كلمة (أف) إسم فعل مضارع بمعنى أتضجر والدليل على ذلك تنوينها (أفٍ) فالتنوين من علامات الإسم.
*ما الفرق بين (حُسْنًا)و (إِحْسَانًا)؟(د.أحمد الكبيسى)
لاحظ قبل كل شيء الله ما قال وصينا المؤمنين بل وصينا الإنسان عموماً. يريد الله عز وجل أن يقول أن هذا علاقة الأبناء بالآباء وعلاقة الآباء بالأبناء هي من خصائص هذا الإنسان لا تجد هذه العلاقة بين كل الأحياء الأخرى، الحيوانات نعم هناك أمٌ تعرف أطفالها ولكن الأب لا يهتم من هو ابنه والابن لا يهتم من هو أبوه بل أن الابن لا يهتم من هي أمه وحينئذٍ الأم فقط في المخلوقات الحية هي التي تهتم بأطفالها إلى حين. من أجل هذا هذا من خصائص الإنسان إحترام الأبوين وتقديرهما وتقديسهما وحسن التعامل معهما هذا من خصائص الإنسان لأن الله تعالى وصاه بذلك، رب العالمين هو الذي غرس في هذا الإنسان من جملة عناصر أنسنته عندما خرج من المملكة الحيوانية فوهبه الله سبحانه وتعالى العلم (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا{31} البقرة) (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا {12} التحريم) وحينئذٍ تأنسن الحيوان وحينئذٍ من عناصر أنسنة هذا المخلوق هو أن يكون باراً بوالديه (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ {14} المؤمنون).(1/48)
هذا الإقتران المخيف يعني جعلهم الله عز وجل كتوحيده الشرك وعقوق الوالدين (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {23} الإسراء) ما قضى إلا هذا رب العالمين (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ومن كرمه رب العالمين لم يقل حسنا قال إحساناً وهذا تقوم به بسهولة. أما الحُسن هذا درجة عالية لمن يسّره الله له ولهذا في الفقه الإسلامي لا يجوز أن تعطي أبوك زكاة لما رب العالمين قال الزكاة لمن؟ قال الصدقات (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ {60} التوبة) لم يقل والأبوين، الأبوان (أنت ومالك لأبيك) ما لم تقتنع بأنك عبدٌ عند أبيك وكل ما تملكه إنما هو ملكٌ لأبيك فأنت لا تصل إلى مرتبة الحُسن ونحن نتكلم الآن عن مرحلة الحسن. ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قيل له يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال "الصلاة على وقتها قالوا: ثم أيّ؟ قال: بر الوالدين" البر مجرد بر الوالدين يعني العمل الثاني بعد الصلاة لأن الصلاة ليس لها بديل وإذا كان البر هكذا فما بالك بالحُسن؟! والحسن لا يعمله إلا القليل لأن هذا يحتاج إلى ثقافة، إلى معرفة بالله عز وجل، إلى أن يُعلَّم هذا الإنسان هذا الأب المسلم ما معنى أن تكون مع أبيك حسناً؟ وهكذا أما البر ما دمت إنساناً أنت بك غريزة وميل طبيعي إلى أن تبر بأبويك ولهذا الله قال (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ) لمجرد كونك إنساناً من عناصر أنسنتك بعد أن أخرجك الله من المملكة الحيوانية وأطلق يديك من الأرض فسوّاك فخلقك فعدلك أطلق يديك حينئذٍ جعل من عناصر هذه الأنسنة أن تكون باراً بوالديك تميل إليهما، تنتسب إليهما، لهما حظوة واحترامٌ عليك وإلى كل المنظومة التي هي حسنٌ أو إحسانٌ أو برٌ ولكلٍ شرحها الذي يطول.
((1/49)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) أي العطاء أن تطعمه وأن تسقيه وأن تقدم حاجاته أن تقدم له حاجاته ما يحتاجه من مأكلٍ ومطعمٍ وملبس هذا الإحسان. وفي الآية (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) هذا لا يكون بالعطاء وإنما بحسن التعامل، كيف تحترمه؟ أنت قد تعطي أباك لكنك تشتمه ولا تحترمه أو تتكلم معه بدون احترام هذا أنت أعطيته أنت بريّت به وهذا الفرق بين الحسن والبر. البِرّ أن تعطيها ما تحتاجه وأن تعطي أباك ما يحتاجه، الإحسان أن تعطيه بشكلٍ جيد هذا الفرق بين البر والإحسان. البِرّ أن توفر له حاجاته لكن قد تقدمها بشكل غير لائق فيها شيء من الغلظة أو الخشونة وقد تشتم أباك وقد تزدريه من كِبَره أو تزدري أمك لكن الإحسان أن تعطي هذين الأبوين هذا البر بشكل في غاية الدقة والأناقة والجمال من حيث أنك تكون خادماً لهما وتقريباً وبلا مبالغة ولا مباهاة 99% من هذه الأمة يتعاملون مع آبائهم وأمهاتهم عند العطاء بهذا الخضوع والذل. وهذا الذل من أعظم أنواع العز (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ {24} الإسراء) هذا الذل هو من أعظم أنواع العز في الأرض. ولهذا ملوك الأرض والذين فتحوا البلدان والذين قاموا بأنواع من الحضارات والتحضّر أمام والديه كالعبد هذا الذل العبقري الذي هو أعلى قيمة الإنسان العظيم العزيز.(1/50)
