لا شك هي من الآيات الجامعة ونحن نقرأها قبل السلام في الصلاة ثم . والواقع أن الاجابة سريعة بالنسبة للأخت السائلة أن نقول كلمة حسنة جاءت نكرة في الموضعين. وهي في الحقيقة وصف لموصوف محذوف، هذا الموصوف المحذوف على إطلاقه: بما يفكر به الانسان ، هذه الحسنة لنقل مثلاً آتنا في الدنيا عطايا حسنة والعطايا بتفاصيلها وفي الآخرة عطايا حسنة أيضاً بتفاصيلها فحذف الموصوف وأبقى الصفة. وكونها منكرة حتى تشير الى العموم الغالب يعني شيء عام, وهناك شيء بالنسبة لهذه الآية: فالآيات من سورة البقرة كلام على الحج ونحن في موسم الحج.والله سبحانه وتعالى من رحمته بهذا الانسان أن يرشده دائماً إلى الخير.. موسم الحج فرصة للتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء ، فرصة للمسلم حقيقة، فرصة للحاج أن يدعو فالآيات ماذا تقول لنا؟ بعد أن قال تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)) توجيه (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) لأنه كانت العرب بعد موسم الحج يأتون الى الأسواق الأدبية ويتفاخرون ويذكرون آباءهم حتى صاروا يتفاخرون بالقتلى يعني مفاخرة. (أو أشد ذكرا) دائماً المسلم ينبغي أن يكون ذاكراً لله سبحانه وتعالى وذكر الله يستتبع ذكر الآخرة وما فيها من نعيم ومن شقاء حقيقة.(2/16)
ولما بدأ يتحدث عن الذكر في موسم الحج ويدعو (ربنا آتنا في الدنيا) ما قال آتنا ماذا؟ إما لتهوين شأنه أو لأنه عظيم عندهم يريدون كل شيء يريدون في الدنيا وانظر حتى في دعائهم ما وصفوا هذا المأتي به بأنه حسن، يريد أي شيء في الدنيا وهذه سِمة لا يحبها الله عز وجل لعباده فكيف أدّبهم؟ ماذا قال لهم؟ (وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) والخلاق هو النصيب لكن لِمَ لم يقل نصيب؟ نحن إلى الآن نستعمل الخَلَق والخلقات أي الشيء البالي يعني حتى هذا النصيب البالي ليس لهم في الآخرة. هم لا يفكرون بالآخرة فالله عز وجل لا يريد لعباده الصالحين أن يكونوا كهؤلاء ويريد منهم أن يذكروه وأن يفكروا في الآخرة لأن هذه الحياة حقيقة مهما طالت هي كحلم رائي كما في الأثر: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. لاحظ الانسان في لحظة موته كأنه استيقظ من منام وكان يرى حلماً كل هذه السنوات. وهذا واقع بالنسبة لنا جميعاً عندما ننظر في السنوات عمرنا التي مرّت نراها كشريط نائم. فالله تعالى يريد لعباده أن يذكروه ويتذكروا الآخرة دائماً أنت مصيرك الى الآخرة.(2/17)
ومن الناس من يقول (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) يعني كونوا كهؤلاء نفس العبارة هنا في هذا ذكرالوصف للموصوف المحذوف يعني هم يريدون في الدنيا لكن بالوصف الحسن وليس كأولئك ولم يقفوا عند هذا وإنما قالوا (وفي الآخرة حسنة) أيضاً بكل ما يتصور من العطايا الموضوفة بأنها حسنة في الآخرة ثم زاد عليهم في دعائهم وهذا تدريب ودعاء أن ادعوا هكذا (وقنا عذاب النار) الانسان لا ينبغي أن ينسى أن هناك ناراً وعمر رضي الله عنه يقول لجلسائه: يا فلان عِظنا، قال: يا أمير المؤمنين تزفر النار زفرة يوم القيامة (هذا الزفير النفخ) فلا يبقى ملك ولا شهيد ولا نبي ولا صالح إلا ويجثو على ركبتيه ولو كان لك عمل سبعين نبياً ما ظننتَ أنك ناج منها. يعني هذه الزفرة مخيفة من بعد ذلك وحتى عندما ينجي الله الذين اتقوا يحسّون بهذه اللذة لذة النجاة من هذه النار.
هل هناك علاقة بين الأحرف في الكلمتين الحُسن والحسنة؟
من غير شك الثلاثي أو الحروف لما تكون هي هي لا بد أن يكون هناك ترابط فالحُسن والحَسَن والمحاسن وكل ما يُشتق منها لا بد أن يكون هناك الجذر أو الأصل ملموحاً فيها. أنت لما تقول: هذا شيء حسن يعني فيه حسن، هذا إنسان محسِن يعني فيه من الحسن أيضاً ، هذا شخص محسَن إليه. دائماً هذه مسألة من بديهيات اللغة في الحقيقة لكن أحياناً لما نأتي الى فعل أتى (أتي) والفعل عطى (عطو) نجد أن العين والطاء والواو أقوى من الهمزة والتاء والياء فمعناه أن العطاء أو الإعطاء فيه نوع من القوة وليس فيه هذا اللين والرقة والإتيان فيه لين ورقّة والمعنى واحد. أتى وأعطى معنى متقارب معجمياً لكن ليس مترادفاً . هذه السمة سِمة اللين والرقة في أتى وسِمة القوة في أعطى لذلك كثريون من أهل اللغة قالوا أن الإعطاء فيه تمليك والإيتاء ليس شرطاً أن يكون فيه تمليك.
آية (203):(2/18)
*لم خص الله تعالى الذكر فى هذه الأيام(وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ (203)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لاحظ أخي أمر الله عباده بالذِكر مع أنهم في الحج والموسم موسم عبادة وخَصّ بالذكر في الأيام المعدودات وهي أيام رمي الجِمار وذلك لأن أهل الجاهلية كانوا يشغلون هذه الأيام بالتغامز ومغازلة النساء فأراد الله تعالى صرفهم عن هذا الإثم إلى الخير دون ذِكر ما يفعلون.
آية (204):
*كيف اضيفت كلمة ألدّ إلى كلمة بمعناها وهي الخِصام؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
قال تعالى (وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) البقرة) إضافة كلمة (ألدّ) إلى الخصام مع أن معنى ألدّ شديد الخصومة هذا من باب مبالغة القرآن الكريم ليصف لنا ربنا مدى الخصومة التي تسكن قلب المخاصِم فهو ليس مخاصِماً وحسب ولكنه مخاصِم وخصامه غريب فظيع. ألا ترى كيف تقول لفلان وقد غضب" جُنّ فلان ولكنه إذا كان كثير الغضب تقول جُنّ جنونه ونقول خصامه شديد الخِصام.
آية (205):
*كيف تكون جهنم دار مِهاد ونوم (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (205) ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
وصف الله تبارك وتعالى الأرض بأنها مِهاد لنا في حياتنا لأنها مهيئة للسعي والنوم وفي قوله تعالى (وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) هذا أقصى أنواع التهكم بهؤلاء الكافرين فالإنسان يتخذ المكان الوثير مهاداً ليهنأ بنومه أما الكافر فلِسُخف عقله أخذ النار والعذاب مكان نومه فتأمل!.
آية (206):(2/19)
*ما الفرق بين ختام الآيتين فى سورة لقمان(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6))وفى سورة البقرة (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)؟(د.فاضل السامرائى)
بدأت آية لقمان بالمفرد (من يشتري) وانتهى بالجمع (أولئك) فهل هنالك رابط؟ لما قال ليضل عن سبيل الله هذا سيكون تهديداً له ولمن يضلهم التهديد ليس له فقط هو فجمعهم في زمرته هو ومن يتبعه المُضِل والضال إذن ليسا واحداً وإنما أصبحت جماعة. إذن هذا تهديد له ولكل من يضله (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ). في آية البقرة قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقرة) قال (فحسبه جهنم) لأنه لم يذكر أحداً معه بدأ بالمفرد وانتهى بالمفرد لأنه لم يتعلق بالآخر فقال فحسبه ولما هنا تعلق بالآخرين فقال أولئك لهم عذاب مهين.
آية (207):
*ما الفرق بين الرضوان والمرضاة؟( د.فاضل السامرائى)(2/20)
الرضوان هو الرضى (الرضوان مصدر) ولم يستعمل في القرآن كلمة الرضوان إلا رضى من الله تعالى أما المرضاة فتأتي من الله ومن غيره والرضوان هو أعظم الرضى وأكبره فخصّه بالله سبحانه وتعالى أما مرضاة فليست مختصة بالله تعالى وإنما تأتي لله تعالى ولغيره (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ (207) البقرة) (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ (1) التحريم) أما الرضوان فهو لله تعالى فقط، خاص بالله تعالى. والرضوان أعلى من الجنة وفي الأثر أنكم لتحتاجون إلى علمائكم في الجنة كما تحتاجون إليهم في الدنيا، فقالوا كيف يا رسول الله؟ قال يطُلّ الله تعالى على عباده أصحاب الجنة فيقول سلوني، فيحارون ماذا يسألونه وكل شيء موجود فينظر بعضهم إلى بعض فيذهبون إلى علمائهم يقولون ما نسأل ربنا؟ فيقول العلماء سلوه الرضى.
*ما الفرق بين الرأفة والرحمة ؟وهل أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن؟( د.فاضل السامرائى)
الرأفة أخصّ من الرحمة والرحمة عامة. الرأفة مخصوصة بدفع المكروه وإزالة الضرر والرحمة عامة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا (65) الكهف) ليست مخصوصة بدفع مكروه. تقول أنا أرأف به عندما يكون متوقعاً أن يقع عليه شيء. الرحمة عامة (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (48) الشورى) فالرحمة أعمّ من الرأفة. عندما نقول في الدعاء يا رحمن ارحمنا هذه عامة أي ينزل علينا من الخير ما يشاء ويرفع عنا من الضر ما يشاء وييسر لنا سبل الخير عامة.(2/21)
أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن فقط في موطنين في القرآن كله قال (والله رؤوف بالعباد) في موطنين: في سورة البقرة (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) البقرة) وفي سورة آل عمران (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (30)) ما قال تعالى رؤوف رحيم.
*يثار سؤال لماذا رؤوف رحيم وهنا في الموطنين اختلف؟(2/22)
لو لاحظنا السياق الذي وردت فيه الآيتان يتوضح الأمر. في سورة البقرة قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) البقرة) السياق لا يحتمل رحمة لما يقول (فحسبه جهنم) كيف يناسب الرحمة؟ لا يناسب ذكر الرحمة. في الآية الثانية قال تعالى (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ (28) آل عمران) مقام تحذير وليس مقام رحمة ولا يتناسب التحذير مع الرحمة لأن التحذير يعني التهديد. فقط في هذين الموضعين والسياق اقتضاهم أفردت الرأفة عن الرحمة.
*ما دلالة التوكيد بـ (إنّ) واللام في هذه الآية ؟( د.فاضل السامرائى)(2/23)
التوكيد بحسب ما يحتاجه المقام، إذا احتاج إلى توكيدين مثلاً لما يذكر الله تعالى النعم التي أنزلها علينا يؤكد وإذا لم يحتج إلى توكيد لا يؤكد ولو احتاج لتوكيد واحد يؤكد بواحد. (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) البقرة) أكّد. (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (20) النور) ما أكّد. في الآية الأولى كانوا في طاعة (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) ويقولن هذه الآية نزلت لما تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة تساءل الصحابة عن الذين ماتوا هل ضاعت صلاتهم؟ وهل ضاعت صلاتنا السابقة؟ سألوا عن طاعة كانوا يعملون بها فأكدّ الله تعالى (إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) أما في الآية الثانية فهم في معصية (يحبون أن تشيع الفاحشة) فلا يحتاج إلى توكيد. في تعداد النعم ( ألم تر أن الله سخر إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) لما هم في طاعة يؤكد ولما يكون في معصية لا يؤكد. ولم يقل في القرآن (والله رؤوف رحيم) أبداً إما مؤكدة باللام و(إنّ) أو (رؤوف بالعباد).
آية (208):
*لِمَ قال تعالى ادخلوا في السِلم ولم يقل سالموا بعضكم مثلاً؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (208) البقرة) الدخول يدل على العمق ومن دخل المنزل صار داخله وفي عمقه ومحاطاً ببنائه ولذلك من دخل السِلم صار في أقصى غاية المسالمة وليس مسالماً فقط.
آية (209):(2/24)
*ما الفرق من الناحية البيانية بين (جاءهم البيّنات) و(جاءتهم البيّنات) في القرآن الكريم؟
د.فاضل السامرائى :
هناك حكم نحوي مفاده أنه يجوز أن يأتي الفعل مذكراً والفاعل مؤنثاً. وكلمة البيّنات ليست مؤنث حقيقي لذا يجوز تذكيرها وتأنيثها. والسؤال ليس عن جواز تذكير وتأنيث البيّنات لأن هذا جائز كما قلنا لكن السؤال لماذا؟ لماذا جاء بالاستعمال فعل المذكر (جاءهم البيّنات) مع العلم أنه استعملت في غير مكان بالمؤنث (جاءتهم البيّنات)؟
جاءتهم البيّنات بالتأنيث: يؤنّث الفعل مع البيّنات إذا كانت الآيات تدلّ على النبوءات فأينما وقعت بهذا المعنى يأتي الفعل مؤنثاً كما في قوله تعالى في سورة البقرة (فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {209}) والآية (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {213}) و (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ {253})،(2/25)
أما جاءهم البيّنات بالتذكير: فالبيّنات هنا تأتي بمعنى الأمر والنهي وحيثما وردت كلمة البيّنات بهذا المعنى من الأمر والنهي يُذكّر الفعل كما في قوله تعالى في سورة آل عمران (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {86}) و (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {105}) وفي سورة غافر (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ {66}).
د.أحمد الكبيسى :(2/26)
فى قوله تعالى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ {105} آل عمران) جاءهم بدون تاء الآية الأخرى (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ {209} البقرة) مرة جاءهم البينات بدون تاء ومرة جاءتكم البينات. نحن قلنا هذا العلم يكفي لخمسين ستين مائة تأويل وكلها صحيحة وجه وجهين ثلاثة أربعة خمسة والقرآن لا تنقضي عجائبه من ضمن ما أنقدح في ذهني والله أعلم فهذه أتعبتني كثيراً وأنا ليل نهار أفكر ما الفرق بين جاءتكم البينات وجاءهم البينات؟ لما استعرضت الآيات الواردة فيها كثير (وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ{86} آل عمران) (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا{72} طه) (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ {66} غافر) حينئذٍ نقول جاءت البينات بالتاء الآيات القرآنية والتوراتية والإنجيلية يعني طبعاً البينات الحجج والبراهين والمعجزات. هناك بينات لفظية من الله عز وجل وعقلية في القرآن الكريم يعني أدلة الوحدانية بالعقل وهناك بينات محسوسة وهي معجزات الأنبياء ماذا قال السحرة لما فرعون قال (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى {71} طه) قالوا (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا) اليد والعصا الخ يعني ما فعل سيدنا عيسى وموسى من معجزات تعرفونها عجباً.(2/27)
إذا قال (مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ) فحينئذٍ هذه المعجزات والخوارق التي هي حجة على أن هذا رسول لا بد من أن تؤمنوا به وجاءت التي هي الآيات القرآنية والتوراتية والإنجيلية وما فيها من أحكام وما في القرآن الكريم خاصة من دلائل الوحدانية لله سبحانه وتعالى ودلائل صدق النبوة. هذا الفرق بين (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) وهي المعجزات والخوارق و (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ) وهي آيات القرآن الكريم والتوراة والإنجيل وما فيها من دلائل التوحيد وصدق النبوة هكذا هو الفرق. وقد يكون هناك وجه آخر وهذا اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد فقطعاً ليس هناك تضاد. في تأويل المتشابه لا يوجد فهو يحتمل ألف معنىً وهذا إعجازه فأنت عندما تقرأ الآيات العلمية والكونية ترى عجباً.
آية (210):
*انظر آية (28).???
*(هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (210) البقرة) - (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158) الأنعام) - (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) النحل)ما الفرق بين هذه الآيات؟(د.أحمد الكبيسى)(2/28)
لما تتبعت الموقف تبين أن الظلل جمع ظلة وهي الغمامة السوداء الكثيفة المجهول ما فيها، هذا السواد ماذا فيه؟ مطر . هذه الغمامة تبين رب العالمين من أساليبه في الدنيا والآخرة هذه الظلة (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ (189) الشعراء) (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ (16) الزمر) الخير في الظلة والشر في الظلة وكلمة ظلة لها صدارة ولها دوي في الدنيا والآخرة. أنت تعرف بأن العذابات تأتي بظلة إما بزوبعة وهذا العصف النووي يأتي بظلل إذا ابتلى به رب العالممين كما ابتلى هيروشيما وناكازاكي وما حدث في العراق الذي أصبح مسرطناً لـ450 ألف سنة بظلة من يورانيوم خفيف ما بالك لو كان كثيفاً؟! حينئذ كلمة ظلة في القرآن الكريم أعجوبة العجائب. لما تقول (أَتَى أَمْرُ اللّهِ (1) النحل) هذا أمر الله قد يأتي ظلة وقد يأتي عاصفة وقد يأتي ريح صرصر وقد يأتي جراد فهذه جنود رب العالمين أنت لا تعلمها (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ (31) المدثر) ومن أعظم جنوده في الدنيا والآخرة الإرعاب أن تأتيك غمامة سوداء كما جاء على قوم يونس وعلى قوم عاد وإلى الآن تسونامي كان ظلة ثم انتهى إلى ما انتهى إليه وتشرنوبيل لا تزال ظلته فوق أوروبا هذه مرعبة، فماذا لو فجر الله تعالى الكون بهذه القنابل الذرية التي تملؤه؟. (هل ينظرون) يعني هل ينتظرون لأن هذا الانتظار يقيني استعمل رب العالمين كلمة ينظر ليقينية ما سوف يحدث يوم القيامة كأنك تراه ولذلك (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ (210) البقرة) كما قال (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) القيامة) فكلمة ناظرة هنا إذا كان الانتظار يقيني النتيجة يقال نظر ولا يقال انتظر (فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) النمل). ((2/29)
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ) كل شيء يوم القيامة عاقل، المادة عاقلة كل شيء ينطق (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ (29) الجاثية) (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) فصلت) فالغمام الذي سوف يكون باكورة يوم القيامة وعلاماتها الأولى ناطقة فقال تعالى (فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ) لأن هذه الظلل تتكلم وكأن الله معها بل هو معها. هذا واحد، رب العالمين يقول (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) الزمر) هذه كلها أساليب عليك أن تفهمها بما يليق بالله عز وجل. من أجل هذا ظلل الغمام يبدو أنها بداية العقاب في الدنيا ككل التاريخ الإنساني من آدم إلى أن تقوم الساعة أعظم أنواع العذاب الظلل ريح صرصر عتية كلها ظلل. الآن نحن على حافة الهاوية إذا حصل خلاف بين الأمم التي تملك هذه القنابل النووية يمكن أن تفجرها بثواني بمجرد ضغط زر وتأمل حال الحياة!. في المتشابه ليس هناك كبير قل ما تشاء ويقول المفسرون في الحديث عن يوم القيامة يقولون إذا السماء انشقت وإذا الكواكب انتثرت قد يكون كل هذا بعصف ذري والله أعلم.(2/30)
نحن الآن يقولون هناك كويكب صار له كم ألف سنة يتجه نحو الأرض وسيصل في العام 2020 وسيقع في أميركا في أحد مكانين إذا وقع في المكان الفلاني ستنفصل أميركا إلى قسمين من حيث لا يلتقيان وإذا وقع في المكان الآخر الأرض تلف بالعكس وحينئذ إذا لفت بالعكس هذا تفسير علمي لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها" لما تلف بالعكس يصير المشرق مغرباً والمغرب مشرقاً وقد تقع علامات الساعة بشكل علمي متدرج وقسم منها وقع. "لا تقوم الساعة حتى يتكلم رجل في المشرق يسمعه من في المغرب" والآن عندنا تلفزيون وتلفون وإذاعة وراديو. هذه الظلل حينئذ ربنا كما يقول تعالى (فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ) قضي الأمر كأنه شيء وانتهى كأنه شيء واقع ما قال وسيقضى الأمر بل حقيقي كما قال الشيطان (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ (22) إبراهيم) هذا كلام في النار وجهنم تحرق الجلود لكن لا تزهق الأرواح فالناس في جهنم يتكلمون ويأكلون ويشربون لكنهم في النار تحرق الجلود ولا تزهق الأرواح، ربما يكون (فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ) هذا في الآخرة أما في الدنيا فشيء آخر.
آية (211):
*ما الفرق بين فعل الأمر إسأل وسل؟( د.فاضل السامرائى)
سل إذا بدأنا بالفعل فالعرب تخفف وتحذف (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ (211) البقرة) وإذا تقدمها أي شيء يؤتى بالهمزة (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ (101) الإسراء) هذه قاعدة عند أكثرية العرب. إذا سبقها شيء يبدأ بالهمزة وإذا بدأنا بها يحذف (سل).
آية (212):(2/31)
* (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا (212) البقرة) ما دلالة التذكير (زين) ولم يقل زينت مع أن الدنيا مؤنث؟( د.فاضل السامرائى)
من حيث الحكم النحوي يجوز وليس فيه إشكال لأن الحياة مؤنث مجازي والمؤنث المجازي الذي ليس له مذكر من جنسه فمثلاً البقرة مؤنث حقيقي لأن الثور ذكر من جنسها، النعجة لها كبش من جنسها، إذا كان هنالك مذكر من جنسه هذا مؤنث حقيقي. كلمة سماء ليست مؤنث حقيقي وكذلك الشمس مؤنث مجازي والقمر مذكر مجازي, إذن كون (الحياة) مؤنث مجازي يجوز تذكيره وتأنيثه، هذا لغوياً؟ ثم هنالك فاصل بين الفعل والفاعل (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) والفاصل حتى في المؤنث الحقيقي يمكن تذكيره هذه القاعدة (أقبل اليوم فاطمة) طالما فصلنا بين العامل والمعمول يجوز تذكيره وتأنيثه. إذن من حيث النحو ليس فيه إشكال من حيث أمران: كونه مجازي وكون هنالك فاصل. لكن لماذا اختار التذكير؟ هنالك قراءة أخرى وهي (زَيّن للذين كفروا الحياةَ) بالبناء للمعلوم والفاعل الشيطان (الحياة مفعول به)، وهذه القراءة لا يمكن أن يقول فيها زَيّنت لذا التذكير صار واجباً. إذن في الآية قراءتان: قراءة زَين بالبناء للمعلوم وهو يلزم التذكير صار فيها معنيين، ما دام هنالك قراءة أخرى أصبحت (زينت) لا تنسجم مع القراءة الثانية.
*لِمَ اختار الله تعالى صيغة الماضي للتزيين (زُيّن) وصيغة المضارع للسخرية (ويسخرون) ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
((2/32)
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ (212) البقرة) أتى فعل التزيين ماضياً ليدلنا على أن التزيين أمر مستقر في الكافرين فهم أبد الدهر يعشقون الدنيا ويكرهون الموت. وأتى بفعل السخرية مضارعاً (يسخرون) ليبيّن لنا ربنا سبحانه وتعالى أن الكافرين يسخرون من الإيمان وأهله بشكل متجدد متكرر. وفي ترتيب الفعلين دلالة منطقية لأن السخرية مبعثها حب الدنيا والشهوات والتزيين سابق للسخرية فعبّر عنه بالماضي والسخرية ناشئة من تعلق القلب بالدنيا فعبّر عنها بالمضارع.
آية (213):
*انظر آية (209).???
*(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ (213) البقرة) ما معنى (كان الناس أمة واحدة)؟ وبما أن الناس أمة واحدة فما الغرض من بعث النبيين مبشرين ومنذرين؟( د.فاضل السامرائى)
السائل الكريم يشير إلى قوله تعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) أمة واحدة أي متفقين على التوحيد مقرّين بالعبودية ولكن السؤال إذا كانوا كذلك لم أرسل الرسل؟ أظن لو أكمل السائل الآية لاتضح الأمر، نقرأ الآية (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ (213) إذن كانوا أمة واحدة فاختلفوا كما في آية أخرى (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ (19) يونس) لما قال ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه إشارة إلى أنهم اختلفوا وهذا اقتضى إرسال النبيين والمرسلين.
*ما معنى كلمة أمّة في القرآن الكريم ؟(من برنامج فى ظلال آية للشيخ خالد الجندي)
كلمة أمة جاءت في القرآن الكريم بأربعة معاني هي:(2/33)
1. الأمّة بمعنى المِلّة: أي العقيدة كما في قوله تعالى (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) الانبياء).
2. الأمّة بمعنى الجماعة كما في قوله تعالى (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)) الأعراف)
3. الأمّة بمعنى الزمن كما في قوله تعالى (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8) هود) (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يوسف)
4. الأمة بمعنى الإمام كما في قوله تعالى (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) النحل) أي القُدوة.(2/34)
وقوله تعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) البقرة) في سورة البقرة الأمة هنا بمعنى العقيدة الواحدة والمِلّة الواحدة. وهذه الآية لخّصت تاريخ البشرية من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة.ومعناها أن الناس كانوا على عقيدة واحدة من عهد آدم إلى زمن ما قبل نوح حيث بدّلوا عقيدتهم. فالدين واحد والغقيدة هي الإيمان بالله تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)) (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)) آل عمران). وكأن في الآية جملة مقدّرة (كان الناس أمة واحدة فضلّوا وتفرقوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين).
*لم أفرد الله عز وجل الكتاب وجمع النبيين؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
بعث الله تعالى الأنبياء فعبّر عنهم بصيغة الجمع (النبيين) ولكنه قال (وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) ولم يقل الكتب مع أنهم جمع متتابع ولم يكن للكل كتاب واحد فلِمَ أفرده تعالى؟ أفرده ليعلّمنا أن الحق الذي نزل به الأنبياء واحد ولكنه نزل على فترات وكل واحد منهم متمم لما قبله.
آية (214):(2/35)
* قال تعالى:(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ (214) وفي رواية ورش (يقولُ) بالضم فما دلالة الضم؟( د.فاضل السامرائى)
أولاً ما الفرق اللغوي في المعنى في النصب والرفع بعد (حتى)؟ (حتى) قد يأتي بعدها الفعل مرفوعاً وقد يأتي منصوباً. (حتى) لا تنصب إلا إذا كان الفعل بعدها مستقبل الوقوع هذه قاعدة مثل: سأدرس حتى أنجحَ، النجاح مستقبلاً، (قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) طه) .وليس هذا فقط وإنما عندهم كل النواصب (الأفعال وليس الأحرف) أدوات استقبال وينصون عليها نصّاً. إذن النصب يفيد الاستقبال ولذلك هم قالوا إذا قلت: جئت حتى أدخلَ المدينة يعني أنت لم تدخلها بعد، وإن كان دخلها يقول جئت حتى أدخلُ المدينة لا تقولها بالرفع إلا وأنت في سِكَكِها، لو سمعناها بالنصب (حتى أدخلَ) نفهم أنه ما دخلها. مثال: أنت تقول ما الذي جاء بك؟ يقول جئت حتى أزورَ فلاناً يعني لم يزره بعد أما إذا قال جئت حتى أزورُ فلان يعني زاره. إذا كانت بالرفع تدل على فعل حدث وإذا كانت بالنصب يعني أن الفعل لم يحدث بعد. هذه القاعدة في المعنى.(2/36)
فى الآية يتكلم عن جماعة مضوا (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) بالنصب إذن هذا بعد إصابة البأساء والضراء والزلزال يعني البأساء والضراء والزلزال ثم قال الرسول، إذن استقبال لما بعد الإصابة، إذن هذا مستقبل بالنسبة لإصابة البأساء والضراء نفهم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما قالها إلا بعد البأساء والضراء والزلزال إذن هذه منصوبة لأن القول يكون بعد البأساء والضراء. (حتى يقولُ) هذا ماضي بالنسبة للإخبار عنهم لأن الإخبار كله وقع فأنت الآن تخبر عن أمر ماضي وقع، البأساء حدثت والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الكلام أنت تتكلم عن تاريخ فلما قال (حتى يقولُ) هذا إخبار عما وقع عن حادثة ماضية كلها وقعت فيقوله بالرفع. إذن هناك أمران إذا كان الإستقبال لما بعد الإصابة يقول (حتى يقولَ) بالنصب، وإذا كان إخبار عن كل الحوادث يقولها بالرفع (حتى يقولُ). إذن (حتى يقولَ) هذه بالنسبة إلى بعد الإصابة بالبأساء والزلزال ونفهم أن الرسول لم يقل بعد أما إذا جاءت بالرفع فتكون البأساء حدثت والرسول - صلى الله عليه وسلم - قالها وتاريخ يُذكر.
أليس هذا يتعارض مع بعض؟ القرآن ماذا يريد أن يقول؟ هل قالها الرسول قبل البأساء أو بعد؟
هذه فيها جانبان جانب أنه ذكر حالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل القول فنصب وذكر حال الإخبار عنها بعد القول فرفع ولا يوجد تعارض بين القراءتين وإنما ذكر حالتين حالة قبل القول وحالة إخبار بعد القول.
*ما دلالة الفعل زلزلوا فى قوله تعالى (وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ) ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر أخي المؤمن كيف عبّر الله عن شدة المصاب بقوله (وزلزلوا) وهذا الفعل يدلك على شدة اضطراب نظام معيشتهم لأن الزلزلة تدل على تحرك الجسم في مكانه بشدة والتضعيف في الفعل زلزلوا يدل على تكرر هذا الحدث.
آية (215):(2/37)
*ما الفرق بين عالم وعلام وعليم؟( د.فاضل السامرائى)
كلمة عالِم في القرآن لم ترد إلا في عالم الغيب مفرداً أو الغيب والشهادة، إما الغيب وإما الغيب والشهادة في القرآن كله لم ترد كلمة عالِم في 14 موضعاً لم ترد بمعنى آخر. مقترنة بالغيب (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) الجن) أو بالغيب والشهادة (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) الأنعام) أو لم تقترن (عالِم) إسم فاعل لا يدل على الكثير عادة فاستعملها بالمفرد الذي لا يدل على التكثير. (علام) خصصها للغيوب (وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78) التوبة) لا تجد كلمة علام في القرآن في غير علام الغيوب ولم ترد إلا مع الغيوب جمع الغيب مجموعة، العلاّم كثرة والغيوب كثرة مثل سمّاع وسميع في القرآن: سمّاع استعملها في الذمّ (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ (41) المائدة) (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (47) التوبة) وسميع إستعملها تعالى لنفسه (وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) واستعملها في الثناء على الإنسان (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) الإنسان) وسماع لم يستعملها إلا في الذم. إذن القرآن يخصص في الاستعمال. عليم مطلقة ويستعملها في كل المعلومات على سبيل الإطلاق (بكل شيء عليم) يستعملها إما للإطلاق على الكثير أو يطلقها بدون تقييد (واسع عليم) أو يستعملها مع الجمع أو فعل الجمع. مثلاً لما يقول (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) يونس) هذه مطلقة (كل) تدل على العموم، (بكل شيء عليم) هذا إطلاق، أو على العموم. قلنا إذن يستعملها مطلقة (إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)، أو عامة (بكل شيء عليم) أو مع الجمع أو مع فعل الجمع.(2/38)
مع الجمع (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ) جمع، (فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) جمع، (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) جمع، (إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) جمع. إما أن تستعمل عامة مع لكل الخلق، كل شيء أو مطلقة (واسع عليم) (سميع عليم) ليست مقيدة بشيء أو بالجمع (المتقين، المفسدين، الظالمين، بذات الصدور) أو بفعل الجمع (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة) لم يقل وما تفعل من خير، (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) يوسف) (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) النور) للجمع أو فعل الجمع. إذن كلمة عليم لم تحدد بشيء معين إما للعموم أو كونها مطلقة من كل شيء أو مع الجمع أو مع فعل الجمع لم يأت مع متعلق مفرد مطلقاً في القرآن لا تجد عليم بفلان أو بفعل فلان. علاّم محددة، عالِم محددة، عليم هذه استعمالاتها. إذا أراد أحدهم أن يدرس هذه الاستعمالات تدرس في باب تخصيص الألفاظ القرآنية، هذه ظاهرة في القرآن وقد نأخذ عليها عدة حلقات لاحقاً.
آية (216):
*ما الفرق بين كلمة الكَره بفتح الكاف والكُره بضمها؟( د.فاضل السامرائى)
الكَره بفتح الكاف هو ما يأتي من الخارج يقابله الطوع كما في قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11))(2/39)
أما الكُره بضم الكاف فهو ما ينبعث من الداخل ففي قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) البقرة) جاءت كلمة الكُره لأن الإنسان بطبيعته يكره القتال وكذلك في قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا((15) الأحقاف) الحمل في نفس الأم ثقيل ليس مفروضاً عليها وإنما آلآم الوضع والحمل وأي إنسان لا يريد المشقة لنفسه أصلاً.
*ما معنى عسى في القرآن؟( د.فاضل السامرائى)
عسى طمع وترجي (قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22) القصص ،وفى سورة البقرة (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ (216) ينبغي أن تتوقع فيما تحب قد يكون فيه شر، قد يتوقع أنه مما يكره وقد يون فيه خير. عسى بمعنى طمع وترجي وقد تأتي للتوقع (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) محمد). الفيصل في تحديد المعنى هو السياق والمعجم يعطي معنى الكلمة مفردة. ولا يصح الإستناد إلى المعجم وحده للفهم حتى في كل اللغات لا يمكن ترجمة النص من مجرد المعجم وإنما السياق.
آية (217):
*انظر آية (109).???
*ما دلالة قوله تعالى (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ (217))؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)(2/40)
أثير انتباهك أخي المؤمن إلى هذه اللفتة الإلهية فالله تعالى أخبرنا بأن الكافرين مستمرون على زعزعة إيماننا وإخراجنا من دوحة الإسلام ما قُدِّر لهم ذلك. لاحظ قوله تعالى (إن استطاعوا) فقد قيّد قدرتهم على إخراجك من الدين بقوله (إن استطاعوا) وهذا إحتراس لئلا يظن السامع أن المؤمن سهلٌ إخراجه عن إيمانه فاستعمل تعالى حرف الشرط (إن) وهو يدل على الشك لا اليقين ليطمئن أن استطاعتهم في ذلك ولو على آحاد المسلمين أمر بعيد المنال لهم لقوة الإيمان التي تتغلغل في القلب فلا يفارقه.
*(وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ (217) البقرة) لِمَ استعمل الفاء بدل (ثم)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
استعمل حرف العطف الفاء في قوله (فيمت) وهو حرف يفيد الترتيب والتعقيب ولم يستعمل (ثم) التي تفيد التراخي والمهلة في الزمن أي قال (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ) ولم يقل ثم يمت وهو كافر؟ نحن نعلم أن معظم المرتدين لا تحضر آجالهم عقب الإرتداد بل قد يعمّر المرتد طويلاً والفاء تفيد الترتيب والتعقيب أن يقع الأمران متعاقبين متتاليين فما وجه إستعمال الفاء إذن؟ في هذا ارتباط بديع في أن المرتد يُعاقب بالموت عقوبة شرعية فإن ارتدّ فيُقتل حدّاً.
*لماذا جاءت (يرتدد) بفك الادغام؟( د.فاضل السامرائى)
فكّ الادغام يكون مع الجزم و قوله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) وهذا يسري على جميع المضعّفات في حالة الجزم إذا أُسند إلى ضمير مستتر أو اسم ظاهر.(2/41)
*(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) البقرة) - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54) المائدة)ما الفرق بين (يرتد)و(يرتدد)؟(د.أحمد الكبيسى)(2/42)
يرتدد هي ارتد والدال مدغومة فكّها قال (وَمَنْ يَرْتَدِدْ) وفي المائدة قال من يرتد منكم ولم يقل من يرتدد، فرق بين ارتد وارتدد. ارتد هو ارتد جاء ناس وجعلوه شيوعي قال أنا شيوعي ما في لا الله ولا كذا كله هذا كلام فاضي، خلاص ارتد رأساً وقسم من الذين أسلموا ارتدوا وإلى الآن تجد ناس يرتدّون عن أي ديانة عن المسيحية عن اليهودية عن الإسلام هذا ارتد.(2/43)
إذا كان بعد معالجات من خصومٍ آخرين ناس جاؤا عليه بإعلام وأفلام ودعايات وبرامج يعني شوشوا على الرجل ليل نهار ليل نهار ناس توسوس له (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا (112) الأنعام) كلمات وطبعاً أفلام وطعن بالنبي صلى الله عليه وسلم وطعن بالإسلام كما يحدث الآن في كل العالم إلى أن هذا يوم ليل نهار ليل نهار يسمع هذه الإيحاءات وهذه المحاولات وما يعرف رد لها حتى وصل إلى حد يعني فقد التوازن وفقد العقل وفقد الفهم فقال أنا خلاص تركت الإسلام هذا ارتدد (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) فإذا تاب تاب الله عليه فيمت وهو كافر انتهينا أنت خسرت ولهذا لماذا؟ لأنك أنت أنزل عليك الفرقان طبعاً هذا من يرتد رأساً دخل الإسلام ثاني يوم ارتد هذا هو اختار لكن واحد وُلِد على الإسلام وتربّى منذ الطفولة على الإسلام هذا ليس من السهولة أن يرتد محاولات طويلة عريضة وأفلام ومدارس تبشيرية ومبشرين ودعايات وفضائيات تنخر في جسم الأمة اليوم ليل نهار كالكلاب النابحة لا تعرف من أين ينبح عليك؟ الثابت ثابت (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ (125) الأنعام) (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ (27) إبراهيم) في قد يكون واحد اثنين ثلاثة يصير تشويش عليه بحيث يضيع أو عاش في الغرب وارتد عن الدين لأنهم أغروه بمنصب صار رئيس أمريكا الخ قال لك يللا بلا إسلام بلا بطيخ حتى أصير شيئاً وفعلاً هناك مناصب عليا رؤساء شركات ورؤساء جمهوريات في البرازيل وغيره وغيره واحد اثنين ثلاثة أربعة ارتدوا قال لك دعني أصير رئيساً يعني في عدة عوائل مسلمة وصار بعدها رئيس هذا ارتدد بناء على محاولات وغسل دماغ فكل من يرتدّ اليوم هو مرتدد لشدة المحاولات التي تجري عليه، هذا الفرق بين من يرتد وبين من يرتدد.(2/44)
وطبعاً الله سبحانه وتعالى فتح الباب يعني هناك ناس ارتددوا ثم عادوا يعني مثلاً رحمة الله على الجميع طه حسين بدأ يشكك بالقرآن والشعر الجاهلي والقرآن كلام محمد الخ وجعلوا من طه حسين عميد الأدب ومش عارف ايه ثم تاب إلى الله وكتب على هامش السيرة والخ محمد حسين هيكل صاحب كتاب محمد، يعني كان الثمن لكي يرفعوك ويجعلون منك شيئاً عظيماً أن تكفر بدينك هذه واحدة من بنغلاديش كفرت بالله والخ جعلوا منها رئيسة بنغلاديش وبعدين يتوبون يعني كثير كتاب وأدباء يقول لك دنيا يعني مغنيين وممثلين رفعوهم إلى السموات وآخر عمره ندم وفعلاً يرجع إذا رجع رب العالمين سيتوب عليه. هذا من يرتدد محاولات بعد أن كان مسلماً قوياً هذا الفرق بين يرتد ثاني يوم ثالث يوم كما ارتد بعض العرب الجاهليين وبين يرتدد لماذا؟ يقول لك (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا).
*هل البَدَل يفيد التوكيد؟( د.فاضل السامرائى)
للبدل أنواع منها الاشتمال والتخصيص والمدح أو الذمّ و التوكيد و التفخيم و الايضاح و غيره .
و فى قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) قتال هي بدل اشتمال.
* هل كل ما جاء عطف بيان يُعرب بدلاً؟( د.فاضل السامرائى)
عطف البيان هو قريب من البدل نقول مثلاً: أقبل أخوك محمد، محمد يمكن أن تُعرب بدل أو عطف بيان. لكن هنالك مواطن ينفرد فيها عطف البيان عن البدل. وقسم من النحاة يذكرون الفروق بين عطف البيان والبدل ثم يقول أشهر النحاة بعد ذكر هذه الفروق:" لم يتبين لي فرق بين عطف البيان والبدل".
عطف البيان على أي حال قريب من البدل ويصح أن يُعرب بدل إلا في مواطن:
· عطف البيان لا يمكن أن يكون فعل بينما البدل قد يكون فعلاً.(2/45)
· عطف البيان لا يمكن أن يكون مضمراً أو تابعاً لمضمر (ضميراً أو تابع لضمير) بينما البدل يصح أن يكون .
· عطف البيان لا يمكن أن يكون جملة ولا تابع لجملة بينما البدل يمكن أن يكون كذلك.
وهناك مسألتين أساسيتين يركزون عليهما:
1. البدل على نيّة إحلاله محل الأول.
2. البدل على نية تكرار العامل أو على نية من جملة ثانية.
على سبيل المثال وحتى لا ندخل في النحو كثيراً نقول: يا غلام محمداً هذه جملة صحيحة الغلام اسمه محمد هذا لا يمكن أن يكون بدلاً لأنه لا يصح أن يحل محل الأول لأننا قلنا سابقاً أن البدل على نية إحلاله محل الأول ومحمد علم مفرد يكون مبني على الضمّ مثل (يا نوحُ) (يوسفُ أعرض عن هذا) ولا نقول يا محمداً.
وكذلك إذا قلنا: يا أيها الرجل غلام زيد. لا يمكن أن يكون بدل فلو حذفنا الرجل تصير الجملة يا أيها غلام زيد لا تصحّ.
مثال آخر: زيد أفضل الناس الرجال والنساء . إذا حذفنا الناس لا تصح الجملة ولا يمكن أن تكون الناس بدل لأنه لا يصح قول: زيد أفضل الرجال والنساء. وإنما تُعرب عطف بيان.
وهناك مواطن أخرى عند غير الفرّاء مثال: أنا الضارب الرجل زيد. لا يمكن أن يكون الرجل بدل فلا يصح أن يقال أنا الضارب زيدٍ لأنه إذا عرّف الأول فيجب أن يعرّف الثاني.
فليس دائماً يمكن أن يُعرب عطف البيان والبدل أحدهما مكان الآخر وإنما هناك مواطن يذكرها النحاة لكننا نقول أن عطف البيان موجود في اللغة.
وفي قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ) قتال تُعرب بدل اشتمال ولا يجوزإعرابهاعطف بيان لأنهما اختلفا تنكيراً وتعريفا وفُقِد الشرط.
ومع ذكر كل الفروق بين عطف البيان والبدل كما ذكرنا سابقاً يأتي أشهر النحاة فيقول أنه لم يتبين له الفرق بينهماوأنافي الحقيقة من هذا الرأي أيضاً.
آية (218):(2/46)
*(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (218) البقرة) قال عن المهاجرين هاجروا ولم يقل هجروا مثلاً فهل من فرق بين اللفظين؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
استعمل القرآن كلمة هاجروا دون هجروا لأن هاجر نشأ عن عداوة بين الجانبين فكلٌ من المنتقِل وهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والمنتقَل عنهم وهم المشركون في مكة، كلٌ قد هجر الآخر وقلاه وطلب بُعده.
*انظر آية (189).???
*(ورتل القرآن ترتيلاً):
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ (219) البقرة) الخمر فعله خَمَر. نقول: خمره الشيء أي ستره ولذلك سمي الخمر خمراً لأنه يستر العقل ويحجبه عن التصرف ويحجبه عن عمله.
آية (219):
* انظر آية (189).???
آية (220):
*لم قال تعالى (إصلاح لهم) ولم يقل إصلاحهم (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ (220) البقرة)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر إلى عظيم عناية الله تعالى ولطفه بعباده الضعفاء. يتجلّى هذا اللطف في قوله تعالى (إصلاح لهم) حيث قال (لهم) ولم يقل إصلاحهم لئلا يظن الإنسان أه ملزم بإصلاح جسده ورعاية جسمه والعناية به وحسب ثم يهمل ما عداه، لا. فأنت أيها الكافل اليتيم مأمور بإصلاح ذاته وروحه وعقيدته وخلقه وكل ما يتعلق به.
آية (221):
* انظر آية (187).???
آية (222):
*ما الوجه البلاغى لكلمة أذى(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى (222) البقرة)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)(2/47)
انظر إلأى هذه الدقة والاعجاز العلمي فقد أطلق الله سبحانه وتعالى الأذى ولم يقيّده فقال هو أذى ولم يقل هو أذى لكم أو لهنّ فهل لهذا التعبير من سبب؟ نعم لأن جماع المرأة أثناء حيضها أذى للرجل يسببه الدم الفاسد وفيه أذى للمرأة ومرض وفيه أذى للطفل فالأطباء يقولون أن الجنين إذا تموّن بجماع خلال الحيض يصاب بمرض الجذام.
* ما دلالة المتطهّرين في قوله تعالى (الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) في سورة البقرة؟( د.فاضل السامرائى)
الذي يبدو والله أعلم أن المطهّرون هم الملائكة لأنه لم ترد في القرآن كلمة المطهرين لغير الملائكة، والمُطهّر اسم مفعول وهي تعني مُطهّر من قِبَل الله تعالى. بالنسبة للمسلمين يقال لهم متطهرين أو مطّهّرين كما في قوله تعالى (اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) البقرة) و ومتطهرين هي بفعل أنفسهم أي هم يطهرون أنفسهم.
*بعض الكلمات مدغمة وبعضها غير مدغم مثلاً (إنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) البقرة) بالتاء وآية أخرى (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) التوبة) بالشدة ،ما الفرق؟(د.أحمد الكبيسى)
أحدهما عندما تكون متوضأ وهناك أناس من المسلمين وهذه سنة عظيمة من ساعة أن يستيقظ إلى ساعة ما ينام هو متوضأ وكلما انتقض وضوؤه يتوضأ فهو دائم الطهور هذا المطهرين أما الذي يصلي وينقض وضوؤه ويجدد وضوءه قبل الصلاة هذا متطهر، فرب العالمين يرسم بهذه التاء المدغمة يرسم أيهما مطّهر وأيهما متطهر وكلا الحالتين عظيمة كقوله تعالى (فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ (222) البقرة) لم تكن طاهرة مجرد انقطع عنها الدم.
آية (223):(2/48)
* ما اللمسة البيانية في الآية (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (223)؟( د.فاضل السامرائى)
فيما يتعلق باللغة:الذي يظهر من التعبير اللغوي (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ) الحرث هو وضع النبت والزرع والنسل هذا هو الحرث في اللغة (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ (295) البقرة). فاتوا حرثكم أي مكان الإنبات والنسل.
آية (225):
*كلمة حليم في القرآن: (د. عمر عبد الكافى)
وردت كلمة حليم في القرآن 15 مرة عشرة منها 11 مرة كإسم من أسماء الله عز وجل الحسنى:
1. (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) البقرة)
2. (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) البقرة)
3. (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) البقرة)
4. (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) آل عمران)(2/49)
5. (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء)
6. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) المائدة)
7. (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء)
8. (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) الحج)
9. (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) الأحزاب)(2/50)
10. (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) فاطر)
11. (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) التغابن)
ووردت مرتين في ابراهيم - عليه السلام - :
1. (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) التوبة)
2. (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) هود)
ووردت مرة في اسماعيل - عليه السلام - عند البشارة به في قوله تعالى (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) الصافات).
ووردت مرة على لسان قول شعيب الذين كانوا يستهزئون به في قوله تعالى (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)).
والحليم لا يأتي إلا بخير وهو السمت في الخُلُق العربي فالتزكية ربع المهمة المحمدية لأن عليه يقوم الأمر كله. والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فكأن هذه المهمة هي المهمة الرئيسية للرسول - صلى الله عليه وسلم - . وكما أن الأشياء توزن والأطوال تُقاس فإن وحدة قياس الأخلاق هي خُلُق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه هو المثال البشري المنفوق هيّأه تفوقه أن يعيش واحداً فوق الجميع فعاش واحداً بين الجميع.(2/51)
ونلاحظ في القرآن الكريم أنه عند البشارة باسماعيل - عليه السلام - جاءت بقوله تعالى (غلام حليم) فاسماعيل جدّ العرب حليم فكأن الحلم يتصف به جدُّ لعرب والحِلم كله خير ولا يأتي إلا بخير "كاد الحليم أن يكون نبياً".
وفي البشارة باسحق جدّ اليهود كانت البشارة (غلام عليم) فكأن العلم يتّصف به جدّ اليهود.
(من برنامج هذا ديننا للدكتور عمر عبد الكافي)
آية (226):
*(لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ (226) البقرة) الإيلاء أريد به الحلف فلِمَ قال تعالى (يؤلون) ولم يقل يحلفون أو يقسمون؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لأن الإيلاء هو حلف ويمين ولكنه يقتضي التقصير في حق المخلوف عليه وهو مشتق من الألو وهو التقصير. والإيلاء فيه إجحاف وتقصير في حق المرأة التي حلف زوجها أن لا يقربها.
*لِمَ عدّى الفعل (يؤلون) بـ (من) فقال (من نسائهم) مع أنه حقه أن يعدّى بـ (على) لم يقل يؤلون على نسائهم؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يضعك في صورة مشهد هذا اليمين فالرجل حلف أن يبتعد عن زوجه ولذلك عدّى الفعل يؤلون بحرف جرٍّ يناسب البُعد وهو (من) وتفهم معنى الابتعاد فكأنه قال للذين يؤلون متباعدين عن نسائهم.
آية (228):
*انظر آية (28).
آية (229):
*(وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا (229) البقرة) لم قال آتيتموهن شيئاً ولم يقل مالاً؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
وردت كلمة شيء نكرة وهو لفظ عميق دلالة على النكرة فدلّ استعمال كلمة (شيئاً) على تحذير الأزواج من أخذ أقل القليل بخلاف لفظ المال فإنه يحذره من أخذ المال ويسمح له بأخذ ما سواه.
(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (229) البقرة) انظر كيف شبه الله سبحانه وتعالى أوامره بالحدود لأن الحد هو الفاصل بين أملاك الناس وكذلك أحكام الله تعالى هي الفاصلة بين الحلال والحرام والحق والباطل.(2/52)
*ما الفروق الدلالية بين صبرٌ وصبراً وإمساكٌ وإمساكاً ؟(د,فاضل السامرائى)
صبرٌ جميل وصبراً جميلاً كل واحدة لها دلالة في المعنى غير الأخرى. صبرٌ جميل هذا أمر بالصبر الثابت الدائم (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ (18) يوسف) أما صبراً فهو أمر بالصبر في هذه المسألة فقط (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) المعارج). نوضح أن هذه في القرآن مستعملة (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ (4) محمد) (ضربَ) بالنصب مثل صبراً جميلاً يقول النحاة إنه منصوب لأنه هذا الضرب موقوف في هذه المعركة فقط (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وليس كالملاقات العادية في الشارع والطرقات. (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (229) البقرة ) (فإمساكٌ) مثل صبر وصبراً، هذه الحالة الثابتة على وجه الدوام فجاءت بالرفع، كيف نعبر عن هذا الفرق باللغات المبنية؟!.
آية (230):
*انظر آية (27).???
آية (231):
*ما هو الفرق بين استهزأ بـ وسخر من؟( د.فاضل السامرائى)(2/53)
هنالك أمران في اللغة يذكران في الاستعمال القرآني: أولاً الاستهزاء عام سواء تستهزئ بالأشخاص وبغير الأشخاص (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا (58) المائدة) الصلاة ليست شخصاً وإنما أقاويل وأفاعيل (وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا (231) البقرة) (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) التوبة) إذن الاستهزاء عام في الأشخاص وفي غير الأشخاص أما السخرية ففي الأشخاص تحديداً لم ترد في القرآن إلا في الأشخاص (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) هود). إذن الاستهزاء عام ومعنى الاستهزاء هو السخرية هم يقولون المزح في خفية وهو جانب من السخرية. الاستهزاء أعم من السخرية والسخرية خاصة بالأشخاص ولم ترد في القرآن إلا للأشخاص أما الاستهزاء فعامّ ورد في الأشخاص وغير الأشخاص.
آية (232):
*(فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ (232) البقرة) استعمل العضل بمعنى المنع والحبس وهو لفظ أغرب بالدلالة من المنع فما سبب اختيار هذه الكلمة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن المنع قد يحتمل أمرين: منعٌ بحق ومنعٌ بغير حق أما العضل فهو منع ولكنه دون حق أو إصلاح فنهى الوليّ عن منع المرأة في العودة إلى زوجها دون وجه إصلاح لذا كان اختيار كلمة تعضلوهن دون تمنعوهن.
*ما الفرق بين (ذلكم أزكى لكم)و(ذلك يوعظ به)؟
* د.فاضل السامرائى:(2/54)
الكاف في (ذلك) حرف خطاب وحرف الخطاب في ذلك وتلك وأولئك هذا قد يطابق المخاطب ذلك، ذلكما، ذلكنّ حسب المخاطبين المشار إليه. ذلكَ المشار إليه واحد والمخاطَب واحد مفرد مذكر وذلكِ المشار إليه واحد والمخاطبة امرأة وذلكما المشار إليه واحد والمخاطب اثنين وذلكم المشار إليه واحد والمخاطب جماعة ذكور وذلكنّ المشار إليه واحد والمخاطب جماعة إناث لا يدل على جمع المشار إليه وإنما أولئك، ذانك. تِلْكُمَا هي شجرة واحدة والمخاطب اثنان والكاف هو حرف خطاب ليس ضمير خطاب. حرف الخطاب في اسم الإشارة فيه لغتان لغة أنه تجعل مطابقاً للمخاطب إذا مفرد أو مفردة أو مثنى أو جمع ذكور أو إناث ولك أن تجعله بلفظ واحد وهو الإفراد والتذكير أياً كان المخاطَب مثل ذلك إذا كانوا أربعة أو خمسة، تلك شجرة ذلكم كتاب، لك أن تقول ذلكم كتاب هذا ممكن وذلك كتاب هذا من حيث اللغة. إذن فيها لغتان إما أن نجعل حرف الخطاب بصيغة التذكير أياً كان المخطابين مفرد مذكر مؤنث جمع أو يطابق، فيها لغتين لكن يبقى كيف استعملها القرآن؟ مرة يستعملها مفرد ومرة يستعملها جمع. في اللغة لا يسأل عنها لأنه كله جائز من حيث الحكم النحوي لكن نسأل من الناحية البيانية أحياناً يطابق وأحياناً يُفرِد، لماذا؟ هذا سؤال آخر.(2/55)
هناك فرق بين الحكم النحوي اللغوي والاستخدام البياني لماذا استخدم هذا بيانياً؟ هنالك أسباب عدّة لهذا الأمر من جملتها أن يكون في مقام التوسع والإطالة في التعبير والمقام مقام توسع وتفصيل وإطالة فيأتي بالحرف مناسباً لأن (ذلكم) أكثر من (ذلك) من حيث الحروف إذا كان المقام كله مقام إطالة يأتي بكل ما يفيد الإطالة لغة وإذا كان في مقام الإيجاز يأتي بكل ما في الإيجاز لغة، مثال (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) الأنعام) فيها تفصيل فقال (إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) النحل) لأن المقام مقام إيجاز. صار توسع في المعنى لما عدّد أشياء كثيرة إذن صار إطالة وتوسّع فجمع (ذلكم) حتى تتلاءم مع ما قبلها.(2/56)
وقد يكون في مقام التوكيد وما هو أقل توكيداً: في مقام التوكيد يأتي بما هو أكثر توكيداً فيجمع وإذا كان أقل توكيداً يُفرِد، مثال: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (232) البقرة) هذا حُكم في الطلاق قال (ذلكم)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12) المجادلة) قال (ذلك) الأولى قال ذلكم وهذه قال ذلك، أيُّ الحُكمين آكد وأدوم؟ الطلاق آكد وأدوم لأنه حكم عام إلى قيام الساعة يشمل جميع المسلمين أما الآية الثانية فهي للأغنياء ثم ما لبث أيام قليلة ونسخ الحكم (فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ())، فالآية الأولى آكد والحكم فيها عام مستمر أما الثانية فالحكم متعلق بجماعة من المسلمين ثم ألغي فالآية الأولى آكد فقال (ذلكم) ومع الأقل قال (ذلك). إذا كان عندنا مجموعتان إحداهما أوسع من الأخرى يستعمل للأوسع ضمير الجمع وللأقل ضمير الإفراد.
*د.أحمد الكبيسى :(2/57)
إسم الإشارة ذلك مرة يأتي (ذلك) ومرة يأتي (ذلكم) بالميم مثلاً (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ (232) البقرة) ومرة قال (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {232} البقرة) ما الفرق ؟ إذا كانت الإشارة إلى موضوع واحد الله يقول ذلك. فهنا يتكلم عن العضل شخص لديه بنت لا يريد أن يزوجها أو شخص عنده أخت منعها من الزواج، العضل هو المنع. حينئذٍ رب العالمين ينهى عن هذا يقول ذلك أفضل إياك أن تفعل هذا (ذَلِكَ) لأن الموضوع نهي عن شيء واحد.(2/58)
إذا كان النهي عن مجموعة أشياء يقال ذلكم للتفخيم ولبيان الأهمية وأنك أمام كتاب من كتب الفقه كاملة (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) في الطلاق عن العدة قال اتركوا العدة كاملة قال (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) لما يقول (ذَلِكُمْ) إشارة إلى عدة مواضيع يعني هذه الآية التي هي في البقرة (232) لما قال (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) هذه ذلكم جاءت بعد ما فرغ القرآن الكريم من تعداد سبع مسائل من مسائل الطلاق المسائل الخطيرة: المسألة الأولى حكم وجوب العدة (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ (228) البقرة) هذا الحكم الأول، الحكم الثاني عن حقوق الزوجة (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ (228) البقرة)، المسألة الثالثة الطلاق الذي ثبت بالرجعة (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ (229) البقرة)، رابعاً حكم العوض في الخلع، خامساً الطلاق البائن بينونة كبرى، سادساً الإمساك للضرر والاعتداء، سابعاً حكم العضل أخيراً قال بعد العضل قال (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) بعد ما أشار للعضل وحده إنتهى الموضوع بعد سبع مسائل سبع قضايا سبع أبواب من أبواب الفقه قال (ذَلِكُمْ) كله، ذلكم كله الذي مضى (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) فحيثما وجدت كلمة (ذلك) معناها موضوع واحد، حيثما وجدت كلمة (ذلكم) إعلم أن الإشارة إلى عدة مواضيع تأملها قبل هذه الآية التي فيها هذه الكلمة فذلك إشارة إلى موضوع واحد عليك أن تنتبه له وذلكم لا أنت في درس فقهي كبير في باب من أبواب الفقه سبع ثمان مسائل يعني الآن هذه لكل مسألة يكون لها في الفقه باب أو فصل حينئذٍ (ذلكم) إشارة للكثير و(ذلك) إشارة لواحد، هكذا هو الفرق بين ذلك وذلكم.
آية (233):
* ما اللمسة البيانية في استعمال (الوالدات) بالجمع و(المولود له) بالإفراد في آية سورة البقرة؟( د.فاضل السامرائى)(2/59)
قال تعالى في سورة البقرة (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233))
هنالك أكثر من سؤال في هذه الآية: لماذا قال الوالدات ولم يقل على الوالد وإنما قال المولود له ولماذا فرّق وقال الوالدات والمولود له بدل الوالد أو الوالدين؟
حُكماً أن المولود للآباء مولود له أن الولد يُنسب للأب فهو له وليس للأم فهو مولود له وليس للوالدة (هي وَلَدت) لكن المولود للأب. وحكماً أن الولد ينتسب إلى الأب وهو المسؤول عنه والذي يتكفله ويرعاه فهو ليس مولوداً للأم وإنما مولود للأب فالأم والدة والأب مولود له.
الأمر الآخر محتمل أن يكون للمولود له أكثر من زوجة فقال تعالى (والوالدات) بالجمع لتشمل كل الزوجات وقال (وعلى المولود له) خاصة بواحدة من الزوجات.
ثم نلاحظ أنه قال تعالى (والوالدات يُرضعن أولادهن) ولم يقل على الوالدات لأنهن لسن مكلفات بإرضاع الولد فيمكن لهن أن لا يُرضعن أولادهن أو أن يأتين بمرضعة فالوالدات لسن مكلفات شرعاً بإرضاع الولد. لكنه قال تعالى (وعلى المولود له رزقهن) لأن هذا واجب الأب فجمع سبحانه البيان والشرع والحكم.
*(وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) لِمَ لم يقل على الوالد رزقهنّ؟
ورتل القرآن ترتيلاً :(2/60)
في هذا إيحاء للأب وتذكير له بأن هذا الولد لك وهذه المنافع التي تقدمها لزوجك المطلقة منجرّة إليه وهذا الطفل مآله إليك فأنت الأجدر لإعاشته ولتهيء أسباب الحياة الكريمة له ولأمه.
د.أحمد الكبيسى :
يقول رب العالمين وصّى بالوالدين (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا{15} الأحقاف) الخ وكلنا نعرف ما هي قيمة الوالدين؟ يقول فقط مرة واحدة سمّى الوالد والوالدين والأب سمّاهم، مرة واحدة قال (الْمَوْلُودِ لَهُ {233} البقرة) لم يقل الوالد بل المولود له عندما تكلم عن واجب المطلِّق تجاه زوجته المطلقة وابنه الرضيع قال (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ {233} البقرة) لم يقل وعلى الأب يقول كأن الله سبحانه وتعالى يقول لهذا المطلِّق الذي طلق زوجته يقول له أنت آخر من يتكلم عن هذا الموضوع لقد طلقت زوجتك ولم تقم بدورك الصحيح في التقويم ولم تستطع أن تمسك عليه زوجك وولدك فمن تراه الآن سيربيه لك؟ ومن الذي سيغرس فيه الدين؟ وقد تتزوج أمه وهو لا يزال في حضنها فلا يحسن الزوج معاملة ولدك أي إن الحديث الموجه إليك يحمل عبارات اللوم الشديد والاستخفاف والتوبيخ ذلك لأنه في اغلب الأحوال غلّب مصلحته على مصلحة ولده ولذلك جاء الكلام عنه بالمولود له ما قال الوالد الأب أبداً لوماً واستخفافاً لأنه لم يقم بحق القوامة والتقويم ولكن الله تعالى أمره بالإنفاق على ولده وسماه المولود له، مداخلة في غاية الروعة ومقبولة ومعقولة جداً جداً.
* (لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ (233) لم لم يقل ولا والد بولده بدل ولا مولود له بولده؟( د.فاضل السامرائى)(2/61)
الرجل المولود له يُنسب إليه الولد (مولود له) هو ابنه استحقاقاً يُدعى باسم أبيه وينسب له ويلتحق به في النسب له أما الوالد مثل والدة لكن يختلف الحكم الشرعى،هذا ولد له هذه لام الاستحقاق. لو قال لا تضار والدة بولدها ولا والد بولده يكون الحكم واحد، هذا ولِد له (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ ) هذا حكم آخر، ولِد له حكماً وشرعاً وعرفاً ينتسب لأبيه ويلتحق بأبيه (ولِد له) ولو قال ولا والد بولده لصار الحكم واحداً فلما تغير الحكم تغيرت الصيغة (وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ) هذه لام الاستحقاق.
*ما الفرق بين (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا) ؟(د.أحمد الكبيسى)(2/62)
نأتي للآية الخامسة (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا{152} الأنعام) (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {286} البقرة) وعندنا (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا{233} البقرة) عدة صيغ والسياق واحد يعني مثلاً (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا{233} البقرة) هنا رب العالمين يتحدث عن أن الأب مكلّف شرعاً بأن يُنفق على أولاده فالتكليف هنا أثر من آثار عقد الزواج قضية فقهية صرفة ولهذا قال (لَا تُكَلَّفُ) ما قال أنا أكلفك يُكلّف سواء كان من القانون من الشريعة من النظام من العُرف كل أب مكلّف طبعاً (مبني للمجهول) من الذي كلفه؟ إما العُرف أو الرحم أو القانون أو الفقه وكله في النهاية يرجع إلى مشيئة رب العالمين لكن التكليف المباشر ليس من الله عز وجل وإنما إما من النبي صلى الله عليه وسلم عندما حدد حجم الإنفاق، الإنفاق على الأولاد تكليف من عدة مصادر قال (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا) فيما يتعلق بإنفاق الأب على أطفاله وهذا في حالة الطلاق فما بالك في حالة الزواج؟! ولما يقول (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) هذا عندما يكون هناك حكمٌ شرعي منصوصٌ عليه بالقرآن الكريم بالتعيين يعني الله قال صل (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ{43} البقرة) واحد مريض واحد مسافر واحد عنده عذر قال (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) هذا التكليف إذاً ليس مبنياً للمجهول هنا تكليف من رب العالمين سبحانه وتعالى.(2/63)
ثم هنالك صيغة عجيبة قال نحن (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) رب العالمين يتكلم بصيغة التعظيم بنون المتكلم (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) على سبيل المثال الملك عندما يقول نحن الملك أمرنا بما هو آتي هذه قضية دستورية قضية تتعلق بالأمة قضية أساسية جداً أنت لاحظ القرآن الكريم حيثما تكلم رب العالمين بصيغة الجمع معناه هو يفعل شيئاً لا يستطيع أحد غيره أن يفعله، فقط هذا من اختصاص الله (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ{12} يس) رب العالمين فقط يفعل هذا واثبات مبدأ التيسير (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ {23} الحجر) (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ{24} يوسف) من الذي يستطيع أن يصرف السوء عن رجل في غاية الجمال شباب عمره 25 سنة مع امرأة ملك في غاية الجمال تراوده شهوراً وسنيناً وهو صامد من يفعل هذا؟ قال نحن (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {24} يوسف) (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ {31} القمر) من الذي يفعل هذا صوت كالقنبلة الفراغية يقتل كل من يسمعه؟! (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {49} القمر) وهكذا فحينئذٍ لما يقول (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) يتكلم مع المؤمنين المتميزين المخصوصين القلة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} المؤمنون) يعني كم صفة وصفة (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ {60} المؤمنون) ولهذا الله قال (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) يتكلم مع ناس مؤمنين في(2/64)
غاية الرقيّ أخذوا أنفسهم يعني الأنبياء والصدّيقين ومن على شاكلتهم من أتباعهم ولهذا اختص هؤلاء (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) بياناً وإظهاراً لقدرهم عند الله عز وجل حيث خاطبهم الله خطاباً حاضراً مباشرة وجهاً لوجه. إذاً عرفنا الفرق بين يكلف وتكلف ونكلف الخ.
*ما دلالة كلمة (تضار) فى قوله تعالى (لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ (233) البقرة) ؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ (282) البقرة) و (لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ (233) البقرة) هذا حكم شرعي. (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ) (لا) ناهية وليست نافية بدليل الراء في (يضارَّ) مفتوحة. هل هي لا يضارَر؟ أي لا يضره أحد أو لا يضارِر، هو لا يضر أحداً؟ محتمل أن الكاتب والشهيد يضغط عليه ويضر عليه ويهدد فيغير من شهادته يحتمل هذا المعنى أو أن الشهيد لا يريد أن يشهد لأسباب في نفسه، يغير في الشهادة. لا يضارَر أو لا يضارِر؟ لو أراد أن يقيّد كان يقول ولا يضارَر فيكون قطعاً هو المقصود (نائب فاعل) لو أراد أن الكاتب هو الذي يُضرِ يقول لا يضارِر. مع أن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن (ومن يرتدد) في مكان وقال (ومن يرتد) في مكان آخر (من يشاقق) و (من يشاق) بدل أن يقول ولا يضارِر أو ولا يضارَر جاء بتعبير يجمعهما معاً يريد كلاهما. إذن لو فك يجعل هناك عطف لكنه أوجز تعبيراً ويجمع المعاني ويسمى التوسع في المعنى.
((2/65)
لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ (233) البقرة) لا يوقع عليها ضرر بحيث الأب يضرها إذا كانت مطلقة؟ أو هي لا تضر زوجها بحيث تمنع إبنها؟ ما المقصود؟ المعنيان مرادان وكلاهما منهي. عندنا باب إسمه التوسع في المعنى في علم المعنى، عندنا دلالة قطعية وعندنا دلالة احتمالية وهذه الاحتمالية تحتمل معاني قد تراد كلها أو بعضها فإذا أريد بعضها أو كلها يسموه التوسع في المعنى.
آية (234):
*(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (234) البقرة) ما دلالة إضافة الأجل إلى النساء؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر أخي المؤمن كيف أضاف ربنا تعالى (الأجل) إلى النساء المعتدّات فقال (فإذا بلغن أجلهن) ولم يقل إذا بلغن الأجل إيحاء إلى أن مشقة هذا الأجل واقعة على المعتدّات فهن الصابرات والمتعبدات بترك الزينة والتزام بيت الزوجية وفي هذا مشقة ولذلك أضاف الأجل إليهن لإزالة ما عسى أن يكون قج بقي في نفوس الناس من إستفظاع تسرّع النساء إلى التزوج بعد عدّة الوفاة لأن أهل الزوج المتوفى قد يتحرجون من ذاك فنفى الله تعالى هذا الحرج.
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ (234) البقرة) إن الفعل يتوفون من الأفعال التي التزمت العرب فيها البناء للمجهول فنقول تُوفيّ فلان ولا نقول توفّى فلان. وقد حدث ذات يوم أن علياً رضي الله عنه كان يشيع جنازة فقال له قائل: من المتوفّي؟ بلفظ إسم الفاعل سائلاً عن المتوفى فأجاب عليٌّ بقوله (الله) ولم يجبه كما يقصد بأنه مات فلان لينبهه على خطئه.(2/66)
*افتتحت الآيتان (234)و(240) فى سورة البقرة بنفس العبارة (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ) فما الفرق بين ختام الآيتين مع أنهماتتحدثان عن المتوفى عنها زوجها؟( د.فاضل السامرائى)
منطوق الآيتين يوضح: الآية الأولى التي أشار إليها (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) يعني خبير بما شرع ويعلم وجه الحكمة في اختيار التوقيت، يتبين الحمل بعد أربعة أشهر كما في الحديث " يجمع أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه ملك فينفخ فيه الروح" ربنا يعلم سبب اختيار التوقيت لماذا اختار هذا الخبير هذا التوقيت؟ أربعة أشهر وعشراً، هذا يحتاج إلى خبرة ومعرفة حتى يعطي الحكم لماذا أربعة أشهر وعشراً؟ هذا خبرة. ثم تترك المرأة هكذا أو تخرج من بيتها؟ هذا يحتاج إلى خبرة في المجتمع يعني هل يصح للمرأة أن تبقى هكذا؟ عند ذلك إذا أرادت أن تخرج بعد ذلك فلا بأس لأن بقاءها قد يكون فيه فتنة أو فيه أمر نفسي أو فيه شيء.(2/67)
الآية الثانية (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) ربنا وصّى الأزواج أنهم لا يخرجوهن من بيوتهم، وصية لمن يتولى الأمر لأن الأزواج ماتوا، تبقى في البيت المرأة وقد يقولون لها أُخرجي من البيت، زوجك خرج فينبغي أن تخرجي فالقرآن يقول لا إياكم أن لا تراعوا الوصية، هن يخرجن من أنفسهن لكن أنتم لا تُخرجوهن. أهل المتوفى يمكن أنهم يريدون أن ينتفعوا من البيت. في الآية الأولى الوصية للمرأة تتربص بنفسها أربعة أشهر وعشرة أيام، هذه عدة المتوفى عنها زوجها والآية الثانية الوصية لأهل المتوفى بأن لا تُخرج المرأة من مسكنها وإنما تخرج بنفسها (لا تخرجوهن) أي لا تجبر على الخروج ولا تُخرج من البيت قسراً ولها أن تبقى إلى الحول. كلمة (وصية) في الآية مفعول مطلق بمعنى يوصي وصية. ربنا عزيز ينتقم بمن خالف هذا الأمر.
المسألة في الآية الأولى متعلقة بالمرأة والثانية متعلقة بمن يُخرج المرأة. فلما كان الحكم متعلقاً بالمرأة يحتاج إلى خبرة قال خبير والآية الثانية عزيز حكيم كأنه تهديد لمن يخرج المرأة ينتقم ممن خالف الوصية وفي ذلك حكمة وليس فقط عزيز وإنما حكيم فيها حكمة وفيها حكم إياكم أن تحكموها لأنه الله هو حكيم. حكيم تشمل الحُكم والحِكمة وهي بمثابة ردع وتحذير لمن يحاول أن يُخرج المرأة إذا كنت تحكم هذه المرأة فالله عزيز حكيم. وإن تشابهت الآيتين فإن السياق مختلف، الآية الثانية تهديد لمن يخرج المرأة أما ما يتعلق بحمل المرأة واستبراء الرحم يحتاج إلى خبرة.
*ما الفرق بين قوله تعالى في سورة البقرة (فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) و (من معروف)؟
* د.فاضل السامرائى :(2/68)
أولاً يجب أن نلاحظ دلالة التعريف والتنكير فالمعرفة في اللغة هي ما دلّ على شيء معين والنكرة ما دلّ على شيء غير معيّن. وفي الآية الأولى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {234}) المعروف يقصد به الزواج بالذات لأن الآية بعدها (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ {235}). أما الآية الثانية (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {240}) فهي عامة ويقصد بـ (معروف) هنا كل ما يُباح لها. ولمّا جاء بالزواج جاء بالباء وهي الدالّة على المصاحبة والإلصاق وهذا هو مفهوم الزواج بمعناه المصاحبة والإلصاق.
*د.أحمد الكبيسى:(2/69)
آيتان تقول هذا (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {234} البقرة) معرّف بالمعروف على وصية الأرامل إذا انتهت الأربعة أشهر وعشرة أيام وراء هذه لا بأس تستطيع أن تفعل ما تريد بنفسها من أن تتزين للخُطّاب تنظف نفسها، على شرط أن يكون هذا بالمعروف المتفق عليه لا أن تخرج سافرة أو تظهر شعرها فقط بما هو جائزٌ في مجتمع الإسلام لا يسبب عاراً ولا يسبب عيباً هذا بالمعروف. نفس هؤلاء الأرامل طبعاً هذا الحكم واجب كل امرأة يموت زوجها عليها أن تتربص أربعة أشهر وعشرة أيام كعدة لا تتزوج لا تخرج من البيت إلا لحاجة ولكن طبعاً كما شرحنا هذا في برنامج خير الكلام على خلاف ما في العالم العربي إذ يعتبرون الأرملة كأنها معتقلة لا تخرج من الغرفة لا ترى شمساً ولا تلفزيوناً ولا مرآة هذا كله كلام فارغ ما تخرج من البيت. إذاً بالمعروف هذا فيما يتعلق بالأرملة التي مات زوجها وباقي في هذه العدة أربعة أشهر وعشرة أيام (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) هذه الأرملة وهذا فرض واجب من السُنّة أن تبقى في بيت الرجل سنة ويجب أيضاً سُنّة أن يكون الرجل أو أهل الرجل أو هو أوصى أن تنفقوا عليها تعطوها تكرمونها سنة كاملة إلى أن تخرج من البيت.(2/70)
لكن في الآية الأخرى قال فإن (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {240} البقرة) في الآية الأولى (فَإِذَا بَلَغْنَ) وفي الثانية (إِنْ خَرَجْنَ) (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ) نفس السياق في الأولى (فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وفي الثانية (فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ) هي نفس الحكم ونفس الأرملة ونفس الموضوع ونفس السورة الآية الأولى 234 والثانية 240 فرق بست آيات لماذا هناك (بِالْمَعْرُوفِ) وهنا (مِنْ مَعْرُوفٍ)؟ يعني ما في شيء عبث أو شيء غير مقصود هذا كلام رب العالمين. الألف واللام هناك سورة هذا خاص بالأرملة بالعدة الواجبة عليها فرضاً وهي أربعة أشهر وعشرة أيام تبقى في البيت لا تخرج نهائياً إلا بحاجة ولا تتزين الخ إلى أن تنتهي العدة (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) لما تخلص تتطهر تتحسن تتمكيج حتى تتزوج.(2/71)
هنا ليس عدة هنا إبقاء وإكرام إذا رجل قال يا جماعة أنا سأموت زوجتي خلوها عندكم في البيت لا تخرجوها من البيت وأنا أوصي لها بمبلغ مائة ألف درهم تبقى سنة كاملة عندكم فالله قال (فَإِنْ خَرَجْنَ) ما قال فإذا (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ) الفرق واضح هناك البقاء واجب وانتهاء العدة بالمائة مائة سيحصل بعد أربعة أشهر وعشرة أيام بالمائة مائة، في هذه الأربعة شهور هي بالضبط مقيمة على حدود قوية ومتفق عليها، كل تصرفات المرأة في العدة هذه كلها متفق عليها هذه (فإذا) وحينئذٍ المعروف المعروف لكل الناس كل الناس تعرف ما هي واجبات المرأة الأرملة بالمعروف الذي تعرفونه أنتم هذه الألف واللام .هناك لا انتهت العدة وستبقى في البيت لأن الزوج وصى أن تبقى في بيت تخرج أو لا تخرج هي حرة، تتزين أو لا تتزين هي حرة، يعني قضية كلها اختيارية وقضية عائلية تبقى أو لا تبقى، تعطوها أو لا تعطوها ليست قضية كبيرة.(2/72)
فحينئذٍ الفرق بين (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الذي هو متفق عليه وهو ضروري وأكيد وسيحصل بالدقيقة والساعة واليوم تنتهي اليوم الأخير اليوم العاشر من الشهر الخامس فهذا بالمعروف قضية متفق عليها الألف واللام هذا ذهني نعرف هذا جميعاً بدليل الآن ما في تقريباً واحد بالمليون يتركون الأرملة في بيت المرحوم زوجها على مدى سنة لا يوجد ولأنه ليس أكيداً ولا واجباً بل من باب الإيصاء بإكرامها قد يكون هذه الأرملة ما عندها أحد أو أولادها صغار يريدهم أن يعيشون مع أهله يعني أنتم أهل الزوج عطوفون على أولاد المرحوم يعني قضية نوع من أنواع الندب رب العالمين سبحانه وتعالى يهيب بنا أن نكرم الأرملة وأولاد المرحوم في بيته، يبقى في بيته يتعلم على الأهل يتعلم على عشيرته على قومه فهي اختيارية كونها اختيارية حتى عمل معروف ما الذي تفعله المرأة بنفسها؟ لا نعرف بالضبط؟ فإذا أحبت أن تخرج فهو من معروف لا تخرج من معروف تتزين من معروف لا تتزين من معروف يمكن تزعل مرات الخ يعني كل تصرفاتها غير منضبطة وغير معروفة سلفاً وغير متفق عليها وإنما تخضع للإرادة والظروف الطارئة فهي من معروف (مِنْ مَعْرُوفٍ) ليست أكيدة ولا منضبطة ولا محددة وكلكم تعلمون بأن الأحكام تناط بما ينضبط لا بما لا ينضبط. فتحركات الأرملة أربعة أشهر منضبطة هذا (بِالْمَعْرُوفِ) أما تحركاتها بعد الأربعة أشهر لمدة سنة ليست منضبطة هي حرة تروح وتأتي هذا (مِنْ مَعْرُوفٍ) فهذه الألف واللام تعطيك أن هذه الأحكام التي على المرأة المعتدة من وفاة أحكام شرعية واجبة عليها أن تنضبط بها هي تعرف هذا وأولاده يعرفون وأهل الزوج يعرفون لكن هناك لا قضية عامة ضيافة فقال (مِنْ مَعْرُوفٍ) ما فيه شيء محدد.
*ختمت الآية (وَ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فما دلالة تقديم العمل على الخبرة الإلهية؟( د.فاضل السامرائى)(2/73)
هنالك قاعدة استنبطت مما ورد في القرآن الكريم: إذا كان السياق في عمل الإنسان قدم عمله (والله بما تعملون خبير) لو كان السياق في غير العمل أو كان في الأمور القلبية أو كان الكلام على الله سبحانه وتعالى قدّم صفة الله خبير (خبير بما تعملون). مثال: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة) هذا عمل، لما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله (بما تعملون خبير)، (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) الحديد) هذا عمل، قتال وإنفاق ختمها (والله بما تعملون خبير) لما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله. (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) البقرة) هذا عمل فقدّم (والله بما تعملون خبير). (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) التغابن) هذا عمل أيضاً. ((2/74)
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل) هذا ليس عمل الإنسان فقدّم الخبرة على العمل وقال خبير بما تفعلون. أو لما يكون الأمر قلبياً غير ظاهر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) الحشر) فهذا على العموم أنه إذا كان الأمر في عمل الإنسان قدم العمل وإذا كان في غير عمل الإنسان أو في الأمور القلبية أو عن الكلام عن الله سبحانه وتعالى يقدم خبير. العرب كان تعي هذه المعاني والقواعد من حيث البلاغة، البليغ هو الذي يراعي، هذه أمور بلاغية فوق قصد الإفهام يتفنن في صوغ العبارة ومراعاة البلاغة. على سبيل المثال عندما تضيف إلى ياء المتكلم (هذا كتابي، أستاذي، قلمي) بدون نون، بالنسبة للفعل تقول أعطاني، أضاف نون الوقاية، عموم الكلمات نأتي بنون الوقاية مع الفعل مثل ضربني وظلمني أما مع الإسم فلا تأتي هذه قاعدة وعموم الناس يتكلمون بها دون أن يفطنوا إلى أن هذا إسم وهذا فعل، الناس يقولونها وهي قواعد أخذوها على السليقة. الناس يتفاوتون في البلاغة العرب كلهم كانوا يتكلمون كلاماً فصيحاً من حيث صحة الكلام ولذلك يؤخذ من كلام المجانين عندهم لأن المجانين يتكلمون بلغة قومهم ويستشهدون بأشعار المجانين لأن كلامهم يجري على نسق اللغة أما البلاغة فمتفاوتة ويقول - صلى الله عليه وسلم - : أنا أفصح من نطق بالضاد. صحة الكلام كل واحد يتكلم على لغة قومه أما من ناحية البلاغة فهناك تفاوت.(2/75)
الله تعالى تحداهم في البلاغة وفي طريقة النظم والتعبير وتحداهم بأن يأتوا بسورة والسورة تشمل قصار السور مثل العصر والكوثر سورة، الإخلاص سورة قبل التشريع وهناك إعجاز كثير في القرآن في الإخبار عن المغيبات والمستقبل وعندما تحداهم الله تعالى تحداهم بسورة ليس فيها تشريع وليس فيها إخبار عن الغائب أو عن الماضي. هذا في العلم والبصر وليس في العِلم والخبرة والعمل فقط وهذا خط عام في القرآن.
آية (235):
* لم قال ربنا سبحانه وتعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح) ولم يقل ولا تعقدوا النكاح حتى يكون اللفظ صريحاً في النهي عن العقد؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
آثر ربنا سبحانه وتعالى أن يبين حرمة نكاح المعتدة أثناء عدتها بقوله (وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ (235) البقرة) في هذه الآية نهي عن عقد دون و لا تعقدوا لأن العزم يدل على التصميم وإذا ما نُهي المؤمن عن التصميم والإرادة كان هذا النهي أبلغ من نهي العمل وهو (ولا تعقدوا) والمرء إذا صمم على أمر ما نفّذه ولذلك كان النهي عن العزم أبلغ في النهي عن المعزوم عليه. ومن هذا الباب قوله تعالى (تلك حدود الله فلا تقربوها) فقد نُهي عن القرب لأنه أبلغ من النهي في الوقوع في المحظور.
*ما دلالة استعمال كلمة حليم بعد غفور في الآية ؟(الشيخ خالد الجندي)
قال تعالى في سورة البقرة (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)).(2/76)
لم نعتد في القرآن الكريم على أن يأتي لفظ غفور حليم وإنما الوارد في القرآن غفور رحيم (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر).
وردت صيغة غفورحليم في القرآن في6 مواضع بينماوردت صيغ غفوررحيم 64 مرة في القرآن.أما الآيات التي جاءت فيها صيغة غفور حليم فهي:
1. (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) البقرة)
2. (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) البقرة)
3. (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) آل عمران)
4. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) المائدة)(2/77)
5. (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء)
6. (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) فاطر)
الحليم : الحليم لغويا : الأناة والتعقل ، والحليم هو الذى لا يسارع بالعقوبة ، بل يتجاوز الزلات ويعفو عن السيئات ، الحليم من أسماء الله الحسنى بمعنى تأخيره العقوبة عن بعض المستحقين ثم يعذبهم ، وقد يتجاوز عنهم ، وقد يعجل العقوبة لبعض منهم وقال تعالى ( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ) . وقال تعالى عن سيدنا إبراهيم ( إن ابراهيم لحليم آواه منيب ) ، وعن إسماعيل ( فبشرناه بغلام حليم ) . وروى أن إبراهيم عليه السلام رأى رجلا مشتغلا بمعصية فقال ( اللهم أهلكه ) فهلك ، ثم رأى ثانيا وثالثا فدعا فهلكوا ، فرأى رابعا فهم بالدعاء عليه فأوحى الله اليه : قف يا إبراهيم فلو أهلكنا كل عبد عصا ما بقى إلا القليل ، ولكن إذا عصى أمهلناه ، فإن تاب قبلناه ، وإن أصر أخرنا العقاب عنه ، لعلمنا أنه لا يخرج عن ملكنا(2/78)
وإذا أخذنا الآية 235 من سورة البقرة ورجعنا إلى سياق الآيات نجد أن الله تعالى يُحذّر من بعض التجاوزات التي تحصل في الحياة الزوجية وقد ينتهي الأمر إلى الطلاق وقد يكون هناك أولاد. ولو عجّل الله تعالى العقوبة لأصحاب الذنوب (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) فاطر) ما بقي من الناس أحد فالله تعالى يؤخّر العقوبة من باب الحِلم وهو صفة من صفاته سبحانه وتعالى ومن أسمائه تعالى الحليم لأنه يُعطي الفرصة لإصلاح الأوضاع. وقد يكون قد حصل بعض التقصير أو بعض الذنوب بين الناس فتسيء أخلاقهم وتضعف ضمائرهم والله تعالى سبحانه يعطي الناس فرصة للعودة عما حصل منا.
وبعض القلوب فيها غِلٌ وحسد ولو آخذنا الله تعالى بما في قلوبنا لن يبقى أحد على قيد الحياة. ومن رحمة الله تعالى بالناس أن يُمهِل الناس حتى يُصلحوا أنفسهم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) لأن الله تعالى أعلم بما في النفوس وعلينا نحن أن نعلم حقيقة أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته لأنه ما نفع صفة إذا لم يعرف معناها الناس؟ وهذا هو المقصود بإحصاء أسماء الله الحسنى أي معرفة معاني الصفات حتى نطلبها من الله تعالى فصفة القوي هي أن نتحاشى غضب الله تعالى وصفة الرحيم أننا لا نيأس من رحمته تعالى وكل من تطاول على الناس يكون قد غابت عنه صفة من صفات الله تعالى. فالفائدة من معرفة الأسماء والصفات هي معرفة كيفيتها وكيفية التخلّق بها في الحياة "إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك". فعلينا معرفة الصفات وترجمتها إلى سلوك فنأخذ الرحمة من الرحيم والصبر من الصبور والحِلم من الحليم وهكذا.(2/79)
ونحن مطالبون بمعرفة الصفات ولقد لاحظ العلماء أن المولى تبارك وتعالى يأتي بنهايات الآيات بما يتناسب مع الآية فلا يستخدم مثلاً صفة الرحمة في آية العقاب وعلى سبيل المثال في قصة الأعرابي الذي كلن واحد من التابعين يعلّمه القرىن وتلا عليه قوله تعالى في سورة النور والسارق والسارقة ثم ختم الآية والله غفور رحيم فقال له الأعرابي أنت تكذب ثم جاء رجل تابعي آخر فسأل عن الأمر فأخبروه فقال للتابعي الأول أعِد علي ما قلت فأعاد فقال له صدق الأعرابي فالآية تنتهي بقوله تعالى والله عزيز حكيم فسأل التابعي الأول الأعرابي لكن كيف عرفت؟ فقال له عزّ فحكَم فقطع ولو غفرو ورحم لِمَ قطع؟
نعود لآية سورة البقرة فنقول أنه جاء فيها قوله غفور حليم بمعنى أنه لا يغرنّك أيها الزوج حِلم الله تعالى عليك فتتمادى في البطش بزوجتك وبما يحلم الله تعالى عليك لكنه لا ينسى عملك كما قال تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ابراهيم). ولمّا قال تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) فكلمة حليم هنا جاءت كتهديد بالعذاب فالذي لا يرتدع فالله تعالى حليم وعنده بطش بالجبابرة الذين يتجاوزون حدود الله تعالى ولا يؤخذ من كلمة حليم هنا التبشير بالرحمة لأنها لو كانت كذلك لجلءت بصيغة غفور رحيم.
ونلاحظ أن المولى تعالى في الآية 235 من سورة البقرة التي ختمت بقوله تعالى غفور حليم جاءت الأفعال فيها بالمضارع وهذا ليدل على أن هذه الأمور متجددة الحصول ونحن نقع فيها والبعض عليها الآن (تذكرونهن، تواعدوهن، تقولوا، تعزموا، يبلغ، يعلم، فاحذروه).
ولو تأملنا في كل الآيات التي خُتمت بقوله تعالى غفور حليم نجد أن السياق فيها كان تحذيراً للذي لا يرتدع عن تجاوز حدود الله تعالى ولا يخاف بطشه سبحانه وتعالى.
آية (236):(2/80)
*ما الفرق بين (حقاً على المحسنين) و(حقاً على المتقين)؟(الشيخ خالد الجندي)
الفرق بين قوله تعالى (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)) وقوله تعالى (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)) في سورة البقرة
الآية الأولى هي في حالة المرأة المعقود عليها وطُلّقت قبل أن يتم الدخول بها لأو لم تُفرض لهم فريضة أي لم يحدد مهرها أما الآية الثانية فهي في حالة المرأة التي عُقد عليه ثم طُلّقت وقد تم الدخول بها.
ففي الحالة الأولى الرجل طلّق المرأة لكنه لم يدخل بها ولم يستفد منها أو يتمتّع بها ولم يحصل بينهما مسيس فلمّا يدفع النفقة يكون هذا من باب الإحسان والقرآن الكريم لم يحدد القدر بل تركه مفتوحاً كلُ حسب سعته لذا خُتمت الآية بقوله تعالى (حقاً على المحسنين) بينما لو دخل عليها واختلى بهاوحدث المسيس وخدمته وأسعدته ثم طلّقها فيدفع لهاولولم يدفع لها سيدخل النارلذا ختمت الآية بـ(حقاً على المتقين) الذين يتّقون العذاب يوم القيامة.
وهذا يدل على ا، البناء القرآني متماسك في اللفظ.
كلمة حقاّ تعني حق حققه القرآن للمرأة وليس لأحد أن يتجاوزه ولا تقول المرأة لا أريده إنما تأخذه وتتصدق به إن شاءت.
آية (237):
*مامعنى (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح)؟(الشيخ خالد الجندي)(2/81)
معنى أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح في قوله تعالى (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237))؟
هذه الآية في حالة طلاق الرجل للمرأة المعقود عليها لكن لم يتم المسيس بها وحُدد مهرها فلها نصف المهر المسمّى وهناك استثناء وهو أن تعفو المرأة (إلا أن يعفون) أما قوله تعالى (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) فاختلف فيها المفسرون فقال بعضهم أن الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ المرأة أما البعض الآخر فقال أن الذي بيده عقدة النكاح هو الرجل المطلِّق وهذا يوازن المعى في الآية أكثر لأن الزوج هو بيده عقدة النكاح (وبدون إيجاب وقبول لا يكون هناك عقدة نكاح) ومعنى أن يعفو الذي بيده عقدة النكاح أو الزوج كما قلنا هو أن يعفو الزوج المطلِّق عن النصف الثاني من المهمر المسمّى ويعطي المرأة المطلَّقة كامل المهر فيكون شهماً كريماً معها والله تعالى سيكافئه على ذلك إن شاء الله. والله تعالى يقول (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) فالقرآن انتصر لصالح الزوجة فلو عفى الزوج يكون أفضل فالخطاب في قوله (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) هو للمطلِّقين وليس للمطلقات. والأنسب أن يعفو الزوج إذا أراد أن يكون من الأتقياء يوم القيامة لأن الزوج يعمل وسيحصل على مال غيره أما الزوجة فهي التي تحتاج لمن يعوّضها ويؤنسها ويجبر خاطرها.
وكلمة العفو هي من الأفاظ المستحبة في الشريعة وهي تعني ما زاد على الشيء كما في قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) أي أنفقوا من المال الزائد عن حاجتكم.(2/82)
ولا تنسوا الفضل بينكم: الفضل هو الزيادة أي لا تكونوا دقيقين في الحساب.
آية (238):
*انظر آية (98).???
*قال تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) الآية تحث على الصلاة وقد توسطت آيات الطلاق والوفاة فما دلالة هذا؟( د.فاضل السامرائى)
أقول والله أعلم أن المشكلات بين الزوجين وأحداث الطلاق أو الوفاة قد تؤدي إلى أن يحيف أحد الزوجين على الآخر وقد يؤدي هذا إلى ظلم الآخر والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فأمر الله تعالى بالصلاة حتى لا يحيف أحدهما أو يظلم الآخر ويذكّره بالعبادة. وقد ينتصر أحد الزوجين لنفسه فأمره الله تعالى بالصلاة حتى لا يقع في ذلك. ونذكر أن الله تعالى أمر بالصلاة في أحداث أكبر من ذلك عند فقد الأمن وفي حالة الخوف أمر تعالى بالصلاة أيضاً (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) النساء). وكذلك الأمر بالصلاة بين آيات الطلاق لها سببين أولاً حتى لا ينشغل الزوجين بالمشكلات العائلية عن الصلاة فيتركوها والثاني لئلا يحيف أحده ما على الآخر
*(حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ (238) البقرة) اعترضت آيات أحكام الطلاق فما غاية هذا الاعتراض؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(2/83)
لو نظرت إلى الآية قبلها لرأيت أنها ختمت بقوله تعالى (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (237)) وهذه دعوة من الله سبحانه وتعالى إلى خُلُق حميد وهو العفو عن الحقوق وبما أن النفس جُبِلت على ضرائب اللؤم وجُبِلت على طبع الشُحّ دلّنا الله تعالى على خُلُق ناجع ووصف لنا دوائين: الأول دنيوي فقال (ولا تنسوا الفضل بينكم) فأرشدنا إلى أن العفو يقرّب منك البعيد ويصيّر عدوك صديقاً، والثاني دواء روحاني وهو الصلاة فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر.
*لماذا وردت آية الحفاظ على الصلاة بين آيات الطلاق؟(الشيخ خالد الجندي)
قال تعالى في سورة البقرة (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238))
العلماء وقفوا متعجبين لماذا ذكرت الصلاة والحفاظ عليها بين آيات الأحوال الشخصية والأقوال اختلفت بين:
أن الذي لا يحافظ على صلاته لن يحفظ زوجته وهذه اشارة لكل أبٍ يتقدم لابنته خاطب أن يتحرى أنه لا يضيع الصلاة أو رب العالمين من قلبه لأنه بهذا يطمئن أن هذا الرجل لن يضيّع ابنته. قال عمر بن الخطاب: إذا كان المرء للصلاة مضيّعاً فلغيرها أضيع. فمن ليس فيه خير لربّه فكيف يكون فيه خير لغيره؟
وبعض العلماء يقولون إنها جملة اعتراضية.
ولقد وردت آية الحثّ على الصلاة في سورة البقرة ثلاث مرات:
1. (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)) بين آيات خطاب بني اسرائيل.
2. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)) بين آيات
3. (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)) بين آيات الأحوال الشخصية .(2/84)
فلماذا يصرّ القرآن على وضع الصلاة بين هذه الآيات؟ هذا له معنى واحد وهو أنه لن تقوم للإنسان علاقة بالله تعالى إلا عن طريق الصلاة لأن الصلاة:
1. الصلاة تعلّم الانسان على الانضباط والله تعالى يريد أن يتعلم الناس الانضباط في حياتهم الزوجية قلا قيام لهذا الانضباط إلا بالانضباط في الصلاة.
2. أُمِر الانسان بالمحافظة عليها فالذي يحافظ عليها سيحافظ على زوجته.
3. الصلاة بركة تملأ المكان والعقل والجسد والله تعالى يريد للجسدين المتقاربين أي الزوج والوزجة أن تعمّهما بركة الصلاة.
4. الصلاة صِلة بين العبد وربّه وعقدة الزواج علاقة بين ثلاثة أطراف : الله تعالى والزوج والزوجة.
5. الصلاة فيها خشوع والله تعالى يريد أن لا يتجبّر الزوج على زوجته.
6. الصلاة فيها خضوع والله تعالى يريد من الزوجة أن تخضع لزوجها.
7. الصلاة فيها استغفار والله تعالى يريد لكل من الزوجين أن يغفر للآخر.
فالصلاة إذن فيها كل شيء وحياة زوجية بلا صلاة لا خير فيها ويجب أن تكون العلاقة بين الزوجين مبنية على الدين والصلاة هي أساس الدين وعلاقة بدون صلاة يعني علاقة بدون طهارة وعلاقة فيها بُعد عن الله تعالى. وفي الحديث الشريف: " رحِم الله امرأة قامت إلى زوجها فأيقظته فتأبّى عليها فنضحت وجهه بالماء فباتا الليلة وقد غفر الله لهما".
فيجب العودة إلى الله تعالى حتى تعود البركة على حياة الناس. والله تعالى في آية المحافظة على الصلاة يلفت نظرنا ويرشد الأُسر إلى أنه من أراد أن يبارك الله تعالى في حياته فعليه بالمحافظة على الصلاة وهل الذي يمشي مكبّاً على وجهه أهدى أم الذي يمشي سوياً على صراط مستقيم؟ (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) الملك)(2/85)
ولقد شُبّهت الصلاة بعمود الخيمة " الصلاة عماد الدين" وفي رواية أخرى " الصلاة عمود الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين" "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" والعلماء انقسموا في حُكم تارك الصلاة فمنهم من قال من تركها متعمّداً منكراً لها فقد كفر أما من تركها متكاسلاً فهو فاسق وسواء كان فاسقاً أو كافراً فكلاهما في خطر. وعلى الانسان أن لا يسوّف ويبادر إلى الصلاة لأننا بغيرها نكون بلا قيمة فهي التي تحفظنا.
جمع الصلوات (حافظوا على الصلوات) وإفرادها (والصلاة الوسطى)
الصلاة أهم ركن ولها ثلاثة أحوال وعلى هذه الأحوال يترتب العقاب:
شخص غير معترف بالصلاة حُكمه كافر خارج عن المِلّة عقابه جهنم (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28) النبأ)
شخص معترف بالصلاة لكنه متكاسل عنها حُكمه فاسق أو عاصي وعقابه في الآخرة سقر وهو واد في جهنم (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) المدثر)
شخص يصلي ويسهى ويصلي فرضاً ويترك آخر أو يجمع كل الصلوات في وقت واحد أو يؤديها متقطعة عقابه في الآخرة ويل وهو واد في جهنم (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الماعون).(2/86)
فترك الصلاة عاقبته وخيمة وأمره خطير جداً والرسول ? لن يشفع يوم القيامة لتارك الصلاة وإنما سيشفع لمن استحق الشفاعة ولن تنفع تارك الصلاة شفاعة الشهداء والصديقين والصالحين (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)) فعلى كل تارك للصلاة أن يبادر ويسارع بالتوبة ويبتعد عن التسويف لأن الأمر في منتهى الخطورة "اغتنموا خمساً قبل خمس: صحتك قبل مرضك، حياتك قبل موتك، فلاغك قبل شغلك، شبابك قبل هرمك، دنياك قبل آخرتك" والناس يوم القيامة ستندم على ساعة مرت عليهم لم يذكروا الله تعالى أو يقوموا بعبادة لله أو يتنافسوا في طاعة الله وفي الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما من أحد مات إلا ندم قالوا وما ندامته يا رسول الله؟ قال يندم المسيء على إساءته ويندم المحسن على أنه لم يستزد من إحسانه". ويقول تعالى في الحديث القدسي : " يا ابن آدم خلقتك بيدي وربّيتك بنعمتي وأنت تهجرني وتعصيني فإن هجرتني وعصيتني حلمت عليك حتى تتوب لإغن تبت إلي قبلتك فإن قبلتك غفرت لك فإن غفرت لك أدخلتك الجنة وأنجيتك من النار فمن أين تجد لك رباً مثلي وأنا الغفور الرحيم".
الذي لا يصلي لا يؤتمن على زوجته وعائلته وأولاده.
*ما دلالة قوله تعالى ( الصلاة الوسطى)؟(الشيخ خالد الجندي)
((2/87)
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) سورة البقرة آية 238،بلغ عدد تفسيرات العلماء لمعنى الصلاة الوسطى حوالي 32 تفسيراً منهم من قال أنها صلاة العصر ومنهم من قال الجمعة ومنهم من قال أنها صلاة كانت مفروضة سابقاً وهناك مدرستين في التفسير مدرسة أهل الفقهاء ومدرسة أهل الحديث فالفقهاء قالوا أنه صلاة الفجر مستندين إلى حديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها وأهل الحديث يقولون إنها صلاة العصر مستندين إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني قريظة "شغلونا عن صلاتنا الوسطى" إنما يوجد رأي آخر يقول إن الصحابة لم يسألوا عن هذه الآية فاعتبروا أن كل صلاة هي صلاة وسطى فهؤلاء سمعوا وفهموا وطبّقوا بدون اعتراض ولا جدل. وبعض العلماء يقولون أنه بما أن عدد الصلوات في اليوم خمسة والله تعالى يقلّب الليل والنهار أي أنه لا توجد نقطة ابتداء أو انتهاء كالدائرة فتكون صىة الفجر هي الوسطى بين العشاء والظهر (أي الليل والنهار) والظهر وسطى بين طرفي النهار (الصبح والعصر) والعصر وسطى بين وقتي الليل والمغرب وسطى بين طرفي الليل والعشاء وسطى هذا من حيث الترتيب وبعض الناس قالوا وسطى من حيث الوصف فهي تفيد الأفضلية والخيرية والفضيلة هي وسط بيم رذيلتين فالشجاعة فضيلة بين التهور والجُبن والكرم فضيلة بين الاسراف والبخل والتدين وسط بين الافراط والتفريط ولهذا قال تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) فالوسطية تركز للفضيلة فالصلاة الوسطى هي الصلاة الفاضلة.(2/88)
وفريق آخر من العلماء قال أها صلاة أخفاها الله تعالى لفضيلة خاصة تتحرك بين الصلوات حرص الله تعالى على إخفائها حتى يتحرك الناس ويحافظوا على الصلوات كلها كما أخفى تعالى إسمه الأعظم حتى لا يترك الناس باقي أسمائه الحسنى وكما أخفى ليلة القدر حتى يجتهد الناس في كل ليالي رمضان وكما أخفى ساعة الاستجابة في يوم الجمعة حتى يتحرك الناس بالعبادة والدعاء طوال اليوم. فأخفى الله تعالى هذه الصلاة لأنها تنتقل وتتعدد بين الأوقات فقد تكون الصبح اليوم والعصر في الغد وهكذا حتى ينتظم الانسان في صلاته كلها فيكون من السعداء والعتقاء من النار يوم القيامة.
فريق آخر قال أن الآية فيها جمع وإفراد فهي تدل على الفروض (الصلاة) والنوافل (الصلوات) .
آية (239):
*ما الفرق فين إستعمال إذا وإن فى قوله تعالى (فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (239) البقرة)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
تأمل هذا اللفظ الإلهي وانظر كيف يسوق لك الأمان والاطمئنان، ألم تر كيف جاء ربنا بالأمن بـ (إذا) فقال (فإذا أمنتم) وجاء بالخوف بـ (إن) (فإن خفتم)؟ فهذا بشارة لنا نحن المسلمين بأن النصر والأمن سيكون لنا مهما طال أمر الفزع والخوف ولكن من أين نفهم هذا المعنى؟ نفهمه من استعمال (إن) و(إذا) في الآية. فـ (إن) تستعمل في الشك والتقليل فأدخلها ربنا تعالى على الخوف وتستعمل (إذا) لليقين والقطع فاستعملها ربنا مع الأمن.
آية (240):
* انظر آية (234).???
آية (242):
* انظر آية (187).???
آية (243):
*ما الفرق بين (ولكن أكثر الناس لا يشكرون)و(ولكن أكثرهم لا يشكرون)؟ (د.أحمد الكبيسى)(2/89)
رب العالمين دائماً يتكلم عن نعمه أو أفضاله على الناس (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (243) البقرة) ومرة يقول (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ {60} يونس) ، في حياتنا اليومية عندما يكون هنالك شخص تحترمه أو من أقاربك المحترمين أبوك عمك خالك تحترمه أو تحبه أو ذو فضلٍ عليك تقول هذا عمي فلان أو جاء عمي فلان وراح عمي فلان فأكثر من مرة تذكر اسمه وإذا شخص مهين أو تحتقره أو لا شأن له تقول هذا والله هذا راح وهذا جاء فتشير له بعدم اكتراث. فرب العالمين أحياناً حين يتكلم عن عباده الصالحين يقول (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) صح أنهم لا يشكرون ولكنهم عباده مؤمنين بالله وموحدون طيبون كرماء لكن عندهم أخطاء وطبيعة شكرهم لله ليست واضحة، عبادة الشكر من أعظم العبادات وقليلٌ منا من يحسنها، الشكر هذا باب هائل الله قال (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ {13} سبأ) وقليلُ فأنت لست من القليل.(2/90)
رب العالمين يقول (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ {243} البقرة) هؤلاء ناس مسلمين مؤمنين موحدون. حينئذٍ قال (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) وهؤلاء ناس وكلمة ناس عند العرب أي وجهاء الناس ولهذا لما صارت معركة بدر والمسلمون قتلوا وجهاء قريش فواحد من المسلمين فرح بهذا الانتصار العظيم قال لقد ذبحنا خرافاً فالنبي قال له يا بني إنهم الناس فهؤلاء وجهاء القوم. فرب العالمين لما تكلم عن عباده الضالين عندهم أخطاء لكنهم عباده فهو مؤمن موحد لله عز وجل كحالنا جميعاً لكن إذا تكلم عن ناس كفرة قال (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) منهم هؤلاء المشركين فكلما رب العالمين استعمل وانظر إلى الذي قاله فرعون (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ {52} الزخرف) موسى من أولي العزم يقول فرعون عنه (أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) وحتى إبليس قال (أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ {62} الإسراء) على آدم فكلمة هذا وهم الضمائر تستخدم للشخص الذي لا يعجبك يعني تستهين به. فحينئذٍ إذا كان الحديث عمن يحبهم الله قال (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) وهؤلاء ولولا لا يشكرون ولكن الله يحبهم لأنهم موحدين أما إذا قال (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) من هؤلاء الناس الذي أنت لا تريد أن تذكرهم وهذا شأن العباد جميعاً في مثل هذه القضية.
*في بعض الآيات الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم بصيغة (ألم تر) والرسول لم يراها فما دلالة هذا الخطاب؟( د.فاضل السامرائى)
((2/91)
ألم تر) في اللغة العربية تأتي بمعنيين. الأول: السؤال عن الرؤية البصرية والرؤية القلبية، ألم تر خالداً اليوم؟ ألم تر الأمر كما أراه؟، هذا معنى، والمعنى الآخر معناها ألم تعلم ألم ينتهي علمك؟ للتعجيب. هذه الصيغة تأتي للتعجيب سواء رآه أو لم يسبق له رؤيته. إذن هي للتعجيب مثل (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ (19) الملك) ألم تعجب من هذا؟ ألم تعجب مما يفعله الرحمن؟ هم يرون. (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) الشعراء) هذه رؤيا مشاهدة لكن فيها تعجيب. (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ (243) البقرة) ألم ينتهي علمك؟ ألم تسمع منهم؟ ألا تتعجب من أولئك؟ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ (258)البقرة) إقرأ الحوار بينهم ألا تعجب من هذا المتكبر وكيف كان يحاوره إبراهيم؟. هذا التركيب في العربية له دلالتان (ألم تر إلى) إما الرؤية البصرية أو القلبية وإما ألم ينتهي علمك؟ ألم تعجب؟ يعجّبه من الحالة التي يذكرها (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى (246) البقرة) هي للتعجيب والقصد منها التعجيب يلفت نظر السامع الذي يحدثه والمخاطب إلى أمر يدعو إلى التأمل والعجب من الحالة أو من قدرة الله أو ما إلى ذلك.
* ما الفرق بين آلآف وألوف (وهم ألوف) في القرآن؟( د.فاضل السامرائى)(2/92)
آلآف من أوزان القِلّة، جمع قلة. (أفعال) من أوزان القِلّة: أفعُل، أفعال، أفعِلة، فِعلة. من أوزان القِلّة وألوف من الكثرة. لذلك قال ربنا سبحانه وتعالى (أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124) آل عمران) لأن القلة من الثلاثة إلى العشرة فإن تجاوزها دخل في الكثرة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ (243) البقرة) قال بعضهم قطعاً أكثر من عشرة آلآف وقسم أوصلهم إلى أربعين ألفاً. آلآف إلى حد العشرة جمع قلة، ألوف ما تجاوز العشرة وهي جمع كثرة.
آية (245):
*في سورة البقرة قال تعالى (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)) وفى الحديد قال (فيضاعفه له وله أجر كريم) واختلفت خاتمة الآيات فما الفرق بين الآيتين؟( د.فاضل السامرائى)(2/93)
أولاً في سورة البقرة قال تعالى (فيضاعفة له أضعافاً كثيرة) وفي الحديد ذكر المضاعفة مع الأجر (فيضاعفه له وله أجر كريم) زاد هنا بالأجر الكريم وهو الحسن البالغ الجودة. في البقرة ما قال هكذا وقال فقط (أضعافاً كثيرة) هنا مكان الأضعاف الكثيرة قال (فيضاعفه له وله أجر كريم) هذه زيادة. الفرق في البقرة ذكر الكمّ ولم يذكر الكيف (اضعافاً كثيرة) وفي الحديد ذكر الكمّ (فيضاعفه له) وذكر الكيف (وله أجر كريم) ذكر أمرين. أما في البقرة فذكر الكمّ فقط وفي الحديد ذكر الكمّ والكيف: المضاعفة والأجر الكريم. وذكرنا بأن سورة الحديد مطبوعة بطابع الإيمان والانفاق، هذا أمر. والأمر الآخر أنه قال في سورة البقرة (وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ) يقبض معناه يضيّق الرزق ويمسك هذا في الدنيا. محتمل إذن الشخص يناله قبض أو بسط، صاحب المال محتمل أن يصيبه قبض فهذا الذي يصيبه القبض والتضييق في الرزق يحتاج إلى المال ولذلك لما قال تعالى يقبض ويبسط هذا محتاج إلى المال فقال (فيضاعفه له أضعافاً كثيرة) فأنت أنفِق حتى لا يصيبك القبض وحتى يأتيك البسط. هذا من باب تبصيره في الأمر يقول له: أنفِق حتى لا يصيبك القبض وحتى يُبسط لك فقال (فيضاعفه له أضعافاً كثيرة) لأنه يحتاج إلى المال. أما في سورة الحديد فليس فيها تهديد بالقبض أما في آية البقرة ففيها تهديد بالقبض فقال تعالى في الحديد (فيضاعفه له وله أجر كريم). وفي سورة البقرة قال تعالى في آية أخرى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) البقرة) في مقام التكثير فناسب التكثير التكثير في السورة.(2/94)
* قال تعالى (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) فهل هناك قرض سيئ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر كيف وصف الله سبحانه وتعالى القرض بالحسن لأن الله تعالى مطّلع على القلوب ولا يقبل الله تعالى إلا المال الحلال الصرف ولا يرضى بالمال إلا إذا كان نقياً خالصاً من شوائب الرياء والمنّ.
*ما فائدة حسناً بعد قرضاً؟( د.فاضل السامرائى)(2/95)
ذكرنا سابقاً القرض الحسن. وللعِلم أنه لم يذكر القرض إلا وصفه بالحسن في جميع القرآن. ذكرنا في حينها ما المقصود بالقرض الحسن: في الشخص أن يكون من دون منٍّ، عن طيب نفس وبشاشة وجه، وفي المال ينبغي أن يكون في المال الحلال الطيب الكريم وأن لا يبتغي الخبيث (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ (267) البقرة) ثم في الجهة أن يتحرى أفضل الجهات، هذا القرض الحسن. القرض الحسن يكون له صفات في المقرِض وصفات في المال وصفات في الجهة، هذا هو القرض الحسن يكون من كريم المال وحلاله ويكون من دون منّ ويكون في أفضل الجهات التي فيها نفع للمسلمين ولذلك لا تجد في القرآن إلا وصفه بالحسن، القرض بالذات. أيضاً لا تجد القرض إلا لله. الصدقة أطلقها لكن القرض لم يأت إلا قرضاً حسناً ومع الله تعالى (أقرضوا الله قرضاً حسناً) حتى يفرق بين القرض الذي هو في المعاملات والقرض الذي هو عبادة مع الله. هنا الإقراض قد يكون بين الناس في المعاملات وهنا المقصود العبادات ولذلك دائماً يقول وأقرضوا الله. لو قال أقرضوا لم تختص بالعبادة وإنما بالمعاملة بين الناس ولذلك الصدقة دائماً عبادة أما الإقراض فليس دائماً عبادة فقد يكون في المعاملة والتعامل بين الناس ليس له علاقة بالعبادة. ولذلك في القرآن هنالك أمران أنه وصف القرض بالحسن والآخر أنه لله تعالى. هذان الأمران في جميع القرآن لم يرد الإقراض إلا بهذين أنه حسن وأنه لله تعالى فقط ولهذا ثوابه من الله عز وجل يضاعف له.
* ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (قرضاً حسناً) ؟(د.فاضل السامرائى)(2/96)
قسم ذهب إلى أن الصدقة غير القرض. قسم قال القرض هو تطوع والصدقة في الواجب. ربنا تعالى سمّى الزكاة صدقة لكن هي ليست مقصورة على الزكاة وإنما هي عبادة عامة (المال) ومنها الزكاة لكن قسم من الصدقة هو فروض كصدقة الفطر وبعض الصدقات كالكفارات هذه فروض والزكاة فرض. فقسم قال الإقراض المذكور هو من باب التطوع ولا يدخل في باب الفروض. المصدّقين قد يدخل فيها الفرض. وقسم قال القرض هو أعمّ من الصدقة يدخل في الفروض وغير الفروض. فإذا كان الأمر كذلك فهو من باب عطف العام على الخاص إذا كان القرض هو أعم من الصدقة (ما كان تطوعاً وغير تطوع) أي الصدقة في عمومها يصير أعم من الصدقة فعند ذلك إذا كان الأمر كذلك أي إذا كان القرض عموم الصدقة فتكون أعم من الصدقة فيكون من باب عطف العام على الخاص. وقسم يقول لا هي تطوع الصدقة هي في الفروض والقرض هو في التطوع والذي يبدو لي - والله أعلم- أن القرض في التطوع ويختلف عن الصدقة بدليل أنه فيما أظن أن القرض هو في صدقة التطوع نلاحظ أن القرآن الكريم يذكر القرض الحسن بعد الزكاة في مواطن وقد يأمر به بعد الأمر بالزكاة كما في قوله (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا (12) المائدة) ذكر الزكاة ثم ذكر القرض الحسن، الزكاة فرض فقال بعدها (وأقرضتم الله). وفي آية أخرى قال تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا (20) المزمل) هذا أمر. يبدو لي أنه لما عطفها على الزكاة والزكاة فرض صار القرض من باب التطوع، من باب المندوبات وليس كل المندوبات فروض لكن علمنا أن الزكاة فرض وعطفها على الزكاة فلا يأخذ نفس الحكم لأنه ليس بالضرورة أن يأخذ المعطوف نفس الحكم خاصة في المندوبات فقد يكون عطف مندوب على فرض.(2/97)
ثم تسميته (قرض) المُقرِض ليس ملزماً بالإقراض. القرض في اللغة إعطاء مال تحديداً. القرض إعطاء مال ويتوقع إسترداده أما الزكاة فلا تُردّ. لما قال المصدقين والمصدقات الصدقة لا تُردّ، المقرِض عندما يُقرِض شخصاً المفروض أن يرد عليه قرضه. لذلك لما قال تعالى (من ذا الذي يقرض الله) رب العالمين سيرده عليه بأضعاف كثيرة (فيضاعفه له). تسميته قرضاً المقرِض ليس ملزماً بالإقراض إذا أردت الاقتراض من أحد فهو ليس ملزماً بإقراضك فلما قال ربنا (قرض) معناه أنه ليس ملزماً، معناه أنه من باب التطوع. وبخلاف التصدق لأن منه ما يلزم. وقال تعالى في أكثر من موضع (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً) كأنه من باب الترغيب. فتسميته قرض توحي والله أعلم بأنه ليس من باب الفروض وحتى طبيعة قوله تعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً) من باب الترغيب وليس من باب الإلزام.
((2/98)
قرضاً) أحد أمرين: إذا كان المقصود مال تحديداً يكون مفعولاً به وإذا كان مصدراً فيكون مفعولاً مطلقاً. ما المقصود بالقرض في (قرضاً)؟ هل هو مال؟ إذا كان مالاً يكون (قرضاً) مفعولاً به (أقرضتك مالاً) وإذا كان مصدراً يعني أقرضتك إقراضاً حسناً يكون مفعولاً مطلقاً ويصير حدثاً. المصدر أقرض إقراضاً وليس قرضاً. المسألة أن قرض مصدر قَرَض وقَرَض وأقرض كلاهما بمعنى واحد ثلاثي ورباعي وأحياناً نأتي بالمصدر، نأتي بالفعل وتأتي بمصدر فعل آخر كما في قوله تعالى (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) نوح) لم يقل إنباتاً وقال في مريم عليها السلام (وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا (37) آل عمران) المفروض أن يقال إنباتاً، لكن هذا يكون لغرض. إذا كان الفعلان بمعنى واحد قرض وأقرض أو حتى لم يكونا بمعنى واحد يكون لغرض آخر مثل قوله تعالى (وتبتل إليه تبتيلا) المفروض تبتّلاً. تبتيل مصدر بتّل وبتل غير تبتّل تماماً والمعنى مختلف. ليجمع المعنيين يأتي بالفعل للدلالة ويأتي بالمصدر من فعل آخر من دلالة أخرى فيجمع بينهما حتى يجمع المعنيين. فبدل أن يقول: وتبتل إليه تبتلاً وبتّل نفسك إليه تبتيلاً يقول (وتبتل إليه تبتيلاً) فيجمع المعنيين وهذا من أعجب الإيجاز. هذه الآية (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) المزمل) فيها أمور في غاية الغرابة في الإيجاز. في مريم قال (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا (37) آل عمران) لم يقل إنباتاً لأنه لو قال إنباتاً هو الله تعالى أنبتها فالمنبِت هو الله تعالى لم يجعل لها فضلاً لكن أنبتها فنبتت نباتاً حسناً جعل لها من معدنها الكريم قبول هذا النبات وأنبتها فنبتت نباتاً حسناً أي طاوعت هذا الإنبات فجعل لها قبول، فجعل لها فضل في معدنها الكريم.(2/99)
بينما لو قال إنباتاً لم يجعل لها فضلاً رب العالمين أنبتها يفعل ما يشاء، لكن نباتاً جعل لها فضلاً، هي نبتت وجهل لها فضلاً فنبتت نباتاً حسناً فجعل لها في معدنها قبول لهذا النبات فنبتت نباتاً حسناً.
*ما الفرق بين خواتيم الآيتين (وإليه ترجعون) (وله أجر كريم)؟( د.فاضل السامرائى)
في سورة البقرة قال تعالى (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)) وهنا قال (وله أجر كريم). أصلاً سورة البقرة واقعة في سياق القتال والموت (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (243)) بعدها قال (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)) الإقراض معلّق على نية تجهيز الجيوش (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ (246)) الآيات في الموت والقتال والموت والقتل مظنّة الرجوع إلى الله تعالى فقال (وإليه ترجعون) مناسبة للموت والقتال. أما في سورة الحديد فالكلام في الإنفاق وليس في الموت والقتال.(2/100)
أما في سورة البقرة فجاءت في سياق الموت والقتال (فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ) ماتوا أي رجعوا إلى الله والموت والقتل مظنة الرجوع إلى الله تعالى فقال (وإليه ترجعون) ولما كان في مقام مظنة الرجوع إلى الله قال (وإليه ترجعون) ولما كان الكلام ليس في هذا السياق في سورة الحديد قال (وله أجر كريم).
*ما الفرق بين إستعمال (وإليه ترجعون) و(إليه تحشرون) وما دلالة كل كلمة في القرآن؟(د.حسام النعيمى)
الآية الأولى تتكلم على الجانب المالي (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) البقرة) والآية الأخرى (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الملك). لما كان الكلام على المال، على القرض، والمال يذهب ويجيء، الله سبحانه وتعالى يقبضه ويبسطه فيناسب الكلام على البسط والقبض الذهاب والإياب، ذهاب المال وإياب المال يناسب كلمة الرجوع، أنتم وأموالكم ترجعون إلى الله لأن فيها قبض وبسط ففيها رجوع.أماالحشر إستعمله مع ذرأ لأن ذرأ بمعنى نشر، يذرؤكم في الأرض أي يبثّكم وينشركم في الأرض. هذا الذرء والبثّ يحتاج إلى جمع أن يُجمع والحشر فيه معنى الجمع. فإليه ترجعون كأنما هذا الرجوع لكن ليس فيه صورة لمّ هذا المذروء المنثور فالذي يناسب الشيء المنثور الموزع في الأرض كلمة الحشر وليس الرجوع صحيح الرجوع كله إلى الله سبحانه وتعالى. واللفظة المناسبة لـ (ذرأكم في الأرض) أي بثّكم كلمة تحشرون .
*انظر آية (247).
آية (246):
*(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ (246) البقرة) لِمَ قال ربنا الملأ عن بني إسرائيل ولم يقل إلى قوم بني إسرائيل أو الجمع من بني إسرائيل؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(2/101)
هذا من بديع القرآن واستعمالاته المعجزة ولو عدنا إلى معنى الملأ ومعنى القوم أو الجمع لعلمنا سبب اختيار هذا اللفظ دون غيره فنحن نعلم أن بني إسرائيل كانوا خارجين على حدود الله ولم يشذ أحد منهم فناسب هذا الإجتماع المطلق على الرأي استعمال كلمة الملأ التي تعني الجماعة الذين أمرهم واحد. ألسنا نقول تمالأ القوم عندما نقصد جماعة اتفقت على شيء؟ وهذا المعنى لا تفيده إلا كلمة الملأ.
آية (247):
*ما الفرق بين (بسطة) بالسين و (بصطة) بالصاد ؟ (د.فاضل السامرائى)
العجيب توسيع مساحة المعنى في اللغة العربية مثل بسطة وبصطة (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ (247) البقرة) بالسين و(وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً (69) الأعراف) بالصاد، هذا واحد وهؤلاء قوم، هي أصلها بالسين وأحياناً تبدل والصاد أظهر وأقوى كما يقول النحاة، هذا لقوم وهذا لواحد فقال بسطة وبصطة، (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ (26) الرعد) لما ذكر الرزق قال يبسط وقال (وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ (245) البقرة).
آية (248):
*(إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {248} البقرة) ما معنى الآية؟(د.أحمد الكبيسى)(2/102)
رب العالمين سبحانه وتعالى جعل كل سعد وخير بني إسرائيل في تابوت، صندوق كبير مستطيل فيه آثار موسى وهارون عمامة هذا ونعال ذاك والعصا والشعر والأظافر وكثير من الأمور في تابوت أي في صندوق كبير وكان بنو إسرائيل يتبرّكون بهذا التابوت وكلما حاربوا أعداءهم من الوثنيين والملحدين قدموا التابوت بين أيدي الجيش فينتصر الجيش. ثم استطاعت العماليق وهم أعداؤهم أن يسرقوا هذا التابوت 500 سنة وظل العماليق يُشبِعون بين إسرائيل ضرباً وانتصاراً وخسارة ولهذا كان اليهود وكان بنو إسرائيل ما أن يقاتلهم العدو إلا ويُهزَمون لأن التابوت ذهب حتى أرسل الله لهم نبياً وقال (إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {248} البقرة) فبهذا جاء نبي لابد له من معجزة وبنو إسرائيل لا يصدقون بسهولة (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ {247} البقرة) قالوا ما هذا؟ نحن لا نقبل فيه قال لا بأس معجزته أن الله سوف يأتي بالتابوت بين يديه قالوا مستحيل وفعلاً جاءت الملائكة تحمله هم ما كانوا يرون الملائكة فقط سيدنا طالوت هو الذي كان يراهم فكانت الملائكة تحمل التابوت وإذا به طائر وحده حتى وضعوه بين يدي طالوت فآمن به بنو إسرائيل وبقي بنو إسرائيل ينتصرون على العماليق وغيرهم ببركة هذه الآثار آثار موسى كما هو الأمر في سورة البقرة سورة تحمل معنى آخراً.(2/103)
ولأهمية الآثار أقول لك شيء كل من ذهب إلى الحج ورأى آثار النبي صلى الله عليه وسلم أو آثار المواقع أو ذهب إلى بدر أو إلى أحد والله يتضاعف إيمانه أضعافاً مضاعفة إلى حد أنه يبكي بينما الآن عندما تذهب إلى أي مكان من هذه الآثار لا ليس كلها مُسِخت على أساس والله حتى الناس لا يشركون ورب العالمين يقول (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ) انظر خيراً وشراً يقول (فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا) وحينئذٍ هذه الآثار للخير وللشر، للشر لكي تحمد الله على العافية وللخير لكي تحمد الله على الإيمان من أجل هذا إن زيارة الآثار عبادة عظيمة.
*لماذاوردت كلمة بقيت في سورة البقرة مكتوبة بالتاء (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248) فهل جاء لها رسم بالهاء؟(د.حسام النعيمى)(2/104)
كلمة (بقية) وردت في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم: في سورة البقرة (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248) هذه رسمت بالهاء أو التاء المربوطة كما يقال، في سورة هود (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ (116)) رسمت بالهاء وفي السورة نفسها (بَقِيَّتُُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86)) وردت بالتاء. هذا راجع إلى مسألة رسم المصحف.
خط المصحف توقيفى نحن لو تأملنا في هذا المرسوم وفي إختلافاته ليس من السهل أن نجد ضابطاً لذلك ولهذا نقول الراجح أنه كان بسبب عدم إستقرار الخط. فيكتبونها مرة بالتاء ومرة يكتبونها بالهاء، غير مستقرة. وهناك من يقول هناك أسرار ونحن لا نعرف هذه الأسرار. مثل كلمة (رحمت) بالتاء الطويلة وكتبت (رحمة) بالتاء المربوطة.
آية (249):
*ما دلالة الظنّ في قوله تعالى (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )؟( د.فاضل السامرائى)(2/105)
قال تعالى (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {249}) الظن عند أهل اللغة درجات ويترفع إلى درجة اليقين. والظن هو علم ما لم يُعاين (أي علم ما لا تبصره) لا يمكن أن نقول مثلاً: ظننت أن الحائط... فهما كان متيقناً لا يضن مكر الله فالظنّ أبلغ من اليقين هنا يوقن باليوم الآخر لكن هل يمكن أن يوقن أنه يلقى ربه على ما هو عليه من إيمان. بالطبع لا يمكن.
* ما اللمسة البيانية في قوله تعالى في سورة البقرة (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) ولماذا جاءت صيغة الطعام مع النهر الذي فيه شراب؟( د.فاضل السامرائى)
أولاً ما معنى طعِم؟ لها في اللغة دلالتان فتأتي بمعنى أكل أو ذاق نقول عديم الطعم أي المذاق.
ليس بالضرورة أن تكون طعِم بمعنى أكل لأنها كما قلنا تأتي بمعنى ذاق. وقوله تعالى (فمن لم يطعمه) لا تعني بالضرورة أنه أكل لكن لماذا اختار ومن لم يطعمه ولم يقل ومن لم يشربه؟
قال تعالى (فمن شرب منه فإنه مني) لأن الماء قد يُطعم إذا كان مع شيء يُمضغ: شيء تمضغه تشرب ماءً فأصبح يُطعم الآن فهذا ممنوع لأنه لو قال لم يشربه جاز أن يطعمه مع شيء آخر يعني يأكلون شيئاً ويمضغون فيشربون الماء بهذا يكون انتفى الشرب لكن حصل الطعم فأراد تعالى أن ينفي هذه المسألة.
(فمن شرب منه فليس مني): شراب فقط بدون طعام كما نشرب الماء.
(لم يطعمه): لو قال لم يشربه جاز له أن يطعمه فأراد أن ينفي القليل وبالتالي ينفي الكثير.(2/106)
إلا من اغترف غرفة بيده: هذه استثناها (غرفة بيده) ولو قال يطعمه لم تستثنى هذه يكون له ما يشاء. لكن ألا تدخل هذه في نطاق الطعام؟ إنه يطعم الماء ليتذوقه الآن تذوقه بهذا القدر ليس له الزيادة التي أباحها الله فيه ولو قال لم يطعمه اتّسع القدر يأكل مع الطعام.
* ما دلالة استخدام (نَهَر) في الآية (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ (249) البقرة) ولم يقل نهْر؟( د.فاضل السامرائى)
هما لغتان نهَر ونهْر والقرآن استعمل نَهَر ولم يستعمل نَهْر أبداً، ما استعمل كلمة نهْر. والنَهَر جمع أنهار ويستعمل أحياناً الجنس الواحد على الكثير. النَهَر واحد الأنهار والنهْر واحد الأنهار أيضاً.
* ما الفرق بين الطاقة والقِبَل (قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ (249) البقرة) و (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا (37) النمل)؟( د.فاضل السامرائى)
الطاقة القدرة والقِبَل القدرة على المقابلة والمجازاة على شيء تقول أنا لا قِبَل لي بكذا ولذلك (لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا) أي لا قدرة لهم عليها، لا قدرة لهم على المقابلة، لا قدرة لهم على مقابلتها بينما هم أصحاب قوة. (لا قبل لهم بها) هذا كلام سليمان، جماعة بلقيس قالوا (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ (33)) أي عندهم قوة وعندهم بأس في الحرب يستطيعون المقابلة. (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا) أي لا يستطيعون أن يقابلونا من البداية.أما في الثانية (قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ) أي ليس عندنا قوة ولا قدرة أصلاً. الأولون قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده هم اصلاً ليس عندهم قوة.
*ما الفرق بين الظن واليقين؟وما دلالة (يظنون) فى الآية؟ (د.فاضل السامرائى)(2/107)
اليقين ترتقي إلى درجة العلم، نذكر مثلاً في القرآن الكريم (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) الحاقة) هل كان شاكّاً؟ لا. (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ (249) البقرة) يظنون يعني موقنون بلقاء الله تعالى. الظنّ درجات هو هكذا يعتري من دون أي دليل يظن ثم يقوى بحسب الأدلة إلى أن يصل إلى اليقين لكن أهل اللغة يقولون أن الظن هو علم ما لم يُبصر ما يقول ظننت الحائط مبنياً الأشياء التي تُرى وتُبصر لا يقال ظنّ، الظن علم ما لم يُبصر أنت توقن لكن ليست الأشياء المبصَرة لا تقول أظن أن الحائط مبنياً وهو أمامك لا يصح هذا التركيب لكن تقول أظن أن وراء الحائط فلان، هذا أمر آخر يجوز فيه الظن لكن شيء تبصره وتقول أظنه هذا لا يصح ولذلك هم قالوا الظن درجات حتى يصل إلى اليقين.
آية (250):
*قال تعالى (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) البقرة) تقول أفرغت الماء في الإناء إذا صببته فلِمَ عبّر ربنا سبحانه وتعالى عن الصبر بالإفراغ فقال (أفرغ علينا صبراً) ولم يقل صبِّرنا أو اجعلنا صابرين؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن التعبير عن طلب الصبر بقوله (أفرغ علينا صبراً) فيه إبداع وجمال ساحر لأن إفراغ الصبر يدل على المبالغة في صبر الداعي لصفة الصبر وذلك أن الإفراغ معناه الصبّ وإذا صببت الشيء أو أفرغته فقد ملأت المفرَغ فيه وإذا أُفرِغ الصبر في قلوب المؤمنين الداعين فهذا يعني أن القلوب قد ملئت صبراً حتى غدت وعاءً له.
