأة ولا خالداً) بالنصب لأنه لا يمكن توجه العامل إلى المعرفة.
جاء في المغني في بحث (العطف على اللفظ): "وشرطه إمكان توجه العامل إلى المعطوف فلا يجوز في نحو (ما جاء من امرأة ولا زيد) إلا الرفع عطفاً على الموضع ولأن (من) الزائدة لا تعمل في المعارف".
ونحو هذا يكون العطف على إسم لا النافية للجنس فإن إسم _لا) هذه لابد أن يكون نكرة فإن عطفت عليه معرفة تعيّن رفعه لأن (لا) لا تعمل في المعارف نحو (لا امرأة فيها ولا زيدٌ) بالرفع فإنه لا يصح في _زيد) النصب أو بناؤه على الفتح. وعلى هذا فما المانع في الآية أن تكون (ما) معطوفة على الموضع فتكون (جند) مجرورة و(ما) منصوبة مثل (ما رأيت من امرأة ولا زيدا)؟ والمعنيان صحيحان يحتملهما النعبير ويتسع لهما معاً فيكون ذلك من التوسع في المعنى.(1/122)
وقد أسند الإنزال إلى نفسه فقال (وما أنزلنا) ليدل على أنه هو الذي أنزل العقوبة فهو الذي أرسل الرسل وهو الذي عززهم بثالث وقد أسند ذلك إلى نفسه فقال (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث) فناسب أن يسند الإنزال إلى نفسه أيضاً ليدل على أن الجهة المرسلة والمعاقبة واحدة لا يليق أن يكون هو المرسل والمعاقب غيره. جاء في التفسير الكبير في قوله (وما أنزلنا): "قال ههنا (وما أنزلنا) بإسناد الفعل إلى نفسه. وقال في بيان حال المؤمن (قيل ادخل الجنة) بإسناد القول إلى غير مذكور وذلك لأن العذاب من باب الهيبة فقال بلفظ التعظيم. وأما في (ادخل الجنة) فقال: (قيل) ليكون هو كالمهنأ بقول الملائكة حيث يقول له كل ملك وكل صالح يراه ادخل الجنة خالداً فيها".
وقال (على قومه) بإضافة القوم إلى ضمير الرجل القتيل ذلك أن هذا الرجل أضافهم إلى نفسه فقال لهم (يا قوم اتبعوا المرسلين) فهم قومه وقد دعاهم بـ (قوم) ليتعطفهم ويدعوهم إلى ما يحييهم فقتلوه فقتلهم ربه سبحانه.
وقال (من بعده) ولم يقل بعده للدلالة على أنه أنزل العذاب عليهم بعده مباشرة ولم يمهلهم. فإن (من) تفيد ابتداء الغاية. ولو قال وما أنزلنا على قومه بعده لاحتمل الزمن القصير والطويل فجاء بـ(من) ليدل على أنه عاجلهم بالعقوبة من دون إمهال.
جاء في البحر المحيط: "وقوله (من بعده) يدل على ابتداء الغاية أي لم يرسل إليهم رسولاً ولا عاتبهم بعد قتله بل عاجلهم بالهلاك".
وقال (من جند) فجاء بـ (من) الدالة على الاستغراق ليدل على أنه لم ينزل جنداً قلّوا أو كثروا. فقد استغرق نفي الإنزال كل الجند ولو لم يذكر (من) لاحتمل نفي إنزال الجنس ونفي الوحدة فقد يحتمل أنه أنزل جندياً أو جنوداً كما يحتمل أنه لم ينزل أصلاً.(1/123)
واختار كلمة (جند) على (ملك) لأنه في مقام العقوبة والمحاربة فكان اختيار لفظ جند أنسب فإن قومه حاربوا الله ورسوله فحاربهم الله سبحانه من غير جند. واختار الجند على الجنود فقال (من جند) ولم يقل (من جنود) ذلك أن الجنود جمه جند فإن الجند يجمع على أجناد وجنود. ونفي الجند يعني نفي الجنود أنا نفي الجنود فلا يعني نفي الجند. ذلك أن نفي الواحد مع (من) الاستغراقية يعني نفي الجنس كله بخلاف نفي الجمع. فإنه إذا قال (ما أنزلنا من جند) فإن هذا ينفي إنزال الجند والجنود. ونحوه إذا قل ما حضر من رجال فإنك نفيت الجمع ولكن لم تنف الواحد أو الاثنين فقد يكون حضر رجل أو رجلان أما إذا قلت ما حضر من رجل فقد نفيت الجنس على سبيل الاستغراق سواء كان واحداً أم مثنى أم جمعاً فلم يحضر أحد. فقوله (من جند) نفى إنزال الجند والجنود ولو قال من جنود لم ينف إنزال الجند فكان ما ذكره أعم واشمل.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن الجند إسم جنس جمعي مفرده جندي فالياء للواحد وحذفها يفيد الجنس مثل رومي وروم وزنجي وزنج. أما الجنود فجمع تكسير ومن المعلوم أن إسم الجنس يقع على القليل والكثير فهو يقع على الواحد والاثنين والجمع فإنك إذا عاملت رومياً واحداً أو روميين جاز لك أن تقول عاملت الروم أما الجمع فلا يصح فيه ذلك وإنما يقع على الجمع فقط.
فقوله (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند) نفى الواحد والاثنين والجمع لأنه نفى إسم الجنس الجمعي ولو جاء بالجنود لم ينف الواحد والاثنين فكان ما ذكره أولى من كل وجه.
واختار (ما) للنفي على (لم) فلم يقل ولم ننزل وذلك لأن (ما) أقوى في النفس من (لم). وقد أكد النفي أيضاً بذكر (من) الاستغراقية المؤكدة فأكد النفي باستعمال الحرف (ما) واستعمال (من) الاستغراقية. وهناك أمر آخر حسّن ذكر (ما) دون (لم) وهو ذكر (من) الاستغراقية فإن القرآن لم يأت البتة بـ(من) الاستغراقية مع (لم) بخلاف (ما).(1/124)
وقال (من السماء) ولم يقل من السماوات لأن السماء أعم وأشمل من السماوات فهي تشمل السماوات وتشمل أيضاُ الجو والسحاب وما علاك على وجه العموم فهي تشمل السماوات وزيادة فكان ذلك أشمل وأعم. كما ناسب ذكر (من) الاستغراقية ذكر السماء فإن كليهما للإستغراق والعموم.
وقد تقول: وما الحاجة إلى ذكر (السماء) ومهو لم ينزل عليهم جنداً اصلاً لا من الأرض ولا من السماء؟ فتقول: أنه ذكر أنه لم ينزل عليهم جنداً من السماء وإنما أهلكهم بصيحة منها فالسماء هي مبدأ إنزال العذاب لكن ليس بالجند وإنما بالصيحة.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أنه لو لم يذكر السماء لكانت الآية على النحو الآتي: وما أنزلنا على قومه من بعده من جند ما كنا منزلين. وهذا المعنى لا يصح لأن قوله (وما كنا منزلين) ينفي إنزال الجنود على أية حال سواء كان من السماء أم من غيرها. في حين أن الله سبحانه أنزل جنوداً وأقواماً على آخرين فحاربوهم ودفع بعضهم ببعض وعاقب بعضهم ببعض. وكل إتيان من مكان عال فهو نزول أو إنزال. وكل حرب حصلت بين قومين أو أقوام وانحدر أحدهما من مكان عال فهو نزول. وقد يعذب الله بعض الناس ببعض ويدفع بعضهم ببعض ويبثع بعضهم على بعض كما قال تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع (40) الحج) وقال (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي باس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعد الله مفعولا (5) الإسراء).
ولا يخلو ذلك من إنزال جند وكان يأجوج ومأجوج ينزلون من الجبل فيفسدون في الأرض. فلو حذف (من السماء) لم يستقم المعنى ولم يصح. هذا وأنه لو حذف أي قيد لم يصح المعنى فإن الآية هي: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28))
1. فإنه لو حذف (على قومه) لم يصح المعنى لأن الله سبحانه أنزل جنوداً من السماء بعده وذلك لنصرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.(1/125)
2. ولو حذف (من بعده) لم يصح المعنى لأن القصد هو معاقبة قومه بعد قتله فإن حذف الظرف لم يفهم أن العقوبة بسبب قتله والمراد بيان ذلك.
3. ولو حذف (من جند) لم يصح المعنى لأنه لا يعلم المنفي على وجه التحديد ةلكان النفي عاماً وهو لا يصح إذ سيكون التعبير "وما أنزلنا على قومه من بعده من السماء وما كنا منزلين" وهو نفي لإمزال الجنود ولكل أنواع العذاب من السماء بل هو نفي لكل إنزال من السماء سواء كان خيراً أم شراً وهو لا يصح ولا يستقيم وإذا قيدنا المنزل بالعذاب لم يصح أيضاً إذ سيكون المعنى "وما أنزلنا على قومه من بعده عذاباً من السماء وما كنا منزلين" وهو لا يصح لأن الله سبحانه أنزل عليهم وعلى من قبلهم عذاباً من السماء ولكن ليس جنداً كما أخبر ربنا سبحانه فقد قال في قوم موسى (فأنزلنا على الذي ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون (59) البقرة) وقال في قوم لوط (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون (34) العنكبوت) وأرسل على قومه وعلى من قبلهم الصيحة من السماء. والسماء كلمة عامة تشكل كل ما علا سواء كان سحاباً أم غيره. وقد فسر ربنا الرجز النازل على قوم لوط من السماء بأنه الصيحة وإرسال الحجارة، قال تعالى (فأخذتهم الصيحة مشرقين (73) فجعلنا عايها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل (74) الحجر) فلا يصح الحذف.
4. ولو حذف (من السماء) لم يصح لما ذكرناه. فكان أعدل الكلام كلام ربنا سبحانه.
جاء في التفسير الكبير: "قال (من السماء) وهو تعالى لم ينزل عليهم ولا أرسل إليهم جنداً من الأرض فما فائدة التقييد؟ نقول الجواب على وجهين: أحدهما أن يكون المراد وما أنزلنا عليهم جنداً بأمر من السماء فيكون للعموم. وثانيهما أن العذاب نزل عليهم من السماء فبيّن أن النازل لم يكن جنداً لهم عظمة وإنما كان ذلك بصيحة أخمدت نارهم وخربت ديارهم".
آية (29):
((1/126)
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29))
أي ما كانت العقوبة أو الأخذة إلا صيحة واحدة وإسم كان ضمير مستتر ونقى بـ (إنْ) ومل ينف بـ(ما) ذلك لأن (إن) أقوى من (ما) ولذلك مثيراً ما تقترن بـ(إلا) لإفادة القصر. ويتبين من مواطن اجتماعهما. قال تعالى (ما هذا إلا بشر إن هذا إلا ملك كريم (31) يوسف) فإثبات الملكية ليوسف يحتاج إلة قوة ولذلك نفى بـ(ما) أولاً ثم نفى بـ (إنْ) وإلاّ لما هو أقوى. ونحو ذلك ما ذكرناه في قوله (ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون) فنفى أولاً بـ(ما) ثم نفى وأثبت بـ(إنْ) و(إلا) ونحوه ما مر قريباً وهو قوله تعالى (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء... إن كانت إلا صيحة واحدة) فنفى بـ (ما) أولاً ثم نفى وأثبت بـ(إنْ) و(إلا).
وقوله (واحدة) نعت مؤكد وقد أفاد أمرين: بيان بالغ قدرة الله وبيان هوانهم وضعفهم فإنهم لم يحتاجوا إلى أكثر من صيحة واحدة. وأضمر إسم كان لظهوره ووضوحه فإنه دل عليه القيام وإن لم يجر له ذكر. وجاء بالفاء وإذا الفجائية للدلالة على سرعة هلاكهم فإن الفاء تفيد الترتيب والتعقيب و(إذا) تفيد المفاجأة وجاء بهما معاً للدلالة على سلاعة المفاجأة بحيث لم تكن بين الصيحة وخمودهم مهلة. وريؤدي أي حرف هذا المؤدى فلو جاء بـ(ثم) فقال ثم إذا هم خامدون لدلّ على أن خمودهم إنما حصل بعد مدة من الصيحة نظير قوله تعالى (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم تنتشرون (20) الروم). ولو جاء بالواو لم يدل ذلك على التعقيب أيضاً ولم يدل أن ذلك إنما كان بسبب الصيحة فإن الواو لا تفيد السبب بل تفيد الاتباع فجاء بالفاء للدلالة على معنيين السبب والسرعة ولا يؤدي أي حرف مؤداها.(1/127)
جاء في التفسير الكبير: "وقوله (واحدة) تأكيد لكون الأمر هيناً عند الله. وقوله (فإذا هم خامدون) فيه إشارة إلى سرعة الهلاك فإن خمودهم كان مع الصيحة وفي وقتخا لم يتأخر".
وجاء في البحر المحيط في قوله (فإذا هم خامدون): "أي فاجأهم الخمود إثر الصيحة لم يتأخر". وجاء في روح المعاني: ",إن نافية وكان ناقصة وإسمها مضمر وصيحة خبرها أي ما كانت هي أي الأخذة أو العقوبة إلا صيحة واحدة. و (إذا ) فجائية وفيها إشارة إلى سرعة هلاكهم بحيث كان مع الصيحة وقد شبهوا بالنار على سبيل الاستعارة المكنية".
وقال (خامدون) إشارة إلى سرعة هلاكهم وإنطفاء حياتهم كانطفاء السراج. واختيار هذا الوصف أحسن اختيار فإنه مأخوذ من خمود النار وهو سكون لهبها وذهاب حسيسها يقال "خمدت النار تخمد خموداً سكن لهبها ولم يطفأ جمرها. وهمدت هموداً إذا أطفئ جمرها البتة وأخمد فلان ناره وقوم خامدون لا تسمع لهم حسّاً. جاء في التنزيل العزيز (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون). قال الزجاج: "فإذا هم ساكتون قد ماتوا وصاروا بمنزلة الرماد الخامد الهامد". وفي القاموس المحيط: "خمدت النار طنصر وسمع خمداً وخموداً سكن لهبها ولم يطفأ جمرها" وفي المصباح المنير: "خمدت النار خموداً من باب قعد ماتت فلم يبق منها شيء قيل سكن لهبها وبقي جمرها". وفي أساس البلاغة: "نار خامدة وقد خمدت خموداً سكن لهبها وذهب حسيسها".
يتضح مما مر أن الفعل خمد يحمل المعاني الآتية:
1. يقال خمدت النار أي سكن لهبها ولم يطفأ جمرها
2. وقيل أيضاً خمدت النار إذا ماتت ولم يبق منها شيء
3. ويقال خمد القوم إذا سكتوا فلم يسمع لهم حساً
4. وخمد القوم سكتوا وماتوا وصاروا بمنزلة الرماد الخامد الهامد
أما همود النار فهو انطفاؤها وعدم بقاء أثر منها.
جاء في لسان العرب: "همدت النار هموداً طفئت طفوءاً وذهبت البتة فلم يبن لها أثر..
الأصمعي: خمدت النار إذا سكن لهبها وهمدت هموداً إذا طفئت البتة"(1/128)
وجاء في القاموس المحيط: "الهمود الموت وطفوء النار أو ذهاب حرارتها" وجاء في المصباح المنير: "همدت النار هموداً من باب قعد ذهب حرها ولم يبق منه شيء".
واختيار الخمود على الهمود أنسب من عدة نواح منها:
1. أن في ذلك إشارة إلى سرعة سكونهم وانقطاع حركتهم فإن الخمود أسرع من الهمود ذلك أن إطفاء السراج والشعلة إنما يكون في أسرع وقت. جاء في التفسير الكبير: "والخمود في أسرع زمان فقال (خامدين) بسببها فخمود النار في السرعة كإطفاء سراج أو شعلة".
2. وبيان أن حركتهم وأصواتهم قد خمدت فلا تسمع لهم حساً وذلك بعد التوعد والتهديد والضجيج والصخب الذي ملأ القرية وبعد البطش والتنكيل بالرجل الناصح بعد كل ذلك إذا هم ساكتون خامدون لا تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزا.
3. ثم إن اختيار الخمود مناسب لقوله (إن كانت إلا صيحة واحدة) وذلك أنه إذا كان في موضع ما ضجيج وصياح وصخب فإنه لا يسكته إلا صوت أو صيحة أعلى منه فصاح بهم صيحة أسكتتهم وأخمدتهم.
4. إن في اختيار الخمود على الهمود إشارة إلى البعث بعد الموت فإن الخمود لا يعني الفناء وإنما يعني ذهاب اللهب والحرارة وبقاء الجمر فكأن ذلك إشارة إلى مفارقة الأرواح للأبدان وليس فناءها. جاء في روح المعاني: "ولعل في العدول عن هامدون إلى خامدون رمزاً خفياً إلى البعث بعد الموت".
5. اختيار الخمود على الهمود فيه صورة فنية أخرى وهي صورة الجمر الذي يغطيه الرماد وهي شبيهة بحالة الجثة التي يعلوها تراب القبر وفيها إشارة إلى أنهم يخترقون بالنار في داخلها وإن كان لا يظهر ذلك للناظرين.
6. ومن معاني الخمود الموت أيضاً كالهمود فأعطى الخمود معنى الهمود مع معان أخرى لا يؤديها الهمود كسرعة الهلاك والسكوت بعد الصيحة والرمز الخفي إلى البعث بعد الموت وأن ظاهرهم ساكن بارد وحقيقتهم نار تحرق.
فكان اختيار الخمود أولى والله أعلم.
آية (30):
((1/129)
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30))
(يا حسرة على العباد): الحسرة اشد الندم والغم يركب الإنسان حتى يكون حسيراً منقطعاً لا يستطيع فعل شيء لتدارك ما فاته. جاء في لسان العرب "الحسرة أشد الندم حتى يبقى النادم كالحسير من الدواب الذي لا منفعة فيه". وقال الزجاج: "الحسرة أمر يركب الإنسان من كثرة الندم على ما لا نهاية له حتى يبقى حسيراً" و "الحسرة على ما قال الراغب الغمّ على ما فات والندم عليه كأن المتحسر انحسر عنه قواه من فرط ذلك أو أدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه".
ومعنى (يا حسرة على العباد) على أشهر الأقوال أنه نداء للحسرة مجازاً أي أقبلي يا حسرة فهذا وقت حضورك. جاء في الكشاف في قوله (يا حسرة على العباد) "نداء للحسرة عليهم كأنما قيل لها تعالي يا حسرة فهذه من أحوالك التي حقك أن تحضري فيها وهي حال استهزائهم بالرسل والمعنى أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المتحسرون ويتلهف على حالهم المتلهفون أو هم متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين".(1/130)
ويقوي الدلالة على النداء قوله تعالى (وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً دعوا هنالك ثبورا (13) لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً (14) الفرقان) وقوله (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره (10) فسوف يدعو ثبورا (11) الإنشقاق). ومعنى دعاء الثبور مناداته للحضور بأن يقولوا: واثبوراه أو يا ثبوراه أي احضر يا ثبور فهذا وقتك وحينك. والثبور الهلاك. ولا يقصد حقيقة النداء ولكن المقصود بيان أن العباد أقعوا أنفسهم في أمر عظيم لا يستطيعون منه مخرجاً تركبهم منه الحسرة مركباً عظيماً لا تفارقهم وينالهم من الغم والندم ما يملأ نفوسهم فليس في نفوسهم مكان لغير الكرب والندم وليس فيها موضع استرواح رائحة أمل ولا تنسم نسمة فرج فهم متحسرون نادمون منقطعون لا تفارقهم الحسرة والندم والغم أبد الآبدين. وعبّر بذلك تفظيعاً لما يصيبهم وهو نظير قولنا عن شخص وقد عمل عملاً نعلم أنه سيلحقه منه خسران كبير: يا خسارته يا ويله مما سيحصل. نقول ذلك استفظاعاً لما يصيبه واستعظاماً له. والعباد هم المكذبون بالرسل المستهزئون بهم.
جاء في التفسير الكبير: "من المتحسر؟ نقول فيه وجوه: الأول لا متحسر أصلاً في الحقيقة إذ المقصود بيان أن ذلك وقت طلب الحسرة حيث تحققت الندامة عند تحقق العذاب. وههنا بحث لغوي وهو أن المفعول قد يرفض رأسأً إذا كان الغرض غير متعلق به، يقال إن فلاناً يعطي ويمنع ولا يكون هناك شيء معطى إذ المقصود أن له المنع والإعطاء. ورفض المفعول كثير وما نحن فيه رفض الفاعل وهو قليل. والوجه فيه ما ذكرنا، أن ذكر المتحسر غير مقصود وإنما المقصود أن الحسرة متحققة في ذلك الوقت.(1/131)
الثاني أن قائل (يا حسرة) هو الله على الاستعارة تعظيماً للأمر وتهويلاً له حيث يكون كالألفاظ التي وردت في حق الله كالضحك والنسيان والسخر والتعجب والتمني. أو نقول ليس معنى قولنا يا حسرة ويا ندامة أن القائل متحسر أو نادم بل المعنى أنه مخبر عن وقوع الندامة ولا يحتاج إلى تجوز في بيان كونه تعالى قال (يا حسرة) بل يخبر به على حقيقته إلا في النداء فإن النداء مجاز والمراد الإخبار".
وجاء في تفسير ابن كثير: "(يا حسرة عى العباد) أي يا ويل العباد. وقال قتادة (يا حسرة على العباد) أي يا حسرة العباد على أنفسهم على ما ضيعت من أمر الله وفرطت في جنب الله".
وجاء في روح المعاني: "ولعل الأوفق للمقام المتبادر إلى الأفهام نداء حسرة كل من يتأتى منه التحسر ففيه من المبالغة ما فيه".
(ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون): وهذا بيان سبب الحسرة والندم. قوله (من رسول) يفيد الاستغراق والمعنى أنه لم يسلم رسول من الاستهزاء. وقد تقول ولم قال ههنا (من رسول) وقال في الزخرف (من نبي)؟ فنقول إن كل لفظة ناسبت الموطن الذي وردت فيه فقد قال في الزخرف (وكم أرسلنا من نبي في الأولين (6) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون (7)) فقوله (كم أرسلنا) يفيد التكثير فإن (كم) هذه خبرية وهي تفيد التكثير والأنبياء أكثر من الرسل فإن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً فناسب كلمة نبي كمّ الخبرية. جاء في ملاك التأويل: "لما تقدم في آية الزخرف لفظ (كم) الخبرية وهي للتكثير ناسب ذلك كله من يوحى إليه من نبي مرسل أو نبي غير مرسل فورد هنا ما يعم الصنفين عليهم السلام".
وتقديم (به) على الفعل للإهتمام إذ المفروض أن يستقبل العباد رسولهم بالطاعة والاستجابة والإكرام لأنه مرسل إليهم من ربهم ولكنهم استقبلوه بالاستهزاء والسخرية.(1/132)
وذهب صاحب روح المعاني إلى أن هذا التقديم للحصر الإدعائي أو لمراعاة الفاصلة. قال و (به) متعلق بيستهزئون وقدّم عليه للحصر الإدعائي وجوّز أن يكون لمراعاة الفواصل".
ومعلوم أن تقديم المعمول على عامله لا يقتصر على معنى الحصر. نعم إن إرادة الحصر فيه مثيرة ولكن قد يكون التقديم لغير ذلك من مواطن الاهتمام وذلك كقوله تعالى (وبالنجم هم يهتدون (16) النحل) فإن التقديم هنا لا يفيد الحصر إذ الاهتداء لا يقتصر على النجوم بل إن وسائل الاهتداء كثيرة قال تعالى (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون (15) النحل) فذكر من وسائل الاهتداء الجبال والأنهار والسبل". والأظهر فيما نرى أن التقديم ههنا إنما هو للعناية والاهتمام ويجوز أيضاً أن يكون لما ذكره صاحب روح المعاني والله أعلم.
*في سورة يس (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)) إلى الآية (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (30)) الإمام الزجاج قال وهذه من أصعب مسألة في القرآن (المجلد الرابع صفحة 284) وجمهور المفسرين قالوا أن الحسرة على الكافر يتحسر يوم القيامة ووقفت على بعض الأقوال أن المتحسر هو الله عز وجل على ما فات عباده من توحيد وعبادة لأن الياء ياء نداء والحسرة نكرة وهي غير عاقل فأرجو أن يفصل الدكتور في هذه المسألة. من المنادي؟ من القائل (يا حسرة)؟
هذه فيها كلام كثير. ولم يتعرض لهذا إبن جرير أو الإمام الطبري أو الفراء.(1/133)
ليس هنالك متحسر واحد وإنما نداء للحسرة يعني أقبلي أيتها الحسرة هذا أوانك، هذا وقت حضورك. أحياناً في كلامنا العادي نقول لشخص قد عمل عملاً نعلم أنه سيلحق به خسران كبير نقول له يا خسارته!، يا ويله مما سيحصل له، نقولها استعظاماً لما سيصيبه كما قال في ابني آدم (قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي (31) المائدة). (يا حسرة على العباد) يعني هم أوقعوا نفسهم في أمر يتحسر عليه المتحسرون (يا حسرة) يعني يا أيتها الحسرة أقبلي هلاء أقعوأ أنفسهم. (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) هم يقولون على أنفسهم بالويل، ونحن نقول على الآخرين يا ويله. (يا حسرة على العباد) هم يقولون هو نداء للحسرة لأن يقوي الدلالة على النداء ربنا يقول (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) الفرقان) يعني نادوا بالثبور يا ثبوراه! يا ثبوراه! هو نداء لكنه خرج عن معنى النداء الحقيقي لكن لاستعظام ما أوقعوا أنفسهم فيه. لما تقول يا ويله مما سيلحق به معناه أنه هو أوقع نفسه في أمر عظيم لو علِم. كما نقول يتحسر عليهم المتحسرون. هي ليست فئة محددة وليست مرتبطة بأحد وإنما نداء يا أيتها الحسرة أقبِلي فهذا وقت حضورك. يا ويل العباد وحسرتهم على أنفسهم، يا ويل العباد مما فعلوا، يا ويل العباد مما أوقعوا فيه أنفسهم.
*ما الفرق بين الحسرة (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ (39) مريم) والندامة (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ (33) سبأ)؟(1/134)
الحسرة هي أشد الندم حتى ينقطع الإنسان من أن يفعل شيئاً. والحسير هو المنقطع في القرآن الكريم لما يقول (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك) حسير أي منقطع، إرجع البصر كرتين، ثم ارجع البصر، الحسير المنقطع. الحسير المنقطع والحسرة هي أشد الندم بحيث ينقطع الإنسان عن أن يفعل شيئاً ويقولون يكون تبلغ به درجة لا ينتفع به حتى ينقطع. (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ (30) يس) هذه أكبر الحسرات على الإنسان وليس هناك أكبر منها. الندم قد يندم على أمر وإن كان فواته ليس بذلك لكن الحسرة هي أشد الندم والتلهف على ما فات وحتى قالوا ينقطع تماماً. يقولون هو كالحسير من الدواب الذي لا منفعة فيه (أدرك إعياء عن تدارك ما فرط منه). في قصة ابني آدم قال (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) المائدة) الندم له درجات أيضاً ولكن الحسرة أشد الندم، هي من الندم لكن أقوى من الندم يبلغ الندم مبلغاً. (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ (167) البقرة) منقطعة ولا فائدة من الرجوع مرة ثانية.
آية (31):
*ما دلالة الإختلاف بين الآيات (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) السجدة (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) يس) (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) طه) ؟(د.حسام النعيمى)(1/135)
عبارة (أولم يهد) تكررت في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع: في موضعين (أولم يهد) وفي موضع (أفلم يهد). وكلمة (ألم يروا) تكررت كثيراً سأشير إلى أعدادها بشكل سريع. لكن الملاحظ بصورة عامة أن عبارة (ألم يهد لهم) أو ألم يهد له أو لك في غير القرآن العرب تستعملها بمعنى ألم يتبين لك؟، ألم يظهر لك؟ وألم تر، ألم يروا أيضاً بمعنى ألم يتبين لك؟ لكن هناك فارق جزئي بسبب إشتقاق اللفظ: ألم يهد: من الهداية، وألم يروا: من الرؤية، الهداية قطعاً متعلقة بشيء في القلب والرؤية متعلقة بشيء ظاهر مادي. هذا هو الأمر الذي يهيمن على الآيات في جميع المواطن التي وردت. عندما يريد القرآن أن يوجه العناية إلى التدبر والتفكر الزائد بحيث يشتغل القلب بهذا ولا يكون مجرد النظر وتفكير يسير إستعمل (أولم يهد) من الهداية (أولم يهد لهم) لأن هذا الفعل فيه هذا المعنى، وغالباً يكون الكلام في الآيات إما على الألباب، القلوب، الآخرة التي تحتاج إلى تأمل وإلى تفكّر أن يتفكر في الآخرة، و (ألم يروا) تشمل هذا وهذا لكن إذا تحدثت عن أمور في الآخرة يراد منها النظر السريع والإستدلال السريع. هذه القاعدة العامة بالنسبة لـ (يهدي) و(يرى).(1/136)
الآيات الواردة في هذا، السؤال عندنا (أولم يهد) فيها واو، (ألم يروا) ليس فيها هذه الواو. هذه الواو هي واو العطف وواو العطف لا تتقدم على الهمزة لأن الهمزة لها الصدارة كأنما في غير القرآن قال: كذا وكذا وألم يروا؟، لكن (وألم يروا) (وألم يهد لهم) لا تكون في اللغة لأن الهمزة تتقدم فيقول: أولم يروا، تدخل الواو بين الهمزة وبين الكلمة التي تليها. والواو لا تتقدم على الهمزة لأن علماؤنا من خلال إستعراضهم لكلام العرب - والقرآن الكريم على لغة العرب – فالهمزة تتقدم فيقول (أولم يروا)، أولم أقل لك هذا؟ يعني قلت لك كذا وكذا، أولم تستمع لقولي؟ في حقيقتها هي: وألم تستمع، لكن لأن الهمزة لها صدر الكلام تتقدم على حرف العطف الواو. إذن لما نجد أولم معناه هناك سياق عطف، تعطف جملة على جملة، جملة على ما قبلها، العاطف هو الواو والهمزة لا تحيل العطف أي لا تحول بين المعطوف والمعطوف عليه. الهمزة إستفهام إنكاري فيه معنى التوبيخ يُنكر عليهم عدم رؤيتهم وينكر عليهم عدم إهتدائهم، فيه إنكار. فالهمزة لا تحول دون هذا العطف لأنه أصله للعطف. فلما نجد الواو أو نجد الفاء نحس أن هناك ربط هذه الجملة بالجملة التي قبلها هناك إرتباط عن طريق هذا العطف أو جاءت في سياق عطف.(1/137)
لما ننظر في آيات السجدة نجد قوله عز وجل (أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) ثم يقول (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)) كله عطف لكن لأنه جاءت الهمزة وفيها معنى هذا الإنكار عليهم إنهم لم يستعملوا عقولهم، لم يهتدوا، لم ينظروا فيم أهدي إليهم من معانٍ فجاء العطف.(1/138)
بينما في سورة يس هناك قطع يعني استئناف. يبدأ من قوله تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)) هذه ربطت بما قبلها، الآية التي تليها بدأت إبتداء (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)) ما قال وإن كانت إلا صيحة واحدة، ليس فيها عطف هنا فصل، والغرض من الفصل توجيه العناية والاهتمام كأنه جملة جديدة. (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) لم يقل ويا حسرة على العباد، ثم جاء قوله (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)) لا يوجد عطف، إستأنف لغرض التأكيد (ألم يروا) جعلها مستأنفة ولم يجعلها مرتبطة بما قبلها بحرف عطف. هذا في معاني الوصل والفصل في القرآن الكريم وهذا موطن فصل لغرض التأكيد، لغرض لفت العناية ولغرض الاهتمام (ألم يروا) كأنه بدأ كلاماً جديداً مع أنه مرتبط وآيات القرآن يرتبط بعضها ببعض لكن لما يريد لفت الإنتباه والتركيز على معنى معين كأنه يستأنف لغرض التأكيد فهنا (ألم يروا) هذا من حيث وجود الواو وعدم وجود الواو.(1/139)
في سورة طه (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) طه) قصة عن الآخرة نقلها القرآن إلى الواقع الحالي كأنها وقعت لأن المستقبل في عين الله سبحانه وتعالى ماضي. نجد (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)) يعني بناء على كل هذا لأن الفاء للترتيب ترتب شيئاً على شيء، هي للعطف أيضاً لكنها تفيد الترتيب والمباشرة لما تقول: جاء زيد فخالد أي جاء مباشرة بعده وترتب مجيء هذا على مجيء هذا. فيها معنى الترتيب أي بعد كل هذا الكلام (أفلم يهد لهم) الفاء مرتِّبة وفيها شيء من التعليل أيضاً كأنها تبيّن عِلّة ما بعدها أنه هذا الذي ذكرناه ألا يكون مُذكِّراً لكم؟ ينبني على هذا الذي قلناه ما نقوله الآن. أفلم فيها معنى العطف لكن الدلالة فيها إضافة، الفاء فيها معنى العطف وإضافة الترتيب أما الواو فلا تقتضي ترتيباً وإنما مجرد عطف. تقول مثلاً: جاء زيد وخالد ممكن أن يكونا جاءا سوية معاً أو يكون خالد جاء قبل زيد المهم جاء فلان وفلان، تقول سأل عنك فلان وفلان قد يكونا سألا سوية أو كل واحد لوحده تحتمل الإثنين. أما الفاء فهي للترتيب تقول: سأل عنك زيد فخالد، أي سأل زيد وبعد ذلك بقليل سأل خالد. كذلك الفرق بين الفاء و(ثم)، يقولون (ثم) للتراخي والترتيب. أما الفاء فترتيب مباشر والواو ليس فيها ترتيب.(1/140)
الترتيب في سورة طه مقصود لذاته: الفاء في سورة طه لأنه ينبني على ذلك، يترتب على هذا الكلام، تقول فلان قال كذا وقال فلان كذا فيكون كذا وكذا يعني ينبني على هذه الأقوال هذا الشيء أنت تبني شيئاً على ما قبله، الآن نقول يترتب على هذا إجراء هذا الأمر كذا وكذا أي ينبني عليه. فالفاء هنا ترتيب على هذا المثال الذي ذكرناه،هذا لا يحرك مشاعركم بحيث تهتدون وبحيث تنظرون نظراً في القلب؟.
أما (ألم يروا) جاءت في خمسة مواضع في المصحف كله من غير عطف (ونحن نعتمد في هذه الإحصائيات على ما جمعه محمد فؤاد عبد الباقي رحمة الله عليه في المعجم المفهرس)، بالعطف (أولم يروا) وردت في 11 موضعاً لن أقرأها حتى لا نطيل لكن المشاهد الكريم لو رجع إلى الآيات سيجد أنه لما تأتي (ألم يروا) من غير الواو يعني ليس هناك سياق عطف. وفي 11 موضعاً التي فيها الواو هي في سياق عطف جميعاً. معناه هناك نظام واحد في العبارة القرآنية لا يختلّّ. ولا تأتي (أولم) وهو ليس هناك عطف أو تأتي (ألم) والسياق سياق عطف، لا يكون هذا.
(من قبلهم) و (قبلهم):
(من) لابتداء الغاية، تقول جاء فلان من كذا ووصل إلى المكان أي بدأ مجيئه من المكان الفلاني. فلما يقول (كم أهلكنا من قبلهم) يعني القبلية مباشرة من وجودهم هم، يعني يُذكّرهم بمن هلك قبلهم قريباً. تبدأ غاية الهلاك من وجودهم هم يعني كأن يكون من آبائهم، أصدقائهم، أصحابهم، هذا التذكير أوقع في النفس لما يراد التخويف والإنذار لأن هذه الآيات الأولى التي فيها ذكر الآخرة وفيها هزٌّ لضمائرهم أن يهتدوا كأنما أُهدي لهم هذا المعنى فينبغي أن يشغّلوا قلوبهم في هذا الأمر إستعمل عند ذلك (من قبلهم) أدعى للتخويف أن فلاناً كان معك وهلك.
((1/141)
قبلهم) عامّة ليس فيها هذه اللمسة التي تذكرهم بالبداية والقبلية تشمل الجميع لكن لما يريد أن يلمس هذا الشيء قبلك مباشرة يستعمل (من). تقول: ألم تتنبه إلى ما حدث لأخيك من قبل ساعة أو من قليل أو من قبل أن أكلمك؟ (هذا مباشر)، ألم تر ما حدث لأخيك قبل أن أكلمك؟ (هذا كلام عام) من كلامي معك وقبل ذلك، أما من قبل أن أكلمك، يعني الآن من لحظات مرتبط بكلامي معك.
لم يعترض أحد على هذا الكلام لأن هذا في الذروة من كلام العربية لذلك سلّوا سيوفهم وما أخرجوا أقلامهم ليكتبوا بها وكان أيسر أن يكتبوا سطرين حملوا سيوفهم وقتل الإبن أباه والأب حارب ولده وهم قوم عنصريون
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
يقاتل آل فلان ولا يكتب سطراً لأنه يستحي أن يكتب شيئاً يضحك منه الناس ويقولون له أين هذا من هذا؟(1/142)
لماذا هذه الهجمة الشرسة على القرآن هذه الآيام؟ الهجمة الشرسة على القرآن ليست في هذه الأيام وإنما تزيد وتنقص وهي منذ بداية نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهي ماضية إلى يوم القيامة ولا نتوقع أن يأتي زمان لا يكون هناك من لا يحارب الدين. لكن أن يكون هناك إستغلال لغفلة المسلمين ولإنشغال المسلمين بأمور فتبدأ الحرب على الإسلام بأشكال مختلفة. بعض إخواننا يتحدث عن بعض الناس الذين أتخذوا لأنفسهم منهجاً خاصاً في الفقه هؤلاء لم ينشروا الإسلام في أي بلد كافر من وجودهم في التاريخ ولكن دائماً شغلهم في تحويل المسلمين من عقيدة أهل السنة والجماعة إلى فقههم، هذا شغلهم وعلى قول أحدهم يصيدون السمك من المقلاة! ولا يذهب لصيد السمك، الهند مفتوحة إذهب وادعُ الناس فيها للإسلام! لا نتوقع أن تتوقف الهجمة في أي وقت لكن على الناس أن ينتبهوا إلى ذلك وهو ليس فقط مسألة أسلوب القرآن الكريم وإنما الذي لا يعرف أسلوب القرآن الكريم ولا يعرف أساليب العربية يعرف على الأقل أحكام الشرع ويوازن بين أحكام الشرع والقوانين الوضعية، بين الأحكام الشرعية التي تضمن الخلق النظيف والمجتمع النظيف المتآخي المتواصل وهذه النظم التي تخاف من القانون فإذا غفل عنها القانون فعلت ما لا يفعله الشيطان. المجتمع المسلم مجتمع طاهر نقي نظيف من خلال تعاليم هذا الدين. العرب الآن الذين هم من أعراق عربية لم يعد لديهم ذلك الذوق العربي صرنا نتعلم العربية بحيث إذا سمعت إثنان عراقيان يتحدثان لا يفهمها الجزائري وإذا سمعت إثنان من المغرب يتحدثان أنت لا تفهمهما، فنحن إبتعدنا لذا نقول هذا الكلام هي لمسات للتذكير بهذه المعاني البيانية في كتاب الله عز وجل أما الإيمان والثبات فعلى شرع الله سبحانه وتعالى ومعرفة ما شرّعه الله سبحانه وتعالى.
آية (37):
*مداخلة لأحد المشاهدين حول إجابة الدكتور السامرائي :(1/143)
في حلقة سابقة عن الآية (وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ (37) يس) على حسب معرفتي أن الليل الكوني يحتوي على النهار وعلى الظلام لذلك إذا وضعت الكرة الأرضية مقابل الشمس بالليل الكوني صار الجزء المقابل للشمس منوّراً والجزء الذي خلفها غير منوّر مظلم أما الليل إذا خرجنا إلى خارج الغلاف الجوي، إذن الليل الكوني يحتوي على النهار وعلى الظلام وعندما يصطدم الليل الكوني بالكرة الأرضية يسلخ منه رب العالمين النهار الذي هو مقابل للشمس فيبقى بخلف الكرة الأرضية الظلام فلو أخذنا جسماً ووضعناه خلف الكرة الأرضية فإنه لا ينوّر ولا يعطي أي أشعة لأنه لا يوجد. ولو تتبعنا كلمة الليل في القرآن الكريم لوجدناها وردت مع مشتقاتها 83 مرة وكلمة النهار مع مشتقاته ورد 57 مرة وكلمة الظلمات 26 مع مشتقاتها مرة فلو جمعنا النهار مع الظلمات يكون المجموع 83 مرة بما يعادل المرات التي وردت كلمة الليل الكوني. لماذ جمعت الظلمات مع النهار وليس مع الليل؟ لأن الليل يحتوي على الظلمة وعلى النهار. ما المقصود بالليل الكوني؟ الليل الكوني يحتوي على الأشعة وعلى الظلام. الليل الكوني هو المادة الموجودة بالكون مطلقاً. أما الليل الأرضي فهو عبارة عن الليل الكوني مسلوخاً منه النهار.
آية (40):
*( كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) لماذا لم يقل يسبح مع أنها لغير العاقل؟(د.فاضل السامرائى)
((1/144)
كل) لها قواعد في التعبير. (كل) إذا أضيفت إلى نكرة هذا يراعى معناها مثل (كل رجل حضر) (كل امرأة حضرت) (كل رجلين حضرا) إذا أضيف إلى نكرة روعي المعنى وإذا أضيفت إلى معرفة يصح مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، مثال: (كل اخوتك) اخوتك جمع يجوز أن يقال كل إخوتك ذاهب ويقال كل إخوتك ذاهبون، يجوز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى. إذن إذا أضيفت إلى نكرة روعي المعنى كل رجل حضر، كل رجلين حضرا، كل امرأة حضرت. (كل) لفظها مفرد مذكر ومعناها تكتسبه بحسب المضاف إليه. إذا أضيفت لنكرة يراعى المضاف إليه وإذا أضيفت لمعرفة يجوز مراعاة اللفظ والمعنى. نوضح القاعدة: كل الرجال حضر وكلهم حضر، إذا قطعت عن الإضافة لفظاً جاز مراعاة اللفظ والمعنى (كلٌ حضر) (كلٌ حضروا) يجوز، (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ (285) البقرة) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) الأنبياء) (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) ق) مجموعة قوم نوح وعاد وفرعون قال كلٌ كذب الرسل، (كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116) البقرة). إذن من حيث القاعدة النحوية أنه إذا قطعت عن الإضافة هذا سؤال (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) لفظاً جاز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى يمكن أن يقال كلٌ في فلك يسبح وكلٌ في فلك يسبحون لكن هل هنالك اختلاف في المعنى في القرآن ليختار هذا أو ذاك؟ هذا هو السؤال. من حيث اللغة جائز. القرآن استخدم الاثنين (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) الأنبياء) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ (84) الإسراء) (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) ق). مما قيل في هذا الخلاف قال: الإخبار بالجمع يعني عندما يقول قانتوت حاضرون يسبحون يعني كلهم مجتمعون في هذا الحدث ولما يفرد يكون كل واحد على حدة ليسوا مجتمعين. لما يقال كلٌ حضروا يعني مجتمعون ولما يقال كلٌ حضر يعني كل واحد على حدة.(1/145)
قال تعالى (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) كلهم يسبحون في آن واحد، (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ) يوم القيامة كلهم مع بعضهم، (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) كلٌ على حدة، (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) كلٌ على حدة كل واحد في أزمان مختلفة.
سؤال: هل هي لغوية معروفة أو خصوصية في القرآن الكريم؟
أصل اللغة ما ذكرنا والقرآن كسى بعض الكلمات دلالات خاصة به في سياق القرآن.
آية (44):
*ما الفرق بين آتاني منه رحمة وأتاني رحمة من عنده ؟(1/146)
في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر. (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) يس) عامة، (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) عامة، قال على سيدنا نوح (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِه (28) هود)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف) (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء) (من عندنا) يستعملها خاصة و (منا) عامة.(1/147)
حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا)، يستعمل (منا) عامة و (نعمة من عندنا) خاصة مثل (فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (49) الزمر) (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ (8) الزمر) (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ (35) القمر) (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء) (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) هود).
آية (47):
*فى سورة يس (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (47)) ما دلالة (لو) وهل هي أداة جازمة؟
(لو) ليست من الأدوات الجازمة هي من أدوات الشرط غير الجازمة مثل (إذا) ولها معاني قد تكون حرف امتناع لامتناع أو حرف شرط من دون امتناع وهي لا تجزم أصلاً مثل (وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ (30) محمد) وبعدها الفعل المضارع يكون مرفوعاً.
آية (49):
* (مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) يس) (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى (8) الصافات) ما اللمسة البيانية في كلمتي يخصّمون ويسّمعون؟(1/148)
سبق قبل حلقات ذكرنا يتضرعون ويضّرعون، هذه تسبهها من الناحية الصرفية. يخصّمون أصلها يختصمون فصار إبدال التاء صاد وإدغام وهذا إبدال وإدغام جائز من حيث التكوين الصرفي. يسّمعون أصلها يستمعون صار فيها إبدال أيضاً. هذا من حيث التكوين الصرفي يبقى من حيث التكوين البياني. ذكرنا أن يتفعلون التي هي الأصل أطول ويفّعّل فيها مبالغة لأن فيها تضعيفين، ذاك من حيث الزمن أطول (يتفعل) وهذه فيها مبالغة في الحدث لأن فيها إدغام (يخصّمون، يسّمعون). لماذا قال (وهم يخصّمون)؟ الكلام عن الساعة (مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) يس) الكلام عن الساعة تأخذهم وهم يخصمون اي وهم منهمكون في أمور الدنيا في الخصومة في الدنيا لكنها لا تنقضي الخصومات تأخذهم رأساً قبل أن تنتهي الخصومات بينهم لأنه في الحديث الساعة تأخذهم فلا يرفع من يأكل اللقمة إلى فيه، قبل أن تصل اللقمة إلى فيه والمتبايعان تأخذه الساعة قبل إنهاء البيع. إذن مبالغة في الاختصام في الدنيا على أقصى حال لكنها تذهب رأساً قبل أن يتموا ذلك. بينما قال في مكان آخر (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) الزمر) لم يقل تخصمون لأن تلك فيها إقامة حجة وقضاء وسماع كلام القاضي والشاهد مسألة طويلة ثم يخصّمون في الدنيا ليس كلها فيها فصل وقضاء فإذن فيها مبالغة ولكن فيها سرعة قبل أن تنتهي الخصومة تقوم الساعة عليهم الآكِل لا يستطيع أن يوصل اللقمة إلى فمه والمتبايعان قبل أن تنتهي البيعة تأخذهم وهم يخصمون. وكذلك (يسّمعون) فيها مبالغة (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ (8) الصافات) يعني يريدون أقصى التسمع في أقصر وقت فقال يسّمعون لأن تسّمع يحتاج وقت طويل وهم يريدون الوقت القصير.
آية (51):(1/149)
*(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) يس) ما معنى الأجداث؟ وما دلالة استخدام الأجداث بدل القبور؟
الأجداث هي القبور. لكن السؤال لماذا يقول الأجداث أحياناً ولا يقول القبور؟ الأجداث جمع جَدَث نلاحظ لفظ الجدث قريب في اللفظ والاشتقاق من لفظ جَدَثة، الفرق فقط في التاء المربوطة. الجدثة في اللغة هي صوت الحافِر والخُفّ وتأتي بمعنى صوت مضغ اللحم، هذا الجدثة في اللغة وليس الجدث، الجدث هو القبر والجدثة هو صوت الحافر والخُفّ ومضغ اللحم. صوت خروج الموتى من القبر مسرعين (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) يس) (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (7) القمر) (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) المعارج) الموتى خرجوا مسرعين، هذا عندما يخرجون مسرعين يذهبون إلى مكان الحشر وصوتهم يشبه تماماً صوت الحافر أو الخف عند السير والعدو لذلك هو لا يستعمل أجداث إلا في هذه الحالة في حالة الخروج والركض وكأنه يسمع لمشيهم صوت. القبر لا يستعمله بهذا الشكل وإنما يستعمل جدث فقط في هذه الحالة. نلاحظ عندما يقول (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) يس) (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (7) القمر) (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) المعارج) لم يستعملها في حالة السكون والهمود مطلقاً.(1/150)
بينما يستعمل القبور (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13) الممتحنة) (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22) فاطر) ليس فيها حركة، (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) الإنفطار) القبور وليس الناس بعثرت ولم يذكر أن من فيها يخرج، (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) العاديات) كما تبعثر ما في صندوق بعثرته لكن ليس فيه حركة وعدو. الأجداث خصّها بهذا الاستعمال يعني مناسبة الصوت لمعنى الجَدَثة ومعنى مضغ اللحم يعني خرجوا مسرعين بعد أن مضغتهم الأرض وأكلتهم. إذن هنالك ارتباط دلالي بين الكلمة وما تدل عليه من معنى وهناك اختيار دقيق جداً للكلمة. هناك قبر ولحد وجدث والاختلاف بينها يتعلق بالحركة.
* وردت كلمة أجداث في القرآن ثلاث مرات والقبور ثماني مرات فما هناك فرق بين الجدث والقبر؟(د.حسام النعيمى)(1/151)
حقيقة هم يقولون لما نأتي إلى معجمات اللغة أي معجم يعني من اللسان إلى الصحاح الواسعة والموجزة يقول لك: الجدث القبر فالأجداث القبور. لكن السؤال لماذا استعمل القرآن الأجداث هنا ولم يستعمل القبور؟ صحيح الأجداث هي القبور لكن نريد أن نعرف حقيقة كان بإمكان القرآن أن يقول (يخرجون من القبور) بدل ما يقولون (من الأجداث) طبعاً علماء اللغة يقولون القبر عام عند العرب كلمة قد يستعملها قبائل اليمن قبائل العرب وما بينهما وقبائل الشام. أما الجدث فالأصل فيه أنه لهذيل. هذيل قبيلة في وسط الجزيرة يعني من القبائل التي اُخِذ منها العربية وتميم أيضاً في وسط الجزيرة لكن الفرق أن الهُذلي يقول جدث بالثاء والتميمي يوقل حدف بالفاء. لاحظ تقارب الثاء والفاء، قريش أخذت من هذيل وصارت تستعملها ونزل القرآن بها. هؤلاء الذين في وسط الصحراء أرضهم رملية فتخيل عندما ينشق القبر تتشقق هذه القبور وكلها رمال ماذا سيكون؟ سيكون نوع من طيران الرمال في الجو لتشققها هذا يتناسب مع صوت الثاء بما فيه من نفث. لما نقول جدث وأجداث الثاء فيه نفخ بخلاف قبر وقبور فيها شدة، فيها حركة لكن فيها شدة ليس فيها هذه الضوضاء ولذلك لم يستعمل الأجداث إلا في بيان مشاهد يوم القيامة بينما كلمة قبر وقبور استعملت في الدنيا والآخرة (إذا القبور بعثرت) يعني ما صوّر لنا الصورة. لاحظ الصور أنا جمعت الآيات الثلاث: هي في ثلاثة مواضع وكلها في الكلام على النشور يوم القيامة وعلى الخروج من القبور أو من الأجداث،
الآية الأولى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) يس): يعني جماعات جماعات أفواج ينسلون يتجهون يسرعون في الخروج.
الآية الثانية (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) القمر): ايضاً يوم القيامة وأيضاً فيه هذا الانتشار وسرعة الحركة للجراد كأنهم جراد منتشر.(1/152)
الآية الثالثة (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) المعارج): هذا كله في مشهد يوم القيامة في الحركة والانتفاض. لم تستعمل كلمة جدث وما استعمل أي اشتقاق من اشتقاقاتها استعمل فقط أجداث.وفي هذه الصورة صورة مشهد يوم القيامة. بينما كلمة قبر لأنها عامة استعمل منها الفعل (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) عبس) واستعمل المفرد (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) التوبة) هذا في الدنيا، المقابر في الدنيا، القبور وردت خمس مرات.
آية (52):
*في سورة يس (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)) بحثت في بعض التفسيرات وأشعر أنهم تفاجأوا بيوم المحشر فهل يمكن أن تعني أن هؤلاء ما حصل لهم عذاب البرزج لذا تفاجأوا بيوم الحشر قالوا (يا ويلنا) ولو كان حصل لهم عذاب البرزخ ما تفاجأوا؟(1/153)
هذا السؤال يجاب عليه بأكثر من جواب. حياة البرزخ بالنسبة لحياة الآخرة هجعة لما يستيقظ ويرة ما يرى كأن البرزخ كان حلماً بالنسبة لاستيقاظة الآخرة، كالمستيقظ من النوم كان يرى كابوساً. حياة البرزخ بالنسبة إلى الساعة كالرقاد. هذهواحدة والأمر الآخر يقال أن بين النفختين يهجع الموتى في قبورهم وينامون فهم كالميت لا يسمع ولا يحس بشيء فيكون هجعة بين النفختين فإذا نُفِخ الثانية استيقظ من رقاده (مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) قسم يقول بين النفختين هجعة (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) الزمر) بين النفختين هجعة لأهل القبور. هذه الآية بعد النفخة الثانية لأنها في المحشر فإذا كان هذا الخبر صحيحاً أن يتحقق أنه بين النفختين هجعة لأهل القبور (مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا). والمرقد مكان الرقاد والفراش.
آية (56):
* ما دلالة استعمال الوصف (متكئين) لأهل الجنة خاصة؟
الاتّكاء غاية الراحة كأن الانسان ليس وراءه شيء لأن الانسان لو وراءه شيء لتهيّأ له ولم يتكيء. والاتّكاء في القرآن ورد مع الطعام والشراب ومع الجلسات العائلية هذا أكثر ما ورد إلا في موطن واحد.(1/154)
جاء في القرآن الكريم قوله تعالى (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) يس) والاتكاء يحسُن في هذا الموضع. وقال تعالى (مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) ص) يرتبط الاتكاء مع الطعام والشراب وكذلك في سورة الرحمن (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)) و (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)) وقوله تعالى (مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) الواقعة) و (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) الطور) جاء في السياق مع هذه الآيات ذكر الطعام والشراب.
آية (58):
* ما الفرق بين سلام والسلام ؟(1/155)
السلام معرفة والمعرفة هو ما دلّ على أمر معين، وسلام لك والأصل في النكرة العموم إذن كلمة سلام عامة وكلمة السلام أمر معين. لما نقول رجل يعني أيّ رجل ولما نقول الرجل أقصد رجلاً معيناً أو تعريف الجنس. الأصل في النكرة العموم والشمول. إذن (سلام) أعم لأنها نكرة وربنا سبحانه وتعالى لم يحييّ إلا بالتنكير في القرآن كله مثل (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (59) النمل) (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) الصافات) حتى في الجنة (سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58) يس) حتى الملائكة (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر) ربنا تعالى لم يحييّ هو إلا بالتنكير لأنه أعم وأشمل كل السلام لا يترك منه شيئاً. (سلام عليه) هذه تحية ربنا على يحيى والآية الأخرى عيسى - عليه السلام - سلم على نفسه وليس من عند الله سبحانه وتعالى، سلام نكرة من قبل الله تعالى والسلام من عيسى - عليه السلام - وليس من الله تعالى والتعريف هنا (السلام) أفاد التخصيص. ويقوون تعريض بالذين يدعون أن مريم كذا وكذا فقال (والسلام علي) رد على متهمي مريم عليها السلام.
*ما إعراب كلمة قولاً في قوله تعالى (سلامٌ قولاً من ربٍ رحيمٍ)؟
هذه الآية (سلامٌ قولاً من رب رحيم) وكذلك (كبرت كلمةً تخرج من أفواههم) فيها وجهين إعرابيين: إما أن تكون تمييز أو تكون حال لأن القاعدة النحوية تنص على أن إسم التفضيل إذا كان ما بعده ليس من جنسه يُنصب مثال (أنت أكثرُ مالاً، هو أحسنُ شعراً) وإذا كان ما بعده من جنسه يُضاف. (يقال: أنت أفضلُ رجلٍ، أحسنُ دارٍ).(1/156)
وفي الآية (الله خيرٌ حافظاً) في سورة يوسف تعني أن حفظة الله تعالى خير منكم بدليل قوله تعالى (ونرسل عليكم حفظة) فكأنه تعالى قارن بينهم (بين إخوة يوسف) وبين حفظة الله (والتمييز أقوى من الحال) لسبب أن الحال قيد لعاملها كأنه خير فقط في هذه الحال من حالة الحفظ أما في التمييزفهي أقوى. ولو قال الله خيرُ حافظٍ فهي تدلّ على أن الله هو الحافظ.
سلامُ قولاً من رب رحيم: قولاً مفعول مطلق.
كبُرت كلمةً: تمييز (الفاعل مفسّر بتمييز بمعنة كبرت الكلمة كلمة).
تبسّم ضاحكاً: حال مؤكدة (إسم فاعل).
آية (65):
*(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) يس) (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) فصلت) ما اللمسة البيانية في اختلاف ختام الآيتين؟ ولماذا قالوا لجلودهم وليس للسانهم مثلاً؟ ولماذا تشهد الجلود دون باقي الأعضاء؟(1/157)
نقرأ الآيات (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) يس) وفي فصلت (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) فصلت)، ذكر في آي يس (بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) لأنه ذكر الأيدي والأرجل وهما آيتي الكسب ربنا يقول (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30) الشورى) (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا (38) المائدة) (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) المسد) اليد والأرجل آية الكسب فناسب هنا الكسب بينما في سورة فصلت لم يذكر آية الكسب وإنما قال (سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) في يس ذكر آية الكسب الأيدي والأرجل (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (41) الروم) بينما في آية فصلت لم يذكر آلة الكسب. إذن (بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ملائمة للأيدي والأرجل وهي أدوات الكسب ولما قال (بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ذكر قبلها أدوات العلم (سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ).
((1/158)
وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا) لأن الجلود هي التي تُعذّب (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا (56) النساء) كأنما يقولون فهمنا السمع والبصر لكن أنت يا جلود لِمَ شهدت علينا؟ - صلى الله عليه وسلم - ! هي التي ستُعذَّب (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء) المفروض في نظرهم ألا تشهد ولذلك السؤال موجّه للجلود فقالت (قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ليس بأمرنا ولكن الله تعالى أنطقنا. يومئذ كل شيء يتكلم ولا نتكلم بالأفواه ولكن تشهد الأيدي والأرجل (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) يس).
آية (81):
*ما الفرق بين قادر وقدير؟(1/159)
إذا عمّم أو أطلق يستعمل المبالغة، إذا عممها أي إذا قال (على كل شيء) يستخدم (قدير) وإذا قيّدها بشيء يقول (قادر) (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (37) الأنعام) قُيّدت بإنزال آية، (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) الأنعام) قيدت بالعذاب، إذا قيّدها يقول قادر لأن قادر إسم فاعل وليس مبالغة، (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) يس) قادر إسم فاعل من فعل قدر، قدير صيغة مبالغة. قدر هي مشترك لفظي (فقدر عليه رزقه) مشترك لفظي أي لها أكثر من معنى, يقولون مشترَك لفظي وأنا أرجح مشترِك لأنه إسم فاعل لأن الفعل غير متعدي فلما تقول مشترَك يحتاج مشترك لكذا تقديراً والمشترِك هو الأصل. فحيث أطلق القدرة أو عممها أطلق الصفة (وهو على شيء قدير) ومتى قيّدها قال (قادر) ليس فيها مبالغة وليس فيها كثرة، قدير فيها كثرة. فإذن حيث أطلقها يأتي بصيغ المبالغة وحيث عمّمها بكل شيء يأتي بصيغة مبالغة وحيث قيّدها يأتي بإسم الفاعل، هذا الفارق الدلالي بين إسم الفاعل وبين صيغ المبالغة التي تدل على التكثير.
آية (82):
*(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون (82) يس) (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (68) غافر) ما اللمسة البيانية في الاختلاف بين الآيتين؟(1/160)
قراءة الآية توضح المسألة، الآية في يس (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون (82)) في غافر (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (68)). (إنما أمره) أمره مبتدأ خبره المصدر (أَنْ يَقُولَ لَهُ) (إِذَا أَرَادَ شَيْئًا) هذه جملة اعتراضية شرطية حذف جواب الشرط لاكتناف ما يدل عليه، (إِذَا أَرَادَ شَيْئًا) هذه جملة اعتراضية ذكر فيها فعل الشرط وحذف الجواب وجوباً لأنه اكتنفه ما يدل عليه (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون (82) يس) إذن لا يمكن أن يقال غير ذلك، الجملة مبتدأ وخبر كيف يقولها؟!. (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) هذه شرطية عادية (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ) هذا جواب الشرط مقترنة بالفاء وجوباً. إذن لا سبيل إلى غير ذلك من حيث اللغة لا بد أن يقول ذلك مبتدأ وخبر، أدلة شرط وفعلها وجواب شرط، هذا التعبير الطبيعي ولا يصح أن نضع إحداهما مكان الأخرى.