هذا الإحسان، فحينئذٍ كلمة الإحسان ما يتعلق بالعطاء توفر له حاجاته لكن ليس فقط مجرد بِرّ وإنما تقدم هذا العطاء لهما بشكل لائق يدل على احترامك لهما وعلى عدم المِنّة أن لا تمنّ عليهما كأن تقول أنا أعطيتك وجئت لك الخ لا إطلاقاً وحينئذٍ وصاك الله بهما حسناً أي كيف تتكلم معهما؟ إذا جاء أبوك أو جاءت أمك تقوم بوجههما وإذا تكلمت معهما تكون في غاية الخضوع يعني إنتبه إلى الحديث المتفق على صحته عن الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار مسافرون ثلاثة ودخلوا غاراً عندما جاءت عاصفة فالعاصفة جاءت بحجر ثقيل فأغلقت باب الغار ولم يستطع أحدٌ منهم أن يزحزح هذا الحجر ونفذ ما معهم من ماءٍ وطعام وأوشكوا على الهلاك فتح لله على أحدهم وقال يا جماعة تعالوا نتوسل إلى الله عز وجل بأحسن عملٍ عملناه في حياتنا وكل واحد جاء بعمل الثالث قال يا ربي أنت تعرف أن لي أم وأب وصارا كبيرين وأنا عندما أعود من العمل والعمل كان بين الإبل وبين الغنم يعني كان صاحب إبلٍ وغنم كنت آتي لهما باللبن لكي يتعشيا لكي يناما وكنت لا أعشي أطفالي إلا بعد أن أعشي والدي-وطبعاً نحن نتكلم بالمعنى وليس بلغة الحديث- لا يعشي أولاده إلا بعد أن تشرب الأم والأب هذا اللبن ثم يناما ثم يذهب ويوقظ أطفاله حتى يعشيهم، يوم من الأيام جاء وقد وجد أبويه نائمين وهو يحمل لهم غبوقهما يعني كأسين من اللبن فلما وجد الأبوين نائمين بقي يحمل هذين القدحين إلى أن استيقظا عند الفجر وهو يحمل هذين القدحين وهو واقف أمام رأسيهما وأولاده جائعون ولم يعشهم إلا بعد أن استيقظ الأبوان فقدم لهما هذا العشاء البسيط وهذا هو عشاؤهما كل يوم لا يشربان غيره وبكل أدب بكل خدمة سقاهما كما تسقي الأم المرضعة طفلها ثم عاد بعد أن صليا وعادا وذهب وأيقظ أطفاله لكي يعشيهم، هذا (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) كيف تتعامل (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ {23} الإسراء) ولا أفّ هذا من الحسن(1/51)
وليس من الإحسان. فالإحسان هو العطاء عشاء وغداء ولباس الخ هذا من الحسن (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {15} لقمان) حينئذٍ كل تصرفاتك أبداً أنت عبدٌ عندهما وكلما ازدادت عبوديتك لهما ازدادت عبوديتك لله عز وجل وكنت عبداً صالحاً عند الله سبحانه وتعالى. لأن رضى الله عز وجل من رضاهما لا يرضى الله عنك إلا إذا رضي عنك أبواك. فكلما أمعنت في الخدمة والذل لهما وخفضت لهما جناح الذل إذاً هذا هو الفرق بين الإحسان العطاء سواء كان إذا كان مجرد عطاء يسمى بِرّاً إذا كان عطاء مع هذا الاحترام والإجلال والتقديس والتكريم يسمى إحساناً إذا كان بكل يومك يعني عندما تتحدث معه بأدب تجلس بين يديه بأدب عندما يقوم تقوم عندما تستقبله تنهض للقائه إذا ناداك تقول له لبيك، بهذه العبودية التي جعلها الله جائزة للأبوين أنت قدمت لهما حُسناً هذا الفرق بين (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) وهو طعام وشراب وبين (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) وهو تعامل رقيق وأنيق في غاية الذل لهما. الآية التي تقول (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) وسكتت هذا يعني الاثنين، رب العالمين أجمل هذه الحالة وهذه الحالة أجملها بآية واحدة وقال (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) لماذا؟ قال (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ {14} لقمان) لم يذكر فضائل الأب لأن فضائل الأب أنت تدركها وأنت كبير أبوك يبدأ دوره معك عندما تميّز قبل هذا أنت عند أمك شقاؤها وسهرها وتعبها وحملها أنت لا تدركه لم تره ولهذا ربما تذهل عن أفضال أمك عليك وأنت لا تذهل عن أفضال أبيك ولهذا رب العالمين يقتصر على فضائل الأم على أولادها.(1/52)