آية (251):
((2/108)
وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة) - (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج)ما الفرق بين الآيتين؟(د.أحمد الكبيسى)(2/109)
نبدأ هذه الحلقة بهذه الآية (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة) سورة البقرة 251 وفي سورة الحج 40 نفس الآية (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج) ماذا تحكي لنا هاتان الآيتان؟ تحكي لنا كيف أن الله عز وجل أراد أن يحفظ فطرته التي فطر عليها هذا الكون.(2/110)
هذا الكون فطره الله على النظافة نظافة البيئة ثم جاء الإنسان فلوّث هذه البيئة (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم) إن الله عز وجل خلق الإنسان على الفطرة كل مولود يولد على لا إله إلا الله بطبيعته بقوانينه يخلقه الله عز وجل وهو يوحّد الله ثم تأتي الدعاوى والوثنيات ممن يدّعون أنهم رجال دين (إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) الأحزاب) وهكذا رب العالمين عز وجل فطر هذه الأرض والتعايش عليها على الأمن، أنعم على كل سكان هذه الأرض بالأمن ولكن الإنسان بعد ذلك هو الذي يأتي على هذا الأمن فينهيه ويجعل الخوف مكانه بالطغيان والطمع والاستحواذ وهكذا في الحالتين رب العالمين يقول (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) إذاً كيف رب العالمين يحفظ أمن هذه الأرض؟ وما هي هذه الوسائل التي يحفظ الله بها هذه الأرض؟ يحفظها بأسلوبين وأنتم تعرفون أن الله سبحانه وتعالى له وسائل وأسباب الأسلوب الأول هو أن الله لا يترك قوة تستبد بالعالم كل قوة إذا انفردت بالعالم يوماً بعد يوم سنة بعد سنة يغريها انفرادها بالعالم بأن تظلمه وأن تستحوذ عليه وأن تظلم وتذل شعوب الأرض وأن تقتلهم وأن تشردهم وأن تغتصب أراضيهم كما هو الحال في التاريخ كله.(2/111)
في الآية الأولى تتكلم عن حكم الطغاة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) لذهب أمنها وسلامها الأمن العالمي والسِلم العالمي الذي أراده الله لهذه الكرة الأرضية حفظه الله عز وجل بأن ما جعل قوة واحدة تستبد بالأرض فتملأ هذه الأرض ظلماً وطغياناً وإنما جرت سنة الله سبحانه وتعالى أن تكون هناك قوتان متنافستان وحينئذٍ كل منهما تلجم طغيان الآخر وجموحه وكل منهما تحاول أن تظهر بمظهرٍ إنساني إذا اعتدي على دولة أو شعبٍ ضعيف وهذا ما جرى في التاريخ كله من آدم إلى أن تقوم الساعة هذه سُنة الله في خلقه. حدث في التاريخ أن استبدت قوة واحدة في الأرض فعاثت فيه الفساد حينئذٍ بما أنه ليس هناك قوة أخرى تلجم هذه القوة وتكف شرها عن الناس حينئذٍ يتدخل الله عز وجل بإسقاط هذه القوة الواحدة باللامعقول لأن الله سبحانه وتعالى إذا تدخل فإنه لا يتدخل بالمعقول يتدخل باللامعقول وهذا أمر الله عز وجل.(2/112)
سيدنا إبراهيم عندما كُتِّف من دولة عظيمة يحكمها النمرود الباطش ثم كتفوه وألقوه في النار ليس هناك أي وسيلة أخرى إلا أن يتدخل الله باللامعقول قال (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) الأنبياء) من يملك هذا إلا الله؟ وهكذا كل ما جرى في التاريخ سيدنا موسى وقومه ضعفاء مساكين هذا فرعون استبدت قوته في الأرض (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف) ثم هرب موسى وقومه مئات الآلاف وخلفهم ملايين وإذا بفرعون يسد الأفق خلفهم والبحر أمامهم قال (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)الشعراء) لكن كيف لا أعرف إذن إن الذي سيحدث من اللامعقول (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) الشعراء) اللامعقول، النمرود (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ (258) البقرة) ماذا يعني؟ حينئذٍ هذا النمرود له جيش كبير يسد الأفق ويغزو كل يوم قوماً يذلهم ويسترقهم ويسرق أموالهم والناس يخافون منهم أرسل الله إليه بعوضة تدخل في أذن الجندي فيظل يخبط رأسه بالحائط إلى أن يموت فهذا من اللامعقول. وهكذا حيثما وجدت قوة تستبد في الأرض وتظلم الناس وعادة ما تستبد قوة في الأرض إلا وتظلم الناس حتى لو بدت في البداية فاضلة لماذا؟ هو السلطان يغري الانفراد في السلطان واستضعاف الضعفاء يغري الآخرين كما يقولون المصريين في أمثالهم المال السايب يعلم السرقة فالشعب الخانع الضعيف وعنده ثروات وعنده أموال يغري أي قوة غاشمة بأن تأخذه كما هو الحال في الدنيا كلها.(2/113)
إذاً رب العالمين عز وجل الإسلوب الأول أنه يهيء لقوة كبيرة في العالم متميزة في كبرها (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً (15) فصلت) كما تقول عاد أهل عاد هؤلاء نفس الشيء شوية هواء تورنيدو سبعة أيام عاصفة أنهتهم تماماً فهذه الريح الصرصر ما تركت منهم أحد والريح الصرصر كم أهلكت دولاً! ويبدو أنها ستهلك دولاً قادمة أيضاً. حينئذٍ كل التاريخ كل القوى العظيمة ذهبت باللا معقول شيء تافه (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) المدثر) (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) الأعراف) هذه جنود الله عز وجل لا يعجزه شيء. فحينئذٍ إذا رأيت أن قوة استبدت في الأرض فأمامها خياران إما أن يكون فيها حكيم يقول لهم لا تغتروا ولا تظلموا أحداً لأنكم إذا لم تظلموا أحداً ربما تبقون لكن إذا استبدادكم وتفردكم في الكون لكي تظلموا الناس فسوف تُهلكون وتهلكون باللامعقول سبب لا يخطر على بال شوية فيضان حشرة ذبابة شوية مرض لا تدري واقرأ التاريخ كله. من أجل هذا إذا كان هناك حكم في هذه الدولة وهناك من يقول في نهاية التاريخ تنفرد دولة في العالم وأصحابها وحكامها وفلاسفتها قالوا انتهى التاريخ هذه آخر قوة في العالم ولن تكون هناك قوة أخرى ما بقوا سنتين ثلاثة!.(2/114)
هذه القوة الجبارة التي لم يعرف لها التاريخ مثيل هناك قوة في الأرض الآن لم يعرف التاريخ لها مثيلاً في عناصر قوتها من آدم إلى الآن وربما إلى أن تقوم الساعة كان مفروض تطول خمسين ستين مائة مائتين سنة بهذه القوة في حكم الأرض وليس أربع خمس سنوات وليس أكثر هذا من صنع الله عز وجل (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) هذه الأسلوب الأول أن يدفع الله الناس القوة الكبيرة الغاشمة التي فيها قدرة على أن تسيطر على العالم وأن تغتر حتى تقول ليس بعدي قوة نهاية العالم كما يقولون حينئذٍ ستغرق بلا أسباب بشكل تام يعني هذا الاتحاد السوفييتي هذا إلى الآن لا نعرف لماذا سقط؟! هذا الذي كان يملك نصف الكرة الأرضية وغواصته الشهيرة التي هي أعظم غواصة في التاريخ الإنساني فيها من الأسلحة ما يزود الكرة الأرضية خمسين مرة إلى هذه الدقيقة لا نعرف لماذا غرقت؟! هذا الصرح هذا الإعجاز البحري هذا الكتلة الهائلة التي هي معظم الأرض التي تحسب حسابها كل الدول تغرق بثواني من دون أن يعرف إلى هذا الدقيقة لماذا غرقت؟! هذا هو اللامعقول من أجل هذا الذين لا يفهمون يبدأ يتفلسف لا يعلم أن هذا الكون له خالق وفيه قوة لامعقولة هذه القوة اللامعقولة هي الله عز وجل لا تحيط به العقول (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ (103) الأنعام) وهو أقرب إليك من حبل الوريد (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) آل عمران) متاعٌ قليل أيام سنوات قليلة إذا طبقت العدل تسلم وانعم بالسلم والخلود كما قال تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) هود) إذا كان القرية المجتمع العظيم الدولة العظمى إذا حققت العدل فإن الله لا يهلكها في هذه الدنيا ولهذا يعني(2/115)
عندما تتفق القوتان رب العالمين خلق قوتين بعضها يدفع بعضاً لا تستطيع إحداهما أن تستبد بالأرض الأخرى تمنعها من باب المنافسة إذا اتفقت القوتان على ظلم الضعفاء يرسل الله لهما من اللامعقول شيئاً ضعيفاً يسقطهما في عام واحد كما حصل عندما جاء الإسلام كانت الأرض محكومة من دولتين لا ثالث لهما دولة الروم ودولة فارس، من مدينة عين التمر في العراق إلى مشرق الشمس يملكها كسرى ومن عين التمر في العراق إلى مغرب الشمس يملكها قيصر ولا ثالث لهما على وجه هذه الأرض وإنما هناك دول صغيرة أو مجتمعات وليست دولاً حتى أنها لضعفها تأنف الدولتان أن تحكمها حكماً رسمياً وأن تضع عليها أميراً أو حاكماً لا هكذا يعني استهزاءً بهما هذه البقعة التي استنكف كسرى أن يضع عليها والياً منهم واستنكف قيصر أن يضع عليها والياً منهم وهي مكة والمدينة وجزيرة العرب لا قيمة لها عندهم فقد بعث لليمن حاكم وللحبشة حاكم فهي دول كانت زينة أما مكة والمدينة؟! ليست شيئاً في أعينهم ولا يسوون! من هذه التربة السوداء يخرج واحد يتيم يتربى يتيم حتى أهله يحاربونه هذا اليتيم يُسقِط الدولتين في عامٍ واحد بجيش بسيط لا يتجاوز الـ30 ألف ثلاثين ألف مجاهد مقاتل جندي لا يملكون من الأسلحة إلا بقدر المغازل سيوف قصيرة يذهبون إلى القادسية فيسقطون مملكة فارس بالكامل بحربٍ لا نظير لها في التاريخ هذا الجيش ليس لديه غيره هذا الجيش نفسه يذهب إلى قيصر فيسقط هذه الدولة في اليرموك ولهذا غولدن سيهر هذا الفيلسوف الأمريكي الشهير قال والله بكل المقاييس العقلية والنقلية لا يمكن لهذا أن يحدث أن هذا البسيط الفقير الناس المساكين الجائعين الصحراويين الذين ليس لديهم إلا خيل وبغال يسقطون دولتين في عامٍ واحد؟ هذا لا يمكن أن يحدث ولكنه حدث ولا أدري كيف؟! هذا الفيلسوف لو كان عنده عقل شوية كان عرف كيف؟ كان قال هذا الكون إذاً فيه قوة ثالثة قد لا أؤمن بها ولكنها موجودة ولا يلزم(2/116)
من عدم إيمانك بالشيء عدم وجوده كونك لا تؤمن بالله هذا لا يعني أن الله غير موجود. وحينئذٍ كان عليه أن يستنبط من هذه الحادثة أن للكون رباً، هذا أبرهة دولة الحبشة بفيلها وفوانقها جاءت على مدينة صغيرة وهي مكة الآن بعد 200 قرن من أيام الحبشة من أيام أبرهة إلى الآن هي ليست مدينة هي مجتمع صغير وفيه الكعبة فيأتي أبرهة بجيوشه وعرباته لكي يهدمها ما الذي يمنعه؟ وتصور عبد المطلب جد المصطفى صلى الله عليه وسلم كم كان حكيماً بهذا الحس العربي المرهف لما راح لكي يطلب من القائد أن يعطيه الإبل التي استولى عليها جنوده فهو كان شكله جميل وصبوح وكان له هيبة فالملك كثير احترمه وقام في وجهه فرأى أن هذا وجاهته غير طبيعية فأجلسه الخ فكان هذا الملك مستعداً أن يسمع كلام عبد المطلب لأي مطلب لهيبته قال له تفضل ماذا تريد؟ قال: أنا أريد الإبل التي أخذها جنودك فاستغرب قال جئت لأجل الإبل؟! قال: نعم قال: ظننتك جئت من أجل البيت الذي تعبدونه من أجل الكعبة لكي أكفّ عنها فقال: لا أنا ما جئت على هذا هذا من شأني أنا رب الإبل فأعطني إبلي وللبيت ربٌ يحميه، هذا الخبل هذا أبرهة لا يفهم لا هو ولا غولدن سيهر لا يعرف أن للبيت وللكون وللدنيا رباً يحميها لو أدركوا هذا لما حدث كل ما حدث في التاريخ!.(2/117)
انتهينا من الإسلوب الأول الذي يحفظ الله به أمن الأرض عندما يتعرض هذا الأمن للذهاب فيعم الأرض خوف واغتصاب وقهر واستعمار واحتلال بالكذب والبهتان والحجج الواهية. الإسلوب االثاني كما قال تعالى في سورة الحج (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الإسلوب الثاني بعد تعادل الكفتين في القوى الكبرى يأتي دَور دُور العبادة. كلنا نعرف كم تأثير بيت العبادة سواء كنيسة أو بيعة أو مسجد أو صلوات (لليهود) كل هذه البيوت التي يعبد فيها الله عز وجل تؤثر في أصحابها تأثيراً طوعياً هائلاً وهذا أمر متفق عليه دور العبادة هذه في التاريخ كثيراً ما تكون مستهدفة لماذا؟ لأن الحروب الدينية وهي أخطر الحروب كما تعرفون حروب طائفية في الدين الواحد كما حصل في المسيحية وفي الإسلام وغيرهم وحروب دين مع دين يعني حروب إبادة وقسوة لماذا؟ لأن الدين الذي يهاجِم لا يؤمن بالدين الذي يهاجَم يعتبرونهم كفاراً يجب قتلهم. حينئذٍ رب العالمين عز وجل حمى هذه الدور بشدة لتأثيرها في سلوكيات الناس والحدّ من استشرائهم والحد من طمعهم واندفاعهم في سبيل اغتصاب الآخرين وقتل الآخرين وابادة الآخرين حماها الله عز وجل بدفع بعض الناس ببعض (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) أخّر المساجد لأن تأثيرها أعظم وأكبر من كل التي قبلها.(2/118)
قال المساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً يذكر فيها اسم الله خمس مرات في اليوم يرتفع الأذان الله أكبر لا إله إلا الله لا إله غيره خمس مرات في اليوم وكلنا نعرف كم هو تأثير المسجد على شخصية المسلم بل كم هو تأثير المسجد على المحلة التي يكون فيها المسجد! خذ مثلاً محلة الجامع الأموي محلة ابو حنيفة وهكذا حيثما ذهبت إلى مسجدٍ في محلة في قرية في مدينة أهلها يسمعون الأذان تأمل في سلوكهم وأخلاقياتهم ورحمتهم وشفقتهم وتآلفهم وسلمهم وأمنهم مع بعضهم مقارنة بمدنٍ أو أحياء ليس فيها مسجد ولهذا رب العالمين تحدث عن من يظلم (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) البقرة) علامة الإنهيار الثاني قلنا علامة الإنهيار الأول عندما تستبد قوة عظيمة بالعالم فتظلمه باحتلال وقهر واستبداد واستعمار واحتلال وسرقة ثروات والخ هذا نصف أسباب الإنهيار، النصف الثاني أنك تحارب أديان العالم أنت وضعت نفسك عدواً لأديان العالم لكن الله سيدفعك إما بالمعقول بقوة أرضية أخرى وإما باللامعقول.(2/119)
وحينئذٍ إذا لم تكن هناك قوة أرضية وهذا كان أفضل لك لو كان هناك قوة أرضية تمنعك على الأقل قد تؤذيك قليلاً لكنك تبقى لكن إذا تدخّل الله عز وجل مباشرة فلن يبقى لك أثر ما بقي أثر لفرعون ولا للنمرود ولا لأبرهة ولا لكل من تدخل الله فأباده وأنهاه لأنه استبد بالأرض وحده فظلم وتجبّر ونهب واغتصب انتهى شر نهاية وبشكل مهين بالذباب بالبعوض شوية هواء وأعاصير وطوفان يغرق حينئذٍ كل هذا تدخل مباشر من رب العالمين حينئذٍ ماذا يمكن أن تنتظر؟ من أجل هذا إذا رأيت قوة تحارب الدين الآخر بحيث تحاربهم لدينهم وتتدخل في القضايا على أماكن عباداتهم وهي أماكن معترف فيها أماكن اليهود إلهية يعني عبادة رب العالمين عبادة النصارى عبادة رب العالمين عبادة الصابئين عبادة رب العالمين عبادة المسلمين عبادة رب العالمين (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).(2/120)
إذاً هكذا هو الأمر (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ورب العالمين بفضله جعلها قوتين فإن استمرت قوة ظالمة تهلك باللامعقول شوية أعاصير بأرقام بالكمبيوتر انتهينا، وحينئذٍ الأخرى دور العبادة سبحانه رب العالمين جعل للمسجد في هذا الكتاب العزيز الإسلام يدور حول المسجد أبداً (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) النور) أين هذه الصورة العظيمة؟ (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ (37) النور) صباحاً مساءً فجراً ليلاً حينئذٍ هذه المساجد وهذه الصلوات وهذه الكنائس وهذه البيَع إذا كانت توحد الله عز وجل فهي بيوت الله ورب العالمين حماها بنفس الطريقة التي حمى بها كل الأديان وجعل هذه الدور وسيلة من وسائل حفظ الأمن في هذه الأرض.(2/121)
وفعلاً تأثير دور العبادة والعلماء والصالحين ورجال الدين من كل مذهب من كل دين قطعاً يؤثرون في أجزاء التاريخ ومع هذا الأمر أمر مختلف لكن في العصور السابقة كانت كلمتهم مسموعة وكان هؤلاء لا يرضون بالظلم ولا بالاجحاف ولا بالاقتحام فكانت هذه الدور دور العبادة التي حماها الله عز وجل بدفع الناس بعضهم لبعض حماها لكي تساهم هي الأخرى المساهمة الفعالة مع دفع الله للناس بعضهم لبعض الكلام في المساجد عجيب يعني المسجد إذا كان قلبك معلقٌ به فهو عبادة عظيمة (ورجل معلقٌ قلبه بالمساجد) إذا نظفته فهو عبادة عظيمة (قَمّ المسجد مهر الحور العين) إذا بنيت به ولو كمفحص قطاة أو كبضعة قطرات ولو غرفة صغيرة بنى الله لك بيتاً في الجنة.(2/122)
التعلم فيه التعلم في دور العبادة هذه كلها لا يمكن أن يشبهه أي تعلم في أي جامعة (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران) أو تدرِّسون-بكسر الراء- ربانيون نسبهم الله إلى نفسه رب العالمين سبحانه تعالى ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالمسجد ووجد فيها حلقة يذكرون الله وتعرفون أن حلقة الذكر في المسجد تغشاهم السكينة وتحفهم الملائكة وهناك حلقة يتدارسون العلم فجلس مع طلاب العلم وقال (إنما بعثت معلماً) (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ) قال - صلى الله عليه وسلم - (يا أبا ذر لأن تغدوا إلى بيت من بيوت الله تتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة ولأن تغدو إلى بيت من بيوت الله تتعلم باباً من أبواب العلم) مسألة من مسائل العلم مسألة علمية (خير لك من أن تصلي ألف ركعة) تخيّل واحد في الليل من العشاء إلى الصبح يصلي ألف ركعة يالها من عبادة عظيمة ياله من رجل (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) السجدة) (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) الذارايات) وأنت تعلمت مسألة واحدة ونمت أنت أفضل منه.(2/123)
إذاً هكذا هو الأمر رب العالمين سبحانه وتعالى في قضية المساجد وقضية حماية دور العبادة كل دور العبادة وحينئذٍ عليك أن تعرف بأن حياتك المسجد، حبه، الصلاة فيه، المشي إليه، الدخول فيه، الاعتكاف فيه، تنظيفه واعتياده الخ كل هذا هو هذا الذي يدور عليه الإسلام وكما هو كل دين يدور حول تلك الدار والتي هي دور العبادة لله عز وجل وقد جعل الله هذه الدور سبباً من أسباب حماية الأمن في الأرض ومن حماية الله لهذه الدور أنه قال (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ) من أجل هذا الآن المساجد تحارَب في كل مكان في العالم بحجة الإرهاب والخ ولهذا سبب آخر لما ذكره أخونا الكريم من بريطانيا عن حكاية تسونامي الإقتصاد نسأل الله أن يخرج العالم بسلام من هذا التسونامي والعالم الآن كله على حافة الهاوية وكل هذا كما قال تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) الأنفال) على جميع الدول الآن أن تتكاتف في رفع الظلم عن الدول المظلومة وفي تحقيق العدل ورب العالمين في التو والساعة كما وعد يرفع هذا البلاء.
آية (252):
*(يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4)) وربنا قال في موطن آخر اكتفى (تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) البقرة) لم يقل على صراط مستقيم، وفى الزخرف(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43))ماالفرق؟(د.فاضل السامرائى)(2/124)
ضع كل واحدة في سياقها: في البقرة التي لم يذكر على صراط مستقيم هذه أصلاً لم نر فيها ذكراً للدعوة، السياق ليس فيه ذكر للدعوة والدعوة هي صراط مستقيم، وردت في سياق القصص القرآني ذكرها في سياق قصة طالوت وجالوت وقسم من الأنبياء أيضاً، عندما ذكر قصة طالوت وجالوت وذكر قسماً من الأنبياء قال (تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) البقرة) يعني أراد أن يُخبر أن هذا دليل على إثبات نبوته - صلى الله عليه وسلم - بإخباره عما لم يعلم من أخبار الماضي، قصة لم يعلمها لا هو ولا قومه فأجراها على لسانه أخبر بها أعلمه بها الله سبحانه وتعالى، فإذن لما ذكر هذه القصة التي لا يعلمها قومه ولا يعلمها هو فأجراها على لسانه هذا يدل على رسالته. كما ذكر تعقيباً في قصة نوح لما قال له (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) هود) الله تعالى أعلمه، فيها دلالة على كونه مرسَلاً من قِبَل الله سبحانه وتعالى يعني هذه دليل على إثبات نبوته ورسالته، في قصة يوسف (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (102)) وهذه مثل تلك، يعني هذه هي البرهان والدليل على أنه ? مرسَل من المرسلين لم يقل على صراط مستقيم هي ليست في سياق الدعوة وإنما في سياق إثبات نبوته.(2/125)
آية الزخرف هي في سياق الدعوة إلى الله وفي هداية الخلق (أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (40) الزخرف) هو مكلَّف إذن بالهداية (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) الزخرف) إذن الكلام في سياق الدعوة. ثم لاحظ عندما قال (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) يعني إنك لمن المرسلين إذن هو جمع الاثنين جمع الرسالة (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) وقال (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا) من قبلك يعني أنت بعدهم فأنت واحد منهم. إذن هو جمع الأمرين هنا ولكن بشكل آخر وذكر الدعوة إلى الله لأنه في سياق الدعوة فذكر (إنك عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ثم وصف الصراط أنه مستقيم وليس الصراط يعني مستقيم الصراط هو الطريق الواسع (أصلها سراط (بالسين) من سرط بمعنى بلع لأنه يبلع السابلة لأنه ضخم ولذلك قسم يسموه لَقْم لأنه يلتقمهم) مستقيم وصف آخر للصراط (فاهدوهم إلى صراط الجحيم)
سؤال: نفهم مستقيم لا اعوجاج فيه؟(2/126)
صراط الجحيم يعني طريق الجحيم، هذا المستقيم الصراط هو الطريق الواسع والمستقيم وصف آخر للصراط، المستقيم هو أقرب الطرق الموصِلة إلى المراد أيّاً كان هذا المراد فهو أقرب الطرق إليه فليس هنالك أقرب منه طريق قويم ومستقيم وأقصر الطرق الموصلة إلى المراد ولا يحمل إيجاباً أو سلباً أو وصفاًً طيباً أو غير طيب. المستقيم الاستقامة أنه طريق مستقيم قويم التي توصلك إلى المطلوب بأقصر طريق وأقرب وأيسر طريق.
(فاستقم) استقم معناها كن معتدل الأمر لا تميل إلى الباطل أو كذا ما أراد ربنا من الأمور القويمة.
طبعاً لا يمكن. (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) و (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) كل واحدة وردت في موطن بينما وردت في يس معاً كل واحدة في سياقها (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) في سورة البقرة في سياق إثبات الرسالة وليست في سياق الدعوة بينما في الزخرف في سياق الدعوة ثم ذكر أنه رسول (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ).
آية (253):
*انظر آية (209).???
آية (254):
*ما دلالة الضمير فى قوله تعالى (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) البقرة)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر إلى هذا الأسلوب القرآني فقد قصر ربنا تعالى صفة الظلم على الكافر فالكفر والظلم متلازمان. ألم تر كيف فصل بين المبتدأ والخبر بالضمير (هم) مع أن حذف هذا الضمير لا يخل بالمعنى فلو قال والكافرون ظالمون لكان المعنى تاماً لكن ذكر الضمير (هم) أفاد حصر الظلم على الكافرين أي الكافرون هم الظالمون حصراً.
* لمسات بيانية في آية الكرسي :(د.فاضل السامرائى)(2/127)
"اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ"
آية الكرسي هي سيّدة آي القرآن الكريم. بدأت الآية بالتوحيد ونفي الشرك وهو المطلب الأول للعقيدة عن طريق الإخبار عن الله. بدأ الإخبار عن الذات الإلهية ونلاحظ أن كل جملة في هذه الآية تصح أن تكون خبراً للمبتدأ (الله) لآن كل جملة فيها ضمير يعود إلى الله سبحانه وتعالى: الله لا تأخذه سنة ولا نوم، الله له ما في السموات وما في الأرض، الله من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، الله يعلم مابين أيديهم وما خلفهم، الله لا يحيطون بعلمه إلا بما شاء، الله وسع كرسيّه السموات والأرض، الله لا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم.
"اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ"الحيّ معرّفة والقيّوم معرّفة. والحيّ هو الكامل الإتصاف بالحياة ولم لم يقل حيّ لأنها تفيد أنه من جملة الأحياء. فالتعريف بـ(ال) هي دلالة على الكمال والقصر لأن ما سواه يصيبه الموت. والتعريف قد يأتي بالكمال والقصر، فالله له الكمال في الحياة وقصراً كل من عداه يجوز عليه الموت وكل ما عداه يجوز عليه الموت وهو الذي يفيض على الخلق بالحياة. فالله هو الحيّ لا حيّ سواه على الحقيقة لآن من سواه يجوز عليه الموت.(2/128)
القيّوم: من صيغ المبالغة (على وزن فيعال وفيعول من صيغ المبالغة وهي ليست من الأوزان المشهورة) هي صيغة المبالغة من القيام ومن معانيها القائم في تدبير أمر خلقه في إنشائهم وتدبيرهم، ومن معانيها القائم على كل شيء ، ومن معانيها الذي لا ينعس ولا ينام لأنه إذا نعس أو نام لا يكون قيّوماًز ومن معانيها القائم بذاته وهو القيّوم جاء بصيغة المتعريف لأنه لا قيّوم سواه على الأرض حصراً.
"لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ"سنة هي النعاس الذي يتقدم النوم ولهذا جاءت في ترتيب الآية قبل النوم وهذا ما يعرف بتقديم السبق، فهو سبحانه لا يأخذه نعاس أو ما يتقدم النوم من الفتور او النوم. المتعارف عبيه يأتي النعاس ثم ينام الإنسان. ولم يقل سبحانه لا (تأخذه سنة ونوم) أو (سنة أو نوم) ففي قوله سنة ولا نوم ينفيهما سواءً اجتمعا أو افترقا لكن لو قال سبحانه سنة ونوم فإنه ينفي الجمع ولا ينفي الإفراد فقد تأخذه سنة دون النوم أو يأخذه النوم دون السنة.(2/129)
"لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ"دلالة (ما): ما تفيد ذوات غير العاقل وصفات العقلاء، إذن لمّا قال (له ما) جمع العقلاء وغيرهم ولو قال (من) لخصّ العقلاء. (ما) أشمل وعلى سبيل الإحاطة. قال (ما في السموات وما في الأرض) أولاً بقصد الإحاطة والشمول، وثانياً قدّم الجار والمجرور على المبتدأ (له ما في السموات) إفادة القصر أن ذلك له حصراً لا شريك له في الملك (ما في السموات والأرض ملكه حصراُ قصراً فنفى الشرك). وجاء ترتيب (له ما في السموات وما في الأرض) بعد (الحيّ القيّوم) له دلالة خاصة: يدلّ على أنه قيوم على ملكه الذي لا يشاركه فيه أحد غيره وهناك فرق بين من يقوم على ملكه ومن يقوم على ملك غيره فهذا الأخير قد يغفل عن ملك غيره أما الذي يقوم على ملكه لا يقغل ولا ينام ولا تأخذه سنة ولا نوم سبحانه. فله كمال القيومية. وفي قوله (له ما في السموات وما في الأرض) تفيد التخصيص فهو لا يترك شيئاً في السموات والأرض إلا هو قائم عليه سبحانه.
*انظر آية (27).
* ما دلالة استعمال صيغة المثنى للسموات والأرض في آية الكرسي؟
السموات والأرض الكلام عليهما بالمثنى لأنه جعل السموات كتلة واحدة والأرض كتلة واحدة فيتحدث عنهما بالمثنى. هما مجموعتان.(2/130)
"مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ"دلالة واضحة على تبيان ملكوت الله وكبريائه وأن أحداً لا يملك أن يتكلم إلا بإذنه ولا يتقدم إلا بإذنه مصداقاً لقوله تعالى: (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) هذا الجزء من الآية والجزء الذي قبلها (له ما في السموات وما في الأرض) يدل على ملكه وحكمه في الدنيا والآخرة لأنه لمّا قال (له ما في السموات وما في الأرض) يشمل ما في الدنيا وفي قوله (لمن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) هذا في الآخرة فدلّ هذا على ملكوته في الدنيا والآخرة وأخرجه مخرج الإستفهام الإنكاري لأنه أقوى من النفي. فدلّ هذا على أنه حيّ قيّوم كيف؟ لأن الذي يَستشفع عنده حيّ والذي لا يستطيع أحد أن يتقدم إلا بإذنه يجعله قائم بأمر خلقه وكلها تؤكد معنى أنه الحيّ القيّوم.
من ذا: فيها احتمالين كما يذكر أهل النحو: فقد تكون كلمة واحدة بمعنى (من) استفهامية لكن (من ذا) أقوى من (من) لزيادة مبناها (يقال في النحو: زيادة المبنى زيادة في المعنى)ز فقد نقول من حضر ، ومن ذا حضر؟
(من ذا) قد تكون كلمتان (من) مع اسم الإشارة ذا (من هذا) يقال : من ذا الواقف؟ من الواقف؟ ومن هذا الواقف؟ فـ (من ذا الذي) تأتي بالمعنيين (من الذي) و(من هذا الذي) باعتبار ذا اسم إشارة فجمع المعنيين معاً.(2/131)
في سورة الملك قوله: (أمّن هذا الذي هو جند لكم) هذا مكون من (هـ) للتنبيه والتوكيد و(ذا) اسم الإشارة وكذلك (هؤلاء) هي عبارة عن (هـ) و(أولاء) . فالهاء تفيد التنبيه والتوكيد فإذا كان الأمر لا يدعو إليها لا يأتي بها فلنستعرض سياق الآيات في سورة الملك مقابل آية الكرسي: آيات سورة الملك في مقام تحدّي فهو أشد وأقوى من سياق آية الكرسي لأن آية سورة الملك هي في خطاب الكافرين أما آية الكرسي فهي في سياق المؤمنين ومقامها في الشفاعة والشفيع هو طالب حاجة يرجو قضاءها ويعلم أن الأمر ليس بيده وإنما بيد من هو أعلى منه. أما آية سورة الملك فهي في مقام الندّ وليس مقام شفاعة ولذلك جاء بـ(هـ) التنبيه للإستخفاف بالشخص الذي ينصر من دون الرحمن (من هو الذي ينصر من دون الرحمن) وهذا ليس مقام آية الكرسي. والأمر الآخر أن التعبير في آية الكرسي اكتسب معنيين: قوة الإستفهام والإشارة بينما آية الملك دلت على الإشارة فقط ولو قال من الذي لفاتت قوة الإشارة. ولا يوجد تعبير آخر أقوى من (من ذا) لكسب المعنيين قوة الإستفهام والإشارة معاً بمعنى (من الذي يشفع ومن هذا الذي يشفع).
"يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ"يعلم ما أمامهم مستقبلاً وما وراءهم والقصود إحاطة علمه بأمورهم الماضية والمستقبلية ويعلم أحوال الشافع الذي يشفع ودافعه ولماذا طلب الشفاعة ويعلم المشفوع له وهل يستحق استجابة الطلب هذا عام فهذ الدلالة الأولية.(2/132)
في سورة مريم قال تعالى: (له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك) فما الحمكة أنها لم ترد على هذا الاسلوب في آية الكرسي؟ في سورة مريم سياق الآيات عن الملك (ولهم رزقهم فيها، تلك الجنة التي نورث من عبادنا، رب السموات والآرض..) الذي يرزق هو الذي يورّث فهو مالك وقوله رب السموات فهو مالكهم) أما في سورة آية الكرسي فالسياق عن العلم (يعلم ما بين أيدينا) وبعد هذه الجملة يأتي قوله (ولا يحيطون بلمه إلا بما شاء) أي ان السياق في العلم لذا كان أنسب أن تأتي (يعلم ما بين أيدينا وما خلفنا) وهذه الجملة هي كما سبق توطئة لما سيأتي بعدها.
"وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء"ما هي فائدة (ما)؟ هي تحتمل معنيين في اللغة هنا تحتمل أن تكون مصدرية بمعنى (لا يحيطون بشيء من علمه إلا بمشيئته) وتحتمل أن تكون اسماًً موصولاً بمعنى (إلا بالذي شاء) وهنا جمع المعنيين أي لا يحيطون بعلمه إلا بمشيئته وبالذي يشاؤه أي بالعلم الذي يريد وبالمقدار الذي يريد. المقدار الذي يشاؤه نوعاً وقدراً. فمن سواه لا يعلم شيئاً إلا إذا ما أراده الله بمشيئته وبما أراده وبالقدر الذي يشاؤه والبشر لا يعلمون البديهيات ول أنفسهم ولا علّموا أنفسهم، فهو الذي شاء أن يعلّم الناس أنفسهم ووجودهم والبديهيات التي هي أساس كل علم. من سواه ما كان ليعلم شيئاً لولا أن أراد الله تماماً كما في قوله في سورة طه: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) أي بذاته في المعنى. إذن لماذا ذكر نفي الإحاطة بالذات في سورة طه ونفى الإحاطة بالعلم في آية الكرسي؟ في سورة طه جاءت الآية تعقيباً على عبادة بني اسرائيل للعجل وقد صنعوه بأيديهم وأحاطوا به علماً والله لا يحاط به، لقد عبدوا إلهاً وأحاطوا به علما فناسب أن لا يقول العلم وإنما قال (ولا يحيطون به علما) أما في آية الكرسي فالسياق جاء في العلم لذا قال تعالى (لا يحيطون بشيء من علمه)(2/133)
"وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ"دلّ أولاً على أنه من ملكه (السموات والأرض من ملكه) وقبل هذه الجملة قال تعالى (له ما في السموات وما في الأرض) فدلّ على أن الذي فيهما هو ملكه أيضاً لأن المالك قد يملك الشيء لكن لا يملك ما فيه وقد يكون العكس. فبدأ أولاً ( له ما في السموات وما في الأرض) أي أن ما فيهما ملكه لم يذكر أن السموات والأرض ملكه وهنا ذكر أن السموات والآرض وما فيهما هو ملكه. وإن الكرسي وسع السموات والأرض كما ورد في الحديث القدسي (السموات والأرض كحلقة في فلاة في العرش، والكرسي كحلقة في فلاة في العرش)
فما الحكمة من استخدام صيغة الماضي في فعل (وسع)؟ الحكمة أن صيغة الماضي تدلّ على أنه وسعهما فعلاً فلو قال يسع لكان فقط إخبار عن مقدار السعة فعندما نقول تسع داري ألف شخص فليس بالضرورة أن يكون فيها ألف شخص ولكن عندما نقول وسعت داري ألف شخص فهذا حصل فعلاً .تسع : تعني إخبار ليس بالضرورة حصل، لكن وسع بمعنى حصل فعلاً وهذا أمر حاصل فعلاً.
* ما معنى كرسيه في الآية ولماذا جاء السموات مع أن السماء أعم؟(2/134)
الكرسي محل جلوس الملك ولو في القرآن يتحدثون عن الكرسي والعرش كلاماً كثيراً. السموات هي محل الملائكة منازلهم، والأرض محل الثقلين الجن والإنس. الملك ينبغي أن يكون على رعية والرعية تكون في السموات والأرض وليس السماء. السماء عامة والسموات يقصد بها السموات السبع. السموات يعني السبع والسماء عامة. وكما قالوا السموات السبع والأرض بالنسبة للكرسي كحلقة في فلاة كما في الحديث والكرسي في العرش كحلقة في فلاة. العرش أكبر وقالوا الكرسي محل القدمين. هم قالوا الكرسي محل القدمين والعرش لا يُقادر قَدْرُه هكذا في الآثار والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في فلاة. العرش عندنا مكان الجلوس والكرسي أقل. مع الملك تستخدم عرش وفي البيت نقول كرسي. إذا وسع كرسيه السموات والأرض فما بالك بالعرش؟! ذكر ملك فقال السموات ولم يقل السماء وقالوا في اللغة من معاني الكرسي المُلْك والتدبير والقُدرة ولذلك المفسرين قالوا هذا من المتشابه لأن اللغة تحتمل معاني عديدة. (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) أي قدرته وملكه ولذلك ذهب من ذهب إلى هذا المذهب قال وسع ملكه السموات والأرض. وحتى استعمال الكرسي هنا هو الكرسي نقول للملك يجلس عليه فالملك مُلك وذكر هنا السياق في المُلك أيضاً (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) يشفع يتقدم بالشفاعة إلى من يكون هو صاحب الأمر، ناسب هؤلاء يحتاج إلى ساكن والساكن هو في السموات والأرض الملائكة والثقلين فإذن كلمة كرسي هي الأنسب. (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) وسع كرسيه السموات والأرض فما بالك بعرشه؟
*ما هي اللمسات البيانية في الآية (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ (255) البقرة)؟(2/135)
مسألة الكرسي لها عدة تفسيرات وفي الحديث أنها جسم بين العرض محيط بالسماء والأرض، الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في فلاة وما في السموات والأرض كحلقة في فلاة بالنسبة للكرسي.
ما مسألة العرش والكرسي؟ الكلام عن العرش والكرسي نحن نتكلم في اللغة أما في الآية فالله أعلم. العرش هو عرش الملك، العرض ما يجلس عليه الملك له عظمة وهيبة يعظَّم بهيبة الجالس عليه والكرسي أيّ كرسي. القرآن استخدم العرش (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء (7) هود) وقال (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) قالوا الكرسي محيط بالسموات والأرض والسموات والأرض وما فيها كحلقة في فلاة بالنسبة للكرسي والكرسي وما فيه كحلقة في فلاة بالنسبة للعرش. وقسم من المفسرين حاولوا أن يعطوا معاني أخرى وقالوا الكرسي هو القدرة والتدبير والملك وقسم قالوا هو العلم فذهبوا حتى يخرجوا من التجسيم والتشبيه وأعطوه معاني أخرى. في اللغة يستعملون الكرسي مجازاً يقصدون به الملك والتدبير.
"وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ"أي لا يثقله ولا يجهده وجاء بـ (لا) للدلالة على الإطلاق لا تدل على الزمن المطلق وإن كان كثير من النحاة يجعلونها للمستقبل لكن الأرجح أنها تفيد الإطلاق (لا يمكن أن يحصل) . والعليّ من العلو والقهر والتسلط والغلبة والملك والسلطان والعلو عن النظير والمثيل. والعظيم من العظمة وقد عرّفهما ـ (أل التعريف) لأنه لا علليّ ولا عظيم على الحقيقة سواه فهو العليّ العظيم حصراً.
وهذين الوصفين وردا مرتين في ملك السموات والأرض في آية الكرسي في سورة البقرة، وفي سورة الشورى (له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم) والأمرين في ملك السموات والأرض بما يدلّ على العلو والعظمة حصراً له سبحانه.(2/136)
الملاحظ في آية الكرسي أنها ذكرت في بدايتها صفتين من صفات الله تعالى (الحيّ القيّوم) وانتهت بصفتين (العليّ العظيم) وكل حملة في الآية تدل على أنه الحيّ القيّوم والعليّ العظيم سبحانه تقدست صفاته. فالذي لا إله إلا هو هو الحي القيوم والذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو حيّ وقيّوم والذي له ما في السموات وما في الأرض أي المالك والذي يدبر أمر ملكه هو هو الحيّ القيوم والذي لا يشفع عنده هو الحي القيوم ولا يشفع إلا باذنه والذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحاط بشيء من علمه هو الحيّ القيّوم القيّم على الآخرين والذي وسع كرسيه السموات والأرض هو الحيّ القيّوم والذي لا يؤده حفظهما هو الحيّ القيّوم لأن الذي يحفظ هو الحي القيوم وهو العلي العظيم.
والحي القيوم هو العلي العظيم والذي لا تأخذه سنة ولا نوم والذي له ما في السموات والأرض والذي لا يشفع عنده إلا باذنه والذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم والذي لا يحاط بعلمه إلا بما شاء هو العليّ العظيم فكل جملة في آية الكرسي المباركة تدلّ على أنه الحيّ القيّوم والعلي العظيم.
...(2/137)
ومن الأمثلة على العطف في القرآن قوله تعالى في آية الكرسي (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)) ولا نوم معطوفة على سِنة، وما في الأرض معطوفة على السموات، خلفهم معطوفة على ما بين أيديهم، الأرض معطوفة على السموات، بينما ولا يؤوده حفظهما فمعطوفة على لا تأخذه سِنة ولا نوم في أول السورة. فبرغم وجود انواع متعاطفات كثيرة ومختلفة نعطف لا يؤوده حفظهما على لا تأخذه سِنة ولا نوم.
الخطوط التعبيرية في الآية: الملاحظ في الآية أنها تذكر من كل الأشياء اثنين اثنين، بدأها بصفتين من صفات الله تعالى (الحي القيوم) وذكر اثنين من النوم(سنة ونوم) وكرّر (لا) مرتين (لا تأخذه سنة ولا نوم) وذكر اثنين في الملكية(السموات والأرض) وكرر (ما) مرتين وذكر اثنين من علمه في (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) وذكر اثنين مما وسعه الكرسي (وسع كرسيه السموات والأرض) وختم الآية باثنين من صفاته (العليّ العظيم).
وقد ورد اسمين من أسماء الله الحسنى مرتين في القرآن: في سورة البقرة (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ومرة في سورة (آل عمران) في الأية الثانية (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) (لاحظ الرقم 2). والعلي العظيم وردت في القرآن مرتين في القرآن أيضاً مرة في سورة البقرة ومرة (له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم) في سورة الشورى في الآية الرابعة (أربع أسماء في الآية الرابعة).
*من برنامج ورتل القرآن ترتيلاً:
((2/138)
مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ (255) البقرة) تأمل هذا الأسلوب في الاستفهام (من ذا) إنه استفهام لكنه خرج إلى معنى الإنكار والنفي وكأن الله تعالى يريد أن يخبرنا عن شرف ومكانة الشافع عند الله تعالى وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال (إلا بإذنه) فلا أحد يشفع عند الله بحق الله ولكن يشفع من خصّه الله تعالى بهذا الإذن، كرامة ما بعدها كرامة.
(وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء (255) البقرة) قال تعالى (ولا يحيطون بشيء من علمه) ولم يقل ولا يعلمون شيئاً من علمه لأن الإحاطة تقتضي الإحتواء على جميع أطراف الشيء بحيث لا يشذّ منه جزء من أوله ولا آخره فأراد ربنا أن يصور لنا قصر علمنا وضعف مداركنا فنحن قد نعلم شيئاً كان مجهولاً بالأمس ولكننا لا نستطيع أن نحيط بكل ما يلزم عنه ولا نقدر على إدراك كل ما له به صلة ولذلك فإن علومنا قابلة للتبديل والتعديل. وانظر أيضاً إلى قوله تعالى (بشيء من علمه) ولم يقل ولا يحيطون بعلمه وهذا مزيد من الدقة في تصغير معارفنا وعلومنا.
آية (256):
*في آية البقرة يقول تعالى (فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) ولم يقل في لقمان لا انفصام لها ، ما الفرق؟
*د.فاضل السامرائى :(2/139)
السياق هو الذي يحدد، قال تعالى في سورة البقرة (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)) قال (فمن يكفر بالطاغوت) والطاغوت رأس كل طغيان من ظالم أو غيره، هذا معنى الطاغوت من كان رأساً في الطغيان مثل فرعون والشيطان وجمعها طواغيت. فمن يكفر بالطاغوت أحياناً الكفر بالطاغوت يؤدي إلى أذى شديد وهلكة إذن تحتاج إلى (لا انفصام لها) يعني لا يحصل فيها أي خدش أو انفصال أو شيء. لما ذكر الكفر بالطاغوت الذي قد يؤدي إلى مظلمة كبيرة أو إلى عذاب أو إلى هلكة أكّد ربنا تعالى فقال (لا انفصام لها) أما في لقمان فهي اتباع (ومن يسلم وجهه إلى الله فقد استمسك بالعروة الوثقى) لا تحتاج. لذلك لما ذكر الكفر بالطاغوت الذي قد يؤدي إلى هلكة (فرعون صلّبهم في جذوع النخل) قال (لا انفصام لها) تستمسك ولا تنفصم ولا تنفصل وكأنها تحفيز للإستعصام والاستمساك بالله سبحانه وتعالى.
*د.أحمد الكبيسى:(2/140)
قال تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {256} البقرة) وفي لقمان يقول عز وجل (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {22} لقمان) ليس فيها لا انفصام لها. مرة (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا) ومرة (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) فقط بدون لا انفصام لها كيف؟ مع أن العروة عادة الوثقى هو لكل شيء مكان تحمله منه ولكل شيء آلة تتمسك بها من الوقوع أو الهلاك يعني مثلاً ركاب في سفينة وجاءتها عاصفة في يومٍ عاصف ولكي لا يتطاير الناس في البحر كل واحد تمسك في مكان إما في حبل أو في زردة أو في حلقة من الحلقات الحديدية يتمسك بها حتى لا يطيره الهواء هذه هي العروة الوثقى عروة وثيقة جداً.(2/141)
فرب العالمين عز وجل يشبه هذا الدين ببناء كبير ولا بد أن تتمسك فيه بعروة لماذا؟ لأن العواصف حولك لا حدود لها، إبليس هذا شغله هذا الشيطان كل همه أنه يراكم هو وقبيله يحاول أن يرخي يديك من التمسك بهذه العروة بفسقٍ أو فجورٍ أو بدعة أو طائفية أو كفر أو زندقة والتاريخ مليء كل الأديان السماوية تاريخ الذين تمسكوا بعروة ثم أفلتوها وانحرفوا وصاروا بفكر آخر وطائفية أخرى وأضلوا الناس والقرآن يحدثنا عن هذا في بني إسرائيل في التوراة والإنجيل والقرآن وإلى هذا اليوم نحن نعاني من هؤلاء معاناة على امتداد التاريخ ما خلا جيل من طائفة تحاول أن ترخي يديك عن هذه العروة الوثقى التي أنت متمسك بها ومتى ما ارتخت يداك هلكت تخطفتك الطير (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ {31} الحج) حينئذٍ هذه العروة الوثقى مرة قال (لا انفصام لها) ومرة قال فقط (العروة الوثقى) بدون لا انفصام لها معناها تنفصم. عندنا تنفصم وتنقسم وتنفصل معروفة ،تنفصم يعني أنت يدك هي التي انفصمت عن العروة التيار قوي السحب قوي سحبوك فيدك لم تتحمل هذا الضغط فانفتحت يدك فانفصمت عنها. هناك انقسمت من شدة تمسكك أنت بهذه الحلقة بهذه العروة انكسرت هي انكسرت هذا انقسم. وانفصل بدون عنف أنت رأسا تركته والتاريخ ملئ بهذا و بهذا و بهذا كل دعاة الشر هؤلاء شياطين يحاولون أن يجعلوك تنفصم عن هذه العروة الوثقى وهي الإسلام كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم. إذن هذه العروة الوثقى نوعين نوع هو العقيدة لا اله إلا الله كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه احمد و غيره شخص رأى رؤيا متمسك فقال له النبي هذه العروة هي الإسلام فتمسك بها ماحييت إلا أن يدركك الموت وأنت عليها وهي لا اله إلا الله.(2/142)
هذه لا انفصام لها رب العالمين يشهد أن من تمسك بالعروة الوثقى - وهو يقول قبلها لا إكراه في الدين - فهي قضية إيمان وكفر إذا شخص يعبد الأوثان أنت لماذا تكرهه؟ فقط قل له اترك الأصنام واعبد الله واحد إذا جاء وقال لا اله إلا الله بهذه القولة سوف يبقى عليها إلى يوم القيامة ولن ينفصم عنها هذا من تمسك بالعروة الوثقى التي هي لا اله إلا الله الإسلام نفسه عندما نزل رب العالمين قال إن المشرك إذا صار مسلما لن يرجع عنه أبدا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (لا أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها فتهلككم) .(2/143)
الآية الثانية في سورة لقمان وهذا الخطاب للمسلمين في الأولى خطاب لغير المسلمين قال (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) لا تكره هؤلاء المشركين الذي يريد أن يسلم حياه الله، في الثانية يخاطب المسلمين (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) وهو محسن أي رجل تقي صالح مصلي الخ محسن في صلاته في صيامه في زكاته فهو ليس عابد بل عابد بإحسان بشكل جيد هذا استمسك بالعروة الوثقى فقط ما قال لا انفصام لها قد تنفصم كلنا ما في أحد في هذه الدنيا إلا وفي يوم من الأيام ارتكب ذنباً مع كونه من المحسنين. إذاً لا نزال في العروة الوثقى في الأولى يتحدث عن العروة الوثقى التي هي الإيمان بالله الواحد الأحد لا إله إلا الله هذه الآية تقول هذه العروة لا انفصام لها هذا واحد وهذا واقع الحال.(2/144)
الثانية العمل العروة الوثقى الثانية العمل وليس التوحيد العبادات والحلال والحرام الحلال كله هذا ما قال لا انفصام لها قد تنفصم كل ابن آدم خطاء ما فينا واحد تقي وصالح في يوم ما صلى سنة سنتين ترك الصلاة سنة من السنين ترك الصيام مرة مرتين شرب خمر يعني كل ابن آدم خطاء (المؤمن كالسنبلة يميل تارة ويستقيم أخرى) (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم جاء بقومٍ يذنبون) والأحاديث (المسلم كالفرس في أخيّته) هذه الحلقة التي يربطون فيها الفرس (يجول ويدور ويعود إلى أخيته) يروح ويبتعد قليلاً عن الإسلام لكن يرجع إذاً تنفصم عروة العمل تنفصم وعروة الإيمان والتوحيد لا تنفصم أبداً ببركة النبي عليه الصلاة والسلام الذي هو كما قال (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ {2} الجمعة) إذاً هذه التزكية التي زكى الله بها هذه الأمة أنها لا تشرك بالله أبداً ولكن نعم هكذا مرة ومرة ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم (ولكن ساعة وساعة لسنا على ساعة واحدة) هكذا كما جاء في الأحاديث الكثيرة لن نطيل عليكم في سردها وإلا لاحظ لكل إنسان عروته هذه عروة متحدة كل واحد منا له عروة عروة الحاكم العدل إذا تمسك بها ولم تنفصم جاء يوم القيامة متجلياً غفر الله كل ذنوبه عروة العالم الصدق إذا كان صادقاً ولا يخاف في الله لومة لائم جاء يوم القيامة وكل ذنوبه مغفورة عروة التاجر الإخلاص والنصيحة وهكذا.(2/145)
حديث عجيب عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث عن البراء بن عازم قال كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم النبي (أي عرى الإسلام أوثق؟) الله قال العروة الوثقى ما هي أوثق عروة؟ قالوا (الصلاة يا رسول الله قال: حسنة وما هي بها، ثم قالوا: الزكاة يا رسول الله قال: حسنة وما هي بها) ليست هذه هي الأوثق هذه عروة وثقى ولكن ليست الأوثق (قالوا: الصوم صوم رمضان قال: حسنٌ وما هو به قالوا: الجهاد قال: حسنٌ وما هو به) تصور الصلاة الصوم الزكاة الحج الجهاد كله قال رسول الله ما هو إذاً ما هي أوثق عروة؟ قال (أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله). تأمل فيها أنت قد تصلي ولكن قد تنافق قد تصلي وأنت غضوب وتحقد على الناس وحاسد قد تصلي وأنت مثلاً يعني بك بخل على أمك وأبوك ووالديك وأهلك الخ أنت إذا بلغ إيمانك أن جعلك تحب في الله وتبغض في الله لا تحب لصداقة ولا لمن أعطاك معروفاً إنما لأن هذا إنسان طيب ابن حلال فتحبه، معنى هذا أن قلبك لا فيه حسد ولا غيرة ولا غل قلب كهذا لا يمكن إلا أن يكون صالحاً فهو قلب سليم (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ {89} الشعراء) بالضبط هو هذا القلب السليم قطعاً صلاته عظيمة وحجه عظيم وصومه عظيم والخ وحينئذٍ ليس كل مصلٍ صالح ولكن كل من يحب في الله ويبغض في الله صالح إذاً علامة القلب السليم أن يحب في الله ويبغض في الله.(2/146)
إذاً هذه أوثق عروة الكلام في العروة الوثقى كلام طويل ولهذا كل نوع من أنواع العبادة هو عروة ونحن قلنا مرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ {35} المائدة) كل واحد من هذه الأمة سيأتي يوم القيامة مشهوراً بعمل (إن لكل عبدٍ في السماء صيتاً كصيته في الدنيا) هذا العالم هذا المنفق هذا الصابر هذا المجاهد هذا الكريم هذا البار بوالديه كل واحد له صيت هذه العروة كل واحد له عروته العروة الأساسية لا إله إلا الله وهذه اطمئن ما دمت دخلت بها مصدقاً بها قلبك أو أنك ولدت عليها فلن ترتد أبداً ارتاح يبقى العمل لا الأولى لا انفصام لها (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا) وهذه شهادة من رب العالمين الثانية قال من يعمل صالحاً ويسلم وجهه استمسك بالعروة الوثقى (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) لكنه ما قال لا انفصام لها لأنك قد تنفصم يا ما ناس راحوا ورجعوا وراحوا ورجعوا وراحوا ورجعوا ويختم له إن شاء الله على خير وبخير. هكذا هي مسألة الفرق بين آيتين آية قال (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا) وآية قال فقط (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) ما وصفها بأنها لا انفصام لها لأنها قد تفصم وعليك أن تعود لها مرة أخرى.
* ما دلالة (فقد) في قوله تعالى (فقد استمسك بالعروة الوثقى)؟( د.فاضل السامرائى )
((2/147)
قد) حرف تحقيق على الماضي وإن كان على المضارع حصل أكثر من سؤال هل هي تفيد التقليل؟ هي من معانيها التقليل، (قد) إذا دخلت على المضارع تفيد التحقيق والتكثير ومن معانيها الشك. تفيد التوكيد والتكثير (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء (144) البقرة) (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا (18) الأحزاب). أحياناً يسألون أليست (قد) للتقليل إذا دخلت على المضارع؟ هذا من أحد معانيها وليس معناها الكامل كما يذكر النحاة. (قد نرى تقلب وجهك) هذا يقين، للتحقيق إذا عرفنا أن الفعل متحقق إذن (قد) تفيد التحقيق. الله تعالى يرى ويعلم سبحانه وتعالى. إذا دخلت (قد) على الماضي فهي للتحقيق أن الأمر تحقق وأحياناً قد تغير معنى الفعل من دعاء إلى خبر مثلاً تقول رزقك الله محتمل أنك تدعو له بالرزق وتحتمل أنك تخبر أن الله رزقه وأعطاه لكن لو قلت (قد رزقك الله) لا يمكن أن تكون دعاء وإنما إخبار لذا لا يصح أن تقول قد غفر الله لك وإنما تقول غفر الله لك أنت مخبر ولست داعياً. إذن (قد) تفيد التحقيق إذن (فقد استمسك بالعروة الوثقى) تعني تحقق استمساكه.
أيها الراكب الميمم أرضي أقري من بعضي السلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بأرضٍ وفؤادي وساكنيه بأرضِ
قد قضى الله بالفراق علينا فعسى باجتماعنا سوف يقضي
إن بيتاً أنت ساكنه غير محتاج إلى السُرُج
ومريضاً أنت عائده قد أتاه الله بالفرج
إذن (فقد استمسك) تحقق استمساكه، هذا تحقق لأنه في الغالب الفعل الماضي بعد جواب الشرط في الغالب استقبال (درست نجحت) إذا قلت فقد نجحت أي تحقق الأمر مثل الدعاء تقول: غفر الله له يعني تدعو له، قد غفر الله له تحقق. (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) المؤمنون) هذا إخبار وتحقق. إذن (فقد استمسك بالعروة الوثقى) تحقق استمساكه.
* ما معنى كلمة والطاغوت؟ وهل هي موجودة في لغة العرب؟( د.فاضل السامرائى)(2/148)
الطاغوت: الطاغوت يذكرون له معاني، هو من الطغيان، اشتقاقه العربي من الطغيان، فِعلها طغى (وعندنا فعلوت، أصلها طغووت ثم صار بها إبدال، هذه مسائل صرفية لا نريد أن ندخل فيها)، عندنا مصادر على فعلوت مثل الملكوت والجبروت ورهبوت وهي عندنا في العربية وهي مصادر تدل على المبالغة كما في الحديث " جللت الأرض والسماء بالعزّة والملكوت". طاغوت من هذه الأوزان لكن صار فيها تداخل صرفي وإبدال كلمة (أصلها طغووت على وزن فعلوت). هي من الطغيان، من الفعل طغى. كل رأس في الضلال يسمى طاغوت (ما عُبِد من دون الله) حتى الساحر يسمى طاغوت والكاهن والصنم وفي العربية المارد من الجن يسمى طاغوت وهي عامة وكلمة طاغوت تستعمل للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع. للمفرد طاغوت وللجمع طاغوت وللمذكر طاغوت وللمؤنث طاغوت. عندنا جمع (طواغيت) وعندنا طاغوت مثل الطفل يُجمع على طفل وأطفال وضيف يجمع على ضيف وضيوف وخصم قد يكون مفرد وقد يكون جمعاً عندنا كلمات قد تكون جمع وقد تكون مفرد حتى كلمة عدو وأعداء، عدو مفرد وجمع عندنا كلمات تكون الكلمة تعبر عن المفرد والجمع بحسب السياق الذي وردت فيه ومنها طاغوت. يوجد طواغيت في اللغة مثل طفل وأطفال. الطاغوت موجودة والطواغيت موجودة.(2/149)
الطاغوت تستعمل للمفرد والجمع والمذكر والمؤنث فنقول هذا طاغوت وهذه طاغوت. حتى في القرآن الكريم استعملها عدة استعمالات، إستعملها مفرد واستعملها جمع: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ (256) البقرة) هذا جنس عام، (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ (257) البقرة) هنا الطاغوت جمع لأن للمؤمنين وليّ واحد وهو الله سبحانه وتعالى (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ) أما الكافرون أولياؤهم متعددون الشياطين وغيرهم لذا قال تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) للمؤمنين ولي واحد وهو الله تعالى صحيح المؤمنين بعضهم أولياء بعض لكن الولي الواحد هو الله تعالى والكفرة أولياؤهم متعددون لذا لم يقل وليهم الطاغوت.
*ما الفرق بين الرُشد والرَشََد والرشاد؟( د.فاضل السامرائى)
الرُشد يقال في الأمور الدنيوية والأُخروية أما الرَشَد ففي الأمور الآخروية فقط، هكذا قرر علماء اللغة. (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا (6) النساء) في الدنيا، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (256) البقرة)، (وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) الكهف) الرُشد في الأمور الدنيوية والأخروية أما الرَشد ففي الأمور الأخروية لا غير فالرُشد أعمّ. الرشاد هو سبيل القصد والصلاح (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) غافر) أي سبيل الصلاح عموماً، طريق الصواب. الرشاد مصدر. المادة اللغوية واحدة لهذه الكلمات وهي كلها الرُشد والرَشد والرشاد كلها مصادر. رشِد ورَشَد.
آية (257):
*ما معنى كلمة الولي؟( د.فاضل السامرائى)(2/150)
تستعمل للتابع والمتبوع والناصر، الوليّ التابع المحب الذي يتولى أمره والولي الناصر، يعني الله ولينا ونحن أولياء الله (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ (257) البقرة) يتولى أمرهم (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) يونس) فالولي تستعمل للفاعل والمفعول وتسمى من الأضاد. يقال مولى رسول الله والله مولانا، كلمات كثيرة في اللغة العربية تستعمل في هذا وهي واضحة في اللغة وفي الاستعمال القرآني.
آية (258):
*انظر آية (124).???
*ما الفرق بين (مِتم) بكسر الميم و(مُتم) بضم الميم؟(د.حسام النعيمى)
(قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ (258) البقرة) إستعمل المضارع فلم يرد لا في القرآن ولا في الشعر العربي غير هذا الموضع إستعمال المضارع. جاءت على لسان من يحاجج ابراهيم فى ربه وليس الله عز وجل
أمات من الرباعي ويميت من الرباعي لما يقول (مِتُّ) أصلها (أُمِتُّ) والتاء نائب فاعل أي أماته الله ثم بناه لصيغة المفعول. ولما يقول (مُتُّ) ينسب الموت لنفسه فتُعرب التاء في مُتُّ ضمير مبني في محل رفع فاعل، وفي (مِتُّ) التاء ضمير مبني في محل رفع نائب فاعل مثل أكرمت وأُكرمت. وفي الحالين الأمر مردّه إلى الله سبحانه وتعالى. إذا قال (مِتّ) على سبيل المجاز لأن الله سبحانه وتعالى هو المميت سبحانه والإنسان لا يميت نفسه. فإذن هذه القراءات (مِت) قراءة سبعية و(مُتّ) قراءة سبعية لكن الفهم إذا كسر يفهم كأنه بُني للمجهول (مُت) وإذا ضم الميم تكون نسب الفعل إلى نفسه، وفي الحالين الفاعل الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى.
آية (259):
* ما دلالة ( فأماته) فى قوله تعالى: (فأماته الله مئة عام ثم بعثه (259) سورة البقرة)و إستخدام الضرب على السمع للتعبير عن الموت في الآية (فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) الكهف)وما دلالة استخدام ( بعثه )وليس أحياه؟(د.حسام النعيمى)(2/151)
أولاً أهل الكهف لم يموتوا وإنما ناموا لأنه تعالى قال: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) الكهف) الراقد ليس ميتاً ولذلك لا يصلح أن يقول: أماتهم.
أما قوله تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) البقرة)
الأصل في تعاملنا مع القرآن أن ما سكت عنه ربنا سبحانه وتعالى نسكت عنه لأنه لا ثمرة فيه إلا إذا ورد فيه خبر صحيح من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكون موضحاً لجزئية معينة.(وهو المار بالقرية)
((2/152)
أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) نلاحظ أنه إستعمل كلمة يحيي وكلمة الموت فلما إستعمل الأحياء والموت ناسب ذلك أن يقول (فأماته الله) لأنه تكلم عن موت وحياة. لكن قد يقول قائل هو لما تكلم عن موت وحياة قال (أماته) فلم لم يقل (وأحياه)؟ قال (فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) فأماته مناسب للموت. يُفترض في غير القرآن أن يقال فأماته الله مائة عام ثم أحياه. لو قال ثم أحياه أي جعل فيه الروح، جعله حياً. أما بعثه فالبعث فيه معنى الإنهاض، بعثه يعني الحياة جزء منه، لما يقول بعثه أي جعله ينهض. الفعل بعث له معنيان متقاربان: المعنى الأول: أرسله والإرسال كأنه بعد تقييده كأنه كان عنده ثابت ثم أرسله لذلك يقولون أرسل السهم. ثم فيه معنى النهوض: يقول بعث الناقة لما تكون باركة بعثها أي أقامها وأنهضها بأن حلّ رباطها. هذان المعنيان متقاربان: بعثه أي أنهضه كاملاً مبصراً عاقلاً لأنه بعث بمعنى إستوى قائماً كما تستوي الناقة واقفة إذا بعثتها.. فلما ينهض هذا النائم الميت أي نهض بوعيه بعقله حتى يحاور حتى يقال له كم لبثت؟ ويجيب. ثم ختامها (قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) لما عُرِّف قدرة الله سبحانه وتعالى (فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) بدأ الحمار شيئاً فشيئاً يتكوّن فعند ذلك قال (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) مسألة كان يعلمها لكنها الآن أصبحت يقيناً كأنه متعجب أنها قرية ميتة كيف يبعثها الله تعالى؟ فجعلها الله تعالى آية لمن بعده ونحن من هؤلاء الذين يرون فيها آية من آيات الله أنه يحيي الموتى ويكسو العظام لحماً.(2/153)
*ما الفرق بين ذكر التنوين وحذفه فى الآيتين(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) الكهف)و(بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ (259) البقرة) ؟(د.فاضل السامرائى)
يقولون سنين شمسية وقمرية. سنين بدل، لو أضفنا نقول مائة سنة لكن فى الكهف ليست مضافة، ثلاث مائة لم تضفها حتى تقول ثلاث مائة سنة، هذا بدل وليس تمييز عدد. (سنين) بدل لأن تمييز العدد له أحكام بعد المائة والألف يكون مفرد مضاف إليه (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14) العنكبوت) (بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ (259) البقرة) (ثَلَاثَ مِائَةٍ) نوّن لأن هذا أمر عجيب فنوّن، هذا تنوين التمكين لكن الغرض منه، لماذا لم يضف؟ لأن الأمر يدعو إلى العجب والتعجيب (ثَلَاثَ مِائَةٍ) أبهمت ويسمى الإيضاح بعد الإبهام. إذا قلنا (ثَلَاثَ مِائَةٍ) السامع لا يتوقع أو لا ينتظر منك شيئاً آخر لأنه لو أردت أن تضيف لأضفت بعد المائة، إذن انتهى السائل فإذا جئت بالبدل تكون أتيت بشيء جديد ما كان يتوقعه قالوا الإيضاح بعد الإبهام.
*قال تعالى :(وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ) ما دلالة استخدام الواو ؟( د.فاضل السامرائى)
عندنا العطف على مقدر موجود في القرآن كثيراً.(2/154)
مثال قوله تعالى:(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ (259) البقرة) (ولنجعلك) على ماذا مععطوفة؟ عندما أحيا الله تعالى العزير هل أحياه فقط ليجعله آية للناس؟ هنالك أمور أخرى ذكر الآن منها (ولنجعلك آية للناس)، لما نجد العطف مقدر على محذوف نفهم أن هناك أموراً أخرى لم يذكرها الشرع.
*هناك قراءتان لكلمة ننشزها فما الفرق بينهما؟( ورتل القرآن ترتيلاً)
قال تعالى:(وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا (259) البقرة) في كلمة (ننشزها) قراءتان: قِرئت (ننشرها) من أنشر إذا بعث فـ (ننشرها) هنا أي نحييها. وقرئت (ننشزها) من أنشز إذا رُفع الشيء والآية تعني رفعها حين تغلظ بإحاطة العصب واللحم والدم بها، فالقراءتان تدلان على معنى واحد.
آية (260):
* (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) البقرة) ما دلالة ختام الآية (عزيز حكيم) بدل الله على كل شيء قدير؟(د. فاضل السامرائى)(2/155)
أولاً سياق الآية قد يحسم الأمر لدى المتكلم حسب ما يريد المتكلم عن أي شيء يريد أن يتكلم؟ لما يذكر ربنا إحياء الأرض بعد موتها التعقيب في ختام الآية ليست واحدة وإنما ماذا يريد (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) يس) إحياء الأرض الميتة ذكر أمراً آخر وفي آية أخرى قال (وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) الروم) يستدل بها على أمر آخر غير الأكل،الأمر الواحد ماذا يريد أن يعقب المتكلم عن أي أمر؟ في حياتنا اليومية تقول سافرت إلى مدينة من المدن فتقول سافرت إلى مدينة من أجمل المدن أو تعقب على أهلها فتقول وجدت فيها أناس طيبين أو تعقب على المدة التي قضيتها فيها.(2/156)
فبالنسبة لهذه الآية أولاً الآية التي قبلها مباشرة (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)) والأمر الآخر قبلها كان الكلام أيضاً عن إبراهيم - عليه السلام - والنمرود (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)) لما قال ربي الذي يحيي ويميت ألا يعلم أن الله على كل شيء قدير؟ يعلم. واعلم أن الله على كل شيء قدير هو يعلم أن الله على كل شيء قدير واستدل بذلك على ما سبق من الآيات (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) إذن هو قبل قليل يعلم، فهو الآن يريد أمراً آخر غير الأمر الذي ذكره واستدل عليه (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) إذن هو يؤمن وإنما الآن يريد شيئاً آخر غي هذا الأمر.(2/157)
نلاحظ أولاً أن الآيات جاءت في سياق النمرود وهو معتد معتز بحكمه، لما قال (قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) جاء بشخصين قتل واحد وأطلق الآخر، هو معتز بحكمه عزيز وحاكم لذا قال (وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ربنا هو العزيز الحكيم والخطاب في الآية موجه إلى إبراهيم - عليه السلام - . قبل هذه الآية (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)) والطاغوت كل رأسٍ ظالم يعتز بحكمه ويخرج الناس بالبطش والإنكال والتنكيل من النور إلى الظلمات، طاغوت، كل رأس في الطغيان والظلم هو طاغوت يُخرج الناس بقوته وتحكمه وعزته فالسياق يقتضي إن الله عزيز حكيم، لا الطاغوت المتجبر ولا الظالم إنما الله. ثم هنالك أمر يقوله المفسرون أن الله تعالى إذا خرق الناموس والأسباب فلعزته وحكمة يريدها هو، الذي يفعل هكذا بالنواميس هو الحاكم والقادر والعزيز فالله تعالى لا يفعل ذلك إلا لحكمة يريدها ولعزّته هو سبحانه وتعالى فأراد ربنا لا أن يبين قدرته لأن إبراهيم يعلم قدرته لكنه أراد أن يبين عزته وحكمته تبعاً للسياق التي وردت فيه الآية. الآية تحتمل عدة أمور فماذا تريد أنت أن تركزّ؟ ختام الآية تناسب الآية وتناسب ماذا يريد المتكلم من هذه المناسبة؟ هذا لا يتضارب مع السياق وإنما هو على ماذا يريد أن يركز؟ سياق الآية هنا واعلم أن الله عزيز حكيم وقبلها قال إن الله على كل شيء قدير إذن هي متماشية مع السياق.(2/158)
*(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) البقرة) تكررت (ثم) مرتين فهل هي تفيد التراخي في هذه الآية؟( د.فاضل السامرائى)
(فصرهن إليك) أي أملهُنّ إليك. السؤال لم لم يقل فاجعل أو فادعهن؟ (ثم) تفيد الترتيب والتراخي والفاء تدل على التعقيب. (ثم) تفيد معنيين (ثم اجعل عل كل جبل) معناه هناك أكثر من جبل هناك صعود جبال أربعة أولاً حتى يجعل لإبراهيم سعة في أن يلتقط الطير لو جاء بالفاء لم يجعل له سعة وإنما (ثم) يجعل له متسعاً في الحركة هذا أمر والأمر الآخر هذا يدل على قدرة الله لأنه بمرور الزمن اللحم قد يفسد وكلما كان أقرب للذبح سيكون أسرع في الحياة والعجينة واحدة لكن حتى يبين أنه حتى لو تأخر الوقت وفسد اللحم سيحصل الأمر لو قال (ثم) لم يفد هذا المعنى، ليجعل لإبراهيم سعة في الحركة وينتقل من جبل إلى جبل هذا يحتاج وقتاً فجاء بالفاء سيجعل له متسع في الحركة لو جاء بالفاء لا يجعل له متسعاً في الحركة ثم يدل على قدرة الله لأنه حتى لو تأخر الوقت سيحصل الأمر الطيور ستأتيك مسرعة حتى لو تأخر الوقت وهذا أدل على قدرة الله بينما لو جاء بالفاء لم يفد هذين المعنيين.
*ما اللمسة البيانية في كلمة (لكن ليطمئن قلبي) على لسان إبراهيم في آية 260 من سورة البقرة؟و قصة عزير؟(د.حسام النعيمى)(2/159)
الكلام على لسان إبراهيم - عليه السلام - (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) البقرة) ينبغي أن نتذكر أولاً أن إبراهيم - عليه السلام - في هذا الطلب كان يخاطب الله سبحانه وتعالى وكان الله تعالى يخاطبه وليس وراء مخاطبة الله عز وجل إيمان. يعني لما يكلّم الله عز وجل ويسمعه ويسمع كلام الله تعالى هل يحتاج إلى إيمان فوق هذا؟ هل يحتاج إلى دليل؟ هو يناجي ربه وربه يخاطبه إذن المسألة ليست مسألة إيمان أو ضعف إيمان أو محاولة تثبيت إيمان لأن مخاطبة الله عز وجل هي أعلى ما يمكن أن يكون من أسباب الإيمان. وهو أي إبراهيم - عليه السلام - الأوّاه الحليم، كليم الله عز وجل . فالقضية ليست قضية إيمان بمعنى أنه كان يمكن في غير القرآن أن يقال (أرني كيف تحيي الموتى ليطمئن قلبي) لماذا دخلت (أولم تؤمن قال بلى)؟ الله سبحانه وتعالى يعلم أنه مؤمن لأنه يكلّمه فكيف لا يؤمن. والتساؤل هو لتقرير أمر كما قال الله عز وجل في سورة المنافقون (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)) كان يمكن في غير القرآن أن يقول (قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يشهد أن المنافقون لكاذبون) وإنما وضع بين هذه وهذه (والله يعلم إنك لرسوله) لدفع ما قد يتوهمه إنسان أن تكذيب الله عز وجل لهم في الرسالة فجاءت في مكانها وهي جملة إيضاح وتثبيت معنى.(2/160)
هنا قال (أولم تؤمن قال بلى) هذا للسامعين لأن السامع لما يسمع إبراهيم - عليه السلام - يقول: أرني كيف تحيي الموتى سيسأل : ألم يكن إبراهيم كامل الإيمان؟ فحكى لنا قال (أولم تؤمن قال بلى) إذن أثبت الإيمان لإبراهيم - عليه السلام - حتى لا يخطر في قلوبنا أن إبراهيم - عليه السلام - طلب هذا الأمر ليثبت إيمانه وهو مؤمن. إذن ما موضع الإطمئنان هنا؟ علماؤنا يقولون أن إبراهيم - عليه السلام - كليم الله عز وجل الأوّاه الحليم كان في قلبه شيء يريد أن يراه، أن يلمسه، أن يرى سر الصنعة الإلهية، أن يرى هذه الصناعة كيف تكون؟. القلب نقول أنه غير مطمئن إذا كان يشغله شيء. (أرني) تعني أريد أن أرى رؤية العين لأن إحياء الموتى لا يُرى فهو كان يتطلع إلى أن يرى هذا الشيء . والله تعالى لم يجبه لِماذا تريد أن ترى؟. هؤلاء الأنبياء مقرّبون إلى الله سبحانه وتعالى هو يختارهم فلا يفجأهم بردٍ يضربهم على أفواههم، لا. كما قلنا (أولم تؤمن) إعلام للآخرين حتى يثبت إيمان إبراهيم - عليه السلام - وأنه كان يريد أن يرى كيف تعمل يد الله تعالى في إحياء الموتى ولذلك قيل له: خذ أربعة من الطير. الأربعة يبدو أن الجبال التي حوله كانت أربعة والجبل هو كل مرتفع صخري عن الأرض وإن كان قليلاً. (فصرهن إليك) أي إحملهن إليك حتى تتعرف إليهن وترى أشكالهن وهي أيضاً تشم رائحتك وتتعرف من أنت. ما قال القرآن قطّعهن لأن هذا معلوم من كلمة (واجعل على كل جبل منهن جزءاً). إذن أربعة طيور قسمهن أربعة أقسام ومن كل طير وضع قسماً على جبل فاجتمعت. جميعاً بمجرد أن ناداها وجاءت إليه مسرعات (يأتينك سعيا).(2/161)
هذا ليس مجرد إخراج ميت إلى الحياة وإنما بهذا التقسيم إبراهيم - عليه السلام - كان يريد أن يرى هذا الشيء ليس شكّاً فرأى يد الله عز وجل كيف تعمل شيء أحبّ أن يراه ولا علاقة له بقوة الإيمان لأن إيمانه لا شك فيه وأثبته لنا القرآن الكريم بعبارة (أولم تؤمن قال بلى) كان يمكن في غير القرآن أن تحذف هذه العبارة.
في موقف شبيه قصة العزير (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) البقرة) أراه مثالاً في نفسه هو. مسألة إحياء الموتى كانت تداعب أذهان وفكر الكثيرين من باب الإطلاع على الشيء ولمعرفته وليس للشك لأنه كان هناك يقين بأن الله تعالى يحيي الموتى وهذا هو الإيمان.
*(قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ (260) البقرة) ما دلالة (من) في قوله (من الطير)؟ ( ورتل القرآن ترتيلاً)
وهل تفيد معنى زائداً فيما لو قال: فخذ أربعة طيور؟ جيء بـ (من) في الآية لتدل على التبعيض وهذا ما يضيف معنى آخر وهو التعدد والاختلاف خلافاً لقولنا أربعة طيور فهذه العبارة لا تدل على تعدد أنواعها فقد تكون الطيور من صنف واحد وقد دخلت (من) على هذه الآية لتدلنا على التعدد والاختلاف حتى لا يتوهم مشكك بأن بعض الأنواع أهون بالإحياء والبعث من بعض.(2/162)
*(ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا (260) البقرة) السعي هو نوع من أنواع المشي لا من أنواع الطيران فلِمَ خصّ ربنا تعالى إجابة الطيور بالسعي لا بالطيران مع أن هذا مخالف لطبيعة الطير؟( ورتل القرآن ترتيلاً)
جعل الله سبحانه وتعالى هذا السعي دليلاً وآية على عودة الحياة بعد موت والحياة التي رُدّت إليهن مخالفة لحياتهن السابقة ولذلك عجزن عن الطيران لأنه غير معهود بهذه الحياة الجديدة.
*ما اللمسة البلاغية فى قوله تعالى (سعياً)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا (260) البقرة) أبلغ من ساعيات لأن أخبرت عن الذات بالحدث المجرد كأنه ليس شيء يثقله من الذات أصبح حدثاً مجرداً. مثل قوله تعالى (ولا تمش فى الأرض مرحاً) حال جاء بها على وزن المصدر (مرح) هذا يفيد المبالغة إذا أتيت بالحال مصدراً فهو المبالغة قطعاً عندما تقول جاء ركضاً أبلغ من جاءك راكضاً في الأرض مبالغة في المشي، ومرحاً مبالغة.
آية (261):
* (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ (261) البقرة) ما وجه الخصوصية في الحبّة التي اختارها الله تعالى للدلالة على مضاعفة الأجر والثواب؟( ورتل القرآن ترتيلاً)
جعل الله سبحانه وتعالى الحبة مثلاً لمضاعفة الأجر والثواب لأن تضعيفها ذاتيّ فهي تزداد وتنمو وتخلف بنفسها لا شيء يزاد عليها وكذلك الحسنة يضاعفها الله تعالى بذاتها لا بعمل آخر يضاف إليها.
*متى يستعمل جمع القلة وجمع الكثرة في القرآن الكريم مثل كلمتي (سنبلات) و(سنابل) ؟ (د.فاضل السامرائى)(2/163)
القاعدة النحوية أن يكون جمع القلة للقلة وجمع الكثرة للكثرة. مثل (دراهم معدودة) جمع قلة و(دراهم معدودات) جمع كثرة، و(أربعة أشهر) جمع قلة و(عدة الشهور) جمع كثرة، (سبعة أبحر( جمع قلة و(وإذا البحار سُجّرت) جمع كثرة، (ثلاثة آلآف) جمع قلة و(ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) أكثر من عشرة جمع كثرة.
جمع المذكر السالم والمؤنث السالم من جموع القِلّة خاصة إذا كان معه جمع آخر يدل على الكثرة فإذا لم يكن معه جمع آخر يستخدم للقليل والكثير. مثلاً جمع ساجد ساجدون وسُجّد وسجود . عندنا أكثر من جمع فتكون ساجدون للقلة لأنه يوجد مجموع للكثرة والجموع في العربية 47 منها 4 للقلّة (أفعُل، أفعال، فِعلة، أفعِل) والباقي للكثرة.
ويجوز أن يستعمل القلة للكثرة والكثرة للقلة حسب المقام أما في القرآن قد يُعطى وزن القلة للكثرة والعكس لأمر بليغ.
سنبلات قِلّة وسنابل للكثرة. العدد واحد سبع وسبع في الآيتين فلماذا استعمل القِلة مرة والكثرة مرة؟ وقد جاء في سورة البقرة (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {261}) سبع جمع قلة استعملت مع جمع كثرة لأنها في مقام مضاعفة الأجور والتكثير. وفي سورة يوسف (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ {43} ) سبع استعملت مع جمع القلة (سنبلات) لأن الآية تتحدث عن رؤيا ولا مجال للتكثير فيه إنما هو مجرد حلم لذا استعملت بمعنى القلة ونقلها كما هي (سنبلات) فالسياق في مقام ذكر حادثة كما هي.(2/164)
وتستعمل للمقارنة بين معنيين مثل: قيام جمع كثرة وقائمون جمع قلة وكذلك أعين للبصر وعيون للماء، والأبرار جمع قلة وهي تستعمل للمؤمنين فقط (إن الأبرار لفي عليين) والبررة جمع كثرة وهي تستعمل للملائكة فقط لأنهم أكثر (كرام بررة).
وقوله تعالى (دراهم معدودة) مناسبة مع كلمة (بخس في قوله (وشروه بثمن بخس) في سورة يوسف (أكثر من عشرة فهي كثرة) لكن حتى لو دفعوا أكثر من عشرة دراهم يبقى ثمناً بخساً. وقوله (أياماً معدودات) في آية الصيام في سورة البقرة، قللّها فهي أيام معدودات ليس كثيرة وهنا تنزيل الكثير على القليل، وقد قلل أيام الصيام لكن أجرها كبير.
*ما الفرق بين سنابل وسنبلات ؟(د.أحمد الكبيسى)(2/165)
كما في قوله تعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ (261) البقرة) و(وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ (43) يوسف) رأى الملك رؤيا سبع سنبلات وحدها في الصحراء في حديقة وحدها يعني هي واحدة اثنتان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة في حديقة في صحراء رآها وحدها، أما في قوله تعالى (سنابل) سبع سنابل في حقل من السنبل، سبع سنابل محددة معينة لها ميزة في حقل كبير من السنبل وهي ليست منفردة أو منقطعة وهذا الفرق بين واحد لا يعمل عملاً صالحاً إطلاقاً في حياته كلها عمل سبع عملات هذا سبع سنبلات وواحد من الصالحين يصوم ويصلي وهو ملتزم لذلك حسناته لا حصر لها لكن فيها سبعة في غاية الروعة والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" معناها هؤلاء جزء من كل. حينئذ هذا الكتاب العزيز فيه عجائب وفيه إعجاز لا يمكن لك أن تتصورها إلا أن نبدأ بها واحدة واحدة كما انتيهنا من الكلمة وأخواتها وبدأنا في هذا البرنامج " وأُخر متشابهات" والله سبحانه وتعالى إذا مدّ في أعمارنا يكون لنا شأناً آخر.
آية(262):
*ما الفرق من الناحية البيانية في ذكر الفاء (فلَّهُمْ أَجْرُهُمْ) وحذفها (لَّهُمْ أَجْرُهُمْ) في آيتي سورة البقرة؟
* د.فاضل السامرائى :
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {262}) و(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {274}).(2/166)
ذكر الفاء في الآية الثانية جاء حسب ما يقتضيه السياق. والذكر هنا يسمّى تشبيه من أغراضه التوكيد وقوله تعالى (بالليل والنهار سراً وعلانية) فيها توكيد وتفصيل في الإنفاق ودلالة على الإخلاص فاقتضى السياق زيادة التوكيد لذا جاء الفاء في مقام التوكيد والتفصيل. أما الآية الأولى فذكر فيها الإنفاق في سبيل الله ولم يفصل (بالليل والنهار أو سراً وعلانية) فاقتضى الحذف.
الفاء كما هو معلوم للتعقيب مع السبب، التعقيب أي يأتي بعدها مباشرة، في عقب الشيء. أما الواو فهي لمطلق الجمع ولا يدل على ترتيب أو تعقيب . الفاء تفيد التعقيب وتأتي للسبب، سببية درس فنجح، الواو ليس فيها سبب. هذه أحد الأسباب درس فنجح.(2/167)
لماذا جاء بالفاء في الثانية دون الأولى؟ الفاء واقعة في جواب إسم الموصول وهنا الإسم الموصول مشبّه بالشرط وإسم الموصول أحياناً يشبّه بالشرط بضوابط فتقترن الفاء في جوابه كما تقترن بجواب الشرط وكل واحدة لها معنى. مثال: الذي يدخل الدار له مكافأة والذي يدخل الدار فله مكافأة. الأولى فيها احتمالان إما أنه له مكافأة بسبب دخوله الدار كأن الدار مقفلة وهو يفتحها أي أن المكافأة مترتبة على دخول الدار وإما أن يكون للشخص الذي يدخل الدار له مكافأة بسبب آخر. إذن فيها احتمالان عندما لا تذكر الفاء. إذا ذكرت الفاء فلا بد أن المكافأة مترتبة على الدخول قطعاً وليس لأي سبب آخر وهذا تشبيه بالشرط أي أن المكافأة شرط الدخول في الدار. أيضاً هناك ملاحظة أنه في تشبيه الموصول بالشرط أحياناً يكون الغرض من ذكر الفاء هو التوكيد أي أن ما يُذكر فيه الفاء آكد مما لم يذكر كقوله تعالى (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) بدون فاء والثانية (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) زاد بالليل والنهار وسراً وعلانية أيها آكد؟ التي فيها الفاء، الآية الأولى قال فقط (ينفقون أموالهم في سبيل الله) أما الثانية فقال (بالليل والنهار سراً وعلانية) حدد أكثر. في جواب اسم الموصول احتمالين تشبيه جواب الموصول بالشرط إما أن يكون السبب بمعنى أداة الشرط وإما لزيادة التوكيد.
*د.أحمد الكبيسى:
((2/168)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ {262} البقرة) (لهم أجرهم) ، نفس الآية في سورة البقرة (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ {274} البقرة) (فلهم أجرهم) بالفاء، أنت لاحظ هذا الكتاب العزيز الحرف يغير المعنى تماماً كما شاهدنا في كل حلقة ولهذا الحرف في كتاب الله آية (من قرأ حرفاً في القرآن فله عشر حسنات لا أقول آلم حرف ولكن ألفٌ حرف ولامٌ حرف وميمٌ حرف) فمن قرأ آلم له ثلاثين درجة فهي ليست كلمة واحدة حينئذٍ لماذا؟ لأن لكل حرفٍ معنى يغير النسق الآية وسياقها واتجاهها .(2/169)
لما قال لهم أجرهم كشخص دخل على ملك وسلم على الملك وقال له استرح كيف حالك ترى أنت إنسان طيب أنت كريم وانتهى الأمر. أما الثاني الذي جاء ليسلم على الملك قام الملك في وجهه نهض استقبالاً وقال أشهدكم أن هذا الرجل من الكرام هذا من الأجاود هذا من الطيبين يعني بدأ يمدح فيه علناً هو أراد أن يقول عن كلا الرجلين أنهم كرام لكن هنا قالها بشكل آخر بشكل فيه عناية وفيه قوة وفيه إصرار مما يدل على أن هديته وهبته وهبة الملك ستكون بلا حساب. الآخر الملك يحبه على قدر حاله قال له أنت كريم لكن هذا يبدو كرمه عجيب ولهذا الحروف عجيبة رب العالمين كان يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم أنت على خلقٍ عظيم عبارة جميلة عربية فصيحة جملة مفيدة مبتدأ وخبر أنت يا محمد على خلقٌ عظيم واضحة لكنه قال (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4} القلم) زاد الحرف واو والحرف إن والحرف لام كل واحدة فيها معنى الواو قسم قال له وعزتي وجلالي إنك لعلى خلق عظيم هذه الواو إن للتأكيد كما تعرفون هذه إن وأخواتها للتأكيد أن هذه قضية مؤكدة ما تقبل النقاش ولا أغير رأيي فيك إطلاقاً (وَإِنَّكَ) لعلى لام التأكيد حينئذٍ الأولى واو للقسم إن لمن ينكر أنا أقول أنت ناجح شك فأقوله وأنك لناجح أي أقسم بالله أنك ناجح لما أقول أنك فيأتي شخص ينفي هذا فأقول وإنك لناجح إن للتأكيد واللام للتصديق. إذاً كل حرف يعطيك معنى جديداً ينتقل بالجملة بالآية بالكلمة إلى معانٍ وآفاق أخرى لا يمكن أن تأتيك إلا بهذا الحرف من هنا هذا المتشابه في القرآن الكريم على غرار ما تكلمنا في الكلمة وأخواتها كيف أن المترادفات كل واحدة عالم هذا لب أو من المهمات في كتاب الله عز وجل التي تفتح لك آفاقاً يعني كثر خيرك إذا استطعت أن تقرأ في اليوم صفحة لأنك تقرأ بعلم والعلم بالقرآن شيء والقراءة بالقرآن شيء آخر كل الناس تقرأ القرآن وعمل عظيم وفي غاية الجمال لكن(2/170)
لذا (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ) أو (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) لهم أجرهم أجر عام كمن لو أعطى تمرة النبي قال (اتقوا النار ولو بشق تمرة) والآية نزلت على الذي أحضر تمرتين ليس لديه غيرهما والمنافقين يضحكون عليه هي تمرتين لكنها عند الله عظيمة هؤلاء لهم أجرهم لكن واحد (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {133} الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ {134} آل عمران) سواء كان لديه أو لم يكن لديه شيء وهذه الآية تقول (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) لم يقل ينفقون من أموالهم بل ينفقون أموالهم كل الذي عنده يشارك جيرانه وأهله والفقراء بكل الذي عنده ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة قال هؤلاء (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) مثل الوعد الهائل من ملكٍ قادر فلهم أجرهم أي سأعطيهم عطاء ولهذا مقدمة هذه فلهم أن هؤلاء أصحاب إنفاق متميز كل الذي عنده في سرائه وضرائه إذا جائع أو عطشان أو مريض يعطي فقير أو غني يعطي لا يمن ففيه صفات وقيود تجعل هذا الإنفاق من النوع الراقي جداً. ولهذا أنت لاحظ الثلاثيات والرباعيات في القرآن ما من مجموعة عبادة إلا وفيها في النهاية (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ {3} البقرة) الشورى الجهاد الكفاح العلم يأتي وراءها (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) معناها أن هذا الإنفاق لب العبادات هكذا.(2/171)
إذاً (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) و (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) إذاً طريقة إنفاقك من كل ما تملك لا يعني هذا أن تعطيهم كل ما تملك لكن أنت ممتلكاتك قليلة فتؤثر على غيرك ولو كان بك خصاصة وبحرية وبطيبة نفس ولا تمن ولا تؤذي هذا يوم القيامة أجره عجيب لأن الإنفاق (كل امرئٍ يوم القيامة في ظل صدقته) يعني أعظم أنواع الشفاعات والوسائل المنجية الصدقات ولهذا قال (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) والثانية قال (لَهُمْ أَجْرُهُمْ).
آية (264):
* لم ختمت الآية بقوله تعالى:( وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) لماذا لم يقل الظالمين؟( د.فاضل السامرائى)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) قال (وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) هذا كافر ولو قال ظالم فالظالم ليس بالضرورة كافر فقد يكون ظالماً غير كافر إنما هذا هو كافر لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر لو قال ظالمين لا تعني أنه كافر. حتى لما قال (لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ) وصف الذين كفروا أعمالهم (كسراب بقيعة) (كرماد اشتدت به الريح).
*ما الفرق بين(وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) – (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ)؟(د.أحمد الكبيسى)(2/172)
في سورة البقرة (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ {264} البقرة) (وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) في سورة النساء (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ {38} النساء) فيها (ولا) زيادة هناك (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هنا (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) (ولا) ما الفرق بينهما؟ وفي سورة التوبة أيضاً (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ {29} التوبة) إذاً في سورة النساء والتوبة (لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر) وفي البقرة (يؤمن بالله واليوم الآخر)، الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر كافر شخص يقول أنا لا أؤمن بالله ولا في الآخرة أنا أعبد الأصنام وإذا مت صرت تراباً لا يوجد لا قيامة ولا الخ هذا لا يؤمن بالله واليوم الآخر هذا إعلان الكافر هو قال أنا رجل شيوعي أنا أمام الناس شيوعي وحزبي الشيوعي أنا ستالين أنا لينين أنا غورباتشوف لا يوجد لا الله ولا الخ هذا (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هو معلن عن كفره وشركه بالله لا يوجد الله أصلاً بالنسبة له فهو ملحد هذا لا يؤمن بالله واليوم الآخر وهذا أصدق من الأول. الأول يدعي أنه مؤمن فهو يقول أنه مؤمن وأنه مؤمن بوجود الله لكنه كذاب دجال يعني فقط بالظاهر فهو منافق يقول أنا أؤمن بالله واليوم الآخر فالله قال له لا أنت لا تؤمن لا بالله ولا باليوم الآخر.(2/173)
فحينئذٍ هذا الفرق فقوله تعالى (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هذا منطق الكفار جميعاً ولما يقول لك (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هؤلاء المنافقون فالمنافق كافر لكن يدعي أنه هو مؤمن ولا يتبع الإيمان ومتناقض (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ {8} يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ {9} البقرة) هذا الذي الله يقول عليه (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) لاحظ، مثلاً كشخص جاء وقال لك أنا راسب خلاص هذا فلان راسب بالدروس لكن لو قال لا أنا ناجح في الرياضيات والإنجليزي المدير قال له لا أنت لست ناجح لا بالرياضيات ولا بالإنجليزي أنت كاذب. جداً واضح هذا الفرق بين (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) فهو مشرك عادي ومعلن هذا ولا يغيره فهو يقول لا يوجد الله ولا آخرة ولا حساب ولا كتاب وآخر وهو غير مؤمن أيضاً لكن يخفي هذا الأمر إما لطمع أو خوف أو نفاق أو لآخره قال هذا الذي قال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) هذا الله يقول عليه (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هذا الفرق بين التعبيرين.
*ما دلالة التقديم والتأخيرفى قوله تعالى(لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا {264} البقرة) - (لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ {18} إبراهيم)؟(د.أحمد الكبيسى)(2/174)
نفس الاثنين الله يقول عن الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر يقول (لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا {264} البقرة) ومرة ثانية يقول عليه (لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ {18} إبراهيم) يعني آيتين عجيبتين ما الفرق بينهما؟ وحينئذٍ رب العالمين يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {264} البقرة) على شيءِ مما كسبوا، في مكان آخر في آية أخرى (لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ) ما الفرق بينهما؟ أنا أقول لك أنت لا تملك شيئاً من مالك أو أقول أنت لا تملك من مالك شيئاً لغة أعجوبة. رب العالمين عندما اختار هذه اللغة العربية حسّنها ورقّاها حتى وصلت إلى قمة رقيها فنزل القرآن على تلك القمة وما كان للغة أخرى غير العربية أن تحمل هذا المطلق الإلهي والفهم النسبي. هذا الكلمة القرآنية تعطيك معنىً جديداً إلى يوم القيامة معبأة بمعانٍ لا تنضب وكل واحد على قدر ثقافته وفهمه وعقله وحضارته وعصره وحاجاته يستطيع من الجملة الواحدة من الآية الواحدة أن يستنبط فيها حكماً جديداً مدللاً عليه لم يخطر على بال الأجيال الذين سبقوه. لما نقول نحن لدينا كافر ومنافق كما قلنا قبل قليل أن هناك فرق بين الاثنين بين كافر وبين مؤمن لكن مؤمن منافق، الكافر لا يقدر على شيء مما كسب ليس لديه كسب يعني واحد يقول لا يوجد إله وفرضنا تصدق هل له أجر؟ الجواب لا.(2/175)
عمل مشروع عظيم ولكنه لا يؤمن بالله مثلاً هؤلاء الشيوعيين في روسيا الذين كانوا ينكرون وجود الإله عمل خدمات للبشرية اخترع شيئاً اخترع سيارة أو طيارة أو دواء ليس له فيها أجر والله تعالى يقول (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ {7} آل عمران) لكي يكون لك أجرٌ على الإبداعات اختراع البنسلين واختراع الأسبرين واختراع الطيران يعني خدمات ناس قدمت خدمات للبشرية والله كلما ركبت طيارة أو سيارة أو قطار أو ما شاكل ذلك تقول ما هذا؟ العالم أصبح جميلاً أصبح مريحاً ناس بعقولها اخترعت هذا هؤلاء من كان منهم يؤمن بالله قال لا أنا أؤمن بأن الله وهو رب العالمين إله الناس وهناك يوم القيامة وحساب وكتاب هذا له أجره عند الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) وشخص آخر قال لك لا يوجد إله أنا شيوعي هذا عمل أعمال صالحة لكن ليس له شيء فالذي هو يعتقد بأن الله موجود هذا انتهينا هذا يقدر على شيء مما كسب. المنافق والمشرك، المنافق تكتب حسناته نقول عنه مؤمن أنا مسيحي أنا يهودي أنا مسلم لكنه كاذب هو منافق، في الأعماق هو ملحد فهناك من الناس من ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أعلن الكفر وأعلن الإسلام وأخفى الكفر وارتدوا بعد ذلك فهذا كونه مسلم تكتب له وتسجل له أعمال حسنة لكن ليس له منها شيء. عنده فلوس وأموال لكن لا يستطيع أن يسحب ولا درهم محجور عليه هذا (لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ).(2/176)
ذاك الذي هو يقول لا يوجد الله هذا (لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) ليس لديه كسب أصلاً ليس لديه كسب لا يستطيع أن يأتي بما فعل لكي يضعه في حسابه (لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) يعني لا يمكن أن تأتي بهذه الحسنات يضعها في حسابه في بنك الرحمن عز وجل إذاً هو أصلاً كافر والكافر لا يحاسب على الفروع وليس له أي عمل، الإيمان شرط العمل. الثاني المنافق لا هو في الظاهر مؤمن هو مواطن. يعني نفترض جدلاً أن لدينا شخص مندس هنا وهو جاسوس للعدو لكن لديه جواز سفر وهو جالس هنا في الظاهر هو منتمي هذا في الظاهر يدخل ويخرج لا بأس لكن ليس له قدرة على أن يكون في أي مكان لأن الدولة تعرف أن هذا مندس. هذا الفرق بين الملحد وبين الكافر المشرك العلني فالمشرك (لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) والمنافق الذي يعلن الإيمان والإسلام (لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ) هذا هو الفرق بين هاتين الآيتين.
آية (265):
*ما معنى طلّ في الآية (فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ)؟( د.فاضل السامرائى)
الطلّ هو الندى
* ما الفرق بين خبير وبصير في الآيتين (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) النساء) (وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) البقرة)؟( د.فاضل السامرائى)(2/177)
البصير، البصر يؤخذ من أمرين، البصر يأتي بمعنيين في اللغة إما البصر هي الحاسة التي ينظر بها الباصرة ويأتي لما في القلب الإبصار بالقلب ربنا يسميه بصيرة ،البصيرة في القلب والبصر ليست العين وإنما الرؤية وهذا الفرق بين النظر والبصر. إذن كلمة بصير فيها أمران بصير ضد الأعمى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (16) الرعد) من ناحية الرؤية، وبصير لمن كان قلبه بصيراً عنده معرفة في قلبه. الخبير العليم ببواطن الأمور فربنا لما يقول (إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) فاطر) يعني محيط ببواطن الأمور وظواهرها. بواطن الأمور من خبير وظواهرها من بصير الأصل الأول هو الإبصار. البصير من الإبصار ومن قوة القلب، إذن خبير العلم ببواطن الأمور خبير بصير يعني عليم ببواطن الأمور وظواهرها ولعلمه ببواطن الأمور فمن باب أولى أنه عليم بظواهر الأمور.
آية (266):
*انظر آية (187).???
* ما معنى الضعف في القرآن في قوله تعالى (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) البقرة) وقوله تعالى (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28) النساء)؟(د.حسام النعيمى)(2/178)
كلمة الضعف ضد القوة إما القوة المادية أو القوة المعنوية. في الآية الأولى (266) البقرة) هي مثال لمن يحوّل عمله الصالح إلى سيء. سؤال بصورة (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ) هذه جنة الدنيا حديقة واسعة فيها من كل الثمرات والأنهار تجري من تحتها ، ماذا يريد الإنسان بعد هذا من حيث الجانب المادي؟ وأصابه الكبر لا يستطيع أن يزرع (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء) هذا الرجل الكبير عنده أطفال صغار السن (فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت) مصيبة عظمى وهذه الصورة التي يرسمها القرآن صورة جنة أثمار وأعناب ونخيل والعربي يحب النخلة ولا يترك شيئاً منها بدون إستفادة منه، الثمرة يستفيد منها والنواة والسعف والجذع بعد أن يموت يجعله سقفاً لبيته، هناك علاقة بالنخلة لذا يذكر القرآن بها. الذرية ضعفاء ما عندهم قوة لإعادة الزراعة واحترقت الجنة وهذه مصيبة عظمى، هكذا شأن الذي يتحول من الإيمان إلى الضلال والمعصية والكفر.
الضعف فيه لغتان: بفتح الضاد (الضَعف) وبالضم (الضُعف). هما لهجتان عربيتان فصيحتان نزل بهما جبريل - عليه السلام - على صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يعترض أحدٌ على أحد.
أما الضِعف بالكسر فيعني المكرر، ضِعف كذا يعني مرة بقدر شيء آخر ضِعفه وليس مرتين كما هو الشائع. تقول هذا ضِعف هذا أي بقدره فإذا أردت بقدر مرتين تقول ضِعفين.
* هل يحتمل معنى قوله تعالى (جنات تجري من تحتها الأنهار) أن الجنات تجري؟( د.فاضل السامرائى)(2/179)
لا أعلم إذا كانت الجنات تجري لكن بلا شك أن الأنهار تجري فالجريان يكون للأنهار في الدنيا كما في قوله تعالى في سورة البقرة (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)) وقال تعالى في سورة طه (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)) وفي سورة يونس (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)) لكن هل هناك أمر آخر أن الجنات تجري؟ الله أعلم لكن الأمر فيها أن قطعاً الأنهار تجري ويمكن من قدرة الله تعالى أن تجري الجنات في الآخرة ولكن هذا ليس ظاهراً مما نعرفه.
آية (267):
* ما دلالة الاختلاف في نهايات الآيات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) ،(قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) ، وفي الآية (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) البقرة)؟( د.فاضل السامرائى)(2/180)
نأخذ كل آية في سياقها (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) لما ذكر الأذى ناسب ذكر الحلم لأن الحليم لا يعجل بالعقوبة ولا يغضب سريعاً إذا أُوذي فلما ذكر الأذى ناسب ذكر الحِلم. الآية الأخرى ليس فيها ذكر أذى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) هذه ليس فيها أذى وإنما إنفاق ما هو خِلاف الأَوْلى، أنت أنفقت من الخبيث والله غني عن هذا. الله تعالى قال (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ) والناس يجب أن تنفق الطيب وليس الخبيث الرديء، أنت تنفق الخبيث في سبيل الله والله غني عن هذا. الآية الأولى فيها أذى فناسب ذكر الحليم وهذه فيها خلاف الأولى في الإنفاق فالله غني وحميد فذكر فيها (حميد) لأنه يجب أن تفعل حتى تُحمد على ما تُنفق. (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) واسع بالرحمة والفضل، هو واسع المغفرة والفضل عليم بما تنفقون فيجازيكم على ما تنفقون فهو واسع العطاء واسع الخير واسع الرحمة وعليم بما تفعل فيجازيك فلماذا تخشى الفقر؟ الشيطان يعدكم الفقر والله تعالى واسع العطاء وواسع المغفرة وواسع الرحمة فلماذا تخشى الفقر، فواصل الآية نفهمها من السياق.
آية (268):(2/181)
*(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء (268) البقرة) فلِمَ قدّم ربنا سبحانه وتعالى الفاعل على فعله؟( ورتل القرآن ترتيلاً)
الفاعل هو الشيطان والفعل يعدكم قال تعالى (الشيطان يعدكم) ولم يقل يعدكم الشيطان بل قدم الفاعل على فعله؟ إن في تقديم إسم الشيطان وابتداء الآية به إيذاناً لك أيها المؤمن بذمّ الحُكم الذي سيأتي بعده لتحذر الوقوع به. ألا ترى أنك تحذر السامع فتقول له: السفاح في دار صديقك وذلك بخلاف قولك: في دار صديقك السفّاح.
آية (269):
*قال تعالى: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (269) الآيات السابقة واللاحقة للآية تتحدث عن الإنفاق فهل من أوتي الحكمة فهو ينفق أو من ينفق يؤتى الحكمة؟( د.فاضل السامرائى)
الآية الكريمة (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (269) طلب المغفرة والفضل من الله هو إنما من الحكمة يعني لقد أوتي صاحبها من الحكمة ومن الخير أكبر وأوسع مما في المال من أوتي خير كثير أكثر من هذا المال الذي يظنه السائل. (وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً) ثم قال (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء) الذي يطلب المغفرة والفضل هو لا شك هذا خيره أكبر من مجرد المال مهما كان هذا المال، أوسع من المال إذن داخل في الخير وداخل في الفضل وداخل في المال وداخل في كل شيء ففيها ارتباط والكلام عام.
*ما المقصود بالحكمة فى قوله تعالى ("ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" البقرة 269)؟ولمِ َلم تنسب لله عز وجل؟( د.فاضل السامرائى)(2/182)
الحكمة هي وضع الشيء في محله قولا وعملا، أو هي توفيق العلم بالعمل، فلا بد من الأمرين معا: القول والعمل، فمن أحسن القول ولم يحسن العمل فليس بحكيم، ومن أحسن العمل ولم يحسن القول فليس بحكيم.فالحكمة لها جانبان: جانب يتعلق بالقول، وجانب يتعلق بالعمل. والحكمة خير كثير كما قال الله تعالى(ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا(269) البقرة فالله تعالى مؤتي الحكمة ولذلك نلاحظ أنه تعالى قال: " وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ"
قال (آتينا) بإسناد الفعل إلى نفسه، ولم يقل: لقد أوتي لقمان الحكمة، بل نسب الإتيان لنفسه. والله تعالى في القرآن الكريم يسند الأمور إلى ذاته العلية في الأمور المهمة وأمور الخير، ولا ينسب الشر والسوء إلى نفسه البتة. قال تعالى: "وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً10" الجن.
أما فى قوله تعالى:(ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا(269) فقد قال عز وجل قبلها: (يؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) فنسب إتيان الحكمة إلى نفسه، ثم أعادها عامة بالفعل المبني للمجهول.
آية (273):
*(لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ (273) البقرة) ماذا أراد ربنا بقوله (لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ) وهل ضرب الأرض فِعل الأغنياء ؟( ورتل القرآن ترتيلاً)(2/183)
هذا وجه بديع من أوجه اللغة العربية وهو باب الكناية والكناية أن تقول كلاماً وتريد ما يلزم عنه. فتقول هذا رجل سيفه طويل يريد ما يلزم عنه وهو طول الرجل فلا يحمل السيف الطويل إلا الرجل الطويل. (لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ) كناية عن عجزهم وفقرهم فهم عاجزون عن التجارة لقلة ذات اليد والضرب في الأرض كناية عن المتاجرة لأن شأن التاجر أن يسافر ليبتاع ويبيع فهو يضرب الأرض برجليه أو بدابته.
آية (274):
*انظر آية (262).???
آية (275):
*(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا (275) البقرة) لِمَ قال (يأكلون الربا) ولم يقل يأخذون الربا مع أن الأكل يختص بالطعام لا بالمال؟( ورتل القرآن ترتيلاً)
نعم الأكل في حقيقته هو ابتلاع الطعام ولكن ربنا عبّر عن أخذ الربا بالأكل ليبين لنا حرص المرابي على أخذ المال بشَرَه.
آية (276):
* (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) البقرة) فلِمَ خصّ ربنا الكافر بعدم المحبة دون المرابي؟( ورتل القرآن ترتيلاً)
تأمل هذا السر البديع في خاتمة الآية فقد ختمها بقوله (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) مع أن بداية الآية توحي أن ختامها : والله لا يحب كل مرابي أثيم، فلِمَ خصّ ربنا الكافر بعدم المحبة دون المرابي؟ إن الإخبار بأن الله تعالى لا يحب جميع الكافرين يؤذن ويشعر بأن الربا شعار أهل الكفر وهو سمة من سماتهم فهم الذين استباحوه. وفي هذا تعريض بأن المرابي متّسمٌ بخلال أهل الكفر والشرك وإن كان مؤمناً.
آية (277):
*انظر آية (262).???
آية (278):
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) البقرة) لِمَ قدّم ربنا تعالى الأمر بالتقوى على الأمر بترك الربا مع أن الآيات تعالج قضية الربا؟( ورتل القرآن ترتيلاً)(2/184)
أُمِر الناس بتقوى الله تعالى قبل الأمر بترك الربا لأن تقوى الله هي أصل الامتثال والاجتناب وترك الربا من جملتها وخصلة من خصال التقوى.
آية (280):
*ما دلالة كلمة ميسرة ؟( د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة البقرة (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {280}).
اليسار هو الغنى المؤقت كالفقير إذا جاءه مال فعليه أن يؤدي دينه وهذا يفسّر أن يُنظر المعسر حتى يزول عذره. وقد يكون الفقير موسراً بين ساعة وساعة ولا يصبح غنياً بين ساعة وساعة وقولنا ذو سعة بمعنى موسّع عليه.(وإن كان ذو عسرة) بمعنى إن وُجِد.
آية (281):
*ما الفرق بين (ماعملت) و (ماكسبت)؟( د.فاضل السامرائى)
قال تعالى(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (111)النحل) و قال (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ (281) البقرة). في آية النحل قال ماعملت. في سياق الأموال يقول (ما كسبت) وفي سياق العمل يقول (ما عملت). في البقرة في سياق الأموال وقبلها أمور مادية من ترك الربا (278) الربا كسب حرام، آية المعسِر (280)، آية الدين (282) البقرة، في سياق الأموال فناسب ذكر الكسب أما آية النحل ليس لها علاقة بالكسب وقال قبلها (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (110) النحل) ليس فيها كسب فالجهاد والفتنة والصبر ليست كسباً. ففي سياق الأموال قال كسب وفي سياق الأعمال قال عمل.(2/185)
في الاية قبلها قلنا أن الكسب منوط بالمال في الغالب ولهذا يقول تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ (134) البقرة) جعلها كالأموال وككسب الإنسان.
*قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) وقال تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) البقرة) الآيتين جملتان وصفيتان فلماذا الحذف (فيه) في إحداها والذكر في الأخرى؟( د.فاضل السامرائى)
السبب أن التقدير حاصل (يجزي فيه) لكن لماذا الحذف؟ الحذف يفيد الإطلاق ولا يختص بذلك اليوم. فالجزاء ليس منحصراً في ذلك اليوم وإنما سيمتد أثره إلى ما بعد ذلك اليوم وكلما يذكر الجزاء يحذف (فيه) (لا تجزي) و(لا يجزي)
أما في الآية الثانية فذكر (فيه) لأنه منحصر فقط في يوم الحساب وليس عموماً. وكذلك في قوله تعالى (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار) اليوم منحصر في يوم القيامة والحساب لذا ذكر (فيه). وحذف (فيه) عندما كان اليوم ليس محصوراً بيوم معين.
آية (282):
*انظر آية (233).???
* ما اللمسة البيانية في الآية (وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ (282) البقرة) ؟ ولماذ ذكر الله ورب في نفس الآية؟( د.فاضل السامرائى)(2/186)
الله غير الرب فالرب هو المربي والموجه والمرشد والمعلم والقيّم ولذلك يصح أن تقول عن إنسان هو رب الدار، رب الشيء،. لفظ الجلالة الله هو إسم العلم من العبادة هو الإله المعبود. (وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ) سبب الإختيار؟ هذه الآية جزء من آية الدين (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا (282) يتكلم عن الدائن والمدين. الدائن أحسن إلى المدين وأجره أعلى من أجر المتصدق لأن المتصدق أجره عشرة أضعاف والدائن ثمانية عشر كما في الحديث لأنه أخرج المحتاج من حاجته إذن الدائن أحسن إلى المدين فعلى المدين أن لا يبخس حق من أحسن إليه، الرب أحسن إلى العبد في تعليمه وتوجيهه إذن الدائن هو الذي أحسن إلى المدين والله هو الذي أحسن إلى الدائن فمكنّ له. وقال في ختام الآية (وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) والمعلم مربي رب فناسب رب من ناحية الإحسان ومن ناحية التعليم. لو قال (وليتق الله) فقط ليس فيها معنى الإحسان والإفادة وأ هذا أحسن إليك فكما أحسن الله إليك وآتاك المال وجعل يدك أعلى، لو قال ليتق ربه كلمة رب لا تعني الله بالضرورة لأن الرب قد تكون رب الدَيْن. أراد أن يجرّدها لله سبحانه وتعالى ولهذا قال (وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ).
*(فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا (282) البقرة) البخس هو النقص فهل اختيار البخس في قوله تعالى (ولا يبخس منه شيئاً) لغاية وسبب؟( ورتل القرآن ترتيلاً)
نعم فالبخس وإن كان بمعنى النقص إلا أنه يدل على الإنقاص بخفاء وغفلة عن صاحب الحق لذلك كان اختيار هذا اللفظ دون غيره.
*(وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ (282) البقرة) ما الفرق بين قولنا (واشهدوا شهيدين) وقوله تعالى (واستشهدوا شهيدين)؟ ( ورتل القرآن ترتيلاً)(2/187)
انظر إلى هذا التصوير البديع الذي ترسمه زيادة السين والتاء في قوله تعالى (واستشهدوا) هذه الكلمة تدل على طلب شهادة الشاهدين وتكليف بالسعي للإشهاد وهذا ما لا يفيده لفظ (وأشهدوا) الذي يدل على مجرد الشهادة.
*ما دلالة (أن) فى الآية (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى (282) البقرة)؟(د.فاضل السامرائى)
كراهة أن تضل إحداهما أو لئلا تضل. أن تميد بكم يقولون كراهة أن تميد بكم أو لئلا تميد بكم (إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) هود) يعني لئلا تكون من الجاهلين.
*(أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى (282) البقرة) في قوله تعالى (فتذكر إحداهما الأخرى) أظهر ربنا سبحانه وتعالى إحداهما مع أن حقها الإضمار فمقتضى الظاهر أن تكون الآية: أن تضل إحداهما فتذكرها الأخرى، فما فائدة تكرار إحداهما أي كما قال تعالى (أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)؟ ( ورتل القرآن ترتيلاً)
تكررت كلمة إحداهما لأن كل واحدة من المرأتين يحوز عليها ما يجوز على صاحبتها من الضلال والتذكير وتكرار كلمة (إحداهما) مع الضلال ومع التذكير لئلا يُتوهم أن إحدى المرأتين لا تكون إلا مذكِّرة للأخرى.
* ما الفرق بين استشهدوا وأشهدوا في آية البقرة (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ (282) وفي نفس الآية (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ (282) ؟( د.فاضل السامرائى)(2/188)
استشهد (إستفعل) يعني احتمال الأول أن يكون للطلب أي اطلبوا شهيدين أو قد يكون للمبالغة أي اطلبوا ممن تكررت منه الشهادة وممن تعلمون قدرته وعلمه على أدائها. الهمزة والسين والتاء للطلب يعني اطلبوا شهيدين ومنها للمبالغة فالهمزة والسين والتاء تأتي لأمور منها هذه، أما أشهدوا فليس فيها هذا الأمر معنى ذلك أن استشهدوا معناها أقوى ولو لاحظنا كيف قال استشهدوا والموضع الذي قال أشهدوا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا (282) تقييدات في حفظ الحقوق (فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) الذي لا يستطيع أن يحفظ حقه قال (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ) في هذا الموقف نطلب من يستطيع أن يتحمل الشهادة أمين قادر على أن يتحمل أداءها قال (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) أما في الثانية قال (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ) في البيع ليس فيه أحد قاصر لا يستطيع أن يمل ماعليه الحق وما إلى ذلك وإنما حالة أكبر فقال (أشهدوا) لأن البيع لا يحتاج.(2/189)
إذن الحالة التي تستدعي دعوة الأمين والقوي والمقتدر والعالم بالشهادة ذكرها في موطنها والتي لا تحتاج ما قال اكتبوها (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا) فيما هو أهم جاء بالفعل الذي يدل على الأهمية الطلب ولمبالغة والأمر الاعتيادي الذي يحصل في الأسواق قال أشهدوا فوضع كل فعل في الموضع الذي ينبغي أن يوضع فيه.
*هل اللام هنا نافية أم ناهية(وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ (282) البقرة)؟( د.فاضل السامرائى)
فى قوله تعالى (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ (282) البقرة) و(لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ (233) البقرة) هذا حكم شرعي. (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ) (لا) ناهية وليست نافية بدليل الراء في (يضارَّ) مفتوحة. هل هي لا يضارَر؟ أي لا يضره أحد أو لا يضارِر، هو لا يضر أحداً؟ محتمل أن الكاتب والشهيد يضغط عليه ويضر عليه ويهدد فيغير من شهادته يحتمل هذا المعنى أو أن الشهيد لا يريد أن يشهد لأسباب في نفسه، يغير في الشهادة. لا يضارَر أو لا يضارِر؟ لو أراد أن يقيّد كان يقول ولا يضارَر فيكون قطعاً هو المقصود (نائب فاعل) لو أراد أن الكاتب هو الذي يُضرِ يقول لا يضارِر. مع أن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن (ومن يرتدد) في مكان وقال (ومن يرتد) في مكان آخر (من يشاقق) و (من يشاق) بدل أن يقول ولا يضارِر أو ولا يضارَر جاء بتعبير يجمعهما معاً يريد كلاهما. إذن لو فك يجعل هناك عطف لكنه أوجز تعبيراً ويجمع المعاني ويسمى التوسع في المعنى.
((2/190)
لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ (233) البقرة) لا يوقع عليها ضرر بحيث الأب يضرها إذا كانت مطلقة؟ أو هي لا تضر زوجها بحيث تمنع إبنها؟ ما المقصود؟ المعنيان مرادان وكلاهما منهي. عندنا باب إسمه التوسع في المعنى في علم المعنى، عندنا دلالة قطعية وعندنا دلالة احتمالية وهذه الاحتمالية تحتمل معاني قد تراد كلها أو بعضها فإذا أريد بعضها أو كلها يسموه التوسع في المعنى.
آية (283):
*(وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ (283) البقرة) فلِمَ أطلق على الرهان إسم الأمانة؟( ورتل القرآن ترتيلاً)
كل من يقرأ هذه الآية يعلم أن الأمانة في قوله تعالى (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) يُراد بها البرهان الذي سبق ذكره (فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ) سمّى ربنا سبحانه وتعالى الدَيْن في الذمة أو الرهن أمانة لتعظيم الحق عند المدين فاسم الأمانة له مهابة في نفس الإنسان لا تضفيه كلمة الرهان وفيها تهويل من عدم الوفاء بالإتفاق لئلا يُسمى ناكث العهد خائناً.
*(وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ (283) البقرة) أليس من الممكن حذف لفظ الجلالة (الله) من الجملة (وليتق الله ربه)؟ فلِمَ ذكر رنا تعالى كلمة (الله) وكلمة (ربه) وهما إسمان لمسمّى واحد؟( ورتل القرآن ترتيلاً)
ذكر إسم الجلالة (الله) في الآية مع أنه يمكن الاكتفاء بقولنا وليتق ربه لإدخال الروع في ضمير السامع ولغرس المهابة في قلبه ليكون حذراً من الإخلاف فاسم الجلالة (الله) له وقع في نفس السامع يشعرك بالمهابة والتعظيم.
آية (284):
*ما دلالة تقديم وتأخير كلمة تخفوا في آية سورة البقرة وسورة آل عمران؟
د.فاضل السامرائى :(2/191)
قال تعالى في سورة البقرة (لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {284}) وقال في آل عمران (قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {29}). المحاسبة في سورة البقرة هي على ما يُبدي الإنسان وليس ما يُخفي ففي سياق المحاسبة قدّم الإبداء أما في سورة آل عمران فالآية في سياق العلم لذا قدّم الإخفاء لأنه سبحانه يعلم السر وأخفى.
د.أحمد الكبيسى :(2/192)
نهايات سورة البقرة (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {284} البقرة) تبدوا أولاً وتخفوا ثانياً هذه في البقرة، وفي آية أخرى يقول (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ {29} آل عمران) إذاً مرة بدأ بما تخفيه أنت في صدرك أو تبديه في الثانية بدأ بما تبديه أولاً ثم تخفيه فلماذا قدّم؟ لماذا مرة قال أهم شيء عندك الذي تخفيه ومرة أهم شيء عندك الذي تبديه؟ فمرة بدأ بتخفيه وهو مهم مرة بدأ بتبديه فهو مهم إذاً لماذا هناك الإخفاء أخطر وهنا الإبداء أخطر؟. الذي حصل ما يلي كما تعرفون أولاً رب العالمين تكلم مرة عن المحاسبة ومرة عن العلم لما يقول (يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) يعني بالشر الشر عادة يُخفى ولا يُظهر فرب العالمين يخاطب الذين يخفون الشر ويفعلونه كثيراً قال رب العالمين أعلم وأكرم وأشد إحاطة بالعلم منكم بما تخفونه في صدوركم. فأنت عندما تفعل منكراً تبديه ومنكراً تُخفيه فرب العالمين عز وجل يعرف ما تبديه ويعرف ما تُخفيه. من أجل هذا لماذا قدم ما تبديه (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ)؟ هذا عن الشر ترتكبون الذنوب قدّم إن تبدوا من حيث أن إبداء الذنب أخطر بكثير جداً من إخفائه.(2/193)
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من ارتكب من هذه القاذورات) يعني الذنوب الحدود (شيئاً فاستتر) لا أحد يعرف وأخفاها (فهو بستر الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفى عنه ومن أبدأ صفحته أقمنا عليه الحد) لماذا؟ لأنه يفسد الجماعة هذا الذي يجاهر بشرب الخمر بالزنا بالقمار علناً وأمام الناس وتخرج في الشارع هذا تحدي للنظام للمجتمع ولستره ولكرامته ولواجهة الجماعة الإسلامية والمجتمع الإسلامي الذي ينبغي أن يكون مجتمعهم نظيفاً فكونك أنت تتحداهم بهذا الشكل، ماذا لو مشى أحد الناس عارياً في الشارع؟ أو مشت امرأة عارية؟ يا أخي لا بد أن تستتر الستر في هذه الحالة هذا ضرورة فرب العالمين بالمسيئين قال يحاسبكم فكلمة يحاسبكم يعني الآن أنتم ترتكبون ذنوباً، أيهم أخطر الذنب الخفي أو الذنب الظاهر؟ الذنب الظاهر في تحدي للجماعة وللمجتمع وللشعب وللحكومة وللقوانين والنظام والآداب يعني كلام طريف يعني خدش الآداب العامة، هذا بالإضافة إلى الذنب فيه وقاحة وفيه مجاهرة (ومن أبدى صفحته أقمنا) (لعن الله المجاهرين الذي يرتكب ذنباً في الليل وقد ستره الله يصبح فيحدِّث به) يقول فعلت بالأمس كذا وكذا والله شربت خمراً وفعلنا كذا وفلان شيء هذا ملعون. فرب العالمين لما بدأ قال (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) بدأ بأنه كيف أنت تبدي الذنوب؟! أنت استتر لعل الله يغفر لك هذا بالذنوب. أما بالأعمال لا قال (إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ ) من حيث أن المفروض أن الأعمال الحسنة مفروض يعني يقول (تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله) (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ {271} البقرة) الإخفاء أبعد عن الرياء والسمعة وفيها إخلاص لله عز وجل.(2/194)
من أجل هذا رب العالمين يبدأ بالأهم من حيث أنه بالذنوب الإبداء مصيبة وهو الخطأ والخطورة في الذنب. أما في الإنفاق الإصرار بالعطاء أفضل والإبداء غير مرغوب فيه (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً {274} البقرة) قدّم السر. إذاً المطلوب في الذنوب أن لا تبدي فالإبداء جريمة ثانية يعني جريمة مغلّظة ولهذا قدمها (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ) في الإنفاق قال (إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ) أولاً عرفنا الفرق بين تبدوا وتخفوا. لكن لماذا مرة قال قلوبكم مرة قال صدوركم؟ هناك (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ) هنا (إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ) مكان آخر إن تخفوا ما في قلوبكم. هذه مقصودة النفس مكمن الشهوات (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ {14} آل عمران) الشهوة والهوى هذا من النفس وخالِف النفس والشيطان واعصهما فلما يقول في أنفسكم يعني من باب الشهوة. لما قال (فِي صُدُورِكُمْ) الهواجس والعواطف والأحاسيس من وساوس وعواطف مختلفة من كرهٍ وحبٌ وحقد وبغضاء وانكسار وحزن وألم الخ حينئذٍ لما يقول كما في الآية (بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ {49} العنكبوت) (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ {19} غافر) هكذا كل هذه السيئات الخطيرة التي نحاسب عليها يوم القيامة والتي مكمنها الصدور من فخرٍ ورياء وطمع وجشع وحبٍ وكرهٍ وما شاكل ذلك ما فيها من سوء هذا يرجع إلى الصدور لأن الصدر هو مكان القلب وفي القرآن الكريم هذا موجود.(2/195)
إن تخفوا ما نفوسكم من الشهوات أو ما في صدوركم من الوساوس وعلى هذا النحو وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا {50} أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ {51} الإسراء) (وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ {80} غافر) وهكذا كما قال عن الشيطان (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ {5} الناس) (وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ {16} ق) إذاً كل نوع من أنواع الجرائم القلبية هذه لها قسم من الصدور وقسم من النفوس وقسم من القلوب. هكذا هو الفرق بين قوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) وبين (إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ) في الخير أن عليك أن تُخفي ولا تُبدي في الخير عليك أن تكون قدوة ولاحظ الفرق في الآية الأولى قال (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) إذاً قضية إجرام أما هنا قضية إنفاق عمل صالح فقال يعلمه الله (إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) وهكذا الآيات بعضها يكمل بعض من حيث كل كلمة في الآية هي التي توجّه هذا التغيير في التقديم والتأخير أو زيادة حرف أو نقصانه أو زيادة حركة أو نقصانها عليك أن تقرأ ما حول الآية لكي تعرف ماذا أراد الله بهذا وفي قوله (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ{5} الأحزاب) هذه النية فالنية في القلب معنى هنا على النيات لاحظ هنا أن للنفس وظيفة وللصدر وظيفة وللقلب وظيفة.(2/196)
والآن ثبت علمياً وهذا من إعجاز القرآن ثبت علمياً أن الدماغ له ارتباط بالقلب فالقلب ليس فقط مجرد آلة تضخ الدم بل ثبت علمياً الآن أن القلب ليس فقط مجرد آلة تضخ الدم وإنما هناك ربط في العمل بين الدماغ وبين القلب من حيث أن عمل الدماغ مرتبط بعمل القلب من حيث أن كلٌ منهما يرسل للآخر إشارات ولهذا رب العالمين قال (تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) ما قال تعمدت أدمغتكم. هذا لأول مرة في التاريخ يثبت الآن أن القلب ليس مجرد عضلة تضخ الدم وإنما فيها من عمل الدماغ شيء فلهذا الله قال (تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).
فى إجابة أخرى للدكتور الكبيسى :(2/197)
يعني الآيتين (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) و (إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ (29) آل عمران) الذي في النفس نفسك وشهوات ووساوس هذا حديث نفسك أما صدوركم لا، مؤامرات وجرائم وإلحاد وكفر ونفاق وأنت مصايب وخيانة وتآمر مع العدو وارتداد شيء مصائب فهذه النفس يقول العلماء الأكارم يقولون عقوبته الهمّ كلنا فينا وساوس يعني واحد شاف له واحدة حلوة وفكر فيها واحد كان يسكر سابقاً وتاب ويقول الله ما أحلى تلك الأيام التي كنا نسكر فيها! ولهذا الإسلام حرّم استعمال أواني الخمر بعد ما حرّم الخمرة طيب يا أخي بعضها كاسات حلوة وجميلة صحيح كنا نشرب فيها الخمر لكن الآن تبنا نشرب فيها شاي قال لك لا إكسرها لا أحد يترك في بيته هذه الأواني لماذا؟ أنت بعد سنة أو سنتين من تركك للخمر ترى هذه الأواني وتقول الله كيف كانت ايام حلوة عندما كنا نسهر ولما كنا نسكر لا لا وحينئذٍ يقول عن هذا يبتلى بالهمّ. وساوس النفس رب العالمين يعاقبك عليها في الدنيا بالهمّ لكن التي في الصدور لا هذه مصائب. نحن قلنا سابقاً الشيطان يا جماعة مجرم كبير مجرم دولي ارهابي هائل هو ليس عمله أن يجعلك تنظر إلى امرأة أو تشرب خمر هو لا ينزل نفسه إلى هذا المستوى فهذا كفيل بها نفسك الأمارة بالسوء لا، يقول لك اكفر اشرك خون تعاون اقتل هذا شغل الشيطان هذا في الصدور كقوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) الناس).(2/198)
نعود إلى ما كنا عليه في قوله تعالى (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) تبدوا وتخفوا وبعدين في أنفسكم أو صدوركم وشرحناه باختصار أنفسكم الشهوات وهذه الشهوات كما تعرفون ما لم تنفذها فأنت غير محاسب عليها لكن إذا كنت هذه المشاعر الشهواتية والخواطر تتخيل لما كنت تسكر أو تزني أو فلانة أو علانة وقد تفرض نفسها عليك هذه الخيالات إذا أنت طردتها عن نفسك فلست محاسباً عليها (تجاوز الله لأمتي عن ما حدثت بها نفسها ما لم تفعله) وطبعاً تعرفون أنتم درجات الشعور أول مرة العلم الإدراك يعني أنا أرى سيارة جميلة أدرك أن هذه سيارة جميلة هذا إدراك ثم أحبها هذا يسمونه وجدان ثم تتمنى أن تحصل عليها أنت لست لديك مال فتفكر بسرقتها فهذا يسمى الهمّ ثم الشروع ثم رحت عليها إلى أن أخذتها فهذا يسمى الإدراك ثم الوجدان كأن ترى امرأة وأدركت أنها جميلة بعدين قلبك اشتهاها هذا وجدان ثم يفكر كيف يحصل عليها بأي طريقة كانتهذا النزوع إلى أن يصل إلى الشروع ويفعلها.(2/199)
فكل واحدة لها حكم أنت في كل شيء في سيارة في جريمة في قتل كل هذه إذا في النهاية عند مرحلة النزوع والشروع إذا لم تفعلها تغفر كلها كشخص فكر بواحدة واشتهاها وذهب إلى بيتها فلم يجدها هذا انتهى فهذا ما دام لم يفعل الفعل تغفر له كل الحركات التي قبلها (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) النساء) كل المقدمات مغفورة ما عدا الجرائم الجنسية أما ما عداها سرقة قتل خيانة صار عندك إدراك ووجدان وشروع ونزوع ثم ذهبت ثم قلت لا ما أفعل هذا كلها مغفورة لكن القضايا الجنسية كلها محسوبة عليك يعني أنت أول نظرة محاسب عليها أدركت أن هذه جميلة محاسب عليها اشتهيتها محاسب عليها صار عندك شروع محاسب عليها مديت يدك هذا نزوع أنت الآن دخلت في جريمة كبيرة فقضايا الجنس النظرة الأولى والنظرة الثانية هذه التفصيلات تعرفونها جيداً. من أجل هذا في نفوسكم هذه القضايا أما في صدوركم الجرائم التآمرات الخيانات والعالم مليء بمثل هذه الأمور هذا شيء وهذا شيء وكل واحدة لها حكمها وإن تخفوا أو تبدوا، تبدوا أو تخفوا ومرة قال إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه، تبدوه هذا قضايا العداء والتآمر هذا واضح أنت في حزب في جماعة تتآمر وتقتل طائفياً وفئوياً أمام الناس بأن هذا مشرك وهذا قاتل وهذا خائن وتقتل في العالم والباقي لا مخفية تبدأ بالخفاء.(2/200)
*ما دلالة تقديم وتأخير (يغفر) في قوله تعالى (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) البقرة)وقوله تعالى (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) المائدة) ؟
د.أحمد الكبيسى :(2/201)
رب العالمين قال (سبقت رحمتي غضبي) هذا شيء معروف، وفي كل القرآن عندما تأتي على المغفرة والعذاب يقول يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء يقدّم المغفرة على العذاب ما من موضوع في القرآن الكريم رب العالمين تكلم عن عباده الصالحين والطالحين ثم قال (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ {284} البقرة)، في آل عمران (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {129} آل عمران)، وفي المائدة (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ {18} المائدة) هكذا موضع واحد فقط خالف هذا النسق العظيم من تقديم المغفرة أملاً واستبشاراً ورحمة تطبيقاً لقوله تعالى (سبقت رحمتي غضبي) ورحمة الله واسعة (ليرحمنّ الله الناس رحمة يوم القيامة يتطاول لها إبليس)، موقع واحد قال وهو في المائدة في سورة المائدة فقط تكلم عن هذا. الفرق أنه فى آية المائدة فقط التعذيب فيها مقدّم؟ ما هو نسق الآيات التي قبلها؟ رب العالمين أرحم لعباده من آبائهم وأمهاتهم تكلّم رب العالمين عن جرائم خطيرة بشعة إذا استشرت في أي مجتمع تُنهيه، تُلقي الخوف والرعب وعدم الاستقرار كما هو في بعض بلدان العالم العربي الآن كالعراق والصومال وما لف لفهما. تكلم رب العالمين عن جريمتين عظيمتين الأولى قطع الطريق الحرابة {33} المائدة) وهو قطع الطريق سواء كان بالداخل أو بالخارج ما دام صار قتل.(2/202)
الثاني وراءها مباشرة السارق (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {38} المائدة).