سؤال: ربنا تعالى يقول (كن) فعل أمر والشيء غير موجود فكيف يكون المخاطب؟
الشيء الذي يريده هو سبحانه وتعالى يقول له كن فيكون، أحياناً الإنسان يريد شيئاً أحياناً ويسعى إليه ويطلب تحقيقه وهو غير موجود. فربنا إذا أراد شيئاً يقول له كن فيحصل ذلك الشيء.
ليس كما يقولون بأن الشيء موجود في علم الله الأزلي فيخاطبه.
****تناسب فواتح سورة يس مع خواتيمها****(1/161)
تبدأ (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)) وفي الآخر (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)) أليس هو العزيز؟ الذي يملك كل شيء لا أعز منه إذن هو العزيز، الذي بيده ملكوت كل شيء يملك كل شيء لا أعز منه إذن هو العزيز، العزيز هو الحق الذي يملك كل شيء وهذه من دلائل العزيز (وإليه ترجعون) له صفات العزة كلها. لما قال (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)) يعني عزته منزّهة عن كل نقص. (سبحان) إسم مصدر بمعنى تنزيهاً، سبحان الله يعني تنزيهاً لله. فإذن هو نزّه عزّته معناه أنه رحيم. في أولها قال (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) وقال في آخرها (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)) تفصيل عدم الإيمان بأنهم اتخذوا من دون الله آلهة. في أولها قال (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)) وفي آخرها قال (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)) في بداية السورة جاء بالجواب (إنا نحن نحيي الموتى) وهم قالوا (من يحيي العظام وهي رميم).(1/162)
سؤال: من الذي ضرب لنا المثل في الآية (وضرب لنا مثلاً) هل هو العبد الآبق من رحمة الله؟ الذي ضرب لنا المثل الذي أمسك بعظام بالية وفتتها وقال للرسول - صلى الله عليه وسلم - أتزعم أن ربك سيحيي هذه بعد موتها؟ فقال ربنا تعالى (وضرب لنا مثلاً) كأن هذا الشخص غير مصدق أن الله تعالى سيحيي هذه العظام بعد أن تتفتت. (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78))، نسي خلقه أي كيفية خُلِق هذا الإنسان الذي يضرب المثل. الذي يحيي العظام وهي رميم هو الذي يحيي الموتى هو الله سبحانه وتعالى، من يحيي العظام؟ إنا نحن نحيي الموتى. قررت في بداية السورة وفي ختام السورة كانت مجرد سؤال ثم أجاب (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)).
*****تناسب خواتيم يس مع فواتح الصافات*****(1/163)
قال في أواخر يس (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)) وفي بداية الصافات (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)) تصحيح للعقيدة لديهم. في أواخر يس قال (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)) هذا الكلام نزل في أحدهم في قريش مسك عظماً بالياً وفتته وقال للرسول - صلى الله عليه وسلم - أتزعم أن ربنا سيعيد هذه العظام؟ فنزل قوله تعالى (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)) ذكر ما يراه هذا الكافر وفي الصافات قال على لسان الكفرة (أَئِذَا.مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16)) أصبحوا جماعة وعمموا القول (أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)) - (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) يس). وقال في آخر يس (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)) - (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) الصافات) الذي بيده ملكوت كل شيء أليس هو رب السموات والأرض؟ بلى.(1/164)
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله تجميع وترتيب هذه اللمسات البيانية من نصوص برنامج لمسات بيانية كما تفضل بها الدكتور فاضل صالح السامرائي ومن كتاب على طريق التفسير البياني الجزء الثاني للدكتور فاضل السامرائي وإضافة الخواطر القرآنية للأستاذ عمرو خالد وبعض اللمسات البيانية للدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله عنا خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/165)
سورة الصّافّات
تناسب خواتيم يس مع فواتح الصافات ... آية (23) ... آية (73) ... آية (120)
هدف السورة ... آية (31) ... آية (79) ... آية (125)
أسئلة عامة ... آية (47) ... آية (83) ... آية (137)
آية (6) ... آية (53) ... آية (85) ... آية (147)
آية (8) ... آية (60) ... آية (102) ... تناسب فواتح سورة الصافات مع خواتيمها
آية (10) ... آية (65) ... آية (109) ... تناسب خواتيم الصافات مع فواتح ص
آية (22) ... آية (69) ... آية (112)
*تناسب خواتيم يس مع فواتح الصافات*(1/1)
قال تعالى في أواخر يس (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)) وفي بداية الصافات (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)) تصحيح للعقيدة لديهم. في أواخر يس قال (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)) هذا الكلام نزل في أحدهم في قريش مسك عظماً بالياً وفتته وقال للرسول - صلى الله عليه وسلم - أتزعم أن ربنا سيعيد هذه العظام؟ فنزل قوله تعالى (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)) ذكر ما يراه هذا الكافر وفي الصافات قال على لسان الكفرة (أَئِذَا.مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16)) أصبحوا جماعة وعمموا القول (أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)) - (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) يس). وقال في آخر يس (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)) - (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) الصافات) الذي بيده ملكوت كل شيء أليس هو رب السموات والأرض؟ بلى.
**هدف السورة: الإستسلام لله وإن لم تفهم الأمر**(1/2)
سورة الصافات مكّية ابتدأت بالحديث عن الملائكة الأبرارواستعرضت السورة مجموعة من الأنبياء استسلموا لأمر الله من غير أن يعرفوا الحكمة من ذلك الأمر وأفضل مثال على ذلك قصة ابراهيم - عليه السلام - (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) آية 99 إلى 103 ، الذي وهبه الله تعالى الولد الحليم (اسماعيل) بعدما كبر سنّه وفقد الأمل من الإنجاب وفرح به ابراهيم فرحاً شديداً ثم جاءه في المنام أمر بذبح هذا الولد بيده ولم يكن وحياً في اليقظة لكنه استسلم لأمر ربه وقال لابنه ماذا رأى وكأنما أراد أن يشاركه ابنه هذا الإستسلام لله حتى ينال الجزاء معه فما كان من اسماعيل إلا أن كان أكثر استسلاما وقال لأبيه افعل ما تؤمر ولم ينته الأمر هنا بل أن ابراهيم باشر بالتنفيذ فعلاً (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) آية 103 عندها تحقق من ابراهيم واسماعيل الإستسلام التام لله فجاء وحي الله بأن فدى اسماعيل بذبح عظيم. أطاع الله واستسلم له وهكذا نحن علينا بعد أن عرفنا منهج الله في عشرين جزء مضى من القرآن علينا أن نستسلم لله كما استسلم ابراهيم لربه عزّ وجلّ وهذه قمة العبودية والخضوع لله.
وفي السورة توجيه هام في الآيات التي تتحدث عن يوم القيامة وهو أنه على الناس أن يستسلموا في الدنيا استسلام عبادة بدل أن يستسلوا في الآخرة استسلام ذل ومهانة.(1/3)
سميّت السورة بـ (الصافات) تذكيراً للعباد بالملأ الأعلى من الملائكة الأطهار الذين يصطفّون لعبادة الله خاضعين مستسلمين له يصلّون ويسبحون ولا ينفكّون عن عبادة الله تعالى.
***من اللمسات البيانية فى سورة الصافات***
*في سورة الصافات مع كل الأنبياء يقول (سلام على) ولم يقل ذلك في لوط ويونس فما دلالة هذا؟
د.فاضل السامرائى :(1/4)
لما ننظر في قصة يونس الواردة في الصافات، هو ذكر عنه عدم الأَوْلى من فعله قال (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)) أبق أي فر هارباً، (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)) مليم يعني أتى فعلاً يستحق اللوم أما مُلام يعني أنت تلومه، هذا إسم مفعول، مليم إسم فاعل من ألام إذا فعل فعلاً يُلام عليه، يستحق اللوم. ربنا قال عن فرعون (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) الذاريات). وقال (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ (145)) لما ذكر عدم الأولى والمؤاخذات عليه هل يقول (سلام على يونس)؟! يعني لا يناسب بعد ذكر هذه المؤاخذات أن يقال له (سلام على يونس). وهو أدخلهم فيما بعد حينما فقال (وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)) فدخل فيه يونس ولوط، هذا بالنسبة ليونس. أما بالنسبة لوط فإن قومه فعلوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين وهي حساسة يستحى من ذكرها ولا تكاد تذكر، لوط لم يؤمن به أحد من قومه إلا امرأته فلم ينجو من قومه أحد يذكره بالخير فيما بعد، كلهم أهلكوا وما نجا إلا هو وابنتاه فقط فلا يستقيم أن يقال (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) من الذي سيذكره؟ لا أحد فقال تعالى (وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ).(1/5)
هذه مسألة والمسألة الأخرى نرى ماذا ذكر تعالى في لوط في الصافات نفسها لم يذكر أنه دعا قومه إلى شيء ولا حمل رسالة إليهم بخلاف الذين ذكر فيهم ذلك، كل ما قال في لوط (وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137)) لم يذكر أنه دعا قومه إلى شيء بينما الآخرين ذكر دعوتهم، إبراهيم دعا قومه وحاولوا حرقه لكن ما ذكر هذا مع لوط (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ)، ما ذكره في لوط ليس مثل الأنبياء الآخرين. (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) َاللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126)) ذكر دعوته فقال (سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)). يقال أيضاً نوح لم يذكر معه هذا وإنما قال (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ (77)) جعل ذريته هم الباقون والذرية تذكره فقال (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) إضافة إلى أنه قال (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)) نادانا يعني دعانا، ولم يذكر مع لوط انه دعا، من هو نعم المجيب؟ ربنا سبحانه وتعالى فمن نعمة الإجابة أن يترك عليه في الآخرين. ليس فقط أجبنا وإنما نعم المجيب، دعا وربنا أجاب ونعم المجيب فقال (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ).
د.حسام النعيمى :(1/6)
ما ذكر في السؤال صحيح وذلك له سبب ونحن لو نظرنا في الآيات بدءاً من الكلام على نوح - عليه السلام - وإنتهاء بآخر من ورد ذكره من الأنبياء سنجد أنه مع كل نبي يكون هناك حديث عن شخصه وعن ما جرى له وأحياناً تذكر ذريته ثم يقال (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ، سَلَامٌ عَلَى (فلان) فِي الْعَالَمِينَ) إلا مع سيدنا لوط وسيدنا يونس عليهما السلام. لما نأتي إلى الآيات نجد أن الكلام جرى حوله قليلاً ثم إنتقل إلى حال أمته بحيث ابتعد الكلام عنه (عن لوط ويونس) فلما إبتعد الكلام لم يستسغ أن يأتي (وتركنا عليه في الآخرين * سلام على فلان ) لأن الكلام ابتعد وصار الكلام على ما حدث له وما جرى لقومه لكن عُوّض ذلك وهو عندما ذكر لوطاً قال (وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وعندما ذكر يونس قال (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) بأنه في آخر السورة قال (وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)) أخّر السلام عليهما مع الجميع. لم يخصهما في نفس الموضع وإنما ابتعد وسبب الإبتعاد البناء اللفظي الذي سنقف عنده لكن مع هذا هناك شيء يتبادر للذهن ولا نجزم به وهو أن لوطاً - عليه السلام - بدرت منه كلمة هي قوله: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) هود) وفي الأحاديث الصحيحة أن الرسول ? قال: "رحم الله لوطاً (وفي رواية غفر الله للوط) لقد كان يأوي إلى ركن شديد"، كان يأوي إلى الله عز وجل فكيف يقول أو آوي إلى ركن شديد؟ وفي مسند أحمد في تفسير الحديث أنه كان يقصد عشيرته أنه ما عنده عشيرة قوية يأوي إليها، فيمكن أن يكون هذا شيء من أسباب تأخير السلام عليه أنه إختلف عن سائر الأنبياء، قد يكون هذا ولا نجزم بهذا. أما يونس فقد ترك مجال الدعوة وذهب مغاضباً وهو مأمور أن يدعو قومه في ذلك المكان لكنه يغضب ويترك ويقول لقومه لا ينفع معكم شيئ ويركب في السفينة وعوقب في وقتها فقد يكون هذا أيضاً.(1/7)
لكن السياق إبتعد عن مجال التسليم عليه. هل نُظم القرآن الكريم بهذه الطريقة بحيث يبتعد التسليم عليهما إلى آخر السورة هما عليهما السلام لأنه قال أنهما من المرسلين (وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ثم قال في آخر السورة (وسلام على المرسلين) كلهم.(1/8)
نأتي إلى تفصيل الآيات ونبدأ من قوله تعالى (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)) إلى أن قال (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)) قد يقول البعض ينبغي أن تكون (سلاماً) لكن هذه الحكاية في صورة الرفع أثبت كما في قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) هود) قالوا حالة الرفع أثبت من حالة النصب. (قالوا سلاماً: مفعول به) (قال سلام: أي عليكم سلام، لكم سلام، جعلها مبتدأ وخبر فتكون أثبت. العلماء يوجهونها (سلام على نوح في العالمين) سلامٌ مبتدأ وصح الإبتداء به لأنه دعاء (لا يجوز الابتداء بالنكرة ما لم تُفِد) الإفادة هنا في كونها دعاء فإذا كانت دعاء يجوز الإبتداء بها (سلام على نوح في العالمين) هذا الكلام يكون على الحكاية سيقال "سلام على فلان" جملة محكية. الحكاية في الغالب تكون جملة فعلية لما تسمي رجلاً بـ (تأبط شراً) أو تسمي امرأة بـ (شاب قرناها) أو تقول: زرت سُرّ من رأى، هذه سُرّ من رأى، الحكاية غالباً على الفعل لكن أحياناً تأتي إسمية يقال: سمى ولده زيدٌ مجتهدُ فيقول إسمه زيد مجتهد، سلّمت على زيد مجتهد، رأيت زيدُ مجتهدٌ وإعرابه يكون فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية (أي أن تروى الكلمة كما هي) وهذا باب في النحو اسمه باب الحكاية أن ترد الكلمة كما هي. نقول زرت أبو ظبي لا تقل زرت أبا ظبي لأن المدينة اسمها أبو ظبي. يقال أيضاً: حفّظت ولدي الحمدُ لله (أي الفاتحة)، قرأت سورةٌ أنزلناها (أي سورة النور تأخذها على الحكاية).(1/9)
روي كلام عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رفض حكاية المفرد والرواية في كتب النحو وليست في كتب الحديث وما جاء في كتب النحو لأو اللغة يؤخذ على أنه حكاية وليس يقيّناً، يقال أن عمر وردته رسالة من أبي موسى الأشعري مكتوب فيها: "من أبو موسى الأشعري" فأرسل له عمر قال: قنّع كاتبك سوطاً (أي اجلده جلدة) لأنه قال من أبو موسى وكان ينبغي أن يقول من أبي موسى. لا ندري مقدار الحكاية من الصحة ولكن العلماء يجيزون أن تحكي حكاية المفرد يجيزون أن تقول: قرأت المؤمنون يقصد سورة المؤمنون هكذا كتبت: سورة المؤمنون ولم تكتب المؤمنين، وكما قلنا سورة أنزلناها وفرضناها فقول قرأت سورةٌ أنزلناها ولما تعرب تقول مفعول به منصوب بالفتحة منع من ظهورها حركة الحكاية. (سلام على نوح) هذه محكية على صورة الرفع وهي ستتكرر إلى قيام الساعة ما دام القرآن يُتلى ستُذكر (سلام على نوح). (تركنا عليه) المفعول به أي تركنا عليه هذا الكلام (سلام على نوح) وقد تقول المفعول به محذوف تقديره كلاماً أو قولاً وفُسِّر بـ (سلام على نوح) والرأي المرجح أنه مفعول به على الحكاية. في غير القرآن يمكن أن يقال سلاماً لكن سلام أقوى لأن فيها معنى الثبات والدوام لأن حالة الرفع فيها معنى الثبات والدوام كما قال إبراهيم - عليه السلام - (قالوا سلاماً قال سلام) العلماء يقولون قول إبراهيم أبلغ وأثبت لأنه هو المضيف والمرحِّب يرحب بعبارة أقوى منهم زبصيغة أقوى من صيغتهم.(1/10)
وأكمل الكلام على نوح (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (82)) ثم إنتقل إلى إبراهيم - عليه السلام - وتكلم كلاماً طويلاً (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109)) تكلم(1/11)
على إبراهيم وولده إسماعيل إلى الآية (كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)).(1/12)
ثم انتقل لموسى وهارون (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)). ثم إنتقل إلى الحديث عن إلياس (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)) وإلياس هو إل ياسين لأن العرب تتصرف في الإسم الأعجمي كما قالوا طور سيناء وطور سنين. الفاصلة مهمة في العبارة لكنها مرتبطة بالمعنى وهو إسمه يُتصرف فيه فتصرف فيه لملاءمة الفاصلة والقرآن لم يغفل الفاصلة لكنها مرتبطة بالمعنى ولم يغير المعنى لأجل الفاصلة والعربي يميل لهذه الرتابة في نهاية الآيات في السجع والشعر. والفاصلة القرآنية ولله المثل الأعلى فيها جانب من العناية الصوتية وعناية في الإنسجام الصوتي.(1/13)
ثم انتقل إلى لوط (وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)) يجب أن يكمل ولا يمكن أن يدخل هنا (وتركنا عليه في الآخرين، سلام على لوط) لا يستقيم لأنه جاء قوله (ثم دمرنا الآخرين) ابتعد الكلام عنه فلا يستقيم هنا أن يضع (وتركنا عليه في الآخرين) وقد تكلم على قومه والعجوز وابتعد الكلام عن ذات لوط فما يستقيم هنا. هنا ذكر العجوز أولاً بعد نجاة أهله، لا يستقيم أن يقول وتركنا عليه ف الآخرين بعد (وإن لوطاً لمن المرسلين) ما تكلم عليه وعندنا إستثناء (إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ) فلا يحسن أن يفصل ثم جاء العطف (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ). هؤلاء المدمّرين أنتم تمرون عليهم أفلا تعقلون، الكلام مرتبط. إبتعد الكلام عن لوط فلا يستوي أن يقول (سلام على لوط) ابتعدت والضمير سيعود على قبل ثلاث آيات وفيه ذكر لاخرين وقد يعود الضمير على أحدهم. ولعل هذا البناء للأمر الذي ذكرناه أنه قال (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) فبنيت العبارة بناء خاصاً وابتعد الكلام عليه حتى لا يشبه سائر الأنبياء المذكورين، قد يكون هذا.(1/14)
أما مع يونس - عليه السلام - فقال (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)) لاحظ إستعمال كلمة أبق، أبق تستعمل لفرار العبد المملوك تحديداً. أنت عبد لله مملوك مكلّف بعمل، تترك العمل وتذهب للفلك المشحون غضبان! وهو درس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأمته من بعده أن لا يضيق صدر الداعية المسلم مما يجابهه، هذا نبيّ عوقب لما ضاق صدره وترك قومه وهو مكلف. والمسلم مكلف: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف) كلنا نقول نحن من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فإذن دعوة الناس لطاعة الله سبحانه وتعالى واجب من واجباتنا. (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) الكهف) الرسول بشر (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً (93) الإسراء) تصبّره - صلى الله عليه وسلم - على قومه هو من جهده البشري. يونس لما لم يصبر أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين وأوقعه الله تعالى في المحنة: سفينة مملوءة فيها ثقل استهموا فخرج سهم يونس فأُلقي في البحر فالتقمه الحوت وهو مليم. ((1/15)
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) جاءت النجدة: تسبّح وتلجأ إلى الله سبحانه وتعالى في كل ضيق وفي كل شدة وهذا درس ولولا ذلك للبث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)) الكلام ابتعد لا يستقيم أيضاً أن يقول (وتركنا عليه في الآخرين) لأن الكلام صار على قومه والسفينة وانتقل الكلام ولا يستقيم أن يقول (وتركنا عليه في الآخرين). إنتقل الكلام (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)). حين كان الكلام متصلاً بالنبي ذكر (سلام على فلان في العالمين) ولما ابتعد الكلام عنه أرجأ كلمة السلام لأنه قال عنهما أنهما من المرسلين فجاءت الآية في آخر السورة (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)) كلهم ومن ضمنهم لوط ويونس عليهما السلام. لكن بتأخير نظم الكلام أو جاء لما وقع منهما كما ذكرنا.
((1/16)
مليم) من ألام أي شديد الملامة. عندنا لامه وألامه فيها زيادة. عندما نقول اللغة تأتي بالثلاثي والرباعي بمعنى واحد وعندنا شواهد على ذلك: يقول لبيد يتحدث عن المطر:
سقى قومي بني مجد وأسقى نميراً والقبائل من هلال
سقى واسقى بمعنى واحد في مكان واحد لكن يقولون أسقى لما أدخل عليها الهمزة كأنه صار أغزر.
أما ابن طوق فقد أوفى بذمته كما وفى بقلاص النجم حاديها
أوفى بمعنى وفى ولكن فيها زيادة.
لامه على الشيء أي بكّته وعاتبه وألامه أيضاً لوم لكن فيها زيادة. ألآم مضارعها يليم فهو مليم إسم فاعل يعني كأنه صار يلوم نفسه هو، هو كثير اللوم لنفسه صار يلوم وصار يستغفر.
(فنبذناه) لم يقل فنبذه الحوت مع أنه قال (فالتقمه الحوت): فالتقمه الحوت لأن فيها ضيق والخير يُنسب إلى الله تعالى ونسبة الضر تأتي لغير الله سبحانه وتعالى على صورتها على صورة الحال، إنسان رمي في البحر فالتقمه الحوت مع أن الله عز وجل سخّر الحوت ليلتقمه. الأولى كأنه موت والثانية كأنها إحياء لذا قال (فنبذناه بالعراء) إذا قال نبذه الحوت ليس فيها شيء وإنما هي صورة طبيعية لكن حتى يبين أن فعل الرحمة هو من الله سبحانه وتعالى نتيجة هذا الإستغفار والتوبة والنفس اللوامة أن الله سبحانه وتعالى إستجاب له.
آية (6):
*ما إعراب كلمة (الكواكب) في قوله تعالى (بزينة الكواكب)؟ (د.فاضل السامرائى)
الكواكب بدل.
وللبدل عدة أغراض منها:
? أن يكون للإيضاح والتبيين كما في قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ (184) البقرة) طعام مسكين إيضاح للفدية.
? قد يكون للمدح أو الذمّ كما في قوله تعالى (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) العلق) و (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) التين).(1/17)
? قد يكون للتخصيص كما في قوله تعالى (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) الصافات) الكواكب (بدل من زينة) مخصصة والزينة عامة. والبدل والمبدل منه لا يشترط تطابقهما تعريفاً وتنكيراً مثل قوله تعالى (لنسفعاً بالناصية ناصية كاذبة خاطئة).وكذلك في قوله تعالى (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) الانسان).
? التفصيل كما في قوله تعالى (إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) مريم)
? قد يكون للتفخيم كما في قوله تعالى (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) الحجر) ما هو ذلك الأمر؟ أن دابر هؤلاء مقطوع.
? قد يكون للإحاطة والشمول كما في قوله (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) المائدة)
? وقد يكون للتوكيد أيضاً.
وللبدل أنواع لا مجال لذكرها في هذا المقام منها الاشتمال وغيره .
قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ (البقرة)) قتال هي بدل اشتمال، وفي قوله تعالى (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) المزمل) نصفه هذا بدل (بعض من كُلّ). ولكل نوع من أنواع البدل دلالة وسياق.
آية (8):(1/18)
*(مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) يس) (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى (8) الصافات) ما اللمسة البيانية في كلمتي يخصّمون ويسّمعون؟(د.فاضل السامرائى)
سبق أن ذكرنا يتضرعون ويضّرعون، هذه تشبهها من الناحية الصرفية. يخصّمون أصلها يختصمون فصار إبدال التاء صاد وإدغام وهذا إبدال وإدغام جائز من حيث التكوين الصرفي. يسّمعون أصلها يستمعون صار فيها إبدال أيضاً. هذا من حيث التكوين الصرفي يبقى من حيث التكوين البياني. ذكرنا أن يتفعلون التي هي الأصل أطول ويفّعّل فيها مبالغة لأن فيها تضعيفين، ذاك من حيث الزمن أطول (يتفعل) وهذه فيها مبالغة في الحدث لأن فيها إدغام (يخصّمون، يسّمعون). لماذا قال (وهم يخصّمون)؟ الكلام عن الساعة (مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) يس) الكلام عن الساعة تأخذهم وهم يخصمون اي وهم منهمكون في أمور الدنيا في الخصومة في الدنيا لكنها لا تنقضي الخصومات تأخذهم رأساً قبل أن تنتهي الخصومات بينهم لأنه في الحديث الساعة تأخذهم فلا يرفع من يأكل اللقمة إلى فيه، قبل أن تصل اللقمة إلى فيه والمتبايعان تأخذه الساعة قبل إنهاء البيع. إذن مبالغة في الاختصام في الدنيا على أقصى حال لكنها تذهب رأساً قبل أن يتموا ذلك. بينما قال في مكان آخر (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) الزمر) لم يقل تخصمون لأن تلك فيها إقامة حجة وقضاء وسماع كلام القاضي والشاهد مسألة طويلة ثم يخصّمون في الدنيا ليس كلها فيها فصل وقضاء فإذن فيها مبالغة ولكن فيها سرعة قبل أن تنتهي الخصومة تقوم الساعة عليهم الآكِل لا يستطيع أن يوصل اللقمة إلى فمه والمتبايعان قبل أن تنتهي البيعة تأخذهم وهم يخصمون.(1/19)
وكذلك (يسّمعون) فيها مبالغة (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ (8) الصافات) يعني يريدون أقصى التسمع في أقصر وقت فقال يسّمعون لأن تسّمع يحتاج وقت طويل وهم يريدون الوقت القصير.
آية (10):
*ما هي اللمسات البيانية في الآية (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) الصافات)؟(د.فاضل السامرائى)(1/20)
هما آيتان في الحقيقة: آية الحجر (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18))، (شهاب ثاقب) في الصافات، قال تعالى في الصافات (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)) في الحجر شهاب مبين وفي الصافات شهاب ثاقب. لا شك أن كل خاتمة آية منسجمة مع الفواصل في السورتين (رجيم، مبين) (الكواكب، جانب، واصب، ثاقب)، لكن هل المقصود التناسب فقط أم هناك أمر معنوي آخر؟ أولاً ينبغي أن نعرف ما الفرق بين المبين والثاقب ونضع كل واحدة في سياقها، المبين هو الظاهر للمبصرين، ظاهر واضح. الثاقب هو النافذ بضوئه وشعاعه المنير، نيّر متّقد والثقب هو الخَرْق النافذ يثقب الشيء، إذن الثاقب هو مبين مع زيادة إذا كان في النور فهو متّقد لأن مبين أي شيء ظاهر حتى لو كان قليلاً يكون مبيناً لكن الثاقب من شدة النور نافذ بالضوء وثاقب الثقب من الخرق النافذ، أيُّ الأقوى في اللغة ثاقب أو مبين؟ الثاقب أقوى في اللغة. ننظر الآن كيف وضعها؟ الثاقب أقوى في اللغة. عندنا (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) الاستراق هو أخذ الشيء بخفية وفي الآية الأخرى عندنا الخطف فقال (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) الخطف هو الإستلاب والأخذ بسرعة، يستلب الشيء يأخذه، يختلسه، يأخذ الشيء بسرعة كما في قوله تعالى (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ (31) الحج) فيها سرعة.(1/21)
إستراق السمع قد يكون بالتنصت وليس بالضرورة أن يكون هناك حركة، استرق السمع قد يكون بالتنصت يأتي من مكان خفي فيسترق. يسترق السمع يعني يقف ويُنصت أما الخطف ففيها حركة، إذن صار هناك فرق، واحدة يسترق السمع ليس بالضرورة فيها حركة وإنما يتنصت والخطف فيها سرعة يختلس يخطف بسرعة، أيها الأشد والأسرع؟ الخطف أو الاستراق؟ الخطف أسرع، أي الذي يحتاج إلى حفظ أكثر وأشد، الخطف أو الاستراق؟ الخطف. فالآية كلها تغيّرت بموجب هذا. أي الذي يحتاج شهاب ثاقب؟ الخطف. قال تعالى في الصافات (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)) ولم يقلها في سورة الحجر، ووصف الشيطان بأنه مارد والمارد هو العاتي ومردة الشياطين من العتاة وهذا يحتاج إلى ما هو أقوى، ثم قال (دحوراً) دحوراً هو مصدر بمعنى مطرودين، دحر يعني طرد، دحوراً مصدر في المبالغة، عذاب واصب يعني دائم، هذه كلها لم يقلها في سورة الحجر. في الحجر قال (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)) وفي الصافات (وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)) حفظاً مصدر والمصدر فيه تحقيق وثبوت وأقوى في الدلالة من الفعل، وقال (شهاب ثاقب)، الآن هل يمكن أن نضع أي كلمة في غير مكانها؟ إذن لما كان هؤلاء مردة سيقذفون من كل جانب ودحوراً ولهم عذاب واصب وحِفظاً. إذن ليس فقط المسألة في تناسب الفواصل شهاب ثاقب أو شهاب مبين وإنما هي واضحة من حيث اللغة لا يمكن إلا أن نضع ما وُضِع في مكانه.
آية (22):
*ما الفرق بين الزوج والبعل ؟(د.فاضل السامرائى)(1/22)
البعل هو الذكر من الزوجين ويقال زوج للأنثى والذكر. في الأصل في اللغة البعل من الإستعلاء في اللغة يعني السيد القائم المالك الرئيس هو البعل وهي عامة. بعلُ المرأة سيّدها وسُميّ كل مستعل على غيره بعلاً (أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) الصافات) لأنهم يعتبرونه سيدهم المستعلي عليهم. الأرض المستعلية التي هي أعلى من غيرها تسمى بعلاً والبعولة هو العلو والاستعلاء ومنها أُخِذ البعل زوج المرأة لأنه سيدها ويصرف عليها والقائم عليها.
الزوج هو للمواكبة ولذلك تطلق على الرجل والمرأة هي زوجه وهو زوجها (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) الزوج يأتي من المماثلة سواء كانت النساء وغير النساء (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) الصافات) أي أمثالهم نظراءهم، (وآخر من شكله أزواج) أي ما يماثله. البعل لا يقال للمرأة وإنما يقال لها زوج. (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ (31) النور) يُنظر به الشخص ولا ينظر به المماثلة ولذلك هم يقولون أنه لا يقال في القرآن زوجه إلا إذا كانت مماثلة له قال (اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ (11) التحريم) لم يقل زوج فرعون لأنها ليست مماثلة له، امرأة لوط وامرأة نوح لأنها مخالفة له، هو مسلم وهي كافرة. لم يقل زوج وإنما ذكر الجنس (امرأة). لو قال زوج يكون فيها مماثلة حتى في سيدنا إبراهيم ? لما المسألة تتعلق بالإنجاب قال (وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ (71) هود) هذا يراد به الجنس وليس المماثلة، الزوج للماثلة والمرأة للجنس الرجل كرجل والمرأة كامرأة.
(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (6) الأحزاب) فيهن مماثلة لأنهن على طريقه وهنّ جميعاً مؤمنات وأزواجه في الدنيا أزواجه في الآخرة.
آية (23):(1/23)
*ما الفرق بين السبيل والصراط؟(د.فاضل السامرائى)
السبيل هو الطريق السهل الذي فيه سهولة والصراط هو أوسع الطرق الطريق المستقيم وهو أوسع الطرق ولذلك لا يُجمع في القرآن (في اللغة يمكن أن يجمع مثل كتاب كتب). إذن الصراط هو الطريق المستقيم وهو أوسع الطرق ولم يرد في القرآن إلا مفرداً لأنه يُراد به الإسلام (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ (153) الأنعام) السبيل يجمع على سبل، يأتي مفرداً ويأتي جمعاً لأنها سهلة ميسرة للسير فيها. طرق الخير تجمع وطرق الشر تجمع (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ (16) المائدة) طرق الخير، (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) هذه طرق الشر وتستخدم سبل للخير والشر أما الصراط هو أوسع الطرق أياً كان (مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) الصافات) هو أوسع الطرق. ويأتي الصراط دائماً موصوفاً ومضافاً يدل على أن هذا طريق الخير وذاك طريق الشر. إذن الصراط الطريق الواسع والسبيل الطريق المنبثقة عنها، الطرق المتفرعة عن الصراط لذلك تجمعه سبل الخير، سبل الشر. السبيل عام وفيه معني السعة وكما قال الزمخشري سمي الصراط لأنه يسرط السالكين ويبلعهم، كم يسلكون الصراط يبلعهم. أصلها سراط بالسين من سرط ولكن أيضاً تقال صراط بالصاد لكن أصل الكلمة بالسين (سراط) وقد تكتب بحسب اللفظ. أصلها من سرط أي ابتلع لأنه يبتلع السالكين صراط يربطونها بستريت (straight) مستقيم وستريت (street) بالإنجليزية. اللغة العربية هي أقدم اللغات الموجودة المستعملة وليس هناك لغة أقدم منها وهناك بعض اللغات التي اندثرت.
آية (31):
*ما معنى حق القول؟(د.فاضل السامرائى)(1/24)
حق القول في القرآن معناه ثبت لهم العذاب. القول هو قوله تعالى (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة). كلمة حق القول إشارة إلى حق القول مني. الذي ورد في القرآن الكريم طبعاً عموم النحاة كلهم يذكرون أن حق القول المقصود به (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) أو (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) ص) حق القول في القرآن الكريم وكذلك حقت الكلمة لم ترد إلا في ثبوت العذاب هذا يمتد في جميع القرآن استقصاء بإلا بمعنى وجب لهم العذاب أو ثبت لهم العذاب مثال (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) القصص) (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت) (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) الأحقاف) (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) يس) (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس) (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) الصافات) (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ (19) الزمر) (وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ(1/25)
عَلَى الْكَافِرِينَ (71) الزمر) (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) غافر) (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (97) يونس) (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33) يونس) كلها لم ترد في القرآن لم ترد إلا بهذا المعنى وهذه الدلالة، حق القول أو حقت الكلمة لم ترد إلا بهذه الدلالة.
آية (47):
*ما الفرق بين قوله تعالى (ولا يُنزفون) في سورة الواقعة وقوله (ولا هم عنها ينزفون) في سورة الصافات؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الواقعة (لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ {19}) وفي سورة الصافات (لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ {47}). وكلمة يُنزفون من أنزف لها معنيين: أنزف يُنزف بمعنى سكِر وبمعنى نفذ شرابه وانقطع، ويقال أنزف القوم إذا نفذ شرابهم وهو فعل لازم غير متعدي. ويُنزف فعل متعدي معناه سكِر وذهب عقله من السكر.
إذا استعرضنا الآيات في السورتين لوجدنا ما يلي:
سورة الواقعة ... سورة الصافات
وردت يُنزفون في السابقين وشرح أحوال السابقين وجزاؤهم ونعيمهم في الجنّة. وفي الجنة صنفين من أصناف المؤمنين السبقون وهم قِلّة وفي درجات عليا ... وردت في عباد الله الآخِرين وهم أقلّ درجة من السابقين.
ذكر (وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون) في الآية تخيير وزيادة لحم طير ... (أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون) لا يوجد تخيير هنا
(أولئك المقربون في جنات النعييم) التقريب هو الإكرام وزيادة ... (وهم مكرمون في جنات النعيم)
(على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين) التنعّم هنا أكثر : موضونة، إتّكاء، تقابل ... (على سرر متقابلين) لم يذكر إلا التقابل فقط
((1/26)
يطوف عليهم ولدان مخلدون) تحديد الولدان المخلدون ... (يُطاف عليهم) الفاعل مبني للمجهول ولم يُحدد
(بأكواب وأباريق وكأس من معين) زيادة وتنويع في الأواني لتنوع الأشربة ... (كأس من معين) كأس واحد فقط
(لا يصدّعون عنها ولا يُنزفون) لا يصيبهم صداع ونفي الصداع نفي لما هو أكبر وهو الغول. والآية تدل على أن خمر الجنة لا تُسكر ولا ينقطع الشراب فالتكريم هنا أعلى من سورة الصافات. ... (لا فيها غول ولا هم يُنزفون) الغول إما للإفساد والإهلاك وإما اغتيال العقول، لا تهلك الجسم ولا تفسده ولا تسكره. ونفي الغول لا ينفي الصداع. وإذا كان المقصود بالغول إفساد العقول فالغول وينزفون بمعنى واحد لكن الأول يكون صفة المشروب والثانية صفة الشارب
(حور عين كأنهم لؤلؤ مكنون) ذكر صنفين والوصف هنا جاء أعلى ... (وعندهم قاصرات الطرف عين) صفة واحدة من صفات حور الجنة (بيض مكنون).
(لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيما إلا قيلاً سلاماً سلاما) نفي لسماع أي لغو ولم ترد في الصافات ... لم يرد شيء عن نفي سماع اللغو
(يطوف عليهم) بما أن يُنزفون مبنية للمعلوم ناسب أن يقال (يطوف عليهم) مبنية للمعلوم أيضاً ... (ينزفون) مبنية للمجهول فناسب أن يقال (يُطاف عليهم) مبنية للمجهول.
ففي سورة الواقعة إذن دلّ السياق على الإكرام وزيادة والسُرر وزيادة والكأس وزيادة والعين وزيادة ونفى السُكر وزيادة ونفى اللغو وزيادة.
*ما الفرق بين النفى ب(ما) و(لا)؟(د.فاضل السامرائى)(1/27)
لا النافية للجنس يقولون هي جواب لـ (هل من) يعني كأن سائلاً سألك هل من رجل في الدار؟ فتقول له لا رجلَ في الدار، هذه إجابة على سؤال (هل من؟) لما تقول هل رجلٌ في الدار؟ جوابه لا رجلٌ في الدار (لا هنا نافية) ولما تقول هل من رجلٍ في الدار؟ جوابه لا رجلَ في الدار (هذه لا النافية للجنس). (من) زائدة لاستغراق الجنس، هل رجل يحتمل واحداً أو أكثر أما هل من رجل ينفي الجنس لا رجل ولا اثنان ولا أكثر، هذه قاعدة مقررة. إذن لما تقول هل رجلٌ في الدار جوابه لا رجلٌ في الدار و(لا) هنا نافية، هل من رجل في الدار تجيبه لا رجلَ في الدار، هذا مقرر في اللغة وهنا (لا) نافية للجنس. فإذن لما تقول لا رجلَ هو جواب لـ(هل من)؟، هذه جواب سائل. أما ما من رجل في الدار هذا ليس جواب سائل وإنما رد على من قال لك إن في الدار رجلاً. لا النافية للجنس إجابة على سؤال وما من رجل رد على قول إن في الدار رجلاً. لا رجلَ إعلام لسائل وإخبار عن شيء لا يعلمه أو جواب عن سؤال، أما ما من رجل فهو رد على قول. مثال (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ (73) المائدة) (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ (13) الأحزاب) هذه رد، (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ (78) آل عمران) (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ (56) التوبة) هذا رد.(1/28)
بينما (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) هذا تعليم وليس رداً على قول، (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) هذا أمر، (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد) هذا إخبار. الفرق الثاني أنه بـ (ما) هذه و(من) نستطيع نفي الجنس بـ(ما متصلة ومنفصلة)، بمعنى أني لا أستطيع أن أنفي بـ (لا النافية) إذا كان منفصلاً، لا أستطيع أن أقول لا في الدار رجل، يمكن أن أقول لا في الدار رجلٌ لا يمكن أن ننفي الجنس هنا وتكون (لا) هنا مهملة (لَا فِيهَا غَوْلٌ (47) الصافات). أما (ما) فيمكن أن تكون متصلة أو منفصلة (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ (100) الشعراء) (مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (59) الأعراف) لا يمكن أن نقول لا لكم من إله غيره. فإذن (ما) تكون أوسع في نفي الجنس. إذن هنالك أمران أن (لا) جواب عن سؤال وإخبار وإعلام و(ما) رد على قول و (ما) هي أوسع استعمالاً لنفي الجنس من (لا). إذن هنالك لا النافية للجنس و (ما من) ما تُعرب نافية لأن الجنس يأتي من (من) ولا يأتي من (ما) والتركيب (ما من) نافية للجنس، (من) تسمى من الاستغراقية ونعربها زائدة لكن معناها استغراق نفي الجنس.
آية (53):
*القرين الذي ورد ذكره في عدة آيات في القرآن الكريم هل هو الوسواس أو هل قرين السوء ام هناك قرين غير السوء فهل يمكن توضيح ما هو القرين؟(د.فاضل السامرائى)(1/29)
قد يكون من الإنس ومن الجن كما وضح ربنا تعالى والقرين هو المصاحب. (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) الصافات) هذا إنس، (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)) هذا شيطان إنس. (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) الزخرف) هذا من الجن، (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38) النساء) (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ (25) فصلت) قد يكون من الإنس وقد يكون من الجن. (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) ق) يجوز من الإنس والجن لكن الدلالة واحدة وهي المصاحبة.
آية (60):
*ما الفروق الدلالية بين قوله تعالى (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {119} المائدة) - (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {13} النساء) - (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {72}التوبة) - (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {111} التوبة) - (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {60}الصافات)(د.أحمد الكبيسى)(1/30)
بعض الآيات تنتهي نهاية واحدة عندنا آيات متعددة في سور متعددة تنتهي بآية أو بجزء من آية (ذلك الفوز العظيم) مرة تأتي على هذا النسق كما في سورة المائدة (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {119} المائدة) نحن في النساء الآن في النساء أضاف واو قال (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {13} النساء) هناك ذلك الفوز العظيم هنا وذلك الفوز العظيم الفرق ما هو؟ عندما قال (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر، رب العالمين يقول هؤلاء الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه قال (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) كما قال عن الجنة عيسى عندما دعا لقومه (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {118} قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {119} المائدة) (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر أنت ناجح (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر فقط.(1/31)
في النساء أضاف واو (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) تلك حدود الله، هناك فقط لمن آمن وكان صادقاً في عباداته (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وهذا أساس الجنة، من دخل الجنة (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ {185} آل عمران) لكن فاز، الفوز أنواع هناك فوز مجرّد يعني 50% وهناك فوز عظيم لكن في أعظم منه والأعظم منه هو الذي فيه واو فيه قسم (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هذا الثاني (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لمن يطيع الأحكام في الكتاب والسنة حلال وحرام قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {13}النساء) هي الطاعة من يطع الرسول فقد أطاع الله (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ{20} الأنفال) بالحلال والحرام هذه هي التقوى، إذاً فيها واو (وَذَلِكَ) هذا واحد. في سورة التوبة أضاف هو بدون واو في قوله (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {72} التوبة) من هم هؤلاء؟ الذين هم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ{71} التوبة) هو يعني خصّصّ أن هذا الفوز فوز فريد (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لا فوز غيره في مقامه (ذَلِكَ هُوَ) (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ {80} الشعراء) في يطعمني ويسقيني لم يقل هو لأن هناك غيره يطعمون ويسقونك هناك آخرون أبوك أمك الدولة الخ هنا (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) ما في غيره ولا الطبيب هذا أسباب بينما هنا قال نفس الشيء (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) كلمة هو أضافها لكي يبين أن هذا فوز متميز لأن فيه طاعة الحلال والحرام.(1/32)
في موقع آخر في سورة التوبة أضاف الواو والهاء يقول تعالى (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {111} التوبة) هذه للشهداء (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {111} التوبة) قطعاً أن فوز الشهداء أقوى من فوز الذين يتبعون الحلال والحرام الطاعة لأن هذا إضافة، الحلال والحرام أنت ملزم به ولكن هذا لم يكن ملزماً به أن ينال الشهادة فنال الشهادة قال (وَذَلِكَ) واو القسم جاء بالواو وهو معاً، الله سبحانه وتعالى يقسم بأن هذا هو الفوز الفريد المتميز جداً لماذا؟ لأن فيها شهادة. أنت لاحظ كل زيادة حركة في تغيير في المعنى فهناك الأولى خَبَر الثانية للمتقين الصادقين الثالثة لمن اتبع الحلال والحرام الرابعة للشهداء (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).(1/33)
أخيراً في الصافات قال (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {60} الصافات) إنّ مؤكِّدة ثم هو ثم لام توكيد إنّ على هو، يعني هذا معناه فوز عجيب متى هذا؟ هذا عندما الناس دخلوا الجنة وعاشوا بسعادة وحور عين وأماكن رائعة جداً وجالسين في مجالس حلوة وفي هذه النعمة العظيمة فازوا فوزاً عظيماً فواحد قال والله يا جماعة احمدوا الله على هذا الذي نحن فيه (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ {51} يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ {52} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ {53} الصافات) ما في آخرة والخ كان ملحداً أو شيوعياً فقال له والله العظيم هذا الرجل كان أوشك رويداً رويداً أن يجعلني أكفر فذاك قال له الآخر (قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ {54} الصافات) طبعاً في الآخرة قوانين عجيبة لا يوجد مساحة ولا مسافة ولا جاذبية من الصعب تصورها وأنت جالس ممكن أن ترى كل الكون في لحظة واحدة فقط خطر في بالك ترى فلان في جهنم تراه أو فلان في الجنة تراه على خواطرك الذي تريده يحدث (قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) انظروا على جهنم وإذا هذا صاحبه الذي كان سيُضِله وإذا به في جهنم قال له (فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ {55} قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ {56} وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ {57} الصافات) الحمد لله الذي خلصني فارتعب عندما رأى هذا المنظر في الجحيم وهو في النعيم شعر بالفرق الهائل، هذا الفزع الأكبر الذي يعيشون فيه أهل النار كان من الممكن لو أنه أطاع هذا الإنسان وصار شيوعياً أو صار ملحداً أو كفر بالله أو ما شاكل ذلك أو قال له تعالى نقتل مسلماً نكفِّره أو نقتل شخصاً نفسِّقه يعني هذا الإنسان طبعاً كل مجرم في ناس أضلوه (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {67} الزخرف)(1/34)
لما يرى الفرق الذي هو فيه والجحيم الذي براه ارتعب أنت في الدنيا كثير من الناس دخلوا سجون ورأوا أدوات تعذيب خيال على حين غرة واحد منهم يخرجونه لأمرٍ ما يشعر بكرم الله والرحمة كيف خلص من هذا العذاب الذي كان فيه؟ هذا عذاب الدنيا فكيف عذاب الآخرة (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ {56} وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) إلى أن قال (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ {58} إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ {59} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {60} الصافات) يعني نحن لن ندخل جهنم ولن نموت ولن نحاسب مرة أخرى! يكاد يجن من الفرحة (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
آية(65):
*(طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات) شبّه الله تعالى شجرة الزقوم برؤوس الشياطين مع أن الأصل في التشبيه أن يكون المشبه به معلوم لكن في الآية تشبيه غير معلوم بغير معلوم فما الحكمة من ذلك؟(د.فاضل السامرائى)
هذا التشبيه موجود في اللغة يكون مجهولاً بمعلوم لكن قي القرآن نقرأ (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ) شبه مجهولاً بمجهول، هذا موجود في اللغة تشبيه عقلي بعقلي، تشبيه خيالي، موجود معلوم بخيالي. البيت المشهور:
أيقتلني ومشرفيّ مضاجعي ومسنونةٌ زُرقٌ كأنياب أغوالِ
من رأى الأغوال؟ الغول له صورة والإنسان يتخيله والشيطان أيضاً نتخيله.
إني رأيت عجباً مذ أمسى عجائزاً مثل السعالي خمسا
يأكلن ما في رحمهن همساً لا ترك الله لهن ضرسا(1/35)
الأطفال عندنا يخوفونهم بمخلوقات غريبة لا وجود لها فهذا موجود في اللغة. مع القرآن الكريم دائماً يقرب الصورة للأذهان ليذهب الذهن في قبح هذه ما يذهب. يتكلم عن شجرة الزقوم ولم نرها ويتكلم عن رؤوس الشياطين ولم نر شجرة الزقوم ولم نر رؤوس الشياطين إذن هو يتكلم عن أمر مغيّب لكن يبين لنا قبح فكيف تتخيل رأس الشيطان؟ نتخيل قبح، تخيل ما شئت من السوء. التشبيه هنا من حيث قبح المنظر أما الطعم فهذا شيء آخر.
آية (69):
*ما الفرق بين وجدنا وألفينا في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)(1/36)
في القرآن الكريم لم يرد الفعل ألفى إلا فيما هو مشاهد محسوس ولذلك قال بعض النحاة أنه ليس من أفعال القلوب، قسم يدخلوه في أفعال القلوب وقسم يقولون لا ليس من أفعال القلوب وإنما في الأفعال المحسوسة المشاهدة. أفعال القلوب قلبية يستشعر بها. وهي فعلاً في القرآن لم ترد إلا مشاهدة. في هذه الآيات في القرآن (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ (69) الصافات) (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ (25) يوسف) (بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا (170) البقرة). (وجدنا) في القرآن وفي غير القرآن وردت قلبية وغير قلبية ومشاهدة وغير مشاهدة مثلاً (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً (37) آل عمران) (وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا (86) الكهف) (وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ (39) النور) (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ (102) الأعراف) يعني وجدهم يخلفون الميعاد، (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) الأحزاب) (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110) النساء) وجد هي أشمل وتستعمل للأمور القلبية وألفينا للأمور المحسوسة هذا في القرآن أما في غير القرآن ففيها كلام. من حيث اللغة قسم من النحاة يقول هي ليست من أفعال القلوب أصلاً، هذا حكم عند قسم من النحاة. والنحاة في (وجد) هذه لا يختلفون فيها ويقولون هي من أفعال القلوب الأفعال المحسوسة أما (ألفى) فهم مختلفون فيها قسم يقول هي قد تأتي من أفعال القلوب وقسم يقول هي ليست من أفعال القلوب. في القرآن لم ترد في أفعال القلوب وإنما هي محسوسة.(1/37)
ماذا ينبني على هذا؟ التعبير كيف اختلف بالنسبة لهذا الأمر؟ الذي لا يؤمن إلا بما هو مشاهد وحسوس معناه هو أقل علماً ومعرفة وإطلاعاً بمن هو أوسع إدراكاً، أقل، ولذلك عندما يستعمل (ما ألفينا عليها آباءنا) يستعملها في الذم أكثر من (وجدنا)، يعني يستعمل (ألفى) إذا أراد أن يذم آباءهم أشد من الحالة، الذم محتلف وقد تكون حالة أشد من حالة في الحالة الشديدة يستعمل ألفينا، يستعملها أشد في الذم.
آية (73):
* ما دلالة ظاهرة تذكير وتأنيث كلمة العاقبة فى القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
تذكير الفاعل المؤنث له أكثر من سبب وأكثر من خط في القرآن الكريم. فإذا قصدنا باللفظ االمؤنّث معنى المذكّر جاز تذكيره وهو ما يُعرف بالحمل على المعنى.وبالنسبة لكلمة العاقبة تأتي بالتذكير مرة وبالتأنيث مرة ، وعندما تأتي بالتذكير تكون بمعنى العذاب وقد وردت في القرآن الكريم 12 مرة بمعنى العذاب أي بالتذكير كما في قوله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) الأنعام) و(وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) الأعراف) و(فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) الصافّات). وعندما تأتي بالتأنيث لا تكون إلا بمعنى الجنّة كما في قوله تعالى (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) القصص).
آية (79):
*ما الفرق بين سلام والسلام ؟(د.فاضل السامرائى)(1/38)
السلام معرفة والمعرفة هو ما دلّ على أمر معين، وسلام لك والأصل في النكرة العموم إذن كلمة سلام عامة وكلمة السلام أمر معين. لما نقول رجل يعني أيّ رجل ولما نقول الرجل أقصد رجلاً معيناً أو تعريف الجنس. الأصل في النكرة العموم والشمول. إذن (سلام) أعم لأنها نكرة وربنا سبحانه وتعالى لم يحييّ إلا بالتنكير في القرآن كله مثل (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (59) النمل) (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) الصافات) حتى في الجنة (سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58) يس) حتى الملائكة (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر) ربنا تعالى لم يحييّ هو إلا بالتنكير لأنه أعم وأشمل كل السلام لا يترك منه شيئاً. (سلام عليه) هذه تحية ربنا على يحيى والآية الأخرى عيسى ? سلم على نفسه وليس من عند الله سبحانه وتعالى، سلام نكرة من قبل الله تعالى والسلام من عيسى ? وليس من الله تعالى والتعريف هنا (السلام) أفاد التخصيص. ويقوون تعريض بالذين يدعون أن مريم كذا وكذا فقال (والسلام علي) رد على متهمي مريم عليها السلام.
آية (83):
*ما الفرق بين أتباع وأشياع؟(د.فاضل السامرائى)(1/39)
الأشياع هم أتباع الرجل على جماعة واحدة والأتباع هم أنصار الرجل لكن ما الفرق؟ الأشياع أنصار أيضاً لكن الأشياع أعمّ قال تعالى (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (51) القمر) المخاطَب زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أشياعهم الأمم السابقة، نحن أشياع سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه الذين معه وقتها. القرآن الكريم لم يستعمل التبع إلا من كان مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقتها، كل أتباع الرجل من كان معه (فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا (21) إبراهيم). الأشياع ليس بالضرورة واستعملها الله تعالى للمتقدم والمتأخر، تكلم عن سيدنا نوح - عليه السلام - (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)) ثم قال (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) الصافات) أين إبراهيم - عليه السلام - من نوح - عليه السلام - ؟ من شيعته أي من شيعة نوح، صحيح الفروع مختلفة لكن أصل الرسالة واحدة. سيدنا نوح - عليه السلام - كان أسبق بكثير من إبراهيم. فالأشياع أعمّ من الأتباع، الأتباع من كانوا معه فقط ولا يستعمل للمتأخر. التبع يكون معه والأشياع عامة وفي القرآن يستعمل الأشياع أعمّ من التبع.
آية (85):
* لماذا الإختلاف في التعبير في قصة ابراهيم في سورة الصافات (ماذا تعبدون) وفي سورة الشعراء (ما تعبدون)؟ (د.فاضل السامرائى)
في الأولى استعمال (ماذا) أقوى لأن ابراهيم لم يكن ينتظر جواباً من قومه فجاءت الآية بعدها (فما ظنكم برب العالمين)، أما في الشعراء فالسياق سياق حوار فجاء الرد (قالوا نعبد أصناماً). إذن (من ذا) و(ماذا) أقوى من (من) و(ما).
آية (102):
* ما دلالة استخدام صيغة الفعل المضارع في قوله تعالى (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)؟
د.فاضل السامرائى :(1/40)
قال تعالى (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) الصافات) أولاً رؤية ابراهيم - عليه السلام - كما يُنقل لم يرها مرة واحدة وإنما تكررت ثلاث ليال هذا أمر والأمر الآخر هو أن الفعل المضارع قد يستخدم ليعبّر به عن الماضي في ما نسميه حكاية الحال كما يُعبّر عن الماضي للمستقبل كما في قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)) تقتلون وقال معها من قبل. وحكاية الحال هو أن يُعبّر عن الحال الماضية بالفعل المضارع للشيء المهم كأن يجعله حاضراً أمام السامع واستحضار الصورة في القرآن كثير وفي غير القرآن فكأن الرؤية التي رآها ابراهيم - عليه السلام - لأهميتها استحضرها فاستخدم الفعل بصيغة المضارع. والأمثلة في القرآن كثيرة منها قوله تعالى (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ (18) الكهف) مع أن الأحداث انتهت ومضت، وقوله (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ (102) البقرة) وهما علّما الناس وانتهى الأمر.
د.حسام النعيمى :(1/41)
الواقعة معروفة مشهورة عند المسلمين كيف أن إبراهيم - عليه السلام - رأى في المنام أن عليه أن يذبح ولده إسماعيل وهناك من يقول ولده إسحق لكن المشهور عندنا أنه إسماعيل. رؤى الأنبياء كما ورد في الصحيح وحي. النبي إذا رأى شيئاً في المنام فهو وحي من الله سبحانه وتعالى. يعني صورة من صور الوحي أن يكلّم في المنام بأمر ينبغي أن ينفذه. لأن الأمر في غاية الخطورة: ذبح الإبن والإبن الوحيد الذي إنتظره طويلاً أو الإبن الثاني بعد إسحق من هذه المرأة أيّاً كان، تكررت الرؤيا ثلاث مرات كما يذكر علماؤنا في ثلاث ليال متتابعة يرى الرؤيا نفسها هناك هاتف يهاتفه يقول له إذبح ولدك. فلما تكررت الرؤيا ثلاث مرات لم يأمن أن تتكرر الرابعة أو الخامسة فأراد أن يبيّن لولده أن هذه الرؤيا مكررة دائماً ومستمرة فإستعمل الفعل المضارع الذي يناسب هذا الإستمرار يعني الرؤيا متواصلة مستمرة (إني أرى) لو قال ((إني رأيت) كان مرة واحدة يقول إنتظر تتكرر، ما تتكرر، تتأكد ، ما تتأكد، لكن لما قال (إني أرى) ثبتت الرؤيا وهي مكررة ورؤيا الأنبياء في الأصل وحي من الله تعالى حق.
(أذبحك) بالمضارع يعني عليّ أن أقوم بهذا الأمر. وكان الجواب (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ (102)) لأنه أدرك أن هذا أمر من الله عز وجل (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) ليس سهلاً أن يُذبح الإنسان. استعمال الفعل (أذبحك) لأن هذا الذي طُلب إليه ولم يُطلب منه أُخنقه أو أُدفنه في التراب وإنما طُلِب إليه أن يأخذ السكين ويُمِرّها على رقبة ولده. يعني هذا ليس بالأمر السهل وإنما إمتحان عظيم لأبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - وقد نجح في الإمتحان (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)).
آية (109):
*انظر آية (79).???
آية (112):(1/42)
*ما دلالة الفعل الماضى فى قوله تعالى (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) الصافات) ؟ (د.فاضل السامرائى)
(وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) الصافات) هو لم يأت بعد ولكن باعتبار ما سيكون، (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ (27) الفتح) التحليق والتقصير يكون بعد أن يتموا العمرة وليس عند الدخول. حال محكية يتكلم عن أمر قد مضى. حال مقدرة يسموها مستقبلة لأن الحال أكثر ما تكون مقارِنة قد تكون مقدرة وقد تكون محكية بحسب الزمن، الحال المحكية تكون للماضي والمقدرة للمستقبل نضرب مثالاً لو رأيت عقرب كبيرة تقول هذه العقرب تلسع صغيرة وكبيرة، صغيرة حال وهي ماضية يعني حالة كونها صغيرة.
آية (120):
*انظر آية (79).???
آية (125):
*انظر آية (22).???
*ما المراد بصيغة الجمع فى قوله تعالى(أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) الصافات)؟ (د.فاضل السامرائى)
الخلق له معنيين إما الخلق ابتداءً وهذا خاص بالله سبحانه وتعالى والخلق بمعنى التقدير هذا ليس خاصاً بالله ويقال للبشر كما قال على لسان عيسى (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ (49) آل عمران) فإذن الخلق ليس مختصاً بالله في قوله (أحسن الخالقين)، الخلق ابتداء خاص بالله تعالى والخلق بمعنى التقدير تقال للبشر.
آية (137):
*(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) الصافات) من المعني بهذه الآية؟ (د.فاضل السامرائى)
قوم لوط كانوا يمرون عليهم في سفرهم للشام ويرجعون، كانوا يمرون على آثارهم في سدوم. الخطاب لأهل مكة كانوا يمرون عليهم في تجارتهم.
آية (147):(1/43)
*(وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) الصافات) وفي الكهف (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)) فما المقصود في استخدام (أو) بدل الواو؟(د.فاضل السامرائى)
هذا سؤال نحوي هنالك جوابان سريعان (أو) تأتي بمعنى (بل) تقول سأرحل أو أمكث، سأذهب إلى المقهى ثم تغير رأيك فتقول أو أبقى في البيت، يعني أضربت عن الذهاب. تترك الأمر إذن هذا التوجيه الأول بمعنى بل يزيدون. والتوجيه الآخر أنه بحسب ما يراه الرائي يعني بالنسبة للرائي إذا نظر إليهم يقول مائة ألف ، لا أكثر، أو يزيدون. هي كالبدر أو هي أجمل (بل هي أجمل) ويقول الشاعر:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح
النحاة يقولون: اذهب إلى زيد أو دع فلا تبرح اليوم (بمعنى يُضرِب عن الحكم) ويقال: اذهب إليه وأخبره بما جرى أو اترك فلا تخبره (اضرب عن الحكم الأول)، ويقال: مثل فلان في الشعر أو هو أفضل (لم تنفي الأول بل هو أفضل).