إذاً هكذا هو الحسن والفرق بين الحُسن والجمال أن الجمال شيءٌ متميز عن غيره من حيث قيمته الجمالية، الحُسن هو الجمال إذا كثر واشتد وتعمق حتى صار مبهجاً. إذاً الإحسان جمالٌ مبهج أحياناً جمال عادي هذا كأس جميل هذا بيت جميل لكن هناك جمال عندما تراه تقف وتقول سبحان الخلاق العظيم! ما هذا الجمال! إذا انبهرت بذلك وابتهجت نفسك به يسمى حسناً. من أجل هذا التاريخ ينقل لنا عن بعض الذين عاملوا أبويهم بحسنٍ مبهج عجائب. ولهذا اقصر طريقٍ إلى الجنة هو التعامل مع الوالدين بحُسن هو البِرّ ومن رحمة الله رب العالمين قال (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {78} الحج ) رب العالمين تكلم عن بر الوالدين حتى لا ييأس أحد أنت ما دمت تكفي والديك أنت بخير لكن هذا الخير يتفاوت الجنة يا جماعة مائة درجة كل درجة بينها وبين الأخرى كما بين السموات والأرض وكل درجة عن درجة في النعيم كما بين الكوخ والقصر من أجل هذا قال (فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا {75} طه) (وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا {21} الإسراء) إذا أردت أن تدخل الجنة فبالبِرّ، وإذا أحببت أن تترقى في الدرجات العلى التي هي منازل الأنبياء والصديقين والشهداء فعليك بالإحسان أولاً ثم تنتقل إلى الحُسن، تكون في غاية الذل وأن تقدم لهم ثم في غاية الجمال والحسن المبهج لنفس الأبوين. فالأبوان عندما يرونك كيف تقبل يده كيف تقوم كيف تحترمهم يشعرون ببهجة. من أجل هذا أنت أعظم أنواع الإنسان يوم القيامة إذا جئت وأبواك راضيان عنك من حيث أنك بلغت القمة في التعامل معهما لأنك قدمت لهما ما قدمت بحسنٍ وليس بمجرد إحسان بل ترقيت من البِرّ إلى الإحسان إلى الحُسن أصبحت أنت مبهجاً لهما إلى أن ماتا بين يديك وهما في غاية البهجة حينئذٍ لا عليك ما فعلت.(1/53)
"ثلاثةً لا ينفع معهنّ عمل عقوق الوالدين وثلاثة لا يضرّ معهن ذنب ومنها بر الوالدين" فكيف الحسن إلى الوالدين؟! هذا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. هذه القمم يوم القيامة معدودات، عندك أصحاب الذكر، أصحاب العلم، طبعاً دعك من الأنبياء والصديقين والشهداء هؤلاء قضية أخرى أيضاً، السخاء، الحاكم العادل، قمم يوم القيامة من ضمنهم إذا لم تكن أنت بمالٍ تنفق ولا بحاكم تحكم بالعدل ولا ولا الخ فلتكن مع أبويك مبهجاً لهما بأن تتعامل معهما بحسن.
*ما الفرق بين الأبوين و الوالدين؟(د.فاضل السامرائى)
الله تعالى في جميع القرآن إذا أمر بالبر والدعاء يستعمل الوالدين وليس الأبوين في القرآن كله. مع العلم أن الوالدين مثنى والد ووالدة وغلّب المذكر الوالد والأبوين مثنى وغلّب المذكر الأب والأبوان أب وأم. (وبالوالدين إحساناً) هذه عامة لم يحدد ذكر صفة من كفر أو غيره. (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) نوح) (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) إبراهيم) (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) لم يذكر في القرآن موقف بر أو دعاء إلا بلفظ الوالدين. في آية المواريث (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ (11) النساء). (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ (80) الكهف) ليس فيها مقام ذكر البر لذا قال أبواه أما في الدعاء فقال (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) لا يستعمل الأبوين. الأبوين يستعملها في مكان آخر.(1/54)
لا شك أن الأبوين هو تغليب هو الأب والأم (مثنى الأب والأم) لكن تغليب الأب والوالدين هو الوالد والوالدة وأيضاً تغليب لفظ الوالد مع أنه لم يلد والولادة للأم، الولادة للأم بالفعل وللأب للنسب. إذن لما يقول الوالدين تذكير بالولادة (يعني الأم) يعني فيها إلماح إلى إحسان الصحبة إلى الأم أكثر وهذا يتطابق مع حديث النبي ? لأن الولادة منها. إذن كل القرآن فيه إلماح إلى أن الأم أولى بحسن الصحبة والإحسان إليها أكثر من الأب الإهتمام بالأم أكثر.
ما الفرق بين الوالد والأب؟ التي تلد هي الأم والوالد من الولادة والولادة تقوم بها الأم وهذه إشارة أن الأم أولى بالصحبة وأولى بالبر قبل الوالد. لكن في المواريث لأن نصيب الأب أكبر من نصيب الأم استعمل الأب (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ). في الأموال يستعمل الأبوين وفي الدعاء الوالدين.
لكن لماذا اختار الوالدين؟ الولادة تقوم بها المرأة وليس الرجل أما تسمية الوالد يقول أهل اللغة على النسب والوالدة على الفعل هي التي تلد. إذن اختار لفظ الوالدين التي هي من الولادة التي تقوم بها الأم لكنه لم يختر الأبوين واختار لفظ الولادة ولم يختر لفظ الأبوة.