د.حسام النعيمى :
لو نظرنا في الآيات سنجد أن المغفرة تقدمت في ثلاث آيات في البقرة قدّم المغفرة وفي آل عمران والمائدة وتقديم المغفرة على العذاب هو الأصل لأنه (كتب ربكم على نفسه الرحمة) وفي الحديث في صحيح البخاري "رحمتي سبقت غضبي" لكن يرد السؤال أنه لماذا تقدمت يعذّب على يغفر في الآية 40 في سورة المائدة؟ هذا الأمر يتعلق بقطع اليد لاحظ الآية (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)) فلا بد أن يقدّم العذاب لأن الكلام في البداية كان على عذاب ثم على مغفرة ولو عسكت لما إستقام الكلام .
*(وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ (284) البقرة) ما دلالة (يحاسبكم)؟( ورتل القرآن ترتيلاً)
المحاسبة مشتقة من الحسبان وهو العدّ ويحاسبكم أي يعدّه عليكم ثم أطلق هذا اللفظ على ما ينجم عن العدّ والإحصاء وهو المؤاخذة والمجازاة فحساب الله تعالى هو إحصاء لأعمالك وأفعالك ثم مجازاتك على ذلك.
آية (285):
*قال تعالى (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة) فما الفرق بين المغفرة والغفران فى القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)(2/203)
كلمة غفران لم ترد إلا في موطن واحد في قوله تعالى (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة) في طلب المغفرة من الله تعالى. إذن كلمة غفران مخصصة بطلب المغفرة من الله تعالى، هذه دعاء أي نسألك المغفرة (غفرانك ربنا). إذن غفران تستعمل في طلب المغفرة ومن الله تعالى تحديداً. المغفرة لم تأت في طلب المغفرة أبداً وإنما جاءت في الإخبار وفي غير الطلب (وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً (268) البقرة) (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ (6) الرعد). في طلب المغفرة فقط يستعمل كلمة غفران ومن جهة واحدة وهي المغفرة من الله عز وجل. لم تأت المغفرة في الطلب وقد تأتي من غير الله سبحانه وتعالى كما في قوله (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) البقرة) قد تأتي من العباد. إذن المغفرة ليست خاصة بالله سبحانه وتعالى ولها أكثر من جهة ولم يستعملها القرآن في طلب المغفرة. الغفران مختصة بطلب المغفرة ومن الله تعالى تحديداً.
*في قوله تعالى (لا نفرّقُ بين أحد من رسله)(لا) هي النافية لا تجزم ولا تؤثر على الفعل إنما نفي فقط للفعل الذي يليها.
*ما الفرق بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول فى (أنزلناه) و (أنزل إليه)؟(د.فاضل السامرائى)(2/204)
المعروف في النحو واللغة أن المُسنَد إليه هو المتحدَّث عنه والمُسنَد هو المتحدث به عنه. من المسنَد إليه الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ والخبر وما أصله مبتدأ وخبر، من المسنَد إليه بالذات الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ. إذا أراد الحديث عن نائب الفاعل بنى الفعل للمجهول وإذا أراد الحديث عن الفاعل ذكره. عموم الكلام ماذا يريد المتكلم؟ هل الكلام عن الفاعل أو عن نائب الفاعل؟. في سورة هود، الحديث عن الكتاب وتعظيمه لا على من أحكم وفصّل أي الله سبحانه وتعالى (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) وليس الكلام عن الحكيم الخبير وإنما هذا فقط ذكره لتعظيم الكتاب، مثلها ما ورد في الأعراف (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)) (مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) إذن الكلام عن الكتاب والكلام عن الكتاب يبدأ بالسورة (المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)) فإذا كان الكلام على الفاعل ذكر الفاعل وإذا كان الكلام عن نائب الفاعل ذكره. مثال (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6) الفرقان) يتكلم عن الله، ذكر الكتاب في (أَنزَلَهُ) لكن الكلام عن الفاعل عن المنزِل لا عن المنزَل (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6) الفرقان). (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ (285) البقرة) بماذا يؤمن؟ بالكتاب. (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) الزمر) (إِنَّا أَنزَلْنَا) الكلام عن الله وليس عن الكتاب. فإذن هناك إذا كان الكلام عن نائب الفاعل يبنيه للمجهول.(2/205)
أليس هناك فرق بين (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)؟ (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الكلام عن الكتاب لكن يذكر من المنزِل فيما بعد لتعظيم الكتاب ليس للكلام عن الفاعل وإنما لتعظيم الكتاب، (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من أنزله؟ الله، إذن (أنزل إليك من ربك) هذا استكمال لتعظيم الكتاب.
إذن البناء للمجهول له أغراض؟.
طبعاً له أغراض، عن ماذا تريد أن تتحدث؟ هذا من البلاغة والبيان يركز على ما يريد التحدث عنه. حتى إذا ورد الفاعل فهو لغرض ما يتعلق بالكتاب يعني بنائب الفاعل أيضاً وليس بالفاعل لكن بما يأتي بالغرض في هذا السياق حسب الحاجة وحسب ما يريد المتحدث أن يتحدث عنه.
آية (286):
*انظر آية (233).???
*ما الفرق بين (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا) الطلاق، وبين (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة؟(د.حسام النعيمى)
لو نظرنا في الآيتين سنجد السبب واضحاً. الآية الأولى كانت تتكلم على التكاليف عموماً (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)) في التكاليف وفي أمور الحياة وفي العمل. إذا عمل خيراً يكون له وإذا عمل سوءاً يكون عليه وهذا في عموم التكاليف فقال الله عز وجل (لها ما اكتسبت وعليها ما اكتسبت) فهو كسبٌ وإكتساب.(2/206)
لكن الآية الثانية (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)) الإيتاء هو الإعطاء. لما ننظر في سياق الآية الكلام على المال أي ما آتاها من مال فالكلام على الإنفاق ولما يكون الكلام على الإنفاق الإنسان ينفق. والكلام هو على المطلقات أي ما أعطاها من الرزق، فلا يكلف الفقير أن ينفق ما ليس في وسعه بل لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها من حيث المال عندما يكون هناك إنفاق فبقدر ما عندك تُنفِق أي بمقدار ما آتاه الله (لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها).
والتي في التكاليف للعلماء وقفة فيها: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) جمهور العلماء قالوا كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - "إذا أمرتكم بأمر فاتوا به ما استطعتم" أي بقدر طاقتكم
وقول آخر أن معناها إن جميع التكاليف هي في وسع البشر لأنه سبحانه و تعالى لم يكلّف البشر شيئاً لا يطيقونه هذا يحتاج إلى إستنباط أنه لم يكلفهم ما لا يطيقونه فإذا كانوا لا يطيقون يخفف عنهم. بهذا الشكل حنى نجمع بين الأمرين.
(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) دلالة التنكير للأنفس هي للعموم والشمول أي جنس النفس أيُّ نفس لا يكلفها الله تعالى إلا وسعها، إلا ما تطيقه. الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما يقول "إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمرفانتهوا" في مسألة النهي نقطع فلما نُهينا عن الربا إنتهى الأمر لا نقول هذا ربا وهذا رُبيّ ربا خفيف هذا لا يجوز. وإذا أمرنا بأمر نأتي منه بقدر طاقتاتنا. أمرنا بالصيام فإذا كان الإنسان مريضاً يخفف عنه.
الدلالة: القرآن هو تعبير فني مقصود كل لفظة وكل عبارة وردت فيه لعظة على حروفها وهو مقصود قصداً.
*ما الفرق بين كسبت واكتسبت؟(د.فاضل السامرائى)(2/207)
اكتسب على وزن (إفتعل) وفيها تمهّل مثل اصبر واصطبر وجهد واجتهد. اصطبر هو صبر طويل شديد، صيغة افتعل فيها تمهّل ومدّة واجتهاد وإبطاء. قال تعالى (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (286) البقرة) الإكتساب فيها تعمّل واجتهاد وليست اكتسب عامة أنها في الشر. الكسب يكون في الخير والشر لأن الكسب أسرع والاكتساب فيه تعمّل واجتهاد وكسب حتى يكتسب والسيئات تحتاج إلى مشقة أما الخير فقد يأتيك وأنت لا تعلم، يغتابك أحد وتكسب أنت خيراً وهو يكتسب شراً.
****تناسب افتتاح سورة البقرة مع خاتمتها****(2/208)
في سورة البقرة تبدأ بقوله تعالى (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)) إذن هو ذكر المؤمنين يؤمنون بما أنزل إليهم وما أنزل من قبل ثم ذكر الذين كفروا وقال في آخر السورة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)) هذا إيمان بالغيب، في مفتتح السورة قال (وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) وهنا قال (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ). ذكر الإيمان ومن يؤمن وكيفية الإيمان وأصنافه في مفتتح السورة ثم الذين كفروا وفي آخر السورة قال (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ) هذا غيب (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) مقابل (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) في مفتتح السورة، وهنا (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) إذن بما أنزل إليه وما أنزل من قبله.(2/209)
ثم قال (أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)) وذكر في المفتتح الذين كفروا (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) ثم ذكر في الخاتمة الدعاء (فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، هذا تناسب.
*****تناسب خواتيم البقرة مع أوائل آل عمران*****(2/210)
البقرة من خواتيمها قوله تعالى (لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)) وفي بداية آل عمران (إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء (5) آل عمران) لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في السموات وما في الأرض إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء كأنها جزء منها، إذن مرتبطة. (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء (6)) في آل عمران وقال في البقرة (فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)) ذكر ما يشاء في التصوير وذكر ما يشاء في الخاتمة، يصوركم في الأرحام كيف يشاء هذا في بداية الأمر والخِلقة يتصرف كيف يشاء ثم (فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)) يتصرف كيف يشاء في الخاتمة إذن تصرف في التصوير كيف يشاء وتصرّف في الخاتمة كما يشاء. آية البقرة تقول (فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء) المفهوم من الآية أن الله يتصرف كما يشاء (فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء) (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء) صارت المبتدأ والخاتمة بمشيئته سبحانه.(2/211)
في نهاية البقرة ذكر من آمن بالله والملائكة والكتب والرسل (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (285)) وذكر في أول آل عمران الكتب (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3)) هذه كتب، والمنزَل عليهم هم الرسل إذن من آمن بهذه آمن بتلك فإذن ذكر الكتب وما في آخر البقرة وذكرها في أول آل عمران. ثم قال في خاتمة البقرة (أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)) وفي بداية آل عمران (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (4)) (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)) قال فانصرنا على القوم الكافرين ثم قال قل للذين كفروا ستغلوبن وكأنها استجابة لهم، استجاب لهم دعاءهم، كأنها استجابة. ثم ذكر (فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)) ثم ذكر في أوائل آل عمران نصر المسلمين في معركة بدر (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا (13)) فكأنها استجابة للدعاء الذي دعوا به (فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، قل لهم وفعل، قل لهم موجهة للكفار، قال للرسول ? قل لهم ستغلبون، هم قالوا فانصرنا على القوم الكافرين فقال تعالى قل لهم ستغلوبن وفعل إذن استجابة بالقول وبالفعل، إذن هي مترابطة.(2/212)
وقد يكون من الترابط (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ (7)) إلى أن يقول (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (7)) وقال في البقرة (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (286)) أنتم لا تعرفون المتشابه والراسخون في العلم يقولون آمنا به ولا يعلم تأويله إلا الله ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، هذا ليس من شأنكم ليس في طاقتكم معرفة المتشابه (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) إذن ليس في طاقتكم أن تبحثوا هذا الأمر والله لا يكلفكم هذا الأمر (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (286)) في التفكير والقصد والفعل.
ربما تتمة الآية (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) هذه في العمل وتلك في آل عمران في الاعتقاد والتفسير. حتى في التكليف أو عدم التكليف بالاعتقاد، وسعها أي شيء ليس في وسعك لا تفكر فيه، إذن صار ترابط من حيث العمل ومن حيث الاعتقاد والتفسير والتأويل الذي ليس في وسعك لا يكلفك ربك به، إذن صار هناك ترابط في أكثر من نقطة.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله(2/213)
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة البقرة للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى من برنامج لمسات بيانية و محاضرات وكتب الدكتور فاضل السامرائى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى من برنامج الكلمة وأخواتها وأخر متشابهات ومن برنامج هذا ديننا للدكتور عمر عبد الكافى ومن برنامج فى ظلال آية ومن برنامج ورتل القرآن ترتيلاً والخواطر القرآنية لعمرو خالد وقامت بنشرها أختنا الفاضلة سمر الأرناؤوط على موقعها إسلاميات جزاهم الله عنى وعن المسلمين خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(2/214)
سورة طه
تناسب خواتيم مريم مع فواتح طه ... آية (20) ... آية (50) ... آية (75) ... آية (97) ... آية (124)
هدف السورة ... آية (22) ... آية (53) ... آية (76) ... آية (101) ... آية (128)
آية (2) ... آية (33) ... آية (63) ... آية (77) ... آية (105) ... آية (129)
آية (4) ... آية (36) ... آية (66) ... آية (78) ... آية (108) ... آية (132)
آية (11) ... آية (39) ... آية (67) ... آية (85) ... آية (110) ... تناسب بداية السورة مع خاتمتها
آية (12) ... آية (40) ... آية (69) ... آية (93) ... آية (117) ... تناسب خواتيم طه مع فواتح الأنبياء
آية (15) ... آية (46) ... آية (70) ... آية (94) ... آية (120)
آية (18) ... آية (47) ... آية (71) ... آية (96) ... آية (123)
*تناسب خواتيم مريم مع فواتح طه*
قال في خواتيم سورة مريم (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)) هذا القرآن وقال في بداية طه (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)) أنزلناه لتبشر به المتقين لا لتشقى. الكلام في القرآن وكأن الرسول ? كان يحمِّل نفسه الكثير. قال في خواتيم سورة مريم (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)) وفي طه قال (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)) فما فيهما ومن فيهما له سبحانه، ما في السموات ومما في الأرض له ومن فيهما عباده ولهذا قال (إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) الكل سوف يأتي الله سبحانه وتعالى له ما في السموات والأرض يعني ملكية ومن في السموات عباده. في ختام مريم قال (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)) وفي بداية طه ذكر قصة فرعون إلى أن قال (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)) كم أهلكنا، خذوا مثلاً فرعون. السورة وحدة واحدة كل سورة تسلم لما بعدها.(1/1)
**هدف السورة: الإسلام سعادة لا شقاء**
سورة طه مكية أيضاً ومحور السورة يتمثل في الآية الأولى من السورة (طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) آية 1 و 2 وكأنما سبحانه يريد أن يطمئن رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأمته من بعده أن هذا المنهج لم يأت حتى يشقى الناس به إنما هو منهج يضمن السعادة لمن تبعه وطبّقه وإنما هو تذكرة وهوسبب السعادة في الدنيا والآخرة فلا يعقل أن يكون المؤمن شقياً كئيباً مغتمّاً قانطاً من رحمة الله مهما واجهته من مصاعب ومحن في حياته وخلال تطبيقه لهذا المنهج الربّاني فلا بد أن يجد السعادة الأبدية بتطبيقه. وهذا هو هدف سورة طه. وهذا المنهج الذي أنزله الله تعالى لنا إنما جاء من عند (الرحمن) فكيف يعقل أن يكون فيه شقاؤنا. وكلنا يعلم معنى كلمة الرحمن. وقد تكررت في السورة كثيراً فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما يرحم خلقه أجمعين. وهذه الآية تؤكد وجود مصاعب في الحياة ومحن وتذكر لنا قصة موسى - عليه السلام - وتعرض لنا ما واجهه لكن دائماً تأتي الآيات فيها رحمة الله تعالى بين آيات الصعوبات والمحن (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) آية 39 آية فالمؤمن والقائم على منهج الله تعالى في سعادة ولو كان في وسط المحن فالسعادة والشقاء مصدرها القلب وقد يعتقد البعض أن من سيلتزم بهذا المنهج والدين سيكون شقياً لا يخرج من بيته ولا يضحك ولا يخالط الناس وهذا هو السائد في أيامنا هذه وقد يكون هذا السبب الوحيد الذي يمنع الكثير من المسلمين من تطبيق المنهج لأن عندهم فكرة مغلوطة عن حقيقة السعادة والشقاء في تطبيق منهج الله.(1/2)
سيدنا موسى - عليه السلام - عرف هذا المعنى فكان دائماً يدعو ربه ليشرح له صدره مهما كانت الصعوبات التي سيواجهها (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) آية 25، حتى سحرة فرعون لمّا آمنوا بالله ورغم أنهم تعرضوا للأذى من فرعون إلا أنهم علموا أنهم سيحصلون على السعادة الحقيقية بتطبيق المنهج في الدنيا والآخرة (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) آية 72 و(وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى) آية 75 مع أن الموقف كان شديداً في مواجهة فرعون لكنهم أحسوا بالسعادة التي تغمرهم باتباع الدين. أما فرعون فكان في شقاء حياً وميتاً وعندما تقوم الساعة أدخوا آل فرعون أشد العذاب. إذن موسى والسحرة كانوا سعداء وفرعون هو الشقي وذلك لأنهم استشعروا السعادة في قربهم من الله تعالى وتطبيق منهجه الذي فرضه.
التعقيب على القصة: (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ) آية 100 و101: تعلّق الآيات على مفهوم السعادة وتعطي نموذج لمن لا يطبق منهج الله تعالى كيف سيكون في شقاء (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ) آية 111-112
قصة آدم وحواء : السعادة في المنهج: تعرض الآيات نموذج آدم - عليه السلام - وكيف أن السعادة الحقيقية هي في طاعة الله تعالى فلا شقاء (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) آية 117.(1/3)
الشقاء بترك المنهج: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) الآيات 123 إلى (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) آية 126. ونلاحظ تكرار كلمة يشقى في السورة كثيراً. فالله تعالى يقول أن (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) وهذا كلام الله أفلا نصدقه؟ يجب أن نصدقه لأنه القول الحق وأنه من يَعرض عن ذكر ربه سيكون شقياً في الدنيا والآخرة. فعلينا أن نتبع هدى الله تعالى لنحظى بسعادة الدارين فالمؤمن في سعادة في الدنيا وسعادة في الآخرة.
التعقيب الأخير: رضى الله تعالى هو أعلى درجات السعادة التي علينا أن ندركهها (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) آية 130.
سميّت السورة (سورة طه) وهو اسم من أسماء المصطفى الشريفة على بعض الأقوال تطييباً لقلبه وتسلية لفؤاده عما يلقاه من صدود وعناد ولهذا ابتدأت السورة بملاطفته بالنداء (طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى).
***من اللمسات البيانية فى سورة طه***
آية (2):
*لِمَ جاءت كلمة (القرآن) في قوله تعالى (طه(1)ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى مُبِينٍ (2)) وليس الكتاب؟(د.فاضل السامرائى)
ما ذُكِر فيها الكتاب وحده ولم يُذكر القرآن تتردد لفظة الكتاب في السورة أكثر من لفظة القرآن والعكس صحيح. وإذا اجتمع اللفظان في آية يتردد ذكرهما بصورة متقابلة بحيث لا يزيد أحدهما عن الآخر إلا بلفظة واحدة في السورة كلها.(1/4)
هذا النسق لم يختلف في جميع السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة وهي مقصودة وليست اعتباطية حتى في سورة طه بدأت بلفظة القرآن وترددت لفظة القرآن ثلاث مرات في السورة بينما ترددت لفظة الكتاب مرة واحدة .
آية (4):
*أيهما أصح أن يقال اللهم إني أسألك بصفاتك العليا أو صفاتك العلا؟ (د.فاضل السامرائى)
الإفراد في غير العاقل هو أكثر من الجمع، العلا جمع والعليا مفرد وكلاهما صحيحة لكن أيها الأولى؟ (لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى (24) الحشر) الحسنى مفرد والأسماء 99 جمع، (تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) طه) العلا جمع عليا (العلا جمع والسموات سبع). المفرد في الصفات مع غير العاقل تفيد أكثر من الجمع يعني عندي أشجار كثيرة أكثر من أشجار كثيرات، أشجار كثيرات قليلة وأشجار كثيرة كثيرة. المفرد مع غير العاقل أكثر من الجمع. الصفات جمع كثيرة فنقول العليا ويصح العلا لكن أولى أن يقال العليا كما نقول الأجذاع انكسرن والجذوع انكسرت، وأكواب موضوعة ما قال موضوعات فإذا جمع يكون قليلة ويقول غرف مبنية لا يقول غرف مبنيات. إذا أفرد الصفة في غير العاقل تكون كثيرة وإذا جمع يكون أقل. اللغة الأعلى أن يقال الصفات العليا والأسماء الحسنى بالإفراد، السموات العلا بالجمع جمع عليا علا، هذه قاعدة لغوية.
من قصة موسى عليه السلام (8-98)
آية (11):
*ما وجه الإختلاف بين (أتاها) في سورة طه و(جاءها)في سورة النمل؟
د.فاضل السامرائى :
المجيء والإتيان معناه أنه وصل للمكان، ولكن لا بد أن ننظر في السياق (فلما جاءها)فى سورة النمل تتناسب مع جو القوة. وتردد الكلمات في القرآن تأتي حسب سياق الآيات قال تعالى فى سورة طه:(فلما أتاها نودي يا موسى) تكرر لفظ الإتيان أكثر من 15 مرة والمجيء 4 مرات.
(فلما أتاهانودي) البناء للمجهول هو نوع من التعظيم والتفخيم لله سبحانه وتعالى الذي نادى.(1/5)
قال عز وجل:(إنني أنا الله)خاطب موسى بالإفراد لم يقل نحن لأنه لا ينسجم هنا فالمقام توحيد وليس مقام خلق.
د.أحمد الكبيسى :
كلمة أتى تعني من بعيد وسيدنا موسى لما رأى النار وتوجه إليها ووضع قدمه على أول الوادي في جبل الطور قال (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى {12} طه) هو من بعيد كلمة أتى في اللغة الذي يأتي من بعيد إذا كنت تنتظر زائراً ولاح لك من بعيد يقال أتى، سيدنا موسى قال (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى {11} إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى {12} طه) سيدنا موسى خلع نعليه ثم مشى مشى مشى إلى أن وصل إلى النار قال (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي{14} طه).
آية (12):
* الكلام لموسى ? في سورة طه (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ (12) طه) ثم قال بعدها (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا (14)) وفي سورة النمل (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)) فما الفرق بينها؟ (د.فاضل السامرائى)(1/6)
إني وإنني، إنني آكد من إني في زيادة النون وحتى يقولون في الساميات القديمة: إنني آكد من إني. (إنني) عبارة عن (إن) مع نون الوقاية مع الياء. (إني) إنّ من دون نون الوقاية والياء. نون الوقاية يمكن حذفها هنا تقول إنني وتقول إني إذن حذفها ممكن فلماذا يؤتى بها؟ قلنا لزيادة التوكيد، إنّ مؤكدة وإنني زيادة في التوكيد حتى الدارسين للغات القديمة يقولون في اللغة السامية إنني آكد من إن يستعملون نون مؤكدة أخرى لأن النون مؤكدة في الأسماء والأفعال (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) وللتوكيد أيضاً. هي النون تؤكد الأفعال وتؤكد الأسماء ويؤتى بها في آخر الفعل المضارع والأمر للتوكيد ويؤتى بها في أول الأسماء للتوكيد. إذا جيء بها في أول الأسماء هي مثقّلة لا ينطق بها لأن أولها ساكن فيؤتى بالهمزة حتى يُنطق الساكن فصارت إنّ. هي في أصلها نون بدون همزة النون في الفعل ليس فيها همزة تتصل بالفعل مباشرة لا تحتاج إلى همزة وهذه تتصل بالإسم لا يمكن أن ينطق بها أصلاً لأن الأول ساكن والعرب لا تبدأ بالساكن كل مُشدّد أوله ساكن فالعرب لا تبدأ بالساكن فجاؤا بالهمزة لينطق بالساكن فصارت إن وأن وليس هذا فقط وإنما هي مع الأفعال الفعل يبنى على الفتح وفي الأسماء الإسم ينصب معها. إذن إنّ للتوكيد، النون هي توكيد الأسماء والأفعال تقع في آخر الفعل وفي أول الإسم هذا تفتحه وهذا تنصبه إذن النون آكد. يبقى لماذا هنا آكد من ذلك؟ ننظر الآيات (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) طه) يخلع نعليه لأنه بالواد المقدس. تستمر الآيات (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)) هذا أمر بالاستماع.(1/7)
هذا في مقام التوحيد والعبادة وفي الآية السابقة اخلع نعليك ولم يقل فيها استمع أما الآية الثانية فطلب منه الاستماع لأن الأمر الذي سيلقيه إليه أهم من خلع النعل. الكلام من الله تعالى في الآيتين لكن الكلام بعضه أهم من بعض. (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) طه) تبليغات في العقيدة ورسالة وليست كـ(اخلع نعليك) ليسا منزلة واحدة قطعاً. شبيه بها في كلام سيدنا إبراهيم (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) الأنعام) (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) الزخرف) ذاك في مقام تبليغ لأبيه وقومه فقال بريء وهنا مقام براء، براء مصدر أو تحويل إلى الصفة المشبهة وكلاهما أقوى من بريء، هذا إخبار بالمصدر عن الذات هذا لا يؤتى إلا في مقام التجوز تقول هو سعيٌ له أو هو ساعٍ؟ هو سعيٌ، تخبر بالمصدر عن الذات. الإخبار بالمصدر عن الذات أي تحول الذات إلى مصدر (إنني براء) أقوى من بريء. براء مصدر وبريء صفة مشبهة، يقال هو قدوم وهو قادم لا تقول بصورة قياسية إلا في مواطن تجوّزاً، الإخبار بالمصدر عن الذات تجوّز. لهذا قال (إنني براء) حولها إلى ما هو أوكد وأبلغ من بريء (إنني براء) لأنه في مقام تبليغ وقوة في الكلام فقال إنني.(1/8)
أما (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) النمل) هذا ضمير الشأن الذي فيه التفخيم والتعظيم. (إنه) الهاء ضمير الشأن. ضمير الشأن هو أو هي فقط لأنه يعود على الشأن والشأن يعبر عنه بـ هو أو هي. يأتي بإن وأخواتها أي النواسخ (ظننته، إنه، إنها) يسموه ضمير القصة والشأن لكن لما يكون مؤنثاً يسمونه ضمير القصة لأنه يعود على القصة مؤنث كلمة الشأن مذكر والقصة مؤنث (هي الدنيا تُغرّر تابعيها) هي ضمير الشأن لأن الشأن هو القصة يقال ضمير القصة عندما يفسر في جملة فيها مؤنث ولما يفسر في جملة فيها مذكر يقال ضمير الشأن. (إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) هذا في مقام التفخيم والتعظيم. (فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) النمل) هذا تعظيم وتنزيه، هذا يسمونه ضمير التعظيم.
آية (15):
*(إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) طه) المعروف أن كاد من أفعال المقاربة التي تفيد قرب وقوع الخبر فما دلالة استخدام أكاد أخفيها بدل أكاد أظهرها بما أنها مخفاة فعلاً؟(د.فاضل السامرائى)(1/9)
للهلم أخفي بمعنى خفي أو ظهر أو غاب، ستره وكتمه وأظهره. فإذن إذا كان بهذا المعنى تستقيم وانتفى السؤال. إذن أكاد أخفيها يعني أكاد أظهرها أكاد أسترها أكاد أكتمها ، أكاد أخفيها بمعنى الستر يعني لا أُخبِر بها لولا اللطف بعباده وإنما يكتمها ولا يقول ستأتي الساعة وإنما إرادة ربنا أن يلطف بعباده فحذّرهم منها لشدة خفائه. (إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ) هي آتية لا محالة أكاد أخفيها أبالغ في إخفائها رحمة من الله بعباده وحتى قالوا أكاد أخفيها من نفسي وهي تفيد قرب حدوث الحدث لكنه لم يقع، لماذا لم يقع؟ أكاد أخفيها يعني أظهرها لأنه ذكر من علاماتها ما يوضح وقوعها فكأنه لم يسترها ولو قرأنا ما ذكره تعالى من علامات وما ذكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - العلامات يقول (اقتربت) إذن هو أظهرها ولم يخفيها وإنما فقط أخفى وقتها لكن ما ذكر من العلامات وما سيأتي من العلامات بحيث تقول هذه من علامات الساعة، يعني ظهور النار في أرض الحجاز هذه من علامات الساعة، يكثر الهرج في آخر الزمان (الهرْج هو القتل)، ذكر من علامات الساعة ما يوضحها بحيث تقول هذه من علامات الساعة ثم ستأتي أمور أخرى مثل رفع البيت وانحسار الفرات عن جبل من ذهب فتقول هذه من علانات الساعة وتقطع أنها من علامات الساعة، إذن هو لم يخفها لكن أكاد أخفيها لا يعلم موعدها أحد.
آية (18):
*ما نوع السؤال في القرآن في قوله تعالى (وما تلك بيمينك يا موسى)؟(د.حسام النعيمى)(1/10)
الله تعالى يسأل عباده وهو أعلم بهم وفي الحديث القدسي يسأل الله تعالى ملائكته كيف تركتم عبادي؟ وهو أعلم بهم ويسأل قبضتم ولد عبدي؟ وهو أعلم ولكن هذا السؤال هو تقرير أو يقرره الله تعالى لهؤلاء عموماً وعندما سأل موسى - عليه السلام - (وما تلك بيمينك يا موسى) أراد أن يتثبت موسى أن ما في يده عصا حتى اذا انقلبت الى حية تسعى يشعر بقوة المعجزة وعظمها ولذا ولّى موسى مدبراً ولم يعقّب بعد ان انقلبت عصاه حية تسعى. فالسؤال هو لتثبيت ما بيده لكن موسى أراد أن يتقرب الى الله تعالى بكثرة الكلام المفيد وهذه فرصة ليتكلم مع ربه فلم يكن جوابه (عصا) وإنما قال (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18) وأراد أن يطيل الكلام خوفاً من أن يكون ما حصل معه امتحاناً له وهذا هو الغرض من السؤال والله تعالى يسأل عباده عما هو أعلم به كما سأل عيسى عليه السلام (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) والهدف هو تقرير الأمر وتثبيته.
*ماالفرق بين دلالة كلمة (منسأته )في آية سورة سبأ و(عصاى )فى سورة طه؟ (د.فاضل السامرائى)(1/11)
قال تعالى في سورة سبأ (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ {14})، والمنسأة هي العصى. نسأ في اللغة لها دلالتين نسأ البعير إذا جرّه وساقه والمنسأة هي عصى عظيمة تُزجر بها الإبل لتسوقها ونسأ بمعنى أخّر الشيء (النسيء)أى التأخير. فلماذا اذن استعمل كلمة منسأة ولم يستعمل كلمة عصى؟في قصة سليملن هذه العصى كانت تسوق الجنّ إلى العمل مع أن سليمان كان ميتاً إلى أن سقطت العصى وسقط سليمان فكما أن الراعي يسوق الإبل لتسير فهذه المنسأة كانت تسوق الجنّ. والمنسأة كأنها مدّت حكم سليمان فهي أخّرت حكمه إلى أن سقط. فاستعمالها في قصة سليمان أفاد المعنيين واستعمالها من الجهتين اللغويتين في غاية البيان من جهة السوق ومن جهة التأخير.
أما في قصة موسى فاستعمل كلمة العصى (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى {18}) ليهشّ بها على غنمه وبها رحمة بالحيوان وعكس الأولى ولا يناسب استخدام كلمة منسأة.
آية (20):
* ورد في القرآن الكريم ذكر عصى موسى بأوصاف مختلفة مرة جان ومرة ثعبان ومرة حية فما الفرق بينها؟ (د.فاضل السامرائى)
المعنى اللغوي للكلمات: الجان هي الحية السريعة الحركة تتلوى بسرعة، الثعبان هو الحية الطويلة الضخمة الذَّكَر، الحية عامة تشمل الصغيرة والكبيرة فالثعبان حية والجان حية. الحية عامة تطلق على الجميع أما الثعبان فهو الذكر الضخم الطويل والجان هو الحية سريعة الحركة. ننظر كيف استعملها؟(1/12)
كلمة ثعبان لم يستعملها إلا أمام فرعون في مكانين (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) الأعراف) (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32) الشعراء) وذلك لإخافة فرعون ثعبان ضخم يُدخل الرهبة في قلبه فذكر الثعبان فقط أمام فرعون.
كلمة الجان ذكرها في موطن خوف موسى ? في القصص (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)) وفي النمل (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)) تتلوى وهي عصا واختيار كلمة جان في مقام الخوف (يَا مُوسَى لَا تَخَفْ) في القصص (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ) عصا يلقيها تكون جان واختيار كلمة جان والإنسان يخاف من الجان والخوف والفزع. الجان دلالة الحركة السريعة، عصاه تهتز بسرعة. الجان يخيف أكثر من الثعبان فمع الخوف استعمل كلمة جان وسمي جان لأنه يستتر بمقابل الإنس (الإنس للظهور والجن للستر) هذا من حيث اللغة.
سؤال: كيف رآها وفيها معنى الإستتار؟
قد يظهر الجان بشكل أو يتشكل بشكل كما حدث مع أبو هريرة، قد يظهر الجان بشكل من الأشكال. كلمة (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ) إضافة إلى أنها حية صغيرة تتلوى بسرعة إضافة إلى إيحائها اللغوي يُدخل الفزع لذلك استعملها في مكان (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ). كلمة ثعبان أو حية لا تعطي هذه الدلالة. أناس كثيرون يمسكون الحية أو الثعبان ويقتلونها وفي الهند يمسكون بالثعبان. كل كلمة جعلها تعالى في مكانها.(1/13)
الحية جاءت في مكان واحد لبيان قدرة الله تعالى (فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) طه) لم يقل أن موسى هرب أو فزع. ذكر ثعبان مع فرعون لأنه مخيف وذكر جان مع موسى لأنها تدخل الرعب على قلب موسى. ذكر ثعبان مرتين أمام فرعون وجان مرتين أمام موسى.
سؤال: لماذا لم يذكر جان مع فرعون؟
لأنه مع الملأ الموجودين إذا كانوا مئات وتأتي بجان واحد ماذا يؤثر؟ لذا اختار ثعبان لأنه يحتاج إلى ضخامة وقوة.
*ما دلالة استخدام الواو ؟ (د.فاضل السامرائى)
هنالك رأي أن الواو عطف على عِلّة محذوفة مقدرة ، هنالك أمر مقدر نعطف عليه هذا يجوز في اللغة والسياق في الآية يحتمل. عندنا العطف على مقدر موجود في القرآن كثيراً.
لما قال ربنا تعالى في سيدنا عيسى (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)) (ولنجعله) على ماذا معطوفه؟ هل خلق عيسى فقط ليجعله آية للناس؟ هذه واو عاطفة، على ماذا عطفها؟ هل خلق عيسى - عليه السلام - فقط ليجعله آية للناس أو هناك أموراً أخرى؟ هنالك أمور أخرى لكنه لم يذكرها والآن ذكر (ولنجعله آية للناس). يقدرون المحذوف بمعنى ليكون نبياً ورسولاً ولنجعله آية للناس.
آية (22):
* ما الفرق بين السوء والسيئات؟ (د.فاضل السامرائى)(1/14)
السيئة هي فعل القبيح وقد تُطلق على الصغائر. السوء كلمة عامة سواء في الأعمال أو في غير الأعمال، ما يُغَمّ الإنسان يقول أصابه سوء، الآفة، المرض، لما يقول تعالى لموسى - عليه السلام - (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) طه) أي من غير مرض، من غير عِلّة، من غير آفة. (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ (5) النمل) كلمة سوء عامة أما السيئة فهي فعل قبيح. المعصية عموماً قد تكون صغيرة أو كبيرة، السوء يكون في المعاصي وغيرها (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ (123) النساء) صغيرة أو كبيرة. فإذن كلمة سوء عامة في الأفعال وغيرها، أصابه سوء، من غير سوء، ما يغم الإنسان سوء، أولئك لهم سوء العذاب (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) غافر) كلمة سوء عامة وكلمة سيئة خاصة وتُجمع على سيئات أما كلمة سوء فهي إسم المصدر، المصدر لا يُجمع إلا إذا تعددت أنواعه، هذا حكم عام. ولكنهم قالوا في غير الثلاثي يمكن أن يُجمع على مؤنث سالم مثل المشي والنوم هذا عام يطلق على القليل والكثير إذا تعددت أنواعه ضرب تصير ضروب محتمل لكن المصدر وحده لا يُجمع هذه قاعدة.
آية (33):
* ما الفرق بين الذكر والتسبيح ولماذا قدم الذكر على التسبيح في قوله تعالى (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) طه)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/15)
أولاً الذكر أعم من التسبيح والتسبيح هو ذِكر. الذِكر أعم يشمل التسبيح والتحميد والتهليل فهو علم والتسبيح قسم منه فإذن التسبيح أخص من الذكر فكل تسبيح ذكر وليس كل ذكر تسبيح. فهو نوع من أنواع الذكر إذن الذكر أعمّ. نرى كيف يستعمل القرآن الذكر (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) غافر) (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41) آل عمران) الذكر لم يجعل له وقتاً (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا) وخصص في التسبيح (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ) فلما كان التسبيح أخص خصص الوقت. مثلها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) الأحزاب) الأخص خصص والأعم أطلق. أما لماذا قدّم التسبيح في آية سورة طه (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)) كان موسى في حالة خوف أو في حالة ترقب خوف (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى (45) طه) في حالة خوف أن يفعل بهم فرعون ما يفعل من سوء والتسبيح ينجي من الغم وينجي من الكرب وربنا أخبر عن ذي النون (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الأنبياء) وربنا قال للرسول (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) الحجر) لأن التسبيح ينجي من الضيق والغم ويذهب الهم والكرب والخوف.(1/16)
لما كان موسى في حالة خوف قال (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا) فبدأ بما يذهب الهم ويذهب الغم وينجي من الخوف. إذن التسبيح أخص من الذكر والذكر أعم.
آية (36):
*ما دلالة كلمة (سؤلك) فى قوله تعالى: (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) ؟ (د.فاضل السامرائى)
كلمة سؤل بتسكين الهمزة أي ما سألته وهي من أوزان اسم المفعول لأن أوزان اسم المفعول ثمانية من جُملتها فُعل بضمّ الفاء وتسكين العين مثل نكر في قوله تعالى (لقد جئت شيئا نكرا) وكلمة خُبث اي المخبوث.
آية (39):
*(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) القصص) (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ (39) طه) فما الفرق بين الآيتين؟ وما الفرق بين ألقيه واقذفيه؟(د.فاضل السامرائى)(1/17)
لم يحدث تناقض، القذف هو إلقاء. نقرأ جزءاً من السياق حتى يتضح الأمر، الأولى في سورة طه (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39))، في سورة القصص (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)) (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)) القذف هو الرمي والإلقاء والوضع ومن معانيه البُعد ويأتي بمعاني قد يكون بمعنى الإلقاء، القذف له معاني يقولون مفازة يعني قذف، مفازة بمعنى صحراء. أولاً نلاحظ في القصص قال (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي) ولم يقل هذا الكلام في طه (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) ثم ذكر أنه ربط على قلبها (لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا)، كل هذه كونها لا تخافي ولا تحزني وربطنا على قلبها هذا يستدعي الهدوء في الإلقاء، ربط على قلبها إذن هي تضعه في هدوء، ثم قال (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ) والإرضاع يستدعي القرب وليس البعد. في سورة طه لم يذكر هذه الأمور لا ربط على القلب ولا شيء ولا تطمين.(1/18)
في طه ذكر التابوت (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) لم يذكر أن الرضيع يلقى في اليم وإنما التابوت هو الذي يقذف، (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) الضمير يعود على موسى - عليه السلام - ، (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) الضمير يعود على التابوت، إذن موسى محمي، في القصص قال (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) التابوت يُقذف يقال لها اقذفي التابوت ولكن التابوت محمي لم يقل اقذفيه في اليم. التابوت يقذف ويرمى أما الإبن فيقال لها ألقيه لا يقال لها اقذفيه، فلما ذكر التابوت ذكر القذف.
سؤال: هل قال اقذفيه أو ألقيه؟ ما الذي حدث؟
سيحصل إلقاء في الحالتين لكن مرة ذكر التابوت ومرة لم يذكر هذا بحسب السياق وليس هناك تناقض، في القصص نحن أحياناً نذكر أموراً ونضيف عليها، في سفرة من السفرات أذكر أموراً وفي موطن آخر أذكر جوانب أخرى أقل. هذا يحصل كثيراً، أذكر جانب ولا أذكر جانباً آخر. يذكر التابوت في موطن وموطن آخر لا يتكلم عنه.
سؤال: طالما ذكر التابوت إذن قطعاً هناك تابوت وإذا أغفل ذكره فلأن السياق يقتضي ذلك.(1/19)
هذا أمر والأمر الآخر من الناحية البيانية قال في سورة طه (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)) لم يذكر ما يوحى، الآن مبهمة، (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) بيّن إذن صار بيان بعد الإبهام (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)) (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (28) طه) "مضى بها ما مضى من عقل شاربها"، لا يذكر. (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)) ما ذكر الذي أُوحيَ به ثم جاء بـ (أن) المفسرة (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) بيّن ما أوحى إليها، إذن صار إيضاح بعد الابهام، بيان بعد الابهام هذه (أن) المفسّرة. (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) الآن عندما ترى تابوتاً مقفلاً متى تعلم ما فيه؟ عندما تفتحه، يصير إيضاح بعد الإبهام بعد الفتح. من الناحية البيانية إيضاح بعد الإبهام في الأمر وإيضاح بعد الإبهام في المسألة. إذن من الناحية البيانية هناك تناسب كلاهما إيضاح بعد الإبهام. ثم هناك أمر، القذيفة في اللغة شيء يُرمى به فكان موسى في سورة طه قذيفة رمي بها فرعون قُذِفت في البحر فأغرقته. ولذلك لما نلاحظ العقوبة التي ذكرها في كلتا القصتين متناسبة مع (اقذفيه). قال في خاتمة فرعون في القصص (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40)) ألقيناهم لكن بمهانة (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) (فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) كلها إلقاء. في فرعون (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (28) طه) قذيفة ألقيت في البحر عليهم فغشيهم من اليم ما غشيهم، فكان قذف أبلغ في التعبير كأن موسى هو الكبسولة والتابوت هو القذيفة فقذف بها فرعون فأهلكته. لا يناسب أن يقال ألق ابنك في البحر ولكن ألقي التابوت.
سؤال: قد يرى أحدنا تعارضاً أو تناقضاً بين القولين، ماذا قال تحديداً؟(1/20)
أحياناً العبارة الواحدة التي تقال نصوغها بكلمة بيانية إذا قلت جاء فلان أو أتى فلان، هل تناقضت؟ القرآن من هذا القبيل لكن يستعمل اختيار الكلمة في المكان البياني لها لكن نقول لماذا قال مرة جاء ومرة أتى؟ نقول لماذا وسترد أمثلة في بعض القصص نذكرها لكن هذا مرتبط بالسياق العام السورة نفسها وأحياناً السورة نفسها لها سمة معينة.
سؤال: إذن بعض الأصوات التي تنعق في الظلام الدامس بأن هنالك تناقض في القرآن وأن القرآن غير منضبط ما فهموا القرآن وما فهموا اللغة.
يعني لو قلت لم يقل هذا وأنفي المسألة يكون هناك تناقض لكن أن يقول العبارة بتعبير آخر لا يعني وجود تناقض. ربنا تعالى يترجم كلامهم مرة يقوله بأسلوب ومرة يقوله بأسلوب. لو كنت أترجم قصة كل مرة أصوغها بعبارة مختلفة لكن ليست متناقضة، قد أقول غاب عني أو أقول لم يحضر. لو كنت إنساناً بليغاً لا تختار إلا الأنسب من الكلمات لكن المعنى العام ليس فيه تناقض. التناقض يكون أن تذكر شيئاً مخالفاً. قصة موسى أحياناً تأتي بآية واحدة وفي مواطن تأتي بآيات مختلفة. أحياناً يقول لموسى وهارون إذهبا ومرة يقول اذهب إلى فرعون، هو يقول لهما ويقول للواحد، ومن أدرانا أن الخطاب كان مرة واحدة؟ ربما يكون هناك خطاب مرتين أو يكون في موقف واحد أخاطب الاثنين ثم أتوجه إلى أحدهما وأطلب منه أن يفعل كذا. وعندما تحكي يجوز أن تفضل مرة تقول إفعلا ومرة إفعل.
* ما اللمسة البيانية في ورود لفظة اليم 8 مرات في قصة موسى ? ووردت لفظة البحر 8 مرات في القصة نفسها ووردت لفظة البحرين مرة واحدة؟ (د.فاضل السامرائى)(1/21)
القرآن الكريم يستعمل اليم والبحر في موقفين متشابهين كما في قصة موسى ? مرة يستعمل اليم ومرة يستعمل البحر في القصة نفسها (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ (63) الشعراء) (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40) القصص) اليمّ كما يقول أهل اللغة المحدثون أنها عبرانية وسريانية وأكادية وهي في العبرانية (يمّا) وفي الأكادية (يمو) اليمّ وردت كلها في قصة موسى ولم ترد في موطن آخر ومن التناسب اللطيف أن ترد في قصة العبرانيين وهي كلمة عبرانية. كلمة البحر وردت عامة (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (50) البقرة) (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ (14) النحل) عامة لكن من الملاحظ أن القرآن لم يستعمل اليم إلا في مقام الخوف والعقوبة أما البحر فعامة ولم يستعمل اليم في مقام النجاة، البحر قد يستعمله في مقام النجاة أو العقوبة. قال تعالى (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ (39) طه) هذا خوف، (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (136) الأعراف) هذه عقوبة، (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) طه) (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40) القصص) عقوبة، أما البحر فعامة استعملها في النِعم لبني إسرائيل وغيرهم (أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (63) النمل) (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ (67) الإسراء) في نجاة بني إسرائيل استعمل البحر ولم يستعمل اليم.(1/22)
استعمل اليم في العقوبة واستعمل البحر في النجاة والإغراق (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (50) البقرة) استعملها في الإغراق والإنجاء (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) أي أنجيناهم، (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) طه) (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ (78) طه) لم يقل البحر، (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ (63) الشعراء). إذن يستعمل اليم في مقام الخوف والعقوبة فقط ويستعمل البحر عامة في بني إسرائيل وغيرهم. اليم يستعمل للماء الكثير وإن كان نهراً كبيراً واسعاً. يستعمل اليم للنهر الكبير المتسع ويستعمل للبحر أيضاً. اللغة تفرق بين البحر والنهر واليم: النهر أصغر من البحر والقرآن أطلق اليم على الماء الكثير ويشتق من اليم ما لم يشتقه من البحر (ميموم) أي غريق لذلك تناسب الغرق. العرب لا تجمع كلمة يم فهي مفردة وقالوا لم يسمع لها جمع ولا يقاس لها جمع وإنما جمعت كلمة بحر (أبحر وبحار) وهذا من خصوصية القرآن في الاستعمال. كونها خاصة بالخوف والعقوبة هذا من خصوصية الاستعمال في القرآن.
*حينما تكلم ربنا تبارك وتعالى على سيدنا موسى قال (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه) ولما تكلم عن الرسول ? قال (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) الطور) فما الفروق الدلالية بين الآيتين؟ (د.فاضل السامرائى)(1/23)
الصنع يكون في بداية الأمر، هو الكلام على موسى - عليه السلام - تكلم على ولادته ونشأته (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه) هذا في مرحلة طفولته (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) طه) والرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد الأربعين يحمل همّ الرسالة كيف يقال له تصنع على عيني؟ وإنما هو يحتاج إلى رعاية الآن للتبليغ. الدلالة العامة لقوله (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) أي ينشئك بالصورة التي يريدها ابتداء ويهيأ المكان الذي يريده ولما قال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) يعني يحفظك، كما قال (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا (14) القمر) السفينة قال تجري بأعيننا يعني برعايتنا وحفظنا. (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (67) المائدة) يعني يحفظك أنت تحت رعايتنا وحفظنا نراقب الأمر (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه) نحن نراك ونحفظك ونحميك ونرعاك يعني أنت تحت رعايتنا.
آية (40):
*ما الفرق بين (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ) وبين (فرددناه إلى أمه)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/24)
ما الفرق بين ردّ ورجع وكلاهما في نفس السياق؟ الرجوع عندما كنت تعرفه مقدماً أنت مسافر من هنا من دبي إلى الشام وأنت ناوي ترجع هذا رجوع يعني أنت أصلاً مقرر من ساعة ما إنطلقت من النقطة التي انطلقت منها أنت ناوي إلى الرجوع هذا رجع، وحينئذٍ كل مؤمن يؤمن بأننا سوف نرجع إلى الله عز وجل بعد أن نموت هذا رجوع. لكن واحد انطلق من دبي إلى الشام ومش ناوي يرجع كان مهاجراً ليس في خطته ولا في خريطته أن يعود انتهينا عوده يعني نهائي مهاجر كما يهاجر الكثيرون ولأمر ما أجبره على العودة هذا يسمى ردّ ولهذا فرق بين (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ) وبين (فرددناه إلى أمه)، رددناك هذه أم موسى وضعت الطفل في صندوق والصندوق في نايلون وترميه في البحر ولا تعرف أين ذهب؟ قطعاً ولا في بالها أن هذا سيعود انتهى فلما الله قال (إِنَّا رَادُّوهُ) على خلاف ما ظننتي.
*ما هي دلالة التعليل بـ ( كي) في قوله تعالى (كي تقرّ عينها ولا تحزن) وباللام في قوله تعالى (ولتعلم)؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى: (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى(40)).
التعليل بكي واللام
الحقيقة أنه لا يبدو هناك فرق واضح بينهما في التعليل، فهما متقاربان جدا، غير أن الذي يبدو أن الأصل في (كي) أن تستعمل لبيان الغرض الحقيقي، واللام تستعمل له ولغيره، فاللام أوسع استعمالا من (كي)، وهذا ما نراه في الاستعمال القرآني.(1/25)
والظاهر من الاستعمال القرآني أن (كي) تستعمل للغرض المؤكد والمطلوب الأول، يدل على ذلك قوله تعالى: "فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق" القصص 13، فقد جعل التعليل الأول بـ (كي) "كي تقر عينها" والثاني باللام " ولتعلم أن وعد الله حق" والأول هو المطلوب الأول، والمقصود الذي تلح عليه الأم هو رد ابنها إليها في الحال بدليل اقتصاره عليه في آية طه، أما جعله نبيا مرسلا، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: "ولتعلم أن وعد الله حق" فهو غرض بعيد، و الجمع بينهما يفيد التوكيد والله أعلم.
* ما الفرق بين فتنة وفتون (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا (40) طه)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/26)
الفتون ذكروا فيها إحتمالين: قالوا هي إما مصدر (والفتنة أيضاً مصدر كالقعود والجلوس) مصدر فعل (فتن) وفَتَن أي اختبر ولها معاني كثيرة منها وضع الذهب في النار حتى تبين جودته وليختبره والفتنة التعذيب. وقسم ذهب إلى أنها جمع (فتون) (وفتناك فتونا) قالوا جمع فَتْن كالظنّ والظنون، (فَتْن) فتناً مصدر وفتنة مصدر. المصدر يُجمع إذا اختلفت أنواعه كالظنون (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) الأحزاب). فقالوا (وفتناك فتوناً) أي امتحناك واختبرناك عدة مرات. رجّح بعضهم على أنها جمع وليست مفرداً. فإذن الفتون تختلف عن الفتنة، الفتنة هي المصدر والفتون جمع. والفتنة مصدر وقد تكون للواحدة وقد تكون لغير الواحدة لأن أحياناً ما دامت على وزن فَعلة وفِعلة تحتمل، لأن المصدر إذا أردنا المرة جئنا به على وزن فَعلة (إسم المرة) إذا كان واحداً ركض ركضة، مشى مشية، الرحمة مشتركة لأنها على وزن فَعلة نأتي بها مرة واحدة نقول (رحمة واحدة) وإذا أردنا نأتي بها جمع نقول (رحمة). فتنة على وزن الهيئة لكنها مصدر (مشية، فعلة) ليست إسم هيئة إلا إذا أردنا الهيئة تحدد بشيء: فتنة المؤمن حتى يتضح أنه يراد بها الهيئة "وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبحة". فالفتون رجحوا أنها جمع فَتٍن وقسم قال جمع فتنة مثل بدر بدور وهناك أمثلة في اللغة. فِتَن جمع أيضاً ويبدو لي أن فتون جمع لأنه منّ عليه بأنه اختبره عدة اختبارات ونجّاه منها وليست مسألة واحدة وإنما عدة اختبارات ونجاه منها وأعدّه للرسالة فهي من باب المنّ عليه، يبو لي هذا والله أعلم.
آية (46):
*ما دلالة تقديم السمع على البصر؟(د.فاضل السامرائى)(1/27)
قدم السمع على البصر لأن من يسمعك أقرب إليك ممن يراك، أنت ترى النجوم والكواكب والشمس والقمر وترى رجلاً من بعيد ولا تسمع صوته (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه) يشعر بالقرب والطمأنينة وفي مجال الدعوة والتبليغ السمع أهم من البصر.
آية (47):
*ما الفرق من الناحية البيانية في استخدام لفظة ( إنّا رسول،إنّا رسولا، إني رسول) في قصة موسى وهارون؟ (د.فاضل السامرائى)
ورد مثل هذا التعبير في ثلاث مواقع في القرآن الكريم: قال تعالى في سورة طه (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى {47}) وفي سورة الشعراء (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {16}) وفي سورة الزخرف قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {46})(1/28)
المسألة تتعلق بالسياق ففي سورة طه السياق كله مبني على التثنية من قوله تعالى (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي {42}) إلى قوله (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)) وقوله (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى {63}) أما في سورة الشعراء فالسياق كله مبني على الإفراد والوحدة من قوله تعالى (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ {18}) مع العلم أن أوائل السورة فيها تثنية َ {15}{16} ثم يُغيّب هارون وتعود إلى الوحدة ويستمر النقاش مع موسى وحده (27) (29) (30) (34).
وكلمة رسول في اللغة تُطلق على الواحد المفرد وعلى الجمع، توجد كلمات في اللغة تكون الكلمة مفردة تختلف في التثنية والجمع يعود إلى الإفراد مثل كلمة بشر (أبشراً منا واحداً نتّبعه) مفرد وقوله تعالى (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) المؤمنون) مثنى وقوله تعالى (بل أنتم بشر مما خلق) جمع. وكلمة طفل (ثم يخرجكم طفلاً) وكلمة ضيف.(1/29)
وكذلك كلمة رسول يقال في اللغة نحن رسول وإنا رسول فقوله تعالى (إنا رسول ربك) تأتي مع البيان ومع سنن العربية وليس فيها مخالفة للّغة. فاختار تعالى الكلمة المناسبة في السياق المناسب فالسياق في سورة طه قائم على التثنية والسياق في الشعراء قائم على الجانبين فيها إفراد ثم تثنية ثم إفراد وموسى هو الذي بلّغ الرسالة أما في سورة الزخرف فلم يأت ذكر هارون في سياق السورة كلها أصلاً فقال تعالى (إني رسول رب العالمين). وهذه الآيات الثلاثة لا تعارض فيها وإنما هي لقصة واحدة ذهب موسى وأخاه هارون إلى فرعون وفي كل سورة جاء بجزء من القصة بما يقتضيه السياق في السورة وهذه اللقطات إنما هي مشاهد متعددة يُعبّر عن كل مشهد حسب السياق وليس في الآيات الثلاثة ما يخالف العربية.
استطراد من المقدم: لماذا نجد هذا في القرآن الكريم؟ لماذا لا يعبر عن القصة بلغة واحدة؟
هو يعبر بلغة بيانية تناسب المقام والسياق الذي يقتضيه وهذه هي البلاغة. موسى وهارون ذهبا إلى فرعون هذا الموقف عبر القرآن عنه في ثلاث مواطن مختلفة (إنا رسول، إنا رسولا، إني رسول) ذكرهما باعتبار ما حدث، مرة كان هارون يسكت ويتكلم موسى فيوجه الكلام لموسى، علينا أن ندرس القصة كلها فهي ليست جلسة واحدة وإنما عدة لقاءات والكلام مرة يكون لهما معاً ومرة لموسى وحده بحسب ما حدث فاختار أدق كلمة في التعبير.
آية (50):
* (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) طه) يجادل بعض المسلمين ويقولون هل انتهت عملية الخلق أم أنها مستمرة باستمرار علماً أن هناك آية أخرى (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) النحل)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/30)
في الأصل سؤال فرعون لموسى (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى (49))، يسأل أحدنا من ربك؟ يقول ربي الذي خلق السموات والأرض ووضع الجبال وسخر الأنهار، لا يقول سيخلق وإنما خلق. السؤال من ربكما يا موسى؟ فذكر له موسى أموراً واقعاً لم يقل سيفعل كذا. أعطى كل شيء خلقه ثم هدى فهذه الآية لا تدل على انتهاء الخلق وإنما إجابة على السؤال. حتى هذه الآية فيها معنى آخر يذكره اللغوييون وهو ربنا الذي أعطى خَلْقه كل شيء أي صورته لأنه خلقه سبحانه وصوّره فأعطاه كل شيء يحتاج إليه. فعل أعطى ينصب مفعولين الأول (كلَّ) مفعول أول و(خلْقَه) مفعول ثاني والأول يصلح أن يكون فاعلاً درهماً مثل: أعطيت محمداً درهماً (محمداً مفعول به يصلح أن يكون فاعلاً) تقدم المفعول الثاني أو تأخر. في مثل هذه الآية (أعطى كل شيء خلْقَه) أعطى خلقه كل شيء، الخلق أخذوا إذن هم الذين استفادوا فاصروا هم المفعول الأول و(كل شيء) صار المفعول الثاني تقدم أو تأخر. والإجابة على هذا السؤال أن ربنا الذي فعل هذا وليس الذي سيفعل هذا. هذا لا يدل على انتهاء الخلق وإذا كان بالمعنى الآخر يحتمل احتمالاً قوياً أنه أعطى خلقه كل شيء يحتاجون إليه. (يَخْلُقُ مَا يَشَاء سُبْحَانَهُ (4) الزمر) (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) النحل).
آية (53):
*لماذا التحول في الخطاب من المفرد إلى الجمع في قوله تعالى (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) طه) ؟ (د.فاضل السامرائى)
هذا يسمى التفاف ويستعمل لتطرية نشاط السامع وقد ورد في القرآن كثيراً. يلتفت من الغائب إلى الحاضر ومن الجمع إلى الإفراد ومن الغائب إلى المتكلم.
آية (63):
*(إنّ هذان لساحران) لماذا جاءت هذان مرفوعة بعد إنّ؟(د.حسام النعيمى)(1/31)
هاهنا مقدمة قبل أن نخوض في الإجابة عن السؤال: نحن عندما يرد إلينا كلام لعربي فصيح نحاول أن نجد له توجيهاً لأن أحدث النظريات اللغوية تقول: "إبن اللغة له القدرة على أن يكوّن من الجُمل ما لا حصر له وله القدرة على أن يحكم بأصولية أي جملة في لغته وعدم أصوليتها" معناه هو يتكلم هكذا فكلامه كله محترم ومقبول هذا كلامه. لما نسمع كلام العربي نحاول أن نجد له توجيهاً إما أن يكون موافقاً لكلام عموم العرب وإما أن يكون له حكمة خاصة أو حالة خاصة.
إلى متى كلام العرب يؤخذ به للإستشهاد ؟ أوقف العلماء الإستشهاد إلى الوقت الذي اختلط الناس وصار العربي يتعلم العربية في الكُتّاب يعني في حدود 150 للهجرة، يقولون آخر من كان يحتج به إبن هرمة الشاعر المتوفى سنة 150 للهجرة كان آخر من يحتج به، بعض العلماء بقوا يسافرون إلى القبائل (هذا في المدن) ويسمعون منهم وفي هذه المرحلة في مرحلة السفر إلى القبائل توقف الأخذ من قريش لأن قالوا قريش اختلطت فما عاد أحد من العلماء يذهب إلى قريش وصاروا يذهبون إلى البوادي، لما بدأوا يجمعون اللغة وجدوا أن قريشاً قد اختلطوا وفسدت ألسنتهم فصاروا يأخذون من تميم ومن هذيل ومن أسد ومن كنانة الذين في البادية. بعض العلماء بقي إلى فترة نحن عندنا في القرن الرابع لكن كانوا يمتحنون أفراداً يرى هل فسد لسانه؟ يقولون لان جلدك يا فلان أي صار حضرياً جلدك صار ليناً لم يعد بتلك الخشونة فلا يأخذون منه. إبن اللغة يؤخذ من لغته. أي شخص يشكك في لغة العرب الآن فقد جانب الصواب لأن اللغة وضعت بناء على دراسات وأولاً القرآن جاء محفوظاً من عشرات الألوف من الناس بقراءاته المختلفة فأخذوا منه، الشعر العربي جُمِع، لما يأتي قول الشاعر العجير السلولي توفي عام 90 للهجرة وقوله هذا من شواهد سيبويه وسيبيويه إذا استشهد بشيء يؤخذ، القصيدة طويلة يقول فيها: إذا مِتُّ كان الناس صنفان شامتٌ وآخر مُثنٍ بالذي كنت أصنعُ(1/32)
يعني سيكون الناس بالنسبة لي صنفين، سيبويه قال هنا قوله صنفان يعني إذا مت كان الحال "الناس صنفان" مبتدأ وخبر، كان فعل ناقص إسمها محذوف يعود إلى الشأن (الناس صنفان) في محل نصب خبر كان. لما يأتي شاعر آخر صاحب الخزانة: إذا اسودّ جُنح الليل فلتأت ولتكن خطاك خفافا إن حرّاسنا أُسدا
لم يقل أسدُ فقال هذا عربي يستدل بلغته إذن لما قال أُسدا معنى ذلك يوجّه أن حراسنا تجدهم أو تلقاهم أُسدا، هكذا التوجيه. يقدر له هكذا لأن العربي لا يخطئ في لغته فيوجّه. كان يستطيع الشاعر في البيت الأول أن يقول صنفين لكنه أراد أن يقول صنفان لأنه يريد أن يقول كان الأمر أو الشأن أو القضية الناس صنفان كأنه أرادها أن تكون كتلة لوحدها الناس بشأني صنفان ثم أدخل كان ليجعل هذا في ما مضى أن حقيقة الأمر سيكون هكذا.
(إن هذان لساحران) لو نظرت في المصحف في هذه الآية ستجد كلمة (هذن) مكتوبة بدون ألف وبين الذال والنون لم يكتب شيء، هذه إضافة للألف الخنجرية.
هناك قراءة جمهورمن العرب كانوا يقرأون بها(إنّ هذين لساحرين)، هذه لا مشكلة فيها ولا يُسأل عنها.
القراءة الأخرى: (إن هذان لساحران) وهذه لا سؤال فيها أيضاً لأن (إنّ) إذا خففت زال عملها ولزم خبرها اللام، تقول: إنّ زيداً مجتهدٌ فإذا خففتها وقلت: إنْ زيدٌ لمجتهدٌ تأتي باللام فارقة بينها وبين النافية وعليها قراءتنا الآن. (إن) تُعرب مخففة من الثقيلة مهملة و هذان مبتدأ واللام فارقة وساحران خبر.الإشكال في قراءة نافع (إنّ هذين) .(1/33)
إختلاف القراءات لا يؤدي إلى إختلاف المعنى حتى إذا كانت اللفظة فيها خلاف معنوي المحصلة النهائية تكون واحدة. (إنّ هذين) فيه تأكيد، هنا نسبة السحر لموسى وهارون، أو (إن هذان لساحران) التوكيد قلّ قليلاً أو (إنّ هذان لساحران) بالمعاني التي سنذكرها وهي كلها فيها نسبة السحر إلى هذين، يبقى شيء من التأكيد، قلة تأكيد، إلخ. هذه لما نقول القراءات في محصلتها النهائية لا تختلف.
آية (66):
*إذا بُنيت الجملة للمجهول لا يُذكر الفاعل فهل ذكره فى الآية (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) طه؟ (د.حسام النعيمى)
قال تعالى:(يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) يُخيّل إليه سعيهاأنهاتسعى لأن (أن مع إسمها وخبرها) تمثل مصدراً مؤولاًوالمصدرالمؤول من أن وإسمهاوخبرهاالصريح فيه يستخرج من الخبرويضاف إلى الإسم وتحذ ف (أن)مثل:علمت أن زيداً ناجح،من ناجح نأخذ مصورالنجاح ونضيفه للإسم ونحذف(أن) فنقول:علمت نجاح زيد.
أنها تسعى أي سعيها هو نائب الفاعل وليس فاعلاً يعني خُيِّل إليه سعيها. وإليه ومن سحرهم متعلقان بالفعل (يُخيّل). ما عندنا فاعل وإنما نائب فاعل (يخيل إليه سعيها) فهو نائب فاعل وليس كما يظن السائل أنه فاعل. لا يستقيم لما العرب يبنون الفعل للمجهول يعني لا يريدون أن يذكروا الفاعل فكيف يُذكر في كتاب الله وهو أعلى نصٍ ورد في لغة العرب؟!.
آية (67):
* (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67) طه) لماذا كرر إسم موسى في الآية مع استخدام الضمير في (نفسه)؟(د.فاضل السامرائى)(1/34)
فيها تقديم وتأخير وليس فيها تكرار، أصل الكلام فأوجس موسى خيفة في نفسه ليس فيها تكرار، هي فيها تقديم وتأخير فصل بين الهاء والفاعل ولم يحصل تكرار. أخّر موسى لأنه مدلول عليه من السياق. ثم هناك أمر آخر تقديم (في نفسه) أهم من تقديم موسى لأنه في مقام بينه وبين السحرة اختبار، هنا فأوجس في نفسه لأنه لو ظهر عليه الخوف – والخوف قد يظهر على الإنسان- فالخوف كان في نفسه لم يظهر على وجهه لذلك قال (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى) لو قال فأوجس خيفة يعني ظهر على وجهه كما في قصة إبراهيم ? (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) الذاريات) معناه ظهر الخوف عليه. موسى أوجس خيفة في نفسه لم تظهر عليه لأنها لو ظهرت لكانت علامة ضعف وعدم ثقة إذن تقديم (في نفسه) أهم من تقديم الفاعل. ربنا ذكر مع أنه قال لموسى لا تحف ذكر هذا الأمر وهذا يعتري البشر فحدد مكان الخيفة والتوجس في نفسه (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى) لم تظهر على وجهه. هذا التقديم إذن له دلالة. الكلام في السياق كله مع موسى (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) طه) وقبله مناظرته مع فرعون وفي الآية قال (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى) وتقديم (في نفسه) أهم من تقديم موسى. بينما في يوسف قال تعالى (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ (77) يوسف) أخّر (في نفسه) لأن كلمة أسرّ يعني في نفسه لم تظهر (في نفسه) جاءت متأخرة وتضيف دلالة لأن حتى الإسرار قد يكون كلاماً مع شخص (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا (3) التحريم) فيقدم عندما يكون السياق محتاجاً إلى التقديم ويؤخر عندما يكون السياق محتاجاً للتأخير.(1/35)
قدّم (في نفسه) حتى لا تظهر عليى علامات الضعف والآية أصلاً ليس فيها تكرار ثم إن موسى الذي خاف وليس هارون وموسى من أولي العزم فكم كانت قوة السحر؟! (قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) الأعراف).وتعرب كلمة (خيفة) تُعرّب مفعولاً به "أحس خيفة". والفاعل (موسى).
* ما دلالة تقديم في نفسه على موسى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67) طه)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/36)
أولاً أخّر موسى وجعله في آخر الآية وهذا ليس لفواصل الآيات في سورة طه وهي ليست لذلك فقط وهذا أمر حتى لو لم يكن فاصل آية تقتضيها الدلالة. أولاً أخّر موسى لأن السياق معلوم أنه في موسى حتى لو لم يذكر موسى في السياق المعلوم موسى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى) لأنه قبلها قيل (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)) إذن هو الكلام في موسى. إذن لو تأخر أو حُذِف فهو معلوم، هذا أمر. تقديم (في نفسه) هذا مهم جداً. خارج القرآن نقول فأوجس موسى خيفة في نفسه، هو قدّم (في نفسه) هذا التقديم مهم جداً في مثل هذا الموقف لأن ظهور الخوف عليه يدل على عدم الثقة لو قال فأوجس خيفة ولم يقل في نفسه إيجاس الخوف قد يظهر على المرء. أوجس أي أحسّ لأن الخوف قد يظهر على الإنسان بدليل إبراهيم لما قال (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً (28) الذاريات) لم يقل في نفسه قالوا (قَالُوا لَا تَخَفْ) ظهرت عليه علامة الخوف. الإحساس قد يظهر على المرء أنه خائف. لو لم يقل في نفسه نفهم أنه قد يكون ظهر عليه وفي ظهور الخوف عليه دلالة ضعف وعدم ثقة. إذن (في نفسه) مهمة جداً لأنه لم يبدو على موسى علامات الخوف مطلقاً وإن كان في نفسه خائفاً لذلك أهم شيء أن يذكر (في نفسه) حتى لا يظهر عليه. نلاحظ في سورة يوسف قال (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ (77) يوسف) هو أسرّها بمعنى أخفاها لأن الإسرار في حد ذاته إخفاء. هذا أمر وهنالك أمر آخر لو قال فأوجس موسى خيفة في نفسه هذا يحتمل أنه ذمّ لموسى أنه ثمة خوف كامن في أعماق نفسه في الأصل ظهر الآن. هنالك خيفة كامنة في نفسه أحسّها كما تقول أظهر موسى خوفاً في نفسه إذن نفسه منطوية في الأصل على خوف أحس به. أظهرت ودّاً لمحمد الودّ موجود أظهره.(1/37)
فلو قال فأوجس موسى خيفة في نفسه لكان ذمّاً لموسى لأن معناه أنه في أعماق نفسه نفسه منطوية على خوف. يحتمل أمرين إما يكون في نفسه متعلق بأوجس وإما هي وصف للنفس (جار ومجرور صفة للخيفة) خيفة كامنة في نفسه هذه قاعدة (بعد النكرة صفات). (في نفسه) صفة متعلقة بخيفة وسيكون ذماً لموسى. وحتى لو لم تكن هناك فاصلة قرآنية المعنى لا يحتمل هذا التقديم والتأخير فالفاصلة جاءت مكمِّلة للحسن ومكمِّلة للبيان (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى).
آية (69):
*ما دلالة فصل (إنما) في آية سورة طه(وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) بينما جاءت موصولة في مواطن أخرى ؟ (د.فاضل السامرائى)
هذا السؤال عائد إلى خط المصحف (الخط العثماني) وليس عائداً لأمر نحوي، وحسب القاعدة : خطّان لا يُقاس عليهما خط المصحف وخط العَروض. وفي كتابتنا الحالية نفصل (إن) عن (ما) وحقُّها أن تُفصل.
ابتداءً يعود الأمر إلى خط المصحف سواء وصل أم فصل لكن المُلاحظ الغريب في هذه الآيات كأنما نحس أن للفصل والوصل غرض بياني. لو لاحظنا في آية سورة الأنعام فصل قال تعالى (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)) وقال في سورة طه(إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) .(1/38)
فلو لاحظنا الآيات نجد أنه تعالى لم يذكر في سورة الأنعام شيء يتعلّق بالآخرة أو متصلاً بها وإنما تكلم بعد الآية موضع السؤال عن الدنيا (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)) ففصل ما يوعدون عن واقع الآخرة. وفي سورة الذاريات وصل الأمر بأحداث الآخرة (وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)) والكلام في السورة جاء عن أحداث الآخرة فوصل (ما توعدون) بأحداث الآخرة وكذلك في سورة المرسلات دخل في أحداث الآخرة. فلمّا فصل الأحداث الآخرة عن ما يوعدون فصل (إن ما) ولمّا وصل الأحداث مع ما يوعدون وصل (إنما) وكذلك ما جاء في قوله تعالى في قصة موسى وفرعون فى سورة طه (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)) السحرة صنعوا وانتهى الأمرفوصل وتكلم عن شيء فعلوه. فكأنها ظاهرة غريبة وكأن الكاتب الذي كتب المصحف لحظ هذا وما في الفصل والوصل.هذا والله أعلم.
آية (70):
*في سورة طه (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)) ووردت (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء) فما دلالة التقديم والتأخير؟ (د.فاضل السامرائى)(1/39)
ذكرنا في أكثر من مناسبة أن التقديم والتأخير أولاً للعلم ليس بالضرورة أن يتقدم من هو الأفضل أو ما هو أفضل وقد يتقدم المفضول بحسب السياق ويتأخر ما هو أفضل ليس بالضرورة أن يتقدم الأفضل إنما السياق يحدد. بالنسبة لهارون وموسى وموسى وهارون ذكرناها في أكثر من مناسبة في سورة طه قدم هارون على موسى (هَارُونَ وَمُوسَى) وفي الشعراء (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ). وقسم ذهبوا إلى أنه قدم موسى على هارون في طه لتواصل الفاصلة القرآنية باعتبار أن سورة طه أغلب آياتها في الألف (الفاصلة القرآنية) وفي الشعراء هي هكذا. الحقيقة في هاتين السورتين نلاحظ في سورة طه تكرر ذكر هارون كثيراً وجعله الله تعالى شريكاً لموسى في التبليغ ولم يذكر هذا في الشعراء.(1/40)
على سبيل المثال في طه قال (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)، اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)) كلها بالتثنية (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)) حتى خطاب فرعون كان لهما على سبيل التثنية (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)، قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)) في الشعراء مرة قال (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)) فقط والباقي كل الكلام مع موسى والخطاب موجه إلى موسى (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ(1/41)
الْمَسْجُونِينَ (29)) (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)) لم يقل ساحران. هنالك أمر آخر في طه ذكر خوف موسى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67)) لكن لم يذكر أن هارون خاف موسى هو الذي خاف نحن لا نعلم إذا خاف هارون لكنه لم يذكرها وذكر خوف موسى. عندنا تقديم وتأخير، في حالة الخوف يقدّم هارون على موسى وفي حالة عدم الخوف قدم موسى على هارون إضافة إلى السياق إذن الحالتين ليستا متماثلتين. موسى خاف في سورة طه (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)) قدم هارون على موسى لأن موسى هو الذي خاف فأخّر الخائف.
*هل يجوز أن نقول أن للفاصلة القرآنية دخل في هذا التقديم والتأخير؟ (د.فاضل السامرائى)
نحن لا ننكر، لكن لا ينبغي أن نقول نقصره على الفاصلة القرآنية لأنه أحياناً القرآن يضرب الفاصلة القرآنية إذا اقتضى الأمر (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)) (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)) ليس فيها مراعاة للفاصلة وكثيراً في القرآن لا ينظر إلى الفاصلة القرآنية.
هناك في قصة السحرة الذين جاء بهم فرعون مرة قالوا (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء) ومرة قالوا (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) طه) فعندنا سبعين ساحراً منهم من قال (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) ومنهم من قال (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) قال بعض المفسرين أن الله تعالى حتى ينقل لنا الصورة كاملة نقلها بهذين الشكلين حتى يأتي لنا بالصورة كاملة لأنه ليس كل السحرة قالوا نفس القول؟ جمع الله تعالى الآيتين فأعطانا الصورة كاملة عما قاله السحرة.
آية (71):
* ما دلالة استخدام (في) في قوله تعالى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ (71) طه)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/42)
قوله تعالى (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) هذه اعتبروها في باب المجاز والأصل كما يرون يقولون على جذوع النخل لكن (في جذوع) أي يثبتهم فيها يجعلها كأنها قبور لهم، هم قالوا هكذا ، (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) يعني يثبتهم فيها ويجعل جذوع النخل كأنها قبور لهم ليس فقط يضعهم عليها، ولو قال (على) لا يؤدي هذا المعنى لكن (في) كأنه يُدخِلهم فيها. (على) باعتبار ارتفاع عالي.
* إسم الاستفهام يعمل فيه ما بعده وليس ما قبله وله صدر الكلام قال تعالى (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) طه) والجملة كلها مفعول به.
آية (75):
*ما دلالة استعمال التذكير والجمع في قوله تعالى((وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75))؟(د.حسام النعيمى)
غالباً لو نظرنا في آيات القرآن الكريم نجد أنه مع (من) إبتداءً يُراعي لفظها لفظ المفرد المذكر فيقول مثلاً (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) طه) فأحياناً ينظر لمّا يكون الكلام عن المفرد يكون دائماً على الإفراد لكن لما يكون عن الجمع يبدأ بالإفراد مراعاة للفظ (من).
آية (76):
* هل يحتمل معنى قوله تعالى (جنات تجري من تحتها الأنهار) أن الجنات تجري؟ (د.فاضل السامرائى)
لا أعلم إذا كانت الجنات تجري لكن بلا شك أن الأنهار تجري فالجريان يكون للأنهار في الدنيا كما في قوله تعالى في سورة طه (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)) وفي مواطن أخرى لكن هل هناك أمر آخر أن الجنات تجري؟ الله أعلم لكن الأمر فيها أن قطعاً الأنهار تجري ويمكن من قدرة الله تعالى أن تجري الجنات في الآخرة ولكن هذا ليس ظاهراً مما نعرفه.
آية (77):(1/43)
*ما دلالة (لا) في آية سورة طه (لاتخاف دركاً ولا تخشى )؟ (د.فاضل السامرائى)
لا هنا من باب النفى مثل قوله تعالى (لا تغرنّكم الحياة الدنيا) .
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قصة غرق فرعون في آيات سورتى يونس وطه؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة طه (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى {77} فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ {78}). وقال في سورة يونس (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90}) إذا لاحظنا الآيات في السورتين نرى ما يلي:
1. استخدام واو العطف في قوله (فرعون وجنوده) وهذا نص بالعطف فرعون أتبع موسى وهو معه وهذا تعبير قطعي أن فرعون خرج مع جنوده وأتبع موسى. أما في سورة طه استخدم الباء في قوله (فأتبعهم فرعون بجنوده) والباء في اللغة تفيد المصاحبة والإستعانة، وفي الآية الباء تحتمل المصاحبة وتحتمل الإستعانة بمعنى أمدهم بجنوده ولا يشترط ذهاب فرعون معهم.(1/44)
2. والتعبير في سورة يونس يوحي أن فرعون عازم على البطش والتنكيل هو بنفسه لذا خرج مع جنوده وأراد استئصال موسى بنفسه للتنكيل والبطش به لآن سياق الآيات تفرض هذا التعبير، ذكر استكبار فرعون وملئه (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ {75}) فذكر أنهم مستكبرون ومجرمون وذكر أنه ما آمن لموسى إلا قليل من ومه على خوف من فرعون وملئه وذكر أيضاً أن فرعون عال في الأرض ومسرف كما ذكر أنه يفتن قومه ومآل الأمر في سورة يونس أن موسى - عليه السلام - دعا على فرعون وقومه (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) فذكر بغياً وعدواً مناسب لسيلق الآيات التي ذكرت عذاب فرعون وتنكيله بموسى وقومه. ولم يذكر في سورة طه أن فرعون آذى موسى وقومه ولم يتعرض لهذا الأمر مطلقاً في سورة طه لذا فالسياق هنا مختلف لذا اختلف التعبير ولم يذكر (بغياً وعدوا) ليناسب سياق الآيات في التعبير.(1/45)
3. بعد أن ضاق قوم موسى ذرعاً بفرعون وبطشه تدخل الله تعالى فتولّى أمر النجاة بنفسه فقال تعالى (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90}) وكان الغرق لفرعون وإيمان فرعون عند الهلاك هو استجابة لدعوة موسى - صلى الله عليه وسلم - (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم)، أما في سورة طه فقد جاء الأمر وحياً من الله تعالى لموسى - صلى الله عليه وسلم - ولن يتولى تعالى أمر النجاة بنفسه وإنما خاطب موسى بقوله (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى) ثم قال تعالى (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ) ذكر غرق قوم فرعون.
كل هذه الإختلافات بين المشهدين في القصة هو ما يقتضيه سياق الآيات في كل سورة.
آية (78):
*ما اللمسة البيانية في استعمال كلمة (اليم) في قصة سيدنا موسى مع فرعون؟ (د.فاضل السامرائى)
اليمّ كلمة عبرانية وقد وردت في القرآن الكريم 8 مرات في قصة موسى وفرعون فقط لأن قوم موسى كانوا عبرانيين وكانوا يستعلون هذه الكلمة في لغتهم ولا يعرفون كلمة البحر ولهذا وردت كلمة اليمّ كما عرفوها في لغتهم آنذاك.مثل استعمال(سيدها) مع امرأة العزيز وهى كلمة قبطية.
*(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه) هل الهداية ثمرة للإيمان والعمل الصالح؟ وما هي اللمسة البيانية في الآية؟ (د.فاضل السامرائى)
((1/46)
ثم) قد تكون المعنى المشهور أنها للترتيب والتراخي وقد تأتي فقط لترتيب الإخبار ويؤتى بها ما هو أعظم مما قبلها. مثال أعجبني ما صنعته اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب. هذا قبل هذا يعني ما بعدها يكون قبل ما قبلها (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ (1) الأنعام) وفي سورة البلد (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)) الإيمان أعلى من أن تطعم واحداً أو تفط رقبة إذا لم يؤمن فليس في عمله فائدة فبدأ بما هو أعلى ليس من باب التراخي في الزن وإنما فيما هو أهم في هذا السياق (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا (30) فصلت) إذن ليس بالضرورة (ثم) للتراخي الزمني وإنما لتراخي الإخبار.
آية (85):
* ما اللمسة البيانية في استعمال فَتَنَّا، أضَلَّهُم في قصة موسى - عليه السلام - في سورة طه؟ (د.فاضل السامرائى)
هناك خط عام في القرآن الكريم وهو أن الله تعالى لا ينسب الشرّ لنفسه مطلقاً. وفي قوله تعالى (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) نسب الفتنة إليه سبحانه وتعالى وهذه الفتنة ليست شراً وإنما هي ابتلاء فالله تعالى خلق الموت والحياة للابتلاء الذي هو مُراد الله تعالى للبشر وهو من أغراض الخلق (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) الإنسان).
آية (93):
*ما دلالة استخدام (لا) في قوله تعالى (ألاتتبعن)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/47)
قال تعالى (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) هي ليست نافية ولكنها بمعنى من منعك من اتباعي.
النحويون يقولون أن (لا) زائدة فهي لا تغيّر المعنى اذا حُذفت وإنما يُراد بها التوكيد ومنهم من قال أنها صلة. فلو قلنا مثلاً (والله لا أفعل) وقلنا (لا والله لا أفعل) فالمعنى لن يتغير برغم إدخال (لا) على الجملة. أما في آيات القرآن الكريم فلا يمكن أن يكون في القرآن زيادة بلا فائدة. والزيادة في (لا) بالذات لا تكون إلا عند من أمِن اللبس، بمعنى أنه لو كان هناك احتمال أن يفهم السامع النفي فلابدمن زيادتها.
وعليه مثلاً من الخطأ الشائع أننا نقول أعتذر عن الحضور وإنما الصحيح القول: أعتذر عن عدم الحضور.
آية (94):
*ماد لالة ذكر وحذف (يا) في قوله تعالى (ابن أوم) في سورة الأعراف و(يبنؤم) في سورة طه؟ (د.فاضل السامرائى)(1/48)
قال تعالى في سورة طه (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي {86} قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ {87} فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ {88} أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً {89} وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي {90} قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى {91} قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا {92} أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي {93}قَالَ يَبْنَؤمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي {94}) وفي سورة الأعراف (قَالَ ابْنَ أُومَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {150}) ذكر الحرف وعدم ذكره له دوافع والقاعدة العامة فيه أنه عندما يكون السياق في مقام البسط والتفصيل يذكر الحرف سواء كان ياء أو غيرها كما في سورة طه حيث ذُكرت فيها كل الجزئيات وإذا كان المقام مقام إيجاز يوجز ويحذف الحرف إذا لم يؤدي ذلك إلى التباس في المعنى كما في سورة الآعراف .(1/49)
وكذلك في قوله (أئن لنا لآجراً) قد يكون مقام التوكيد بالحرف.
* يرد في القرآن ذكر سيدنا موسى وهارون ويرد خطاب هارون لموسى بقوله (يا ابن أوم) فهل هذا أسلوب استعطاف وتليين أو هو أسلوب يشير إلى أنهما ليسا إخوة أشقاء؟ (د.فاضل السامرائى)
على الأرجح أن موسى وهارون كانا أخوان شقيقان لكن يقولون للترقيق ثم هنالك أمر لأن ربنا ما ذكر أبو موسى وإنما ذكر أمه هي التي خافت وكادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها وقالت لأخته قصيه وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً وهي التي قاست فهذا تذكير بأمه فقال (يا ابن أؤم). ليس معنى هذا أنهما ليسا من أب واحد هما شقيقان ولكن هذا تذكير بأمه لما قاست.
*(قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) طه) ما هو سبب الجزم في ترقبْ؟ (د.فاضل السامرائى)
وجود (لم) الجازمة مثل لم يلد ولم يولد.
آية (96):
* ما الفرق بين طوعت (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) المائدة) وسولت (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) طه) (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا (18) يوسف)؟ (د.فاضل السامرائى)
سولت معناها زينت له، يقال سولت له نفسه أي زينت له الأمر، طوّعت أشد. نضرب مثلاً" الحديد يحتاج إلى تطويع أي يحتاج إلى جهد حتى تطوعه، تريد أن تطوع وحشاً من الوحوش تحتاج لوقت حتى تجعله يطيعك، فيها جهد ومبالغة في التطويع حتى تروضه وتذلله، المعادن تطويعها يحتاج إلى جهد وكذلك الوحوش والطيور تطويعها يحتاج إلى جهد وبذل.(1/50)
التسويل لا يحتاج إلى مثل ذلك الجهد. إذن سولت أي زينت له نفسه، لذا ابني آدم قال (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) كان يفكر هل يمكن أن يقدم على قتل أخيه فاحتاج وقتاً لترويض نفسه ليفعل هذا الفعل وهو ليس كأي تسويل أو تزيين بسهولة تفعل الشيء وأنت مرتاح. التطويع يحتاج إلى جهد حتى تروض نفسه وتهيء له الأمر. وفي القرآن قال تعالى (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) في قصة السامري هنا بسهولة وهذه أسهل من أن يقتل الواحد أخاه. لا يجوز في القرآن أن تأتي طوعت مكان سولت أو العكس وفي النتيجة العمل سيكون لكن واحد أيسر من واحد. سوّل وطوع بمعنى واحد لكن طوّع فيها شدّة.
آية (97):
*في سورة طه (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ (97)) ما معنى لا مساس؟(د.أحمد الكبيسي)
لا مساس أي لا يمسه أحد. السامري كان يستحق القتل لأنه ارتد وتسبب في ردة بني إسرائيل لكن الله تعالى بعث جبريل فقال لموسى لا تقتل السامري لأنه سخيّ والله يحب الأسخياء فالله تعالى خفف العقوبة عليه فقال (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ (97)) إذا واحد صافحه يصاب بالحمى فوراً، كلما لمس أحداً من الناس أصيب بالحمى فكان لا يصافح أحداً ولا يمسه أحد وهذه عقوبته مكان الإعدام.
* في سورة طه (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)) الفعل الوحيد الذي ورد بهذه الصيغة وهي حذف أحد حرفي التشديد مع أن المقام مقام مبالغة في العكوف وليس مقام تقليل إذا اعتمدنا أن الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى فما العِلة من ذلك؟ (د.فاضل السامرائى)(1/51)
العرب وقريش وغيرها قد تخفف من الفعل المضعّف إذا صادفه تسكين. أصل الفعل ظلِلْت مضعّف. فعندهم هذا وقسم من العرب عندهم لغة قالوا هم بنو سُليم يحذفون دائماً ليس فقط في الفعل بل ما كان شبيهاً بالمضاعف إذا سُكّن آخره قلا يقولون أحسست وإنما أحست ولا يقولون هممت وإنما همت، صددت – صدت. هذه لغة من لغتهم فهذه لغة. يبقى السؤال لماذا استعمل هذه اللغة هنا مع العلم أنه لم يحذف في المضعف (إن ضللت، صددت) فلماذا استعملها هنا؟ استعملها في القرآن مرتين: هنا وفي سورة الواقعة (فظلتم تفكهون). هنالك ظاهرة عامة في القرآن الكريم أن القرآن يحذف من الفعل إذا كان زمنه أقل مثل (تتوفاهم وتوفاهم) الذي زمنه أقل يحذف منه مراعاة بين قصر الفعل والزمن. هذه ظاهرة عامة في القرآن الكريم منتشرة متسعة (استطاعوا، اسطاعوا، تتنزل، تنزل) تتنزل أكثر من تنزل لأن تلك في ليلة واحدة ليلة القدر (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) أما الثانية (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت) في كل لحظة فقال تتنزل.(1/52)
هنا (وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا) يتكلم عن السامري الذي صنع العجل، كم ظلّ عاكفاً عليه؟ على مدة ذهاب موسى - عليه السلام - وعودته وليس كالذي يعبد الأصنام طول عمره لكن بمقدار ما ذهب موسى - عليه السلام - وعاد وقال له (لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا). إذن هذا البقاء قليل فحذف من الفعل لأن هذه العبادة لا تشبه عبادة الآخرين الذين يقضون أعمارهم في عبادة الأصنام لكن هذه مدة قصيرة بمقدار ما ناجى موسى ? ربه ثم عاد فحذف من الفعل إشارة إلى قصر الزمن. حتى في سورة الواقعة (لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)) بداية الآيات (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)) تفكهون، كم يتكلم؟ قليل فحذف من الفعل.
وعلى الأكثر أن اللام الوسطى المكسورة هي التي تُحذف، أصل الفعل ظلِلْت لكن ليس فيها قاعدة.
*ماالفرق بين النسف و التسيير في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
النسف قد يكون له معنيان إما الإقتلاع والإزالة وإما التذرية في الهواء كما جاء في قصة السامري فى سورة طه(قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً {97}). والنسف والتسييرللجبال هي من مشاهد يوم القيامة كالدكّ والنصب وغيرها فهي تتابعات مشاهد يوم القيامة فتكون الجبال كالعهن المنفوش ثم يأتي النسف والتذرية فى النهاية.
آية (101):
*ما الفرق بين الحِمل و الحَمل؟ (د.فاضل السامرائى)(1/53)
الحَمْل مصدر والحِمل ما يُحمل (خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) طه) يحمل على الظهر، (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ (31) الأنعام) أما الحَمل هو المصدر أو ما لا يرى بالعين (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا (189) الأعراف).
آية (105):
*بخصوص الآيات التي وردت بصيغة (يسألونك) وغيرها (ويسألونك) فما اللمسة البيانية في ورود الواو وعدمه؟(د.فاضل السامرائى)(1/54)
يسألونك و(ويسألونك) له مواضع في القرآن. أحياناً تقع الأسئلة في وقت واحد، عدة أسئلة في موضع واحد في وقت واحد فالسؤال الأول (يسألونك) وفي الأسئلة الأخرى يقول (ويسألونك)، مثال (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ (219) البقرة) هذا ابتداء هذا أول سؤال وبعدها يأتي (ويسألونك) (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (219) البقرة) عطف على السؤال الأول (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى (220) البقرة) وبعدها (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ (222) البقرة) هذا سؤال آخر إذن السؤال الأول بدون واو (يسألونك) هذا ابتداء والآخر عطف على السؤال الأول فتأتي بالواو، هذه قد تكون من المواطن. هذا أمر أو يقع ضمن متعاطفات يعني السياق فيه متعاطفات فيقع السؤال ضمن المتعاطفات، مثلاً (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ (79) الإسراء) (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ (80) الإسراء) (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ (81) الإسراء) عطف كلها نفس السياق (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (82) الإسراء) (وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ (83) الإسراء) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ (85) الإسراء) وبعدها (وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ (86) الإسراء) وبعدها (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ (89) الإسراء) لاحظ كلها في سياق المتعاطفات ابتداء إذن (ويسألونك) عطف على المتعاطفات الكثيرة وهذا هو السياق أصلاً.(1/55)
أو واقع ضمن مشهد يحسن السؤال أو يتناسب السؤال مثل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) طه) هذه واقعة ضمن مشاهد القيامة قبلها قال (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107 طه) السياق هو هكذا (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) طه) هي وقعت في أمر يتناسب فيه السؤال. إذن إما أن تكون ضمن أسئلة متعددة فيبدأ بالأول بلا واو والأخرى عاطفة أو هو ضمن متعاطفات كما ذكرنا أو الموقف يحسُن فيه السؤال.
آية (108):
* هل نقول الرجل داعي أم داعية؟ (د.فاضل السامرائى)
ليس بينهما تعارض لكن الداعية فيها مبالغة إذا كان مكثراً من الدعوة يقال له داعية لأن (فاعلة) من أوزان المبالغة. الأصل داعي إسم فاعل (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ (108) طه) فإذا أردنا المبالغة نقول داعية كما نقول داهية. هذا ليس مؤنثاً، التاء يؤتى بها للمبالغة وتاء التأنيث هي ليست فقط للتأنيث (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الهمزة) التاء تدل على التكثير، فاعلة وفعّالة من أوزان المبالغة رجلٌ علّامة وفهّامة من أوزان المبالغة، علاّم وعلاّمة من لأوزان المبالغة، داهية من أوزان المبالغة.
آية (110):
*لماذا ذكر نفي الإحاطة بالذات في سورة طه ونفى الإحاطة بالعلم في آية الكرسي؟ (د.فاضل السامرائى)(1/56)
في قوله تعالى في سورة طه: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) أي بذاته في المعنى. إذن في سورة طه جاءت الآية تعقيباً على عبادة بني اسرائيل للعجل وقد صنعوه بأيديهم وأحاطوا به علماً والله لا يحاط به، لقد عبدوا إلهاً وأحاطوا به علما فناسب أن يقول (ولا يحيطون به علما).أما في آية الكرسي فالسياق عن العلم (يعلم ما بين أيدينا) وبعد هذه الجملة يأتي قوله (ولا يحيطون بعلمه إلا بما شاء) وهذه الجملة هي توطئة لما سيأتي بعدها.
آية (117):
* خاطب تعالى آدم لوحده ومرة خاطب آدم وحواء والخطاب كان مرة واحدة بصيغ متعددة فكيف نفهم الصيغ المتعددة في الخطاب؟ (د.فاضل السامرائى)
من الذي قال أن الخطاب مرة واحدة؟. ربنا قال في القرآن (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) طه) هذا الخطاب غير ذاك الخطاب. (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا (123) طه) (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً (38) البقرة) من أدراه أن الخطاب كان واحداً؟ لما قال (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا (19) الأعراف) غير (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ (22) الأعراف) هذا وقت متغير.
آية (120):
* ما الفرق بين النزغ والوسوسة ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/57)
من حيث اللغة النزغ هو الإفساد بين الأصدقاء تحديداً، بين الإخوان، بين الناس (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ (36) فصلت) النزغ هو أن يحمل بعضهم على بعض بإفساد بينهم، هذا هو النزغ في اللغة، أن يغري بعضهم ببعض ويفسد بينهم. الوسوسة شيء آخر وهي عامة، يزين له أمر، يفعل معصية، يزين له معصية، الوسوسة عامة والنزغ خاص بأن يحمل بعضهم على بعض وأن يفسد بينهما. قال تعالى (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف)، لم يقل وسوس. مع آدم وحواء لم يكن هناك خصومة بينهما لكن مع إخوة يوسف كان هناك خصومة فقد حاولوا أن يقتلوا يوسف، أفسد بينهم، أغروا به حتى أفسدوا. الوسوسة عامة لأنه يدخل فيها النزغ. هنا(نزغ الشيطان) الحالة الخاصة للحالة الخاصة وهذه الحالة هي هكذا بين يوسف وإخوته، هذا هو المعنى اللغوي. يقولون أصل الوسوسة الصوت الخفي ويكون مسموعاً أحياناً وأحياناً يكون غير مسموع وإنما يبقيه الشيطان في نفس الإنسان (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس) والصدر هو الممر إلى القلب فإذا وسوس في الصدر الشيطان يريد أن يملأ الساحة بالألغام كما يفعل الأعداء في الحرب. وقد تكون الوسوسة بالكلام المسموع، همس أو كلام خفي بينك وبين أحد بدليل أنه لما وسوس إبليس لآدم كان كلاماً باللسان (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) طه) سماها القرآن وسوسة ثم قال (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) الأعراف) قاسمهما أي حلف لهما بالله ولذلك لما رب العالمين عاتب آدم قال آدم: يا رب ما كنت أظن أحداً يحلف بك كاذباً. الوسوسة إذن تكون في الصوت المسموع أحياناً وبالصوت غير المسموع أحياناً.
سؤال: كلمة وسوس فيها هدوء وخفية وفيها تكرار مقطع (وس/وس) فهل هي مرتبطة بكلام سيئ أو خبيث؟(1/58)
هكذا يبدو من استعمالها لماذا لا يظهر هذا الكلام إلا إذا كان هناك ما يريد أن يخفيه عن الآخرين؟.
* يقولون أن الشيطان حاول أن يوسوس لآدم فلم يقدر عليه ثم تحول لحواء فقدر عليها فهل هذا صحيح؟ (د.فاضل السامرائى)
هوعز وجل أصلاً لم يذكر حواء في الوسوسة إنما قال:(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) طه) ثم قال (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا (20) الأعراف) ما هنالك آية أفرد فيها حواء. إما أن يقول آدم أو يجمعهما معاً. حتى في قوله (فتشقى) هو الذي يكدح ولم يقل فتشقيا.
آية (123):
* ما الفرق بين استخدام الجمع والمثنى في الآيات (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)البقرة) و(قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (123) طه)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/59)
الذي يوضح قراءة الآيات. في البقرة كان الخطاب لآدم وزوجه (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)) ننظر ماذا قال في طه الخطاب لآدم (فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)) (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)) في البقرة (وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا) أما في طه (فَأَكَلَا مِنْهَا) في طه الكلام موجه لآدم وفي البقرة موجه لآدم وحواء إذن اهبطوا في البقرة أي آدم وحواء وإبليس، في طه آدم وإبليس وحواء تابعة.(1/60)
الخطاب في طه موجه إلى آدم (لا تظمأ، فوسوس إليه، فتشقى، فعصى آدم ربه،) فكان الكلام (اهبطا) لآدم وإبليس وحواء تابعة (فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) الكلام متصل بآدم، (وعصى آدم ربه فغوى، فوسوس إليه) السياق لآدم هنا (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) الكلام على آدم فقال اهبطا وحواء ليست هي في السياق قال اهبطا أي آدم وإبليس ولما دخلت حواء في السياق في سورة البقرة قال اهبطوا أي آدم وحواء وإبليس لأن بعضكم لبعض عدو.
* ياء المتكلم متى تُسَكَّن ومتى تُحرَّك مثل وجهيَ ووجهي؟(د.فاضل السامرائى)
السؤال هو متى تكون الياء مفتوحة ومتى تكون ساكنة؟ ذكرنا في حينها الفتح الواجب، فتح ياء المتكلم وجوباً لها مواطن وجوب الفتح وما عدا ذلك جواز.
o بعد الألف المقصورة الياء يجب أن تكون مفتوحة مثل (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) الأنعام) (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) طه) لا بد أن تفتح الياء.
o بعد المنقوص لا بد من فتح الياء: معطي، معطيَّ، أنت معطيَّ كتاباً تحذف النون هذا إسم لا تكون فيه النون، هل أنت منجيَ من عذاب الله؟ الياء لا بد أن تُفتح بعد المنقوص.
o بعد المثنى (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح).
o بعد جمع المذكر السالم (وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ (22) إبراهيم) وكما في الحديث "أومخرجيَ هم؟" ما عدا هذا يجوز الفتح والكسر، هذا الفتح الواجب والباقي يجوز وجهي وجهيَ.
*ما الفرق بين قوله تعالى فى سورة البقرة (فمن تبع هداي) وقوله تعالى فى سورة طه (فمن اتبع هداي)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/61)
الفرق بين تبع وأتّبع، رب العالمين يقول (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {38} البقرة) تاء باء عين، هذا في البقرة، وكما قلنا نحن الآن نحاول أن نتكلم في البقرة ومع من تشابه معها من السور الأخرى لكن الآية الرئيسية البقرة إلى أن ننتهي منها بعد حلقة أو حلقتين. طبعاً نحن الآن في الحلقة 11 والحمد لله أحصينا تقريباً كل المتشابهات على قدر الإمكان أو نقول أهم المتشابهات بين سورة البقرة وسور أخرى مختلفة في القرآن الكريم.(1/62)
هذه آية (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {38} البقرة) مثلها جاءت في طه (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى {123} طه) لماذا في البقرة (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ) وهناك (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ)؟ طبعاً الكلام الفلسفي فيها كثير، ورب العالمين يقول عن سيدنا إبراهيم (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي {36} إبراهيم) وفي مكان آخر (مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ (50) القصص) حينئذٍ دائماً إما تبعني وإما اتّبعني ناهيك عن اشتقاقاتها تَبِع زيدٌ عمراً مر به فمضى معه، يعني أنت ماشي في شارع فرأيت شخصاً واقفاً أنت مررت به ما أن حاذيته حتى صار خلفك تماماً انقياد كامل، التُبُع باللغة العربية الظل التُبع أو التُبّع الظل أنت حيث ما تسير صار ظلك معك (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا (45) الفرقان) وحينئذٍ هذا الظل يتبعك-بتسكين التاء- تماماً ولا يتّبعك- بتشديد التاء- يتبعك ما الفرق؟ يتبعك تلقائياً محاذاة كظلِّك بشكل مباشر أما يتّبعك-بتشديد التاء- فيها جهود وفيها مراحل وفيها تلكؤ وفيها مشقات وفيها أشياء كثيرة نقول أنا أتتبع المسألة حتى حللتها أو تتبعت المسألة حتى وقفت على سرها، تتبعت مرة مرتين ثلاث أربع ليل نهار هذا اتّبَع، معنى ذلك أن كلمة تَبِع إما الكفر وإما الإيمان، إما التوحيد وإما الشرك، سيدنا إبراهيم لما قال (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) بالذي صار مسلماً، قال عن الأصنام (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ (36) إبراهيم) هذا الشرك والوثنية (فَمَنْ تَبِعَنِي (36) إبراهيم) من هؤلاء تبعاً رأساً ما أن جئت أنا وأرسلني الله إليهم ومررت أقول يا جماعة اتركوا الأوثان وتعالوا نوحد الله رأساً مشوا ورائي هؤلاء تبعوني (فَمَنْ(1/63)
تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) أما وراءها وراء ما تبعوك اتّبعوك بالأعمال يعني صلاة وصوم وحج وزكاة ويوم يذنب ويوم يتوب، كل الحركات العبادية التعبد بسرائه وضرائه، بسلبه وإيجابه، ذنب واستغفار وتوبة وخطيئة، أداء فرض وعدم أدائه وقضاء كل هذه الأعمال هذه إتّباع. نحن لما نقول الإتّباع هذا لا يعني أنك أنت مثل النبي أنت لما تقول أنا تبِعت محمداً يعني أنت مثله بالضبط ولا شعرة زيادة ولا نقص هذا لا يمكن إلا في لا إله إلا الله فقط في لا إله إلا الله أنت مثله وينبغي أن تكون مثله. أما الإتّباع أنت كيف يمكن أن تصير مثله؟! تهجد صلاة الليل والقلب النظيف والأخلاق الراقية والخ مائة ألف واو لكن أنت تحاول وتبع مطلق اتّبع نسبي. كلنا نقول لا إله إلا الله بنفس القدر وبنفس المعنى وبنفس الفهم وبنفس التوحيد وإلا ما يُقبَل. ذرة من الشرك فيها يحبط العمل هذا فمن تبعني معه على طول كالظل. اتّبع لا، واحد وراء النبي بإصبع الصحابة والتابعين والعشرة المبشرين وبيت آل النبي صلى الله عليه وسلم وواحد وراء النبي بذراع وواحد وراء النبي بكيلومتر وواحد وراء النبي بمليون كيلومتر مثلنا يعني من بعيد يعني نحاول هذه المحاولات مع الجهد مع المعوقات أحياناً اتّبع. وحينئذٍ رب العالمين حين يقول (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى) يعني التوحيد أرسلت لكم نبياً يقول اتركوا الأصنام لا إله إلا الله (أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ {6} فصلت) هذا تَبِع على طول لا يتردد مثله بالضبط. فلما قال (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ) هذه الشريعة أرسلت لكم شريعة حاولوا كل واحد يطبق منها ما يستطيع (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ{16} التغابن) وكل واحد على جهده وعلى قدره وعلى علمه وعلى نشاطه وعلى همته هذا إتّباع.(1/64)
حينئذٍ من أجل هذا نقول الفرق بين تبِع واتّبع في القرآن الكريم تبِع أنت كظل الشيء وأنت لا تكون ظل النبي إلا في التوحيد لا إله إلا الله لابد أن تكون مثل ظله، لكن إتّباع لا أين أنت وأين هو؟! كل ابن آدم خطاء وهذا معصوم وطبعاً النبي صلى الله عليه وسلم تعرفونه لا داعي أن نشرح من أجل ذلك عليك أن تفهم لما رب العالمين مرة قال تبع ومرة اتبع هذا ليس عبثاً ولهذا المفسرون لا يقولون هذا يقولون اتّبع وتبِع وأتبع (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ {78} طه) أتبعهم كان متخلفاً فلحق بهم سبقوه ( أتبع السيئة الحسنة تمحها) يعني السيئة سبقت أسبوع أسبوعين شهر شهرين فأنت أتبعها بحسنة لو كن معها بالضبط أنت ما أن أذنبت حتى تبت وأنت على الذنب يقال تبِع لكن أنت الآن لا أتبعتها هذه من زمان سبقتك وحينئذٍ (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ) وحينئذٍ نقول بأن كلمة تبِع واتّبع وأتبع في القرآن الكريم كل واحدة تعطي معنىً دقيقاً وترسم جزءاً من الصورة لا ترسمه الكلمة الأخرى فعليك أن تعلم أن هذا المتشابه من أول ما ينبغي الانتباه إليه من قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ {82} النساء). وحينئذٍ هذا الذي نتدبره تتبين أن هذا القرآن لا يمكن أن يفعله مخلوق (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا {82} النساء) كيف يمكن بهذه الدقة في كل كلمة في كل تصريف في كل فعل في كل حركة في كل صيغة ترسم صورة ثانية هذا لا يقوله إلا رب العالمين على لسان نبي. (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {108} يوسف) يتكلم هذا يتكلم عن الأمة نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لكن أين أعمالنا وأين النبي؟ نحن نتّبع.(1/65)
إذا تبِع تأتي في العقائد إما الكفر وإما الإيمان يعني أن كفر تبعت الشيطان وأن تؤمن تبعت نبيك أو من دعاك هذا الفرق بين تبِع واتّبع، اتبع أنت بمحاولات طويلة وهي قضية مخالفات الشريعة أو تطبيق الشريعة. أخطر استعمال لكلمة اتّبع هي ما جاءت في التحذير من إبليس (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ 168البقرة) ما قال تتبعوا –بتسكين التاء- هنا ما قال تكفروا إذا قالها تكون مع تتبع-بتسكين التاء- وليس تتبع –بتشديد التاء- فحينئذٍ رب العالمين يحذرنا من أن نتّبع الشيطان لا أن نتبعه، أن نتبعه إن شاء الله هذه بعيدة نتبعه نقلده في بعض الذنوب الخطيرة. فرب العالمين يقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) البقرة) هذا في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (208) البقرة) وفي الأنعام (وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (142) الأنعام) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) النور).(1/66)
ما هي خطوات الشيطان؟ رب العالمين بهذا التحذير الشديد وهذا النهي القوي يعني أقوى أنواع الردع (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) . كل من يقول لا إله إلا الله هو أخي وكلنا خطاءون (ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم جاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم) ورحمة الله تسع كل شيء ما دمت توحد الله وتتبع الرسول ماذا يعني كل هذا؟ إياك أن تفلسف النص على حساب هواك (اتَّبَعَ هَوَاه) إياك أن تتّبع هواك لأن النصوص حمّالة أوجه ورب العالمين جعل هذه النصوص بهذا الثراء تحتمل الوجوب لكي يميز الخبيث من الطيب (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ {2} العنكبوت). وما من فتنة أعظم من الفتنة التي تأخذ طابع الدين كما هو الآن في العراق وباكستان وأفغانستان وفي لبنان وفي كل العالم الإسلامي الآن الفتنة دينية إما طائفية أو فئوية أو حزبية وأقولها بصراحة كلهم بلا استثناء الذين نسمعهم في الإعلام كل واحد منهم على خطوة من خطوات الشيطان والله قال (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ). إذاً هذا الفرق بين تبِع وبين اتّبع ومن رحمة الله عز وجل ما قال لا تتْبعوا-بتسكين التاء- خطوات الشيطان هذه ليست لنا لو قال لا تتبعوا معناها أشركنا أقول أنا تركت الإسلام وأنا وثني هذا تبِع خطوات الشيطان من حسن الحظ قال لا تتبعوا-بتشديد التاء- كأن الله عز وجل يقول لا أخاف على هذه الأمة أن تشرك ولكني أخاف عليها أن تتّبع الشيطان لا أن تتبعه-بتسكين التاء- لن تترك دينها لدين آخر وإنما سوف تترك أحكام دينها.(1/67)
هذا الفرق بين تبِع واتّبع وعلينا أن نفهم جدياً حيثما وجدت تبِع يعني إما تبعت إبليس في الكفر أو تبعت محمداً أو أي الأنبياء الآخرين في التوحيد فيما عدا هذا فأنت هالك فإياك أن تهلك ولا تفرق بين تبِع وبين أتّبع وكل أفعالنا اليومية ممكن أن تقول الشر طبعاً فينا ربما نقول نكون من جماعة تَبِع أو من جماعة اتّبع فإن كنت من جماعة تبِع فأنت هالك وخالد في النار إذا كنت من جماعة اتّبع لا فأنت مذنب وعليك أن تتوب.
آية (124):
* (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (97) النحل) (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) طه) لما عبّر عن المؤمن الذي عمل صالحاً قال حياة طيبة ولما عبّر عن الذي أعرض عن ذكر الله تعالى قال معيشة ضنكاً، عبّر بالمعيشة ولم يقل حياة فما اللمسة البيانية والفرق بين الحياة والمعيشة؟ (د.فاضل السامرائى)(1/68)
من حيث اللغة المعيشة أو العيش هي الحياة المختصة بالحيوان أما الحياة فتستعمل للأعمّ والله تعالى يقول نبات حيّ ونبات ميّت. إذا أردنا أن نصف النبات بأنه حيّ نقول حيّ ولا نقول عائش، ربنا يوصف بأنه حيّ (الحي القيوم). إذن المعيشة الحياة المختصة بالحيوان هو أخص من الحياة أما الحياة أعمّ للحيوان والنبات وتستعمل في صفات الله سبحانه وتعالى. المعيشة خاصة بالحيوان فقط أما الحياة فعامة وتستعمل للحياة المعنوية المقابل للضلال (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ (122) الأنعام). المعيشة هي لما يُعاش به (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (32) الزخرف) ليس حياتهم وإنما ما يُعاش به من طعام وشراب (وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (10) الأعراف) أي ما تأكلون. عرفنا الفرق بين معيشة وحياة من حيث اللغة. يبقى كيف استعملها؟(1/69)
في سورة طه لما ذكر الجنة وطبعاً الخطاب لآدم قال (فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)) يعني أسباب المعيشة أكل وشرب ولباس، إذن هذا سيكون مناسباً لذكر المعيشة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا (124)) من أعرض عن ذكر الله سيتعب حتى يحصّل المعيشة على أساس أن الله تعالى ذكر معيشة أبينا آدم قبلاً فهذه مقابل تلك. وقسم يقول المعيشة الضنك هي حياة القبر وقسم قالوا المعيشة الضنك هي الحرص على الدنيا والخوف من فواتها،الذي يعرض عن ذكر الله يكون متعلق بالدنيا ويخشى أن تزول مهما كان في نعمة يفكر في زوالها ولا يستمتع بها إذن سيكون هناك ضنك بمعنى ضيق. لو كان أنعم الناس ولكنه يعلم أنه سيفارقها وأنها تزول منه يعيش في ضنك، الحرص على الدنيا فهي مناسبة من حيث ما ذكرنا أنها جاءت بعد ذكر الجنة (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)) فناسب فيها المعيشة. أما الآية الأخرى قال (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97) النحل) لم يذكر فيها أسباب المعيشة وإنما ذكر الإيمان والعمل الصالح قسم قال الحياة هي حياة الجنة، وقسم قالوا هي الرضى بقضاء الله وقدره يعني يستقبل كل ما يقع وما يأتي عليه بنفس راضية مطمئنة خاصة إذا علم أن هذا سيكون في ميزان حسناته.(1/70)
*(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (124) طه) (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (17) الجن) مرة يذكر الإعراض عن ذكر الله ومرة يذكر الإعراض عن الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) فهل هنالك فرق بين الإعراضين؟(د.فاضل السامرائى)(1/71)
الذكر في الغالب (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (17) الجن) يعني عن عبادته أو عن وحيه لكن الذِكر هو عام، (عَن ذِكْرِ رَبِّهِ) عن الوحي ولاحظنا أنه يذكر أحياناً (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (124) طه) وأحياناً يذكر الآيات لكن من الملاحظ أنه لما يذكر الإعراض عن الذكر تكون العقوبة أشد، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) الذكر بمعنى الوحي، عن ذكري أي عن وحيي. الآيات ليست هي القرآن كله لو هنالك ثلاث آيات هي جمع لما يقول (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) لا يشمل كل القرآن فالذكر أعمّ من الآيات (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص) و(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ (44) الزخرف) الذكر أعم والآيات جزء من الذكر. الذكر له معاني لكن (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي (124) طه) يعني إما عن العبادة أو عن الوحي الذي جاء به الرسول والآيات قد تكون قسم من الذِكر والذي لاحظناه أنه لما يتكلم عن الإعراض عن الذِكر تكون العقوبة أشد يعني قال في الإعراض عن الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) الكهف) ما عقوبة هؤلاء؟ لم يذكر العقوبة، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22) السجدة) ما نوع هذا الإنتقام؟ لم يذكر.(1/72)
لكن قال (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) طه) هنا فصل في العذاب، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه) هذا تفصيل العذاب، (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) الجن) ولم يقل في الآيات مثل هذا التهديد. إذن لما يذكر الإعراض عن الذكر يذكر العقوبة أشد وهذا منطقي لأن الذكر أعم والآيات جزء من الذكر.
سؤال: إذا قرن العذاب بالجزء ينطبق على الكل لكن لما يقرن العذاب بالكل فهل ينسحب على الجزء؟
هو ذكر ما يتعلق بالإشارة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) هذا جزء من الذكر، الآيات جزء من الذكر فعندما يذكر الإعراض عن الذكر هل يجعله من المناسب أن يذكره كالإعراض عن آية واحدة؟ هل الإعراض عن الشريعة كلها كالإعراض عن جزئية من الشريعة؟ لا، هل العقوبة واحدة؟ لا، هل يصح أن تذكر العقوبة واحدة مع الإعراض عن الكل والإعراض عن الجزء؟ لا. لو فعل هذا لسألنا كيف يكون الإعراض عن الجزء كالإعراض عن الكل؟
آية (128):(1/73)
* ما دلالة الإختلاف بين الآيات (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) السجدة) (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) يس) (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) طه) ؟(د.حسام النعيمى)
(أولم يهد لهم)-(ألم يروا)-(أفلم يهد لهم):
عبارة (ألم يهد لهم) أو ألم يهد له أو لك ،وألم تر، ألم يروا ،تستعمل بمعنى ألم يتبين لك؟ لكن هناك فارق جزئي بسبب إشتقاق اللفظ: ألم يهد: من الهداية، وألم يروا: من الرؤية، الهداية قطعاً متعلقة بشيء في القلب والرؤية متعلقة بشيء ظاهر مادي.
القاعدة العامة بالنسبة لـ (يهدي) و(يرى) :عندما يريد القرآن أن يوجه العناية إلى التدبر والتفكر الزائد بحيث يشتغل القلب بهذا ولا يكون مجرد النظر وتفكير يسير إستعمل (أولم يهد) من الهداية ، وغالباً يكون الكلام في الآيات إما عن الألباب، القلوب، الآخرة التي تحتاج إلى تأمل وإلى تفكّر في الآخرة، و (ألم يروا) تشمل هذا وهذا لكن إذا تحدثت عن أمور في الآخرة يراد منها النظر السريع والإستدلال السريع.(1/74)
الآيات الواردة في هذا، السؤال عندنا (أولم يهد) فيها واو، (ألم يروا) ليس فيها هذه الواو. هذه الواو هي واو العطف وواو العطف لا تتقدم على الهمزة لأن الهمزة لها الصدارة كأنما في غير القرآن قال: كذا وكذا وألم يروا؟، لكن (وألم يروا) (وألم يهد لهم). إذن لما نجد أولم معناه هناك سياق عطف، تعطف جملة على جملة، جملة على ما قبلها، العاطف هو الواو والهمزة لا تحيل العطف أي لا تحول بين المعطوف والمعطوف عليه. الهمزة إستفهام إنكاري فيه معنى التوبيخ يُنكر عليهم عدم رؤيتهم وينكر عليهم عدم إهتدائهم،. فلما نجد الواو أو نجد الفاء نحس أن هناك ربط هذه الجملة بالجملة التي قبلها هناك إرتباط عن طريق هذا العطف أو جاءت في سياق عطف.
لما ننظر في آيات السجدة نجد من آية (19) الى (26) (27) كله عطف لكن لأنه جاءت الهمزة وفيها معنى هذا الإنكار عليهم إنهم لم يستعملوا عقولهم، لم يهتدوا، لم ينظروا فيم أهدي إليهم من معانٍ فجاء العطف.(1/75)
بينما في سورة يس هناك قطع يعني استئناف. يبدأ من قوله تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)) (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)) ما قال وإن كانت إلا صيحة واحدة، ليس فيها عطف هنا فصل، والغرض من الفصل توجيه العناية والاهتمام كأنه جملة جديدة. (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) لم يقل ويا حسرة على العباد، ثم جاءت آية (30) و(31)) لا يوجد عطف، إستأنف لغرض التأكيد ولفت العناية و الاهتمام (ألم يروا) جعلها مستأنفة ولم يجعلها مرتبطة بما قبلهاكأنه بدأ كلاماً جديداً مع أنه مرتبط وآيات القرآن يرتبط بعضها ببعض .
في سورة طه قصة عن الآخرة نقلها القرآن إلى الواقع الحالي كأنها وقعت لأن المستقبل في عين الله سبحانه وتعالى ماضي. نجد (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)) يعني بناء على كل هذا لأن الفاء للترتيب ترتب شيئاً على شيء، هي للعطف أيضاً لكنها تفيد الترتيب والمباشرة (أفلم يهد لهم) الفاء مرتِّبة وفيها شيء من التعليل أيضاً كأنها تبيّن عِلّة مابعدها أنه هذاالذي ذكرناه ألايكون مُذكِّراً لكم؟أفلم فيها معنى العطف لكن الدلالة فيها إضافة، الفاء فيهامعنى العطف وإضافة الترتيب أماالواو فلا تقتضي ترتيباًوإنمامجرد عطف.
(من قبلهم) و (قبلهم):
((1/76)
من) لابتداء الغاية، تقول جاء فلان من كذا أي بدأ مجيئه من المكان الفلاني. فلما يقول (كم أهلكنا من قبلهم) يعني القبلية مباشرة من وجودهم هم، يعني يُذكّرهم بمن هلك قبلهم قريباً. تبدأ غاية الهلاك من وجودهم هم يعني كأن يكون من آبائهم، أصدقائهم، أصحابهم، هذا التذكير أوقع في النفس لما يراد التخويف والإنذار لأن هذه الآيات الأولى التي فيها ذكر الآخرة وفيها هزٌّ لضمائرهم أن يهتدوا كأنما أُهدي لهم هذا المعنى فينبغي أن يشغّلوا قلوبهم في هذا الأمر إستعمل عند ذلك (من قبلهم) أدعى للتخويف أن فلاناً كان معك وهلك.
(قبلهم) عامّة ليس فيها هذه اللمسة التي تذكرهم بالبداية والقبلية تشمل الجميع.
رأى آخر للدكتور أحمد الكبيسى)الكلمة وأخواتها):
فى قوله تعالى:(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى) سورة طه آية 128 تدل على آثار التاريخ القريب والآثار القريبة وهو خطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه أدرك من رأى وعاصر هذه المرحلة فجاء الخطاب في الآية باستخدام (كلمة أفلم وكلمة قبلهم)، أما في الآية الأخرى في القرآن الكريم (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ) سورة السجدة آية 26 تدل على الآثار البعيدة والماضي والتاريخ البعيد بدليل استخدام كلمة (أولم وكلمة من قبلهم). ونلاحظ في كل الآيات القرآنية التي تدل على الآثار أو الآيات يأتي الخطاب للناس بقوله تعالى أفلا تسمعون (للأخبار والآثار المسموعة) ، أفلا تبصرون (للآثار المشاهدة) أفلا تتفكرون وأفلا تعلقون (للآثار والدلائل التي فيها عبر وعظات) يجب أن يتفكر فيها الإنسان حتى يتعلم منها العبر والعظة
آية (129):(1/77)
*(وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) طه) لماذا أجلٌ مرفوعة؟(د.فاضل السامرائى)
هذه مسألة نحوية:
أجل معطوفة على كلمة، كلمة مبتدأ، لولا الكلمة والأجل لكان العذاب لزاماً. لزاماً خبر كان. وأجلٌ: الواو عطفت جملة ولم تعطف مفرداً يعني والأمر أجلٌ مسمى كأنه خبر لمبتدأ محذوف ويكون من قبيل عطف الجمل وليس من عطف المفردات.
آية (132):
*ما دلالة (اصطبر) فى قوله تعالى (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)فى سورة طه؟ (د.فاضل السامرائى)
اصطبر جاءت في الصلاة لأنها مستمرة كل يوم وزيادة المبنى تفيد زيادة المعنى والصلاة كل يوم في أوقاتها وتأديتها حق أدائها وإتمامها يحتاج إلى صبر كبير لذا جاءت كلمة (اصطبر) للدلالة على الزيادة في الصبر.
****تناسب بداية السورة مع خاتمتها****(1/78)
سورة طه: قال في أولها (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)) إذن إنزال القرآن، وفي آخرها قال (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)) هناك قراءة قرآن وهنا تسبيح، في الأول قال (لتشقى) وفي الآخر قال (لعلك ترضى) والرضى نقيض الشقاء، إذا كان راضياً يعني ليس شقياً، إذا رضي عليه فليس شقياً، هذا أولاً لعلك ترضى لا لتشقى. ثم قال (لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)) من رزقه الله هل يكون شقياً؟ لا والله. قال في أواخر السورة (وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133)) يعني هم أرادوا تذكرة وقالوا (وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) وقال (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى) فالتذكرة جاءتهم، هم أرادوا التذكرة وقد جاءتهم التذكرة. ثم قال (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)) وهو قال (تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4)) ما سألتموه موجود: أردتم التذكرة، تذكرة لمن يخشى أردتم الرسول، أنت يا محمد سبِّح ولعلك ترضى وما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ونحن نرزقك والعاقبة للتقوى.
*****تناسب خواتيم طه مع فواتح الأنبياء*****(1/79)
قال تعالى في خواتيم طه (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)) ما هو الأجل؟ الأجل هو القيامة وفي أول الأنبياء قال (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)). قال في خواتيم طه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)) نسيتها يعني أعرض عنها وفي الأنبياء قال (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) إذن ذكر الإعراض في السورتين. قال في طه (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)) وقال في الأنبياء (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)) ذكر ماذا قالوا فاصبر على ما يقولون. قال في أوائل الأنبياء (فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)) وفي طه قال (وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133)).
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله(1/80)
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة طه للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/81)
سورة الأنبياء
تناسب خواتيم طه مع فواتح الأنبياء ... آية (16) ... آية (33) ... آية (72) ... آية (90)
هدف السورة ... آية (20) ... آية (34) ... آية (77) ... آية (91)
آسئلة عامة ... آية (22) ... آية (44) ... آية (83) ... آية (98)
آية (4) ... آية (30) ... آية (46) ... آية (84) ... تناسب فواتح الأنبياء مع خواتيمها
آية (6) ... آية (31) ... آية (57) ... آية (85) ... تناسب خواتيم الأنبياء مع فواتح الحج
آية (8) ... آية (32) ... آية (69) ... آية (87)
*تناسب خواتيم طه مع فواتح الأنبياء*(1/1)
قال تعالى في خواتيم طه (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)) ما هو الأجل؟ الأجل هو القيامة وفي أول الأنبياء قال (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)). قال في خواتيم طه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)) نسيتها يعني أعرض عنها وفي الأنبياء قال (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) إذن ذكر الإعراض في السورتين. قال في طه (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)) وقال في الأنبياء (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)) ذكر ماذا قالوا فاصبر على ما يقولون. قال في أوائل الأنبياء (فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)) وفي طه قال (وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133)).
**هدف السورة: دور الأنبياء هو تذكرة البشربة**(1/2)
سورة الأنبياء مكية تتحدث عن قصص الأنبياء كما هو واضح من اسمها وفيها عرض لقصص الأنبياء ودورهم في مواجهة أقوامهم ومحاولة إصلاحهم ودعوتهم إلى الله تعالى وإلى رسالة التوحيد. والناس ينقسمون في كل العصور إلى أنواع ثلاثة لا رابع لهم: إما التقاة المؤمنون بالمنهج وإما العصاة المشركين وإما الفئة الغافلة الذين هم بين الفئتين فهم مؤمنون بالمنهج إلا أن أعمالهم وتطبيقاتهم لا تدل على ذلك. وهذه الفئة هي التي تحتاج إلى المجهود الأكبر لما في الغفلة من خطورة. ولهذا بدأت السورة بالآية (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ) آية 1 لتدل على خطورة الغفلة وأهمية الذكر ودور الأنبياء يكون في تذكير الغافلين بخطورة غفلتهم ودعوتهم للذكر والتذكر.
ثم تأتي الآية 18 (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) في السورة التي ترّكز على أن الحق ظاهر والباطل زاهق وهذا ما يجب أن نعيه حتى ننتبه من الغفلة.(1/3)
وتنتقل آيات السورة للحديث عن نماذج الأنبياء الذين هم بمثابة قدوة لنا نقتدي بهم. والملاحظ في الآيات أنها تحدثنا عن نماذج الأنبياء في دعوتهم لأقوامهم وهذا لتعلمنا كيف نقتدي بهم في الدعوة إلى الله وتأتي كذلك بنموذج هؤلاء الأنبياء في عبادتهم لربهم حتى نقتدي بهم كذلك في عبادتنا لربنا وتقربنا إليه. فتأتي قصة النبي ثم كيف يدعو ربه ويأتي الرد من الله تعالى أنه استجاب لهم في قصة ابراهيم ولوط ونوح (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) آية 76 أيوب (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) آية 84 وأسماعيل وادريس وذا الكفل (وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ) آية 86 وذا النون (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) آية 88. ثم بعد كل هذه القصص للأنبياء تأتي الآية 92 (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) تذكرة بأن هذه الأمة هي أمة واحدة أمة التوحيد والرسالة وفي هذا دلالة على أن الربّ واحد والرسالة واحدة والرسل جميعاً يتوارثون هذه الرسالة جيلاً بعد جيل ومهما اختلف الرسل إلا أن الرسالة هي واحدة تدعو لعبادة رب واحد لا إله إلا هو.(1/4)
ختام السورة تبيّن للناس أن من سار على نهج الأنبياء وخطاهم سيفلح في النهاية (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ) آية 105 و106 وأن القوم العابدين الصالحين هم الذين سيرثون هذه الأرض. وتأتي الآية الأخيرة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) 107 بتوجيه الخطاب للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأن كل نبي من الأنبياء السابقين جاء إلى قومه فقط وأما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد جاء رحمة للعالمين جميعاً.
***من اللمسات البيانية فى سورة الأنبياء***
*ما الفرق بين النبيين و الأنبياء؟
د.فاضل السامرائى:
النبيين تفيد جمع القلة أما الأنبياء فتفيد جمع الكثرة .
د.أحمد الكبيسي:
قال أن النبيين هي كصفة ساعة يُنبأ أما الأنبياء فهي جمع نبي أي بعد أن أصبح نبياً هذا والله أعلم.
آية (4):
* ما الفرق بين قوله تعالى (قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (4))الأنبياء، وقوله تعالى(قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (6))الفرقان؟؟ (د.فاضل السامرائى)
(السماء) تكون أوسع من (السموات) فهي تشملها وغيرها.قال تعالى فى سورة الفرقان:( قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً(6))وقال فى سورة الأنبياء:( قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنه هو السميع العليم (4)).لأن القول أوسع من السر، فهو قد يكون سراً وقد يكون جهراً فهو أوسع من السر والسر جزء منه.فلما وسع وقال (القول) وسع وقال (في السماء). ولما ضيق وقال (السر) قال (السموات).
آية (6):(1/5)
*ما دلالة ذكر وحذف (من) في قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك رجالاً) وقوله (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً)؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يوسف (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {109}) وذكر (من) تفيد الإبتداء أي ابتداء الغاية وهو امتداد من الزمن الذي قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مباشرة. وليس هناك فاصل كما جاء في قوله تعالى (يُصبّ من فوق رؤوسهم الحميم). أما في سورة الأنبياء (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {7}) وهي تحتمل البعيد والقريب.
وهذا الذكر او الحذف يعتمد على سياق الآيات ففي سورة الأنبياء (مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ {6}) فهي قائمة على التبليغ فناسب حذف (من).
آية (8):
* (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) الأنبياء) هل هناك جسد لا يأكل الطعام ولماذا الجسد مفرد ويأكلون جمع؟ (د.فاضل السامرائى)
قد يكون هناك جسد لا يأكل الطعام كما قال تعالى عن العجل الذي صنعه السامري (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ (88) طه) ليس بالضرورة أن الجسد يأكل الطعام ثم أصلاً العرب يقولون أن الجن والملائكة جسد لا تأكل الطعام فإذن كلمة جسد في العربية لا تعني أنه يأكل الطعام. الجسد في اللغة لا ينحصر فينا قطعاً وإنما أي شيء مجسد فهو جسد حتى قالوا الجن جسد والملائكة جسد. (جسداً) أي مستغنين عن الطعام لأنه ملك.(1/6)
جسد مفرد ويأكلون جمع: ذكرنا في الحلقة الماضية عن إسم الجنس (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)العصر) وكلمة جسد هو جنس لما قال (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) يتكلم عن جماعة وليس عن واحد (فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا). جسد جنس وبالتالي تجمع، رجل رجال والرجل جنس، الإنسان ربنا جمعها أناسي جمع الجنس إذن ليس فيها إشكال.
آية (16):
*قال تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ {16}) فهل إذا حُذف الحال (لاعبين) يكون الحكم مقيّداً؟(د.حسام النعيمى)
قد تكون الحال أحياناً دالة على الثبوت. حالة كونهم لاعبين في هذه الحال (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) الأنبياء)،(لاعبين) حال لكن لا تستطيع أن تستغني عنها، يقولون الحال فضلة (أي ماهوخارج العُمدة أى ليس المبتدأ والخير وما كان أصله مبتدأ وخبر والفعل والفاعل وإسم الفعل) ، هذا لا يعني معناه اللغوي أنه فضلة أنه يُرمى. هذا مصطلح فضلة يعني ليس مسنداً وليس مسنداً إليه، كل ما عدا مسند أو مسند إليه اصطلحوا على تسميتها بالفضلات. فالمفعول به قالوا فضلة، كيف نستغني عنه؟
وهذا خطأ لأن المقصود بالإستغناء أنه من الممكن أن تتألف الجملة بدون فضلة معنى الكلام يتوقف على الفضلة في كثير من الأحيان مثلاً (ولا تمش في الأرض مرحا) إذا حذفنا مرحا هل يستقيم المعنى؟ وكذلك في قوله تعالى (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى) ما هو المعنى إذا حذفنا كُسالى؟ وكذلك في الآية موضع السؤال إذا حذفنا لاعبين لا يستقيم المعنى. وأحياناً يحذف الكلام وتبقى الفضلة ويكون المعنى واضح مثل (النار النار) حذفت العمدة هنا وجوباً ومع هذا استقام المعنى.