وقسم من النحاة يرون أن (أو) هي على ما يحزر الرآئي إذا رآهم يقول مئة ألف أو يزيدون أي يقدّرهم تقديراً، أو حكاية لقول الناس إذا نظروهم ماذا يقولون؟
ولا يمكن أن تكون (أو) بمعنى الواو في هذه الآية لأنها ستدلّ على أنهم يبدأون في الزيادة (ويزيدون) وهذا غير مقصود.
فهي إما أنها بمعنى بل أو ترجيح بالنسبة للرائي وليس بالنسبة لله سبحانه وتعالى أما الواو فتعني ازدادوا قطعاً و معنى الواو سيكون ضعيفاً.
****تناسب فواتح سورة الصافات مع خواتيمها****(1/44)
قال تعالى في البداية (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)) وقال في الآخر (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)). رب العالمين أليس هو رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق؟ بلى. (العالمين أي المكلّفين). في الأولى ذكر المسكن وفي الآخر ذكر الساكن فهو رب المسكن ورب الساكن. في أولها قال (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)) وفي الآخر قال (فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176)).
*****تناسب خواتيم الصافات مع فواتح ص*****(1/45)
قال في أواخر الصافات (وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)) الذكر هو القرآن وفي بداية ص (وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)) جاءكم الذكر كله. (وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)) هذا قَسَم يوضّح أن القرآن ذكر إذا أرادوه، (فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)) - (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)) أرادوا الذكر وهذا الذكر. في أواخر الصافات قال (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)) - (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)) (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15))، (فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) الصافات) - (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) ص). في الصافات (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176)) وفي ص (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)).
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله تجميع وترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الصافات للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى والخواطر القرآنية للأستاذ عمرو خالد وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله عنا خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.(1/46)
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/47)
سورة ص
تناسب خواتيم الصافات مع فواتح ص ... آية (21) ... آية (47) ... آية (78)
هدف السورة ... آية (23) ... آية (51) ... آية (82)
آية (1) ... آية (24) ... آية (65) ... آية (85)
آية (3) ... آية (30) ... آية (67) ... تناسب فواتح سورة ص مع خواتيمها
آية (5) ... آية (32) ... آية (72) ... تناسب خواتيم ص مع فواتح الزمر
آية (17) ... آية (43) ... آية (73)
آية (18) ... آية (45) ... آية (75)
*تناسب خواتيم الصافات مع فواتح ص*
قال في أواخر الصافات (وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)) الذكر هو القرآن وفي بداية ص (وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)) جاءكم الذكر كله. (وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)) هذا قَسَم يوضّح أن القرآن ذكر إذا أرادوه، (فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)) - (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)) أرادوا الذكر وهذا الذكر. في أواخر الصافات قال (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)) - (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)) (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15))، (فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) الصافات) - (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) ص). في الصافات (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176)) وفي ص (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)).
**هدف السورة: الإستسلام في العودة إلى الحق**
سورة ص سورة مكّية ابتدأت بالقسم بالقرآن المعجز المشتمل على المواعظ البليغة التي تشهد أنه حق وأن محمد - صلى الله عليه وسلم - حق.(1/1)
والسورة تعرض جواباً على سؤال هام: ماذا يحدث عندما يحصل خطأ ما مع انسان مؤمن مع استسلامه لله تعالى؟ السورة تتحدث عن ثلاثة أنبياء استسلموا لله تعالى بعما أخذوا قرارات ظنّوها بعيدة عن الحق ثم عادوا إلى الحق وكيف ردّ الله تعالى عليهم، ثم تحدثت عن نموذج عكسي وهو ابليس الذي عاند ورفض ان يستسلم بعدما عرف الحق.
قصة داوود: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) آية 17
عودته للحق: (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) آية 24
قصة سليمان: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) آية 30
عودته للحق: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) آية 34
قصة أيوب (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) آية 41
عودته للحق: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) آية 44
في هذه القصص الثلاث يعطي الله تعالى لكل نبي صفة (عبدنا، العبد) وكلمة أوّاب معناها سريع العودة وذا الأيد معناها كثير الخير. ونلاحظ تكرار كلمة (أناب) رمز العودة إلى الحق.
هذه القصص الثلاث نأخذ منها عبرة أن المستسلم لله يكون سهل العودة إلى الله وإلى الحق.
تختم السورة بنموذج عكسي للعودة إلى الحق وهو نموذج ابليس اللعين وعناده (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) آية 73 إلى 76.(1/2)
فلنقارن بين هذه النماذج التي تعود إلى الحق لأنها استسلمت لله والنموذج الذي لم يستسلم لله وعاند فكانت نتيجة عدم استسلامه غضب شديد من الله تعالى ولعنة منه وطرد من رحمة الله وعذاب في الآخرة أشد (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) آية 77 إلى 78.
خلاصة القول إن الإستسلام لله تبارك وتعالى عزّنا وسبب بقائنا واستمرارنا في الأرض ولهذا سمى الله تعالى هذا الدين (الإسلام).
***من اللمسات البيانية فى سورة ص***
آية (1):
*أين جواب القسم في سورة ص (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ {1})؟(د.فاضل السامرائى)
جواب القسم ليس بالضرورة أن يُذكر بحسب الغرض منه فإذا اقتضى أن يُجاب القسم يُجاب (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً {68} مريم) (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ {38} النحل) وقد يُحذف إما للدلالة عليه أو للتوسع في المعنى فيحتمل المعنى كل ما يرد على الذهن وهذا في القرآن كثير (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ {1}) لا يوجد جواب للقسم في سورة ق وكذلك في سورة ص (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ {1}) لا نجد جواباً للقسم حُذف لاحتمال كل ما يرد في سياق الآيات فلا يريد تعالى جواباً بعينه لكنه يريد أن وسع المعنى.
آية (3):
*ما أصل كلمة لات في قوله تعالى (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) ص)؟ (د.حسام النعيمى)(1/3)
لات من أخوات ليس ويكون دائماً أحد معموليها محذوفاً. ففي قوله تعالى (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) ص) حين هنا خبر لات منصوب وإسمها محذوف يعني لات الحينُ حينَ مناص وكذلك لات الساعةُ ساعةَ مندم وورد العكس لات ساعةُ مندم.
*لماذا نصبت كلمة (حين) في قوله تعالى (كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) ص)؟ (د.حسام النعيمى)
(لات) من العاملات عمل (ليس) لأن فيها معنى النفي. كنا ندرس الطلبة في الجامعة (إن ، ما، لا، لات) المشبهات بـ (ليس) فـ (لات) مشبهة بـ(ليس) و(ليس) ترفع إسماً وتنصب خبراً ولكن لها خصوصية (لات) وسيبويه يقول: لا تعمل إلا في الأحيان ولا عمل لها في غير الأحيان. في أسماء الزمان حتى بعضهم قال في إسم الزمان (حين) قالوا: لا، لو كان سيبويه يريد كلمة (حين) ما قال الأحيان. وقال: (ندم البُغاة ولاتَ ساعةَ مندمِ) فاستعمل كلمة ساعة التي هي للزمان لكن تعمل إلا وأحد معموليها محذوف والراجح حذفُ المرفوع أن الإسم هو المحذوف. لأن عندنا قراءة شاذة ليست حتى في القراءات العشر (ولات حينُ مناص). فلما يقول (ولات حينَ مناص) هذا على اللغة السائدة وعلى القراءات المُجمع عليها. (ولات حينَ مناص) يعني ولات الحين حين مناص، الإسم محذوف و (حين) خبر لات. لات معناها نفي أي ليس الوقت وقت كذا. لات لغة عالية عند العرب وهي أقوى من ليس لأنه حرف وحرف مبني على الفتح وعامل عمل ليس حتى قسم قالوا (لات) هو (لا) والتاء من (تحين).
آية (5):(1/4)
*قال تعالى في سورة ق (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)) وفي سورة هود (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)) وفي سورة ص (أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)) ما الفرق بين عجيب وعجاب؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً صيغ العربية ودلالتها ثم التوكيد وعدمه. عجيب تدخل في صيغ المبالغة أو صفة المشبّه(فعيل، فعال، فُعّال) صيغة فُعّال من حيث المبالغة أكثر من فعيل نقول هذا طويل فإذا أردنا المبالغة نقول طوال. فعيل صفة مشبهة أو مبالغة، فعال أبلغ من فعيل باعتبار مناسبة لمدّة الألف ومناسبة لمدّة الصوت أحياناً صوت الكلمة يناسب المعنى فمدّة الألف أكثر من الياء فجعلوها للصفة الأبلغ. عُجاب أبلغ من عجيب.
مسألة التوكيد وعدم التوكيد أخبر عن العجيب لكنه غير مؤكد في الأولى ثم الثانية آكد.(1/5)
لو عدنا إلى الآيات في الأولى (بلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)) عجبوا أن جاءهم منذر منهم فجاء بلفظ (عجيب) والثانية أن امرأة عقيماً وعجوز وبعلها شيخ فكيف تلِد والعقيم أصلاً لا تلِد ولو كان رجُلُها فتى فهي عقيم وعجوز وفي الآية من دواعي العجب ما هو أكثر من الآية الأولى لذا دخل التوكيد بـ (إنّ واللام) تأكيدا العجب ناتج عن أن مُثير العجب أكثر. أما في سورة ص (أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)) هم عجبوا أن جاءهم منذر منهم أولاً ثم عجبوا أن جعل الآلهة إلهاً واحداً فصارت دواعي العجب أكثر من سورة ق التي تعجبوا فيها من أن جاءهم منذر منهم فقط. إضافة إلى ذلك في سورة ص هناك أمر آخر هو جعل الآلهة إلهاً واحداً وهو مشركون عريقون في الشرك فقاتلوه بسبب كلمة التوحيد فالعجب أكثر بعد وصفه بأنه ساحر وكذّاب فجاء بلام التوكيد وجاء بالصفة المشبهة المبالغة عُجاب.
*ما الفرق بين عجباً (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)الجن) وعجاب(إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) ص) ؟ (د.فاضل السامرائى)
((1/6)
أنه) أنّ حرف ناسخ والهاء ضمير الشأن ويسمونه ضمير القصة لا يعود على أمر معين أحياناً يؤتى به في مقام التفخيم والتعظيم والجملة بعدها خبر. وهذا التفخيم يتناسب مع وصفهم القرآن بـ (عجباً) هذا الوصف بالمصدر هذا يفيد المبالغة. هو أكثر من عجيب عندما تصف بالمصدر كأنما تحول الشيء إلى مصدر تقول هذا رجل صِدقٌ ورجلٌ عدلٌ، (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18) يوسف) هذا أبلغ من كاذب، رجلٌ عدلٌ يعني كله عدل وأقوى من رجل عادل. في القرآن استخدم (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) ص) هذا وصف، إذن (عجباً) أقوى من عجاب لأن الوصف بالمصدر أقوى من الوصف بالصفة، عندما تقول هذا رجل سوءٌ أو رجل كذبٌ أو رجل صومٌ، هذا أبلغ من رجل صائم ومفطر وما إلى ذلك لأنه تقول رجل صائم إذا صام يوماً واحداً لكن لا تقول رجل صوم حتى يكون أكثر أيامه صوم وإذا قلنا رجل صوم يفهم أنه كثير الصيام. قرآناً عجباً ليس عجيباً وإنما فوق العجيب لذلك هذا ناسب ضمير الشأن.
آية (17):
*د.فاضل السامرائى:
الإنسان لما يقول عن نفسه أنا عبد الله هذا تواضع والله تعالى لما يقولها عن عبد يكون تكريماً (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً (1) الاسراء) (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) النجم) (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) ص) هذا من الله تكريم ولذلك لاحظ يقولون لما قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) لما ذكر كلمة عبد عرج به إلى السموات العلى وإلى سدرة المنتهى ولما ذكر موسى بإسمه قال (وَخَرَّ موسَى صَعِقًا (143) الأعراف) إذن وكأن مقام العبودية عند الله سبحانه وتعالى مقام عظيم.
آية (18):
*ما دلالة التعريف فى قوله تعالى مع سيدنا داوود (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) ص)؟(د.فاضل السامرائى)(1/7)
المعرفة غالباً تفيد الدوام أى ليس هناك يوم محدد، (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) فصلت) ليس هناك وقت محدد بينما في مريم قال (بكرة وعشياً) بكرة وعشية تأتي في وقت محدد. يعني لما تقول خرجت صباحاً يعني صباح يومٍ بعينه، لما تقول سأخرج صباحاً لا بد أن تأتي صباح يومٍ بعينه أما لما تقول سأخرج في الصباح يعني أيّ صباح ولذلك لما قال تعالى للرسول ? (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) غافر) ليس هناك أيام محددة جاء بها بالمعرفة (بالعشي والإبكار).
آية (21):
* لماذا استغفر داوود - عليه السلام - ربه في سورة ص (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)؟ (د.فاضل السامرائى)
هذه الآية في سورة ص (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)) كانت في الحُكم. وفي كتب التفسير الكثير من الاسرائيليات يقولن فيها أنه في العهد القديم رأى داوود امرأة قائده (أورية) وكان لداوود تسع وتسعين زوجة فصعد إلى السطح ورأى امرأة قائده فوقعت في قلبه فأرسل زوجها إلى الحرب ليموت فيتزوجها هو فحصل وصار له مئة زوجة فانتبه داوود للمسألة التي وقع فيها فاستغفر ربه. وهذا ما تذكره الاسرائيليات وهذا كلام فيه نظر لأنه تصرف لا يُقبل من شخص عادي فكيف بنبيّ؟
لكن نقول أن هذا الحُكم الذي حكم به داوود خارج عن طريقة الحُكم الصحيحة لأنه لم يستوف أركان الحُكم. كيف؟:(1/8)
? أولاً فزع داوود من الخصم (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)) والقاضي لا يصح أن يحكُم بالفزع ولا بد أن يكون آمناً حتى يحكم وحُكم القاضي لا يجوز إذا كان خائفاً.
? ثانياً: إن داوود استمع إلى خصم واحد ولم يستمع للآخر (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)) وهذا لا يجوز في الحكم ومخالف لأركان الحُكم. وقد قيل في الحُكم إن إذا جاءك شخص قُلِعت عينه فلا تحكم حتى ترى الآخر فربما قُلِعت كلتا عينيه.
? ثالثاً: لم يسأل عن البيّنة وإنما حكم مباشرة (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) فهل يجوز أن يحكم أحد بلا بيّنة؟
فداوود حكم في حالة خوف وسمع لخصم واحد ولم يسأل عن البيّنة فهل يجوز هذا في الحكم؟ وأظن أن الله تعالى أراد أن يُعلِّم داوود أصول الحكم الصحيح وقد جعله خليفة (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)) ولهذا استغفر داوود ربه. وكان داوود قاضياً قبل هذه الحادثة وكان يجلس للقضاء يوماً ويتعبّد يوماً فجاءه الخصم في يوم تعبّده ففزع منهم.
سؤال: لماذا لم يقل ففزع منهما بما أنه قال (خصمان بغى بعضنا على بعض)؟ إن كلمة خصم تشمل الواحد والأكثر (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)) (فَفَزِعَ مِنْهُمْ) فكلمة خصم هي كلمة عامّة.(1/9)
فما جاء في الاسرائيليات نستبعده لأنها لا تصح عن نبيّ لكن الظاهر لي والله أعلم أن الحُكم لم يستوف أركان الحُكم الصحيح.
* (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) ص) سورة ثم الآية (قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ (22) ص) وقوله تعالى (هذان خصمان اختصموا في ربهم) سورة الحج ، لماذا جاءت الخصم مرة مفردة ومرة مثنى وجمع؟ (د.فاضل السامرائى)
الخصم تأتي للمفرد والجمع (هل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) مثل كلمة بشر والفلك وضيف وطفل، وربما تأتي للتثنية (هذان خصمان اختصموا في ربهم) .يقول المفسرون هما فريقان كل فريق له جماعة فلمّا جاءا يختصمان جاء من كل فريق شخص واحد يمثّل الفريق والمتحدثان هما أصحاب المسألة (خصمان). كما في قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) فكل طائفة لها جماعة عند الصلح يأتي من كل طائفة من يفاوض باسمها لكن إذا وقع القتال بينهما يقتتل كل الأفراد، فإذا اختصم الفريقين يقال اختصموا وإذا اختصم أفراد الفريقين يقال اختصموا. وكذلك في كلمة بشر (أبشراً منا واحده نتبعه) وقوله تعالى (بل أنتم بشر مما خلق). وكلمة طفل قد تأتي للمفرد وجمع وقد يكون لها جمع في اللغة (الأطفال) وقد استعمل القرآن هاتين الكلمتين.
آية (23):(1/10)
*ما سر الاختلاف في استعمال (وكفّلها زكريا) (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) آل عمران) بالتضعيف و(أكفلنيها) بالهمزة (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) ص)؟(د.حسام النعيمى)
هي من الكفالة. الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنا وكافل اليتيم كهاتين. الكافل الذي يتولى التربية والرعاية والتوجيه هذا الكافل فهو قد كفله هذا المولود أو الإنسان. لما يُضعّف (كفّلها) كفّلت ويداً مثل علّمت زيداً فيه معنى التكثير والمبالغة والتدرج. لما أُكفّل شيئاً معناه أتدرج في تربيته وأتدرج في أمره. (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) جعله يمفلها مع التشدد مع أنه يتدرج في كفالتها.(1/11)
أما أفعل: أعلم أي أوصل معلومة غير علّم. فهذان اللذان جاءا لامتحان داوود - عليه السلام - (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)) فالحاكم ينبغي أن يسمع من الإثنين وداوود - عليه السلام - سمع من واحد لذلك قال (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) لأنه قضى بينهما بسماع الأول فقط (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) لم يسمع من الثاني. أكفلها : مجرد إيصال الكفالة. أكفلينها يعني أعطني هذا الحيوان وهو نعجة أجعلها مع نعاجي.
آية (24):
*ما الفرق بين الركوع والسجود في القرآن (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)) في سورة ص لم يقل خرّ ساجداً؟(د.فاضل السامرائى)(1/12)
الركوع له معاني منها الخضوع ويقال راكع لمن طأطأ رأسه ويقال للسجود لكا لماذا قال هنا خر راكعاً ولم يقل خر ساجداً؟ من جملة معاني الراكع مطأطئ الرأس، خرّ راكعاً أي كان مطأطئاً رأسه فسجد. الخرّ في اللغة السقوط إلى الأمام. وفي لغة اليمن الركعة هي الهويُّ إلى الأرض. فيقولون خرّ راكعاً إحتمال أنه كان مطأطئاً رأسه فلما قضى (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ). أصلاً خرّ ساجداً لم يستعملها القرآن إلا مع سماع كلام الله وتلاوته (إذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) مريم) (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) السجدة) (إنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) الإسراء) لم يرد في القرآن خر ساجداً إلا في هذه الحال. هذا أمر. نأتي إلى خر راكعاً: هل ذكر في هذا الموطن لداوود - عليه السلام - معصية؟ كلا وإنما ذكر له خِلاف الأَوْلى في الحُكم أنه سمع من أحدهما ولم يسمع من الآخر، ما ذكر له معصية إذن ذكر ما دون المعصية فذكر ما دون السجود وهو الركوع.
*هل سجدة داوود في سورة ص(وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ {س}(24)) سجدة شكر؟(د.حسام النعيمى)(1/13)
سنظهر أكثر من صورة في هذه الآيات ونستفيد من السؤال لبيان شيء. أولاً بصورة موجزة نقول أن المصحف المتداول الآن الذي هو مصحف المدينة النبوية وما طُبِع عليه بملايين النسخ ودول أخرى أعادت الطباعة على الصورة نفسها هذا في أصل وضع الوقفات والرموز هي للجنة كانت في مصر في بداية الثلاثينات وكان مسؤول هذه اللجنة الشيخ محمد علي خلف الحسيني الشهير بالحدّاد من كبار علماء الأزهر وكان من كبار القُرّاء في مصر من علماء القراءات القرآنية وكتب نسخة المصحف بخط يده فالنسخة المتداولة منسوخة على ما كتبه بخط يده هو وكان عضواً في اللجنة ورئيساً للجنة فهم إختاروا أماكن الوقوف من كتب القراءات والوقف والإبتداء لم يكن عبثاً وإجتهدوا في هذا. فهذا المصحف الذي بين أيدينا في الحقيقة ثروة هائلة ينبغي أن لا يُفرّط في إختيارات اللجنة ثم جاءت اللجان من بعد فأقرّت ما صنعته اللجنة الأولى التي هي من كبار علماء الأمة.
لما نأتي إلى الآيات (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ {س}(24)) هم وضعوا علامة السجدة هنا. ما دام هذه اللجان التي هي من كبار علماء الأمة إذن لا نسأل هل هي سجدة عزيمة أو هل هي سجدة شكرإنما ما دامت موجودة أنا أسجد. لكن مع ذلك نتكلم عن الآية حتى نعرف هذا السجود لماذا كان؟ هو عبّر بالركوع.(1/14)
الحديث عن داوود - عليه السلام - (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)) الخصم يستعمل للمفرد والمثنى والجمع فجاء به أولاً عاماً. (إذ تسوروا) جمع، (إذ دخلوا) جمع، (ففزع منهم) جمع، (قالوا) جمع، (خصمان) مثنى، (بغى بعضنا على بعض) أحدنا على الآخر هذا ينبغي أن نفهم منه أن الذي تسور المحراب الخصمان مع من معهما من الشهود، الذي تسور المحارب جماعة خصمان وشهود ولذلك إستعمل الجمع فلما عرضت المشكلة (بغى بعضنا على بعض) تكلم كل واحد منهما يرى نفسه صاحب حق هذه خلاصة لكلامهم أن هناك بغي: أحدهما بغى على الثاني قد يكون أنا الذي بغيت وقد يكون الآخر. إذن هناك شكوى من طرفين شكوى متقابلة وهناك شهود لكل واحد. القاضي ينبغي أن يسمع من الطرفين ويسأل الشهود هذا الذي يُراد له أن يكون خليفة في الأرض يحكم. داوود كان معرّضاً لإمتحان عليه السلام. نقف عند الآية (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ) الآن المتكلم أحد الخصمان تكلم الخصم الأول (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)) ظاهر الأمر أنه لا يحتاج إلى تحقيق لأن 99 نعجة وهو له نعجة واحدة وهذا يريد أن يأخذها يربّيها عنده مع نعاجه (وهي نعجة وليس كما يقولون في الإسرائيليات زوجات لا نخوض في هذا) لكن هذا النص القرآني تأتي إلى قاضي تقول له هذا أخي عنده 99 نعجة وأنا عندي نعجة واحدة أحلبها وأشرب منها وأخي يقول لي أعطني إياها وأنا أرعاها وآخذها (وعزني في الخطاب) ألحّ عليّ في الخطاب وغلبني أنه أنت ماذا تصنع بواحدة؟ إئتني بها. يعني عرضت عليه قضية واضح أن الحق مع المتكلم.(1/15)
الآن داوود عليه السلام حكم (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) ثم لما إختفى الجميع فجأة علِم أنهم ملائكة جاءوا يعلّمونه كما جاء حبريل - عليه السلام - يعلم المسلمين أمور دينهم ثم إختفى، علِم داوود أنه قد إمتُحِ، ولم ينجح في الإمتحان و(وظنّ) بمعنى تيقّن (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ {س}(24)) لاحظ التعقيب يؤكد (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)) وليست القضية قضية نسوان. القضية قضية حكم (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) لذلك وهذا مبدأ عام عند المسلمين أن القاضي مهما تبيّن له أن الذي يعرض عليه المشكل أنه هو صاحب الحق لا يقضيه حتى يسمع الثاني لذلك ضربوا في الأمثال إذا جاءك من فُقئت عينه فلا تقضي حتى تسمع من الثاني فربما فقئت عيناه. فإذن هذا درس للمسلمين لذلك السجدة ما دامت ثبتت بالمصحف نسجد ونفقأ عين الشيطان لأن الشيطان يبكي يقول أُمروا بالسجود فسجدوا وأُمرت بالسجود فلم أسجد. والنية عند هذه السجدة هي نسجد لله تعالى كأي سجدة أخرى.
آية (30):
*ما هو إعراب كلمة نِعْمَ؟(د.فاضل السامرائى)(1/16)
نِعْمَ فعل ماضي جامد وهذا أشهر إعراب وإن كان هناك خلاف بين الكوفيين والبصريين هل هي إسم أو فعل لكن على أشهر الأقوال أنه فعل ماضي جامد. (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) ص)، نعم الرجل زيد، ويضرب في باب النحو نِعم وبئس (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) الأنفال)، (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) هود) بعدها فاعل لأنه يأتي بعدها المقصود بالمدح والذم. لما تقول: نِعْمَ الرجل محمود، نعربها على أشهر الأوجه: نِعْمَ فعل ماضي على أشهر الأوجه، الرجل فاعل، محمود فيها أوجه متعددة منها أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف أي الممدوح محمود أو مبتدأ والخبر محذوف مع محمود الممدوح ورأي آخر يترجح في ظني أن محمود مبتدأ مؤخر وجملة (نعم الرجل) خبر مقدم يعني محمود نِعم الرجل وهو الذي يترجح في ظني. (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) المخصوص محذوف نتكلم عن داوود - عليه السلام - . تقول محمود نِعْم الرجل هذا جائز لكن هو على الإعراب الذي رجحناه يجوز التقديم والتأخير وعلى الإعراب الآخر يكون خبراً مقدماً والمبتدأ محذوف لكن لماذا يرجح هذا أو هذا هذا أمر يتعلق بالنحو. أنا يترجح عندي أن فيها خمسة أوجه، قسم يقول بدل وقسم يقول عطف بيان وفيها أوجه كثيرة وأنا يترجح عندي أنه مبتدأ لأنه يمكن أن ندخل عليه (كان) نِعَم الرجل كان محمود و(كان) تدخل على المبتدأ والجملة قبلها خبر لأنه لو كان خبراً لنُصِب لكنه ورد مرفوعاً نِ‘ْم الرجل محمودٌ.
آية (32):
*ذكر الدكتور في حلقة سابقة في قضية عودة الضمير على غير مذكور ودلّ عليه السياق عندي مثال مطلع قصيدة: (فإن تنجو منها يا حزيم بن طارق فقد تركت ما خلف ظهرك بلقعا) ودل السياق على أنه الخيل فهل يمكن إعطاؤنا مثالاً من القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
((1/17)
كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (26) القيامة) (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) ص) الشمس هل التي توارت بالحجاب، الضمير يعود على غير مذكور ومعلوم من السياق.
آية(43):
*ما الفرق بين رحمة منا و رحمة من عندنا ؟(د.فاضل السامرائى)
في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر. (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) عامة، قال على سيدنا نوح (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِه (28) هود)، (من عندنا) يستعملها خاصة و (منا) عامة. حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا)، يستعمل (منا) عامة و (نعمة من عندنا) خاصة مثل (فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (49) الزمر) (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ (35) القمر).(1/18)
حتى لو ورد هذان التعبيران في نبي واحد يختلف السياق، مثلاً في سيدنا أيوب (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص) في سيدنا أيوب في سورة الأنبياء (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) قصة واحدة لكن مرة قال رحمة منا ومرة رحمة من عندنا. ننظر السياق في ص قال (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ) وقال في الأنبياء (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لم يقل (وأنت أرحم الراحمين) في ص، لم يذكر رحمته، أرحم الراحمين يوسع عليه يعطيه أكثر وكأنه يستجدي من الله، يطلب رحمته سؤال برحمته، قال ربنا (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) ولم يقلها في ص، قال (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) ما قالها في ص، لم يقل فاستجبنا له ولم يقل فكشفنا ما به من ضر. قال (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ) وفي ص قال (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ) الإيتاء يشمل الهبة وزيادة في اللغة، الإيتاء يشمل الهبة وقد يكون في الأموال وهو يشمل الهبة وغيرها فهو أعم، (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً (59) الإسراء) لا يمكن أن نقول وهبنا (آتيناه الكتاب) آتينا أعم من وهبنا.(1/19)
قال في الأنبياء (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وفي ص قال (وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) العابدون يشملون أولي الألباب وزيادة، المكلَّف يجب أن يكون عنده عقل وإلا كيف يكلّف مجانين ليس عندهم عقل إذن العابدون أولي الألباب وزيادة. (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) العابدين فيها خصوصية يعني ليس فقط أولي الألباب، أولو الألباب وزيادة فصار عندنا أرحم الراحمين واستجبنا له وفكشفنا له والعابدين وآتيناه فأين نضع رحمة من عندنا؟ نضعها مع كل هذا في آية الأنبياء.
سؤال: النبي واحد والرب واحد والموقف واحد وهو المرض ولكن السياق ليس واحداً فلماذا هذا التغير؟
هل حصل تناقض رحمة منا أو رحمة من عندنا؟ من أين الرحمة؟ الضمير عائد على الله سبحانه وتعالى إذن ليس هناك تناقض لكن الاختيار بحسب السياق، اختيار المفردات بحسب السياق لم تتناقض القصتان لكن اختيار الكلمات بحسب السياق الذي ترد فيه.
سؤال: قد يقول قائل ماذا قال سيدنا أيوب بالضبط؟
قد يكون قال أكثر من هذا لكن ربنا ذكر هذا فقط، في هذا الموقف قال هذه الجملة وفي ذلك الموقف قال هذه الجملة، هل دعا مرة واحدة.؟ لا، إذن لا تعارض ولا تغاير، لو قال لم يستجب له لصار تعارض.
آية (45)-(47):
*ما معنى أولي الأيدي والأبصار في (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) ص) وما معنى المصطفَيْن الأخيار في (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) ص)؟ (د.حسام النعيمى)(1/20)
الآيات تتحدث عن تذكير الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمن سبقه من الأنبياء والرسل تسلية لقلبه وحتى يجد فيها العبرة. (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)) إذن هو تذكير. الآن هؤلاء رجال أنبياء لما تقول لهم أيدي ولهم أبصار وتريد هذه الأيدي والأبصار هل فيها نفع أو فائدة؟ قطعاً ليس المقصود هو هذا. بعض العلماء يسمي هذا مجازاً أنه ذكر الأيدي وهو يريد القوة وذكر الأبصار وهو يريد البصيرة في أمور الدين والعلم قال أبصار فهو نوع من المجاز. وكلمة المجاز أو الاستعارة أو الكناية أو التشبيه مصطلحات مستعملة في علم البلاغة ويذهب إليها جمهور الأمة ومع ذلك قال بعض العلماء ليس هناك شيء إسمه مجاز ولكن كل كلمة هي حقيقية في مكانها. معناها يتقرر بالسياق فالسياق هو الذي يعطي هذا اللفظ هذا المعنى. الأيدي ليست الأيدي العضو وإنما ماذا تعني في السياق معناها هو حقيقة فيه. كما أنك عندما تقول "شربت من عين باردة" فكلمة عين معناها هذه التي في الجبل ويسيل منها الماء، و"شكى فلان من ألم في عينه" المقصود من كلمة عين هذا العضو فإذن ليس هناك حقيقة ومجاز وإنما كلها حقيقة وكلمة "أرسل الأمير عيونه" هنا تعني الجواسيس أو المخبرين الذين أرسلهم هي حقيقة هنا وليست مجازاً. كل كلمة يُظهر معناها السياق والخلاف ليس خلافاً جوهرياً المهم أنه لما يقول هي تؤدي هذا المعنى يتفق مع الذين قالوا تؤدي هذا المعنى. لما أقول أرسل الأمير عيونه أي مخبريه أنت تقول هذا مجاز وأنا أقول حقيقة نحن اختلفنا سواء قلنا مجازاً أو لم نقل فالمعنى واحد. بعض كبار علماء الشريعة ذهب إلى أنه لا يوجد مجاز ونوقِش الرجل بهذا الأمر وجمهور العلماء يقولون أن اللغة فيها مجاز.(1/21)
الأيدي هنا العلماء لهم فيها جملة توجيهات ويقولون يمكن أن تكون الأيدي بمعنى القوة (أصحاب القوة) ويمكن أن تكون بمعنى الكرم سواء كانوا أولو الكرم الذي يخرج منهم أو الكرم الذي ينزل عليهم من الله سبحانه وتعالى فيحتمل الأمرين أنهم الذين كرّمهم الله عز وجل لأن اليد تأتي بمعنى الكرم أو القوة سواء كانوا هم أكرم الناس أو أكرمهم الله عز وجل فهم أصحاب أيدي، لله سبحانه وتعالى عليهم يد ولهم يدٌ على الناس. أما الأبصار فبالإجماع يرون أنها البصيرة في العلم والدين. كانت لهم بصيرة في العلم والدين وهذا كرم من الله سبحانه وتعالى.
(إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)) المصطفى من الاختيار والاصطفاء، الاخيار جمع خيّر وخير. يلفت النظر قوله تعالى (فأخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) والكلام كان مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتذكيره بشأن هؤلاء: إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم جميعاً الصلاة والسلام. (أخلصناهم بخالصة) أخلصه في الأصل بمعنى نقّاه وصفّاه من الشوائب يكون خالصاً منقىً. نقيّناهم التنقية لهم، وهناك صفة منقاة لهم فالتنقية جاءت مرتين: هم نُقّوا بين البشر وعندهم صفة انتُقيت لهم خالصة لهم دون غيرهم فالتنقية والإخلاص كان مرتين.
لو قيل في غير القرآن (أخلصناهم بخالصةٍ) خالصة نكرة عامة تحتاج إلى بيان فما هذه الخالصة؟ قال: ذكرى الدار. كلمة ذكرى ممكن أن تكون من التذكر تذكر الإنسان شيء فله بذلك ذكرى ويمكن أن تكون من التذكير فهو يقدّم ذكرى للآخرين فاللفظ يمثل المعنيين. والمعنيين مرادان يعني هم يذكرون الآخرة دائماً ويُذكّرون بها، هذا شيء أخلصوا به.(1/22)
عندنا قراءة نافع مع عدد من القراء (أخلصناهم بخالصةِ ذكرى الدار) بالإضافة لا يُنوّن وإنما يضيف، نافع وعدد من القُرّاء يضيفون وحفص وعدد من القُرّاء ينوّنون. نقول هذه القبائل العربية التي رُخِّص لها بأمر من الله سبحانه وتعالى أو جبريل نزل بها مرتين. نجد المعنى واحداً. لو أخذنا مثالاً: نقول خصّ الله فلاناً بعافيةٍ (بأي عافية) يقول النجاة من الزكام، وضّحها. فخصّ فلاناً بعافية النجاة وضّحت أن العافية هي النجاة. لو قيل: خصّه بعافيةِ النجاة، أيضاً بيّنها لكن عن طريق الإضافة والنسبة أي خصّه بهذه العافية (عافيةٍ النجاة أو بعافيةِ النجاة) لذا نقول القراءات القرآنية لا يتغير فيها المعنى لكن يمكن أن يكون هناك لمسة خفيفة في التفريق: بعافيةِ النجاة فيها نوع من الإرتباط أقوى من بعافيةٍِ النجاة سواء أعني النجاة أو هي النجاة أو بعافيةِ النجاة على البدلية.
((1/23)
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)): كلمة مصطفى تُصلِح أن تكون مثالاً لبيان إسم المفعول غي الثلاثي. لما نقول إختبر إسم المفعول من غير الثلاثي يكون بإبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وفتح ما قبل الآخر (مُختبَر) وإسم الفاعل كسر ما قبل الآخر (مُختبِر). مُختبَر الذي وقع عليه الإختبار ومُختبِر الذي يقوم بالإختبار. نقول المصطفَين جمع للمصطفى (وقع عليهم الإصطفاء فهم المختارون) المصطفَين، ولو كان للفاعل تصير للمصطفِين بكسر الفاء. المصطفَين معنى ذلك أن الله سبحانه الناس يوم القيامة لا يكونون درجة واحدة وإنما درجات. وهناك منزلة الإصطفاء فهؤلاء الأنبياء يكونون في الإصطفاء من المصطفين ومحمد - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء مصطفى خير وأمة محمد ? في قوله تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ) وهذه بشارة هذه الطبقة العليا (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) النساء) هذه ميزة لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - طاعة الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - .
آية (51):
* ما دلالة استعمال الوصف (متكئين) لأهل الجنة خاصة؟(د.فاضل السامرائى)
الاتّكاء غاية الراحة كأن الانسان ليس وراءه شيء لأن الانسان لو وراءه شيء لتهيّأ له ولم يتكيء. والاتّكاء في القرآن ورد مع الطعام والشراب ومع الجلسات العائلية هذا أكثر ما ورد إلا في موطن واحد.(1/24)
جاء في القرآن الكريم قوله تعالى (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) يس) والاتكاء يحسُن في هذا الموضع. وقال تعالى (مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) ص) يرتبط الاتكاء مع الطعام والشراب وكذلك في سورة الرحمن (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)) و (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)) وقوله تعالى (مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) الواقعة) و (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) الطور) جاء في السياق مع هذه الآيات ذكر الطعام والشراب.
فالاتكاء غاية الراحة ولهذا وًصِف به أهل الجنة ولم يأت وصفهم بالنوم لأنه لا نوم في الجنة أصلاً. ووصِفوا في القرآن بأوصاف السعادة فقط يتحادثون فيما بينهم ويتذاكرون ما كان في الدنيا والاتكاء غاية الراحة والسعادة.
آية (65):
*سألناك في حلقة سابقة عن الآية التي استوقفتك طويلاً فهل حدث شيء مثل هذا أثناء كتابة كتاب معاني النحو؟(د.فاضل السامرائى)(1/25)
وأنا أؤلف معاني النحو حدثت حادثة غريبة أنا عادة كل موضوع قبل أن أشرع في الكتابة فيه أضع خطة للموضوع ما يتعلق بالمعنى يعني الفاعل، المبتدأ والخبر، أضع خطة لكل موضوع وأكتب فيه إلى أن وصلت إلى لا النافية للجنس أيضاً ضعت الخطة ورجعت للمراجع والقرآن وبدأت أكتب وإذا واحد بالمنام يأتيني وقال هناك مسألة في لا النافية للجنس لم تذكرها، قلت له ما هي؟ قال ما الفرق بين لا رجلَ في الدار وما من رجلٍ في الدار مع أن كليهما لنفي الجنس؟ (من) الإستغراقية لنفي الجنس (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد) و (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) ص) كلاهما لنفي الجنس، وما كنت قد فكرت بها أصلاً ولا أدرجتها في الخطة. سألني لم تذكر الفرق بينهما في المعنى فقلت له صحيح وذكرت له الجواب في المنام واستيقظت فقال صح ثم استيقظت فتذكرت السؤال ونسيت الجواب. بدأت أبحث في الكتب ولم تذكر الكتب الفرق بينهما. لا أعلم من الهاتف الذي جاءني في المنام، بقى السؤال في ذهني ولم أذكر ماذا أجبته. رجعت إلى المراجع التي بين يدي فلم أجد، في كتب النحو التي بين يدي لم أجد هذا الجواب فبدأت من جديد أنظر في المسألة رجعت للقرآن من جديد وأفكر وبقيت أكثر من نصف شهر أفكر في المسألة وأقلب فيها ثم اهتديت إلى الجواب فتذكرت أن هذا الجواب هو الذي أجبت الهاتف به.(1/26)
بداية لا النافية للجنس يعني تستغرق كل الجنس المذكور يعني لما تقول لا رجلَ جميع الرجال لا واحد ولا أكثر كل هذا الجنس هو منفي، بينما لما تقول ما من رجل أيضاً تنفي استغراق الجنس (من) زائدة هذه تفيد استغراق الجنس كله، إذن ما الفرق بينهما إذا كان المعنى واحداً؟ والقرآن يستعملهما (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد) (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) ص) ؟ لا النافية للجنس يقولون هي جواب لـ (هل من) يعني كأن سائلاً سألك هل من رجل في الدار؟ فتقول له لا رجلَ في الدار، هذه إجابة على سؤال (هل من؟) لما تقول هل رجلٌ في الدار؟ جوابه لا رجلٌ في الدار (لا هنا نافية) ولما تقول هل من رجلٍ في الدار؟ جوابه لا رجلَ في الدار (هذه لا النافية للجنس). (من) زائدة لاستغراق الجنس، هل رجل يحتمل واحداً أو أكثر أما هل من رجل ينفي الجنس لا رجل ولا اثنان ولا أكثر، هذه قاعدة مقررة. إذن لما تقول هل رجلٌ في الدار جوابه لا رجلٌ في الدار و(لا) هنا نافية، هل من رجل في الدار تجيبه لا رجلَ في الدار، هذا مقرر في اللغة وهنا (لا) نافية للجنس. فإذن لما تقول لا رجلَ هو جواب لـ(هل من)؟، هذه جواب سائل. أما ما من رجل في الدار هذا ليس جواب سائل وإنما رد على من قال لك إن في الدار رجلاً. لا النافية للجنس إجابة على سؤال وما من رجل رد على قول إن في الدار رجلاً. لا رجلَ إعلام لسائل وإخبار عن شيء لا يعلمه أو جواب عن سؤال، أما ما من رجل فهو رد على قول.(1/27)
مثال (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ (73) المائدة) (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ (13) الأحزاب) هذه رد، (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ (78) آل عمران) (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ (56) التوبة) هذا رد. بينما (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) هذا تعليم وليس رداً على قول، (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) هذا أمر، (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد) هذا إخبار. الفرق الثاني أنه بـ (ما) هذه و(من) نستطيع نفي الجنس بـ(ما متصلة ومنفصلة)، بمعنى أني لا أستطيع أن أنفي بـ (لا النافية) إذا كان منفصلاً، لا أستطيع أن أقول لا في الدار رجل، يمكن أن أقول لا في الدار رجلٌ لا يمكن أن ننفي الجنس هنا وتكون (لا) هنا مهملة (لَا فِيهَا غَوْلٌ (47) الصافات). أما (ما) فيمكن أن تكون متصلة أو منفصلة (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ (100) الشعراء) (مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (59) الأعراف) لا يمكن أن نقول لا لكم من إله غيره. فإذن (ما) تكون أوسع في نفي الجنس. إذن هنالك أمران أن (لا) جواب عن سؤال وإخبار وإعلام و(ما) رد على قول و (ما) هي أوسع استعمالاً لنفي الجنس من (لا). إذن هنالك لا النافية للجنس و (ما من) ما تُعرب نافية لأن الجنس يأتي من (من) ولا يأتي من (ما) والتركيب (ما من) نافية للجنس، (من) تسمى من الاستغراقية ونعربها زائدة لكن معناها استغراق نفي الجنس.
آية (67):
* ما الفرق بين النبأ والخبر؟(د.فاضل السامرائى)(1/28)
النبأ كما يقول أهل اللغة أهم من الخبر وأعظم منه وفيه فائدة مهمة (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) النمل) وفي القرآن النبأ أهم من الخبر (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) ص) (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) النبأ). والنبأ في اللغة هو الظهور وقد استعمل القرآن الكريم كلمة خبر مفردة في موطنين في قصة موسى - عليه السلام - (قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) القصص) (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) النمل) وهناك فرق بين الخبر والنبأ العظيم.
وفي أخبار الماضين والرسل استعمل القرآن نبأ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) التغابن) (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) يونس) (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود).
والصيغة الفعلية للنبأ (أنبأ) أقوى أيضاً منها للخبر (أخبر) (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الكهف).
ملحوظة: في نشرات الأخبار التي تقدمها الإذاعات إن كان الخبر عظيماً يجب أن يقال نشرة الأنباء وإن كان خبراً عادياً يقال نشرة الأخبار.
آية (72):(1/29)
*ما الفرق بين اسجدوا - قعوا له ساجدين – خرّوا سجداً؟(د.أحمد الكبيسى)
رب العالمين يقول (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {34} البقرة) في آية ص قال (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ {71} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ {72} ص) لم يقل اسجدوا وفى آية أخرى (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ?{58} مريم) ما الفرق بين سجدوا وبين وقعوا له ساجدين وبين خروا سجداً؟ والله تقتضي التفريق. وفعلاً الفرق بين (سجدوا) هذا سجود اعتيادي أنك أنت قمت بعملية السجود التي نفعلها في الصلاة هذه سجود كلنا نفعل سجود كسجود الصلاة سجدنا. في يوم الجمعة من السنن أن نقرأ سورة السجدة ونحن واقفون الإمام نحن واقفون خلفه ويقرأ هو سورة السجدة ويأتي إلى قوله تعالى (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ {15}السجدة) خروا لماذا؟ ونحن واقفين ننزل رأساً إلى تحت (خروا). والخرّ هو الهبوط مع صوت من خرير الماء وهنالك فرق بين جريان الماء بلا صوت. الخرير من شلال نازل بصوت هذا خرّ (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) إما صوت البكاء مع السجود شخص قرأ آية يسجد لكن قرأ آية مؤثرة فبدأ بالبكاء وهو يبكي نزل على الأرض هبط بقوة لكي يسجد ولكن مع صوت هذا. مرة قال (خَرُّوا سُجَّدًا) ومرة قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) البكاء صوت السجود قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا) من التسبيح سبحان الله وبحمده. إذاً الفرق بين سجدوا وخروا سجداً هذا. الفرق بين سجدوا وخروا سجداً و(فقعوا له ساجدين) كنت مشغولاً.(1/30)
رب العالمين يحمل عرشه ثمانية الذين حول العرش يا الله لا يحصى عددهم! (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ {17} الحاقة) الذين يحملون العرش ومن حوله (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {75} الزمر) هذه من أعظم بشائر المسلمين (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ {7} رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {8} وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {9} غافر) يعني دعاء مستجاب لأن أكرم وأعظم وأقرب الملائكة إلى الله الذين يحملون العرش ومن حوله الحافّين. الحافون كما يقول إمام الرازي وغيره ونقل هذا عن عدة مفسرين منهم الكشاف والرازي أثنى عليه قال إن لم يكن لصاحب الكشاف إلا هذه اللطيفة أنه تذكرها لكفاه. الذين يحملون العرش ومن حوله كل واحد له طريقة عبادة، ناس واقفة هكذا من الملائكة طبعاً على اليمين وعلى اليسار وناس تسبح فقط وناس راكعة فقط يقول حوالي مئات الآلاف من الخطوط حول العرش تصور لو أردنا أن نضع رجال حول دولة الإمارت جميع الحدود كم نحتاج؟ ملايين.(1/31)
فكيف لما مليون صف؟! هؤلاء كلهم أقرب الملائكة إلى الله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) رب العالمين في هذه القضايا يخاطب هؤلاء أقرب وأحب الملائكة إليه، فلما خلق آدم قال لهؤلاء أو جزء منهم (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) أنت ألست تعبدني؟ وأنت تسبح؟ اتركوا عملكم وقعوا له ساجدين. إذاً رب العالمين يخاطب هؤلاء الملائكة المشغولون فالذي يقع هو الذي كان مشغولاً بشيء ثم انتبه. يعني واحد يشتغل أو يكتب سمع ابنه وقع أو طاح رأساً ركض عليه ترك الشغل الذي بيده لأهمية الحدث الآخر. فرب العالمين قال (فَقَعُوا) بالفاء (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) من روحي، لا يستحق أن تسجدوا له لأنه طين أو أني سويته ولكن لأني نفخت فيه من روحي (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) كلٌ ترك عمله قسمٌ منهم هو ما خاطب كل الملائكة ولكن مجموعة منهم أنتم عندما أنفخ فيه روحي رأساً فقعوا اتركوا الذي في أيديكم (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وهذا الفرق بين فقعوا له وبين اسجدوا وبين خروا.
آية (73):
*ما سبب التذكير مرة والتأنيث مرة مع الملائكة في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة ص (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ {73}) وجاءت الملائكة هنا بالتذكير، وفي سورة آل عمران (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39}) جاءت الملائكة بالتأنيث.
الحكم النحوي: يمكن أن يؤنّث الفعل أو يُذكّر إذا كان الجمع جمع تكسير كما في قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا) و(قالت نسوة في المدينة) فيجوز التذكير والتأنيث من حيث الحكم النحوي.(1/32)
اللمسة البيانية: أما لماذا اختار الله تعالى التأنيث في موطن والتذكير في موطن آخر فهو لأن في الآيات خطوط تعبيرية هي التي تحدد تأنيث وتذكير الفعل مع الملائكة. وهذه الخطوط هي:
1. في القرآن الكريم كله كل فعل أمر يصدر إلى الملائكة يكون بالتذكير (اسجدوا، أنبئوني، فقعوا له ساجدين)
2. كل فعل يقع بعد ذكر الملائكة يأتي بالتذكير أيضاً كما في قوله تعالى (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) و(الملائكة يشهدون) (الملائكة يسبحون بحمد ربهم).
3. كل وصف إسمي للملائكة يأتي بالتذكير (الملائكة المقرّبون) (الملائكة باسطوا أيديهم) (مسوّمين، مردفين، منزلين)
4. كل فعل عبادة يأتي بالتذكير (فسجد الملائكة كلهم أجمعين) (لا يعصون الله ما أمرهم) لأن المذكر في العبادة أكمل من عبادة الأنثى ولذلك جاء الرسل كلهم رجالاً.
5. كل أمر فيه شِدّة وقوة حتى لو كان عذابين أحدهما أشدّ من الآخر فالأشدّ يأتي بالتذكير (ولو ترى إذا يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق) (يتوفى) جاءت بالتذكير لأن العذاب أشد (وذوقوا عذاب الحريق) أما في قوله تعالى (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) (تتوفاهم) جاءت بالتأنيث لأن العذاب أخفّ من الآية السابقة. وكذلك في قوله تعالى (ونزّل الملائكة تنزيلا) بالتذكير وقوله تعالى (تتنزّل عليهم الملائكة) بالتأنيث وقوله (تنزل الملائكة والروح فيها من كل أمر) بالتأنيث.
6. لم تأت بشرى بصيغة التذكير أبداً في القرآن الكريم فكل بشارة في القرآن الكريم تأتي بصيغة التأنيث كما في قوله تعالى (فنادته الملائكة) و(قالت الملائكة).
*ما فائدة (أجمعون) بعد (كلهم) في الآية (فسجد الملائكة كلهم أجمعون (73) ص)؟(د.حسام النعيمى)(1/33)
هذا تأكيدان. لعلنا ذكرنا مرة أن في كلام العرب أحياناً يكون أكثر من مؤكِّد. يقول لك: نجح الطلاب، أنت لا تتوقع أن ينجحوا جميعاً فيقول لك: نجح الطلاب كلهم أجمعون وأحياناً يضيفون لها أكتعون أبصعون. هذه كلها تأكيدات ملاحق يريد أن يقول لم يرد عنهم أحد كأنها أجمعون أجمعون أجمعون كأنها هنا زيادة توكيد. وأجمعون إعرابها توكيد مرفوع. لما يكون الشك بالغاً أو محاولة نفي أي إحتمال لعدم الجمع يزاد في التوكيد.(1/34)
فلما قال الله عز وجل (فسجد الملائكة كلهم أجمعين) قد يخطر في بال السامع لأن الملائكة بعضهم صار عنده نوع من التساؤل (أتجعل فيها من يفسد فيها) نوع من السؤال لله سبحانه وتعالى بعد أن أخبرهم الله عز وجل كما يقول بعض علمائنا (إني جاعل في الأرض خليفة) كأنما سألوا: ما شأن هذا الخليفة؟ قال: له ذرية بعضهم سيؤمن وبعضهم سيكفر، سيسيل الدماء، فهم بغرابة يسألون سؤال مستفهم يريدون معرفة الحجة والحكمة وليس استفهاماً إنكارياً (أتجعل فيها من يفسد فيها) فقد يتبادر للذهن أنهم لما أُمروا بالسجود ما سجدوا جميعاً فقيل (كلهم أجمعون) حتى لا يبقى أي ريب في أن جميع الملائكة سجدوا لينتزع كل ريب من نفس السامع والمتلقي ثم استثني إبليس (إلا إبليس أبى) معنى ذلك أنه كان مأموراً وهناك نص (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) وعدم ذكره في الأول إكراماً للملائكة لأن هؤلاء الملائكة - كما يذهب بعض علمائنا وأنا أميل لهذا الرأي - أنه ليس كل الملائكة في الكون دخلوا الإمتحان وإنما الذين لهم شغلٌ في الأرض، وإبليس له شغل في الأرض كما سبق في علم الله سبحانه وتعالى وفي قدره، فهؤلاء الذين لهم شغل في الأرض جميعاً وإبليس معهم واُدخلوا الإمتحان ثم طُلِب إليهم أن يسجدوا ومن ضمنهم إبليس طلب إليه أن يسجد لكن دخله الكِبر والجرأة على الله سبحانه وتعالى لأنه لم يتكبر كبراً وإنما تجرأ على الله سبحانه وتعالى وردّ الأمر وغلّطه وأبى التوبة ابتداءً، كان عليه أنه أحس بالغلط أن يتوب لكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
فهذه فائدة التوكيد لأن الأمر يقتضي إلى نزع كل ذرة من ذرات إحتمال أن يكون بعض الملائكة توقف عن السجود فاحتاج إلى تأكيدين.
آية (75):
*ما الفرق البياني بين قوله تعالى (ما منعك أن تسجد) سورة ص و(ما منعك ألا تسجد) سورة الأعراف؟ (د.فاضل السامرائى)(1/35)
قال تعالى (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (75) ص) وفي آية أخرى (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ (12) الأعراف) هناك قاعدة(لا) يمكن أن تُزاد إذا أُمن اللبس، وسُمّيت حرف صلة وغرضها التوكيد وليس النفي.
النحويون يقولون أن (لا) زائدة فهي لا تغيّر المعنى وإنما يُراد بها التوكيد ومنهم من قال أنها صلة. وليس قولهم أنها زائدة يعني أنه ليس منها فائدة إنما حذفها لن يغيّر المعنى لو حُذفت. فلو قلنا مثلاً (والله لا أفعل) وقلنا (لا والله لا أفعل) فالمعنى لن يتغير برغم أننا أدخلنا (لا) على الجملة لكن معناها لم يتغير. أما في آيات القرآن الكريم فلا يمكن أن يكون في القرآن زيادة بلا فائدة. والزيادة في (لا) بالذات لا تكون إلا عند من أمِن اللبس، بمعنى أنه لو كان هناك احتمال أن يفهم السامع النفي فلا بد من زيادتها. في قوله تعالى (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) الحديد) معناها ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء وإذا أراد الله تعالى أن يُنزل فضله على أحد لا يستطيع أحد أن يردّ هذا الفضل. فالقصد من الآية إعلامهم وليس عدم إعلامهم. لذلك قسم من النحاة والمفسرين يقولون أن اللام زائدة أو صلة.(1/36)
وفي قوله تعالى (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) طه) هي ليست نافية ولكنها بمعنى من منعك من اتباعي. وفي قوله تعالى (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) الأعراف) الله تعالى يحاسب ابليس على عدم السجود ولو جعلنا (لا) نافية يكون المعنى أنه تعالى يحاسبه على السجود وهذا غير صحيح. ولهذا قال تعالى في سورة ص (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)). إذن (لا) مزيدة للتوكيد جيء بها لغرض التوكيد لأن المعلوم أن يحاسبه على عدم السجود.
لكن يبقى السؤال لماذا الإختيار بالمجيء بـ (لا) في آية وحذفها في آية أخرى؟ نلاحظ أن سياق الآيات مختلف في السورتين ففي سورة الأعراف الآيات التي سبقت هذه الآية كانت توبيخية لإبليس ومبنية على الشدة والغضب والمحاسبة الشديدة وجو السورة عموماً فيه سجود كثير.(1/37)
لو نظرنا في سياق قصة آدم - عليه السلام - في الآيتين في سورة الأعراف وص لوجدنا أن المؤكّدات في سورة الأعراف أكثر منها في سورة ص ففي الأعراف جاءت الآيات (لأقعدنّ، لآتينهم، لأملأن، إنك، وغيرها من المؤكّدات) . وكذلك القصة في سورة الأعراف أطول منها في ص ثم إن مشتقات السجود في الأعراف أكثر (9 مرات) أما في ص (3 مرات). ولتأكيد السجود في الأعراف جاءت (ما منعك ألا تسجد). ثم هناك أمر آخر انتبه له القدامى في السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة وهي أن هذه الأحرف تطبع السورة بطابعها فعلى سبيل المثال: سورة ق تطبع السورة بالقاف (القرآن، قال، تنقص، فوقهم، باسقات، قبلهم، قوم، حقّ، خلق، أقرب، خلقنا، قعيد، وغيرها) وسورة ص تطبع السورة بالصاد (مناص، اصبروا، صيحة، فصل، خصمان، وغيرها..) حتى السور التي تبدأ بـ (الر) تطبع السورة بطابعها حتى أن جعفر بن الزبير أحصى ورود الر 220 مرة في السورة. وسورة الأعراف تبدأ بـ (المص) وفي الآية موضع السؤال اللام والألف وهما أحرف (لا) فناسب ذكر (لا) في آية سورة الأعراف وناسب كذلك السياق والمقام.
وعليه مثلاً من الخطأ الشائع أننا نقول أعتذر عن الحضور وإنما الصحيح القول: أعتذر عن عدم الحضور.