آية (25):
*ما الفرق بين استخدام كلمتى(نفوس)و( أنفس)؟(د.حسام النعيمى)
ننظر في الآيتين التي وردت فيهما كلمة نفوس وردت مرة في سورة الاسراء (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)) وفي سورة التكوير(7) ولم ترد كلمة نفوس في غير هذين الموضعين. في الأولى نجد أن الآية استعملت صيغة أفعل التفضيل للعلم (أعلم) لم يذكر أعلم من أي شيء وأعلم من ماذا؟ قانون القواعد حقيقة خارج لغة العرب لأن هذا القانون في جمهور لغة العرب أنه يجب عندما تستعمل أفعل التفضيل أن تقول أفعل من ماذا.(1/55)
يمكن ان نستخدم أفعل التفضيل عندما نريد أن نجعل هذا الشيء أفضل من كل ما عداه مهما كان الذي عنده في ذهنك وعندما نقول (الله أكبر) فهو تعالى أكبر من كل ما يخطر في ذهنك. و(أعلم) في الآية تعني أعلم من كل ما سواه وحينما نقول: (أعلم، عالم ، عليم، يعلم) كل الصيغ تعني أنه تعالى علِم دقائق أموره وعظائمها بلا شك لكن من حيث نظم الألفاظ لو خرجنا خارج القرآن يمكن أن نفرّق بين علم وعالم وأعلم (العالم يمكن أن يفوته شيء) أعلم لا يفوته شيء. فلما استعمل في هذا النظم كلمة أعلم معناه كل هذه الدخائل ستكون منكشفة أمام الله تعالى وفقاً لنظم الكلام وهذا يثقل على المؤمن والكافر أن يستخرج الله تعالى كل دخائله فلما كان في المعنى شيء من الثقل على المخاطب استعمل اللفظ الثقيل (النفوس).
وهناك شيء آخر خارج مسألة المعنى وإنما يتعلق بالصوت: الانكشاف واضح في كلمة نفوس ليس فيها ادغام ولا اخفاء وكل حروفها ظاهرة مظهرة (نفوسكم) لكن لو في غير القرآن (أعلم بما في أنفسكم) أنفسكم هنا إخفاء فيها خفاء والخفاء لا ينسجم بأنه أعلم بالدقائق حتى من حيث الصوت.
آية (27):
*ما دلالة وصف الشيطان بالكفور وليس الرجيم؟(د.حسام النعيمى)
فى آية الاستعاذة اختيار كلمة الرجيم لتقليل شأن الشيطان وإذلاله لأن المراد فيها الذّلة حتى لا تكون للشيطان منزلة مخيفة فأنت لجأت الى الله وعُذت به فتذكر أنه ذليل مرجوم. وإذا نظرنا لأوصاف الشيطان في سورة الاسراء نجد صفة الكفور (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)) لأن الكفور قد يكون متجبراً وكافراً لكن ليس فيه اذلال.
*ما هي اللام في (لربه) في قوله تعالى (وكان الشيطان لربه كفورا)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/56)
اللام هنا هي لام التقوية إذا جئنا بصيغة المبالغة أو اسم الفاعل هذا الفعل الذي يتعدى بنفسه يمكن إضافة لام التقوية له كما في قوله تعالى (وهو الحق مصدقاً لما معه) فعل صدّق يتعدى بنفسه واللام للتقوية وكذلك قوله تعالى (فعّال لما يريد) أي فعّال ما يريد. إذا تأخر الفعل أو كان مصدراً أو صيغة مبالغة قد يُؤتى باللام المقوّية كما جاء في قوله تعالى (وكان الشيطان لربه كفورا).الكفر المقابل للإيمان يُعدّى بالباء لا باللام كما في قوله تعالى (إن الذين يكفرون بالله ورسوله) (وكانوا بشركائهم كافرين) فلا نقول يكفر لله وإنما يكفر بالله. وكذلك الكفر المقابل للشكر لا يُعدّى باللام فكفران النعمة يتعدى بنفسه (فاشكروا لي ولا تكفرون)بمعنى كفر النعمة أو كفر صاحب النعمة (وإن كفرتم).
آية (31):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى: (لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) وقوله (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق)؟ (د.فاضل السامرائى)
في الآية الأولى في سورة الإسراء الأهل ليسوا فقراء أصلاً وعندهم ما يكفيهم ولا يخشون الفقر ولكنهم يخشون الفقر في المستقبل إذا أنجبوا بأن يأخذ المولود جزءاً من رزقهم ويصبح الرزق لا يكفيهم هم وأولادهم ويصبحوا فقراء فخاطبهم الله تعالى بقوله(نحن نرزقهم وإياكم) ليطمئنهم على رزقهم أولاً ثم رزق أولادهم ولهذا قدّم الله تعالى رزقهم على اياكم لأنه تعالى يرزق المولود غير رزق الأهل ولا يأخذ أحد من رزق الآخر وأن الأولاد لن يشاركونهم في رزقهم وإنما رزقهم معهم.. أما في الآية الثانية فهم فقراء في الأصل وهمّهم أن يبحثوا عن طعامهم أولاً ثم طعام من سيأتيهم من أولاد فالله تعالى يطمئن الأهل أنه سيرزقهم هم أولاً ثم يرزق أولادهم أن الأهل لهم رزقهم والأولاد لهم رزفهم أيضاً .