آية (20):
*هل هنالك فرق بين ليلاً والليل؟(د.فاضل السامرائى)(1/7)
نعم وقد نص على ذلك النحاة وسيبويه إذا عرّفته بـ (أل) استغرقته يعني لما تقول صحوت الليل يعني كل الليل، حدثته الليل يعني كل الليل لكن حدثته ليلاً يعني جزء من الليل، قال تعالى (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء) لم يقل ليلاً ولو قال ليلاً يعني بجزء من الليل، (يسبحون الليل والنهار) اي طول الليل والنهار أكدها قوله تعالى (لا يفترون).
هذه دقائق تجدها في كتب اللغة.
آية (22):
*ما دلالة (إلا) في قوله تعالى في سورة المؤمنون (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {22})؟ (د.فاضل السامرائى)
إلا هنا بمعنى غير وهي ليست إلا الإستثنائية وإنما هي صفة بمعنى غير.
* ما إعراب (إلا الله )فى قوله تعالى(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (22)) ؟ (د.فاضل السامرائى)
(إلا) تأتي بمعنى (غير) كما أن (غير) تأتي بمعنى (إلا) قال تعالى:(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (22) المفسرون والنُحاة قالوا (إلا) هنا بمعنى غير ولا يصح أن تكون أداة إستثناء، لا يجوز أن تكون أداة إستثناء لأنه لو أثبت الإستثناء لأثبت تعدد الآلهة وهذا يتنافى مع جلال الله تعالى. هذه الآية ظاهرة وهم يضعون لها شروطاً.(1/8)
إعراب (إلا اللهُ) في الآية (لو كان فيهما آلهة إلا الله): هذه فيها أمر (إلا) عند النحاة بمعنى (غير) ولا يجوز الإستثناء. وإعرابها النحاة مختلفون: قبلها مرفوع (آلهةٌ) والصفة تكون مرفوعة أيضاً، معنى الآية لو كان فيهما آلهة غير الله. إعرابها: قسم يقول (إلا اللهُ) صفة تكون مرفوعة، هي (إلا) صفة لكن الحركة ذهبت إلى ما بعدها على طريقة العاريّة. مثلاً عندنا في العربية (أل) قد تكون إسماً موصولاً، وصفة صريحة كما نقول أقبل القائمون، أقبل المسافرون، هي (أل) إسم الموصول ولكن الإعراب تخطّاها لما بعدها (مسافر)، (أل) هي المفروض أن تُعرب (رأيت البائع، مررت بالبائع) الإعراب يتخطاها لما بعدها مع أنها اسم موصول عن طريق العاريّة ينتقل الإعراب من (أل) إلى ما بعدها. وكما انتقل الإعراب من (أل) إلى ما بعدها في الآية أيضاً (إلا اللهُ) انتقل الإعراب من إلا إلى (اللهُ) هذا التخريج هو أشهر التخريجات.
بعض الآيات تستشكل على غير المتعلم أما المتعلم وأهل اللغة فيعرفونها. والقرآن ليس كتاباً نحوياً ولم يجمع أبواب النحو ولا جمل النحو مثلاً (لا سيما) لم ترد في القرآن. فالقرآن كتاب هداية وتوجيه وليس كتاب نحو ولم يجمع تعبيرات نحوية أو القواعد النحوية وكثير من المفردات والتعبيرات النحوية والأحوال غير موجودة في القرآن.
* ما هو إعراب لفظ الجلالة (الله) في قوله تعالى (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)؟(د.حسام النعيمي)(1/9)
هي بدل من الضمير المحذوف الذي هو مثل لا إله إلا الله. (الله) بدل من ضمير مستتر هو (الله). (لو كان فيهما آلهة إلا الله) بمعنى ما فيهما آلهة إلا الله يكون هكذا التقدير. الجار والمجرور دائماً يتعلقان فيحنما تعلقهما تعلقهما بكائن أو موجود. إسم الفاعل يتحما ضميراً على رأي جمهور النحويين. الكوفيون قالوا حتى إذا كان جامداً يتحمل الضمير يعني هو بدل من الضمير المستكن في إسم الفاعل الذي يتعلق بالجار والمجرور. (إلا) أداة إستثناء ملغاة لأنه (لو) بمعنى النفي (لو كان) أي (ما كان) أصل التركيب: لو كان فيهما أحد موجود. كلمة (الله) بدل من هو هذا.
*فى قوله تعالى (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (22) الأنبياء) لماذا جاءت لفظ الجلالة (الله) على الرفع؟ وأين المستثنى والمستثنى منه في الآية؟(د.فاضل السامرائى)
(إلا الله) هذه ليس فيها استثناء (إلا) بمعنى غير، (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ) يعني غير الله لكن اختلفوا وقالوا الإعراب يتخطى (إلا) وقالوا (إلا) هي إسم بمعنى غير وليست حرفاً وقالوا الإعراب يتخطاها إلى ما بعدها كما يتخطى أل الموصولة إلى ما بعدها، عندنا الإسم موصول
وصفةٌ صريحةٌ صفةُ أل وكونها بمعرَبِ الأفعال قَلْ
الكاتب والذاهب هذا عند أكثر النحاة إسم موصول لكن الإعراب يتخطاها إلى ما بعدها (رأيت الكاتب، رأيت المقيم). فهذه يتخطاها (إلا) إلى ما بعدها وهي بمعنى غير.
آية (30):(1/10)
* ما دلالة الآية (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) بين آيات الجعل في سورة الأنبياء (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34))؟ وما الفرق بين الجعل والخلق؟ (د.فاضل السامرائى)(1/11)
الجعل كما يقول أهل اللغة هو إخبار عن ملابسة مفعولة بشيء آخر أن يكون فيه أو معه أو بحالة أخرى. خلق الله الليل والنهار وخلق الشمس والقمر، لكن جعل فهي ليست هكذا جعل الماء ولكن جعل منه أو جعل فيه أو جعل حالة من حالاته (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) جعل منه، (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ) هي لبيت هكذا تأتي وإنما تقتضي أكثر من شيء، (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا) هذه حالة من الحالات لم يجعلها هكذا وإنما يمكن أن نقول خلق السموات، يتعدى بنفسه لكن لا بشيء آخر لا نقول جعلنا الماء كل شيء حي. قال تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ (12) الإسراء) لما قال آيتين قال جعل وفي آية أخرى قال (خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ). في الغالب الجعل يتعلق بشيء آخر وليس فقط جعل أي خلق هكذا لكن هنالك شيء آخر في المفعول يتعلق به. جعل تقتضي أكثر من شيء وأكثر من أن تذكر المفعول وحده وهذا ما نص عليه أهل اللغة. الجعل هو إخبار عن ملابسة مفعوله بشيء آخر بأن يكون له أو منه أو فيه أو حالة من الحالات (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ) (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا) رواسي مفعول جعل ملابسة مفعوله بشيء آخر (في الأرض). هذا هو الفرق بين الجعل والخلق. لما قال (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) ولم يلابسه بشيء آخر قال خلق، (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ (12) الإسراء) خلق أعمّ (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30) البقرة) ملابسة لـ في الأرض. خلق ليس خاصاً بالله تعالى (أََنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ (49) آل عمران). فَطَر هو فعل خاص بالله تعالى.
أصل الكون:(1/12)
قال الله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُون ).الفتق ) فتق ) :الشيء شقَّه .أما الرتق فهو ضد الفتق ، رتق بمعنى التأم .تشير الآية إلى أن السماء والأرض كانتا ملتئمتين أي كتلة واحدة ففتقهما الله سبحانه.
ولقد جاء علم الفلك ليظهرهذه الحقيقةالتي ذكرهاالله في كتابه وتلاها نبيه على المسلمين قبل ألف وأربعمائة سنة :
يرجع العلماء الفلكيون نشأة الكون إلى 13.7 مليار عام وذلك طبقاً لما أعلنته إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) مؤخراً حيث حدثت حادثة تعرف باسم الضربة الكبرى (Big bang) و هي حادثة بداية الكون .و يعدون أن حدوث مثل هذه الحادثة كان أمراً واقعاً ، إذا كانت المادة الموجودة حالياً في الكون مركزة بكثافة عالية جداً في هيئة بيضة كونية .ومن الأدلة على صحة نظرية الضربة الكونية الكبرى لنشأة الكون :
1. حركة التباعدالمجريةالظاهرةالتي استدل عليهامن خلال انحراف طيفهانحوالأحمروفق مايعرف بظاهرة دوبلر .
2. الأمواج الراديوية الضعيفة المتوازنة ، الواردة بتجانس تام من جميع أرجاء الكون ، و بالشدة المتوقعة نفسها في عهدنا الحالي من الشعاع المتبرد عن الضربة الكبرى .
كما يؤكد العلماء أن هذا الانفجار الكوني العظيم قد نتج عنه غلالة من التراب و القرآن يقول غلالة من الدخان قال تعالى (ثم استوى إلى السماء و هي دخان ) فصلت 11 ، و التجربة تؤكد أن هذا الجرم عالي الكثافة ، إذا انفجر فلابد و أن يتحول إلى غلالة من الدخان و التعريف العلمي للدخان أنه جسم أغلبه غاز به بعض الجسيمات الصلبة له شيء من السواد الدكنة و له شيء من الحرارة.(1/13)
ويقول العلماءإن الكون يتوسع من الضربة الكبرى، ولا يوجد دليل بأنه سيتمدد للأبد فهو سوف يتباطأ تمدده تدريجياً،ثم يقف،وبعدها ينقلب على نفسه،ويبدأ بالتراجع في حركة تقهقرية وهذا مصداق لقوله تعالى : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداًعَلَيْنَاإِنَّاكُنَّا فَاعِلِينَ )سورة الأنبياء103 ـ 104 .
آية (31):
* ماالفرق بين (جعلنا فى الأرض رواسى)و (ألقينا فيها رواسي) ؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة ق (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)) وفى سورة الإنبياء (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31))هذا سؤال يجب أن يُوجّه إلى المعنيين بالاعجاز العلمي. لكن الملاحظ أنه تعالى يقول أحياناً ألقينا وأحياناً يقول جعلنا في الكلام عن الجبال بمعنى أن التكوين ليس واحداً وقد درسنا أن بعض الجبال تُلقى إلقاء بالبراكين (جبال بركانية) والزلازل أو قد تأتي بها الأجرام المساوية على شكل كُتل، وهذا يدل والله أعلم على أن هناك أكثر من وسيلة لتكوين الجبال. وكينونة الجبال تختلف عن كينونة الأرض فالجبال ليست نوعاً واحداً ولا تتكون بطريقة واحدة هذا والله أعلم.
من آيات الإعجاز العلمى:
بالنسبة لسطح الأرض، فكما يختفي معظم الوتد في الأرض للتثبيت، كذلك يختفي معظم الجبل في الأرض لتثبيت قشرة الأرض . وكما تثبت السفن بمراسيها التي تغوص في ماء سائل ، فكذلك تثبت قشرة الأرض بمراسيها الجبلية التي تمتد جذورها في طبقةٍ لزجةٍ نصف سائلة تطفو عليها القشرة الأرضية.
آية (32):
*ما اللمسة البيانية في استخدام اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول والعكس في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)(1/14)
قسم من المفسرين يرون أحياناً في الإستعمالات القرآنية أن اسم الفاعل يكون بمعنى اسم المفعول كما في قوله تعالى (من ماء دافق) يقولون بمعنى مدفوق، وقوله (لا عاصم اليوم من أمر الله) بمعنى لا معصوم، و(عيشة راضية) بمعنى مرضية، و(حجاباً مستوراً) بمعنى ساتراً، و(سقفاً محفوظاً) بمعنى حافظ. ومن الممكن تخريجها على صورتها الظاهرة ويبقى المعنى وليس بالضرورة أن نؤوّل كلمة دافق للمعنى دفوق لكن يمكن ابقاؤها بصيغها ومعانيها. وقد ذكر المفسرون آراء أخرى تؤكد الإقرار على المعاني والصيغ اسم الفاعل واسم المفعول ويستقيم المعنى.
المصدر قد يأتي بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول في القرآن مثل كلمة (خلق) فهي تأتي بمعنى مخلوق أحيانأً.
وفي قوله تعالى في سورة هود (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) تحتمل معنيين: لا عاصم إلا الراحم وهو الله، ولا معصوم إلا الناجي فقد يختلف التأويل لكن المعنى يحتمل هذه التأويلات لأن لا عاصم إلا من رحمه الله تعالى أي ليس هناك من ينجيه إلا الله الراحم وتأتي الآية بعده (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) لا تمنع كلا التفسيرين وهذا ما يُسمى من باب التوسع في المعنى.
هل يوجد اختلافات دلالية بين المشتقات وبعضها؟
أحياناً الصيغة الواحدة يمكن تخريجها على أكثر من دلالة كما في كلمة (حكيم) فقد تكون اسم مفعول مثل قتيل أو حكيم بمعنى ذو حكمة (حكيم عليم). وفي سورة يس (يس* والقرآن الحكيم) هل المقصود أنه مُحكم أو هو ينطق بالحكمة فيكون حكيم؟ يحتمل المعنى كل هذه التفسيرات.
آية (33):
*(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) الأنبياء) لماذا لم يقل يسبح مع أنها لغير العاقل؟(د.فاضل السامرائى)
((1/15)
كل) لها قواعد في التعبير. (كل) إذا أضيفت إلى نكرة هذا يراعى معناها مثل (كل رجل حضر) (كل امرأة حضرت) (كل رجلين حضرا) إذا أضيف إلى نكرة روعي المعنى وإذا أضيفت إلى معرفة يصح مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، مثال: (كل اخوتك) اخوتك جمع يجوز أن يقال كل إخوتك ذاهب ويقال كل إخوتك ذاهبون، يجوز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى. إذن إذا أضيفت إلى نكرة روعي المعنى كل رجل حضر، كل رجلين حضرا، كل امرأة حضرت. (كل) لفظها مفرد مذكر ومعناها تكتسبه بحسب المضاف إليه. إذا أضيفت لنكرة يراعى المضاف إليه وإذا أضيفت لمعرفة يجوز مراعاة اللفظ والمعنى. نوضح القاعدة: كل الرجال حضر وكلهم حضر، إذا قطعت عن الإضافة لفظاً جاز مراعاة اللفظ والمعنى (كلٌ حضر) (كلٌ حضروا) يجوز، (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ (285) البقرة) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) الأنبياء) (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) ق) مجموعة قوم نوح وعاد وفرعون قال كلٌ كذب الرسل، (كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116) البقرة). إذن من حيث القاعدة النحوية أنه إذا قطعت عن الإضافة هذا سؤال (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) لفظاً جاز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى يمكن أن يقال كلٌ في فلك يسبح وكلٌ في فلك يسبحون لكن هل هنالك اختلاف في المعنى في القرآن ليختار هذا أو ذاك؟ هذا هو السؤال. من حيث اللغة جائز. القرآن استخدم الاثنين (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) الأنبياء) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ (84) الإسراء) (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) ق). مما قيل في هذا الخلاف قال: الإخبار بالجمع يعني عندما يقول قانتوت حاضرون يسبحون يعني كلهم مجتمعون في هذا الحدث ولما يفرد يكون كل واحد على حدة ليسوا مجتمعين. لما يقال كلٌ حضروا يعني مجتمعون ولما يقال كلٌ حضر يعني كل واحد على حدة.(1/16)
قال تعالى (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) كلهم يسبحون في آن واحد، (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ) يوم القيامة كلهم مع بعضهم، (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) كلٌ على حدة، (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) كلٌ على حدة كل واحد في أزمان مختلفة.
هل هي لغوية معروفة أو خصوصية في القرآن الكريم؟
أصل اللغة ما ذكرنا والقرآن كسى بعض الكلمات دلالات خاصة به في سياق القرآن.
آية (34):
*ما الفرق بين (مِتم) بكسر الميم و(مُتم) بضم الميم؟(د.حسام النعيمى)
مُتم بالضم مسندة إلى المعلوم. مات يموت فيقول مُت أنا وهنا تكون التاء فاعلاً مبني في محل رفع الفاعل (للمتكلم) أو مُت أنت. لكن إذا أردت أن تبنيها للمجهول يعني وقع عليه الموت بمعنى أُميت تصير (مِتَّ ومِتُ أنا) تُكسر الميم. (أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34))موضوع الضم والكسر لأن هذا فعل أجوف والأجوف عندما يُبنى للمجهول يكون بهذه الصيغة.
آية (44):
* ما معنى الآية(أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/17)
قوله تعالى فى سورة الأنبياء:(أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونْ(44)) القدامى لهم فيها تفسيران مشهوران وربما أكثر: أن نأتي البلاد (بلاد الكفر) نفتحها شيئاً فشيئاً ونلحقها بدار الإسلام، هذا أحد التفسيرين المشهورين والآخر موت العلماء (علماء الإسلام) الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها إن يمت عالم مات طرف ، هذا تفسير القدامى.المحدثين لهم فيها رأيين أيضاً: الأول أن فيها إعجاز علمي أنها كروية بيضية ننقصها من أطرافها تكون كالبيضة أي ليست على طول واحد في الأطراف وإنما بعضها أقصر من بعض. والآخر أنها تنقص باستمرار تنكمش الأرض ويقل حجمها، كانت ضخمة كبيرة ثم يتبخر منها شيء من الغازات بشكل مستمر ثم تنقص من أطرافها. تنقص أي بصورة مستمرة تنكمش ويصغر حجمها شيئاً فشيئاً يخرج ما يخرج من جوفها.عندما تنقص تتبخر الغازات وتنكمش شيئاً فشيئاً والله أعلم.وقال تعالى (فهم الغالبون) الغلبة تكون للإسلام فالمراد الإسلام بموجب التعقيب والله أعلم.
*ما الفرق بين قوله تعالى في سورة الرعد (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا {41} الرعد) وفي سورة الأنبياء (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا {44} الأنبياء)؟ (مداخلة مع (د.أحمد الكبيسى) فى برنامج أخر متشابهات)(1/18)
الفرق بين الحالتين (أَوَلَمْ) تتكلم عن الماضي، أنتم ما رأيتم كيف أن دولاً عظيمة هلكت؟. وقبل كل شيء الأرض المقصودة هنا (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) الأرض أرض كل دولة الجنة هي أرض والنار هي أرض مصر هي أرض نقول أرض مصر أرض بريطانيا أرض أمريكا فكلمة الأرض تعني الموطن المراد الذي عليه الجماعة. فرب العالمين يقول أما رأيتم أن دولاً أراضي فيها مملكات عظيمة قوية ثم ذهبت (نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا). ومرة قال (أَفَلَا يَرَوْنَ) (أَوَلَمْ يَرَوْا) أنتم ما انتبهتم إلى تلك الحضارات القديمة كيف أن الله سبحانه وتعالى أذهبها رؤيا علمية، علماً يقيناً بالغيب ليست بصرية وإنما علماً. بينما هنا قال في زمانكم رؤية بصرية أين قريش وغير قريش من القبائل العظيمة التي حاربتكم؟! الخ يعني انتهوا وأصبح محمد صلى الله عليه وسلم يسيطر بدين الله عز وجل على كل المنطقة إذاً كلمة (أَفَلَا يَرَوْنَ) (أَوَلَمْ يَرَوْا) حديث عن الماضي وحديث عن الحاضر إلى يوم القيامة فبالتالي رب العالمين يفرق بين ما حصل في التاريخ قال (أَوَلَمْ يَرَوْا) وما يحصل الآن قال (أَفَلَا يَرَوْنَ) هذا هو الفرق بين الآيتين وكقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} الفيل) في الماضي.
آية (46):
* ما اللمسة البيانية في استعمال مسّتهم في الآية (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) الأنبياء)؟ وما اللمسة البيانية في كلمة (نفحة)؟ والعذاب أضيف إلى إسم يدل على الشفقة وهو الرب ولم يضف إلى إسم يدل على القهر والجبروت فما اللمسة البيانية في كل هذه المفردات؟ (د.فاضل السامرائى)(1/19)
الآية الكريمة (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)المسّ طبعاً دون النفوذ في اللغة يكفي فيه أيّ إتصال هذا هو المسّ. المسّ خفيف أخف من اللمس. أما بقية الآية نتكلم أن الآية فيها جملة مبالغات في بيان العذاب:أولاً قال (مسّتهم) والمسّ قلنا يكفي في تحققه أيّ إتصال وليس النفوذ. ثم قال (نفحة) والنفح هو الشيء أو النزر اليسير تقول نفحه أي أعطاه شيئاً يسيراً والنفحة هي هبوب رائحة الشيء. نفح هو الفعل والنّفْح هو المصدر. لما تقول نفحه أي أعطاه شيئاً يسيراً من المال، فيها قِلّة وقلنا نفحة هي هبوب رائحة الشيء.(1/20)
إذن مسّ يكفي ونفحة قليل ثم قال نفحة إسم مرّة، إذن المسّ قليل والنفح قليل وبِناء المرّة قليل لأن هذه الأمور (لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) سيضجّون بهذه الأمور فكيف لو أصابهم العذاب؟! المس خفيف والنفحة الواحدة خفيفة وهي رائحة العذاب وليس العذاب، نفحة واحدة أي مرة واحدة (نفحة إسم مرّة) رائحة العذاب تمسهم مرة واحدة سيضجون ويقولون (لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) مؤكدة باللام ونون التوكيد الثقيلة فكيف بالعذاب؟! هذه مبالغة فظيعة لمن يعلم (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) الويل بمعنى الهلاك، (ياويلنا) أي هَلَكنا بنفحة من ريح العذاب واحدة تمسّهم فكيف إذا أصابهم العذاب وليست النفحة؟ هذا تصوير هائل للعذاب يوم القيامة وريح العذاب يمسهم مسّاً خفيفاً مرة واحدة فلماذا أضاف (ربك) ولم يقل الجبار القهار؟ هذا من عذاب ربك والرب يعاقب ويؤدب هذه معاقبة التأديب معاقبة الربّ فكيف بعذاب الله الجبار القهار فكلمة ربك فيها حنان ورحمة ورأفة فكيف لو أضيفت إلى كلمة القهار أو الجبار كيف سيكون ذلك؟ إذن هذه كلها النفحة الواحدة والمسّ فكيف لو كان العذاب؟ كيف لو غضب الجبار المنتقم فكيف سيعاقب؟
* (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) الأنبياء) يقول فيها الشيخ سعيد النورسي أن الآية فيها ست تخفيفات وبالرغم من ذلك قالوا يا ويلتنا فهل يمكن توضيح هذه الأمور في هذه الآية؟ وما الفرق بين النفح واللفح والنفخ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/21)
الآية الكريمة (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) الأنبياء) نذكر عن سؤال السائل ثم نذكر اللمسة البيانية. النفح فيه معنى النزارة هو أصله هبوب رائحة الشيء، نفحه أي أعطاه يسيراً. اللفح يقال لفحته النار تلفحه إذا أصابت وجهه (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ (104) المؤمنون) أو أصابت أعلى الجسد. والنفخ نفخ بفمه إذا أخرج من فمه الريح، هذا النفخ. إذن نفح فيه معنى النزارة أي القلة، هبوب رائحة الشيء أو أعطاه قليلاً. الآية فيها عدة مبالغات وتوكيدات: أولاً بدأت بلام القسم (لئن) هذا توكيد، و(إن) الشرطية التي هي احتمال حصول الشرط قليلاً أو كثيراً أو احتمال عدم وقوع وهي أقل من إذا. ثم قال (مسّتهم) المسّ هو دون النفوذ ويكفي في تحقيقه اتصال قليل، إتصال قليل هو المسّ (لئن مستهم) إتصال قليل وهذا غير النفوذ، مسّ خفيف والمس دون النفوذ وأي إتصال يسمى مساّ (لئن مستهم) مستهم مساً خفيفاً، نفح يسير يشم رائحة الشيء وليس فقط مس وإنما قال نفحة (يعني مرة لأن نفحة إسم مرة واحدة) إذن مسّ هو اتصال خفيف ونفح هو قليل ونفحة مرة واحدة ليس اتصال كثير وهو اتصال قليل وحتى لم يقل نفح أو نفخات، (من عذاب ربك) تبعيض، ليس كل العذاب وإنما بعض العذاب.(1/22)
وقال (عذاب ربك) وليس عذاب الله، الرب فيها معنى الرحمة وفيها معنى التربية، (ليقولن) جواب القسم اللام، ونون التوكيد الثقيلة وليس الخفيفة (لم يقل يقولون)، (يا ويلنا) الدعاء بالويل، والاعتراف بالظلم والتوكيد بإنّ (إنا كنا ظالمين)، يعني واو القسم وإن والمسّ والنفح وبناء المرة (نفحة) والتبعيض والرب واللام في (ليقولن) ونون التوكيد الثقيلة والدعاء بالويل والاعتراف بالظلم والتوكيد بإنّ، هذا كثير على صِغر الجملة فكيف بعذاب الله؟! هذه النفحة والمس والمرة فكيف بعذاب الله؟! فيها إشارة عظيمة وهول كبير إلى عظيم العذاب، هذا المس وليس الإصابة الشديدة هذا العذاب مرة واحدة فكيف بالعذاب فيها إشارة عظيمة لمن يفقه التعبير. هذا بعضٌ من كُل من العذاب فكيف بالعذاب كله، هذه نفحة واحدة فقط ومسّ، هذه إشارة إلى عذاب الله العظيم فكيف لو أصابهم العذاب كيف سيكون الأمر؟!
آية (57):
*ما دلالة القسم بحرف التاء في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
التاء حرف قسم مثل الواو لكن التاء تكون مختصّة بلفظ الجلالة (الله) وتستعمل للتعظيم وقد وردت في القرآن الكريم في سورة يوسف {73} ، {85} ، {91}) ومرتين في سورة النحل {56} ،{63}).وفى سورة الأنبياء آية {57 }أما الواو فهي عادة تستخدم مع غير لفظ الجلالة مثل الفجر والضحى والليل والشمس وغسرها مما يقسم الله تعالى به في القرآن الكريم. والتاء في أصلها اللغوي مُبدلةٌ من الواو.
*ما سر دخول الحرف في الأسلوب الإنشائي في قوله تعالى ((تالله لأكيدنّ أصنامكم))؟ (د.فاضل السامرائى)
(للعلم الإنشاء هو ما فيه أمر أو استفهام أو ترجي أو تحضيض أو ..) والحكم يكون على الأسلوب بغض النظر عن القائل.(1/23)
القَسَم هو الإنشاء أماجواب القسم فمن حيث الحكم النحوي: جواب القسم لا يكون إنشاء إلا مع الباء يصح أن يكون إنشاء مع الخبر الطلبية أو الإستعطافي فقط. مثلاً لا يمكن أن أقول: والله افعل أو والله لا تفعل إنما أقول والله لأفعلنّ و والله لتفعلنّ ولا يمكن أن يكون جواب القسم طلب أو إنشاء إلا أن يكون جواب القسم بالباء (بالله عليك افعل) أو (بالله عليك لا تفعل) (بربّك هل فعلت؟) أما في غير الباء فلا يكون جواب القسم طلبياً. إذن الجواب خبري ويكون إنشائياً مع الباء فقط (تالله لأكيدنّ أصنامكم) تالله هي الإنشاء ولأكيدن هي خبر. وهناك فرق بين القسم وجواب القسم، جواب القسم خبر إلا ما استثنيناه وما يصح أن يكون مع الباء وحدها والباقي خبر.
آية (69):
* لماذا جاءت كلمة نار مرفوعة ونكرة في قوله تعالى (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا (69) ولماذا جاءت برداً وسلاماً وليس سلاماً فقط؟ (د.فاضل السامرائى)
أولاً كلمة نار ليست نكرة (يا نار) في المصطلح الحديث تُسمّى نكرة مقصودة أي معيّنة أما النحاة فيقولون معرفة.
قاعدة: كل منادى مبني على الضمّ هو معرفة، والمنصوب قد يكون معرفة أو نكرة أو نكرة مقصودة أو نكرة غير مقصودة أو مضاف أو مضاف إلى معرفة.
والنكرة المقصودة ليست مصطلحاً نحوياً وهو مصطلح جديد لا يوجد في كتب النحو القديمة. نقول يا راكباً نكرة غير مقصودة. إذا قصدنا أحداً نقول له يا رجلُ ويا شرطيُ.
قاعدة سيبويه: إن كل اسم في النداء مرفوع معرفة وذلك أنه إذا قال يا رجلُ ويا فاسقُ كمعنى يا أيها الرجل ويا أيها الفاسق.
لا يمكن أن تكون الآية (يا ناراً) لأن الله تعالى يخاطب ناراً معينة وهي نار ابراهيم فهي معرفة والمعرفة هي ما دلّ على شيء معيّن. فلا بد أن تكون (يا نارُ) بالبناء على الضم وهي ليست نكرة وإنما معرفة ويسمونها الآن نكرة مقصودة.(1/24)
أما قوله تعالى (برداً وسلاماً) : لو قال برداً وحدها قد يؤذي لأن من البرد ما يؤذي، ولم يقل سلاماً وحدها لأنه قد يشعر بالحرّ الذي يؤذي لكنه لا يتأذى فهي سلام. والله تعالى أراد أن يجمع الاثنين أراد أن لا يشعر ابراهيم - عليه السلام - بالحرارة ولم يرد له أن يتضايق فهي برد وسلام فالبرد معه شيء من السلام والسلام معه شيء من البرد والله تعالى لم يُرد أن يشعر ابراهيم بالحرارة أو السخونة بحيث يتضايق فقد يعيش الانسان في حرٍّ في بيته لكن لا يوجد سلام فيتضايق. لذا كان لا بد من الأمرين معاً البرد والسلام ولا يمكن أن يستغني عن واحدة منهما.
آية (72):
*ما معنى نافلة في قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) الأنبياء)؟ (د.فاضل السامرائى)
النافلة هو الزيادة، ابراهيم سأل فقال (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) الصافات) أراد ولداً فأعطاه ولداً وولد ولد، أعطاه (إسحق) ويعقوب زيادة (إبن اسحق) إذن يعقوب هو نافلة. ليس إسحق ويعقوب نافلة، إسحق ابنه ويعقوب ليس ابنه وإنما إبن اسحق، إذن نافلة متعلقة بيعقوب. (نافلة) تُعرَب حالاً. إسحق هو إبنه كما طلب ويعقوب ليس إبنه زيادة والنافلة هي الزيادة. سميت النَفل والأنفال بمعنى الزيادة.
آية (77):
*ما دلالة (من) في قوله تعالى (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ )؟ (د.فاضل السامرائى)(1/25)
يقول النحاة أن (نصرناه من) تعني نجّيناه من و(نصرناه على) تفيد الإستعلاء مثل وصفه تعالى لقارون(فخرج على قومه فى زينته). ونسأل لماذا لم يستخدم سبحانه كلمة (نجّيناه من) بدل نصرناه من؟ ونقول أن الفرق بين نجيناه من ونصرناه من أن الأولى تتعلق بالناجي نفسه أما النصرة هنا فهى نجاة للناجي وعقاب لخصمه فهي تتعلق بالجانبين بمعنى أنه نجّى نوحاً وعاقب الآخرين . وقد ورد في القرآن الكريم في سورة هود (وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ {30}) وفي سورة العنكبوت (فأنجاه الله من النار) و في سورة التحريم (ونجّني من فرعون وعمله).
آية (83):
* ما الفرق بين الضُرّ (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ (83) الأنبياء) والضَر (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا (49) يونس) والضرر (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ (95) النساء) والحديث الشريف "لا ضرر ولا ضرار"؟ (د.فاضل السامرائى)(1/26)
الضُر يكون في البدن من مرض وغيره (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ (83) الأنبياء). الضَر مصدر بما يقابل النفع (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا (188) الأعراف). الضرر الإسم أي النقصان يدخل في الشيء يقال دخل عليه ضرر (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) أي الذين فيهم عِلّة أما الضر فهو ما يقابل النفع. الضرر هو الإسم عام والضرّ مصدر. الضُر ما يحصل في البدن من سقم والضَر المصدر لما يقابل النفع والضرر إسم. نحن عندنا المصدر وأحياناً يكون التغيير في المصدر بحركة أو بشيء آخر يسمى إسماً. مثلاً: الدّهن والدُهن، الدَهن هو المصدر دهن جسمه دهناً، والدُهن هو المادة المستخلصة من النبات للدهن. الحَمل والحِمل، الحَمل مصدر حمل والحِمل هو الشيء المحمول تغير المعنى بالحركة من مصدر إلى إسم. الوَضوء هو الماء والوُضوء هو عملية التوضؤ نفسها. هذا تغيير بالحركة.
*هل هنالك فرق بين الضَر والضُر؟(د.فاضل السامرائى)
الضَر بالفتح مقابل النفع والضُر هو السوء من مرض أو شيء (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ (83) الأنبياء) مرض. الضَر عام مقابل النفع.
آية (84):
* ما الفرق بين( إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) يس) و(وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/27)
في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر. (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) يس) عامة، (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) عامة،(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء) (من عندنا) يستعملها خاصة و (منا) عامة. حتى لو ورد هذان التعبيران في نبي واحد يختلف السياق، مثلاً في سيدنا أيوب (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص) في سيدنا أيوب في سورة الأنبياء (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) قصة واحدة لكن مرة قال رحمة منا ومرة رحمة من عندنا.(1/28)
ننظر السياق في ص قال (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ) وقال في الأنبياء (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لم يقل (وأنت أرحم الراحمين) في ص، لم يذكر رحمته، أرحم الراحمين يوسع عليه يعطيه أكثر وكأنه يستجدي من الله، يطلب رحمته سؤال برحمته، قال ربنا (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) ولم يقلها في ص، قال (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) ما قالها في ص، لم يقل فاستجبنا له ولم يقل فكشفنا ما به من ضر. قال (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ) وفي ص قال (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ) الإيتاء يشمل الهبة وزيادة في اللغة، الإيتاء يشمل الهبة وقد يكون في الأموال وهو يشمل الهبة وغيرها فهو أعم، (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً (59) الإسراء) لا يمكن أن نقول وهبنا (آتيناه الكتاب) آتينا أعم من وهبنا. قال في الأنبياء (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وفي ص قال (وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) العابدون يشملون أولي الألباب وزيادة، المكلَّف يجب أن يكون عنده عقل وإلا كيف يكلّف مجانين ليس عندهم عقل إذن العابدون أولي الألباب وزيادة. (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) العابدين فيها خصوصية يعني ليس فقط أولي الألباب، أولو الألباب وزيادة فصار عندنا أرحم الراحمين واستجبنا له وفكشفنا له والعابدين وآتيناه فأين نضع رحمة من عندنا؟ نضعها مع كل هذا في آية الأنبياء.
سؤال: النبي واحد والرب واحد والموقف واحد وهو المرض ولكن السياق ليس واحداً فلماذا هذا التغير؟
هل حصل تناقض رحمة منا أو رحمة من عندنا؟ من أين الرحمة؟ الضمير عائد على الله سبحانه وتعالى إذن ليس هناك تناقض لكن الاختيار بحسب السياق، اختيار المفردات بحسب السياق لم تتناقض القصتان لكن اختيار الكلمات بحسب السياق الذي ترد فيه.
* قد يقول قائل ماذا قال سيدنا أيوب بالضبط؟ (د.فاضل السامرائى)(1/29)
قد يكون قال أكثر من هذا لكن ربنا ذكر هذا فقط، في هذا الموقف قال هذه الجملة وفي ذلك الموقف قال هذه الجملة، هل دعا مرة واحدة.؟ لا، إذن لا تعارض ولا تغاير، لو قال لم يستجب له لصار تعارض.
آية (85):
*بعض العلماء يقول أن إسماعيل هو الذبيح والبعض يعترض ويقول إسحق فما المختار بين الرأيين؟(د.حسام النعيمى)(1/30)
المهم إبراهيم - عليه السلام - حدثت له قضية مع أحد ولديه وكان الولد من الصابرين وكانت محنة اختُبِر بها إبراهيم - عليه السلام - فيها ونجح في هذا الإختبار. المرأة الثانية زوجة إبراهيم هي التي ولدت له هذا الذي أخذها وإياه وأسكنهما بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم. لما ننظر في الوقائع في الآيات نجد نوعاً من الترجيح أنه إسماعيل الذي ذهب إلى ديار العرب وتزوج منهم وعاش هناك. لما نأتي إلى الآيات في سورة الصافات التي ذكر قصة إبراهيم (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)) لما يمضي في القصة بعد أن ينتهي من قصة الذبيح يقول تعالى (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112)) إذن جاءت البشارة بإسحق بعد البشارة بالذبيح وإسحق ذكر إسمه في القرآن وإسماعيل ذكر إسمه في القرآن فالمرجح عند بعض العلماء أن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحق. ولكن نقول الذبيح من الصابرين ولما ننقل إلى الآيات (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) الأنبياء) أيوب صبر، وإسماعيل وإدريس كلٌ من الصابرين، من الذي وُصِف بوصف الصبر؟ إسماعيل لأنه قال عنه في آية أخرى (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) وأكد القرآن في موقع آخر أن إسماعيل من الصابرين.(1/31)
إسحق ما وصف بهذا وإنما قال (فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب) لكن نقول: والمسألة قبل ذلك وبعد ذلك لا يترتب عليها أمر من أمور الدين وليس فيها نص صريح قاطع بدليل إختلاف العلماء فيها فالخوض فيها غير مثمر ويكفي إتخاذ العِبرة منها بصرف النظر عن الإنسان الذي وقعت له.
آية (87):
*ما معنى نقدر في الآية (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ (87) الأنبياء) ؟ (د.فاضل السامرائى)
نقدر معناها نضيّق وليس بمعنى الاستطاعة مثل (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) الفجر) أي فضيّق عليه رزقه. فيونس - عليه السلام - ظن أنه في متسع لن نضيق الله عليه هؤلاء لم يستجيبوا فيذهب إلى مكان آخر والله تعالى لن نضيق عليه. قدَر معناها ضيّق (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) أي فضيّق (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ (26) الرعد) يقدر أي يضيّق.
* (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) الأنبياء) ما الفرق بين مغاضباً وغاضباً؟ (د.فاضل السامرائى)(1/32)
غاضِب من غَضِب ومغاضِب من غاضَب إسم فاعل مثل حافَظ محافِظ. (مغاضباً) غاضب قومه، (نقدر عليه) أي نضيّق عليه، هو غضب من قومه فظن أن في الأمر سعة والله لن يضيق عليّ الأمر وإذا كان هؤلاء القوم لم يستجيبوا فأنا أذهب إلى مكان آخر لعلهم يستجيبوا لا يضيق عليّ ربي. غضب غاضب، غاضَب مغاضب، حافظ محافظ، جاهد مجاهد، قاتل مقاتل، شارك مشارك، عاقب معاقب، إذن مغاضب ليس من ربه. فهو خرج مغاضباً قومه المفاعلة فيها قد تكون للمبالغة وليس بالضرورة أن تكون فيها مشاركة مثل عاقب وسافر وحافظ ليس فيها مشاركة لكن فيها مبالغة. إما اشتد به الغضب فخرج وإما غضب على قومه وهم غضبوا على ذهابه فيكون فيها مشاركة، هو غضب عليهم لعدم إيمانهم وهم غضبوا لأنه خرج منهم فخشوا أن يعاقبهم ربهم فصار مغاضبة ففي الحالتين مغاضِب هي أولى وليس كل من يغضب يخرج لكن مغاضب معناه أن الغضب اشتد اشتداداً كبيراً فخرج ولهذا قال تعالى مغاضباً.
آية (90):
*ما دلالة استعمال كلمة أصلحنا في قوله تعالى (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) ؟(د.حسام النعيمى)
الإصلاح كأنه إعادة الشيء سليماً بعد فساد. أن يكون الشيء قد أصابه فساد أوضرر فإذا أعدته فتقول أصلحته. (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) يعني كأنه كان هناك خراب أو فساد فيها. العلماء منهم من قال هو فساد واحد فقط وهو أنها عقيم فأصلحها الله تعالى فصارت ولوداً. لا يتبادر إلى الذهن هنا الفساد على أنه الفساد الأخلاقي وإنما هو الفساد بعد ضرر أوعطب فيُصلح. وقسم من العلماء قالوا كانت سليطة اللسان حتى يبيّن أن بعض الأنبياء كان يُمتحن في أهله حتى يكون هذا عبرة لبعض الدعاة أن تكون سليطة اللسان أو تنقل أسراره إلى الآخرين كما فعلت إمرأة لوط ونوح كانت تتعاون مع الكفار عليهما، فحسّن من خلقها. سواء كان هذا أوذاك فاليقين أنهالم تكن ولوداً فولدت.
آية (91):(1/33)
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (فنفخنا فيها) وقوله (فنفخنا فيه) في قصة مريم عليها السلام؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الأنبياء (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ {91}) وقال في سورة التحريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {12})
بين هاتين الآيتين أكثر من نقطة يجب الإلتفات إليها وهي كما يلي:
1. في سورة الأنبياء لم يذكر اسم مريم عليها السلام بينما ذكره في سورة التحريم. والسبب في ذلك هو أنه أولاً في سورة الأنبياء كان السياق في ذكر الأنبياء (ابراهيم، لوط، موسى، وزكريا ويحيى) ثم قال (والتي أحصنت فرجها) ولم يُصرّح القرآن باسمها لأن السياق في ذكر الأنبياء وهي ليست نبيّة أما في سورة التحريم فذكر اسمها لأن السياق كان في ذكر النساء ومنهم (امرأة فرعون، امرأة لوط وامرأة نوح) فناسب ذكر اسمها حيث ذكر النساء. والتصريح بالإسم يكون أمدح إذا كان في المدح وأذمّ إذا كان في الذّم. ونلاحظ في سورة التحريم أنها من أعلى المذكورات في سياق النساء ولهذا ذكر اسمها من باب المدح. أما في سورة الأنبياء فهي أقلّ المذكورين في السورة منزلة أي الأنبياء فلم يذكر اسمها وهذا من باب المدح أيضاً.
2. ذكر ابنها في سورة الأنبياء ولم يذكره في سورة التحريم. وهذا لأن سياق سورة الأنبياء في ذكر الأنبياء وابنها (عيسى - عليه السلام - ) نبيّ أيضاً فناسب ذكره وفيها ورد ذكر ابني ابراهيم وويحيى ابن زكريا فناسب ذكر ابنها أيضاً في الآية ولم يذكره في التحريم لأن السياق في ذكر النساء ولا يناسب أن يذكر اسم ابنها مع ذكر النساء.(1/34)
3. لم يذكر أنها من القانتين في الأنبياء وذكرها من القانتين في سورة التحريم. ونسأل لماذا لم تأتي (القانتات) القانتات بدل القانتين؟ لأنه في القاعدة العامة عند العرب أنهم يغلّبون الذكور على الإناث وكذلك في القرآن الكريم عندما يذكر المؤمنون والمسلمون يغلّب الذكور إلا إذا احتاج السياق ذكر النساء ومخاطبتهن. وكذلك عندما يذكر جماعة الذكور يقصد بها العموم. وإضافة إلى التغليب وجماعة الذكور فهناك سبب آخر أنه ذكرها من القانتين وهو أن آباءها كانوا قانتين فهي إذن تنحدر من سلالة قانتين فكان هذا أمدح لها وكذلك أن الذين كملوا من الرجال كثير وأعلى أي هي مع الجماعة الذين هم أعلى فمدحها أيضاً بأنها من القانتين ومدحها بآبائها وجماعة الذكور والتغليب أيضاً.
ونعود إلى الآيتين ونقول لماذا جاء لفظ (فيه) مرة و(فيها) مرة أخرى؟ فنقول أن الآية في سورة الأنبياء (فنفخنا فيها من روحنا) أعمّ وأمدح:
دليل أنها أعمّ: ونسأل أيهما أخصّ في التعبير؟ فنقول أن قوله تعالى (ونفخنا فيها من روحنا) أعمّ من (نفخنا فيه) وأمدح. إذن (مريم ابنت عمران) أخصّ من (التي أحصنت فرجها) فذكر الأخصّ مع الأخصّ وجعل العام مع العام . وكذلك في قوله تعالى (وجعلناها وابنها) في سورة الأنبياء أعمّ فجاء بـ (فيها) ليجعل الأعمّ مع الأعمّ. وسياق الآيات في سورة الأنبياء تدل على الأعمّ.
لماذا هي أمدح؟ أيهما أمدح الآية (وجعلناها وابنها آية) أو(صدّقت بكلمات ربها)؟ الآية الأولى أمدح لأن أي كان ممكن أن يصدق بكلمات ربها لكن لا يكون أي كان آية، والأمر الثاني أن ذكرها مع الأنبياء في سورة الأنبياء لا شك أنه أمدح من ذكرها مع النساء في سورة التحريم فالآية في سورة الأنبياء إذن هي أمدح لها.(1/35)
ومن الملاحظ في قصة مريم عليها السلام وعيسى - عليه السلام - أن الله تعالى جاء بضمير التعظيم في قوله تعالى (فنفخنا فيها) أي عن طريق جبريل - عليه السلام - وهذا الضمير للتعظيم يأتي دائماً مع ذكر قصة مريم وعيسى عليهما السلام أما في قصة آدم - عليه السلام - يأتي الخطاب (فنفخت فيه من روحي) لأن الله تعالى قد نفخ في آدم الروح بعد خلقه مباشرة أما في مريم فالنفخ عن طريق جبريل - عليه السلام - .
* ما دلالة ضمير التعظيم في قوله تعالى (فنفخنا فيها من روحنا)و الإفراد فى قوله تعالى (ونفخت فيه من روحى) ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/36)
إذا كان في مقام التعظيم يسنده إلى مقام التعظيم وإذا كان في مقام التوحيد يكون في مقام الإفراد، يقول تعالى (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) طه) إذا كان في مقام التوحيد يُفرِد وإذا كان في مقام التعظيم يجمع. (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) مريم). وقسم أيضاً يقول أنه إذا كان أمر الله بواسطة المَلَك يلقيه يأتي بضمير الجمع وإذا لم يكن كذلك يُفرِد. على سبيل المثال: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91) الأنبياء) لأن النافخ تمثل لها بشراً سوياً بواسطة ملك أما عن آدم فقال تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) ص). إذا كان الأمر بواسطة الملك يجمع (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود) الملك يبلِّغ هذا. هذا أمر عام، لكن هناك أمر آخر نذكره وهو أنه في كل مقام تعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على الإفراد في القرآن كله. لا تجد مكاناً للتعظيم إلا وسبقه أو جاء بعده ما يدل على الإفراد (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)) هذه تعظيم ثم يقول بعدها (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) رب واحد إفراد ما قال بأمرنا. لو قرأنا في سورة النبأ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) ثم قال (جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا (36)) بعد كل جمع تعظيم إفراد.(1/37)
ليس هناك في القرآن موطن تعظيم إلا سبقه أو جاء بعده ما يدل على المفرد (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) الكوثر) لم يقل فصلِّ لنا. هذا لم يتخلّف في جميع القرآن مطلقاً. إذن عندنا مقام تعظيم ومقام توحيد، يجمع في مقام التعظيم ويفرد في مقام التوحيد ويقال أنه إذا كان بواسطة المَلَك يجمع مع إحتراز أنه ليس هنالك مقام تعظيم إلا وقبله أو بعده إفراد.
آية (98):
* قال تعالى في سورة الأنبياء (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)) فما معنى الآية؟ وهل وردت (ما) هنا لغير العاقل؟(د.حسام النعيمى)(1/38)
حصب المراد بها الحصباء التي هي الحجارة الصغيرة التي تكون أيضا جزءاً من النار وأما قوله تعالى (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) (ما) هي لغير العاقل و(من) للعاقل لكن إذا إختلط العاقل وغير العاقل عند ذلك يمكن أن نعبّر بـ (ما) أو نعبّر بـ (من) بحسب الموضع الذي يتكلم عليه: (إنكم وما تعبدون حصب جهنم) الأصل في العبادة كانت للأصنام ولذلك إستعمل (ما) ولكن هذه لا تمنع من دخول العقلاء فيها لأنها عامة ونحن نعلم أنهم عبدوا فرعون والرهبان والأحبار وذكرت ذلك في حديث عدي بن حاتم الطائي الذي قال فيه للرسول - صلى الله عليه وسلم - : يا محمد إنهم لم يعبدوهم كيف تقول (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)؟ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يبيّن له مفهوم العبادة في الإسلام فقال بلى أحلّوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال فاتّبعوهم فذلك عبادتهم إياهم. فهؤلاء أيضاً هم حصب جهنم وهؤلاء الرجال يحرّفون الناس عن منهج الله سبحانه وتعالى وهم أيضاً حصب جهنم مع من يقرّهم على ذلك بنص الحديث الصحيح يكون كأنه عابد لهم بإقرارهم على العبادة حتى نُخرِج من أدانوا عبادتهم وهم لم يقروهم عليه كالمسيح. فبعض المعبودات عند بعض الناس لا تستحق أن تكون في النار كالمسيح أو العُزَير. هم عبدوا المسيح لكنه - عليه السلام - ما أقرّهم على ذلك. (ما) شاملة العقلاء والأصنام والأحجار.
* ما معنى الآية(إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) الأنبياء)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/39)
ما تعبدون أي الأصنام. إنكم وما تعبدون من الأصنام والتعبير بـ (ما) لأن الأصنام لا تعقل فجاء التعبير بـ (ما) (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) كانت المسألة أن عيسى والعزير عُبِدا من دون الله فهل يدخلون في هذا؟ هكذا كان السؤال. حتى قريش قالوا (وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ (58) الزخرف). لكن أولاً التعبير بـ (ما) لذات غير العاقل إذن هذا التعبير لا يخص العقلاء وإنما الأصنام، والأمر الآخر أن الله تعالى قال (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى) يعني من عُبد من دون الله ولم يرض بذلك ودعا إلى عبادة الله الواحد لم يدخل في هذا التعبير حتى لو شمله الناس. المهم أن يبرأ ساحته وأن ينكر على من عبد غير الله ولم يرض بأن يُعبَد ودعا إلى عبادة الله تعالى يكون ممن سبقت لهم الحسنى من الله تعالى لا يدخل في هذا حتى لو كانت (ما) تشمل العقلاء وغيرهم سيبرّأون بقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) وهم ممن عُبد من دون الله ولم يرض بذلك ودعا إلى عبادة الله وحده. في نهاية الآية قال (لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) الذين يعبدون وما عبدوا من الأصنام. معنى حصب أي الحصباء أو الحصى.
آية (107):
*ما الفرق بين الرأفة والرحمة ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/40)
الرأفة أخصّ من الرحمة والرحمة عامة. الرأفة مخصوصة بدفع المكروه وإزالة الضرر والرحمة عامة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا (65) الكهف) ليست مخصوصة بدفع مكروه. تقول أنا أرأف به عندما يكون متوقعاً أن يقع عليه شيء. الرحمة عامة (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (48) الشورى) فالرحمة أعمّ من الرأفة. عندما نقول في الدعاء يا رحمن ارحمنا هذه عامة أي ينزل علينا من الخير ما يشاء ويرفع عنا من الضر ما يشاء وييسر لنا سبل الخير عامة.
آية (109):
*قال تعالى في سورة الجن (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)) وقال في سورة الأنبياء (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (109)) ما الفرق بين الآيتين؟(د.فاضل السامرائى)(1/41)
في سورة الأنبياء قابل القريب بالبعيد. في سورة الأنبياء من الوعد ما هو ظاهر القصد وهو بعيد فعلاً في سياق آية الأنبياء. مثلاً ذكر أموراً تتعلق بالآخرة هي ليست قريبة، أمور تتعلق بالآخرة يعني ذكر يأجوج ومأجوج عند اقتراب الوعد الحق (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)) ذكر جملة وعود تتعلق بأحوال الآخرة (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)) هذه أمور ظاهرة البعد ليست مثل ما ذكر في سورة الجن (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)) وجاء بعدها (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)) قسم قال (ما توعدون) يعني ما يرونه في بدر، تحتمل الآخرة وقالوا هو ما يرونه في نصر المسلمين في بدر هذا ليس بعيداً كما ذكر في الأنبياء. في سورة الجن ليست هناك قرينة سياقية تحدد معنى معيناً ولذلك قسم قال ما يوعدون من نصر ويحتمل أن يراد يوم القيامة أما في سورة الأنبياء فظاهر البُعد والمقصود يوم القيامة (ذكر يأجوج ومأجوج، يوم نطوي السماء، لا يحزنهم الفزع الأكبر، هذا يومكم، فتنة لكم ومتاع إلى حين) أمور قسم منها ظاهر في يوم القيامة فناسب ذكر البُعد في آية الأنبياء.
*د.فاضل السامرائى :(1/42)
عندنا في مزايا اللغة العربية التي لا يمكن التعبير عنها في اللغات الأخرى تعدد أدوات النفي. تقول أنا ما أذهب، أنا لا أذهب، أنا إن أذهب، أنا لست أذهب، كلها تقولها في الإنجليزية I don’t go. (إن أذهب) وردت مثلها في القرآن في قوله (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (109) الأنبياء) بمعنى نفي (ما). في القرآن قال (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ (9) الأحقاف) نفاها بـ (ما)، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (34) لقمان) قال (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق) قال ما أدري وقال إن أدري وقال لا أدري، نفاها كلها. الفرق من حيث الدلالة المعلوم المشهور أنه إذا نفيت الفعل المضارع بـ (ما) دلّ على الحال يعني ما أدري الآن، لا أدري أكثر النحاة يخصصوها للإستقبال لكن قسم من النحاة يقول هي للحال والاستقبال مطلقة وأكثرهم يخصصوها بالإستقبال والزمخشري يقول لا ولن أختان في نفي المستقبل وهذا عليه أكثر النحاة وأنا أميل أنها تكون للحال والاستقبال وأستدل بما استدل به بعض النحاة في القرآن (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ (20) النمل) حال، (أنا لا أفهم ما تقول) حال، (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (48) البقرة) للإستقبال فهي إذن مطلقة. خاصة هي منتهية بالألأف والألف حرف مطلق لا يمتد به الصوت فهي ممتدة. (إن أذهب) إن أقوى كما يقول النحاة. (لست أذهب) ليس فيها الكثير أنها تنفي الحال لكن فيها جملة إسمية وفعلية فهي مركبة. ((1/43)
لم أذهب) هذا المضارع، ما ذهبت، لمّا أذهب، إن ذهبت، لست قد ذهبت، كلها نقولها بالانجليزية I didn’t do صيغة واحدة، (ما) جواب القسم أصلاً، (لمّا) اللام كما بدأ بها سيبويه في باب نفي الفعل قال فعلت نفيه لم أفعل، والله لقد فعل نفيه ما فعل، قد فعل نفيه لمّا يفعل، ليفعلنّ نفيه لا يفعل، سوف يفعل نفيه لن يفعل، هذه النصوص موجودة وكل واحدة لها دلالة.
****تناسب فواتح الأنبياء مع خواتيمها****(1/44)
مفتتح السورة (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)) وفي الآخر قال (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)) حساب الناس هو الوعد الحق. ثم ذكر ماذا يحصل في هذا الوعد الحق (فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)) ثم يذكر السعداء (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)) ذكر في الوعد الحق ماذا سيحصل بعد الحساب فكأن الحساب إجمال أعقبه تفصيل فيكون الناس في الوعد الحق قسمان (فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)) و (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)) فكأن الحساب نوعان أجمله في الأول (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ (3)) وفصّله في الآخر (يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) وكأن لسان حالهم يقول أن قلوبهم كانت لاهية. إذن جاء في مقدمة السورة حساب إجمال أعقبه تفصيل وفسّر لاهية قلوبهم بقولهم وباعترافهم على أنفسهم بأنهم كانوا في غفلة.
*****تناسب خواتيم الأنبياء مع فواتح الحج*****(1/45)
خواتيم الأنبياء في الساعة وما يليها من العقاب والثواب (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)) إلى آخرها (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)) وفي الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)) ذكر في آخر الأنبياء أحداث الساعة وفي الحج ينبغي علينا أن نتقي ربنا (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)، هناك كلام في الساعة وهنا في الساعة (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)) يعني استكمال لما انتهى به في السورة السابقة وكأنها سورة واحدة.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الأنبياء للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.(1/46)
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/47)
سورة الحج
تناسب خواتيم الأنبياء مع فواتح الحج ... آية (14) ... آية (27) ... آية (39) ... آية (64)
هدف السورة ... آية (15) ... آية (28) ... آية (40) ... آية (72)
أسئلة عامة ... آية (17) ... آية (31) ... آية (46) ... آية (73)
آية (2) ... آية (18) ... آية (34) ... آية (47) ... تناسب بداية الحج مع نهايتها
آية (5) ... آية (19) ... آية (35) ... آية (58) ... تناسب خاتمة الحج مع فاتحة المؤمنون
آية (11) ... آية (24) ... آية (36) ... آية (62)
*تناسب خواتيم الأنبياء مع فواتح الحج*
خواتيم الأنبياء في الساعة وما يليها من العقاب والثواب (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)) إلى آخرها (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)) وفي الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)) ذكر في آخر الأنبياء أحداث الساعة وفي الحج ينبغي علينا أن نتقي ربنا (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)، هناك كلام في الساعة وهنا في الساعة (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)) يعني استكمال لما انتهى به في السورة السابقة وكأنها سورة واحدة.
**هدف السورة: دور الحج في بناء الأمّة**(1/1)
سورة الحج هي من أعاجيب سور القرآن الكريم ففيها آيات نزلت في المدينة وأخرى نزلت في مكة ، وآيات نزلت ليلاً وأخرى نهاراً، وآيات نزلت في الحضر وأخرى في السفر وجمعت بين أشياء كثيرة. وهي السورة الوحيدة في القرآن كله التي سميّت باسم ركن من أركان الإسلام وهو الحج. فالسورة تتحدث عن مواضيع كثيرة منها يوم القيامة والبعث والنشور والجهاد والعبودية لله فما علاقة كل هذه الأمور ببعضها وبالحج؟ الواقع أن الحج هو العبادة التي تبني الأمة لما فيه من عبر لا يعلمها إلا من حجّ واستشعر كل معاني الحج الحقيقية.
1. فالحج يذكرنا بيوم القيامة وبزحمة ذلك اليوم والناس يملأون أرجاء الأرض وكلهم متجهون إلى مكان واحد في لباس واحد في حرّ الشمس (النفرة من مزدلفة والنزول من عرفة والتوجه لرمي الجمرات). ولذا جاءت الآيات في أول السورة عن يوم القيامة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) آية 1 و2 وكم تساءلنا عند قراءتنا لسورة الحج ما الرابط بين يوم القيامة وسورة الحج! والآن وضحت الصورة وفهمنا مراد الله تعالى من هذه الآيات فما أنزل الله تعالى الآيات إلا في مكانها المناسب بتدبير وحكمة لا يعلمها إلا هو ولكن العبد يجتهد في تحرّي هذا المعنى حتى يفهم هدف الآيات التي يتلوها فسبحان الحكيم القدير.
2. والحج يذكرنا بيوم البعث، فمنظر الحجيج في مزدلفة وهم نيام بعد وقوفهم في عرفة عليهم آثار التعب ويعلوهم التراب والغبار ثم يؤذن لصلاة الصبح فتراهم يقومون وينفضون عنهم التراب كما لو أنهم بعثوا من قبورهم يوم البعث.(1/2)
3.والحج يذكرنا بالجهاد ولذا جاءت آيات الجهاد في السورة بعد آيات الحج لأنّ الحج تدريب قاس على الجهاد لما فيه ارتحال من مكان لآخر وتعب والتزام بأوقات ومشاعر أمر بها الله تعالى وعلّمنا إياها رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - .
4. والحج يذكرنا بالعبودية الخالصة لله تعالى فالكل في الحج يدعون إلهاً واحدا في عرفة حتى الشجر والدواب والطير والسموات والأرض كلهم يدعو ربه ويسبحه لكن لا نفقه تسبيحهم. (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء) آية 18.
في ختام السورة تأتي آية سجدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آية 77 وهناك مفارقة بين هذه السجدة والسجدة في سورة العلق (كلا لا تطعه واسجد واقترب) فالسجدة في سورة العلق كانت أول آية سجدة في القرآن وهي خاصة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وحده أما آية السجدة في آخر سورة الحج فهي آخر آية سجدة نزلت وهي موجهة للمؤمنين جميعاً. فسبحان الله العظيم.
***من اللمسات البيانية فى سورة الحج***
*ما معنى الحَجّ؟
الحج أصل الكلمة في اللغة الزيارة تدل على قصد الزيارة ولكن استعملت في العبادة المعروفة وفي الأصل الحج القصد للزيارة لكن في العبادة شيء خاص، صارت زيارة البيت الحرام بمواقيت معينة ومناسك معينة. الحِجّة بمعنى السنة. قال تعالى (ثماني حجج).
آية (2):
*عن قوله تعالى (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى{2} الحج) (د.أحمد الكبيسى):(1/3)
كلمة سكارى يعني بدون خمرة سلوكهم سلوك السكرانين لا يسمع ولا يعي وسيرهم ليس منتظماً ومنهارة قواه وحرف الباء في كلمة بسكارى من باب التأكيد وليست زائدة لو قلنا وما هم سكارى استقام المعنى لكن جاءت الباب وما هم بسكارى أي لم يستعملوا أي آلة. وحينئذٍ هؤلاء في حقيقتهم الآن ليسوا سكارى حقيقيين فهنالك فرق بين سكران حقيقي وسكران يتشبه، فيبدو أنهم سكارى ولكنهم ليسوا بسكارى حقيقيين.
آية (5):
*لماذا جاءت كلمة طفلاً مفردة فى قوله تعالى (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/4)
وردت كلمة طفل في سورة النور وفي سورة غافر والحج. ووردت كلمة الطفل والأطفال في القرآن والطفل تأتي للمفرد والمثنى والجمع فنقول جارية طفل وجاريتان طفل وجواري طفل. فمن حيث اللغة ليست كلمة الطفل منحصرة بالمفرد. ولو لاحظنا في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ {5} ) الآيات تتكلم عن خلق الجنس وليس عن خلق الأفراد فكل الجنس جاء من نطفة ثم علقة ثم مضغة لذا جاءت كلمة طفل. أما قوله تعالى في سورة النور (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) بكلمة الأطفال فهنا السياق مبني على علاقات الأفراد وليس على الجنس لأن الأطفال لما يبلغوا ينظرون إلى النساء كل واحد نظرة مختلفة فلا يعود التعاطي معهم كجنس يصلح في الحكم فقال (ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم منكم) فاقتضى الجمع هنا.
* ما دلالة كتابة كلمة (لكي لا) منفصلة مرة في آية سورة النحل و(لكيلا) موصولة في آية سورة الحج؟(د.فاضل السامرائى)(1/5)
قال تعالى في سورة النحل (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)) وقال في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)) .أولاً خط المصحف لا يقاس عليه أصلاً لكن يبدو في هذا الرسم ملحظ بياني والله أعلم في أكثر من موطن. فمرة تكتب (لكي لا) مفصولة ومرة (لكيلا) موصولة. وأقول أن هذا ليس فقط للخط وإنما لأمر بياني هو كما ذكرنا سابقاً عن الفرق بين من بعد علم وبعد علم وقلنا أن (من) هي ابتداء الغاية أما بعد علم فقد يكون هناك فاصل بين هذا وذاك وذكرنا أمثلة (من فوقها) أي مباشرة وملامسة لها أما فوقها فلا تقتضي الملامسة بالضرورة.لكي لا يعلم بعد علم تحتمل الزمن الطويل والوصل أما قوله لكي لا يعلم من بعد علم فهي مباشرة بعد العلم فلمّا احتمل الفاصل فصل (لكي لا) وعندما وصل بينهما وصل (لكيلا).
*ما الفرق بين قوله تعالى (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/6)
يقول تعالى (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا{70} النحل) آية أخرى وهي آية الحج (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا{5} الحج) إذاً (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) يقولون هذه (من) زائدة! كيف (من) زائدة؟ هذه (من) الـ (من) بيانية حينئذٍ هذه تغير المعنى كاملاً الإنسان يبدأ ويتعلم ويستوعب العلم الخ فصار عنده علم عندما يبلغ من الكبر عتياً في الخمسين في الستين في السبعين (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) الآن لا يستطيع أن يتعلم معلومات جديدة بالسبعين بالثمانين تحاول تعلمه لكن دون فائدة. (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) هذا عندما يصبح بالمائة والمائة والعشرين حتى الذي تعلّمه بالسابق نسيه، في الأولى ما نسي ومعروف طبياً أن الذي عمره في السبعين ثمانين تسعين قد لا يتعلم لكن يتذكر أيام الشباب والطفولة والعلم الذي أخذه من الجميع إلى أن يكبر فإذا كبر نسي الجميع (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) إذاً هذه الـ (من) ليست زائدة وإنما هذه المن تغير الصورة بالكامل.
*قال تعالى (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ {5} الحج) هذه آية، الآية الأخرى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ {39} فصلت) ما الفرق بين هامدة وخاشعة؟ (د.أحمد الكبيسى)(1/7)
الهامدة الأرض الميتة بالكامل فرب العالمين أحياها بالأنهار كما ذكرنا في حلقة الأنهار أرض هامدة لا شيء فيها فهي كانت هامدة موت كامل أما الخاشعة لا تكون ميتة بل معبأة ببذور ومهيأة بالكامل عندما ينزل مطر كل هذه الحياة تمشي كالقلب الخاشع إذا نزل عليه ماء الذكر هذا الفرق بين القلب الميت (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ {46} الحج) وبين أن يكون غافلاً لكن قلبه مستعد ما أن تأتي بضعة إيمانيات حتى كل ما في قلبه من خير يخرج من أجل هذا وطبعاً كلام كثير من آياته التي أعجبتنا. والله لا أدري والآن ربما يسمعنا نرجو من الأخ الشيخ هذا الكريم أخ أحمد محمد خطاب من ليبيا أن يرسل لنا تلفونه حتى نتواصل معه وقد نسأله عن مشاكلنا إذا أشكل علينا شيء ويبدو أنه ما شاء الله من أهل العلم.
* يقول تعالى (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) وقال في آيات أخرى (وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) ق)فما الفرق؟ (د.فاضل السامرائى)
أول مرة قال أنزلنا بإسناد الإنزال إلى نفسه سبحانه تعالى وهذا يسمونه إلتفات لأهمية الماء للإنسان. أنزلنا فيها ضمير التعظيم مع أنه قال (وألقى) أول مرة فالتفت تحول الضمير لبيان النعمة في إنزال الماء وإنبات ما ذكر من الأزواج فهذا الإللتفات حتى يبين سبحانه وتعالى نعمته على الإنسان. من كل زوج أي من كل صنف فالزوج تأتي بمعنى الصنف (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) الواقعة).(1/8)
لكن لماذا اختار هنا زوج كريم وفي مكان آخر زوج بهيج؟. الكريم هو بالغ الجودة والنفاسة كثير الخير والمنفعة، والبهيج الذي يدخل البهجة على النفوس، إختيار كل كلمة لماذا اختار هنا بهيج وهنا كريم؟. يذكر فى سورة لقمان أنه آتاه الله الحكمة (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ (12)) والحكمة هي بالغة الخير والنفاسة والجودة (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269) البقرة) فإذن هذا الكرم مناسب للحكمة وما فيها الخير الكثير ومناسبة لما سيذكر بعدها من الحكمة. لم تعددت الأوصاف والزوج واحد؟ ننظر ماذا قال تعالى في سورة ق (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7))لما قال وزيناها أليست الزينة لإدخال البهجة على النفوس؟ بلى، إذن كلمة بهيج مناسبة للزينة التي ذكرها في السماء (مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) هذه تدخل البهجة والزينة تدخل البهدة والزينة أصلاً تدخل البهجة على النفوس ثم يقول (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ) كلها يدخل البهجة. كما في سورة الحج (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)) ناسب بين الهمود وبين البهجة، هذه هامدة لا بهجة فيها مطلقاً فالوصف بحسب السياق الذي ورد.الموصوف قد يكون واحداً لكن الصفات تختلف وتتعدد بحسب ما تريد أن تذكره أنت في السياق فإذا أردت أن تصف شخصاً بالعلم تقول هوعالم، الكلام على أي شيء من الصفات الكلام على الخلق تقول هذا صاحب خلق وإذا كان الكلام على الدين تقول هو تقي فالصفات تتعدد بحسب المقام والسياق.
آية (11):(1/9)
*ما الفرق بين خُسر ومرة خسران ومرة خسار ة؟(د.فاضل السامرائى)
الخُسر يستعمل لعموم الخسارة أو مطلق الخسارة فكل إنسان هو في خُسر قليل أو كثير كل مؤمن يرى أنه خسر شيئاً كان يمكن أن يستزيد منه ولم يستزيد. هذا الخُسر، أما الخسار فلم يستعمله القرآن إلا للزيادة في الخسارة، إذا كان واحد خاسر وزاد في الخسارة يسمى خسار لذلك لم يستعمل القرآن هذه الزيادة يسميها خسار يعني ما زاد من الخسر فوق الخسارة هذه الزيادة يسميها خسار. (وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) فاطر) يزيد، هذه زيادة إذن يستعملها في الزيادة فقط (وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) نوح) يستعمل الخسار في الزيادة في الخسارة. أما الخسران فهو أكبر الخسارة وأعظمها (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) الحج) لم يخسر شيئاً بسيطاً أو زيادة إنما خسر الدنيا والآخرة إذن الخسر مطلق الخسارة والخسار هو الزيادة في الخسارة والخسران أعظم الخسارة. الخسار زيادة الألف على الخُسر لما زاد في الخسار زاد الألف ولما زاد الخسران زاد الألف والنون. إذن الخسر هو البداية والخسار فوقها والخسران أعظم الخسارة، يزيد في المصدر للزيادة في الخسارة. هذا استعمال قرآني ولهذا تحداهم به.
آية (14):
*ما الفرق بين قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) الحج) (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (18) الحج)؟(د.فاضل السامرائى)
يقولون الإرادة لا تقتضي وجود الشيء. مثال: ربنا سبحانه وتعالى يريد من عباده أن يعبدوه (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) هل فعلوا ذلك؟ لا.(1/10)
قسم قالوا الإرادة كالمشيئة هناك خلاف فيها، وقسم قالوا الإرادة ليست كالمشيئة، المشيئة مُلزمة والإرادة نوعان: -_إرادة إلزام إذا أراد شيئاً إرادة إلزام يقول له كن فيكون ، يفعل ما يريد إذا أراد إلزاماً. (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) مثل قوله (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ (33) الأحزاب) هذا ما أراد ونفذ وأحياناً يريد من عباده والعباد يعصون إذن لم يلزمهم بذلك ولو أراد أن يلزمهم لألزمهم.
_وهناك إرادة أخرى إرادة مناط التكليف هذه إرادة العبادة وإرادة الناس ربنا يريد من عباده المكلفين أشياء لا يفعلونها، يستحبها لهم ويريدها منهم وهم يعصونه وهو لا يريد المعصية، المعصية وقعت إذن خلاف ما أراد الله لأنها ليست إرادة إلزام. المشيئة ملزمة ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، هذه مشيئة. المشيئة إذا شاء حصل ليس فيها وجهان أو جانبان المشيئة ملزمة إذا أراد ربنا شيئاً من عباده لو شاء يفعل ولو يريد إرادة إلزام لفعل.
آية (15):
* ما دلالة السماء فى قوله تعالى(مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) ؟(د.فاضل السامرائى)
السماء في اللغة وفي المدلول القرآني لها عدة معانى منها:كل ما علا وارتفع عن الأرض, فسقف البيت في اللغة يسمى سماء، يقول المفسرون : (أي ليمد حبلا إلى سقف بيته ثم ليخنق نفسه) فالسماء هنا بمعنى السقف.
آية (17):
*لماذا جاءت كلة الصابئون مرفوعة في الآية {69}في سورة المائدةومنصوبة فى آية الحج(17)؟
د.فاضل السامرائى:(1/11)
قاعدة نحوية: العطف على اسم إنّ يجب أن يكون بالنصب ولكن قد يُعطف بالرفع وليس فيه إشكال. وكلمة الصابئون معطوف بالرفع على منصوب ليس فيها إشكال كما في قوله تعالى في سورة التوبة (أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ {3}) فهي جائزة من الناحية النحوية والعطف بالرفع على منصوب وارد في النحو.
وفي آية سورة المائدة إنّ تفيد التوكيد عندما تذكر أمر مرفوع بمعنى أنه ليس على إرادة التوكيد (الصابئون) ليست على إرادة التوكيد بإنّ. والصابئون معناها غيرمؤكد وعلى غير إرادة إنّ، ولو أراد إنّ لنصب كلمة (الصابئون). إذن لماذا لم ينصب الصابئون؟ لأن من بين المذكورن في الآية الصابئون هم أبعدهم عن الإيمان. إذن فلماذا قدّمهم على النصارى؟ ليس بالضرورة أن يكون التقديم للأفضل ولكن التقديم هنا لمقتضى السياق. فالسياق في سورة المائدة هو ذمّ عقائد النصارى وأنهم كفروا بالله الواحد وجعلوا له شركاء ولهذا قدّم الصابئون على النصارى لكن رفعها للدلالة على أنهم (الصابئون) أبعد المذكورين في الضلال ولأنهم أقلّ منزلة، وكأن النصارى أشد حالاً من الصابئين لكن بما أنهم أهل كتاب عطفهم على إسم إنّ بالنصب. وكلمة الصابئون تُعرب على أنها مبتدأ وقد تكون اعتراضية وخبرها محذوف بمعنى (والصابئون كذلك)، أما كلمة النصارى فهي معطوفة على ما قبلها.
لماذا إذن في سورة الحج (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {17}) قال (الصابئين) منصوبة وقدمهم على النصارى؟(1/12)
السياق في سورة الحج موقف قضاء والله تعالى لا يجوز أن يفصل بين المتخاصمين (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) ولا يمكن له سبحانه أن يُفرّق بينهم ما داموا في طور الفصل (لذا جاءت الآسماء كلها منصوبة بإنّ) فالمتخاصمين إذن يجب أن يكونوا سواء أمام القاضي.
والعجيب في هذا قوله تعالى (إن الله يفصل بينهم) وفي آية أخرى في سورة السجدة (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {25}) لأنه هنا ربنا سبحانه وتعالى جعل الذين آمنوا من جملة المتخاصمين فلم يقل (ربك) حتى لا ينحاز للمؤمنين وإنما جاء بالإسم الأعمّ وهو (الله). وفي آية سورة السجدة ليس فيما قبلهاجماعة من جماعة المؤمنين.
والإختيار هنا ليس للقضاء فقط وإنما هناك أمر آخر وهو السِمة اللفظية، فكلمة (ربك) وردت في سورة الحج ثلاث مرات ووردت في السجدة عشر مرات، وكلمة (الله) وردت 76 مرة في سورة الحج ومرة واحدة في سورة السجدة لذا اقتضى أن يأتي بكلمة (ربك) في سورة السجدة وكلمة (الله) في سورة الحج.
حتى أنه في آية سورة الحج لم يأت بـ (هو) (إن الله يفصل بينهم) وجاء بها في آية سورة السجدة (إن ربك هو يفصل بينهم) لأن خاتمة آية سورة السجدة (فيما كانوا فيه يختلفون) وخاتمة آية سورة الحج (إن الله على كل سيء شهيد) والإختلاف هو مظنّة الفصل لذا جاء بـ (هو) في آية سورة السجدة ولا يوجد اختلاف في آية سورة الحج.
د.حسام النعيمى:(1/13)
إعراب (إن الذين آمنوا): إن: حرف مشبه بالفعل، الذي اسمها في موضع نصب، آمنوا: صلة الموصول. الواو هنا استئنافية أو عاطفة لجملة يعني وخبر إن محذوف سيدل عليه ما سيأتي تقديره الكلام: إن الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ابتدأ كلاماً آخر معطوف على الكلام السابق (والذين هادوا والصابئون والنصارى) الذين: مبتدأ في محل رفع خبره (من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) جملتا الشرط والجواب يعني الذين هادوا هذا حكمهم (من آمن بالله واليوم الآخر) هذه جملة خبر المبتدأ (الجملة خبرية جملة خبر) فماذا عندي؟ عندي مبتدأ حُذِف خبره لدلالة ما بعده عليه (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) جاءت الواو لتعطف الجملة الجديدة المكونة من مبتدأ ومعطوفات على المبتدأ وجملة خبرية. الذين وحدها مبتدأ وهذه (هادوا) في موضع رفه وهذه معطوفة على المرفوعات وهذا شبيه تماماً قول بِشر (إننا وأنتم بغاة) أخبر عن أنتم بقوله بغاة ولو كانت الواو عاطفة على مفرد كان لا يستطيع أن يقول أنتم. عطف الجملة واستأنفت وعطفت الجملة.
د.أحمد الكبيسى:(1/14)
قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {62} البقرة) في آية أخرى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ {69} المائدة) كلكم تعرفون أن (إن) تنصب الأول وترفع الثاني (إِنَّ الَّذِينَ) الذين منصوبة (وَالصَّابِئِينَ) الواو حرف عطف، الصابئين منصوبة بالياء لأنه جمع مذكر سالم معطوف على إسم إنّ، هذا على النحو. ((1/15)
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) كيف؟ كأن أقول إن الطلاب والمعلمون! لا يصح! إن الطلاب والمعلمين كيف يأتي القرآن الكريم مرتين إن الطلاب والمعلمين وهذا صح على القاعدة وإن الطلاب والمعلمون قد حضروا كيف يعني؟ هكذا هي في القرآن الكريم، هي ثلاث آيات آية في الحج تلك آية البقرة (وَالصَّابِئِينَ) وفي آية المائدة (وَالصَّابِئُونَ) وفي آية الحج (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا {17} الحج) أضاف المجوس ومعها والذين أشركوا طيب فهمنا اليهود والنصارى والمسلمين الذين آمنوا أصحاب كتاب لا ينكر أنهم أصحاب كتب سماوية ولم ينحرفوا إلى الوثنية بينما هناك فِرَق انحرفت في هذه الآيات لماذا قال الصابئين والمجوس ومرة قال صابئون ومرة قال مجوس؟ هذه الآيات الثلاث تتكلم عن حسن الخاتمة وحسن الخاتمة نظام رباني (ومنكم من يعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) ولو قبل الموت بساعة بدقائق قبل أن يغرغر يقول لا إله إلا الله محمداً رسول الله انتهى نجا (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) هذه قاعدة ربانية لا تختلف، كل مسيء إذا أحسن قبل الموت فقد نجا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الأعمال بخواتيمها) وكما قال (إنما يبعث المرء على ما ختم عليه) هذه قضية ثانية. إذاً رب العالمين في هذه الثلاث آيات يعطينا عدة أنظمة.(1/16)
هناك مسميات كالذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ثلاثة هؤلاء من صنف هؤلاء يتبعون أنبياء معروفين مشهورين وهؤلاء كلٌ آمن بنبيه على اختلافٍ بينهم في بعض القضايا ولكنهم يبعثون على أنهم من أتباع رسولٍ محددٍ معين ولا يبعثون مع الذين هم تركوا نبيهم إلى تحريفٍ أو تخريفٍ آخر كاملاً، هذا واحد إذاً هناك ناس من أمم الرسل، هذا واحد. هناك ناس كانوا من أمم الرسل ولكنهم تركوا جزءاً أو كلاً حتى انزلقوا إلى الوثنية لكنهم في البداية كانوا يتبعون رسولاً صحيحاً نبياً صحيحاً حقيقياً كالصابئة وسنتكلم عنهم بعد قليل. هؤلاء ناس من أتباع الأنبياء ولكن في الأخير صار عندهم شيء من الخلل وأصبحوا بين اليهود والنصارى لا هم يهود ولا هم نصارى يعني صار تحريفهم كبيراً هؤلاء صنف لكنه محسوب مع الذين يؤمنون بأنبياء حقيقيين ولو أنهم ابتعدوا عنهم. وهناك ناس لا، مشركون لا يؤمنون بنبيٍ، لا قبل هذا في ناس يؤمنون بنبي ولكن ليس نبياً حقيقياً هو نبيٌ متنبئ يدعي النبوة وهو ليس نبياً وهم المجوس هذا صنف ثالث الصنف الرابع المشركون والوثنيون. رب العالمين عز وجل من رحمته شمل هؤلاء جميعاً بأن كل واحد منهم يتوب قبل الموت فإنه ناجٍ (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) إذا آمن وعمل صالحاً انتهى.(1/17)
طبعاً هو جمع الذين آمنوا يعني المسلمون واليهود والنصارى والصابئين والصابئون هؤلاء من أتباع الأنبياء ولو أن الصابئين تغيروا قليلاً إلى حدٍ ما أكثر من الجميع لماذا رب العالمين رفعها؟ رفعها كما يقول أحد المفسرين طاهر بن عاشور رضي الله تعالى عنه وهو مفسر عظيم يقول عن صابئون لأنهم فعلاً ربما لما نزل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ) ناس قالوا صابئين؟ كيف تجعلون الصابئين مع الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى هؤلاء ثلاثة من الأديان الرئيسية وهؤلاء رسل حقيقيون والخ؟ هؤلاء الصابئة تغيروا راحوا اندثروا، الله قال والصابئون كذلك فالصابئون مبتدأ وخبرها محذوف تقديره كذلك. إذاً معنى الصابئون لكي يلفت النظر إلى أن من أنكر على أن يكون الصابئون مع الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى رب العالمين قال لك لأ هو معهم كذلك فلا ينبغي أن تعجب (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِونَ) كذلك هذا جوابٌ لمن عنده اعتراض على الصابئين قال لك هؤلاء في يوم من الأيام كانوا أبتاع نبي وهم موحدون وعندهم خرافات ووثنيات طبعاً الصابئون ليسوا نوعاً واحداً حقيقة هم عدة أنواع وأفضلهم الصابئة المندائيون هؤلاء يصلون ويصومون وعندهم نبي ولكن عندهم بعض الأشياء انحرفوا إليها كالتعميد في الماء وما شابه يعني ابتعدوا عن سمت الديانات السماوية.(1/18)
أما الحرانيون اللي هم وثنيون تماماً انقرضوا المندائيون صاروا في العراق مكانهم في الفرات ولا يزالون حوالي مائة ألف واحد - كما يقول بعض المحققين - توسعوا بعد هذه الأحداث الأخيرة في العراق والحروب وهذا الاحتلال الخ منهم من ذهب إلى الكويت ومنهم من ذهب إلى سوريا وقسم منهم إلى استراليا وفتحوا لهم مراكز وهم غامضون يوحدون الله سبحانه وتعالى يغتسلون من الجنابة يتوضأون يصومون يصلون على طريقتهم الخاصة عندهم الصلوات سبع مرات يعني لكنهم محسوبون على نبيٍ حقيقي هؤلاء جانب واحد، أصحاب الأديان ثم الله قال (وَالْمَجُوسَ) أيضاً ولو أن نبيهم غير صحيح فهو متنبئ كذاب لكنهم يؤمنون بأن هناك أنبياء. كونه يؤمن بأن هذا نبي إذاً معناه أنه هو عنده فكرة عن الأنبياء وعنده فكرة أن الله يرسل الأنبياء فهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى يرسل أنبياء. فواحد ادّعى النبوة كما ادّعى مسيلمة ولو شاء الله سبحانه وتعالى أن ينجح مسيلمة لكان عندنا الآن فرقة كبيرة اسمهم المسيلميون يدّعون أن مسيلمة هو النبي إذاً هم يؤمنون بأن هناك نبوة ورب العالمين يقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة (أخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان) واحد يعلم أن الله موجود، إله كما هم الصابئة موحدون يعلمون بأن الله واحدٌ لا إله إلا هو ولكن ناس قالوا هذا عنه وناس قالوا كذا فهؤلاء المندائيون يعني أقرب الناس إلى أصحاب الأديان فهم لا يهود ولا نصارى ولكنهم يصلون ويؤدون الزكاة يتصدقون يؤمنون بالطهر لازم تكون دائماً طاهر بيتك طاهر ولهذا يستحمون في الماء إلى حد أن بعضهم عبد الماء. كلمة صابئة مأخوذ من لغتهم المندائية تعني الانغماس بالماء أو التعميد أو الاغتسال أو التطهير وكلها ممكن استعمالها ولهذا هم كما أن النصارى يعمدون فهم يعمدون أيضاً، لهذا قال سيدنا علي كرم الله وجه عن المجوس (سنوا بهم سنة أهل الكتاب).(1/19)
الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه عنده التفاتة حلوة قال (العرب أصحاب أذن حساسة في اللغة) يعني كثيراً ما يقرأ من الصحابة واحد موجود من البدو من الأعراب يقول لك الله ما يقول هذا الكلام؟ فالإذن حساسة في اللغة كالشعراء يعرف الزحاف متى يكون؟ إذا واحد قرأ بيت أي زحاف يقول له هذا غير موزون. ولهذا رب العالمين سبحانه وتعالى كما يقول لك واحد كان جالساً عند المنصور لما ولي الحكم واحد إعرابي جالس والمنصور يخطب وهو أمير المؤمنين وحكم العالم فأخطأ قال له أنت أخطأت رجع وعاد الكلام بعد ساعة أخطأ قال له ما هذا؟ أخطأ باللغة وبعد قليل أخطأ قام هذا الإعرابي وقال (والله أعلم أنك وليت الأمة بالقضاء والقدر) يعني أنت لا تستحق الحكم لكن قضاء وقدر أتى بك ولا واحد أمير عربي يغلط ثلاث مرات هكذا فرب العالمين نزل القرآن العرب وهو معجزتهم فرب العالمين لما قال (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ) ساكتين ولكن لما قال (وَالصَّابِئُونَ) كلهم انتبهوا. إذاً الصابئون أداؤه سبب من أسباب شدة انتباه المسلمين أيها العرب المسلمون انتبهوا إلى هذه الكلمة الصابئون مقصودة لنفسها ولذاتها عليكم أن تدرسوها دراسة مستقلة فالصابئون إذاً مرفوعة على أساس لفت الانتظار كما واحد يدق جرس أو يدق طاولة حتى الناس ينتبهون فالقرآن دق الحروف فلما قال (وَالصَّابِئُونَ) كلٌ فز شو الصابئون؟ يعني انتبهوا وأعربوها كما تشاءون ولكن انتبهوا إلى أن الصابئين لهم وضعٌ خاص.
سؤال: لكن سيدي الفاضل إذا كانت القضية قضية حسٌ لغوي وهذا الحس اللغوي منذ القرون العباسية بدأ يخفت فلم ننتبه إلى سر هذا العلو سور هذا الرفع في هذه الكلمة في قرونٍ متأخرة ولم نعاملهم معاملة أهل الكتاب في بعض الأحيان؟
نحن الآن في عصر العجمة اللغة العربية لغة الآن لا يعرفها إلا القلة من الناس البارعون فيها.(1/20)
سؤال: لذلك كثيراً مما ورد في هذه الآية والتي تشير إلى أن يعاملوا معاملة أهل الكتاب فيخيرون بين الإسلام والجزية وفي حالة مقاتلتهم إيانا القتال فقط؟
كما قال عن المجوس في الأثر (سنوا بسنة أهل الكتاب) الإسلام يريد أن يدفع القتل وسواء كان حدود أو قطع يد أو رجم أو جلد أو قصاص بكل الوسائل فمن ضمنها كما تفضلت "سنوا بهؤلاء المجوس سنة أهل الكتاب" لماذا؟ هم يقولون عندنا نبي يعني معناه أنه يعرف أن هناك رب وأنبياء ورسل لأدنى شيء في الأثر قال سواء كان حديثاً أو قول سيدنا علي حينئذٍ نقول الفكرة العامة حسن الخاتمة حتى في الدنيا هذا مبدأ في تطور فما الفرق بين أمة متخلفة وأمة متقدمة؟ الشيخ محمد بن راشد له كلمة جميلة في كتابه القيم "رؤيتي" أعتقد في الفصل الثالث في الجزء الثاني يقول (ليس المطلوب أن نتمرد على الماضي يعني فقط ليس المفروض أن نخرج من الماضي إلى المستقبل إنما المطلوب أن لا نبقى نعيش في الماضي) يعني أنت قد تعيش في عقلية الماضي في عقلية التفكير الماضي بأساليبه بحكمه بعمرانه صحيح أنك في القرن الواحد والعشرين لكن أنت تعيش القرن الأول أنت تحررت من الماضي لكن ما زلت أنت ساكن فيه وعايش فيه. هذا معناه أنت لما تكون مسلم كهذه الآية (مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا) أنت سواء كنت يهودياً مجوسياً صابئياً كل شيء حتى مشرك وثني تركت هذا وآمنت هذا صحيح أنت تركت الماضي وصرت في المستقبل، إياك أن تبقى عايش في الماضي وأنت في المستقبل.(1/21)
يعني على واقعنا الحالي هناك إنسان ترك الخمر ولكن كل ما يشوف الخمر يتذكر ويتمنى وبشكل رومانسي وهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء وحرم الإسلام الخمر منع أحد أن يستعمل أواني الخمر لأنه يحن لها كما قال الشيخ محمد هو لسه عايش في الماضي ولو أنه تركه، لماذا الإسلام حرّم التماثيل لأن الناس لسه يعرفون الأصنام كان يعبدونها لا يكون يحن حينئذٍ هذه قاعدة عامة في الحياة في القيادة في الشغل في العمل في التطور في البناء في الاختراع في الأفكار إياك أن تترك الماضي للمستقبل ولكنك لسه أنت عايش فيه، حرِّر نفسك من البقاء في الماضي وليس من الماضي وحده كل الناس تتحرر من الماضي وكل الناس تدعي التقدم تحررنا من الماضي ولكننا لسه عايشين فيه حرر قلبك من أن تعيش في الماضي وليس التحرر من الماضي وحده.
*ما الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)(1/22)
الحكم القضاء والفصل أشد لأنه يكون بَوْن أحدهما، أن يكون بينهما فاصل حاجز إذن الفصل أشد فإذن لما يقول في القرآن يفصل بينهم تكون المسافة أبعد كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار أما الحكم فلا وقد يكون في ملة واحدة، نضرب أمثلة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هؤلاء يذهبون معاً إلى جهة واحدة اليهود والنصارى كلاهما ليس أحدهما إلى الجنة والآخر إلى النار فليس فيه فصل. (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) اختلاف في ملة واحدة وهم اليهود، وكلهم يذهبون معاً إلى جهة واحدة مع بعض. (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) كلهم يذهبون إلى جهة واحدة. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج) هؤلاء لا يذهبون إلى جهة واحدة فهم فئات مختلفة إذن يفصل. الفصل يتضمن الحكم حكم وفصل فيكون أشد.(1/23)
ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) قالوا الفصل بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والمشركين. فإذن الفصل حكم لكن فيه بَوْن كل جهة تذهب إلى مكان لذا قال في سورة ص (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ (22)) هذا حكم قضاء.
آية (18):
*انظر آية (14).???
* ما الفرق بين استعمال من وما في قوله تعالى (ولله يسجد من في السموات والآرض) وقوله تعالى (ولله يسجد ما في السموات والأرض)؟(د.فاضل السامرائى)
(من) تستعمل لذوات العقلاء وأولي العلم فقط أما (ما) فتستعمل لصفات العقلاء (ونفس وما سوّاها، فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (وما خلق الذكر والأنثى) والله هو الخالق، (ونفس وما سوّاها) والله هو المسوي، وذوات غير العاقل (أشرب من ما تشرب) وهي أعمّ وأشمل. لكن يبقى السؤال لماذا الاختلاف في الاستعمال في القرآن الكريم فمرة تأني (من) ومرة تأتي (ما)؟
ونستعرض الآيات التي وردت فيها (من) مع السجود : قال تعالى في سورة الرعد (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ {س}(15)) والطوع والكره من صفات العقلاء فاستعمل (من) وفي قوله تعالى () الكلام في العقلاء أيضاً فاستخدم (من).(1/24)
أما في سورة النحل في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)) الدابة أغلب ما تستعمل في اللغة لغير العاقل وهي عامة وشاملة فاستعمل (ما) كما أنه في الآية جاءت كلمة (شيء) وهي أعمّ كلمة. وعليه فإنه من ناحية العموم ناسب استعمال (ما) ومن ناحية استعمالها لغير العاقل ناسب استعمال (ما) لأن الدابة كما أسلفنا تستعمل في الغالب لغير العاقل.
ونلاحظ في القرآن أنه تعالى عندما يستعمل (من) يعطف عليها ما لا يعقل كما في قوله تعالى في سورة الحج (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {س}(18)). أما عندما يستعمل (ما) فإنه يعطف عليها ما يعقل (ولله يسجد .. دابة والملائكة) وهو خط بياني لم يتخلف في القرآن أبدا والحكمة البيانية منه الجمع.(1/25)
وكذلك استعمال من مع فعل يسبّح كما في قوله تعالى في سورة الإسراء (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) وفي سورة النور (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)). واستعمال (ما) كما في قوله تعالى في سورة الحشر (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)) وسورة الجمعة (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)) وسورة التغابن (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)) وسورة الحديد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) والحكمة البيانية من ذلك جمع كل شيء.
*ما الفرق بين كثير من الناس وأكثر الناس (وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ (18) الحج) (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) الروم)؟(د.فاضل السامرائى)
(أكثر) هذه صيغة إسم تفضيل، (كثير) صفة مشبهة. كثير جماعة قد يكون هم كثير لكن ليسوا هم الأكثر، الأكثر أكثر من كثير (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف) لكن المؤمنين كثير.
آية (19):
*ما دلالة استعمال صيغة الجمع مع أن الخصمان مثنى في قوله تعالى (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ (19) الحج)؟(د.حسام النعيمى)(1/26)
لو نظرنا في السياق ولو أكملنا الآية لتبين لنا ذلك هما هذان خصمان لم يكونا شخصين وإنما مجموعتين مجموعة هنا (فالذين كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)) إذن هذا الخصم الأول، هذا جمع ما قال فالذي كفر وإنما قال (فالذين كَفَرُوا). بعدها (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)) هذا الخصم الثاني. كلمة الخصم تستخدم في القرآن الكريم للدلالة على المفرد والمثنى والجمع نقول: هذا خصم، هذان خصم،هؤلاء خصم ويمكن أن نقول هؤلاء خصوم فتستعمل كلمة خصم للإفراد والتثنية والجمع. لما استعمل خصمان أي فئتان وليس بمعنى فرد بدليل ما أتبع ذلك. صحيح قال خصمان لكن قال اختصموا لأنهم جماعتان.
من أسباب النزول للآية موضع السؤال يقولون أنها نزلت في بدايات غزوة بدر. سبب الخصام هو من أجل الله سبحانه وتعالى وفي سبيل الله تعالى. يقولون هي نزلت فيما وقع في أول معركة بدر لما خرج الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه وسيد الشهداء حمزة وشيبة هؤلاء قال المشركون أخرجوا لنا نظراءنا من قريش فهؤلاء خصم ويقابلهم الثلاثة الذين هم من قريش. هذا في الأصل لكن كما نقول دائماً خصوص السبب لا يقيّد عموم اللفظ فالآية عامة وإن كانت نزلت في هذين الخصمين.(1/27)
*ما دلالة (من) في قوله تعالى(يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) الحج) ؟(د.فاضل السامرائى)
(من) يسموها إبتداء الغاية. لو حذف (من) يقول يسلك بين يديه. ما الفرق بينهما؟ بين يديه يعني أمامه قد يكون الرصد قريباً أو بعيداً والخلف قد يكون بعيداً أو قريباً، خلفك يمتد إلى ما لا نهاية. بينما (من) إبتداء الغاية ملاصق لا يسمح لأحد بأن يدخل مثلاً (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا (10) فصلت) من فوقها الرواسي ملاصقة للأرض لو قال فوقها تحتمل (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ (6) ق) (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّور (63) البقرة) ليس ملاصقاً لهم وإنما فوق رؤسهم، (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ (19) الملك)، (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ (75) الزمر) ليس هنالك فراغ بين العرش والملائكة. (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ (16) الزمر) مباشرة عليهم لو قال فوقهم تحتمل بُعد المسافة. (يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) الحج) مباشرة على رؤوسهم، (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا (9) يس) ملتصق حتى لا يتحرك ولو قال بين أيديهم يحتمل أن يكون قريباً أو بعيداً، (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ (5) فصلت) كل المسافة بيننا مملوءة ولو قال بيننا قد يكون أي حاجز أما من بيننا يعني المسافة أكبر، من بيننا يعني كل المسافة. إذن (من) لابتداء الغاية وبهذا نفهم (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) من تحتها درجة أعلى من تحتها (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ (100) التوبة).(1/28)
كل (من تحتها) معهم الرسل أما تحتها ليس معهم الرسل (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ) هؤلاء ليس معهم الرسل.
سؤال: هل هنالك معاني للحروف في اللغة العربية؟
هناك كتب كثيرة مؤلفة في معاني الحروف مثل المغني اللبيب وغيره.
آية (24):
* (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) الحج) لما قال هدوا ولم يقل اهتدوا أو هداهم الله؟(د.فاضل السامرائى)(1/29)
نقرأ الآية (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)) هذه في الجنة يُدخلهم ويهديهم، يرشَدون إلى أماكن يسمعون فيها أقوالاً طيبة (سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) الرعد)، يهدون يرشدون إلى أماكنهم التي يسمعون فيها، (وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) هُدوا إلى صراط الجنة كما قال (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) الملائكة تهديهم إلى أماكنهم في الجنة. وفي جهنم قال (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا) أيضاً، هؤلاء يهدون إلى صراط الحميد وأولئك يهدون إلى النار. هؤلاء ملائكة العذاب تسوقهم إلى النار وهؤلاء ملائكة الرحمة تسوقهم إلى الجنة وتهديهم إلى أماكنهم مرشدون إلى أماكن يسمعون فيها أقوالاً طيبة . قال تعالى (هدوا) ببناء الفعل لما لم يسمى فاعله لأن الملائكة يهدونهم ويأخذون بأيديهم. دلالة الفعل الذي لم يسمى فاعله هذا أبلغ والمراد بالفعل الملائكة لو قال وهداهم ربهم يكون الله تعالى هو الذي هداهم لكن في قوله وسيق الذين اتقوا الملائكة تسوقهم وفي آية أخرى قال (فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) قد يكون هذا الأسلوب في مواطن التي فيها سخرية قد يسخر منهم.
آية (27):
* ما دلالة الخطاب بـ (يا أيها الناس) في الحج (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ (27) الحج) (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا (97) آل عمران) بينما الخطاب في الصلاة وغيرها بـ (يا أيها الذين آمنوا)؟(د.فاضل السامرائى)(1/30)
الحج يختلف عن كل العبادات. لما قال تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) هذه دعوة للناس أجمعين للدخول في الإسلام بخلاف ما لو قال صلّوا أو صوموا. دعوة لجميع الناس للدخول في الإسلام، كيف؟ الصلاة الصيام والزكاة الديانات مشتركة فيها. وكفار قريش كانوا يصلّوا (وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35) الأنفال) فلو قال صلّوا لقالوا إنما نصلي ولو قال زكّوا لقالوا إننا نزكّي ولو قال صوموا لقالوا إننا نصوم، إذن هذه الدعوات لو قالها لا تكون دعوة للدخول في الإسلام بخلاف الحج. لم يكن أهل الكتاب من النصارى واليهود يحجون إلى بيت الله الحرام. فلما قال تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) معناها كلٌ مدعوون للدخول في الإسلام لأن هذه العبادة الوحيدة التي لم تكن عند أهل الكتاب. هم كانوا يصلّون ويصومون ويزكّون إلا الحج فلم يكونوا يحجون لمكة. ولذلك هذه دعوة للدخول في دين الله. الحد يختلف عن بقية العبادات لأن بقية العبادات موجودة. إذن هو دعوة للدخول في الإسلام وإقامة هذه العبادة.
* ما دلالة تأنيث (يأتين) في قوله تعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) الحج) ولماذا لم تأتي يأتونك؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً ذكر تعالى في الآية قسمين :
? رجالاً أي مشاة يمشون على أرجلهم وليس بمعنى رجال عكس النساء.
? على كل ضامر: أي الركبان على كل ضامر. والضامر هي المهزولة من التعب والسفر من كل فج عميق ولذا تناسبت كلمة ضامر مع فج عميق للدلالة على التعب والسفر الطويل الذي جعل الإبل مهزولة.(1/31)
فالمعنى أن يأتوك مشاة ويأتوك ركباناً على كل ضامر وهذه الإبل يأتين من كل فج عميق (يأتين) وصف لما يُركب وعادة تكون الإبل في المسافات الطويلة وليس للنساء. فيأتين تعود على كل ضامر ولا تعود على نساء أو غيرهم. فرجالاً تعني مشاة على أرجلهم وركباناً (على الحيوانات الضامرة التي تأتي من كل فج عميق).
* ما دلالة "من كل فج عميق"ولم يقل فج بعيد؟(د.فاضل السامرائى)
أصلاً الاختيار لكلمة فج وكلمة عميق هو أنسب للضمور الذي هو الهُزال (وعلى كل ضامر). نقف مع الآية: رجالاً أي يمشون على أرجلهم وركباناً على كل ضامر (بهائم ضامر) وهذه الضمائر تأتي من كل فج عميق،هذه الحيوانات الضامرة تأتي من كل فج عميق. اختيار كلمة عميق أنسب مع الضمور لأن أصل الفج في اللغة الطريق في الجبل وطبعاً لا شك أن السير في الطريق الجبلي أدعى للضمور. عميق نقيض العلو والارتفاع، السير في طريق مستوي أيسر من السير في طريق فيه علو وارتفاع، إذن السير في طريق مرتفع يؤدي إلى الضمور. إذن عميق أدعى إلى الهزال والفج أدعى إليه أيضاً.
ليس هذا فقط وإنما الحج هو رفعة وعلو أصلاً عند الله لأنه مدعاة إلى مغفرة الذنوب معناها السائر إلى طريق الحج يرتفع عند الله منزلة وكلمة فج وعميق أنسب من بعيد وبينهما مناسبة لأن كونه يأتي من فج عميق فهو ضامر وعميق أنسب مع الحج لأنها ارتفاع والحج ارتفاع وكلمة بعيد لا تعطي هذا المعنى قطعاً.
*كلمة ضامر في الآية (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) الحج) ما معناها وما مضمونها؟ وما اللمسة البيانية في (فج عميق)؟ (د.فاضل السامرائى)
البعض فسرها على أنه الدابة لكن البعض يقول هذا قصور في التفسير لأنها لا تشكل وسائل النقل الحديثة.(1/32)
الضامر المهزول من السفر، ما يُركب من الحيوانات وعادة الإبل إذا ركب أحدهم عليها فستكون مهزولة من كثرة السفر الطويل خاصة أنها (مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) وذكرنا سابقاً أنه قال عميق ولم يقل بعيد لأن الارتفاع أصعب من مجرد البعد في الأرض المستوية، قال من كل فج عميق وإن كان المقصود به البعد لكن كلمة العمق أدل على المشقة حتى كلمة فج أشق من كلمة طريق لأن كلمة فج أصلها طريق في الجبل. فج هي طريق وعر في الجبل والجبل فيه صعود ونزول، فإذن فج وعميق كلها تدعو إلى الضمور، إضافة إلى أن الحج إرتفاع عميق، الحج إليس إرتفاعاً إلى الحسنات ورفعة في المقام فـ (يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) يصعدون إلى الأعلى يصلون إلى مكانهم فكلمة (عميق) أنسب من كل ناحية من كلمة بعيد. والضامر هي الإبل أو كل ما يُركب من الدواب الطائفة الهزيلة من السفر. وقوله (رِجَالًا) يعني يمشون على أرجلهم وهي جمع راجل أي الذي يمشي على رجليه. (يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) يأتون إما رجالاً أو على كل ضامر ركباناً والكل يأتي من كل فج عميق. وقال (يَأْتِينَ) للدواب الإبل تأتي من كل فج عميق يعني مسافة طويلة، القريب يأتي مشياً والبعيد كيف يأتي مشياً؟ (يَأْتُوكَ رِجَالًا) هذا قسم و(وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) يأتوك مشاة وركباناً.
سؤال: كنا نفهم (يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) هؤلاء صنفان الصنفان يأتين من كل فج عميق فهل نقول يأتون؟
لو كان لكان غلّب الرجال بينما قال (يَأْتِينَ) يعني للدواب.
آية (28):
* ما الفرق بين خاتمة الآيتين (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) و (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ (36) ؟(د.فاضل السامرائى)(1/33)
القانع هو المحتاج الذي لا يسأل ويرضى ويقنع بما عنده، والمعترّ هو السائل الذي يتعرض بالسؤال والبائس الذي أصابه البؤس والشدة والفقير المعتاد.
* ما الفرق في استخدام كلمة الأنعام في الآيات في سورة الحج (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)) (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)) (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (34))؟(د.فاضل السامرائى)
قسم من اللغويين فرّق بين بهمية الأنعام فقالوا بهيمة الأنعام ما أُلحِق بالأنعام. الأنعام هي البقر والغنم والمعز والإبل (ثمانية أزواج). البهيمة من ذوات الأرواح، ما لا عقل له، تسمى بهائم. البهيمة أعمّ والأنعام جزء منها. البهيمة كل ما له روح ولا عقل له حتى الوحوش والأنعام بهائم. (بهيمة الأنعام) قسم من أهل اللغة قالوا هي ما ماثل الأنعام وأدخلوا بها الظباء وبقر الوحش هي مما يؤكل فقالوا هذه من المُلحَق وكل مجترّ قالوا يدخل في بهيمة الأنعام. كل ما يماثل الأنعام في الاجترار وعدم الأنياب قالوا هو بهيمة الأنعام وليس الأنعام، يعني الظباء ، بقر الوحش ، كل ما يجترّ وليس له ناب مما يؤكل دخل في بهيمة الأنعام.(1/34)
وهنالك أمر آخر من حيث اللغة في رأيي: (بهيمة الأنعام) عندنا عموم وخصوص، بهمية الأنعام إضافة العام (البهيمة) إلى الخاص (الأنعام) كما نقول يوم الخميس: اليوم عام والخميس خاص، شهر ورمضان الشهرعام ورمضان خاص، كتاب النحو، علم الفقه، شجر الأراك، إضافة العام إلى الخاص وهذا من أساليب العربية وموجود في القرآن. لماذا ورد هنا؟ نرجع للآيات التي ذكرها قال تعالى (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) وآية أخرى مشابهة لها (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (34)هو يتكلم عن أيام الحج، ذِكر الله وذِكر أسماء الله في أيام الحج فقط على هذه أو عام؟ هو ذِكر عام ليس فقط على بهيمة الأنعام وإنما الذكر في الحج أمر شائع (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ (198) البقرة) (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا (200) البقرة) (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (203) البقرة) وقال هنا (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) العامّ ذكر الله والخاص (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) إذن هنا جاء بأمر عام بعده خاص. ذِكر اسم الله عامّ، على ما رزقهم خاص لأن ذكر الله في أيام الحج هو عامّ.(1/35)
لكنه في الآية ذكر (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) إذن ذكر خاصاً بعد عام وبهيمة الأنعام خاصٌ بعد عامّ. نفسها الآية الأخرى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (34) ذِكر اسم الله عام وهو قال (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) صار خاصاً. خاص بعد عامّ وبهمية الأنعام خاص بعد عامّ.
لكن لما ذكر الأنعام (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)) ليس فيها ذكر ولا شيء لأن الكلام في الأنعام تحديداً. أما في الأولى خاص بعد عام وكل خاص بعد عامّ جاء (بهمية الأنعام).هذه مناسبة فنية عجيبة في اللغة وهذا من باب التناسب.
آية (31):
*ما دلالة كلمة الريح ؟(د.فاضل السامرائى)
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر كما في قوله تعالى في سورة الحجّ (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ {31}).
آية (34): ...
* ما هو السلوك التركيبي للفعل يُسلم من حيث التعدّي واللزوم؟ هنا جاء الفعل يُسلم متعدياً بحرف الجر (إلى) وفي مواطن أخرى في القرآن متعدياً بحرف الجر اللام (فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الحج) (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ (20) آل عمران) فما الفرق بين تعديه باللام وتعديه بإلى؟(د.فاضل السامرائى)(1/36)
أكثر ما ورد في القرآن متعدياً باللام ولم ترد إلا هذه الآية في سورة لقمان (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ)، البقية باللام أو من دون حرف جر (وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا (14) الحجرات). ما الفرق بين أسلم إلى وأسلم لـ؟ ما الفرق بينهما في الدلالة؟أسلم بمعنى انقاد وخضع ومنها الإسلام الإنقياد. أسلم إليه أسلم الشيء إليه أي دفعه إليه، أعطاه إليه بانقياد هذه أسلمه إليه أو فوض أمره إليه وهذا المشهور، من التوكل.
أسلم لله معناه انقاد له وجعل نفسه سالماً له أي خالصاً له، أخلص إليه. لما قالت ملكة سبأ (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) النمل) انقدت له وخضعت وجعلت نفسي سالمة له خالصة ليس لأحد فيه شيء. وإبراهيم ? قال (قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) أسلم له أي انقاد له وجعل نفسه خالصة له أما أسلم إليه معناها دفعه إليه لذا يقولون أسلم لله أعلى من أسلم إليه لأنه لم يجعل معه لأحد شيء، ومن يسلم وجهه إلى الله اختلفت الدلالة أسلم إليه أي فوّض أمره إليه يعني في الشدائد (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ (44) غافر) أو في الانقياد أما أسلم لله فجعل نفسه خالصاً ليس لأحد شيء. لذلك قال القدامى أسلم له أعلى من أسلم إليه لأنه إذا دفعه إليه قد يكون لم يصل لكن سلّم له اختصاص واللام للملك (أسلم لله) ملّك نفسه لله ولذلك قالوا هي أعلى. الدلالة فيها انقياد.
* في لقمان قال تعالى (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ محسن) أخّر لفظ الجلالة بعد يُسلم مع أن الملاحظ أنه في آيات كثيرة يقدّم (فله أسلموا)؟ فلم؟(د.فاضل السامرائى)(1/37)
السياق والمقام هو الذي يحدد. في سورة الحج (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)) وفي الزمر (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54)) إذا كان المقام في مقام التوحيد يُقدِّم وإذا لم يكن في مقام التوحيد لا يقدم إلا إذا اقتضى المقام. في سورة الحج في مقام التوحيد والنهي عن الشرك فخصص وجاء التقديم للقصر حصراً. التقديم في آية الحج للحصر حصر التسليم لله فقط.أما فى الزمر ليس في مقام توحيد لا يقتضي التقديم.
آية (35):
* ما الفرق بين الخشية والخوف والوجل؟ (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (35) الحج) (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ (23) الزمر) (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ (50) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)(1/38)
الخوف توقع أمر مكروه يخاف من شيء أي يتوقع أمر مكروه لأمارة معلومة فيخاف شيئاً. الخشية خوف يشوبه تعظيم ولذلك أكثر ما يكون ذلك إذا كان الخاشي يعلم ماذا يخشى ولذلك قال تعالى (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء (28) فاطر) أكثر من يكون الخشية عن علم مما يخشى منه، لماذا يخشى؟ هنالك مسألة يعلمها تجعله يخشى فلذلك قال تعالى (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) لأن العلماء أعلم بربهم من غيرهم فهم أكثر الناس تعظيماً لله عز وجل. وقسم قال الخشية أشدّ الخوف.(1/39)
نلاحظ أمرين: هم يقولون الخوف توقع أمر مكروه وعندنا آيتان توضحان المسألة: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175) آل عمران) و (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ (3) المائدة) ننظر كيف استعملت الآيتان في القرآن الكريم: آية آل عمران في سياق توقع مكروه، في سياق القتال، توقع مكروه في سياق القتال (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175) آل عمران). الخشية أشد الخوف، في مقام أشد الخوف، ثم هي في مقام توقع سياق مكروه فقال (فلا تخافوهم وخافون). والآية الأخرى (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) ليس هناك توقع مكروه فقال (فاخشوهم). في توقع مكروه قال فلا تخافوهم ولما لم يكن توقع مكروه قال فاخشوهم. (قد جمعوا لكم فاخشوهم) أشد الخوف. هذه اللغة، الخشية أشد الخوف وفي بعض السياقات تحتمل الخوف الذي يشوبه تعظيم والسياق هو الذي يحدد.(1/40)
الوجل يقولون هو الفزع ويربطونه باضطراب القلب تحديداً كضربة السعفة (سعفة النخل) كما قالت عائشة رضي الله عنها "الوجل في قلب المؤمن كضربة السعفة" ويقولون علامته حصول قشعريرة في الجلد. وقالوا الوجل هو اضطراب النفس ولذلك في القرآن لم نجد اسناد الوجل إلا للقلب. إما للشخص عامة (قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52) الحجر) أو للقلب خاصة (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (35) الحج) فقط أسند للقلب في حين أن الخوف والخشية لم يسندا للقلب في القرآن كله. الوجل في اضطراب القلب تحديداً (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (60) المؤمنون). وترتيب هذه الكلمات هو: الخوف، الخشية، الوجل.
آية (36):
*ما معنى كلمة صواف في آية سورة الحج (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ (36))؟ هل معناها واقفة؟(د.فاضل السامرائى)
نعم هي واقفة، تذبح وهي واقفة.
آية (39):
* (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الحج) ما الحكمة من بناء الفعل (أُذِن) هنا للمجهول؟ (د.فاضل السامرائى)
فيها قراءة أَذِن، لكن لماذا قال (أُذِن)؟ القتال مكروه وذكرنا في كلام سابق أن الأمور المستكرهة يبنيها ربنا للمجهول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ (183) البقرة) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى (178) البقرة) (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ (216) البقرة) في الأشياء الصعبة المستكرهة والمشقة يبني الفعل للمجهول مع أنه كله بقدر الله عز وجل لكن لا ينسبه لنفسه وهذا خط عام في القرآن.
آية (40):
* ختمت الآية فى سورة الحديد بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) وفي سورة الحج (إن الله لقوي عزيز) ما اللمسة البيانية بين الآيتين؟ (د.فاضل السامرائى)(1/41)
ذكرنا أنه ختم قوي عزيز ليبين أنه غير محتاج لمن ينصره وربنا قوي عزيز لكن حتى يتعلق به الجزاء. الذي يحدد هو السياق لو نظرنا في سياق آية الحج قال (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)) هذه الآية في سياق الإذن للمؤمنين بالجهاد (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ثم وعدهم بالنصر المؤكد (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) اللام لام القسم والنون للتوكيد قسم وتوكيد فصار مؤكداً. هنا من الذي ينصر؟ الله سبحانه وتعالى. في الحديد قال (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) هناك المؤمن هو الذي ينصر الله ووفي الحج الله تعالى هو الذي ينصر المستضعفين. إذن آية الحديد فيمن ينصر الله (وليعلم الله) هنا ربنا هو الذي ينصر (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) من الأقوى الناصر أو الذي يُنصر؟ الناصر أقوى. إذن آية الحج قطعاً تحتاج لتوكيد ولا يمكن أن يكونا سواء في واحدة ذكر من ينصر الله والثانية ذكر أن الله تعالى هو الذي ينصر الناصر هو أقوى ولهذا قال (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) لا يمكن أن يكونا سواء وهذا ميزان في التعبير.
((1/42)
إنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (17) الحج) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (25) السجدة) لفظ الرب ورد في السجدة أكثر مما وردت في الحج ولفظ الله في الحج ورد أكثر مما ورد في السجدة، لفظ الله في الحج ورد 75 مرة وفي السجدة مرة واحدة، لفظ الرب في السجدة 10 مرات وفي الحج 8 مرات، هناك فرق كبير بين آيات الحج والسجدة. الآن نأتي إلى الرحمة نجد أن الرحمة شاعت في سورة مريم سياق السورة والسمة التعبيرية الرحمة .
والتقديم في القرآن الكريم وفي اللغة لا يفيد التفضيل دائماً كما في قوله تعالى في سورة الحج(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {40}) مساجد هي أفضل المذكور في الآية لكن أحياناً يُقدّم ما هو أقل تفضيلاً لأن سياق الآيات يقتضي ذلك، وكذلك نرى في ذكر موسى وهارون في القرآن فأحياناً يُقدّم موسى على هارون وأحياناً هارون على موسى وهذا يكون بحسب سياق الآيات.
*ما الفرق بين(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة) و(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/43)
قال تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة) سورة البقرة 251 وفي سورة الحج 40 نفس الآية (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج) ماذا تحكي لنا هاتان الآيتان؟ تحكي لنا كيف أن الله عز وجل أراد أن يحفظ فطرته التي فطر عليها هذا الكون.(1/44)
هذا الكون فطره الله على النظافة نظافة البيئة ثم جاء الإنسان فلوّث هذه البيئة (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم) إن الله عز وجل خلق الإنسان على الفطرة كل مولود يولد على لا إله إلا الله بطبيعته بقوانينه يخلقه الله عز وجل وهو يوحّد الله ثم تأتي الدعاوى والوثنيات ممن يدّعون أنهم رجال دين (إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) الأحزاب) وهكذا رب العالمين عز وجل فطر هذه الأرض والتعايش عليها على الأمن، أنعم على كل سكان هذه الأرض بالأمن ولكن الإنسان بعد ذلك هو الذي يأتي على هذا الأمن فينهيه ويجعل الخوف مكانه بالطغيان والطمع والاستحواذ وهكذا في الحالتين رب العالمين يقول (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) إذاً كيف رب العالمين يحفظ أمن هذه الأرض؟ وما هي هذه الوسائل التي يحفظ الله بها هذه الأرض؟ يحفظها بأسلوبين وأنتم تعرفون أن الله سبحانه وتعالى له وسائل وأسباب الأسلوب الأول هو أن الله لا يترك قوة تستبد بالعالم كل قوة إذا انفردت بالعالم يوماً بعد يوم سنة بعد سنة يغريها انفرادها بالعالم بأن تظلمه وأن تستحوذ عليه وأن تظلم وتذل شعوب الأرض وأن تقتلهم وأن تشردهم وأن تغتصب أراضيهم كما هو الحال في التاريخ كله.(1/45)
في الآية الأولى تتكلم عن حكم الطغاة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) لذهب أمنها وسلامها الأمن العالمي والسِلم العالمي الذي أراده الله لهذه الكرة الأرضية حفظه الله عز وجل بأن ما جعل قوة واحدة تستبد بالأرض فتملأ هذه الأرض ظلماً وطغياناً وإنما جرت سنة الله سبحانه وتعالى أن تكون هناك قوتان متنافستان وحينئذٍ كل منهما تلجم طغيان الآخر وجموحه وكل منهما تحاول أن تظهر بمظهرٍ إنساني إذا اعتدي على دولة أو شعبٍ ضعيف وهذا ما جرى في التاريخ كله من آدم إلى أن تقوم الساعة هذه سُنة الله في خلقه. (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) هذه الأسلوب الأول أن يدفع الله الناس القوة الكبيرة الغاشمة التي فيها قدرة على أن تسيطر على العالم وأن تغتر حتى تقول ليس بعدي قوة نهاية العالم كما يقولون حينئذٍ ستغرق بلا أسباب بشكل تام .انتهينا من الأسلوب الأول الذي يحفظ الله به أمن الأرض عندما يتعرض هذا الأمن للذهاب فيعم الأرض خوف واغتصاب وقهر واستعمار واحتلال بالكذب والبهتان والحجج الواهية.(1/46)
الأسلوب االثاني كما قال تعالى في سورة الحج (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الأسلوب الثاني بعد تعادل الكفتين في القوى الكبرى يأتي دَور دُور العبادة. كلنا نعرف كم تأثير بيت العبادة سواء كنيسة أو بيعة أو مسجد أو صلوات (لليهود) كل هذه البيوت التي يعبد فيها الله عز وجل تؤثر في أصحابها تأثيراً طوعياً هائلاً وهذا أمر متفق عليه دور العبادة هذه في التاريخ كثيراً ما تكون مستهدفة لماذا؟ لأن الحروب الدينية وهي أخطر الحروب كما تعرفون حروب طائفية في الدين الواحد كما حصل في المسيحية وفي الإسلام وغيرهم وحروب دين مع دين يعني حروب إبادة وقسوة لماذا؟ لأن الدين الذي يهاجِم لا يؤمن بالدين الذي يهاجَم يعتبرونهم كفاراً يجب قتلهم. حينئذٍ رب العالمين عز وجل حمى هذه الدور بشدة لتأثيرها في سلوكيات الناس والحدّ من استشرائهم والحد من طمعهم واندفاعهم في سبيل اغتصاب الآخرين وقتل الآخرين وابادة الآخرين حماها الله عز وجل بدفع بعض الناس ببعض (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) أخّر المساجد لأن تأثيرها أعظم وأكبر من كل التي قبلها.(1/47)
قال المساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً يذكر فيها اسم الله خمس مرات في اليوم يرتفع الأذان الله أكبر لا إله إلا الله لا إله غيره خمس مرات في اليوم وكلنا نعرف كم هو تأثير المسجد على شخصية المسلم بل كم هو تأثير المسجد على المحلة التي يكون فيها المسجد! خذ مثلاً محلة الجامع الأموي محلة ابو حنيفة وهكذا حيثما ذهبت إلى مسجدٍ في محلة في قرية في مدينة أهلها يسمعون الأذان تأمل في سلوكهم وأخلاقياتهم ورحمتهم وشفقتهم وتآلفهم وسلمهم وأمنهم مع بعضهم مقارنة بمدنٍ أو أحياء ليس فيها مسجد ولهذا رب العالمين تحدث عن من يظلم (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) البقرة) علامة الإنهيار الثاني قلنا علامة الإنهيار الأول عندما تستبد قوة عظيمة بالعالم فتظلمه باحتلال وقهر واستبداد واستعمار واحتلال وسرقة ثروات والخ هذا نصف أسباب الإنهيار، النصف الثاني أنك تحارب أديان العالم أنت وضعت نفسك عدواً لأديان العالم لكن الله سيدفعك إما بالمعقول بقوة أرضية أخرى وإما باللامعقول. من أجل هذا الآن المساجد تحارَب في كل مكان في العالم بحجة الإرهاب والخ ولهذا سبب آخر لما ذكره أخونا الكريم من بريطانيا عن حكاية تسونامي الإقتصاد نسأل الله أن يخرج العالم بسلام من هذا التسونامي والعالم الآن كله على حافة الهاوية وكل هذا كما قال تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) الأنفال) على جميع الدول الآن أن تتكاتف في رفع الظلم عن الدول المظلومة وفي تحقيق العدل ورب العالمين في التو والساعة كما وعد يرفع هذا البلاء.
آية (46):(1/48)
* ما الفرق بين (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) و(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)؟ (د.فاضل السامرائى)
الفرق بين الواو والفاء أن الواو لمطلق الجمع تجمع بين عدة جمل قد يكون عطف جملة على جملة. الفاء في الغالب تفيد السبب سواء كانت عاطفة أو غير عاطفة (درس فنجح) (لا تأكل كثيراً فتمرض) يُنصب بعدها المضارع. ينبغي أن نعرف الحكم النحوي حتى نعرف أن نجيب. وذكرنا أن التبكيت والتهديد بالفاء أقوى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء) ليس فيها فاء. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) محمد) لأنهم لا تُرجى لهم توبة. وفي الأولى هم أحياء قد يتوبون. لما لم يذكر الموت لم يأت بالفاء ولما ذكر الموت جاء بالفاء.النُحاة يقولون قد تأتي الفاء للتوكيد.
في القرآن وغير القرآن إذا كان ما قبلها يدعو لما بعدها، يكون سبباً لما بعدها، أو يفضي لما بعدها يأتي بالفاء (السببية) ولا يؤتى بالواو. في غير القرآن نقول لا تأكل كثيراً فتمرض، ذاك أفضى لما بعد، الزيادة في الأكل سبب المرض. إذن هذا كحكم لغوي. ما قبلها سبب لما بعدها وإذا كان الأمر كذلك يؤتى بالفاء وإذا كان مجرد إخبار تقول فلان سافر وفلان حضر، تخبر عن جملة أشياء وليس بالضرورة أن هناك أسباب. هذا المعنى اللغوي العام في القرآن (بلسان عربي). إذا كان ما قبلها يفضي لما بعدها يأتي بالفاء ونضرب أمثلة ومنها السؤال عن الفرق بين أولم يسيروا وأفلم يسيروا.(1/49)
في سورة الحج (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)) قال قبلها (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (45)) الذي قبلها سبب لما بعدها ووراءها (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47)).
*ما معنى القلوب فى قوله تعالى (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) الحج)؟(د.فاضل السامرائى)
هذا السؤال يثار منذ زمن باعتبار أن التفكير يكون فى العقل ولذلك هم قالوا المقصود بالقلوب هي العقول، ولكن هنا قال ربنا (الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) كثيراً ما يقولون القلب مقصود به العقل.
سؤال: هل المقصود بالقلب العضلة التي فى الصدر أم في الدماغ؟(1/50)
أحيانا ربنا يذكر العقل فى القرآن (لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا). فقسم قال لأن القلب يضخ الدم للدماغ فلو توقف القلب لفسد الدماغ فيرجعها للقلب لأنه يقول أنه سبب نشاط الدماغ من القلب لو لم يذهب الدم للدماغ لفسد. والحقيقة هنالك أمر آخر الظاهر والله أعلم أن هناك فرق بين العقل والقلب: القلب كما يبدو يدفع إلى العمل بموجب ما تعقله، تعقل شيئاً والقلب يدفعه للعمل لأن الناس يختلفون بحسب الاستجابة إلى ما يعلمون ذلك راجع للقلب فأحياناً واحد يعلم الشيء ويعقله ويفهمه لكن لا يعمل به، العمل به راجع للقلب فالقلب يحرك ويدفع للعمل والعقل بارد يعلم الحجج، قد يكون هناك شخصان مؤمنان بفكرة واحدة ويأتي أحدهما بحجج أقوى من الآخر لكن الآخر ملتزم أكثر من صاحب الحجج. إذاً ما قيمة هذا العقل الذي هو مناط التفكير والقلب مناط العمل يدفعه إلى العمل يكون يقظاً متحركاً، ما قيمة المعرفة من دون أن تعمل بها؟ لا شيء. من العامّة نجد من عنده من الحجج أقل مما عند العالِم لكن هنالك من العامة من هم أكثر يقظة والتزاماً وتحركاً من العالِم فقلوبهم حيّة، إذن ما قيمة المعرفة؟ لا شيء..
بليّة العالم اليوم أن هناك ناس عندهم عقول ولكن ليس عندهم قلوب. الناس عندهم عقول لكن ليس عندهم قلوب. إذن هذا هو المهم "ولكن تعمى القلوب" ليس مسألة الحجج؟ فإذن المقصود بالقلوب هو أمر معنوي وليس العضلة التى فى الصدر حتى المخ موجود فى الرأس ولكن العقل أبعد من ذلك لا يقف عند مجرد عضلة. ذكر القرآن مثل أناس يعلمون صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكذبونه ولكن يجحدون، فما قيمة هذا العقل! ما قيمة هذه القناعة؟ ليس لها قيمة. إذن مناط التفكير هو العقل والقلب مناط الحثّ على العمل وهو يقظ متحرك هو الذي يدفع يفرق بين واحد وواحد وليست المشكلة في وجود العقل وإنما في وجود القلب الذي يدفع إلى العمل ويحرك له.
آية (47):(1/51)
*(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج) وفي السجدة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)) وفي المعارج (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)) هل طول الأيام يختلف؟ (د.فاضل السامرائى)(1/52)
خمسين ألف سنة هذه في يوم القيامة تحديداً كما في الآية والحديث (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) المعارج) هذا الكلام في يوم القيامة. يعرج يعني يصعد والصعود يستغرق خمسين ألف سنة وورد هذا في الحديث الصحيح عن يوم القيامة أنه خمسين ألف سنة وأنه ليخفف على المؤمن كصلاة مكتوبة. هذا اليوم يوم القيامة هو خمسون ألف سنة مما نعد أما (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) فهذه في الدنيا. هي لم ترد خمسين ألف سنة إلا في هذا الموضع وفي يوم القيامة وفي الحديث أيضاً أما ألف سنة في الدنيا يعني اليوم عند ربنا كألف سنة مما نعد. درسنا ونحن طلاباً أن الأيام نسبية فأيام المشتري غير يوم الأرض ويوم المريخ غير يوم الأرض كل واحد له مقدار وبالنسبة لنا اليوم دوران الأرض حول الشمس فاليوم نسبي ونحن يومنا هكذا وفي كوكب آخر يختلف وليس بالضرورة نفس اليوم ويكون أطول بسنوات هذا تعلمناه ونحن طلاب، يوم القيامة ربنا جعله خمسين ألف سنة. إذا كان بعض الكواكب يومها سنوات مما نعد فكيف بأيام الله؟ هو أعلم به ونحن لا نعلم القياس لكن هو (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) يعرج الأمر من الأرض إلى الله في ألف سنة، هذه ألف سنة مما نعد لكن عند الله يكون في لحظة، القصة بالنسبة لنا تساوي ألف سنة.(1/53)
*ما الفرق بين (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج) و(تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج)؟(د.حسام النعيمى)(1/54)
وردت في سورة الحج (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)) وفي السجدة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)) وفي المعارج (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)). علماؤنا وقفوا عند هذه الآيات الثلاث وذكروا أن الآية التي في سورة الحج والآية في سورة السجدة الكلام فيها على يوم في الدنيا. (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج) هم يقولون نوع من التحدي للرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) المعارج) أنزلوا علينا العذاب، نوع من الحماقة إن كنتُ صادقاً فاستغفر لنا لكن يقولون إن كنت صادقاً أنزل علينا العذاب هذه حماقة. (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ) الله سبحانه وتعالى وعد بتعذيب هؤلاء لكن ليس في الدنيا. (وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) الزمن عند الله سبحانه وتعالى زمن غير محسوب بحساباتكم أنتم اليوم عند الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا، في إنزال العقوبات إشارة إلى سعة حِلم الله سبحانه وتعالى عليهم لا تقول المفروض خلال هذا اليوم ينزل العذاب، حلم الله سبحانه وتعالى واسع (كألف سنة) لا تتوقعوا أن ينزل لكم العذاب الآن، أصل العذاب في الآخرة لكن قد ينزله الله سبحانه وتعالى آية لمن يأتي بعدهم.(1/55)
فإذن الكلام هنا على الدنيا (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) الحج) إشارة إلى طول الوقت (ثم أخذتها) إستخدام (ثم) بدل الفاء على التراخي، ما يتوقع الإنسان أن عقاب الله عز وجل ينزل فوراً.
*ما الفرق بين كلمة ميعاد و كلمة معاد؟ (د.فاضل السامرائى)
المعاد غير الميعاد. المعاد هو بلد الرجل من العَوْد، نعاد إسم مكان بلد الرجل معاده لأنه يسافر ثم يعود. هناك فرق بين المعاد والميعاد: المعاد من عاد والميعاد من وعد (مفعال - موعاد) أصلها موعاد سكن حرف العلة وقبلها كسرة فيصير ميعاد. إذن المعاد من عاد من العوْد إسم مكان، المعاد هو البلد بلد الإنسان هو معاده، البلد الذي يعيش فيه لأنه مهما ذهب يعود إليه فهو معاده (لرادك إلى معاد) يعني لرادك إلى مكة، والميعاد من عاد، الميعاد هو الموعد (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) يعني لا يخلف الموعد ولا يصح أن يقال لا يخلف المعاد. (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ (81) هود) هذا موعد من ميعاد، (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ (47) الحج). قسم قال المعاد هو الحشر والجنة باعتبار الناس يعودون أو الجنة لأنه تعود إليهم حياتهم. نقول نعود إلى المعاد في الميعاد.
آية (58):
* ما دلالة اختلاف فواصل الآيات في الآيات (58 – 64) في سورة الحج؟ (د.فاضل السامرائى)
((1/56)
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)) هذان الإسمان يناسبان الآية: (عليم) قال تعالى (لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ) إذن ينبغي أن يعلم ما يرضيهم فهو إذن عليم. عندما قال (يرضونه) إذن ينبغي أن يعلم ما يرضيهم. ثم هؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله ينبغي أن يعلم بأحوالهم وأحوال أعدائهم. و (حليم) فلا يعاجل أعداءهم بعقوبة أنت تتمنى أن يعجل لهم بالعقوبة لكن الله تعالى حليم. الحِلم الذي لا يعجّل بالعقوبة ويُمهِل.(1/57)
الآية الثانية (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)) الآية هو عاقب بما عوقب به ثم بغي عليه لكنه لم يعاقب الآن، ما قال أخذ حقه وما قال كالأولى (عاقب بمثل ما عوقب به) ولكنه فقط بُغيَ عليه لم ينصره أحد فقال (إن الله لعفو غفور) ثم عفا وغفر. لما قال تعالى (إن الله لعفو غفور) إشارة إلى أنه إذا عفا وغفر نصره الله لأن الله تعالى يقول له (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (40) الشورى) (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (237) البقرة) عندما قال بُغي عليه ولم يأخذ بحقه معناه أنه عفا وغفر. في الأولى قال عوقب فعاقب، ثم لما بغي عليه لم يأخذ حقه وربنا تعالى ما دام عفا وغفر ينصره الله ثم قال (لعفو غفور) تخلّقوا بأخلاق الله تعالى فالله عفو غفور فأنت اعف واغفر. هذا إلماح لنا لأن نعفو ونغفر وأن لا نعجّل بالعقوبة، تلميح لنا بأن الله تعالى عفو غفور أن نعفو ونغفر فهذا توجيه لنتخلق بصفات الله عز وجل. هذه إشارة إلى أنه لم يعاقِب ولم يأخذ بحقه وإنما عفا وغفر والله عفو غفور فقال (لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)) الليل آلته السمع لا الإبصار والنهار السمع والأبصار. الله سبحانه وتعالى في الليل والنهار سميع بصير هذا أمر. إذن الآية مرتبطة بقوله تعالى (يولج الليل في النهار ) ومرتبطة بما قبلها (ومن عاقب بمثل ما عوقب به) يسمع ويرى من عاقب ومن عوقب. ثم قال (لينصرنه الله) والناصر ينبغي أن يسمع ويرى وإلا كيف ينصر؟. مرتبطة بالليل والنهار وآيتهما السمع والبصر والله سميع بصير ومرتبطة بما قبلها في كونه ناصراً ةفي كونه يرى ويسمع من عاقب ومن عوقب.