آية (78):
*ما الفرق بين الآيات الكريمة:(أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} البقرة) – (لَعَنَهُمُ اللَّهُ (52) النساء) - (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ {87} آل عمران) - (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {25} الرعد) -(وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {78} ص) ؟(من برنامج أخر متشابهات)(1/38)
قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159}البقرة) اللعنة هذه كما تعرفون اللعنة هي الطرد فلان ملعون لعناه الخ كل كلمة لعن ويلعن يعني طردته من حضرتك أنت ملك فصلت وزيراً يقال لعنه طردته من رحمتك من عطفك من ثقتك طرد، هكذا معنى اللعن.(1/39)
في القرآن مرة قال (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) فعل مضارع ومرة قال (لَعَنَهُمُ اللَّهُ (52) النساء) فعل ماضي ومرة قال (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ {87}آل عمران) تعبير آخر ومرة قال (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {25} الرعد) تعبير رابع ومرة قال (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {78} ص) مرة واحدة مرة واحدة قالها لإبليس لما رفض أن يسجد طرده ولعنه (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) هكذا، من أجل هذا عليك أن تعرف أن كل تعبير من هذه التعابير تعني أسلوباً في اللعن واللعن هذا أخطر ما يمكن أن يصادفه المخلوق سواء كان إنساً أو جناً أو ملكاً أو بشراً حتى الحيوان إذا لعنت نعجة لا تؤكل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا لعنت بعيراً لا يُركب إذا لعنت سيارة لا تُركب وإذا لعنت إنساناً فإذا كان يستحق اللعن لأنه ارتكب شيئاً يستحق عليه اللعن مما جاء في الكتاب والسنة خلاص هو ملعون وإذا كان لم يكن يستحق اللعنة تدور اللعنة في السموات والأرض فلا تجد أحد تصيبه فتعود إلى من لعن ولهذا (ليس المؤمن لعّاناً) المؤمن لا يلعن لأنها مصيبة إذا لعنت أحداً أو شيئاً أي شيء وكان لا يستحق اللعن عادت اللعنة إليك إذا لعنت حيواناً لم يؤذيك وسيارة ماشية لماذا لعنتها؟ ترجع عليك اللعنة وعندما تقع عليك اللعنة لا بركة ولا توفيق ونحن نقول هذه أرض ملعونة سيدنا علي وصل إلى بابل وكان وقت العصر سأل نحن أين الآن قالوا في بابل قال أعوذ بالله إنها أرضٌ ملعونة فانطلقوا ولم يصلوا العصر حتى يهربوا من هذا المكان الملعون ونفس الشيء أيضاً في ديار قوم لوط أرض ملعونة إذا مر بها شخص بسرعة يهرب لأنها أرض ملعونة إذا مر بها واحد بسرعة يهرب لأنها أرض ملعونة وطبعاً الذي يدخل عليها يكون مطأطأ ومغطي رأسه لكي لا تصيبه اللعنة.(1/40)
فاللعن هذا قضية من اللامعقول ترى الشيء بيت ملعون ما فيه توفيق وغير مريح، سيارة كل يوم متعطلة رغم أنها جديدة، زوجة نعوذ بالله مشاكسة أي شيء إذا أصابته اللعنة أي طرد من رحمة الله لأمر ما رب العالمين يعلمه ولهذا إياك أن تتدخل في شغل الله عز وجل فقط رب العالمين يلعن. قد يأمرك أنت أن تلعن أما أنت أن تلعن متبرعاً لا، تعود اللعنة إليك وهذه اللعنة هي سر ما قد نعانيه جميعاً من بعض المظاهر والظواهر مما يضايقنا دون معرفة السبب أنا أصلي سنة ورزقي واقف لا يوجد رزق صار لي سنة سيارتي خربانة لا تعمر صار لي سنة عندي ابن مريض لا يشفى الحق لا أدري ما مشكلته بالوظيفة أنا غير موفق الخ عدم التوفيق والشعور بالنكد شعور بالحزن شعور بالهمّ شعور بعدم البهجة هذا نوع من اللعنة فيك شيء فإياك أن تلعن أحداً لا يستحق اللعن. لا ينبغي أن تلعن إلا من لعنه الله ورسوله فإذا اجتهدت في لعن أحد لا يستحق اللعن تلف هذه اللعنة كل السموات والأرض فلا تجد أحداً تصيبه فتعود إليك وإذا عادت اللعنة إليك ابتليت بعدم التوفيق في كل شيء.(1/41)
نعود إلى هذه الصيغ عندما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قال يلعنهم فالقضية مستمرة إذاً، لماذا؟ في كل عصر هناك من يكتم الآيات البينات ويكتم الحق (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) في كل أدوار التاريخ ما من نبي جاء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام جميعاً إلا وابتلي ذلك الدين بواحد مفتي كاهن أو قس أو شيخ أو عالم أو مُلا أو مطوّع يعرف الحق تماماً هذه الآية واضحة وهذا الحديث واضح يلويه يغطيه لكي يصل إلى نتيجة دنيوية سيئة فينحرف بمجموعة. هذه المجموعة تبقى طيلة حياتها وطيلة عمر الدنيا تكيد لذلك الدين ولأهله تمزقه تنخر فيه وهذا في كل الأديان. وما عانت الأديان أكثر مما عانت من هؤلاء الذين ينحرفون عن الرسالة السماوية وما انحرفوا من اختيارهم هناك من أفتاهم، هؤلاء الذين يسمون رجال الدين العلماء الأحبار (إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ{34} التوبة) وهكذا علماء المسلمين وهكذا كل رجال الدين حتى رجال الدين الوثنيين هناك تحريفيون ولو أن ذاك التحريف فاضل. إذاً هذا الكتمان وهذا الانحراف موجود في التاريخ قال يلعنهم فعل مضارع والمضارع في الحال والمستقبل (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) حينئذٍ هذا الفعل المضارع كلما وجدته على ملعونين إعلم أن هذه القضية مستمرة ما انقطعت.(1/42)
إذا قال (لَعَنَهُمُ) شيء راح وانتهى ناس ارتدوا كفروا (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) حينئذٍ شيء يتكرر هكذا لعنهم. وحينئذٍ كلمة يلعنهم مضارع مستمرة كل من وما يستحق اللعن إذا هو مستمر يقول (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) إذا كان شيء انتهى أو كان في الماضي يقول (لَعَنَهُمُ) إذا كان قضية خطيرة واحد عمل مبدأ انحراف ونشأت عليه جماعة أو طائفة وكل الأديان الموجودة نحن عندنا ناس انسلخوا من الإسلام يعبدون الشيطان وناس تعبد قبراً وناس تعبد نعل النبي وأشكال اقرأ التاريخ سبعين فرقة عند المسيحيين سبعين فرقة وعند اليهود سبعين فرقة وعند المسلمين سبعين فرقة واحد أضلهم واحد! وهذا الواحد يقتل كل من انحرف بفتوى، هو سيدنا عمر سيدنا عثمان سيدنا علي سيدنا الحسين قُتِلوا بفتوى واحد قال هؤلاء مشركين اقتلوهم، تصور! وهؤلاء أنشأوا طائفة وإلى اليوم القتل مستحر في أيامنا نحن في هذا الزمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل) نشأنا أمة واحدة فعلاً عرب مسلمون طيبون توجد مذاهب إسلامية متعايشة عيشاً سلمياً رائعة وهذا من عظمة الإسلام المسألة الواحدة في الإسلام لها أربع خمس حلول حدّان حد أعلى وحد أدنى وأنت حرٌ بينهما (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا{187} البقرة) هذه خمسين في المائة (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا{229} البقرة) هذه بالمائة مائة وأنت حرٌ فيما بينها تأخذ ستين سبعين مقبول جيد جيد جداً أنت حر. إلى أن جاء واحد باعتقاده أن الذي لا يصل إلى المائة مائة فهو كافر واقتلوا اقتلوا وهكذا في زماننا كانت الأمة متجانسة يعني في الأربعينات الثلاثينات التي نحن وعيناها أمة واحدة حيثما ذهبت في العالم مهما كان مذهبك أو اختلافك اختلافات فقهية صحيحة كلها واردة عن رسول الله.(1/43)
النبي صلى الله عليه وسلم طبّق تطبيقات عديدة وكل واحد أخذ له رأي وهذا شيء جميل واتفق عليه المسلمون بأن هذا يجوز وهذا يجوز وهذا يجوز. وعينا على ناس قالوا نحن فقط صح وكلكم أنتم رجعيين يعني يُطلِق على من عداه رجعيون ويقتلهم وقد قتلوا وسحلوا وعلقوا ثلاثين عاماً. نعود إذاً إلى ما كنا نقول إن التعبير بـ (يلعنون) بالفعل المضارع لأمر أو جريمة أو دمٍ سيستمر مدى الدهر كما قلنا (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) طيلة التاريخ كان هناك من يكتم الحق مع وضوحه هنا النقطة (مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ) بيان ظاهر قضية لا تقبل الخطأ. وحينئذٍ هذا الذي يخالف هذا ثم يُضل الناس ويكتم الحق عليهم هذا سوف يستمر وجوده إلى يوم القيامة (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) كما قلنا في زماننا كثير عناوين سياسية تقتل الآخر بحجة أنك رجعي جاءت ثلاثين عاماً بعدهم ثلاثين عاماً جاء من يقتل الآخر بحجة أنك أنت خائن وعميل إلى سنة الألفين ألفين وثلاثة أربعة من الآن فصاعداً هناك من يقتل الآخر لأن الآخر مشرك وكافر وهذا مستمرٍ إلى يوم القيامة.(1/44)
ما أن مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءت هذه الفرقة الخوارج كفّروا كل من عداهم واستحلوا دمائهم بأبشع صورة يعني لا يقتلون قتلاً عادياً لا، قتل مع التمثيل هذا مستمر ولم ينقطع من زمن موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وإلى يوم القيامة (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل حتى يقتل الرجل أخاه وجاره وابن عمه حتى لا يدري القاتل لما قتل ولا المقتول فيما قتل) نسمع الآن أن فلان قتل أخوه فلان قتل أبوه باعتباره مشرك هذا (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) لماذا؟ لأن هذا خالف قضية واضحة (أمرت أن أمر الناس حتى يقول لا إله إلا الله فإذا قالوه عصموا مني دماءهم) وهذا الذي يقتل الآن يصلي خمس أوقات وفي المسجد ويصوم رمضان وهو مسلم ابن مسلم يُذبَح لأنه مشرك حينئذٍ هذا مستمر الله قال (يَلْعَنُهُمُ) فعل مضارع. الشيء الآخر (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {86} أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {87} آل عمران) هذا قضية أصبحت يعني حُكم بها هؤلاء الذين ارتدوا بعد الإسلام بعد أن آمنوا بالله وقالوا محمد رسول الله ثم ارتد وهكذا فعلوا مع سيدنا موسى وهكذا فعلوا مع سيدنا عيسى على هؤلاء جميعاً (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وهذه من باب التهديد يعني هذا التعبير بالإسمين (إن واسمها وخبرها) فيه رائحة تهديد وفعلاً كيف يمكن أن تتعامل مع مرتد والارتداد مستمر منذ أن جاءت الرسل وإلى يوم القيامة.(1/45)
عندنا تعبير آخر (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) هذا أيضاً تعبير جديد يقول (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {25} الرعد) مجموعة ذنوب كبيرة بعضها أكبر من بعض فاجتمعت فقال (لهم) هذه اللام للاختصاص وكأنه لا يلعن أحدٌ كما يلعن هؤلاء فرق بين أن أقول هذه لك وهذه عليك. هذه لك اختصاص (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) كأن اللعن ما خُلِق إلا لهؤلاء ينقضون عهد الله بالتوحيد ويقطعون ما أمر الله به طبعاً بعد ميثاقه فرب العالمين قال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى{172} الأعراف) أخذ علينا العهد (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} الأعراف) هذا نقض عهد الله هذا واحد، (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) يقطع الرحم وقد أمره بها أن توصل ويقطع النعمة ويقطع الخ يعني ما ترك شيئاً رب العالمين يريد أن يصله إلا قطعه (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) قتل وإبادة وتكفير وما إلى ذلك هؤلاء (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ). فرق بين (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ) وبين (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ) وبين (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ (25) الرعد) يعني كأنها ما من أحد يُلعَن كما يلعن هؤلاء.(1/46)
أقوى هذه التعبيرات الرهيبة جاءت مرة واحدة في القرآن كل هذا جاء مرات ، مرة واحدة في القرآن الكريم رب العالمين لعن بها إبليس لما قال له (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ {77} وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {78} ص) أنا رب العالمين وتعرف رب العالمين إذا اختص وحده باللعنة هناك لعنة الله والملائكة والناس يعني لكن أنت إبليس عليك لعنتي وأنت تعرف وقد لا تعرف ماذا يعني أن أختص أنا وحدي ألعنك (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) هذا الفرق بين عدة التعبيرات لكلمة اللعن.
آية(82):
*لماذا حلف الشيطان بعزّة الله في الآية (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) ص)؟(د.حسام النعيمى)(1/47)
هذا القَسَم بعض العلماء يقول: علِم عدو الله أنه ليست له عزّة فأقسم بعزة الله سبحانه وتعالى، هذا قول لبعض العلماء. ولكن البعض يقول القسم عادة يتناسب مع المقسم عليه، الإنسان على ماذا يريد أن يُقسِم؟ القسم بلفظ الله يصلح لكل نوع، يقول الإنسان: والله لا أفعل هذا، والله لأفعلنّ كذا، لكن حينما يكون الأمر بحاجة إلى قوة وسلطان عند ذلك يكون القَسَم بعزة الله لأن العزة فيها معنى القوة والسلطان. أنت لا تقول مثلاً: "والرحمن الرحيم لأفعلنّ بأعداء الإسلام كذا"، لا تستقيم "والرحمن الرحيم"، لكن قُل: والله أو وعزّة الله. فلا يبعد أن القرآن الكريم ذكر هذا اللفظ ليشير إلى أن الأمر يحتاج إلى قوة وإلى سلطان في إغواء هؤلاء. هذه القوة من أين جاءته وهو ما عنده قوة ولا سلطان (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي (22) إبراهيم). هذه القدرة والقابلية على إغواء الناس وعلى الدخول إلى قلوبهم هي في واقع الحال من تمكين الله سبحانه وتعالى لهذا المخلوق لأنه يعلم - هذا المخلوق - أنه لم لم يمكّنه الله سبحانه وتعالى لا يستطيع أن يصل. الإنسان يوسوس له الشيطان، هذه الوسوسة إذا لم يشأ الله سبحانه وتعالى أن تحدث أثرها لا تحدث أثراً. فلا يكون شيء في مُلك الله عز وجل من غير إرادته لذلك نقول الذي يتصرف في ملكه لا يُسأل (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الأنبياء). فالظاهر – والله أعلم – أن القسم هنا كان مناسباً يعني كأنما أنا سلبت مني العزة فأنا أقسم بعزتك وكأنه يتشبث يهذه العزة، بهذه القوة حتى يستطيع أن يغوي لأنه قال (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) بهذا التأكيد، بمجموعهم واستثنى (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ص) وعندنا قراءة (المخلِصين).(1/48)
المخلَصين بفتح اللام هم الذين أخلصهم الله عز وجل لعبادته أو هم خلصوا هم بأنفسهم لعبادة الله سبحانه وتعالى وكلاهما مردّه إلى رحمة الله سبحانه وتعالى هو الذي يرحم عباده بأن لا يمكِّن الشيطان من الوصول لإغوائهم. إغواء الشيطان له مقدمات يفعلها الإنسان والشيطان لا يدخل إلى هذا الإنسان إلا بعد أن يقدم هذا الإنسان هذه المقدمات حتى يكون مسؤولاً عن عمله وإلا كيف يُسأل عن عملٍ لم يقدم فيه شيئاً؟. هو يقدم أسباب عمل الخير ويقدم أسباب عمل الضلال ثم الشيطان يتمكن منه وهو ماضٍ في تقديم أسباب الضلال لذلك في القرآن (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ (79) النساء) هو قدّم الإثنين لكن لا يكون شيء إلا بأمر الله سبحانه وتعالى، في السيّئة نُظِر إلى تقديم الإنسان لهذه الخطوات وفي الحسنة نُظِر إلى النتيجة أنه لا تكون إلا بأمر الله سبحانه وتعالى. (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ (78) النساء) لأن النتائج النهائية من الله سبحانه وتعالى لا تحدث إلا بأمره، بإذنه لكن مرة نُظِر إلى البدايات مع السيئة لأن الإنسان خطا هذه الخطوات ومرة نُظِر إلى النهاية.(1/49)
إذن هذا القسم بعزة الله سبحانه وتعالى، أحياناً يقول لك شخص: "والذي رفع السماء بغير عمد" يعني هناك شيء مستحيل في نظرك لكنه ممكن في فعل الله سبحانه وتعالى فإذن هذا الذي أقسم عليه من المستحيل أن يكون يعني لما يريد أن يبيّن الإحالة يُقسِم. ذكرنا حديثاً في المرة السابقة عن إمشاء الناس على وجوههم، أليس الذي أمشاهم على أرجلهم بقادر على أن يمشيهم على وجوههم؟ فقال قتادة: "بلى وعزّة ربنا" لأنها نحتاج إلى قوة. في مجال القوة وطلب القوة القسم يكون بعزة الله سبحانه وتعالى مع أن لفظ (الله) يصلح لكل الأنواع. والله سبحانه تعالى في الحديث القدسي استعمل " وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" لأن فيها معنى القوة. لما يكون الأمر بحاجة إلى بيان القوة والسلطان يقسم بالعزّة..
إبليس يؤمن بعزة الله سبحانه وتعالى وقد خدم في حظيرة الله سبحانه وتعالى وكان من المشتغلين في قضايا الأرض مع ملائكة الأرض. لما الباري عز وجل عرض على الملائكة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) البقرة) لأنهم مشتغلون في الأرض، مهمتهم في الأرض فعرض عليهم، لا يعقل أنه عرض على كل ملائكة السماء والكون وإنما على فئة لها شغل بهذا المخلوق الجديد وبمكانه فإبليس كان من ضمن هؤلاء ليس ملكاً لكن من ضمن الذين لهم شغل لذلك كُلّف مباشرة (ما منعك أن تسجد إذ أمرتك) أُمِر مباشرة بالسجود.
المخلَصين: الذي أُخلِصت نيته وفعله لله سبحانه وتعالى وأُخلِص من الآثام ومن كيد الشيطان، أخلَصه الله سبحانه وتعالى. من الفعل أخلَص يخلِص فلما نريد الفاعل نكسر ما قبل الآخر (مخلِص) ولما نريد المفعول نفتح ما قبل الآخر فنقول (مخلَص).
آية (85):(1/50)
*ما معنى حق القول؟(د.فاضل السامرائى)
حق القول في القرآن معناه ثبت لهم العذاب. القول هو قوله تعالى (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة). كلمة حق القول إشارة إلى حق القول مني. الذي ورد في القرآن الكريم طبعاً عموم النحاة كلهم يذكرون أن حق القول المقصود به (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) أو (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) ص) حق القول في القرآن الكريم وكذلك حقت الكلمة لم ترد إلا في ثبوت العذاب هذا يمتد في جميع القرآن استقصاء بإلا بمعنى وجب لهم العذاب أو ثبت لهم العذاب مثال (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) القصص) (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت) (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) الأحقاف) ((13) السجدة) ((7) يس) ((70) يس) ((31) الصافات) ((19) الزمر) ((71) الزمر) ((6) غافر) ( (96)(97) يونس) ((33) يونس) كلها لم ترد في القرآن لم ترد إلا بهذا المعنى وهذه الدلالة، حق القول أو حقت الكلمة لم ترد إلا بهذه الدلالة.
****تناسب فواتح سورة ص مع خواتيمها****(1/51)
في أولها (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)) وفي آخرها (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)) الكلام عن القرآن. الذكر يأتي بمعنى الشرف في القرآن (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) الزخرف)، والقرآن ذي الذكر أي ذي الرفعة والشرف. في الختام قال (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) رفعة وشرف وتذكير. (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) و(وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ) الكلام عن القرآن، كيفما نفهم كلمة ذكر أهو تذكير أو شرف فهو في الحالتين مذكور (ذكر) والقرآن نفسه والقرآن ذي الذكر إن هو إلا ذكر.
*****تناسب خواتيم ص مع فواتح الزمر*****
قال في أواخر ص (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)) وقال في الزمر (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)).
سؤال: هل نهايات السور أيضاً توقيفية؟ أي أن السورة انتهت عند هذا الحد أمر توقيفي؟(1/52)
لا شك، يعرفون ما بين السورتين بالبسملة تبدأ السورة بالبسملة إلا سورة براءة وجبريل - عليه السلام - أطلع الرسول - صلى الله عليه وسلم - على السور وأسماء السور توقيفية أيضاً كما ورد في الحديث " افتتح بآل عمران" وقد تكون السورة لها أكثر من إسم "من قرأ سورة الإخلاص" كل ما وصل إلينا من المصحف هو توقيفي لم يتدخل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة في شيء وإنما هكذا لقنه إياه جبريل - عليه السلام - وحتى القراءات لما أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يخفف على عباده أُنزل القرآن على سبعة أحرف كما في الحديث "سألت التخفيف" طلب الاستزادة فقال "نظرت إلى ميكائيل فقال انتهت العدة" ليس للرسول - صلى الله عليه وسلم - دخل فيها وليس لنا أن نشكك في القراءات. في بعض القراءات يخفف فيقرأها بلغاتهم أحياناً وكلها بإذن الله تعالى وما وردنا من صحيح القراءات المتواترة من صحيح الروايات هذه أقرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإذن من ربه وقرأها جبريل - عليه السلام - عليه، هذه القراءات المتواترة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله تجميع وترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة ص للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى والخواطر القرآنية للأستاذ عمرو خالد وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله عنا خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.(1/53)
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/54)
سورة الزّمر
تناسب خواتيم ص مع فواتح الزمر ... آية (10) ... آية (21) ... آية (42) ... آية (71- 73)
هدف السورة ... آية (12) ... آية (23) ... آية (49) ... آية (74)
آية (2) ... آية (14) ... آية (30) ... آية (53) ... آية (75)
آية (3) ... آية (16) ... آية (31) ... آية (66) ... تناسب فواتح سورة الزمر مع خواتيمها
آية (6) ... آية (17) ... آية (38) ... آية (67) ... تناسب خواتيم الزمر مع فواتح غافر
آية (7) ... آية (19) ... آية (39) ... آية (68)
آية (8) ... آية (20) ... آية (41) ... آية (70)
*تناسب خواتيم ص مع فواتح الزمر*
قال في أواخر ص (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)) وقال في الزمر (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)).
سؤال: هل نهايات السور أيضاً توقيفية؟ أي أن السورة انتهت عند هذا الحد أمر توقيفي؟
لا شك، يعرفون ما بين السورتين بالبسملة تبدأ السورة بالبسملة إلا سورة براءة وجبريل - عليه السلام - أطلع الرسول - صلى الله عليه وسلم - على السور وأسماء السور توقيفية أيضاً كما ورد في الحديث " افتتح بآل عمران" وقد تكون السورة لها أكثر من إسم "من قرأ سورة الإخلاص" كل ما وصل إلينا من المصحف هو توقيفي لم يتدخل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة في شيء وإنما هكذا لقنه إياه جبريل - عليه السلام - وحتى القراءات لما أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يخفف على عباده أُنزل القرآن على سبعة أحرف كما في الحديث "سألت التخفيف" طلب الاستزادة فقال "نظرت إلى ميكائيل فقال انتهت العدة" ليس للرسول - صلى الله عليه وسلم - دخل فيها وليس لنا أن نشكك في القراءات. في بعض القراءات يخفف فيقرأها بلغاتهم أحياناً وكلها بإذن الله تعالى وما وردنا من صحيح القراءات المتواترة من صحيح الروايات هذه أقرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإذن من ربه وقرأها جبريل - عليه السلام - عليه، هذه القراءات المتواترة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .(1/1)
**هدف السورة: الإخلاص لله تعالى**
هذه السورة مكّية وتدور حول محور الإخلاص لله تعالى في كل الأمور وتبدأ بدعوة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - باخلاص الدين له وتنزيهه عن مشابهة المخلوقين. كما ذكرت الآيات البراهين على وحدانية الله في ابداعه في الخلق. وشددت على أهمية الإخلاص لله حتى يوصلنا هذا الإخلاص للجنة مع زمرة المؤمنين. وهي سورة رقيقة تذكرنا بأهمية الإخلاص لله تعالى وترك الرياء. والإخلاص يكون في عدة أمور: إخلاص العبادة لله وإخلاص النيّة والإخلاص في كل أمور الدنيا والحرص على أن يكون كل ما نعمله في هذا الدنيا خالصاً لله رب العالمين حتى ننال خير الجزاء ونسعد بالجنة ونعيمها. وقد وردت كلمة الإخلاص ومشتقاتها في هذه السورة 4 مرّات للدلالة على أهميته.(1/2)
تبدأ السورة (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) آية 2 و3 بالدعوة لإخلاص العبادة لله وأن الدين لله وحده. وكما جاء سابقاً في القرآن (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين) سورة النحل، آية 66، من بين الفرث والدم يخرج لنا اللبن الخالص من الشوائب النقي، كذلك العبادة لله يجب أن تكون خالصة لله مهما أحاطها من زيف الدنيا. و(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي ) الآيات من 11 إلى 14 كلها تدعو لإخلاص الدين لله .
ثم تنتقل الآيات لبيان من أولى بالإخلاص له: الله تعالى ام غيره؟ (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) آية 29 فالحمد لله أنه إله واحد لا شريك له إياه نعبد مخلصين له الدين.
إخلاص العبادة: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) آية 9.(1/3)
إخلاص التوبة: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) آية 53 و54، استخدام كلمة (أنيبوا) للدلالة على سرعة العودة لله. وذكر الصحابة رضوان الله عليهم أن هذه الآية هي من أرجى آيات القرآن الكريم لما فيها من سعة رحمة الله ومغفرته لذنوب عباده ودعوتهم لحسن الظنّ به وبعفوه عنهم مهما تعاظمت ذنوبهم فهي لا شيء أمام سعة رحمة الله تعالى فله الحمد وله الشكر.
تحذير من الإشراك بالله: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ) 64 إلى 66.
عظمة الله في الخلق تدفعنا للإخلاص له (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) آية 67. وهذه أساس عدم الإخلاص لأنه لو علم العبد قدر الله تعالى لما أشرك معه أحدا من مخلوقاته.(1/4)
وصف المخلصين في يوم القيامة ومقارنتهم بالكفار. الكلّ يساق زمراً الكفار يساقون الى النّار: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) آية 71، والمخلصون يساقون إلى الجنة زمراً (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) آية 73 لأن الله تعالى يأبى أن يدخل المؤمن وحيداً إلى الجنة وإنما يدخل قي صحبته الصالحة في الدنيا وكأن هذا الجمع والدخول الجماعي هو ثمرة الإخلاص في الدنيا فالصحبة الصالحة أساسية في الدنيا لأنها تعين على إخلاص العبادة لله وفي الآخرة تدخل أفرادها زمراً لجنة الخلد. فكلّ زمرة تحابوا في الله في الدنيا يدخلون الجنّة سوياً إن شاء الله.
وسميّت السورة بـ (الزمر) لأن الله تعالى ذكر فيها زمرة السعداء من أهل الجنة وزمرة الأشقياء من أهل النار وفي هذا دلالة على أهمية الصحبة في الدنيا فلنحسن صحبتنا في الدنيا عسى الله أن يحشرنا معهم زمراً إلى الجنة اللهم آمين.
***من اللمسات البيانية في سورة الزمر***
آية (2):
*(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) الزمر) و (إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (41) الزمر) ما الفرق بين إليك وعليك؟(د.فاضل السامرائى)(1/5)
أولاً ينبغي أن نعلم ما الفرق بين إلى وعلى في اللغة؟. (إلى) تفيد الإنتهاء و(على) للإستعلاء لذلك يقول أهل اللغة (على) تأتي للأمور المستثقلة الشاقة والمستكرهة (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ (216) البقرة) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ (183) البقرة) لأنه شاق، (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103) النساء) والنحاة يقولون سرنا عشرة وبقيت علينا ليلتان، وقد حفظت القرآن وبقيت عليّ منه سورتان، هذا لك وهذا عليك، بخلاف كتب لكم (وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ (187) البقرة) (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ (21) المائدة). عرفنا أنه (على) لما هو أشق في اللغة. نقرأ الآيتين ونرى في الآية الأولى (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2)) والثانية (إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (41)) نسأل: أيها الأشق وأثقل أن تعبد الله وحدك أو تبلِّغ الناس؟ أن تبلغ الناس أشدّ. الآية الأولى ليس فيها تبليغ وإنما خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والثانية (إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (41)) قال للناس وهذا تبليغ، الأولى ليس فيها تبليغ والثانية فيها تبليغ وهي الأشق والأشد فيضع (على) مع التبليغ، الأولى فيها نبوة والثانية فيها رسالة (إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ) هذه رسالة.(1/6)
الأولى ليس فيها تبليغ للناس ولذلك قال (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ) الثانية فيها (فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) هذه رسالة، إذن المشقة فيما أمر به في الدعوة إلى سبيل الله تعالى.
*ما الفرق بين أُنزل بالبناء للمجهول و أَنزل بالبناء للمعلوم؟(د.فاضل السامرائى)
إذا أراد الحديث عن نائب الفاعل بنى الفعل للمجهول وإذا أراد الحديث عن الفاعل ذكره. عموم الكلام ماذا يريد المتكلم؟ هل الكلام عن الفاعل أو عن نائب الفاعل؟. فإذا كان الكلام على الفاعل ذكر الفاعل وإذا كان الكلام عن نائب الفاعل ذكره. مثال (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) الزمر) (إِنَّا أَنزَلْنَا) الكلام عن الله وليس عن الكتاب. فإذن هناك إذا كان الكلام عن نائب الفاعل يبنيه للمجهول.
آية (3):
* ما الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)(1/7)
الفرق بين الحكم والفصل، الحكم القضاء والفصل أشد لأنه يكون بَوْن أحدهما، أن يكون بينهما فاصل حاجز إذن الفصل أشد فإذن لما يقول في القرآن يفصل بينهم تكون المسافة أبعد كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار أما الحكم فلا وقد يكون في ملة واحدة، نضرب أمثلة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هؤلاء يذهبون معاً إلى جهة واحدة اليهود والنصارى كلاهما ليس أحدهما إلى الجنة والآخر إلى النار فليس فيه فصل. (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) اختلاف في ملة واحدة وهم اليهود، وكلهم يذهبون معاً إلى جهة واحدة مع بعض. (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) كلهم يذهبون إلى جهة واحدة. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج) هؤلاء لا يذهبون إلى جهة واحدة فهم فئات مختلفة إذن يفصل. الفصل يتضمن الحكم حكم وفصل فيكون أشد.(1/8)
ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) قالوا الفصل بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والمشركين. فإذن الفصل حكم لكن فيه بَوْن كل جهة تذهب إلى مكان لذا قال في سورة ص (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ (22)) هذا حكم قضاء.
*ما الفرق بين قوله تعالى فى آيات كثيرة فى القرآن الكريم (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة)؟(د.فاضل السامرائى)
الآية توضح الأكثر لما يقول (كانوا) الكلام عن يوم القيامة والاختلاف كان في الدنيا (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) الاختلاف في الدنيا مثل(إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية). (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) هذه الآن وليس في يوم القيامة لأنها تقصد الدنيا.
*ما الفرق بين كلمة الله والرب من حيث اللغة والدلالة؟(د.فاضل السامرائى)(1/9)
الله هو لفظ الجلالة الأعظم (الأكثرون يقولون هو إسم الله الأعظم). وأهل اللغة يقولون هو من ألِه أي عَبَد وتأتي تحيّر. الإله من المعبود في اللغة، من العبادة. فهي أصلها كما يقول أهل اللغة الإله أي المعبود أُسقِطت الهمزة الوسطية فصار عندنا لامان لام التعريف واللام الثانية أُدغِمت فصارت الله. والذي يدل على ذلك (الله) هو إسم علم. وأسماء الأعلام إذا لم تكن ممنوعة من الصرف تنوّن (محمدٌ، محمداً) والممنوع من الصرف يُجرّ بالفتحة (إبراهيمَ وإسماعيل) الله يُجر بالكسرة (باللهِ ورسوله). الذي لا يُنوّن وهو ليس ممنوعاً من الصرف فمعناها هو معرّف بـ (أل) مثل (الرجل). فلفظ (الله) أصلها معرفة بـ (أل) الإله وأنه يجر بالكسرة معناه ليس ممنوعاً من الصرف إذن الله معناها الإله أي المعبود ثم جعل علماً على الإسم الأعظم (الله) معرّف من حيث اللفظ الإله أصبحت اللام لازمة، لو قلت إله ترجعها إلى أصلها (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) الزخرف) صارت إسم جنس لكن الله إسم علم بهذه الوضعية. والمشركون إستخدموا كلمة إله واستخدموا كلمة الله (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) الزمر) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (38) الزمر).
أما الرب معناها في اللغة المربي وهو الموجه والمرشد والقيّم والرازق ولذلك كلمة رب حتى في اللغة يقصد بها غير الله أيضاً (اذكرني عند ربك () يوسف) (قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ (50) يوسف) يجوز أن يقال رب البيت ورب الدار وتضاف أيضاً فيقال رب العالمين، رب السموات.
آية (6):(1/10)
*(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1) النساء) وفي الأعراف قال (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا (189)) وفي الزمر (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا (6)) فما اللمسة البيانية في الاختلاف بين الآيات؟ وما الفرق بين الخلق والجعل؟
د.فاضل السامرائى :(1/11)
الجعل في الغالب حالة بعد الخلق فالخلق أقدم وأسبق. جعل الزرع حطاماً ليست مثل خلق الزرع حطاماً. جعل بمعنى صيّر، هو خلقه ثم جعله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ (60) المائدة) لا يعني خلقهم وإنما يعني صيّرهم. إذن في الغالب الجعل بعد الخلق (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (124) البقرة) صيّره إماماً وليس خلقه إماماً. إذن هذا الأمر العام ولذلك كل (جعل زوجها) بعد الخلق، نلاحظ في سورة النساء قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1)) هذا في آدم وحواء، هذا خلق. (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) الأعراف) هذه ليس آدم وحواء وإنما بعد، ذاك خلق وهذا جعل، جعل هذه زوج هذه. في سورة الزمر قال (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)) خلقكم من نفس واحدة آدم وهذا الأصل لكن جعل زوجة جعل فلان زوج فلان، (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) يقصد حواء و (جعل منها زوجها) الكلام عن الذرية فلما ذكر حواء قال (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ولما ذكر الذرية قال (جعل منها زوجها).(1/12)
د.أحمد الكبيسى :
في الزمر قال (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا (6) الزمر) أضاف ثم بدل الواو، حينئذٍ واضحة خلق الخلق من شيء آخر الخلق غير الإبداع خلقت شيء من شيء خلقكم من طين وليس من عدم فهو خلق حواء من آدم إذاً (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) خلق حواء من آدم وآدم خلقه من الطين، طيب ثم قال (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) هو خلق حواء لكن حواء ممكن تصبح خادمة أو جارية قال لك لا جعلتها زوجة فالجعل تغيير الوظيفة. إذاً بعد أن خلقها جعل وظيفتها أنها زوجه ثم قال (ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) وقطعاً ثم دليل على التراخي واضح جداً. إذاً هذا الفرق بين خلق وبين جعل في سورة النساء.
*ما دلالة إدخال الأنعام في خلق الإنسان في الآية (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) الزمر)؟(د.فاضل السامرائى)(1/13)
من المقصود بالنفس الواحدة؟ آدم - عليه السلام - ، ومن المقصود بـ (ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا)؟ حواء. هذان آدم وحواء أنزلهما إلى الأرض وأنزل معهما طعامهما مستلزمات الحياة فذكر (وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ). هذه الأزواج هي مستلزمات وجود الإنسان على الأرض. أما نحن فقد خُلِقنا بعدها (أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ) هذا ليس آدم وحواء وإنما نحن وذكر خلق آدم وحواء في بداية السورة. خلقهما وأنزلهما وكان الغذاء معداً لهما فلا ينزلهم بدون غذاء. أما (أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ) فهذا نحن لذا ذكرها بعد الأولى (خلق آدم وحواء). إذن خلق آدم وحواء سابقة علينا وذكر ما يتعلق بهما ثم ذكر خلقنا نحن وليس الكلام على آدم هنا. لذلك لاحظ في سورة النحل لما ذكر تعالى خلقنا ذكر بعدها الأنعام (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (4) وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)) هذا خلقنا نحن وليس آدم ثم ذكر بعدها (والأنعام خلقها) خلقها لنا هنا وليس لآدم. أما في سورة الزمر ذكر آدم ثم ذريته من بعد.
*ما دلالة كلمة أنزل فى الآية(6)الزمر؟(د.فاضل السامرائى)
أنزل في هذه الآية بمعنى خلق.
آية (7):
* لماذا قدّم الكفر على الشكر على خلاف ما يأتى دوماً فى القرآن؟ (د.فاضل السامرائى)(1/14)
يقدّم الشكر إذا قدّم ما يستدعي الشكر من ذكر النعم والرحمة ، وفي القرآن حيثما اجتمع الشكر والكفر قدم الشكر على الكفر (ليبلوني أأشكر أم أكفر) (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر) (واشكروا لي ولا تكفرون) إلا في آية واحدة فقط في سورة الزمر (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {7}) والسبب في ذلك أنه تقدم ذكر الكفر والكافرين في سورة الزمر (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ {3}) فناسب سياق السورة تقديم الكفر على الشكر وكذلك في آخر السورة ذكر عقاب الكافرين أولاً (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ {71}) ثم جزاء الشاكرين (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ {73}).
آية (8):
*ما الفرق بين آتاني نعمةً منا ونعمةً من عندنا؟(د.فاضل السامرائى)(1/15)
في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر. (من عندنا) يستعملها خاصة و (منا) عامة. حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا)، يستعمل (منا) عامة و (نعمة من عندنا) خاصة مثل (فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (49) الزمر) (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ (8) الزمر) (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ (35) القمر) .
آية (10):
*ما الفرق بين (عباد) و(عبادى)؟(د.فاضل السامرائى)(1/16)
في القرآن الكلمتان موجودتان عبادي مرسومة بالياء وعبادِ بالكسرة وكلتاهما مضافة إلى ياء المتكلم. في القرآن عندما يقول (عبادي) بالياء مجموعة العباد أكثر فكأنه يحذف معناه أن العباد أقل. عبادي أحرفها أكثر من عباد فهم أكثر هذا في القرآن كله إذا قال عبادي بالياء فالمجموعة أكثر مثال (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا (53) الزمر) هؤلاء كثرة لأنه (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف)، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ (186) البقرة) كلهم بدون استثناء لم يستثني فجاء عبادي بالياء، يجبهم كلهم، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء). (فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (18) الزمر) قلة، (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر)، (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) العنكبوت) هناك قال اتقوا ربكم صارت التقوى إضافة إلى الإيمان وهنا لم يقل اتقوا ربكم، ثم هو قال (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر) هؤلاء قلة، (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) العنكبوت) كثرة فجاء بـ(عبادي) مع الكثرة و(عبادِ) مع القلة.(1/17)
من حيث الإعراب (عبادي وعبادِ) واحد، (عبادي) عباد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه وفي (عبادِ) هذه تقديراً، مضاف ومضاف إليه مركب. هذه من خصوصيات الإستعمال القرآني.
*ما الفرق بين كلمة (عبادي) في سورة العنكبوت وكلمة (عباد) في سورة الزمر؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة العنكبوت (يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {55} يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ {56} كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {57}) وقال في سورة الزمر (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {9} قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {10}) وإذا لاحظنا الآيات في كلتا السورتين نجد أن بينهما فروقات كثيرة ليس فقط في ذكر وحذف الياء من كلمة عبادي. والتعبير القرآني مقصود وكل حذف وإضافة مقصود أن يوضع في مكانه.(1/18)
1. في سورة العنكبوت ذكر ياء المتكلم في قوله تعالى (يا عبادي الذين آمنوا) أما في آية سورة الزمر أُشير إلى ياء المتكلم بالكسرة فجاءت عباد (قل ياعباد الذين آمنوا) وفي الحالتين إضيفت ياء المتكلم ففي الأولي هي موجودة وفي الثانية محذوفة ومشار إليها بالكسرة. وكلمة عبادي تدل على أن مجموعة العباد الذين يناديهم الله تعالى ويخاطبهم أوسع والإقتطاع من الكلمة (عباد) يقتطع جزء من العباد المخاطبين. وأحياناً يُقتطع من الفعل أو يكون مكتلاً ولهما حالة إعرابية واحدة والإقتطاع جائز في اللغو ولكن له سبب يتعلق بطول الحدث أو اتساعه. وكلمة عباد هي تدل على عدد أقل من عبادي . ومن أشهر أحوال إقتطاع ياء المتكلم هي حذف للياء واستبدالها بالكسرة مثل قوله تعالى (قل يا عباد) وقوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53} الزمر) بذكر الياء لأن المسرفون هم كثر لذا جاءت عبادي بياء المتكلم. وقوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) جاءت عبادي بذكر ياء المتكلم لأنها تشمل كل العباد. أما قوله تعالى (فبشّر عباد) حذفت الياء لأنهم طائفة أقل فالذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه هم قليل حتى أنه لم يقل فيتبعون الحسن وإنما قال الأحسن فكان المخاطبين قلة. وفي قوله تعالى في آية سورة العنكبوت (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ {56} العنكبوت) تدل على أن العبادة أوسع من التقوى فالكثير من الناس يقوم بالعبادة لكن القليل منهم هم المتقون.(1/19)
2. قال تعالى في سورة العنكبوت (إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) العباد عباده والأرض أرضه ولإضافة الياء إلة كلمة عبادي والأرض ناسب سعة العباد سعة الأرض فأكدها بـ (إن) أما في آية سورة الزمر (وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ) لم يقتضي التأكيد للأرض بأنها واسعة وإنما جاءت فقط (وأرض الله واسعة).
3. وجاء في سورة العنكبوت (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {57}) وهي تشمل جميع العباد ثم قوله تعالى (ثم إلينا ترجعون) جعلها مع الطبقة الواسعة عبادي). أما في سورة الزمر (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {10}) الصابرون هم قلة فناسب سياق الآية كلها الطبقة القليلة مع عباد.
4. وإذا استعرضنا الآيات في السورتين لوجدنا أن ضمير المتكلم تكرر 5 مرات في سورة العنكبوت (عبادي، إياي، اعبدون، إلينا، أرضي) بينما جاء في سورة الزمر ضمير محذوف (قل يا عباد).
5. آية سورة العنكبوت مبنية على التكلّم بينما آية سورة الزمر مبنية على الغيبة أي خطاب غير مباشر وتبليغ في استخدام (قل). وسياق الآيات في سورة العنكبوت مبني على ضمير ذكر النفس (ولقد فتنا الذين من قبلكم) (لنكفّرنّ عنهم) فالله تعالى يُظهر ذاته العليّة (وإن جاهداك لتشرك بي) (إلي مرجعكم فأنبئكم) (ووهبنا له اسحق) (يا عبادي الذين آمنوا) (لنبؤنهم في الجنة غرفا) (لنهدينهم سبلنا). أما سورة الزمر فمبنية عل ضمير الغيبة كلها (قل يا عباد) (فاعبد الله مخلصاً له الدين) (والذين اتخذوا من دونه أولياء) (ثم إلى ربكم مرجعكم) (دعا ربه منيباً إليه) (لا تقنطوا من رحمة الله) إلى آخر السورة (وسيق الذين كفروا) (وسيق الذين اتقوا ربهم).(1/20)
6. وهنا يأتي سؤال آخر وهو لماذا جاءت (قل) في آية سورة الزمر ولم ترد في آية سورة العنكبوت؟ نقول أن سياق الآيات مبني على التبليغ في سورة الزمر بينما في العنكبوت السياق مبني على ذكر النفس وليس التبيغ. وفي سورة الزمر أمر بالتليغ تكرر 14 مرة (قل هل يستوي) (قل إني أمرت) (قل الله أعبد) (قل إن الخاسرين) (قل أفرأيتم) (قل لله الشفاعة) (قل اللهم فاطر السموات) (قل أفغير الله). أما في سورة العنكبوت فقد وردت ثلاث مرات فقط. لذا اقتضى السياق ذكرها في آية الزمر وعدم ذكرها في آية العنكبوت.
* ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (ِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)) سورة الزمر؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الزمر (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)) والمفسرون يفسرونها أحد تفسيرين: إما أن الأجر يُصبّ عليهم صباً بغير حساب للدلالة على المبالغة في الأجر، أو أن الصابرين يُصب عليهم الأجر ولا يحاسبون لأن الصابر يؤجر بدون أن يُحاسب ويُسقط عنه الأجر بقدر ما صبر ويُتجاوز عنه ويُدخله الله تعالى الجنة بغير حساب. فكلمة (بغير حساب) قد تكون للأجر وقد تكون للصابرين وهي تحتمل المعنيين. وفي الحديث الشريف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"سبعون ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب".
آية (12):
*ما معنى قوله تعالى (وأُمرت أن أكون أول المسلمين) عن سيدنا محمد مع العلم أن الأنبياء قبله كانوا مسلمين؟(د.فاضل السامرائى)(1/21)
الإسلام هو دين الله وهو الدين من أول الأنبياء إلى يوم الدين وقد سبق في القرآن الكريم ذكر نوح وابراهيم ولوط ومن اتبعهم بأنهم من المسلمين لكن دين الإسلام كإسلام أُطلق على ديننا وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو أول من أسلم.
*ما الفرق بين قوله تعالى (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {72} يونس) (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ {12} الزمر) (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {104} يونس)؟(د.أحمد الكبيسى)
(وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {72} يونس) (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ {12} الزمر) (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {104} يونس) وهكذا وما بينها من فروق بحروف. أبيّن الفرق بين (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) و (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) و (لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) حروف مختلفة ولكنها تختلف في المعنى تماماً.(1/22)
إذاً نتكلم عن هذه المتشابهات في هذه الآية التي يخاطب الله بها رسوله: مرة يقول لرسوله الكريم (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وراءها يقول له في الزمر (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ {11} وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ {12}) أدخل (لأن) هذه جديدة غير الآيات الأخرى (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) وهذه هي أقوى الدلالات التي تترأس جميع الآيات الأخرى. في الأنعام (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {163}) هنا أول المسلمين، وفي يونس (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {104}) هذه المرة (من المؤمنين) .(1/23)
لكي نعرف ما الفرق بين هذه الآيات لماذا (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) لا بد أن نعرف العلاقة، الطريق إلى الله ما هي مراحل الوصول إلى الله؟ كلنا في الطريق إلى الله ولكن الطريق إلى الله يختلف المسافرون فيه من حيث قوتهم وشجاعتهم ووسائل سفرهم في ناس تركب حمار في ناس تركب جمل في ناس تركب سيارة ناس تركب طيارة تصل في يومين وفي ناس يذهبون مشياً الكل سيصل لكن متفاوتون في الوصول ما هي المراحل التي ينبغي على المسلم أن يسير فيها لكي يصل في النهاية إلى الله عز وجل؟ هذه المراحل هي الإسلام القولي أولاً، الإيمان العام ثانياً، الإيمان الخاص ثالثاً، التقوى رابعاً، الإسلام المطلق خامساً والإسلام المطلق وأنت لاحظ أن الطريق إلى الله يبدأ بالإسلام وينتهي بالإسلام بدايته إسلام ونهايته إسلام. البداية إسلام بالقول قل لا إله إلا الله (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا {14} الحجرات) يعني قلت لا إله إلا الله (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) حينئذٍ الإسلام الطريق الأول الابتدائي الذي يبدأ المسلم طريقه فيه إلى الله بشكلٍ صحيح هو الإسلام سواء كنت مسيحياً أو يهودياً أو نصرانياً أو صابئياً. الإسلام أولاً يعني أن تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هذا عنوان الدخول إلى الطريق إلى الله، إلى الطريق الصحيح إلى الله إذا قلت هناك إله آخر، هناك بديل يقرب إلى الله زلفى أنت لست مسلماً وأنت خاطئ ولن تصل وليس هذا طريقك.(1/24)
من أجل هذا الطريق الأول أن تسلم بلفظك بقولك أنا أؤمن بأن الله واحد لا شريك له وهذا لا يحاسب على ما في قلبه وعلى فعله بل يحاسب على لسانه (إذا قالوها عصموا مني) قال له (أشققت عن قلبه؟) إذا قال الإنسان لا إله إلا الله حينئذٍ هذا الرجل أعلن أنه موحدٌ لله عز وجل ولا يعبد إلهاً غير الله وهذه هي القضية المركزية لهذا الكون كله. ما من نبيٍ إلا أنزل الله قل لقومك أن يعبدوا الله وحده لا شريك له هكذا هذه البداية ولا يوجد بداية غيرها. لا إله إلا الله مصدقاً بها قلبك نحن لا يعنينا أن يكون قلبك مصدقاً فيها هذه (مصدقاً بها قلبك) يوم القيامة نحن فقط إذا قلتها بلسانك أيّ واحد يقول لا إله إلا الله قد عصم دمه ونفسه وماله وأخذ كل الحقوق وأصبح واحداً من الأمة ولا يمكن لأحد أن يقول له ثلث الثلاثة كم؟ بأن يقول قول (إذا قالوها) من أجل هذا هذه الخطوة الأولى رجلك على أول الطريق أن تقول أنا لا أعبد أصنام ولا أعبد كذا ولا أشرك بالله أحداً إلهي وربي واحدٌ لا شريك له (قل لا إله إلا الله) هذا هو المفتاح للطريق كله هذا هو الإسلام الأول الإسلام اللفظي الإسلام القولي. وفي النهاية سوف ترى أن كل ما وراء ذلك يترتب على هذه المقولة ويأتي عليها تباعاً بمراحل كما الابتدائية والمتوسطة وثانوي وكلية وجامعة ودكتوراه والخ. البداية الابتدائي من دون الابتدائي لا يمكن أن تصل لا يمكن أن تقفز رأساً للثانوي أو الكلية لا بد من الابتدائي.(1/25)
الابتدائية في الإسلام (لا إله إلا الله) إذا قلتها بلسانك تكتسب جميع الحقوق وما من حق أحد أن يقول أنت كاذب أبداً والنبي صلى الله عليه وسلم رأى واحداً قتل واحداً بالقتال وكان ذلك المشرك يقاتل قتال المستبسلين فلما صرعه المسلم وأوشك أن يهوي عليه بالسيف قال لا إله إلا الله لكن هذا السيف سبق وقتله فغضب عليه النبي غضباً شديداً قال له( أقتلته وقد قالها؟!) وكررها حتى خاف المسلم فقال (يا رسول الله إنما قالها فرقاً من السيف) خوفاً من السيف قال (أشققت عن قلبه؟) يا الله! دستور ما يقبل خطأ هذا ما فيه احتمال ولا شبهة ولا اشتباه ولا اجتهاد إذا قال لا إله إلا الله كُفّ عنه (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا {94} النساء) هذا الخطوة الأولى الإسلام القولي. بعدها تأتي الخطوة الثانية وهي الإيمان وهو إيمان عام (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ {14} الجن) إسلام قولي (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) ماذا قال فرعون وهو يغرق؟ (قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} يونس) (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ {2} الحجر) هذا الإسلام القولي مقابل الكفر، كفر وإسلام كفر وإسلام، كفر يعني يقول لك أنا لا أعبد الله وإسلام يقول - وليس يعتقد - يقول فنحن لا يعنينا ماذا في قلبه يقول أنا أعبد الله وحده لا شريك له إذا صار هذا القول تصديقاً صار إيماناً.(1/26)
الفرق بين الإسلام والإيمان هو هذا، الإسلام يتطور حتى يصبح مصدَّق مصدق أن يكون دخل بلسانه ثم قرأ وقال والله أبداً لا إله إلا الله فعلاً والله هو الخالق الرازق وما في غيره ولا أشرك به شيئاً وكل ما عداه باطل، اقتنع صار مؤمناً عاماً هذا الذي صار مؤمناً عاماً الله قال (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ {25} البقرة) كلما تقرأ (آمنوا وعملوا الصالحات) هذا الذي كان مسلماً بلسانه صدق قلبه واعتقد ثم صدق بقلبه وصار عملي يؤدي الصلوات ويؤدي الزكاوات صار مؤمناً عاماً دخل في دائرة الإيمان لكن بدون رتبة، يعني أنت في الجيش لكن بدون رتبة لكنك في الجيش أصبحت مقبولاً (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {82} البقرة) (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ {45} البقرة) يعني هذا خطاب لشخص مصدق روح صلي روح صوم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ {183} البقرة) (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا {103} النساء) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ {254} البقرة) كل العبادات التي تترتب على الإسلام بدأ هذا الذي أسلم بلسانه يعتقد بأن ما يفعله صحيحاً وأن عليه واجبات فهذا فدخل في حظيرة الإيمان العام صار من ضمن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا {200} آل عمران) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ {135} النساء) يعني الحلال والحرام يعني هذا الرجل آمن بقلبه وبدأ يعمل الحلال والحرام هذا مؤمن عام.(1/27)
إذاً المرحلة الأولى الإسلام القولي والمرحلة الثانية انتقال إلى الإيمان بالتصديق والعمل هذا المؤمن العام يترقى حتى يصير مؤمناً خاصاً إتباعه للنبي إتباعاً واضحاً (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ{31} آل عمران) كيف نعرف هذا؟ إذا امتدحه الله في الكتاب العزيز. رب العالمين امتدح شرائح من المؤمنين مدحاً عظيماً وأعطاك مواصفاتهم، أعطى مواصفاتهم حينئذٍ هذا المؤمن الخاص الذي يبدأ تعامله مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تطبيقاً من الآن رجلاً يتبع (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) إتباع مع ورع وحينئذٍ هذا صار من الوجهاء من المقدّمين في الطريق إلى الله في النهاية إذا استمر سيصل إلى أعلى الدرجات.
آية (14):
*مادلالة اختلاف الفاصلة القرآنية بين قوله تعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) الكافرون) و (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14) الزمر)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/28)
في سورة الكافرون قال تعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)) حذف ياء المتكلم، خارج القرآن يمكن أن نقول (ولي ديني)، وفي سورة الزمر (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14)) ذكر الياء ولم يحذفها مع أن فواصل سورة الزمر شبيهة بآيات الكافرون، هذه الآية تختلف عما قبلها وما بعدها (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14)) وبعدها قال (فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)) الذي قبلها وبعدها يختلف ولا فرق بينها وبين سورة الكافرون إنما على نسق واحد ومع أن الكلمة نفسها ديني ودين وكلتاهما فيه ياء المتكلم أحدهما محذوف والأخرى غير محذوفة وفواصل الآيات متشابهة ما قبلها وما بعدها مثل آية الكافرون.(1/29)
أولاً ننظر في سياقها وهنالك عدة أمور سببت في ذكر وحذف ياء المتكلم هنا وهناك: نلاحظ أن الكلام على الدين في آية الزمر أطول أما في الكافرون فهي آية واحدة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) هذه الآية الوحيدة في ختام السورة، الكلام في الزمر أطول وأكثر فيما يتعلق بالدين قال تعالى (مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ) ، (مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي) حتى سورة الزمر من البداية تتكلم عن الدين (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ (3)) إذن الكلام على الدين وجو السورة وسياق الآيات أكثر في الكلام على الدين، هذه آية واحدة وهذه آيات متعددة قبلها وبعدها حتى في أول السورة ذكر هذا الأمر، هذا أولاً فإذن الكلام أطول على الدين في سورة الزمر و(ديني) أطول من (دين) لذا ناسب أن يذكر (ديني) في سورة الزمر من حيث الطول هذا أولاً.(1/30)
ثم نأتي للسمة التعبيرية وقلنا في أكثر من مناسبة أن هنالك سمة تعبيرية للسياق أو للسورة ولو نظرنا إلى ضمير المتكلم في سياق آية الزمر وضمير المتكلم في سياق سورة الكافرون سورة الكافرون كلها فيها سبعة ضمائر للمتكلم (لا أعبد مرتين، ولا أنا، عابد (فيها ضمير مستتر)،) فيها سبع ضمائر، الثلاث آيات في سورة الزمر (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14)) فيها ثلاثة عشر ضميراً أما الكافرون ففي السورة كلها سبع ضمائر، هذه الآيات الثلاث فيها ثلاثة عشر ضميراً (إني، أُمرت، أعبد، مخلصاً، وأُمرت، أكون، إني، أخاف، عصيت، ربي، أعبد، مخلصاً، ديني) هذه سمة تعبيرية، تقريباً ضعف الضمائر في سورة الكافرون فذكر الياء مع السمة التعبيرية للسياق، هذا أمر آخر. من ناحية أخرى سورة الكافرون هي ترك للعبادة (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)) إذن هي متاركة وترك العبادة أما الزمر فهي في العبادة والأمر بالعبادة وليس لترك العبادة (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)). في الكافرون ترك العبادة وهنا إثبات العبادة والأمر بها، أيها الأيسر الترك أو العمل؟ ترك الصلاة أو الصلاة؟ الأيسر ترك الصلاة لأن العبادة أشق (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ (65) مريم)، ترك الصيام أيسر من الصيام والحذف أخف من الذكر فمع المتاركة الخفيف حذف ومع الثقيل والمشقة ذكر. هذه الظاهرة إسمها مناسبة الشيء للحدث.(1/31)
هذا مقتضى الحال والبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال. النفي هو عدم حصول الشيء (لا أعبد) إذن سورة الكافرون هي نفي أما الزمر فهي إثبات أو أمرٌ بالإثبات (فاعبد الله) إذن الكافرون هو نفي للحدث أما الزمر فهي إثبات أو أمر في الإثبات فأثبت الياء لما صار إثبات وحذفها لما صار عدم ذكر ونفي.
يجوز في اللغة أن يقول في سورة الكافرون (ولي ديني) لكن نحن نتحدث عن البلاغة وعن المناسبة، لماذا حذف ولماذا اثبت هذه مراعاة لمقتضى الحال هي ليست فقط مسألة تناسب صوتي مع أنه موجود لكن أحياناً يغاير التناسب الصوتي ما قبلها وما بعدها. المشركون كانوا يفهمون أكثر مما نفهم قطعاً ويعلمون أكثر مما نعلم ولذلك هم نأوا عن الإتيان بمثل سورة الكافرون أو الكوثر أو غيرها مع أن الله تعالى تحداهم بسورة وهم نأوا عن ذلك.
آية (16):
*ما دلالة (من) في الآية؟(د.فاضل السامرائى)
إذن (من) لابتداء الغاية (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ (75) الزمر) ليس هنالك فراغ بين العرش والملائكة. (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ (16) الزمر) مباشرة عليهم لو قال فوقهم تحتمل بُعد المسافة.
آية (17):
*انظر آية (10).???
*ما معنى كلمة الطاغوت؟ وهل هي موجودة في لغة العرب؟(د.فاضل السامرائى)(1/32)
الطاغوت: الطاغوت يذكرون له معاني، هو من الطغيان، اشتقاقه العربي من الطغيان، فِعلها طغى (وعندنا فعلوت، أصلها طغووت ثم صار بها إبدال، هذه مسائل صرفية لا نريد أن ندخل فيها)، عندنا مصادر على فعلوت مثل الملكوت والجبروت (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) يس) ورهبوت وهي عندنا في العربية وهي مصادر تدل على المبالغة كما في الحديث " جللت الأرض والسماء بالعزّة والملكوت". طاغوت من هذه الأوزان لكن صار فيها تداخل صرفي وإبدال كلمة (أصلها طغووت على وزن فعلوت). هي من الطغيان، من الفعل طغى. كل رأس في الضلال يسمى طاعوت (ما عُبِد من دون الله) حتى الساحر يسمى طاغوت والكاهن والصنم وفي العربية المارد من الجن يسمى طاغوت وهي عامة وكلمة طاغوت تستعمل للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع. للمفرد طاغوت وللجمع طاغوت وللمذكر طاغوت وللمؤنث طاغوت. عندنا جمع (طواغيت) وعندنا طاغوت مثل الطفل يُجمع على طفل وأطفال وضيف يجمع على ضيف وضيوف وخصم قد يكون مفرد وقد يكون جمعاً عندنا كلمات قد تكون جمع وقد تكون مفرد حتى كلمة عدو وأعداء، عدو مفرد وجمع عندنا كلمات تكون الكلمة تعبر عن المفرد والجمع بحسب السياق الذي وردت فيه ومنها طاغوت..
الطاغوت تستعمل للمفرد والجمع والمذكر والمؤنث فنقول هذا طاغوت وهذه طاغوت. حتى في القرآن الكريم استعملها عدة استعمالات، إستعملها مفرد واستعملها جمع:(1/33)
o (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ (256) البقرة) هذا جنس عام، (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ (257) البقرة) هنا الطاغوت جمع لأن للمؤمنين وليّ واحد وهو الله سبحانه وتعالى (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ) أما الكافرون أولياؤهم متعددون الشياطين وغيرهم لذا قال تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) للمؤمنين ولي واحد وهو الله تعالى صحيح المؤمنين بعضهم أولياء بعض لكن الولي الواحد هو الله تعالى والكفرة أولياؤهم متعددون لذا لم يقل وليهم الطاغوت.
o مثال آخر (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ (60) النساء) مفرد، لماذا مفرد؟ لو نرجع إلى سر النزول سنفهم، أصل النزول: إختصم أحد المنافقين مع يهودي فاليهودي قال نحتكم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال المنافق نحتكم إلى كعب بن الأشرف (يهودي) فالمنافق الذي يزعم أنه آمن بالله والرسول - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يحتكم إلى يهودي واليهودي يريد أن يحتكم إلى رسول الله كأنه متأكد أن الحكم له، ففي الآية هنا طاغوت واحد (كعب بن الأشرف) فلذلك قال تعالى (وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ).
o مثال آخر للجمع والمؤنث: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا (17) الزمر) هنا الطاغوت ليس مفرد وإنما مؤنث جمع أي الأصنام، كيف عرفنا أنها جمع؟ بدليل قوله تعالى في الآية (فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ (15) الزمر) صار تعددية. فإذن الطاغوت مفرد، جمع، مذكر، مؤنث واستعملت كلها في القرآن الكريم.
آية (19):
*ما معنى حق القول؟(د.فاضل السامرائى)(1/34)
حق القول في القرآن معناه ثبت لهم العذاب. القول هو قوله تعالى (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة). كلمة حق القول إشارة إلى حق القول مني. الذي ورد في القرآن الكريم طبعاً عموم النحاة كلهم يذكرون أن حق القول المقصود به (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) أو (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) ص) حق القول في القرآن الكريم وكذلك حقت الكلمة لم ترد إلا في ثبوت العذاب هذا يمتد في جميع القرآن استقصاء بإلا بمعنى وجب لهم العذاب أو ثبت لهم العذاب مثال (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) يس) (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) الصافات) (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ (19) الزمر) (وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) الزمر) كلها لم ترد في القرآن لم ترد إلا بهذا المعنى وهذه الدلالة، حق القول أو حقت الكلمة لم ترد إلا بهذه الدلالة.
آية (20):
*ما الفرق بين ذكر الياء وعدم ذكرها في سورة الزمر (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)) (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (20))؟(د.فاضل السامرائى)(1/35)
هذه ظاهرة في القرآن. عبادي وعبادِ أيها الأكثر حروفاً؟ عبادي. كلما يقول عبادي يكون أكثر من عبادِ مناسبة لسعة الكلمة وطولها وسعة المجموعة. (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الذين اسرفوا كثير (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف) (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ) (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ (116) الأنعام) فقال يا عبادي.
(فبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) أي الأكثر في العدد؟ الذين أسرفوا أكثر من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه فجاء بما هو أكثر (عبادي). ما قال يستمعون الحسن وإنما أحسنه وهؤلاء أقل.
((1/36)
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ (186) البقرة) كل العباد تسأل، هذا لا يخص عبداً دون عبد إذن هي كثيرة. (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء) كل العباد مكلفين أن يقولوا التي هي أحسن. (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) كثير، (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر) المؤمنون أكثر من المتقين لأن المتقين جزء من المؤمنين. مع المؤمنين جاء بـ (عبادي) بالياء ومع المتقين جاء بـ (عبادِ) بدون ياء. حتى نلاحظ نهاية الآية غريبة عجيبة (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) العنكبوت) وفي الثانية (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) في الأولى قال كل نفس ذائقة الموت، أما في الثانية فهنا الصابرون وهؤلاء أقل فجعلهم مع عبادِ الذين هم قِلّة، وكل نفس جعلها مع عبادي الذين هم كثرة. إذن في القرآن الكريم حيث قال عبادي بالياء هم أكثر من عبادِ بدون ياء.(1/37)
ولم تحذف هنا الياء للضرورة مع أن العرب تحذف الياء من الإسم والفعل كما في قوله (قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ (64) الكهف) (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا (65) يوسف) مرة تذكر ومرة تحذف عموماً تجري على لسانهم وليس لها ضابط (وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ (97) الإسراء) (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي (178) الأعراف) في الفعل والإسم (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ (20) آل عمران) (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي (108) يوسف) لكن كيف يستعمل القرآن هذا الأمر الجاري على لسان العرب وكيف يستخدمها هذه هي البلاغة.
آية (21):
* هل الماء والغيث كلاهما مطر؟ (د.فاضل السامرائى)(1/38)
ذكر الغيث في آية الحديد وماء في آية الزمر وهناك فرق بين الماء والغيث لكن الماء والغيث في الآيتين هو ما ينزل من السماء لكن هذا الماء الذي ينزل من السماء قد يكون غيثاً وقد يكون مطراً بحسب التعبير القرآني. المطر يستعمله الله سبحانه وتعالى في العقوبات (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) الأعراف) لم يستعمل القرآن المطر إلا في العقوبة (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (40) الفرقان) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) الحجر) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (173) الشعراء) أما الغيث فيستعمله في الخير. هذا في الاستعمال القرآني أما في الحديث فاستعمل المطر للخير ولكن للقرآن خصوصية في الاستعمال اللغوي نخصص لها إن شاء الله تعالى حلقات لنتحدث عنها لأنه موضوع كبير. والعرب فهمت هذا الفرق من الاستعمال. (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) الشورى). إذن في القرآن الكريم يذكر المطر للعذاب.
*ما الفرق بين السلوك و الدخول؟(د.فاضل السامرائى)
السلوك أيسر من الدخول (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (69) النحل)أيسر، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ (21) الزمر) أيسر.
*ما الفرق بين قوله تعالى فى الحديد(ثم يكون حطاماً) وقوله (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا (21) الزمر) ؟(د.فاضل السامرائى)(1/39)
لو عدنا إلى السياق وقراءة كل آية يتضح الفرق. فى آية الحديد كل الكلام عن الغيث وما يخرج منه. في آية الزمر قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ) هو الذي أنزل ما قال في آية الحديد أنزل غيثاً وإنما قال (كمثل غيث) لم ينسبه إلى نفسه سبحانه، (فسلكه ينابيع في الأرض) الله سبحانه وتعالى هو الذي سلكه، (ثم يخرج به زرعاً) الله سبحانه وتعالى يُخرِج، (ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يجعله حطاماً) الذي أنزل من السماء ماء وسلكه ينابيع في الأرض وأخرج به الزرع هو الذي جعله حطاماً. ولو قال يجعله حطاماً في آية الحديد ليس هناك إسناد لله سبحانه وتعالى أما في سورة الزمر فالاسناد لله تعالى ابتداء من أول الآية إلى آخرها هو الذي جعله حطاماً. في آية الحديد ليس هناك إسناد لله تعالى أما في الزمر فالاسناد لله تعالى ابتداء.
آية (23):
*ما الفرق بين الخشية والخوف والوجل؟ (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (35) الحج) (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ (23) الزمر) (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ (50) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)(1/40)
الخوف توقع أمر مكروه يخاف من شيء أي يتوقع أمر مكروه لأمارة معلومة فيخاف شيئاً. الخشية خوف يشوبه تعظيم ولذلك أكثر ما يكون ذلك إذا كان الخاشي يعلم ماذا يخشى ولذلك قال تعالى (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء (28) فاطر) أكثر من يكون الخشية عن علم مما يخشى منه، لماذا يخشى؟ هنالك مسألة يعلمها تجعله يخشى فلذلك قال تعالى (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) لأن العلماء أعلم بربهم من غيرهم فهم أكثر الناس تعظيماً لله عز وجل. وقسم قال الخشية أشدّ الخوف.(1/41)
نلاحظ أمرين: هم يقولون الخوف توقع أمر مكروه وعندنا آيتان توضحان المسألة: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175) آل عمران) و (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ (3) المائدة) ننظر كيف استعملت الآيتان في القرآن الكريم: آية آل عمران في سياق توقع مكروه، في سياق القتال، توقع مكروه في سياق القتال (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175) آل عمران). الخشية أشد الخوف، في مقام أشد الخوف، ثم هي في مقام توقع سياق مكروه فقال (فلا تخافوهم وخافون). والآية الأخرى (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) ليس هناك توقع مكروه فقال (فاخشوهم). في توقع مكروه قال فلا تخافوهم ولما لم يكن توقع مكروه قال فاخشوهم. (قد جمعوا لكم فاخشوهم) أشد الخوف. هذه اللغة، الخشية أشد الخوف وفي بعض السياقات تحتمل الخوف الذي يشوبه تعظيم والسياق هو الذي يحدد.(1/42)
الوجل يقولون هو الفزع ويربطونه باضطراب القلب تحديداً كضربة السعفة (سعفة النخل) كما قالت عائشة رضي الله عنها "الوجل في قلب المؤمن كضربة السعفة" ويقولون علامته حصول قشعريرة في الجلد(تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ (23) الزمر). وقالوا الوجل هو اضطراب النفس ولذلك في القرآن لم نجد اسناد الوجل إلا للقلب. إما للشخص عامة (قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52) الحجر) أو للقلب خاصة (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (35) الحج) فقط أسند للقلب في حين أن الخوف والخشية لم يسندا للقلب في القرآن كله. الوجل في اضطراب القلب تحديداً (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (60) المؤمنون). وترتيب هذه الكلمات هو: الخوف، الخشية، الوجل.
آية (30):
*لماذا في سورة المؤمنون آية 15 و 16 جاء توكيدان في الموت وتوكيد واحد فى سورة الزمر(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ {30}) ؟(د.فاضل السامرائى)(1/43)
مسألة التوكيد أولاً تعود للسياق ومع أنه أكد الموت توكيدين في آية سورة المؤمنون (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ {15} ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ {16}) ومرة واحدة في آية سورة الزمر (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ {30}) ولم يذكر اللام هنا والسبب أنه ذكر الموت في سورة المؤمنون 10 مرات بينما ذكر في سورة الزمر مرتين فقط وتكررت صور الموت في سورة المؤمنون أكثر منها في سورة الزمر ففي سورة المؤمنون الكلام أصلاً عن خلق الإنسان وتطويره وأحكامه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}).
*ما الفرق بين كلمة (ميت) و(ميّت) في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
كلمة (ميْت) بتسمين الياء تقال لمن مات فعلاً مثال ما جاء في سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {12}) ولذا جاء في القرآن الكريم تحريم أكل لحم الميتة بتسكين الياء وقد تكون حقيقة أو مجازاً. أما الميّت فقد يكون لمن مات أو من سيموت بمعنى من مآله إلى الموت حتماً كما في قوله تعالى في سورة الزمر (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ {30}).
آية (31):
*ما اللمسة البيانية في كلمتي يخصّمون ويسّمعون وما الفرق بين يخصّمون ويختصمون؟(د.فاضل السامرائى)(1/44)
يخصّمون أصلها يختصمون فصار إبدال التاء صاد وإدغام وهذا إبدال وإدغام جائز من حيث التكوين الصرفي. يسّمعون أصلها يستمعون صار فيها إبدال أيضاً. هذا من حيث التكوين الصرفي يبقى من حيث التكوين البياني. ذكرنا أن يتفعلون التي هي الأصل أطول ويفّعّل فيها مبالغة لأن فيها تضعيفين، ذاك من حيث الزمن أطول (يتفعل) وهذه فيها مبالغة في الحدث لأن فيها إدغام (يخصّمون، يسّمعون). لماذا قال (وهم يخصّمون)؟ الكلام عن الساعة (مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) يس) الكلام عن الساعة تأخذهم وهم يخصمون اي وهم منهمكون في أمور الدنيا في الخصومة في الدنيا لكنها لا تنقضي الخصومات تأخذهم رأساً قبل أن تنتهي الخصومات بينهم لأنه في الحديث الساعة تأخذهم فلا يرفع من يأكل اللقمة إلى فيه، قبل أن تصل اللقمة إلى فيه والمتبايعان تأخذه الساعة قبل إنهاء البيع. إذن مبالغة في الاختصام في الدنيا على أقصى حال لكنها تذهب رأساً قبل أن يتموا ذلك. بينما قال في مكان آخر (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) الزمر) لم يقل تخصمون لأن تلك فيها إقامة حجة وقضاء وسماع كلام القاضي والشاهد مسألة طويلة ثم يخصّمون في الدنيا ليس كلها فيها فصل وقضاء فإذن فيها مبالغة ولكن فيها سرعة قبل أن تنتهي الخصومة تقوم الساعة عليهم الآكِل لا يستطيع أن يوصل اللقمة إلى فمه والمتبايعان قبل أن تنتهي البيعة تأخذهم وهم يخصمون. وكذلك (يسّمعون) فيها مبالغة (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ (8) الصافات) يعني يريدون أقصى التسمع في أقصر وقت فقال يسّمعون لأن تسّمع يحتاج وقت طويل وهم يريدون الوقت القصير.
آية (38):(1/45)
*قال تعالى فى سورة يس (إن يردن الرحمن بضر) وقال في الزمر (إن أرادني الله) فما الحكمة في اختيار صيغة الماضي فى الزمر واختيار صيغة المضارع فى يس؟ وذكر المريد بإسم الرحمن فى الحديد وذكر المريد بإسم الله فى الزمر؟ (د.فاضل السامرائى)
نقول أما الماضي والمستقبل فإن (إنْ) في الشرط تصير الماضي مستقبلاً وذلك لأن المذكور ههنا من قبل بصيغة الاستقبال في قوله (أأتخذ) وقوله (ومالي لا أعبد) والمذكور هناك من قبل بصيغة الماضي في قوله (أفرأيتم) وكذلك في قوله تعالى (وإن يمسسك الله بضر) لكون المتقدم عليه مذكوراً بصيغة المستقبل وهو قوله (من يُصرف عنه) وقوله (إني أخاف إن عصيت) والحكمة فيه هو أن الكفار كانوا يخوفون النبي صلى الله عليه وسلم بضر يصيبه من آلهتهم فكأنه قال: صدر منكم التخويف وهذا ما سبق منكم. وههنا ابتدأ كلام صدر من المؤمن للتقرير والجواب ما كان يمكن صدوره منهم فافترق الأمران".
والذي يترجح عندنا أن الفعل المضارع مع الشرط كثيراً ما يفيد افتراض تكرر الحدث بخلاف الفعل الماضي فإنه كثيراً ما يفيد افتراض وقوع الحدث مرة كما قال تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها (93) النساء) وقال (ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة (92) النساء) فجاء مع القتل المتعمد بالفعل المضارع لأنه يفترض فيه تكرر الحدث إذ كلما سنحت للقاتل فرصة قتل مؤمناً بخلاف قتل الخطأ فإنه لا يفترض تكرره.
لم قال تعالى فى سورة يس (إن يردن الرحمن بضر) فأسند الإرادة إلى الرحمن وقال في الزمر (إن أرادني الله بضر) فأسند الإرادة إلى الله؟
? إن القائل في سورة يس يتوقع وقوع الضرر عليه وتطاوله فذكر إسم الرحمن كأنه يلوذ به ويعتصم وهو بمثابة سؤاله الرحمة بخلاف ما في الزمر فإنه ليس الأمر كذلك ولا يتوقع نحو هذا. هذا من ناحية .(1/46)
? ومن ناحية أخرى أنه حسن ذكر إسم الرحمن مع الشفاعة في سورة يس فقال (إن يردن الرحمن بضر فى تغن عني شفاعتهم شيئاً) لأن الشفيع إنما يستدر رحمة من يشفع عنده والمتصف بالرحمة قد يقبل شفاعة من ليس له جاه كبير عنده أما هؤلاء الآلهة فلا تنفع شفاعتهم حتى مع الرحمن إذ ليس لهم جاه البتة وهذا أبلغ في إسقاط وجاهة هؤلاء.
? ثم من ناحية ثالثة أنه ورد إسم الرحمن في سورة يس أربع مرات ولم يرد في سورة الزمر ولا مرة واحدة وورد إسم الله في سورة الزمر تسعاً وخمسين مرة وورد في سورة يس ثلاث مرات فقط فناسب ذكر إسم الله في الزمر والرحمن في يس.
قال تعالى في يس (لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) فاستعمل ضمير الذكور العقلاء في (شفاعتهم) وفي (ينقذون). وقال في سورة الزمر (هل هن كاشفات ضره) و (هل هن ممسكات رحمته) بضمير الإناث فما الفرق؟
والجواب أن ضمير الإناث يستعمل للإناث ويستعمل لجمع غير العاقل مذكراً كان أو مؤنثاً فتقول الجبال هن شاهقات والجبال جمع جبل وهو مذكر غير عاقل غير أننا نستعمل له ضمير الإناث. قال تعالى (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج (197) البقرة). فقال في الأشهر (فيهن) والأشهر جمع شهر والشهر مذكر غير عاقل فاستعمل له ضمير الإناث. فضمير الإناث يستعمل للإناث ولجمع غير العاقل مطلقاً. وكذلك جمع المؤنث السالم فإنه يستعمل جمعاً للمؤنث بشروطه ويستعمل أيضاً لجمع المذكر غير العاقل إسماً أو وصفاً نحو جبال شاهقات وشاهقات وصف لمذكر غير عاقل وأنهار جاريات وجاريات وصف لأنهار مفردها نهر وهو مذكر غير عاقل. والإسم المذكر غير العاقل قد يجمع وجمع مؤنث سالماً إذا لم يسمع له جمع تكسير نحو حمّامات جمع حمام واصطبلات جمع اصطبل. وأما ضمير جماعة الذكور نحو (هم) و(الواو) في نحو (يمشون) فهو خاص بجماعة الذكور العقلاء أو ما نزل منزلتهم.(1/47)
وبعد بيان هذا الأمر نعود إلى الآيتين: قال تعالى في الزمر (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) ومن النظر في هذه الآية يتضح ما يأتي:
1. قال (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله) فجعل آلهتهم لا تعقل وذلك أنه استعمل لها (ما) فقال (ما تدعون) و(ما) تستعمل في العربية لذات ما لا يعقل.
2. جاء بضمير الإناث (هن) فقال (هل هن) وهذا الضمير إما أن يكون للإناث أو يستعمل لجمع غير العاقل مذكراً أو مؤنثاً كما ذكرت فجعلهم غير عقلاء وهو متناسب مع (ما) التي هي لغير العاقل.
3. جاء بجمع المؤنث السالم وهو كما ذكرنا إما أن يكون للإناث أو لصفات الذكور غير العقلاء فجعلهم غير عقلاء.
4. هذه الآية نزلت في المجتمع الجاهلي والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى فيهم (إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريدا (117) النساء) فذكر أن ما يدعون من دون الله إنما هي إناث وقد روي عن الحسن "أنه كان لكل حيّ من أحياء العرب صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان... وقيل كان في كل صنم شيطانة". "وقيل كانوا يقولون في أصنامهم هي بنات الله" وكانوا يسمون كثيراً منها باسماء مؤنثة كاللات والعزى ومناة فناسب التأنيث من كل جهة، من جهة أنها غير عاقلة ومن جهة أن لها أسماء مؤنثة أو يرون أنها إناث.(1/48)
وقال في يس (إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) فاستعمل ضمير العقلاء ذلك لأنه قال (لا تغن عني شفاعتهم) والشفيع لا بد أن يكون عاقلاً وإلا فكيف يشفع؟ ولذلك قال في الزمر (أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون (43)) فجاء بضمير جماعة الذكور للدلالة على أنه لا يكون الشفيع إلا عاقلاً. ثم نفى الشفاعة مع عدم العقل فقال (قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون) فاستعمل ضمير العقلاء مع الشفاعة.
ثم قال (ولا ينقذون) والمنقذ لا بد أن يكون عاقلاً أيضاً وإلا فكيف ينقذ؟ ولذلك قال في سورة يس (واتخذوا من دون آلهة لعلهم ينصرون* لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون) فاستعمل ضمير جماعة العقلاء وهو قوله (لا يستطيعون) و (هم) لأن الناصر لا بد أن يكون عاقلاً وهو كالمنقذ. وهذه الاية نظيرة الآية السابقة فناسب كل ضمير مكانه اللائق به.
آية (39):
*ما وجه الإختلاف من الناحية البيانية بين قوله (فسوف تعلمون) في سورة الآنعام والزمرو(سوف تعلمون) في سورة هود؟(د.فاضل السامرائى)(1/49)
قال تعالى في سورة الأنعام (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {135}) وسورة الزمر (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ {39}) وقال في سورة هود (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ {93}) وعلينا أن نلاحظ القائل في كلا الآيتين ففي آية سورة الأنعام الله تعالى هو الذي أمر رسوله بالتبليغ أمره أن يبلغ الناس كلام ربه وهذا تهديد لهم فأصل التأديب من الله تعالى أما في آية سورة هود فهي جاءت في شعيب وليس فيها أمر تبليغ من الله تعالى فالتهديد إذن أقل في آية سورة هود ولهذا فقد جاء بالفاء في (فسوف تعلمون) في الآية التي فيها التهديد من الله للتوكيد ولما كان التهديد من شعيب حذف الفاء (سوف تعلمون) لأن التهديد أقل.
آية (41):
*انظر آية (2).???
آية(42):
*ما الفرق بين الموت والوفاة في سورة الزمر (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42))؟(د.حسام النعيمى)
الوفاة: يقولون وفّى ماله من الرجل أي استوفاه كاملاً غير منقوص أي قبضه وأخذه فلما يقال توفي فلان كأنه قُبِضت روحه كاملة غير منقوصة.(1/50)
والموت هو مفارقة الحياة وليس فيها معنى القبض ولذلك يستعمل لفظ الموت أحياناً استعمالات مجازياً يقال ماتت الريح أي سكنت وهمدت والذي ينام مستغرقاً يقال له مات فلان اذا نام نوماً عميقاً مستغرقاً. هذا السكون للموت فكأن هذا الشيء الذي يفارق جسد الانسان بالمفارقة موت والذي توفّي تقبضه ملائكة الموت.
عندما نقول مفارقة الحياة او مفارقة الروح يمكن ان ننظر الى نوع من التفريق بين الحياة والروح. (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) لا نعلم ماهية الروح لكن هي يقيناً غير الحياة لأن الحيمن (الذي يتولد منه الكائن الحيّ عند الذكر) حيّ وفيه حياة وبويضة الأنثى فيها حياة وعندما يتم الاخصاب فهذا الشيء المخصّب فيه حياة وأول ما يحصل لهذا الشيء المخصب هو نبض قلبه ونبض القلب حياة لكن بعد شهرين أو أكثر تُنفخ فيه الروح لكن قبل ذلك كان فيه حياة فالحياة غير الروح.
النفس فيها معنى الشيء المحسوس لأن لها علاقة بالنَفَس والحركة. هل النفس هي الروح؟ لا ندري. قوله تعالى (الله يتوفى الأنفس حين موتها ) يمكن ان تكون الروح والتي لم تمت في منامها. يتوفّى: أي يقبضها كاملة غير منقوصة عندما تفارق جسدها أما الموت فهو مجرد مفارقة الروح للجسد والوفاة اشارة الى قبضها وأخذها. وكلام العرب لما يقولون توفى فلان دينه من فلان أي قبضه كاملاً أما مجرد الموت فليس فيه اشارة للقبض. يبقى سؤالان :
الأول لماذا استعمل الأنفس ولم يقل النفوس؟(1/51)
قال الأنفس وهي جمع قِلّة على وزن (أفعُل) لكن جمع القلة إذا اضيف أو دخلت عليه أل الاستغراق ينتقل الى الكثرة بمعنى لكل الأنفس. والفرق بين أل الاستغراق وأل التعريف أن أل التعريف تكون عادة للشيء المعهود فتقول مثلاً هذا كتاب جيّد ثم تقول قرأت الكتاب أي هذا الكتاب المعهود الذي تعرفه. أما أل الاستغراق فليس المقصود منه تعريف شيء معين وإنما للدلالة على شيء عام ( والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) الانسان تدل على أنه ليس انساناً معيناً بذاته وانما استغراق الانسان كجنس فيحسب كل انسان أنه خاسر فيتطلع الى الانقاذ فيأتيه الانقاذ في قوله تعالى(إلا الذين آمنوا). إذا أريد ذاتاً معينة تكون أل للتعريف كأن تكون لعهد ذهني أو عهد ذكري (يقال سأل عنك رجل ثم تقول رأيت الرجل تقصد به الرجل الذي سأل عنك) عُرِف من العهد المذكور سابقاً هذا العهد الذكري أما العهد الذهني فهو في الذهن حاضر كقوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه) الكتاب اي الكتاب المعهود في الذهن أنه الكتاب المقروء أي القرآن فهو حاضر في الذهن فيسمون العهد الذهني مُخصص. (واستعمال اسم الاشارة ذلك بدلاً من هذا تدل على التمييز ورفع شأنه وهي للاشارة للبعيد أما قوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) استعمال اسم الاشارة هذا للقريب يدل على موطن الحدث الآني).(1/52)
لما دخلت أل الاستغراق على أنفس نقلتها من جمع القلة الى الكثرة أما كلمة نفوس فهي ابتداء للكثرة فلماذا لم تستعمل إذن؟ لما رجعنا الى المواضع التي وردت فيها كلمة أنفس وكلمة نفوس في القرآن الكريم وفق ما جاء في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وجدنا أن كلمة أنفس وردت في 153 موضعاً على النحو التالي: معرّفة بأل الاستغراق في ستة مواضع ومضافة في المواضع الأخرى 147 موضعاً وجميعها للكثرة (49 أضيفت الى (كم) و91 أضيفت الى (هم) و4 مواضع اضيفت الى (هنّ) و3 مواضع اضيفت الى (نا)). صيغة الكثرة في نفوس وردت مرتين فقط ونسأل لماذا؟
نحن نقول دائماً أن كتاب الله عز وجل ليس من عند بشر والذي يقول أنه من عند محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو لم يقرأ القرآن الله تعالى عالم أن هذه اللفظة واردة في كتابه 150 مرة وسيقرأها العرب فاختار لهم اللفظ الخفيف (أنفس) للمواطن الكثيرة لأنه أخف من لفظ (نفوس). قد يقول قائل كيف؟ نقول أن الفتحة هي أخف الحركات والضمة أثقلها. وإذا نظرنا في كلمة أنفس ونفوس نجد أن كلمة أنفس فيها مقطعين الأول خفيف وحركته خفيفة (أَن) والثاني ثقيل وحركته ثقيلة ضمة (فُس) أما كلمة نفوس ففيها مقطعين كلاها فيه ضمة ثقيلة الأول (نُ) والثاني مبالغ في ثقلة (فُُوس) فإذن أنفس أخف من نفوس فاستعمل الخفيف للكثرة ونفوس للمرتين .
لماذا جاء لفظ الأنفس في موضعين فقط؟ هل هناك فارق دلالي؟(1/53)
قلنا هذان الموضعان هما موطن الثقل أما المواطن الأخرى فليس فيها ثقل. كلمة أنفس جمع قلة (عادة من 3 الى 10) وجمع الكثرة فيه قولان (من 3 فما فوق يتجاوز العشرة) وهذا ما نختاره ومنهم من يقول من أحد عشر فما فوق لكن من خلال استقراء كلام العرب وجد العلماء أن جمع القلة إذا أضيف أو دخله أل انتقل من القلة الى الكثرة. لم تستعمل كلمة أنفس مجردة من الاضافة أو بدون أل في القرآن (قد جاءكم رسول من أنفسكم) كثرة . وهنا يرد سؤال أجبنا عنه سابقاً لماذا حوّل جمع القلة بادخال أل أو الاضافة ولم يستعمل جمع الكثرة ابتداءً؟ لأن وزن أنفس أخف من نفوس ولكمة أنفس استعملت بكثرة في القرآن فاختير اللفظ الخفيف في جميع القرآن ولم يختر اللفظ الثقيل والخفة والثقل معتبران عند العرب فيرتاح اليه.
آية (49):
*انظر آية (8).???
آية (53):
*انظر آية (10).???
*انظر آية (20).???
آية (66):
*تقديم اللفظ على عامله: (د.فاضل السامرائى)
ومن هذا الباب تقديم المفعول به على فعله وتقديم الحال على فعله وتقديم الظرف والجار والمجرور على فعلهما وتقديم الخبر على المبتدأ ونحو ذلك. وهذا التقديم في الغالب يفيد الإختصاص فقولك (أنجدت خالداً) يفيد أنك أنجدت خالداً ولا يفيد أنك خصصت خالداً بالنجاة بل يجوز أنك أنجدت غيره أو لم تنجد أحداً معه. فإذا قلت: خالداً أنجدت أفاد ذلك أنك خصصت خالداً بالنجدة وأنك لم تنجد أحداً آخر.(1/54)
ومثل هذا التقديم في القرآن كثير: فمن ذلك قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) في سورة الفاتحة، فقد قدّم المفعول به إياك على فعل العبادة وعلى فعل الإستعانة دون فعل الهداية قلم يقل إيانا اهد كما قال في الأوليين، وسبب ذلك أن العبادة والإستعانة مختصتان بالله تعالى فلا يعبد أحد غيره ولا يستعان به. وهذ نظير قوله تعالى (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) الزمر ) وقوله (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) البقرة) فقدم المفعول به على فعل العبادة في الموضعين وذلك لأن العبادة مختصة بالله تعالى.
آية (67):
*ما دلالة جميعاً في قوله تعالى في سورة الزمر (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67))؟ (د.حسام النعيمى)
هذا الكلام على يوم القيامة والصورة التي ترسم صورة هيمنة لله سبحانه وتعالى لا يشركه فيها أحد ولو على سبيل المجاز والتسامح أو الكفر به سبحانه. في حياتنا الآن يمكن أن يقول لك كما قال النمرود لإبراهيم (أنا أحيي وأميت) يدّعي لنفسه شيئاً هو لله سبحانه وتعالى (قال ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت) يقول أنت محكوم بالإعدام فأبرّئه وأنت بريء فأقتله فانتقل إبراهيم إلى مسألة أخرى لا مجال فيها. في الدنيا يمكن أن يكون هناك نوع من الإدّعاء لكن في الآخرة لما يقول الباري عز وجل (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة) جميعاً هنا حال الواو هنا واو الحال (والأرض قبضته) مبتدأ وخبر، أي حال كونها مجتمعة بكل جزئياتها بمن فيها ومن عليها ومن فوقها ومن تحتها الأرض جميعاً هذه الكرة.(1/55)
قال (والأرض جميعاً قبضته) هذا كما قلنا وكرّرناه سابقاً : ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى، بصفاته وبما يُنسب إليه من مدلولات المسلمون فيه على قولين: منهم من يقول نُمِرّها هكذا وهم الجمهور يعني (والأرض جميعاً قبصته يوم القيامة) معناها: والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة وكفى وافهم منها ما تفهم.
وقلت أن الفريقان من أهل العلم والصلاح والتقوى والورع ويسع المسلم أن يأخذ بالقولين ونحن الآن بأمس الحاجة للرأي الآخر (قول التأويل) بسبب ترجمة هذه المعاني: العرب عندما تقول في قبضته أو تحت قبضته يعني هو تحت سيطرته. الآن نحن نستعملها يقال: صار في قبضة العدو ولا تعني القبضة أي جعله في راحته وأغلق يده عليه كلا وإنما تحت سيطرته ، تحت قوته، تحت قدرته بهذا المعنى نفهم (والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة) من غير منازع ولو على سبيل المجاز ولن نجد من يقول كما قال النمرود وأنا شعبي في قبضتي عندي حرس وشعبي في قبضتي. إذا كان من يقولها في الدنيا ففي الآخرة لن تجد من يقولها.
(وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) اليمين معناها القوة والقدرة عند العرب ولذلك قالوا: (مِلك اليمين) العرب لما تقول هو ملك يمينه لا يقصدون هذه اليد اليمنى وإنما في ملكه أي في قدرته وتصرفه لا يعنون يده. نهى علماؤنا إذا تكلمنا عن صفات الله سبحانه وتعالى أن نشير بأيدينا مثلاً عندما تقول قلب الرجل بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء لا يجوز أن تشير بأصابعك حتى لا يكون هناك تجسيد وإنما تقول بلسانك شفاهاً فقط.(1/56)
الطيّ معلوم. تطوي الورقة أي تقلب جزءاً على جزء وتجمعها في يدك. أيضاً فيها إشارة إلى معنى المِلك والقدرة والهيمنة الكاملة والسلطة الكاملة. لما يكون الشيء مطوي بيمينك أي تحت السيطرة. فإذن الأرض جميعاً والسموات جميعاً تحت قبضته وقلنا حتى نتبين عظم الصورة كل هذا الكون المنظور تحت السماء والأولى (ولقد زينا السماء الدنيا) حيثما كانت النجوم هي في السماء الدنيا كيف هي السماء الدنيا؟ لا ندري. الدكتور عبد المحسن صالح وهو أستاذ في جامعة الإسكندرية قال في كتباه "هل لك في الكون نقيض؟"وهو في علم الفلك هذا الكتاب، يقول تخيّل لو جمعت الأرض والكواكب والشمس وجُعلت كتلة واحدة أمكن أن تدفن في قشرة واحد من النجوم فتخيل عظمة ذلك النجم وتخيل من نحن حتى نفكر بذات الله سبحانه وتعالى وعظمته. وأذكر الذي كان يدرس على شيخه فأخذ ورقة وبدأ يقلب فيها وشيخه كان فيه كِبر قال الشيخ للتلميذ: ما تصنع؟ قال أريد أن أرى الأرض لملك الله، قال كهذه النقطة. فصار يقلّب فقال: ماذا تفعل؟ قال أفتش عنك يا سيدي. فكانت له بها عبرة. الآية لا توحي بأي إشارة للتجسيد ولذلك قال تعالى (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ينزّه الباري عز وجل عما يشركون.
آية (68):
*ما دلالة (إلا من شاء الله) في الآية (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) الزمر) ؟(د.حسام النعيمى)(1/57)
الكلام على مشهد من مشاهد يوم القيامة (ونفخ في الصور)، نلاحظ كلمة نُفِخ مبنية للمجهول لأن هناك من ينفخ بالصور والصور قالوا هو القرن المجوف مثل البوق ينفخ فيه، وعندنا في الأحاديث أنه ملك مخصص للنفخة الأولى (إسرافيل). (ونفخ في الصور) نلاحظ هنا أنه استعمل الماضي (نُفِخ) إشارة إلى التحقق (دلالة الماضي في الاستعمال القرآني إذا أراد التحقق يستعمل الماضي) وقع فعلاً وصار النفخ.
(فصعق من في السموات ومن في الأرض) ماضي أيضاً، يقول العلماء هنا إستعمل (من) التي هي للعاقل للشمول تشمل العاقل وغير العاقل. (ما لغير العاقل لكن أحياناً تستعمل للشمول أيضاً للعقلاء وغيرهم) وتأتي (من) للعاقل وغير العاقل، وقُدِّمت (من) لأن أصل القيامة لأجل محاسبة العقلاء. أما بقية المخلوقات وغير العقلاء سيصعق أيضاَ وفي الحديث أن الشاة الجمّاء تأخذ حقها من الشاة القرناء، يفصل بين الخلائق ثم يكونون جميعاً تراباً عدا هذا الخليفة وذريته يكون لهم حساب.
(فصعق) الصعقة بمعنى غُشي عليه أو مات، يقال صعق فلان أي غشي عليه، أغمي عليه وصعق فلان بمعنى مات وهنا بمعنى الموت أو غشي عليهم فماتوا حتى نجمع المعنيين. (فصعق من في السموات ومن في الأرض) يكون الهدوء عاماً عند ذلك.
((1/58)
إلا من شاء الله) هذه المشيئة المطلقة لله سبحانه وتعالى يختار من يشاء لعدم موته بتلك النفخة لأن هذا الذي ينفخ في الصور عقلاً لم يمت، لا يصعق هو، لكن قال العلماء بناء على الآثار أنه بعد أن يصعق كل من في السموات والأرض يموت. (إلا من شاء الله) هناك من سيجعلهم الله عز وجل ((من) تستعمل للواحد أو للجمع) لكن يمكن أن يكون الذي ينفخ في الصور حتى ينفخ النفخة الأخرى وقد يكون معه آخرون من الملائكة وليست حجة قوله تعالى (كل من عليها فان) لأن كل من عليها أي على هذه للأرض ولا يحتج بهذا كما يقول العلماء ونحن دائماً نحتج بقول العلماء حتى لا نأتي بشيء من عند أنفسنا. قد يأمر الله سبحانه وتعالى أن يموت بعد النفخة حتى لا يبقى سوى الله سبحانه وتعالى حيّاً ثم بعد ذلك يحييه ويأمره بالنفخة الثانية أو أنه لا يموت، ما عندنا دليل على أن الكل يموت، كل الملائكة الساجد والراكع في أنحاء المساء والأرض لكن يقيناً أهل الأرض جميعاً يموتون (كل من عليها فان) في السماء تبقى الملائكة ساجدة عابدة مصلّية مسبّحة وهذا الذي قلنا فيه أكثر من مرة أن هذا الذي يدخل في مساحة الغيب، لا يمنع أن هذا الملك النافخ سيموت بعد ذلك ولا يمنع أنه سيبقى فيتولى النفخة الأخرى فلما ينفخ النفخة الثانية فإذا هم قيام ينظرون، يقفون وأهم شيء عندهم التلفّت والنظر (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) لما يتلفت وينظر وإذا هذا الخلق كله يخرج من الأرض بهذه الصورة عند ذلك يتيقن الجميع أنه سيكون هناك حساب: المؤمن هو مطمئن والكافر يقول: من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، عند ذلك يؤمنون لكن لا فائدة من إيمانهم.
آية (70):(1/59)
*في سورة الزمر (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)) العمل جاء بصيغة الفعل الماضي وجاء فعل يفعلون بصيغة المضارع وهو يفيد الاستمرار والمستقبل فما الفرق بين العمل والفعل؟ ولماذا جاء العمل بصيغة الماضي بينما الفعل بصيغة المضارع؟(د.فاضل السامرائى)
الفعل والعمل سبق أن جاءت مناسبات وتعرضنا وقلنا العمل الأصل فيه أن يكون بقصد والفعل عام يصدر بقصد أو بغير قصد يصدر عن العاقل وغير العاقل عن الجماد والحيوان والإنسان، الفعل عام فعل الرياح، فعل الأنهار. العمل الأصل فيه أن يكون عن قصد فأكثر ما يكون للإنسان وقلما ينسب إلى حيوان، عموم العمل. إذن الفعل أعم والعمل أخص. (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)) هذا حساب، هو ختم الآية بالفعل ليدل على أنه سبحانه يعلم الفعل والعمل يعني يعلم ما فُعِل بقصد وما فُعل بغير قصد وعلمه ليس مختصاً بالعمل وإنما علمه يشمل العمل ويشمل الفعل ما فُعِل بقصد وما فُعِل بغير قصد يعلمهما جيمعاً. الفعل بقصد و بغير قصد والعمل بقصد والتوفية الحساب يكون عليه فلو قال (أعلم بما يعملون) سيكون العلم فقط يشمل الذي بقصد لكن لما قال (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) يعني ما فُعل بقصد أو بغير قصد يعلمهما معاً يعلم دواعي النفس هل هذا فُعِل بقصد أو فُعِل بغير قصد ولهذا قال (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) فجمع العلم ما وُفّي بعمله وما عُمل بغير قصد هذا صار أشمل يشمل العمل وغير العمل.(1/60)
يبقى السؤال الآخر (عملت ويفعلون، الماضي والمضارع) جرت الآية في ذكر أحوال الآخرة قال (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)) هذه في الآخرة إذن (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ (70)) في الدنيا ما سبق لها أن عملت في الدنيا. لما كان الكلام في أحوال الآخرة قال (مَّا عَمِلَتْ) سابقاً في الدنيا وإلا كيف تعمل بالآخرة؟! (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) هذا الكلام عن الآخرة سبقه الكلام عن الدنيا في الإخبار عن الآخرة قبلها قال (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)) الكلام في الدنيا، في الدنيا أخبر عما يجري في الآخرة (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) في الدنيا (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) في الدنيا، إذن هو يخبر عما سيجري في الآخرة إذن لما كان الكلام عن الآخرة (وَوُفِّيَتْ) قال (مَّا عَمِلَتْ) الآن إلتفت إلى الدنيا التي بدأ بها إذن هذه فيها التفات إلى الدنيا (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) لأنه صار الآن كلام في الدنيا إخبار عن الآخرة فما جاء في الآخرة قال (مَّا عَمِلَتْ) ولما التفت إلى الدنيا قال (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) حتى الآن ينتبهون هذا اسمه إلتفات إلى السياق الأول لأن السياق في أمرين في الدنيا في الإخبار عن الآخرة (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ثم في الآخرة فلما ذكر سياق الآخرة قال (مَّا عَمِلَتْ) ثم التفت إلى الدنيا إلى هؤلاء حتى ينصحهم حتى يتعظوا. إذن الفعل هنا يناسب الزمن الذي يعبر عنه أو يصوّره.(1/61)
آية (71)-(73):
*انظر آية (17). ???
*انظر آية (19).???
*لماذا استعمل القرآن كلمة سيق للكافرين وللمؤمنين في سورة الزمر؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الزمر (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ {71}) و (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ {73}) ليس غريباً أن يُؤتى بفعل يشمل الجميع فكل النفوس تُساق بدون استثناء كما في قوله تعالى (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ {21} سورة ق) لكن المهم أين يُستق كل مجموعة والجهة التي تساق إليها. إذن كلهم يساقون لكن المهم جهة السوق فهؤلاء يُساق بهم إلى الجنة وهؤلاء يُساق بهم إلى النار تماماً كما يستعمل القرآن كلمة ادخلوا فهي تقال للجميع لكن المهم أين سيدخلوا الجنة أو النار، وكلمة خلق أيضاً عامة للجميع وكذلك كلمة الحشر. فليس المهم لفعل وإنما متعلّق الفعل.
*(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) مريم) وفي سورة الزمر وردت كلمة سيق للكافرين والمؤمنين (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا (71) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (73)) فما دلالة تغير الفعل في آية مريم واستخدام نحشر ونسوق؟(د.فاضل السامرائى)(1/62)
أولاً ما الفرق بين الحشر وسيق؟ نحشر معناه نجمع، الحشر من معانيه الجمع (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) النمل) (فَحَشَرَ فَنَادَى (23) النازعات) (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111) الأعراف) الحشر له معاني. إذن معنى حشر جمع ربنا قال يوم الجمع يوم الحشر ويأتي بمعاني أخرى لكن المعنى المشهور جمع. السَوْق ليس بالضرورة جمع فقد تسوق واحد أو اثنين أو أكثر. هناك قال (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)) الوفد لا بد أن يكتمل أفراده، إذن هو بعد الاكتمال يصير الحشر، الوفد يجب أن يكتمل. أما في الزمر قال (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (73)) إذن ليسوا مجموعين، الزمر يعني جماعات جماعات، الزمرة الجماعة، زمراً يعني جماعات جماعات ليسوا وفداً مجموعين إلى أن يكتملوا فيصيروا وفداً فيحشرهم. يعني الذين اتقوا سيصبحوا زمراً لأنهم ليسوا بدرجة واحدة فيُساقون زمراً حتى إذا اكتملوا حُشِروا وفداً يصيروا وفداً الزمر ليس وفداً لا بد أن يكتمل. في مريم قال (إلى الرحمن) وليس إلى الجنة أما في الزمر فقال إلى الجنة (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (73)) الوفد للإكرام هذا بعد الحساب بعد أن يساقوا زمراً إلى الجنة يذهبون وفداً إلى الرحمن تكريماً لهم. مرحلة بعد مرحلة لا يصح أن نضع واحدة مكان أخرى، لا يجوز، الوفد لا بد أن يُجمَع فقال يحشر والسَوْق للزمر اكتمل هؤلاء المتقون يجمعهم فيحشرهم فيُذهَب بهم إلى الرحمن وفداً. هم بداية زمر جماعات سيقوا إلى الجنة اجتمعوا هناك فكوّنوا وفداً فحشروا إلى الرحمن. كل كلمة لها دلالتها.
سؤال: إذن كل كلمة فيها ملمح دلالي خاص بالمقام السياقي الذي يود الله تبارك وتعالى التعبير عنه؟.(1/63)
طبعاً. الاختيار لا يمكن أن يكون غير ذلك، من له معرفة بالبيان لا يمكن أن يختار غير ذلك. لا يجوز أن يقال وسيق الذين اتقوا إلى الرحمن وفداً
سؤال: هل العرب كانت تفهم وتميز بين كلمة وأخرى في تحديد دلالة معينة داخل السياق أم خذخ خصيصة من خصائص القرآن الكريم؟
فرق بين الإدراك والفهم وبين القدرة والمُكنة على الفعل بمثله، أنت ترى صنعة تعجبك لكن ليس باستطاعتك أن تعمل مثلها.
سؤال: هم يفهمون لكن لا يستطيعون أن يقولوا مثل هذا الكلام وهم أصحاب بيان وبلاغة لكن كل واحد على قدر ما أُوتي حتى تصل إلى المنتهى.
سؤال: من خلال اطلاعكم على التراث البياني والبلاغي في اللغة العربية ألم يثبت أن أحداً من الكفار وقت الرسول - صلى الله عليه وسلم - اعترض على كلمة من القرآن الكريم؟
أبداً والذين يعترضون اليوم لأنهم بين أمرين الجهل والحرب المقصودة قصداً.
*لماذ حذف كلمة ربهم في قوله تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)) في سورة الزمر وذكرها مع الذين اتقوا؟ (د.حسام النعيمى)(1/64)
ذكر ربهم مع الذين اتقوا ولم يذكرها مع الذين كفروا يتعلق بالحذف والذكر . في هذه الآية من سورة الزمر ذكر تعالى الذين كفروا عندما يساقون الى النار فهؤلاء لا يستحقون أن يرد معهم اسم الله سبحانه وتعالى فضلاً عن أن يذكر اسم الرب (ربهم) الذي يعني المربي والرحيم العطوف الذي يرعى عباده فلا تنسجم كلمة ربهم هنا مع سوق الكافرين الى جهنم وعدم ذكر كلمة ربهم مع الذين كفروا هو لسببين الأول أنهم يساقون الى النار وثانياً أنهم لا يستحقون ان تذكر كلمة ربهم معهم فلا نقول وسيق الذين كفروا ربهم الى جهنم لأن كلمة الرب هنا :ان فيها نوع من التكريم والواقع أنه كما قال تعالى (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) لكن مع المؤمنين نقول (وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة) ذكر كلمة ربهم هنا تنسجم مع الذين اتقوا. وفعل كفر يتعدّى بنفسه أو بحرف الجر وهنا لم يتعدى الفعل وهذا يدل على اطلاق الذين كفروا بدون تحديد ما الذي كفروا به لتدل على أن الكفر مطلق فهم كفروا بالله وبالايمان وبالرسل وبكل ما يستتبع الايمان.. (وسيق الذين كفروا الى جهنم زمراً) لم تذكر كلمة (ربهم) لأن الربوبية رعاية ورحمة ولا تنسجم مع السوق للعذاب ولا يراد لهم أن يكونا قريبين من ربهم لكنها منسجمة مع سوق الذين اتقوا ربهم الى الجنة فهي في هذه الحالة مطلوبة ومنسجمة. كلمة الرب فيها نوع من التكريم فلا تذكر مع الكافرين لكن مع المؤمنين تكون مطمئنة ومحببة اليهم (وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا) .(1/65)
وقد وردت كفروا ربهم في مواطن أخرى في القرآن لكن في هذا الموقع لم ترد لأنه لا تنسجم مع سوق الكافرين الى النار ولا بد أن ننظر في سياق الآيات فقد قال تعالى (ورتل القرآن ترتيلا) والترتيل في القرآن ليس هو النغم وإنما النظر في الآيات رتلاً أي آية تلو آية متتابعة لأنها مرتبطة ببعضها فإذا اقتطعت آية من مكانها قد تؤول وتفسّر على غير وجهها المقصود لكن إذا أُخذت في داخل سياقها فستعطي المعنى المطلوب الذي لا يحتمل وجهاً آخر. والبعض يتداول آيات خارج سياقها فتعطي معنى وفهماً غير دقيق للآية ولو أُخذت الآيات في سياقها لفهمناها الفهم الصحيح ولذا يجب أخذ الآيات في سياقها.
*ما دلالة ذكر الواو مع الجنة في الآية (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر) وعدم ذكرها مع أهل النار (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (71))؟(د.فاضل السامرائى)(1/66)
أولاً قال ربنا أن النار عليهم مؤصدة يعني أبوابها مغلقة سجن والسجن لا يُفتح بابه إلى لداخل فيه أو خارج منه، إذن جهنم مغلقة أبوابها (إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) الهمزة) لا تفتح إلا إذا جاؤوها لذلك قال (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (71)) لأنها كانت مغلقة. الجنة مفتحة أبوابها ليست مغلقة (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ (50) ص) (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) الواو هنا حاليّة جاؤوها في هذه الحالة جاؤوها وقد فتحت أبوابها حال كون أبوابها مفتحة (مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ). بدون واو (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (71)) معناها أن الأبواب مغلقة وحتى لا تتبدد الحرارة أما في الجنة فأبوابها مفتحة. حتى في الحديث الذي يخرج من النار ويرى أهل الجنة منعمين إذن هي مفتوحة وإلا كيف يراهم؟ وأهل الأعراف يرونهم. لذا قال (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا).(1/67)
الأمر الآخر ذكر جواب الشرط (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)، في أهل الجنة لم يذكر جواب الشرط (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)) هنا جواب الشرط محذوف للتفخيم وأحياناً يحذف فعل الشرط للتفخيم والتعظيم سواء كان في العذاب أو في الإكرام (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) محمد) المشهد أكبر من الحديث وحتى في كلامنا العادي نقول: والله لئن قمت إليك وتسكت، أنت تريد ألا تكمل حتى لا يعلم السامع ماذا ستفعل لأنه لو ذكرت أمراً معيناً لاتّقاه وتهيأ له فهذا من الهويل وهنا نفس الشيء (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)) هذه كلها عطف ولا تجد جواب الشرط مطلقاً فحذف جواب الشرط لتفخيم وتعظيم ما يلقونه لأن ما يلقونه يضيق عنه الكلام يعني اللغة الحالية الآن لا تستطيع أن تعبر عما يجدون، تضيق عنه (فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) إذن ما يجدونه أكبر من اللغة ولا تستطيع اللغة أن تعبر عنه. الجواب هناك، الجواب ما تراه لا ما تسمعه.
*ربما يتبادر إلى الذهن أن الفعل في بداية الآيتين واحد والمشهد ربما يكون واحد هنا سوق وهنا سوق والملائكة تسوقهم جميعاً فلماذا لم يستخدم صيغة مختلفة مع أهل الجنة غير فعل سيق؟
نلاحظ رب العالمين هنا حاكم وقال (وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)) كلها هكذا (وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا).(1/68)
*ما دلالة استخدام (ما) او حذفها في قوله تعالى (حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم(20)فصلت) وقوله (حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها(71)الزمر)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة فصلت (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {20} ) وهذا من غرائب الأمور أن يشهد السمع والبصر والجلود على الناس ولذا اقتضى استخدام (ما) للتوكيد)، أما في سورة الزمر فقد جاءت الآية (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ {71}) وهنا الأمر عادي إذا جاءوا فُتحت الأبواب.
*ما الفرق بين يتلون عليكم آيات ربكم ويقصون عليكم في الآيات (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ (71) الزمر) (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا (130) الأنعام)؟(د.فاضل السامرائى)(1/69)
آية الأنعام (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا (130)) في الزمر (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا (71)) تشابه كبير. القصة الخبر، يقصّ يُخبر، قصّ عليه الخبر أورده. تلا يعني قرأ، تلوت القرآن، التلاوة تكون لنص يُقرأ سواء عن حفظ أو عن كتاب يجب أن يكون هناك نص لتكون هناك تلاوة أما القصة فقد تكون مكتوبة نصاً أو يكون من غير نص مشافهة سواء من كتب أو من غير. أما التلاوة فلا بد أن يكون هنالك نص حتى تكون تلاوة في اللغة سواء النص عن حفظ أو من كتاب، أما القصة فقد تورد له الخبر (فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ (25) القصص) القصة قد تكون من صحف أو عامة. أيّ الأعمّ قصّ أو تلا؟ قصّ أعمّ من تلا، تلا مقيّد من كتاب أما قصّ فقد يكون من كتاب أو من غير كتاب إذن قصّ أعمّ. (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي) سواء الرسل كان عندهم كتب أو ليس عندهم كتب كلهم أصحاب رسالة لكن ليس عندهم كلهم كتب وإنما بلغوا مشافهة إذن كلمة (يقصون) تشمل الرسل الذي أرسل عليهم كتب والذين لم ينزل عليهم كتب، قال تعالى صحف إبراهيم وموسى والتوراة والزبور والقرآن والإنجيل. إذن يقصون شملت من أنزل عليه كتاب ومن لم ينزل عليه كتاب أما تلا فشملت من أنزل عليهم الكتاب فقط.(1/70)
إذن قصّ أعم تشمل جميع الرسل أما تلا فتخص من أنزل عليهم الكتاب فقط، لماذا وضع كل واحدة في مكانها؟ (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا (130)) الخطاب موجه من الله تعالى لكل الجن والإنس قبلها قال (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)) لم يستثني أحداً إذن شمل الكل سواء مبلّغ له كتاب أو ليس له كتاب. أما في الزمر (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)) هذه زمرة، هؤلاء قسم قليل من أولئك، أما آية الأنعام فشملت كل الإنس والجن. فلما كانت زمرة قال (يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ) هم زمرة أقل، أما آية الأنعام فللجميع، فلما خصص المجموعة خصص بالتلاوة ولما عمم الإنس والجن عمم الرسالة فقال (يقصون).
لا نفهم أن هذه مجموعة محددة وصل إليها نبي بكتاب؟
قد يكون، زمر تأتي زمرة مثلاً من اليهود أو النصارى أو من أصحاب الكتب هؤلاء عندهم كتب (يتلون عليكم)، جماعة من كفرة المسلمين، زمرة من هؤلاء كانوا يستمعون القرآن كان يقرأ عليهم كتاب. هذا التعميم يحتاج إلى تعميم والتخصيص يحتاج إلى تخصيص.
*ما الفرق بين سلام والسلام ؟(د.فاضل السامرائى)(1/71)
السلام معرفة والمعرفة هو ما دلّ على أمر معين، وسلام لك والأصل في النكرة العموم إذن كلمة سلام عامة وكلمة السلام أمر معين. لما نقول رجل يعني أيّ رجل ولما نقول الرجل أقصد رجلاً معيناً أو تعريف الجنس. الأصل في النكرة العموم والشمول. إذن (سلام) أعم لأنها نكرة وربنا سبحانه وتعالى لم يحييّ إلا بالتنكير في القرآن كله مثل (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (59) النمل) (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) الصافات) حتى في الجنة (سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58) يس) حتى الملائكة (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر) ربنا تعالى لم يحييّ هو إلا بالتنكير لأنه أعم وأشمل كل السلام لا يترك منه شيئاً. (سلام عليه) هذه تحية ربنا على يحيى والآية الأخرى عيسى - عليه السلام - سلم على نفسه وليس من عند الله سبحانه وتعالى، سلام نكرة من قبل الله تعالى والسلام من عيسى - عليه السلام - وليس من الله تعالى والتعريف هنا (السلام) أفاد التخصيص. ويقوون تعريض بالذين يدعون أن مريم كذا وكذا فقال (والسلام علي) رد على متهمي مريم عليها السلام.
آية (74):
*ما المقصود بكلمة الأرض في قوله تعالى (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)) في سورة الزمر؟(د.حسام النعيمى)
((1/72)
وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ) هناك تبديل فالأرض الذي يورثها المؤمنون يتبوأون من الجنة هي ليست هذه الأرض وإنما هي أرض الآخرة التي قال تعالى عنها (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) إبراهيم). فإذن نحن لسنا والعياذ بالله في يد الرحمن كما تهيأ للسائلة ونحاسب كلا. نحن في قبضته أي في سيطرته وفي ملكه فنحاسب.
آية (75):
*انظر آية (16). ???
*(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت) – (أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) – (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر)؟(د.أحمد الكبيسى)
لماذا مرة (نعم أجر العاملين) ومرة بالواو (ونعم أجر العاملين) ومرة بالفاء (فنعم أجر العاملين)؟ عندما تكرّم الأول في الجامعة هناك أول مكرر هناك أكثر من أول فأعطيت كل واحد سيارة هذا نعم أجر العاملين، لكن أول الأوائل الذي هو أولهم أخذ سيارتين هذا ونعم أجر العاملين هذه أقوى من الأولى، أما فنعم أجر العاملين هذه عندما يستلمون الجائزة.(1/73)
قال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت) غُرَف غرفات هذه كأنها درر وياقوت أعجوبة العجائب، نعم أجر العاملين على العمل الصالح يصوم ويصلي كما جميع المسلمين المؤمنين بالله إذا داوموا عليه لهم أجرهم العظيم التي هي الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علة قلب بشر هذا نِعم أجر العاملين. كل مؤمن بدينه ويطبقه بالشكل الذي أمر الله عز وجل عباده والرسل على أي وجه هذا نعم أجر العاملين. لكن هناك أناس عندهم دقة (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) شهوات قوية صبروا عليها ويندمون ويعودون قال (ونعم أجر العاملين) هذه مرتبة أعلى.(1/74)
عندما تأتي يوم القيامة تحاسَب أو لا تحساب، تدخل الجنة وترى النعيم (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر) بالفاء أي استلمنا. (فنعم) لا تقولها إلا عندما تستلم جائزتك وأجرك. فالأجر إن وُعِدت به فهم (نعم أجر العاملين) إذا كان شيئاً متميزاً لأنك أنت متميز هذه (ونعم أجر العاملين) وإذا استلمته (فنعم أجر العاملين)، هذا هو الفرق.
آية (75):
*انظر آية (16).???
****تناسب فواتح سورة الزمر مع خواتيمها****
قال في أولها (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)) وفي آخرها (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)) قُضي هنا بمعنى حكم وقضاء. الفرق بين الحكم والقضاء أن الحكم قد يكون من الحِكمة أو من القضاء فالحُكم أعم (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) الشعراء) بمعنى الحكمة (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) مريم) أي الحكمة لأن الصبي ليس حاكماً فيأتي بمعنى القضاء (إن الله يحكم بينهم). ذكر الحكم في الحالتين (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) (وقضي بينهم بالحق).
*****تناسب خواتيم الزمر مع فواتح غافر*****(1/75)
ذكر في خواتيم سورة الزمر (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)) وفي أول سورة غافر (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)) ذكر المصير، مصير الصالح والطالح ثم قال غافر الذنب الآن جعل المشهد أمامهم "سيق الذين كفروا وسيق الذين اتقوا" والآن موقفكم إليه المصير، (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ) والآن أمامكم فرصة إذا كنتم مذنبين فاستغفروه توبوا إلى الله وإلا فهو شديد العقاب إليه المصير وإلا ذكر المشهد أمامنا.(1/76)
ذكر في الزمر عاقبة الذين كفروا في الآخرة (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا) وذكر في غافر عاقبة المكذبين في الدنيا (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)) إذن ذكر العقوبة في الآخرة في الزمر وفي غافر ذكرها في الدنيا (فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)) وقبلها كان الكلام في الآخرة (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا) إذن استكملت المسألة يعاقبهم ربنا في الدنيا ويعاقبهم في الآخرة. قال في آخر الزمر (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)) وقال في أوائل غافر (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)) نلاحظ مشهد تسبيح الملائكة في الدنيا والآخرة ومشهد العذاب في الدنيا وفي الآخرة (وإليه المصير) النهاية. تسبيح الملائكة في الدنيا (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا) وتسبيح الملائكة في الآخرة (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) وذكر عقوبة الكافرين والمكذبين في الدنيا وعقوبة الجميع وخاتمتهم في الآخرة، سورتان مترابطتان.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله(1/77)
تم بحمد الله وفضله تجميع وترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الزمر للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى والخواطر القرآنية للأستاذ عمرو خالد وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله عنا خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/78)
سورة النساء
تناسب آل عمران مع النساء ... 44- ألم ترإلى الذين أوتوانصيباً .. ... 89- ودوا لو تكفرون كما كفروا .. ... 134- من كان يريد ثواب الدنيا ..
هدف السورة ... 45- والله أعلم بأعدائكم . ... 90- إلا الذين يصلون إلى قومٍ .. ... 135- ..كونوا قوامين بالقسط ..
1- ياأيهاالناس اتقوا ربكم .. ... 46-من الذين هادوا يحرفون الكلم عن.. ... 91- ستجدونءاخرين يريدون .. ... 136- ..ءامنوا بالله ورسوله ..
2- وءاتوااليتامى أموالهم .. ... 47- ياأيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا .. ... 92- وماكان لمؤمن أن يقتل مؤمناًإلا.. ... 137- إن الذين ءامنوا ثم كفروا ..
3- وإن خفتم ألاتقسطوافى اليتامى .. ... 48- إن الله لايغفر أن يشرك به .. ... 93- ومن يقتل مؤمناً متعمداً .. ... 138- بشر المنافقين بأن لهم ..
4- وءاتواالنساءصدقاتهن نحلة .. ... 49- ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم .. ... 94- .إذاضربتم فى سبيل الله فتبينوا .. ... 139- الذين يتخذون الكافرين ..
5- ولاتؤتواالسفهاءأموالكم .. ... 50- انظركيف يفترون على الله .. ... 95- لايستوى القاعدون .. ... 140- وقد نزل عليكم فى الكتاب ..
6- وابتلوااليتامى حتى إذا .. ... 51- ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً .. ... 96- درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً .. ... 141- الذين يتربصون بكم ..
7- للرجال نصيبٌ مماترك الوالدان .. ... 52- أولئك الذين لعنهم الله .. ... 97- إن الذين توفاهم الملائكة .. ... 142- إن المنافقين يخادعون الله ..
8- وإذاحضرالقسمة أولوالقربى .. ... 53- أم لهم نصيبٌ من الملك .. ... 98- إلا المستضعفين من الرجال و .. ... 143- مذبذبين لاإلى هؤلاء ولا ..
9- وليخش الذين لوتركوامن خلفهم.. ... 54- أم يحسدون الناس .. ... 99- فأولئك عسى الله أن يتوب .. ... 144- ..لاتتخذواالكافرين أولياء ..
10- إن الذين يأكلون أموال اليتامى.. ... 55- فمنهم من ءامن به ومنهم .. ... 100- ومن يهاجرفى سبيل الله .. ... 145-إن المنافقين فى الدرك الأسفل ..(1/1)
11- يوصيكم الله فى أولادكم .. ... 56- إن الذين كفروابآياتناسوف نصليهم .. ... 101- وإذا ضربتم فى الأرض .. ... 146- إلاالذين تابوا وأصلحوا ..
12- ولكم نصف ماترك أزواجكم .. ... 57- والذين ءامنوا وعملواالصالحات.. ... 102- وإذاكنت فيهم فأقمت لهم .. ... 147- مايفعل الله بعذابكم إن ..