آية (32):(1/57)
*ما الفرق بين السفاح والبغاء والزنى (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32) الإسراء)؟(د.فاضل السامرائى)
البغاء هو الفجور، بغى في الأرض أي فجر فيها أي تجاوز إلى ما ليس له. (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ (76) القصص) تجاوز الحدّ. فهي تجاوزت حدها عندما فعلت هذه الفعلة. لذا يقال للمرأة بغيّ ولا يقال للرجل بغيّ (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) مريم) عند العرب لا يوصف الرجل بالبغيّ في الزنا البغاء للمرأة. إشتقاقه اللفظي بغت المرأة إذا فجرت لأنها تجاوزت ما ليس لها. الزنا هو الوطء من غير عقد شرعي. البغاء استمراء الزنا فيصير فجوراً. المسافحة أن تقيم معه على الفجور(مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ (24) النساء)، تعيش معه في الحرام من غير تزويج صحيح. المسافحة والسفاح هي الإقامة مع الرجل من غير تزويج شرعي وهذا أشد لأنه تقيم امرأة مع رجل على فجور. كله فيه زنا والزنا أقلهم، إذا استمرأت الزنا صار فجوراً بغاء وإذا أقامت معه بغير عقد شرعي يقال سفاح. الرجل يوصف بالسِفاح أيضاً (غير مسافحين). الزنا يوصف به الرجل والمرأة (والزانية والزاني) أما البغاء والبغي فللمرأة تحديداً والسفاح للرجل والمرأة. وكل كلمة لها دلالتها في القرآن الكريم.
*ما الفرق بين (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) الإسراء) و(وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) النساء)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/58)
في سورة الإسراء (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)) وفي سورة النساء (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)) الزنا بالمحارم أو زواج زوجة الأب من بعده (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) أضاف كلمة مقت، شخص زنا بامرأة هذه فاحشة وسبيل سيء لكنه في الحقيقة ليس مقززاً ولا مقرفاً امرأة جميلة وكذا راقصة أو مغنية أو ممثلة أو بغي جميلة جداً والله قال (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ) لكن أن تزني بمحارم؟ هذا ليس فقط فاحشة هذا قمتاً يعني مقزز مقرف يثير السخرية يثير العار المقت أشد البغضاء (لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ (10) غافر) حينئذٍ هم الاثنين زنا لكن في زنا عن زنا زنا بأجنبية فاحشة وساء سبيلاً (فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) زنا بمحرم فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً (فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) فكلمة مقتاً تضيف إلى الزنا بالمحارم جريمة زائدة ولهذا عقوبة الذي يزني بالمحارم ليس كعقوبة الزاني رجم أو جلد لا وإنما يلقى من شاهق يصعدونه على جبل على منارة على برج ويرمى من فوق لأنه لا يسوى لخسته ونذالته وحقارته لا يساوي أن يعاقب عقوبة الرجال ولكنها من جنس عقوبة قوم لوط.
آية (35):
*ما وجه الاختلاف بين القسط والعدل والقسطاس والميزان؟(د.فاضل السامرائى)(1/59)
القسط يكون أولاً في الوزن وغيره وله معنيان العدل والحِصّة والنصيب ولذلك كلمة القسط تستعمل في القرآن في الوزن وفي غيره (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (42) المائدة) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ (135) النساء) لكن هنا استعمال القسط أنسب في هذا الموضع. أولاً لم يستعمل العدل مع الميزان مطلقاً في القرآن كله لم يستعمل إلا القسط لأن القسط هو الحصة والنصيب والغرض من الميزان أن يأخذ الإنسان نصيبه ولذلك لم ترد في القرآن كلمة العدل مع الوزن (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ (152) الأنعام) (ونضع الموازين القسط) (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) الرحمن) ومن أسماء الميزان القسطاس (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (35) الإسراء) باعتبار يأخذ حقه. القسط عامة لكن مع الميزان لم تستعمل إلا كلمة القسط لأن من معاني القسط الحصة والنصيب والغرض من الميزان الحصة والنصيب. وللعلم كلمة يقوم لم ترد في القرآن مع العدل (قوامين بالقسط) فقط (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ (25) الحديد) (وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ (127) النساء) (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ (18) آل عمران ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ (135) النساء) (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) الرحمن) (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ (85) هود). إذن هنالك أمران: الأول أنه ذكر الوزن ولم يستعمل القرآن مع الوزن إلا القسط وقال ليقوم ولم يستعمل مع يقوم في الوزن وغير الوزن إلا القسط.(1/60)
إذن هناك أمران اقتضيا ذكر القسط دون العدل. يقوم أي ينهض به (وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) المعارج) القيام بالعمل (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) الحج) ينهض بالأمر يقوم به. لم يستعمل القيام مع العدل وإنما استعمله مع القسط وليقوم لم يستعمل القيام مع العدل وإنما استعمله مع القسط.
آية (36):
*قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) فما هو الفؤاد؟(د.حسام النعيمى)
الفؤاد بعضهم قال هو القلب نفسه. وبعضهم قال لا، الفؤاد هو غشاء القلب. وقيل وسطه. فالذي يترجح لدينا من وجود حديث للرسول - صلى الله عليه وسلم - يترجح أن الفؤاد هو غشاء القلب لكن لما يتحدث عن الفؤاد يعني الغشاء وما في داخله لأن هو أصل الفؤاد من التفؤد ويعني التوقّد والإشتعال والحرقة فكأن القلب هو موضع هذه الأشياء فلذلك إستعمل هكذا في هذا المكان. الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم - : " أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً". في اللسان: فأد الخبز في الملّة يفأدها فأداً شواها. القلب يشتوي أحياناً بما يسمع وما يقال له وليس على سبيل الشواء الحقيقي والفؤاد القلب لتفؤده وتوقده.وفي الحديث ذكر الفؤاد والقلب وذكر الفؤاد بالرقّة وهي الشفافية الشيء الرقيق واللين للشيء السميك الذي له بُعد فالقلب ليّن والفؤاد رقيق. والله أعلم.