((1/58)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)) الناصِر لمن بُغيَ عليه والذي يولج الليل والنهار والسميع البصير أليس هو العلي الكبير؟ بلى.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)) لطيف أي متفضِّل على العباد يلطف بهم بإيصال منافعهم أن تصبح الأرض مخضرة هذا من لطفه سبحانه بالخلق. خبير أي عليم بدقائق الأمور. وبمصالحهم يلطف عن خبرة بالمقادير التي يفعلها وعن حكمة. إذن عندما أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة هذا لطف بالعباد كلهم وعليم بالمقادير إذن هو خبير لطيف يرفق بعباده.
(لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)) الذي له ما في السموات والأرض من أغنى منه؟! لا أحد، وقطعاً هو سبحانه الغني الحميد. الحميد هو المحمود في غِناه. لأن أحياناً يكون الشخص محموداً في فقره ولا يُحمَد في غناه لأنه قد يتغير وكثير من الناس تغيروا لما صاروا أصحاب أموال أما الله سبحانه وتعالى فهو المحمود في غناه وفي كل شيء ولذلك كثيراً ما يجمع الغني والحميد في القرآن (فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) لقمان) (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) لقمان). أما سبب الاختلاف في التوكيد نشرحه في وقت آخر.
الآية الأخيرة (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (65)) لو لم يرأف بهم ما أمسك السماء. إذن هذا التسخير سخر لكم ما في الأرض والبحر ويمسك السماء هي كلها رأفة ورحمة إذن رؤوف رحيم مناسبة للآية.
آية (62):(1/59)
* في سورة لقمان قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ) في آية الحج قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)) بضمير الفصل (هو) فلماذا هذا الفرق؟
*د.فاضل السامرائى :(1/60)
لا شك أن هو الباطل أقوى لأن ضمير الفصل يفيد التوكيد الحصر والسياق يوضح سبب اختيار كل تعبير. في سورة الحج الصراع مع أهل الباطل، أهل الباطل متمكنون يشردون المؤمنين ويقتلونهم (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)) ثم قال (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)) إذن أصحاب الباطل يقتلون المؤمنين ويجبرونهم على ترك ديارهم ويهاجرون في سبيل الله إذن هم متمكنون ولا تجد مثل هذا في لقمان، فلما كانوا كذلك بهذه القوة ووهذا التسلط فأكد الله تعالى بطلانهم (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) لا يغرنكم ما ترونه من تسلطهم وقوتهم فإذن هذا هو الباطل بعينه بإزاء قوة الله تعالى.(1/61)
في لقمان ليس فيها هذا الشيء، قال (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25)) كلها فيها أخذ ورد وسؤال وجواب ليس فيها صورة الباطل المتمكن الذي يعاند المعاجز المعاند الذي يقتل المؤمنين ويضطرهم إلى الهجرة فاحتاج الأمر إلى زيادة تثبيت للمؤمنين وعدم افتتانهم بسلطة أصحاب الباطل ولا شك أن للسلطان فتنة ورهبة فاقتضى السياق أن هؤلاء عليه هو الباطل وتوكيد ذلك هذا أمر وهو الأمر الأول وهو أن أصحاب الباطل في آية الحج هم متمكنون متسلطون معاجزون معاندون يفتنون المؤمنين إذن احتاج إلى تثبيت المؤمنين في هذه الناحية فأكد أن ما عليه هؤلاء هو الباطل.(1/62)
هذا أمر وسبب آخر أنه تقدم في سورة الحج ذكر ما يدعون من دون الله من المعبودات الباطلة (يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ {71)) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)) الكلام على المعبودات الباطلة جاري في آية الحج فأكد أن هؤلاء هو الباطل وليس ذلك في لقمان. فهنالك أمران دعيا إلى التأكيد في سورة الحج أولاً قوة وتسلط أصحاب الباطل في سياق آية الحج وذكر معبوداتهم التي يعبدونها فذكر أنهم على باطل وأن معبوداتهم باطلة لا تنفع شيئاً فأكد هذا الأمر وليس في لقمان هذا السياق فلم يقتضي هذا الأمر. إذن آي القرآن الكريم تغطي كل حالة بقدرها وكل تعبير مناسب لما ورد فيه. مع أن الآيتان تبدوان متشابهتان إلا في ضمير الفصل الذي اقتضاه السياق من أكثر من جهة السياق اقتضى تأكيد أن أهل الباطل ما يدعون من دونه هو الباطل لأنه ذكر عدة مرات ما يدعون من دون الله ولم يذكر هذا الأمر في لقمان وذكر تمكن أصحاب الباطل وقوتهم.(1/63)
لو قال في الحج وأن ما يدعون الباطل الآية صحيحة لكن بلاغة التعبير تكون أقل والبلاغة توزن بالميزان الدقيق لأن البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال ومقتضى الحال في كل آية مختلف.
والأمر الآخر أن الضمير (هو) من الناحية اللفظية في سمة التعبير ورد في سورة الحج 13 مرة وفي لقمان ورد 7 مرات فقط لأن السمة التعبيرية في السياق لها أثرها أيضاً فكأنما ورد في سورة الحج ضعف ما ورد في سورة لقمان. وضمير الفصل أصلاً ذكر في الحج 8 مرات وفي لقمان 3 مرات. إذن فمن كل النواحي السمة التعبيرية أو البلاغية أو غيرها ذكر (هو) في آية سورة الحج أكثر مما يقتضيه في سورة لقمان.
*د.أحمد الكبيسى :
كلمة (هو) أضيفت لأن كان النقاش يدور حول قضية يتجسم فيها الباطل كما قال سيدنا إبراهيم (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ {79} وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ {80} الشعراء) يعني عندما جاءت كلمة المرض أن الله تعالى هو الذي يشفي لا حبوب ولا أدوية وإنما هذه كلها أسباب فالشافي هو الله سبحانه وتعالى فحينئذٍ رب العالمين دخل في كلام سيدنا إبراهيم فقط كلمة (هو) عندما قال على ما أذكر (هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ). هنا هذه الآية طبعاً هذا معناه أن هذه الخصومات مع هؤلاء غير هؤلاء في الآية الثانية، فهما جماعتان هذه الجماعة متجسم فيها الباطل. يعني هناك ناس الباطل نسبي هؤلاء الباطل مطلق قال (هُوَ الْبَاطِلُ) لكي يلفت النظر إلى أن هذا باطل مطلق.
آية (64):
*فى سورة الحديد ختمت الآية بقول (الغني الحميد) و وردت في القرآن فى صيغ متعددة (هو الغني الحميد) (وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فما دلالة الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى)(1/64)
لما يقول هو الغني الحميد فيها حصر وفيها توكيد، حصر الغنى بالله تعالى عندما تقول فلان غني وفلان هو الغني، فلان هو الغني يعني هو الأغنى. السؤال الذي أثير أنه سبحانه وتعالى قال في آيات إن الله غني حميد، إن الله هو الغني الحميد، إن الله لهو الغني الحميد هذه بعضها فيها توكيد أكثر. قال تعالى في لقمان (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)) لم يعرّف ولم يأت بـ (هو)، أكّد بـ (إنّ) فقط. في آية لقمان لم يذكر له ملك (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) من الغني في عُرف الخَلق، الذي يملك أو الذي لا يملك؟ الذي يملك هو الغني الغني لكنه لم يذكر ملك. لو واحد قال أعطني فأمدحك تقول له أنا غني عن مدحك لا أحتاج إليك. الخليل بن أحمد لما أرسل له أمير الأهواز سليمان بغالاً محملة بأشياء وقال لو جئت إلينا والخليل ليس عنده إلا الخبز اليابس فقال: أبلِغ سليمان أني عنه في غنى غير أني لست ذا مال، هو غني بنفسه قانع بما حصل. في آية لقمان لم يذكر ملك وإنما قال (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) الله تعالى غني عن شكره وعن كفره بينما فى سورة الحديد قال (ولا تفرحوا بما آتاكم) الله آتانا به فالله هو الغني إذن أنتم أيها الخلق الأغنياء ما غناكم والله تعالى هو الذي آتاكم؟ فإذن الله هو الغني الحميد وليست مثل تلك الذي لم يذكر معه شيء لأنه ذكر (ولا تفرحوا بما آتاكم) لما آتى الخلق ما عندهم أصبحا ليسا بمنزلة واحدة فإذن (فإن الله هو الغني الحميد).(1/65)
آية الحديد توكيدها نظير ما جاء في لقمان في آية أخرى (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) لقمان) هذه فيها ملك إن الله تعالى ليس غنياً وإنما هو الغني، كل ما في الأرض وكل ما في السموات ملكه إذن هو الغني وهذه ليست مثل (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ). (هو) هنا ضمير فصل يفيد الحصر هو الغني حصراً في الحقيقة لا غني سواه أفادها ضمير الفصل والتعريف (هو الغني). ضمير الفصل له أغراض يفيد التوكيد ويفيد الحصر ويفيد التعريف وهنا يفيد الزيادة في التوكيد. هذه فيها حصر أكثر وآكد. في الحج ذكر ما هو آكد من هذه فقال (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)) أولاً هو لم يكرر (ما) وهنا كرّر (له ما في السموات وما في الأرض) أكّد بإن وضمير الفصل هو واللام. أولاً هو لم يكرر (ما) فقال في الحديد (له ما في السموات والأرض) وهنا كرّر (ما في السموات وما في الأرض) ذكر ما هو أكثر فهو آكد وقال (وإن الله لهو الغني الحميد) جاء بالواو. ماذا تفيد الواو؟ نقول فلان يملك مائة دار ومائة بستان وفلان يملك مائة دار ومائة بستان وإنه غني. الأول مصدر غناه مائة دار ومائة بستان أما الثاني فهو يملك مائة دار ومائة بستان ولو ذهبت وهي من جملة ما يملك يبقى غنياً، هذا استئناف غنى جديد وكأن المائة بستان مما يملك فإن ذهبت فيبقى غنياً. الواو تعطف جملة على جملة والغرض البلاغي منها الغنى المطلق. إذن أولاً كرر (ما) للتوكيد والتكرار يفيد التوكيد ثم جاء بالواو الذي دلنا على أنها من جملة ما يملك. إذا كان هناك من عنده بصر باللغة لا يمكن أن يفعل غير ذلك تماماً مثل المعادلة الرياضية ولا بد أن يضعها كما وردت. وجاءت بثلاث صيغ وكأنه يترقى بالغنى إلى أن وصل مرحلة الغنى لله تعالى.(1/66)
آية (72):
*ما الفرق بين (ذلك) و(ذلكم)؟ (د.فاضل السامرائى)
إذا كان عندنا مجموعتان إحداهما أوسع من الأخرى يستعمل للأوسع ضمير الجمع وللأقل ضمير الإفراد، حتى لو رجعنا للآيتين (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) لمجموع المسلمين وهو أكثر ومع الأقل قال (ذلك). مثال آخر (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ) المخاطَب جماعة (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60) المائدة) (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) الحج) آية فيها (ذلك) والثانية (ذلكم) أي الأكثر؟ الذين كفروا أو الذين جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت؟ الذين كفروا أكثر، فلما كانت المجموعة أكثر جمع فقال (ذلكم) ولما كانت أقل أفرد (ذلك).
آية (73):
* ما دلالة كلمة يستنقذون في قوله تعالى في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73))؟ (د.فاضل السامرائى)(1/67)
ليس المقصود هنا مسألة الشيء المأخوذ من الذباب ولا الذباب وإنما المقصود من الآية إظهار عجز الآلهة التي يدعون إليها من دون الله (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) ولو بذلوا كل الجهد لا يستطيعون شيئاً من عجز هذه الآلهة يدعونها. (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) حاولوا الاستنقاذ وليس الانقاذ وإن يبذلوا جهدهم كله لن يستطيعوا وهذا يبيّن ضعف ما يعبدون من آلهة وليس مقصوداً الذباب أو ما يأخذه الذباب.
*ما دلالة استخدام صيغة المبالغة في قوله تعالى (وما ربك بظلاّم للعبيد) علماً أن صيغ المبالغة لا تنفي الحدث؟ (د.فاضل السامرائى)
يتساءل السائل عن أن الآية تنفي أن يكون الله تعالى ظلاّماً فهل هذا النفي يشمل أن يكون ظالماً حاشاه سبحانه؟. الحقيقة أنه لو أن اي شخص ظلم مجموعة من الناس حتى لو كان الظلم بسيطاً يكون ظلاّماً وليس ظالماً فإذا كثر المظلومون أصبح ظلاّماً أما إذا ظلم شخصاً واحداً مرة فيكون ظالماً والملاحظ في الآية أن الله تعالى قال وما ربك بظلاّم للعبيد أي جاء بصيغة الجمع في كلمة العبيد والعبيد جمع كثرة أصلاً كما قال في آية أخرى (علاّم الغيوب) باستخدام الغيوب وهي جمع كثرة. إذن عندما يجمع يجمع الصفة ويبالغها اي يستخدم صيغة المبالغة كما في الآيتين وإذا أفرد ُيفرد الصيغة كما قال تعالى (علم الغيب) ولم يقل عالم الغيوب. وهناك رأي آخر أن هذا هو النسب أي أنه ليس بذي ظلم كما يقال في اللغة (لبّان) للنسب لأن صيغة فعّال تأتي للنسب. وإذا أخذنا الرأيين نجد أنهما يقتضيان استخدام صيغة المبالغة في ظلاّم.(1/68)
وأضيف هنا ما أجاب به الدكتور فاضل في حلقة سابقة على سؤال حول استخدام صيغة المبالغة (علاّم الغيوب): قال الدكتور كما أسلفنا أن علاّم تأتي لتفيد الكثرة مع كلمة الغيوب التي هي جمع ولم يقل تعالى عالم مع الغيوب، وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى (خالق بشراً) خالق لبشر واحد (تفيد الحدوث بالمخلوق) ولم يقل خلاّق إلا عندما اقتضى المبالغة في السموات والأرض (بلى وهو الخلاّق العليم). فصفاته سبحانه كلها مطلقة وتدل على الثبوت مثل غافر الذنب، قابل التوب.
****تناسب بداية الحج مع نهايتها****(1/69)
قال في أولها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)) وقال في آخرها علّمهم كيف يتقون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {س}(77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)) هذه التقوى، تكون بالركوع والسجود والمجاهدة حتى ينجوا من عذاب الله الشديد. ثم كرر الطلب في آخر آية (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)). كيف يتقون؟ بهذا التفصيل. بعد أن أمرهم علّمهم كيف يفعلون، هذه مظاهر التقوى. لما قال لهم اتقوا الله يقولون كيف نتقيك؟ فيجيبهم افعلوا كذا وكذا.
*****تناسب خاتمة الحج مع فاتحة المؤمنون*****(1/70)
نحن الآن مع تناسب خواتم الآيات السور ابتداء بين سورة الحج والمؤمنون السورتان الثانية والعشرون والثالثة والعشرون، قال في خواتيم سورة الحج (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)) هكذا خاطب الذين آمنوا وقال (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)) إذن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقال في أول سورة المؤمنون (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)) لعلكم تفلحون - قد أفلح المؤمنون، (الذين هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)). (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) قد أفلح المؤمنون الذين فعلوا هذه وكأن المؤمنون قد استجابوا لهذه النداءات من الله سبحانه وتعالى.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الحج للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.(1/71)
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/72)
سورة المؤمنون
تناسب خاتمة الحج مع فاتحة المؤمنون ... آية (15) ... آية (33) ... آية (77) ... آية (109)
هدف السورة ... آية (19) ... آية (35) ... آية (82) ... آية (117)
آيات مفتتح السورة ... آية (20) ... آية (38) ... آية (83) ... تناسب مفتتح السورة مع خواتيمها
مقارنة بين صفات المؤمنين فى سورتى المؤمنون والمعارج ... آية (21) ... آية (43) ... آية (84-89) ... تناسب خواتيم المؤمنون مع بدايات النور
أسئلة متفرقة آية (6) ... آية (24) ... آية (44) ... آية (91)
آية (12) ... آية (27) ... آية (47) ... آية (99)
*تناسب خاتمة الحج مع فاتحة المؤمنون*
نحن الآن مع تناسب خواتم الآيات السور ابتداء بين سورة الحج والمؤمنون السورتان الثانية والعشرون والثالثة والعشرون، قال في خواتيم سورة الحج (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)) هكذا خاطب الذين آمنوا وقال (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)) إذن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقال في أول سورة المؤمنون (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)) لعلكم تفلحون - قد أفلح المؤمنون، (الذين هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)). (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) قد أفلح المؤمنون الذين فعلوا هذه وكأن المؤمنون قد استجابوا لهذه النداءات من الله سبحانه وتعالى.
**هدف السورة: مقارنة صفات المؤمنين بمصير الكافرين**(1/1)
سورة المؤمنون من السور المكية وهي تعرض من اسمها صفات المؤمنين وتشرح مصير من لا يسير على هذه الصفات فعلينا أن نتوقف عند هذه الصفات ونحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا الله تعالى ونرى أي نوع من المؤمنين نحن وكم من الصفات المذكورة في الآيات نتحلى بها وكم من الصفات ما زلنا نحتاج لأن نكتسبها.
صفات المؤمنين: ابتدأت الآيات بذكر صفات المؤمنين العامة: من آية 1 إلى آية 9(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)
جزاء المؤمنين: ثم تنتقل الآيات للتذكير بجزاء من تحلى بهذه الصفات (أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) آية 10 و11.
تاريخ المؤمنين عبر الأجيال: تعرض السورة تاريخ المؤمنين عبر الأجيال،
صفات إضافية للمؤمنين: ثم تستكمل الآيات صفات إضافية لمؤمنين من درجة أعلى في الآيات من 57 إلى 61 (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ *وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ *وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ), هذه صفات راقية وخاصّة بمؤمنين حقا.(1/2)
ختام السورة: الدعاء. تختم الآيات بالدعاء (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ(118)) والدعاء ضروري لأن المؤمنين لا بد وأن يقعوا في أخطاء ولا يغفر هذه الأخطاء إلا الدعاء الصادق الخالص لله تعالى الذي يغفر الذنوب.
والملاحظ في سور القرآن الكريم أن الثلث الأول من القرآن (من سورة البقرة إلى التوبة) تحدثت الآيات والسور عن معالم المنهج الذي شرّعه الله تعالى للمستخلفين في الأرض وهذا المنهج صعب لذا فتح في نهاية هذا الثلث باب التوبة لأن كل من يريد تطبيق المنهج يحتاج إلى التوبة الدائمة. ثم يأتي الثلث الثاني تتحدث الآيات عن طرق إصلاح المسلمين المستخلفين في الأرض. فلو جمعنا كل هذه المفاهيم نحصل على إنسان متكامل ومعدّ خير إعداد ليكون المستخلف في الأرض والأخطاء واردة وحاصلة لا محالة لذا يأتي الدعاء والاستغفار الذي لا غنى لإنسان عنه.
***من اللمسات البيانية فى سورة المؤمنون***
**(منقول من موقع موسوعة الاعجاز):
إن آيات مفتتح سورة (المؤمنون) وارتباطها بآخر السورة قبلها ظاهر، فقد قال تعالى في أواخر سورة الحج: (يا أيها الذين أمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) وختمها بقوله: (فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير).
فأنت ترى من الأمر بالركوع والسجود وعبادة الله، وفعل الخير وتأكيد ذلك بالأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة ما يتناسب مناسبة ظاهرة مع مفتتح السورة وما ذكر فيها من صفات المؤمنين من الصلاة والزكاة، وغيرها من الصفات.(1/3)
لقد ابتدأت السورة بقوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)وفي هذا النص تقرير لفلاح المؤمنين، وإخبار بحصوله في حين كان الفلاح مرجواً لهم في السورة قبلها.فقد أمرهم بالركوع والسجود، ليرجى لهم الفلاح، وهنا تحقق الفلاح بعد أن فعلوا ما أمرهم به ربهم. وفهناك طلب وترج هنا تنفيذ وحصول، فانظر التناسب اللطيف في التعبير، وكيف وضعه فنياً بديعاً. فقد بدأ بالأمر والطلب من الذين آمنوا وأن يفعلوا ما يأمرهم به ربهم، فاستجاب الذين آمنوا، ففعلوا أمرهم به، فوقع لهم الفلاح على وجه التحقيق، ثم انظر كيف طلب منهم ربهم وكيف استجابوا؟
قال: ( يا أيها الذين آمنوا) فناداهم بالصيغة الفعلية الدالة على الحدوث، فاستجابوا واتصفوا بذلك على وجه الثبات، فوصفهم بالصيغة الاسمية (المؤمنون) الدالة على الثبوت.
ثم قال: (اركعوا واسجدوا)، وقال: (فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة)، فاتصفوا بما أمرهم به ربهم على وجه الثبات، فوصفهم بالصيغة الإسمية فقال: (الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون).
ثم قال: (لعلكم تفلحون) بصيغة ترجي الفلاح ثم أخبر أنهم بعد أن قاموا بما أمرهم به ربهم، أن الفلاح قد وقع على جهة التحقيق والتأكيد، فجاء بـ (قد) الداخلة على الفعل الماضي، وهي تفيد التحقيق والتوقع والتقريب. فقد كان الفلاح متوقعاً مرجواً لهم، فحصل ما توقعوه وتحقق عن قريب. فما أسرع ما نفذوا وما أسرع ما تحقق لهم الفلاح!
فانظر كيف اقتضى التعبير (قد) من جهات عدة، وانظر ارتباط كل ذلك بالسورة قبلها.
قال في أول السورة: (قد أفلح المؤمنون)، وقال في خاتمتها: (إنه لا يفلح الكافرون) فانظر التناسب بين مفتتح السورة وخاتمتها، وانظر التناسب بين هذا المفتتح وخاتمة السورة قبلها.(1/4)
ثم ذكر أول صفة للمؤمنين، وهي الخشوع في الصلاة فقال: (الذين هم في صلاتهم خاشعون) والخشوع في الصلاة، يعني خشية القلب وسكون الجوارح، وهو روح الصلاة، والصلاة من غير خشوع، جسد بلا روح" .
وهو ـ أي الخشوع ـ أمر مشترك بين القلب والجوارح، فخشوع الجوارح، سكونها وترك الالتفات، وغض البصر وخفض الجناح. وخشوع القلب خضوعه وخشيته وتذلله وإعظام مقام رب، وإخلاص المقال وجمع الهمة .
" وكان الرجل إذا قام إلى الصلاة، هاب الرحمن أن يشد بصره، إلى شيء، أو يحدث نفسه بشأن من شؤون الدنيا"http://www.55a.net/firas/admin_firas_section/control.php?addnews=1 - _ftn4.
وتقديم الوصف بالخشوع في الصلاة على سائر الصفات المذكورة بعده "ما لا يخفى من التنويه بشأن الخشوع"وللبدء بذكره أكثر من سبب يدعوه إلى ذلك، فهو علاوة إلى ذل، فهو علاوة على أهميته، وأنه روح الصلاة، مرتبط بما ورد في ختام السورة السابقة من ذكر الركوع والسجود، فذكر ركني الصلاة الظاهرين، وههنا ذكر الركن الباطن، فاستكمل ما ذكره هناك.
ثم إن السورة مشحونة بجو الخشوع بشقيه سواء مات يتعلق بالقلب، ما يتعلق بالجوارح وبالدعوة إليه بكل أحواله. فقد كرر الدعوة إلى التقوى، والتقوى أمر قلبي، وهي من لوازم الخشوع فقال: (أفلا تتقون).
وقال: (وأنا ربكم فاتقون) .
وقال: (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون) والخشية والإشفاق أمر قلبي، وهما من لوازم الخشوع.
وقال: (والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) [المؤمنون] والوجل أمر قلبي وهو من لوازم الخشوع أيضاً.
وذكر الكفار وذمهم بقوله: (بل قلوبهم في غمرة)، وهذه الغمرة تمتعها منى الخشوع والإعراض عما سوى الله تعالى وذكر القلوب ههنا أمر له دلالته، فلم يقل: (هم في غمرة)، كما قال في مكان آخر من القرآن الكريم (الذاريات 11) بل قال: (قلوبهم في غمرة) والقلب هو موطن الخشوع ومكانه، فإن كان القلب في غمرة، فكيف يخشع؟(1/5)
وقال في ذم الكفار: (فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) فلم يخشوا لأن الخاشع مستكين لربه متضرع متذلل إليه.
وقال: (فاستكبروا وكانوا عالين) والاستكبار والعلو مناقضان للخشوع، إذ الخشوع، تطامن وتذلل وخضوع لله رب العالمين.
فبدء السورة بالخشوع، هو المناسب لجو السورة.
ثم إن البدء به له دلالة أخرى، ذلك أنه ورد في الآثار، أن الخشوع أول ما يرفع من الناس، وقد جاء عن عبادة بن الصامت أنه قال: "يوشك أن تدخل المسجد، فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً" وعن حذيفة أنه قال: "أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، وتنقض عرى الإسلام عروة عروة".
فبدأ بما يرفع أولاً، وختم بما يرفع آخراً، وهو الصلاة، فقال: (والذين هم على صلاتهم يحافظون).
ثم انظر كيف جاء بالخشوع بالصيغة الاسمية الدالة على الثبات ولم يقل: (يخشون) للدلالة على أنه وصف لهم دائم في الصلاة غير عارض، فإنه وصف لهم دائم في الصلاة غير عارض، فإن الصلاة إذا ذهب منها الخشوع كانت ميتة بلا روح.
ثم انظر كيف أنه لما وصفهم بالإيمان على جهة الثبوت، وصفهم بالخشوع في الصلاة على جهة الثبوت والدوام أيضاً فإنه لو قال: (يخشون) لصح الوصف لهم وإن حصل لحظة في القلب أو الجارحة في حين أنه يريد أن يكون لهم الاتصاف في القلب والجوارح ما داموا في الصلاة.
وتقديم الجار والمجرور (في صلاتهم) على (خاشعون) له دلالته أيضاً، ذلك أن التقديم يفيد العناية والاهتمام، فقدم الصلاة لأنها أهم ركن في الإسلام حتى أنه جاء في الأثر الصحيح، أن تاركها كافر هادم للدين، وحتى أن الفقهاء اختلفوا في كفر تاركها فمنهم من قال: إن تاركها كافر، وإن نطق بالشهادتين.
في حين أنه لو قدم الخشوع، لكان المعنى أن الخشوع أهم، وليس كذلك فإن الصلاة أهم. والصلاة من غير خشوع أكبر وأعظم عند الله من خشوع بلا صلاة، فإن المصلي، وإن لم يكن خاشعاً أسقط فرضه وقام بركنه بخلاف من لم يصل.(1/6)
وق تقول: وكيف يكون خشوع بلا صلاة؟
فنقول: إن الخشوع وصف قلبي وجسمي، يكون في الصلاة وغيرها، ويوصف به الإنسان وغيره. قال تعالى: (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً [طه]، فوصف الأصوات بالخشوع.
وقال: (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة) [المعارج] فوصف الأبصار بالخشوع.
وقال: (وجوه يومئذ خاشعة) [الغاشية] فوصف الوجوه به.
وقال: (ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) [الحديد] فوصف القلب بالخشوع.
وليس ذلك مقصوراً على الصلاة كما هو واضح قال تعالى: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل غليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً) [آل عمران]
وقال: (إنهم كانوا يسرعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) [الأنبياء].
وقال: (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي) [الشورى].
فتقديم الصلاة ههنا أهم وأهم.
وقال بعدها: (والذين هم عن اللغو معرضون)
اللغو:"السقط، وما لا يعتد به من كلام، وغيره ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع وفي (الكشاف) "إن: اللغو ما لا يعنيك من قول أو فعل، كاللعب والهزل وما توجب المروءة إلغاءه وإطراحه" .
وقال الزجاج: "اللغو: هو كل باطل ولهو وهزل ومعصية، وما لا يجمل من القول والفعل.
وقال الحسن: إنه المعاصي كلها.
فاللغو جماع لمل ينبغي اطّراحه من قول وفعل. ووضع هذه الصفة يجنب الخشوع في الصلاة ألطف شيء وأبدعه، فإن الخاشع القلب الساكن الجوارح أبعد الناس عن اللغو والباطل. إذ الذي أخلى قلبه لله وأسكن جوارحه، وتطامن وهدأ ابتعد بطبعه عن اللغو والسقط وما توجب المروءة اطّراحه.
جاء في (الكشاف): "لما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس اللذين هما قاعدتا بناء التكليف" ويعني بالفعل الخشوع، وبالترك الإعراض عن اللغو.(1/7)
والحق إن الخشوع أمر يجمع بين الفعل والترك، ففيه من الفعل جمع الهمة وتذللك القلب وإلزامه التدبر والخشية، وفيه من الترك السكون وعدم الإلتفات وغض البصر وما إلى ذلك.
جاء في (التفسير الكبير): "فالخاشع في صلاته، لا بد وأن يحصل له م ما يتعلق بالقلب نهاية الخضوع والتذلل للمعبود. ومن التروك أن لا يكون ملتفت الخاطر إلى شيء سوى التعظيم. ومما يتعلق بالجوارح، أن يكون ساكناً مطرقاً ناظراً إلى موضع سجوده، ومن التروك أن لا يلتفت يميناً وشمالاً"http://www.55a.net/firas/admin_firas_section/control.php?addnews=1 - _ftn12 .
وما بعده من الصفات المذكورة موزعة بين الفعل والترك، أو مشتركة فيهما كما هو ظاهر.
ولوضع هذه الصفة ـ أعني الإعراض عن اللغو ـ بجنب الخشوع له دلالة أخرى، فإن السورة كما شاع فيها جو الخشوع، كما أسلفنا فإنها شاع فيها أيضاً جو الترك والإعراض، وذم اللغو بأشكاله المختلفة.
فمن ذلك أنه قال: (كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً) والعمل الصالح مناقض للغو وعمل الباطل.
وقال: (فذرهم في غمرتهم حتى حين)،والغمرة هي ما هم فيه من لغو وباطل.
وقال: (أولئك يسارعون في الخيرات هم لها سابقون) والمسارعة في الشيء ضد الإعراض عنه. و(الخيرات) ضد اللغو والباطل.
وقال في وصف الكفار: (قد كانت أياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامراً تهجرون)، والنكوص هو الإعراض، والهجر من اللغو، وهو القبيح من الكلام والفحش في المنطق[13] .
وقال: (أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون) وقولهم: (به جنة) من اللغو. وقوله: (وأكثرهم للحق كارهون) من الإعراض، إذ الكرة للشيء، إعراض نفسي عنه.
وقال في وصوف الكفار: (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) وتنكب الصراط، إعراض عن الحق.
وقال: (بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون).(1/8)
وقال فيهم: (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون)، والطغيان هو الباطل وهو من اللغو.
وقال: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) والعبث هو الباطل، وهو من اللغو واللهو، ووصف الله نفسه بالحق، والحق نقيض الباطل والباطل من اللغو.
وقال: (بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون) ، والحق نقيض الباطل، واللغو والكذب من اللغو في القول، إلى غير ذلك.
فأنت ترى أن السورة مشحونة بجو الدعوة إلى الحق وذم اللغو في القول والعمل.
فوضع هذه الآية في مكانها له دلالته في جو السورة، كما هو في الآية قبلها.
ثم انظر بناء هذه الآية، فإنه جعلها اسمية المسند، فلم يقل: (والذين لا يلغون)، أو (عن اللغو يعرضون)، وقدم الجار والمجرور (عن اللغو) على اسم الفاعل (معرضون) ولكلٍ سبب فعن قوله: (عن اللغو معرضون) أبلغ من (لا يلغون) ذلك أن الذي لا يغو، قد لا يعرض عن اللغو بل قد يستهويه، ويميل إليه بنفسه ويحضر مجالسه، أما الإعراض عنه، فغنه أبلغ من عدم فعله، ذلك أنه أبعد في الترك، فإن المعرض عن اللغو علاوة على عدم فعله ينأى عن مشاهدته وحضوره وسماعه، وإذا سمعه أعرض عنه كما قال تعالى: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) [القصص] فهم لم يكتفوا بعدم المشاركة فيه، بل هم ينأون عنه.
ثم إن التعبير باسمية المسند، يشير إلى أن إعراضهم عن اللغو، وصف ثابت فيهم، وليس شيئاً طارئاً. وهو مع ذلك متناسب مع ما ذكر فيهم من الصفات الدالة على الثبوت.(1/9)
وأما تقديم الجار والمجرور (عن اللغو) فهو للاهتمام والحصر، إذ المقام يقتضي أن يقدم المعرض عنه لا الإعراض فإن الإعراض قد يكون إعراضاً عن خير كما قال تعالى: (بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون) [المؤمنون] فتقديم الباطل من القول والفعل ليخبر أنهم معرضون عنه هو الأولى. كما أنة فيه حصراً لما يعرض عنه، إذ الإعراض لا ينبغي أن يكون عن الخير، بل الخير ينبغي أن يسارع فيه، فتقديم الجار والمجرور ليس لفواصل الآيات فقط، وإن كانت الفاصلة تقتضيه بل لأن المعنى يقتضيه أيضاً.
جاء في (روح المعاني): إن قوله: (والذين هم عن اللغو معرضون) "أبلغ من أن يقال: (لا يلغون) من وجوه: جعل الجملة اسمية دالة على الثبات والدوام، وتقديم الضمير المفيد لتقوي الحكم بتكرير، والتعبير في المسند بالاسم الدجال على شاع على الثبات، وتقديم الظروف عليه المفيد للحصر، وإقامة الإعراض مقام الترك ليدل على تباعدهم عنه رأساً مباشرة وتسبباً وقيلاً وحضوراً، فإن أصله أن يكون في عرض أي ناحية غير عرضه".
ثم قال بعدها: (والذين هم للزكاة فاعلون).
إن هذا التعبير يجمع معاني عدة كلها مرادة لا تؤدي في أي تعبير آخر. فإنه لو حذف اللام من (الزكاة) لكونها زائدة مقوية، كما ذهب بعضهم، أو قدم (فاعلون) على (الزكاة) فحذف اللام أو أبقاها، أو بدل (مؤتون) بـ (فاعلون) لم يؤد المعاني التي يؤديها هذا التعبير البليغ، وهذا النظم الكريم، وهي معان جليلة مرادة كلها.
فعن (الزكاة) اسم مشترك بين عدة معان، فقد يطلق على القدر الذي يخرجه المزكي من ماله إلى مستحقه، أي: قد تطلق على المال المخرج.
وقد يطلق على المصدر بمعنى: التزكية، وهو الحدث، والمعنى: إخراج القدر المفروض من الأموال إلى مستحقه.
وقد يكون بمعنى العمل الصالح، وتطهير النفس من الشرك والدنس، كما قال تعالى: (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة و أقرب رحماً) [الكهف].(1/10)
وقال: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) [الأعلى].
وقال: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) [الشمس] أي: أفلح من طهر نفسه وخلصها من الدنس والسوء.
وهذه المعاني مجتمعة يصح أن تكون مرادة في هذا التعبير.
ذلك أنه يصح أن يكون المعنى: والذين هم يؤدون الزكاة، وذلك على تضمين (فاعلون) معنى (مؤدون) أو على تقدير مضاف محذوف، أي: والذين هم لأداء الزكاة فاعلون. فأصل الكلام على هذا: (والذين هم فاعلون الزكاة) فالزكاة مفعول به لاسم الفاعل (فاعلون)، ثم قدم المفعول للاختصاص فصار (الزكاة فاعلون) كما تقول: (أما زيداً ضارب)، ثم زيدت اللام لتوكيد الاختصاص، وهو قياس مع مفعول اسم الفاعل تقدم أو تأخر، كما قال تعالى: (وهو الحق مصدقاً لما معهم) [البقرة].
وتسمى هذه اللام لام التقوية. وبهذين التقديرين يكون المقصود بالزكاة اسم العين، وهو المال الذي يخرج لمستحقه.
ويصح أن تكون (الزكاة) بمعنى التزكية وهو الحدث، أي: فعل المزكي، فيكون (فاعلون) بمعناها فيكون أصل التعبير (فاعلون الزكاة) ومعنى (فعل الزكاة) زكى، أو أخرج الزكاة، كمل يقال للضارب فعل الضرب.
جاء في (الكشاف): "الزكاة اسم مشترك بين عين ومعنى. فالعين القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب إلى الفقير. والمعنى: فعل المزكي الذي هو التزكية، وهو الذي أراده الله فجعل المزكين فاعلين له. ولا يسوغ فيه غيره، لأنه ما من مصدر إلا يعبر عن معناه بالفعل. ويقال لمحدثه: فاعل، تقول للضارب: فاعل الضرب، وللقاتل: فاعل القتل، وللمزكي: فاعل التزكية، وعلى هذا الكلام كله.
والتحقيق أنك تقول في جميع الحوادث: من فاعل هذا؟ فيقال لك: فاعله الله أو بعض الخلق. ولم يمتنع الزكاة الدالة على العين، أن يتعلق بها (فاعلون) لخروجها من صحة أن يتناولها الفاعل، ولكل لأن الخلق ليسوا بفاعليها .. ولا يجوز أن يراد بالزكاة العين، ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء".(1/11)
وجاء في (البحر المحيط): "والزكاة إن أريد بها التزكية صح نسبة الفعل إليها، إذ كل ما يصدر صح أن يقال فيه فعل. وإن أريد بالزكاة قدر ما يخرج من المال للفقير، فيكون على حذف: أي لأداء الزكاة فاعلون، إذ لا يصح فعل الأعيان من المزكي أو يضمن (فاعلون) بمعنى (مؤدون) وبه شرحه التبريزي".
وجاء في (روح المعاني): "الظاهر أنم المراد بالزكاة المعنى المصدري ـ أعني التزكية ـ لأنه الذي يتعلق به فعلهم. وأما المعنى الثاني، وهو القدر الذي يخرجه المزكي فلا يكون نفسه مفعولاً لهم فلا بد إذا أريد من تقدير مضاف، أي لأداء الزكاة فاعلون. أو تضمن (فاعلون) معنى (مؤدون) وبذلك فسره التبريزي إلا أنه تعقب بأنه لا يقال: (فعلت الزكاة)، أي: أديتها. وإذا أريد المعنى الأول أدى وصفهم بفعل التزكية إلى أداء العين بطريق الكناية التي هي أبلغ، وهذا أحد الوجوه للعدول عن (والذين يزكون) إلى ما في النظم الكريم"[18] .
وجاء في (فتح القدير): "و معنى فعلهم للزكاة تأديتهم للها فعبر عن التأدية بالفعل لأنها مما يصدق عليه الفعل، والمراد بالزكاة هنا المصدر، لأنه الصادر عن الفاعل. وقيل: يجوز أن يراد بها العين على تقدير مضاف، أي: والذين هم لتأدية الزكاة فاعلون"[19] .
ويصح أن تكون الزكاة بمعنى العمل الصالح وتطهير النفس، فيحتمل أن تكون اللام زائدة مقوية دخلت على المفعول به (الزكاة) فيكون معنى (فهل الزكاة) فعل العمل الصالح وتطهير النفس كما يقال: (فعل خيراً، أو فعل شراً) فيكون معنى الآية: (الذين هم فاعلون العمل الصالح وتطهير النفس) واللام زائدة في المفعول ويسمونها مقوية وهي تفيد توكيد الاختصاص في المفعول المقدم، أي:لا يفعلون إلا ذاك
ويحتمل أن تكون اللام لام التعليل، أي: يفعلون من أجل الزكاة، أي: هم عاملون من أجل تزكية نفوسهم وتطهيرهم والمفعول محذوف، فيكون الفعل عاماً، وهو كل ما يؤدي إلى الخير وتطهير النفس.(1/12)
جاء في (روح المعاني): "وعن أبي مسلم، أن الزكاة هنا بمعنى العمل الصالح كما في قوله تعالى: (خيراً منه زكاة) واختار الراغب أن الزكاة بمعنى الطهارة، واللام للتعليل والمعنى: والذين يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكيهم الله تعالى، أو يزكوا أنفسهم ... قال صاحب "الكشاف" معنى الآية، الذين هم لأجل الطهارة وتزكية النفس عاملون الخير. ويرشد إلى ذلك قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) و (قد أفلح من زكاها)".
وجاء في (البحر المحيط): "وقيل (للزكاة) للعمل الصالح كقوله: (خيراً منه زكاة)، أي: عملاً صالحاً. قاله أبو مسلم. وقيل: الزكاة هنا: النماء والزيادة. واللام، لام العلة ومعمول فاعلون محذوف التقدير: والذين هم لأجل تحصيل النماء والزيادة فاعلون الخير".
فالزكاة إذن تحتمل العبادة المالية، وتحتمل العمل الصالح والتطهير والنماء، واللام تحتمل التقوية، وتحتمل التعليل، وهذه المعاني كلها مرادة مطلوبة، فهو يريد الذين يؤدون الزكاة، ويفعلون العمل الصالح، وتطهير النفس ويفعلون من أجل ذلك. ولا تجتمع هذه المعاني في أي تعبير آخر.
فلو أبدل كلمة (مؤتون) مكان (فاعلون) لاقتصر الأمر على زكاة المال، ولو حذف اللام، لم يفد معنى التعليل، فانظر كيف جمع عدة معان بأيسر سبيل.
جاء في (تفسير ابن كثير): "الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة. والظاهر أن التي فرضت بالمدينة، إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجباً بمكة وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة ههنا زكاة النفس منى الشرك والدنس كقوله: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مراداً وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال فغنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل،ة هو الذي يفعل هذا وهذا، والله أعلم"[22] .(1/13)
وتقديم الزكاة للاهتمام والعناية والقصر، أي: لا يفعلون إلا الخير، والزكاة منها.
وقد تقول: ولم لم يقل: (والذين هم للصلاة فاعلون)، كما قال: (والذين هم للزكاة فاعلون)؟
والجواب: أن إخراج النصاب إلى مستحقه كاف لأداء فريضة الزكاة، وليس وراءه شيء يتعلق بها، فإن لم يفعل ذلك فلا زكاة. أما فعل الصلاة من قيام وقعود وركوع وسجود مع هيئاتها الأخرى، فليس بكاف، بل ينبغي أن يكون مع ذلك خشوع وتدبر وحضور قلب وسنن، وآداب تكمل هذه الأفعال الظاهرة وتتمها، ولذلك قال r: "لك من صلاتك ما عقلت منها"،فأتضح الفرق بينهما.
وقال بعدها: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون).
قيل: المعنى: أنهم ممسكون لفروجهم على أزواجهم، وما ملكت أيمانهم.
جاء في (البحر المحيط): (حفظ) لا يتعدى بعلى ... والأولى أن يكون من باب التضمين ضمن (حافظون) معنى ممسكون أو قاصرون، وكلاهما يتعدى بعلى كقوله: (أمسك عليك زوجك)"
وجاء في (فتح القدير): "ومعنى حفظهم لها أنهم ممسكون لها بالعفاف عما لا يحل لهم... وقيل: إن الاستثناء من نفي الإرسال المفهوم من الحفظ. أي: لا يرسلونها على أحد إلا على أزواجهم. وقيل: المعنى: إلا والين على أزواجهم وقوامين عليهم".
إن اختيار هذا التعبير اختيار عجيب، وفيه آيات عظيمة لمن تدبر ونظر. ذلك أنه قال: (والذين هم لفروجهم حافظون)، ولم يقل (ممسكون) أو نحو ذلك مما فسر به. وفي اختيار (الحفظ) سر بديع، ذلك أن الذي يمسك فرجه عما لا يحل يكون حافظاً لنفسه ولفرجه من الآفات والأمراض والأوجاع التي تصيبه، وهي أمراض وبيلة وخيمة العاقبة. ومن أرسله في المحرمات، فإنما يكون قد ضيعه وضيع نفسه.
جاء في الحديث: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا"[25] .(1/14)
واختيار: (غير ملومين) في قوله: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)، اختيار لطيف، ذلك أنه علاوة على ما يفيده ظاهر النص من أن الذي يعتدي على أعراض الناس ملوم على ما فعل، فإنه يفيد أيضاً أن الذي يبتغي وراء ما ذكر ملوم من نفسه ومن الناس لما يحدث في نفسه وفيهم من أضرار وأمراض فه يلوم نفسه على ما أحدث فيها من أوجاع وعاهات مستديمة، وعلى ما أحدث في زوجه وعائلته. وحتى ولده الذي لا يزال جنيناً في بطن أمه قد يصيبه من عقابيل ذلك ما يجعله شقياً معذباً طوال حياته، وملوم من المجتمع على ما أحدثه في نفسه وعلى ما يحدثه فيهم من أمراض معدية مهلكة. فمن حفظ فرجه فهو غير ملوم، وإلا فهو ملوم أشد اللوم.
ثم قال: (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون).
و(العادون) هم المعتدون، ومعنى الآية: أن هؤلاء هم "الكاملون في العدوان المتناهون فيه" فإنه لم يقل: (فأولئك عادون) أو (من العادين) بل قال: (فأولئك هم العادون) للدلالة على المبالغة في الاعتداء من جهة أن العرض أثمن وأعلى من كل ما يعتدى عليه وينال منه، ومن جهة أن هؤلاء هم أولى من يوصف بالعدوان، لأنهم يعتدون على أنفسهم بما يجرون على أزواجهم وعوائلهم، بما ينقلونه إليهم من هذه الأوجاع والأمراض، ويعتدون على أولادهم وعلى الجيل اللاحق من أبنائهم، ممن لم يظهر إلى الدنيا بما يلحقونه بقهم منة هذه الآفات المستديمة، ويعتدون على المجتمع الذي يعيشون فيه، بما ينقلونه إليه من أمراض معدية مرعبة وما (الإيدز) إلا واحد من هذه الأمراض الوبيلة المرعبة. أفهناك عدوان أوسع من هذا العدوان وأخطر منه؟
نحن نعرف أن المعتدي قد يتعتدي على بيت أو قبيلة، أما أن يمتد العدوان إلى الإنسان نفسه وأولاده وزوجه وربما إلى طبيبه الذي يعالجه، وإلى الجيل الذي لم يظهر بعد، وإلى المجتمع على وجه العموم، فهذا شر أنواع العدوان وأولى بأن يوسم صاحبه به.(1/15)
أفرأيت العلو في الاختيار والجلالة فيه، إنه لا يؤدي تعبير آخر مؤداه.
إنه لم يقل: (فأولئك هم الضالون) أو (أولئك هم الخاطئون) أو (الفاسقون)، مما إلى ذلك مع أنهم منهم، لأن هذه صفات فردية، وليس فيها إشارة إلى العدوانية، كما ليس فيها إشارة إلى الخطر الهائل الذي يحيق بالمجتمع من جراء ذلك.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن ذلك أنسب مع قوله: (غير ملومين) فإن المعتدي ملوم على عدوانه أكثر من صاحب الأوصاف التي ذكرناها.
وهناك أمر آخر لاءم بين ذكر هذه الصفات، هو أن الصفات المذكورة كلها ذات علاقة بالآخرين، وليست فردية، فالذي لا يحفظ فرجه، إنما يرسله فيما لا يحل له من أفراد المجتمع، وقوله: (غير ملومين) كذلك فغن الملوم يقتضي لائماً، وقد فعل ما يقتضي اللوم من الآخرين، وقوله: (هم العادون) كذلك فإن العادي يقتضي معتدى عليه، ولا يسمى عادياً حتى يكون ثمة معتدى عليه. فالصفات هذه كلها كما ترى ليست فردية. فانظر التناسب اللطيف بينها.
ثم انظر كيف اختار التعبير عن هذه الصفات بالصيغة الاسمية فقال: (حافظون) و (ملومين) و (العادون) للدلالة على ثبات هذه الصفات. فقوله: (والذين هم لفروجهم حافظون) يفيد ثبات الحفظ ودوامه وعدم انتهاكه على سبيل الاستمرار، لأن هذا لا ينبغي أن يخرم ولو مرة واحدة.
ومن فعل ذلك على وجه الدوام فإنه غير ملوم على وجه الدوام، أيضاً فإن خالف ليم على ذلك. والذي يبتغي وراء ذلك، ويلهث وراء الفاحشة، فهو معتد على وجه الثبات أيضاً، وقد يثبت هذا العدوان، فلا يمكن إزالته أبداً، وذلك ببقاء آثاره على نفسه وعلى الآخرين.
فانظر رفعة هذا التعبير وجلاله.
ثم قال بعدها: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)(1/16)
وجه ارتباط هذه الآية بما قبلها ظاهر، إذ أن كلا من الفروج والأمانات ينبغي أن يحفظ، فالفروج ينبغي أن تحفظ وتصان وكذلك الأمانات. ومن لم يحفظ الأمانة والعهد، فهو ملوم كما هو شأن من لم يحفظ فرجه. ومن ابتغى ما لا يحل من الفروج عاد، وكذلك الباغي على الأمانة عاد ظالم.
وقد قدم الأمانة على العهد، وجمع الأمانة وأفرد العهد. أما جمع الأمانة، فلتعددها وتنوعها فهي كثيرة جداً، فمن ذلك ما يؤتمن عليه الشخص من ودائع الناس وأموالهم، ومنها ما يطلع عليه من أسرار الناس وأحوالهم، ومنها الأقوال التي يسمعها ويستأمن عليها مما لا يصح أن يذيعه منها، ومنها أن يودع شخص أهلاً له عند شخص حتى يعود ويقول له: هؤلاء أو صغاري عندك أمانة حتى أعود، أو حتى يكبروا، فهو يتولى أمرهم ويرعاهم، والزرع قد تجعله أمانة عند شخص فيرعاه ويتعهده ويحفظه، والحكم أمانة، والرعية أمانة عند أميرهم ومتولي أمرهم، والقضاء أمانة ثقيلة، والشرع أمانة، قال تعالى: ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال) [الأحزاب].
جاء في (البحر المحيط): "والأمانة الظاهر أنها كل ما يؤتمن عليه من أمر ونهي، وشأن ودين ودنيا، والشرع كله أمانة، وهذا قول الجمهور ولذلك قال أبي بن كعب: من الأمانة أن اؤتمنت المرأة على فرجها".
وفي الحديث(المؤذن مؤتمن) يعني: أن المؤذن أمين الناس على صلاتهم وصيامهم، فصلاة الناس وصيامهم أمانة عنده. وفي الحديث أيضاً: (المجالس بالأمانة) و "هذا ندب إلى ترك إعادة ما يجري في المجلس من قول أو فعل، فكان ذلك أمانة عند من سمعه أو رآه. والأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والثقة والأمان، وقد جاء في كل منها حديث"، وفي الحديث: "الإيمان أمانة ولا دين لمن لا أمانة له" وفي حديث آخر: "لا إيمان لمن لا أمانة له" وفي الحديث: "أستودع الله دينك وأمانتك" أي: أهلك، ومن تخلفه بعدك منهم، ومالك الذي تودعه" .(1/17)
جاء في (روح المعاني) في قوله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون): "الآية عند أكثر المفسرين عامة في كل ما ائتمنوا عليه، وعوهدوا من جهة الله تعالى، ومن جهة الناس كالتكاليف الشرعية والأموال المودعة والإيمان والنذور والعقود ونحوها. وجمعت الأمانة دون العهد قيل: لأنها متنوعة متعددة جداً بالنسبة إلى كل مكلف من جهته تعالى، ولا يكاد يخلو مكلف من ذلك ولا كذلك العهد" .
وجاء فيه أيضاً: "وكأنه لكثرة الأمانة، جمعت ولم يجمع العهد، قيل: إيذاناً بأنه ليس كالأمانة كثرة، وقيل: لأنه مصدر، ويدل على كثرة الأمانة ما روى الكلبي: كل أحد مؤتمن على ما افترض عليه من العقائد والأقوال والأحوال والأفعال، ومن الحقوق في الأموال، وحقوق الأهل والعيال وسائر الأقارب والمملوكين والجار وسائر المسلمين. وقال السدي: إن حقوق الشرع كلها أمانات قد قبلها المؤتمن وضمن أداءها بقبول الإيمان. وقيل: كل ما أعطاه الله تعالى للعبد من الأعضاء وغيرها أمانة عندهن، فمن استعمل ذلك في غير ما أعطاه لأجله، وأذن سبحانه له به، فقد خان الأمانة.
فقد رأيت من تعددها وتنوعها وتشعبها، ما يدعو إلى جمعها وليس كذلك العهد، فأفرد العهد وجمع الأمانة. وأما تقديمها على العهد، فلأهميتها كما رأيت، وحسب ذلك أن يكون الشرع كله كما مر، وحسبك منذ لك قوله r: " الإيمان أمانة، ولا دين لمن لا أمانة له" وقوله: لا إيمان لمن لا أمانة له".
وجاء في (فتح القدير): "والأمانة أعم من العهد، فكل عهد أمانة".
أما اختيار كلمة (راعون) مع الأمانة والعهد دون (الحفظ) الذي استخدم مع الفروج، فله سبب لطيف ذلك أن (راعون) اسم فاعل من (رعى) وأصل الرعي حفظ الحيوان، وتولي أمره وتفقد شأنه.
جاء في (الكشاف): "والراعي القائم على الشيء بحفظ وإصلاح، كراعي الغنم وراعي الرعية. ويقال: من راعي هذا الشيء؟ أي: متوليه وصاحبه".(1/18)
وجاء في (روح المعاني) تفسير (راعون): "قائمون بحفظها وإصلاحها. وأصل الرعي، حفظ الحيوان، إما بغذائه الحافظ لحياته أو بذب العدو عنه، ثم استعمل في الحفظ مطلقاً".
فالرعي ليس مجرد الحفظ، بل هو الحفظ والإصلاح والعناية بالأمر وتولي شأنه، وتفقد أحواله وما إلى ذلك. وهذا ما يتعلق بالأمانة كثيراً وليس مجرد الحفظ كافياً. فمن ائتمن عندك أهله وصغاره، فلا بد من أن تتفقد أمورهم وتنظر في أحوالهم وحاجاتهم علاوة على حفظهم، وكذلك من تولى أمر الرعية، ونحوه من اؤتمن على زرع أو ضرع، وكذلك ما حمله الله للإنسان من أمر الشرع يحتاج إلى قيام به وتحر للحق فيما يرضي الله وما إلى ذلك من أمور لا يصح معها مجرد الحفظ، فالرعاية أشمل وأعم.
ثم إن هناك فرقاً آخر رعي الأمانة وحفظ الفروج، ذلك أن الفروج جزء من الإنسان، هي لا تند عنه، أما الأمانات فقد تكون في أماكن متعددة، وربما تكون أماكن حفظها نائية عنه، فهي تحتاج إلى تفقد ورعاية كما يحتاج الحيوان إلى حفظه من الذئاب والوحوش الضارية. وقد يصعب على الإنسان المحافظة على الأمانة، من العادين واللصوص فيضطر إلى تخبئتها في أماكن لا ينالها النظر ولا يطولها التفتيش، فكان على المؤتمن أن ينظر في حفظها كما ينظر الراعي لها أنسب من الحفظ.
ثم إن اختيار كلمة (راعون) بالصيغة الاسمية دون الفعلية له سببه، فإنه لم يقل: (يرعون) ذلك ليدل على لزوم ثبات الرعي ودوامه وعدم الإخلال به البتة.
وأما تقديم الأمانة والعهد على (راعون) فللاهتمام والعناية بأمرهما، وللدلالة على أنهما أولى ما يرعى في هذه الحياة.
وزيادة اللام، تفيد الزيادة في الاختصاص وتوكيد. وتفيد فائدة أخرى إلى جانب ما ذكرت، ذلك أن كلمة (الراعي) قد تكون بمعنى الصاحب، تقول: (من راعي هذه الديار؟) و (من الراعي لهذه الدار؟) أي: من صاحبها ومتولي أمرها؟(1/19)
فيكون المعنى على هذا: والذين هم أصحاب الأمانات والعهود، أي: هم أهلها ومتولوها لو قيل بدل ذلك: الذين هم يرعون الأمانة والعهود، لم تفد هذه الفائدة الجليلة.
ثم قال بعد ذلك: (والذين هم على صلواتهم يحافظون)
فختم بالمحافظة على الصلاة، وهي آخر ما يفقد من الدين، كما في الحديث الشريف، فلعل الختم بالمحافظة عليها إشارة إلى ذلك، أي أنها خاتمة عرى الإسلام.
إن ذكر الصلاة في البدء والخاتمة تعظيم لأمرها أيما تعظيم.
جاء في (روح المعاني): "وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة تعظيم لشأنها وتقديم الخشوع للاهتمام به، فإن الصلاة بدونه كلا صلاة بالإجماع، وقد قالوا: صلاة بلا خشوع جسد بلا روح" .
فقد بدأ بالخشوع في الصلاة، وكأنه إشارة إلى أول ما يرفع، وختم بالمحافظة عليها إشارة إلى آخر ما يبقى، والله أعلم.
والخشوع غير المحافظة، فالخشوع أمر قلبي متضمن للخشية والتذلل، وجمع الهمة والتدبر، وأمر بدني وهو السكون في الصلاة كما سبق ذكره فهو صفة للمصلي في حال تأديته لصلاته. وأما المحافظة فهي المواظبة عليها، وتأديتها وإتمام ركوعها وسجودها وقراءتها والمشروع من أذكارها، وأن يوكلوا نفوسهم بالاهتمام بها، وبما ينبغي أن تتم به أوصافها.
وقيل: "المراد يحافظون عليها بعد فعلها من أن يفعلوا ما يحبطها ويبطل ثوابها".
وكل ذلك مراد، لأنه من المحافظة عليها.
وذكرت الصلاة أولاً بصورة المفرد ليدل ذلك على أن الخشوع مطلوب في جنس الصلاة، ففي كل صلاة ينبغي أن يكون الخشوع، أياً كانت الصلاة فرضاً أو نافلة، فالصلاة ههنا تفيد الجنس.
وذكرت آخراً بصورة الجمع للدلالة على تعددها من صلوات اليوم والليلة إلى صلاة الجمعة والعيدين وصلاة الجنازة، وغيرها من الفرائض والسنن، فالمحافظة ينبغي أن تكون على جميع أنواع الصلوات.(1/20)
جاء في (الكشاف): "وقد وحدت أولاً ليفاد الخشوع في جنس الصلاة، أس صلاة كانت، وجمعت آخراً لتفاد المحافظة على أعدادها وهي: الصلوات الخمس والوتر والسنن الرتبة على كل صلاة، وصلاة الجمعة والعيدين والجنازة والاستسقاء والكسوف، وصلاة الضحى والتهجد وصلاة التسبيح وصلاة الحاجة وغيرها من النوافل"[39] .
واستعمال الجمع مع المحافظة أنسب شيء للدلالة على المحافظة عليها بأجمعها. وقد جيء بالفعل المضارع، فقال: (والذين هم على صلواتهم يحافظون)، بخلاف ما مر من الصفات للدلالة على التجدد والحدوث، لأن الصلوات لها مواقيت وأحوال تحدث وتتجدد فيها فيصلى لكل وقت وحالة، فليس فيها من الثبوت ما في الأوصاف التي مرت، فهناك فرق مثلاً بينها وبين قوله: (الذين هم في صلاتهم خاشعون)، لأن الخشوع ينبغي أن يكون مستمراً ثابتاً في الصلاة لا ينقطع، فهو صفة ثابتة فيها. وكذلك قوله: (والذين هم عن اللغو معرضون) فإنه ينبغي أن يكون الإعراض عن اللغو دائماً مستمراً لا ينقطع، وكذلك قوله: (والذين هم لفروجهم حافظون) فإن حفظ الفروج ثابت دائم.
وأما العطف بالواو في كل صفة من هذه الصفات، فللدلالة على الاهتمام بكل صفة على وجه الخصوص، وهذا ما تفيده الواو من عطف الإخبار والصفات .
وكذلك ذكر الاسم الموصول مع كل صفة، فإنه يدل على الاهتمام والتوكيد، فإنه لم يقل مثلاً: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، وعن اللغو معرضون وللزكاة فاعلون ...الخ) بل كرر الموصول مع كل صفة للدلالة على توكيد هذه الصفات، وأهمية كل صفة.
جاء في (تفسير فتح القدير): "وكرر الموصولات للدلالة على أن كل وصف من تلك الأوصاف لجلالته، يستحق أن يستقل بموصوف متعدد"[41] .
ثم قال بعد ذلك: (أولئك هم الوارثون)(1/21)
فجاء بضمير الفصل والتعريف في الخبر، للدلالة على القصر، أي: هؤلاء الجامعون لهذه الأوصاف، هم الوارثون الحقيقيون وليس غيرهم ثم فسر هذا الإبهام ثم الإيضاح بعده من الفخامة ما فيه.
جاء في (الكشاف): (أولئك) الجامعون لهذه الأوصاف (هم الوارثون) الأحقاء بأن يسموا وراثاً دون عداهم ثم ترجم الوارثين بقوله: (الذين يرثون الفردوس) فجاء بفخامة وجزالة لإرثهم لا تخفى على الناظر" .
ثم انظر إلى تقديم الجار والمجرور على الخبر، في قوله: (هم فيها خالدون) للدلالة على القصر وتناسب ذلك مع التقديم في الأوصاف السابقة: في صلاتهم خاشعون، للزكاة فاعلون، لفروجهم حافظون، لأماناتهم وعهدهم راعون، فجازاهم من جنس عملهم، فإن أولئك الذين قصروا أعمالهم على الخير، قصر الله خلودهم في أعلى الجنة، وهو الفردوس، فلا يخرجون عنه إلى ما هو أدنى درجة منه، فكان خلودهم في الفردوس لا في غيره. والفردوس أعلى الجنة وأفضلها ومنه تتفجر أنهار الجنة كما جاء في الحديث.
*مقارنة بين صفات المؤمنين فى سورتى المؤمنون والمعارج: (د.فاضل السامرائى)
إن آيات سورة (المؤمنون) في ذكر فلاح المؤمنين وآيات سورة المعارج في ذكر المعافين من الهلع وقد جعل كل صفة في مواطنها.
سورة المؤمنون ... سورة المعارج
قال تعالى فى سورة (المؤمنون): ... وقال تعالى فى سورة (المعارج):
((1/22)
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ {10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). ... (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا {19} إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا {20} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا {21} إِلَّا الْمُصَلِّينَ {22} الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ {23} وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ {24} لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ {25} وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ {26} وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ {27} إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ {28} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {29} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {30} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {31} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {32} وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ {33} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ{34} أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ ).
((1/23)
قد أفلح المؤمنون) فذكر صفة الإيمان على وجه العموم. المؤمنين بيوم الدين وغيره فما ذكره في سورة (المؤمنون) أكمل. ... (والذين يصدقون بيوم الدين) فذكر ركناً من أركان الإيمان، وهو التصديق بيوم الدين وثمة فرق بين الحالين.
(الذين هم في صلاتهم خاشعون). والخشوع أعم من الدوام ذلك أنه يشمل الدوام على الصلاة، وزيادة فهو روح الصلاة، وهو من أفعال القلوب والجوارح من تدبر وخضوع وتذلل وسكون وإلباد بصر وعدم التفات. والخاشع دائم على صلاته منهمك فيها حتى ينتهي. ... (والذين هم على صلاتهم دائمون)
(والذين هم عن اللغو معرضون) وهو كل باطل من كلام وفعل وما توجب المروءة إطراحه كما ذكرنا. فهذه صفة فضل لم ترد في المعارج ... لم يذكر مثل ذلك
(والذين هم للزكاة فاعلون) أعم وأشمل فالزكاة تشمل العبادة المالية كما تشكل طهارة النفس فهي أعلى مما في المعارج وأكمل فإنه ذكر في المعارج أنهم يجعلون في أموالهم حقاُ للسائل والمحروم. أما الزكاة فإنها تشمل أصنافاً ثمانية وليس للسائل والمحروم فقط، هذا علاوة على ما فيها من طهارة النفس وتزكيتها كما سبق تقريره. ... (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)
(والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فغنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هو العادون واذلين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) ... (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فغنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هو العادون واذلين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)
لم يذكر ذلك ... (والذين هم بشهادتهم قائمون) ذلك أنه في سياق المعاناة من الهلع وقد ذكرنا مناسبة ذلك وعلاقته بالنجاة منه. فاقتضى ذلك ذكره وتخصيصه من بين الأمانات.
((1/24)
والذين هم على صلواتهم يحافظون) بالجمع. والصلوات أعم من الصلاة واشمل والمحافظة على الصلوات أعلى من المحافظة على الصلاة لما فيها من التعدد والفرائض والسنن. ... (والذين هم على صلاتهم يحافظون) بإفراد الصلاة.
فلما كانت الصفات في آيات سورة (المؤمنون) أكمل وأعلى كان جزاؤهم كذلك، فجعل لهم الفردوس ثم ذكر أنهم خالدون فيها، (أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). والفردوس أعلى الجنة وربوتها، وأفضلها، ومنه تتفجر أنهار الجنة. وثم ذكر أنهم فيها خالدون ... (أولئك في جنات مكرمون) ولم يذكر أنهم في الفردوس، ولم يذكر الخلود، فانظر كيف ناسب كل تعبير موطنه. } أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ}
(المؤمنون) المؤمنين وهم المصدقون بيوم الدين وزيادة، وذكر الخشوع في الصلاة، وهو الدوام عليها وزيادة، وذكر فعلهم للزكاة وهي العبادة المالية وزيادة ومستحقوها هم السائل والمحروم وزيادة، وذكر الإعراض عن اللغو وهو زيادة وذكر الصلوات وهي الصلاة وزيادة، ثم ذكر الفردوس وهي الجنة وزيادة في الفضل والمرتبة، وذكر الخلود فيها وهو والإكرام وزيادة.
فانظر ما أجمل هذا التناسب والتناسق، فسبحان الله رب العالمين.
آية (6):
*هل (أو) للتخيير أو الجمع؟(د.فاضل السامرائى)(1/25)
إذا أخذنا الآيات التي تتكلم على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم نلاحظ أنه لما يقول تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) المؤمنون) هل هذه (أو) للتخيير أو الجمع لأنه تعالى قال في (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ (50) الأحزاب) وهنا يتعرض تعالى إلى علم الله في هذين الصنفين ملك اليمين والأزواج لكن عندما يتكلم عن حفظ الفروج دائماً يضع (أو) هل يعني هذا أنه يجب ما ملكت أيمانهم أو أزواجهم؟ هل (أو) للتخيير أو الجمع؟ هي للإباحة.
آية (12):
* ما فائدة تكرار كلمة خلقنا في آية سورة المؤمنون أما كلمة جعل فجاءت مرة واحدة فقط؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة المؤمنون (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}) هناك فرق بين الجعل والخلق فالجعل هو أن تُغيّر الصيرورة فنقول جعلت الماء ثلجاً أي أنه لم يكن فصار كما جاء في قوله تعالى (واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي) لم يكن هارون وزيراً من قبل فصار وزيراً. أما الخلق فهو مرحلة مستقلة عن غيرها والخلق هو من مادة بخلاف الإبداع الذي هو من عدم بدليل قوله تعالى (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) النار مخلوقة قبل الجان. وقوله تعالى (إني خالق بشراً من طين) استخدام حرف من يفيد أن الطين موجود وخلق آدم من مادة موجودة هي الطين أما قوله تعالى (جاعل في الأرض خليفة) لم يكن فيها خليفة فصار فيها.
آية (15):(1/26)
*لماذا في سورة المؤمنون آية 15 و 16 جاء توكيدان في الموت وتوكيد واحد في البعث مع ان الناس يشككون في البعث أكثر ؟(د.فاضل السامرائى)
(ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ {15} ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ {16}) جاء التوكيد في الآية 15 مع ذكر الموت بـ (إنّ) واللام، أما في الآية 16 مع ذكر ابعث جاء التوكيد بـ (إنّ) فقط ولم يأتي باللام لأن هناك قاعدة نحوية أن اللام إذا دخلت على الفعل المضارع أخلصته للحال فلا يصح أن يقال لتبعثون لأنها لن تفيد الإستقبال ولكنها تخلص الفعل المضارع للحال وليس هذا هو المقصود في الآية. يوم القيامة استقبال ولا تصح اللام هنا لأن الكلام على يوم القيامة واللام تخلّصه للحال ولو أن عندي رأي آخر كما جاء في قوله تعالى (إن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة) قال النحاة هذا تنزيل المستقبل تنزيل الماضي.
وفي سورة يوسف الآية (ليسجنن وليكوناً من الصاغرين) النون نون التوكيد التي تخلص الفعل للمستقبل واللام هي لام القسم وليست لام التوكيد هنا.(1/27)
مسألة التوكيد أولاً تعود للسياق ومع أنه أكد الموت توكيدين في آية سورة المؤمنون ومرة واحدة في آية سورة الزمر (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ {30}) ولم يذكر اللام هنا والسبب أنه ذكر الموت في سورة المؤمنون 10 مرات بينما ذكر في سورة الزمر مرتين فقط وتكررت صور الموت في سورة المؤمنون أكثر منها في سورة الزمر ففي سورة المؤمنون الكلام أصلاً عن خلق الإنسان وتطويره وأحكامه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}) وهذا أكبر دليل على أن إعادته ممكنة ولا شك أنها أسهل من الخلق والإبتداء فلهذا جعل سبحانه وتعالى توكيدين في الخلق وتوكيداً واحداً في البعث لأن البعث أهون عليه من الخلق من عدم وكلهما هين على الله تعالى.
الأمر الآخر لو لاحظنا ما ذكره تعالى في خلق الإنسان لتُوهّم أن الإنسان قد يكون مخلّداً في الدنيا لكن الحقيقة أن الإنسان سيموت وكثيراً ما يغفل الإنسان عن الموت وينساق وراء شهواته (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) فيعمل الإنسان عمل الخلود (ألهكم التكاثر) فأراد تعالى أن يُذكّرهم بما غفلوا عنه كما ورد في الحديث الشريف (أكثروا من ذكر هادم اللذات) ثم الآية لم ترد في سياق المنكرين للبعث فليس من الضرورة تأكيد البعث كما أكدّ الموت. وقد أكدّ لأطماع الناس في الخلود في الدنيا وكل المحاولات للخلود في الدنيا ستبوء بالفشل مهما حاول الناس للخلود لا يمكنهم هذا.
آية (19):(1/28)
*قال تعالى في سورة المؤمنون (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)) وقال في سورة الزخرف (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)) ذكر الواو في الأولى (ومنها) وحذف الواو في الثانية (منها) لماذا؟ (د.فاضل السامرائى)
في سورة المؤمنون السياق في الكلام عن الدنيا وأهل الدنيا وتعداد النعم قال (ومنها تأكلون) فالفاكهة في الدنيا ليست للأكل فقط فمنها ما هو للإدخار والبيع والمربّيات والعصائر فكأنه تعالى يقصد بالآية : ومنها تدّخرون، ومنها تعصرون ومنها تأكلون وهذا ما يُسمّى عطف على محذوف. أما في سورة الزخرف فالسياق في الكلام عن الجنة والفاكهة في الجنة كلها للأكل ولا يُصنع منها أشياء أخرى.
* ما الفرق بين فواكه وفاكهة؟ (د.فاضل السامرائى)(1/29)
فاكهة إسم جنس يعني عام يشمل المفرد والمثنى والجمع أما فواكه فهي جمع وإسم الجنس يكون أعمّ من الجمع. للحبة الواحدة يقال عنها فاكهة والحبتين يقال فاكهة لكن لا يقال فواكه، لكن فواكه يقال عنها فواكه وفاكهة، فاكهة تشمل فواكه لكن فواكه لا تشمل فاكهة من حيث اللفظ لأن هذا يدل على جمع والفاكهة تدل على الجمع أيضاً وتدل على المفرد والمثنى. ليس هذا فقط لو كان عندنا أنواع من الفواكه كالرمان والبرتقال وغيرها نسميها فواكه ونسميها فاكهة أيضاً. لو كان عندنا فقط نوع واحد من الفاكهة مثل الرمان أو التفاح نسميه فاكهة ولا نسميه فواكه إذن فاكهة أعمّ لأنها للمفرد والمثنى والجمع والمتعدد وغير المتعدد المتنوع وغير المتنوع. الفواكه للجمع والمتنوع فقط إذن أيها الأعم؟ فاكهة أعمّ. لذلك تستعمل الفاكهة في القرآن لما هو أوسع من الفواكه، مثال: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) الرحمن) آية أخرى (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) المؤمنون) عندنا أمران: الأرض (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) الرحمن) وعندنا (لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ) أيها الأكثر الفواكه في الأرض كلها في عموم الأرض أو فقط في البساتين ؟ في عموم الأرض لأن البساتين هي في الأرض ومحدودة لذلك لما قال (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) قال (فيها فاكهة) ولما قال (فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) قال (لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ)، أيها الأكثر؟ الفاكهة أكثر.(1/30)
إذن الفاكهة إسم جنس والفواكه جمع وإسم الجنس هنا أعمّ من الجمع. حتى في الجمع لما يذكر فاكهة معناها أكثر وأشكل وأعم من فاكهة حتى في الجنة مثل في الصافات قال (فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43)) وفي الواقعة (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20)) مع السابقون قال (وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ) كثير ومن دونهم قال (فواكه) هذا متعلق بالدرجة أيضاً.
آية (20):
* ما الفرق بين عام وسنين؟ وهل كلمة سنين في (وَطُورِ سِينِينَ (2) التين) مشتقة من سنة؟ (د.فاضل السامرائى)
سنين ليست كلمة عربية وهي طور سيناء في مصر. وردت في القرآن باسمين سيناء (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ (20) المؤمنون) ووردت طور سنين وهي فيها إسمان يذكر أهل اللغة المحدثون أن هذه فيها لغتين سيناء وسنين كما أن الأسماء أيضاً الرسول - صلى الله عليه وسلم - يسمونه محمد وأحمد. هذا من الاعجاز لأن القرآن استعملها كما استعملها القدامى سنين وسيناء إنما هي ليست عربية. كلمة طور تعني الجبل وهي في الأصل ليست عربية أيضاً وكلمة طور لم ترد إلا في بني إسرائيل في القرآن الكريم واختلفوا في قوله تعالى (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ (2) الطور) وقالوا هو طور سيناء فهي كلها لبني إسرائيل. الطور وسنين ليست عربية وتسمى إسم علم مثل أسماء كثيرة وأعلام كثيرة مثل ابراهيم وإسماعيل.(1/31)
هل سنين جمع سنة؟ كلا. القرآن استخدم سنة وعام (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14) العنكبوت) أشهر ما قيل أن السنة تستعمل للقحط والعام للرخاء وهذا أشهر ما قيل في التفريق بين السنة والعام. لذلك في الاية (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) يقولون الخمسين عاماً هي التي ارتاح فيها، والباقي كان في تعب مع قومه.
((1/32)
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا (47) يوسف) (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) يوسف) الأصل أن السنة للأزمة والقحط والعرب اشتقت منها فقال أسنت الناس أي أصابهم القحط والسنة بمعنى الأزمة. نأتي للجمع الجمع ليس بالضرورة لأن كلمة عام لم تجمع في القرآن ليس في القرآن أعوام، موجود منها المفرد والمثنى (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ (14) لقمان)، السنة موجود المفرد والجمع جمع المذكر السالم وليس المؤنث السالم، موجود سنين يعني سنوات غير موجودة، عامين موجودة وسنتان غير موجودة، سنين موجودة وأعوام غير موجودة. في الجمع ما لم يكن موجوداً يكون بمعنى العام لذلك في القرآن الكريم يستعمل السنين في الخير والشدة (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) الأعراف) (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا) تصير عامة لأنه ليس هناك جمع أعوام، عندنا فرق بين عام وسنة لكن في الجمع تصير عامة. لم يرد في القرآن أعوام ونحن نبحث في الكلمات التي اتسعملها القرآن فالقرآن ليس قاموساً يجمع الكلمات. هذا الفرق مشهور في اللغة لكن ليست قاعدة هكذا موجود في اللغة لكن في الجمع تختلف. في الغالب السنة للشدة والقحظ وللعام للرخاء وإذا جمعها سنة تصير عامة. الفترة الزمنية واحدة في السنة والعام فالسنة والعام 12 شهر وبعضهم يفرقون بينها في البدء والانتهار منهم يقول من الصيف للصيف وقسم يقول من بداية السنة وهذا تفريقات يقول اللغويون أنها تفريقات غير دقيقة. في قوله تعالى (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) الكهف) هنا مطلق الزمن.
آية (21):
*ما الفرق بين كلمة (بطونه) في آية سورة النحل و (بطونها) في آية سورة المؤمنون؟ (د.فاضل السامرائى)(1/33)
قال تعالى : وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ (النحل:66)
وقال تعالى :( وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُون (المؤمنون:21)
آية النحل تتحدث عن إسقاء اللبن من بطون الأنعام واللبن لا يخرج من جميع الأنعام بل يخرج من قسم من الإناث.
أما آية المؤمنون فالكلام فيها على منافع الأنعام من لبن وغيره وهي منافع عامة تعم جميع الأنعام ذكورها وإناثها صغارها وكبارها فجاء بضمير القلة وهو ضمير الذكور للأنعام التي يستخلص منها اللبن وهي أقل من عموم الأنعام وجاء بضمير الكثرة وهو ضمير الإناث لعموم الأنعام وهذا جار وفق قاعدة التعبير في العربية التي تفيد أن المؤنث يؤتى به للدلالة على الكثرة بخلاف المذكر وذلك في مواطن عدة كالضمير واسم الإشارة وغيرها.
آية (24):
* في سورة المؤمنون (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ (24)) وكأن الذين كفروا هم القليل لأن الملأ هم أقل من القوم ولكن الذين آمنوا به هم القليل. وفي آية أخرى قال (وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (33) المؤمنون) ما الفرق بين قومه الذين كفروا والملأ الذين كفروا من قومه؟ (د.فاضل السامرائى)(1/34)
نقرأ الآيتين من سورة المؤمنون: الأولى في قوم نوح (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)) وذكر قوماً آخرين لم يذكر من هم (وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33)) (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ) من القائل؟ من الذين كفروا؟ الملأ، إذن هنالك من قومه ليسوا من الذين كفروا (الملأ هم أشراف القوم). هؤلاء الذين قالوا، هو كفر به مجموعة منهم الملأ والذين قالوا هم الملأ الذين كفروا وقد يكون هناك ملأ لم يكفروا. فـ (الذين كفروا) وصف للملأ وليس وصفاً للقوم (الذين كفروا)تعرب صفة للملأ). إذن الكفر صفة للملأ.(1/35)
الآية الثانية (وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) يحتمل أن الذين كفروا صفة للقوم، إذن الأولى كفروا قطعاً صفة للملأ والثانية تحتمل أن تكون صفة للقوم إذن الثانية أوسع وأشمل كفراً من الأولى وليس هذا فقط وإنما ذكر صفات أخرى لم يذكرها في قوم نوح (الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ) ذكر أموراً كثيرة من الكفر. إذن في الآية الثانية ذكر الكفر أعم والصفات أشد. بناء على هذا الذي حصل أنه لما ذكر العقوبة ذكر ناجين في قوم نوح ولم يذكر ناجين في القوم الآخرين، قال في قوم نوح (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (27) إذن هناك ناجين. أما في الآية الأخرى فليس هناك ناجين (قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41). حتى في السورة نفسها لما ذكر قوم نوح ذكر ناجين أما في الآية الثانية لم يذكر ناجين وهذه مناسبة مع العموم الذي وصف به القوم من الكفر لما وصف الكفر على العموم للقوم فصار الهلاك على العموم للقوم ولم يذكر ناجين ولما ذكر قسماً منه ذكر ناجين فكان كل تذييل مناسب لما ورد في الآية.
آية (27):
*ما الفرق بين اسلك واحمل في الآيات (فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (27) المؤمنين) (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/36)
اسلك معناها أدخِل (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (32) القصص) (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) المدثر) أما احمل فمن الحِمل معروف. الدلالة مختلفة ونرى هل طبيعة اسلك في نفس وقت احمل؟ أيها الأسبق أُسلُك أو احمل؟ أُسلك أسبق أولاً يدخل ثم يحمل. الآن ننظر في قصة نوح نفسها متى قال أُسلك؟ ومتى قال احمل؟. آية هود قال فيها احمل (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)) الأمر جاء وصنع الفلك. في آية المؤمنون (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)) هناك صنع الفلك وجاء الأمر. أُسلك قبل الحمل، عندنا حالتان حالة قالها قبل الفعل وحالة قالها بعد الفعل، مع الأمر احمل وقبل الأمر أُسلك. القدامى قالوا السياق من أهم القرائن الدالّة على المعنى. لما نسمع أُسلُك يجب أن نفهم أن الأمر لم يصدر بعد ولما نسمع إحمل يكون الأمر قد صدر.(1/37)
*كلمة اثنين ترد أحياناً مع زوجين (فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (27) المؤمنين) وأحياناً لا ترد (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) الذاريات) فما اللمسة البيانية في ورودها وعدم ورودها؟ (د.فاضل السامرائى)
اثنين معناه ذكر وأنثى (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود) ذكر وأنثى، (وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (3) الرعد) تأنيث وتذكير، (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (45) النجم) ذكر وأنثى، (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (39) القيامة) في آية الذاريات قال (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) قال وهذا ليس مقصوداً فيه الذكر والأنثى وإنما عموم المتضادات والمتقابلات مثل البروتون والإلكترون، هذان زوجان. الزوج هو الواحد في الأصل (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ (90) الأنبياء) الزوج هو واحد وتطلق على الذكر والأنثى، الرجل زوج والمرأة زوج وهذه أفصح اللغات أما (زوجة) فهذه لغة ضعيفة، لكن اللغة الفصحى هي زوج للذكر والأنثى والاثنان زوجان.
*ما دلالة كلمة (أهلك) في قوله تعالى في سورة هود (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40})؟ (د.فاضل السامرائى)(1/38)
أهلك هنا إسم أو فعل؟ الحكم القاطع هو إسم بمعنى الأهل وهناك مرجحات وهناك ما يقطع مبدئياً من الترجيح فالآية تشير أن الهلاك لم يحصل بعد لأنهم لم يركبوا. فالركوب لم يحصل ولم يحصل الهلاك فلا يصح أن تعتبر كلمة (أهلك) بمعنى الإهلاك. والأمر الآخر أنه لو كان (أهلك) فعل بمعنى الهلاك عادة يكون الإستثناء مفرّقاً والإستثناء المفرّق لا يكون إلا مسبوقاً بنفي أو ما يشبه النفي. (أهلك إلا من سبق عليه القول) مفرّق وليس مسبوقاً بنفي وهذا ما يُضعّف أن يكون أهلك بمعنى فعل الإهلاك.
أما الآية (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ {27}) في سورة المؤمنون فالضمير يعود على الأهل إذن نستدلّ من هذه الآية أن المقصود هو الأهل وليس فعل الإهلاك وهذه كلها مرجّحات. أما ما يقطع بأن المقصود هم الأهل فهو أنه لو كان أهلك فعل ماضي سيكون الناجون قسمين الأول (من سبق عليه القول) والثاني (من آمن) إذن من سبق عليه القول غير من آمن إذن فالناجون اثنين المؤمنون ومن سبق عليه القول وهؤلاء ليسوا مؤمنين لكن في الواقع أن الناجين هم المؤمنون فقط لذا فلا يمكن ولا يصح أن تكون النجاة لغير المؤمنين.
وهناك سؤال فني آخر: استدللنا بما في سورة المؤمنون (وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم) وفي آية سورة هود لم ترد منهم. وقد سبق القول عليه بالهلاك والعذاب . المقصود بقوله تعالى (المجيء على) تعني العذاب كما في قوله تعالى (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا) اللام تفيد الخير. والأهل هم من المؤمنين من آمن منهم ومن آمن من غير الأهل هم الناجون.(1/39)
وقال تعالى في آية هود (احمل) وفي سورة المؤمنون (فاسلك) فما المقصود بالسلوك؟ سلك هو النفاذ في الطريق كما قال تعالى (فاسلكي سبل ربك) سورة النحل وقد يأتي فيها معنى الدخول (ما سلككم في سقر) أما الحمل فيكون بعد السلوك أولاً يدخل السفينة ثم يحمل بعد دخوله. في سورة هود ذكر ما دلّ على الحمل لأن الحمل جاري في السفينة (حمل السفينة للأشخاص) وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها وهي تجري بهم بمعنى تحملهم (يا نوح اهبط بسلام) إذن سورة هود فيها حمل. بينما في سورة المؤمنون لم يذكر الحمل أو صورة الحمل (وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين).
والقول (من سبق عليه القول) أعمّ من القول (من سبق عليه القول منهم) فسورة هود مبنية على العموم وليس على الخصوص (إلا من سبق عليه القول ومن آمن) فلم يذكر تعالى من آمن أي هي أعمّ، وكذلك الآيات (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) (يا أرض ابلعي ماءك) (بُعداً للقوم الظالمين) (قيل يا نوح اهبط بسلاممنا وأمم ممن معك وأمم سنمتّعهم) أما في سورة المؤمنون فالسياق في التخصيص فذكر تعالى السلام والبركات في سورة هود وهذا دليل العموم، وفي سورة المؤمنون لم يذكر السلام والبركات وإنما خصص كما في الآية (أنزلني منزلاً مباركاً)، ولهذا ذكر (منهم) و(اسلك) في سورة المؤمنون ولم يذكرهما في سورة هود.
وهناك سؤال فني آخر: استدللنا بما في سورة المؤمنون (وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم) وفي آية سورة هود لم ترد منهم. وقد سبق القول عليه بالهلاك والعذاب ؟ المقصود بقوله تعالى (المجيء على) تعني العذاب كما في قوله تعالى (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا) اللام تفيد الخير. والأهل هم من المؤمنين من آمن منهم ومن آمن من غير الأهل هم الناجون.
آية (33):
*انظر آية (24).???
آية (35):
*ما الفرق بين مِتم ومُتم؟(د.فاضل السامرائى)(1/40)
ورد في آل عمران قوله تعالى (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ (158)) بضم الميم وفي سورة المؤمنون (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (35)) بكسر الميم. من الناحية اللغوية لا إشكال في ذلك لأنه في (مات) لغتان كما يذكر أهل اللغة عندنا مات يموت مثل قال يقول ومات يمات مثل خاف يخاف ونام ينام، الأشهر مات يموت. من العرب الذي يقول مات يمات يقول مِتُ مثل خاف يخاف خِفت ونام ينام نِمت والذي يقول مات يموت يقول مُت مثل قال يقول قُلت. إذن من حيث اللغة ليس فيها إشكال لأن فيها لغتان مات يموت مُت ومات يمات مِت. يبقى من الناحية البيانية لماذا اختار مثلاً هذه اللغة في آل عمران مُت وفي المؤمنون مِت؟. الضمة كما هو مقرر أثقل الحركات. حالة الموت المذكورة في آل عمران أثقل وأشد مما هو مذكور في آية المؤمنون.(1/41)
ذكر أولاً معركة أحد وما أصابهم من قتل ثم ذكر الموت في الغزوات والضرب في الأرض يعني الموت في الغربة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ (158)) بينما في سورة المؤمنون يتحدث عن الموت على الفراش (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (35))، أيها الأصعب الموت في الغربة والجهاد أو الموت على الفراش بين الأهل؟ الموت في الغربة أصعب إذن يأتي الحركة الأثقل (مُتم) يأتي بالعلامة المناسبة.
استطراد من المقدم: هذه تحتاج إلى بحث في القرآن بعض الكلمات التي فيها لغتان ويختار لغة عن لغة هنا هذا شيء مقصود بذاته.
كلما يقول (إِذَا مِتُّمْ) (أَئِذَا مِتْنَا (82) المؤمنون) مِتنا بالكسر وفي آل عمران أثقل (مُتم) بالضم.
آية (38):
*ما دلالة تنكير الكذب أو تعريفه؟ (د.فاضل السامرائى)(1/42)
المعرفة ما دلّ على شيء معين. الكذب يقصد شيئاً معيناً بأمر معين (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) يونس) هنالك أمر في السياق يقصده فذكر الكذب، فلما يقول الكذب فهو كذب عن أمر معين بالذات مذكور في السياق إذن هذا الكذب معرّف لأنه في مسألة معينة. أما عندما يقول كذب فيشمل كل كذب وليس الكذب في مسألة معينة مثل قوله تعالى (قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) يونس) لم يذكر مسألة معينة حصل كذب فيها فالكذب عام. (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) المؤمنون) إذن التنكير في اللغة يفيد العموم والشمول.
آية (43):
*ما دلالة تقديم (ما تسبق من أمة أجلها) على (ما يستأخرون) في آية سورة الحجر والمؤمنون؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الحجر (مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ {5}) وقال في سورة المؤمنون (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ {43}) بتقديم (ما تسبق) على (ما يستأخرون) أما في سورة الأعراف فقد جاءت الآية بقوله (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {34}) بتقديم (لا يستأخرون) على (لا يستقدمون). وإذا لاحظنا الآيات في القرآن نجد أن تقديم (ما تسبق من أمة إجلها) على (وما يستأخرون) لم تأت إلا في مقام الإهلاك والعقوبة.
آية (44):(1/43)
* ما الفرق بين البعث والإرسال (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا (44) المؤمنون)؟ (د.فاضل السامرائى)
بعث فيه معنى الإرسال تقول بعثت شخصاً فيه معنى الإرسال لكن في بعث أيضاً معاني غير الإرسال. الإرسال أن ترسل رسولاً تحمّله رسالة لطرف آخر. البعث قد يكون فيه إرسال وفيه معاني أخرى غير الإرسال أي فيه إرسال وزيادة. تبعث بارِك أي الجمل، تبعث الموتى ليس بمعنى إرسال ولكن يقيمهم، فيه إثارة وإقامتهم (إن للفتنة بعثات) أي إثارات، فيها تهييج. (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا (247) البقرة) أي أقامه منكم. ولذلك عموماً أن البعث يستعمل فيما هو أشد. نضرب مثالاً: (قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) الشعراء) و (قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111) الأعراف) والقصة قصة موسى في الحالتين: الملأ يقولون لفرعون وابعث في المدائن وأرسل في المدائن. ننظر لتكملة كل آي من الآيتين (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) الشعراء) صيغة مبالغة والثانية (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) الأعراف) ليس فيها مبالغة ساحر ليس فيها مبالغة بينما سحار فيها مبالغة لأنه في الشعراء المحاجة أشد مما كانت في الأعراف. لو قرأنا قصة موسى وفرعون في الشعراء المواجهة أشد من الأعراف وفرعون كان غاضباً فقالوا وابعث في المدائن أنت أرسل وأقم من المدينة من يهيّج عليه أيضاً هذا معنى (ابعث) هذا البعث، أن تبعث أي تهيّج، تقيم لذا قال بعدها (بكل سحار عليم) ولما قال أرسل قال (بكل ساحر عليم).(1/44)
مثال آخر (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (75) يونس) (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) المؤمنون) نفس الدلالة لكن هذه في يونس والأخرى في المؤمنون. لو قرأنا ماذا في يونس وفي المؤمنون نجد في يونس كانت محاجة شديدة بين موسى وفرعون وإيذاء لبني إسرائيل (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)) ثم قال موسى (قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)) ثم موسى دعا على فرعون (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88)) هذا كله في يونس دعا عليهم. أما في المؤمنون فهي عبارة عن آيتين فقط (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48)) انتهت القصة في المؤمنون بينما في يونس كلام طويل وفيه قوة ودعاء عليهم فقال بعثنا وفي المؤمنون قال أرسلنا.(1/45)
حتى لما يتكلم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) الجمعة) (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) التوبة) لم يذكر شيئاً آخر الله تعالى يظهر على الدين كله، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) الفتح) انتهت، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) الصف) أما (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) الجمعة) فيها عمل للرسول - صلى الله عليه وسلم - . فالبعث هو أشد وفيه حركة أما الإرسال فلا، فالبعث هو الإرسال وزيادة ولهذا قال تعالى (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (5) الإسراء)) فيه قوة وقسوة وعمل.
*هل كلمة تترا إسم بمعنى متتالية أو فعل بمعنى تتوالى (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا (44) المؤمنون)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/46)
تترا إسم ممنوع من الصرف أصلها من وَتَر أصل التاء الأولى واو وتر، تتراً أي متواترين هذا أصلها والواو تقلب تاء كثيراً في اللغة مثل تجاهك أصلها وجاهك، تُخَمة أصلها وُخَمة، تُهَمة أصلها وُهَمة من التوهّم، تراث من وَرِث، مثل إرث وأحد وتقلب الواو تاء. تترا إسم ممنوع من الصرف أصلها وتراً.
آية (47):
*ما الفرق من الناحية البيانية في استخدام لفظة ( إنّا رسول،إنّا رسولا، إني رسول) في قصة موسى وهارون؟ (د.فاضل السامرائى)
ورد مثل هذا التعبير في ثلاث مواقع في القرآن الكريم: قال تعالى في سورة طه (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى {47}) وفي سورة الشعراء (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {16}) وفي سورة الزخرف قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {46})(1/47)
المسألة تتعلق بالسياق ففي سورة طه السياق كله مبني على التثنية من قوله تعالى (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي {42}) إلى قوله (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)) وقوله (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى {63}) أما في سورة الشعراء فالسياق كله مبني على الإفراد والوحدة من قوله تعالى (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ {18}) مع العلم أن أوائل السورة فيها تثنية من قوله تعالى (قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ {15}) إلى قوله (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {16}) ثم يُغيّب هارون وتعود إلى الوحدة ويستمر النقاش مع موسى وحده (قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)) ثم يوجّه فرعون الكلام إلى موسى مهدداً إياه وحده (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)) (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)) (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ {34}).
وكلمة رسول في اللغة تُطلق على الواحد المفرد وعلى الجمع، توجد كلمات في اللغة تكون الكلمة مفردة تختلف في التثنية والجمع يعود إلى الإفراد مثل كلمة بشر (أبشراً منا واحداً نتّبعه) مفرد وقوله تعالى (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) المؤمنون) مثنى وقوله تعالى (بل أنتم بشر مما خلق) جمع. وكلمة طفل (ثم يخرجكم طفلاً) وكلمة ضيف.(1/48)
وكذلك كلمة رسول يقال في اللغة نحن رسول وإنا رسول فقوله تعالى (إنا رسول ربك) تأتي مع البيان ومع سنن العربية وليس فيها مخالفة للغة. فاختار تعالى الكلمة المناسبة في السياق المناسب فالسياق في سورة طه قائم على التثنية والسياق في الشعراء قائم على الجانبين فيها إفراد ثم تثنية ثم إفراد وموسى هو الذي بلّغ الراسلة أما في سورة الزخرف فلم يأت ذكر هارون في سياق السورة كلها أصلاً فقال تعالى (إني رسول رب العالمين). وهذه الآيات الثلاثة لا تعارض فيها وإنما هي لقصة واحدة ذهب موسى وأخاه هارون إلى فرعون وفي كل سورة جاء بجزء من القصة بما يقتضيه السياق في السورة وهذه اللقطات إنما هي مشاهد متعددة يُعبّر عن كل مشهد حسب السياق وليس في الآيات الثلاثة ما يخالف العربية لأن كلمة رسول تأتي كما قلنا سابقاً مفرد وجمع. كذلك يستعمل القرآن الكريم كلمة طفل مرة وأطفال مرة حسب ما يقتضيه السياق ولا يخرج عن اللسان العربي وسنن العربية.
آية (77):
*ما اللمسة البيانية في (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ (77) المؤمنون) ولم يقل لهم؟(د.فاضل السامرائى)
استعمال (على) في القرآن عجيب، فيه استعلاء وتسلّط ولذلك العذاب يأتي بـ (على) (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ (77) المؤمنون) (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) الفيل) لم يقل أرسل إليهم (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ (133) الأعراف) في الغالب ما تأتي (على) مع العقوبات.
*ما اللمسة البيانية في قول "فتح الله لك" وليس "فتح الله عليك"؟ (د.فاضل السامرائى)(1/49)
يقال فتح لك وفتح عليك لكن فتح عليك يكون من فوق قد يكون في الخير والشر (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) الحجر) (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) المؤمنون) (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ (96) الأعراف) (قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (76) البقرة) إذن فتح الله عليك تأتي في الخير والشر لكن تأتي من فوق.
آية (82):
* ما الفرق بين (مِتم) بكسر الميم و(مُتم) بضم الميم؟(د.حسام النعيمى)
(وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) آل عمران) مُتم هذه مسندة إلى المعلوم. مات يموت فيقول مُت أنا وهنا تكون التاء فاعلاً مبني في محل رفع الفاعل (للمتكلم) أو مُت أنت. لكن إذا أردت أن تبنيها للمجهول يعني وقع عليه الموت بمعنى أُميت تصير (مِتَّ ومِتُ أنا) تُكسر الميم (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) المؤمنون). موضوع الضم والكسر لأن هذا فعل أجوف والأجوف عندما يُبنى للمجهول يكون بهذه الصيغة.
آية (83):
*ما سبب تقديم وتأخير هذا في سورة المؤمنون (لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)) وسورة النمل (لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68))؟(د.حسام النعيمى)(1/50)
عندنا صورتان للجملة العربية: صورة المبتدأ والخبر والفعل ومرفوعه وما بعده. فيما يتعلق بالفعل ومرفوعه يأتي الفعل ثم الفاعل أو الفعل ثم نائب الفاعل ثم يأتي المفعول أو المفعولات يعني هكذا يأتي النظام. لما يكون مبتدأ وخبر أيضاً المبتدأ والخبر ثم لما تدخل إحدى النواسخ (كان وأخواتها) أيضاً النظام أنّ (كان) تأخذ إسمها أولاً لأن أصله مبتدأ ثم تأخذ الخبر ثم يأتي بعد ذلك ما يأتي من المعطوفات أو المفعولات هكذا هو النظام. نقول: كان زيدٌ ناجحاً وعمرو، نذكره بعد ذلك هذا الأصل. يمكن أحياناً أن نغيّر النظام لأن العربية لغة مُعربة فيجوز فيها تغيير النظام فبدل أن نقول كتب زيد رسالة على النظام يمكن أن نقول كتب رسالةً زيدٌ وهذا التقديم طبعاً له غرض بلاغي يعني كأن يُختلف زيد كتب رسالة كتب قصيدة كتب أقصوصة نقول لا زيد رسالةً كتب. لما يُقدّم ليس من أجل الوزن حتى الشاعر لأن الشاعر متمكّن يستطيع أن يتصرف لكنه يقدّم بغرض بلاغي لغرض معنوي.(1/51)
لما ننظر في الآيتين: الآية الأولى في سورة المؤمنون (قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (كُنّا) كان مع اسمها مثل كان زيد، (تراباً وعظاماً) مثل (كان زيد مجتهداً وكريماً) معطوف على الخبر مباشرة يعني نظام الجملة يأتي كما هو. لكى يكون النظام كما هو نجد أن النظام الذي جاء (لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا) المفعول به جاء متأخراً وفق النظام وعندما يكون وفق النظام لا يُسأل عنه. أنت لا تسأل عن (كتب زيد رسالة) لا تسأل لِمَ أخّر رسالة؟ هو هذا النظام هكذا. لكن السؤال في آية سورة النمل لِمَ غيّر النظام (لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا) . لاحظ الآية (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) النمل) النظام في غير القرآن أن يقول: إءذا كنا نحن وآباؤنا تراباً، فلما قدّم تراباً المعطوف على المرفوع ولكا يكون المعطوف عليه ضميراً ينبغي أن يؤكد بضمير هذا الأفصح (كنت أنا وزيد مسافرين) حتى يكون الربط. فها هنا لأن المعطوف والمعطوف عليه ينبغي أن يتصلا لا أن يكون بينهما فاصل. هنا غيّر النظام فقال (أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا) قدّم المنصوب وجعله فاصلاً بين المعطوف والمعطوف عليه فقدّمه. فمنا قدّم المنصوب قدّم (هذا) (لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا ) حتى يكون هناك نوع من التناسق. هنا تقدّم كأنه غيّر النظام وهنا أيضاً قدّم والله أعلم.
آية (84- 89 ):(1/52)
*(قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) المؤمنون) ما دلالة (إن كنتم تعلمون) وما اللمسة البيانية في اختلاف الفاصلة في هذه الآيات؟(د.فاضل السامرائى)(1/53)
النظر في الآية يكشف السبب. نقرأ الآيات حتى تكون ظاهرة (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) المؤمنون). (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84)) السؤال عن الأرض ومن فيها، سؤال آخر (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86)) أيّ الأكبر؟ السموات والعرش أكبر من الأرض، الأولى قال (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84)) (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85)) هذا السؤال يكفيه تذكر يعني النظر هذا يكفي تذكّر. الثانية فيها تهديد ووعيد (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86)) قال (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87)) صار الآن تهديد وتلك تذكر، لما كبر الأمر واتسع وهم علموا بذلك وأقام عليهم الحجة قال (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87)) هذا رب السموات والأرض يملك أموركم أفلا تتقون؟! الآن صار الأمر أشد. الأولى فيها تذكر أيسر النظر الأرض وما فيها يكفي أنهم يتذكرون هذا الأمر وينوبون إلى ربهم وأما الثانية أشد (أفلا تتقون) فيها تحذير الأولى ما فيها تحذير (أفلا تذكرون) الأمر يدعو إلى التذكر، إذن لما كانت الثانية أشد كانت الخاتمة أشد. ((1/54)
قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88)) هذه أكبر فختمها (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)) يعني كيف تخدعون وتصرفون وأين تذهبون منه؟ لأن معنى سحر تخدع أو صرفك عنها، أين تفر؟! بيده ملكوت كل شيء يجير ولا يجار عليه فأين تذهب وأين تُصرف؟! هل عقولكم مخدوعة إلى هذا الأمر كيف تُخدعون؟! إذن كل واحدة تناسب السؤال الذي قبلها. (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سؤال أول يذكّرهم، الثانية تهديد كبير (مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86)) والثالثة (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88)) كيف تخدع عقولهم أين تذهبون؟ أين تفرون منه؟
هل هذه أسئلة (أفلا تذكرون، أفلا تتقون، فأنى تسحرون)؟
ليست استفهاماً حقيقياً وإنما خروج للعبرة والاتعاظ. أين تذهبون؟ فيها تهديد وتحذير وتخويف وفيها تعجيب من حالتهم.
*ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة (لله) بدل (الله) في قوله قوله تعالى (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ {87}) في الجواب على الآية في سورة المؤمنون(قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {86} ُ)؟ (د.فاضل السامرائى)
في آية أخرى في سورة الرعد جاءت الآيات (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {16}).(1/55)
من حيث اللغة لو سألنا من صاحب هذه الدار؟ يكون الجواب لفلان أو فلان. فهي من حيث اللغة جائزة أن نقول الله أو لله. أما لماذا اختار الله تعالى (الله) مرة و(لله) مرة؟ لأن السياق في آية المؤمنون في السؤال عن الملكية (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) وقوله في نفس السورة أيضاً (قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {88} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ {89} ) إذن السؤال عن الملكية فيكون الجواب (لله) ولأن السياق كله في الملكية جاء بلام الملكية.
أما في آية سورة الرعد فالسياق في مقام التوحيد وليس في مقام الملكية وإنما عن الذات الواحدة لذا جاء الجواب (الله).
سؤال: حينما ننظر إلى السؤال داخل القرآن الكريم أو في عموم اللغة العربية كل استفهام له غرض؟
كل استفهام له غرض ونضعه في سياقه حتى تتبين الإجابة.
سؤال: العرب كانت تفهم أن كل استفهام له غرض وله دلالة؟ لا يأخذونه على علاته أنه سؤال وتنتهي القصة، أبو لهب كان يفهم هذا؟ ألم يثبت أن أحداً اعترض؟ ولم يعترض الآن بعض الناس مع أن جهابزة اللغة لم يعترضوا؟
هم أهل البلاغة، لو لم يفهم أبو لهب لكان اعترض وما ثبت أن أحدهم اعترض وإنما توجه اعتراضات هذه الأيام لأحد أمرين إنما لغرض التشويش أو للجهل. لو كان يعلم ولو كان يعلم لو كان طالباً متخصصاً في اللغة العربية يعرف هذا.
سؤال: إذا كان عتاة الكفار الذي عاشوا في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يوجهوا أدنى انتقاد أو أي اعتراض للقرآن الكريم وهم أهل البلاغة والفصاحة والبيان فلِمَ نأبه لما يصدر من جاهل حول القرآن؟(1/56)
كيف تعترض على متكلم بلغته؟ هل تعترض على فرنسي يتكلم بلغته. هو حجة على الآخرين يتكلم بها. عدم وجود اعتراض من عتاة الكفار حجة على الجميع أن القرآن لا يوجه له أي انتقاد ولو وجدوا لاعترضوا. هو تحداهم بالقرآن عدة مرات فما استطاعوا.
آية (91):
*ما الفرق بين (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ)و( وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) ؟ (د.فاضل السامرائى)
((1/57)
ما) في الغالب تقال للرد على قول في الأصل يقولون في الرد على دعوى، أنت قلت كذا؟ أقول ما قلت. أما (لم أقل) قد تكون من باب الإخبار فليست بالضرورة أن تكون رداً على قائل لذلك هم قالوا لم يفعل هي نفي لـ(فعل) بينما ما فعل هي نفي لـ (لقد فعل). حضر لم يحضر، ما حضر نفي لـ قد حضر (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ (74) التوبة) (ما اتخذ) ضد قول اتخذ صاحبة ولا ولدا، لم يتخذ قد تكون من باب الإخبار والتعليم (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) الفرقان) هذا من باب التعليم وليس رداً على قائل وليس في السياق أن هناك من قال وردّ عليه وإنما تعليم (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ) يخبرنا إخباراً (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) في الإسراء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)) بينما نلاحظ لما قال في محاجته للمشركين (ما اتخذ الله من ولد) هم يقولون اتخذ الله ولد (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) المؤمنون).(1/58)
لما رد على المشركين وقولهم قال (ما اتخذ) و(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ (78) آل عمران) يقولون هو من عند الله فيرد عليهم (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ (78) آل عمران). (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) معناه لما قال (ما اتخذ) يعني رد على أن هناك من يقول اتخذ فهو نفى قولهم ورد عليهم أما لم يتخذ فتأتي للإخبار والتعليم.
قال تعالى فى سورة الجن(مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)) جاء بـ (لا) لم يقل ما اتخذ صاحبة وولداً حتى ينفي الأمر على سبيل الجمع والإفراد ما قال ما اتخذ صاحة وولداً لأنها تحتمل أنه لم يتخذهما بينما اتخذ أحدهما، تعبير احتمالي يحتمل أنه لم يتخذ لا صاحبة ولا ولد إنما اتخذ واحداً منهما، لما قال (مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) ينفي كلاً على حدة ينفي على سبيل الجمع وعلى سبيل الإفراد، نفى الصاحبة ونفى الولد. عندما نقول ما جاء محمد وخالد معناها ربما يكون أحدهما قد جاء لكن مفهوم قطعاً أن الإثنان لم يأتيا مع بعضهما. وقدّم الصاحبة على الولد لأن الولد إنما يأتي من الصاحبة.
آية (99):
*ما دلالة الفعل(جاء)فى الآية؟ (د.فاضل السامرائى)
(جاء) فيه معنى القرب الشديد وتحقق الوقوع. استعمل في القرآن بهذه الصيغة.(1/59)
في سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)) قد يقول قائل هم يتكلم ما أدركه الموت، كلا. الكافر يقول رب ارجعون بعد قبض روحه، الرجوع إلى الدنيا يريد أن يرجع إلى الدنيا بعد أن يخرج من الدنيا فإذن هنا معناه (جاء أحدهم الموت) أي اقترب منه وتاله وفارقته الروح. عند ذلك لما يرى ما يرى من هول الحساب يبدأ يقول رب ارجعون. طلب الرجوع إنما يكون لمن فارق الحياة وليس لمن هو في هذه الدنيا. موضعان في القرآن ورد فيهما (جاء) فيهما معنى المفارقة، مفارقة الروح. وفي سورة الأنعام (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61)) مجيء الموت هنا معناه وصول عمر الحيّ إلى نهايته فكأن الموت يخبر بهذه النهاية وتقدير الكلام: إذا جاء قضاء الموت على الحيّ توفت روحه الملائكة أي أخذتها وافية غير منقوصة.
*ما الفرق بين هذه الكلمات؟ (د.فاضل السامرائى)
سِخرياً وسُخرياً: سخرياً بكسر السين هي من الإستهزاء والسخرية أما سُخرياً بضم السين فهي من باب الإستغلال والتسخير.
آية (109):
*قال تعالى: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) الأعراف) و(فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) الأعراف)و(إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) المؤمنون) ما الفرق بين الخواتيم؟ (د.فاضل السامرائى)(1/60)
الرحمة موجودة في الحالتين في الأولى قال أرحم الراحمين وفي الثانية خير الغافرين في آية جعل خاتمة الآية رحمة والثانية مغفرة فإذا ذكر ذنباً عقّب بالمغفرة وإذا لم يذكر ذنباً عقّب بالرحمة. في الآية الأولى (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)) هذا قول موسى لم يذكر لهما ذنباً فقال وأنت أرحم الراحيمن بينما الآية (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)) عندما ذكر ذنباً قال (خير الغافرين). في آية (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) المؤمنون) لم يذكر ذنباً إذن عموماً هذا خط عام في ذكر هاتين الفاصلتين إذا ذكر ذنباً ذكر الغافرين وإذا لم يذكر قال الراحمين.
آية (117):
*(وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) المؤمنون) ما معنى البرهان هنا؟(د.فاضل السامرائى)(1/61)
هذه الجملة صفة (لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) وفيها وجه إعرابي آخر قد تكون جملة معترضة أو تكون صفة. والصفة في اللغة لها أغراض من جملتها التوكيد مثل (أمس الدابر لا يعود) كل أمسٍ دابر، (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) الحاقة) هي النفخة واحدة، (وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ (51) النحل) فإذن نحن عندنا الصفة قد تفيد التوكيد مؤكدة لا تؤسس معنى جديداً وصفاً آخر وإنما تؤكد مضمون ما قبلها إذن هذه الصفة بموجب هذا الإعراب ستؤكد أن مضمون ما قبلها صفة لازمة ثابتة تفيد التوكيد (لا برهان له به) هذه دلالة. قسم يضيف لها وجه آخر يقول هي جملة اعتراضية (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) يعترض، الداعي ليس له برهان فيؤكد المعنى الآخر الأساسي. هم يضربون مثلاً "من أحسن إلى زيد لا أحق منه بالإحسان فالله مثيبه"، يؤكدون المعنى الأول. في الحالتين سواء جعلناها مؤكدة أو اعتراضية فهي مؤكدة للمعنى الأول وليست مؤسسة، لا إله آخر مع الله.
*في الآية (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) المؤمنون) المعروف أن لعبودية لله تعالى ما الحكمة من (لا برهان له به)؟ (د.أحمد الكبيسي)
هذا من أساليب البلاغة رب العالمين يعرف أنه ليس هناك من يجعل مع الله إلهاً آخر فكل من يجعل مع الله إلهاً آخر لا برهان له فرب يقول هذا الذي يجعل مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه.
****تناسب مفتتح السورة مع خواتيمها****(1/62)
قال تعالى في أولها (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)) وفي آخرها قال (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)) غير المؤمنين لا يفلح فهذه مرتبطة. وقال في أولها (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)) وفي آخرها (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)) وكأن الله تعالى يقول كل هذه المراحل التي مرت على خلق الإنسان ليست عبثاً. ولو وضعت في سياقها لكان هناك ترابط وتناسب ولا بد من هذه الخواتيم ولا ينبغي أن تكون إلا بهذا الشكل.
*****تناسب خواتيم المؤمنون مع بدايات النور*****(1/63)
أول أمر نذكره أن أول سورة النور مرتبطة بأول سورة المؤمنون، هاتان السورتان مرتبطتان في الأوائل والأواخر. قال في أول سورة المؤمنون (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)) وبدأ بالذين لم يحفظوا فروجهم في سورة النور (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)) هذه البداية. وقال في أواخر المؤمنون (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)) وفي أول النور قال (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1))، فتعالى الله الملك الحق لا إلأه إلآ هو - سورة أنزلناها، هو من الذي ينزل الأحكام ويفرضها ويأمر بإقامة الحدود؟ الملك الحق. الملك الحق هو الذي يأمر ويفرض حتى عندنا في القوانين الملك هو الذي يرفض السلطة.(1/64)
فإذن سورة أنزلناها وفرضناها هذه أنزلنها الملك الحق (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)) هو الذي أنزل وفرض الأحكام، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى في أواخر سورة المؤمنون ذكر عذاب الكافرين (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)) وفي بداية النور ذكر عذاب من استحق العذاب من المسلمين في الدنيا والآخرة حينما ذكر حد الزاني والزانية (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) ثم الإفك والقذف (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)) عذاب الكافر في الدنيا وعذاب العاصي من المسلمين في الدنيا والآخرة.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة المؤمنون للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.(1/65)
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/66)
سورة النور
تناسب خواتيم المؤمنون مع فواتح النور ... آية (29) ... آية (37) ... آية (54) ... آية (63)
هدف السورة ... آية (30) ... آية (41) ... آية (55) ... آية (64)
آية (4) ... آية (31) ... آية (43) ... آية (56) ... تناسب بدايات السورة مع خواتيمها
آية (7-9) ... آية (33) ... آية (45) ... آية (58) ... تناسب خواتيم النور مع فواتح الفرقان
آية (20) ... آية (34) ... آية (52) ... آية (59)
آية (26) ... آية (35) ... آية (53) ... آية (61)
*تناسب خواتيم المؤمنون مع فواتح النور*(1/1)
أول أمر نذكره أن أول سورة النور مرتبطة بأول سورة المؤمنون، هاتان السورتان مرتبطتان في الأوائل والأواخر. قال في أول سورة المؤمنون (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)) وبدأ بالذين لم يحفظوا فروجهم في سورة النور (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)) هذه البداية. وقال في أواخر المؤمنون (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)) وفي أول النور قال (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1))، فتعالى الله الملك الحق لا إلأه إلآ هو - سورة أنزلناها، هو من الذي ينزل الأحكام ويفرضها ويأمر بإقامة الحدود؟ الملك الحق. الملك الحق هو الذي يأمر ويفرض حتى عندنا في القوانين الملك هو الذي يرفض السلطة.(1/2)
فإذن سورة أنزلناها وفرضناها هذه أنزلنها الملك الحق (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)) هو الذي أنزل وفرض الأحكام، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى في أواخر سورة المؤمنون ذكر عذاب الكافرين (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)) وفي بداية النور ذكر عذاب من استحق العذاب من المسلمين في الدنيا والآخرة حينما ذكر حد الزاني والزانية (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) ثم الإفك والقذف (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)) عذاب الكافر في الدنيا وعذاب العاصي من المسلمين في الدنيا والآخرة.
**هدف السورة: شرع الله هو نور المجتمع**(1/3)
سورة النور سورة مدنية تهتم بالآداب الإجتماعية عامة وآداب البيوت خاصة وقد وجّهت المسلمين إلى أسس الحياة الفاضلة الكريمة بما فيها من توجيهات رشيدة وآداب سامية تحفظ المسلم ومجتمعه وتصون حرمته وتحافظ عليه من عوامل التفكك الداخلي والإنهيار الخلقي الذي يدمّر الأمم. وقد نزلت فيها آيات تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها بعد حادثة الإفك (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ(11) وكل الآيات التي سبقتها إنما كانت مقدمة لتبرءتها. ثم يأتي التعقيب في (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ(12) وفيها توجيه للمسلمين بإحسان الظنّ بإخوانهم المسلمين وبأنفسهم وأن يبتعدوا عن سوء الظن بالمؤمنين، وشددت على أهمية إظهار البيّنة (لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ(13) ويأتي الوعظ الإلهي في الآية 17 (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). فالسورة بشكل عام هي لحماية أعراض الناس وهي بحقّ سورة الآداب الإجتماعية.
تبدأ السورة بآية شديدة جداً (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(1) وفيها تنبيه للمسلمين لأن السورة فيها أحكام وآداب هي قوام المجتمع الإسلامي القويم.(1/4)
تنتقل الآيات إلى عقوبة الزناة (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ(2)، والأصل في الدين الرأفة والرحمة أما في أحوال الزناة فالأمر يحتاج إلى الشدة والقسوة وإلا فسد المجتمع جرّاء التساهل في تطبيق شرع الله وحماية حدوده، لذا جاءت الآيات تدل على القسوة وعلى كشف الزناة . لكن يجب أن نفهم الدلالة من هذه الآية، فالله تعالى يأمرنا بأن نطبق هذه العقوبة بعد أن نستكمل بعض الضمانات لحماية المجتمع التي تتحدث عنها بالتفصيل الآيات التالية في السورة. والملاحظ في هذه السورة تقديم الزانية على الزاني وكما يقول الدكتور أحمد الكبيسي في هذا التقديم أن سببه أن المرأة هي التي تقع عليها مسؤولية الزنا فهي لو أرادت وقع الزنا وإن لم ترد لم يقع فبيدها المنع والقبول، وهذا على عكس عقوبة السرقة (والسارق والسارقة) فهنا قدم السارق لأن طبيعة الرجل هو الذي يسعى في الرزق على أهله فهو الذي يكون معرضاً لفعل هذه الجريمة هذا والله أعلم.
ضمانات لحماية المجتمع:(1/5)
1. الإستئذان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(27) تعلمنا الآيات ضرورة الإستئذان لدخول البيوت وحتى داخل البيت الواحد للأطفال والخدم في ساعات الراحة التي قد يكون الأب والأم في خلوة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(58) ومن آداب الإسلام أن لا يدخل الأبناء على والديهم بدون استئذان.
2. غضّ البصر وحفظ الفرج: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30) وهذا توجيه للرجال والنساء معاً فهم جميعاً مطالبون بغض البصر.(1/6)
3. الحجاب: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(31).
4. تسهيل تزويج الشباب (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(32) وتسهيل هذا الزواج لحماية الشباب الذي بلغ سن الزواج وبالتالي حماية المجتمع كاملاً.
5. منع البغاء: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(33).(1/7)
6. منع إشاعة الفواحش بإظهار خطورة انتشارها: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(19) و(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(24). فلقد لعن الله تعالى الذين يشيعون الفاحشة أو يرمون المحصنات وحذرهم من عذابه في الدنيا والآخرة.
نعود للآيات الأولى في حدّ الزنى ونرى أنه لا تطبيق لهذا الحدّ إلا إذا تحققت هذه الضمانات الإجتماعية أولاً وبعدها لوحدثت حادثة زنا لا يقام الحد حتى يشهد أربع شهود ومن غير الشهود لا يطبق الحدّ فكأن إقامة الحد مستحيلة وكأنما في هذا توكيد على أن الله تعالى يحب الستر ولا يفضح إلا من جهر بالفاحشة ولنا أن نتخيل أي إنسان يزني أمام أربع شهود إلا إذا كان فاجراً مجاهراً عندها هذا هو الذي يقام عليه الحدّ حتى لا يفسد المجتمع بفجوره وتجرئه على الله وعلى أعراض الناس في مجتمعه. فلو كان قد وقع في معصية ولم يكن له إلا ثلاث شهود لا يقام عليه الحد ويجب عليه التوبة والاستغفار ولهذا جاءت في السورة آيات التوبة والمغفرة . (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ(10) و(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5) و (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(14) و(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ(20).(1/8)
حد القذف: حذّرنا الله تعالى في هذه السورة من قذف المحصنات وبيّن لنا العقوبة التي تقع على هؤلاء وهي لعنة الله وعذابه في الدنيا والآخرة.
آية النور: هذه الآية التي سميّت السورة باسمها فيها من الإعجاز ما توقف عنده الكثير من العلماء. ووجودها في سورة النور هو بتدبير وبحكمة من الله تعالى، فلو طبّق المجتمع الإسلامي الضمانات التي أوردتها الآيات في السورة لشعّ النور في المجتمع ولخرج الناس من الظلمات إلى النور، وشرع الله تعالى هو النور الذي يضيء المجتمع ولذا تكررت في السورة (آيات مبيّنات وآيات بيّنات) 9 مرّات لأن هذه الآيات وما فيها من منهج تبيّن للناس طريقهم والنور من خصائصه أن يبيّن ويَظهر ويكشف.(1/9)
هذا النور الذي ينير المجتمع الإسلامي إنما مصدره (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(35)، وينزل هذا النور في المساجد (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ(36) وينزل على (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ(37) والذي لا يسير على شرع الله يكون حاله كما في الآية (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ(40).(1/10)
وسميّت سورة النور لما فيها من إشعاعات النور الربًاني بتشريع الأحكام والآداب والفضائل الإنسانية التي هي قبس من نور الله على عباده وفيض من فيوضات رحمته.وتشبيه النور بمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دريّ يوقد من شجرة مباركة، هذا التشبيه كأنه يدلّ على أن النور حتى نحافظ عليه مضيئاً يجب أن نحيطه بما يحفظه والفتيل الذي به نشعل النور إنما هو الآية الأولى في السورة هذه الآية الشديدة التي تحرك الناس لإضاءة مصباح مجتماعاتهم الصالحة بتحقيق الضمانات الأخلاقية حتى يبقى النور مشعّاً.
***من اللمسات البيانية فى سورة النور***
آية (4):
*ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)فى سورة النور ولماذا لم يقل منهم أو عنهم؟(د.حسام النعيمى)(1/11)
في قوله تعالى في سورة النور (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)) استعمل (تقبلوا لهم) كان ممكن في غير القرآن أن يقول: ولا تقبلوا منهم شهادة أو ولا تقبلوا عنهم شهادة والقبول من هو الأكثر استعمالاً لأن القبول هو أخذ الشيء برضى أي أن هناك معطي وهناك آخِذ فإذن هناك صلة مقصودة أقدم لك شيئاً تقبله مني وتبقى هناك صلة بيني وبينك كأنه يراد أن تستمر الصِلة بين الطرفين. لو قال قبل عنه كأنه انقطعت الصلة أخذها وانقطعت الصلة لأن (عن) للمجاوزة. إذا كان الفعل مبنياً للمعلوم الذي جاء بـ (عن) يكون الله تعالى يتكلم عن نفسه إما مباشرة جلت قدرته أو عن طريق الغيبة (وهو) (أولئك الذين نتقبل عنهم) الكلام من الله سبحانه وتعالى. لكن لما يكون الكلام من عباده أو مبنياً للمجهول تبتعد فكرة الصلة المادية. لكن (يُقبل منه) مبنية للمجهول، للمفعول لا تحس بالرابط الذي كأنما يراد تجنبه. انتقلت للبناء للمفعول لو كانت مبنية للفاعل كانت ستكون: يقبل عنه.
((1/12)
ولا تقبلوا لهم شهادة) وردت مرة واحدة فقط لم يقل لا تقبلوا منهم. اللام كما يقول علماؤنا للملك والملكية. هؤلاء الذين يرمون المحصنات ورمي المحصنة شيء عظيم ليس بالأمر السهل أن تتهم المرأة في عفافها ولذلك العقوبة شديدة ثمانين جلدة أمام الناس ولا تقبل لهم شهادة. لم يقل ولا تقبلوا منهم أو عنهم كأنما لا ينبغي أصلاً أن يباشروا إصدار شهادة فلا تنفصل عنهم ولا تصدر منهم، هم لهم شهادة ولو كان في غير القرآن كان يمكن القول ولا تقبلوا شهادة لهم ولكن في القرآن قدّم (لهم) تعني أنهم يملكون شهادة في مناسبات أخرى لكن لا يُمكّنون من إظهارها أصلاً تبقى في ملكهم، هذه الشهادة لهم احتفظوا بها (لو قال تقبلوا منهم أو عنهم كأنها صدرت منهم، يسمعون ولا يقبلون) لكن المطلوب أصلاً أن لا يتكلم لأنه اتهم امرأة عفيفة بعفافها فجُلِد وحتى لو كان له شهادة احتفظ بها. هم يملكون شهادة لكن يقال لهم احتفظوا بملككم ولا يُمكّنون من إظهارها أصلاً حتى تقبل منهم أو تقبل عنهم. الشهادة ملكه لأنه ارتكب هذا الجرم العظيم وهو قذف المرأة المحصنة.
آية (7)-(9):
*(وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)) (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) النور) ما الفرق بين اللعنة والغضب؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى:(وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)) و(وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ(9)).(1/13)
اللعنة في اللغة هي الطرد والإبعاد، إبليس لعنه أي طرده من رحمة الله. مقتضى شهادة الزوج لما يرمي زوجه إذا نفذت ستكون النتيجة أنها تقتل وترجم وتُبعد من الحياة، الزوج إذا رمى زوجه بالزنا سترجم إذن ستطرد من الحياة، تُبعد من الحياة، فهو إذن كما أبعدها من الحياة يستحق اللعنة إذا كان كاذاباً يستحق الطرد والإبعاد من رحمة الله واللعنة إن كان كاذباً هذا جزاؤه كما طردها يُطرد وكما أبعدها يُبعد. أما بالنسبة للزوجة فلو فعلت ذلك فهي فعلت فاحشة كبيرة فتستحق غضب الله كأي فاعل فاحشة لأن الزوج لا يناله شيء، شهادتها تنجيها من الحدّ لكنها لو فعلت فعليها غضب الله كأي واحد يفعل فاحشة عليه غضب الله. الزوج يرمي زوجه بالزنا دون شهداء فيحتكم إلى اليمين فلو فعل ذلك مقتضى هذه الشهادة أنها ستُرجم فإن كان كاذباً يستحق لعنة الله تبارك وتعالى والطرد من رحمة الله تعالى كما فعل بها أما هي فتستحق الغضب لأنه لا يترتب على الزوج شيء.
*ما سبب الاختلاف في حركة كلمة الخامسة في آيتي سورة النور (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)) و (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9))؟ (د.فاضل السامرائى)
الأولى مرفوعة لأنه قال تعالى (فشهادةُ أحدهم أربعُ شهادات) مبتدأ وخبر والخامسةُ معطوفة على أربع. وفي الثانية قال تعالى (أن تشهد أربعَ شهادات) (أربعَ: مفعول به) والخامسةَ معطوفة عليها.
آية (20):
*ما دلالة التوكيد بـ (إنّ) واللام في هذه الآية (إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) البقرة)وفى(وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (20) النور) ما أكّد ؟(د.فاضل السامرائى)(1/14)
التوكيد بحسب ما يحتاجه المقام، إذا احتاج إلى توكيدين مثلاً لما يذكر الله تعالى النعم التي أنزلها علينا يؤكد وإذا لم يحتج إلى توكيد لا يؤكد ولو احتاج لتوكيد واحد يؤكد بواحد. (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) البقرة) أكّد. (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (20) النور) ما أكّد. في الآية الأولى كانوا في طاعة (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) ويقولن هذه الآية نزلت لما تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة تساءل الصحابة عن الذين ماتوا هل ضاعت صلاتهم؟ وهل ضاعت صلاتنا السابقة؟ سألوا عن طاعة كانوا يعملون بها فأكدّ الله تعالى (إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) أما في الآية الثانية فهم في معصية (يحبون أن تشيع الفاحشة) فلا يحتاج إلى توكيد. في تعداد النعم لما هم في طاعة يؤكد ولما يكون في معصية لا يؤكد.
آية (26):
*ما دلالة التكرار في الآية (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) النور)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/15)
ليس بالضرورة قد يختلف الحُكم. لو قلنا المسلمات للمسلمين والمسلمون للمسلمات، المسلمات للمسلمين صح والمسلمون يصح أن يكون لغير المسلمات،هذا حكم آخر والحكم الأول مختلف عن الحكم الثاني، ليس بالضرورة أن التكرار بالتقديم والتأخير سيعطي نفس الحكم، قد يأتي حكم جديد فإذن هي ليست نفسها. يعني نقول الضالون للضالات والضالات ربما يكنّ لغير الضالين، هذا ليس حكماً هنا في الآية جمع الحكم وأكّده أن هؤلاء لهؤلاء وهؤلاء لهؤلاء. لكن ما معنى الآية؟ أصلاً هم مختلفون في تفسير الآية فيقولون الكلمات والفعلات الخبيثة للرجال الخبيثين، ومن معناها النساء الزانيات للرجال الزناة، هذا من الآراء وإنما هي مجموعة آراء وكثير من المفسرين يذهبون إلى الرأي الأول أن الكلمات والفعلات الخبيثة لا يقولها ولا يرضاها إلا الخبيثون من الناس، الكلمات الخبيثة من القول للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات يحتمل السياق اللغوي ذكر الصفة ولم يذكر الموصوف. هذا في سياق القذف ففيها كلمات ورمي بالكلمات (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) النور) هذا قول قذف المحصنات الغافلات (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) النور)، السياق يحتمل كثيراً هذا المعنى.
*لماذا قدّم تعالى الخبيثات على الخبيثين في سورة النور؟ (د.فاضل السامرائى)(1/16)
قال تعالى في سورة النور (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {26}) وإذا نظرنا إلى السياق في السورة وجدنا أن الكلام في السورة عن النساء ورميهن بالإثم والقذف ورمي الأزواج لأزواجهم (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {4}) (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ {11}) وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {23}) وقد جاء في بداية السورة (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ {2}) بتقديم الزانية على الزاني لأن الفِعلة تأتي من النساء أولاً ثم إن بعض النساء تحترف هذه المهنة ولا يحترفها رجل.
آية (29):
*ما الفرق بين لا جناح عليكم وليس علكم جناح؟ (د.فاضل السامرائى)
((1/17)
لا جناح عليكم) جملة إسمية، (لا) النافية للجنس وجناح إسمها، وإسمها وخبرها جار ومجرور (عليكم). (ليس عليكم جناح) جملة فعلية (ليس فعل ماضي ناقص من أخوات كان) وقاعدة عامة الجملة الإسمية أقوى من الفعلية لأنها دالة على الثبوت الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد والوصف بالإسم أقوى وأدوم من الوصف بالفعل. إذن لا جناح عليك أقوى بالإضافة إلى أن لا جناح عليكم مؤكدة. (لا رجل) فيها توكيد وجملة إسمية فستكون أقوى. (لا) أقوى في النفي من (ليس) والنفي درجات. اللغة العربية سهلة ولكنها واسعة تعبر عن أمور كثيرة لا يمكن للغات أخرى أن تعبر عنها (كيف تعبر بالانجليزية بين لن يذهب ولم يذهب ولما يذهب وليس يذهب، لا رجل حاضراً، ليس رجل حاضراً، ما رجل حاضراً) أدوات النفي لها دلالاتها. وللنفي درجات ودلالات، هذا خط بياني في التعبير. محمد حاضر، إن محمد لحاضر، إنّ محمد حاضر، إن محمد لحاضر، كيف تعبر عنها وكل واحدة لها دلالة وكلها تدل على حضور محمد؟. فكيف تعبر عنها باللغات أخرى؟!.نأخذ أمثلة:
لا جناح عليه:
تستعمل فيما يتعلق بالعبادات وتنظيم الأسرة وشؤونها والحقوق والواجبات الزوجية والأمور المهمة:
((1/18)
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا (158) هذه عبادة، ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ (229)، (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ (230)، (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ (233) ، (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (234) ، (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ (235) ، (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً (236) (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ (240)) هذه الآيات كلها في الحقوق وفي شؤون الأسرة.