13- تلك حدود الله .. ... 58- إن الله يأمركم أن تؤدواالأمانات .. ... 103- فإذا قضيتم الصلاة .. ... 148- لايحب الله الجهر بالسوء إلا ..
14- ومن يعص الله ورسوله .. ... 59- ..أطيعواالله وأطيعواالرسول وأولى .. ... 104- ولاتهنوا فى ابتغاء القوم .. ... 149- إن تبدوا خيراً أو تخفوه ..
15- والاتى يأتين الفاحشة .. ... 60- ألم ترإلى الذين يزعمون .. ... 105- إناأنزلناإليك الكتاب بالحق .. ... 150- إن الذين يكفرون بالله و ..
16- والذان يأتيانها منكم .. ... 61- وإذا قيل لهم تعالوا .. ... 106- واستغفر الله .. ... 151- أولئك هم الكافرون حقاً ..
17- إنماالتوبة على الله للذين .. ... 62- فكيف إذا أصابتهم مصيبةٌ بما .. ... 107- ولاتجادل عن الذين يختانون .. ... 152- والذين ءامنوابالله ورسله ..
18- وليست التوبة للذين ... ... 63- أولئك الذين يعلم الله مافى .. ... 108- يستخفون من الناس ولا .. ... 153- يسألك أهل الكتاب أن ..
19- ..لايحل لكم أن ترثواالنساءكرهاً.. ... 64- وماأرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع .. ... 109- هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم .. ... 154- ورفعنا فوقهم الطور ..
20- وإن أردتم استبدال زوجٍ .. ... 65- فلا وربك لا يؤمنون حتى .. ... 110- ومن يعمل سوءاً أويظلم .. ... 155- فبما نقضهم ميثاقهم ..
21- وكيف تأخذونه .. ... 66- ولوأنا كتبنا عليهم أن اقتلوا .. ... 111- ومن يكسب إثماً .. ... 156- وبكفرهم وقولهم على مريم ..
22- ولاتنكحوامانكح ءاباؤكم .. ... 67- وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً ... 112- ومن يكسب خطيئةً أوإثماً .. ... 157- وقولهم إنا قتلنا المسيح ..(1/2)
23- حرمت عليكم أمهاتكم و .. ... 68- ولهديناهم صراطاً مستقيماً ... 113- ولولافضل الله عليك ورحمته .. ... 158- بل رفعه الله إليه ..
24- والمحصنات من النساء .. ... 69- ومن يطع الله والرسول فأولئك مع .. ... 114- لاخيرفى كثيرٍ من نجواهم .. ... 159- وإن من أهل الكتاب إلا ..
25- ومن لم يستطع منكم طولاً .. ... 70- ذلك الفضل من الله .. ... 115- ومن يشاقق الرسول من بعد .. ... 160- فبظلمٍ من الذين هادوا ..
26- يريد الله ليبين لكم .. ... 71- ..خذوا حذركم فانفروا ثباتٍ أو .. ... 116- إن الله لايغفر أن يشرك به و .. ... 161- وأخذهم الربا ..
27- والله يريد أن يتوب عليكم .. ... 72- وإن منكم لمن ليبطئن .. ... 117- إن يدعون من دونه إلا إناثاً .. ... 162- لكن الراسخون فى العلم ..
28- يريد اله أن يخفف عنكم .. ... 73- ولئن أصابكم فضلٌ من الله .. ... 118- لعنه الله .. ... 163- إناأوحيناإليك كماأوحينا ..
29- ..لاتأكلواأموالكم بينكم بالباطل إلا .. ... 74- فليقاتل فى سبيل الله الذين .. ... 119- ولأضلنهم ولأمنينهم و .. ... 164- ورسلاً قد قصصناهم عليك ..
30- ومن يفعل ذلك عدواناًوظلماً .. ... 75- ومالكم لاتقاتلون فى سبيل الله .. ... 120- يعدهم ويمنيهم .. ... 165- رسلاً مبشرين ومنذرين ..
31- إن تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه .. ... 76- الذين ءامنوايقاتلون فى سبيل الله .. ... 121- أولئك مأواهم جهنم .. ... 166- لكن الله يشهد بما أنزل ..
32- ولاتتمنوا مافضل الله به بعضكم .. ... 77- ألم ترإلى الذين قيل لهم كفوا .. ... 122- والذين ءامنوا وعملوا .. ... 167- إن الذين كفرواوصدوا عن ..
33- ولكلٍ جعلنا موالى .. ... 78- أينما تكونوا يدرككم الموت .. ... 123- ليس بأمانيكم ولاأمانى أهل .. ... 168- إن الذين كفروا وظلموا ..
34- الرجال قوامون على النساء .. ... 79- ماأصابك من حسنةٍ فمن الله .. ... 124- ومن يعمل من الصالحات .. ... 169- إلا طريق جهنم ..(1/3)
35- وإن خفتم شقاق بينهما .. ... 80- من يطع الرسول فقد أطاع الله .. ... 125- ومن أحسن ديناً ممن أسلم .. ... 170- .. قد جاءكم الرسول بالحق ..
36- واعبدواالله ولاتشركوابه شيئاً .. ... 81- ويقولون طاعة فإذا برزوا .. ... 126- ولله مافى السماوات ومافى .. ... 171- ياأهل الكتاب لاتغلوا ..
37- الذين يبخلون ويأمرون الناس .. ... 82- أفلا يتدبرون القرآن .. ... 127- ويستفتونك فى النساء .. ... 172- لن يستنكف المسيح أن ..
38- والذين ينفقون أموالهم رئاء .. ... 83- وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن .. ... 128- وإن امرأةٌ خافت من بعلها .. ... 173- فأماالذين ءامنوا وعملوا ..
39- وماذا عليهم لو ءامنوا بالله و .. ... 84- فقاتل فى سبيل الله لاتكلف إلا .. ... 129- ولن تستطيعوا أن تعدلوا .. ... 174- ياأيهاالناس قدجاءكم برهانٌ ..
40- إن الله لايظلم مثقال ذرة .. ... 85- من يشفع شفاعةً حسنةً .. ... 130- وإن يتفرقا يغن الله كلاً .. ... 175- فأماالذين ءامنواواعتصموا ..
41- فكيف إذاجئنا من كل أمةٍ بشهيدٍ .. ... 86- وإذا حييتم بتحية .. ... 131- ولله مافى السماوات ومافى .. ... 176- يستفتونك ..
42- يومئذٍ يود الذين كفروا .. ... 87- الله لا إله إلا هو ليجمعنكم .. ... 132- ولله مافى السماوات ومافى .. ... تناسب فاتحة النساء مع خاتمتها
43- ..لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى .. ... 88- فمالكم فى المنافقين فئتين .. ... 133- إن يشأ يذهبكم أيهاالناس .. ... تناسب خاتمة النساء مع فواتح المائدة
*تناسب خاتمة آل عمران مع فاتحة النساء*(1/4)
في خاتمة آل عمران قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)) وفي بداية النساء (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ (1)) إذن صار الخطاب عاماً للمؤمنين في خاتمة آل عمران (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ) وأنتم يا أيها الناس اتقوا ربكم إذن كلهم مأمورون بالتقوى. المؤمنون هم فئة من الناس والناس أعمّ، المؤمنون أمرهم بأكثر من التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ) ثم التفت إلى الناس لأن ليس كلهم بهذه الإستطاعة فقال اتقوا ربكم الناس فيهم وفيهم (اتقوا ربكم) هذه مطالبين فيها أما المرابطة فليس كلهم مطالبون فيها فمنهم الضعيف والمريض. هنا علاقة الخاص بالعام المؤمنين والناس وبين التقوى وغير التقوى إذن صار ارتباط الأمر للمؤمنين ولعموم الناس.
**هدف السورة:العدل والرحمة بالضعفاء**
سورة البقرة حددت المنهج الذي يجب أن يتبعه الذين استخلفهم الله تعالى في الأرض، وسورة آل عمران ركزت على الثبات على هذا المنهج وتأتي سورة النساء حتى تدلنا على أن العدل والرحمة بالضعفاء من أهم ما يحتاجه الناس لاتباع المنهج. وآيات سورة النساء تتحدث عن أنواع عديدة من المستضعفين والضعفاء منهم اليتامى والنساء والعبيد والإماء والأقليات غير المسلمة التي تعيش بين المسلمين الذين قد يظلمهم الناس. فالعدل إذن والرحمة بالضعفاء هي أساس المسؤولية في الأرض.
وأول العدل يكون في البيت مع النساء فلو عدل الانسان مع زوجته ولورحمها لاستطاع أن يعدل في مجتمعه مع باقي الناس مهما اختلفت طبقاتهم. والله تعالى يريد أن يرى عدل الناس خاصة بالنساء قبل أن يستأمنّا على الأرض.(1/5)
سورة آل عمران مهّدت لتكريم المرأة في قصة زوجة عمران ومريم عليها السلام اللتان هما رمز الثبات في الأرض ولأن النساء هن مصانع الرجال والأجيال، فالأم هي التي تربي أطفال الأمة حتى يصبحوا رجالاً. وسميت السورة بـ(النساء) تكريمأً لهن ولدورهن في الأمة الأسلامية.
ونستعرض آيات سورة النساء ومعانيها وكل آيات هذه السورة فيها عدل ورحمة:
· وتبدأ من أول آية التي يذكرنا الله تعالى فيها أنه خلقنا من نفس واحدة وأصل واحد فكيف يظلم بعضنا بعضا.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
· ذكر انواع الضعفاء من اليتامى والنساء والسفهاء وغيرهم والحث على العدل والرحمة بهم.
1. ( وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ).
2. ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ).
3. ( وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا).
4. ( وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا).(1/6)
5. ( وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا).
6. ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا) .
7. (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا).
· تحذير الذين يظلمون بعاقبة الظلم: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا(10)).
· آيات الميراث وما تضمنته من نصيب الأولاد والأبوين والازواج والزوجات في حالة وفاة أحدهم.
1. يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا(11)).(1/7)
2. وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)).
· بيان خطورة عدم العدل: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(13)).
· أوامر للتوجيه لحسن التعامل مع النساء: والحث على عشرتهن بالمعروف بعدم ظلمهن وتحمل الأذى منها والصبر عليها وترقق قلبها لتنسى الظلم والاساءة. يبدأ بالعشرة بالمعروف ثم الصبر عليها ثم إذا كرهتموهن فلا حرج من استبدالها لكن لا يأخذ أموالها كرهاً وليتذكروا ما كان بينهم من عشرة وعلاقة حميمة ولذا جاءت كلمة أفضى بكل معانيها الجميلة وليتذكر الرجال أنهم استحلوا نساءهم بميثاق غليظ على سنة الله ورسوله.
1. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).(1/8)
2. (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِينا(ً.
3. ( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).
وكذلك توجيه بالعدل مع الإماء، ومن رحمة الله تعالى أن جاء بكلمة أهلهن بدل أسيادهن،ونصحهم بأن لا يتخذن أخذان أي أصحاب حتى لا تتأذى لأن قلوب النساء رقيقة وتتأذى بشدة. (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(25)).
· ذكر رحمة الله تعالى التي هي أوسع من كل شيء:
1. (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
2. (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا).
3. (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا).(1/9)
· العدل في الأنفس والأموال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا(29)).
· ضوابط ليستقيم العدل داخل الأسرة: مع الأمر بالعدل يأتي التشديد على وجود ضوابط حتى تستقيم الأمور ولا تتجاوز الحدود المسموح بها. كما في الآية 34 (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) فالتسلسل واضح فيها فالأول يبدأ الوعظ ثم الهجر في المضاجع وأخيراً الضرب والضرب جاء في النشوز وجاء متأخراً في الترتيب فجاء بعد الوعظ والهجر فإذا لم ينفع أياً من هذه الأمور يتركها عسى الله أن يبدله خيرا منها.
· العدل في المجتمع كله: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا(36)). ونلاحظ في الآية الكريمة تعداد أنواع من الضعفاء.(1/10)
· مشاكل تؤثر على القدرة على العدل والرحمة بالضعفاء: منها البخل (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا(37))، والرياء (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا(38)).
· الله تعالى يعاملنا بالفضل قبل العدل (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) آية 40
· الرسول يشهد على عدلنا (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا(41).
· آية محورية هي قلب الصورة في أهمية أداء الأمانات: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا(58).(1/11)
· تنتقل السورة إلى محور جديد هو القتال لضمان حقوق المستضعفين (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(74) وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا(75). وقد يتغرب البعض من ورود آيات القتال في سورة النساء والحقيقة أن مكان الآيات في هذه السورة لأن النساء هن مصنع المقاتلين والمرأة مقاتلة في بيتها بصبرها وطاعتها لزوجها.
· الحث على العدل أثناء الجهاد ومعاملة الناس برحمة حتى في القتال وهذا من أخلاق الحرب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(94).
· خطورة المنافقين: تنتقل الآيات في ربع كامل للتنبيه إلى خطورة المنافقين لأن أكثر ما يعيق اتمام العدل هو انتشار المنافقين(1/12)
· توصيات للأقليات المستضعفة: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا(97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً(98).
· رحمة الله تعالى بعباده: ومنها رحمته بنا حتى في الصلاة فشرّع قصر الصلاة (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا(101))، وصلاة الخوف (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا(102)).(1/13)
· العدل مع الأقليات المسلمة التي تعيش مع المسلمين: فالعدل واجب للمسلمين وغيرهم ايضاً (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا(105)) و(وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا(113)).
تذكرة بالعدل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)).
ومن لطائف هذه السورة الكريمة أن أكثر آياتها ختمت بأسماء الله الحسنى (عليم، حكيم،أو من صفات القدرة والرحمة والمغفرة) وقد ورد 42 اسماً من هذه الأسماء في آيات السورة مما يشدد على أهمية العدل والرحمة في سورة النساء لآن العلم والقدرة والحكمة والمغفرة والرحمة هي من دلائل العدل. فسبحان الله العدل الحكيم الرحيم الغفور.
***من اللمسات البيانية فى سورة النساء***
آية (1):
*ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة (الله) و(الربّ) في الآيتين: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) سورة البقرة وقوله تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم) سورة النساء؟(د.فاضل السامرائى)(1/14)
لفظ الجلالة الله هو اللفظ العامّ لله تعالى ويُذكر هذا اللفظ دائماً في مقام التخويف الشديد وفي مقام التكليف والتهديد. أما كلمة الربّ فتأتي بصفة المالك والسيّد والمربي والهادي والمشد والمعلم وتأتي عند ذكر فضل الله على الناس جميعاً مؤمنين وغير مؤمنين فهو سبحانه المتفضّل عليهم والذي أنشأهم وأوجدهم من عدم وأنعم عليهم. والخطاب في الآية الثانية للناس جميعاً وهو سبحانه يذكر النعمة عليهم بأن خلقهم والذين من قبلهم، ولذا جاءت كلمة (ربكم) بمعنى الربوبية . وعادة عندما تذكر الهداية في القرآن الكريم تأتي معها لفظ الربوبية (ربّ).
*(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1) النساء) وفي الأعراف قال (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا (189)) وفي الزمر (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا (6)) فما اللمسة البيانية في الاختلاف بين الآيات؟ وما الفرق بين الخلق والجعل؟
د.فاضل السامرائى :(1/15)
الجعل في الغالب حالة بعد الخلق فالخلق أقدم وأسبق. جعل الزرع حطاماً ليست مثل خلق الزرع حطاماً. جعل بمعنى صيّر، هو خلقه ثم جعله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ (60) المائدة) لا يعني خلقهم وإنما يعني صيّرهم. إذن في الغالب الجعل بعد الخلق (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (124) البقرة) صيّره إماماً وليس خلقه إماماً. إذن هذا الأمر العام ولذلك كل (جعل زوجها) بعد الخلق، نلاحظ في سورة النساء قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1)) هذا في آدم وحواء، هذا خلق. (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) الأعراف) هذه ليس آدم وحواء وإنما بعد، ذاك خلق وهذا جعل، جعل هذه زوج هذه. في سورة الزمر قال (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)) خلقكم من نفس واحدة آدم وهذا الأصل لكن جعل زوجة جعل فلان زوج فلان، (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) يقصد حواء و (جعل منها زوجها) الكلام عن الذرية فلما ذكر حواء قال (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ولما ذكر الذرية قال (جعل منها زوجها).(1/16)
د.أحمد الكبيسى :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا (1) النساء) وفي الأعراف (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا (189) الأعراف)، في الزمر قال (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا (6) الزمر) أضاف ثم بدل الواو، حينئذٍ واضحة خلق الخلق من شيء آخر الخلق غير الإبداع خلقت شيء من شيء خلقكم من طين وليس من عدم فهو خلق حواء من آدم إذاً (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) خلق حواء من آدم وآدم خلقه من الطين، طيب ثم قال (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) هو خلق حواء لكن حواء ممكن تصبح خادمة أو جارية قال لك لا جعلتها زوجة فالجعل تغيير الوظيفة. إذاً بعد أن خلقها جعل وظيفتها أنها زوجه ثم قال (ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) وقطعاً ثم دليل على التراخي واضح جداً. إذاً هذا الفرق بين خلق وبين جعل.
آية (2):
* ما الفرق بين تبدل وتتبدل ؟(د.فاضل السامرائى)
نلاحظ في القرآن كله وليس فقط في هذه الآية الحذف كما جاء في القرآن مثل (تنزّل وتتنزّل، تبدّل وتتبدّل) وهذا الحذف في عموم القرآن وحيث ورد مثل هذا التعبير في القرآن سواء في الفعل أو غيره يكون لأحد أمرين:
1. للدلالة على أن الحدث أقلّ.
2. أن يكون في مقام الإيجاز.(1/17)
كذلك قوله تعالى (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52) الأحزاب) وهذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وهي حالة خاصة به - صلى الله عليه وسلم - والحكم مقصور عليه - صلى الله عليه وسلم - فقال (تبدّل) أما في قوله تعالى (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) النساء) فهذه حالة عامة وحكم عام مستمر إلى يوم القيامة فالحكم كثير ومتصل وهي آية عامة لكل المسلمين وهذا التبدّل هو لعموم المسلمين وليس مقصوراً على أحد معين وإنما هو مستمر إلى يوم القيامة. لذا أعطى الحدث الصغير الصيغة القصيرة (تبدّل) وأعطى الحدث الممتد الصيغة الممتدة (تتبدلوا).
* ما دلالة قوله تعالى (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)؟(د.فاضل السامرائى)
السؤال كان لماذا جاءت الخبيث بالطيب ولم تأتي الطيب بالخبيث؟ فنقول أن هناك قاعدة تقول أن الباء تكون مع المتروك كما في قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) البقرة).
*(وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ (2) النساء) حقيقة الأكل أن تتناول طعاماً فتدخله في جوفك فكيف أتى النهي عن أكل المال؟ وهل يستطيع الإنسان أن يأكل الدراهم؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
نهيُ المؤمن عن أكل مال اليتيم ولم يأت النهي عن الأخذ لأن الأكل هو أشد دلالة وأقوى تعبيراً من حالة الأخذ فهذه الكلمة (تأكلوا) توحي بأن الشخص قد أحرز ما أكله في داخل جسده وعندها لا مطمع في إرجاعه ولا دليل على أنه أخذ هذا المال.
آية (3):(1/18)
* في سورة النساء (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)) فما الفرق بين لا تقسطوا ولا تعدلوا؟(د.حسام النعيمى)
الآية (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) عندنا الفعل قَسَطَ هو يأتي من بابين: قَسَط يقسِط قُسوطاً مثل جلس يجلس جلوساً وقَسَط يقسِط قَسْطاً مثل ضرب يضرب ضرباً. فعندنا القسط والقسوط بمعنى الظلم والجور، هذا قَسَط.
لما تدخل عليه الهمزة، عندنا الهمزة تدخل من معانيها السلب، يقولون من: شكى زيدٌ وجعاً فتقول أشكاه الطبيب يعني أزال شكايته. ومنه أيضاً أعجم الحرف بمعنى نقطه بمعنى أزال عجمته، السلب والإزالة. ومنه يقولون: أقذيت عين الصبي يعني أزلت القذى من عينه. فالهمزة تزاد أحياناً لمعنى السلب. فلما تقول أقسط بمعنى أزال أو سلب الجور والظلم، وهذا الفرق بين قسط وأقسط. قسط جار أو ظلم وأقسط أزال الجور وأزال الظلم، تحول عن الظلم. لكن عندنا القِسط بكسر القاف للعدل لأن فيه معنى التحول فصارت كلمة القِسط للعدل وليس للجور؟ القََسط بفتح القاف مصدره قسط، الظلم والقسوط مصدر ثاني لأنه يأتي من بابين. أما القِسط بالكسر فهو العدل ضد الجور بمعنى المساواة.(1/19)
هنا لم يأت بالقِسط بالكسر ولا غرابة مثلما عندنا كلمة البَرّ ضد البحر بفتح الباء والبُرّ أي الحنطة بضم الباء والبِر بكسر الباء أي الإحسان فلا غرابة أن تأتي لفظة مغايرة لمعنى لفظة أخرى بتغير حركة واحدة وهذه من سمات العربية. فإذن الإقساط هو عدم الجور. لكن ننظر عدم الجور أن لا تكون ظالماً مع من استعملت؟ (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) اليتيمة حينما تكون في حجر رجل مسؤول عنها، يتولاها، كأنما يصونها كأن يكون من أقارب هذه اليتيمة، يموت أبوها فتنقل إلى داره يكون وصياً عليها فلما يكون وصياً عليها وعلى أموالها أحياناً إذا تزوجها قد يظلمها في صداقها يعني لا يعطيها الصداق الكافي الذي تستحقه فيقول الله عز وجل للمؤمنين إذا داخلكم شك خشيتم أن لا تكونوا عادلين مع اليتيمة وخشيتم أن لا تزيلوا عنها الظلم فتحولوا إلى سائر النساء (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) وقطعاً الإنسان إذا كان عنده أكثر من يتيمة لانه إذا كان عنده يتيمتين لا يستطيع أن يتزوج اليتيمتين لأنهما أختان لأنه لا يجوز الجمع بين الأختين. فمعناه لا يوجد هناك أكثر من واحدة، قد يفكر بالزواج من واحدة لكن قد لا يعدل باتجاهها، قد لا يزيل عنها الظلم، قد يظلمها، فإذن الظلم متوجه إلى واحدة وليس إلى متعدد فاستعمل كلمة الإقساط (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) كأنهن في موضع معرضات للظلم، كل يتيمة معرضة للظلم، كل يتيمة عند إنسان.(1/20)
هذه اليتيمة المعرضة للظلم إن كنت تخشى أن لا تزيل عنها الظلم إذا تزوجتها أن توقعها في الظلم إذا تزوجتها عند ذلك لا تتزوج هذه اليتيمة وتحوّل إلى سائر النساء (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) يعني من النساء الأخريات وليس ممن في أيديكم من اليتيمات (مثنى وثلاث ورباع) كل منكم يتزوج اثنين، ثلاث، أربع. (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) هنا بإمكانه لما ذكر مثنى وثلاث ورباع ستكون لديه أكثر من امرأة بخلاف مع اليتيمة لا تكون إلا واحدة هناك قال إن خفتم أن لا تزيل عنها الظلم وإن خفتم ألا تقسطوا. هنا قال (ذلك أدنى ألا تعولوا) العدل فيه معنى المساواة والمعادلة، وتذكر كبار السن أنهم كانوا يضعون على الدابة ما يسمى بالعدلين عبارة عن كيسين في كل جانب كيس يضع فيه حاجياته ويحاول أن يعادل بينهما حتى لا يميل العِدل. فمع النساء المفروض كأنه أكثر من واحدة فيجب أن يكون هناك معادلة وليس إزالة ظلم عن واحدة وإنما فيه معنى التعادل. فلما تحدث عن التعدد إستعمل المعادلة، العدل من عِدلي الدابة، تكون عادلاً تساوي بينهما، ولما يتحدث عن اليتيمة استعمل إزالة الظلم (القسط) (فإن خفتم ألا تقسطوا). (فإن خفتم ألا تعدلوا) في النسوة المتعددات فواحدة. لما يكون عندك خشية تكتفي بواحدة. (أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) تعولوا هنا بمعنى لا تعتدوا أي أن لا تتجاوزوا الحق. العَوْل هنا بمعنى العدوان، ذلك أدنى أن لا تعولوا أي أن لا تعتدوا من العدوان وليس من الإعالة (عال فلان بمعنى ظلم وليس بمعنى تكفّل) وهذا مستعمل في بعض اللهجات العامية عندنا مثل يقولون أولاد واحدة معينة دائماً يكونون معتدين فحيثما وجدت خصومة يقول الناس أولاد فلانة عايلين سواء كانوا موجودين أو غير موجودين.(1/21)
عايل أي ظالم أو معتدي (أدنى ألا تعولوا) أن لا تعتدوا في عدم المساواة بين النسوة.
* ما دلالة استخدام (ما) وليس (من) في سورة النساء (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء (3))؟(د.فاضل السامرائى)
(من) لذات من يعقل، للذات، من هذا؟ هذا فلان، من أبوك؟ أبي فلان، من أنت؟ أنا فلان. إذن (من) لذات العاقل سواء كانت إسم استفهام أم شرط أم نكرة موصوفة أم إسم موصول. (ما) تستعمل للسؤال عن ذات غير العاقل مثل ما هذا؟ هذا حصان، ما تأكل؟ آكل كذا. وتستعمل لصفات العقلاء، الذات أي الشخص الكيان. (ما) تستخدم لذات غير العاقل ولصفات العقلاء. لذات غير العاقل مثل الطعام (أشرب ما تشرب) هذه ذات وصفات العقلاء مثل تقول من هذا؟ تقول خالد، ما هو؟ تقول تاجر، شاعر. (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء (3) النساء) عاقل، صفة، أي انكحوا الطيّب من النساء. (ما) تستخدم لذات غير العاقل وصفاتهم (ما لونه؟ أسود) ولصفات العقلاء (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) الشمس) الذي سواها هو الله. مهما كان معنى (ما) سواء كانت الذي أو غيره هذه دلالتها (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (3) الليل) من الخالِق؟ الله هو الخالق. إذن (ما) قد تكون لصفات العقلاء ثم قد تكون للسؤال عن حقيقة الشيء (قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ (60) الفرقان) يسألون عن حقيقته، فرعون قال (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) الشعراء) يتساءل عن الحقيقة. وقد يؤتى بها للتفخيم والتعظيم (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) القارعة) (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) الواقعة) تفخيم وتعظيم سواء كان فيما هو مخوف أو فيما هو خير، عائشة قالت أبي وما أبي؟ ذلك والله فرع مديد وطود منيب.(1/22)
فلان ما فلان؟ يؤتى بها للتفخيم والتعظيم (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) الواقعة) (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) الواقعة) ماذا تعرف عن حقيقتهم؟ التعظيم يكون في الخير أو في السوء أو ما يصيبه من السوء، قال ربنا عذاب عظيم وقال فوز عظيم قال عظيم للعذاب والفوز. النُحاة ذكروا هذه المعاني لـ (ما) في كتب النحو والبلاغة.
* (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ (3) النساء) ما الذي تضمنته الواو هنا وما معناها وهل هناك لمسة بيانية بحيث لو جمعناها تصبح تسعة وهي عدد زوجات الرسول علماً أنه لا يجوز للرجل أن يجمع أكثر من أربع نساء؟(د.فاضل السامرائى)(1/23)
الآية الكريمة (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ (3) النساء) مثنى معناها اثنتين اثنتين يعني مكرر، وثُلاث في اللغة معناها ثلاث ثلاث وليس معناها ثلاثة ورباع معناها أربع أربع ليس معناها أربعة. حتى تتوضح المسألة ما معنى مثنى وثلاث ورباع؟ فرق في اللغة لما تقول لجماعة خذوا كتابين يعني كلهم يشتركون في كتابين ولما تقول خذوا كتابين كتابين يعني كل واحد يأخذ كتابين، خذوا ثلاثة كتب كلهم يشتركون في ثلاثة كتب، خذوا ثلاثة ثلاثة يعني كل واحد يأخذ ثلاثة. هذا معنى مثنى ولو قال اثنتين لا يصلح فكيف يتزوج الناس كلهم اثنتين؟ اثنتين اثنتين، ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة، إذن الإباحة اثنتين اثنتين أو ثلاث ثلاث أو أربع أربع فإن لم تعدلوا فواحدة إذن أقصى شيء مذكور أربع. إما أن يكونوا اثنتين اثنتين إن شاء الناس أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة إذن الحد الأعلى سيكون أربعة فقط وليس تسعة لا يجمع الأعداد، إما اثنتين اثنتين أو ثلاث ثلاث أو أربع أربع. الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحددها ما روي أن غيلان أحد الصحابة أسلم وتحته عشر نسوة فقال له - صلى الله عليه وسلم - أمسك أربعة وفارق سائرهنّ. إذن أقصى شيء أربعة. استخدم صيغة مثنى وثلاث ورباع لأنه لا يصح أن يقول فانكحوا اثنتين لأنها تعني أن كلهم يشتركون في اثنتين كما قلنا خذوا كتابين يعني كلهم يشتركون في كتابين مهما كان العدد، هذه هي الصيغة الصحيحة لا يمكن أن يقول انكحوا ثلاثة أي يشتركون في ثلاثة وإنما ثلاث أي كل واحد يأخذ ثلاثة ولا يصح ولا يمكن في اللغة أن يقول اثنتين وثلاثة وأربعة لا يصح ولا يجوز في اللغة لأنها تعني أنهم كلهم يشتركون. ((1/24)
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر) يعني قسم له اثنين اثنين اثنين في الأجنحة وقسم ثلاث ثلاث وقسم أربع أربع لا يعني أن كلهم يشتركون في جناحين أو ثلاثة أو أربعة. إذن الإباحة إلى حد أربعة فإن لم تعدلوا فواحدة. أين الإشكال في السؤال؟ لماذا لم يقل (أو) مثلاً؟ لما يختار الواو يعني لك أنت أن تختار اثنتين ثلاثة أربعة لكن لو قال (أو) يعني يختار واحدة من هذه إما اثنين أو ثلاث أو أربع لا يحق لك الاختيار إلا حالة واحدة منها فقط، (أو) تأتي بمعنى التخيير والواو لمجرد العطف، فلو قال (أو) فليس له أن يختار ثلاثة مثلاً إن اختار اثنتين أما الواو ففيها الإباحة أن يختار ما يشاء. الأصل واحدة لأنه قال (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) هذا الأمر الأصل واحدة والتعدد هذا شيء آخر. إذا قال (أو) يقتضي التخيير أما الواو (و) ليس فيها تخيير بحالة دون أخرى وإنما كما شئت إن أردت تتزوج اثنتين أو ثلاث أو أربع فإن لم تستطع أن تعدل فواحدة. النص يفسره الحديث عن الصحابي الذي كان له عشر نسوة لما أسلم فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - "أمسك أربعة وفارق سائرهنّ" نص الحديث يشرح الآية.
*ما العلاقة بين الخوف من عدم القسط باليتامى والنكاح في آية سورة النساء؟(د.فاضل السامرائى)(1/25)
قال تعالى في سورة النساء (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ {3}) نزل الحكم في ولّي اليتيم الذي تعجبه المرأة مالها وجمالها فيبخسها حقها طمعاً بمالها فلا يعطيها مهرها الكافي، لذا جاءت الآية إذا خفتم ألا تعولوا في إعطاء النساء اليتيمات حقهن فانكحوا غيرهن من النساء غير اليتيمات. وكان العرب يرغبون برعاية اليتيم واليتيمة فلما حذّرهم الله من عدم العدل في مال اليتيم خافوا من رعاية اليتيم فوردت الآية أن يقيموا العدل بين النساء ويخافوه كما يخافوا عدم العدل في اليتيم.
آية (4):
*(وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً (4) النساء) ما وجه عطف إيتاء النساء مهرهنّ على الأمر بإعطاء اليتامى حقهم أي في الآية السابقة حيث يقول تعالى (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ (2)) والآية بعدها يقول (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) ما حكم العطف هنا؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هذان الضعيفان المرأة واليتيم مستضعفان من المجتمع وحقهما مغبون فكان غي تعاقبهما حراسة لحقهما أشد حراسة.
*ما معنى كلمة (نحلة)؟ ولِمَ قيّد الصدقات بقوله (نحلة)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
النِحلة هي العطيّة بلا قصد العِوَض وقد سمى ربنا تعالى الصدقات نِحلة ليكون المهر الذي تدفعه منزّهاً عن العِوَض بل هو أقرب إلى الهدية فليست الصدقات عوضاً عن منافع المرأة ولو كان عوضاً لكان عوضها جزيلاً ومتجدداً بتجدد المنافع وامتداد الزمن. فعقد النكاح بينك وبين زوجك غايته إيجاد آصرة محبة وتبادل الحقوق والتعاون على إنشاء جيل وهذا أغلى من أن يكون له عِوَض مالي.(1/26)
*(فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا (4) النساء) لِمَ قال ربنا (طبن لكم عن شيء منه نفساً) ولم يقل فإن طابت نفوسهن عن شيء لكم؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
أخّر ربنا تعالى النفس عن شيء ونصبها على التمييز ليبين لنا مقدار قوة هذا الطيب وليؤكد لنا أنه طيب نفس لا يشوبه شيء من الضغط والإكراه. وتأمل لِمَ قال ربنا (فكلوه) ولم يقل فخذوه؟ عندما قال (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) ذلك ليطمئن المؤمن يجواز الانتفاع بمال زوجه انتفاعاً لا رجوع فيه فهو تملّك لمالها تملّكاً تاماً ولكنه تملّك عن طيب نفس منها لا إرغام فيه.
آية (5):
*(وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (5) النساء) ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (وارزقوهم فيها) ولم يقل منها؟
د.فاضل السامرائى :
ارزقوهم فيها يعني بأن تتجروا وتربحوا تكون نفقاتهم من الأرباح لا من صلب المال. تتاجرون فيها تجعلوها مكان للرزق. ارزقوهم فيها يعني ارزقوا السفهاء (فيها) يقصد من أموالهم لكن ما قال من المال يعني استثمروها لهم ولو قال وارزقوهم منها يكون من اصل المال يعني انفعوا الفقراء واليتامى لأنهم ما زالوا صغار يتامى سفهاء لا يحسنون التصرف، إنفعه وتصرف مكانه، إنفعه تصرف بالمال بما يفيده يما ينفعه فأنفق مما يثمر هذا المال بما تعود عليه فيها إحسان إليه.
د.أحمد الكبيسى :
...(1/27)
واحد عنده ولد عمره عشرون سنة، خمس وعشرون سنة لكنه سفيه مبذر لماله، مات أخي وعنده ولد عمره عشرين سنة لديه ثروة هائلة وهذا الولد يبذر فيها حينئذ الحجر على السفيه من قواعد الفقه فتقيم دعوى يحجرون على السفيه ويجعلون عمّه هو الوصي ويعطيه بالشهر مبلغ يعيش فيه هذا لا يعطيه من رأس المال لأن الوصي يشغل المال ويعطيه من الأرباح (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا) لو ترك المال ينقص من سقوط العملة المال يدب أن يشتغل ارزقوهم فيه وليس نه يعني في التعامل التجاري وفي أرباحه. لكن لو واحد مات وعنده أولاد وأرحام هذا اعطوه من عين المال لا من الأرباح، هذا الفرق بين ارزقوهم فيها وارزقوهم منها، منها يعني من عين المال وفيها صاحب المال الذي هو ورث المال لكنه صار سفيه مبذر جعلنا عليه وصياً يشغل المال هذه الآية توجب على الوصي أن ينمي المال.
آية (6):
* ما الفرق بين الرشد والرشد في القرآن الكريم ؟(د.فاضل السامرائى)(1/28)
هم يفرّقون بين الرُشد والرَشَد، الرُشد معناه الصلاح والاستقامة وهم قالوا الرُشد يكون في الأمور الدينية والدنيوية، في أمور الدين وفي أمور الدنيا، في الأمور الدنيوية والأخروية والرَشد في أمور الآخرة، يعني الرُشد يكون في أمور الدنيا والآخرة والرَشَد في أمور الآخرة. في القرآن ورد الرُشد (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا (6) النساء) أمر دنيوي، (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) الكهف) أمر دنيوي موسى تتبع الرجل الصالح، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (256) البقرة) و (وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً (146) الأعراف) إذن الرُشد يستعمل في أمور الدنيا والدين. أما الرَشد فالكثير أنه يستعمل في أمور الدين أكثر ما يكون في الدين (فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) الكهف) (وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) الكهف) أغلب ما تستعمل في أمور الدين، أما الرُشد فهي عامة. هذا ما قاله قسم من اللغويين وإن كان قسم قالوا أن هاتان لغتان لكن هما في القرآن هكذا، يستعمل الرُشد في أمور الدنيا والدين والرَشَد في أمور الدين. قسم قالوا هذه لغة ولكن قسم قالوا هذا من خصوصيات الاستعمال القرآني.
آية (9):
*(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ (9) النساء) الفعل يخشى متعدي يأخذ مفعولاً به فتقول أخشى الله فالله لفظ الجلالة هو المفعول به فأين مفعول (وليخشى) في الآية؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/29)
حذف ربنا تعالى مفعول (وليخشى) لتذهب نفس السامع في تقدير المفعول به مذاهب عدة وليقدر كل واحد منا تقديراً يفهمه هو فينظر كل سامع بحسب الأهمّ عنده مما يخشى أن يصيب ذريته فيكون رادعاً له عن ظلم اليتامى.
آية (10):
*(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) النساء) فكيف يأكل آخذ مال اليتيم في النار في الدنيا مع أن العذاب بالنار يكون في الآخرة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
أراد ربنا بقوله (إنما يأكلون في بطونهم ناراً) تبيان شدة الألم والعذاب في الدنيا بدليل قوله (وسيصلون سعيراً) أي في الآخرة.وفي هذه العبارة (يأكلون في بطونهم ناراً) استعارة فقد عبّر الله تعالى عن المصائب بأكل النار لأن شأن النار أن تلتهم ما تقع عليه كآكل مال اليتيم ربما تصيبه مصائب في ذاته أو ماله مثل النار إذا ذنت من أحد لا بد أن تؤلمه وتتلف متاعه.
آية (11):
*ما الفرق بين استعمال وصّى وأوصى؟(د.فاضل السامرائى)
من الملاحظ في القرآن أنه يستعمل وصّى في أمور الدين والأمور المعنوية وأوصى في الأمور المادية. (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ (131) النساء) ويستعمل أوصى في المواريث (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11) النساء) (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا (11) النساء) . لم ترد أوصى في الأمور المعنوية وفي أمور الدين إلا في موطن واحد اقترنت بأمر مادي عبادي وهو قوله تعالى على لسان المسيح (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) مريم) قال أوصاني لأنها اقترنت بأمر مادي وعبادي وهو الزكاة والأمر الآخر أن القائل هو غير مكلّف لذلك خفّف من الوصية لأنه الآن ليس مكلفاً لا بالصلاة ولا بالزكاة فخفف لأنه لا تكاليف عليه.(1/30)
*ما الفرق بين الوالد والأب؟(د.فاضل السامرائى)
التي تلد هي الأم والوالد من الولادة والولادة تقوم بها الأم وهذه إشارة أن الأم أولى بالصحبة وأولى بالبر قبل الوالد. لكن في المواريث لأن نصيب الأب أكبر من نصيب الأم استعمل الأب (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ). في الأموال يستعمل الأبوين وفي الدعاء الوالدين.
*ما الفرق بين الأبوين والوالدين؟(د.فاضل السامرائى)
ربنا سبحانه وتعالى لم يستعمل البر والإحسان والدعاء في جميع القرآن إلا للوالدين وليس الأبوين (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح) استعمل البر والاحسان للفظ الوالدين وليس للفظ الأبوين. الوالدان للوالد والوالدة والأبوان للأب والأم. الوالدان هي تثنية الوالد والولادة الحقيقية للأم وليس للأب الأب ليس والداً لأنها هي التي تلد والأبوان تثينة الأب، من الأحق بحسن الصحبة الأب أو الأم؟ الأم، فقدّم الوالدين إشارة إلى الولادة ولذلك بالميراث يقول (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ (11) النساء) لأن الأب له النصيب الأعلى في الميراث.(وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ (80) الكهف) ليس فيها مقام ذكر البر لذا قال أبواه ولذلك لما قال (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) فى سورة يوسف لسببين أولاً إكراماً للأم ما قال والديه إكراماً للأم يجعلها تابعة لأن الوالدين يصير الوالدة هي التي تسجد بينما هي أكرم من الأب والأمر الآخر أن الأب أحق بالعرش فقُدِّم.
* ما الفرق بين الأبناء والأولاد؟(د.فاضل السامرائى)(1/31)
الأبناء جمع إبن بالتذكير مثل قوله تعالى (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ (49) البقرة) أي الذكور أما الأولاد فعامة للذكور والإناث. أبناء جمع إبن وهي للذكور أما أولاد فهي جمع ولد وهي للذكر والأنثى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11) النساء) الذكر والأنثى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ (233) البقرة) الإرضاع للذكور والإناث.
* في سورة النساء ختمت آية المواريث بالنسبة للذكور بقوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا (11)) وفي آية المواريث بالنسبة للكلالة ختمت بقوله (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)) فما اللمسة البيانية في هذا الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى)(1/32)
أيها يدلّ على العِلم أكثر؟ عندما تقول كنت أعلم بهذا أو أعلم هذا؟ كنت أعلم بهذا أدل على العلم أي أعلم قبل أن تقع (وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) البقرة). مبدئياً (إن الله كان عليماً حكيماً) أدلّ على العلم من (والله بكل شيء عليم). البعض يقول (كان) للماضي، كان يعلم بالأمر قبل أن يقع هذه أدل على العلم من يعلمه الآن. في الأولاد الذكور قال تعالى (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) إذن إن الله كان عليماً حكيماً. عندما شرّع هو يعلم هذا الأمر أصلاً. في آية الكلالة ما ذكر حيرتهم في عدم المعرفة، هناك ذكر حالتهم (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) الله تعالى يعلم هذا الأمر قبل أن يقع. الإنسان لما يقول لو أعلم هذا لفعلت كذا. لما ذكر جهل الإنسان وعدم المعرفة ذكر أن علمه سبحانه وتعالى سابق (إن الله كان عليماً حكيماً) ولما لم يذكر هذا الأمر ما اقتضى الأمر، ما فيها حيرة بين الناس قال (والله بكل شيء عليم).
سؤال: مسألة الزمن مع الله تعالى (كان الله غفوراً رحيماً) ما دلالة (كان) مع الله تعالى؟(1/33)
ذكرنا في وقت سابق أن (كان) يفرد لها النُحاة بكلام في زمنها: أولاً الزمان الماضي المنقطع كأن تقول كان نائماً واستيقظ، كان مسافراً ثم آب. وفي الماضي المستمر (كان الإستمرارية) بمعنى كان ولا يزال (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11) الإسراء) (وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا (100) الإسراء) (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53) الإسراء) (إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) النساء) يسمونها كان الإستمرارية أي هذا كونه منذ أن وُجِد. ليس في الماضي المنقطع (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53) الإسراء) لا تعني كان عدواً والآن أصبح صديقاً وإنما كان لا يزال عدواً. و (كان) تفيد الإستقبال (وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) النبأ) أي صارت في المستقبل. (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) الواقعة) أي صرتم، أصبحتم. (كان) في كلام كثير عند النُحاة غير كان التامة والناقصة من حيث الزمن ليس مثل ما يظن بعض من عندهم معرفة قليلة باللغة وهؤلاء عليهم أن يراجعوا قواعد اللغة.
*ما الفرق بين (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) النساء) - (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ (11) النساء) ؟(د.أحمد الكبيسى)(1/34)
عندنا مسألة الكلالة (فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ) الثلثان مرة أخرى قال (ثلثا) ، حينئذٍ هم مرتين رب العالمين نكّر النصيب في الميراث وكأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يقلل من شأن هذا النصيب وإن كان قضاءً هو حق ومن حقه لكن حقٌ ليس كريماً أو كان أولى به أن يؤثر الآخرين على أنفسهم المهم التنكير كان لكي نعيد النظر في هذا الموضوع بالذات إذا صادف أنك أنت حصلت على هذا النصيب لكن هناك أنصبة لا أنت عائلة وأب وأم وأولاد ومسؤولية انتهينا لكن في حالات إنسانية كامرأة متزوجة وليس لديها أولاد وعندها ثروة أنت استمتعت بها أربع عشر سنين خمسة عشرة سنة وخدمتك عشرة عشرين سنة وتأخذ نصف ثروتها!
سؤال: في هذه الآيات التي أشرت إليها فضيلة الشيخ أيضاً تأكيد أن المرأة تستقل أيضاً بالنصف وتستقل بالثلثين في حالات معينة؟
الله تعالى قال (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) هل تعرف أن المرأة في الميراث أحسن من الرجل؟ لكن هم يحرفون الكلام على نصيب الإبن والأخت.
*(يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11) النساء) جعل الله تعالى حظ الانثيين هو المقدار الذي يقدّر به حظ الذكر، فلِمَ آثر ربنا تعالى هذا التعبير؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
أمعِن التأمل في هذا اللطف الإلهي فقد جعل الله تعالى حظ الانثيين هو المقدار الذي يقدّر به حظ الذكر ولم يجعل حظ الذكر هو المقياس كأن يقول للأنثى نصف حظّ الذكر. آثر ربنا تعالى هذا التعبير لنكتة لطيفة وهي الإيماء والإيحاء للناس بأن حظّ الأنثى هو الأهم في نظر الشرع وهو مقدّم على حق الرجل لأن المرأة كانت مهضومة الجانب عند أهل الجاهلية. أما في الاسلام فقد أصبحتِ يا أختاه ينادى بحظّك وقسمتك ونصيبك هو المقياس.
آية (12):
*(وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ (12) النساء) نكرة على عكس الباقي المعرّف (الربع، الثلث، السدس، الثمن)؟
د.فاضل السامرائى :(1/35)
هذه لأنها مضافة.
د.أحمد الكبيسى :
آية المواريث فيها عجائب. طبعاً كلكم تعرفون الفرق بين الألف واللام مع الكلمة أو بدون ألف ولام نكرة ومعرفة فرق بين رجل والرجل، زعيم والزعيم، عالم والعالم فرق كبير من الذي جاء؟ جاء رجل، لا نعرفه ومن الذي جاء؟ جاء الرجل هذا إنسان عظيم. رب العالمين جميع الحقوق جعلها بالألف واللام (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ (12) النساء) (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)) كل هذه الثمن الربع الثلث السدس كلها أل أل أل الخ الفرق الوحيد (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ (12) النساء) نصف الزوج من الزوجة التي ليس لديها أولاد، واحد متزوج وليس لديه أولاد والزوجة ماتت هذا الزوج سيأخذ نصف ثروة هذه الزوجة الميتة التي ليس لها أولاد هذه الوحيدة التي الله قال (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) لم يقل ولكم النصف هو قال (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ) (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ) فلماذا مع هذه قال (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ)؟ لماذا نصف الزوج من زوجته التي ماتت قبله وليس لديها عيال؟ لماذا (نِصْفُ)؟ يقول لك يا رجل تزوجت بنت الناس ولم تنجب منها عيال إمرأة ماتت من دون عيال وحتماً كونها ما عندها عيال أنت سوّدت عيشتها وتعيّرها كل يوم وتتعبها ثم ماتت ثم تأخذ نصف؟ صح هو قانوناً من حقك لكن أخلاقياً ذوقاً يجب أن لا تأخذ لماذا؟ أنا أطلب نجيب مليون درهم مثلاً ونجيب ما يقبل يعطيني لأن ما عنده غير البيت(1/36)
الذي يسكنه أنا من حقي قضاءً أشتكي عليه وأجعله يبيع البيت ويعطيني فلوسي إن شاء الله يعيش في الشارع كقانون كحق حقوق محكمة معقول من حقك أن تأخذ فلوسك ودعه يبيع البيت، لكن أخلاقياً مرؤةً إنسانياً كيف تجعل هذا صديقك وأخوك كيف تبيعه البيت؟ّ تقول والله ليس من شأني أنا أريد مالي، تأخذ حقك وهو ليس حراماً فهو حقك لكن حق رديء ليس لديك مرؤة.(1/37)
فرب العالمين كأنه والله أعلم يقول له يا زوج هذه زوجتك ما كان لها عيال وعاشت معك في نكد وعنده فلوس من ابوها وراثه من أبوها من أهلها عندها رواتب أو عمارة أو بيت أنت كقضاء وكحق وحقوق لك نصف (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) بس والله العظيم لو عندك ذوق وعندك رجولة تقول لأبويها الله يجزاكم خير والله يرحمها التي لم تر خيراً عندي وأنا عاد أخذ فلوسها بعد خذوها أنا لا أريد منكم شيء يا الله اشلون موقف كريم وعظيم من زوجٍ يرى أنه لم يسعد زوجته وزوجته لم تسعده فلم يأتيهم أطفال وبعدين عاش معهم سنتين تخدمها وكذا وتحصنه والخ وبعدين ماتت قبله وعندها ثروة تأخذ نصفه؟ والله يا أخي اتركه لأهلها لأخوانها لأمها لأبوها لأقاربها ليس لك عليها شيء رب العالمين من كرمه قال أنت لك نصف باعتبار أنت صرفت عليها لما كانت عندك إذاً لعل الله سبحانه وتعالى عندما نكّر كلمة نصف فقط فقط نصيب الزوج من ميراث زوجته التي ماتت وليس لديها عيال وماتت قبل الزوج (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ (12) النساء) لا، هذه حرمتي أم عيالي وفلوسها فلوسي وفلوس أولادها فليأخذ حق الأولاد تأخذه بقوة أخلاقياً وأدبياً هذا حقك فهي أم عيالك لكن الأولى ليس لديها عيال وحينئذٍ يجدر بكل رجل يتزوج امرأة وليس عندها أولاد وعاشت معه على الحلوة والمرة ولديها ثروة قضاء وقانون وعدالة له الحق أن يأخذ النصف لكن مرؤتنا يقول لا هذا كثير حصل والله حصل أنا أعرف فلان وفلان وفلان لما ماتت زوجته لم يأخذ درهم من فلوسها تركها لأهلها وأخوانها وأخواتها وإذا كان لديها عيال أعطاه لعيالها وهذا والله أعلم هو السر في أن السهم الوحيد الذي ليس فيه ألف ولام في هذه الآية في آية الميراث هو النصف مال الزوج.(1/38)
ونفس الشيء في آخر سورة النساء في الكلالة الثانية يتكلم عن الأخ إذا شخص مات وليس لديه أولاد ولا أم ولا أب لكن عنده أخوة وخوات عنده أخت من أب أيضاً لها النصف هذا قال (فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ (176) النساء) يعني أنت تلاحظ هذا النصف في حالات غير مؤاتية، واحد ليس لديه لا أخت ولا أب ولا عيال ما عنده أحد ما عنده غير أخته يعني فقط فرب العالمين نكّر هذه الأنصفة عندما يكون هذا الميراث غير مُسعِد أنت تبني سعادتك على إنسانة شقيت أو إنسان شقي كل واحد ما عنده والله أعلم وهذا الذي نقوله.
*كلمة حليم في القرآن: (من برنامج هذا ديننا للدكتور عمر عبد الكافي على قناة الشارقة)
وردت كلمة حليم في القرآن 15 مرة عشرة منها 11 مرة كإسم من أسماء الله عز وجل الحسنى:
1. (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) البقرة).
2. (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) البقرة).
3. (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) البقرة).
4. (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) آل عمران).(1/39)
5. (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء).
6. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) المائدة).
7. (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء).
8. (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) الحج).
9. (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) الأحزاب).(1/40)
10. (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) فاطر)
11. (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) التغابن).
ووردت مرتين في ابراهيم - عليه السلام - :
1. (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) التوبة).
2. (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) هود).
ووردت مرة في اسماعيل - عليه السلام - عند البشارة به في قوله تعالى (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) الصافات).
ووردت مرة على لسان قوم شعيب الذين كانوا يستهزئون به في قوله تعالى (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)).
والحليم لا يأتي إلا بخير وهو السمت في الخُلُق العربي فالتزكية ربع المهمة المحمدية لأن عليه يقوم الأمر كله. والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فكأن هذه المهمة هي المهمة الرئيسية للرسول - صلى الله عليه وسلم - . وكما أن الأشياء توزن والأطوال تُقاس فإن وحدة قياس الأخلاق هي خُلُق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه هو المثال البشري المنفوق هيّأه تفوقه أن يعيش واحداً فوق الجميع فعاش واحداً بين الجميع.
ونلاحظ في القرآن الكريم أنه عند البشارة باسماعيل - عليه السلام - جاءت بقوله تعالى (غلام حليم) فاسماعيل جدّ العرب حليم فكأن الحلم يتصف به جدُّ لعرب والحِلم كله خير ولا يأتي إلا بخير "كاد الحليم أن يكون نبياً".
وفي البشارة باسحق جدّ اليهود كانت البشارة (غلام عليم) فكأن العلم يتّصف به جدّ اليهود.
آية (13-14):(1/41)
*قال تعالى في سورة الجن (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)) وفي سورة النساء قال تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)) فما الفرق بين خالدين وخالداً؟(د.فاضل السامرائى)(1/42)
الآية الكريمة في سورة الجن (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وفي النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) قال خالدين في سورة الجن بالجمع وخالداً بالإفراد في النساء. الوعيد بالعذاب في آية النساء أشد (يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) أشد لأنه عذاب بالنار وبالوحدة، في الجن قال خالدين بالجمع لأن الجنة فيها نعيمان نعيم الجنة ونعيم الصحبة وهنا قال خالداً يعني منفرداً لأن الوحدة عذاب حتى لو كان في الجنة، يكون وحده ليس معه أحد ولا يتكلم مع أحد هذا شيء ثقيل جداً. إذن مبدئياً العذاب في آية النساء أشد، الوعيد. لماذا هو أشد؟ قال في سورة الجن (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ) وقال في سورة النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) هذا زيادة. العصيان يعني عدم الطاعة وتعدي الحدود عدم الطاعة ولكن فيها إضافة قد تكون هنالك حدود في أمور معينة (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا (187) البقرة) (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (229) البقرة) هذه إضافة إلى العصيان لأن أحياناً مجرد العصيان ليس بالضرورة كفر مجرد المعصية لأن الإنسان قد يعصي ربه في شرب خمر أو سرقة أو زنا. (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) هذه زيادة. الجريرة هنا جريرتان عصيان وتعدٍ الحدود، في الجن ذكر العصيان فقط وفي النساء ذكر العصيان وتعدي الحدود ولذلك قال (وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) إضافة إلى النار له عذاب مهين فإذن هنالك سبب دعا إلى هذا الاختلاف ولذلك لا تجد في أصحاب الجنة خالداً مطلقاً وإنما دائماً خالدين لأنه ليس هناك وحدة بينما في النار فنجد خالدين وخالداً.(1/43)
سؤال: ربما تكون (من) هنا للجمع أو للمفرد، هل (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) تعني مفرد أو جمع؟
(من) تحتمل لأن كلمة خالدين خلّصتها للجمع. وأيضاً هنالك أمر آخر بياني حسّن استخدام الجمع في آية الجن وهو ذكر اجتماع الكفرة على رسوله (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) الجن) هذا اجتماع، هؤلاء خالدين بزمرتهم. مما حسّن الإفراد في آية سورة النساء أنهم أقل من المذكورين لأنه عصيان وتعدي الحدود فيه قلة ومن ناحية أخرى حسّن القلّة نسبياً. إذن من كل وجه صار الإفراد في آية النساء أنسب في السياق وخالدين في آية الجن أنسب في السياق.
سؤال: هل لنا أن نفهم في آية النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) يتعدى حدود من؟ الله أو الرسول؟ هل العطف يعود على الأقرب؟
العطف ليس بالضرورة يعود على الأقرب لأن ما حدّه الرسول هو ما حدّه الله، يعني يتعدى حدوده أي حدود الله.
سؤال: قال تعالى في آية النساء (يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) هل لنا أن نسقم العذاب بحسب الجريرة، يعني ناراً خالداً فيها بسبب العصيان وله عذاب مهين بسبب تعدي الحدود؟
الله أعلم، ليست هنالك قرينة سياقية تحدد صورة معينة للعذاب مع خطيئة محددة. ذكر مهين أنهم تعدوا الحدود، استخفوا بحدود الله فأهانهم أي أذلّهم، لأن العذاب ليس بالضرورة مهين قد يكون فيه عذاب أليم أن تضربه مثلاً. ليس العذاب مهيناً بالضرورة ولهذا هنالك في القرآن عذاب عظيم، وشديد ومهين وأليم، عذاب مُذِل يعني أمام الناس تفضحه وتجعله يفعل أشياء.
سؤال: في الجن قال (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وفي النساء (خَالِدًا فِيهَا) هل تضيف كلمة (أبداً) لخالدين من حيث الدلالة الزمنية على الأقل؟(1/44)
لما يكون تفصيل غالباً تضيف (أبداً) لكن هنا قال (وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ). (أبداً) يعني غير منقطع مستمر. الخلود هو البقاء الطويل أيضاً هو في القرآن خالداً لكن (أبداً) تأكيد للمسألة.
سؤال: هل هنالك خلود في النار؟ أم من يقضي سيئاته سيخرج ويذهب إلى الجنة؟ ماذا يحتمل سياق الآية من الناحية اللغوية؟
أنا أعرف أن الخلود هو البقاء غير المنقطع والدوام و(أبداً) يؤكد هذا المعنى، هذا الذي أفهمه من اللغة.
سؤال: ليتنا نأتي على كل الآيات نقوم بعمل دراسة في القرآن الكريم على من يذهب والعياذ بالله أعاذنا منها إلى النار ونبحث مدة البقاء فيها، هنالك من يجلس في النار وهنالك من (خالدين فيها أبداً) (خالداً فيها) (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) البقرة) وهناك البعض يقول يقضي ما عليه من السيئات ثم يخرج منها.
إذا كان مسلماً يقضي من السيئات ما يقضي ثم يخرج بعدها (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران) (وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ (40) الأعراف) معاصي مختلفة، هذا الباب الدخول فيه والكلام فيه يحتاج لحذر شديد وربنا تعالى ذكر أن من يقتل نفساً بغير نفس خالداً فيها لكن كثير من الناس قال هذه تغليظ عقوبة القتل.
سؤال: هل هناك دليل في القرآن على هذا؟
هم يقولون بالنسبة للمسلم يستندون للأحاديث " من قال لا إله إلا".(1/45)
* في آيات الميراث في سورة النساء قال تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)) في الجنة قال خالدين فيها وفي النار قال خالداً فيها فما دلالة جمع خالدين في الجنة وأفردها في النار؟(د.فاضل السامرائى)
((1/46)
تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) والآية التي بعدها مباشرة (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) في أكثر من مناسبة قلنا في الجنة لم ترد خالداً بالإفراد في عموم القرآن لم يرد في أصحاب الجنة مرة واحدة خالداً ولهذا دلالة محددة. لما ذكر النار يذكر خالدين ويذكر خالداً لأن الوحدة هي عذاب لو أدخلته الجنة وليس معه أحد يتكلم معه فهذا عذاب، ولذلك في النار ذكر أمرين ذكر عذاب النار وعذاب الوحدة فقال (يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا) أما الجنة لم يذكر خالداً لأن دائماً فيها اجتماع فيأنس من نعيم الاجتماع وما في الجنة من نعيم فقال خالدين. ثم هناك أمر آخر لما قال يدخله جنات بالجمع معناه أكثر من واحد يدخل (مَنْ) تحتمل المفرد والجمع، عموماً أكثر الكلام أنه يبدأ بالمفرد ثم يأتي فيما بعد ما يبين هذا الشيء (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) هذا هو الأكثر يبدأ بالمفرد المذكر أياً كان ثم يجمع. مع الجنة قال خالدين لأن فيها نعيمان نعيم الجنة ونعيم الصحبة وأما في النار ففيها عذاب النار وعذاب الوحدة وقد تأتي خالدين في النار ولم ترد في الجنة خالداً فيها أبداً وخالداً وخالدين تأتي مع النار. عذاب أهل النار بالإشتراك كأن يكون إهانة يقولون لبعضهم أنت كنت كذا وأنت كنت كذا يختصمون وهذا عذاب آخر.
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
((1/47)
تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ (13) النساء) مشهد ملموس ومحسوس ترسمه عبارة حدود الله فكل منا يعرف حدّه في منزله مثلاً فلا يجرؤ على دخول حدّ جاره وإن دخل فهو موقن أنه مخالف ومتجاوز حقّه وقد استعمل ربنا تعالى الحدود ليقرّب الفكرة لأذهاننا فشرع الله حدٌّ لا ينبغي لنا أن نتجاوزه.