واستعمل القرآن فؤاد وقلب مع أم موسى (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) القصص) الفؤاد المغلّف يقصد ما بداخله والعرب عندما تستعمل الفؤاد، تستعمل القلب، تستعمل اللب تعني الموضع الذي يكون فيه الفكر والعاطفة.(1/61)
* لماذا السمع مقدم على البصر في القرآن؟ (د.حسام النعيمى)
الذي يوقظ النائم بشكل طبيعي هو الصوت لأن الأذن مفتوحة أما العين فمغلقة عند النوم ، إذا أوقدت ضوءاً لا يستيقظ. قد يكون هذا من الأسباب وقد يكون أن الإنسان يستقبل الآيات ويستقبل المواعظ الآيات من الرسل بالأذن أكثر من إستقبالها بالبصر (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36) الإسراء) يسمع ما يلقيه عليه الرسل ثم ينظر في ملكوت الله ثم يعمل ما سمعه وما نظره في فؤاده.
آية (41):
*ما الفرق بين يذّكرون ويتذكرون؟(د.فاضل السامرائى)
يذّكرون أصلها يتذكرون في اللغة صار فيها إبدال. وأصل الفعل الثلاثي ذَكَر يذكر (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) مريم) الفعل الثلاثي المجرد هو (ذكر). تذكّر هذا مزيد بالتاء والتضعيف. إذّكّر حصل فيه إبدال التاء صارت ذالاً وهذا إبدال جائز، التاء صار فيها إبدال يصير إدغام (ذال وذال) الأول ساكن والعرب لا تبدأ بالساكن فجاءوا بالهمزة فقالوا إذّكّر مثل إطّهر، إفّعل، إدّبر هذا كله من الإبدال الجائز. إذن يتذكرون ويذّكّرون هما في الأصل فعل واحد لكن أحدهما فيه إبدال والآخر ليس فيه إبدال: يتطهرون ويطّهرون، يدّبر ويتدبر أصلهما فعل واحد لكن أحدهما حصل فيه إبدال والآخر ليس فيه إبدال، هذا من الناحية اللغوية الصرفية. لكن كيف يستعمل القرآن يتذكرون ويذّكّرون؟ يتذكرون ويذّكرون من حيث اللغة واحد حصل إبدال كما في اصتبر واصطبر (التاء صارت طاء)، إزتحم وازدحم هذا إبدال واجب، وهناك إبدال جائز (يتذكرون ويذّكرون).(1/62)
إستخدام القرآن الكريم في هذا ونظائره: يتذكر ويذّكّر أيها الأطول في المقاطع؟ (يتذكر: ي/ت/ذ/ك/ر/) خمسة مقاطع، (يذّكّر: ي/ذ/ك/ر/) أربعة مقاطع. يتذكر أطول ومقاطعه أكثر هذا أمر. والأمر الآخر يتذكّر فيها تضعيف واحد ويذّكّر فيها تضعيفان. إذن عندنا أمران: أحدهما مقاطعه أكثر (يتذكر) والآخر فيه تضعيف أكثر (يذّكّر) والتضعيف يدل على المبالغة والتكثير. القرآن الكريم يستعمل يتذكر الذي هو أطول لما يحتاج إلى طول وقت ويستعمل يذّكّر لما فيه مبالغة في الفعل وهزة للقلب وإيقاظه. مثال (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (35) النازعات) يتذكر أعماله وحياته كلها فيها طول، (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) الفجر) يتذكر حياته الطويلة. (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ (37) فاطر) العمر فيه طول. (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) الأنفال) هؤلاء يحتاجون إلى هزة، ما عندهم قلب ويحتاجون إلى تشديد لتذكر الموقف، هنا موقف واحد وهناك عمر كامل. يحتاجون إلى من يوقظهم ويحتاجون إلى مبالغة في التذكر تخيفهم وترهبهم وليس تذكراً عقلياً فقط وإنما هذا تذكر فيه شدة وتكثير للتذكر ومبالغة فيه بحيث تجعله يستيقظ، هذا يسمى مبالغة في التذكر. ((1/63)
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) التوبة) هؤلاء في قلوبهم رجس يحتاجون إلى هزة توقظ قلوبهم ليس مسألة تعداد. (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (41) الإسراء) ليعتبر. إذن يتذكر ويذّكّر الصيغتان في القرآن عموماً. يتذكر لما هو أطول وهو تذكر عقلي ويذّكّر فيه مبالغة وفيه إيقاظ للقلب، تهز القلب. يذّكّر فيه إيقاظ للقلب وهزة ومبالغة مع أن الجَذر واحد.
آية (44):
* مادلالة استعمال (من ) فى الآية وليس (ما)؟ (د.حسام النعيمى)
قال تعالى في سورة الإسراء (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) لماذا استعمل صيغة العقلاء لهم وهي أشياء؟. قال تسبيحهم ولم يقل تسبيحها هو يريد الجمع. الميم للعقلاء يقول العلماء هنا هذه الأشياء لا تحسن إلا للعاقل: التسبيح لا يليق إلا بالعاقل فلما يتكلم على التسبيح هذه المسبّحات يعاملها معاملة العقلاء وبصيغة المذكر.