ليس عليكم جناح:(1/19)
تستعمل فيما دون ذلك من أمور المعيشة اليومية كالبيع والشراء والتجارة وغيرها مما هو دون العبادات في الأهمية. بينما (لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِن رَبِّكُمْ ) هذه في التجارة ليست فى العبادة. (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ (93) المائدة) طعام هذا أكل لا يتعلق في العبادة، (لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ (29) النور) (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا (61) النور) ليست في العبادة.حتى لو الدلالة واحدة وهي النفي لا بد أن يغاير بين الأدوات الموجودة العربي كان يفهم هذا الكلام وأكثر من هذا وكانوا يتكلمون بها لكنهم لا يضعوها في مكانها في كلامهم يأتوا بجمل لكن لا يمكن أن يرتبوا كلاماً بمستوى القرآن لذلك هم قالوا أي كلام بمقدار أقصر سورة في القرآن (الكوثر) هو مُعجِز لأنه كيف يجمع كل هذه الأمور وهذا الحشد البياني الهائل في هذا؟! ذكرنا سابقاً أنني أذكر أستاذاً في الأدب العربي في جامعة بغداد سأل لماذا القرآن كلام معجز مع أن العرب فهموه وهو كلامهم؟ أستاذ آخر يُدرِّس اللغة قال ألا يفهم أستاذ الأدب كلام المتنبي ويشرح مفرداته للطلاب؟ فلماذا لم يفعل مثله؟
آية (30):
* ما الفرق بين (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) النور) و(وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) النحل)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/20)
قراءة الآيتين يوضح الأمر: آية النور (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) النور) وآية النحل (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)) هذه قرية قديمة وبائدة كانت تفعل هذا فهو تاريخ أما آية النور فحالة مستمرة إلى قيام الساعة وليست مثل تلك القرية القديمة التي كانت. لا ينفع أن نقف على جزء من الآية وإنما نأخذها في سياقها هل يتكلم عن أمر ماضي أو مستقبل. إذن بما كانوا يصنعون في الماضي والثانية (خبير بما يصنعون) في الحال.
*القرآن الكريم يستخدم يصنعون ويفعلون ويعملون فما اللمسة البيانية في هذه الأفعال؟ (د.فاضل السامرائى)(1/21)
الفعل عام يقع من الإنسان والحيوان والجماد وهو أعم شيء فعل الماء، فعل الرياح، وهو بقصد أو بغير قصد. العمل أخص من الفعل ويكون بقصد ولذلك قلّما يُنسب إلى الحيوان. العرب لم تقله في الحيوان إلا في البقر العوامل التي تحرث قصد الحرث، إذن العمل أخص من الفعل وينسب للإنسان وقلما ينسب إلى الحيوان. الصنع إجادة الفعل وهو أخص من العمل لا ينسب إلى حيوان ولا ينسب إلى جماد وليس كل عمل صنع حتى تحسن العمل (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل) إذن هو أخص من العمل. عندما يستخدم القرآن (بما يصنعون) أي يحاولون ويدبّرون ويتقنون ما يفعلون، يأخذون الحيطة ماذا نفعل لو قال كذا ماذا نصنع؟ هذا الصنع مدبّر إذن الصنع إجادة العمل. إذن كل فعل بحسب الآية التي ورد فيها في القرآن الكريم لكن بشكل عام الفعل أعم ويقع بقصد أو بغير قصد والعمل أخص من الفعل ويكون بقصد ويُنسب للإنسان والصنع إجادة العمل. اللغة العربية دقيقة إلى هذا الحد وهناك خلاف بين اللغويين أن هناك ترادف في القرآن أو لا، قسم يقول في القرآن ترادف وقسم يقول هي لغات، الترادف مثل المدية والسكين كلمتان تدلان على دلالة واحدة ويقولون أسماء السيف ليس مترادفة وإنما هي صفات اسمه السيف والباقي صفات مثل الحسام، وكذلك أسماء الأسد كلها صفات والإسم هو الأسد والصفات تكون في وجهه ومشيته، عضنفر صفة وليس كل أسد غضنفر، القسورة من القسر يقسر الفريسة يأخذها قسراً بقوة وشدة وعنف. في التفسير قد تفسر كلمة بكلمة بما هو أوضح للسائل ولا يجوز بيانياً أن تحل كلمة مكان كلمة في القرآن أما في الكلام العادي العام فيجوز وكل كلمة في القرآن لها مكانها المناسب الذي وضعت فيه ولا يجوز تبديلها حتى بكلمة تقاربها في الدلالة.(1/22)
توفاهم وتتوفاهم مع أنهما نفس اللفظة وكلاهما فعل مضارع لو أردنا أن نستبدل في كلام الناس نفعل لكن في القرآن لا يمكن لأن هناك سبباً قال في مكان توفاهم وفي مكان آخر تتوفاهم.
آية (31):
* ما معنى الدنو في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59) الأحزاب)؟ (د.فاضل السامرائى)
نحن نتكلم في اللغة وليس في الفقه. الإدناء هو التقريب. الجلباب في اللغة هو ما يستر من الملابس سواء فوق الثوب أو الثوب. لغوياً هو الساتر من اللباس يسمى جلباباً. (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) أي يرخين عليهن. الإدناء هو الإرخاء والإسدال، ما ستر الجسم كله. عند اللغويين من فوق إلى أسفل، هذا في اللغة. الجلباب الذي يستر من فوق إلى أسفل وقسم يقول هو كل ثوب تلبسه المرأة فوق الثياب. يدنين أن يقرّبن عليهن، يسدلن عليهن لأن الإدناء فيه الإرخاء والإسدال. الإدناء ستر الجسد من فوق إلى أسفل.
في سورة النور (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (31)) الخمار هو غطاء الرأس، والجيب هو فتحة الصدر. هذا في حدود اللغة وليس من الناحية الفقهية.(1/23)
*ما الفرق بين بني وأبناء في الآيات (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ (31) النور) و (لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55) الأحزاب)؟ (د.فاضل السامرائى)
استعمال بني وأبناء: بني (بنو بالرفع) أكثر من أبناء من حيث العدد. بنو آدم ليست مثل أبناء آدم، بني إسرائيل كثير، أبناء يعقوب أقل. بني أكثر من أبناء. أبناء هي من صيغ جموع القِلّة: أفعُل، أفعال، أفعلة، فُعلة.(1/24)
الفرق بين الآيتين لو لاحظنا آية النور التي فيها (بني) هذه في عموم المؤمنين، الخطاب لعموم المؤمنين والمؤمنات. بينما في آية الأحزاب الخطاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - . في آية النور قال تعالى (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ) نساء المؤمنين كثير بني أخواتهن وبني إخوانهن فقال بني أخواتهن. أما في الأحزاب فالخطاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وهن قليلات بالنسبة لنساء المؤمنين فقال أبناء لأن أبناء أقل من بني وفي الكثير قال (بني) لأنها في عموم نساء المؤمنين وهذه طبيعة اللغة.
(بنو) ملحقة بجمع المذكر السالم (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) الشعراء). بنين حذفت النون للإضافة (بني آدم). فإذا أضيف المذكر السالم والمثنى تحذف النون فتصير بنو آدم وبني آدم.
* ما دلالة كلمة الجيوب في آية النور(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)؟(د.حسام النعيمى)
أولاً الخمار في اللغة هو غطاء الرأس وسُميت العِمامة القديمة خماراً لأنها كانت تُلفّ على الرأس وينزل جزء منها على الحنك وتُشكّل في الطرف الآخر، وفي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخف والخمار (يقصد العمامة). فإذن الخمار هو غطاء رأس. حدود هذا الغطاء ليس من شغلنا لكن الخمار غطاء.
((1/25)
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ): الجيب هو فتحة العنق من الثوب، الفتحة التي يُدخل الإنسان فيها رأسه لأنه كان الثوب عبارة عن قطعة قماش تُقصّ من جانب ويُدخل رأسه فيها ثم تُخاط من الجوانب. كان الملبس بسيطاً والبعض كان يلف جسمه بالثوب لفّاً. فالمطلوب لما يكون هناك فتحة يُدخل الإنسان رأسه منها. هذه الفتحة تكون مريحة فيكون فيها نوع من الزيادة بحيث يظهر العنق وشيء من الصدر فالقرآن الكريم طالب المؤمنات بالغضّ من أبصارهنّ (لاحظ إستعمال (من) للتبعيض حتى ترى طريقها ولو قال يغضضن أبصارهن كان لا يمكنها أن تمشي وترى الطريق). قوله (وليضربنّ بخُمُرهن) هذا الخمار والضرب هو الإزاحة: أن تزيح الخمار من جهة رأسها تمدّه إلى أن تضرب به على جيبها بحيث تستر عنقها وصدرها.
*متى يكون استعمال (أو) و (لا) (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى (37) سبأ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (9) المنافقون) (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ (31)النور)؟ (د.فاضل السامرائى)
الواو من حيث الحكم يسمونها مطلق الجمع أما (أو) فلها معاني الإباحة والتخيير
خيّر أبِح قسّم بأو وأبْهِمِ واشكُك وإضرابٌ بها أيضاً نُمِى(1/26)
فيها معاني كثيرة فـ(لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ)، (أو) قد يكون فيها إباحة أو تخيير أو قد تكون تقسيم. إباحة هم يقولون جالسوا العلماء أو الزهاد تبيح له أن يجالس هذا الصنف من الناس، جالس الفقهاء أو العلماء، صاحب فلان أو فلان أو فلان تبيح له في صحبة هؤلاء. (أو) قد تكون للتخيير، التخيير لا يقتضي الجمع إما هذا وإما هذا أما الإباحة "تزوج هنداً أو أختها" هذا تخيير لا يجوز الجمع بين الأختين. الواو لمطلق الجمع فلما قال (لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ) يعني كلها لا تلهيكم. السؤال لماذا جاء بـ (لا)؟ لو لم يذكر (لا) لو قال (لا تلهكم أموالكم وأولادكم) احتمال أنه إذا جمع بينهما أما إذا أفرد، (ولا أولادكم) فيها احتمالان: احتمال الإفراد والجمع، أنه بنهاك عن الجمع بينهما لو أفردت فلا بأس، لو التهيت بأحد منهما فلا بأس هذا احتمال، واحتمال أنه كل واحد على حدة اجتمعا أو انفردا. النُحاة يضربون مثلاً يقولون "ما حضر محمد وخالد" أو " ما حضر محمد ولا خالد"، "ما حضر محمد وخالد محتمل أنه حضر واحد منهما، ويحتمل أنه لم يحضر محمد ولم يحضر خالد، هذا احتمال واحتمال أن واحد منهما حضر، هذه يسمونها تعبيرات احتمالية تحتمل أكثر من دلالة. لا توجد قرينة سياقية ولا لفظية تعين مفهوماً محدداً هنا. لو قلنا " ما حضر محمد ولا خالد" يعني لم يحضرا لا على سبيل الإجتماع ولا على سبيل الإفراد. "ما حضر محمد وخالد" احتمال أنه حضر واحد منهم ما حضر الاثنان، ما حضر محمد وخالد حضر محمد فقط واحتمال أنه ما حضر ولا واحد منهما، إذن هي تنفي حضور الإثنين أو ربما تثبت حضور أحدهما نسميه تعبير احتمالي. أما في قولنا "ما محمد ولا خالد" أي لم يحضر أي واحد منهما لا على سبيل الاجتماع ولا على سبيل الإفراد.(1/27)
إذن (لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ) إذن نهى عن الإلتهاء على سبيل الاجتماع أو التفرّق لا الأموال ولا الأولاد ولو حذف (لا) تصير تعبيراً احتمالياً يعني لو واحد منهم يلهيكم لا بأس.
أما في الآية (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ (31) النور)هذه إباحة وليست تخييراً.
*هل يمكن شرح آيات الحجاب، وما معنى الخمار والجلباب والجيوب؟ وكذلك في الحديث النبوي "فشققن مروطهن".(د.فاضل السامرائى)(1/28)
نتكلم فقط من حيث اللغة. نذكر ثلاث كلمات كلمتين في القرآن وواحدة في الحديث فقط لكن من حيث الأحكام الشرعية فليس من اختصاصنا. أولاً (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (31) النور) الخمار عند العرب وفي اللغة هو غطاء الرأس تحديداً والجيب هو فتحة الصدر، إذن تضع الخمار على رأسها وتداري صدرها هذا هو الخمار. والجلباب هو ثوب واسع تغطي به المرأة ثيابها، فوق الثياب (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ (59) الأحزاب) الجلباب هو يسترها من فوق إلى أسفل فوق الثياب، الجلباب تحته ثياب وهو يستر الثياب التي تحته فكل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها هو جلباب يسترها من فوق إلى أسفل سوءا كان بصورة عباءة أو بصورة آخرى. وعندنا المِرْط كما في الحديث (عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: إن كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليصلِّي الصبح فينصرف النساء متلفِّعاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ما يعرفن من الغلس) الغلس يعني الظلام، ظلمة الليل. المِرط ثوب يشتملون به غير مخيط مثل الملحفة، كل ثوب غير مخيط يؤتزر به يسمونه مرطاً (فما يعرفن من الغلس) معناه أنه لو كان الدنيا نهار كن يعرفنّ، لأنه في قوله تعالى (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30) النور) رأي الجمهور أن يظهر الوجه والكفين. يغضوا من أبصارهم على ماذا؟ لو كان ليس هناك شيء ظاهر فعن ماذا يغض بصره؟ يغض بصره عما يظهر من الوجه والكفين. وقال للمرأة (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ (31) النور) فهل يجب أن يكون الرجل مختمر أو يلبس حجاباً ولا أدري حقيقة إن كان هناك حديث صحيح حول هذا الأمر لكن هذا من حيث اللغة وهذه ليست فُتية. عندما قال تعالى يغضوا ويغضضن عن أي شيء يغضضن؟ لو وارى وجهه لما قال يغضضن، هذا من حيث اللغة وهو موافق لرأي الجمهور أما الحكم الشرعي فيُسأل به أهل الفقه.
آية (33):(1/29)
*ما الفرق بين السفاح (مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ (24) النساء) والبغاء (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء (33) النور) والزنى (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32) الإسراء)؟ (د.فاضل السامرائى)
البغاء هو الفجور، بغى في الأرض أي فجر فيها أي تجاوز إلى ما ليس له. (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ (76) القصص) تجاوز الحدّ. فهي تجاوزت حدها عندما فعلت هذه الفعلة. لذا يقال للمرأة بغيّ ولا يقال للرجل بغيّ (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) مريم) عند العرب لا يوصف الرجل بالبغيّ في الزنا البغاء للمرأة. إشتقاقه اللفظي بغت المرأة إذا فجرت لأنها تجاوزت ما ليس لها. الزنا هو الوطء من غير عقد شرعي. البغاء استمراء الزنا فيصير فجوراً. المسافحة أن تقيم معه على الفجور، تعيش معه في الحرام من غير تزويج صحيح. المسافحة والسفاح هي الإقامة مع الرجل من غير تزويج شرعي وهذا أشد لأنه تقيم امرأة مع رجل على فجور. كله فيه زنا والزنا أقلهم، إذا استمرأت الزنا صار فجوراً بغاء وإذا أقامت معه بغير عقد شرعي يقال سفاح. الرجل يوصف بالسِفاح أيضاً (غير مسافحين). الزنا يوصف به الرجل والمرأة (والزانية والزاني) والسفاح للرجل والمرأة أما البغاء والبغي فللمرأة تحديداً. وكل كلمة لها دلالتها في القرآن الكريم.
* ما دلالة (إن)فى الآية(وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور)) ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/30)
هي مناسبة لأصل سبب النزول(إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) ماذا إذا لم يردن تعففاً؟ الحادثة التي حصلت أن عبد الله بن أبيّ أراد إكراههن وهن يردن التحصّن فذكر المسألة كما هي واقعة ثم تأتي أمور أخرى تبيّن المسألة.
*ما تفسير ملك اليمين (وما ملكت أيمانهم)؟(د.حسام النعيمى)
العرب عادة تستعمل كلمة اليمين إشارة إلى المِلك والقوة والإستحواذ على الشيء وهم لا يريدون اليمين التي هي غير الشمال. يقولون هذا الأمر في يميني أي في سيطرتي وقدرتي وفي مِلكي. فما سُمّي بملك اليمين معناه العبيد الذين كانوا يباعون ويشترون بحيث أن الإنسان يكون مالكاً لهم كأي حاجة من الحاجات هذا ملك اليمين. ويكون عادة من الذكور والإناث. تحتاج هذه المسألة لوقفة قصيرة في بيان موقف الإسلام لأن هذا متكلّم فيه. الإسلام أقر ظاهرة هي ظاهرة الرقيق بيع الإنسان وشراؤه فكيف أقرّه؟ ملك اليمين هم الرقيق. حتى تتضح الصورة أن الرق كان نظاماً عالمياً في كل العالم إذا كان العالم في وقتها بآحاد الملايين كان الرقيق بعشرات الألوف، يعني في كل بلدة وقرية وكانت ظاهرة إجتماعية لا يكاد بيت يخلو من عبد أو أمة أو أكثر ولما نقرأ السيرة كيف فعل المشركون بمن عندهم من الرقيق وكان هناك أسواق للنخاسة والإسلام لما واجه هذه المشكلة لم يحلّها كما حلّ مشكلة الخمر مثلاً على مراحل سريعة متتابعة إلى أن قال تعالى (فهل أنتم منتهون) قال المسلمون إنتهينا يا رب وسكبوا خمورهم في شوارع المدينة حتى صارت تجري فيها الخمور أنهاراً. فلو تخيلنا أن الله تعالى قال للمسلمين في الكف عن الرقيق (فهل أنتم منتهون) وأخرج كل من عندهم من رقيق للشارع فماذا كان يحصل؟ كان سيحصل فساد لأنه نساء ورجال يُخرجون إلى الشارع. لكن ماذا صنع الإسلام؟ بعض الكُتّاب يشبه فكرة الرقيق بحوض ماء تصب فيه مجموع حنفيات وفي أسفله ثقب صغير.(1/31)
هذه الحنفيات التي تصب كانت موارد الرِق وأعظم مورد كان الحروب ثم الدَيْن إذا كان إنسان يطلب إنساناً آخر بدين معين ولم يوفيه يمكن ن يترقه ثم السرقات ثم الولادة (ما يولد للرقيق) حنفيات كثيرة والمنفذ الوحيد الذي كان هو الموت لا ينقذ العبد أو الأمة من الرٌق إلا الموت وإلا تبقى تباع وتشترى. الإسلام ماذا صنع؟ أغلق جميع الحنفيات وأبقى واحدة للمقابلة بالمثل وهي الحرب لأنه لو الإسلام منع الرق في الحرب لكان يستهان بالمسلمين ويسترقون فجعل هذا مقابلة بالمثل في الحروب. وفتح فتحات كبيرة في داخل الحوض تفرّغ الماء وأهم فتحة فتحها الإسلام هي المكاتبة: يعني أن أي عبد أو أيّة أمَه تستطيع أن تذهب للقاضي وتقول له أنا أريد أن أتحرر فليكاتبني من يملكني فيبعث القاضي على السيد أو مالكه ويقول له مثل هذا أو مثل هذه ثمنه في السوق بقدر كذا حتى لا يشتط السيد في الثمن فتكاتب معه يعمل ويسد لك الأجر فإذا أنهى سداد الأجر يكون حُرّاً. (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ (33) النور) شرط أن يكون بإستطاعته أن يسد وأن يعمل. (وآتوهم من مال الله) ليس هذا فقط وإنما أعينوهم على المكاتبة هذا وحده كان يكفي لإنهاء الرق أن أي عبد أو أمه تريد أن تكاتب لا يستطيع سيدها أن يمتنع يبتغي الكتاب (فكاتبوهم) أمر. هذه واحدة. مع ذلك الإسلام لم يكتف بهذه وإنما أضاف شيئاً آخر. الشيء الآخر نحن عندنا الزكاة لها مصارف (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة) الصدقات يعني الزكاة ثمانية مصارف. ((1/32)
وفي الرقاب) في إعتاق العبيد والرقبة تستعمل إشارة إلى هؤلاء العبيد. فإذن الدولة لما تجمع أموال الزكاة عندها ثمانية مصارف تصرفها ، ثُمن واحد من ثمانية إذا أرادت أن تقسم بالتساوي أن تنظر من يريد أن يتحرر ولا يملك تدفع له. هذا إضافة إلى المكاتبة هذا باب واسع فتحته الشريعة الإسلامية لتخليص هؤلاء. باب آخر الذي هو الكفّارات فيها تحرير الرقاب مثلاً (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) النساء) (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (89) المائدة) (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) المجادلة) .(1/33)
الباب الرابع هو التطوع وهذا التطوع باب لا ينتهي (وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ (177) البقرة) (وما أدراك ما العقبة فك رقبة) هذا التحبيب هذا فقط في القرآن وفي الأحاديث هناك أحاديث كثيرة تتحدث عن إعتاق الرقاب فإذن الإسلام خطا خطوات بعيدة المدى لإذابة وإنهاء الرِقّ. لكن لأنه كان نظاماً عالمياً بقي هذا المنفذ الذي هو منفذ المقابلة بالمثل، الآن إنتهى هذا الأمر وقررت الأمم المتحدة إنهاء الرِقّ والإسلام ليس عنده مشكلة في هذا. لا يقول لك الإسلام ينبغي أن يسترق أبداً إذا وجد هذا النظام يحاول أن يذوّبه لأنه لو فعل كما فعل في الخمر وأخرج الناس إلى الشوارع يحصل فساد إجتماعي تتحول إلى سرقات وزنا وقتل وغيره. إمرأة في بيت مستور تأكل وتشرب وتعيش وتخدم لكن حاول الإسلام أن يصفّي هذا النظام الموجود لما أُلغيت فكرة أسرى الحروب يكونون رقيقاً والإسلام ليس عنده مشكلة. لا يوجد الآن ملك اليمين لأنه من أين تأتي به؟ الآية كانت خاصة بظروفها إلى عهد قريب أما الخادمات الآن هم أحرار يعملون بمرتّب ولا يجوز معاشرتها معاشرة المرأة إلا أن يعقد عليها فملك اليمين لم يعد موجوداً الآن. لو دخلت دولة مسلمة الحرب مع دولة كافرة يكون أسرى بيننا وبينهم ، هم لا يسترقون أسرانا فلا يجوز أن نسترق أسراهم لأنها بالأصل هي مقابلة بالمثل فإذا أنتم لم تفعلوا هذا فنحن لسنا مستعدون لفعلها.
*لماذا النهي ضعيف في قوله تعالى في سورة النور (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور)؟(د.حسام النعيمى)(1/34)
سبب نزول الآية أن فلاناً من كفار مكة كان يبعث بخادماته إلى فعل الفاحشة حتى يأخذ منها المال. فالقرآن الكريم أراد أن يشنّع به وهو كان من كبراء قريش ومات كافراً. ومنهم من يقول أنه المقصود كان أحد المنافقين في المدينة. أياً كان الذات غير مهمة بقدر أهمية الواقعة أن الذي يفعل هذا كان منافقاً أو من الكافرين مات على كفره أو مات على نفاقه كان يفعل هذا. فكما أن القرآن أرّخ لنا في القرآن الكريم (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) التكوير) وهذا لم يكن شائعاً في العرب وإنما لعِظم الجُرم أرّخه مع أنه قليل كان ومع ذلك سجّله لعِظمه. وهذا أيضاً كان لِعِظمه: أنت وجه من وجوه قومك كيف تفعل هذا؟ فأراد القرآن الكريم أن يثبّت أنه كان في العرب من أمثال هؤلاء من غير المسلمين. فهذا ليس نهياً للمسلمين أن لا تفعلوا هكذا. هذا أمر والأمر الآخر أن بعض المفسرين يذهب إلى أنه (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) بمعنى أنه -ويكون عامّاً عند ذلك وخصوص السبب لا يمنع أحدكم من عموم الحكم- إنه إذا منعت إبنتك من الزواج وحرمتها من ذلك قد يكون هذا سبباً في بغائها يعني قد لا تصبر فلا تكرهها على البغاء بعدم تزويجك إياها. هذا قول رأي لا ينسجم مع سبب النزول لكن أيضاً يمكن أن يفهم هكذا لأن الكلام كان على الزواج والتزويج فجاءت هذه الآية .هو يريد أن يبقي ابنته حتى يستفيد منها حتى قيام الساعة ويمكن الآن يريد أن يستفيد منها من راتبها ولا يزوجها. قد يكون هذا لكن أصل الرواية كما قدّمناه.
آية (34):
*ما الفرق بين آيات بينات وآيات مبيّنات؟(د.فاضل السامرائى)(1/35)
آيات بيّنات أي واضحات، أمر بيّن يعني واضح، أما مبين أي موضح أنت تبين لغيرك (وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ (18) النور) يعني يوضح لك، بيّن يعني هو واضح ظاهر الدلالة أما مبيّن موضح للدلالة أنت تبين (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ (26) النساء) لكن الأمر واضح.
آية (35):
*(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) النور) ما اللمسات البيانية في هذه الآية؟(د.فاضل السامرائى)(1/36)
نشير إلى الآية إشارة لغوية لأن فيها كلام كثير. المعنى العام أن الله هادي أهل السموات والأرض يمثل ربنا تعالى نوره المشكاة هي كوة لا منفذ لها فرجة في الحائط لا منفذ لها إسمها كوّة مشكاة ليست مفتوحة إذا كانت مفتوحة تسمى نافذة. إذن هذه المشكاة فرجة في حائط ليست نافذة. هذه المشكاة فيها مصباح، المصباح هذا في زجاجة هذه الزجاجة كأنها كوكب مضيء ضخم دري ساطع (دري كوكب مضيء ضخم ساطع يقولون هو من الدُرّ) وأنا أميل أن دري يعني مضيء. هذا المصباح الذي له زجاجة بهذا الشكل كأنها كوكب دري ساطع ضخم يوقد من شجرة (المصباح يوقد من زيت) هذا الزيت يوقد من شجرة مباركة (لا شرقية ولا غربية) يعني هي في الوسط لا شرقية هي في الوسط فقط يصيبها ضوء الشمس صباحاً ولا غربية يصيبها ضوء الشمس عند المساء فقط وإنما هي في الوسط، يعني هي في المنتصف في صحراء (لا شرقية ولا غربية) هذه مسألة مكانية الشمس تفرعها من أول النهار إلى آخره ليست في الشرق فقط فتتحول الشمس عنها وإنما الشمس مستمرة عليها كل النهار فيكون زيتها عادة أصفى الزيوت وهذا معروف لدى الناس الشجرة لا شرقية ولا غربية زيتها أصفى الزيوت، هذا الواقع وليس تعبيراً على المجاز. (نور على نور) يعني الإنارة مضاعفة، المشكاة فيها نور والمصباح والزجاجة والزيت الصافي هذا نور مضاعف. مكشاة فيها هذا المصباح لا يبقى فيها شيء مستور ولا يبقى فيها شيء خافي والكون كله من أهل السموات والأرض عبارة عن مشكاة بالنسبة لنور الله تعالى. لا يبقى فيها شيء خافت، السموات والأرض عبارة عن مشكاة بالنسبة لنور الله تعالى، هذا من حيث اللغة
فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة والنبراس
فإذن هذا الكون كله عبارة عن مشكاة صغيرة لا يبقى فيه شيء خافت فالله نور السموات والأرض هادي أهله.
سؤال: هذا التمثيل ليس على الحقيقة وإنما لتقريب الصورة إلى الأذهان؟(1/37)
نعم لكن نحن لو تضورنا مشكاة فيها هذا النور لا يبقى فيها شيء مستور ولا شيء خافت.
*ما دلالة إستخدام كلمة (نور) في الآية (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ (35) النور) ولم لم يستخدم ضياء مع أن الضياء أقوى وأعمّ؟ (د.فاضل السامرائى)
في اللغة هل الضياء نور؟ الضياء نور والضياء حالة من حالات النور، إشتداد النور، النور واسع يمتد إبتداء من نور الفجر ويمتد إلى أن يكون ضياءً. نقول نور الشمس ونقول ضياء الشمس (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا (5) يونس) كلمة النور عامة والضياء حالة من حالات النور. النور أعمّ من الضياء والضياء ليس مغايراً للنور وإنما هو حالة من حالات النور وهو حالات الإشتداد. النور قد يكون مشتداً ويسمى ضياءً وقد يكون غير مشتد فيسمى نوراً. (الشمس ضياء) يعني حالة مشتدة من حالات النور. نحن نتكلم في لسان العرب. النور نقول الآن مكتسب وغير مكتسب هذا أمر آخر. القمر أليس نوراً؟ والشمس أليست نوراً؟ كلاهما نور لكن الشمس أشد إذن هي الضياء. النور أعمّ يشمل الضياء وغير الضياء، هذا واحد وهناك حالات من النور نحن لا نعلمها، مثال: يذكر تعالى في القرآن الكريم (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ (54) الرحمن) قالوا هذه البطائن فما الظواهر؟ قالوا هي من النور الجامد. هذا النور الجامد هل نعرفه؟ هل رأيناه؟ إذن هذه حالة لا نعلمها. لما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"المتحابون في الله على منابر من نور يوم القيامة" أي نور؟ كيف نجلس على منابر من نور؟ هذه حالة لا نعلمها. إذن النور أوسع. إذن كيف نصف الله سبحانه وتعالى؟ بحالة جزئية؟! لا وإنما نصفه بالنور. هناك حالات لا نعلمها من النور فكيف نصف الله تعالى بحاتلة جزئية؟ لا نصفه بالضياء، بحالة جزئية، لا يصح فالله تعالى مطلق ويوصف بالمطلق.(1/38)
الضياء حالة واحدة من النور وهناك نور لا نعلمه. إستخدام النور والضياء في القرآن هو بحسب السياق.
*(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (35) النور) الله مبتدأ ونور السموات خبر والخبر فيه معنى الصفة فهل يمكن أن يوصف لفظ الجلالة بالنور وهو من المحدثات لأن النور حادث؟ أو هل ممكن أن تكون كلمة نور مصدر بمعنى إسم الفاعل حتى لا يوصف لفظ الجلالة بشيء هو من المحدثات؟ هل يمكن أن ينسب لفظ الجلالة إلى النور وكيف نفسر كلمة نور؟ (د.فاضل السامرائى)(1/39)
السؤال هو أن النور محدث أو حادث فكيف ننسبه إلى الله؟ أولاً صفة القديم قديمة، يعني نور الله لو كان المقصود هو النور كما أن علم الخلق حادث وعلمه قديم فنور المحدثات حادث ونوره قديم، لو فسرنا النور بالنور ليس فيها إشكال وصفات الله سبحانه وتعالى قديمة مثله هو علمه وقدرته على أساس أن النور صفة من صفات الله فليس فيها إشكال إذن، نور المحدثات حادث ونور القديم قديم، علم المحدثات حادث وعلم القديم قديم. لكن ما المقصود بالنور؟ هذا ما اختلف فيه المفسرون. قسم يقول نور معناه موجد يعني أظهره إلى الوجود كما أن النور يظهر الأشياء ويبينها وقسم فسره أنه هادي من الهداية، أي هادي السموات والأرض وما فيهما كل شيء هو يهديه. لو أكملنا الآية (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)) يهدي الله لنوره من يشاء، فلما يهدي الله لنوره من يشاء فهذا يقوّي معنى الهداية، يقول يهدي الله لنوره في نفس الآية فترجيح معنى الهداية فيه قوة وأنا أميل لهذا المعنى من تكملة الآية (نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء) فيترجّح والله أعلم أن المقصود الهداية الله سبحانه وتعالى يهدي ما في السموات والأرض يهدي كل شيء إلى ما يقومه ويصلحه، يهدي الحيوانات إلى أساليب معيشتها وبقائها واستمرارها.
سؤال: لما قال أبو تمام (فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة والنبراس) ألا يمكن لأن نفهم أنه ويضرب الله الأمثال أن هذا مثل؟(1/40)
هذا مثل يضربه تعالى ولذلك كتب في مشكاة الأنوار للغزالي وكتب فيه الصوفية. قسم قال نور في قلب المؤمن ودخلوا في أمور كثيرة. في هذا السياق والله أعلم لما قال تعالى (نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء) أن النور يعني الهداية في هذه الآية، الله نور السموات والأرض يعني هاديهما وهادي من فيهما وما فيهما. وهذا التعبير يجوز في اللغة ولله المثل الأعلى نقول نور البيت يهتدي فيه من فيه، مصباح البيت يهتدي به أهل البيت، نور السموات والأرض يهتدي به من فيهما. نحن نقول مصباح الغرفة. القرآن يستعملها من حيث الاستخدام اللغوي (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ (122) الأنعام) هذا من باب التشبيه أن الضلال يُستعمل له الظلمات والنور للهداية.
* هل كل ما جاء عطف بيان يُعرب بدلاً؟ (د.فاضل السامرائى)
عطف البيان عو قريب من البدل نقول مثلاً: أقبل أخوك محمد، محمد يمكن أن تُعرب بدل أو عطف بيان. لكن هنالك مواطن ينفرد فيها عطف البيان عن البدل. وقسم من النحاة يذكرون الفروق بين عطف البيان والبدل ثم يقول أشهر النحاة بعد ذكر هذه الفروق:" لم يتبين لي فرق بين عطف البيان والبدل".
عطف البيان على أي حال قريب من البدل ويصح أن يُعرب بدل إلا في مواطن:
? عطف البيان لا يمكن أن يكون فعل بينما البدل قد يكون فعلاً.
? عطف البيان لا يمكن أن يكون مضمراً أو تابعاً لمضمر (ضميراً أو تابع لضمير) بينما البدل يصح أن يكون .
? عطف البيان لا يمكن أن يكون جملة ولا تابع لجملة بينما البدل يمكن أن يكون كذلك.
وهناك مسألتين أساسيتين يركزون عليهما:
1. البدل على نيّة إحلاله محل الأول.
2. البدل على نية تكرار العامل أو على نية من جملة ثانية.(1/41)
على سبيل المثال وحتى لا ندخل في النحو كثيراً نقول: يا غلام محمداً هذه جملة صحيحة الغلام اسمه محمد هذا لا يمكن أن يكون بدلاً لأنه لا يصح أن يحل محل الأول لأننا قلنا سابقاً أن البدل على نية إحلاله محل الأول ومحمد علم مفرد يكون مبني على الضمّ مثل (يا نوحُ) (يوسفُ أعرض عن هذا) ولا نقول يا محمداً.
وكذلك إذا قلنا: يا أيها الرجل غلام زيد. لا يمكن أن يكون بدل فلو حذفنا الرجل تصير الجملة يا أيها غلام زيد لا تصحّ.
فليس دائماً يمكن أن يُعرب عطف البيان والبدل أحدهمامكان الآخروإنما هناك مواطن يذكرها النحاة لكننا نقول أن عطف البيان موجود في اللغة.
وفي قوله تعالى في سورة النور (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ) الكثير يعربون زيتونة عطف بيان . وعطف البيان مثل الصفة يجب أن يتفق مع ما قبله ولا يختلفا تنكيراً وتعريفاً أما في البدل فيجوز الاختلاف. وعطف البيان تابع من التوابع نقول عطف بيان والمعطوف عليه (ما قبله).
العطف إما ذو بيان أو نسق والغرض الآن بيان ما سبق
ومع ذكر كل الفروق بين عطف البيان والبدل كما ذكرنا سابقاً يأتي أشهر النحاة فيقول أنه لم يتبين له الفرق بينهما وأنا في الحقيقة من هذا الرأي أيضاً.
آية (37):
*ما اللمسات البيانية في الآية (إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)) وكيف يكون بغير حساب؟ (د.فاضل السامرائى)(1/42)
هو لم يقل بغير حكمة وإنما قال بغير حساب. بغير حساب. هذه العبارة (بغير حساب) تحمل عدة معاني مهمة أولاً معناه لا يحاسبه أحد عما يفعل يرزق من يشاء ولا يسأله أحد لِمَ فعلت هذا؟ وهو لا يحاسب المرزوق على قدر الطاعة يعني هو لا يرزق الناس على قدر طاعتهم (كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) الإسراء) يعني ليس الرزق دليلاً على رضى الله عن العبد وليس المنع دليلاً على سخط الله، هذا ليس في حسابه تعالى عندما يرزق، ليس في حسابه أن هذا مطيع فينبغي أن يمنع وليس في حسابه أن هذا عاصي فينبغي أن يُحرم، ربنا قال هكذا (كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ) من غير تقتير ثم أمر آخر أنه لا يخشى أن تنفد خزائنه وتنتهي كما سائر الناس، الناس عندما ينفقون شيئاً يتأكدون هل عنده رصيد؟ هنالك أمور ينبغي أن يفعلها لكن ليس عنده رصيد حتى الدول عندما تنفق تحسب حساباً أما رب العالمين يرزق بغير حساب لأن خزائنه لا تنتهي. كل المعاني مقصودة وهذا الإعجاز الذي فيها. ثم من غير حساب من العبد يرزق العبد من غير أن يكون له حساباً (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) الطلاق) ما كان له حساباً. إذن بغير حساب هو لا يُسأل عما يفعل لا يحاسبه أحد ويرزق كما يشاء ولو كان هناك مسؤول في الدولة يرزق عليه تدقيق ومحاسبة لكن ربنا تعالى لا يُسأل عما يفعل، و لايحاسب المرزوق أي لا يرزقه بحسب الطاعة من غير حساب لهذه المسألة ولا يخشى أن تنفد خزائنه ومن غير حساب من العبد يرزقه من حيث لا يحتسب، العبد يُرزق من غير أن يحسب لذلك حساباً. هذا توسع في المعنى، كل هذه المعاني في (يرزق من يشاء بغير حساب) هذه الآية من جوامع الكلم.
سؤال: ما معنى جوامع الكلِم؟
عبارة تأتي بمعانٍ كثيرة ومدلولات كثيرة.
آية (41):(1/43)
* ما دلالة ما دلالةتكرار (ما) في آيات التسبيح ؟ (د.فاضل السامرائى)
توجد ظاهرة في آيات التسبيح في القرآن كله. إذا كرّر (ما) فالكلام بعدها يكون على أهل الأرض. وإذا لم يكرر (ما) فالكلام ليس على أهل الآرض وإنما على شيء آخر.
في سورة الحشر قال تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) بتكرار (ما) وجاء بعدها (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)) وهذا في الأرض. وكذلك في سورة الصفّ وفي سورة الجمعة وفي سورة التغابن.
بينما في آية أخرى في سورة الحديد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) قال تعالى بعدها (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)) وليس الكلام هنا عن أهل الأرض وإنما هو عن الله تعالى. وكذلك في سورة النور (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)).
هذه قاعدة عامة في القرآن والتعبير القرآني مقصود قصداً فنياً. وهذا في مقام التسبيح ولم أتحقق من هذه القاعدة في غير مقام التسبيح.
آية (43):(1/44)
*ما دلالة تنوع الأوصاف للسحاب وتصنيفها في القرآن الكريم؟(د.حسام النعيمى)
كلمة السحاب أو سحاب هي إسم جنس جمعي. واسم الجنس الجمعي معناه لفظه لفظ مفرد ولكن معناه معنى جمع وليس له واحد من لفظه. فكلمة سحاب كأنها إسم مفرد ليس لها واحد من لفظها، يمكن واحدها قطرة. لكن موجود سحابة. والسحابة هي القطعة من السحاب لكن ليست واحدة من السحاب والقطعة مجزّأة تماماً مثل كلمة ماء. الماء إسم جنس جمعي ليس له واحد من لفظه لكن له قطعة من الماء. كلمة ماء في العربية هناك ماءة يفرّق بينها وبين واحدة بالتاء، مثل شجر واحده شجرة تزيد على هذا اللفظ تاء يصبح مفرداً، هذا إسم جنس إفرادي يعني له مفردات. الشجر مفرده الشجرة الواحدة فيختلف. كلمة ماءة يعني الواحد من الماء عادة يطلقونها على الماء المتبقي مثل الغدران ولا سيما إذا خصت إحدى القبائل نفسها بها أن هذه لنا أو البئر الركيّة مثلاً فيقولون هذه ماءة لبني فلان.
كلمة السحاب لفظه لفظ مفرد ومعناه معنى جمع كأنه جمع تكسير ولذلك يُذكّر ويؤنّث فالعرب تقول هذا السحاب وتقول هذه السحاب،. لكن الإحالة عليه بالضمير بالمفرد المذكّر يعني تقول السحاب رأيته ولا تقول السحاب رأيتها. فإذا جمعته على سُحُب تؤنّث تقول السحب رأيتها ولا تقول رأيته للجمع كما تقول الشجر سقيته هذا أيضاً إسم جمع إفرادي، الأشجار سقيتها.
كلمة السحاب وردت في تسعة مواضع في القرآن الكريم كله. والسَحاب هي بفتح السين وليس لها وجه آخر والسَحابة بفتح السين. أربعة مواضع وردت كلمة السحاب فيها ليس وراءها وصف إنما مجردة ولكل موضعه. وسؤال الأخ السائل أن هذه التعبيرات تنوّع التعبير فيها.(1/45)
في سورة النور (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)) في الحديث عن الكافرين وأعمالهم نوع من الإلتفات بين العمل والعامل. (ووجد الله عنده) هذه الأفعال المنسوبة إلى الله سبحانه وتعالى علماؤنا يقولون فيها حذف وجد الله أي (وجد أمر الله) مثل (واسأل القرية أي إسأل أهل القرية). وجد أمر الله (وجاء ربك والملائكة صفاً) أي جاء أمر ربك لأنه تعالى الله عما يقولون الله تعالى لا يأتي والمسلمون لا يقولون بهذا، وهذا الذي فهمه العرب قبل العلماء لما تنزلت الآيات لم يفهموا أن الله عز وجل يأتي بنفسه، أبو جهل ما قال كيف يأتي ربك بذاته؟ لأنه فهم هذا، وأدركوا ذلك فما سألوا. نحن عندنا هذا الأمر أمر أساسي ، كل قضية لم يفهموها سألوا عنها وناقشوا فيها وأي قضية ما ورد فيها سؤال معناه أدركوها، هذا أصل من الأصول لكن كل ما جرى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُجِّل بدقائقه. (فوفاه الله حسابه والله سريع الحساب) في أمر الله سبحانه وتعالى هذه المحاسبة. الملائكة التي تحاسب والله تعالى سريع الحساب. (أو كظلمات في بحر لجي) عمل هؤلاء الكفار أعمال مظلمة وإن رأوها مشرقة (أو كظلمات) يزاوج الكلام بين العمل والعامل (في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج) البحر فيه لجّة فيه أمواج، البحر كأنه منبسط فيه موج فوقه موج من فوقه سحاب. السحاب لما يكون في هذه الظلمات يكون مظلماً، فقط ذكر سحاب ومعلوم أنه مظلم. ((1/46)
إذا أخرج يده لم يكد يراها) يعني الكافر صاحب الظلمات، هناك ذكره قال (ظمآن) هنا لم يذكره في البداية قال حاله حال عمله أشبه بهذه الصورة. تخيّل صورة عمل الكافر المنحرف عن شرع الله تعالى هذه صورته (ظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب) هذه أعمالهم (إذا أخرج يده لم يكد يراها) أقرب شيء للإنسان يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، لاحظ المزاوجة بين الظلمات والنور. إذن هنا لم يصفه.
ومن سورة النور (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)) الآن السحاب ما وصفه مباشرة ولكن بعد ذلك ذكر أنه يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً يعني بعضه فوق بعض، طبقات يتراكم بعضها فوق بعض، شيء فوق شيء. (فترى الودق) الودق هو المطر الغزير والقليل يسمونه ودقاً . لما قال ركام، متراكم معناه مرتفع لأنه قال (يزجي سحاباً) يسوقه سوقاً هادئاً ثم يؤلّف بينه. بعض العلماء يقف عند كلمة بينه ويقول هو سحاب فكيف يكون له بين؟ يقول الإمام الشوكاني يقول لأن السحاب قطع، فهذه قطعة وهذه قطعة فألّف بينها وأطلق عليه إسماً واحداً. (ثم يؤلف بينه) فهو مرتفع لأن السحاب الواطي يكون فيه مطر أيضاً بل يكون فيه مطر غزير والريح تدفعه بشكل كبير. من أبيات عبيد بن الأبرص من شعراء الجاهلية يصف السحاب يقول:
دانٍ مسفٌ فويق الأرض هيدبه يكاد يدفعه من قام بالرّاحِ
فمن بنجوته كمن بمحفله والمستكنّ كمن يمشي بقرواح(1/47)
صورة للسحاب الواطي الذي تضربه الريح فتضرب ماء المطر حتى للمستكنّ المختبئ يأتيه المطر بأن تضربه الريح لكن لما يكون في مكان مرتفع ليست له أهداب يكون عالياً ومتراكباً. لما يكون هذا السحاب متراكماً شيء فوق شيء معناه بعضه سيمر في أعاليه في مناطق باردة وهو متراكب فتكون صورته كصورة الجبال والناس في الطائرة أحياناً يرون هذا المنظر كأنه ينظر إلى جبال يرتفع ارتفاعاً وينخفض كأنه جبال، هذا لما يكون في مكان عالي ويمر في منطقة باردة جداً تتكثف قطرات السحاب بحيث تنزل على شكل بَرَد ثم يقول القرآن (ركاماً) إذن ما دام ركاماً ففيه صورة الجبال (وينزل من السماء) قلنا السماء العلو كل ما علاك فهو سماء. (من جبال فيها) أي من سحاب كالجبال. (من بردٍ فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)، (سنا برقه) سنا برق هذا السحاب فيذهب بالأبصار. نص الإمام الشوكاني في كتاب فتح القدير في قوله تعالى (وينزل من السماء من جبال فيها) المراد بقوله من السماء يعني من عالٍ (وليس معناه من السماء الدنيا التي فيها ما فيها) لأن السماء قد تطلق على جهة العلوّ، ومعنى (من جبال): من قِطع عظام تشبه الجبال، قطع عظام من السحاب تشبه الجبال. والرجل ما ركب في الطائرة وما رأى هذا الذي يراه ركاب الطائرة. كلمة (ثم يجعله ركاماً) الوصف هنا بركام حتى يمهد لهذا التراكم لذكر إنزال البَرَد من هذه الجبال. كلمة الركام وردت في كلمة (مركوم) بعد ذلك. هناك نسبه لنفسه (ثم يجعله ركاماً) يصيّره الله تعالى هكذا.
آية (45):(1/48)
*(وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور) وفي الحجر (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26)) ما وجه التوافق بين الآيتين؟(د.فاضل السامرائى)
ما هو الصلصال؟ الصلصال هو طين يابس، ما هو الطين؟ الطين هو ماء وتراب، إذن هذا الماء. الصلصال هو الطين اليابس والطين هو التراب والماء، إذن الماء أولاً. إذن هذه مراحل الخلق، يضع الماء على التراب يصير طيناً ثم يكون طين لازب ثم حمأ مسنون ثم صلصال كالفخار، إذن لا تعارض بين مراحل خلق الإنسان.
*ما الفرق بين (ما) و (من) في الإستخدام اللغوي؟(د.فاضل السامرائى)(1/49)
في اللغة تستعمل (ما) لذوات غير العاقل ولصفات العقلاء (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ (29) طه) ماذا في يمينه؟ عصاه، (تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) لذات غير العاقل ولصفات العقلاء. تقول من هذا؟ هذا فلان، تسأل ما هو؟ تسأل عن صفته فيقال مثلاً هو تاجر، (من هو؟) تسأل عن ذاته. (ما) هي تستعمل لأمرين: لذات غير العاقل ولصفات العقلاء (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء (3) النساء) عاقل وربنا سبحانه وتعالى يستخدمها لنفسه كما جاء في سورة الشمس (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)) يتكلم عن نفسه سبحانه. (ما) تقع على صفات أولي العلم جميعاً حتى قسم من النُحاة أدق لا يقولون العقل لأن الله تعالى لا يوصف بالعقل ولا يصق نفسه أنه العاقل وإنما العالِم، فيقول النحاة لذوي العلم وذوات غير العاقل. في سورة الليل قال تعالى (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (3)) من الخالق؟ الله سبحانه وتعالى، في سورة الكافرون (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)) ما أعبد هو الله تعالى، (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4)) الأصنام غير عاقلة و(ما) تستعمل لذوات غير العاقل وتستعمل لصفات العقلاء.
((1/50)
من) إذا إنفردت تكون لذوات العقلاء تحديداً، قد تستعمل في مواطن تخرج عن هذا الأمر مثلاً أنت تُنزِلأ غير العاقل منزلة العاقل، تتكلم مع حصانك يقولون لك: من تُكلِّم؟ تقول: أكلِّم من يفهمني، من يحفظني، هذا تجوّز. في الأصل أن (من) لذات غير العاقل وأحياناً يشترط العاقل مع غير العاقل فتطلق عليهم (من) فيصير تفصيل (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور) من يمشي على بطنه غير العاقل، من يمشي على رجلين الإنسان، اجتمعت في عموم فصّل بـ (من) لها مواطن. أما إذا انفردت فلا تكون إلا للعاقل (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك) لذي العِلم.
آية (52):
*ما اللمسة البيانية في كلمة (ويتّقهِ) بتسكين القاف؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة النور (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ {52}) جاءت كلمة (وَيَتَّقْهِ) بتسكين القاف والقياس أنه يجب أن تكون بالكسرة (ويتّقِهِ) فالتسكين يخفف القاف فلماذا؟ لا نجد في القرآن الكريم فعل بالمواصفات الآتية:
فعل متصل بضمير الغيبة (الهاء) فيه حركة + حرف مكسور + ضمير الغيبة (الهاء) مكسور.
وإنما جاء ت الأفعال التالية في القرآن نحشُرُه بالضمّ، وقتَلَهُ بالفتح، ونُصلِهَ بالكسر، واقتدِه.(1/51)
وجاءت كلمة (وَيَتَّقْهِ) بالتسكين لتخفيفها وتخفيف النطق بها بدل القول (يتّقِهِ) لأنه لم يرد في القرآن فعل بهذه الحركات مجتمعة.وهذه قراءة حفص أما بقية القُرّاء يقرأونها يتقِهِ. وهذه لغة لبعض العرب في كل معتلّ حُذِف آخره ، عموم العرب يقولون يتقي وبعضهم يقول يتق، مثل بقية المجزوم من الأفعال الصحيحة لم أرْ زيداً، فهذه لغة حفص أخذ بهذه اللغة بينما عموم العشرة يقرأونه ويتقِهِ بالقاف المكسورة، والهاء مفعول به معناها ويخشى الله ويتقي الله. إذن هذه لغة نزل بها جبريل تخفيفاً فقرأ بها حفص ورواها أهل اللغة واستشهدوا لها بشواهد والتسعة الآخرون أخذوها باللغة المشهورة (يتقِهِ).
آية (53):
*ما الفرق بين (بما تعملون خبير) و(خبير بما تعملون)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/52)
مسألة خبير بما تعملون وبما تعملون خبير هنالك قانون في القرآن أن الكلام إذا كان على الإنسان أو على عمله يقدم عمله وإذا لم يكن الكلام على الإنسان أو كان الكلام على الله أو على الأمور القلبية يقدم الخبرة (خبير بما تعملون). (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (88) النمل) الكلام عن الله وليس على الإنسان قال في ختامها (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)، (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) النور) هذه أمور قلبية (قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) النور) هذا أمر يعرفه الله. بينما (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) الحديد) هذا كله عمل فقال (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) إذن هذه القاعدة العامة ظاهرة.
سؤال: إذن السياق القرآني له خصوصية خاصة؟
لا بد من النظر في السياق قبل إعطاء الحكم.
آية (54):
* لماذا يرد في القرآن أحياناً أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحياناً أخرى يرد وأطيعوا الله والرسول؟ (د.فاضل السامرائى)(1/53)
في القرآن قاعدة عامة وهي أنه إذا لم يتكرر لفظ الطاعة فالسياق يكون لله وحده في آيات السورة ولم يجري ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السياق أو أي إشارة إليه كما جاء في سورة آل عمران (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {132}). والأمر الآخر أنه إذا تكرر لفظ الطاعة فيكون قطعياً قد ذُكر فيه الرسول في السياق كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} النساء) و(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ {92} المائدة) و(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {1})و( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ {20} الأنفال) و (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} النور) و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {33} محمد) و(أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ(1/54)
وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {13} المجادلة) و(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {12} التغابن) وهذا ما جرى عليه القرآن كله كقاعدة عامة.
آية (55):
*ما الفرق بين الفسق والكفر والظلم؟ (د.فاضل السامرائى)(1/55)
الفسق الخروج عن الطاعة من فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها ويمتد من أيسر الخروج إلأى الكفر كله يسمى فاسقاً. فالذي يخرج عن الطاعة وإن كان قليلاً يسمى فاسق والكافر يسمى فاسقاً أيضاً وقال ربنا عن إبليس (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (50) الكهف) (إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) التوبة) (وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) النور) الكفر سماه فسوق والنفاق سماه فسوق فإذن الفسق ممتد وهو الخروج عن الطاعة. في غير هذا قال (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (197) البقرة) ليس كفراً هنا كيف يكون كفراً في الحج؟ الفاسق ليس بالضرورة كافر فقد يصل إلى الكفر وقد لا يصل (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ (11) الحجرات) (وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ (282) البقرة) هذا ليس كفراً، الفسوق يمتد. فسق التمرة أي خرجت من قشرها (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) أي خرج عن أمر ربه وهذا يمتد من أيسر الخروج إلى الكفر ولهذا وصف إبليس بالفسق (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)، وليس كل فاسق كافراً لكن كل كافر فاسق قطعاً (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) التوبة) (وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). كذلك الظلم، الظلم هو مجاوزة الحد عموماً وقد يصل إلى الكفر (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) البقرة) وقد لا يصل. أما الكفر فهو الخروج عن المِلّة. الكفر أصله اللغوي الستر وتستعار الدلالة اللغوية للدلالة الشرعية.
آية (56):(1/56)
*ما الفرق بين(أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) الأنفال) - (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ (32) آل عمران) - (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا (92) المائدة) - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (59) النساء) - (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) النور) ؟(د.أحمد الكبيسى)
أساليب الأمر القرآني بطاعة الله ورسوله جاءت بعدة صيغ وكل صيغة تعني معنىًً يختلف عن المعنى الآخر :
الأسلوب الأول:(1/57)
صيغة الأنفال طاعة واحدة لله ورسوله الرسول الكريم هنا معرّف بالإضافة إلى إسم الجلالة. (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لاحظ أن الرسول أضيف إلى الضمير يعني أطيعوا الله ورسوله الذي أرسله الله عز وجل بالكتاب هذا الأمر بالطاعة طاعة الرسول هنا هي طاعة الله بالضبط لماذا؟ لأن الرسول جاءك مبلغاً ينقل لكم هذا الكتاب فأطيعوه ولهذا قال وأنتم تسمعون (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) الأنفال) يعني قضية سماع (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (67) المائدة) فلما جاءت هذه الصيغة وهي الصيغة الأولى التي ينبغي أن نفهم بأنها أول الصيغ أنت أول عمل تعمله أن تسمع القرآن الكريم، من الذي جاءك به؟ محمد صلى الله عليه وسلم. فلما محمد صلى الله عليه وسلم يقول لك هذه آية في سورة كذا هذا القرآن من عند الله هذا كلام الله إنما أنا رسول مبلِّغ عليك أن تطيع (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما بلغكم به عن ربه ولهذا أضاف الرسول إليه (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لأن طاعة الرسول هنا هي بالضبط طاعة الله. فحيثما رأيت في كتاب الله أطيعوا الله ورسوله إعلم أن الكلام يتحدث عن القرآن الكريم. هذا الأسلوب الأول.
الأسلوب الثاني:(1/58)
في آل عمران أطيعوا الله والرسول هذا أسلوب جديد. يقول (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) ما أضاف الرسول إلى نفسه بل عرّفه بالألف واللام هذا الرسول له صلاحيات أن يفسر لكم القرآن ويبين مجمله ويفصِّل ما خفي منه والخ حينئذٍ أنتم أطيعوا الله في القرآن الكريم ثم أطيعوا الرسول في تصرفاته في هذا القرآن الكريم. وقال صلى الله عليه وسلم (إنما أوتيت القرآن ومثله معه) الذي هو هذا الذي بلغنا هو من أين يعرف النبي أن الصلاة خمس اوقات والصبح اثنين والظهر أربعة من أين يعرف؟ كما نزل القرآن الكريم بلفظه للمصطفى جاء بيانه (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة) هذا الرسول (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فقط مبلّغ يا مسلمون هذا أوحي إلي ، (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ)لا الآن النبي صلى الله عليه وسلم هو يؤدي دوره كرسول له علم وله كلام موحى بمعناه لا بلفظه وله صلاحية الفهم (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) النساء) ورب العالمين علّم كل الأنبياء كما قال عن سيدنا عيسى (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (110) المائدة) وهكذا.
الأسلوب الثالث:(1/59)
في المائدة طاعتين مستقلة طاعة خاصة لله وطاعة خاصة للرسول صلى الله عليه وسلم و فيها كلمة زيادة ما جاءت إلا هنا هي واحذروا هذا الأمر المهم إلا في هذا المكان في سورة المائدة (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) أضاف كلمة واحذروا ، قلنا الأولى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما يبلغ به عن القرآن الكريم مجرد تبليغ هذا واحد (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) بإضافات النبي صلى الله عليه وسلم شرحاً وبياناً وإجمالاً وما إلى ذلك، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) لا هنا طاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما شرعه عليه من سنن يعني النبي صلى الله عليه وسلم كما تعرفون له صلاحيات التحليل والتحريم وحرام محمد وحلال محمد حرام وحلال إلى يوم القيامة وحينئذٍ كما أن الله أمر النبي أن يبلغكم بكلامه حرفياً ثم سمح له أن يشرح بعض أو يبين بعض معضلاته ثم في هذه الآية الثالثة النبي صلى الله عليه وسلم له تصريف تصريف في الكتاب من حيث معناه وأسباب نزوله ومناحيه وبياناته وهذا علم أصول التفسير مليء في هذا الباب هذه (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) قال (واحذروا) لأن هذه قمة الجهد المبيَّن والمبيِّن في هذه الفقرة أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وحده أطيعوا الله فيما أمركم به من كتابه وأطيعوا الرسول باعتباره مشرعاً مشرعاً للسُنّة نحن من أين أتى علمنا؟ كتاب وسنة (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر) هنا أضاف (واحذروا) هناك (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) نفس المعنى أيضاً فيها سنة هناك لكن هنا أضاف (واحذروا) لماذا أضافها؟ هنا القرآن الكريم بكلمة احذروا يلفت أنظارنا إلى أهمية الانتباه إلى منظومة الشهوات التي ينزلق إليها الإنسان متى ما غفل عن ذكر الله.(1/60)
هناك شهوات آسرة فأنت عندما تسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله شارب الخمر وحاملها وعاصرها وبايعها والمحمولة إليه وووالخ) (لعن الله من نظر إلى المرأة ومن اختلى بها ومن لمسها وووالخ) هذه المنظومة الهائلة من الشهوات الآسرة (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) آل عمران) قال (احذروا) تنزلقون بسرعة فكُن مع السُنة ما الذي يقوله لك النبي صلى الله عليه وسلم لا تختلي لا تهمس لا تكلم لا تلمس لا تخضعي بالقول انظر ماذا احتاط النبي صلى الله عليه وسلم في سنته لمنظومة الشهوات الآسرة والآية تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة) إذاً (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) وأطيعوا الرسول طاعة ثانية طاعة خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم في سننه فيما أمر فيما شرع فيما نهى واحذروا عندما ينهاكم لأنه ينهاكم عن مزالق كثيرة.
الأسلوب الرابع:(1/61)
في النساء أيضاً 59 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) النساء) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول لكن ليس وحده وأولي الأمر منكم أيضاً المرة الوحيدة رب العالمين جعل طاعتين طاعة لله وطاعة للرسول لكن طاعة الرسول مشترك هو وأولي الأمر. أطيعوا الله انتهينا وأطيعوا الرسول وأولي الأمر لأول مرة وآخر مرة يأتي الأمر بأن تطيع أولي الأمر مع طاعة النبي بالضبط من حيث أن طاعة هؤلاء أولي الأمر هي طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم .فهمنا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فهمناها أيضاً فيما شرّع فيما أمر ونهى فرب العالمين كما جعل أن طاعة الرسول من طاعة الله (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (80) النساء) هنا من يطع أولي الأمر فقد أطاع الرسول (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) من هم أولي الأمر؟ طبعاً من الناس من يقول هم الحُكام وهذا ليس صحيحاً فالكلام يتكلم عن الشرع حلال وحرام (العلماء ورثة الأنبياء) ولذلك قليل من العلم خير من كثير من العبادة وأنتم تعرفون (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28) فاطر) والكلام طويل في هذا فرب العالمين يقول أطيعوا الله هذا انتهينا هنا طاعة جديدة بحقل خاص للرسول وأولي الأمر الذي له مسألة الفتوى الحلال والحرام. والسؤال من هم أولي الأمر؟ طبعاً التفاصيل كثيرة موجزها أصحاب الدليل (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ (108) يوسف) يعني أرني دليلك وإلا كل واحد تعلّم آيتين وصار شيخاً ويُلحن كل وقت إن تلاها لا للعلم.(1/62)
العلم هو الذي يجعلك أنت أهلاً للفتوى من أولي الأمر الذين أنت من ورثة النبي تحلل وتحرم (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء) العلم وحينئذٍ أصحاب العلم هم الذين يملكون الدليل ويملكون البصيرة (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ (104) الأنعام) أدلة على التوحيد والفقه (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (108) يوسف) وحينئذٍ العلماء الذين لهم حق الفتوى هو الذي يملك الدليل والفتوى مصيبة المصائب النبي صلى الله عليه وسلم أول مفتي (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ (127) النساء) الخ فمن يملك الدليل حجة على من لا يملك الدليل ولهذا إذا شاعت الفوضى وتصدى الجهلاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم وينزل الجهل) كل واحد تكلم كلمتين حلوين صار مفتي ويحلل ويحرم على أن الفتوى خطيرة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (أجرأكم على النار أجرأكم على الإفتاء) أصحاب النبي رضوان الله عليهم كنت تسأل الواحد عن سؤال يقول لك اذهب إلى فلان وفلان يقول لك اذهب إلى فلان وهكذا إلى أن تعود على الأول كانوا يتدافعونها لأنها المسؤولية الكبيرة من أفتاه فإنما اثمه على من أفتاه إذا أفتيت فتوى وعمل بها الناس وكانت خطأ بلا دليل ولا علم ولا أصول فقه ما عندك حجة على الله هوى اتبع الهوى كما فعل بلعم (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) فكلهم يعملون هم في السليم وأنت الذي تذهب في النار لأن إثم هؤلاء في النهاية عليك.
الأسلوب الأخير:(1/63)
آخر أسلوب طاعة الرسول وحده في النور (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) هنا باعتباره حاكماً رئيس دولة قائد للجيوش في الحروب (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ (152) آل عمران) ما عصوا حكماً شرعياً عصوا أن محمداً كان قائد عصوا قائدهم العسكري محمد صلى الله عليه وسلم قال أنتم الرماة ابقوا جالسين لا تتحركوا أمر عسكري (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ)والله قال وقد عفا عنهم لأنه ما هو حكم شرعي وإنما خلل تكتيكي عسكري عصوا القائد وأعظم أسباب الإنكسارات العسكرية هو عصيان القائد أنت نفِّذ ثم ناقش هذه قاعدة معروفة .فهذه آخر أسلوب الرسول وحده (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) هذه في سورة النور 56 فقط من حيث كونه قائداً (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) النور) يعني فيها شيء من المرونة هكذا هذا هو أسلوب الأمر بالطاعة خمس أساليب كل أسلوب له معنى.
آية (58-59-61):
*ما الفرق بين (كذلك يبين الله لكم آياته) و(يبين الله لكم الآيات)؟ ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/64)
آياته مضافة إلى لفظ الجلالة لتشريفها وتعظيمها. الآيات عامة. كلمة الآيات عامة من حيث اللغة (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) يوسف) أما (آياته) فخاصة إذن الإضافة إلى ضمير الله سبحانه وتعالى فيها تشريف وتعظيم. الآيات عامة من هذا يبدو لنا أنه في المواطن التي تضاف فيها إلى ضميره معناها أنها أهمّ وآكد، يعني المواطن التي يقول فيها (آياته) بالاضافة إلى ضميره سبحانه معناها أهم وآكد مما لم يضاف. إذن الآيات أعم أولاً والأمر الآخر أن آياته تكون في محل أهمّ وآكد لتشريفها. الأحكام المختصة بالحلال والحرام يقول آياته والتي الأقل منها يقول الآيات. (.... وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) البقرة) هذه أحكام، حلال وحرام قال آياته. (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ...(1/65)
وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) البقرة) قال الآيات لأن هذه ليس فيها حلال وحرام (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) هذه في المندوبات وليست في الفروض، وحتى في (يسألونك عن الخمر والميسر) لم يكن فيها تحريم بعد، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) النور) قال الآيات وبعدها مباشرة قال (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) النور) قال آياته. أيها الأهم استئذان من بلغ الحلم أو استئذان من لم يبلغوا الحلم؟ الذين بلغوا فقال آياته مع الذين بلغوا الحلم والذين لم يبلغوا الحلم قال معها الآيات. حتى لو أخذنا الأعم، الذين لم يبلغوا الحلم والذين ملكت أيمانكم أعم من الذين بلغوا الحلم وهؤلاء قسم من أولئك فاستعمل الأعم مع الأعم ومع الأخص استعمل الخصوص. ((1/66)
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون (61) النور) لو لم يأكلوا ليس عليهم حرج هذه ليست أحكام، إن شاء أن يأكل يأكل ليس عليه حرج فقال الآيات. مع الأحكام والحدود يقول آياته بإضافتها للفظ الجلالة وحسب الأهمية.
*قال تعالى في سورة النور(أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء) لماذا جاء الطفل مفرد والذين جمع؟ (د.فاضل السامرائى)(1/67)
وردت كلمة طفل في سورة النور وفي سورة غافر والحج. ووردت كلمة الطفل والأطفال في القرآن والطفل تأتي للمفرد والمثنى والجمع فنقول جارية طفل وجاريتان طفل وجواري طفل. فمن حيث اللغة ليست كلمة الطفل منحصرة بالمفرد. لكن وردت في سورة النور أيضاً كلمة الأطفال (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {59}) ولو لاحظنا في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ {5} ) الآيات تتكلم عن خلق الجنس وليس عن خلق الأفراد فكل الجنس جاء من نطفة ثم علقة ثم مضغة لذا جاءت كلمة طفل. أما قوله تعالى في سورة النور (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) بكلمة الأطفال فهنا السياق مبني على علاقات الأفراد وليس على الجنس لأن الأطفال لما يبلغوا ينظرون إلى النساء كل واحد نظرة مختلفة فلا يعود التعاطي معهم كجنس يصلح في الحكم فقال (ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم منكم) فاقتضى الجمع هنا.(1/68)
لكن لماذا قال الطفل في سورة النور في الآية موضع السؤال؟ (الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) كل المذكورين في الآية موقفهم مختلف بالنسبة لعورات النساء أما الطفل فموقفه واحد بالنسبة لعورات النساء في جميع الحالات لأنهم لا يعلموا بعد عن عورات النساء فهي تعني لهم نفس الشيء فجعلهم كجنس واحد لذا أفرده مع أنه جمع لكن اختيار اللفظ ناسب سياق الآيات.
{الفرق بين الأعمى والكفيف: الأعمى هو الذي وُلِد أعمى من بطن أمه لا يريى. أما الكفيف فكان مبصراً ثم كُفّ بصره فيما بعد.(خالد الجندى) }
*انظر آية (29).???
آية (63-64):
*(قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور) نحن نعرف أن قد إذا دخلت على الفعل الماضي تؤكده وإذا دخلت على الفعل المضارع يكون الاحتمال في الموضوع فما معنى قوله تعالى (قد يعلم الله)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/69)
هذا سؤال نحوي. الشائع عند طلبة العلم أن قد إذا دخلت على الماضي أفادت التحقيق وهم يقولون تحقيق وتوقع وتقريب وقد إذا دخلت على المضارع أفادت التقليل وهذا نصف الحقيقة لأنه من معاني قد إذا دخلت على المضارع تفيد التقليل وقد تفيد التحقيق والتكثير وهذا مقرر في اللغة لكنهم أخذوا جزءاً مما ورد وانتشر. قال تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء (144) البقرة) هذا التكثير كان يُكثر من ذلك يعني كثيراً من نرى تقلب وجهك، (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64) النور) هذا كثير، (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا) تحقيقاً إذن من معاني قد التقليل ونعلم هذا من السياق وكثيراً من الأمور نعلمه من السياق. إذا كان الفاعل يُتصور عقلاً أنه قادر على الفعل فهي تفتيد التحقيق والله تعالى قادر على كل شيء " قد أترك القرن مصفراً أنامله" يمدح نفسه، هذا في القتال.
****تناسب بدايات السورة مع خواتيمها****(1/70)
ذكر في أولها حدّ الزاني والقاذف (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)) (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)) وفي آخرها قال (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)) ذكر في أول السورة قسماً من الذين يخالفون عن أمر الله (الزانية والزاني والقاذف) من قذف المحصنة والحد من الزاني والزانية وقال (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) يعني عذاب أليم، أولئك خالفوا عن أمره فأصابهم عذاب أليم، تصيبهم فتنة وعذاب اليم وكلاهما حصل (في حديث الإفك). (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)) ما فعلوا وأنكروا واحد قال لم أفعل كذا الذي يرمي الزوجة وهي تنكر أو العكس أو القاذف ربنا سيعلمهم بما عملوا (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)). إذن مرتبطة بالعذاب الأليم والفتنة وإخبارهم بما فعلوا وإيضاح الأمر على حقيقته بما أضمر كل واحد منهم.
*****تناسب خواتيم النور مع فواتح الفرقان*****(1/71)
في آخر سورة النور قال (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)) وفي أوائل الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)) ألا إن لله ما في السموات والأرض الذي له ملك السموات والأرض يعني له ملكهما وما فيهما.
سؤال: قد يقول قائل أنه ربما يكون في هذا تكراراً؟ هذا ليس تكراراً أولاً ثم إن هذا أمر عقيدة يركزها ويركز ظواهرها، في أواخر النور قال (لله ما في السموات والأرض) له ما فيهما وفي الفرقان (له ملك السموات والأرض) له ملكهما فقد تملك شيئاً لكن لا تملك ما فيه فقد تملك داراً ويستأجرها منك أحد فأنت تملك الدار لكنك لا تملك ما فيها وليس بالضرورة أن تملك داراً وتملك ما فيها كونه يملك السموات والأرض ليس بالضرورة أنه يملك ما فيهما ولذلك أكد القرآن أنه له ملك السموات والأرض وله ما فيهما ولا يكتفي بإطلاق الملك فقط بأنه يملك السموات والأرض حتى في حياتنا نملك الظرف ولا نملك المظروف ونملك المظروف ولا نملك الظرف، إذن هو ذكر أمرين: ذكر له ملك السموات والأرض وذكر لله ما في السموات والأرض الأمران مختلفان فله ملكهما وله ما فيهما.(1/72)
في آخر النور قال (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)) هذا إنذار وفي أول الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)). وفي آخر النور قال (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)) وفي أول الفرقان (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)) الذي يخلق كل شيء ويقدره هو بكل شيء عليم، والله بكل شيء عليم وخلق كل شيء فقدره تقديراً.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة النور للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء والدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/73)
سورة الفرقان
تناسب خواتيم النور مع فواتح الفرقان ... آية (31) ... آية (54) ... آية (64)
هدف السورة ... آية (32) ... آية (57) ... آية (70-71)
آية (1) ... آية (37) ... آية (59) ... آية (77)
آية (6) ... آية (41) ... آية (60) ... تناسب مفتتح الفرقان مع خاتمتها
آية (17) ... آية (45) ... آية (62) ... تناسب خواتيم الفرقان مع فواتح الشعراء
آية (19) ... آية (49) ... آية (63)
*تناسب خواتيم النور مع فواتح الفرقان*
في آخر سورة النور قال (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)) وفي أوائل الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)) ألا إن لله ما في السموات والأرض الذي له ملك السموات والأرض يعني له ملكهما وما فيهما.(1/1)
سؤال: قد يقول قائل أنه ربما يكون في هذا تكراراً؟ هذا ليس تكراراً أولاً ثم إن هذا أمر عقيدة يركزها ويركز ظواهرها، في أواخر النور قال (لله ما في السموات والأرض) له ما فيهما وفي الفرقان (له ملك السموات والأرض) له ملكهما فقد تملك شيئاً لكن لا تملك ما فيه فقد تملك داراً ويستأجرها منك أحد فأنت تملك الدار لكنك لا تملك ما فيها وليس بالضرورة أن تملك داراً وتملك ما فيها كونه يملك السموات والأرض ليس بالضرورة أنه يملك ما فيهما ولذلك أكد القرآن أنه له ملك السموات والأرض وله ما فيهما ولا يكتفي بإطلاق الملك فقط بأنه يملك السموات والأرض حتى في حياتنا نملك الظرف ولا نملك المظروف ونملك المظروف ولا نملك الظرف، إذن هو ذكر أمرين: ذكر له ملك السموات والأرض وذكر لله ما في السموات والأرض الأمران مختلفان فله ملكهما وله ما فيهما.
في آخر النور قال (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)) هذا إنذار وفي أول الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)). وفي آخر النور قال (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)) وفي أول الفرقان (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)) الذي يخلق كل شيء ويقدره هو بكل شيء عليم، والله بكل شيء عليم خلق كل شيء فقدره تقديراً.
**هدف السورة: سوء عاقبة التكذيب**(1/2)
سورة الفرقان سورة مكيّة وقد سميّت بهذا الإسم لأن الله تعالى ذكر فيه الكتاب المجيد الذي أنزله على عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وكانت النعمة الكبرى على الإنسانية وهو الذي فرق الله تعالى به بين الحق والباطل والكفر والإيمان فاستحق هذا الكتاب العظيم أن يسمّى الفرقان وتسمى السورة بهذا الإسم تخليداً لهذا الكتاب الكريم. والسورة تدور آياتها حول إثبات صدق القرآن وبيان سوء عاقبة المكذّبين به.
والآيات في هذه السورة تسير بسياق متميّز فتبدأ بآيات فيها ما قاله المكذبون (وقالوا) ثم تأتي آيات تهدئة الرسول وتعقيب على ما قالوا، ثم تأتي آيات تتحدث عن عاقبة التكذيب ويستمر هذا السياق إلى في معظم آيات السورة الكريمة. وهذا التسلسل والسياق في الآيات مفيد جداً للمسلمين في كل زمان ومكان لأنها تعرض عليهم عاقبة التكذيب فيرتدعوا عن التكذيب بالفرقان وبدين الله الواحد.(1/3)
الآيات من 4 (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا) إلى 9 (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) تعرض ما قاله المكذبون، ثم تأتي آيات التهدئة للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - (تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا) آية 10 ثم آيات اظهار عاقبة التكذيب (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ) من الآية 11 إلى 14 . ثم يتكرر السياق نفسه (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا)آية 21 ثم عاقبة التكذيب (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) الآيات 27 إلى 29، وآيات التعقيب(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) آية 30 والطمأنة للرسول - صلى الله عليه وسلم - (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) آية 24.(1/4)
وكذلك في الآية32 (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) ثم التهدئة للرسول (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) آية 33 ثم عاقبة التكذيب (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا) آية 34. وهكذا حتى نصل إلى آية محورية في هذه السورة (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) آية 43 وهي تعرض لماذا يكذب المكذبين؟ لسبب واضح جليّ هو أنهم يتّبعون أهواءهم فالمشكلة إذن تكمن في اتّباع الهوى وهذا هو أساس تكذيب الناس للحق.(1/5)
بعد كل الآيات التي عرضت للتكذيب بالقرآن، تأتي آيات إثبات قدرة الله تعالى في الكون وقد نتساءل لماذا تأتي هذه الآيات الكونية هنا في معرض الحديث عن التكذيب؟ نقول إنه أسلوب القرآن الكريم عندما يشتّد الأذى على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين تأتي الآيات الكونية تطمئنهم أن الله الذي أبدع في خلقه ما أبدع وخلق الخلق والأكوان كلها قادر على نصرتهم فكما مدّ الله تعالى الظل للأرض سيمدّ تعالى الظلّ للمؤمنين ويذهب عنهم ضيقهم والأذى الذي يلحقهم من تكذيب المكذبين فسبحان الله الحكيم القدير (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) آية 45. وفي استعراض هذه الإشارات الكونية تبدأ الآيات بجوّ السكينة أولاً (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا * وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا) آية 47 و48. فاختيار الآيات مناسب لمعنى الطمأنة التي أرادها تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وهي تخدم هدف السورة تماماً.(1/6)
ثم تنتقل الآيات من تكذيب المكذبين بالقرآن إلى ما هو أعظم وهو التكذيب بالرحمن سبحانه (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا) آية 60، والرد على هؤلاء المكذبين بالرحمن يأتي بصيغة هي غاية في العظمة فالله تعالى ردّ عليهم بعرض صفات عباد الرحمن (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) آية 63 إلى (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) آية 76، ولم يعرض صفاته جلّ وعلا، فهم لا يستحقون الرد على سؤالهم من الرحمن؟ فكأنما يقول لهم أن هناك أناس أمثالكم لكنهم صدقوا القرآن وآمنوا بالله الرحمن وعبدوه حق عبادته فاستحقوا وصفهم نسبة إليه سبحانه نسبة تشريف وتكريم بعباد الرحمن. وفي صفات الرحمن صفة هامة هي دعاؤهم بأن يكونوا للمتقين إماماً وهكذا يجب أن يكون المسلم إماماً وقدوة لغيره من الخلق لأنه على الحق القويم وعلى الصراط المستقيم. وتختم السورة بآية تلّخص فيها رد الله على هؤلاء المكذبين (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ) آية 77.
وقد قال القرطبي: وصف الله تعالى عباد الرحمن بإحدى عشرة خصلة هي أوصافهم الحميدة من التحلي، والتخلي وهي التواضع، والحلم، والتهجد، والخوف، وترك الإسراف والإقتار، والبعد عن الشرك، والنزاهة عن الزنى والقتل، والتوبة، وتجنب الكذب، وقبول المواعظ، والابتهال إلى الله. ثم بيّن جزاءهم الكريم وهو نيل الغرفة أي الدرجة الرفيعة وهي أعلى منازل الجنّة وأفضلها أعلى مساكن الدنيا.
***من اللمسات البيانية فى سورة الفرقان***
آية (1):(1/7)
* ما خصوصية استعمال القرآن لكلمة القرآن والفرقان (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف) وفي الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان)؟ (د.فاضل السامرائى)
الفرقان هو الفارق بين الحق والباطل والتوراة يسمى فرقاناً والقرآن يسمى فرقاناً والكتب السماوية فرقان. والله تعالى يقول (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) البقرة) البعض يقول الفرقان هي المعجزات، الكتاب التوراة والفرقان المعجزات وإما قالوا الكتاب والفرقان يقصد التوراة نفسها. نقول هذا أبو حفص وعمر، (فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) طه) الظلم هو الهضم. هذا الأصل وليس القاعدة المطلقة. يقولون الكتاب والفرقان الكتاب التوراة والفرقان المعجزات ويقولون الكتاب والفرقان هو نفس الكتاب التوراة وأضاف ذكر كلمة الفرقان كون هذا الكتاب فرقان، أضاف شيئاً آخر لكلمة الكتاب. (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان) القرآن، (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً (29) الأنفال) هم مؤمنون يجعل لكم فرقاناً وعندها ستميز بين الحق والباطل وتعرف ما يصح وما لا يصح "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب. القرآن هو الإسم العلم على الكتاب الذي أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - واسم الكتاب الذي أنزل على محمد القرآن وهذا القرآن فرق بين الحق والباطل إذن القرآن فرقان والإنجيل فرقان والتوراة فرقان والمعجزات فرقان تفرق بين الحق والباطل. (وقرآناً فرقناه) هذا يعني منجّماً.
*ما الفرق بين(مَا اتَّخَذَ) و(لَمْ يَتَّخِذْ) ؟ (د.فاضل السامرائى)
((1/8)
ما) في الغالب تقال للرد على قول في الأصل يقولون في الرد على دعوى، أنت قلت كذا؟ أقول ما قلت. أما (لم أقل) قد تكون من باب الإخبار فليست بالضرورة أن تكون رداً على قائل لذلك هم قالوا لم يفعل هي نفي لـ(فعل) بينما ما فعل هي نفي لـ (لقد فعل). حضر لم يحضر، ما حضر نفي لـ قد حضر (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ (74) التوبة) (ما اتخذ) ضد قول اتخذ صاحبة ولا ولدا، لم يتخذ قد تكون من باب الإخبار والتعليم (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) الفرقان) هذا من باب التعليم وليس رداً على قائل وليس في السياق أن هناك من قال وردّ عليه وإنما تعليم (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ) يخبرنا إخباراً . بينما نلاحظ لما قال في محاجته للمشركين (ما اتخذ الله من ولد) هم يقولون اتخذ الله ولد (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) المؤمنون). لما رد على المشركين وقولهم قال (ما اتخذ).
آية (6):
** ما الفرق بين قوله تعالى (قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (4))الأنبياء، وقوله تعالى(قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (6))الفرقان؟؟ (د.فاضل السامرائى)
السماء كلمة واسعة جدا قد تكون بمعنى السحاب أو المطر أو الفضاء أو السقف .(1/9)
قال تعالى: " قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:6) وقال: "ربي يعلم القول في السماء والأرض" لأن القول أوسع من السر، فهو قد يكون سرا وقد يكون جهرا فهو أوسع من السر والسر جزء منه.
فلما وسع قال (القول) وسع وقال (في السماء). ولما ضيق وقال (السر) قال (السموات).
*ما الفرق بين أنزلناه وأُنزل إليك بالبناء للمجهول؟(د.فاضل السامرائى)(1/10)
المعروف في النحو واللغة أن المُسنَد إليه هو المتحدَّث عنه والمُسنَد هو المتحدث به عنه. من المسنَد إليه الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ والخبر وما أصله مبتدأ وخبر، من المسنَد إليه بالذات الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ. إذا أراد الحديث عن نائب الفاعل بنى الفعل للمجهول وإذا أراد الحديث عن الفاعل ذكره. عموم الكلام ماذا يريد المتكلم؟ هل الكلام عن الفاعل أو عن نائب الفاعل؟. ما ورد في الأعراف (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)) (مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) إذن الكلام عن الكتاب والكلام عن الكتاب يبدأ بالسورة (المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)) فإذا كان الكلام على الفاعل ذكر الفاعل وإذا كان الكلام عن نائب الفاعل ذكره. مثال (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6) الفرقان) يتكلم عن الله، ذكر الكتاب في (أَنزَلَهُ) لكن الكلام عن الفاعل عن المنزِل لا عن المنزَل (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6) الفرقان). (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ (285) البقرة) بماذا يؤمن؟ بالكتاب. (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) الزمر) (إِنَّا أَنزَلْنَا) الكلام عن الله وليس عن الكتاب. فإذن هناك إذا كان الكلام عن نائب الفاعل يبنيه للمجهول.(1/11)
أليس هناك فرق بين (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)؟ (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الكلام عن الكتاب لكن يذكر من المنزِل فيما بعد لتعظيم الكتاب ليس للكلام عن الفاعل وإنما لتعظيم الكتاب، (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من أنزله؟ الله، إذن (أنزل إليك من ربك) هذا استكمال لتعظيم الكتاب.
سؤال: إذن البناء للمجهول له أغراض؟.
طبعاً له أغراض، عن ماذا تريد أن تتحدث؟ هذا من البلاغة والبيان يركز على ما يريد التحدث عنه. حتى إذا ورد الفاعل فهو لغرض ما يتعلق بالكتاب يعني بنائب الفاعل أيضاً وليس بالفاعل لكن بما يأتي بالغرض في هذا السياق حسب الحاجة وحسب ما يريد المتحدث أن يتحدث عنه.
آية (17):
* في سورة الفرقان لماذا وردت كلمة السبيل مرة واحدة وست مرات سبيلاً مع أن الفاصلة القرآنية في السورة مطلقة ؟(د.حسم النعيمى)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)
الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)
إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)(1/12)
هذا كلام يتعلق بما قلناه في سورة الأحزاب وقلنا أن الفاصلة ليست مرادة لذاتها ولكنها تأتي التقاطاً واللفظ هو المطلوب فهي تأتي في المرتبة الثانية بعد المعنى المُراد (كما سبق وذكرنا في سورة الضحى في استخدام وما قلى في الآية (ما ودعك ربك وما قلى) ولم يقل قلاك وذكرنا أنه ليس من المناسب أن يذكر ضمير المخاطب الكاف مع فعل قلى في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ) واستدللنا على ذلك فيما ذكرنا في الآية الرابعة من سورة الأحزاب وقلنا أنه ضحي بالفاصلة من أجل المعنى (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) مع ان جميع الآيات مطلقة في السورة وقلنا لأن كلمة السبيل عندما تقف عليها تقف على السكون والسكون فيه معنى الاستقرار والسكون و السبيل المعروف هو الاسلام.(1/13)
عندما تأتي كلمة السبيل بالألف واللام وهي لم ترد في القرآن إلا في ثلاثة مواضع منها الآية في سورة الفرقان محل السؤال (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)) والسبيل هنا يعني سبيل الاسلام (أل) مع سبيل تعني الاسلام والآيات الست الأخرى في سورة الفرقان ليس فيها أل: ثلاث منها ليس فيها مجال إلا أن تُنصب والمنصوب في الآخر يُمدّ لأنه جاءت تمييزاً آخر الآية منصوب فمُدّت الفتحة (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)) تمييز(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)) تمييز (إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)) تمييز وفي الآية (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)) لم يأت بـ(أل) وجاء بكلمة سبيل منكرة وهنا حتى يشير الى أي سبيل يعني يتمنى لو اتخذ مع الرسول سبيلاً أي سبيل: سبيل المجاهدين، سبيل المنفقين، سبيل الملتزمين بالفرائض، سبيل المحافظين على النوافل، أو غيرهم وكلها تصب في سبيل الله. وعندما قال سبيلاً جعله نكرة بما يضاف اليه. وعندما يقول السبيل فهو يعني الاسلام خالصاً فالظالم يعض على يديه يتمنى لو اتخذ مع الرسول أي سبيل منجي له مع الرسول وليس سبيلاً محدداً. والآية الأخرى (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)) ايضاً لا يستطيعون أي سبيل خير أو أي سبيل هداية.
نلاحظ ان الآيات الأخرى :(1/14)
1. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) النساء
2. وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) الفرقان
3. مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) الاحزاب
آية سورة النساء كلمة السبيل في نهاية الآية تعني الاسلام وكل ما قبلها وبعدها جاءت مطلقة إلا هذه. وعندما نقول السبيل فهي تعني المستقر الثابت وكذلك السبيل في آية 17 في سورة الفرقان وآية 4 في سورة الأحزاب . وذكرنا أنه وردت كلمة السبيل مرة بالاطلاق في سورة الأحزاب (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)) (سبيلا) بالألف واللام والاطلاق بخلاف الآيات الثلاث وقلنا في وقتها أنهم في وضع اصطراخ فهم يصطرخون في النار فحتى كلامهم عن السبيل جاء فيه صريخ وامتداد صوت. هذه هي الأماكن فقط أما الأماكن الأخرى فجاءت كلمة السبيل بدون اطلاق ولن نجدها إلا عند الوقف مستقرة لأنه يراد بها الاسلام.
*عباد القهر سماهم عبيد وعباد الاختيار والمحبة لله سماهم عباد؟(د.فاضل السامرائى)
هذا غير دقيق، اسمع إلى هذه الآية (أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) الفرقان) استعمل عبادي في الضالين، هذا على معنى العبدودية للعموم. كلهم عباد لله فليست هذا وإن كان الكثير يقولون العبيد عامة.
آية (19):
*ما الفرق بين المسّ والإذاقة في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)(1/15)
الذوق والمس يأتي للضر وغير الضر، الذوق هو إدراك الطعم والمسّ هو أي إتصال. أما كون المس يأتي مع الشر فغير صحيح لأن المس يأتي مع الرحمة أيضاً (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) المعارج) (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (120) آل عمران) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (17) الأنعام) وكذلك الإذاقة تأتي مع العذاب ومع الرحمة (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة) (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (48) الشورى) (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) الفرقان) ليس هنالك تقييد في الاستعمال.
آية (31):
*الهداية والضلالة: (د.فاضل السامرائى)
فعل الهداية والضلالة: (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) ابراهيم) (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) الفرقان) (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) المائدة)
الهداية جاءت بالاسم والفعل أما الضلالة فجاءت بالفعل (ويضل الله من هو مسرف مرتاب) أما في الحديث عن الشيطان (إنه عدو مضل) (إنه يضل) (لأضلنّهم)
صفة الله تعالى الثابتة والمتجددة هي الهداية (وكفى بربك هادياً ونصيرا) وهو يهدي حالته الثابتة والمتجددة هي الهداية ولا يضل إلا مجازاة للظالم. أما صفة الشيطان الثابتة والمتجددة هي الإضلال فجاءت مضلّ بالاسم الثابت وبفعل التجدد. ولم يقل تعالى عن نفسه مُضلّ وإنما قال (يُضل الله الظالمين) مجازاة لهم.
آية (32):(1/16)
* (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) الفرقان) نُزّل تعني التفريق أوالتنجيم فكيف تتناسب مع (جملة واحدة)؟(د.حسام النعيمى)
يردّ القرآن (كذلك) أي هكذا أنزل (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) أي جعلناه رَتَلاً يتبع بعضه بعضاً كما يقال سار الجُند رتَلاً وهذا رَتَل من السيارات وليس رتْْل بالسكون وإنما رَتَل بالفتح. لو قيل في غير القرآن : لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة لا تستقيم كلمة (كذلك). الفرق بين أُنزِل ونزّل أن أنزل كأنه مرة واحدة ولذلك أنزل التوراة والإنجيل ونزّل من معانيها التدرّج. قوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) أي جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم بعد ذلك نزل مفرّقاً؟ نزّل (فعّّل) تأتي للتدرج كما تقول علّمه، التعليم لا يكون جملة واحدة وإنما يكون بتدرّج، أعلّمه مرة واحدة تعلّمه شيئاً معيناً. لكن نزّل (فعّل) لا تأتي دائماً للتدرج وقد تأتي لمعنى التكثير والمبالغة وقد تأتي بنفس معنى أنزل: عندما تقول: كرّمت الجامعة المتفوق الأول لا يعني التدرج وإنما مرة واحدة، نوع من التكريم والتعظيم والمبالغة، قدّمت زيداً وأخّرت عمرواً ليس فيه تدرجاً قد يكون المعنى للتكثير أنه للمبالغة.(1/17)
هم قالوا: لولا نُزّل هذا القرآن جملة واحدة: كأنما يريدون أن يؤكدوا أن الإنزال جملة واحدة، أنه للتكثير، والأمر الثاني هم يعلمون أنه نزل مفرّقاً فكأنهم استعملوا هذا اللفظ مع العرض والتحضيض لأنه (لولا) للعرض والتحضيض يعني لولا كان هذا التفريق جملة واحدة – كانوا يريدونه جملة واحدة – (لولا نُزّل) هذا الذي نُزّل مفرقاً لولا جاء جملة واحدة. فإذن لمعرفتهم بإنزاله مفرّقاً استعملوا اللفظة وسبقوها بالعرض أوالتحضيض: (لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) أي لولا كان هذا التدرج جملة واحدة فإذن التدرج مراد. فإما أن يكون مراداً وإما أن يكون مبالغاً وفي الحالين ينبغي أن يكون (نزّل) لينسجم مع قوله (كذلك) يعني نزلناه مدرّجاً. ولو قيل في غير القرآن لولا أنزل ما كان تستقيم (كذلك) لأنه ما أنزله جملة واحدة. لأن (كذلك) أي كذلك نزل بهذه الصورة.
يقول تعالى (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) الإسراء) أنزلته فنزل، نزل هنا صار للمطاوعة كما تقول أعلمته فعلِم أي طاوع فِعلي. أنزلناه فنزل للمطاوعة كما نقول أخرجه فخرج. الفرق الدلالي أن أنزلته أي أنا أفعل ونزل أي هو فعل القائم بالفعل إختلف.
* ما الفرق بين نزّل وأنزل؟ (د.فاضل السامرائى)(1/18)
قسم غير قليل يفرق بينهما أنه نزّل تفيد التدرج والتكرار وأنزل عامة ويستدلون بقوله تعالى (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) آل عمران) وقالوا لأن القرآن نزل منجماً مفرقاً والتوراة والانجيل أنزلتا جملة واحدة فقال أنزل. ردوا التدرج بقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (32) الفرقان)لأن أنزل عامة سواء كان متدرجاً أو غير متدرجاً، كلمة أنزل لا تختص بالتدرج ولا بدون تدرج. السؤال يقولون الإنزال عام لا يخص التدرج أو غير التدرج لكن التنزيل هو الذي يخص التدرج، نزّل الذي فيه التدرج (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) القدر) أنزلناه من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة واحدة، هناك مراحل لنزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل منجماً. ردوا التدرج في نزّل التدرج في نزّل وقالوا (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (32) الفرقان) هذا ليس فيه تدريج (لولا هنا من حروف التحضيض). لكن الذي يبدو أن الفرق بين نزّل وأنزل أنه نزّل تفيد الاهتمام نظير وصى وأوصى وكرّم وأكرم ففي المواطن التي فيها توكيد واهتمام بالسياق يأتي بـ (نزّل) والتي دونها يأتي بـ (أنزل).(1/19)
نضرب أمثلة: قال تعالى في الأعراف (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71)) وقال في يوسف (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40)) وقال في النجم (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى (23)). ننظر السياق في الأعراف فيها محاورة شديدة حيث قال (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)) فيها تهديد، كلام شديد من أولئك كيف تتركنا نترك آلهتنا ونعبد الله فقال (نزّل).(1/20)
في سورة يوسف قال تعالى (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40)) لم يردّ عليه السجينان وليس فيها تهديد إذن الموقف يختلف عن آية سورة الأعراف فقال أنزل. في النجم (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)) لم يردّوا عليه ولم يكن هنالك محاورة ولا تهديد، إذن الأشد (نزّل)، هذا أمر. إذن نزّل آكد وأقوى في موطن الاهتمام أشد من أنزل.
آية (37):
* لماذا جاءت كلمة الرسل بالجمع في سورة الفرقان (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ) مع أن نوح وباقي الرسل جاءوا منفردين في سورة الشعراء ؟(د.حسام النعيمى)
هذه تتكرر في عموم القرآن (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ) . هنا شيء أحب أن أنبّه عليه أن هذا القرآن نزل بين عرب فصحاء ولو كان فيه ما يخالف لغة العرب لكان فرصة للتشنيع عليه. أما أن يأتي الآن في آخر الزمان من يحاول أن يتلمس شيئاً مما يظنه من المخالفات فهذا قصور في فهمه لكن نحن نسأل لأن هناك من يريد أن يرمي القرآن بحجر وبيته من الزجاج ولو أردنا أن نناقش ما في مُقدّسه لفضحناه على الهواء ولكن ليس هذا من شأننا.(1/21)
هو رسول واحد لكن في مواطن كثيرة ترد (كذبوا المرسلين) وهو رسول واحد. ولذلك علماؤنا يقولون من كذّب رسولاً فقد كذّب جميع الرسل الذين من قبله. هم كذّبوا نوحاً ومن قبله لأنهم أنكروا مبدأ الرسالة. الرسل من حيث المعنى لأنه هو رسول مبلّغ عن ربه منبّه على وجود رسل من قبله فإذا كذّبوه فقد كذّبوه بذاته وكذّبوا من نسب إليهم الرسالة لأنه ينسب االرسالة إليهم فإذا قيل هو كاذب فهو كاذب بكل قوله ومن ضمن قوله أنه هناك رسل من قبلي فكذبوا بهم جميعاً، وإشارة إلى إرتباط الرسل كأنهم جميعاً قافلة واحدة من كذّب واحداً منهم فقد كذّب الجميع.
*ما الفرق بين اعتدنا وأعددنا؟ القرآن الكريم يستعمل أعتدنا وأعددنا فلماذا استخدم هنا أعتدنا؟( د.فاضل السامرائى)(1/22)
لأن أعتد فيها حضور وقرب والعتيد هو الحاضر (هذا ما لدي عتيد) أي حاضر وقوله (وأعتدت لهن متكئاً ) بمعنى حضّرت أما الإعداد فهو التهيئة وليس بالضرورة الحضور كما في قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم) بمعنى هيّأوا وليس حضروا وقوله (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدّة) أما في سورة النساء فقال تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً {18}) لأنهم ماتوا فأصبح الحال حاضراً وليس مهيأ فقط، وكذلك ما ورد في سورة الفرقان (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً {37}) قوم نوح أُغرقوا وماتوا أصلاً فجاءت أعتدنا. أما في سورة النساء (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً {93}) هؤلاء لا يزالون أحياء وليسوا أمواتاً فجاءت أعد بمعنى هيّأ.
آية (41):
* ما الفرق بين اسم الإشارة ذلك و إسم الإشارة هذا؟ (د.فاضل السامرائى)(1/23)
إسم الإشارة نفس الإسم أحياناً يستعمل في التعظيم وأحياناً يستعمل في الذم والذي يبين الفرق بينهما هو السياق. كلمة (هذا) تستعمل في المدح والثناء "هذا الذي للمتقين إمام" ويستعمل في الذم (أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) الفرقان) (ذلك) تستعمل في المدح "أولئك آبائي فجئني بمثلهم" أولئك جمع ذلك وهؤلاء جمع هذا، والذم. (ذلك) من أسماء الإشارة و(تلك) من أسماء الإشارة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) تعظيم، وأحياناً يكون في الذم تقول هذا البعيد لا تريد أن تذكره فهنا الذي يميز بين ذلك الاستعمال والسياق.
آية (45):
* ما تفسير قوله تعالى في سورة الفرقان (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) وكيف يمد الظل؟(د.حسام النعيمى)
الظل موجود ويحرك وكأنه يشير إلى قدرة الله تعالى عبى تحريك الكون لكن يمكن أن نقف عند قوله تعالى (ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا) تحرّك الظل ليس تحركاً سريعاً. تحرّك الظل معناه تحرك الأرض حول نفسها، هذا الدوران حول نفسها بحيث يكون الظل يتحول بشكل يسير يعمي هي تدور بإنضباط ولو قبضه قبضاً سريعاً لما بقي حيٌّ على وجه الأرض. هذه حقيقة علمية يمكن أن نقول أشار إليها القرآن بهذه الآية بكلمة القبض اليسير. يقول لهم أنظروا كيف يقبض الظل قبضاً يسيراً كيف يسير بشكل هادئ من صورة إلى صورة يطول ويقصر وهم يشاهدونه إشارة إلى عظمة الخلق. نحن الآن عرفنا ما هو شأن الأرض وكيف تدور حول نفسها وحول الشمس الآن نقول هذه حقيقة علمية ولو كان القبض ليس يسيراً ما كانت تكون حياة على الأرض.(1/24)
وفي مداخلة لأحد المشاهدين في الحلقة 27 أضاف أن الإعجاز في هذه الآية أيضاً في قوله تعالى (ولو شاء لجعلناه ساكناً) أي أنه يوقف حركة الأرض والشمس والكون والمجموعة الشمسية كلها فلو سرّع الأرض يختل النظام ولو بطّأ الأرض أو أوقفها يتعطّل النظام.
آية (49):
* ما دلالة استخدام كلمة (أناسيّ) في آية سورة الفرقان (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49))؟(د.حسام النعيمى)(1/25)
هي الآية (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا) لماذا لم يقل ناس؟ لو نظرنا في الآية تتحدث عن إجبار بلدة ميتاً يعني بلدة ميتاً نباتها ليس فيها نبات هي ميت لا نبات فيها. لما كانت هذه قرية كلمة أناسيّ هي جمع إنس مثل إزميل أزاميل، إنجيل: أناجيل، يقولون إنسي أناسين وهي في الأصل أناسيي البعض قال أصلها أناسين وحذفت وقلبت النون إلى ياء وأنا لا أميل لهذا وإنما أميل إلى منهج العلماء الآخرين أنها أناسيّ على وزن أفاعيل: ياء الأخيرة لام وليس هناك نون محذوفة. فالإنسي ضد الوحشي وعندنا في الحديث الذي رواه الإمام علي كرّم الله وجهه: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن متعة النساء وأكل لحوم الحمر الإنسية وفي رواية الأهلية. الحمار الإنسي يعني الذي يعيش مع الناس الذي يعيش في البلدة. الإنسي هو إذن ضد الوحشي والوحشي الذي يعيش في البرية. نجد الترتيب هنا: هي بلدة فالبلدة فيها هؤلاء الأناسي كثير يعني مجموعات من البشر لو قال ناس مطلقة تشمل كل من على الأرض وهو يريد أن يتحدث عن إحياء بلدة. فلما كان يتحدث عن إحياء بلدة ذكر إحياء نباتها ثم إحياء أنعامها بهذا الغيث (فإذا أنزلنا عليها الماء إهتزت وربت) بينما نباتها لاحظ التدرج: يحيا النبات وتحيا الأنعام ويحيا الأناسي هؤلاء الناس القليلون الذين هم مجموعات فصاروا كثيراً ولو قال الناس كانت صارت عامة وخرجت من إطار البلدة بينما الغيث الذي جاء هو غيث على بلدة معينة والله أعلم.
آية (54):
* ما معنى قوله تعالى في سورة الفرقان (فجعله نسباً وصهرا(54))؟(د.حسام النعيمى)(1/26)
نوع من مِنّة الله سبحانه وتعالى على هذا الإنسان يجعله إنساناً إجتماعياً, هناك أمور الإنسان قد لا يلقي لها بالاً لكن لو تدبرها وتدبر فيها سيجد قدرة الله سبحانه وتعالى وسيسجد لله تعالى مؤمناً به. الله تعالى خلق الإنسان ليكون ذا مجتمع وذا قيم وذا مُثُل. الحيوانات جميعاً تتناسل وتتكاثر ولو سألت أي طبيب بيطري : هل البقرة التي تولد عندها بكارة؟ الأغنام وكل الحيوانات؟ وهذا المخلوق الذي يمشي على رجلين لماذا الأنثى لديها بكارة؟ تعرف إن عاشرها رجل أو لم يعاشرها؟ أليس معناه أنه يريد أن يكون هناك قيم إجتماعية؟ الله تعالى خلق هذا الإنسان (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات) يتعارف الناس ويعرف أن هذا رجل من الجزائر أو من مصر أو العراق أو الإمارات.
خلق من ماء أصل الإنسان من طين والماء مرحلة بعد ذلك الخلق كله من الماء. في الحديث لما سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول الإسلام: هل إذا عاشر الرجل أهله ولم يُنزِل عليه غُسل؟ أول الإسلام ما كان عليه غُسل وكان يقول إنما الماء من الماء يعني تغتسل إذا نزل الماء ثم بعد ذلك صار إذا جلس الرجل بين شعابها الأربع ثم جهدها وجب عليه الغسل أنزل أو لم يُنزِل لذلك لا ينبغي أن يكون الإنسان شيخ نفسه يقرأ في كتاب ويصير شيخاً لا بد أن يدرس على شيخ مفتي فقيه من كبار العلماء فقد يقول أحدهم الحديث الأول في البخراي فنقول الحديث الأول نسخه الحديث الثاني.
((1/27)
نسباً وصهراً) النسب هو قرابة التناسل قرابة بيني وبين فلان أخي، أبي، عمي، (وصهرا) قرابة الزواج. وفي الحديث: "إغتربوا ولا تضووا" والعلم الحديث يقول أن زواج الأقارب قد يؤدي بمرور الوقت إلى نوع من الأمراض والعوّق، من أعلَم محمداً - صلى الله عليه وسلم - بهذا؟
الصِهر سواء كان أقارب الزوجة أو أقارب الزوج، العربية وضعت للأقارب من جهة الزوج الحمو والأحماء (أحماء جمع حمو) هي تنظر لأقارب زوجها هم أحماؤها، أقارب الزوجة من جهة زوجها أحماء وأقارب الزوج من جهة زوجه الأختان (حمع خَتْن) أي أقاربه من جهة الزوجة ويجمع الإثنان بكلمة الأصهار كأنه صُهِر الإثنان في لفظ واحد. فالله سبحانه وتعالى يمنّ على هذا الإنسان بحياته الإجتماعية: علاقات النسب وعلاقات القرابة التي هي ليست حقيقية وإنما قرابة زواج، تكون هناك علاقات إجتماعية وتقارب والإسلام يحرص على تآزر المجتمع والأمة تكون متقاربة، حتى الجيران كما جاء في الحديث: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثّه" وللأسف حياتنا الإجتماعية الآن أنت تسكن في شقة لا تعلم من جارك فيها وهذا ليس من طبيعة المجتمع المسلم.
بشر: إسم جنس، هذا الجنس يسمونه بشر إشارة إلى البشرة كأنه ذو بَشَرة بالفتح وليس بالسكون (بشْرة).
(فجعله نسباً وصهرا) بعضهم لبعض، بعضهم ينتسب لبعض وبعضهم يتصاهر على بعض وقدّم النسب على المصاهرة لأن قرابة النسب أقرب من قرابة المصاهرة فأنت أقرب لأبيك وأخيك من قرابتك لأهل زوجتك وهكذا زوجتك بالنسبة لأقربائك.
آية (57):
* (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) الأنعام) تتكرر في القرآن وتأتي (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ (57) الفرقان) فمتى تأتي (من أجر) ومتى تأتي (أجراً)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/28)
من حيث اللغة (تسألهم عليه من أجر) آكد من (لا أسألكم عليه أجراً) لأنها دخلت (من) الإستغراقية على الأجر، دخلت على المفعول به تفيد استغراق النفي وهي مؤكدة. نظهر المفهوم النحوي أولاً ثم نضعها في موضعها، إذن من حيث التركيب اللغوي من دون وضعها في مكانها (من أجر) آكد من (لا أسألكم عليه أجراً) لوجود (من) الاستغراقية. يبقى لماذا وضعت كل واحدة في مكانها؟ إذن عندنا الحكم النحوي ثم لماذا وضعت؟ هذا سؤال بياني. آية الأنعام التي ليس فيها (من) آية واحدة ليس قبلها شيء في التبليغ ولا في الدعوة أما في سياق الدعوة والإنكار يستوجب التوكيد، هذا أمر، الأمر الآخر (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) الأنعام) ذكرى من التذكر (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) الفجر) (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى (9) الأعلى) (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) الذاريات) هي نفسها تذكّر أو تدخل في التذكّر. فى سورة يوسف (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)) الذِكر هو الشرف والرفعة (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ (44) الزخرف) إذن الذكر شرف ورفعة والذكرى من التذكر. لما نقول سأرفعك وأعطيك منزلة ومكان أو تتذكر أيها التي تحتاج توكيد؟ الذي يرفع يحتاج لتوكيد.
آية (59):
* ذكرتم في الحلقة السابقة أنه عندما يذكر (السموات والأرض وما بينهما) لا بد أن يذكر ثلاث ملل لكن في سورة الفرقان ذكر (وما بينهما) (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)) مع أنه لم يذكر الملل الثلاث؟ (د.فاضل السامرائى)(1/29)
كان كلامنا في قوله تعالى (له ملك السموات والأرض وما بينهما) تحديداً وليس في خلق السموات والأرض وما بينهما. حيث ورد هذا التعبير (له ملك السموات والأرض وما بينهما) ذكرنا أمرين: إما أن يكون تعقيباً على ذكر ما لا يليق في الله تعالى من الصفات أو ذكر ثلاث ملل اليهود والنصارى والمسلمين وهي ثلاثة: السموات، الأرض، ما بينهما، هذا تناظر أدبي بياني. إذن ليس الموضوع خلق السموات والأرض وما بينهما وإنما فيما تكلمنا فيه (له ملك السموات والأرض وما بينهما) تحديداً.
آية (60):
* ما الفرق بين استعمال ما و من وما دلالة استعمال ( ما) للعاقل؟ (د.فاضل السامرائى)
((1/30)
من) لذات من يعقل، للذات، من هذا؟ هذا فلان، من أبوك؟ أبي فلان، من أنت؟ أنا فلان. إذن (من) لذات العاقل سواء كانت إسم استفهام أم شرط أم نكرة موصوفة أم إسم موصول. (ما) تستعمل للسؤال عن ذات غير العاقل مثل ما هذا؟ هذا حصان، ما تأكل؟ آكل كذا. وتستعمل لصفات العقلاء، الذات أي الشخص الكيان. (ما) تستخدم لذات غير العاقل ولصفات العقلاء. لذات غير العاقل مثل الطعام (أشرب ما تشرب) هذه ذات وصفات العقلاء مثل تقول من هذا؟ تقول خالد، ما هو؟ تقول تاجر، شاعر. (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء (3) النساء) عاقل، صفة، أي انكحوا الطيّب من النساء. (ما) تستخدم لذات غير العاقل وصفاتهم (ما لونه؟ أسود) ولصفات العقلاء (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) الشمس) الذي سواها هو الله. مهما كان معنى (ما) سواء كانت الذي أو غيره هذه دلالتها (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (3) الليل) من الخالِق؟ الله هو الخالق. إذن (ما) قد تكون لصفات العقلاء ثم قد تكون للسؤال عن حقيقة الشيء (قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ (60) الفرقان) يسألون عن حقيقته، فرعون قال (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) الشعراء) يتساءل عن الحقيقة. وقد يؤتى بها للتفخيم والتعظيم (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) القارعة) (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) الواقعة) تفخيم وتعظيم سواء كان فيما هو مخوف أو فيما هو خير، عائشة قالت أبي وما أبي؟ ذلك والله فرع مديد وطود منيب. فلان ما فلان؟ يؤتى بها للتفخيم والتعظيم (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) الواقعة) (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) الواقعة) ماذا تعرف عن حقيقتهم؟ التعظيم يكون في الخير أو في السوء أو ما يصيبه من السوء، قال ربنا عذاب عظيم وقال فوز عظيم قال عظيم للعذاب والفوز.(1/31)
النُحاة ذكروا هذه المعاني لـ (ما) في كتب النحو والبلاغة.
آية (62):
*ما الفرق بين استعمال كلمة (شكورا) و (شكرا)؟(د.فاضل السامرائى)
الشكور تحتمل الجمع والإفراد في اللغة وهي تعني تعدد الشكر والشكر في اللغة يُجمع على الشكور ويحتمل أن يكون مفرداً مثل القعود والجلوس، وفى آية الإنسان الجمع يدل على الكثرة أي لا نريد الشكر وإن تعدد وتكرر الإطعام باعتبار الجمع.(1/32)
وقد استعمل القرآن الكريم كلمة الشكور في الحالتين وإذا اردنا الشكور مصدراً فهو أبلغ من الشكر واستعمال المصادر في القرآن عجيب والذي يُقوي هذه الوجهة استعمال الشكور لما هو أكثر من الشكر. ولقد استعملت كلمة الشكور في القرآن مرتين في هذه الآية فى سورة الإنسان (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً {9}) وفي آية سورة الفرقان (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً {62}) فقط واستعمل الشكر مرة واحدة في قصة آل داوود (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ {13}سبأ) ومن ملاحظة الآيات التي وردت فيها كلمتي الشكور والشكر نرى أن استعمال الشكر جاء في الآية التي خاطب بها تعالى آل داوود وهو قلّة بالنسبة لعموم المؤمنين المخاطبين في سورة الفرقان أو في سورة الإنسان التي فيها الإطعلم مستمر إلى يوم القيامة والشكر أيضاً سيمتد إلى يوم القيامة ما دام هناك مطعِمين ومطعَمين. إذن هو متعلقات الشكر في هاتين الآيتين أكثر من متعلقات الشكر في قصة آل داوود. وفي سورة الفرقان قال تعالى (لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورا) وكلمة (يذّكّر) فيها تضعيفين فالذي يبالغ في التذكر هو مبالغ في الشكر فيبدو والله أعلم أن استعمال الشكور أبلغ من استعمال الشكر في آية سورة الإنسان.
آية (63):
*ما الفرق بين كلمتي عباد وعبيد في القرآن؟ (د.فاضل السامرائى)(1/33)
كلمة عباد تضاف إلى لفظ الجلالة فالذين يعبدون الله يضافون للفظ الجلالة فيزدادون تشريفاً فيقال عباد الله كما ورد في سورة الفرقان (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً {63})، أما كلمة عبيد فهي تُطلق على عبيد الناس والله معاً وعادة تضاف إلى الناس والعبيد تشمل الكل محسنهم ومسيئهم كما ورد في سورة ق (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ {29}). العبد يُجمع على عباد وتاعبد يُجمع على عبيد.
*ما الفرق بين هونا وهُون في القرآن؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الفرقان (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً {63}) وقال في سورة النحل (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ {59}) الهَون هو الوقار والتؤدة أما الهُون فهو الذلّ والعار.
آية (64):
* في سورة الفرقان قال تعالى (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)) كيف يبيتون؟ هل يبيتون أبدانهم في الفراش وأرواحهم في السماء؟ (د.فاضل السامرائى)
من أحيا شيئاً من الليل بالصلاة كله أو بعضه فقد بات لربه سجداً وقياماً. من قرأ شيئاً من القرآن في صلاة دخل في هذا وليس بالضرورة أن يحييه كله. المبيت في اللغة قد يكون جزءاً من الليل وليس معناها النوم وهي أيّ جزء من الليل ولا يشترط أن تبيت الليل كله ثم هذا أمر فقهي.
آية (70)-(71):(1/34)
* ما الفرق بين الآيتين في سورة الفرقان (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)) و (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71))؟ (د.فاضل السامرائى)(1/35)
في عموم القرآن إذا كان السياق في العمل يقول (عملاً صالحاً). ننظر إلى السؤال وإلى السياق الذي وردت فيه الآيات: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) السيئات هي أعمال غير صالحة والحسنة عمل صالح (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) هذه أعمال سيئة وحسنة. ثم يختم الآية (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) غفور يغفر الأعمال السيئة. نكمل الآية الأخرى (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) هذا تائب أصلاً يتوب إلى الله متاباً وليس هناك عمل، في الآية الأولى الله تعالى يتكلم عن العمل يبدل سيئاتهم حسنات يبدلها، يغيرها، هذه أعمال سيئة وأعمال حسنة وكان الله غفوراً رحيماً يغفر لهم الأعمال السيئة. أما في الآية الثانية ليست في ذلك وإنما في التائب (فإنه يتوب إلى الله متاباً) تلك في العمل: سيئات وحسنات وغفران للعمل وهذه في التائب ولذلك لما كان السياق في العمل قال عملاً صالحاً ولما كان السياق في التائب لم يكررها وقال عمل صالحاً (تاب وعمل صالحاً). إذن لما يكون السياق في العمل يقول عملاً صالحاً كما في آخر سورة الكهف أيضاً (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110)) لأنه تكلم عن الأشخاص الذين يعملون أعمالاً سيئة ويكون السياق في الأعمال (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)) والسورة أصلاً بدأت بالعمل (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)).(1/36)
مع العمل يقول عملاً أما مع التائب فلا يذكرها فإذا قال خارج القرآن (ومن تاب وعمل عملاً صالحاً) هذا يسموه التوكيد وبيان النوع. لم يقل عمل عملاً صالحاً هذا مصدر مؤكّد مع بيان النوع أفاد فائدتين التوكيد والنوع. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) البقرة) ليست في سياق الأعمال.
آية (77):
* (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) ما تفسير قوله تعالى (فقد كذبتم)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/37)
الآية الكريمة قوله تعالى (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) ما يعبأ بكم ربي أي لا يعتدّ بكم لولا أنكم تتضرعون إليه وتدعونه فهو لا يعبأ بكم ولا يعتد بكم (ما) هنا تحتمل أن تكون استفهامية وتحتمل أن تكون نافية بمعنى لا إذا كانت نافية وإذا كانت استفهامية ما يعبأ بكم والاستفهام هنا ليس غرضه الاستفهام وإنما تهويل الأمر وأنهم لولا الدعاء فليسوا بشيء وليسوا بتلك المنزلة. حتى قسم قال الدعاء معناه العبادة (الدعاء مخ العبادة) (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) غافر) فالدعاء هو التضرع وهو أشهر شيء فيها وهو مخ العبادة (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة) لا يعتد بنا ربنا لولا تضرعنا إليه والله تعالى غضب وعاقب أناس لأنهم لم يتضرعوا وأخذهم بالباساء والضراء لعلهم يتضرعون (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) الأنعام) التضرع الدعاء بتذلل. فربنا سبحانه وتعالى يريد من عباده أن يعبدوه ويتضرعوا إليه ويدعوه، ولولا دعاؤنا ربنا لا يعتد بنا. (فقد كذبتم) وإن كان الخطاب عام لكن هنا للكفرة (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) يكون العقاب لازماً عليكم لو لم تفعلوا هذا سوف يكون العذاب ثابتاً وحقاً عليكم.
****تناسب مفتتح الفرقان مع خاتمتها****(1/38)
قال في أولها (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)) ثم ينتقل إلى الكافرين والمشركين بعد هذا (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)) وقال في أواخرها (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)) وذكر في الآية الأولى (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وذكر في الآخر (وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) له ملك السموات والأرض وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً هو تعالى الذي يملكها هو جعل فيها سراجاً وقمراً منيراً وإزاء هؤلاء الكافرين المشركين ذكر عباد الرحمن. انتقل بعد البداية إلى ذكر المشركين والكافرين ثم ذكر عبد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً إلى آخر السورة. ذكر الكافرين ثم ذكر المؤمنين وهذا في القرآن كثير وذكر جزاء كل منهم فذكر المؤمنون أولاً وذكر غيرهم في الآخر، هذا مقابل هذا.
*****تناسب خواتيم الفرقان مع فواتح الشعراء*****(1/39)
آخر الفرقان قال تعالى:(قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) يعني العذاب يلازمهم وقال في بداية الشعراء (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)) التكذيب للمخاطبين والقدامى (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)) (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) يعني سيكون العذاب حقاً عليكم ولزاماً عليكم، (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)) تهديد. الخطاب للفئتين لكن يجمعها صفة واحدة وهو التكذيب والتهديد في الفرقان (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) وفي الشعراء نفس الشيء (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)) وفي السورتين إقرار بأنهم كذبوا. في آخر الفرقان ذكر عباد الرحمن (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)) وفي الشعراء ذكر المكذبين فاستوفى الخلق (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)) استوفى الخلق الصالح والطالح عباد الرحمن والكافرين.(1/40)
في سورة واحدة قد يذكر الصنفين ويقولون كأنما الشعراء استكمال لما ذكر في الفرقان.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الفرقان للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/41)
سورة الشعراء
تناسب خواتيم الفرقان مع فواتح الشعراء ... من قصة قوم نوح (105- 122) ... آية (200)
هدف السورة ... من قصة قوم هود (123- 140) ... آية (210)
فواتح السورة ... من قصة قوم صالح (141- 159) ... آية (214)
من قصة موسى عليه السلام (10- 68) ... من قصة قوم لوط (160- 175) ... آية (221)
من قصة إبراهيم عليه السلام (69- 89) ... من قصة أصحاب الأيكة (176- 191) ... تناسب بدايات السورة مع خواتيمها
آية (100-101) ... آية (197) ... تناسب خواتيم الشعراء مع فواتح النمل
*تناسب خواتيم الفرقان مع فواتح الشعراء*(1/1)
آخر الفرقان قال تعالى:(قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) يعني العذاب يلازمهم وقال في بداية الشعراء (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)) التكذيب للمخاطبين والقدامى (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)) (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) يعني سيكون العذاب حقاً عليكم ولزاماً عليكم، (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)) تهديد. الخطاب للفئتين لكن يجمعها صفة واحدة وهو التكذيب والتهديد في الفرقان (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) وفي الشعراء نفس الشيء (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)) وفي السورتين إقرار بأنهم كذبوا. في آخر الفرقان ذكر عباد الرحمن (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)) وفي الشعراء ذكر المكذبين فاستوفى الخلق (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)) استوفى الخلق الصالح والطالح عباد الرحمن والكافرين.(1/2)
في سورة واحدة قد يذكر الصنفين ويقولون كأنما الشعراء استكمال لما ذكر في الفرقان.
**هدف السورة: أسلوب تبليغ رسالة الله تعالى**
السورة مكيّة وقد عالجت أمراً هاماً نحن بأمسّ الحاجة إلى فهمه في عصرنا هذا، فالآيات في السورة تتحدث عن أساليب توصيل الرسالة بأحسن الوسائل الممكنة والإجتهاد في إيجاد الوسيلة المناسبة في كل زمان ومكان. بمعنى آخر السورة هي بمثابة رسالة إلى الإعلاميين خاصة في كل زمن وعصر وللمسلمين بشكل عام. والسورة ركّزت على حوار الأنبياء مع أقوامهم فكلّ نبي كان يتميّز بأسلوب خاص به في حواره مع قومه مختلف عن غيره من الأنبياء وهذا دليل أن لكل عصر أسلوب دعوي خاص فيه يعتمد على الناس أنفسهم وعلى وسائط الدعوة المتوفرة في أي عصر من العصور وعلى مؤهلات الداعية وإمكانياته.
والسورة تتحدث عن الإعلام والشعراء الذين هم رمز الإعلام خاصة في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - كان شعراء الإسلام وسيلة تأثير هامّة في المجتمع آنذاك خاصة أن العرب كانوا أهل شعر وفصاحة فكانت هذه الوسيلة تخاطب عقولهم بطريقة خاصة. أما في عصر موسى فكان السحر هو المنتشر فجاءت حجة موسى - صلى الله عليه وسلم - بالسحر الذي يعرفه أهل ذلك العصر جيداً وهكذا على مرّ العصور والآزمان. وفي كل العصور فإن وسيلة الإعلام سلاح ذو حدين قد تستخدم للهداية (كسحر موسى وشعراء الإسلام) وقد تستخدم للغواية والضلال والإضلال (كسحرة فرعون وشعراء قريش الكفّار).(1/3)
سميّت السورة بالشعراء كما أسلفنا لأن الشعراء في عصر النبّوة كانوا من أحد وسائل الإعلام ولم يكونوا جميعاً كما وصفتهم الآية 226 (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) يقولون ما لا يفعلون إنما كان منهم (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) آية 227 وسيلة للدعوة والهداية.
وقد ختمت السورة كما ابتدأت بالرد على افتراء المشركين على القرآن الذي أنزله الله تعالى هداية للخلق وشفاء لأمراض الإنسانية.
***من اللمسات البيانية فى سورة الشعراء***
آية (4):
*ما دلالة استخدام خاضعين في الآية (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) الشعراء) ولم يقل خاضعة ؟(د.فاضل السامرائى)
عندنا حكم نحوي أنه قد يكتسب المضاف من المضاف إليه التذكير أو التأنيث بشروط منها أن يكون المضاف صالحاً للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه أو يكون المضاف كل المضاف إليه أو بعضه. في اللغة أمثلة كثيرة قال تعالى (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) الشعراء) لم يقل خاضعة جعل الخضوع للمضاف إليه (خاضعين) هذا يجوز لأن هذا جزء، الأعناق جزء من الإنسان. ومن الشواهد النحوية: (كما شرقت صدر القناة من الدم) الصدر مذكر وشرقت مؤنثة لأن القناة مؤنثة والصدر جزء.
من قصة موسى عليه السلام (10-68)
آية ( 10):
*(إذ) في الآية ما دلالتها؟(د.حسام النعيمى)(1/4)
للتوكيد بمعنى: أُذكر هذا الأمر. (إذ) تأتي دائماً بمعنى أُذكر كذا لأنه أحياناً تكون في البداية كما قلت بالنسبة لموسى (طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) الشعراء) لما انتهى من هذا المشهد السماوي بدأ (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)) واذكر هذا الأمر.
آية (16):
*ما الفرق بين الآيتين (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ (47) طه) (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) الشعراء)؟(د.فاضل السامرائى)(1/5)
ومرة قال (فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) الزخرف). السؤال أثير عدة مرات وأجبنا عنه ونحيب عنه الآن. أولاً كلمة رسول في اللغة تأتي للمفرد والمثنى والجمع والمصدر، عندنا كلمات مثل خصم تأتي مفرد وتأتي جمع (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ (21) ص)، ضيف تأتي مفرد وتأتي جمع (قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ (68) الحجر)، طفل تأتي مفرد وتأتي جمع (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء (31) النور). إذن كلمة رسول في اللغة تأتي للمفرد والجمع والمثنى. هنالك كلمات تأتي للمفرد والجمع مثل كلمة بشر تأتي للمفرد والجمع (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ (24) القمر) (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا (47) المؤمنون) (بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ (18) المائدة). كلمة رسول تأتي مفرد ومثنى وجمع ومصدر يمكن أن نقول هذا رسول وهذان رسول وهؤلاء رسول فهي من الكلمات التي في اللغة قد تكون للمفرد والمثنى والجمع والمصدر بمعنى رسالة إذن من حيث اللغة لا اشكال في السؤال. لكن يبقى السؤال لماذا الاختلاف؟ في الشعراء قال (إنا رسول)، في طه (إنا رسولا)، في الزخرف (إني رسول). في الشعراء ورد ذكر لهارون مع موسى لكن أكثر الشيء مبني على الوحدة لا على التثنية.(1/6)
قال تعالى على لسان موسى - عليه السلام - في الشعراء (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)) ثم ينطلق الكلام للمفرد موسى فقط والنقاش مع فرعون من موسى - عليه السلام - فقط (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ(1/7)
حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)) إذن ذكر هارون في البداية في آية أو آيتين ثم انتقل إلى موسى في حين بنى الكلام في طه على التثنية أصلاً ويستمر على التثنية (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50))، في الشعراء قال (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14))، في طه (قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) في الشعراء (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ)، في طه (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)) في الشعراء (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) فلما بنى الكلام في طه على التثنية قال (إنا رسولا) ولما في الشعراء ورد ذكر لهارون لكن بعدها استمر الكلام على موسى فقال قال (إنا رسول) وكلمة رسول تحتمل التثنية، أما في الزخرف فلم يرد ذكر لهارون مع(1/8)
موسى - عليه السلام - فقال (إني رسول). إذن كل تعبير مناسب للسياق الذي وردت فيه الكلمة.
سؤال: لماذا نجد هذا في القرآن الكريم؟ لماذا لا يعبر عن القصة بلغة واحدة؟ السامرائى
هو يعبر بلغة بيانية تناسب المقام والسياق الذي يقتضيه وهذه هي البلاغة. موسى وهارون ذهبا إلى فرعون هذا الموقف عبر القرآن عنه في ثلاث مواطن مختلفة (إنا رسول، إنا رسولا، إني رسول) ذكرهما باعتبار ما حدث، مرة كان هارون يسكت ويتكلم موسى فيوجه الكلام لموسى، علينا أن ندرس القصة كلها فهي ليست جلسة واحدة وإنما عدة لقاءات والكلام مرة يكون لهما معاً ومرة لموسى وحده بحسب ما حدث فاختار أدق كلمة في التعبير.
* ما الفرق من الناحية البيانية في استخدام لفظة ( إنّا رسول،إنّا رسولا، إني رسول) في قصة موسى وهارون؟(د.فاضل السامرائى)
ورد مثل هذا التعبير في ثلاث مواقع في القرآن الكريم: قال تعالى في سورة طه (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى {47}) وفي سورة الشعراء (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {16}) وفي سورة الزخرف قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {46})(1/9)
المسألة تتعلق بالسياق ففي سورة طه السياق كله مبني على التثنية من قوله تعالى (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي {42}) إلى قوله (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)) وقوله (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى {63}) أما في سورة الشعراء فالسياق كله مبني على الإفراد والوحدة من قوله تعالى (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ {18}) مع العلم أن أوائل السورة فيها تثنية من قوله تعالى (قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ {15}) إلى قوله (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {16}) ثم يُغيّب هارون وتعود إلى الوحدة ويستمر النقاش مع موسى وحده (قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)) ثم يوجّه فرعون الكلام إلى موسى مهدداً إياه وحده (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)) (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)) (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ {34}).
وكلمة رسول في اللغة تُطلق على الواحد المفرد وعلى الجمع، توجد كلمات في اللغة تكون الكلمة مفردة تختلف في التثنية والجمع يعود إلى الإفراد مثل كلمة بشر (أبشراً منا واحداً نتّبعه) مفرد وقوله تعالى (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) المؤمنون) مثنى وقوله تعالى (بل أنتم بشر مما خلق) جمع. وكلمة طفل (ثم يخرجكم طفلاً) وكلمة ضيف.(1/10)
وكذلك كلمة رسول يقال في اللغة نحن رسول وإنا رسول فقوله تعالى (إنا رسول ربك) تأتي مع البيان ومع سنن العربية وليس فيها مخالفة للغة. فاختار تعالى الكلمة المناسبة في السياق المناسب فالسياق في سورة طه قائم على التثنية والسياق في الشعراء قائم على الجانبين فيها إفراد ثم تثنية ثم إفراد وموسى هو الذي بلّغ الراسلة أما في سورة الزخرف فلم يأت ذكر هارون في سياق السورة كلها أصلاً فقال تعالى (إني رسول رب العالمين). وهذه الآيات الثلاثة لا تعارض فيها وإنما هي لقصة واحدة ذهب موسى وأخاه هارون إلى فرعون وفي كل سورة جاء بجزء من القصة بما يقتضيه السياق في السورة وهذه اللقطات إنما هي مشاهد متعددة يُعبّر عن كل مشهد حسب السياق وليس في الآيات الثلاثة ما يخالف العربية لأن كلمة رسول تأتي كما قلنا سابقاً مفرد وجمع. كذلك يستعمل القرآن الكريم كلمة طفل مرة وأطفال مرة حسب ما يقتضيه السياق ولا يخرج عن اللسان العربي وسنن العربية.
آية (20):
*ما الفرق بين معنى الضلال في الفاتحة (ولا الضالين) و قوله تعالى (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) الشعراء) و(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) الضحى)؟(د.حسام النعيمى)
معنى الضلال في الآيات الثلاث واحد وهو عدم معرفة شرع الله سبحانه وتعالى. فموسى عليه السلام فعل هذا قبل النبوة فهو لا يعرف شرع الله، والرسول صلى الله عليه وسلم لما يقول له الله عز وجل (ووجدك ضالاً فهدى) يعني لم تكن عارفاً شرع الله تعالى فهداك إلى معرفة شرع الله بالنبوة. فاضللال هنا عدم معرفة شرع الله وليس الضلال معناه الفسق والفجور وعمل المنكرات وإنما هو الجهل بشرع الله سبحانه وتعالى: غير الضالين، وموسى - عليه السلام - قبل النبوة فعل هذا فكان جاهلاً بشرع الله ومحمد - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعرف شرع الله تعالى قبل النبوة فالمعنى واحد.
آية (23):(1/11)
* ما دلالة استخدام (ما) وليس (من) ؟(د.فاضل السامرائى)
(من) لذات من يعقل، للذات، من هذا؟ هذا فلان، من أبوك؟ أبي فلان، من أنت؟ أنا فلان. إذن (من) لذات العاقل سواء كانت إسم استفهام أم شرط أم نكرة موصوفة أم إسم موصول. (ما) تستعمل للسؤال عن ذات غير العاقل مثل ما هذا؟ هذا حصان، ما تأكل؟ آكل كذا. وتستعمل لصفات العقلاء، الذات أي الشخص الكيان. (ما) تستخدم لذات غير العاقل ولصفات العقلاء. لذات غير العاقل مثل الطعام (أشرب ما تشرب) هذه ذات وصفات العقلاء مثل تقول من هذا؟ تقول خالد، ما هو؟ تقول تاجر، شاعر. (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء (3) النساء) عاقل، صفة، أي انكحوا الطيّب من النساء. (ما) تستخدم لذات غير العاقل وصفاتهم (ما لونه؟ أسود) ولصفات العقلاء (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) الشمس) الذي سواها هو الله. مهما كان معنى (ما) سواء كانت الذي أو غيره هذه دلالتها (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (3) الليل) من الخالِق؟ الله هو الخالق. إذن (ما) قد تكون لصفات العقلاء ثم قد تكون للسؤال عن حقيقة الشيء (قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ (60) الفرقان) يسألون عن حقيقته، فرعون قال (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) الشعراء) يتساءل عن الحقيقة. وقد يؤتى بها للتفخيم والتعظيم (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) القارعة) (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) الواقعة) تفخيم وتعظيم سواء كان فيما هو مخوف أو فيما هو خير، عائشة قالت أبي وما أبي؟ ذلك والله فرع مديد وطود منيب.(1/12)
فلان ما فلان؟ يؤتى بها للتفخيم والتعظيم (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) الواقعة) (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) الواقعة) ماذا تعرف عن حقيقتهم؟ التعظيم يكون في الخير أو في السوء أو ما يصيبه من السوء، قال ربنا عذاب عظيم وقال فوز عظيم قال عظيم للعذاب والفوز. النُحاة ذكروا هذه المعاني لـ (ما) في كتب النحو والبلاغة.
آية (32):
*ورد في القرآن الكريم ذكر عصى موسى عليه السلام بأوصاف مختلفة مرة جان ومرة ثعبان ومرة حية فما الفرق بينها؟(د.فاضل السامرائى)
المعنى اللغوي للكلمات: الجان هي الحية السريعة الحركة تتلوى بسرعة، الثعبان هو الحية الطويلة الضخمة الذَّكَر، الحية عامة تشمل الصغيرة والكبيرة فالثعبان حية والجان حية. الحية عامة تطلق على الجميع أما الثعبان فهو الذكر الضخم الطويل والجان هو الحية سريعة الحركة. ننظر كيف استعملها؟
كلمة ثعبان لم يستعملها إلا أمام فرعون في مكانين (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) الأعراف) (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32) الشعراء) وذلك لإخافة فرعون ثعبان ضخم يُدخل الرهبة في قلبه فذكر الثعبان فقط أمام فرعون.(1/13)
كلمة الجان ذكرها في موطن خوف موسى في القصص (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)) وفي النمل (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)) تتلوى وهي عصا واختيار كلمة جان في مقام الخوف ،عصا يلقيها تكون جان واختيار كلمة جان والإنسان يخاف من الجان والخوف والفزع. الجان دلالة الحركة السريعة، عصاه تهتز بسرعة. الجان يخيف أكثر من الثعبان فمع الخوف استعمل كلمة جان وسمي جان لأنه يستتر بمقابل الإنس (الإنس للظهور والجن للستر) هذا من حيث اللغة.