*(وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14) النساء) إن تهديد المرء بالنار وعيد وعذاب فإذا أشيف إليه الخلود فهذا من أشد ألوان العذاب. فما فائدة ختم الآية بقوله تعالى (وله عذاب مهين)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
أراد الله تبارك وتعالى أن يهدد الخارجين عن حدوده بألفاظ ترجف القلوب وتقع في قلوبهم موقع الخوف ليتأمل الإنسان سوء مصيره ولذلك ختمت الآية بوصف العذاب المهين لأن من العرب من لا يخشى كلمة النار ولكنه يأبى الضيم والإهانة فقد يحذر الإهانة أكثر مما يحذر عذاب النار ولذا قال العرب في أمثالهم "النار ولا العار".
*(ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {119} المائدة) - (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {13} النساء) - (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {72}التوبة) - (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {111} التوبة) - (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {60}الصافات)ما الفرق بين هذه الخواتيم؟(د.أحمد الكبيسى)(1/48)
فى سورة المائدة عندما قال تعالى (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر، رب العالمين يقول هؤلاء الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه قال (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) كما قال عن الجنة عيسى عندما دعا لقومه (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {118} قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {119} المائدة) (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر أنت ناجح (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر فقط.
في النساء أضاف واو (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) تلك حدود الله، هناك فقط لمن آمن وكان صادقاً في عباداته (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وهذا أساس الجنة، من دخل الجنة (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ {185} آل عمران) لكن فاز، الفوز أنواع هناك فوز مجرّد يعني 50% وهناك فوز عظيم لكن في أعظم منه والأعظم منه هو الذي فيه واو فيه قسم (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هذا الثاني (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لمن يطيع الأحكام في الكتاب والسنة حلال وحرام قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {13}النساء) هي الطاعة من يطع الرسول فقد أطاع الله (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ{20} الأنفال) بالحلال والحرام هذه هي التقوى، إذاً فيها واو (وَذَلِكَ) هذا واحد.(1/49)
في سورة التوبة أضاف هو بدون واو في قوله (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {72} التوبة) من هم هؤلاء؟ الذين هم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ{71} التوبة) هو يعني خصّصّ أن هذا الفوز فوز فريد (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لا فوز غيره في مقامه (ذَلِكَ هُوَ) (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ {80} الشعراء) في يطعمني ويسقيني لم يقل هو لأن هناك غيره يطعمون ويسقونك هناك آخرون أبوك أمك الدولة الخ هنا (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) ما في غيره ولا الطبيب هذا أسباب بينما هنا قال نفس الشيء (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) كلمة هو أضافها لكي يبين أن هذا فوز متميز لأن فيه طاعة الحلال والحرام.(1/50)
في موقع آخر في سورة التوبة أضاف الواو والهاء يقول تعالى (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {111} التوبة) هذه للشهداء (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {111} التوبة) قطعاً أن فوز الشهداء أقوى من فوز الذين يتبعون الحلال والحرام الطاعة لأن هذا إضافة، الحلال والحرام أنت ملزم به ولكن هذا لم يكن ملزماً به أن ينال الشهادة فنال الشهادة قال (وَذَلِكَ) واو القسم جاء بالواو وهو معاً، الله سبحانه وتعالى يقسم بأن هذا هو الفوز الفريد المتميز جداً لماذا؟ لأن فيها شهادة. أنت لاحظ كل زيادة حركة في تغيير في المعنى فهناك الأولى خَبَر الثانية للمتقين الصادقين الثالثة لمن اتبع الحلال والحرام الرابعة للشهداء (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).(1/51)
أخيراً في الصافات قال (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {60} الصافات) إنّ مؤكِّدة ثم هو ثم لام توكيد إنّ على هو، يعني هذا معناه فوز عجيب متى هذا؟ هذا عندما الناس دخلوا الجنة وعاشوا بسعادة وحور عين وأماكن رائعة جداً وجالسين في مجالس حلوة وفي هذه النعمة العظيمة فازوا فوزاً عظيماً فواحد قال والله يا جماعة احمدوا الله على هذا الذي نحن فيه (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ {51} يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ {52} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ {53} الصافات) ما في آخرة والخ كان ملحداً أو شيوعياً فقال له والله العظيم هذا الرجل كان أوشك رويداً رويداً أن يجعلني أكفر فذاك قال له الآخر (قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ {54} الصافات) طبعاً في الآخرة قوانين عجيبة لا يوجد مساحة ولا مسافة ولا جاذبية من الصعب تصورها وأنت جالس ممكن أن ترى كل الكون في لحظة واحدة فقط خطر في بالك ترى فلان في جهنم تراه أو فلان في الجنة تراه على خواطرك الذي تريده يحدث (قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) انظروا على جهنم وإذا هذا صاحبه الذي كان سيُضِله وإذا به في جهنم قال له (فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ {55} قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ {56} وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ {57} الصافات) الحمد لله الذي خلصني فارتعب عندما رأى هذا المنظر في الجحيم وهو في النعيم شعر بالفرق الهائل، هذا الفزع الأكبر الذي يعيشون فيه أهل النار كان من الممكن لو أنه أطاع هذا الإنسان وصار شيوعياً أو صار ملحداً أو كفر بالله أو ما شاكل ذلك أو قال له تعالى نقتل مسلماً نكفِّره أو نقتل شخصاً نفسِّقه يعني هذا الإنسان طبعاً كل مجرم في ناس أضلوه (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {67} الزخرف)(1/52)
لما يرى الفرق الذي هو فيه والجحيم الذي براه ارتعب أنت في الدنيا كثير من الناس دخلوا سجون ورأوا أدوات تعذيب خيال على حين غرة واحد منهم يخرجونه لأمرٍ ما يشعر بكرم الله والرحمة كيف خلص من هذا العذاب الذي كان فيه؟ هذا عذاب الدنيا فكيف عذاب الآخرة (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ {56} وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) إلى أن قال (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ {58} إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ {59} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {60} الصافات) يعني نحن لن ندخل جهنم ولن نموت ولن نحاسب مرة أخرى! يكاد يجن من الفرحة (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
آية (15):
*ما الفرق بين يتوفى و يدركه الموت؟(د.حسام النعيمى)
يتوفى:(1/53)
ورد في سورة النساء (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)) جعل الله تعالى لهن سبيلاً بالحدّ عندما نزلت الآيات وأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحدّ مرتكبة الفاحشة. (يتوفاهن الموت) التوفي هو أخذ الشيء كاملاً غير منقوص. الموت لا يقوم بأخذ الشيء وافياً وإنما أُسند العمل إلى الموت على سبيل التوسع لعلاقة السببية لأن الموت معناه إنقضاء العمر الذي يؤدي إلى أن تؤخذ روحه وافية غير منقوصة، أنه يتوفّى. الموت ليس هو الذي يأخذ الروح لكن الموت إيذان بانتهاء العمر، ما بقي لهذا الإنسان من عمره شيء فهو ميّت. الذي يتوفى هذه الأنفس (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61) الأنعام) الملائكة التي تأخذ الروح وحتى الرسل الملائكة ليست هي التي تتوفى الأنفس لأن (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) الزمر) النسبة الحقيقية أي الفاعل الحقيقي لهذا التوفي هو الله سبحانه وتعالى، الملائكة وسيلة والموت سبب.(1/54)
الله سبحانه وتعالى ينسب أحياناً الفعل لغيره باعتباره الغير سبب أو مرتبط بأمره (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا (10) فاطر) حصر هنا العزة لله عز وجل وحده دون غيره وفي موضع آخر قال (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) المنافقون) إرتباط الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالله، هو رسول الله فمنحه الله تعالى العزة. كذلك هاهنا لما قال تعالى (حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) يعني يستوفي أرواحهن الموت أي يتوفاهن ملائكة الموت. قالوا كان ذلك عقوبتهن أوائل الإسلام فنُسِخ بالحدّ. في قوله تعالى (حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) جاء اللفظ بالإسناد إلى الموت على سبيل التوسع لعلاقة السببية لأن الموت نهاية العمر فهو سبب الوفاة والذي يتوفى الأرواح الرسل من الملائكة بأمر من الله سبحانه وتعالى فالذي يتوفى الأرواح على الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى.
يدرك:
في سورة النساء (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ (78)) الآية كأنما تصور من ينتقل من مكان إلى آخر هرباً من الموت والموت يسعى وراءه حتى يدركه أينما كان ولو كان متحصناً في بروج مشيدة قوية الجدران محكمة الأبواب. لما يدركه يكون قريباً منه ويقبض بعد ذلك. يُفهم من الآية أنه يموت قطعاً. يدرككم أي لما يصل إليكم وسيكون نتيجته مفارقة الحياة. وفيه صورة الملاحقة والهارب الذي يلحقه شيء. حتى في المجاز تقول أدركت ما يريد فلان أي تتبعت عباراته بحيث وصلت إلى الغاية من عبارته.(1/55)
الآية الأخرى في سورة النساء (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100)) هو مهاجر لما هاجر هاجر فراراً بدينه وحياته وهو خارج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله كأن الموت يسعى وراءه (ثم يدركه الموت) الخارج من بيته مهاجراً إنما خرج فراراً بدينه من أن يفتنه الكفار فهو فارٌ منهم لكن الموت يتبعه ويدركه في طريق الهجرة وهذا أجره عظيم فقد وقع أجره على الله كما قال تعالى (فإنه ملاقيكم) الموت هنا لم يأت فاعلاً وإنما إسم إنّ (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ (8) الجمعة).
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) النساء) التوبة المرفوضة هي التي تكون حين يشرف الإنسان على الموت ويدرك أنه صار قريباً منه كأن الموت لم يقع بعد بدليل أنه استطاع أن يتكلم فهو لم يمت بعد. وعلى هذا نقول أن كلمة (حضر) عندما تأتي مع الموت فيها معنى القرب والمشاهدة وكأنه فيها نوع من التجسيد للموت كأن الموت حيٌّ يحضر مع من يحضر حوله من أهل الذي ينازع فيشهد هذا الموت.
*(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ (17) النساء) تأمل هذا التعبير الإلهي البديع فقد قيّد الله سبحانه وتعالى عمل السوء بجهالة فقال (يعملون السوء بجهالة) فلِمَ عدل ربنا تعالى عن وصفه بالجهل فلم يقل يعملون السوء عن جهل؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/56)
الجهالة تطلق على سوء المعاملة وعلى الإقدام على العمل دون رويّة في حين أن الجهل يعني عدم العلم بالشيء فلو عمل أحد معصية وهو غير عالم بأنها معصية فليس يأثم وإنما يجب أن يتعلم ويبتعد عن المعاصي ولذلك حصر الله تعالى السوء بالجهالة دون الجهل لأن هذا الفعل هو الذي يحب أن يتوب الإنسان عن فعله.
آية (18):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل حضر وجاء في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
فعل حضر والحضور في اللغة أولاً يعني الوجود وليس معناه بالضرورة المجيء إلى الشيء (يقال كنت حاضراً إذ كلّمه فلان بمهنى شاهد وموجود وهو نقيض الغياب) ويقال كنت حاضراً مجلسهم، وكنت حاضراً في السوق أي كنت موجوداً فيها.
أما المجيء فهو الإنتقال من مكان إلى مكان، فالحضور إذن غير المجيء ولهذا نقول الله حاضر في كل مكان دليل وجوده في كل مكان. وفي القرآن يقول تعالى (فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء) سورة الكهف بمعنى لم يكن موجوداً وإنما جاء الأمر. وكذلك قوله تعالى (فإذا جاء أمرنا وفار التنور) سورة هود. إذن الحضورة معناه الشهود والحضور والمجيء معناه الإنتقال من مكان إلى مكان.(1/57)
ما الفرق الآن من الناحية البيانية بين قوله تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً. سورة النساء {18}) وفي سورة المائدة: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ {106}) وقوله تعالى في سورة البقرة (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {133}) وفي سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99}) وفي سورة الأنعام (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ {61}).(1/58)
القرآن الكريم له خصوصيات في التعبير فهم يستعمل كلمة (بررة) للملائكة وكلمة (ابرار) للمؤمنين. وفي كلمة حضر وجاء لكل منها خصوصية أيضاً. حضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في سورة آية سورة البقرة وكأن الموت هو من جملة الشهود فالقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت فالكلام هو في الأحكام والوصايا (إن ترك خيراً الوصية) (ووصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد).
أما مجيء الموت في القرآن فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في آية سورة المؤمنون يريد هذا الذي جاءه الموت أن يرجع ليعمل صالحاً في الدنيا فالكلام إذن يتعلق بالموت نفسه وأحوال الشخص الذي يموت. وكذلك في آية سورة الآنعام. ويستعمل فعل جاء مع غير كلمة الموت أيضاً كالأجل (فإذا جاء أجلهم) وسكرة الموت (وجاءت سكرة الموت) ولا يستعمل هنا حضر الموت لأن كما أسلفنا حضر الموت تستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود أما جاء فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت وأحوال الشخص في الموت.
*ما الفرق بين اعتدنا وأعددنا فى القرآن الكريم ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/59)
أعتد فيها حضور وقرب والعتيد هو الحاضر (هذا ما لدي عتيد) أي حاضر وقوله (وأعتدت لهن متكئاً بمعنى حضّرت أما الإعداد فهو التهيئة وليس بالضرورة الحضور كما في قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم) بمعنى هيّأوا وليس حضروا وقوله (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدّة) أما في سورة النساء فقال تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً {18}) لأنهم ماتوا فأصبح الحال حاضراً وليس مهيأ فقط، وكذلك ما ورد في سورة الفرقان (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً {37}) قوم نوح أُغرقوا وماتوا أصلاً فجاءت أعتدنا. أما في سورة النساء (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً {93}) هؤلاء لا يزالون أحياء وليسوا أمواتاً فجاءت أعد بمعنى هيّأ. ومما سبق نقول أنه في آية سورة الإنسان بما أن جزاء أهل الجنة بالحضور بصيغة الوقوع لا بصيغة المستقبل كذلك يقتضي أن يكون عقاب الكافرين حاضراً كما أن جزاء المؤمنين حاضر فقال تعالى في أهل الجنة (يشربون من كأس، ولقّاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا) وجاء عقاب الكافرين حاضراً بصيغة الوقوع فقال تعالى (إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا).
آية (19):
* ما الفرق بين كلمة الكَره بفتح الكاف والكُره بضمها؟(د.فاضل السامرائى)(1/60)
الكَره بفتح الكاف هو ما يأتي من الخارج يقابله الطوع كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) النساء) وقوله تعالى (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) التوبة) وقوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)).
أما الكُره بضم الكاف فهو ما ينبعث من الداخل ففي قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) البقرة) جاءت كلمة الكُره لأن الإنسان بطبيعته يكره القتال وكذلك في قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) الأحقاف) الحمل في نفس الأم ثقيل ليس مفروضاً عليها وإنما آلآم الوضع والحمل وأي إنسان لا يريد المشقة لنفسه أصلاً.
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
((1/61)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا (19) النساء) لا شك أن وقع النهي علة أذن السامع أشد من الإخبار فقولك لولدك لا تفعل هذا فيه من الوعيد والأثر أشد من قولك أمنعك من هذا.
*(وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا (20) النساء) انظر قوله تعالى (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) فقد ضرب الله تعالى مثلاً للمهر بالقنطار فلِمَ قال قنطاراً ولم يسمِّه على الأصل: وآتيتم إحداهن مهراً؟ أو نِحلة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
المهر يطلق على القليل والكثير فلو حدّده بالمهر ثم أتبعه (فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا) لربما تبادر إلى أذهاننا أن المهر إن كان كثيراً يحق لنا أن نأخذ نصيباً ولكن عندما مثّل للمهر بالقنطار وهو كثير جداً ثم نهانا عن الأخذ منه علمنا أن المهر مهما قل أو كثر لا يحق لنا أن نقتطع منه لأنفسنا.
آية (21):
*(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ (21) النساء) تأمل أسرار البلاغة القرآنية في كلام الله عز وجل، ألم يلف نظرك هذا الاستفهام أي في قوله تعالى (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
إنه استفهام خرج إلى معنى آخر وهو التعجب من فعل ذلك الرجل الذي يريد أن يأخذ من صداق زوجه فهذا ليس من المروءة ولذلك ابتدأه الله تعالى باستفهام تعجبي.
آية (22):
*لم الاختلاف بين قوله تعالى (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) الإسراء) و (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) النساء) ؟(د.أحمد الكبيسى)(1/62)
الزنا بالمحارم أو زواج زوجة الأب من بعده (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) أضاف كلمة مقت، شخص زنا بامرأة هذه فاحشة وسبيل سيء لكنه في الحقيقة ليس مقززاً ولا مقرفاً امرأة جميلة وكذا راقصة أو مغنية أو ممثلة أو بغي جميلة جداً والله قال (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ) لكن أن تزني بمحارم؟ هذا ليس فقط فاحشة هذا قمتاً يعني مقزز مقرف يثير السخرية يثير العار المقت أشد البغضاء (لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ (10) غافر) حينئذٍ هم الاثنين زنا لكن في زنا عن زنا زنا بأجنبية فاحشة وساء سبيلاً (فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) زنا بمحرم فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً (فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) فكلمة مقتاً تضيف إلى الزنا بالمحارم جريمة زائدة ولهذا عقوبة الذي يزني بالمحارم ليس كعقوبة الزاني رجم أو جلد لا وإنما يلقى من شاهق يصعدونه على جبل على منارة على برج ويرمى من فوق لأنه لا يسوى لخسته ونذالته وحقارته لا يساوي أن يعاقب عقوبة الرجال ولكنها من جنس عقوبة قوم لوط.
آية (23)-(24):
*ما اللمسة البيانية في اسخدام المفرد مرة والجمع مرة أخرى في الآية (إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً {23})؟(د.فاضل السامرائى)
(من) لها لفظ ومعنى ويُعبّر عنها بالواحد أو الجمع، يقال جاء من حضر (اللفظ مفرد مذكر وحقيقتها مفرد أو مثنى أو جمع) وفى سورة الجن (إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً {23}).(1/63)
هناك قاعدة نحوية تقول: في كلام العرب يراعى المفرد أولاً ثم الجمع كما في قوله تعالى (ومن الناس من يقول آمنا ... وما هم بمؤمنين) وقوله (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا) وقوله (ألا في الفتنة سقطوا) وليس غريباً هذا الإستخدام في اللغة.
(من) في اللغة تستعمل للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث وعادة نبدأ لفظها أولاً على حالة الإفراد والتذكير ثم نحملها على معناها وهذا هو الأفصح عند العرب. كما في قوله تعالى (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً) نأتي بالإفراد والتذكير أولاً ثم يؤتى بما يدل على المعنى من تأنيث أو جمع أو تثنية.
وقد جاء في القرآن الكريم استخدام خالداً كما في سورة النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ {14}) وفي سورة التوبة (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ {63}) وجاءت في سورة الجن (خالدين) والسبب أن الله تعالى لم يقل (خالدين فيها) في النار مرة واحدة إنما قال (خالداً فيها) أما في الجنة فيقول دائماً خالدين فيها. ولأن الله تعالى أراد أن يُعذّب أهل النار بالنار وبالوحدة لأن الوحدة هي بحد ذاتها عذاب أيضاً بينما في الجنّة هناك اجتماع (خالدين، متكئين، ينظرون، يُسقون).
* ما الفرق بين قوله تعالى (لا جُناح عليكم) وقوله تعالى (ليس عليكم جناح)؟ السامرائى(1/64)
أولاً: لا جناح عليكم جملة إسمية، و (لا) هنا هي لا النافية للجنس على تضمن من الاستغراقية والمؤكِّدة دخلت على المبتدأ والخبر، والنحاة يقولون أن (لا) في النفي هي بمثابة (إنّ) في الاثبات . ومن المسلمات الأولية في المعاني أن الجملة الإسمية أقوى وأثبت وأدلّ على الثبوت من الجملة الفعلية ، وعليه يكون (لا جناح عليكم) مؤكّدة كونها جملة إسمية وكونها منفية بـ (لا) هذا من الناحية النحوية. أما الجملة (ليس عليكم جناح جملة) فهي جملة فعلية ولا يمنع كون ليس ناسخاً لأن المهم أصل الجملة قبل دخول الناسخ عليها. هذا من حيث الحكم النحوي أن الجملة الإسمية أقوى وأثبت وأدلّ على الثبوت من الجملة الفعلية.
أما من حيث الاستعمال القرآني فإذا استعرضنا الآيات التي وردت فيها ليس عليكم جناح ولا جناح عليكم في القرآن نجد أن لا جناح عليكم تستعمل فيما يتعلق بالعبادات وتنظيم الأسرة وشؤونها والحقوق والواجبات الزوجية والأمور المهمة، أما ليس عليكم جناح تستعمل فيما دون ذلك من أمور المعيشة اليومية كالبيع والشراء والتجارة وغيرها مما هو دون العبادات في الأهمية. ونورد الآيات القرآنية التي جاءت فيها الجملتين:
لا جناح عليه(1/65)
في سورة النساء: (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ (23)) (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ (24)) (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ (102)) (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا (128)) وفي سورة البقرة: ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا (158) هذه عبادة، ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ (229)(230)(233)(234)(235)(236)(240) هذه الآيات كلها في الحقوق وفي شؤون الأسرة.
وفي سورة الأحزاب (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ (51)) و(لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ (55)) وفي سورة الممتحنة (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (10))
ليس عليكم جناح(1/66)
في سورة النساء (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (101)) وفي سورة البقرة: ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)) وقوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا (282)) وفي سورة المائدة (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)) وفي النور (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ (29)) و (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)) و(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا (61)) وفي سورة الأحزاب (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ (5))(1/67)
وقد ورد في القرآن الكريم آيتان متتابعتان كل منهما تحتوي على إحدى الجملتين فقد قال تعالى في سورة النساء (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)) وقال تعالى في آية أخرى (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)) الأمر في الأولى يتعلق بالضرب في الأرض وهو السير في الأرض للتجارة أو غيرها ، أما في الثانية فالأمر يتعلق بالصلاة في موطن الجهاد فالآية فيها عبادة وفي موطن عبادة أما في الأولى فالموطن مختلف لأن موطن الجهاد أهم من موطن الراحة والاستجمام، والجهاد في مقتصد الدين أكثر من الضرب في الأرض. فجملة (لا جناح عليكم) أقوى لأنها جملة اسمية ومؤكدة فيستعملها في المواطن المهمة كاعبادات وتنظيم الأسرة والأمور المهمة. وهناك فرق كبير بين (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً) والآية الثانية من سورة المائدة مثلاً ولا شك أن الأكل جميعاً أو أشتاتاً ليس بمنزلة الجهاد. وهكذا إذا لاحظنا ورود "لا جناح عليكم" و"ليس عليكم جناح" يجب أن ننبته إلى الموطن الذي جاءت فيه.(1/68)
*(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (23) النساء) في الآية السابقة التي حرّم الله تعالى بها نكاح زوجات الأب عبّر عن التحريم بالنهي فقال تعالى (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ (22)) فلِمَ عدل عنه إلى الماضي فقال (حُرِّمت) ولم يقل ولا تنكحوا أمهاتكم؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن أسلوب النهي كقولك لابنك لا تلعب الكرة فيه إيحاء بأنه كان يلعب بالماضي ولذلك نهيته عن المستقبل بخلاف قولك نُهينا عن لعب النرد فهذا يدل على تحريمه سابقاً ولاحقاً ولذلك عبّر عن نكاح زوجات الأب بالنهي لأن هذا الفعل كان شائعاً عند العرب ثم حرّمه الإسلام. أما نكاح المحارم من الأمهات والبنات والأخوات فهذا لم يكن لدى العرب قبل الاسلام ولذلك عبّر عنه بقوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) ليبين لنا أن هذا التحريم أمر مقرر سابقاً وأتى القرآن ليثبته وهذا ما عبّر عنه ابن عباس بقوله: كان أهل الجاهلية يحرّمون ما حرّم الإسلام إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين ولذلك عبّر عنه بالمضارع (وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ).(1/69)
* ما الفرق بين السفاح (مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ (24) النساء) والبغاء (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء (33) النور) والزنى (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32) الإسراء)؟ السامرائى
البغاء هو الفجور، بغى في الأرض أي فجر فيها أي تجاوز إلى ما ليس له. (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ (76) القصص) تجاوز الحدّ. فهي تجاوزت حدها عندما فعلت هذه الفعلة. لذا يقال للمرأة بغيّ ولا يقال للرجل بغيّ (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) مريم) عند العرب لا يوصف الرجل بالبغيّ في الزنا البغاء للمرأة. إشتقاقه اللفظي بغت المرأة إذا فجرت لأنها تجاوزت ما ليس لها. الزنا هو الوطء من غير عقد شرعي. البغاء استمراء الزنا فيصير فجوراً. المسافحة أن تقيم معه على الفجور، تعيش معه في الحرام من غير تزويج صحيح. المسافحة والسفاح هي الإقامة مع الرجل من غير تزويج شرعي وهذا أشد لأنه تقيم امرأة مع رجل على فجور. كله فيه زنا والزنا أقلهم، إذا استمرأت الزنا صار فجوراً بغاء وإذا أقامت معه بغير عقد شرعي يقال سفاح. الرجل يوصف بالسِفاح أيضاً (غير مسافحين). الزنا يوصف به الرجل والمرأة (والزانية والزاني) أما البغاء والبغي فللمرأة تحديداً والسفاح للرجل والمرأة. وكل كلمة لها دلالتها في القرآن الكريم.
*(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ (24) النساء) في هذه الآية قُرِئت المحصَنات بالفتح أي التي أُحصِنت من زوجها ولم يُقرأ بالكسر المحصِنات وفي سائر المواضع تقرأ بالفتح والكسر فلِم لم تُقرأ والمحصِنات من النساء؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/70)
المحصَنات هي المرأة المتزوجة وسميت محصنة من أحصنها الرجل إذا حفظها واستقل بها عن غيره. ويقال محصنة إذا أحصنت نفسها بالعفاف. هذه الآية معطوفة على الآية التي قبلها (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) أي وحُرِّمت المحصَنات المتزوجات ولذلك قُرئت الفتح فقط أن اللواتي حرم التزوج بهن هن المتزوجات أما المحصِنات أي العفيفات فليس الزواج بهن محرّماً بل يُندر أن تبحث عنهن.
آية (25):
*ما دلالة استعمال (إذا) و(إن) في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
(إذا) في كلام العرب تستعمل للمقطوع بحصوله كما في الآية: (إذا حضر أحدكم الموت) ولا بد ان يحضر الموت، (فإذا انسلخ الاشهر الحرم) ولا بد للأشهر الحرم من أن تنسلخ، وقوله تعالى: (وترى الشمس إذا طلعت) ولا بد للشمس من أن تطلع وكقوله: (فإذا قضيت الصلاة) ولا بد للصلاة أن تنقضي.
وللكثير الحصول كما في قوله تعالى (فإذا حُييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردوها). ولو جاءت (إذا) و(إن) في الآية الواحدة تستعمل (إذا) للكثير و(لإن) للأقلّ كما في آية الوضوء في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {6}) القيام إلى الصلاة كثيرة الحصول فجاء بـ (إذا) أما كون الإنسان مريضاً أو مسافراً أو جنباً فهو أقلّ لذا جاء بـ (إن).(1/71)
وكذلك في سورة النساء (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {25}) إذا جاءت مع (أُحصنّ) ووهذا الأكثر أما إن فجاءت مع اللواتي يأتين بفاحشة وهو قطعاً أقل من المحصنات. وكذلك في سورة الرعد (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ {5} ).
وفي سورة الليل (وما يغني عنه ماله إذا تردى) التردّي حاصل والتردي اما أن يكون من الموت او الهلاك، او تردى في قبره، او في نار جهنم فماذا يغني عنه ماله عندها؟وهذه ليست افتراضاً وانما حصولها مؤكد وهي امر حاصل في كل لحظة ولهذا السبب جاء بلفظ (إذا) بدل (إن) لأن (إذا) مؤكد حصولها) و(إن) مشكوك فيها او محتمل حدوثها. وهذه إهابة بالشخص أن لا يبخل او يطغى او يكذب بالحسنى،إذن لا مفر منه فلماذا يبخل ويعسر على الآخرين ويطغى ويكذب بالحسنى؟
وقد وردت إذا في القرآن الكريم 362 مرة لم تأتي مرة واحدة في موضع غير محتمل البتّة فهي تأتي إمّا بأمر مجزوم وقوعه أو كثير الحصول كما جاء في آيات وصف أهوال يوم القيامة لأنه مقطوع بحصوله كما في سورة التكوير وسورة الإنفطار.(1/72)
أما (إن) فستعمل لما قد يقع ولما هو محتمل حدوثه أو مشكوك فيه أو نادر او مستحيل كما في قوله تعالى (أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) هنا احتمال وافتراض، و (وإن يروا كِسفاً من السماء ساقطاً) لم يقع ولكنه احتمال، و(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الأصل أن لا يقع ولكن هناك احتمال بوقوعه، وكذلك في سورة (انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه) افتراض واحتمال وقوعه.
آية (26):
*(حَكِيمٌ عَليمٌ) (عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)(1/73)
إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدم العلم وإلا يقدم الحكمة، إذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدم الحكمة وإذا كان في العلم يقدم العلم. حتى تتوضح المسألة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) البقرة) السياق في العلم فقدّم العلم، (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) النساء) هذا تبيين معناه هذا علم، (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) يوسف) فيها علم فقدم عليم. قال في المنافقين (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) الأنفال) هذه أمور قلبية، (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) التوبة) من الذي يطلع على القلوب؟ الله، فقدم العليم. نأتي للجزاء، الجزاء حكمة وحكم يعني من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم، تقدير الجزاء حكمة (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128) الأنعام) هذا جزاء، هذا حاكم يحكم تقدير الجزاء والحكم قدم الحكمة، وليس بالضرورة أن يكون العالم حاكماً ليس كل عالم حاكم. ((1/74)
وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ (139) الأنعام) هذا تشريع والتشريع حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع لما يكون السياق في العلم يقدّم العلم ولما لا يكون السياق في العلم يقدّم الحكمة.
آية (27):
*د.أحمد الكبيسى:(1/75)
فى قول الله تعالى(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ {27} النساء) إعلان إرادة، أعلن إرادته لعبادة المؤمنين بأن إرادته سبقت أن يتوب على كل المؤمنين إذا تابوا (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ) أن يتوب، (يريد الله ليتوب) اتخذ الأسباب وتاب هذا الوعد تطبق يعني كيف رب العالمين لما أعلن هذه التوبة ثم طبقها قال من استغفر غفرت له وبين الصلاتين كفارة ورمضان لرمضان كفارة، نفائس، كظم الغيظ غفار، العفو عن الظالم كفارة، بر الوالدين كفارة كل هذه العبادات التي لا حصر لها مما جاء بها النص أنها تغفر الذنوب يعني مثلاً (ثلاثة لا يضر معها ذنب بر الوالدين) رمضان لرمضان كفارة ولا يعرف مضاعفات رمضان إلا الله هناك أعمال بمثلهما، أعمال بعشرة، أعمال بخمسة عشرة، أعمال بخمس وعشرين، أعمال بسبعمائة والصوم لا يعلم مقدار مضاعفاته إلا الله وبالتالي رب العالمين لما شرع لك عبادة بهذا الشكل تاب عليك (رغم أنف عبدٍ أدرك رمضان ولم يغفر له) إذاً الفرق بين (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أعلن إرادته قنن القانون شرع التشريع. (يريد الله ليتوب) اتخذ الأسباب وهذه الأسباب وما أكثرها في هذا الدين. كذلك كما قلنا يعني كثيرة حقيقة ما تحصى يعني حوالي ستة عشر أو سبعة عشر آية في القرآن وتقول الآية (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {72} يونس) (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ {12} الزمر) هذا فرق وهذا فرق يعني على هذا الأساس هناك فقط إعلان الأمر (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ) اتخذ الأسباب كاملة وطبعاً نحن تعلمنا أنه الآن كل فعل أراد ويريد إذا جاء بالأن والفعل معناها إعلان إذا جاء باللام لام التعليل المضمرة بعدها قل ليتوب، ليعفو، ليضلوا، معناها اتخذوا الأسباب وطبقوا ما وعدوا به وما هددوا به.
آية (28):(1/76)
* ما معنى الضعف في القرآن في قوله تعالى (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28) النساء)؟(د.حسام النعيمى)
كلمة الضعف ضد القوة إما القوة المادية أو القوة المعنوية. (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28) النساء) الله تعالى يحب هذا لكم ويرضاه لكم ليس من باب إرادة الفرد وإنما من باب إرادة الحب أن الله تعالى يحب هذا لكم، يرضى لكم أن يتوب عليكم بأن تستغفروا (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) الذي طريقه إلى النار يريد الجميع أن يكون طريقهم إلى النار، (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) ما يرتكبه الإنسان من الآثام ثقلٌ على جانبه، التشديد في الأوامر والطلبات لا تكونوا كبني إسرائيل شددوا فشدد الله تعالى عليهم قال لهم اذبحوا بقرة كان بإمكانهم أن يذبحوا اي بقرة لكنهم بدأوا يسألون فصار التضييق عليهم والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول :" ذروني ما تركتكم وفي رواية دعوني ما تركتكم" بمعنى أنه إذا كانت هناك قضية لا أحدثكم بها لا تسألوا عنها. (الفعل ذر ويذر بالأمر والمضارع والماضي منه ميّت لذا استغنوا عنه الفعل ترك) والله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) المائدة) دعوها لأن الله تعالى تركها رحمة بكم.(1/77)
هنا الضعف هو الضعف النفسي (وخلق الإنسان ضعيفا) أي ضعيفاً أمام الشهوات لذلك في الحديث "حُفّت النار بالشهوات وحُفّت الجنة بالمكاره" الشيء الذي تريده النفس من الشهوات كإنسان يريد أن يكون ذا مال أو ذا منصب مثلاً ويريد أن يتوصل إلى ذلك بالمعصية والعياذ بالله. طبيعة الإنسان في فطرته هذا الضعف وهذا تثبيت من الله تعالى لخلق الإنسان أنه ضعيف أمام الشهوات لذلك ينبغي أن يحتاط ويقوي نفسه أمان شهوات الدنيا هكذا ينبغي أن يكون الضعف نقيض القوة، قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) الروم) الضعف الأول الذي هو الحيوان المنوي ثم قوي الإنسان تدريجياً ثم يعود مرة أخرى ضعيفاً.
الضعف فيه لغتان: بفتح الضاد (الضَعف) وبالضم (الضُعف) جمهور القُرّاء قرأوا (من ضُعف)، رواية ورش عن نافع التي يقرأ بها أهل المغرب (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضُعف ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضُعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضُعْفًا وَشَيْبَةً) في المواطن الثلاثة في الآية. هما لهجتان عربيتان فصيحتان، الذي قرأ (ضَعف) حفص في أحد وجهيه وعنده وجه آخر يقرأ (ضُعف) وشُعبى يقرأ (ضَعف) وحمزة من الكوفيين يقرأ (ضَعف) والباقون يقرأونها (ضُعف) بالضمّ. نحن نقرأ بالفتح أحد وجهي حفص عن عاصم وهي لغة فصيحة لكثير من قبائل العرب أقرأهم إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقرّهم عليها بأمر من ربه. لذلك لما يسمع القارئ من المغرب من يقرأ (ضَعف) يعلم أنها قراءة تصح الصلاة بها وقراءته (ضُعف) قراءة تصح الصلاة بها وكلتاهما لهجتان عربيتان فصيحتان نزل بهما جبريل - عليه السلام - على صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يعترض أحدٌ على أحد.(1/78)
أما الضِعف بالكسر فيعني المكرر، ضِعف كذا يعني مرة بقدر شيء آخر ضِعفه وليس مرتين كما هو الشائع. تقول هذا ضِعف هذا أي بقدره فإذا أردت بقدر مرتين تقول ضِعفين.
*د.أحمد الكبيسى:
(وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا {28} النساء) كيف أنت البشر مخلوق من دم ولحم تريد أن تسمع كلامي الحقيقي وأن ترى وجهي؟! لا يمكن، هذا ليس من قوانينك هذا من قوانينك يوم القيامة لأن المشهد يوم القيامة بقوانين أخرى هذا قوانين طين قوانين أرضية من طين خلقنا ثم سوانا ونفخ فينا من روحه ونعيش أربعين خمسين مائة سنة ونصير تراب مرة ثانية هذا جسد طيني يعود طين مرة أخرى. ولهذا هذا القانون قانونك الطيني لا يسمح أن تراني أو أن تسمع صوتي. هكذا هو القرآن الكريم لا يمكن ولهذا الله قال (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ {21} الحشر) بلغة الله الأصلية بصوت الله الأصلي (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21) الحشر) وهو جبل صخري صار له ملايين السنين وهو واقف فكيف وأنت البشر (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا {28} النساء) كيف يمكن أن تسمع صوتي؟! لا يمكن، فرب العالمين من كرمه قال (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ {22} القمر) إذاً هذا القرآن هو النسخة العربية التي جعلها الله ولم يكن الأمر كذلك. رب العالمين لما نطق ما نطق بلغة عربية نطق بلغته هو التي لا يمكن لعقلك أن يدركها بهذه القوانين كما لا يمكن لعقلك أن يدرك وضعه وكونه ومثاله وحتى سمعه وبصره لا يمكن أن تدركه كيف رب العالمين يسمع كل الكون بجزء الثانية؟ إذاً كما أن عقلك لا يحيط بكل صفاته ولهذا الذين انشغلوا في التاريخ الإسلامي.(1/79)
بالذات والصفات كانوا يعبثون أو نقول بعد أن اكتمل لهم دينهم لا باس من أن يحاولوا التفكير في هذه القضية والحديث يقول (فكروا في الله ولا تفكروا في ذات الله) لا بأس أن تفكر كيف رب العالمين يسمع كيف رب العالمين يبصر لكن أن تجعلها قضية حساسة وكل واحد يدّعي أن كلامه هو الحق هذا أشعري وهذا معتزلي وهذا مرجئي كله كان عبثاً وناس تقتل ناس على هذا كما نفعل الآن شيعي وسني ووهابي وكذا باسم العقيدة وكلهم ضالون كل من يقتل مسلماً....
آية (29):
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (29) النساء) تأمل هذا التعبير والتصوير الإلهي في سلب أموال الناس بعضهم بعضاً فقد جعل الله تعالى المال كالطعام يلتهمه الظالم ليبين لنا شدة حرصهم على أخذه دون ترك شيء منه ودون إرجاعه أربابه. ألا ترى أن الطعام قبل أن يأكله المرء يمكن أن يُعيده إلى أهله وإذا ما أكله فقد قرر عدم الإذعان وإرجاعه وكذلكم آكِل المال.
*(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) النساء) إن الإنسان لا يحتاج إلى النهي عن قتل نفسه حتى يحفظها فلِمَ جاء النهي عن قتل الإنسان نفسه؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر إلى هذا البيان الإلهي فالله تعالى يريد منا أن نصون أرواح الناس وأن لا نعتدي عليها فعبّر عن ذلك بالكفّ والنهي عن قتل المرء نفسه لأن المؤمنين جسد واحد وروح واحدة فمن قتل أخاه فقد قتل نفسه وذلك لأمرين: الأول بتفكيك المجتمع وخلق العداوة بين أفراده والثاني أنه حكم على نفسه بالقتل قصاصاً.
آية (32):(1/80)
*(وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) النساء) لاحظ كيف أتى النهي عن طلب حصول نصيب الآخرين بالتمني ولم يأت بالنهي عن الرغبة أو السؤال بينما قال (واسألوا الله من فضله) ولم يقل وتمنوا من الله فضله، فما سرُّ هذا الاستعمال؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن التمني هو طلب الحصول على شيء أقرب ما يكون من المستحيل لذلك عبّر الله تعالى عن تطلّع النفوس إلى ما ليس لها بالتمني لأن ذلك قسمة من الله تعالى صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد ومن ثمّ ما كان لغيرك فلا يكون لك وأما الطلب من الله تعالى فعبّر عنه بالسؤال أن ذلك مما يمنّ الله تعالى به على عباده السائلين.
آية (34):
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (34) النساء) انظر إلى البيان الإلهي وهذا التمثيل الرباني لحالة الرجل الذي وُكِل إليه الكسب والحفظ والدفاع عن زوجه. فقد شبه اهتمامه بحالة القائم لأن شأن القائم الذي يهتم بالأمر ويعتني به أن يقف ليدير أمره.
آية (36):
*ما دلالة الشرك فى قوله تعالى(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا (36) النساء)؟(د.فاضل السامرائى)
شيئاً فيها احتمالان وليست مثل (ولا يشرك به أحداً) أحداً يعني شخص. (شيئاً) فيها دلالتان إما شيئاً من الشرك لأن الشرك هو درجات هناك شرك أصغر وشرك أكبر أو شيئاً من الأشياء كل شيء سواء كان أحداً من الناس أو الأصنام أو غيره. إذن (لا تشركوا به شيئاً) فيها دلالتان: لا تشركوا به شيئاً من الشرك ولا شيئاً من الأشياء، لا شيئاً من الشرك بأن تستعين بغير الله فالشرك درجات كما أن الإيمان درجات ولا شيئاً من الأشياء.(1/81)
*د.فاضل السامرائى:
(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (36) النساء) يضعها بعد عبادة الله تعالى وكأنها منزلة تالية بعد العبادة مباشرة الإحسان إلى الوالدين. هذه فيها إشارة إلى عظيم منزلة الأبوين عند الله.
*ما الفرق بين (ذي القربى)فى سورة البقرة و(بذي القربى)فى سورة النساء؟(د.أحمد الكبيسى)(1/82)
يقول تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى {83} البقرة) (وذي) واو ذاء ياء لا يوجد باء، الآية الأخرى للمسلمين (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى{36}النساء) عندنا آيتين آية اليهود (وَذِي الْقُرْبَى) آية المسلمين (وَبِذِي الْقُرْبَى) الكل يقول لك هذه الباء زائدة يعني ليس لها معنى في الحقيقة لا، فرب العالمين بهذه الباء يرسم ما هو مستقبل القربى عند اليهود وما هو مستقبل القربى عند المسلمين أي الترابط الأسري، التناسب الخَلقي مدى مسؤولية كل واحد في الأسرة فعندنا نحن ناس فروع ابنك وبنتك وأبناؤهم وعندنا أصول أبوك جدك وآباؤهم وعندنا أطراف اللي هم الجناحين أخوة وأخوات وأولادهم وأعمام وعمات وهكذا هذا التناسق أين سيكون كاملاً بالمائة مائة؟ أين ستكون العناية به كاملة كما أمر الله؟ فرب العالمين يعلم مقدماً أنه ما من أمة على وجه الأرض سوف تصل إلى ما وصل إليه المسلمون من هذا الرحم وهؤلاء القربى والكل يشهد بذلك. نحن لا يوجد لدينا من يترك أمه وأبوه في الملجأ ولا يوجد من لا يعرف عمه أو خاله أو من لا يعرف أبوه أو جده هذا مستحيل. في حين الأمم كلها لا تُعنى بهذا اليوم فرب العالمين عز وجل عندما ترك الباء بهذه الآية الموجهة للمسلمين إشارة إلى أن هذه الأمة وحدها هي التي سوف تُعنى بالأرحام والأقارب والوالدين والتماسك الأسري أعمام وأخوال وأجداد وجدات كما لا يمكن أن تفعل أمة أخرى هذا هو أثر الباء، وجودها في آية المسلمين وحذفها من آية أخرى لغير المسلمين.(1/83)
إتصال من الأخ الفهيقي من السعودية: هل يعتبر العلم أمانة وإذا كان يعتبر العلم أمانة ما هو الواجب نحو هذا العلم؟ الإجابة: ما من أمانة أثقل من أمانة العلم يوم القيامة ولهذا الذي يشتغل بالعلم إما أن يكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وإما أن يكون أول من تسعر به النار يوم القيامة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (يوم القيامة يدخل بعض القراء) القراء يعني العلماء (النار قبل عبدة الأوثان فيقولون أيبدأ بنا قبل عبدة الأوثان؟ فتقول لهم زبانية النار: نعم ليس من يعلم كمن لا يعلم) هذه نعرفها، هذه مصيبة ولهذا كان الصحابة لا يفتون كما نفعل نحن أنا ونجيب ما في فتوة لكن نسأل الله تعالى أن يغفر لنا عثراتنا ما دمنا بحسن نية.
وفى إجابة أخرى للدكتور الكبيسى :(1/84)
حينئذٍ الفرق بين (وَذِي الْقُرْبَى) (وَبِذِي الْقُرْبَى) هذه الباء قال لك هناك أرحام أقوى من أرحام وهذه في سورة النساء وهي بدأت بقوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {1} النساء) والأرحام ليسوا شكلاً واحداً بل شكلين فالأرحام مجموعة القربى ولكن القربى شكلين. الرحم واحد تطلق على نوعي القرابة فالقرابة المحترمة المقدسة قال (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى) ثم قال (وَذِي الْقُرْبَى) إذاً هؤلاء قربة الأب بر الوالدين هو بر أهله وقرابته (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى) الوالدين والقربى قرابته شيء واحد. هناك لا ليس شيء واحد وبالوالدين شيء وبالآخرين هذه قرابة الولادة هذه قرابة الأبوة فانظر إلى الدقة العجيبة فأنت الآن لست بحاجة إلى أن تقول من هم الأرحام؟ هو يقول لك بالباء هذه الباء شملت لك الموضوع كاملاً هناك قرابة الأب واضحة ومباشرة (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى) هؤلاء مجموعة واحدة مع الوالدين، الثانية لا (وَبِذِي) هؤلاء نوع ثاني فالباء هذه أهميتها ومهمتها وكلنا نعرف ماذا يعني الرحم؟ الرحم جنتك ونارك وخاصة الكاشح منهم فإذا أردت أن تنجو وأن ينسئ الله في عمرك وفي رزقك صِل رحمك هذا هو الموضوع والفرق بين (وَذِي الْقُرْبَى) (وَبِذِي الْقُرْبَى).
*(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (36) النساء) انظر إلى قوله تعالى (وبالوالدين إحساناً) ألا ترى في الفعل أحسن ومصدره الإحسان أن يتعدّى بحرف الجر (إلى) فنقول أحسن إلى فلان، فلِمَ عبّر هنا بالاء في قوله (وبالوالدين إحسانا)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)(1/85)
الإحسان إذا عُدّي بالباء كان متعلقاً بمعاملة الذات أي ذات الأبوين روحاً وجسداً وتوقيرهما واحترامهما والنزول عند رغبتهما وامتثال أمرهما وكأنه يقول: بِرّ بوالديك، وهذا ما نوّهت له الآية (وبالوالدين إحساناً). أما تعديته بـ (إلى) فذاك يكون عند قصد إيصضال النفع المالي ولذلك قال تعالى لقارون (وأحسن كما أحسن الله إليك).
*(وَابْنِ السَّبِيلِ (36) النساء) إذا عرفت أن السبيل هو الطريق فكيف أُطلٌِ على المسافر البعيد عن منزله إبن السبيل؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
سمي المسافر البعيد عن منزله الذي ضاقت به السبل إبن السبيل لأنه لازم الطريق سائراً مسافراً فنُسب إليه وإذا ما دخل قبيلة عرفوه أنه ابن السبيل لأن الطريق رمى به إليهم.
*ما دلالة اقتران العبادة بالتوحيد (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {36} النساء) والتوحيد والوالدين؟(د.أحمد الكبيسى)(1/86)
هذا الإقتران المخيف يعني جعلهم الله عز وجل كتوحيده الشرك وعقوق الوالدين (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {23} الإسراء) ما قضى إلا هذا رب العالمين (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ومن كرمه رب العالمين لم يقل حسنا قال إحساناً وهذا تقوم به بسهولة. أما الحُسن هذا درجة عالية لمن يسّره الله له ولهذا في الفقه الإسلامي لا يجوز أن تعطي أبوك زكاة لما رب العالمين قال الزكاة لمن؟ قال الصدقات (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ {60} التوبة) لم يقل والأبوين، الأبوان (أنت ومالك لأبيك) ما لم تقتنع بأنك عبدٌ عند أبيك وكل ما تملكه إنما هو ملكٌ لأبيك فأنت لا تصل إلى مرتبة الحُسن ونحن نتكلم الآن عن مرحلة الحسن. ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قيل له يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال "الصلاة على وقتها قالوا: ثم أيّ؟ قال: بر الوالدين" البر مجرد بر الوالدين يعني العمل الثاني بعد الصلاة لأن الصلاة ليس لها بديل وإذا كان البر هكذا فما بالك بالحُسن؟! والحسن لا يعمله إلا القليل لأن هذا يحتاج إلى ثقافة، إلى معرفة بالله عز وجل، إلى أن يُعلَّم هذا الإنسان هذا الأب المسلم ما معنى أن تكون مع أبيك حسناً؟ وهكذا أما البر ما دمت إنساناً أنت بك غريزة وميل طبيعي إلى أن تبر بأبويك ولهذا الله قال (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ) لمجرد كونك إنساناً من عناصر أنسنتك بعد أن أخرجك الله من المملكة الحيوانية وأطلق يديك من الأرض فسوّاك فخلقك فعدلك أطلق يديك حينئذٍ جعل من عناصر هذه الأنسنة أن تكون باراً بوالديك تميل إليهما، تنتسب إليهما، لهما حظوة واحترامٌ عليك وإلى كل المنظومة التي هي حسنٌ أو إحسانٌ أو برٌ ولكلٍ شرحها الذي يطول.(1/87)
سؤال:وهذا الذي يجري الآن في العالم المادي من عقوق للوالدين وانقطاعٍ لهذه الصلة يعتبر خروج عن الإنسانية؟
بالتأكيد، وثق كل من يغلظ القول لأبويه أو يعقهما ليس إنساناً قطعاً ناهيك عن كونه ليس مسلماً ويقول النبي صلى الله عليه وسلم العقوق يدخله النار وإن صلّى وإن صام لا ينفع "ثلاثة لا ينفع معهن عمل: الشرك بالله" المشرك ماذا ينفعه إذا صام وصلى؟ فهو يعبد الله والقبر أو الله وحسين الله وعبد القادر أو الله والصنم أو الله والوثن فهذا مهما عمل لا قيمة له "والتولي يوم الزحف وعقوق الوالدين" إذا كان عقوق فقط ما قدم لهم الطعام فقط ناهيك عن كونه إحساناً أو حسناً. فالقضية خطيرة هما جنتك ونارك أقصر طريق إلى الجنة الأبوان وأقصر طريق إلى النار الأبوان. من الأحاديث العجيبة يقول النبي صلى الله عليه وسلم (أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين) (ثلاثة حرّم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاقّ لوالديه والديوث) فتلاحظ أنت شخص يصوم ويصلي ومتدين ولكنه عاق لوالديه حسابه كحساب الديوث الذي يرى امرأته تزني وهو فرحان أو ساكت نعوذ بالله أو ابنته تزني وهو راضٍ هذا ديوث فهذا ما هي قيمته كإنسان؟ والمدمن الخمر من بلغ إلى أن مات وهو سكران والعاق لوالديه. "قال: يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الخمس وصمت رمضان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ما لم يعق والديه" يعني يسقط من كونه مع النبيين هو يصلي خمس أوقات الخ قال له أنت مع النبيين والصديقين والشهداء ما لم تعقّ والديك إذا عققت والديك كل هذا لا قيمة له، ينتهي يعني كأنك لم تفعل (ملعونٌ من عقّ والديه) ملعون ونحن نتكلم في العقوق والبر يعني الحد الأدنى.(1/88)
وبالتالي ملعون أي لا يُرحم وفي القول (ليرحمنّ الله الناس رحمة يوم القيامة يتطاول لها إبليس) هذا يصلي ويصوم لكنه لا يرحم ولا رحمة فرب العالمين يرحم السكارى الخ إلا القتلة والمرابين والعاقين لوالديهم لا يرحمون أبداً يوم القيامة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله من غيّر تخوم الأرض ولعن الله من سبّ والديه) ويكون إما سبهما أو سبّ أحداً فيسب ذلك الإنسان والديه أيضاً. حديث آخر (كل الذنوب يؤخر الله فيها ما يشاء إلى يوم القيامة) فعلاً تلاحظ في بعض الذنوب ترى أثرها في الدنيا قبل الآخرة. القاتل لابد أن ينال شراً (لن يزال المؤمن بخير ما لم يصب دماً حراماً) ولهذا وخاصة إذا كان الدم على عقيدة تتهمه بأنه مشرك كما يحصل الآن في العراق ناس تقتل ناس على أساس أنهم كفار أنت شيعي كافر وأنت سني كافر وأنت صوفي كافر وأنت سلفي كافر وأعملوا السيف فيما بينهم حتى سالت دمائهم هذا خالد في النار (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا (93) النساء) على إيمانه وتصور شخص كافر وخاف منه قال لا إله إلا الله وقتله قال له الرسول صلى الله عليه وسلم (أقتلته وقد قالها؟! فقال له: يا رسول الله قالها فرقاً من السيف) فقال له كلام طويل بما معناه أنك أنت خلاص يئست من رحمة الله وليس هو فقط ييئس إذا واحد رضي بهذا يبعث يوم القيامة مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله لأنه رضي على هذا القتل. أما نحن نتكلم عن القتل العادي اعتداء والخ. من أجل هذا موضوع مسألة التلاعب بالأبوين يعني أبداً هما جنتك ونارك ولهذا بعض الذنوب تؤخَّر فمهما كان ذنبك الله سيحاسبك وممكن يغفر لك لكن هناك ذنوب يعجل الله جزاءها في الدنيا كنموذج (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ {21} السجدة) ومن ضمنها عقوق الوالدين وربما كان من جنس العمل وفي هذا حديث (برّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم، عفّوا تعفّ نساؤكم).(1/89)
على كل حال الأحاديث في هذا معروفة ولكن ليس هذا موضوع الباب ولهذا نقف عند هذا الحد. ومن حسن التعامل أن يعين أباه وأمه على أداء الصلوات وعلى أداء الفرائض ويحادثهم أوقات الفراغ لكي لا يسأموا وأن يبرّ أصدقاءهم وأن يكرم ضيوفهم إذا جاءوا ومن الحُسن الشديد للأبوين إذا مات أحدهما أو كلاهما أن تبرّ أصدقائهما، من كان أبوك وأمك يبروهم؟ بِرَّهم أنت بعد موتهم وهذه فيها نماذج في غاية الروعة في التاريخ.
عندما كان الرجال رجالاً وكان الناس صلحاء ولم يكن هنالك فضائيات ولا أمريكا ولا إسرائيل الخ المسلمون من المشرق إلى المغرب ومع هذا قتل بعضهم قتلاً بقسوة غير متناهية كما يفعلون اليوم في العراق وفي غزة وفي الشيشان وأفغانستان بعضهم يذبح بعضاً يتهمه بالشرك والكفر وهذا قتلٌ لا يُغفر (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا (93) النساء) يقتله على دينه (فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {93} النساء) إذاً الذنوب التي لا تغفر الشرك أو أن تقتل أحداً يقول لا إله إلا الله متهماً إياه بالشرك هذان الذنبان لا يغفران.
*في سورة النساء (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا {36} النساء) وفي لقمان (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {18} لقمان) لماذا في النساء (مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) وفي لقمان (كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) ما الفرق بينهما؟(د.أحمد الكبيسى)(1/90)
طبعاً الخيلاء هي كلها من الكِبر والتكبّر هناك تكبر يعني من وهم في تكبر شخص سلطان هو فعلاً سلطان ملك متكبر قليلاً هذا لا يقال عنه خيلاء يقال متكبر هناك ملياردير متكبر على الناس يقال عنه متكبر، وهناك واحد لا شيء لديه ولكنه يتصور نفسه شيء فيمشي بكبرياء خيال لا شيء فيه يسمى هذا خيلاء (من جر ثوبه خيلاء جر قطبه في النار) حينئذٍ الخيلاء أن ترى نفسك عظيماً كالخيال كراكب الخيل (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) لقلة هذا النوع من البشر لأنهم قلة كم واحد كان مختال على قومه؟ قلة من الناس يفتخرون يتكبرون على آبائهم وأمهاتهم وأخوانهم وأخواتهم وأعمامهم وأخوالهم هذا أحقر الخلق (مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) لكن الذي يتكبر على الناس جميعاً كثيرون موظف تدخل عليه لا يتكلم معك سفير ووزير مليونير الخ كثير من الناس عندهم حتى مشايخ وعلماء انشهروا وعرفوا تجدهم في أيام يعني كل شايف نفسه الخ (من كان في قلبه ذرة من كبرٍ) هذا لا يدخل الجنة مع أول الداخلين حتى لو كان صحابياً حتى لو كان صدّيقاً. إذاً هذا الفرق بين (مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) و (كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).
آية (38):
*ما سبب الاختلاف بين (وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) – (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/91)
قال تعالى (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ {264} البقرة) وفي النساء (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ {38}) فيها (ولا) ما الفرق بينهما؟ وفي سورة التوبة أيضاً (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ {29} التوبة) إذاً في سورة النساء والتوبة (لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر) وفي البقرة (يؤمن بالله واليوم الآخر)، الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر كافر شخص يقول أنا لا أؤمن بالله ولا في الآخرة أنا أعبد الأصنام وإذا مت صرت تراباً لا يوجد لا قيامة ولا الخ هذا لا يؤمن بالله واليوم الآخر هذا إعلان الكافر هو قال أنا رجل شيوعي أنا أمام الناس شيوعي وحزبي الشيوعي أنا ستالين أنا لينين أنا غورباتشوف لا يوجد لا الله ولا الخ هذا (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هو معلن عن كفره وشركه بالله لا يوجد الله أصلاً بالنسبة له فهو ملحد هذا لا يؤمن بالله واليوم الآخر وهذا أصدق من الأول. الأول يدعي أنه مؤمن فهو يقول أنه مؤمن وأنه مؤمن بوجود الله لكنه كذاب دجال يعني فقط بالظاهر فهو منافق يقول أنا أؤمن بالله واليوم الآخر فالله قال له لا أنت لا تؤمن لا بالله ولا باليوم الآخر.(1/92)
فحينئذٍ هذا الفرق فقوله تعالى (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هذا منطق الكفار جميعاً ولما يقول لك (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هؤلاء المنافقون فالمنافق كافر لكن يدعي أنه هو مؤمن ولا يتبع الإيمان ومتناقض (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ {8} يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ {9} البقرة) هذا الذي الله يقول عليه (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) لاحظ، مثلاً كشخص جاء وقال لك أنا راسب خلاص هذا فلان راسب بالدروس لكن لو قال لا أنا ناجح في الرياضيات والإنجليزي المدير قال له لا أنت لست ناجح لا بالرياضيات ولا بالإنجليزي أنت كاذب. جداً واضح هذا الفرق بين (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) فهو مشرك عادي ومعلن هذا ولا يغيره فهو يقول لا يوجد الله ولا آخرة ولا حساب ولا كتاب وآخر وهو غير مؤمن أيضاً لكن يخفي هذا الأمر إما لطمع أو خوف أو نفاق أو لآخره قال هذا الذي قال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) هذا الله يقول عليه (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هذا الفرق بين التعبيرين.
*القرين الذي ورد ذكره في عدة آيات في القرآن الكريم هل هو الوسواس أو هل قرين السوء ام هناك قرين غير السوء فهل يمكن توضيح ما هو القرين؟(د.فاضل السامرائى)(1/93)
قد يكون من الإنس ومن الجن كما وضح ربنا تعالى والقرين هو المصاحب. (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) الصافات) هذا إنس، (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)) هذا شيطان إنس. (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) الزخرف) هذا من الجن، (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38) النساء) (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ (25) فصلت) قد يكون من الإنس وقد يكون من الجن. (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) ق) يجوز من الإنس والجن لكن الدلالة واحدة وهي المصاحبة.
آية (40):
*ما الفرق بين (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ {40} النساء) و (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا {49} النساء) و (وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا {77} النساء) و (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا {124} النساء) و (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ {13} فاطر)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/94)
عندنا ذرة وفتيل ونقير وقطمير كل هذا لضرب المثل بالقلة لماذا قال مرة فتيل ومرة نقير؟ الفتيل كلغة عربية كلنا أحياناً بالصيف تحرك يدك على جسمك وتفتل فترى في يدك فتيلاً من الوساخة من وساخة جلدك شيء مفتول أسود . فرب العالمين لما تكلم عن اليهود (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ{49} النساء) نحن شعب الله المختار نحن الخ (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا {49} النساء) أنا لا أظلمك فرب العالمين ضرب مثل في القلة لناس وسخين في عقيدتهم في سلوكهم قال (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) كهذا الفتيل الذي في أجسادكم الوسخ.