*في قوله تعالى (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء) ما دلالة استخدام يفقهون بدل يسمعون؟(د.فاضل السامرائى)(1/64)
نحن نسمع التسبيح لكن لا نفقهه. الطيور طبعاً تسبّح وأنت تسمعها ولكن لا تفقهها والله تعالى قال (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ (13) الرعد) نحن نسمع الرعد لكن لا نفقهه، الضفدع تنقّ ونحن نسمع نقيق الضفدع لكن لا نفقه إذا كانت تسبح. الفقه أن تعلم ماذا يقول وماذا يريد. أنت تسمع متكلماً يتكلم بلغة أجنبية أنت تسمعه لكن لا تفهم ما يقول ولا تفقهه. فالسمع ليس شرطاً في الفقه فالمهم أن نفقه ما يقال وليس مجرد السماع.
* قال تعالى (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) لماذا جاءت تفقهون وليس تسمعون؟ وهل لأننا حتى لو سمعناهم لن نفهم ؟وما دلالة (تسبيحهم) بصيغة الجمع؟(د.حسام النعيمى)(1/65)
الفقه هو زيادة المعرفة .لما قال تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الكل يسبح والتسبيح هو تعظيم وتمجيد وتنزيه لله سبحانه وتعالى عن كل ما لا يليق به وذكر حمده سبحانه وتعالى دائماً الإنسان في حمد (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) القلم شيء والكرسي شيء والنجم شيء والشمس شيء وكل ما يصدق عليه كلمة شيء هو يسبح لله سبحانه وتعالى . قال لا تفقهون ولم يقل لا تسمعون السبب لأن المسموعات ألأصوات الصادرة قد نسمعها وقد لا نسمعها لأن الأذن البشرية مهيئة لسماع ذبذبات معينة منحصرة بين 20 و200 ألف ذبذبة في الثانية. تبارك الله أحسن الخالقين . هذه الأذن مهيئة لنقل الرسالة لكن كيف تنقلها لا أحد يعلم: فإذا كانت الذبذبات أكثر من 200 ألف ذبذبة في الثانية أو أقل من 20 لا تسمعه الأذن فالصوت موجود السمع غير حاصل يعني هذه فيها يسبح بصوت وهو غير مسموع والتسبيح ليس بالصوت فقط أحياناً بالحركة فالنحل له لغته الخاصة التي هي بالحركة على طريقة رقم 8 بالانجليزية بحيث توصل الرسالة إلى المملكة بأن هناك طعام على بعد كذا باتجاه كذا فيذهب النحل بدون أن تذهب معه فهذه ممكن أن تسبح بالحركة. (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) حتى ذرات جسم الإنسان تسبح، هذا الكافر ذرات جسمه تسبح. كل شيء يسبح.
السؤال الثاني : كثير في القرآن الكريم هذا الذي يسمى بالالتفات للمناسبة. لو نظرت في قوله تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) كان ممكن في غير القرآن أن يقول (تسبيحها) يعني هذه الأشياء أو (تسبيحه) للشيء ممكن والقرآن ليس شعراً بحيث تقول أجبرته القافية والوزن أن يقول تسبيحهم لا. لكن لاحظ لما قال (وإن من شيء) معناه الجزئيات في الأشياء فصار مجموعة. و(من) للتبعيض.
آية (47):
*متى يستخدم القرآن الإفراد والجمع(يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ)و(يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)؟(د.فاضل السامرائى)(1/66)
ليس المقصود شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن المقصود هو القرآن. هنالك أمر في القرآن الكريم: حيث عدّى الاستماع حيث يقول (إليك) لا بد أن يجري ذكر الرسول في سياق الآية. إذا قال إليك فلا بد أن يذكر شيئاً يتعلق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - . مثال (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25) الأنعام) المخاطب هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - . لما ذكر إليك (حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)، (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ (16) محمد) متعلق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - (قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا). (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (42) يونس) المخاطب هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - . (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (47) الإسراء) حيث يقول (يستمعون إليك) أو (يستمع إليك) يجري ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السياق وهنا في آية الجن لم يرد ذكر الرسول مطلقاً. هو القصد ذكر القرآن وليس ذكر القارئ القرآن هو القصد وليس الرسول - صلى الله عليه وسلم - . فلم يعدّي الإستماع إليه.
آية (49):(1/67)
*في كل القرآن الكريم ترد (تراباً وعظاما) إلا في سورة الإسراء وردت مرتين بقوله تعالى (عظاماً ورفاتا) فما الدلالة البيانية لكلمة رفاتاً ولماذا تقديم كلمة عظاماً ؟(د.حسام النعيمى)
(تراباً وعظاماً) حيث وردت في القرآن في أكثر من موضع وهذا هو الأصل. عندما تنبش قبراً تجد أولاً التراب وتحته تكون العظام لا تجد لحماً ولا جِلداً فهم عندما كانوا يرون هذه الجثث الميتة للحيوانات يجدون حولها تراب وهي عظام فكانوا يقولون تراباً وعظاماً.