سؤال: كيف رآها وفيها معنى الإستتار؟
قد يظهر الجان بشكل أو يتشكل بشكل كما حدث مع أبو هريرة، قد يظهر الجان بشكل من الأشكال. كلمة (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ) إضافة إلى أنها حية صغيرة تتلوى بسرعة إضافة إلى إيحائها اللغوي يُدخل الفزع لذلك استعملها في مكان (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ). كلمة ثعبان أو حية لا تعطي هذه الدلالة. أناس كثيرون يمسكون الحية أو الثعبان ويقتلونها وفي الهند يمسكون بالثعبان. كل كلمة جعلها تعالى في مكانها.
الحية جاءت في مكان واحد لبيان قدرة الله تعالى (فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) طه) لم يقل أن موسى هرب أو فزع. ذكر ثعبان مع فرعون لأنه مخيف وذكر جان مع موسى لأنها تدخل الرعب على قلب موسى. ذكر ثعبان مرتين أمام فرعون وجان مرتين أمام موسى.
سؤال: لماذا لم يذكر جان مع فرعون؟
لأنه مع الملأ الموجودين إذا كانوا مئات وتأتي بجان واحد ماذا يؤثر؟ لذا اختار ثعبان لأنه يحتاج إلى ضخامة وقوة.
آية (36):(1/14)
*ما الفرق بين(أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ {36} يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ(37)) - (أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ {111} يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ(112))؟(د.أحمد الكبيسى)
في آية أرسل وساحر في الآية الأخرى ابعث وسحار في نفس القضية. الفرق بينهما كلمة أرسل لعامة الناس عندما يرسل الملك يريد أن يبلغ الناس أمراً يرسل لهم أي رسول يخاطب الجميع لا فرق بين مستمعٍ ومستمع، عندما يكون هناك رجل مهم جداً في الدولة يبعث له وحده مبعوثاً خاصاً فالمبعوث هو لعلية القوم. الله قال (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ {109} الأعراف) هؤلاء الملأ يعني الشخصيات الوزراء كبار التجار كبار الوجهاء كبار الأعيان هؤلاء ملأ هؤلاء يخاطبهم خطاباً خاصاً كل واحد يذهب إليه مبعوث يقول له الملك يقول لك كذا أما عامة الشعب يقف واحد يقرأ عليهم منشور، سابقاً لم يكن هناك إذاعة يقف هذا المرسل في عدة أحياء يتجمع الناس عليه فيقرأ عليهم المنشور هذا مرسل. ولهذا رب العالمين مرة يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم (أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ {151} البقرة) هذا لعامة الناس ومرة يقول بعثنا. عندما يقول بعثنا الخطاب لعلية القوم من قريش الذين أمعنوا في تكذيب الرسول وفعلاً النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث في كل واحد من هؤلاء كبار القوم من قريش يبعث له واحداً أو هو يكلمه يقابله شخصياً ويحاول أن يدعوه إلى الله عز وجل أما عامة الناس يرسل لهم رسول يخاطبهم جمعاً، هذا الفرق بين أرسل وابعث: أرسل لعموم الناس وابعث لخاصة القوم.(1/15)
ولذلك لما قال أرسل قال (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ) هم بالآلاف ولما قال ابعث قال (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) يعني أئمة السحرة وقادة السحرة والمهمين بهم، هذا الفرق بين (أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ {36} يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) وبين (أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ {111} يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ). هاتان الكلمتان المختلفتان ترسم صورتين مختلفتين من حيث أن فرعون طلب منه أن يخاطب عامة الناس وأن يخاطب الملأ الأعلى والشخصيات المهمة والطبقة الراقية كما يسمونها الذين هم أنصار الملك.
آية (38):
*(فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (38) الشعراء) (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50) الواقعة) ما الفرق بين استخدام اللام وإلى؟(د.فاضل السامرائى)
اللام قد تكون للتعليل، من معانيها التعليل مثل قولنا جئت للإستفادة هذه لام التعليل وقد تأتي للإنتهاء. أما (إلى) معناها الأساسي الإنتهاء أما اللام فقد تأتي للإنتهاء وضربنا مثلاً في حلقة سابقة (كل يجري لأجل مسمى) و(كل يجري إلى أجل مسمى). تقول أنا أعددتك لهذا اليوم، كنت هيأتك لهذا اليوم، (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (38) الشعراء) جمعناهم لهذا اليوم لغرض هذا اليوم وما فيه حتى نبين حقيقة موسى - عليه السلام - ، أعددناهم لهذا ليوم أما تلك الجمع بمعنى الانتهاء إلى يوم القيامة وقسم يقول بمعنى السَوْق -السَوْق إلى ميقات يوم معلوم- (لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50) الواقعة) أي مسوقون إلى ميقات يوم معلوم، يخرجون من الأجداث سراعاً يتبعون الداعي لا عوج له ثم يأتون إلى مكان محدد يجتمعون فيه، منتهى الغاية. اللام لا تدل على هذا الانتهاء ولها دلالات أخرى:(1/16)
واللام للمِلك وشِبهه وفي تعدية أيضاً وفي تعليل
جُمِع السحرة لهذا الغرض وليس المقصود مجرد الجمع وإنما لغرض محدد واضح وكأنها لام العلة مثل قولنا أعددتك لهذا اليوم. هنالك معاني تذكر في كتب النحو لمعاني أحرف الجر تتميز في الاستعمال غالباً وأحياناً يكون فيها اجتهادات لأنها تحتمل أكثر من دلالة وحتى النحاة قد يختلفون في الدلالة لأن الجملة قد تحتمل أحياناً أكثر من دلالة ظاهرة أو قطعية.
آية (41):
*ما الفرق بين الآية (وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) الأعراف) و (فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) الشعراء)؟(د.فاضل السامرائى)(1/17)
أتمنى أن نأخذ القصتين في الشعراء والأعراف في حلقة خاصة لأن فيها أكثر من سؤال واختلاف. لكن الآن نجيب أنه إذا رجعنا إلى القصة في السورتين: الشعراء والأعراف. في الشعراء تتسم القصة بسمتين بارزتين أولها التفصيل في سرد الأحداث والآخر قوة المواجهة والتحدي لأن موسى أمام فرعون (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) الشعراء). الآن نأتي في الأعراف ذكر أن ملأ فرعون هم الذين قالوا أن موسى ساحر (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)) في الشعراء فرعون هو الذي قال وليس الملأ (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)) لأن الكلام كان شديداً بينه وبين موسى. في الشعراء ناسب أن يواجهوا فرعون بالقول لأن هو الذي قال. في الأعراف قال (وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113)) وفي الشعراء قالوا (فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41)). هناك لم يقولوا قالوا لفرعون لأن المتكلم كان الملأ لأن القائل الأول ليس فرعون. في الشعراء قالوا لفرعون (أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41)) لم يقولوا إن زيادة في التوكيد وزيادة في سرد الأحداث لما كان التفصيل أكثر قال (أئن). الفرق بين (إن) وأئن، أئن استفهام مضمر (هل تذهب؟) أحياناً حرف الإستفهام يضمر ولا يذكر لكن يفهم من السياق تذهب معي؟ أصلها أتذهب معي؟ إن لنا لأجراً استفهام لكن لم يذكروا همزة الإستفهام. أما في الثانية فالوضع فيه شدة وحدة وتفصيل أكثر والاستفهام أدل على هذا الأمر وصرحوا بالهمزة (أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ).(1/18)
حتى في الجواب قال في الأعراف (قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)) وفي الشعراء قال (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)) أضاف إذن لأن الموقف مختلف يريد أن ينتصر وكان الكلام شديداً مع موسى ولا يمكن أن يواجهه الحجة. ليس هذا فقط وإنما في الشعراء أقسموا بعزة فرعون (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)) أما في الأعراف ما قالوا هذا الشيء لأن فرعون في مأزق في المناقشة وصار عصبياً فأقسموا بعزة فرعون ولم يقسموا في الأعراف. ونحتاج للنظر في السورتين بتفصيل.
سؤال: ألا يجعل هذا قائلاً يقول أن هذا يدل على تناقض في القصة الواحدة؟
التناقض هو أن تذكر أمراً مخالفاً للآخر لكن أن توجز في ذكر الأحداث أو تفصّل هذا ليس تناقضاً. إذا سافرت وعدت تذكر بالتفصيل ماذا حصل معك وتذكر الأشخاص وأحياناً تذكر أنك سافرت يوماً وعدت. هذا ليس تناقضاً والقرآن مرة يستعمل الإجمال ومرة التفصيل. في قصة إبراهيم قال في موضع (وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ (69) هود) (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25) الذاريات) وفي موضع آخر لم يذكر سلام (إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52) الحجر) لكنه لم يقل أنه لم يرحب بهم.
آية (42):
*ما الفرق بين الآيتين (قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {114}) الأعراف و (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {42}) الشعراء ؟(د.فاضل السامرائى)(1/19)
الآيتين في سياق قصة موسى - عليه السلام - وهناك جملة اختلافات في التعبير في القصة. في سورة الأعراف تبدأ القصة بأحداث طويلة ممتدة من مجيء موسى - عليه السلام - إلى فرعون وحتى نهاية فرعون وفيها كلام طويل عن بني إسرائيل. أما في سورة الشعراء فالقصة تأخذ جانب من مقابلة موسى وفرعون وينتهي بنهاية فرعون. وفي كل قصة اختار التعبيرات المناسبة لكا منها. ونلاحظ أن التفصيل في سرد الأحداث في سورة الشعراء أكثر والمواجهة والتحدي بين موسى وفرعون. وعليه فقد انطبعت كل التعبيرات بناء على هذين الأمرين.(1/20)
في سورة الأعراف إذا استعرضنا الآيات (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {103} وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ {104} حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ {105} قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ {106} فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ {107} وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ {108} قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ {109} يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ {110} قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ {111} يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ {112} وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ {113} قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {114} قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ {115} قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ {116} وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ {117} فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {118} فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ {119} وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ {120} قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ {121} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ {122} قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا(1/21)
لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ {123} لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ {124} قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ {125} وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ {126})(1/22)
وإذا استعرضنا الآيات في سورة الشعراء (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {10} قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ {11} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ {12} وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ {13} وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ {14} قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ {15} فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {16} أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ {17} قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ {18} وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ {19} قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ {20} فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ {21} وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ {22} قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ {23} قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ {24} قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ {25} قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ {26} قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ {27} قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ {28} قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ {29} قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ {30} قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ {31} فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ {32} وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ {33} قَالَ لِلْمَلَإِ(1/23)
حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ {34} يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ {35} قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ {36} يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ {37} فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ {38} وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ {39} لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ {40} فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ {41} قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {42} قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ {43} فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ {44} فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ {45} فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ {46} قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ {47} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ {48} قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ {49} قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ {50} إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ {51})
نلاحظ أن التفصيل في سورة الشعراء أكثر وحصلت محاورة بين موسى - عليه السلام - وفرعون أما في الأعراف فلم يرد ذلك. وفي الشعراء هدد فرعون موسى - عليه السلام - بالسجن.ونلخّص الفرق بين الآيتين من الناحية التعبيرية:
سورة الأعراف ... سورة الشعراء
قال الملأ من قوم فرعون (قول الملأ) ... (قال للملأ من قومه) (قول فرعون)(1/24)
يريد أن يخرجكم من أرضكم ... (يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره)
وأرسل في المدائن حاشرين ... (وابعث في المدائن حاشرين)
يأتوك بكل ساحر عليم ... (يأتوك بكل سحّار عليم)
قالوا ... (قالوا لفرعون)
وإنكم لمن المقربين ... (وإنكم إذاً لمن المقربين)
وألقي السحرة ساجدين ... (فألقي السحرة ساجدين)
فسوف تعلمون ... (فلسوف تعلمون)
ثم لأصلّبنّكم ... (ولأصلبنّكم)
إنا إلى ربنا منقلبون ... (لا ضير إنا إلى ربنا لمنقلبون)
ونأخذ كل فرق على حدة ونبدأ بقول الملأ في الأعراف فالقائلون في الأعراف هم الملأ والقائل في الشعراء هو فرعون وعندما كانت المحاجة عند فرعون وانقطع الحجة بقول (بسحره). والفرق بين أرسل وابعث في اللغة كبير: أرسل وفعل الإرسال تردد في الأعراف أكثر مما تردد في الشعراء (ورد 30 مرة في الأعراف و17 مرة في الشعراء) هذا من الناحية اللفظية . وفعل بعث هو بمعنى أرسل أو هيّج ويقال في اللغة بعث البعير أي هيّجه وفي البعث إنهاض كما في قوله تعالى (ويوم يبعث من كل أمة شهيداً) (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) أي أقامه لكم وليست بنفس معنى أرسله. فلما كانت المواجهة والتحدّي في الشعراء أكثر جاء بلفظ بعث ولم يمتفي بالإرسال إنما المقصود أن ينهض من المدن من يواجه موسى ويهيجهم وهذا يناسب موقف المواجهة والتجدي والشدة. وكذلك في اختيار كلمة ساحر في الأعراف وسحّار في الشعراء لأنه عندما اشتد التحدي تطلّب المبالغة لذا يحتاج لكلّ سحّار وليس لساحر عادي فقط ونلاحظ في القرآن كله حيثما جاء فعل أرسل جاء معه ساحر وحيثما جاء فعل بعث جاء معه سحّار. وفي سورة الأعراف وردت كلمة السحر 7 مرات بينما وردت 10 مرات في سورة الشعراء مع العلم أن سورة الأعراف أطول من الشعراء.(1/25)
وكذلك قوله تعالى في سورة الأعراف (وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين) أما في سورة الشعراء فقال تعالى (قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين) ففي الأعراف لم يقل (قالوا لفرعون) أما في الشعراء فقال (قالوا لفرعون) أي أصبح القول موجهاً إلى فرعون لأن التحدي أكبر في الشعراء وفيها تأكيد أيضاً بقوله (أئن لنا لأجراً)، أما في الأعراف (إن لنا لأجراً) المقام يقتضي الحذف لأن التفصيل أقلّ.
وفي الأعراف قال تعالى (قال نعم إنكم إذاً لمن المقربين) فجاء بـ (إذاً) حرف جواب وجزاء وتأتي في مقام التفصيل لأن سياق القصة كلها في الشعراء فيها كثر من التفصيل بخلاف الأعراف.
وفي الشعراء أقسموا بعزّة فرعون ولم يرد ذلك في الأعراف.
وفي الشعراء قال (فألقوا حبالهم وعصيهم) ولم يرد ذلك في الأعراف.
وفي الشعراء ولأن التحدي كبير ألقي السحرة ساجدين فوراً ولم يرد ذلك في الأعراف.
في الأعراف ورد (آمنتم به قبل أن آذن لكم ) و(فسوف تعلمون) الضمير يعود إلى الله تعالى هنا. أما في الشعراء (آمنتم به قبل أن آذن لكم) (فلسوف تعلمون) أي أنقدتم لموسى فالهاء تعود على موسىولهذا قال تعالى هنا (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) واللام في (فلسوف) هي في مقام التوكيد.
وفي الأعراف قال (ثم لأصلبنّكم) وفي الشعراء (ولأصلبنكم) وهذا يدل على أنه أعطاهم مهلة في الأعراف ولم يعطهم مهلة في الشعراء.
وفي الأعراف قال (إنا إلى ربنا منقلبون) أما في الشعراء (لا ضير إنا إلى ربنا لمنقلبون) دلالة عدم الإكتراث بتهديد فرعون مع شدة التوعد والوعيد ثم مناسبة لمقام التفصيل.
آية (44):
*هل هناك دلالة لذكر اسم الله العزيز بعد قسم السحرة بعزة فرعون؟(د.فاضل السامرائى)(1/26)
اختيار هذين الإسمين له سبب ومناسبة: أولاً هذا متناسب مع ثقل التكليف، فرعون حاكم متجبر يرتدي رداء العزة والسحرة أقسموا (وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) الشعراء) لما قال بعزة فرعون ربنا قال (الْعَزِيزُ) لا عزيز سواه، ليس هو عزيز وإنما هو العزيز وحده قصراً العزّة له كاملة.
آية (48):
*في سورة طه (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)) ووردت (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء) فما دلالة التقديم والتأخير؟(د.فاضل السامرائى)(1/27)
ذكرنا في أكثر من مناسبة أن التقديم والتأخير أولاً للعلم ليس بالضرورة أن يتقدم من هو الأفضل أو ما هو أفضل وقد يتقدم المفضول بحسب السياق ويتأخر ما هو أفضل ليس بالضرورة أن يتقدم الأفضل إنما السياق يحدد (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ (2) التغابن) بدأ بالكافر (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ (20) الحشر) بدأ بأصحاب النار. وذكرنا أمثلة كثيرة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا (40) الحج) (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) التين). إذن الأمر الذي ينبغي أن يُعرف في التقديم والتأخير أنه ليس بالضرورة أن يتقدم الأفضل وإنما ما يتقضيه السياق، يتقدم الأهم والأهم هو ما يتعلق بالسياق. بالنسبة لهارون وموسى وموسى وهارون ذكرناها في أكثر من مناسبة في سورة طه قدم هارون على موسى (هَارُونَ وَمُوسَى) وفي الشعراء (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ). وقسم ذهبوا إلى أنه قدم موسى على هارون في طه لتواصل الفاصلة القرآنية باعتبار أن سورة طه أغلب آياتها في الألف (الفاصلة القرآنية) وفي الشعراء هي هكذا. الحقيقة في هاتين السورتين نلاحظ في سورة طه تكرر ذكر هارون كثيراً وجعله الله تعالى شريكاً لموسى في التبليغ ولم يذكر هذا في الشعراء.(1/28)
على سبيل المثال في طه قال (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)، اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)) كلها بالتثنية (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)) حتى خطاب فرعون كان لهما على سبيل التثنية (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)، قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)) في الشعراء مرة قال (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)) فقط والباقي كل الكلام مع موسى والخطاب موجه إلى موسى (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ(1/29)
الْمَسْجُونِينَ (29)) (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)) لم يقل ساحران في الشعراء التركيز على موسى أما في طه فالتركيز مشترك. هنالك أمر آخر في طه ذكر خوف موسى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67)) لكن لم يذكر أن هارون خاف موسى هو الذي خاف نحن لا نعلم إذا خاف هارون لكنه لم يذكرها وذكر خوف موسى. عندنا تقديم وتأخير، في حالة الخوف يقدّم هارون على موسى وفي حالة عدم الخوف قدم موسى على هارون إضافة إلى السياق إذن الحالتين ليستا متماثلتين. موسى خاف في سورة طه (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)) قدم هارون على موسى لأن موسى هو الذي خاف فأخّر الخائف. إذن مسألة التقديم والتأخير تراعي سياق الحال الذي يتكلم عنه القرآن الكريم.
سؤال: هل يجوز أن نقول أن للفاصلة القرآنية دخل في هذا التقديم والتأخير؟
نحن لا ننكر، لكن لا ينبغي أن نقول نقصره على الفاصلة القرآنية لأنه أحياناً القرآن يضرب الفاصلة القرآنية إذا اقتضى الأمر (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)) (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)) ليس فيها مراعاة للفاصلة وكثيراً في القرآن لا ينظر إلى الفاصلة القرآنية.
*فى مداخلة مع د.فاضل السامرائى :
هناك في قصة السحرة الذين جاء بهم فرعون مرة قالوا (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء) ومرة قالوا (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) طه) فعندنا سبعين ساحراً منهم من قال (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) ومنهم من قال (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) قال بعض المفسرين أن الله تعالى حتى ينقل لنا الصورة كاملة نقلها بهذين الشكلين حتى يأتي لنا بالصورة كاملة لأنه ليس كل السحرة قالوا نفس القول؟ جمع الله تعالى الآيتين فأعطانا الصورة كاملة عما قاله السحرة؟
آية (52):(1/30)
*(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52) الشعراء) وفي الدخان (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23)) المعروف أن السرى يكون ليلاً فلماذا قال ليلاً ولماذا لم يقل ليلاً في آية سورة الشعراء؟(د.فاضل السامرائى)
هذا الظرف المؤكِّد.(1/31)
قسم يقول أن هذا من باب التوكيد، الإسراء بالليل والسؤال عن آيتين في إحداهما لم يقل ليلاً (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) الشعراء) وفي الدخان قال ليلاً (فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)) نفهم من الناحية النحوية ما معنى خرجت ليلاً أو جئت ليلاً؟ هذا ما قرره النحاة سيبويه وغيره عندما تقول ليلاً أو صباحاً أو جئت صباحاً هذا يعني إما في يومك أو في يوم بعينه. جئت صباحاً تتكلم عن يوم يعني اليوم، تتكلم مثلاً عن يوم مثلاً الجمعة تقول جئت صباحاً، أو إذا قلت جئت ليلاً يعني ليلتك هذه. لكن جئت في ليل أو في صباح تعني أيّ ليل أو أيّ صباح، هذه قاعدة مقررة في النحو. (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) يوسف) يعني عشاء ذلك اليوم الذي خرجوا فيه. إذن لما أقول أُخرج ليلاً يعني هذا اليوم الذي أكلمك الآن فيه، ليلاً وصباحاً ومساءً هذه مقررة، إذا أردت مساء ليلتك أو مساء يوم بعينه أو ليل يومك أو ليلة بعينها هذا كله يدخل فيه. إذن عندنا أمرين: أسر ليلاً يعني الليلة هذه، (أسر بعبادي) ليس فيها وقت محدد.(1/32)
قال في الشعراء (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)) إذن فيها متسع حتى يجمع فرعون جماعته ويرسل في المدائن. وفي الدخان قال (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) هذا أمر وقع هذا أسرع، هذا تصوير للحادثة في ليلة حدوثها عندما قال اليوم يعني اليوم تخرد وكأن سورة الشعراء وحيٌ من الله ليجهز نفسه حتى يأتي الأمر، بينما الكلام قبلها على السحرة (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ (49)) كلام عام ووراءها قال (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)) تكلم كلاماً آخر وليس فيها الأمر بالخروج هذه الليلة والآن فرعون عنده متسع في الكلام وإرسال في المدائن. (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) الدخان) فإذن ليلاً الآن تخرج هذه الليلة والسياق واضح.
آية (62):
*ما الفرق بين استخدام كلمة (ربى) و(الله) ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/33)
الفرق بين الله والرب معروف: الله لفظ الجلالة إسم العلم مشتق من الإله كما يقال والرب هو المربي والموجه والمرشد ولذلك كثيراً ما يقترن الرب بالهداية (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (161) الأنعام) (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) الشعراء) كثيراً ما يقترن بالهداية، الله سبحانه وتعالى كل شيء بيده (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء (56) القصص) لو شاء ربنا دعوة الخلق وهدايتهم فالمناسب مع الهداية الرب لأنه الهادي والمرشد والمربي، العبادة أقرب شيء لله (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ) والرب تستعمل لغير الله وهي غير خاصة بالله فنقول مثلاً رب البيت، حتى في سورة يوسف (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ (23) يوسف) (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ (42) يوسف) لأن الرب هو القيم والمرشد والموجه فأنسب مع إنزال الملائكة وجعونة الخلق وهدايتهم كلمة الرب.
من قصة إبراهيم عليه السلام (69- 89)
آية (73):
*ماذا جاءت كلمة ينفعونكم مقيّدة ويضرون مطلقة في قوله تعالى (أو ينفعونكم أو يضرون)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الشعراء (أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ {73}) النفع يريده الإنسان لنفسه أما الضرّ فلا يريده الإنسان لنفسه إنما يُريده لعدوّه أو أنه يخشى أن يُلحق به الضرر وعلى هذا فالنفع موقع تقييد والضر موضع إطلاق.
آية (80):
*لم نسب ابراهيم المرض لنفسه ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/34)
هناك خط عام في القرآن الكريم وهو أن الله تعالى لا ينسب الشرّ لنفسه مطلقاً (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) الإسراء) ولم يقل مسسناه بالشرّ وكذلك في قوله تعالى (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) الجن) و تأدباً مع الله تعالى كما فعل ابراهيم - عليه السلام - في قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) الشعراء) لم يقل أمرضني.
آية (81):
*ما دلالة عدم ذكر (هو) في الآية (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) الشعراء) مع أنها ذكرت في آيات سابقة (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) الشعراء)؟ (د.فاضل السامرائى)
الناس والمذاهب والفلسفات لم تختلف في أن الله تعالى هو الذي يميت ثم يحيي لكنهم اختلفوا هل هو الله الذي يُطعِم والذي يسقي أو هو الإنسان؟ في الفلسفات القديمة قالوا خلق الإنسان الموتى لكن من نعّمنا؟ قال تعالى كلها ربنا يفعلها فما كان فيه خلاف أكّده (الذي هو يهدين، والذي هو يطعمني، فهو يشفين) كل الذي فيه خلاف أكّده والذي ليس فيه خلاف لم يحتاج لتوكيد (والذي يميتني ثم يحيين).
آية (100-101):
*لماذا جاءت شافعين بالجمع وصديق بالمفرد ولماذا قُدمت شافعين على صديق في قوله تعالى (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) الشعراء)؟ (د.فاضل السامرائى)
الشافعين كُثُر والصديق أقل. الصديق من حيث اللغة يقال للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث هذا من حيث اللغة.(1/35)
فلو أنت في يوم الرخاء سألتني طلاقك لم أبخل وأنت صديقي
الشافعين قد يكونون كُثُر ويتقدمون للشفاعة ولو لم يكونوا أصدقاء لكن الصديق أقل والصديق الحميم أقل (من صدق في المعاملة والإخلاص وإمحاض النُصح والمحبة والمودة والإيثار) . فالشافعين أكثر من الصديق والتقديم لا يكون بالضرورة على الأفضل. ولم يوصف الصديق فقط وإنما صديق وحميم وهذا أقل وهي دائرة صغيرة جداً أن تجد صديقاً حميماً.
يضيف المحاور: الإعجاز ليس أن تُضحي بصديق حميم لككن أن تجد صديقاً يستحق أن تُضحي من أجله.
ويختم المحاور حواره بأحاديث عن الرسول :
· إن لله أهلين من الناس قالوا يا رسول الله من هم؟ قال هم أهل القرآن وخاصته أهل الله.
· اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه.
· يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتقي ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها.
من قصة قوم نوح (105- 122)
آية (105):
*لماذا جاءت كلمة المرسلين بالجمع مع أن نوح وباقي الرسل جاءوا منفردين ؟(د.حسام النعيمى)
في سورة الشعراء قال تعالى (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ((105) (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ( (123(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِين(141)) (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) ((كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)) هذه تتكرر في عموم القرآن.(1/36)
هو رسول واحد لكن في مواطن كثيرة ترد (كذبوا المرسلين) وهو رسول واحد. ولذلك علماؤنا يقولون من كذّب رسولاً فقد كذّب جميع الرسل الذين من قبله. هم كذّبوا نوحاً ومن قبله لأنهم أنكروا مبدأ الرسالة. الرسل من حيث المعنى لأنه هو رسول مبلّغ عن ربه منبّه على وجود رسل من قبله فإذا كذّبوه فقد كذّبوه بذاته وكذّبوا من نسب إليهم الرسالة لأنه ينسب االرسالة إليهم فإذا قيل هو كاذب فهو كاذب بكل قوله ومن ضمن قوله أنه هناك رسل من قبلي فكذبوا بهم جميعاً، وإشارة إلى إرتباط الرسل كأنهم جميعاً قافلة واحدة من كذّب واحداً منهم فقد كذّب الجميع.
آية (116):
*قال تعالى (لتكونن من المرجومين (116) الشعراء) وقال في سورة مريم (لئن لم تنته لأرجمنك (46)) وفى يس (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) فلم لم يجعل التعبيرات على نمط واحد؟ (د.فاضل السامرائى)(1/37)
الجواب أنه لا يصح جعلها على نمط واحد لأن المعنى مختلف والمقام مختلف ذلك أن قولك (لأرجمنك) يعني لأوقعن عليك الرجم ولا يعني أن هناك مرجومين معه أو نالهم الرجم. وقولك (هو من المرجومين) يعني أنه واحد ممن نالهم الرجم. فلا يصح في سورة يس أن يقال (لئن لم تنتهوا لتكونن من المرجومين) لأنه ليس هناك أشخاص آخرون غير هؤلاء نالهم الرجم فيكونون منهم. وكذلك في آية مريم فإنه قال (لئن لم تنته لأرجمنك) ولم يقل (لتكونن من المرجومين) لأنه ليس هناك آخرون معه نالهم الرجم أو سينالهم فإن هذا الكلام موجه من أبي إبراهيم لولده إبراهيم عليه السلام وحده. أما في سورة الشعراء فإنه تهديد لنوح ولمن معه (قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) أي لئن لم تنته لتكونن من الذين ينالهم الرجم. ولو قال (لنرجمنك) لكان الرجم مختصاً بنوح دون من آمن معه. فإن قيل ولم لم يقل (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) كما قال في سورة يس؟ والجواب أن الرسل في سورة يس ثلاثة كلهم بمنزلة واحدة داعون إلى الله مبلغون لرسالته ولذلك جاء الكلام على أنفسهم بصيغة الجمع (قالوا إنا إليكم مرسلون، قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون، وما علينا إلا البلاغ المبين) وكان التطير بهم جميعاً (قالوا إنا تطيرنا بكم) فكان الخطاب لهم جميعاً. وأما نوح فهو رسول واحد يبلغ عن ربه أما البقية فهم أتباع وهو صاحب الدعوة والمبلغ فخوطب وطلب منه الكف فقالوا (لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) أي لنرجمنك ومن معك فهذا تهديد له ولأتباعه.(1/38)
وهذا القول نظير ما قاله قوم لوط للوط (لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين (167) الشعراء) أي لنخرجنك ومن معك بدليل قوله تعالى على لسان قومه (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون (82) الأعراف) وقوله (اخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون (56) النمل) فلما واجهوا لوطاً قالوا له (لتكونن من المخرجين) أي لتكونن واحداً منهم وهو تهديد له ولأتباعه أيضاً. فكان كل تعبير هو المناسب في مكانه.
من قصة قوم هود (123- 140)
آية (123)- (141):
*انظر آية (105).???
من قصة قوم صالح (141- 159)
آية (149):
*(وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) الحجر) (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) الشعراء) ومرة ينحتون الجبال (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا (74) الأعراف)؟ فمتى نستخدم (من) ومتى لا نستخدمها؟ (د.فاضل السامرائى)(1/39)
نقرأ الآيتين إحداهما في الأعراف والأخرى في الشعراء، قال في الأعراف (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)) هؤلاء قوم صالح، في الشعراء قال (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150)) نلاحظ في الأعراف مذكور فيها التوسع في العمران (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا) بينما في الشعراء الكلام عن الزرع وليس عن البناء، الكلام يدل على الزراعة أكثر (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)) إذن في الأعراف السياق في العمران أكثر وفي الشعراء السياق في الزراعة فلما كان السياق في الأعراف في العمران ذكر (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا) ذكر القصور وقال (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) كأنها كل الجبال ينحتونها بيوتاً فتصير كثرة بينما لما كان السياق في الشعراء عن الزراعة قال (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)) صار أقل (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ) أقل من (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) لذلك قال في الأعراف (فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)) إذن التوسع في العمران في الأعراف أكثر فلما كان التوسع في العمران أكثر جاء بما يدل على التوسع قال (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) ولما لم يكن السياق في التوسع في العمران قال (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)).
من قصة قوم لوط (160- 175)
آية (160):(1/40)
*انظر آية (105).???
*كل الأنبياء كانوا يدعون إلى التوحيد أما لوط فدعا إلى ترك الفاحشة أولاً فلماذا؟ (د.فاضل السامرائى)
هذا الكلام فيه نظر لأن أيضاً سيدنا لوط وإن في مواطن ذكر الفاحشة وإنما في مواطن أخرى يبدأ بالتوحيد كباقي الأنبياء كما في سورة الشعراء يبتدئ بما بدأوا به تماماً (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164)) كل الأنبياء الذين ورد ذكرهم في سورة الشعراء يدعون بهذه الدعوة بلا استثناء ثمود ونوح وعاد فهو ذكرهم لكن هو في مواطن كثيرة يذكِّر بالفاحشة التي فعلوها والتي ما سبقهم بها أحد من العالمين أبداً وإنما اخترعوها فبدأ بهذه الفاحشة المنكرة العظيمة لأنه لم يسبق مثلها وسيكونون سنة سيئة لمن بعدهم يتحملون وزرها ويسألون عنها "ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" .
من قصة أصحاب الأيكة (176- 191)
آية (176):
*انظر آية (105).???
آية (177):
*ذكر تعالى في آية سورة الشعراء هود ولوط وصالح وُصِفوا بالأخوة (أخوهم هود وأخوهم لوط وأخوهم صالح) أما أصحاب الأيكة فقال شعيب بدون أخيهم (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ {176} إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ {177})؟
د.فاضل السامرائى:(1/41)
شعيب ليس من أصحاب الأيكة وإنما هو من مدين لذا قال في آية سورة هود أخوهم شعيب (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ {84}) وشعيب أُرسِل إلى قومين مدين وأصحاب الأيكة. أما الباقون من الأنبياء فهم من نفس القوم فوصفهم بالأخوة. . والشيء بالشيء يُذكر لم يرد في القرآن مرة وإذ قال عيسى لقومه لكنه يقولها مع موسى أحياناً واحياناً لا يقولها وذلك لأن عيسى ليس له أب فيهم والقوم يُنتسب إليهم بالأبوة فيخاطبهم با بني اسرائيل فلم يخاطبهم مرة بيا قوم ولم يوصف بالأخوة.
د.حسام النعيمى:
مراجعة الآيات توصلنا إلى شيء أنه حيثما ذُكِرت الرسالة وأن شعيباً مرسل إلى قومه يقول أخوهم. يذكر الأخوّة عندما يتحدث عن الرسالة كأنما فيها إشارة إلى أن واجبه معهم ورعايته لهم هو أخوهم يريد لهم الخير. وإذا لم يذكر الرسالة لا يقل أخوهم. لاحظ الآيات هذه القاعدة العامة حيثما ذكر الإرسال قال (أخاهم) وفي غير ذلك ذكر الإسم مجرّداً.
الإرسال ذُكِر في ثلاثة مواضع كما ذكره محمد فؤاد عبد الباقي (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم):
1. (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) الأعراف)(1/42)
2. (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) هود)
3. (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) العنكبوت)
وفي ثمانية مواضع لم يُذكر الإرسال فذكر الإسم مجرّداً:
1. (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) الأعراف)
2. (وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) الأعراف)
3. (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) الأعراف)
4. (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) هود)
5. (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) هود)
6. (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) هود)
7. (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) الشعراء)(1/43)
ليس في هذه المواضع كلام عن الرسالة فهنا هذه الآيات الثماني ليس فيها ذكر للرسالة فليس فيها ذكر للأخوّة وهذا مضطرد في القرآن. لما نجد شيئاً مضطرداً وهو يتنزل منجماً فهذا من دلائل النبوة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
آية (189):
*ما دلالة استخدام لفظ الظُلّة في قوله تعالى ( فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ (189))؟ولم اختلفت مصطلحات العذاب: الصيحة، الرجفة؟(د.حسام النعيمى)(1/44)
قوم شعيب هل عوقبوا بيوم الظُلّة أو بالصيحة أوعوقبوا بالرجفة؟ لا يمنع أن يكون في وقت واحد اجتمعت عليهم حالة مجزّأة يعني أن يأتي هذا العارض الذي يظنونه مطراً ثم ينزل عليهم صوتاً أو ناراً أو ما أشبه ذلك ثم تكون هناك هزة أو رجفة في الأرض وفي كل موضع يختار لفظة معينة. نحن عندنا بيان حتى يكون هناك تعجب أواستفهام للسؤال لما يقول في مكان أنه أغرقهم وفي مكان أنه أخذتهم الرجفة لأن الإغراق غير الرجفة لكن هذه ممكن أن تكون صورة كاملة متكاملة أنه جاءت غمامة ظاهرها أنها ممطرة ثم كان فيها نار واهتزت الأرض ثم سمع صوت كأنه صوت انفجار بركان وصوت شديد بحيث الآن الدراسات الصوتية تقول يمكن للصوت أن يمزّق جسم الإنسان وصارت الأصوات تستعمل للتعذيب. أُنظر مثلاً أصحاب الأيكة هم قوم شعيب لما يقولون لشعيب (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) الشعراء) الآية تقول (فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) لأن كسف السماء يناسب ذكر الظُلّة. لمّا في مكان آخر يحذّرهم (وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) هود) ومن جملة من ذكرهم قوم صالح الذين عوقبوا بالصيحة قال عن قوم شعيب (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) هود) للمناسبة. الآية الكريمة في الكلام العام (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) العنكبوت) يمكن أن يجمع أكثر من صورة فتستعمل الكلمة الملائمة للسياق.(1/45)
الصيحة صوت قوي بحيث آذاهم أذى شديداً وكان جزءاً من العقاب. الرجفة هي اهتزاز الأرض والصاعقة هي فعلاً الصاعقة التي تنزل عليهم (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) الرعد) لكن لا يمنع أن تجتمع الحالات هذه في وضع واحد في أمر واحد.
آية (197):
*ما الفرق بين علماء وعالمون؟(د.أحمدالكبيسى)
الفرق بين كل جمع تكسير وجمع مذكر سالم أن جمع المذكر السالم أشرف وأكرم وأعلى من جمع التكسير. يعني فرق بين طلاب وطالبون طلاب كلهم خلط زين على شين مثل خضرة آخر الليل لكن الطالبون النبهاء والله قال (وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ {51} الأنبياء) (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ {43} العنكبوت) جمع مذكر سالم (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ {28} فاطر) (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ {197} الشعراء) عندنا علماء وعالمون، العلماء صغارهم وكبارهم وطلاب العلم كل من يشتغل بالعلم - كما تعرفون الآن في واقعنا الحالي - ليس العلماء على نسقٍ واحد هناك الصغير والمبتدئ والجديد هناك عاقل هناك حفاظ هناك دراخ هناك من لا يفكر وهناك من يفكر خليط فلما تقول عالمون لا، هؤلاء قمم مجتهدون أصحاب نظريات (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) وحينئذٍ كل ما جئت به في لغتنا وفي القرآن الكريم جمع التكسير شامل يشمل الزين والشين وبعضه يفضل بعضه، لكن لما جمع مذكر سالم لا، القمم يعني عندما تجمع أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وجعفر الصادق والباقر وابن حزم الخ وتسميهم علماء! لا، هؤلاء عالمون، هناك عموم الشيء وهناك خصوصهم .
آية (200):
* ما الفرق بين قوله تعالى (كذلك سلكناه) في سورة الشعراء و(كذلك نسلكه) في سورة الحجر؟ (د.فاضل السامرائى)(1/46)
قال تعالى في سورة الشعراء (كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)) وقال في سورة الحجر (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)) ننظر في السياق الذي وردت فيه الأيتين في السورتين: في سورة الحجر السياق في استمرار الرسل وتعاقبهم من قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)) فجاء بالفعب الذي يدل على الاستمرار وهو الفعل المضارع. بينما في سورة الشعراء السياق في الكلام عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحده من قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)) والسورة كلها أحداث ماضية والآية موضع السؤال تدل على حدث واحد معيّن ماضي فجاء بالفعل الماضي.
آية (210):
* ما دلالة (لا)في قوله تعالى (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)) الواقعة)نافية أم ناهية؟ (د.فاضل السامرائى)(1/47)
من حيث اللغة قوله تعالى (لا يمسُّه) بالضمّ: لا: نافية لأنها لو كانت ناهية تكون جازمة ويجب أن يكون الفعل بعدها إما يمسَّه بالفتح أو يمسسه بفك الادغام كما يف قوله تعالى (لم يمسسني بشر). الكفار قالوا أن هذا القرآن تتنزل به الشياطين فردّ الله تعالى عليهم في قوله (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) الشعراء) ثم جاءت هذه الآية (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)) رداً على هؤلاء أن القرآن لا يمكن للشياطين أن تصل إليه. وطالما أن الآية جاءت بالفعل يمسُّه مرفوعاً فهذا دليل على أن (لا) نافية . وقد يقال من ناحية الدلالة أنه يجوز في النحو ومن الناحية البلاغية أن يخرج النفي إلى النهي لكن (لا) في هذه الآية نافية في الاعراب قطعاً ولا يمكن أن تكون ناهية بدليل حركة الفعل بعدها.
آية (214):
*هل الإنذار خاص بالكافرين في القرآن؟ (د.فاضل السامرائى)(1/48)
الإنذار في القرآن الكريم لا يكون خاصاً للكفار والمنافقين وقد يأتي الإنذار للمؤمنين والكافرين. والإنذار للمؤمن ليس فيه توعد فهو للمؤمنين تخويف حتى يقوم المؤمن بما ينبغي أن يقوم به كما في قوله تعالى (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ {11} يس) وهذا ليس فيه تخصيص لمؤمن أو كافر. وقد يأتي الإنذار للمؤمنين (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {214} الشعراء) (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ {18}فاطر) وقد يكون للناس جميعاً (وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ {44} ابراهيم) (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {51}الأنعام).
آية (221):
*(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) الشعراء) (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) كيف تنزل الشياطين؟ الشياطين تستمع وتتنزل على الكهنة. (د.فاضل السامرائى)(1/49)
لماذا لا تنزل الشياطين؟ كانوا يذهبون إلى السماء فيستمعون (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9) الجن) كانوا يستمعون شيئاً من الغيب فينزل وينقر في أذن الكاهن هذا المراد (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) الشعراء) واستعمل الفعل نفسه مع الملائكة ومع المطر المهم أنه يأتي من فوق. تنزّل ليس مرة واحد وإنما فيها التدرج والاستمرار لأنهم موجودين في كل زمن وليس في زمن واحد. يمكن استخدام نفس الفعل مع الملائكة والشياطين.
* لماذا الإختلاف في التعبير في قصة ابراهيم في سورة الصافات (ماذا تعبدون) وفي سورة الشعراء (ما تعبدون)؟ (د.فاضل السامرائى)
في الأولى استعمال (ماذا) أقوى لأن ابراهيم لم يكن ينتظر جواباً من قومه فجاءت الآية بعدها (فما ظنكم برب العالمين)، أما في الشعراء فالسياق سياق حوار فجاء الرد (قالوا نعبد أصناماً). إذن (من ذا) و(ماذا) أقوى من (من) و(ما).
****تناسب بدايات السورة مع خواتيمها****(1/50)
قال تعالى في بداية سورة الشعراء (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)). إذن ابتدأت بقوله تعالى (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)) وفي أواخر السورة قال (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)) إلى أن يقول (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211)) هذه لا شك أنها متناسبة لقوله تعالى (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2))، (تلك آيات الكتاب المبين) وفي آخرها (إنه لتنزيل رب العالمين) ثم (وما تنزلت به الشياطين) وكأن خاتمة السورة تصلح لأن تكون نهاية لبدايتها. في أوائل السورة (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)) وفي آخر آية (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)) تناغم طيب بين الآيات.
*****تناسب خواتيم الشعراء مع فواتح النمل*****(1/51)
في آخر الشعراء ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)) استثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً ثم هدد الذين ظلموا (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ). وقال في أول النمل ذكر المؤمنين (تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)) ذكر هناك الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وذكر القرآن الذي هو رأس الذكر إذن وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة يوقنون هذا العمل الصالح فهناك أجمل العمل الصالح وهنا فصّل يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وذكر الاعتقاد. هو هدد غير المؤمنين في النمل والشعراء، قال في الشعراء (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) وقال في النمل (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)) كأنما الآيتان متتاليتان فهي مرتبطة من أوجه مختلفة.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله(1/52)
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الشعراء للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله عنا خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/53)
سورة النمل
تناسب خواتيم الشعراء مع فواتح النمل ... من قصة قوم لوط (54- 58) ... آية (76)
هدف السورة ... آية (59) ... آية (81)
فواتح السورة ... آية (60- 64) ... آية (88)
من قصة موسى عليه السلام(7- 14) ... آية (68) ... تناسب فاتحة النمل مع خاتمتها
من قصة سليمان عليه السلام(15- 44) ... آية (70) ... تناسب خواتيم النمل مع فواتح القصص
من قصة قوم صالح (45- 53) ... آية (72)
*تناسب خواتيم الشعراء مع فواتح النمل*
في آخر الشعراء ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)) استثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً ثم هدد الذين ظلموا (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ). وقال في أول النمل ذكر المؤمنين (تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)) ذكر هناك الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وذكر القرآن الذي هو رأس الذكر إذن وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة يوقنون هذا العمل الصالح فهناك أجمل العمل الصالح وهنا فصّل يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وذكر الاعتقاد. هو هدد غير المؤمنين في النمل والشعراء، قال في الشعراء (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) وقال في النمل (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)) كأنما الآيتان متتاليتان فهي مرتبطة من أوجه مختلفة.
**هدف السورة: التفوق الحضاري مع تذكر الله تعالى**(1/1)
سورة النمل سورة مكيّة وهي سورة خطيرة عن التفوق الحضاري لتثبت أن الدين ليس دين عبادة فقط وأنما هو دين علم وعبادة ويجب أن تكون الأمة المسلمة الموحّدة متفوقة في العلم ومتفوقة حضارياً لأن هذا التفوق هو سبب لتميّز أمة الإسلام كما حصل في العصر الذهبي للإسلام الذي انتشر من الشرق إلى الأندلس بالعلم والدين الحنيف وقد تميّز فيه العلماء المسلمون في شتى مجالات العلوم.
وفي سورة النمل خطة محكمة لبناء مؤسسة أو شركة أو مجتمع أو أمة غاية في الرقي والتفوق من خلال آيات قصة سيدنا سليمان مع بلقيس ونستعرض عناصر قوة هذه المملكة الراقية التي يعلمنا إياها القرآن الكريم:
أهمية العلم: ابتداء القصة من الآية 15 (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) فقد كان عند داوود وسليمان تفوق حضاري بالعلم الذي آتاهم إياه الله تعالى وهم مدركين قيمة هذا العلم.
توارث الأجيال للعلم (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) آية 16 والإهتمام باللغات المختلفة (لغة الطير) وأهمية وجود الإمكانيات والموارد والعمل على زيادتها (وأوتينا من كل شيء)
وجود نظام ضبط وربط ووجود تعدد في الجنسيات والكائنات (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) آية 17.
أهمية التدريب الميداني للأفراد: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) آية 20 بدليل أن الهدهد كان في مهمة تدريبية
تفقد الرئيس ومتابعيه لعمّاله (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) آية 21(1/2)
إيجابية الموظفين في العمل الإستكشافي وتحري المعلومات الصحيحة: فالهدهد كان موظفاً غير عادي وكان عنده إيجابية وجاء بأخبار صحيحة ودقيقية (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) آية 22
مسؤولية الموظفين تجاه الرسالة: (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) آية 24 فالهدهد استنكر أن يجد أقواماً يعبدون غير الله وهذا حرص منه على رسالة التوحيد.
أهمية تحرّي الأخبار والتأكد من صحتها وتحليلها: (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) آية 27 لم يصدق سليمان الهدهد بمجرد أن أخبره لكنه أراد أن يتحرى صدقه فيما أخبر به وهذا حرص المسؤول على صدق ما يصله من معلومات من عمّاله.
تجربة تحرّي الأخبار: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ) آية 28 إرسال الكتاب مع الهدهد إلى بلقيس وقومها.
أهمية الشورى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) آية 32 مشاورة بلقيس لقومها.
سياسية جس النبض: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) آية 35 بلقيس أرسلت هدية لسليمان لترى ردة فعله.
إمتلاك قوة عسكرية هائلة: (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) آية 37 وهي ضرورية لأية أمة تريد أن تنشر دين الله في الأرض وتدافع عنه.(1/3)
التكنولوجيا الراقية: (قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) آية 38 إلى آية 40 نقل عرش بلقيس في زمن قياسي من مكانه إلى قصر سليمان وهو ما يعرف في عصرنا الحاضر بانتقال المادة
الذكاء والديبلوماسية في السياسة: (فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) آية 42 أجابت بلقيس كأنه هو حتى لا يظهر أنها لا تعرف.
الإستسلام أمام تكنولوجيا غير عادية: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) آية 44 جعل الزجاج فوق الماء كانت تكنولوجيا غير عادية في ذلك الزمان فلم تستطع بلقيس إلا أن تسلم. وهنا نلاحظ الفرق بين ردّ بلقيس التي كانت تقدّر العلم فقد بهرتها هذه التكنولوجيا التي رأتها بأم عينها فأسلمت مباشرة بلا تردد، أما في الآية (فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) 13 في قصة سيدنا موسى - عليه السلام - اعتبر قومه الآيات المعجزة التي جاء بها سحر لأنه لم يكن لديهم علم أو تكنولوجيا.
نلخّص عناصر التفوق الحضاري بالنقاط التالية:(1/4)
1. الهدف السامي (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) آية 19
2. العلم (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) آية 16
3. التكنولوجيا (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) آية 44
4. القوة المادية والعسكرية (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) آية 37
5. إيمان أفراد الأمة بغايتهم (قصة الهدهد)(1/5)
تتحدث الآيات بعد هذا التفصيل عن عناصر التفوق الحضاري عن قدرة الله في الكون من الآية 59 إاى آية 64 (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) وكأن هذا الإنتقال يحذّر من أن يلهينا التفوق الحضاري عن تذكر الله تعالى وقدرته في الخلق والكون وفي ملكه فهو الذي سبب الأسباب لكل عناصر التفوق فلا يجب أن ننشغل بالأسباب عن المسبب، فنلاحظ تكرر كلمة (ءإله مع الله) بمعنى إياكم أن تنسوا رب الكون أو أن تجعلوا له شركاء في تفوقكم.(1/6)
وتختم السورة بنموذج من نماذج التفوق الحضاري ألا وهي النملة هذه الحشرة الصغيرة قد أودع الله تعالى فيها من مقومات التفوق ما لا نحصيه فالنمل يعيش في أمة منظّمة تنظيماً دقيقاً وعندهم تخزين وعندهم تكييف في أجسادهم وعندهم جيوش وإشارات تخاطب وعنده تكنولوجيا لا نعلمها والعلماء يكتشفون يوماً بعد يوماً أشياء لا يمكن للعقل تصورها عن هذه الحشرة الضغيرة الحجم. فعلينا أن نتعلم من هذه الحشرة التفوق الحضاري فهي التي قالت مخاطبة النمل (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) آية 18 حفاظاً عليهم من خطر قادم وكأن لديها جهاز إنذار، وقولها (وهم لا يشعرون) دلالة وإشارة واضحة أنه حتى النمل يعرف أن عباد الله المؤمنين لا يمكن أن يظلموا غيرهم أو يحطمونهم حتى ولو كان مجموعة من النمل. ولهذا تبسم سليمان ضاحكاً من قولها ثم دعا ربه وشكره لأنه فهم معنى ما قالته النملة.
وسميّت السورة بـ(النمل) دلالة على أن النمل هذه الحشرات نحجت في الإداء وحسن التنظيم والتفوق فكيف بالبشر الذين أعطاهم الله تعالى العقل والفهم فهم أحرى أن ينجحوا كما نجح النمل في مهمتهم في الأرض وفيها دلالة عظيمة على علم الحيوان.
***من اللمسات البيانية فى سورة النمل***
آية (1):
* ما دلالة التقديم والتأخير في قوله تعالى (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1) الحجر) و(طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) النمل) وما وجه الاختلاف بينهما واللمسات البيانية فيهما؟
د.فاضل السامرائى :(1/7)
ما ذُكِر فيها الكتاب وحده كما في سورة البقرة (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) ولم يُذكر القرآن تتردد لفظة الكتاب في السورة أكثر من لفظة القرآن أو لا ترد أصلاً وما يرد فيه لفظ القرآن تتردد فيه لفظة القرآن في السورة أكثر من تردد لفظة الكتاب أو أن لفظة الكتاب لا ترد أصلاً. وإذا اجتمع اللفظان في آية يتردد ذكرهما بصورة متقابلة بحيث لا يزيد أحدهما عن الآخر إلا بلفظة واحدة في السورة كلها. ونأخذ بعض الأمثلة:
في سورة البقرة بدأت بلفظة الكتاب وترددت لفظة الكتاب ومشتقاتها سبعاً وأربعيم مرة في السورة (47) بينما ترددت لفظة القرآن ومشتقاتها مرة واحدة فقط في آية الصيام.
في سورة آل عمران بدأت بلفظة الكتاب وترددت لفظة الكتاب ثلاثاً وثلاثين مرة في السورة (33) بينما لم ترد لفظة القرآن ولا مرة في السورة كلها.
هذا النسق لم يختلف في جميع السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة وهي مقصودة وليست اعتباطية حتى في سورة طه بدأت بلفظة القرآن وترددت لفظة القرآن ثلاث مرات في السورة بينما ترددت لفظة الكتاب مرة واحدة في السورة إلا في سورة ص تردد الكتاب والقرآن مرة واحدة.
وفي الآيات في السؤال آية سورة الحجر (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1)) القرآن ورد في السورة أربع مرات والكتاب خمس مرات. وفي آية سورة النمل (طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)) تردد الكتاب مرتين والقرآن ثلاث مرات. وهذا السمت عام ما تردد يترددان معاً بحيث لا يزيد أحدهما عن الآخر بأكثر من لفظة واحجة وما ورد فيه الكتاب هي التي تجعل السمة في النعبير في السورة.
د.حسام النعيمى:(1/8)
ننظر لماذا جاءت كلمة الكتاب مع (ألر) وكلمة القرآن مع (طس). هنا نحاول أن نستفيد من الدرس الصوتي وكما قلت طبّقت هذا على جميع الآيات التي فيها حروف مقطعة بحيث أستطيع أن أخرج بقاعدة حيثما وردت كلمة القرآن وحيثما وردت كلمة الكتاب:
(ألر) مؤلفة من أربعة مقاطع (مقطع قصير يتبعه مقطع طويل مغلق ثم مقطعان مديدان). لما نأتي إلى (طس) نجد أنها مكونة من مقطعين (مقطع طويل مفتوح ومقطع مديد). الأول (ألر) ينتهي بمديدين وفيه طويل مغلق فإذن هو أثقل من حيث الجانب الصوتي يعني يحتاج إلى جهد أكبر. أيهما يحتاج إلى مجهود أكثر: أن تنطق شيئاً أو أن تكتبه؟ الكتابة تحتاج المجهود الأكبر لأنها تحتاج إلى القلم وسابقاً الدواة والقرطاس والقصبة ويبدأ يخطّ الحرف خطّاً فهذا فيه جهد. الحروف المقطعة التي فيها جهد يأتي بعدها كلمة كتاب والحروف المقطعة التي هي أقل جهداً يأتي بعدها القرآن. لأن القراءة أسهل من الكتابة. وننظر في الآيات حيثما وردت في القرآن:
الأحرف المقطعة جاءت في 29 موضعاً في القرآن الكريم والذي توصلنا إليه ما يأتي:(1/9)
القاعدة: أنه إذا كانت الحروف المقطعة أكثر من مقطعين فعند ذلك يأتي معها الكتاب لأن الكتابة ثقيلة. وإذا كانت الحروف المقطعة من مقطعين يأتي معها القرآن بإستثناء إذا كان المقطع الثاني مقطعاً ثقيلاً. مثلاً (حم) الحاء مقطع والميم مقطع ثقيل لأنه مديد (ميم، حركة طويلة، ميم: قاعدتان وقمة طويلة) وهو من مقاطع الوقف. فالميم ثقيل لأنه يبدأ بصوت وينتهي بالصوت نفسه وبينهما هذه الحركة الطويلة والعرب تستثقل ذلك ولذلك جعلوه في الوقف. ما الدليل على الإستثقال؟ لما نأتي إلى الفعل ردّ يردّ أصله ردد يردد لكن ردد فيه الدال وجاء إلى الفتحة ورجع إلى الدال مثل الميم (ميم، ياء، ميم) فالعربي حذف الفتحة وأدغم فقال ردّ. قد يقول قائل ما الدليل على أن ردّ أصله ردد؟ نقول له صِل ردّ بتاء المتكلم (رددت) تظهر. إذن فهم لا يميلون أن ينقل لسانه من حرف ثم يعود إليه بعد حركة هذا يستثقله. فكلمة ميم تبدأ بميم وتنتهي بميم، كلمة نون تبدأ بالحرف وتنتهي بنفس الحرف وبينهما حركة. هذا مقطع ثقيل والكتابة أثقل فلما يكون المقطع ثقيلاً يذكر كلمة الكتاب. في سورة (ن) قال (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)) لم يذكر الكتاب ولكنه ذكر آلة الكتابة (القلم) وعملية الكتابة (يسطرون).
آية (2):
*ما الفرق بين (هُدًى لِلنَّاسِ {185} البقرة) – (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ {2} البقرة) - وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {203} الأعراف) - (وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {102} النحل) - (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {2} النمل) - (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ {3} لقمان)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/10)
مرة هدى للناس مرة للمؤمنين مرة للمتقين مرة لقومٍ يؤمنون ومرة لقوم يتقون ومرة للمسلمين ومرة للمحسنين هو هدىً لمن؟ هدىً لهؤلاء جميعاً. طبيعة هذا القرآن أنه للناس كافة كلٌ يأخذ منه على قدر حاجته الأميّ يأخذ على قدر حاجته، الفيلسوف يأخذ على قدر حاجته، الحاكم على قدر حاجته، صاحب العقل البسيط يأخذ، العبقري العالم المفكر المتدبر يأخذ، كل واحد يجد في هذا القرآن هدايته من أجل ذلك نقول لماذا رب العالمين قال هذا وهذا وهذا وهذا؟ وما الفرق؟ ما الفرق بين المحسنين والمسلمين والمؤمنين والمتقين؟
- (هُدًى لِلنَّاسِ) كلمة الناس لا تعني جميع المخلوقات البشرية الناس المصطلح القرآني ومصطلح اللغة العربية الناس هم أصحاب التأثير في المجتمع يعني الطبقات المتنفذة الفعالة البناءة المهمة، هذا الناس. السفهاء ليسوا من الناس المخربون ليسوا من الناس، الناس هم الصفوة الفعالة كما قال لما النبي صلى الله عليه وسلم انتصروا في بدر أحد الصحابة كان يمزح وقال ما كأنها حرب وجدنا خرافاً فنحرناها فقال له (لا يا بني إنهم الناس) هؤلاء وجهاء قريش الذين قتلناهم ليسوا أيّ كلام (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ {173} آل عمران) (النَّاسُ) الناس أي علية القوم (إِنَّ النَّاسَ) أي الوجهاء والقادة. فرب العالمين يقول هذا القرآن هدىً للناس أصحاب النفوذ الفكر المؤثرين الذين لديهم أراء في المجتمع فعالين بُناة المجتمع هؤلاء الناس هذا القرآن هدىً للناس الذي نزل في رمضان واقتران رمضان بالقرآن اقتران غريب عجيب ولهذا المسلمون جميعاً عندما يأتي رمضان يتركون أعمالهم وأشغالهم وكل شيء وينشغلون بالقرآن الكريم لأن شهر رمضان اسمه شهر القرآن، هذا للناس.(1/11)
- (لِلْمُسْلِمِينَ) المسلم نوعان المسلم من قال لا إله إلا الله خلاص انتهى صار مسلماً هذا مسلم عام المسلم الخاص هو الذي أسلم كل أعماله وأفكاره وحركاته لله تسليماً كاملاً هذا شأن الأنبياء (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ {12} الزمر) (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {161} قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {163} الأنعام) يعني جميع الأنبياء والصالحون أمروا أن يكونوا من المسلمين فهذا الإسلام النهائي الذي قال عنه (وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) هذا واحد.
- المؤمنون نوعان أيضاً مؤمن عام يؤمن بالله ويصلي ويصوم والخ أيّ كلام لكن صحيحة وليست باطلة المؤمن الخاص (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا {4} الأنفال) هذا مؤمن حق الذي يؤدي الفرائض والطاعات أداء ممتاز (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} المؤمنون) إلى آخر الآيات تتكلم عن كيف أن هذا المؤمن دقيق في أداء ما أوجب الله عليه سبحانه وتعالى.(1/12)
- أيضاً قال (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ {6} يونس) المتقي هو المسلم زائد المؤمن يساوي المتقي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ {278} البقرة) المؤمن الحق هو الذي يؤدي الطاعات بشكل رائع المُتقي هو الذي يجتنب النواهي بشكل رائع مُطلق قلبه محفوظ ولسانه محفوظ وعينه محفوظة هذا المتقي (الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {63} يونس) إذاً التقوى بعد ذلك. يأتي بعد ذلك قال (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) وليس للمتقين لقومٍ يتقون وليس للمؤمنين قال (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) المتقي خلاص صار بطلاً في التقوى مثل شخص رياضي لعب بالأولمبياد بالصين أخذ ميدالية هذا رياضي لكن نحن كل صبح نمشي شوي ونلعب حركات بسيطة نحن نلعب رياضة لكن نحن لسنا أبطال رياضة فلقومٍ يتقون يتقي يوم ويخربط يوم ويتقي يوم ويخربط يوم يعني لم يصبح بطلاً لكن يحاول قدر الإمكان هذا (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)، هناك للمتقين (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ {9} العنكبوت) سنجعله بطلاً في الصلاح. حينئذٍ هؤلاء جميعاً هذا القرآن الكريم بشرى وهداية لهم كل واحد يستطيع أن يأخذ له منهجاً مفصلاً عليه (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {48} المائدة) ولذلك إياك أن تغتر وترى نفسك متقي أو من المؤمنين الكبار أو من العلماء الكبار وتزدري شخصاً لسه يؤدي الصلوات ثق هذا إذا كان يعترف أنه لسه في البداية وأنت ترى نفسك أحسن منه فهو أحسن منك بألف مرة فإياك هذا مستواه عيب على واحد طالب في الجامعة يحتقر طالباً في الصف الأول الابتدائي يا أخي هذا هو مستواه ما ينفع إلا يمر بهذه المرحلة لكن أن تحتقره لأنه في الابتدائي أنت أيضاً كنت في الابتدائي حينئذٍ هذا (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ).(1/13)
رمضان إذاً (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {48} المائدة) في منهاج ابتدائي وثانوي وكلية ودكتوراه وماجستير الخ كل هؤلاء كل واحد له منهجه.
آية (5):
*ما الفرق بين السوء والسيئات؟(د.فاضل السامرائى)
السيئة هي فعل القبيح وقد تُطلق على الصغائر كما ذكرنا سابقاً في حلقة ماضية. السوء كلمة عامة سواء في الأعمال أو في غير الأعمال، ما يُغَمّ الإنسان يقول أصابه سوء، الآفة، المرض، لما يقول تعالى لموسى - عليه السلام - (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) طه) أي من غير مرض، من غير عِلّة، من غير آفة. (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ (5) النمل) كلمة سوء عامة أما السيئة فهي فعل قبيح. المعصية عموماً قد تكون صغيرة أو كبيرة، السوء يكون في المعاصي وغيرها (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ (123) النساء) صغيرة أو كبيرة. فإذن كلمة سوء عامة في الأفعال وغيرها، أصابه سوء، من غير سوء، ما يغم الإنسان سوء، أولئك لهم سوء العذاب (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) غافر) كلمة سوء عامة وكلمة سيئة خاصة وتُجمع على سيئات أما كلمة سوء فهي إسم المصدر، المصدر لا يُجمع إلا إذا تعددت أنواعه، هذا حكم عام. ولكنهم قالوا في غير الثلاثي يمكن أن يُجمع على مؤنث سالم مثل المشي والنوم هذا عام يطلق على القليل والكثير إذا تعددت أنواعه ضرب تصير ضروب محتمل لكن المصدر وحده لا يُجمع هذه قاعدة.
من قصة موسى عليه السلام(7- 14)
*قصة موسى عليه السلام في سورتي النمل والقصص :
د.فاضل السامرائى:
من سورة النمل
بسم الله الرحمن الرحيم
((1/14)
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ {6} إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ {7} فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {8} يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {9} وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ {10} إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ {11} وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ {12} فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ {13} وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {14}).
من سورة القصص
بسم الله الرحمن الرحيم
((1/15)
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33)).
من هذين النصين تتبين طائفة من الاختلافات في التعبير أدوّن أظهرها:
النمل ... القصص
إني آنست نارا ... آنس من جانب الطور نارا
ـــــــ ... امكثوا
سآتيكم منها بخبر ... لعلي آتيكم منها بخبر
أو آتيكم بشهاب قبس ... أو جذوة من النار
فلما جاءها ... فلما أتاها
نودي أن بورك ... نودي من شاطئ الواد الأيمن
وسبحان الله رب العالمين ... ـ
يا موسى ... أن يا موسى
إنه أنا الله العزيز الحكيم ... إلي أنا الله رب العالمين
وألق عصاك ... وأن ألق عصاك
يا موسى لا تخف ... يا موسى أقبل ولا تخف
إني لا يخاف لدي المرسلون ... إنك من الآمنين
إلا من ظلم ... ـــــ
وأدخل يدك في جيبك ... اسلك يدك
في تسعِ آيات ... فذانك برهانان
ـ ... واضمم إليك جناحك ممن الرّهْب
إلى فرعون وقومه ... إلى فرعون وملئه(1/16)
إن الذي أوردته من سورة النمل، هو كل ما ورد عن قصة موسى في السورة. وأما ما ذكرته من سورة القصص فهو جزء يسير من القصة، فقد وردت القصة مفصلة ابتداء من قبل أن يأتي موسى إلى الدنيا إلى ولادته، وإلقائه في اليم والتقاطه من آل فرعون، وإرضاعه ونشأته وقتله المصري وهربه من مصر إلى مدين، وزواجه وعودته بعد عشر سنين وإبلاغه بالرسالة من الله رب العالمين، وتأييده بالآيات، ودعوته فرعون إلى عبادة الله إلى غرق فرعون في اليم، وذلك من الآية الثانية إلى الآية الثالثة والأربعين.
فالقصة في سورة القصص إذن مفصلة مطولة، وفي سورة النمل موجزة مجملة. وهذا الأمر ظاهر في صياغة القصتين، واختيار التعبير لكل منهما.
هذا أمر، والأمر الثاني أن المقام في سورة النمل، مقامُ تكريم لموسى أوضح مما هو في القصص، ذلك أنه في سورة القصص، كان جو القصة مطبوعا بطابع الخوف الذي يسيطر على موسى عليه السلام، بل إن جو الخوف كان مقترنا بولادة موسى عليه السلام، فقد خافت أمه فرعونَ عليه، فقد قال تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي" القصص: 7، ويستبد بها الخوف أكثر حتى يصفها رب العزة بقوله: "وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا" القصص:10
ثم ينتقل الخوف إلى موسى عليه السلام، ويساوره وذلك بعد قتله المصري: "فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ 18". فنصحه أحدُ الناصحين بالهرب من مصر لأنه مهدد بالقتل: "فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ 21" ، وطلب من ربه أن ينجيه من بطش الظالمين: "قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 21" . فهرب إلى مدين وهناك اتصل برجل صالح فيها، وقص عليه القصص فطمأنه قائلا: " لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 25"(1/17)
وهذا الطابع ـ أعني طابع الخوف ـ يبقى ملازما للقصة إلى أواخرها، بل حتى إنه لما كلفه ربه بالذهاب إلى فرعون راجعه وقال له: إنه خائف على نفسه من القتل: "قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ 33"، وطلب أخاه ظهيرا له يعينه ويصدقه لأنه يخاف أن يكذبوه: "وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ 34"
في حين ليس الأمر كذلك في قصة النمل، فإنها ليس فيها ذكر للخوف إلا في مقام إلقاء العصا.
فاقتضى أن يكون التعبير مناسبا للمقام الذي ورد فيه. وإليك إيضاح ذلك:
? قال تعالى في سورة النمل: " إِنِّي آنَسْتُ نَاراً " وقال في سورة القصص: "آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً"
فزاد : " مِنْ جَانِبِ الطُّورِ" وذلك لمقام التفصيل الذي بنيت عليه القصة في سورة القصص.
? قال في سورة النمل: "إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً" وقال في سورة القصص: " قَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً" بزيادة "امْكُثُوا". وهذه الزيادة نظيرة ما ذكرناه آنفا، أعني مناسبة لمقام التفصيل الذي بنيت عليه القصة بخلاف القصة في النمل المبنية على الإيجاز.
? قال في النمل: " سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ". وقال في القصص: " لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ". فبنى الكلام في النمل على القطع "سَآتيكُم" وفي القصص على الترجي "لعَلّي آتيكُمْ". وذلك أن مقام الخوف في القصص لم يدعه يقطع بالأمر فإن الخائف لا يستطيع القطع بما سيفعل بخلاف الآمن. ولما لم يذكر الخوف في سورة النمل بناه على الوثوق والقطع بالأمر.
هذه إشكالية المشكلات ماذا قال موسى - عليه السلام - هل قال (سأتيكم) أو (لعلي آتيكم)؟(1/18)
قال كليهما ونحن في حياتنا اليومية تقول أنا ذاهب في أمر لعلي أستطيع أن آتيكم قبل المغرب، لا، لا، سأتيكم قبل المغرب، إذن أنت قلت الاثنين أنت قطعت وترجيت في وقت واحد، هذا يحصل. موسى - عليه السلام - قال الاثنين لكن ربنا تعالى ذكر كل موطن في مقامه.
استطراد: إذن يجوز لمن يحكي عني أن يقول هو قال كذا وقال كذا ولا يكذبه أحد لأنه قال الاثنين.
قال إني آنست وهناك قال امكثوا؟
ليس فيها إشكال أحياناً تختصر الأشياء تقولها على السريع وأحياناً تفصّل. لم يذكر المكان في القصص، هذا ليس مخالفاً. نحن في حياتنا اليومية أقول ذهبت أنا إلى مكان، سافرت إلى مصر أو إلى الأردن ولقيت جماعة وأتكلم عن مشهد أحياناً أفصل كل جزئياته وقد يكون كثير من الأمور التي شاهدتها في سفري لم أذكرها لأنه ليس لها علاقة وقد أذكرها في وقت آخر، فالله سبحانه وتعالى يذكر حيث يقتضي المقام الذكر وهذا شأننا في الحياة الحادثة الواحدة تذكرها في أكثر من صورة لكنك أنت لم تكذب ولم تغير لكن كل مرة تذكر أموراً ذهبنا وتكلمنا عن كذا وكذا وعن الأبناء والأولاد وماذا حصل وأحياناً لا تذكر هذا الشيء، فما الإشكال في هذا؟
بعض المغرضين يوجه نقداً للقرآن الكريم ويقول هذا تناقض واضح لماذا قال آنست من جانب الطور وفي مكان قال امكثوا، سأتيكم، لعلي آتيكم فماذا قال تحديداً؟
قال كليهما.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن ما ذكره في النمل هو المناسب لمقام التكريم لموسى بخلاف ما في القصص.(1/19)
ومن ناحية ثالثة، ؟إن كل تعبير مناسبٌ لجو السورة الذي وردت فيه القصة، ذلك أن الترجي من سمات سورة القصص، والقطع من سمات سورة النمل. فقد جاء في سورة القصص قوله تعالى: "عَسى أن ينْفَعَنا أوْ نَتّخِذَهُ وَلَدا" وهو ترَجٍّ. وقال: ""عَسَى رَبّي أَن يَهْدِيَني سَوَاءَ السّبيلِ" وهو ترجٍّ أيضا. وقال: " لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ" وقال "لَعَلّكُم تَصْطَلونَ"، وقال: "لَعَلّي أَطّلِعُ إلى إِلَهِ موسَى"، وقال: "لَعَلّهُمْ يَتَذكّرونَ " ثلاث مرات في الآيات 43، 46، 51، وقال: "فَعَسَى أَنْ يَكونَ مِنَ المُفْلِحينَ"، وقال: "ولَعَلّكُم تَشكُرونَ 73"وهذا كله ترجّ. وذلك في عشرة مواطن في حين لم يرد الترجي في سورة النمل، إلا في موطنين وهما قوله: "لَعَلّكُمْ تَصْطَلونَ"، وقوله: "لَعَلّكُمْ تُرْحَمونَ"
وقد تردد القطع واليقين في سورة النمل، من ذلك قوله تعالى على لسان الهدهد: "أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ"النمل:22 ، وقوله على لسان العفريت لسيدنا سليمان: "أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ" النمل: 39 وقوله على لسان الذي عنده علم من الكتاب: "أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ " النمل:40
فانظر كيف ناسب الترجي ما ورد في القصص، وناسب القطع واليقين ما ورد في النمل.
ثم انظر بعد ذلك قوله تعالى في القصة: "سَآتيكُمْ مِنْها بِخَبَر" ومناسبته لقوله تعالى في آخر السورة: "الْحَمْدُ لِلّه سَيُريكُمْ آيَلتِهِ فَتَعْرِفوَها 93" وانظر مناسبة "سَآتيكُمْ" لـ "سَيُرِيَكُمْ".
وبعد كل ذلك، انظر كيف تم وضع كل تعبير في موطنه اللائق به:
? كرّر فعل الإتيان في النمل، فقال: "سَآتيكُمْ مِنها بِخَبَر أوْ آتيكُمْ بِشِهابٍ"، ولم يكرره في القصص، بل قال: "لَعَلّي آتيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أوْ جَذْوَةٍ"(1/20)
فأكد الإتيان في سورة النمل لقوة يقينه وثقته بنفسه، والتوكيد يدل على القوة، في حين لم يكرر فعل الإتيان في القصص مناسبة لجو الخوف.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن فعل (الإتيان) تكرر في النمل اثنتي عشرة مرة. (انظر الآيات: 7 مرتين، 18، 21، 28، 37، 38، 39، 40، 54، 55، 87)
وتكرر في القصص ست مرات (انظر الآيات 29، 30، 46، 49، 71، 72) فناسب تكرار (آتيكم) في النمل من كل وجه.
? وقال في سورة النمل: " أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ" وقال في القصص: " نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ"
فذكر في سورة النمل أنه يأتيهم بشهاب قبس، والشهاب: هو شعلة من النار ساطعة. (انظر لسان العرب (شهب) 1 / 491 ، القاموس المحيط (شهب) 1 / 91)
ومعنى (القَبَس) شعلة نار تقتبس من معظم النار كالمقباس يقال: قبس يقبس منه نارا، أي: أخذ منه نارا، وقبس العلمَ استفاده (انظر القاموس المحيط (قبس) 2 / 238 )
وأما (الجذوة) فهي الجمرة أو القبسة من النار (انظر القاموس المحيط (جذا) 4 / 311) وقيل: هي ما يبقى من الحطب بعد الالتهاب، وفي معناه ما قيل: هي عود فيه نار بلا لهب. (انظر روح المعاني 20 / 72)
والمجيء بالشهاب أحسن من المجيء بالجمرة، لأن الشهاب يدفئ أكثر من الجمرة لما فيه من اللهب الساطع، كما أنه ينفع في الاستنارة أيضا. فهو أحسن من الجذوة في الاتضاءة والدفء.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ذكر أنه سيأتي بالشهاب مقبوسا من النار،، وليس مختَلَسا أو محمولا منها، لأن الشهاب يكون مقبوسا وغير مقبوس (انظر البحر المحيط 7 / 55) ، وهذا أدل على القوة وثبات الجنان، لأن معناه أنه سيذهب إلى النار، ويقبس منها شعلة نار ساطعة.
أما في القصص فقد ذكر أنه ربما أتى بجمرة من النار، ولم يقل إنه سيقبسها منها.(1/21)
والجذوة قد تكون قبسا وغير قبس، ولا شك أن الحالة الأولى أكمل وأتم لما فيها من زيادة نفع الشهاب على الجذوة، ولما فيها من الدلالة على الثبات وقوة الجنان.
وقد وضع كل تعبير في موطنه اللائق به، ففي موطن الخوف ذكر الجمرة ، وفي غير موطن الخوف ذكر الشهاب والقبس.
? قال في سورة النمل: "فَلَمّا جاءَهَا نُودِيَ" وقال في سورة القصص: "فَلَمّا أَتاها نُودِيَ"فما الفرق بينهما؟
قال الراغب الأصفهاني مفرقا بين الإتيان والمجيء: الإتيان مجيءٌ بسهولة، ومنه قيل للسيلِ المارّ على وجهه أتي" (المفردات في غريب القرآن 6). وقال: "المجيء كالإتيان، لكن المجيء أعم، لأن الإتيان مجيء بسهولة" (المفردات 102)
ولم يذكر أهل المعجمات ما ذكره الراغب، وإنما هم يفسرون واحا بالآخر، فيفسرون جاء بأتى، وأتى بجاء، غير أنهم يذكرون في بعض تصريفات (أتى) ما يدل على السهولة، فيقولون مثلا في تفسير الطريق الميتاء من (أتى) "طريق مسلوك يسلكه كل أحد" وذلك لسهولته ويسره. ويقولون : "كل سيل سهلته الماء أتيّ" و "أتّوا جداولها: سهلوا طرق المياه إليها" يقال: (أتّيت الماء) إذا أصلحت مجراه حتى يجري إلى مقارّه .. ويقال: أتّيت للسيل، فأنا أؤتّيه إذا سهلت سبيله من موضع إلى موضع ليخرج إليه .. وأتّيت الماء تأتيةً وتأتياً، أي: سهلت سبيله ليخرج إلى موضع"( لسان العرب (أتى) 18 / 14)
والذي استبان لي أن القرآن الكريم يستعمل المجيء لما فيه صعوبة ومشقة، أو لما هو أصعب وأشق مما تستعمل له (أتى). ويستعمل (أتى) لما هو أخف وأيسر.(1/22)
ولعل من أسباب ذلك أن الفعل (جاء) أثقل من (أتى) في اللفظ بدليل أنه لم يرد في القرآن فعل مضارع لـ (جاء) ولا أمر ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول، ولم يرد إلا الماضي وحده بخلاف (أتى) الذي وردت كل تصريفاته، فقد ورد منه الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول. فناسب بين ثقل اللفظ وثقل الموقف في (جاء)، وخفة اللفظ وخفة الموقف في (أتى) والله أعلم.
ونعود إلى ما نحن فيه من قصة موسى عليه السلام، فقد قال في سورة النمل: "فلما جاءها" وقال في سورة القصص: "فَلمّا أتاها" ذلك أن ما قطعه موسى على نفسه في النمل أصعب مما في القصص، فقد قطع في النمل على نفسه أن يأتيهم بخبر أو شهاب قبس، في حين ترجى ذلك في القصص. والقطع أشق وأصعب من الترجي. وأنه قطع في النمل، أن يأتيهم بشهاب قبي، أي: بشعلة من النار ساطعة مقبوسة من النار التي رآها في حين أنه ترجّى في القصص ان ياتيهم بجمرة من النار، والأولى أصعب. ثم إن المهمة التي ستوكل إليه في النمل أصعب وأشق مما في القصص، فإنه طلب إليه في القصص أن يبلغ فرعون وملأه. وتبليغ القوم أوسع وأصعب من تبليغ الملأ، ذلك أن دائرة الملأ ضيقة، وهم المحيطون بفرعون في حين أن دائرة القوم واسعة، لأنهم منتشرون في المدن والقرى، وأن التعامل مع هذه الدائرة الواسعة من الناس صعب شاق، فإنهم مختلفون في الأمزجة والاستجابة والتصرف، فما في النمل أشق وأصعب، فجاء بالفعل (جاء) دون (أتى) الذي هو أخف. ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة طه: "فلما أتاها نُودِيِ يا موسى" ذلك لأنه أمره بالذهاب إلى فرعون ولم يذكر معه أحدا آخر: "اذهب إلى فرعون إنه طغى 24 قال رب اشرَحْ لي صَدْري 25 ويسّر لي أمري 26"
فانظر كيف لما أرسله إلى فرعون قال: "أتاها"، ولما أرسله إلى فرعون وملئه قال (أتاها) أيضا في حين لما أرسله إلى فرعون وقومه قال: "جاءها" وأنت ترى الفرق بين الموطنين ظاهرا.(1/23)
? ذكر في القصص جهة النداء فقال: "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ " ولم يذكر الجهة في النمل، وذلك لأن موطن القصص موطن تفصيل، وموطن النمل موطن إيجاز كما ذكرت.
? قال في النمل: " نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" ولم يذكر مثل ذلك في القصص، بل ذكر جهة النداء فقط، وذلك لأن الموقف في النمل موقف تعظيم كما أسلفنا وهذا القول تعظيم لله رب العالمين.
لِمَن التعظيم للنار أم لمن حولها أو لله تعالى؟
الكلام كان من هو الذي في النار ومن حولها؟ ذُكر عدة أقوال فيها قيل من في النار يعني موسى ومن حولها يعني الملائكة، هي ليست ناراً وإنما نوراً وقسم قال من في النار هم الملائكة وموسى حولها ليس هناك نص يُعيّن، وقيل النور هو نور رب العالمين ومن حوله الملائكة. هو رأى ناراً لكن حقيقة الأمر أنها ليست ناراً وإنما نور وقيل نور رب العالمين. واضح فيها تعظيم قد يكون التعظيم لموسى باعتبار من حولها إذا هو حولها أو للملائكة أو لله سبحانه وتعالى (وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) المقام كله مقام تعظيم ولم يرد في القصص مثل هذا وهذا مناسب لجو التعظيم والتكريم الوارد في النمل.
? قال في النمل "يا موسَى" وقال في القصص: "أَنْ يا موسَى" فجاء بـ (أن) المفسرة في القصص، ولم يأت بها في النمل، وذلك لأكثر من سبب:(1/24)
منها أن المقام في النمل مقام تعظيم لله سبحانه، وتكريم لموسى كما ذكرنا فشرفه بالنداء المباشر في حين ليس المقام كذلك في القصص، فجاء بما يفسر الكلام، أي: ناديناه بنحو هذا، أو بما هذا معناه، فهناك فرق بين قولك: (أشرت إليه أن اذهب) و (قلت له اذهب) فالأول معناه: أشرت إليه بالذهاب، بأيّ لفظ أو دلالة تدل على هذا المعنى. وأما الثاني فقد قلت له هذا القول نصا، ومثله قوله تعالى: "وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ104 قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 105"الصافات
أي: بما هذا تفسيره أو بما هذا معناه بخلاف قوله: "قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ" هود
ومنها أن المقام في سورة القصص مقام تبسّط وتفصيل فجاء بـ (أن) زيادة في التبسط.
ومنها أن ثقل التكليف في النمل يستدعي المباشرة في النداء، ذلك أن الموقف يختلف بحسب المهمة وقوة التكليف كما هو معلوم.
(((إضافة من إجابة أخرى للدكتور فاضل :(1/25)
هذه (أن) المفسِّرة يعني وقعت بمعنى القول دون حروفه يعني ناديناه أن يا موسى، نودي أن يا موسى، هذه أن المفسرة تأتي بعد ما فيه معنى القول دون حروفه مثل نادى ووصّى، معنى القول دون حروف قال أو يقول فتسمى مفسِّرة لأنها تفسر القول والفحوى، فرق بين أن المفسرة والقول لما قلت له افعل أو وصيته أن افعل لو أعربناها مفسرة لأنه يمكن إعرابها أيضاً أن مصدرية لو احتملت المصدرية فيكون هناك تأويل مصدر. على سبيل المثال لما أقول قلت له إفعل يعني أنت قلت له هذا القول (إفعل) هذا مقول القول، ناديته أن افعل ناديته بالفعل أن يفعل لكن هل ناديته بهذا؟ أنت ذكرته بالفحوى وليس نصاً. قلت له اذهب قلت له هذه اللفظة (اذهب)، وصّيته أن اذهب يعني وصيته بالذهاب، فإذن (يا موسى) هو القول، (أن يا موسى) هذه بالفحوى أو قد يكون بنفس اللفظ أو بغيره. ما الفرق بينهما؟ أولاً إذا كان في مقام التفصيل (أن يا موسى) مفرداتها أكثر فإذن (يا موسى) أوجز إذن (يا موسى) أنسب في مقام الإيجاز و(أن يا موسى) أنسب في مقام الإطالة والتفصيل. إذا كان في مقام التعظيم والتكريم الكلام المباشر هو أهم عندما تقول قلت له كذا وكذا أو قل لفلان كذا وكذا بالأقوال هذا معناه أن المهمة أعظم يعني إحرص على كل كلمة وكل شيء، إذا في مقام التبسط هذا مقام التبسط وإذا كان في مقام التكليف وثقل التكليف - لأنه سيأتي أن مقام ثقل التكليف أكثر في النمل - فإذن أيضاً جاء بالمباشرة لأن ثقل التكليف يستدعي المباشرة (يا موسى)، إذن من أي ناحية نأخذها إذا من ناحية التبسط والتبسيط وإن كان ناحية ثقل التكليف سيكون (يا موسى) كما سنرى أنسب. ثم لما قال ربنا (يا موسى) يعني شرّفه بالنداء المباشر هذا أمر آخر ذكر اسمه مباشرة وليس بالفحوى وسيأتي أمر آخر نذكره فيما بعد.(1/26)
في النمل قال (إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)) وفي القصص (إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)) (إنه أنا الله) فيها مقام تفخيم وتعظيم لأنه جاء بضمير الشأن (إنه) إنه غائب، الله تعالى هو المتحدث هذا كلام قاله بضمير المتكلم. أنت عندنا تقول عن نفسك إني مسافر يمكن أن تقول إنه أنا مسافر، ما الفرق؟ هذا ضمير الشأن يؤتى بضمير الغيبة المفرد مذكر أو مونث بحسب السياق.
ما معنى ضمير الشأن؟
مثلاً إنه محمد مسافر، يعني القصة، الشأن، الأمر، الحكاية محمد مسافر. (قل هو الله أحد) هذا تعظيم يؤتى به في مواطن التفخيم والتعظيم، الأصل هو أو هي ضمير الشأن وقد تتصل بالنواسخ. (إنه) هذه إنّ ناسخة والهاء ضمير الشأن والخبر هو الجملة التي بعدها (أنا الله العزيز الحكيم) لأن ضمير الشأن لا بد أن يُخبر عنه بجملة ولا يُخبر عنه بمفرد لأنه الشأن، القصة، الحكاية وتذكر ما هي.
استطراد: الشأن هنا أن الله هو العزيز الحكيم.
فيها موطن التفخيم والتعظيم. (إني) إخبار عنه بالتوحيد. (إنه أنا الله) هذا في مقام التفخيم، (قل هو الله أحد) لا يمكن أن يقال قل الله أحد، قل هو الله أحد هذه فيها تفخيم تأتي بضمير يسميه ضمير الشأن ويخبر عنها بجملة.
هو ضمير الشأن مبتدأ والجملة (الله أحد) في محل رفع خبر هو. إذن ضمير الشأن أفخم ويؤتى به للتفخيم والتعظيم.)))
? قال في النمل: "إنّهُ أَنا اللهُ العَزيزُ الحَكيمُ"، وقال في سورة القصص: "إِنّي أَنا اللهُ رَبُّ العالَمينَ"
فجاء بضمير الشأن الدال على التعظيم في آية النمل: "إِنّه أنا" ولم يأت به في القصص، ثم جاء باسميه الكريمين "العَزيزُ الحَكيم" في النمل زيادة في التعظيم.(1/27)
ثم انظر إلى اختيار هذين الاسمين وتناسبهما مع مقام ثقل التكليف، فإن فرعون حاكم متجبر يرتدي رداء العزّة، ألا ترى كيف أقسم السحرة بعزته قائلين: "بِعِزّةِ فِرعَوْنَ إنّا لَنَحْنُ الغَالِبونَ 44" الشعراء. فاختار من بين أسمائه (العزيز) معرفا بالألف واللام للدلالة على أنه هو العزيز ولا عزيز سواه، و(الحكيم) للدلالة على أنه لا حاكم ولا ذا حكمة سواه، فهو المتصف بهذين الوصفين على جهة الكمال حصرا. وفي تعريف هذين الاسمين بالألف واللام من الدلالة على الكمال والحصر ما لا يخفى ما لو قال (عزيز حكيم) فإنه قد يشاركه فيهما آخرون.
ثم انظر من ناحية أخرى كيف أنه لما قال: "أَنا اللهُ العَزيزُ الحَكيمُ" لم يذكر أن موسى سأل ربه أن يعزّزه ويقويه بأخيه، ولما لم يقل ذلك ذكر أنه سأل ربه أن يكون له ردءا، يصدقه ويقويه وهو أخوه هارون.
وقد تقول: ولكنه قال في القصص "إنّي اَنا اللهُ ربّ العالمينَ" وفي ذلك من التعظيم ما لا يخفى
ونقول: وقد قال ذلك أيضا في النمل، فقد قال: "وسبحان الله ربّ العالمين" وزاد عليه: "إنّهُ أنا الله العَزيزُ الحَكيمُ" فاتضح الفرق بين المقامين.
وقد تقول: ولم قال في سورة طه: "إنّي أَنا ربّك فاخلعْ نَعلَيْكُ" بذكر ربوبيته له خصوصا، ولم يقل كما قال في سورتي النمل والقصص "ربّ العالمين"؟
والجواب: أنه في سورة طه كان الخطاب والتوجيه لموسى عليه السلام أولا فعلمه وأرشده فقال له: " إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي 14 إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى 15" طه، فطلب منه العبادة وإقامة الصلاة
وقال بعد ذلك: "لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنا الكُبْرى 23" طه، ثم ذكر منته عليه مرة أخرى فقال: "وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى37 إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى 38" طه(1/28)
*ماذا قال ربنا تبارك وتعالى تحديداً (إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)) أم (إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)) ؟
قال كلاهما لأنه حتى في سورة النمل قال (وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)) زاد عليها مقام التعظيم وقال في القصص (إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)). قال في النمل (وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إذن ذكر ما ذكره في القصص بالتسبيح والتعظيم والتنزيه وزاد عليه (إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)) إذن قال الأمرين قال هذا وقال ذاك، في الموطنين قال. (سبحان) تنزيه لله وهي إسم مصدر وهي مضاف ولفظ الدلالة الله مضاف إليه، (سبحان) مفعول مطلق فعله سبّح، التسبيح هو المصدر وسبحان إسم المصدر وقالوا (سبحان) علم على التسبيح أو قالوا إسم مصدر يعني لم يجمع كل حروف المصدر.
إذن ربنا تعالى قال لسيدنا موسى كل هذا (إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)) و(إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)) لكن في النمل زاد عليه فيما يتناسب مع مقام التفخيم والتعظيم التي بنيت عليها القصة (فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)).
ويمضي في ذكر منته عليه ولم يرد مثل ذلك في النمل، ولا في القصص. فإنه لم يذكر توجيها له أو إرشادا لعبادته في النمل، ولا في القصص فلم يأمره بعبادة أو صلاة أو تكليف خاص بشأنه. ثم إنه في سورة القصص وإن كان قد فصّل في ذكر ولادته ونشأته وما إلى ذلك فقد ذكرها في حالة الغيبة لا في حالة الخطاب: "وأوحينا إلى أمّ موسَى أَنْ أَرْضِعيهِ" "إنْ كادَتْ لَتُبدي به .. فرددناه إلى أمه .. ولمّا بلَغَ أشُدّه ..ودَخَل المَدينةَ.. "(1/29)
في حين كان الكلام في سورة طه بصورة الخطاب. فناسب أن يقول له في طه: "أنا ربّك" بخلاف ما في النمل والقصص، والله أعلم.
? قال في النمل: "وَأَلْقِ عَصاكَ" وقال في القصص: "وأنْ ألْقِ عَصاكَ"
فجاء بـ (أن) المفسرة أو المصدرية. ونظيره ما مر في قوله: (يا موسى) و (أن يا موسى)
فقوله: "وأَلْقِ عَصاك" قول مباشر من رب العزة، وهو دال على التكريم.
وأما قوله: "وأنْ ألْقِ عَصاك" فإنه معناه أنه ناداه بما تفسيره هذا أو بما معناه هذا. فأنت إذا قلت: (ناديته أن اذهب) كان المعنى ناديته بالذهاب. فقد يكون النداء بها اللفظ أو بغيره بخلاف قولك: (ناديته اذهب)، أي: قلت له اذهب.
وهو نحو ما ذكرناه في قوله: (يا موسى) و (أن يا موسى) من أسباب ودواعٍ فلا داعي لتكرارها.
? قال في النمل: "يا موسَى لا تَخَفْ" وقال في القصص: "يا موسَى أقْبِلْ وَلا تَخَفْ"
بزيادة (أقبل) على ما في النمل، وذلك له أ:ثر من سبب.
منها : أن مقام الإيجاز في النمل يستدعي عدم الإطالة بخلاف مقام التفصيل في القصص.
ومنها أن شيوع جو الخوف في القصص يدل على إيغال موسى في الهرب، فدعاه إلى الإقبال وعدم الخوف.
فوضع كل تعبير في مكانه الذي هو أليق به.
? قال في النمل: "إنّي لا يَخافُ لَدَيّ المُرْسَلونَ" وقال في القصص: "إنّكَ مِنَ الآمِنينَ"
ذلك أن المقام في سورة القصص مقام الخوف، والخائف يحتاج إلى الأمن فأمنه قائلا: "إنّكَ مِنَ الآمِنينَ"(1/30)
أما في سورة النمل فالمقام مقام التكريم والتشريف، فقال: "إنّي لا يَخافُ لَدَيّ المُرسَلونَ" فألمح بذلك إلى نه منهم، وهذا تكريم وتشريف. ثم انظر كيف قال (لَدَيّ) مشعرا بالقرب، وهو زيادة في التكريم والتشريف. (لدى) ظرف يعني حاضر جاهز وهناك فرق بين لدي وعندي في المعنى العام، (عندي) سواء كان حاضراً أو غائباً أقول عندي قلم ربما أن لا يكون معي الآن لكن لدي قلم لا بد أن يكون معك الآن (هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) ق) يعني حاضر. إذن البعيد عنك تقول عندي إذن (إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)) هذا قُرب مرسَل ولديّ، إذن لدي تفيد القرب ولما قال (لدي) قال يا موسى ولم يقل أن يا موسى لأن أن يا موسى فصل بين المنادى (موسى) والمنادي (الله سبحانه وتعالى) بـ (أن) إذن بينهما بُعد الآن، (أن) بعيد (لديّ) القرب. إذن لما كان قريباً منه لم يصل بين المنادى والمنادي ولم يقل وأن ألق عصاك وإنما قال وألق عصاك، لديّ يشعر بالقرب وقرب بين النداء والأمر إذن كم فائدة جمعنا في (أن) المفسِّرة؟!
ثم انظر من ناحية أخرى كيف أنه لما قال في سورة النمل: "لَدَيّ" المفيدة للقرب ناداه بما يفيد القرب فقال: "يا موسى" ولم يقل: "أنْ يا موسى" كما قال في القصص، ففصل بين المنادي والمنادَى بما يفيد البعد. وأمره أيضا بما يفيد القرب بلا فاصل بينهما فقال: "وألقِ عَصاكَ" ولم يقل: "وأنْ ألقِ عَصاكَ" للدلالة على قرب المأمور منه. فناداه من قرب وأمرَه من قرب، وذلك لأنه كان منه قريبا، فانظر علو هذا التعبير ورفعته.
ثم انظر من ناحية أخرى كيف قال: "إنّي لا يَخافُ لَديّ المُرسَلونَ" ولم يقل: (إني لا يخاف مني المرسلون) لأن المرسلين لا يخافون بحضرته، ولكنهم يخشونه ويخافونه كل الخوف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أنا أخشاكم لله) فهو أخوف الناس منه، وأخشاهم له.(1/31)
? قال في النمل: "إلّا منْ ظَلَمَ ثمّ بَدّلَ حُسنا بَعدَ سوء فإنّي غَفورٌ رحيمٌ" ولم يقل مثل ذلك في القصص، لأنه لا يحسن أن يقال: (إنك من الآمنين إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء) ولو قال هذا لم يكن كلاما.
الخوف هنا هل هو من الله أو من الرعيّة؟
الخوف في مطلقه، الخوف من كل شيء ولكنهم يخافون من الله تعالى بالأساس وفي الحديث "أنا أخشاكم لله" إذن هم لا يخافون لديه ولكنهم أشد الخلق خشية منه. قال (لديّ) وليس مني وكأنهم بحضرة الله سبحانه وتعالى لا يخافون شيئاً أبداً فهم في معية الله.
في سورة النمل قال (إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (11)) لم يقل كذلك في القصص لأنه لا يحسن أن يقول إنك من الآمنين ثم يقول ثم إلا من ظلم بدل حسناً بعد سوء لا يستقيم الكلام أصلاً. (إِلَّا مَن ظَلَمَ) هذه عامة غير محددة بالأنبياء (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) النمل) (إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) .
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ناسب ذلك قول ملكة سبأ: "ربّ إني ظلَمْتُ نَفسي وأسْلَمْتُ مَع سُلَيمانَ لله ربّ العَالمينَ" النمل، فإنها ظلمت نفسها بكفرها وسجودها للشمس منجون الله، ثم بدلت حسنا بعد سوء، فأسلمت لله رب العالمين فلاءم هذا التعبير موطنه من كل ناحية.
وقد تقول: لقد ورد مثل هذا التعبير في سورة القصص أيضا وهو قوله تعالى: "قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 16" القصص(1/32)
والحق أن المقامين مختلفان، فإن القول في سورة القصص هو قول موسى عليه السلام حين قتل المصري، وموسى لم يكن كافرا بالله، بل هو مؤمن بالله تعالى، ألا ترى إلى قوله منيبا إلى ربه بعدما فعل فعلته: "قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي" وقوله حين فر من مصر: "رَبّ نَجّني مِنَ القَوْمِ الظالِمينَ" وقوله: "قال عَسى ربي أن يَهْدِيَني سَواء السّبيل".
فإن موسى لم يبدل حسنا بعد سوء، ذلك انه عليه السلام لم يكن سيئا بخلاف ملكة سبأ، فإنها كانت مشركة، وقد بدلت حسنا بعد سوء. فما جاء من قوله: "إلّا من ظَلَمَ ثُمّ بَدّل حُسنا بَعدَ سوء.. " أكثر ملاءمة للموضع الذي ورد فيه من كل ناحية.
(إلا) الاستثانئية هل هذه مستثنى؟
هذا مستثنى وليس مستثنى منه. هذه عامة على جميع المكلفين البشرية إنس وجن من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فالله يغفر له هذا حكم عام ليس خاصاً بأحد (إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (11)) ليست خاصة بأحد.
? قال في النمل: "وَأدخِلْ يَدَكَ في جَيْبِك" وقال في القصص: "اسْلُك يَدَكَ في جَيْبِك" .(1/33)
لقد استعمل في سورة القصص أمر الفعل (سلك) الذي يستعمل كثيرا في سلوك السبل فيقال: سلك الطريق والمكان سلكا، قا تعالى: "والله جَعَلَ لَكُم الأرْضَ بِساطا 19 لتَسْلُكوا مِنها سُبُلا فِجاجا 20" نوح، ذلك لأنه تردد سلوك الأمكنة والسبل في قصة موسى في القصص، بخلاف ما ورد في النمل. فقد ورد فيها، أي: في سورة القصص سلوك الصندوق بموسى وهو ملقى في اليم إلى قصر فرعون، وسلوك أخته وهي تقص أثره. وسلوك موسى الطريق إلى مدين بعد فراره من مصر، وسلوكه السبيل إلى العبد الصالح في مدي، وسير موسى بأهله وسلوكه الطريقَ إلى مصر، حتى إنه لم يذكر في النمل سيرَه بأهله بعد قضاء الأجل بل إنه طوى كل ذكر للسير والسلوك في القصة فقال مبتدئا: "إذْ قالَ موسَى لأهْلِهِ إنّي آنَسْتُ نارا سآتيكُمْ مِنها بِخَبر" بخلاف ما ورد في القصص، فإنه قال: "فلمّا قّضى موسى الأجَلَ وسارَ بأهلِهِ آنَسَ منْ جانِبِ الطورِ نارا" فحسن ذكر السلوك في القصص دون النمل.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن الفعل (دخل) ومشتقاته تكرر خمس مرات ( انظر الآيات 12، 18، 19، 34، 44 ) في النمل في حين لم يرد هذا الفعل ولا شيء من مشتقاته في القصص، فناسب ذكره في النمل دون القصص.
ومن ناحية أخرى إن الإدخال أخص من السَّلك أو السلوك اللذين هما مصدر الفعل سلك، لأن السَّلك أو السلوك قد يكون إدخالا وغير إدخال، تقول: سلكت الطريق وسلكت المكان، أي: سرت فيه، وتقول: سلكت الخيط في المخيط، أي: أدخلته فيه. فالإدخال أخص وأشق من السلك والسلوك. فإن السَّلك قد يكون سهلا ميسورا، قال تعالى في النحل: "فاسْلُكي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً 69" فانظر كيف قال (ذللا) ليدلل على سهولته ويسره، وقال: "ألمْ تَرَ أنّ الله أنْزَلَ مِن السّماءِ ماء فَسَلَكَهُ ينابِيعَ في الأَرْضِ 21" الزمر. وهل هناك أيسر من سلوك الماء في الأرض وغوره فيها؟(1/34)
فناسب وضع السلوك في موطن السهولة واليسر، ووضع الإدخال في موطن المشقة والتكليف الصعب. لقد ناسب الإدخال أن يوضع مع قوله: "سآتيكُمْ مِنها بِخَبَرٍ" وقوله: "فَلَمّا جاءَها" ومهمة التبليغ إلى فرعون وقومه.
وناسب أن يوضع السلوك في مقام الخوف، وأن يوضع لإدخال في مقام الأمن والثقة.
وناسب أن يوضع الإدخال وهو أخص من السلوك مع (الشهاب القبس) الذي هو أخص من الجذوة، وأن يوضع السلوك وهو أعم من الإدخال مع الجذوة من النار التي هي أعم من الشهاب القبس. فكل لفظة وضعت في مكانها الملائم لها تماما.
ماذا قال ربنا تحديداً ادخِل أو اسلك؟
أسأل سؤالاً لو كنت تقرأ قصة بلسان غير عربي وترجمتها للعربية لك أن تختار المفردة التي تؤدي المعنى بحسب الأدبية التي معك فإذا كنت تراعي المعنى سيصير واحداً أنت لم تغير لكن إذا كان اختيارك دقيقاً بحيث بتناسب مع المقام الذي أنت فيه ستراعي جانباً آخر. اسلك وأدخل بمعنى لكن استعمل كل تعبير في المقام الذي يتناسب معه، ولو بدلناهم المعنى العام واحد ولكن تبقى المناسبة، السلوك في موطن السهولة واليسر لأن السلوك قد يكون سهلاً (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (69) النحل) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ (21) الزمر) فالسلوك قد يكون سهلاً ميسوراً أما الإدخال فليس بالضرورة. استعمل في مقام المشقة والتكليف الصعب (أدخِل) (سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ (7) النمل) (فَلَمَّا جَاءهَا (8)) الشهاب القبس استعمل ما هو أنسب للمكان والحالة الموجودة فيها.
هل العرب كانت تفهم هذا الكلام مراعاة الكلام لمسرح الحالة والبعد النفسي للمخاطَب؟
هم لماذا بهروا بها؟ الاختيار والكلام العام هذا ما بهرهم في القرآن.(1/35)
? قال في القصص: "واضْمُم إلَيْكَ جَناحَكَ مِن الرّهْب" ولم يذكر مثل ذلك في النمل. و(الرهب) هو الخوف ، وهو مناسب لجو الخوف الذي تردد في القصة، ومناسب لجو التفصيل فيها بخلاف ما في النمل.
? قال في النمل: "في تِسْعِ آياتٍ" وقال في القصص: "فَذانِكَ بُرهانانِ".
(ذانك) (ذلك) المشار إليه مفرد والمخاطَب مفرد في الغالب، (ذانك) المشار إليه اثنان والمخاطَب واحد.
قال في النمل (إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) وقال في القصص (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ)، المهمة أوسع تبليغ القوم أوسع القوم، بلّغ كل القوم أما الملأ فهم خاصة الملك الحاشية فلما كان المقام ثقة كلّفه هو مكّلف بتبليغ الرسالة للإثنين العامة والخاصة لكن كل واحدة تتناسب مع الحالة لكن ذكر هنا الملأ وهناك القوم لأن السياق غير السياق والمقام غير المقام، إتسعت الآيات اتسع المبلغ، قلّت قل، وليس في هذا تعارض بالمرة الأمر له أن يبلغ الرسالة وهو مكلف بالملاً ومكلف بالقوم لكن يذكر ملمحاً خاصاً في كل سورة.
فقد أعطاه في النمل تسع آيات إلى فرعون، وذكر في القصص برهانين، وذلك لما كان المقام في النمل مقامَ ثقة وقوة وسّع المهمة، فجعلهما إلى فرعون وقومه، ووسّع الآيات فجعلها تسعا، ولما كان المقام مقام خوف في القصص، ضيّق المهمة وقلل من ذكر الآيات. وكل تعبير وضع في مكانه المناسب.
ثم إن استعمال كلمة (آيات) في النمل مناسب لما تردد من ذكر للآيات والآية في السورة فقد تردد ذكرُهما فيها عشر مرات، في حين تردد في القصص ست مرات. فناسب وضع (الآيات) في النمل ووضع البرهان في القصص الذي تردد فيها مرتين، في حين ورد في النمل مرة واحدة، فناسب كل تعبير مكانه.
?? قال في النمل: "إلَى فِرْعَوْنَ وَقوْمِهِ" وقال في القصص: "إلى فِرْعَوْنَ ومَلئِهِ"(1/36)
فوسع دائرة التبليغ في النمل كما ذكرنا، وذلك مناسب لجو التكريم في القصة، ومناسب لثقة موسى بنفسه التي أوضحتها القصة. ولما وسّع دائرة التبليغ وسّع الآيات التي أعطيها، بخلاف ما ورد في القصص
? قال في النمل: "فلَمّا جاءَتْهُم آياتُنا مُبْصِرَة ً قالوا هذا سِحْرٌ مُبينٌ"
ومعنى ذلك أن موسى قبل المهمة ونفذها من دون ذكر لتردد أو مراجعة، وهو المناسب لمقام القوة والثقة والتكريم، في حين قال في القصص: "قال ربّ إني قتلت منهم نفسا فأخافُ أن يَقتُلونِ"، فذكر مراجعته لربه وخوفه على نفسه من القتل، وهو المناسب لجو الخوف في السورة ولجو التبسط والتفصيل في الكلام.وكل تعبير مناسب لموطنه الذي ورد فيه كما هو ظاهر هذا مناسب لجو الخوف وذاك مناسب لجو الثقة والتكريم كلٌ مناسب لما وضعت له .والله أعلم
د.حسام النعيمى:
القصة في القرآن الكريم نجدها أحياناً مكرّرة ترد هنا وترد هنا وترد هنا. والقصة ليست للتسلية يقيناً وإنما هي للتربية والعِظة وأحياناً للإجابة عن تساؤلات: أحياناً أسئلة توجّه للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأحياناً سؤال في النفس الله سبحانه وتعالى يعلمه في نفوس الناس فيجيب عنه. قصة موسى - عليه السلام - من القَصص التي تتكرر بكثرة والسِرّ في ذلك هو أن حياة موسى - عليه السلام - والأحداث التي مرت بحياته متعددة ومتفرقة وطويلة تصلح أن تكون دروساً كثيرة للمجتمع المسلم سواء كان في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو في الأزمان المقبلة إلى قيام الساعة. القرآن الكريم يأخذ لقطة من القصة أحياناً: لاحظ مثلاً قصة إبراهيم - عليه السلام - أيضاً تكررت لكن ليس بهذه الكثرة، قصة لوط - عليه السلام - موجزة جداً ومختصرة، قصة إبراهيم فيها طول وأطول القصص قصة موسى - عليه السلام - .(1/37)
فلما نأتي إلى اللقطات من قصة موسى نجدها في كل موقع لها تخصصها ولها أهميتها. نحن الآن أمام لقطتين التي في السؤال: اللقطة الأولى في سورة النمل واللقطة الثانية في سورة القصص. لما ننظر إلى ما في سورة النمل نجد أنها مختصرة مقتضبة وكلتا السورتين من السور المكيّة والسور المكية كلها ركزت على العقيدة وعلى التربية وما يمر به المسلمون. لكن الملاحظ أن سورة النمل لما نقرأها نجد فيها تركيزاً على جانب اليقين ونجد فيها ذكراً للقوة (ملك سليمان، سليمان كان ملكاً قوياً) نجد فيها القوة واليقين والثبات والإستقرار لما ننظر في الآيات، والمسلمون بحاجة إلى أمل يقوّي قلوبهم في مكة ويقوي قلوبهم حيثما مروا بالظروف التي مرّ بها المسلمون في مكة على مدى التاريخ وإلى المستقبل. إذا مرّ بهم جوّ يشبه جو مكة فهذه الآيات تطمئنهم، يحسون فيها بنوع من الثبات ونوع من اليقين ونوعىالقوة. فالأحداث التي روتها قصة موسى - عليه السلام - هنا نجد فيها نوعاً من اليقين والثبات والقوة.
سورة القصص فيها تفصيل من ولادة موسى - عليه السلام - تبدأ لكن الشيء المهيمن على السورة هو حال الخوف وحال الضعف المذكور في الآيات بحيث أن القارئ يحس بجز من الخوف وجو من الضعف. نعم بعد ذلك ينتهي إلى شيء من النصر لما ذكر جبروت فرعون الذي كان يقتل الأولاد ويستحي البنات، هذا جبروت وطغيان وظلم كبير يقابله رعب وخوف من هؤلاء الناس الذين يعرّض أبناءهم للقتل. قارون هذا الطاغية بماله يقابله نوع من خوف الناس الفقراء منه ومن طغيانه لكن إنتهى فرعون وانتهى قارون. الجو يبقى جو خوف وهذا الجو له أثر على اللقطة التي سنتكلم عليها (لا تخف) (أقبِل ولا تخف).(1/38)
نُذكِّر بشي سبق أن قلناه وهو أن هذه القصص في القرآن الكريم هي ليست ترجمة للوقائع لأن موسى - عليه السلام - لم يكن يتكلم العربية وإنما هو كلام الله سبحانه وتعالى نقلٌ للواقعة بما يناسب لغة العرب ويكون حيّاً مع جو السورة، فلما يكون جو السورة جو قوة تكون الألفاظ التي تأتي قوية، لما يكون الجو ضعف تكون الألفاظ ضعيفة، الألفاظ مناسبة مع أن الحكاية هي الحكاية. القصة المأخوذة أن موسى - عليه السلام - كان يسير مع أهله في وقت مظلم، بارد ورأى ناراً فاتجه إلى أهله فقال أنا ذاهب إلى هذه النار لعله أستطيع أن آتي بنبأ يدلنا على الطريق لأن عادة الناس في الصحراء والمناطق المفتوحة التي يعرّض الإنسان فيها للضلال والتيه يوقدون ناراً أو أحياناً الكِرام يوقدون ناراً يدعون الأضياف. ذهب موسى - عليه السلام - إلى هذا المكان لم يجد ناراً حقيقية وإنما كان هناك هذا الضوء الذي رآه لأنهم لم يألفوا ضوءاً إلا من نار، هم ما عندهم مصابيح في الصحراء إلا النار هي تضيء. فلما رأى الضوء قال هي النار فبقي السرد كله على أنها نار كما تخيّلها. فلما وصل إليها وكانت ناراً لكن ليست بنار، غير محرقة، لا تُحرِق وبُلِّغ بالرسالة وخوطب ثم نزل. العبارات التي قالها قالها بلغته آنذاك. القرآن يأتي ويصوغها بلغة العرب بما يناسب الجو. الآن تصورنا أن هناك جوّين حو لسورة النمل وجو لسورة القصص. هذه اللقطة سنجد أنها بألفاظها تناسب هذا الجو في سورة النمل وهذه اللقطة بألفاظها تناسب جو سورة القصص ونذكر دائماً أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان أمّياً لم يكن هو يعرف هذه الأمور فهذا كلام الله عز وجل ونعجب ممن يقرأ القرآن ولا يدخل الإيمان إلى قلبه (لسان الذين يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين).(1/39)
لا بد أن ننظر في السياق وسنقف عند (فلما جاءها) و (فلما أتاها) المجيء والإتيان معناه أنه وصل للمكان، لمِ استعمل هنا كلمة جاء وهنا كلمة أتى؟ هذه لمسة بيانية. الآية في القرآن تُفهم لوحدها لكن إذا أردنا دقائق أسرارها حتى نتبين سموّها فينبغي أن ننظر في عموم السياق وفي الجو العام. كيف سكت العربي ولم يحاول أن يحاكي القرآن وينتهي الإسلام؟ لا تكرار في القرآن وحينما نتأمل في القرآن الكريم نجد أن كل كلمة في موضعها. إذا قال في النمل (فلما أتاها) وفي القصص (فلما جاءها) هو المعنى واحد ولكن يكون هناك خلل. لا تتناسب جاءها مع جو الخوف الذي هنا تتناسب مع جو القوة، أتاها هي التي تتناسب مع جو الضعف.
في سورة النمل:(1/40)
البداية (طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)) هنا بشرى والبشارة ترفع من معنويات السامع أن هناك بشرى (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)) عندنا بشرى ويقين وكلاهما يؤدي إلى الثبات وليس إلى الخوف. اليقين نقيض الخوف، المتّيقن من شيء لا يخاف (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)). هؤلاء المؤمنون بكلمتين وهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة بكلمتين (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ) قطع فيهم (وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)) الحكمة والعلم فيهما قوة. ((1/41)
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)) مباشرة دخل بعد قوله (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)) هناك رسالة وتبليغ رسالة والرسالة تقتضي أن تؤخذ بقوة (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)). في القصص يقول (واضمم جناحك) الخوف هنا (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)) إنتقل إلى موضوع آخر.
بالمقابل سورة القصص:
((1/42)
طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3)) إبتداء قصة موسى وفرعون نرويها لك (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)) موطن ضعف (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)). (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)) ننظر جو الخوف (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي) (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) (قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)) سورة القصص فيها تفاصيل منذ الولادة، منذ ولدته أمه لما يكون فيها تفصيل يكون فيها شرح، لما يأتي إلى الموقف الواحد يفصّل فيه. بينما في النمل كلام موجز فلما يأتي إلى الموقف نفسه يوجز لأنه المراد هنا غير المراد هنا. المراد هنا تفصيلات القصة وكل جزئية لما نقف عندها نجد فيها عبرة وعظة. هذه الثقة من الأم بإلقاء ولدها في البحر، فيها الرعاية من الله سبحانه وتعالى رعاية العبد المؤمن كيف يرعاه وهو رضيع يردّه إلى أمه. نوع من التطمين للمجتمع المسلم، لهؤلاء المسلمين الضعاف في مكة لأن هاتان السورتان مكيّتان.(1/43)
بينما هنا يأتي (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ) لأنه ذكر الأجل عشر سنوات أو ثمان سنوات (أيما الأجلين قضيت).
هنا قال (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا) تفصيل من أين رأى النار وآنسته يعني أحس فيها بالأُنس والاطمئنان. هو كان مع أهله، وأهله على فرض أنه وُلِد له فأكبر أولاده عمره تسع سنوات هذا إذا قضى العشر سنوات وإذا رُزِق بولد في ليله عرسه سيكون عمر الولد تسع سنوات. طفل صغير مع زوجته. ولما يقول الأهل في لغة القرآن الكريم في الغالب تعني الزوجة والذرية إذا معه ذرية وإذا لا تكون الزوجة.
بينما في الآية الآولى (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)) ما ذكر المكان الذي آنس فيه لأن الموضع هنا ليس موضع تفصيل بينما في القصص موضع تفصيل. (قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا) في التفصيل يزيد ويفصّل الكلام (لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)، هناك (سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) لاحظ الثقة هنا لأنه في سورة النمل معنى القوة (سآتيكم ) هو ممكن أنه قال لهم هذه نار ذاهب إليها إما أن آتي بخبر يدلنا على الطريق أو آتيكم بجزء من النار لكن القرآن اختار العبارات المناسبة لجو السورة.
((1/44)
لعلّي) متردد يعني قد، إحتمال لأن جو السورة جو خوف. الحالة النفسية لموسى - عليه السلام - هي حالة إنسان في هذه البرية، في ظلمة ورأى ناراً فأراد أن يستنجد بها. السورة لما تأتي تتحدث في موطن قوة تعبر عن جوانب القوة، هو لا شك كان عنده قوة في نفسه وشيء من الخوف فالحالتان موجودتان. هذه القوة التي في نفسه أنه معتمد على الله سبحانه وتعالى لأنه كان مؤمناً من قوم مؤمنين ولم يكن كافراً لكن لم يكن قد نُبّيء لم يكن قد نزلت عليه الرسالة بعد فهو يثق بالله سبحانه وتعالى لكن معه امرأة، معه طفل وهو في البرية ضلّ الطريق فهو عنده شيء من التردد بين القوة والعزيمة وبين الخوف بدليل هذا التنويع إما أن أجد أحداً يرشدني وإما أن أجيئكم بنار. هذا نوع من التخيير قد أجد هذا وقد أجد هذا. فنحن لا نستطيع أن نجزم بالحالة النفسية لموسى - عليه السلام - كيف كانت لكن من خلال النصوص يظهر أنه كان عنده شيء من العزم وعنده في الوقت نفسه شيء من الخوف والتردد. السورة التي تتحدث عن القوة أخذت جانب القوة والسورة التي يسيطر عليها جانب الخوف أخذت الجانب الثاني فهذه تعرض الحقيقة وهذه تعرض الحقيقة كل واحدة من وجهة نظرها ومن الزاوية التي تنظر منها. هذه نظرت من زاوية ما عنده من إيمان وثقة وهذه نظرت ما هي حاله الآن من حال إنسان معه امرأة يخشى عليها وقلق بشأنها وفي بعض الروايات في التوراة أنه كانت على وشك الولادة تحتاج إلى تدفئة وإن كنا نحن لا نعتمد إلا ما ورد عندنا في أصولنا ومسانيدنا في القرآن أو في السُنّة. إذن هناك جانبان عرضت كل سورة جانباً.
(إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) النمل) هذا جانب اليقين الذي عنده بينما في سورة القصص قال (لعلي آتيكم) إحتمال قد أجد وقد لا أجد.(1/45)
ربما يدفع بعض المشككين أن هناك بعض التناقض في القرآن:
نحن بيّنا الحقيقة أنه قال أنا ذاهب إلى النار إما أن أجد إنساناً يرشدنا الطريق وإما آتيكم بجزء من النار. لو كنا نعرف لغة موسى - عليه السلام - كنا قلنا ما قاله. هذه الحكاية بلغته لما نقلها القرآن الكريم نقلها في هذا الموضع الذي يهمين عليه سياق القوة بالجزم والتصميم لأن فيه كلمة اليقين وكلمة البشارة وفيه هذا الإيجاز وفي السورة ملك سليمان سُخّر له الجن والطير، السورة فيها جو ملك، جو قوة فتعرض الألفاظ بصورة القوة. السورة التي فيها جو الخوف المهيمن عليها تعرض هذا الجانب.
إستخدم الفعل (آنست) في السورتين لأنه هو كان خائفاً من الطريق فلما رأى النار استأنس بها. تخيّل نفسك في ظلمة الصحراء لا تدري أين تتجه وقفت في مكان ضللت فيه وإذا بك تنظر والنار أمامك قطعاً تأنس بها لأن النار لا تكون لوحدها ولا بد أن هناك من أوقدها. (اني آنست ناراً) رأيت ناراً فآنستني هذه النار. آنس هذا الشيء أي أدخل هذا الشيء في نفسه هذا الإطمئنان في الظلمة. آنست أي رأيت وأدخل في نفسي الأنس من الأُنس. فيها معنى الإطمئنان.
(أو آتيكم بشهاب قبس) لاحظ السياق: الخبر ممن يتوقع أن يكون عن النار (خبر من أين نمشي؟ من أين نمر؟) (أو أجد على النار هدى) كما جاء في سورة طه أي طريق (إهدني الطريق) والجو في سورة طه مختلف. هنا قال (شهاب قبس) وهناك قال (جذوة) أي الجمرة الصغيرة يتناسب مع حاله. أما هنا مع حال القوة (بشهاب قبس) كتلة كبيرة من النار قبس أي مأخوذ من النار. (لعلكم تصطلون) أي تتدفأون. صلِيَ يصلي بمعنى تدفّأ أو اقترب من جو النار أو من دفء النار. هذه بحسب السياق أحياناً يكون الإصطلاء معقولاً مقبولاً يكون دافئاً وأحياناً يكون الصلي أو الإصطلاء في داخل النار فيكون يشوي والعياذ بالله، فالسياق هو الذي يبيّن.
(لعلكم تصطلون) أي تتدفأون، تقتربون من دفء النار.
((1/46)
فلما جاءها): هناك قال (فلما أتاها). الفرق بين جاء وأتى هم يقولون أن أتى للسهولة والسلاسة لذا يقال للماء المتدفق أتيّ. والمجيء يكون فيه شيء من الصعوبة هذا ما يقوله علماء اللغة لكن لو نظرنا في هذا الموطن جاء وأتى يلتقيان في حرفين (الهمزة والألف) ويختلفان في حرف واحد (الجيم والتاء). نجد أن الجيم والتاء كلاهما شديد إنفجاري حسب المصطلح الحديث يولد بانطباق يعقبه إنفصال مفاجئ فهما متساويان. المصريون حولوا الجيم إلى كاف مجهورة إلا عند الفصحاء. الجيم هو حرف بسيط يولد بإنطباق وسط اللسان على سقف الفم وانفصاله مفاجأة من غير طول زمن كما تولد الباء والدال. نحن الآن نلفظ الجاء نلفظها مركّبة وهي تنازع وتموت كما ماتت الضاد. جا ميتة مثل الـچا الفارق أن الـچا رجع بها إلى الخلف واهتزّ الوتران. أما الجا فهي شيء اهتز بها الوتران فما عادت جيماً. الجيم الحقيقية هي التي نسمعها الآن في السودان. الصوت المجهور هو من أصعب الأصوات على أبناء اللغة ونحن نهجره الآن لذلك تحول عندنا إلى صوت شمسي (الجمل، الجنة، الجمهورية، الجريدة) لا نظهر اللام وينبغي أن تظهر اللام. لو أنصت جيداً لما يقرأه المقرئون أمثال الشيخ حليل الحصري وعبد الباسط نجد هذا الصوت حين يقرأون (من الجِنة والناس) وفي سورة الحج (ولا جدال في الحج).(1/47)
الجيم والتاء كلاهما إنفجاري، الجيم يزيد على التاء بهذه النصاعة في إهتزاز الوترين. الجيم صوت شديد إنفجاري والتاء مهموس لا يهتز به الوتران. والجيم مجهور يعني يهتز معه الوتران الصوتيان. واهتزاز الوترين يضفي نوعاً من النصاعة على الحرف. يقول الخليل: ولولا بحّة في الحاء لصارت عيناً لأن العين أنصع. العين والحاء من مخرج واحد، الحاء مهموس والعين مجهور. لاحظ عندما نقول (ب) في نطق الباء وال ( (Pالإنجليزي هو الصوت المناظر لصوت الباء لكن الباء مجهورة وال P مهموس كذلك التاء والدال، التاء مهموس. إذن الجيم أنصع وأقوى، هو هذا الحرف المختلف إستعمل للمكان القوي قال (فلما جاءها) لأن السياق والنسق في سورة النمل قوة ونصاعة ووضوح وظهور. بينما في سورة القصص خوف فاختار الحرف الخافت للمكان الخافت والقوي للمكان القوي. كان يمكن أن يقول لما وصل أو أدرك المكان لكن اختيرت كلمتين كل منهما لها موقعها تؤدي المعنى لكن تعطي صورة جديدة. وقد استخدم القرآن كلمة ورد في مكان آخر لأن فيه ماء (ولما ورد ماء مدين) بحسب المكان وحسب السياق يختار الكلمات. الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ كتبت في هذا وتبيّن أن كل كلمة في مكانها وفي كتب الدكتور فاضل السامرائي في هذا الإطار ونحن نستقي من نبعه.
هنا (فلما جاءها نودي) هنا بالبناء للمجهول. حدث نداء (نودي أن بورك من في النار ومن حولها) استعمل القرآن اللفظة التي تخيلها موسى - عليه السلام - فلما دخل صار في وسط نور وهو ما يزال يراه ناراً لأنه لا يعرف هذا النور وما عنده شيء في الأرض يضيء إلا النار فهو في داخل الضوء، في داخل النور الذي صنعته الملائكة فقوله تعالى (أن بورك من في النار ومن حولها) يشير إلى البركة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على موسى وعلى الملائكة المحيطين به.
(وسبحان الله رب العالمين) تعليم له أن يقدِّس الله سبحانه وتعالى وهو في هذا الموقف.
((1/48)
يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم) العزة والحكم. (إنه) أي إن الأمر أو الشأن لأنه أمر وتكليف وبرسالة.
(فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها): موسى دخل في هذا الموضع بيق يسير إلى أن وصل إلى أن وجد نفسه داخل هذا الشيء الذي سماه ناراً فخاطبه الله سبحانه وتعالى بالبركة والمباركة ومن حوله الملائكة الذين أوجدوا هذه النار، هذا الضوء الذي لا يُحرِق. هكذا خاطب الله عز وجل موسى - عليه السلام - ذكر لنا في هذه السورة بينما في السورة الثانية ذكر المكان الذي حدّثه منه. هذه مسألة تخص الإعتقاد: نحن نعتقد أن الله سبحانه وتعالى كلّم موسى - عليه السلام - ونعتقد أن موسى سمع كلام الله عز وجل لكن بأي أُذن سمع موسى - عليه السلام - ؟ وما ماهية هذا الصوت؟ ما هذا الجهاز الذي استقبل؟ أهو هذا الجهاز الإعتيادي؟ كيف كلّمه الله سبحانه وتعالى هذا نحن نقول كما قال عز وجل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). الأصوات شيء وصفات الله عز وجل خاصة به جلّت قدرته لا يماثلها شيء فلا نستطيع أن نتخيل ما هذا الذي سمعه موسى وكيف سمعه؟ السمع بسمع أو بجهاز يليق باستقبال كلام الله عز وجل؟ كيف تكلم الله سبحانه وتعالى؟ لا نستطيع أن ندركه لأن كلام الله عز وجل صفة من صفاته وصفات الله تعالى ليس كمثله شيء ليس في ذاته ولا صفاته فكل ما حولنا شيء وكلام الله سبحانه وتعالى لا يدخل ضمن عنوان شيء. ما دام لا يدخل تحت هذا لا نستطيع أن ندركه لكن نؤمن أن موسى - عليه السلام - تلقى كلام الله عز وجل سمعه وأدركه أما كيف؟ هذا الكيف هو الذي قلنا من أوائل ما يؤمن به المسلم (يؤمن بالغيب) صفات الله عز وجل وأسماؤه داخلة ضمن الغيب خارج نطاق قدراتنا العقلية لذلك نؤمن أن الله عز وجل كلّم موسى - عليه السلام - ، نؤمن أنه كلّمه وأنه سمع وبهذا القدر لأن البحث في الماهية والكيفية لا يوصلنا إلى نتيجة.(1/49)
ليس لنا أن نسأل عن صفات الله لأنها خارج إطار عقولنا حتى في الغيب.نحن أمامنا أشياء كثيرة نتعامل معها من غير ما نسأل عن ماهيتها: مثلاً كيف تظهر الكلمات على شاشة الكمبيوتر بعد أن نطبع على اللوحة ثم تظهر على شاشة التلفاز؟ لا نسأل عنها. فخلق الله سبحانه وتعالى وصفاته ندركها بآثارها لا نسأل عنها لكن هي مدركة وليست خارج الإدراك. نحن ندرك عظمته عز وجل وعلمه )الذي يحوك في صدورنا الله تعالى يعلمه) لكن كيف؟ لا فائدة من الخوض فيه. الماهية والكيفية مع صفات الله عز وجل لا نصل فيها إلى نتيجة.
(أنا العزيز الحكيم) بينما هناك قال (رب العالمين) لأنها ليست موطن هزة وحكمة.
(وألق عصاك): هذا أمر. الذي يمشي في الصحراء يكون معه عصاه. بينما هناك فيها تفصيل (وأن ألق عصاك) أي خوطب أن ألقِ عصاك. (أن) فيها إبعاد يضيف إلى معنى أنه هناك تفسير وإيضاح وبيان وتوسعة والعبارات تمشي بشكل سلس.(1/50)
ذكرنا بعض الأمور التي تتعلق بقصة موسى - عليه السلام - وبغيرها من القصص ومن أهم ما ذكرناه أن القرآن الكريم حينما يروي لنا هذه الوقائع هو لا يترجمها ترجمة وإنما الحادثة أو الواقعة تكون قد وقعت والقرآن يعبّر عنها بلغة العرب وبما ينسجم مع سياق السورة التي ترد فيها تلك الجزئية من الحكاية. ولذلك قلنا أحياناً تأتي الكلمات فيها نوع من القوة والشدة وأحياناً يكون فيها نوع من اللين بحسب ما هو موجود. وفي كل الأحوال العبارات تبيّن ما قيل فعلاً يعني هذا الكلام الذي قيل ليس حرفياً لكن كما قيل. نضرب لذلك مثلاً لزيادة الإيضاح: حينما يأتي شخص ويقول بالإنجليزية مثلاً I am at my office أي أنا في مكتبي. هذا الكلام مرتبط بشيء آخر ولا يأتي بدون سابق إنذار أو سابق معرفة. يأتيك شخص ويقول : ماذا قال علي؟ مرّ بك علي؟ ماذا كان شأن علي؟ وعلي هو الشخص الذي قال الجملة (أنا في مكتبي) فتستطيع أنت أن تقول له: قال علي أنا في مكتبي، ويمكن أن تقول: هو في مكتبه فتؤدي الغرض، وممكن أن تقول: جاءني عليّ إلى مكتبي وسلّم وطلبت منه أن يجلس ولكنه كان مستعجلاً وذكر أنه سينتظر في مكتبه. الكلام كله صحيح لكنك أنت تقول هذا الكلام لواقع معيّن لظرف معيّن وتقول هذا لظرف وأحياناً توجز وأحياناً تفصّل. كذلك قصص القرآن: الوقائع هي وقعت يعني موسى - عليه السلام - خدم عند شعيب مدة معينة وتزوج ابنته، خرج مع إبنته في طريقه إلى مكان ولادته، إلى مصر وفي الطريق وقع له هذا الحادث الذي هو: نُبّيء وجُعِل رسولاً، رأى هذا النور الذي حسبه ناراً، توجه إليه، كلّمه الله عز وجل، لكن التفاصيل والإختصارات بحسب السورة التي ترد فيها هذه الجزئية.(1/51)
لذلك ينبغي أن نفهم أن هذه السورة تهيمن عليها الأحوال الفلانية وهذه السورة تهيمن عليها الأحوال الفلانية فلما يعرض جزء من القصة هذا الجزء مرتبط بسياق القصة لذلك قلنا في سورة النمل قال (فلما جاءها) وفي القصص قال (فلما أتاها) الفرق بينهما الجيم والتاء وكان يستطيع أن يقول بدل جاءها أو أتاها وصل إليها لكن إختيار حتى يكون نوع من التناظر ونوع من التباين أن يقال هنا (جاءها) وهنا يقال (أتاها) لأن هناك فرق بين جاء وأتى، هذا الفرق الجزئي وإلاّ المعنى العام هو وصول الإنسان إلى مكان. فإذن هذا ينبغي أن يكون في أذهان قارئ القرآن عندما يقرأ ويجد أن القصة تتكرر هي غالباً تعرض مشهداً هنا وتعرض مشهداً هناك، لكن أحياناً يعرض المشهد نفسه بعبارات موجزة وبعبارات مفصلة. التفصيل لأن السورة تفصيلية والإيجاز لأن السورة فيها نوع من الإيجاز وكذلك اختيار العبارة.(1/52)
سورة النمل ذكرنا أن فيها نوعاً من الإيجاز وفيها مظهر من مظاهر القوة، وسورة القصص فيها تفصيل. في سورة النمل (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) يقابله في القصص التي بدأت من ولادة موسى - عليه السلام - بكل التفاصيل (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أما في النمل فقال مباشرة (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا) بينما في القصص (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا) إشارة إلى فرش القصص. سورة القصص مفروشة والنمل موجزة. (وسار بأهله) هناك ما عندنا وسار بأهله. (آنس من جانب الطور) غير موجودة في النمل. هو آنس أي أحسّ بالأنُس لأنه كان في وحشة في هذه الظلمة (من جانب الطور) عيّن المكان لأن فيه تفصيل، السورة تفصيلية (قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً) بينما هنا لأن فيها تفصيل قال (امكثوا إني آنست نارا) هو قطعاً قال لأهله لا تتحركوا. في النمل قال (سآتيكم) بكل ثقة أخذ جانب الإطمئنان. هو في نفسه جانبان: جانب الثقة بالله والإطمئنان لأنه كان على دين آبائه من الرسل لكنه لم تُبعث له الرسالة بعد وعنده وحشة الطريق فهو بين هذه وهذه.(1/53)
في سورة النمل تناولت جانب الإطمئنان لأن السورة بكليّتها سورة قوة لأن فيها ملك سليمان وهذا الملك الذي ما كان ينبغي لأحد من بعده (رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) ففيها قوة لذلك قال (سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) شهاب أي نار. لعلكم تصطلون أي لعلكم تتدفأون بها. في القصص ما قال سآتيكم وإنما قال: لعلّي آتيكم منها بخبر. (لعلّي) تتناسب مع جو التردد وجو الخوف الموجود في سورة القصص القائمة على الخوف من بدايتها وذكرنا هذا في الحلقة الماضية (فإذا خفت عليه، تعذيب فرعون لبني إسرائيل.يقتل الأبناء ويستحي النساء.) فيها نوع من الخوف والتردد فأخذ جانب التردد (لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار). يقيناً الذي قاله موسى - عليه السلام - لا هذا ولا هذا والقرآن يذكر الذي يتناسب مع جو السورة. هو قال لهم هذه نار قد أجد من يخبرني شيئاً عن طريقنا أو آتيكم بشيء من النار. لكن استعمال شهاب قبس، جذوة، هذه من أسلوب القرآن مثل استعمال (نبأ، خبر، هدى) هذا ليس لفظ موسى - عليه السلام - ولا يمكن أن يكون لأن الأنبياء لم يكونوا يتكلمون العربية من آدم - عليه السلام - بعكس ما يقال أن آدم تكلم العربية ولا ندري بم تكل آدم - عليه السلام - لأنه ما عندنا نص صحيح يذكر لنا أن آدم تكلم العربية وهذا الكلام لا ينبغي أن يُقبل أن آدم - عليه السلام - قال شعراً بالعربية لأن أوائل الشعر العربي الذي وصل إلينا من قبل امرؤ القيس بقليل قبل ذلك جاء الشعر بطريقة فيها نوع من التكسير ويُرى هذا في شعر عبيد بن الأبرص. المهم أنه ليس هناك سند لهذا الكلام. كل نبيّ تكلّم بلغة قومه (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) أي بألسنتهم. هذه الصياغة هي صياغة القرآن الكريم هكذا صاغ العبارة حتى يتفهمها العربي ويعيش في أجوائها.(1/54)
موسى - عليه السلام - لم يقل إني آنست ناراً وإنما قال هذا المعنى أن هذه النار تُدخل الطمأنينة على قلبي سوف أذهب إليها بهذا المعنى وليس بهذه الألفاظ. لكن الألفاظ هي ألفاظ القرآن الكريم ولذا يتصرف بها بحسب سياق السورة. أحياناً يقول كما في سورة طه مثلاً (أو أجد على النار هدى) بحسب سياق السورة لأن الكلمات تأتي نابتة في مكانها في تلك السورة ومعبّرة عن المعنى نفسه والمعنى العام واحد.