لما رب العالمين عز وجل ضرب المثل لمسلمين لا يزالون يؤمنون بالله عز وجل قال أنتم من يعمل من الصالحات وهو مؤمن (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا {124} النساء) النقير هو هذه النقطة التي في ظهر النواة المعروف أن العرب جميعاً والمسلمين بل العالم كله ألذ فاكهة عندهم التمر معروف. فحينئذٍ رب العالمين يضرب المثل للصالحين من عباده بأنكم ستأخذون جزاءكم كاملاً ولن تظلموا بقدر هذه النقطة التي في ظهر النواة التي تتركها في فمك تمصها كلنا لما نأكل التمر بجميع أنواعه نتركها في فمنا إلى أن نظل نمص بالنواة إلى أن نخرجها من فمنا بتلذذ ثم نرميها بمهل قد ما هي عنده محترمة قال (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) .(1/95)
ثم يقول تعالى (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) القطمير الغشاء الشفاف الذي على النواة ما قيمته هذا؟ فرب العالمين لما تكلم عن الملوك قال أنا رب العالمين أنا الذي أنعمت عليكم كل هذه النعم وملكي لا حدود له هذا الذي تعبده ما الذي لديه؟ حتى قطمير ما يملك، هذا الصنم أو العبد أو آلهتكم التي تصنعونها التي تدعونها من دون الله لا يملكون من قطمير، هذا ضرب المثل باللاشيء. القطمير شيء شفاف يكون غشاء النواة غشاء وحينئذٍ ماذا يمكن لك أن تجني من هذا الغشاء؟ (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ).
يبقى لدينا الذرة (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) الذرة هذا مختلف فيها ما من شيء يدق على النظر كالذرة كما تعرف. الذرة موجودة لكن لا تراها باللاشيء حينئذٍ رب العالمين ضرب لنفسه المثل بالعدل وأنه لا يظلم مثقال ذرة حينئذٍ ماذا تخاف من ربٍ بلغ عدله إلى هذا الحد أنه لا يظلم أعداءه لا يظلم فرعون ولا القاتلين ولا المجرمين ولا المحتلين ولا المغتصبين ولا الزناة ولا المرابين لا يظلمهم مثقال ذرة. حينئذٍ رب العالمين ضرب لعدله بهذا المثل في القلة الذي لا يمكن لعقلك أن يدركه إلا قلة من العلماء علماء الذرة من أجل هذا قال (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ).
آية (41):
*في سورة النساء (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا {41} النساء) في سورة أخرى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا {84} النحل) في آية أخرى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ {89} النحل) ما الفرق بين نبعث من كل أمة شهيداً ونبعث في كل أمة شهيداً؟(د.أحمد الكبيسى)(1/96)
لما يقول نبعث من كل أمة شهيداً هذا يتكلم عن الأمم السابقة ما قبل الإسلام الذين سوف يبعث الله عليهم نبيهم شاهداً، سيبعث سيدنا عيسى على قومه شهيداً وسيبعث سيدنا موسى على قومه شهيداً وسيدنا إبراهيم يعني كل الأنبياء والرسل سوف يشهدون على أنفسهم على أممهم هذا (نَبْعَثُ مِنْ) من منهم من بعضهم. لما قال (نَبْعَثُ فِي) هذا من غيرهم من خارجهم وهؤلاء المسلمون فقط من حيث أن المسلمين سوف يشهدون على كل الأمم لماذا؟ لأن المسلمين الأمة الوحيدة التي تؤمن بجميع الرسل والرسالات حصراً لا تفرِّق بين أحد من رسله ولا تستثني رسولاً ولا رسالة وهذا من فضل هذه الأمة ولا تجده عند غيرها مطلقاً إلا استثناءات قليلة هناك فئات محدودة هناك فئة قليلة من اليهود جداً تكاد تندثر موجودة والله وهناك فئة من النصارى أيضاً موجودة يقولون جميع الأنبياء بما فيهم محمد رسول أيضاً هذا قلة الغالبية العظمى يقولون لا، المسلمون ليسوا أهل دين.(1/97)
المسلمون صغيرهم وكبيرهم تقيهم وفاسقهم وكل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله يقول (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ{285} البقرة) (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {136} البقرة) لهذا كما قال تعالى (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا{143} البقرة) فكل المسلمون سوف يشهدون أن هذا فلان الفلاني كان لا يفرِّق بين أصحاب الرسالات وفلان الفلاني كان يفرِّق، كل واحد إذا عرف واحد من اليهود أو من النصارى ما كان يفرِّق بين أصحاب الأديان ولا يتعالى على غيره يقول يا ربي هذا كان كذا (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) وقال (نَبْعَثُ فِي كُلِّ) من غيرهم من خارجهم، (نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ) من تلك الأمة نفسها، هذا الفرق بين (نَبْعَثُ فِي كُلِّ) و (نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ).
*ما دلالة التقديم والتأخير فى قوله تعالى(وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) و(وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/98)
في قوله تعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ {89} النحل) (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) وقوله (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) ما الفرق بينهما؟ إذا قال (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) لبيان عظمة النبي عليه الصلاة والسلام ومدى نفوذه يوم القيامة، له نفوذ على كل الأمم وهذه قضية عقائدية وهذا منطقي جداً باعتباره خاتم الرسالات قال (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) إذاً الإبراز وبيان الفضل للشهيد بغض النظر من هم المشهود عليهم. لما قال (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) بيان قباحة الأمة التي ذكرها القرآن بأنهم أشركوا وغيّروا وحرّفوا قال وجئنا بك على هؤلاء الذين انحرفوا شهيداً فلما يقدّم المقدم إذا كان قدّم الشهيد فلبيان فضله إذا قدّم المشهود عليهم فلبيان مدى جرمهم، هذا هو الفرق.
آية (42):
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ (42) النساء) انظر إلى هذه الصورة التي تشخِّص لك هيئة نفوس الكافرين التي امتلأت خزياً قاتلاً وخجلاً مميتاً في موقف المواجهة حين يُستدعى الشهود فهي لا تتمنى الموت بل تذهب إلى أشد منه، تتمنى لو تضاءلت الأجساد حتى تصير على سوية الأرض. لا شك أن هذا التصوير فيه رصد لعمق المعاناة النفسية والشعورية ورصد لبواطن النفس وخلجات الحِسّ أكثر من التعبير المباشر عن الشعور بالخزي.
آية (43):
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ (43) النساء) ليست الصلاة مكاناً يُقصد حتى يؤمر الإنسان أن لا يقربه فلِمَ عبّر عن عدم جواز الصلاة للسكران بقوله (لا تقربوا الصلاة) ولم يقل لا تصلّوا؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/99)
اختيرهذا الفعل دون أن تصلّوا ونحوه للإشارة أن تلك حالة منافية للصلاة وصاحبها جدير بالابتعاد عن أفضل عمل في الإسلام وهوالصلاة.
*قال في المائدة (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ) بينما في النساء قال (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) فما اللمسة البيانية لهاتين الآيتين في ذكر (منه) وحذفه؟
د.فاضل السامرائى :(1/100)
هما آيتان إحداهما في النساء والأخرى في المائدة. نقرأ الآيتين حتى يتضح الأمر. في النساء قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)) هذه آية النساء. آية المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)).(1/101)
لو نظرنا في الآيتين آية النساء وآية المائدة، آية النساء في الجُنُب وذوي الأعذار لم يذكر الوضوء إذن آية النساء هي في الجُنُب وذوي الأعذار تحديداً (وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى) أما آية المائدة ففي الجُنُب وغير الجُنُب وذوي الأعذار وذكر الوضوء، إذن هي عامة شملت الجنب وغير الجنب وذوي الأعذار وذكر الوضوء، إذن التفصيل في آية المائدة أكثر من آية النساء وذكر ما لم يذكره في آية النساء (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) فإذن كلمة (منه) نضعها مع التفصيل في آية المائدة فناسب التفصيل والزيادة في البيان فلما فصّل فصّل في البيان وزاد (منه)، و (منه) يعود على التراب. هناك فصّل وهذا أجمل. هذا أمر وهناك أمر آخر في آية النساء ختم الآية بقوله (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) لأنه ذكر السُكارى (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) بينما ختم آية المائدة (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)) ذكر رفع الحرج وإتمام النعمة ويريد أن يطهركم وهذا يستوجب الشكر فقال (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أما في آية النساء لم يذكر رفع الحرج وإنما ذكر السكارى والله عفو غفور فقال (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) فإذن الخاتمة مناسبة لما ورد وذكر (منه) مناسبة للتفصيل والبيان. وهذا نهج القرآن أن الفاصلة القرآنية لا بد أن تناسب الآية لذلك أحياناً يخالف الفواصل.
د.أحمد الكبيسى :(1/102)
موضوع التيمم (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ {43} النساء) هذا في سورة النساء وفي المائدة كما هي الآية (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ {6} المائدة) في المائدة في زيادة شبه جملة (منه) قال (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ما هي فائدة (منه)؟ واضحة يقول لك (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا (6) المائدة) تيمموا من التراب الطاهر تيمم ضربتين (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) هذه واضحة ما بقى شيء. في النساء واضحة جداً (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) وصلِّي.(1/103)
في المائدة قال (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) منه شبه جملة جار ومجرور ما فائدة منه؟ هذه الـ (منه) لو أن الفقهاء رضي الله تعالى عنهم جميعاً ولأن معظمهم لم يكونوا من العرب والعالم كانوا مشغولين بشيء ثاني لأدركوا أنه ليس في القرآن حرف زائد فكيف جملة أو شبه جملة منه شبه جملة جار ومجرور فلا يوجد ولا زيادة الحركة الحرف السكون كله له معنى، ما معنى منه؟ يقول لك لا يكون أنت ينصرف ذهنك إلى أنه أي تراب كان، لا (صَعِيدًا طَيِّبًا) تراب طاهر حري من الذي يُنبِت ليس سبخ أو صخر أو حائط أو فراش بعض الفقهاء قالوا على الحائط يجوز والصخر يجوز إذا كنت في منطقة صخرية لكنه تعالى قال لا بد أن يكون صعيداً طيباً تراب حُرّي زراعي ينبت الزرع وأنت تمسح على هذا منه تيمم من هذا لا من غيره فهذه الـ (منه) حجة على أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه الشافعي قال وفقاً لهذه الآية الشافعي قال هذه الآية حقيقة ما تكلم عن منه لكن هو إفتاؤه قال النص يقول صعيد طيب لا يجوز في غيره لا على صخرة ولا على فراش ولا على تراب سبخة ولا على رمل لا يُنبِت لا بد أن يكون تراباً طيباً العلم يثبت هذا الآن. النبي صلى الله عليه وسلم لما قال على ولوغ الكلب تصور واحد كان عالم مختبري أسلم على هذا الحديث ولوغ الكلب سبع مرات أحداهن في التراب هذا الإنسان المختبري قال ما التراب؟ فعمل مختبرات تثبت أن بعض الكلاب الوحشية وليست المعقّمة الآن طبعاً في كلاب تعقم ليس هذا بل الكلاب الوحشية وسابقاً كلها وحشية لم يكن هنالك تعقيم تفرِز بعض الجراثيم باللعاب لا تطهر بالسوائل ولا بالماء إلا بالتراب هذا واحد.(1/104)
ثانياً ثبت علمياً الآن أن كل التلوث البيئي والتلوث الحربي من يورانيوم الخ أنواع الأوبئة والأمراض لا يمكن أن يطهرها ولا أن ينظف البيئة إلا الغبار عاصفة غبارية ترابية وتأمل من قدر الله منذ احتلال العراق إلى الآن كل العالم متفق على أن هذا المثلث العراق الكويت السعودية أصبح بلداً ملوثاً ومسرطناً وسيبقى مئات السنين هذه قضية ثابتة علمية وقُتِل بعض العلماء لأنهم صرّحوا بهذا هل تعلمون من الاحتلال إلى اليوم من أربع سنوات وهذه المنطقة تشهد غباراً ترابياً خنق العراقيين خنقاً لا ماء لا كهرباء عندهم وفوق هذا كله هذا الغبار لعلهم يسمعونني الآن وكلهم مستاؤون من هذا الغبار الذي هو أشد عليهم من قطع الماء والكهرباء هذا الغبار الترابي عواصف ترابية هائلة هذا من قدر الله ومن رحمة الله وبشارة من رب العالمين لأن المنطقة كلها سوف تنجو وتعمر وتنصلح هذا الغبار المتواصل الذي لم يشهد العراقيون له مثيلاً من مائة عام يومياً اسألوهم يومياً هناك عاصفة ترابية يومياً هذا بفضل الله ورحمته التي تدفع كل شيء وعلى هذا الأسى والألم الذي فيه العراقيون والذي لم يعرف التاريخ له مثيلاً من بعضهم من بينهم من عدوهم من الجو من الماء من الكهرباء من كل شيء رب العالمين أراد أن ينجي هذا البلد كما قلت مراراً إن لله في العراق شغلاً وشأناً لن يذهب العراق وسيعود أقوى مما كان والدليل على هذا هذه الرحمة الربانية هذه العواصف الترابية اليومية بحيث لن يبقى في العراق ولا في المثلث كله أي نوع من اليورانيوم وغيره من الأمراض السرطانية والسرطانات التي ألقيت كل هذا سينظف وسوف تعود المنطقة مزدهرة كريمة طيبة وسوف تذهب الجراثيم البشرية والجراثيم الحيوانية معاً حتى تبقى العرب والمسلمون في هذه المنطقة آمنين كرماء يعودون لكي يقوموا بدورهم المطلوب منهم بعد أن تزول (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ) فالإمام الشافعي(1/105)
قال لا بد أن يكون التراب صعيد طيب لأنه يطهر اليدين والوجه، هذه فعلاً كلمة منه، شبه الجملة منه تؤيد رأي الإمام الشافعي والإمام مالك وبعض الفقهاء الذين كانوا في جهة وأبو حنيفة على جلالة قدره صاحب الرأي وصاحب العقل الكبير قال يجوز بأي شيء ما خطر في باله أن هذا التراب الصعيد له ميزة قال لك هو في الحقيقة شعيرة من الشعائر فقط اضرب بأي مكان على فراش على رمل على حائط، لا، قال (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) تراب طيب ما هو التراب الطيب؟ الذي يُنبِت (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا {58} الأعراف) فالطيب الأرض الطيبة المنبِتة فالصعيد وكلمة صعيد في مصر أي الأرض الزراعية. إذاً (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) منه لا من غيره لا تقيسون أبو حنيفة مقياس، أصحاب عقل، دماغه بحجم السموات لكن جل من لا يخطئ أبو حنيفة رجل يقال بأنه فارسي يقال هكذا واللغة العربية في أسرارها لا يدركها إلا عربي شاعر. ولهذا في المفسرين من رأيته عربي الأصل وشاعراً يفهم جمال وعمق هذه الكلمة كما لا يفهمها غيره. من أجل هذا هذه شبه الجملة منه لكي تثبت ما قاله الإمام الشافعي وأمثاله لا يجوز إلا في التراب الزراعي الجميل النظيف النقي لا سبخ ولا رمل ولا حائط ولا فراش الخ.(1/106)
والآخرون اعتبروها رخص والرخص عند الله مقدسة ويعرف ذلك أبو حنيفة حديث صحيح (من لم يأخذ برخص الله قد أصابه إثمٌ عظيم) (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) فأبو حنيفة قال لما الله سبحانه وتعالى أعطانا رخصة بالتيمم إذاً الرخصة بالتراب أيضاً وكلام منطقي فأبو حنيفة ليس بسهل أبو حنيفة وهو بشر لم ينتبه لم يقل لماذا منه؟ لماذا في سورة النساء (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) فقط وسكت الأمر بينما في المائدة قال (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) من هذا الصعيد الطيب والصعيد الطيب التراب النباتي الذي تنبت فيه الزراعة وحينئذٍ هذا الذي أثبته العلم الآن أن التراب يقضي على تلوث البيئة وهذا هو السر في أن الله ابتلى العراق من خمس سنوات إلى اليوم كلهم يشتكون قائلين خنقنا هذا الغبار وهم لا يعلمون ولا يقل لهم أحد هذا الكلام فليسمعوا الآن وليعلموا أن الله لم يتخلى عنهم ولا عن العرب ولا عن المسلمين ولا عن كل المظلومين في العالم رب العالمين خلق العباد والذي خلقهم لا ينساهم. إن الإنسان أكرم عند الله من الكعبة فرب العالمين لا يرضى بالظلم كل مظلوم لا بد أن يُنصَر هذا نص القرآن (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا {6} الجن) كل قوة غاشمة لا يملك المقابل دفعها سوف ينصره الله عليها حينئذٍ منه (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) أي من هذا التراب الصعيد الطيب تراب زراعي لا رمل ولا جدار وهكذا هو الفرق بين الآيتين وهذا شأن الكتاب العزيز ما من حركة ولا سكنة ولا كلمة زائدة ولا كلمة ناقصة إلا ولها معنى آخر من أجل هذا الحرف في القرآن آية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
آية (44):
* ما الفرق بين كلمتى السبيل و سبيلاً ؟(د.حسام النعيمى)(1/107)
قلنا أن الفاصلة ليست مرادة لذاتها ولكنها تأتي التقاطاً واللفظ هو المطلوب فهي تأتي في المرتبة الثانية بعد المعنى المُراد (كما سبق وذكرنا في سورة الضحى في استخدام وما قلى في الآية (ما ودعك ربك وما قلى) ولم يقل قلاك وذكرنا أنه ليس من المناسب أن يذكر ضمير المخاطب الكاف مع فعل قلى في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ) وقلنا لأن كلمة السبيل عندما تقف عليها تقف على السكون والسكون فيه معنى الاستقرار والسكون و السبيل المعروف هو الاسلام. عندما تأتي كلمة السبيل بالألف واللام وهي لم ترد في القرآن إلا في ثلاثة مواضع منها الآية في سورة الفرقان (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)) والسبيل هنا يعني سبيل الاسلام (أل) مع سبيل تعني الاسلام والآيات الست الأخرى في سورة الفرقان ليس فيها أل: ثلاث منها(34) (42) (44) ليس فيها مجال إلا أن تُنصب والمنصوب في الآخر يُمدّ لأنه جاءت تمييزاً آخر الآية منصوب فمُدّت الفتحة وفي الآية (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)) لم يأت بـ(أل) وجاء بكلمة سبيل منكرة وهنا حتى يشير الى أي سبيل يعني يتمنى لو اتخذ مع الرسول سبيلاً أي سبيل: سبيل المجاهدين، سبيل المنفقين، سبيل الملتزمين بالفرائض، سبيل المحافظين على النوافل، أو غيرهم وكلها تصب في سبيل الله. وعندما قال سبيلاً جعله نكرة بما يضاف اليه. وعندما يقول السبيل فهو يعني الاسلام خالصاً فالظالم يعض على يديه يتمنى لو اتخذ مع الرسول أي سبيل منجي له مع الرسول وليس سبيلاً محدداً. والآية الأخرى (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)) ايضاً لا يستطيعون أي سبيل خير أو أي سبيل هداية.(1/108)
نلاحظ ان الآيات الأخرى :
1. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) النساء
2. وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) الفرقان
3. مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) الاحزاب
آية سورة النساء كلمة السبيل في نهاية الآية تعني الاسلام وكل ما قبلها وبعدها جاءت مطلقة إلا هذه. وعندما نقول السبيل فهي تعني المستقر الثابت وكذلك السبيل في آية 17 في سورة الفرقان وآية 4 في سورة الأحزاب . وذكرنا أنه وردت كلمة السبيل مرة بالاطلاق في سورة الأحزاب (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)) (سبيلا) بالألف واللام والاطلاق بخلاف الآيات الثلاث وقلنا في وقتها أنهم في وضع اصطراخ فهم يصطرخون في النار فحتى كلامهم عن السبيل جاء فيه صريخ وامتداد صوت. هذه هي الأماكن فقط أما الأماكن الأخرى فجاءت كلمة السبيل بدون اطلاق ولن نجدها إلا عند الوقف مستقرة لأنه يراد بها الاسلام.
*(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ (44) النساء) لِمَ قيّد ربنا سبحانه وتعالى الإيتاء بالنصيب؟ أي قال (أُوتوا نصيباً من الكتاب) ولم يجعله مطلقاً (أوتوا الكتاب)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)(1/109)
في هذا التقييد لغة بلاغية، ألا ترى أن ثمة فرقاً واضحاً بين من أوتي الكتاب ومن أوتي نصيباً من الكتاب ففي اختيار كلمة نصيباً من الكتاب إيحاء بقلة أثر الكتاب في نفوس السامعين.
* ما دلالة استعمال آتينا وأوتوا ؟(د.فاضل السامرائى)
استعمال آتينا وأوتوا ففي موضع المدح يأتي بـ (آتيناهم) كما في قوله تعالى (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) البقرة) وفي معرض الذمّ يأتي بـ (أوتوا) كما في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) النساء) وقوله تعالى (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) البقرة).
آية (46):
*ما الفرق بين قوله تعالى (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ {46} النساء)و(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ {41} المائدة)؟
*د.أحمد الكبيسى :(1/110)
يحرفون من بعد مواضعه من ساعة نزوله يكذبون على الله عز وجل وقد كذبوا على موسى قال لهم: قولوا حطة قالوا: زمحيطة من أول يوم. إذا ًهناك تحريف في التوراة والإنجيل من يوم ما نزل، ورب العالمين أثبت هذا والتاريخ أثبت هذا وعلماؤهم يثبتون هذا. (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) هذا على امتداد التاريخ وتعرفون التاريخ كما أن هناك أبحاث كثيرة عن الجهود التي خاصة عن طريق اليهود الذين حرفوا التوراة والإنجيل تحريفاً يكاد يكون مسخاً لكلا الكتابين الكريمين.(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) ساعة وحيه ما أن يخبرهم سيدنا عيسى وسيدنا موسى بالوحي حتى يغيروه وآية أخرى تقول (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ {41} المائدة) بعد ما مات سيدنا موسى ورفع سيدنا عيسى بعد قرون بعد مئات السنين غيروا فعلاً كثير من الأناجيل وكثير من صيغ التوراة وُضِعت وضعها الرهبان والقساوسة بعد هذا بمئات السنين.
*د.فاضل السامرائى:
استخدم القرآن كلمات كجمع قلة واستخدم كلِم بالجمع (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ (46) النساء) أن كلماته لا تفي بها البحار(قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) الكهف)الأقلام تفنى والبحر ينفد ويجف ولا تنفذ كلمات الرحمن. فكيف بالكلِم؟! ما قل من كلمة لا تفي بها هذه البحار والأقلام فكيف بالكلِم؟!
آية (47):
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم (47) النساء) انظر إلى تناسب اللفظ مع المعنى في القرآن فهنا قال (أوتوا الكتاب) بينما قال في آية أخرى (أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة) فما الحكمة من هذا الإختلاف بين الآيتين؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/111)
لعلك أدركت أن قوله تعالى (أوتوا نصيباً من الكتاب) جاء في مقام التعجيب والتوبيخ فناسبه كلمة (نصيباً) للإشارة إلى قلة علمهم الذي أخذوه من الكتاب بينما في قوله تعالى (أوتوا الكتاب) صيغت هذه الآية في مقام الترغيب فناسبه لفظ (أوتوا الكتاب) الذي يؤذن بأنهم شُرّفوا بإيتاء التوراة وما ذاك إلا ليثير اهتمامهم وهمتهم للتخلق بسمات الراسخين منهم.
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47) النساء) ما اللمسة البيانية في التحول في الضمير من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب؟(د.فاضل السامرائى)(1/112)
ننظر في الآية التي تفضلت بها الأخت المشاهدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47) النساء) هو لم يحصل تحوّل في الضمائر، كل الضمائر للمتكلم لكن حصل التفات في الأخير من الضمير إلى الإسم الظاهر بدل أن يقول وكان أمرنا مفعولاً قال (وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً) هذا يسمى إلتفات من المتكلم إلى الغائب، من الضمير إلى الإسم الظاهر، هذا الالتفات. المتكلم ضمير (وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً) (بما نزّلنا، نطمس، فنردّها، أو نلعنهم كما لعنا) كلها للمتكلم، (وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً) هذه التفات من المتكلم إلى الغائب أو من الضمير إلى الإسم الظاهر إذن حصل إلتفات وهذا يدل على أن المتكلم هو الله وليس ذاتاً أخرى. المتكلم هو كل واحد يتكلم عن نفسه لكن عندما قال (وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً) بيّن أن المتكلم هو الله سبحانه وتعالى، الآن التفت قال (وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً) فبين لنا أن المتكلم هو الله، هو الذي يفعل ذلك والالتفات في البلاغة كما قالوا يثير التفات السامع ويثير نشاطه. وهناك أمر آخر نبهنا عليه في أكثر من مناسبة أنه كل تعبير في القرآن بضمير الجمع للتعظيم، هذه تعظيم، كل ضمير في القرآن كله بلا استثناء يتكلم فيه عن الله لا بد أن يكون قبله أو بعده ما يدل على أن الله تعالى مفرد ليس هنالك موطن في القرآن فيه ضمير للتعظيم إلا ويبين أنه مفرد فيما قبله أو بعده، عندما قال (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) قال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)) ما قال فصلِّ لنا. ((1/113)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)) ثم قال (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)). ففي الآية عندنا مجموعة من ضمائر المتكلم فبموجب هذه الظاهرة القرآنية قال (وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً) حتى يكون هناك نسق واحد في القرآن الكريم أنه واحد لا شريك له سبحانه وتعالى.
آية (48):
* ما دلالة الإختلاف بين ختام الآيات في سورة النساء (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيماًً(48) ) (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116))؟
* د.فاضل السامرائى:(1/114)
هذا الأمر متعلق في الكلام في فواصل الآيات. صدر الآيتين واحد وكلتا الآيتين في سورة النساء. ختمت الأولى (فقد افترى إثماً عظيماً) والثانية (فقد ضل ضلالا بعيداً) ذكرنا سابقاً أن هذا الأمر حتى يتضح ينفعنا العودة إلى السياق لماذا اختار هذه الفاصلة دون تلك؟. الآية الأولى (فقد افترى إثماً عظيماً) هذه الآية نزلت في أهل الكتاب قبلها قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47)) أهل الكتاب نزل عليهم كتاب نزل بالتوحيد لا بالشرك فعندما يشركون يكونون قد افتروا على الله هم يفهمون الناس أنه نزل بالشرك إما بالتثليث أو عزير ابن الله أو غيرها من الأقاويل ينسبونها إلى الله وإلى الكتب يقولون هذا هو الذي نزل، هذا افتراء فختم الآية (فقد افترى إثما عظيما) لأنهم كذبوا على الله، افترى يعني كذب والإثم هو الذنب. إذن لما كانت الآية في أهل الكتاب هم افتروا واكتسبوا إثماً. هذه مسألة والمسألة الأخرى أن السياق أصلاً في ارتكاب الآثام إضافة إلى هذا، إضافة إلى أنهم افتروا واكتسبوا إثماً السياق هو في ارتكاب الآثام (يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ) (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) (وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ) (انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) هذه كلها آثام إذن ناسب ختم الآية (فقد افترى إثماً عظيماً). الآية الثانية في كفار قريش لم يعرفوا كتاباً، لا يعلمون شيئاً غافلين لم ينزل إليهم كتاب وإنما هم ضالون.(1/115)
إذن هناك فرق في الآية الأولى نزل عليهم كتاب فافتروا أما الثانية فلم ينزل إليهم كتاب فهم ضالين إضافة إلى أن السياق في الضلال (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) تبين له الهدى وشاقق الرسول هذا ضلال، (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) (وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ) إذن الآية الثانية في سياق الضلال إضافة إلى أنها نزلت في أناس لم ينزل إليهم كتاب ولا عرفوه فهم ضالون السياق في الضلال أيضاً. أما في الآية الأولى فإضافة إلى أنهم أهل كتاب غيّروا وافتروا وحرّفوا السياق في ارتكاب الآثام إذن من كل ناحية كل فاصلة ناسبت السياق الذي وردت فيه (فقد افترى إثماً عظيماً) مناسبة للسياق ولمن نزلت فيهم والآية الثانية (فقد ضل ضلالاً بعيداً) مناسبة للسياق ولمن نزلت فيهم.
*د.حسام النعيمى:(1/116)
هذه الآية الأولى هي قول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47)) إذن الكلام هنا موجّه لأهل الكتاب ونشدد على كلمة (مصدقاً)، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيماًً (48)) ختام هذه الآية (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيماًً)، الآية 116 (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا). في الآية الأولى قال: فقد إفترى إثماً عظيماً وفي الثانية: فقد ضل ضلالاً بعيداً، لماذا انتهت الآية الأولى هكذا و لماذا انتهت الآية الثانية هكذا؟
معنى الشِرك بالله سبحانه وتعالى:(1/117)
قبل أن نجيب على هذا السؤال يجب أن نوضح مسألة (ومن يشرك بالله) لأنه عندنا حديث أحب أن يسمعه المشاهدون ونقلت الحديث من "الترغيب والترهيب": " قال: خطبنا أبو موسى الأشعري فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل فقام إليه عبد الله بن حزن وقيس بن المضارب فقالا: والله لتخرجن مما قلت أو لنأتينّ عمر مأذون لنا أو غير مأذون، قال: بل أخرج مما قلت، خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل. فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم. " (رواه الإمام أحمد والطبراني ورجاله ثُقاة). فإذن عندنا هذه العبارة، عندما يقول (ومن يشرك بالله) لأن علماءنا تكلموا في هذا المجال حتى قالوا أنه من مراتب الشرك أن تقول: وحياتك، وحياتي، وحياة فلان، وحقّ فلان، وهذا دراج عند الناس الآن، العلماء المتخصصون يقولون إشارة إلى الحديث الصحيح أنه لا يجوز القسم بغير الله سبحانه وتعالى "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" لكن في تصرفات الإنسان، في أقواله أحياناً قد يقع في هذا الذي هو أخفى من دبيب النمل، حتى إن بعضهم تصرف فيه فقال هو أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. فكيف نخرج منه؟ كيف يعافينا الله سبحانه وتعالى من هذا؟(1/118)
علّمنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الدعاء : "اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم" الإنسان يلوذ بالله سبحانه وتعالى، يلجأ إليه سبحانه وتعالى، (اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه) لا نريد أن نرتكب شركاً ونحن نعلم أنه شِرك، (ونستغفرك لما لا نعلمه) قد نرتكب شيئاً يدخل في هذا الباب ونحن لا نعلمه فنحن نستغفر الله سبحانه وتعالى منه لأن الله تبارك وتعالى أخذ على نفسه عادة قال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) حتى هذه المغفرة الثانية علّقها بالمشيئة. فمسألة الشِرك مسألة عظيمة جداً ولذلك حذّر منها علماؤنا كثيراً ولا نريد أن نتوسع في هذا الأمر وهذا المقدار يكفي وعلى المسلم أن يفتش عن أسباب الشِرك ويُنجي نفسه منها، من الإستعانة بغير الله، سؤال غير الله سبحانه وتعالى فيما لا يملكه إلا الله عز وجل، السؤال من المقبورين والطلب منهم عند الأضرحة فيحذر المسلم لأن هذا يحبط العمل والعياذ بالله سبحانه وتعالى. نحن إذا جاءت فرصة لتنبيه المشاهد على قضية جوهرية لا نتركها.(1/119)
فإذن لما كان الكلام مع أهل الكتاب وأهل الكتاب كانوا يستفتحون على المشركين أن هناك نبي قد أظل زمانه وسيظهر هذا النبي، كانوا يعلمون أنه سيظهر نبي فلما ظهر الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا يتوقعون أنه يظهر من أبناء يعقوب (أي من بني إسرائيل) فلما ظهر من أبناء إسماعيل أنكروا مع علمهم اليقين أنه هذا هو النبي الخاتم، مع أنهم يعلمون ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم) يعني الكلام الذي معكم مما هو حق هذا الذي نزّلناه هو مصدق لما معكم (مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً) تهديد رهيب. (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) هذا العمل الذي تقومون به من إنكار نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومما حرفتم من كتابكم ومما ألقيتم من صفات الألوهية على أنبيائكم كل هذا يدخل في إطار واحد هو إطار الشِرك واعلموا أن الله سبحانه وتعالى لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
((1/120)
وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) الإفتراء هو خَلْقُ الكذب، هو يصنع الكذب ليس مجرد يكذب وإنما أشار إلى أنه يخلق خلقاً جديداً هو الكذب. لأن الإفتراء هو خلق ونلاحظ الإفتراء يقابله التصديق، لما ذكر التصديق (مصدقاً لما معكم) هذا القرآن هو صدق ومصدق يقابله شرككم الذي هو افترائكم للكذب. وتكررت الآية الكريمة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50)) كرر مسألة الإفتراء والكذب فمناسب جداً هنا الكلام على إفتراء الكذب من لدن هؤلاء.
لما جاء إلى الآية 116، هناك قلنا ذكر التصديق فذكر في ما يقابله إفتراء الكذب، في هذه الآية (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116)) نجد أن الكلام ليس مع أهل الكتاب وإنما الكلام مع مشركي العرب فالجهة اختلفت والعلماء يقولون الجهة منفكة، هذه جهة وهذه جهة، الكلام كان مع أهل الكتاب الذين يقرأون والذين عندهم صفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان بصورة معينة. الآن الكلام مع مشركي العرب.
*د.أحمد الكبيسى :(1/121)
الذين يشركون بعد أن آمنوا بدينٍ سماوي هذا قد افترى إثماً عظيماً الافتراء تعمد الكذب بدقة وعناية هذا الافتراء فهنالك فرق بين أن أكذب عليك أو أن أفتري عليك أو أبهتن عليك البهتان أكاذيب ليس لها وجود وتجعل المجتمع يقوم ويقعد هذا بهتان عظيم الكذب غير الحقائق الافتراء كذبة تشيع بين الناس يعملها عدو أو دولة مضادة لك يفترون عليك افتراء مرتب يعني بالصور وأدلة وتزويقات بحيث ينطلي على أكثر الناس هذا افتراء فالافتراء هو الكذب بعناية ورصد وحبك حدث قوي جداً مصنوع بحيث ينطلي على كثيرين. فالذي كان مؤمناً كان يهودياً أو نصرانياً أو مسلماً ثم ارتد صار شيوعياً (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا {137} النساء)هذا افترى إثماً عظيماً، نسج نسجاً حقيراً خسيساً لكنه متقن وفي أدلة مزوقة ممكن أن تنطلي على الناس (فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) هذا الخطاب لليهود هذه الآية تخاطب اليهود تقول الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ {44} النساء) إلى أن قال (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) هذا عن اليهود واليهود كانوا مؤمنين ولكنهم قالوا عزير ابن الله وقالوا المسيح ابن الله وقالوا ثالث ثلاثة هذا شرك لكن بعد إيمانٍ بالتوحيد في البداية لماذا؟ جاءوا بأدلة مصنوعة ككثير من المسلمين نحن المسلمين الآن أشركوا الذي يعبد الحسين والذي يعبد يزيد أو شيخ من الشيوخ الخ هذا افترى إثماً عظيماً بعد ما آمن وبعد ما جاء القرآن الكريم والتوراة والإنجيل واضحة هذا افترى إثماً عظيماً.(1/122)
الآية الثانية تخاطب مشركين العرب لا عنده كتاب ولا دين ناس وثنيين (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا {115} النساء) يخاطب مشركين العرب ألم يأتكم النبي صلى الله عليه وسلم لماذا هذا الشقاق؟ لماذا تحاربون في بدر وفي أحد؟ ووراءها يقول (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) أي هناك ضلال مقدور عليه يتوب وكلنا نرتكب ضلالات ولكن نتوب لأننا نحن أصلاً نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ونصلي ونصوم ونذنب وكل ابن آدم خطاء وحينئذٍ ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً هذا المشرك ضلال بعيد لا يتوب ولهذا أبو لهب ما تاب ولا كان متوقع أن يتوب مسلكه وفكره بعيد عن التوبة من أجل هذا فقد ضل ضلالاً بعيداً. فالخطاب مع الذين كانوا من أتباع الأديان ثم أشركوا (افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) والذي هو أصلاً مشرك وهو أصلاً يعبد الأصنام هو أصلاً وثني هذا (فقد ضل ضلالاً بعيداً) وهذا هو الفرق بين الآيتين.
آية (49):
*انظر آية (40).???
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء (49) النساء) انظر إلى هذا الأسلوب في إبطال معتقدهم فلم يقل ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم وهم كاذبون ليبيّن حالة التزكية بل قال (بل الله يزكي من يشاء) فقد أبطل معتقدهم في التزكية بإثبات التزكية لله تعالى وقد أفاد تصوير الجملة بـ (بل) حتمية إبطال تزكيتهم خلافاً لحذفها فلو قال والله يزكي من يشاء لكن لهم طمع أن يكونوا ممن زكّاه الله تعالى.
آية (50):(1/123)
*(انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ (50) النساء) الكلام المختلق المكذوب تسمعه الآذان فكيف قال تعالى (انظر كيف) ولم يقل إسمع؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
جعل الله تعالى الكذب والافتراء الذي تسمعه الأذن كأنه أمر مرئي يراه الناس يأعينهم ليصف شدة تحقق وقوع ذلك منهم فهو أمر محتّم.
آية (51):
* ما معنى كلمة الجبت والطاغوت؟ وهل هي موجودة في لغة العرب؟ وهل هناك علاقة بين كلمة جبت وEgypt ؟( د.فاضل السامرائى)(1/124)
الطاغوت: الطاغوت يذكرون له معاني، هو من الطغيان، اشتقاقه العربي من الطغيان، فِعلها طغى (وعندنا فعلوت، أصلها طغووت ثم صار بها إبدال، هذه مسائل صرفية لا نريد أن ندخل فيها)، عندنا مصادر على فعلوت مثل الملكوت والجبروت (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) يس) ورهبوت وهي عندنا في العربية وهي مصادر تدل على المبالغة كما في الحديث " جللت الأرض والسماء بالعزّة والملكوت". طاغوت من هذه الأوزان لكن صار فيها تداخل صرفي وإبدال كلمة (أصلها طغووت على وزن فعلوت). هي من الطغيان، من الفعل طغى. كل رأس في الضلال يسمى طاعوت (ما عُبِد من دون الله) حتى الساحر يسمى طاغوت والكاهن والصنم وفي العربية المارد من الجن يسمى طاغوت وهي عامة وكلمة طاغوت تستعمل للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع. للمفرد طاغوت وللجمع طاغوت وللمذكر طاغوت وللمؤنث طاغوت. عندنا جمع (طواغيت) وعندنا طاغوت مثل الطفل يُجمع على طفل وأطفال وضيف يجمع على ضيف وضيوف وخصم قد يكون مفرد وقد يكون جمعاً (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) ص) عندنا كلمات قد تكون جمع وقد تكون مفرد حتى كلمة عدو وأعداء، عدو مفرد وجمع (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الشعراء) عندنا كلمات تكون الكلمة تعبر عن المفرد والجمع بحسب السياق الذي وردت فيه ومنها طاغوت. يوجد طواغيت في اللغة مثل طفل وأطفال (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء (31) النور) (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا (59) النور). الطاغوت موجودة والطواغيت موجودة.(1/125)
الطاغوت تستعمل للمفرد والجمع والمذكر والمؤنث فنقول هذا طاغوت وهذه طاغوت. حتى في القرآن الكريم استعملها عدة استعمالات، إستعملها مفرد واستعملها جمع: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ (256) البقرة) هذا جنس عام، (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ (257) البقرة) هنا الطاغوت جمع لأن للمؤمنين وليّ واحد وهو الله سبحانه وتعالى (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ) أما الكافرون أولياؤهم متعددون الشياطين وغيرهم لذا قال تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) للمؤمنين ولي واحد وهو الله تعالى صحيح المؤمنين بعضهم أولياء بعض لكن الولي الواحد هو الله تعالى والكفرة أولياؤهم متعددون لذا لم يقل وليهم الطاغوت. مثال آخر (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ (60) النساء) مفرد، لماذا مفرد؟ لو نرجع إلى سر النزول سنفهم، أصل النزول: إختصم أحد المنافقين مع يهودي فاليهودي قال نحتكم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال المنافق نحتكم إلى كعب بن الأشرف (يهودي) فالمنافق الذي يزعم أنه آمن بالله والرسول - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يحتكم إلى يهودي واليهودي يريد أن يحتكم إلى رسول الله كأنه متأكد أن الحكم له، ففي الآية هنا طاغوت واحد (كعب بن الأشرف) فلذلك قال تعالى (وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ).(1/126)
مثال آخر للجمع والمؤنث: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا (17) الزمر) هنا الطاغوت ليس مفرد وإنما مؤنث جمع أي الأصنام، كيف عرفنا أنها جمع؟ بدليل قوله تعالى في الآية (فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ (15) الزمر) صار تعددية. فإذن الطاغوت مفرد، جمع، مذكر، مؤنث واستعملت كلها في القرآن الكريم.
الجبت: أحياناً يأتي بمعنى الطاغوت. في كتب اللغة يقولون الجبت ليس من محض العربية في الأصل. وهي عامة تأتي حتى في الحديث "العيافة والطير من الجبت" اليعافة أي الكهنة والسحرة، فالجبت كلمة عامة تطلق على الطاغوت، الساحر، الكاهن، وتطلق الأفعال والأعمال غير المرضية مثل الطيرة والعيافة والاعتقادات الباطلة. والبعض قال هي إسم صنم وأطلقت عامة. الجبت لها نفس دلالة الطاغوت وفيها توسع في المعنى مثل العيافة والطير، تدخل تحتها مجموعة الأفكار والمفاهيم . ليس لها فعل صيغتها هكذا (الجبت) ليس لها جمع ولا مثنى ولا علاقة لها بكلمة Egypt . أحد أساتذتنا القدامى في الكلية قال أظنها من جوبيتر لأنه كان هناك من يعبد النجوم (وأنه هو رب الشعرى) هو قال هكذا لكن لا أدري من أين جاء بها؟ لكن الجبْت (بتسكين الباء) ليست من محض العربية أما الطاغوت فمن محض العربية.
آية (56):
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
((1/127)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء) انظر إلى هذا التصوير لمشهد العذاب إنه مشهد مادي محسوس تتألم منه الأجساد وتتلظى به الجوارح والأبدان وهو مشهد لا يكاد ينتهي، مشهد يشخص له الخيال ولا ينصرف عنه. ألا ترى أنك تكاد ترى مشهد الجلود الناضجة من شدة قوة التصوير في قوله تعالى (كلما نضجت جلودهم) وتأمل هذا الاختيار المفزع لأداة الشرط (كلما) دون استعمال الأداة (إذا) لأن (كلما) ترسم مشهد نضوج الجلود متكرراً خلافاً لـ (إذا) وهذا يناسب قوله تعالى (كلما نضجت جلودهم بدلناهم غيرها).
* لِمَ خصّ الله تعالى الجلود بالتغيير دون الأعضاء مع أنها تنضج في النار أيضاً؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هذا من إعجاز القرآن فالجلد هو الذي يوصل إحساس العذاب إلى النفس فلو لم يبدّل الجلد بعد إحتراقه لما وصل عذاب النار إلى النفس.
آية (58):
*ما هي الآية التي نزلت داخل الكعبة؟(د.فاضل السامرائى)
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً {58}) هي الآية التي نزلت داخل الكعبة عندما دخل الرسول - عليه السلام - يوم فتح مكة طلب من عثمان بن طلحة وكان حاجب الكعبة أن يعطيه مفتاح الكعبة فأبى وصعد إلى سطح الكعبة فأرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بلالاً ليحضره منه ففتح الكعبة وحطّم الأصنام ثم نزلت هذه الآية يأمر الله تعالى رسوله أن يردّ المفتاح إلى عثمان وما زال في بني شيبة إلى الآن.
آية (59):
*ما دلالة تكرار كلمة أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في سورة النساء وعدم ذكرها مع أولي الأمر؟( د.فاضل السامرائى)(1/128)
قال تعالى في سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} ) لم يقل تعالى وأطيعوا أولي الأمر منكم لأن طاعة أولي الأمر تبعية وليست مستقلة وإنما هي تابعة لطاعة الله وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأولي الأمر ليس لهم طاعة مستقلة ولكن طاعتهم تبعية بحسب طاعتهم لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - . كما أن طاعة أولي الأمر ليست بنفس بمنزلة طاعة الله ورسوله ومن المحتمل التنازع بين أولي الأمر.
وهناك سؤال آخر في هذه الآية وهو لماذا يرد في القرآن أحياناً أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحياناً أخرى يرد وأطيعوا الله والرسول؟(1/129)
في القرآن قاعدة عامة وهي أنه إذا لم يتكرر لفظ الطاعة فالسياق يكون لله وحده في آيات السورة ولم يجري ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السياق أو أي إشارة إليه كما جاء في سورة آل عمران (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {132}). والأمر الآخر أنه إذا لم تكرر لفظ الطاعة فيكون قطعياً قد ذُكر فيه الرسول في السياق كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} النساء) و(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ {92} المائدة) و(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {1}و يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ {20} الأنفال) و (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} النور) و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {33} محمد) و(أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ(1/130)
وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {13} المجادلة) و(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {12} التغابن) وهذا ما جرى عليه القرآن كله كقاعدة عامة.
*ما الفرق بين(أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) الأنفال) - (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ (32) آل عمران) - (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا (92) المائدة) - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (59) النساء) - (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) النور) ؟(د.أحمد الكبيسى)
أساليب الأمر القرآني بطاعة الله ورسوله جاءت بعدة صيغ وكل صيغة تعني معنىًً يختلف عن المعنى الآخر :
الأسلوب الأول:(1/131)
صيغة الأنفال طاعة واحدة لله ورسوله الرسول الكريم هنا معرّف بالإضافة إلى إسم الجلالة. (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لاحظ أن الرسول أضيف إلى الضمير يعني أطيعوا الله ورسوله الذي أرسله الله عز وجل بالكتاب هذا الأمر بالطاعة طاعة الرسول هنا هي طاعة الله بالضبط لماذا؟ لأن الرسول جاءك مبلغاً ينقل لكم هذا الكتاب فأطيعوه ولهذا قال وأنتم تسمعون (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) الأنفال) يعني قضية سماع (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (67) المائدة) فلما جاءت هذه الصيغة وهي الصيغة الأولى التي ينبغي أن نفهم بأنها أول الصيغ أنت أول عمل تعمله أن تسمع القرآن الكريم، من الذي جاءك به؟ محمد صلى الله عليه وسلم. فلما محمد صلى الله عليه وسلم يقول لك هذه آية في سورة كذا هذا القرآن من عند الله هذا كلام الله إنما أنا رسول مبلِّغ عليك أن تطيع (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما بلغكم به عن ربه ولهذا أضاف الرسول إليه (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لأن طاعة الرسول هنا هي بالضبط طاعة الله. فحيثما رأيت في كتاب الله أطيعوا الله ورسوله إعلم أن الكلام يتحدث عن القرآن الكريم. هذا الأسلوب الأول.
الأسلوب الثاني:(1/132)
في آل عمران أطيعوا الله والرسول هذا أسلوب جديد. يقول (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) ما أضاف الرسول إلى نفسه بل عرّفه بالألف واللام هذا الرسول له صلاحيات أن يفسر لكم القرآن ويبين مجمله ويفصِّل ما خفي منه والخ حينئذٍ أنتم أطيعوا الله في القرآن الكريم ثم أطيعوا الرسول في تصرفاته في هذا القرآن الكريم. وقال صلى الله عليه وسلم (إنما أوتيت القرآن ومثله معه) الذي هو هذا الذي بلغنا هو من أين يعرف النبي أن الصلاة خمس اوقات والصبح اثنين والظهر أربعة من أين يعرف؟ كما نزل القرآن الكريم بلفظه للمصطفى جاء بيانه (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة) هذا الرسول (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فقط مبلّغ يا مسلمون هذا أوحي إلي ، (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ)لا الآن النبي صلى الله عليه وسلم هو يؤدي دوره كرسول له علم وله كلام موحى بمعناه لا بلفظه وله صلاحية الفهم (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) النساء) ورب العالمين علّم كل الأنبياء كما قال عن سيدنا عيسى (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (110) المائدة) وهكذا.
الأسلوب الثالث:(1/133)
في المائدة طاعتين مستقلة طاعة خاصة لله وطاعة خاصة للرسول صلى الله عليه وسلم و فيها كلمة زيادة ما جاءت إلا هنا هي واحذروا هذا الأمر المهم إلا في هذا المكان في سورة المائدة (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) أضاف كلمة واحذروا ، قلنا الأولى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما يبلغ به عن القرآن الكريم مجرد تبليغ هذا واحد (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) بإضافات النبي صلى الله عليه وسلم شرحاً وبياناً وإجمالاً وما إلى ذلك، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) لا هنا طاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما شرعه عليه من سنن يعني النبي صلى الله عليه وسلم كما تعرفون له صلاحيات التحليل والتحريم وحرام محمد وحلال محمد حرام وحلال إلى يوم القيامة وحينئذٍ كما أن الله أمر النبي أن يبلغكم بكلامه حرفياً ثم سمح له أن يشرح بعض أو يبين بعض معضلاته ثم في هذه الآية الثالثة النبي صلى الله عليه وسلم له تصريف تصريف في الكتاب من حيث معناه وأسباب نزوله ومناحيه وبياناته وهذا علم أصول التفسير مليء في هذا الباب هذه (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) قال (واحذروا) لأن هذه قمة الجهد المبيَّن والمبيِّن في هذه الفقرة أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وحده أطيعوا الله فيما أمركم به من كتابه وأطيعوا الرسول باعتباره مشرعاً مشرعاً للسُنّة نحن من أين أتى علمنا؟ كتاب وسنة (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر) هنا أضاف (واحذروا) هناك (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) نفس المعنى أيضاً فيها سنة هناك لكن هنا أضاف (واحذروا) لماذا أضافها؟ هنا القرآن الكريم بكلمة احذروا يلفت أنظارنا إلى أهمية الانتباه إلى منظومة الشهوات التي ينزلق إليها الإنسان متى ما غفل عن ذكر الله.(1/134)
هناك شهوات آسرة فأنت عندما تسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله شارب الخمر وحاملها وعاصرها وبايعها والمحمولة إليه وووالخ) (لعن الله من نظر إلى المرأة ومن اختلى بها ومن لمسها وووالخ) هذه المنظومة الهائلة من الشهوات الآسرة (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) آل عمران) قال (احذروا) تنزلقون بسرعة فكُن مع السُنة ما الذي يقوله لك النبي صلى الله عليه وسلم لا تختلي لا تهمس لا تكلم لا تلمس لا تخضعي بالقول انظر ماذا احتاط النبي صلى الله عليه وسلم في سنته لمنظومة الشهوات الآسرة والآية تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة) إذاً (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) وأطيعوا الرسول طاعة ثانية طاعة خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم في سننه فيما أمر فيما شرع فيما نهى واحذروا عندما ينهاكم لأنه ينهاكم عن مزالق كثيرة.
الأسلوب الرابع:(1/135)
في النساء أيضاً 59 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) النساء) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول لكن ليس وحده وأولي الأمر منكم أيضاً المرة الوحيدة رب العالمين جعل طاعتين طاعة لله وطاعة للرسول لكن طاعة الرسول مشترك هو وأولي الأمر. أطيعوا الله انتهينا وأطيعوا الرسول وأولي الأمر لأول مرة وآخر مرة يأتي الأمر بأن تطيع أولي الأمر مع طاعة النبي بالضبط من حيث أن طاعة هؤلاء أولي الأمر هي طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم .فهمنا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فهمناها أيضاً فيما شرّع فيما أمر ونهى فرب العالمين كما جعل أن طاعة الرسول من طاعة الله (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (80) النساء) هنا من يطع أولي الأمر فقد أطاع الرسول (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) من هم أولي الأمر؟ طبعاً من الناس من يقول هم الحُكام وهذا ليس صحيحاً فالكلام يتكلم عن الشرع حلال وحرام (العلماء ورثة الأنبياء) ولذلك قليل من العلم خير من كثير من العبادة وأنتم تعرفون (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28) فاطر) والكلام طويل في هذا فرب العالمين يقول أطيعوا الله هذا انتهينا هنا طاعة جديدة بحقل خاص للرسول وأولي الأمر الذي له مسألة الفتوى الحلال والحرام. والسؤال من هم أولي الأمر؟ طبعاً التفاصيل كثيرة موجزها أصحاب الدليل (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ (108) يوسف) يعني أرني دليلك وإلا كل واحد تعلّم آيتين وصار شيخاً ويُلحن كل وقت إن تلاها لا للعلم.(1/136)
العلم هو الذي يجعلك أنت أهلاً للفتوى من أولي الأمر الذين أنت من ورثة النبي تحلل وتحرم (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء) العلم وحينئذٍ أصحاب العلم هم الذين يملكون الدليل ويملكون البصيرة (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ (104) الأنعام) أدلة على التوحيد والفقه (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (108) يوسف) وحينئذٍ العلماء الذين لهم حق الفتوى هو الذي يملك الدليل والفتوى مصيبة المصائب النبي صلى الله عليه وسلم أول مفتي (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ (127) النساء) الخ فمن يملك الدليل حجة على من لا يملك الدليل ولهذا إذا شاعت الفوضى وتصدى الجهلاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم وينزل الجهل) كل واحد تكلم كلمتين حلوين صار مفتي ويحلل ويحرم على أن الفتوى خطيرة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (أجرأكم على النار أجرأكم على الإفتاء) أصحاب النبي رضوان الله عليهم كنت تسأل الواحد عن سؤال يقول لك اذهب إلى فلان وفلان يقول لك اذهب إلى فلان وهكذا إلى أن تعود على الأول كانوا يتدافعونها لأنها المسؤولية الكبيرة من أفتاه فإنما اثمه على من أفتاه إذا أفتيت فتوى وعمل بها الناس وكانت خطأ بلا دليل ولا علم ولا أصول فقه ما عندك حجة على الله هوى اتبع الهوى كما فعل بلعم (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) فكلهم يعملون هم في السليم وأنت الذي تذهب في النار لأن إثم هؤلاء في النهاية عليك.
الأسلوب الأخير:(1/137)
آخر أسلوب طاعة الرسول وحده في النور (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) هنا باعتباره حاكماً رئيس دولة قائد للجيوش في الحروب (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ (152) آل عمران) ما عصوا حكماً شرعياً عصوا أن محمداً كان قائد عصوا قائدهم العسكري محمد صلى الله عليه وسلم قال أنتم الرماة ابقوا جالسين لا تتحركوا أمر عسكري (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ)والله قال وقد عفا عنهم لأنه ما هو حكم شرعي وإنما خلل تكتيكي عسكري عصوا القائد وأعظم أسباب الإنكسارات العسكرية هو عصيان القائد أنت نفِّذ ثم ناقش هذه قاعدة معروفة .فهذه آخر أسلوب الرسول وحده (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) هذه في سورة النور 56 فقط من حيث كونه قائداً (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) النور) يعني فيها شيء من المرونة هكذا هذا هو أسلوب الأمر بالطاعة خمس أساليب كل أسلوب له معنى.
آية (60):
*انظر آية (51).???
*(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ (60) النساء) لو رجعت إلى سبب نزول هذه الآية لعلمت أنها نزلت بمنافق فلِمَ صيغت بأسلوب الجمع ولم تكن مفردة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
ورد في الآية قوله تعالى (يزعمون) بصيغة الجمع مع أن المراد بها واحد لأن المقام مقام توبيخ ليشمل المنافق المقصود ومن كان على شاكلته وفعلته.
*(وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) النساء) وصف الله تعالى الضلال بالبعيد والبعد مسافة فلِمَ لم يصفه بالضلال الكبير مثلاً؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/138)
إن الشيطان يسعى ليُغرق الإنسان في الضلال وليوغل في مسار الفسق حتى يصعب عليه الرجوع عنه أما الضلال الكبير فيمكن أن يتخلى الإنسان عنه ولذلك خصّ الله تعالى الضلال من الشيطان بالبعيد لتعرف بأن الشيطان لن يهدأ حتى يبلغ الواحد منا أقصى غاية في الضلال.
آية (61):
*(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ (61) النساء) لِمَ خصّ الله تعالى نداء المنافقين بـ (تعالوا) ولم يقل لهم احضروا أو إيتوا؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
إن غايته في الآية رفع المنافقين وإخراجهم من سفاسف الأمور ودنو التفكير ولذلك استعمل فعلاً مأخوذاً من العلو ليحضّهم على الارتفاع عن معتقدهم إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة وهو تحكيم كتاب الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
آية (63):
* (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63) النساء) كيف يعرض عنهم وكيف يقول لهم قولاً بليغاً؟(د.فاضل السامرائى)(1/139)
هذه الآية في المنافقين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63)) معناه جاءوا يعتذرون، إذن فأعرض عنهم (أعرض إعراض ليّن). (وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا) أي عظهم، تلك المسألة لا تعاتبهم عليها طالما جاؤوا واعتذروا الآن يجب أن تعظهم وتعلمهم. فعلوا شيئاً اعتذروا عليه أعرض عنهم واترك المسألة وافعل ما هو أهم وهو أن تعظهم وتعلمهم الطريق الصحيح وتمنعهم من النفاق. إذن يعرض عنهم أي أعرض عن المسألة التي جاؤوا يعتذرون عنها وليس بمعنى الإعراض عنهم هم، ويعظهم.حتى يعلمهم ويرشدهم. (وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا) أي بينك وبينهم ليس أمام أحد، خالياً معهم ليس على الملأ لأنه أدعى إلى قبول النصيحة.
آية (64):
*(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) النساء) هل نفهم أننا يمكن أن نستشفع بالرسول ? في الدعاء؟(د.فاضل السامرائى)
هذا أمر فقهي وهذه الآية كانت في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لهم.
آية (65):
* د.فاضل السامرائى:(فيما يتعلق بالقسم)
((1/140)
قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) يوسف) محذوف حرف النفي (لا) (تالله لا تفتأ). القاعدة أنه إذا كان فعل مضارع مثبت لا بد من حرف اللام فإن لم تذكر اللام فهو منفي مثال: والله أفعل (معناها لا أفعل) و والله لأفعل (معناها أثبّت الفعل) فلماذا حذف إذن؟ هذا هو الموطن الوحيد في القرآن الذي حُذف فيه حرف النفي جواباً للقسم. وقد جاء في القرآن قوله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) النساء) (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) النحل). إنما آية سورة يوسف هي الوحيدة التي تفيد النفي ولم يذكر فيها حرف النفي لماذا؟ الذين أقسموا هم إخوة يوسف ومن المقرر في النحو أن الذكر يفيد التوكيد والحذف أقل توكيداً. فعلى ماذا أقسموا؟ أقسموا أن أباهم لا يزال يذكر يوسف حتى يهلك فهل هم كتأكدون من ذلك؟ أي هل هم متأكدون أن أباهم سيفعل ذلك حتى يهلك وهل حصل ذلك؟ كلا لم يحصل.
آية (69):
*د.أحمد الكبيسى:(1/141)
عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتُغيَ به وجه الله) عن عبادة بن الصامت قال (يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال ميزوا ما كان منها لله عز وجل فيماز ويرمى سائره في النار). عن ابن عباس (من أخلص لله أربعين يوماً ظهرت ينابيع الحكمة) ولذلك لصعوبة الإخلاص صعوبة هائلة يعني ثقوا يمكن نحن أعمارنا تصل إلى مائة سنة يمكن فيها 1% إخلاص وقد لا يكون هذا الواحد بالمائة فماذا تقول الآية؟ (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) طيب أنت لماذا أمرت بذلك؟ هذا تفسير الرازي والرازي تعرفون فيلسوف الأمة، فهذا كلام الرازي أنت لماذا أمرت بذلك؟ قال (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) الإسلام النهائي هو هذا الإخلاص الاستسلام (لو قطعتني إرباً إرباً ما شكوت منك) كلما زاد الله ببلائك ازددت قرباً منه وازددت رضىً عليه والنبي قال (إن كذا سووا بي كذا عملوا بي كذا) وفي الأخير قال (إن لم يكن بك علي غضباً فلا أبالي) حب، عشق.(1/142)