إذن هنا قال (سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون) الثقة المتناسبة مع جو سورة النمل. (تصطلون) يعني تتدفأون من صليَ يصلى بمعنى تدفّأ واقترب من مكان الدفء. فإذا صلي في النار فهذا ليس تدفّأ وإنما إحتراقاً (سيصلى ناراً) لكن الإقتراب من دفئها (تصطلون) تتدفأون.
في القصص (أو جذوة من النار) هذا الخائف المتردد لا يقول سآتي بشهاب وإنما جذوة، نويرة، شيء من النار.
(فلما جاءها) في النمل جاء النار وهي لم تكن ناراً (نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين) هو دخل في إطار، في جو هذا الذي ظنّه ناراً هو كان نوراً وهو حسبه ناراً على ما قيل من عبارته أنه رأى ناراً فجاء إلى هذه النار ودخل في وسطها وخوطب أن بورك من في هذه النار ومن حولها (موسى - عليه السلام - في داخلها والملائكة يحفّون به) هذا نوع من التكريم ونوع من الترحيب، هم أوقدوا هذه النار التي ليست ناراً (أن بورك من في النار ومن حولها) ودُعي إلى أن يسبح الله تعالى وأن ينزهه في هذا الموضع موضع تنزيه لله سبحانه وتعالى كما قال (أن اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى) مناسب للسورة التي هي فيها.
((1/55)
وسبحان الله رب العالمين) كلمة رب العالمين تكررت في القصص الذي خاطب موسى - عليه السلام - رب العالمين (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)) (رب العالمين) تكررت في القصص. هذا التكرار كأن فيه نوعاً من التأديب لبني إسرائيل أن لا يقولوا: الله ربنا وحدنا ونحن شعب الله المختار كما يقولون نحن شعب الله المختار وبقية الخلق عبيد لنا. أما قوله تعالى (وإني فضلتكم على العالمين) هذا في زمن إتباعكم لموسى - عليه السلام - هذا ينبغي أن يُفهم هكذا أن أتباع كل نبيّ هم أفضل الخلق في زمانهم لأن الذي يفاضل بين الناس هو الإيمان فما داموا مؤمنين بنبيّ ذلك الزمان فهم أكرم الناس عند الله تعالى وليس عند البشر فقط (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فهم أكرم عند الله عندما كانوا أتباع النبي ولم يكن قد جاء النبي التالي. عندما يجيء النبي التالي الذي يتلو النبي الأول على أتباع النبي الأول أن يتّبعوه وعند ذلك يكونون مفضلين على العالمين والذين عصوه يكونون في الدرك الأسفل من النار. هذا التفضيل مستمر مع هذا النبي إلى أن يأتي النبي الذي يليه فإذا جاء النبي الذي يليه عليهم أن يتّبعوه لأنه لماذ أرسله الله عز وجل؟ حتى لا يبقوا على النبي الأول لأنه صار هناك تحويلات وتحويرات وتغييرات فيرسل الله تعالى النبي التالي ليصحح، ألم يقل عيسى - عليه السلام - : جئت لهداية الخِراف الضالة من بني إسرائيل؟ لأنهم صلوا وحرّفوا وغيّروا فجاء بالإنجيل. عيسى - عليه السلام - جاء حتى يتبعه بنو إسرائيل فلم يتبعوه فهم في أسوأ حال والذين اتبعوا عيسى - عليه السلام - هم في أفضل حال عند ذلك. لما جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - فعلى الجميع أن يتبعوا دينه عند ذلك.(1/56)
بنو إسرائيل ليسوا مفضلين على العالمين أبد الدهر وإنما في زمن نبيّهم. فلما قالوا هذا الكلام الله سبحانه وتعالى يبيّن لهم وتذكير لهم أن الذي خاطب موسى والذي جعله رسولاً خاطبه بربوبية العالمين أنه رب العالمين وليس رب بني إسرائيل فقط حتى يدركوا ذلك. وكرر الكلام في النمل وفي القصص حتى يكون الأمر يقيناً أن الله سبحانه وتعالى خاطب موسى بهذا المعنى أنه هو رب للبشر جميعاً، رب العالمين جميعاً الإنس والجنّ.
* موسى لم يكن كُلِّف بالرسالة بعد لكن في سورة النمل والقصص ومن الألفاظ الوحدة (رب العالمين) فما مناسبتها وهو لم يُكلّف بعد ولم يقل بنو إسرائيل بعد نحن شعب الله المختار؟(د.حسام النعيمى)
هو يقيناً سينقل لأتباعه هذا الكلام أن الله سبحانه وتعالى نبّأني بهذا النبأ وخاطبني بربوبيته للعالمين أن الله رب العالمين ولا يعقل أن موسى - عليه السلام - سيقول لقومه الله ربكم وحدكم وإنما هو الله رب العالمين. لا بد أن يقول موسى - عليه السلام - هذا الكلام فهذا تثبيت وتاريخ بهذا الكلام أنه قبل نبوّته أُشعِر بأن الله سبحانه وتعالى هو رب العالمين وبعد نبوته أيضاً وهو يُبلِّغ قومه ذلك لكن قومه معاندون وظلوا على عنادهم إلى يومنا هذا.
(فلما جاءها) و (فلما أتاها) تكلمنا عليها في المرة الماضية وبيّنا الفرق بين الجيم والتاء.
البناء للمجهول في (نودي) هو نوع من التعظيم والتفخيم لله سبحانه وتعالى الذي نادى (أن بورك من في النار) الله تعالى كلّم موسى وقلنا نحن متيقنون مطمئنون نؤمن بذلك يقيناً أن الله سبحانه وتعالى كلّم موسى تكليماً لكن الهيئة أو الكيفية كيف كان الكلام وما ماهية هذا الكلام؟ هذا نؤمن به كما ورد في كتاب الله عز وجل. الكلام صفة من صفات الله عز وجل وصفات الله سبحانه وتعالى لا تدخل تحت عنوان شيء (ليس كمثله شيء) لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه وتعالى.(1/57)
الفعل نادى يستتبع حرف جرّ نادى على فلان أو نادى كذا؟ ناداه مباشرة، ناداه بكذا، تقول: ناديت زيداً وفي آية أخرى ناداه ربه الفاعل معلوم وهنا بُني للمجهول بحسب مكانها هنا، لما قال ناده ربه فيه نوع من التطمين بحسب سياق الآيات ولكن هنا في المكانين (نودي) فيه نوع من التفخيم والتعظيم لذات الله سبحانه وتعالى. البناء للمجهول له أغراض منها تعظيم وتفخيم الفاعل الذي لا نريد أن نذكره وقد يكون للتحقيق بحسب السياق وأحياناً للتنزيه (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ (10) الجن) تنزيه لله سبحانه وتعالى هن نسبة الشر إليه بينما مع الرشد ذكروا إسم الله تعالى (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا). البناء للمجهول للمفعول أي إخفاء الفاعل له أغراض كثيرة في لغة العرب منها التنزيه منها التفخيم والتعظيم. فهنا من تعظيم الله تعالى وتفخيمه.
(أن بورك من في النار) أنزل الله عز وجل البركة على موسى - عليه السلام - (مَنْ) وعلى الملائكة (ومن حولها).
* موسى عليه السلام إعتقد أنها نار وهي ليست ناراً ولكن الله تعالى قال (بورك من في النار) فكيف نفسر هذا؟(د.حسام النعيمى)(1/58)
على فهم موسى لها هو فهمها ناراً ولم يفهمها نوراً ما زال يعتقدها ناراً وهو في عجب من أمره لأنه لم يكن يعرف شيئاً غير النار. هي ليست ناراً لأنها لم تحرقه وليس هناك وقود. مع إبراهيم - عليه السلام - كان هناك وقود وخشب أما هذه فهي أرض منبسطة على الجبل ليس هناك خشب، هو ينظر، لا يوجد شيء يحترق ولم يجد أحداً والله سبحانه وتعالى أزال وحشته بهذا الخطاب المباشر وثبّت قلبه بالآيات لما قال (ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جانّ) الجانّ هو الأفعى الصغيرة في أول فقسها من بيضتها وليس الجنّ. الجان من أسماء الأفعى الصغيرة وهذه تكون سريعة الحركة. وعصاه كانت غليظة فهي أفعى غليظة (ثعبان مبين) لكن حركتها فيها نوع من السرعة كسرعة الأفعى الصغيرة. فاضطرب وهرب ولم يعقّب ولم ينظر وراءه. شيء طبيعي أن يخاف لأن المشهد مخيف: هو في ظلمة الليل وإذا به يرى شيئاً يظنه ناراً، جاء إليه وإذا الأرض ليس فيها حريق أو حطب أو شيء من نار لكن الشيء الذي أمامه هو مظهر من مظاهر النار، هو دخل في داخله وكلّمه الله سبحانه وتعالى فصار يُخاطب.
سؤال: هل سمعت زوجة موسى مخاطبة الله عز وجل له؟(1/59)
هذا خاص بموسى - عليه السلام - ثم إن المكان بعيد والله تعالى عندما يخاطب رسوله لا يسمعه الآخرون، الخطاب يكون للرسول على وجه التعيين ثم قلنا هذا الخطاب لا نستطيع أن نقول هو صوت من أصوات الناس. كيف نودي؟ الله أعلم. هذا أمر خاصٌ بالله سبحانه وتعالى. ناداه الله عز وجل بكلامه الذي هو صفة من صفاته سبحانه وتعالى، ميف هو؟ الخوض فيه لا يؤدي إلى نتيجة، نؤمن به (يؤمنون بالغيب) كلام الله عز وجل غيب. تكلّم الله تعالى وخاطب موسى وسمع موسى لكن كيف تكلّم وكيف سمع موسى هذا لا يستطيع أحد أن يصل فيه إلى نتيجة لذلك نقول هذا غيب نؤمن به كما ورد في كتاب ربنا سبحانه وتعالى لكن أن نقول ما تكلم الله عز وجلّ، تكلّمت شجرة، تكلمت حجرة هذا لا يجوز وإنما تكلم الله سبحانه وتعالى وسمع موسى ووعى ما يقال له ولذلك نفّذ لما قال (ألق عصاك) ألقاها.
قال (إنه أنا العزيز الحكيم) وهناك قال (أني أنا الله رب العالمين) يمكن قيل له أنني أنا الله رب العالمين العزيز الحكيم القادر المتصرّف، يمكن قال له كل هذا الكلام لكن هنا إختار هذا الكلام وهنا إختار هذا الكلام لأن العزة والحكمة تتناسب مع القوة التي هي في سورة النمل. ورب العالمين عامة ذُكِرت هناك أيضاً فخصّص النمل بكلمة العزيز الحكيم لما فيها من قوة.
(إنه أنا الله رب العالمين) لما يعرّف بمن هذا الذي يكلمه إستعمل ضمير الشأن (إنه) للتفخيم والتعظيم، إنّ الشأن، إنّ الأمر، إن هذا الذي يخاطبك يسمى ضمير الشأن أو ضمير القصة يعني أن الشأن والقصة والموضوع الذي أنت معرّض له (أنا الله العزيز الحكيم) بالعزة والحكمة. في القصص لأن فيها تفصيل شرح لنا النداء من أي جهة كان أما في النمل لم يشرح. في القصص قال (نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) من جهة الشجرة (أن يا موسى) تفصيل. هناك أن التفسيرية أو التفصيلية .(1/60)
في النمل قال (وألق عصاك) واختصر أما في القصص فقال (وأن ألق عصاك) تفسير لأن فيها تفاصيل جاءت كلمة أن التفسيرية كأنها تفسير. ننظر في هذه الفاء في (فلمّا) يسميها علماء اللغة الفاء الفصيحة يعني التي تفصح عن كلام محذوف وهي تتكرر في لغة العرب وتتكرر في القرآن الكريم لأنه في غير القرآن كان المفروض أن يقال (فألق عصاك فألقاها موسى فصارت أفعى فلما رآها تهتز). العربي يختصر أحياناً فالقرآن على سُنّة العربي إختصر واستعمل الفاء مفصحة عن محذوف (وألق عصاك فلما رآها تهتز) مفهوم لما قيل له ألق عصاك ألقاها مباشرة إشارة إلى الإستجابة كما قال في موضع آخر (وأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق) إضرب بعصاك هذا أمر فانفلق، ما قال فضرب البحر. هذه الفاء الفصيحة مكررة في الآيتين إشارة إلى أنه إستجاب فوراً: ألق عصاك، فألقاها. ومثلها (إضرب بعصاك الحجر فانفجرت) الفاء الفصيحة حيثما وجدت الفاء تعبّر عن كلام محذوف فهي الفصيحة وليس لها تأثير في الفعل وإنما هي عاطفة تعطف جملة على جملة.
(فلما رآها تهتز كأنها جانّ) الأفعى رآها على الأرض لم يُخيّل له وإنما هي رؤية حقيقية. تخيّل ذلك الجو المخيف في البداية ثم رأى النور فيه نوع من التطمين وكُلِّم ولكن مع ذلك طبيعة البشر هؤلاء الرسل هم بشر كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد" فهم بشر فالطبيعة البشرية هو بيده عصى كان يتوكأ عليها، ألقاها، وبمجرد أن ألقاها فإذا بأفعى عظيمة تتحرك حركة سريعة جداً كأنها الأفعى الصغيرة فمن حقه أن (ولّى مدبراً ولم يعقّب) لا يحتاج أن يلتفت وراءه لأنه كان خائفاً.(1/61)
سؤال:في الفرق بين سآتيكم ولعلّي آتيكم ننتقل إلى الوضع الذي كان فيه موسى فما هو المانع أن يقول لزوجه إني آنست نارا سأذهب لأقتبس من النار شهاب قبس أو جذوة وطبيعي أن تعارضه زوجته قالت كيف تتركني في هذا المكان الموحش فيقول لها امكثوا في البداية يقول لعلّي ويكون متردداً ثم يأتيه الرجاء فيقول سآتيكم. (لعلي) فيها رجاء لشيء مقبل عليه غير متأكد منه ولما تيقن أنه سيذهب قال سآتيكم. ربما يصل إلى النار فيجدها مشتعلة فيأتيهم بشهاب قبس وربما يجدها جذوة فيقول بجذوة فهو يقول أشياء وما قاله موسى يكمل بعضه بعضا.
التوجيه الذي ذكره الدكتور لا مانع من أن يتصوره الإنسان هكذا. القول الذي قاله شيء ممكن جداً ويمكن القول الذي أوردناه لأنه ما عندنا دليل قاطع على ما قاله وليس عندنا دليل قاطع لما أوردناه ولكن هذا يستشف من سياق الآيات. هل تكلم موسى مرتين؟ ما عندنا شيء ينفيه فالذي تفضّل به ممكن أن يكون مما فتح الله عز وجل به عليه لكن لا نقطع بشيء لكن نقول هذا الذي بدا لنا من خلال النظر في آيات الله سبحانه وتعالى.
آية (8):
*ما معنى الآية (فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا (8) النمل)؟(د.فاضل السامرائى)
المفسرون ذكروا أقوالاً مختلفة فيها قسم قال (من في النار) الملائكة (ومن حولها) موسى والنار ليست ناراً عادية وقسم قال موسى من فيها والملائكة حولها وقسم قال هو نور رب العالمين تراءى له كأنه نار. (من في النار) بمعنى الذي لذلك المفسرون اختلفوا وقسم قال موسى الذي كان في النار غشيته رحمة الله وقسم قال الملائكة في النار وموسى حولها وقسم قال النار هو نوره سبحانه.
آية (9):(1/62)
*الكلام لموسى عليه السلام في سورة طه (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ (12) طه) ثم قال بعدها (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا (14)) وفي سورة النمل (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)) فما الفرق بينها؟ (د.فاضل السامرائى)
إني وإنني، إنني آكد من إني في زيادة النون وحتى يقولون في الساميات القديمة: إنني آكد من إني. (إنني) عبارة عن (إن) مع نون الوقاية مع الياء. (إني) إنّ من دون نون الوقاية والياء. نون الوقاية يمكن حذفها هنا تقول إنني وتقول إني إذن حذفها ممكن فلماذا يؤتى بها؟ قلنا لزيادة التوكيد، إنّ مؤكدة وإنني زيادة في التوكيد حتى الدارسين للغات القديمة يقولون في اللغة السامية إنني آكد من إن يستعملون نون مؤكدة أخرى لأن النون مؤكدة في الأسماء والأفعال (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) وللتوكيد أيضاً. هي النون تؤكد الأفعال وتؤكد الأسماء ويؤتى بها في آخر الفعل المضارع والأمر للتوكيد ويؤتى بها في أول الأسماء للتوكيد. إذا جيء بها في أول الأسماء هي مثقّلة لا ينطق بها لأن أولها ساكن فيؤتى بالهمزة حتى يُنطق الساكن فصارت إنّ. هي في أصلها نون بدون همزة النون في الفعل ليس فيها همزة تتصل بالفعل مباشرة لا تحتاج إلى همزة وهذه تتصل بالإسم لا يمكن أن ينطق بها أصلاً لأن الأول ساكن والعرب لا تبدأ بالساكن كل مُشدّد أوله ساكن فالعرب لا تبدأ بالساكن فجاؤا بالهمزة لينطق بالساكن فصارت إن وأن وليس هذا فقط وإنما هي مع الأفعال الفعل يبنى على الفتح وفي الأسماء الإسم ينصب معها. إذن إنّ للتوكيد، النون هي توكيد الأسماء والأفعال تقع في آخر الفعل وفي أول الإسم هذا تفتحه وهذا تنصبه إذن النون آكد.(1/63)
يبقى لماذا هنا آكد من ذلك؟ ننظر الآيات (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) طه) يخلع نعليه لأنه بالواد المقدس. تستمر الآيات (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)) هذا أمر بالاستماع. هذا في مقام التوحيد والعبادة وفي الآية السابقة اخلع نعليك ولم يقل فيها استمع أما الآية الثانية فطلب منه الاستماع لأن الأمر الذي سيلقيه إليه أهم من خلع النعل. الكلام من الله تعالى في الآيتين لكن الكلام بعضه أهم من بعض. (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) طه) تبليغات في العقيدة ورسالة وليست كـ(اخلع نعليك) ليسا منزلة واحدة قطعاً. شبيه بها في كلام سيدنا إبراهيم (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) الأنعام) (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) الزخرف) ذاك في مقام تبليغ لأبيه وقومه فقال بريء وهنا مقام براء، براء مصدر أو تحويل إلى الصفة المشبهة وكلاهما أقوى من بريء، هذا إخبار بالمصدر عن الذات هذا لا يؤتى إلا في مقام التجوز تقول هو سعيٌ له أو هو ساعٍ؟ هو سعيٌ، تخبر بالمصدر عن الذات. الإخبار بالمصدر عن الذات أي تحول الذات إلى مصدر (إنني براء) أقوى من بريء. براء مصدر وبريء صفة مشبهة، يقال هو قدوم وهو قادم لا تقول بصورة قياسية إلا في مواطن تجوّزاً، الإخبار بالمصدر عن الذات تجوّز.(1/64)
لهذا قال (إنني براء) حولها إلى ما هو أوكد وأبلغ من بريء (إنني براء) لأنه في مقام تبليغ وقوة في الكلام فقال إنني.
أما (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) النمل) هذا ضمير الشأن الذي فيه التفخيم والتعظيم. (إنه) الهاء ضمير الشأن. ضمير الشأن هو أو هي فقط لأنه يعود على الشأن والشأن يعبر عنه بـ هو أو هي. يأتي بإن وأخواتها أي النواسخ (ظننته، إنه، إنها) يسموه ضمير القصة والشأن لكن لما يكون مؤنثاً يسمونه ضمير القصة لأنه يعود على القصة مؤنث كلمة الشأن مذكر والقصة مؤنث (هي الدنيا تُغرّر تابعيها) هي ضمير الشأن لأن الشأن هو القصة يقال ضمير القصة عندما يفسر في جملة فيها مؤنث ولما يفسر في جملة فيها مذكر يقال ضمير الشأن. (إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) هذا في مقام التفخيم والتعظيم. (فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) النمل) هذا تعظيم وتنزيه، هذا يسمونه ضمير التعظيم.
آية (10):
*ورد في القرآن الكريم ذكر عصى موسى ? بأوصاف مختلفة مرة جان ومرة ثعبان ومرة حية فما الفرق بينها؟ (د.فاضل السامرائى)
المعنى اللغوي للكلمات: الجان هي الحية السريعة الحركة تتلوى بسرعة، الثعبان هو الحية الطويلة الضخمة الذَّكَر، الحية عامة تشمل الصغيرة والكبيرة فالثعبان حية والجان حية. الحية عامة تطلق على الجميع أما الثعبان فهو الذكر الضخم الطويل والجان هو الحية سريعة الحركة. ننظر كيف استعملها؟
كلمة ثعبان لم يستعملها إلا أمام فرعون في مكانين (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) الأعراف) (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32) الشعراء) وذلك لإخافة فرعون ثعبان ضخم يُدخل الرهبة في قلبه فذكر الثعبان فقط أمام فرعون.(1/65)
كلمة الجان ذكرها في موطن خوف موسى ? في القصص (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)) وفي النمل (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)) تتلوى وهي عصا واختيار كلمة جان في مقام الخوف (يَا مُوسَى لَا تَخَفْ) في القصص (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ) عصا يلقيها تكون جان واختيار كلمة جان والإنسان يخاف من الجان والخوف والفزع. الجان دلالة الحركة السريعة، عصاه تهتز بسرعة. الجان يخيف أكثر من الثعبان فمع الخوف استعمل كلمة جان وسمي جان لأنه يستتر بمقابل الإنس (الإنس للظهور والجن للستر) هذا من حيث اللغة.
سؤال: كيف رآها وفيها معنى الإستتار؟ قد يظهر الجان بشكل أو يتشكل بشكل كما حدث مع أبو هريرة، قد يظهر الجان بشكل من الأشكال. كلمة (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ) إضافة إلى أنها حية صغيرة تتلوى بسرعة إضافة إلى إيحائها اللغوي يُدخل الفزع لذلك استعملها في مكان (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ). كلمة ثعبان أو حية لا تعطي هذه الدلالة. أناس كثيرون يمسكون الحية أو الثعبان ويقتلونها وفي الهند يمسكون بالثعبان. كل كلمة جعلها تعالى في مكانها.
الحية جاءت في مكان واحد لبيان قدرة الله تعالى (فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) طه) لم يقل أن موسى هرب أو فزع. ذكر ثعبان مع فرعون لأنه مخيف وذكر جان مع موسى لأنها تدخل الرعب على قلب موسى. ذكر ثعبان مرتين أمام فرعون وجان مرتين أمام موسى.(1/66)
سؤال: لماذا لم يذكر جان مع فرعون؟ لأنه مع الملأ الموجودين إذا كانوا مئات وتأتي بجان واحد ماذا يؤثر؟ لذا اختار ثعبان لأنه يحتاج إلى ضخامة وقوة.
آية (12):
* قصة موسى عليه السلام من أكثر القصص التي فيها متشابهة فما اللمسة البيانية في اسلك يدك (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (32) القصص) وأدخل يدك (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (12) النمل)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/67)
اسلك يدك في جيبك لا تناقض (أدخل يدك في جيبك) لكن يمكن أن نسأل ما سبب الاختيار؟ أصلاً (اسلك) إدخال بيسر وسهولة عموماً وأدخل يدك، كله إدخال لكن يبقى السؤال لماذا هنا اختار اسلك وهنا اختار أدخل؟ لاحظ السلوك كثيراً ما يتعمل في سلوك السهولة مثل سلك الطريق (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) نوح) (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (69) النحل)، الدخول لا يستعمل لهذه الصورة. نلاحظ في سورة القصص تردد سلوك الأمكنة والسُبل يعني سلوك الصندوق بموسى، سلوك أخته، سلوك موسى في الطريق إلى مدين عندما فرّ، سلوكه إلى العبد الصالح (قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25))، سلوك الطريق بالعودة إلى مصر فإذن أنسب استخدام (اسْلُكْ يَدَكَ)، في سورة النمل لم يرد كل هذا السلوك. من ناحية أخرى لو عرضنا هذه المسألة سنلاحظ أنه في القصص الجو في السورة السورة كلها مطبوعة بطابع الخوف كان مقترناً بأم موسى (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)) ثم انتقل الخوف إلى موسى لما قتل واحداً (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ (18)) (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ (21)) الصالح قال (قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)) حتى لما كلفه سبحانه وتعالى قال (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33)). في سورة النمل ليس فيها خوف وإنما قوة.(1/68)
إذن حالة الخوف واضحة في قصة موسى في سورة القصص أما في سورة النمل فمطلقة، السلوك أيسر من الدخول (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (69) النحل)أيسر، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ (21) الزمر) أيسر. أين نضع اليسر مع الخوف أو مع الشدة؟ اليسر مع الخوف أن ييسر عليه المسألة. ففي حالة الخوف ذكر أخفّ الفعلين (اسلك) مع حالة الخوف ذكر أخف الفعلين، مناسبة ومناسبة أيضاً لسلوك الطرق فمن كل ناحية أنسب والمعنى لا يختلف كلاهما يقال لكن اختيار بياني.
سؤال: ماذا قال ربنا في واقع الأمر: اسلك أو أدخل؟
هي لا تختلف، جاء أو أتى لما أترجم جاء أو أتى، قلت له إذهب أو امضِ، لكن اختيار إذهب أو امضِ، الإنسان البليغ يختار لسبب لكن المعنى لا يختلف، ماذا قال إذهب أو أمضِ أترجمها حسب قدرتي البيانية والبلاغية أقول إذهب أو امضِ.
من قصة سليمان عليه السلام(15- 44)
آية (16):
*في سورة النمل قال تعالى (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)) فكيف فهم سليمان كلام النمل مع أنه عُلِّم منطق الطير فقط؟(د.فاضل السامرائى)
التعبير لا يفيد الحصر، كونك تقول أعرف العربية لا يعني أنك لا تعرف غيرها. إذن هي لا تفيد الحصر، عُلِّم منطق الطير لكن لا ينفي أنه يعلم أموراً أخرى. هو قال علمنا منطق الطير لأن كلامه كان مع الهدهد وهذا ليس معناه الحصر، ليس فيها شيء ولا تفيد الحصر لم يقل ما علمنا إلا منطق الطير أو منطق الطير عُلّمنا فهذه تفيد الحصر.
آية (17):
*ما الفرق بين الحشر وسيق؟(د.فاضل السامرائى)(1/69)
نحشر معناه نجمع، الحشر من معانيه الجمع (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) النمل) (فَحَشَرَ فَنَادَى (23) النازعات) (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111) الأعراف) الحشر له معاني. إذن معنى حشر جمع ربنا قال يوم الجمع يوم الحشر ويأتي بمعاني أخرى لكن المعنى المشهور جمع. السَوْق ليس بالضرورة جمع فقد تسوق واحد أو اثنين أو أكثر. قال تعالى(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)مريم) الوفد لا بد أن يكتمل أفراده، إذن هو بعد الاكتمال يصير الحشر، الوفد يجب أن يكتمل. أما في قوله تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (73)الزمر) إذن ليسوا مجموعين، الزمر يعني جماعات جماعات، الزمرة الجماعة، زمراً يعني جماعات جماعات ليسوا وفداً مجموعين إلى أن يكتملوا فيصيروا وفداً فيحشرهم. يعني الذين اتقوا سيصبحوا زمراً لأنهم ليسوا بدرجة واحدة فيُساقون زمراً حتى إذا اكتملوا حُشِروا وفداً يصيروا وفداً الزمر ليس وفداً لا بد أن يكتمل.
*ما الفرق بين أتى وجاء في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)(1/70)
القرآن الكريم يستعمل أتى لما هو أيسر من جاء، يعني المجيء فيه صعوبة بالنسبة لأتى ولذلك يكاد يكون هذا طابع عام في القرآن الكريم ولذلك لم يأت فعل جاء بالمضارع ولا فعل الأمر ولا إسم الفاعل. المجيء صعب. قال تعالى(فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) عبس) شديدة، (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) النازعات) شديدة، (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) الغاشية) لم يقل أتتك الغاشية وإنما حديث الغاشية لكن هناك الصاخة جاءت والطامة جاءت. (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) النصر) هذا أمر عظيم هذا نصر لا يأتي بسهولة وإنما حروب ومعارك، (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) الإنسان) هذا نائم يمر عليه وهو لا يعلم، لم يكن شيئاً مذكوراً أي قبل وجوده لم يكن شيئاً مذكوراً قسم قال لم يكن شيئاً لا مذكوراً ولا غير مذكور وقسم قال كان شيئاً ولم يكن مذكوراً كان لا يزال طيناً لم تنفخ فيه الروح، ففي الحالتين لا يشعر بمرور الدهر فاستعمل أتى. إذن الإتيان والمجيء بمعنى لكن الإتيان فيه سهولة ويسر أما المجيء ففيه صعوبة وشدة ويقولون السيل المار على وجهه يقال له أتيّ مرّ هكذا يأتي بدون حواجز لأنه سهل. (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ (17) النمل) ليس هنا حرب، (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) يوسف) هذه فيها قتل. إذن هنالك فروق دلالية بين جميع كلمات العربية سوءا علمناها أو لم نعلمها. رأي الكثيرين من اللغويين قالوا ليس هناك ترادف في القرآن إلا إذا كانت أكثر من لغة (مثل مدية وسكين) ولا بد أن يكون هناك فارق.
آية (18):(1/71)
*(حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) النمل) ما الإعجاز البلاغي في الآية؟ (د.فاضل السامرائى)
هم يقولون هذه النملة يذكرون عدة أمور فيها، يقولون أحسّت بوجود سليمان وبادرت بالإخبار ونادت (يا أيها النمل) ونبّهت (أيها) وأمرت (ادخلوا) ونهت (لا يحطمنكم) وأكّدت (نون التوكيد) ونصحت وبالغت (يحطمنّكم) كلكم لا يترك واحدة منكم، وبيّنت (من الذي سيحطمهم) وأنذرت وأعذرت سليمان (وهم لا يشعرون) ونفت. هنالك ما هو أهم من هذا في التركيب والتأليف وليس المهم هذا الجمع لكن تأليف العبارة، كل عبارة نقولها يمكن أن نذكر جملة أمور من هذا النوع لكن كيف تركبت هذه العبارة؟ قالت (يا أيها النمل) ولم تقل يا نمل، كلها نداء لكن (أيها) فيها تنبيه، المنادى في الحقيقة النمل وليس (أي) نعربها منادى ولكن توصل، حتى إذا كانت واحدة مشغولة تسمع فيما بعد، لو قالت يا نمل وواحدة لم تسمع يفوتها النداء، هذا تنبيه وهذا الفرق بين يا نمل ويا أيها النمل. قالت (ادخلوا) هذا الخطاب بضمير العقلاء ولم تقل ادخلي أو ادخلن فخاطبتهم بالعقلاء العاقل يعي النصيحة ثم قال (مساكنكم) يعني كل واحدة تدخل إلى مسكنها وكل واحدة تستقر فيه ونفهم أن لكل نملة مسكن، والإضافة إلى ضمير العاقل (كم) في مساكنكم. ثم ذكر سليمان بإسمه العلم ولم تذكر الصفة لا تتحمل المسألة أولاً النمل يعرفه وإن لم يذكره لأن هذا يحكم الجميع وهو غير مجهول وحتى يبادروا فوراً بالدخول.(1/72)
وقال وجنوده لم تقل ولجنود، سليمان هذا الحاكم له جنود كثيرين من الطير وغيرهم لو قالت الجند لكانت تعني العساكر فقط أما جنوده فكثيرين (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) النمل)، ثم قالت وهم لا يشعرون نفت شعورهم ولم نفي العلم ما قال فهم لا يعلمون. يعني جنود تشمل الإنس والطير، (جنوده) إضافة لسليمان تعظيماً له وجنود سليمان كثيرة ومتعددة ومتنوعة (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) الطير من جنود سليمان أيضاً.
سؤال: هل كانت النملة تكلمهم بلسان الحال؟
سيدنا سليمان عُلم منطق الطير فتبسم ضاحكاً من قولها، سمع الكلام وأدركه وهي تخاطبهم.
(لا يحطمنكم) لا يحطمنكم نهي تنهي النمل عن التواجد في مثل هذا المكان حتى لا يُحطم. أصحاب الإعجاز العلمي يقفون عند (يحطمنكم) يقولون أن النمل مصنوع من مواد سيليكونية قابلة للتحطيم.
فى إجابة سابقة للدكتور فاضل السامرائى:(1/73)
قال تعالى في سورة النمل (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {18}) فالنملة حذّرت ونادت ونصحت قومها وأنذرت وعممت وأكدّت وقصّرت وبالغت وغيره وكل هذا ليس مهماً فكل كلام يقال فيه أوجه بلاغية لكن المهم كيف عبّر عن ذلك. فالنملة بدأت مخاطبة قومها مخاطبة العقلاء وجاءت بلفظ مساكنكم ولم تقل بيوتكم أو جحوركم لأنهم في حالة حركة والحركة عكسها السكون فاختارت لفظ المساكن من السكون حتى يسكنوا فيها ولم تقل المساكن والجحور وإنما قالت مساكنكم أي أن لكل نملة مسكنها الخاص الذي تعلم مكان،ه ولم تقل ادخلن وإنما قالت ادخلوا ، ثم أكدّت بالنداء بقولها (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) حرف النداء الدال على البعد حتى يسمعوا نداءها، وقالت سليمان وجنوده ولم تقل جنود سليمان حتى ترفع العذر عن سليمان أيضاً فلو قالت جنود سليمان لكان سليمان غير عالم إذا كان قاصداً أو غير قاصد وجاءت بلفظ سليمان بدون أي لقب له كالنبي سليمان للدلالة على أنه مشهور بدون أن يوصف، ثم حثتهم على الإسراع في التنفيذ قبل أن تنالهم المصيبة، ونسبت الفعل لسليمان (لا يحطمنكم) وفعل يحطمنكم مقصود في الآية لأنه ثبت علمياً أن جسم النمل يتركب معظمه من كمية كبيرة من السليكون الذي يدخل في صناعة الزجاج والتحطيم هو أنسب الأوصاف للفعل الدالّ على التكسير والتهشيم والشدة. إذن ليس المهم جمع أوجه بلاغية في التعبير لكن المهم كيف التعبير عن هذه الأوجه وهذا ما يتفرّد به القرآن الكريم.
*(حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) النمل) لماذا لم يقل لكيلا يحطمنكم؟ (د.فاضل السامرائى)(1/74)
يجب أن نعرف ما هي (لا) في الآية. يعتقد أن (لا) هذه نافية لكنها هي ناهية. مثل (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ (27) الأعراف) أي لا تفتتنوا بالشيطان. (لكي) تدخل على (لا النافية). (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) هذه لا الناهية وفي الآية (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ) لا هنا ناهية وليست نافية.
سؤال: ما الفرق بين التحطيم والتهشيم؟
التحطيم كسر الشيء اليابس تحديداً واختلفوا في التهشيم. التهشيم يقولون في كل شيء وليس في اليابس وحده حتى الرطب يمكن أن يهشَّم. هشم أي كسر قسم جعله في اليابس وقسم في اللغة قالوا هو عام. لكن السؤال هو (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)) في سورة النمل هم يقولون أن النمل وقسم من الحشرات فيها مادة السليكون ما يُصنع منه الزجاج وهو قابل للتحطيم فيقول تحطيم إذن التحطيم أخص والتهشيم أعم.
*ما دلالة (لا) في آية سورة النمل (لا يحطمنكم سليمان وجنوده)؟ (د.فاضل السامرائى)
لا هنا من باب النهي وليس النفي مثل قوله تعالى (لا تغرنّكم الحياة الدنيا) على رأي أكثر المفسرين بمعنى لا تتعرضوا لأن يحطمكم سليمان وجنوده. وهذ على خلاف ما جاء في قوله تعالى (لا تخاف دركاً ولا تخشى) حيث أن (لا) هنا للنفي. حتى في آية سورة النمل يمكن أن تكون (لا) للنفي أيضاً والله أعلم.
آية (19):
*ما إعراب كلمة ضاحكاًفي قوله تعالى (تبسّم ضاحكاً من قولها)؟ (د.فاضل السامرائى)
(فتبسّم ضاحكاً): حال مؤكدة (إسم فاعل).
*ما الفرق بين الحال المؤكّدة والحال المؤسسة؟ (د.فاضل السامرائى)(1/75)
الحال المؤكدة: هي التي يستفاد معناها من غيرها ومما قبلها وهي مؤكدة لصاحبها أو لمعنى الجملة كقوله تعالى (فتبسّم ضاحكاً من قولها) والتبسّم هو الضحك. وكأن نقول مثلاً: قدر مستطيعاً.
الحال المؤسسة: هي التي لا يستفاد معناها من غيرها.
آية (20):
* د.فاضل السامرائى :
عندنا في مزايا اللغة العربية التي لا يمكن التعبير عنها في اللغات الأخرى تعدد أدوات النفي. تقول أنا ما أذهب، أنا لا أذهب، أنا إن أذهب، أنا لست أذهب، كلها تقولها في الإنجليزية I don’t go. (إن أذهب) وردت مثلها في القرآن في قوله (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (109) الأنبياء) بمعنى نفي (ما). في القرآن قال (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ (9) الأحقاف) نفاها بـ (ما)، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (34) لقمان) قال (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق) قال ما أدري وقال إن أدري وقال لا أدري، نفاها كلها. الفرق من حيث الدلالة المعلوم المشهور أنه إذا نفيت الفعل المضارع بـ (ما) دلّ على الحال يعني ما أدري الآن، لا أدري أكثر النحاة يخصصوها للإستقبال لكن قسم من النحاة يقول هي للحال والاستقبال مطلقة وأكثرهم يخصصوها بالإستقبال والزمخشري يقول لا ولن أختان في نفي المستقبل وهذا عليه أكثر النحاة وأنا أميل أنها تكون للحال والاستقبال وأستدل بما استدل به بعض النحاة في القرآن (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ (20) النمل) حال، (أنا لا أفهم ما تقول) حال، (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (48) البقرة) للإستقبال فهي إذن مطلقة. خاصة هي منتهية بالألأف والألف حرف مطلق لا يمتد به الصوت فهي ممتدة. (إن أذهب) إن أقوى كما يقول النحاة. (لست أذهب) ليس فيها الكثير أنها تنفي الحال لكن فيها جملة إسمية وفعلية فهي مركبة. ((1/76)
لم أذهب) هذا المضارع، ما ذهبت، لمّا أذهب، إن ذهبت، لست قد ذهبت، كلها نقولها بالانجليزية I didn’t do صيغة واحدة، (ما) جواب القسم أصلاً، (لمّا) اللام كما بدأ بها سيبويه في باب نفي الفعل قال فعلت نفيه لم أفعل، والله لقد فعل نفيه ما فعل، قد فعل نفيه لمّا يفعل، ليفعلنّ نفيه لا يفعل، سوف يفعل نفيه لن يفعل، هذه النصوص موجودة وكل واحدة لها دلالة.
آية (22):
* ما الفرق بين النبأ والخبر؟ (د.فاضل السامرائى)
النبأ كما يقول أهل اللغة أهم من الخبر وأعظم منه وفيه فائدة مهمة (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) النمل) وفي القرآن النبأ أهم من الخبر (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) ص) (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) النبأ). والنبأ في اللغة هو الظهور وقد استعمل القرآن الكريم كلمة خبر مفردة في موطنين في قصة موسى - عليه السلام - (قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) القصص) (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) النمل) وهناك فرق بين الخبر والنبأ العظيم. وفي أخبار الماضين والرسل استعمل القرآن نبأ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) التغابن) .
آية (29):
*(إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) النمل) ما دلالة كلمة (إني)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/77)
هي المعنية هي صاحبة الشأن فـ (إن) تفيد التوكيد وهي صاحبة القرار. ثم هي ملكة ألقي إليها رسالة ولم يأت به رسول كريم والرسالة عادة يجب أن يأتي بها وفد يأتي رسول إلى ملك يحمل الكتاب فهذه حالة غريبة قالت (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) على غير المتوقع كيف ألقي هكذا إلقاء وهي ملكة؟! لم يأت من يحمل الكتاب لها.
آية (32):
*ما دلالة نون الوقاية وما إعرابها؟( د. حسام النعيمي )
نون الوقاية ليست لها دلالة (دَلالة بفتح الدال ودِلالة بالكسر والدَلالة بالفتح أعلى لأن الدِلالة تختلط بالمهنة: الدِلالة مهنة المكاتب، مكاتب البيع والشراء مثل النِجارة والحِدادة والسِباكة، فهي مِهَنٌ والدَلالة أعلى وكلاهما لغتان فصيحتان لكن الدَلالة أعلى لأنها لا تختلط بالمهنة والدِلالة هي المهنة قطعاً).
إعراب نون الوقاية: النون للوقاية وليس لها محل من الإعراب لأنها لا تكون في محل رفع أو نصب أو جرّ. نون الوقاية نعني بها النون يؤتى بها لوقاية الحرف الذي قبلها من أن تتغير حركته أو سكونه. لا تلحق نون الوقاية الإسم لأنه يُجرّ فلا نحتاج إلى نون الوقاية (تقول هذا كتابي ولا تقول هذا كتابني) وإنما تلحق الفعل والحرف للحفاظ على الحركة لأن الحرف يكون مبنياً، والفعل لا يُكسَر حتى المضارع المتحرك لا يُكسر يمكن أن يرفع أو ينصب لكن لا يُكسر فلذلك جاءوا له بنون الوقاية وفي الغالب قالوا لوقاية الفعل.
في قوله تعالى: (أفتوني في أمري) هذا فعل أفتوا المتكلمة لا يصح أن نقول أفتوي فلا بد من أن تأتي نون الوقاية حتى تقي الفعل وتحفظه فقالت أفتوني والنون هي نون الوقاية.
* لماذا جاء الفعل المضارع على هذه الصيغة بعد حتى فى قوله تعالى (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) النمل)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/78)
في قصة سبأ الآية (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) النمل) هذا منصوب بحذف النون والنون الموجودة في الفعل (تشهدون) هي نون الوقاية والأصل تشهدونني فهذا نصب وليس جزماً والفعل منصوب بحذف النون والياء المحذوفة هي مفعول به والنون للوقاية.
آية (35):
*لماذا استعمل صيغة الجمع في قوله تعالى (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) النمل)؟(د.حسام النعيمى)
المرسلون هنا ليس المراد بهم النبي وإنما الذين أرسلتهم بلقيس يحملون الهدايا. بلقيس قالت (وإني مرسلة إليهم بهدية) فكلمة مرسلون تشير إشارة إلى عِظم الهدية التي أرسلتها بحيث أنه كان مع الهدية مجموعة من الرسل الذين نقلوها إلى سليمان - عليه السلام - يعني فيها إشارة هذا الجمع هنا هي لم ترسل إنساناً واحداً بالهدية وإنما أرسلت مجموعة فيها إشارة إلى عِظم الهدية التي أرسلتها وملك يهدي إلى ملك لا بد أن تكون الهدية مناسبة. الهدية جنس منكّر، ترى ما هذه الهدية التي أرسلتها؟ لا شك أنها هدية تتألف من أمور كثيرة وعظيمة أولاً تشير إلى منزلتها لأن الهدية منزلتها من منزلة المُهدي (كما قيل لأحدهم لِمَ تعطي هذا العجوز التي قدمت لنا الطعام كل هذا المال فهي لا تعرفك قال أنا أعرف نفسي) الهدية بموجب الذي يهدي. هي لا شك لم ترسل إنساناً واحداً وإنما أرسلت مجموعة من الناس يحملون هذه الهدية فلا غرابة مطلقاً في (بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ).
آية (37):
*ما الفرق بين الطاقة والقِبَل (قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ (249) البقرة) و (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا (37) النمل)؟(د.فاضل السامرائى)(1/79)
الطاقة القدرة والقِبَل القدرة على المقابلة والمجازاة على شيء تقول أنا لا قِبَل لي بكذا ولذلك (لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا) أي لا قدرة لهم عليها، لا قدرة لهم على المقابلة، لا قدرة لهم على مقابلتها بينما هم أصحاب قوة. (لا قبل لهم بها) هذا كلام سليمان، جماعة بلقيس قالوا (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ (33)) أي عندهم قوة وعندهم بأس في الحرب يستطيعون المقابلة. (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا) أي لا يستطيعون أن يقابلونا من البداية.أما في الثانية (قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ) أي ليس عندنا قوة ولا قدرة أصلاً. الأولون قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده هم اصلاً ليس عندهم قوة.
آية (40):
*ما الفرق بين (علم من الكتاب) فى سورة النمل و(علم الكتاب) فى سورة الرعد؟(د.أحمد الكبيسى)(1/80)
عندنا آيتان في كلمة "علم الكتاب". تعرفون قضية بلقيس وسيدنا سليمان والعرش (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ {38} قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ {39} قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ {40} النمل) الآية الثانية (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ {43} الرعد) آية تقول أن هؤلاء الناس عندهم علم من الكتاب وليس كل الكتاب هذه الآية تقول عنده كل علم الكتاب (كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) آيتان لا بد من البحث والتقصي عن أسباب الاختلاف بين علم الكتاب وعلم من الكتاب ولا يمكن أن يكون هذا عبثاً وكفى بالله في هذا الكتاب العزيز حُكماً. طبعاً المفسرون لو تتبعتوهم ما من رأي يشبه رأياً فالقضية من اللامعقول وكل واحد يحاول أن يستنبط وأن يضيف وأن يقيس وأن وأن ومن فضل الله أن كل ما قالوه كان صحيحاً مع اختلافهم فيما قالوه.(1/81)
يعني مثلاً باختصار شديد: أولاً ما معنى الكتاب؟ ما هو الكتاب؟ الله قال (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا {32} الكهف) كل بناية في هذا العالم وكل مؤسسة وكل عاصمة وكل سيارة تشتريها تجد معها كتيباً يشرح لك هذه السيارة بكل تفاصيلها من ألفها إلى يائها هذا الكتاب له أسماء غربية كتالوج والخ لكن هو كتاب يشرح لك خفايا وأسرار وتفصيلات هذه السيارة أو هذه العمارة أو هذه المؤسسة أو هذه العاصمة، هذا الدليل من الناس من يعرفه كله لا يغمض عليه شيءٌ منه هو يعرف لغات وعنده خبرة هندسية فلما قرأ هذا الكتاب فهم السيارة من ألفها إلى يائها بحيث لم يعد يخفى عليه ولا جزء واحد هذا عنده علم الكتاب، كل الكتاب صار في علمه. هناك واحد مثلي أنا ومثلي كثيرون والله يمكن لا يعرف سطرين لا نعرف فقط تعرف أن تشغل السيارة وتمشي أما هذا الكلام والتفاصيل لا أفهم منها شيئاً لو أقرأها مائة سنة لا أفهم منها شيء في ناس تفهم شوي أكثر في ناس شوي أكثر نتفاوت في الفهم أما أن أفهم الكتاب كله هذا قمة.(1/82)
طبعاً المفسرون عندما فسروا (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ) أي أن الله سبحانه وتعالى هذا الكتاب الذي هو دليل الكون، يا أخوان هذا الكون كما في الدنيا ما في مؤسسة إلا فيها كتاب دليل يعلمك كيف تعرف أسرار هذه البناية، هذه المؤسسة، هذه السيارة، هذه الطيارة، هكذا رب العالمين عز وجل (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {59} الأنعام) لو تقرأ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ{36} التوبة) (وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {61} يونس) كل شيء في هذا الدليل (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {6} هود) الخ (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى {52} طه) (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {75} النمل) (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {11} فاطر) (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ {4} ق) (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ {77} فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ {78} الواقعة) (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ{22} الحديد).(1/83)
إذاً هناك نوعين من الكتب هناك لكل شيءٍ كتاب (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا {103} النساء) كل ما في هذا الدين أجزاء متكاملة في كتاب (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا {145} آل عمران) كتاب الموت، هذه الكتب جميعاً وهي بالمئات بل بالآلاف التي تحوي أمر الله وقدرته وعلمه المتعلق بذلك الشيء بالكامل هذه كلها مجموعة في كتاب واحد سماه الإسلام اللوح المحفوظ. هذا اللوح المحفوظ كتاب الكتب، كل الكتب فيه. كل واحد من الناس قد يعرف كتاباً من الكتب وهذا في كل البشرية سواء كان يهوداً أو نصارى أو مسلمين كل من له نبيٌ ورسولٌ من السماء وله كتاب من الكتب المقدسة تجد فيهم واحد اثنين ثلاثة يسمونهم الأحبار، يسمونهم الرهبان، يسمونهم العلماء، يسمونهم العارفون بالله أنواع من التسميات أن هذا الإنسان له إلمام بالله عز وجل من حيث قدرته ومخلوقاته عندما يتأمل ويتفكر أصبح رجلاً يستطيع أن يشرح لك ما في كتاب هذا الكون والكون فيه كتاب كامل، دليل كامل. إذا كان دليل السيارة جزئي فاللوح المحفوظ هو الكتاب الكامل الذي فيه هذا الكون. من هو الذي يعرف بعض الكتاب والكتاب؟ آراء المفسرين كثيرة ناس قالوا هو سليمان نفسه وناس قالوا أحد وزرائه وناس قالوا لقمان الخ أشكال.(1/84)
وحينئذٍ كل هذا الكلام صحيح لأن كل واحد من هؤلاء الناس له علم من الكتاب سواء كان أنبياء أو رسل أو علماء صالحين أو ناس من أهل الله أو عارفون كل واحد له معرفة بالله اسمه العارف بالله، لكن الذي يعلم الكتاب كله واحد بعد الله عز وجل، بعد الله عز وجل واحد يعلم الكتاب طبعاً العلم هذا كلام أيضاً اجتهاد أنا لا أدعي أني وصلت إلى النهاية وما في غير هذا لا أنا أدلي بدلوي مع الذين أدلوا والذي اكتشفته أن كل الأسماء التي ذكروها حوالي عشرين ثلاثين إسم على أساس هؤلاء عندهم علم الكتاب كلهم صح لأن هؤلاء كثيرون والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "إن من أمتي أناس محدثين فإن يكن فعُمَر" عمر محدَّث. كل واحد يمكن أن يكون عنده علم من الكتاب إما عن طريق صلاح رب العالمين يقذف في قلبه علماً (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا {65} الكهف) (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا {113} النساء) هذا عام، أشكال وألوان في المسيحية في ناس، في اليهودية في ناس، في الإسلام في ناس، على مر العصور يعني إذا كان هذا الكتاب يعني الغيب والمستقبل وتفصيلات ما فينا واحد في يوم من الأيام إلا وقد رأى رؤيا في المنام تنبؤه عما سوف يحدث في المستقبل علم الغيب هذه قضية مسلَّم فيها كرؤيا العزيز، كرؤيا ملك مصر ورؤيا إبراهيم ورؤيا يوسف وهكذا حينئذٍ لما رأى أحد عشر كوكباً وفعلاً تطبقت بالضبط ما فينا واحد إلا رأى رؤيا ثم جاءت بعد أسبوع أسبوعين مثل فلق الصبح تخبره بما سوف يحدث له. إذا كان هذا يحدث في المنام فلا أن يحدث في اليقظة أفضل وأهمّ ولهذا رب العالمين ممكن أن يضع علمه في أي عبدٍ من عباده لكن جزئي. الذي عنده علم الكتاب كاملاً طبعاً منهم من قال محمد صلى الله عليه وسلم وطبعاً المصطفى على رأسي (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ).(1/85)
حينئذٍ نقول كثير من المفسرين قال فلان وفلان حقيقةً تقريباً كان كلهم يميلون إلى أنه "آصل البرقيه" أحد علماء سيدنا سليمان عليه السلام في زمانه وكأن الله سبحانه وتعالى علمه علم الكتاب فحينئذٍ هذا هو الذي في الحقيقة هو صح هذا الرجل يعلم علماً من الكتاب. وأبو بكر الصديق وعمر يعلمان علماً من الكتاب وكثير. مثلاً شخص دخل على سيدنا عثمان قال له: إني أرى في وجهك الزنا فذاك ذهل فقال له: أوحيٍ بعد رسول الله؟! هذا علم من الكتاب هذا علم الكتاب لا يتعلم هذا العلم لا يُتعلَّم وإلا العلم العام يتعلم العلم بالتعلم لكن هذا لا هذا يوهب من الله عز وجل بأنك ترى ما لا يرى غيرك هذا علمٌ من الكتاب أي شيءٌ من العلوم ليس كل الكتاب. وسيدنا الخضر أيضاً علمٌ من الكتاب لو كان الخضر يعلم كل علم الكتاب لكان النبي أولى النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما هو كائن وما يكون إلى يوم القيامة، كل ما يجري في هذا اليوم أحاديث صحيحة تخبر عنه (لا تقوم الساعة حتى يكون الروم أشد الناس عليكم) أي الغربيون، (لا تقوم الساعة حتى لا يدخل إلى العراق قفيزٌ ولا مدٌ..) يعني حصار كامل ويذهب وراح على سوريا وراح على فارس وأنت ترى الآن كل هذا.(1/86)
إذاً النبي صلى الله عليه وسلم عنده علم من الكتاب واسع الذي عنده علم الكتاب كامل - حسب رأيي كما قلت لكم - الله سبحانه وتعالى هذا مفروغ منه لكن من المخلوقين جبريل فقط لماذا؟ أنا كان يسرني أن أقول النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أنت لو تقرأ السنة كثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفسر من جبريل عن بعض الظواهر ما هذا يا أخي جبريل؟ يقول له كذا كذا، يعلمه والله أعلم طبعاً هذا مجرد اجتهاد ولا ألزم به أحد لكن لما تعرف أن جبريل ما سأل النبي عن شيء وجبريل كان أميناً كما قال تعالى في كتابه العزيز امتدحه مدحاً كاملاً أنه أمين والخ ومن أجل هذا الوحيد بعد الله عز وجل الذي يعلم علم الكتاب كاملاً لأنه موكل به. يقول بعض المفسرين إن لله ملكاً آخر اختصه الله، خلقه الله عز وجل للوح المحفوظ لكن ما قال اسمه ولا ما هو، على كل حال إذا صح فهذا عظيم أيضاً إذا كان خلق من أجل هذا والمفروض أن كتاب كهذا يحوي سفر الكون كله جدير بأن الله يخلق له ملكاً. لكن جبريل عليه السلام من وقائعه مع كل الأنبياء، مع سيدنا آدم والذين من بعده ومع سيدنا موسى وسيدنا عيسى ومع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتصرفاته كان ينهاهم ويصلحهم (أتدري يا محمد من فعل كذا من هؤلاء؟) إذاً يبدو أن هذا المخلوق العظيم إنما هو يعرف كل الكتاب بعد الله عز وجل.
سؤال:هل العلم يختاره الله لأشخاص معينين أم لجميع البشر؟ الإجابة: قطعاً لا يمكن أن يكون هذا العلم إلا باختيار الله لأن هذا العلم غير مكتسب لو كان مكتسباً لحاولنا كلنا ولكنه علمٌ موهوب.(1/87)
سؤال:أنا أنبه على آية لعلها تربطنا بما تتفضل به وهي قوله تعالى (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ {15} وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ {16} النمل)، الإجابة: بارك الله فيك أنت الآن حسمت الموقف هل أن منطق الطير يُتعلَّم أو يوهب؟ قطعاً يوهب إذاً هذا علمٌ وهبه الله عز وجل لهذين النبيين العظيمين، ولهذا قس على هذا في التاريخ ما لا حصر له.
آية (42):
*بالنسبة لسيدنا سليمان عليه السلام في القرآن في سورة النمل قال (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) النمل) هل بلقيس جاءت لسليمان فكيف عرفت أن عرشها عند سليمان؟ وكيف جاءت؟(د.فاضل السامرائى)
هي قالت كأنه هو لما سألها عن عرشها ولم تقل أنه عرشها. هي كانت في مملكتها في اليمن، هي لم تعرف أن عرشها عند سليمان.
من قصة قوم صالح (45- 53)
آية (47):
*ما الفرق بين قوله تعالى(قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)يس) وقوله (قالوا اطيرنا بك وبمن معك(47)النمل)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/88)
تطيرنا بكم أي تشاءمنا بكم فلم نر على وجوهكم خيراً في عيشنا. في سورة النمل في قوم صالح (قالوا اطيرنا بك وبمن معك (47) النمل) أبدل وأدغم فلم لم يقل فى يس كما قال هنا؟ والجواب أنا ذكرنا في كتابنا بلاغة الكلمة في التعبير القرآني أن (اطّير) ونحوه كادّبّر واطّهّر أبلغ من (تطير) ونحوه لمكان التضعيف في الفاء زيادة على تضعيف العين فدل على أن التطير في سورة النمل أشد منه مما في هذه الآية، يدل على ذلك أنهم في هذه الآية هددوهم بالرجم والتعذيب إن لم ينتهوا. وأما في سورة النمل فقد تعاهدوا وتقاسموا بالله على قتله مع أهله (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله (49) النمل) فدل على أن تطيرهم في سورة النمل أقوى وأشد.
وقد تقول إذا كان الأمر كذلك فلم إذن أكّد التطير بـ (إنّ) في سورة يس فقال (إنا تطيرنا بكم) ولو يؤكده في سورة النمل فإنه قال (قالوا اطيرنا)؟ والجواب أنه لا يلزم في الكلام توكيد كل فعل فيه مبالغة وشدة دوما فإنه إذا ذكر المتكلم فعلاً أقوى وأبلغ من فعل أو وصفاً أقوى من وصف لا يلزمه أن يؤكد الفعل أو الوصف الأقوى منهما وإنما يكون ذلك بحسب الغرض فله أن يؤكد أي واحد منهما بحسب ما يقتضيه الكلام فله أن يقول مثلاً (اصطبرت عليك وإني صبرت على فلان) فيذكر الإصطبار من دون توكيد ويؤكد الصبر مع أن الاصطبار أبلغ وأقوى من الصبر لأن الغرض من العبارة أن يخبر باصطباره عليه ويؤكد صبره على الآخر.
ولك أن تقول (إنه كاذب) فتؤكد إسم الفاعل وتقول (هو كذاب) فلا تؤكد صيغة المبالغة مع أن المبالغة أقوى من إسم الفاعل ولا يلزم من مبالغة الوصف التوكيد وإنما يكون ذلك بحسب الغرض. قال تعالى (وإنهم لكاذبون) في أكثر من موطن فأكّد بـ(إنّ) واللام.
وقال (هذا ساحر كذاب (4) ص) و(بل هو كذاب أشر (25) القمر) ولم يؤكد مع أن (كذاب) صيغة مبالغة فأكد إسم الفاعل ولم يؤكد المبالغة.(1/89)
والذي أريد أن أخلص إليه أن المبالغة في الفعل والوصف لا تقتضي التوكيد دائماً وإنما ذلك بحسب الغرض والمقام فلك أن تؤكد أيّ فعل أو وصف أو لا تؤكده ولك أن تؤكد ما هو أقل مبالغة ولا تؤكد الأقوى وبالعكس فكل ذلك إنما يكون بحسب ما يقتضيه الكلام. وإيضاح ذلك أنك قد تذكر شخصاً هو موضع ثقة كبيرة عند من تخاطبه فتقول له (هو كاذب) فينكر ذلك عليك فتؤكد ذلك بقولك (إنه كاذب) ثم ينكر عليك قولك إنكاراً أشد ن الأول فتقول له (إنه لكاذب). وتقول عن شخص آخر معروف بكثرة الكذب (هو كذاب) فلا تحتاج إلى توكيد لأن مخاطبك لا ينكر ذلك عليك. فأنت احتجت إلى أن تؤكد إسم الفاعل دون المبالغة.
ونعود إلأى الآيتين فنقول إن قوم صالح أخبروه بتطيرهم الشديد وأما أصحاب القرية فإنهم أكدوا تطيرهم وهو نظير قولنا (اصطبرت عليك وإني صبرت على فلان) أو (هو مكتسب وإن زيداً كاسب) فيؤكد الأقل دون الأقوى.
إنه في آية يس قوله (قالوا اطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) أكد التطير بـ (إنّ) وفي آية النمل وهي قوله (قالوا اطيرنا بك وبمن معك) لم يؤكده ذلك أن كل موطن يقتضي ما ذكر فيه.(1/90)
فإن أصحاب القرية أطالوا في كلامهم ولم يكتفوا بذكر التطير وإنما هددوهمبالرجم والتعذيب فقالوا (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) في حين كان الكلام موجزاً في سورة النمل فقد ذكروا التطير ولم يهددوهم بشيء فناسب الإيجاز الإيجاز وناسب التفصيل التفصيل. ولا شك أن القول (تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب الأيم) أطول من (اطيرنا بك وبمن معك). هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن أصحاب القرية هددوهم بالرجم والتعذيب مؤكدين ذلك بالقسم ونون التوكيد (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) فناسب ذلك توكيد التطير في حين أن قوم صالح لم يهددوهم بشيء فناسب التوكيد في آية يس دون آية النمل. وهناك أمر آخر وهو أن رهطاً من قوم صالح كانوا يدبرون له ولأهله أمراً خفياً لا يريدون إشاعته ولا أن يعلم به غيرهم وهو أن يبيتوه وأهله بليل أي أن يغيروا عليهم ليلاً ويقتلوهم من دون أن يعلم أحد ثم إنهم إن سئلوا عن ذلك أجابوا أنهم لا يعلمون ذاك وقد تعاهدوا على ذلك وأقسموا عليه (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله) وهذا يقتضي عدم التهديد والتوعد المعلن لأنه سيفتضح أمرهم بل يقتضي عدم التوكيد في الكلام ولذا ذكروا أنهم متطيرون بهم ليس غير. فاقتضى كل موطن التعبير الذي ورد فيه. هذا علاوة على تردد التوكيد بـ(إنّ) في قصة أصحاب القرية أكثر من مرة (إنا إليكم مرسلون، إنا إليكم لمرسلون، إنا تطيرنا بكم، إني إذا لفي ضلال مبين، إني آمنت بربكم فاسمعون). في حين لم يرد ذلك في قصة صالح إلا قوله (وإنا لصادقون) فناسب كل تعبير موطنه وأما قوله (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين (51)) وقوله (إن في ذلك لآية (52)) فهذا من التعقيب على القصة وليس فيما دار فيها من كلام.(1/91)
جاء في التفسير الكبير: "لما ظهر من الرسل المبالغة في البلاغ ظهر منهم الغلو في التكذيب فلما قال المرسلون (إنا إليكم مرسلون) قالوا (إن أنتم إلا تكذبون) ولما أكد الرسل قولهم باليمين حيث قالوا (ربنا يعلم) أكدوا قولهم بالتطير بهم".
آية (50):
*ما الفرق بين المكر والكيد والخديعة؟(د.أحمد الكبيسى)
عندنا ثلاث كلمات عجيبة غريبة (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ) (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) النمل) وعندنا (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)) وعندنا (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) أساليب تعامل ناس غير مؤمنين وغير صالحين مع الله عز وجل وهو تعاملهم مع الناس أنت هناك من يمكر بك ومن يكيد لك ومن يخادعك وهذا شأن الناس جميعاً في بعض تصرفاتهم. فما الفرق بين (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ) (وَمَكَرْنَا مَكْرًا) وبين (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا) (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ (76) يوسف) (إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يوسف) وبين (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) النساء)؟(1/92)
المكر سر في الإنسان عن طريقه يعني تضعه في مكان معين يفرح به وظيفة عالية تجعله غنياً بعد فقر، تعطيه رتبة هائلة مثلاً كان جندياً بسيطاً تجعله لواء، يعني تكرمه إكراماً زائداً ولكن هذا ليس لمصلحته وإنما تريد أن تقلب به الأرض، هذا المكر (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا). مثلاً قارون أعطاه الله مالاً (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ (76) القصص) ولما رب العاليمن أعطاه هذا المال ليسعده به وإنما أراد أن يمكر به (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ (81) القصص) هكذا شأن الذين يتعاونون مع الطغتة في كل التاريخ، هذا الطاغية سواء كان استعماراً أو محتلاً يأتي بعملاء يعطيهم فلوس ومناصب وقصور وأرصدة في الخارج يسعدهم سعادة وهمية وهم فرحون بذلك ولكن هو لا يعني هذا هو يمكر بهم وفي النهاية سوف يأخذ كل شيء منهم ثم يلقيهم في التهلكة وهذا يحصل كل يوم ناس تتعاون مع محتلين وعصابات وجماعات وقتلة كثير في التاريخ ثم بعد ذلك يقلبونهم قلبة هائلة. قبل سنتين قرأت في جريدة البيان في دبي عن واحد فلسطيني نظموه اليهود جاسوساً لهم وتكلم في مذكراته كيف أعطوه شقة في القدس وشقة في حيفا وشقة في إيطاليا وأرصدة هائلة إلى أن صار أسعد الناس ثم لما انتهى عمله نكبوه نكبة هائلة وتحدث كيف فعلوا به. هذا الجيش في لبنان الذي خدم إسرائيل ثلاثين سنة وأعطوه دبابات وفلوس ثم لما صارت المشكلة وهربوا إلى إسرائيل انتقموا منهم إنتقاماً أمام شاشات التلفزيون في العالم مزقوهم مزقاً، هذا هو المكر.(1/93)
الله تعالى قال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ (36) الأنفال) (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ (16) الحشر) الشيطان قال للإنسان اكفر وأنا سأعطيك ويوم القيامة أنكر (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ (22) إبراهيم) (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) الزخرف) (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ (166) البقرة) هذا المكر. من مكرهم بالله أنهم فلسفوا الكفر، كيف مكروا بالله؟ لو تعرف كيف يتكلم هؤلاء، إقرأ كل ما في القرآن الكريم عن وجهة نظر هؤلاء عملوا فلسفة (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا (5) ص) (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا (3) ق) وقس على هذا كلام وفلسفة وجماعات وطروحات وفلاسفة هؤلاء الشيوعيون في الاتحاد السوفياتي طلع عندهم فلاسفة وكتب ودور نشر وإذا بها هباء منثوراً كأن لم تكن. (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (33) سبأ) قال حينئذ (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) هذا هو المكر ولهذا كل من يعطي عطاء الهدف منه توريط المعطَى وليس إسعاده وإنما إلهلاكه بهذا العطاء يسمى مكراً. الإتحاد السوفياتي هذا أغوى دولاً عشرين ثلاثين دولة عملهم شيوعيون في آسيا وعند العرب ثم ذهب وقطعوا إرباً هذا هو المكر. الكيد هو دقة التدبير الخفي (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ (76) يوسف) رب العالمين أراد أن يجعل يوسف ملك مصر ويوسف صغير عند يعقوب كيف؟! يقول القول الحكيم: لو يعلم العبد كيف يدبر الله الأمور لذاب فيه عشقاً.(1/94)
شيء عجب ولذلك كل واحد منا مر في حياته أشياء كان يكرهها (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ (216) البقرة) وإذا بها من تدبير الله يؤدي إلى سعادة متناهية. يوسف فتى جميل وإخوانه حسدوه رموه في البئر ورب العالمين أراد أن يرمى في البئر ثم يباع لرئيس الوزراء في مصر لماذا رئيس الوزراء كان يمكن أن يذهب لمكان ثاني هذا حسن تدبير هائل خفي وهو لا يعرف هو في البئر كان يبكي وفي السجن قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ (33) يوسف) لكن رب العالمين كما في الحديث "إن الله ليضحك من يأس عبده وقُرب غيَره" أنت في أزمة وزعلان ويائس وبعد يوم يومين شهر شهرين وإذا هذا العناء الذي كنت فيه هو المقدمة الضرورية لسعادة ما بعدها سعادة ونجاح ما بعده نجاح فرب العالمين يضحك من هذا الوضع من يأسك والفرج القادم يبهرك. حينئذ هذا الكيد (إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ (28) يوسف) حسن التدبير بخفاء وحينئذ (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) الطارق) تعال وانظر كل قوى الشرك في العالم مؤامرات وعصابات وأحداث سبتمبر وما يحصل في الهند هذه كلها مصنوعة وكلها مبرمجة يعني شيء خيال وإذا بها في النهاية تنقلب لصالح المسلمين بالمائة مائة والآن نسب كبيرة من الأوروبيين في العالم بعد الهجمة على الاسلام والإرهاب هذا كيد وجاؤا بأكاذيب وأسلحة دمار شامل في العراق وبرنامج نووي في سوريا يعني أكاذيب واليوم هذه الهند وما يحصل فيها مدبر لماذا؟ لأن الهند هي الدولة الوحيدة مع الصين التي ما تأثرت بهذه المحنة المالية فجاؤوا ببعض المسلمين مغفلين وهذا من صنائعهم وما أكثر صنائعهم عملوا هذه المشكلة حتى يقال الإسلام إرهابي ودمروا الهند وألغو الثقة الاقتصادية فيها.(1/95)
كيف الآن أميركا وأوروبا تتراجع وتهوي والصين والهند تبرز والعالم كله يتحدث بما فيه أوباما وماكين قالوا الصين تتقدم والهند تتقدم كيف تتقدم؟ فجاؤا بهذا الكيد جاؤوا من الباكستان بشباب صغار أدخلوهم هنا وهنا هذا الكيد والمكر هذه العلاقة البشرية إلى يوم القيامة.
المكر إذن عطاء كثير إسعاد كثير مواقف إيجابية لكن وراءها مصيبة ستأتي يعني السُمّ بالدسم تعطي واحداً كل ما يريد تسعده سعادة هائلة لكن بغرض أن تودي به إلى مهلكة. الكيد تدبير خفي ينطلي على المكيد به وأنت تريد من ورائه شيئاً معيناً أما المخادعة والخديعة فإظهار المحبة إظهار الولاء والشفقة ثم أنت في واقع الأمر أن تصل بهم من وراء هذا الظن إلى أن تؤدي بهم إلى الهلاك. إذن ثلاثة تشترك في أنها إلى هلاك لكن هلاك عن طريق التزيين والعطاء السم بالدسم والكيد عن طريق دقة التدبير بحيث لا تأتيك التهمة إطلاقاً ولا يطالك القانون نهائياً إذن هكذا هو الفرق بين المكر والكيد والخديعة.
لكن من حيث نسبتها إلى الله؟ ...
هذا من باب المجانسة قالوا اقترح شيئاً نُجِد لك طبخه قلت اطبخوا لي جُبة وقميصا
في اللغة العربية والقرآن عربي هنك المشاكلة تقول لي اسقني ماء أقول سأسقيك عطراً هو لا يسقى كلن من باب المشاكلة. أنتم تمكرون فانظروا مكر الله، (نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ (67) التوبة) الله تعالى لا ينسى لكن سيفعل بهم كما لو نسيهم يهملهم والجزاء من جنس العمل والمشاكلة من أبواب البلاغة معروفة.
من قصة قوم لوط (54- 58)
آية (56):
*في أماكن قال تعالى آل لوط وفي أماكن قال قوم لوط وفي أماكن قال إخوان لوط ، لماذا قيلت كل واحدة في مكانها؟ هل كان يمكن أن يقول قوم لوط في جميع المواطن؟ لِم هذا التنويع؟(د.حسام النعيمى)
التنويع ليس مع لفظة لوط فقط وإنما مع أنبياء آخرين مثل مع هود عندنا قوم هود وأخاهم هود وأخوهم هود، قوم صالح وأخاهم صالح وأخوهم صالح بحسب مواضعها.(1/96)
الفرق اللغوي بين قوم وأصحاب والآل وإخوان:
قوم الرجل هم أهله بالصورة الواسعة يقال فلان من قوم كذا، وقد يكون القوم أوسع من القبيلة، العرب قوم. وقد يُطلق على القبيلة أنها قوم فلان.
الآل هم الأهل المقربون الذين هم أقرب الناس ومن معانيه الزوجة ومن معانيه الأتباع، أتباع الرجل آله، أتباعه الذين تبعوه كُثُر لكن قومه أكثر من الآل، قوم أوسع. (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ(56)النمل).
الإخوان أقرب من الآل لأن الآل قد يكون فيها الأتباع (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) غافر) أي أتباعه.
الأهل: هم المقربون بل إن القرآن استعمل الأهل في الزوجة على أنه يمكن أن تطلق على الذرية أوالأقارب بحسب الحديث المشهور حديث أم سلمة.
الكلمات فيها فوارق ولكن بحسب السياق فلو جئنا لكل آية استعمل فيها قوم هنا واستعملت كلمة آل هنا، بالنسبة لآل لوط لم تستعمل إلا في الثناء عليهم فقط، لما يثني عليهم ولما يذكرهم بخير يستعمل كلمة آل ولا يستعمل كلمة قوم.
آية (57):
* ما اللمسة البيانية في الاختلاف بين قوله تعالى في سورة النمل (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)) وفي قوله في سورة الحجر (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) في قصة امرأة لوط؟
د.فاضل السامرائى:(1/97)
لو لاحظنا الآيتين في سورة النحل وفي سورة الحجر كأن السائل يسأل عن الاختلاف في التوكيد في آية سورة الحجر. ولو نظرنا إلى آية سورة الحجر (إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) لوجدنا فيها ستة مؤكدات هي: (إنّا، اللام في لمنجوهم، منجوهم (إسم)، أجمعين، إنّ في إنها واللام في لمن الغابرين) ثم أننا إذا نظرنا في السورة كلها أي سورة الحجر لوجدنا فيها 20 مؤكد في قصة لوط بينما في سورة النمل ففيها ثلاثة مؤكدات فقط في القصة كلها (أئنكم، لتأتون، وإنهم أناس يتطهرون). هذا الجو العام في السورتين والوضع الوصفي فالآية في سورة الحجر أنسب مع الؤكدات في القصة من آية سورة النمل. وقد يسأل السائل لماذا؟ نلاحظ أنه تعالى وصف قوم لوط في سورة الحجر بالإجرام (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58)) أما في النمل فوصفهم بالجهل (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)) والمجرمون أشد من الجاهلين فالوضف أشدّ وهذا الوصف الأشدّ يقتضي عقوبة أشدّ ول نظرنا إلى العقوبة في كلتا السورتين لوجدنا أن العقوبة في سورة الحجر أشدّ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)) وفي سورة النمل (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)) والمطر قد يكون ماء أما الحجارة في سورة الحجر فهي بالطبع أشدّ. إذن العقوبة أشدّ والوصف أشدّ ثم إن القصة في سورة الحجر (19 آية من الآية 58 إلى 76) أطول منها في سورة النمل (5 آيات فقط) فإذا نظرنا إلى القصة من جهة التوسع والإيجاز فآية سورة الحجر أنسب ومن حيث التوكيد والعقوبة والطول أنسب ولا يناسب وضع الآية مكان الأخرى.(1/98)
القرآن الكريم يراعي التعبير في كل مكان بصورة دقيقة ويراعي التصوير الفني للقصة.
د.حسام النعيمى:
في قوله تعالى في سورة الحجر الكلام كان على لسان الملائكة (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51)) ضيف إبراهيم الملائكة (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)) الجو العام جو وجل وخوف من إبراهيم وتشكك هو ليس شاكاً في الله سبحانه وتعالى ولكن الجو الذي جاء فيه الملائكة كان في وجل ورهبة، قالوا (قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)) قال (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)) إذن عنده نوع من التشكك. إذن مسألة وجل وتشكك. (قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)) لا تيأس من رحمة الله (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)) (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) لاحظ التأكيدات هو يحتاج لمؤكدات لأنه وجل وشاك من الملائكة. (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) تأكيد بإنّ وباللام. كلام الملائكة لاحظ كلمة(قدرنا) هم لا يقدرون ولكن لأنهم وسيلة تنفيذ قدر الله سبحانه وتعالى رخصوا لأنفسهم أن يقولوا قدرنا ولكن ما قالوا قدرناها لم يربطوا الضمير بالتقدير، بأنفسهم لذلك أبعدوها مع وجود إنّ المؤكدة. فإذن كلام الملائكة يحتاج إلى تأكيد وإبتعد ضمير المفعول به في الأصل. الأصل هي قدرنا لكن أدخلوا إنّ فأبعدوها عن التقدير.(1/99)
الآية الثانية هي من كلام الله سبحانه وتعالى المباشر في سورة النمل (فما كان جواب قومه فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) النمل) (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ) خبر، (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ) ما قال قدرنا إنها ، ما أبعدها وما احتاج إلى تأكيدات لأن الله سبحانه وتعالى يخبرنا بأمر: بأن قوم لوط أجابوا بهذه الإجابة فالله سبحانه وتعالى أنجاه وأهله إلا امرأته قدرها رب العزة من الغابرين. وأُنظر كيف ربط الضمير بالفعل مباشرة ما أبعده (قدرناها) لأن هذا قدره سبحانه وتعالى فما إحتاج إلى إبعاده. الغابرين قالوا بمعنى الباقين الهالكين الذين بقوا في الهلاك. نهاية الآية تفسر لنا كلمة كانت. لما قال (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) )انتهى الكلام على ذكر الأمم، كان آخر شيء في ذكر الأمم يعني لم تكن هناك حكاية ورواية لأمور وإنما رواية لهذه المسألة. النهاية كانت (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)) لم يذكر أمة أخرى وراءها. هو لا يتحدث حديثاً تاريخياً متواصلاً وإنما إنقطع الكلام هنا.(1/100)
لما ننظر في الآية الثالثة أيضاً (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) الأعراف). الله سبحانه وتعالى يحكي لنا ما حدث (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)) هناك قدرناها من الغابرين وانتهى الكلام على الأمم. لكن هنا الكلام كأنه كلام تاريخي والكلام التاريخي يصلح معه (كان) لأن ذكر أشياء رواية فقال (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) ) استعمل (كان) ثم قال (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) الآيات مستمرة في الحديث عن جانب تاريخي وعندما يكون الكلام عن جانب تاريخي يستعمل (كان) لما يكون حديث تاريخي وإنما قدر الله عز وجل يستعمل كلمة قدرنا والله سبحانه وتعالى أعلم.
آية (59):
* ما الفرق بين سلام نكرة والسلام معرفة ؟(د.فاضل السامرائى)(1/101)
السلام معرفة والمعرفة هو ما دلّ على أمر معين، وسلام لك والأصل في النكرة العموم إذن كلمة سلام عامة وكلمة السلام أمر معين. لما نقول رجل يعني أيّ رجل ولما نقول الرجل أقصد رجلاً معيناً أو تعريف الجنس. الأصل في النكرة العموم والشمول. إذن (سلام) أعم لأنها نكرة وربنا سبحانه وتعالى لم يحييّ إلا بالتنكير في القرآن كله مثل (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (59) النمل) (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) الصافات) حتى في الجنة (سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58) يس) حتى الملائكة (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر) ربنا تعالى لم يحييّ هو إلا بالتنكير لأنه أعم وأشمل كل السلام لا يترك منه شيئاً. (سلام عليه) هذه تحية ربنا على يحيى والآية الأخرى عيسى - عليه السلام - سلم على نفسه وليس من عند الله سبحانه وتعالى، سلام نكرة من قبل الله تعالى والسلام من عيسى - عليه السلام - وليس من الله تعالى والتعريف هنا (السلام) أفاد التخصيص. ويقوون تعريض بالذين يدعون أن مريم كذا وكذا فقال (والسلام علي) رد على متهمي مريم عليها السلام.
آية (60-64):
* (60) - (64) النمل) ما هي اللمسات البيانية في خواتيم الآيات؟ (د.فاضل السامرائى)(1/102)
نقرأ الآيات، الآية الستون (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)) هذه الأسئلة التي أثاروها هم يعلمونها لأنه قال (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) وربنا قال في آية أخرى (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25) لقمان)، ثم قال (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) وقال في آية أخرى (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (63) العنكبوت)، إذن هم يعلمون الجواب لكنهم ينحرفون عن الحق يعني هم قوم يعدلون مع معرفتهم بهذا الأمر، يعدلون يعني ينحرفون عن الطريق وليست من العدل هم ينحرفون مع معرفتهم بهذا الأمر. هم أجابوا عن السؤال يجيبون عنه أنه الله إذن أإله مع الله؟ّ! إذن (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) رغم معرفتهم هم عدلوا عن الحق.
(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)) أي لا يعلمون شيئاً من الأشياء معتداً به، يعلمون لكن هذا العلم لا يجعلهم يبطلون الشرك فما قيمة هذا العلم؟ّ إذن لا يعلمون شيئاً يُعتدّ به أو قد لا يعرفون هذه الأشياء الدقيقة أنه جعل بين البحرين حاجزاً.
((1/103)
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)) قليلاً ما تذكرون يعني مع أنهم يدعون الله وينسون ما يشركون لأن ربنا يذكر أن هؤلاء إذا مسهم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه، قليلاً ما تذكرون أي نسيتم هذا الأمر نسيتم أن الله هو الذي نجاكم (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (23) يونس) إذن نسوا، قليلاً ما تذكرون ما كنتم عليه من حال السوء، نجاكم الله وأيضاً نسيتم. أحياناً يعاهدون الله (لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ثم ينسون. بداية الآيات (أمّن) يقيم الحجة عليهم. معنى (أمن) يعني من يجيب؟ هذه أم المنقطعة وأصلها أم من، (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) هذا سؤال، و(أم) يعن (بل) هذا سؤال آخر، تأتي بأسئلة متوالية بل من يفعل ذلك؟، (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ (16) الرعد) قل هل يستوي الأعمى والبصير؟ بل هل تستوي الظلمات والنور؟ هذا سؤال آخر. (بل) إضراب انتقالي. (أمن يجيب المضطر) هذا سؤال معناه من يجيب المضطر؟
((1/104)
أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) النمل) هذا سؤال (من يرسل الرياح) هذا سؤال أيضاً (تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). في الآيات الأولى ذكر صفاتهم هم قال عنهم (بل هم قوم يعدلون، أكثرهم لا يعلمون، قليلاً ما تذكرون) والآن قال (تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) إذن ذكر صفات المخلوقين هؤلاء ثم ذكر صفاته تعالى ونزهها فقال (تعالى الله عما يشركون). في بداية الآيات ذكر بعض ما يقوم به لعباده ثم يصدر حكماً في صفاتهم هم (بل هم قوم يعدلون، أكثرهم لا يعلمون، قليلاً ما تذكرون) ذكر صفاتهم هم ثم (تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) نزّه نفسه بعد أن ذكرهم وكيف يغيبون عن الحق.(1/105)
ثم قال (أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (64)) مع كل هذه الأشياء والحجج التي ألزمتكم فيها أءله مع الله؟ يقولون نعم، فيقول (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) إإتوا بالدليل بعد أن ألزمتكم الحجة، أنا ذكرت البرهان فإتوا برهانكم إن كنتم صادقين. كل الأسئلة في الآيات السابقة تدل على عجزهم إذن أقام الحجة عليهم. ثم قال (أإله مع الله) قالوا نعم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) ص) فقال إذن هاتوا برهانكم، نحن ذكرنا الأدلة وألزمناكم الحجة لما تقولون به فاتوا ببرهانكم. تغيرت الخاتمة، ذكر الأحكام فيهم وصفاتهم أولاً بأول ثم نزّه نفسه عما يفعل ثم ذكر إءله مع الله؟ قالوا نعم، قل هاتوا برهانكم على ما تقولون، ما برهانكم على ما تقولون به. الله تعالى أثبت صنيعته لعباده وأثبت رد فعلهم (بل هم قوم يعدلون، أكثرهم لا يعلمون، قليلاً ما تذكرون) ثم نزه نفسه عنهم وطالبهم بالإتيان بالحجة.
* ما الفرق بين (وألقينا فيها رواسي)و(وجعلنا فى الأرض رواسى) ألم تكن الجبال مخلوقة من قبل؟ (د.فاضل السامرائى)(1/106)
قال تعالى في سورة الحجر(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)) وفي سورة ق (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)) وفي سورة النحل (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)) وسورة لقمان (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)). هذا سؤال يجب أن يُوجّه إلى المعنيين بالاعجاز العلمي. لكن أقول والله أعلم أن الملاحظ أنه تعالى يقول أحياناً ألقينا وأحياناً يقول جعلنا في الكلام عن الجبال بمعنى أن التكوين ليس واحداً وقد درسنا أن بعض الجبال تُلقى إلقاء بالبراكين (جبال بركانية) والزلازل أو قد تأتي بها الأجرام المساوية على شكل كُتل.(1/107)
وهناك شكل آخر من التكوين كما قال تعالى في سورة النمل (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)) وسورة الإنبياء (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)) وسورة المرسلات (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)) وسورة الرعد (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3))، وهذا يدل والله أعلم على أن هناك أكثر من وسيلة لتكوين الجبال. وكينونة الجبال تختلف عن كينونة الأرض فالجبال ليست نوعاً واحداً ولا تتكون بطريقة واحدة هذا والله أعلم.
*ما الفرق بين كلمة ريح ورياح في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر كما في قوله تعالى في سورة آل عمران (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {117}).
أما كلمة الرياح فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات كما في قوله تعالى في سورة النمل (أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {63}).(1/108)
وفي سورة سبأ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ {12}) استعملت كلمة ريح مع سليمان لكنها لم تُخصص لشيء فجاءت عامة قد تكون للخير أو للشر لأن الله سخّرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء.
آية (68):
*ما سبب تقديم وتأخير هذا في سورة المؤمنون (لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)) وسورة النمل (لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68))؟(د.حسام النعيمى)
نحن عندنا نظام الجملة العربية. عندنا صورتان للجملة العربية: صورة المبتدأ والخبر والفعل ومرفوعه وما بعده. فيما يتعلق بالفعل ومرفوعه يأتي الفعل ثم الفاعل أو الفعل ثم نائب الفاعل ثم يأتي المفعول أو المفعولات يعني هكذا يأتي النظام. لما يكون مبتدأ وخبر أيضاً المبتدأ والخبر ثم لما تدخل إحدى النواسخ (كان وأخواتها) أيضاً النظام أنّ (كان) تأخذ إسمها أولاً لأن أصله مبتدأ ثم تأخذ الخبر ثم يأتي بعد ذلك ما يأتي من المعطوفات أو المفعولات هكذا هو النظام. نقول: كان زيدٌ ناجحاً وعمرو، نذكره بعد ذلك هذا الأصل. يمكن أحياناً أن نغيّر النظام لأن العربية لغة مُعربة فيجوز فيها تغيير النظام فبدل أن نقول كتب زيد رسالة على النظام يمكن أن نقول كتب رسالةً زيدٌ وهذا التقديم طبعاً له غرض بلاغي يعني كأن يُختلف زيد كتب رسالة كتب قصيدة كتب أقصوصة نقول لا زيد رسالةً كتب. لما يُقدّم ليس من أجل الوزن حتى الشاعر لأن الشاعر متمكّن يستطيع أن يتصرف لكنه يقدّم بغرض بلاغي لغرض معنوي.(1/109)
لما ننظر في الآيتين، نحن دائماً نقول: يُنظر في النص لِمَ قدّم هنا هذا ولماذا أخّر هنا هذا؟ الآية الأولى في سورة المؤمنون (قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (كُنّا) كان مع اسمها مثل كان زيد، (تراباً وعظاماً) مثل (كان زيد مجتهداً وكريماً) معطوف على الخبر مباشرة يعني نظام الجملة يأتي كما هو. لكا يكون النظام كما هو نجد أن النظام الذي جاء (لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا) المفعول به جاء متأخراً وفق النظام وعندما يكون وفق النظام لا يُسأل عنه. أنت لا تسأل عن (كتب زيد رسالة) لا تسأل لِمَ أخّر رسالة؟ هو هذا النظام هكذا. لكن السؤال في آية سورة النمل لِمَ غيّر النظام (لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا) . لاحظ الآية (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) النمل) النظام في غير القرآن أن يقول: إءذا كنا نحن وآباؤنا تراباً، فلما قدّم تراباً المعطوف على المرفوع ولكا يكون المعطوف عليه ضميراً ينبغي أن يؤكد بضمير هذا الأفصح (كنت أنا وزيد مسافرين) حتى يكون الربط. فها هنا لأن المعطوف والمعطوف عليه ينبغي أن يتصلا لا أن يكون بينهما فاصل. هنا غيّر النظام فقال (أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا) قدّم المنصوب وجعله فاصلاً بين المعطوف والمعطوف عليه فقدّمه. فمنا قدّم المنصوب قدّم (هذا) (لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا ) حتى يكون هناك نوع من التناسق. هنا تقدّم كأنه غيّر النظام وهنا أيضاً قدّم والله أعلم.
آية (70):
*ما اللمسة البيانية في حذف نون (تكن) في قوله تعالى (ولا تك في ضيق مما يمكرون)فى سورة النحل وعدم حذفها فى سورة النمل؟ (د.فاضل السامرائى)(1/110)
الحكم النحوي: جواز الحذف إذا كان الفعل مجزوماً بالسكون ولم يليه ساكن أو ضمير متصل. متى ما كان الفعل (كان) مجزوماً ويليه حرف متحرك ليس ساكناً على أن لا يكون ضميراً متصلاً يجوز فيه الحذف (يمكن القول لم يكن ولم يك) فتحذف النون تخفيفاً.
إما إذا كان ما بعده ساكناً فلا يجوز الحذف (لم يكن الرجل) لا يمكن القول لم يك الرجل.
ولا يجوز الحذف أيضاً لو كان ضمير متصل (لم يكن هو) لا يجوز قول لم يك هو.
إذن من حيث الحكم النحوي يجوز حذف النون أما السبب البياني: على العموم سواء في (يكن) أو في غيرها من الحذوف (تفرّق وتتفرق) (اسطاعوا واستطاعوا) (تنزّل وتتنزّل) في القرآن الكريم يوجد حذوف كثيرة يجمعها أمرين : هل هي في مقام إيجاز وتفصيل أو هل الفعل مكتمل أو غير مكتمل. عندما يأتي بالصيغة كاملة يكون الحذف أتمّ. إذا كان الشيء مكتملاً لا يُقتطع منه وإذا كان غير مكتمل يُقتطع منه.
والآن نستعرض مثالين وردا في القرآن الكريم الأول في سورة النحل (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {126} وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {127}) والثاني في سورة النمل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ {69} وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {70})(1/111)
آية سورة النحل نزلت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعدما مثّل المشركون بحمزة عمّ الرسول في غزوة أُحُد فحزن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليه حزناً شديداً وقال لأمثّلن بسبعين رجلاً من المشركين فنزلت الآية تطلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعاقب بمثل ما عوقب به وأراد أن يُذهب الحزن من قلبه ولا يبقى فيه من الحزن شيء، وقوله تعالى (ولا تك في ضيق) بمعنى احذف الضيق من نفسك ولا تبقي شيئاً منه أبدا أي أن المطلوب ليس فقط عدم الحزن لكن مسح ونفي أي شيء من الحزن يمكن أن يكون في قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فحذفت النون من الفعل. أما في آية سورة النمل فالآيات في دعوة الناس للسير في الأرض والتفكّر والمقام ليس مقام تصبير هنا فجاء الفعل مكتملاً (ولا تكن في ضيق).
ومن الأمثلة الأخرى على حذف أو عدم حذف النون في فعل (تكن) قوله تعالى في سورة القيامة (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى {37}) حذفت النون هنا لأن النطفة هي من الذكر وهي غير مكتملة بعد وغير مخصّبة وهي لا تكتمل إلا بعد لقاح البويضة إذن حال النطفة الآن غير مكتمل فحذف ما يدل على أن الفعل أصلاً ليس مكتملاً فلزم الإقتطاع أنها غير كاملة والحدث غير كامل.(1/112)
وكذلك قوله تعالى (وإن تك حسنة يضاعفها) وقوله في سورة مريم (ولم أك بغيّا) حذف النون لأنه ليس في مريم أدنى شيء من البغي وليس هناك جزء من الحدث مطلقاً أصلاً. أما في قوله تعالى (ولم أكن بدعائك رب شقيا) هذا سياق عام يحكمه المقام. وفي قوله تعالى (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) وقوله (ألم تكن آياتي تتلى عليكم) لم تحذف النون من الفعل هنا لأن الآيات مكتملة والأرض مكتملة فجاء بالفعل تامّاً لأن المعنى تامّ ولا يحتاج إلى حذف. وفي قوله تعالى في سورة لقمان (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ {16}) الأولى حذفت منها النون لأنه لم يذكر مكان الحبة أما الثانية فذكر فيها النون لأنه ذكر المكان وحدده إما الصخرة أو السموات أو الأرض وهي كلها مكتملة.
آية (72):
*(قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) النمل) وقوله (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) الأنبياء) وقوله تعالى (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) مريم) فهل هناك لمسة بيانية بين الردف والورود؟ (د.فاضل السامرائى)
ردف معناه لحق ووصل يعني عسى أن يكون لحق بكم هذا الشيء، (ردِف) فعل ماضي. هناك رِدف ورديف الرديف هو خلف الراكب "كنت ردف النبي" الرديف هو الذي يكون خلف الراكب.
سؤال: هل كانت العرب غير المؤمنة تفهم هذا عندما تسمع القرآن؟(1/113)
هذا كلامهم هم إذا تكلموا، العرب فهموا هذا لكنه آمن منهم من آمن وجحد بها من استيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (14) النمل) (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) كانوا يعلمون وإذا شاعر فاخرهم يفاخرونه ويذهبون لمن يحكم بينهم، مفاخرات موجودة لكن لماذا سكتوا عند القرآن. السمة العامة عند العرب آنذاك أنهم كلهم فصحاء كلٌ يتكلم بقبيلته إلا الذين اختلطوا بالتجارة والأجانب مثلنا الآن بدأت كلماتنا تختلط لأن اختلاطنا بخلقٍ كثير وألسنة متعددة فحتى نفهمهم ويفهمونا لا بد أن نغيّر من كلماتنا.
آية (76):
*كلمة يختلفون وتختلفون وردت في القرآن في مواضع كثيرة (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) النمل) ما كُنه الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى)
كنه الاختلاف هنا هو الاختلاف في أمر العقيدة بين الملل المختلفة أو بين أهل الملّة الواحدة.
مثال: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) المسألة هنا فى العقيدة والاختلاف في العقيدة بين ملل مختلفة.(1/114)
مثال: (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) هنا ملة واحدة، الاختلاف فى العقيدة بين أهل ملة واحدة.
مثال: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) النمل).
مثال: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) الزمر) اعتقاد، خلاف في أمر المعبود.
مثال: (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) الزخرف) إذن عموم الاختلاف المذكور هو في الاعتقاد بين أهل الملل المختلفة أو أهل الملة الواحدة.
سؤال: الاختلاف بمعنى التضاد في الآراء والمخالفة فهل يمكن أن نفهم معنى الاختلاف بمعنى التعقل بأن تأتي إلي وآتي إليك؟ يمكن وهذا مردود للسياق.(1/115)
الآية توضح (إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة) أنبئه بالأمر فقال (بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) والثانية في القضاء والفصل فصل في القضية (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هذا حكم، قال (فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي في الذي كانوا فيه يختلفون. إما يقول قضي بينهم أو يحكم بينهم ولما يقول يحكم بينهم وقضي بينهم يستعمل فيه. أما كانوا وكنتم فالأكثر لما يقول (كانوا) الكلام عن يوم القيامة والاختلاف كان في الدنيا (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) الاختلاف في الدنيا (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية). (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) هذه الآن وليس في يوم القيامة (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) لأنها تقصد الدنيا.
سؤال: هل (كان) هنا فعل ناقص؟ نعم فعل ناقص وأحياناً يأتي تام وله استخدامات كثيرة.
آية (81):
*لماذا وردت كلمة يهتدي بالياء في سورة النمل وبدون ياء في سورة الروم؟ (د.فاضل السامرائى)(1/116)
قال تعالى في سورة النمل (وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ {81}) بذكر الياء وقال في سورة الروم (وَمَا أَنتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ {53}) بحذف الياء، أولاً نقول أن خط المصحف لا يُقاس عليه لكن مع هذا فهناك أمور أُخرى هنا فلو لاحظنا لفظ الهداية في سورة النمل لوجدنا أنها تكررت 9 مرات بينما وردت في سورة الروم مرتين فقط فلما زاد ذكر كلمة الهداية في سورة النمل زاد في مبنى الكلمة للدلالة على زيادة السمة التعبيرية والتكرار، وهناك أمر آخر أنه في سورة النمل ذكر قسماً من المهتدين (وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {77}) ثم حثّ تعالى الرسول - صلى الله عليه وسلم - على المضي في سبيله (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ {79}) أما في سورة الروم فالسياق ليس في الهداية أصلاً ولم يذكر قسم من المهتدين بل الكلام عن المطر والأرض والرياح وغيرها، فعندما ذكر قسماً من المهتدين زاد الياء وعندما لم يكن هناك شيء في السياق يدل على الهداية حذف الياء.(1/117)
ونظير هذا قوله تعالى في سورة الأعراف (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {178}) بالياء وقوله في سورة الإسراء (وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً {97}) وفي سورة الكهف (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً {17}) بجدون ذكر الياء ولو لاحظنا آيات السور لوجدنا أن لفظ الهداية تكرر في سورة الأعراف 17 مرة وفي سورة الإسراء 8 مرات وفي سورة الكهف 6 مرات.
آية (88):
*القرآن الكريم يستخدم يصنعون ويفعلون ويعملون فما اللمسة البيانية في هذه الأفعال؟ (د.فاضل السامرائى)(1/118)
الفعل عام يقع من الإنسان والحيوان والجماد وهو أعم شيء فعل الماء، فعل الرياح، وهو بقصد أو بغير قصد. العمل أخص من الفعل ويكون بقصد ولذلك قلّما يُنسب إلى الحيوان. العرب لم تقله في الحيوان إلا في البقر العوامل التي تحرث قصد الحرث، إذن العمل أخص من الفعل وينسب للإنسان وقلما ينسب إلى الحيوان. الصنع إجادة الفعل وهو أخص من العمل لا ينسب إلى حيوان ولا ينسب إلى جماد وليس كل عمل صنع حتى تحسن العمل (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل) إذن هو أخص من العمل. عندما يستخدم القرآن (بما يصنعون) أي يحاولون ويدبّرون ويتقنون ماذا يفعلون، يأخذون الحيطة ماذا نفعل لو قال كذا ماذا نصنع؟ هذا الصنع مدبّر إذن الصنع إجادة العمل. إذن كل فعل بحسب الآية التي ورد فيها في القرآن الكريم لكن بشكل عام الفعل أعم ويقع بقصد أو بغير قصد والعمل أخص من العمل ويكون بقصد ويُنسب للإنسان والصنع إجادة العمل. اللغة العربية دقيقة إلى هذا الحد وهناك خلاف بين اللغويين أن هناك ترادف في القرآن أو لا، قسم يقول في القرآن ترادف وقسم يقول هي لغات، الترادف مثل المدية والسكين كلمتان تدلان على دلالة واحدة ويقولون أسماء السيف ليس مترادفة وإنما هي صفات اسمه السيف والباقي صفات مثل الحسام، وكذلك أسماء الأسد كلها صفات والإسم هو الأسد والصفات تكون في وجهه ومشيته، عضنفر صفة وليس كل أسد غضنفر، القسورة من القسر يقسر الفريسة يأخذها قسراً بقوة وشدة وعنف. في التفسير قد تفسر كلمة بكلمة بما هو أوضح للسائل ولا يجوز بيانياً أن تحل كلمة مكان كلمة في القرآن أما في الكلام العادي العام فيجوز وكل كلمة في القرآن لها مكانها المناسب الذي وضعت فيه ولا يجوز تبديلها حتى بكلمة تقاربها في الدلالة.(1/119)
توفاهم وتتوفاهم مع أنهما نفس اللفظة وكلاهما فعل مضارع لو أردنا أن نستبدل في كلام الناس نفعل لكن في القرآن لا يمكن لأن هناك سبباً قال في مكان توفاهم وفي مكان آخر تتوفاهم.
* ما اللمسة البيانية في تقديم العمل أو الفعل على الخبرة علماً أنه في آيات أخرى يقدم الخبرة على العمل ؟(د.فاضل السامرائى)
هنالك قانون في القرآن أن الكلام إذا كان على الإنسان أو على عمله يقدم عمله وإذا لم يكن الكلام على الإنسان أو كان الكلام على الله أو على الأمور القلبية يقدم الخبرة (خبير بما تعملون). (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (88) النمل) الكلام عن الله وليس على الإنسان قال في ختامها (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)، (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) النور) هذه أمور قلبية (قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) النور) هذا أمر يعرفه الله. بينما (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) الحديد) هذا كله عمل فقال (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) إذن هذه القاعدة العامة ظاهرة.
****تناسب فاتحة النمل مع خاتمتها****(1/120)
في أولها قال تعالى:(طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)) هذه أوائل السورة وقال في أواخرها (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)). قال في الآخر (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ) وفي الأول ذكر العبادة (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)، وأمرت أن أعبد رب هذه البلدة، بماذا يعبدون ربهم؟ ذكر جزءاً من العبادات (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) هذه عبادة. ثم قال في أول السورة (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) وفي آخرها (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ) الذي يتلقاه في البداية يتلوه في النهاية. من حيث العبادة في أول السورة ذكر العبادة وذكرها في النهاية وذكر القرآن في بداية السورة (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) وآخرها (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ) وهذا تناسب طيب.
*****تناسب خواتيم النمل مع فواتح القصص*****(1/121)
قال تعالى في أواخر النمل (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92))، (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ) هذا قصص (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) القصص) القرآن هو الكتاب المبين. (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)) وذكر من اهتدى ومن ضلّ وهم موسى ومن آمن به وفرعون من اتبعه.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة النمل للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله عنا خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/122)
سورة القصص
تناسب خواتيم النمل مع فواتح القصص ... آية (15) ... آية (43) ... آية (80)
هدف السورة ... آية (19) ... آية (52) ... آية (82)
آية (4) ... آية (20) ... آية (54) ... آية (85)
آية (6) ... قصة موسى عليه السلام فى مدين(21-28) ... آية (56) ... آية (86)
آية (7) ... من قصة موسى بين القصص والنمل (29-33) ... آية (59) ... تناسب بداية القصص مع خاتمتها
آية (10) ... آية (34) ... آية (63) ... تناسب خاتمة القصص مع فواتح العنكبوت
آية (13) ... آية (37) ... آية (70)
آية (14) ... آية (40) ... آية (71-72)
*تناسب خواتيم النمل مع فواتح القصص*
قال تعالى في أواخر النمل (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92))، (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ) هذا قصص (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) القصص) القرآن هو الكتاب المبين. (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)) وذكر من اهتدى ومن ضلّ وهم موسى ومن آمن به وفرعون من اتبعه.
**هدف السورة : الثقة بوعد الله تعالى**(1/1)
سورة القصص سورة مكيّة تركّز في آياتها على قصة سيدنا موسى في مرحلة الولادة، النشأة، الزواج، العودة إلى مصر وتحقق وعد الله ولم تركّز السورة على بني إسرائيل. وقد نزلت هذه السورة وقت هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة وكان حزيناً لفراق مكة كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "والله إنك أحبّ بلاد الله إلى قلبي ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت". فأنزل الله تعالى هذه السورة تطميناً لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن وعده ستحقق تماماً كما تحقق وعد الله تعالى لموسى .ففي قصة سيدنا موسى - عليه السلام - قال تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) آية 7 وفي قصة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) آية 85 وهذا تطمين من الله تعالى لرسوله الذي خرج من بلده بعدما ناله قومه بشتى أنواع الأذى وأخبره تعالى أنه كما عاد موسى إلى مصر منصوراُ كذلك سيعود الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فاتحاً منتصراً مصداقاً لوعد الله تعالى. ومن المفارقات في قصة موسى ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن موسى مكث خارج مصر بين 8 و10 سنوات التي كانت مهر ابنة شعيب، والرسول - صلى الله عليه وسلم - عاد لفتح مكة في السنة الثامنة واخننمت الرسالة في السنة العاشرة، والرسول خرج من مكة متخفياً وكذلك خرج موسى من مصر خائفاً يترقب، فكأنما القصتان متشابهتان إلى أبعد الحدود.(1/2)
وفي هذه السورة توجيه لأمة الإسلام أنه مهما كانت الظروف صعبة فعليهم أن يثقوا بوعد الله تعالى لهم (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) سورة النور آية 55.
تبدأ السورة (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) آية 3 : الخطاب موجّه للمؤمنين لأنهم يؤمنون ويثقون بوعد الله.
عرض الواقع الصعب لموسى - عليه السلام - : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) آية 4، فالوضع قاتم والظروف المحيطة صعبة للغاية.
مراد الله تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) آية 5 و6 فهو سبحانه يريد أن يمنّ على عباده.(1/3)
الخطوة الأولى في تحقيق مراد الله تعالى الذي يتم عبر عدة خطوات ويستغرق زمناً طويلا فقد رجع موسى نبياً لقومه بعد 10 سنوات من خروجه من مصرً (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) آية 7. فالخطوة الأولى تبدأ بأم ترضع أبنها وبقصة مولد أمّة بطفل يرمى في البحر بعدما أرضعته أمه، فما هذه الثقة بوعد الله من أم موسى التي يوحي لها تعالى أن إذا خفت عليه ألقيه في اليم؟ أي أمٍ يمكن أن تفعل هذا؟ هي أم موسى لأنه تعالى قال وقوله حق ووعده حق: (إنا رادّوه إليك) ثم يلتقط موسى الرضيع أشد أعدائه فيقذف تعالى حب موسى في قلب زوج فرعون. وهنا لا بد من الإشارة أن للمرأة في قصة سيدنا موسى دور كبير بارز ومؤثر جداً: من أمه التي أطاعت وحي الله، إلى زوجة فرعون التي ربّته كابنها، إلى أخت موسى (فبصرت به عن جنب) التي دلّت آل فرعون على أهل بيت يكفلونه (اي أمه)، إلى دور ابنة شعيب التي تزوجها فيما بعد لما قالت لأبيها (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) وهكذا هي الحال مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد كان لدور السيدة خديجة رضي الله عنها أبلغ الأثر في بداية الدعوة والوحي.(1/4)
تحقيق وعود الله: الوعد الأول (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) آية 7 تحقق في (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) الآية 13 والوعد الآخر (جاعلوه من المرسلين) آية 7 تحقق الوعد في قوله (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) آية 30. ثم وعد آخر في قوله (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) آية 35 ويتحقق هذا الوعد في (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) آية 40 فوعد االه تعالى تحقق بغرق فرعون وقيادة موسى لبني إسرائيل. فالسورة عبارة عن وعود من الله تعالى لموسى - عليه السلام - ثم تتحقق هذه الوعود.
وكذلك بالنسبة إلى رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - وعده الله تعالى (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ) آية 85 وقد تحقق هذا الوعد وفتح الرسول - صلى الله عليه وسلم - مكة وأسلمت الجزيرة العربية وتحقق وعد الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - كما تحقق وعد الله لموسى وأمه.(1/5)
لمن تتحقق الوعود؟ تأتي الآية 83 (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) في نهاية السورة تخبرنا أن وعد الله تعالى يتحقق لعباده المتقين والذين لا يريدون الإستعلاء في الأرض. وهذه هي الآية التي قالها عمر بن عبد العزيز وهو يسلم الروح. إن وعد الله تعالى يتحقق للمؤمنين من عباده.
سميّت السورة بـ (القصص): قصّ لغة هو اتباع الأثر حتى نهايته (وقالت لأخته قصّيه) (ولمّا جاءه وقصّ عليه القصص) فلو تتبعنا القصص في هذه السورة سنجد أن وعد الله يتحقق دائماً.
ملحوظة: السورة تؤكد على أن الملك كله لله، وبين هذه السورة وقصة موسى مع الخضر في سورة الكهف تشابه فكل القصص التي استنكرها موسى واعترض عليها وهو بصحبة الخضر حصلت له في حياته في سورة القصص: اعترض على خرق السفينة وهو رمي في البحر، واعترض على قتل الغلام وهو قتل رجلاً، واعترض على عدم استضافة أهل القرية لهم وموسى استضافه شعيب وأهله.
توجيه: إذا كانت الدنيا صعبة والظروف قاسية فثقوا في وعد الله إذا كنتم مؤمنين وإذا كان الله تعالى وعد أمة الإسلام أنه سيستخلفهم في الأرض ويمكن لهم دينهم فثقوا أن هذا الوعد سيتحقق بإذن الله وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الشريف: "إن الله زوى الأرض لي فوجدت أن ملك أمتي سيبلغ ما زوى الله لي من الأرض". فصدق الله تعالى بوعده وصدق رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - . فهما كان حال الأمة المسلمة هذا الزمان فلا بد لنا من الثقة بوعد الله لكن علينا أن نكون مؤمنين حقاً ليتحقق لنا وعده جلّ وعلا.
***من اللمسات البيانية فى سورة القصص***
آية (4):(1/6)
*(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص) ما اللمسة البيانية في اختيار لفظ نساءهم تحديداً في مقابل يذبح أبناءهم ولم يقل بناتهم مثلاً؟ (د.فاضل السامرائى)
هو يستبقي النساء حتى يستخدمهن جواري أو خدم يستفيدون منهن يجعلونهن خادمات وجواري. يبقون النساء فيستفيدون منهن ليخدموهنّ يتسرون بهنّ.
آية (6):
*(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) القصص) ما هو إعراب (منهم) وما هي اللمسة البيانية في هذه الآية؟(د.فاضل السامرائى)
إعراب (منهم) جار ومجرور متعلقات بـ (نُري) نري فرعون منهم، (منهم) يعود على بني إسرائيل المستضعفين (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)) (منهم) أي من الذين استضعفوا. وأنه هؤلاء الذين استضعفوا في الأرض يُري فرعون وهامان وجنوده منهم ما كانوا يحذرون.(1/7)
الله تعالى يريد أن يُري فرعون رئيس السلطة والسلطة التنفيذية (هامان) والقوة العسكرية ووزارة الدفاع والملأ الجنود كلهم ما كانوا يحذرون من بني إسرائيل لأنه في الأخبار أن الكهنة قالوا أنه سيلد من بني إسرائيل من يخرب ملك فرعون فبدأ يقتل المولود الذكر ويترك الأنثى فالله تعالى أراد أن يُري من هؤلاء المستضعفين الذين استضعفوا أن يُري المتغطرسين ما كانوا يحذرون بأنه ربّى هذا الشخص الذي يبدد ملكه في بيته وهو موسى - عليه السلام - . يريه من هؤلاء المستضعفين ما كانوا يحذرون أنه سوف يلد من بني إسرائيل مولود يهدم ملكه. يريد أن يريهم من هؤلاء المستضعفين ما كانوا يحذرون.
آية (7):
*(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) القصص) (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ (39) طه) فما الفرق بين الآيتين؟ وما الفرق بين ألقيه واقذفيه؟(د.فاضل السامرائى)(1/8)
لم يحدث تناقض، القذف هو إلقاء. نقرأ جزءاً من السياق حتى يتضح الأمر، الأولى في سورة طه (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39))، في سورة القصص (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)) (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)) القذف هو الرمي والإلقاء والوضع ومن معانيه البُعد ويأتي بمعاني قد يكون بمعنى الإلقاء، القذف له معاني يقولون مفازة يعني قذف، مفازة بمعنى صحراء. أولاً نلاحظ في القصص قال (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي) ولم يقل هذا الكلام في طه (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) ثم ذكر أنه ربط على قلبها (لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا)، كل هذه كونها لا تخافي ولا تحزني وربطنا على قلبها هذا يستدعي الهدوء في الإلقاء، ربط على قلبها إذن هي تضعه في هدوء، ثم قال (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ) والإرضاع يستدعي القرب وليس البعد. في سورة طه لم يذكر هذه الأمور لا ربط على القلب ولا شيء ولا تطمين.(1/9)
في طه ذكر التابوت (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) لم يذكر أن الرضيع يلقى في اليم وإنما التابوت هو الذي يقذف، (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) الضمير يعود على موسى ?، (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) الضمير يعود على التابوت، إذن موسى محمي، في القصص قال (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) التابوت يُقذف يقال لها اقذفي التابوت ولكن التابوت محمي لم يقل اقذفيه في اليم. التابوت يقذف ويرمى أما الإبن فيقال لها ألقيه لا يقال لها اقذفيه، فلما ذكر التابوت ذكر القذف.
سؤال: هل قال اقذفيه أو ألقيه؟ ما الذي حدث؟
سيحصل إلقاء في الحالتين لكن مرة ذكر التابوت ومرة لم يذكر هذا بحسب السياق وليس هناك تناقض، في القصص نحن أحياناً نذكر أموراً ونضيف عليها، في سفرة من السفرات أذكر أموراً وفي موطن آخر أذكر جوانب أخرى أقل. هذا يحصل كثيراً، أذكر جانب ولا أذكر جانباً آخر. يذكر التابوت في موطن وموطن آخر لا يتكلم عنه.
سؤال: طالما ذكر التابوت إذن قطعاً هناك تابوت وإذا أغفل ذكره فلآن السياق يقتضي ذلك.(1/10)
هذا أمر والأمر الآخر من الناحية البيانية قال في سورة طه (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)) لم يذكر ما يوحى، الآن مبهمة، (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) بيّن إذن صار بيان بعد الإبهام (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)) (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (28) طه) "مضى بها ما مضى من عقل شاربها"، لا يذكر. (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)) ما ذكر الذي أُوحيَ به ثم جاء بـ (أن) المفسرة (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) بيّن ما أوحى إليها، إذن صار إيضاح بعد الابهام، بيان بعد الابهام هذه (أن) المفسّرة. (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) الآن عندما ترى تابوتاً مقفلاً متى تعلم ما فيه؟ عندما تفتحه، يصير إيضاح بعد الإبهام بعد الفتح. من الناحية البيانية إيضاح بعد الإبهام في الأمر وإيضاح بعد الإبهام في المسألة. إذن من الناحية البيانية هناك تناسب كلاهما إيضاح بعد الإبهام. ثم هناك أمر، القذيفة في اللغة شيء يُرمى به فكان موسى في سورة طه قذيفة رمي بها فرعون قُذِفت في البحر فأغرقته. ولذلك لما نلاحظ العقوبة التي ذكرها في كلتا القصتين متناسبة مع (اقذفيه). قال في خاتمة فرعون في القصص (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40)) ألقيناهم لكن بمهانة (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) (فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) كلها إلقاء. في فرعون (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (28) طه) قذيفة ألقيت في البحر عليهم فغشيهم من اليم ما غشيهم، فكان قذف أبلغ في التعبير كأن موسى هو الكبسولة والتابوت هو القذيفة فقذف بها فرعون فأهلكته. لا يناسب أن يقال ألق ابنك في البحر ولكن ألقي التابوت.
سؤال: قد يرى أحدنا تعارضاً أو تناقضاً بين القولين، ماذا قال تحديداً؟(1/11)
أحياناً العبارة الواحدة التي تقال نصوغها بكلمة بيانية إذا قلت جاء فلان أو أتى فلان، هل تناقضت؟ القرآن من هذا القبيل لكن يستعمل اختيار الكلمة في المكان البياني لها لكن نقول لماذا قال مرة جاء ومرة أتى؟ نقول لماذا وسترد أمثلة في بعض القصص نذكرها لكن هذا مرتبط بالسياق العام السورة نفسها وأحياناً السورة نفسها لها سمة معينة.
سؤال: إذن بعض الأصوات التي تنعق في الظلام الدامس بأن هنالك تناقض في القرآن وأن القرآن غير منضبط ما فهموا القرآن وما فهموا اللغة.
يعني لو قلت لم يقل هذا وأنفي المسألة يكون هناك تناقض لكن أن يقول العبارة بتعبير آخر لا يعني وجود تناقض. ربنا تعالى يترجم كلامهم مرة يقوله بأسلوب ومرة يقوله بأسلوب. لو كنت أترجم قصة كل مرة أصوغها بعبارة مختلفة لكن ليست متناقضة، قد أقول غاب عني أو أقول لم يحضر. لو كنت إنساناً بليغاً لا تختار إلا الأنسب من الكلمات لكن المعنى العام ليس فيه تناقض. التناقض يكون أن تذكر شيئاً مخالفاً. قصة موسى أحياناً تأتي بآية واحدة وفي مواطن تأتي بآيات مختلفة. أحياناً يقول لموسى وهارون إذهبا ومرة يقول اذهب إلى فرعون، هو يقول لهما ويقول للواحد، ومن أدرانا أن الخطاب كان مرة واحدة؟ ربما يكون هناك خطاب مرتين أو يكون في موقف واحد أخاطب الاثنين ثم أتوجه إلى أحدهما وأطلب منه أن يفعل كذا. وعندما تحكي يجوز أن تفضل مرة تقول إفعلا ومرة إفعل.
* ما دلالة الاختلاف بين قوله تعالى (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ) وبين (رددناه إلى أمه)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/12)
ما الفرق بين ردّ ورجع ؟ الرجوع عندما كنت تعرفه مقدماً أنت مسافر من هنا من دبي إلى الشام وأنت ناوي ترجع هذا رجوع يعني أنت أصلاً مقرر من ساعة ما إنطلقت من النقطة التي انطلقت منها أنت ناوي إلى الرجوع هذا رجع، وحينئذٍ كل مؤمن يؤمن بأننا سوف نرجع إلى الله عز وجل بعد أن نموت هذا رجوع. لكن واحد انطلق من دبي إلى الشام ومش ناوي يرجع كان مهاجراً ليس في خطته ولا في خريطته أن يعود انتهينا عوده يعني نهائي مهاجر كما يهاجر الكثيرون ولأمر ما أجبره على العودة هذا يسمى ردّ ولهذا فرق بين (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ) وبين (رددناه إلى أمه)، رددناه هذه أم موسى وضعت الطفل في صندوق والصندوق في نايلون وترميه في البحر ولا تعرف أين ذهب؟ قطعاً ولا في بالها أن هذا سيعود انتهى فلما الله قال (إِنَّا رَادُّوهُ) على خلاف ما ظننتي.
*ما اللمسة البيانية في ورود لفظة اليم 8 مرات في قصة موسى عليه السلام ووردت لفظة البحر 8 مرات في القصة نفسها ووردت لفظة البحرين مرة واحدة؟(د.فاضل السامرائى)(1/13)
مسألة البحر واليم ذُكِرت أكثر من مرة في هذا البرنامج وقلنا أن القرآن الكريم يستعمل اليم والبحر في موقفين متشابهين كما في قصة موسى ? مرة يستعمل اليم ومرة يستعمل البحر في القصة نفسها (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ (63) الشعراء) (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40) القصص) اليمّ كما يقول أهل اللغة المحدثون أنها عبرانية وسريانية وأكادية وهي في العبرانية (يمّا) وفي الأكادية (يمو) اليمّ وردت كلها في قصة موسى ولم ترد في موطن آخر ومن التناسب اللطيف أن ترد في قصة العبرانيين وهي كلمة عبرانية. كلمة البحر وردت عامة (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (50) البقرة) (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ (14) النحل) عامة لكن من الملاحظ أن القرآن لم يستعمل اليم إلا في مقام الخوف والعقوبة أما البحر فعامة ولم يستعمل اليم في مقام النجاة، البحر قد يستعمله في مقام النجاة أو العقوبة. قال تعالى (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ (39) طه) هذا خوف، (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (136) الأعراف) هذه عقوبة، (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) طه) (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40) القصص) عقوبة، أما البحر فعامة استعملها في النِعم لبني إسرائيل وغيرهم (أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (63) النمل) (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ (67) الإسراء) في نجاة بني إسرائيل استعمل البحر ولم يستعمل اليم.(1/14)
استعمل اليم في العقوبة واستعمل البحر في النجاة والإغراق (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (50) البقرة) استعملها في الإغراق والإنجاء (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) أي أنجيناهم، (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) طه) (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ (78) طه) لم يقل البحر، (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ (63) الشعراء). إذن يستعمل اليم في مقام الخوف والعقوبة فقط ويستعمل البحر عامة في بني إسرائيل وغيرهم. اليم يستعمل للماء الكثير وإن كان نهراً كبيراً واسعاً. يستعمل اليم للنهر الكبير المتسع ويستعمل للبحر أيضاً. اللغة تفرق بين البحر والنهر واليم: النهر أصغر من البحر والقرآن أطلق اليم على الماء الكثير ويشتق من اليم ما لم يشتقه من البحر (ميموم) أي غريق لذلك تناسب الغرق. العرب لا تجمع كلمة يم فهي مفردة وقالوا لم يسمع لها جمع ولا يقاس لها جمع وإنما جمعت كلمة بحر (أبحر وبحار) وهذا من خصوصية القرآن في الاستعمال. كونها خاصة بالخوف والعقوبة هذا من خصوصية الاستعمال في القرآن.
آية (10):
*يذكر في القرآن الكريم السمع والبصر والفؤاد فما هو الفؤاد؟(د.حسام النعيمى)(1/15)
الفؤاد بعضهم قال هو القلب نفسه فالفؤاد هو القلب. وبعضهم قال لا، الفؤاد ليس القلب أي اللب وإنما غشاء القلب. غشاء القلب هو الفؤاد هذا الغشاء لأن العربية دقيقة أحياناً تسمي الأجزاء كل جزء تسميه بإسمه. فالذي يترجح لدينا من وجود حديث للرسول - صلى الله عليه وسلم - يترجح أن الفؤاد هو غشاء القلب لكن لما يتحدث عن الفؤاد يعني الغشاء وما في داخله لأن هو أصل الفؤاد من التفؤد ويعني التوقّد والإشتعال والحرقة فكأن القلب هو موضع هذه الأشياء فلذلك إستعمل هكذا في هذا المكان. الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم - : " أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً" والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يحب أهل اليمن ويقول "الإيمان يمان". في اللسان: فأد الخبز في الملّة يفأدها فأداً شواها. القلب يشتوي أحياناً بما يسمع وما يقال له وليس على سبيل الشواء الحقيقي والفؤاد القلب لتفؤده وتوقده وقيل وسطه وقيل الفؤاد غشاء القلب وهذا الذي إخترناه عندما نقول إخترنا هذا المعنى لا نعني أننا نلغي المعاني الأخرى لأن هذا كلام وآراء علمائنا، لكن لنا أن نختار عندما يقال كذا وكذا وعندنا أكثر من رأي للعلماء من خلال إطلاعهم على لغة العرب. الشاهد الذي بين أيدينا يقوي الإختيار: ففي الحديث " أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً" ذكر الفؤاد والقلب وذكر الفؤاد بالرقّة وهي الشفافية الشيء الرقيق واللين للشيء السميك الذي له بُعد فالقلب ليّن والفؤاد رقيق.(1/16)
واستعمل القرآن فؤاد وقلب مع أم موسى (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) القصص) الفؤاد المغلّف يقصد ما بداخله والعرب عندما تستعمل الفؤاد، تستعمل القلب، تستعمل اللب تعني الموضع الذي يكون فيه الفكر والعاطفة وجاء في القرآن (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) هل المراد على وجه التعيين هي هذه العضلة؟ أم هناك شيء في الصدر لا نعلمه؟ لأن العلم كل يوم يكتشف شيئاً جديداً ونحن نؤمن بكلام ربنا كما هو فإلى الآن هو عمى البصيرة يعني الموضع الذي يكون فيه الفكر والبصر هو الذي يعمى.
الفؤاد هو الغشاء الذي يغطي والحديث الذي بين أيدينا يوضح ذلك بشكل لا لبس فيه لأنه إستعمل الكلمتين في مكان واحد إستعمل للفؤاد الرقة وللقلب اللين واللين غير الرقة والله أعلم.
*ذكرت سابقاً الفرق بين القلب والفؤاد فما دلالة قوله تعالى في سورة القصص (فأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كانت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها)؟ (د.حسام النعيمى)
العرب تستعمل القلب والفؤاد بمعنى واحد ولكن الحديث فرّق بين الإثنين فجعل الفؤاد للغشاء " أرقّ أفئدة وألين قلوباً" فأخذنا بقول "اللسان" أنه يكون الغشاء هو الفؤاد وهذا لا يتعارض مع الآية ففراغ فؤاد أم موسى يتضمن فراغ القلب أيضاً وليس فراغاً حقيقياً وفيه إشارة إلى عدم الإنشغال فهي لم تعد منشغلة. وقوله تعالى (لولا أن ربطنا على قلبها) أي صبّرناها لأن الربط على القلب بمعنى التصبير ، ربط على قلبه أي صبّره هكذا هي في المعجم.
آية (13):
* ما هي دلالة التعليل بـ ( كي) في قوله تعالى (كي تقرّ عينها ولا تحزن) وباللام في قوله تعالى (ولتعلم)؟(د.فاضل السامرائى)(1/17)
قال تعالى: (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى)طه:40. وقال تعالى: ( فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" القصص:13)
التعليل بكي واللام
قد يرد سؤال على الذهن يحتاج إلى إمعان نظر وهو: ما الفرق بين اللام وكي؟، وهل التعليل بهما متطابق؟ الحقيقة أنه لا يبدو هناك فرق واضح بينهما في التعليل، فهما متقاربان جدا، غير أن الذي يبدو أن الأصل في (كي) أن تستعمل لبيان الغرض الحقيقي، واللام تستعمل له ولغيره، فاللام أوسع استعمالا من (كي)، وهذا ما نراه في الاستعمال القرآني(1/18)
والظاهر من الاستعمال القرآني أن (كي) تستعمل للغرض المؤكد والمطلوب الأول، يدل على ذلك قوله تعالى: "فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق" القصص 13، فقد جعل التعليل الأول بـ (كي) "كي تقر عينها" والثاني باللام " ولتعلم أن وعد الله حق" والأول هو المطلوب الأول، والمقصود الذي تلح عليه الأم بدليل اقتصاره عليه في آية طه، قال تعالى: "فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن"فالمطلوب الأول للأم هو رد ابنها إليها في الحال، أما جعله نبيا مرسلا، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: "ولتعلم أن وعد الله حق" فهو غرض بعيد، إذ هي محترقة لرد ابنها الرضيع إليها وهذا غرض كل أم سُلب منها ابنها، أعني أن يعاد إليها أولا، سواء كانت الأم مؤمنة، أم كافرة، بل هو مطلوب للأمهات من الحيوان، ولذا عللها في الموطنين بـ (كي) ولم يعلله باللام ثم إن أم موسى تعلم أن وعد الله حق لا يتخلف، وقد وعدها ربها بأنه سيرده إليها ويجعله من المرسلين: "إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين: فقوله تعالى: "ولتعلم أن وعد الله حق" معناه الاطمئنان، لا مجرد العلم، ولو قال (كي تعلم أن وعد الله حق) لكان المعنى أنها تجهل أن وعد الله حق، وأنه رده إليها لتعلم هذا الأمر ونظير هذا قوله تعالى: "وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها" الكهف 21، وهذا في أصحاب الكهف وهم يعلمون أن وعد الله حق ولا شك، وكيف لا وهم فارقوا قومهم لإيمانهم بالله تعالى؟ فلو قال (كي يعلموا) لكان المعنى أن هذا هو الغرض الحقيقي وقد كانوا يجهلون ذاك وأما قوله "كي تقر عينها ولا تحزن" فهذا غرض حقيقي لا يتحقق إلا برد طفلها إليها يتبين مما مر أن (كي) تستعمل للغرض الحقيقي، أما اللام فهي أوسع استعمالا منها، وأن الجمع بينهما يفيد التوكيد والله أعلم.
آية (14):(1/19)
*لماذا جاءت كلمة (واستوى) مع موسى عليه السلام في الآية (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) القصص) بينما لم ترد مع يوسف عليه السلام (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) يوسف)؟(د.فاضل السامرائى)
((1/20)
واستوى) هنا الكلام على سيدنا موسى (ولما بلغ أشده) على سيدنا يوسف . استوى أي اكتمل شبابه واكتملت قوته، استوى من الاستواء واكتملت قوته البدنية. ذكرها لأنه ذكر ما يدل على القوة وهو أنه وكز واحداً بعضاه فقضى عليه (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا (15) القصص) وهذه تدل على قوة وسقى لابنتي الرجل (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)) (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) القصص)فهذه كلها تدل على الإستواء والقوة في البدن فقال استوى. يوسف ليس فيه حالة قوة ولم يذكر شيئاً يتعلق بالقوة البدنية وإنما فقط بلغ أشده. هناك أمور تقتضي ذكر القوة البدنية. بلغ اشده أي بلغ العمر الذي يختص به واختلفوا فيه كم سنة هل أربعين أو أقل. لما قال استوى يجب أن يكون هناك أمر يتعلق بالاستواء والقوة البدنية. لماذا ذكر الاستواء؟ لأن هناك أمور تدل على القوة البدنية وتمامها ولم يذكر في يوسف ما يتعلق بهذا الأمر لا نعرف إن كان يوسف بهذه القوة ولم يذكر شيئاً فاكتفى عندما بلغ أشده واكتمل شبابه. مع سيدنا موسى ذكر اكتمال القوة البدنية (واستوى) وفي يوسف لم يذكر شيئاً يتعلق بالقوة البدنية وفي موسى ذكر ما يتعلق بالقوة البدنية وهي بحسب السياق. الفيصل في تحديد معنى الكلمة وهو السياق والمعجم يعطيك جملة معاني للمفردة الواحدة تضعها في سياقها وترى الأنسب منها للسياق.(1/21)
*قال تعالى في سورة القصص (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)) كيف يقتل موسى رجلاً يعد أن يؤتى العلم والحكمة؟(د.حسام النعيمى)
أولاً عندما قتله لم يكن موسى - عليه السلام - نبيّاً لأنه لما ناقشه فرعون أو جادله لما قال (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)) قال (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)) أي قتلت نفساً. هو يعرف ماذا فعل لكن لا يريد أن يثيرها. قال موسى - عليه السلام - (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)) فالرسالة كانت بعد الفرار إذن هو لم يكن رسولاً مكلّفاً بالرسالة. كونه غير مكلّف جعل حياته ضلالاً كان ضالاً لأنه لم يكن يعرف أحكام التكليف. الضالّ هنا غير المكلّف أي ليس مكلّفاً بأحكام التكليف وليس بالمعنى الذي نفهمه الآن من فساد. لكن كان قبله أنبياء وكان يعرف بعض الأحكام بتغيراتها وبإنحرافاتها. لما ننظر في (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)) ما معنى الوكز؟ في اللغة هو الضرب بجُمع اليد على الذَقّن وقيل على الصدر. الذي يضرب بيده على الذقن هل ينوي القتل؟ الذَقّن (بفتح الذال والقاف) وجمعه أذقان بوزن سبب وأسباب. إذن موسى - عليه السلام - لم يكن ينوي القتل.(1/22)