في حالة واحدة (وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) الإسراء) يبدو أنها كانت في مناقشة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويبدو أن الذين ناقشوه أو أحدهم كان يحمل بيده عظماً وأمسكه بيده وطحنه بيده فتكسّر العظم. لما يتكسّر العظم يكون رفاتاً والرفات هو الأشياء المكسّرة ليست المطحونة كالتراب فقال: بعد أن كنا عظاماً وكسّره قال: ورفاتاً. ولذلك ردُّ الآية يُظهر هذا لأنه يقول هذا شيء ضعيف وقد جعلته رفاتاً كسّرته، فقالت له الآية: (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)) لأنه كسر العظم قال الحديد لا يتكسر والحجارة لا تتكسر فجاء الرد في الآية لو كنتم حجارة أو حديداً التي ليس فيها حياة لأعادكم الله عز وجل
ومن باب أولى عندما تكونوا عظاماً أورفاتاً يعيدكم الله عز وجل. (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)) كسر العظم أمامه.(1/68)
ولذلك لما تكررت بعد ذلك كانت إعادة للعبارة الأولى (وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) إعادة القول مرة أخرى بأسلوبه فأُعيد الكلام. (وأنا أشدد هنا أن ما ورد في القرآن هي ليست عبارات من نُقِل عنهم وإنما هي بألفاظ القرآن بما قالوه بواقع حالهم).
فائدة التكرار : هؤلاء أُدخلوا النار لأنهم قالوا هذا الكلام وليس كل تكرار معيباً.
آية (53):
*انظر آية (11).???
*ما الفرق بين ذكر الياء وعدم ذكرها في (عِبَادِي )و(عِبَادِ)؟(د.فاضل السامرائى)
هذه ظاهرة في القرآن. عبادي وعبادِ أيها الأكثر حروفاً؟ عبادي. كلما يقول عبادي يكون أكثر من عبادِ مناسبة لسعة الكلمة وطولها وسعة المجموعة. (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الذين اسرفوا كثير (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف) (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ) (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ (116) الأنعام) فقال يا عبادي.
(فبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) أي الأكثر في العدد؟ الذين أسرفوا أكثر من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه فجاء بما هو أكثر (عبادي). ما قال يستمعون الحسن وإنما أحسنه وهؤلاء أقل.
((1/69)
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ (186) البقرة) كل العباد تسأل، هذا لا يخص عبداً دون عبد إذن هي كثيرة. (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء) كل العباد مكلفين أن يقولوا التي هي أحسن. (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) كثير، (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر) المؤمنون أكثر من المتقين لأن المتقين جزء من المؤمنين. مع المؤمنين جاء بـ (عبادي) بالياء ومع المتقين جاء بـ (عبادِ) بدون ياء. حتى نلاحظ نهاية الآية غريبة عجيبة (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) العنكبوت) وفي الثانية (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) في الأولى قال كل نفس ذائقة الموت، أما في الثانية فهنا الصابرون وهؤلاء أقل فجعلهم مع عبادِ الذين هم قِلّة، وكل نفس جعلها مع عبادي الذين هم كثرة. إذن في القرآن الكريم حيث قال عبادي بالياء هم أكثر من عبادِ بدون ياء.(1/70)
ولم تحذف هنا الياء للضرورة مع أن العرب تحذف الياء من الإسم والفعل كما في قوله (قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ (64) الكهف) (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا (65) يوسف) مرة تذكر ومرة تحذف عموماً تجري على لسانهم وليس لها ضابط (وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ (97) الإسراء) (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي (178) الأعراف) في الفعل والإسم (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ (20) آل عمران) (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي (108) يوسف) لكن كيف يستعمل القرآن هذا الأمر الجاري على لسان العرب وكيف يستخدمها هذه هي البلاغة.
*ما نوع العداوة بين ابليس والبشر؟ عندما تذكر العداوة بالنسبة للكفار فتنسب عداوة لله والمؤمنين (عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) الأنفال) بينما لما يذكر عداوة الشيطان تكون فقط للمؤمنين (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) يس)؟(د.فاضل السامرائى)(1/71)
هي عامة لا تنحصر بشيء من التحريش بين المؤمنين وإثارة الإحن فيما بينهم (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) يوسف) (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53) الإسراء) (فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ (42) يوسف) عداوة عامة حتى (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) الشيطان أنساه وهذا من عداوة الشيطان، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة) (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ص) إذا عداوة الشيطان عامة حتى يورده مورد الهلكة وحتى يدخله النار في الآخرة. في اللغة كلمة عدو عام. الفعل عادى عداءً العداء ليس بالضرورة مصدر عادى (فاعل فِعال). إذن هذه عداوة على مختلف الأصعدة حتى يورده مورد الهلكة في النار (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4) الحج) فالعداوة عامة لا تنحصر في شيء.
آية (55):
*ما سبب إفراد آتينا لداوود - عليه السلام - ؟(د.فاضل السامرائى)
(وآتينا داوود زبورا) بمعنى آتينا داوود زبورا كما آتيناك كتاباً فلماذا خصّ الزبور؟ لأن الزبور نزل منجّماً أي بالتقسيط كما أُنزل القرآن على الرسول - صلى الله عليه وسلم - . ويخاطب تعالى الكافرين أنهم يؤمنون بداوود وقد نزل عليه الزبور منجماً وقد أتيناك كتاباً كما آتينا داوود.والله أعلم.
آية (59):
*ما الفرق بين الإيتاء والهبة؟ (د.فاضل السامرائى)(1/72)
الإيتاء يشمل الهبة وزيادة في اللغة، الإيتاء يشمل الهبة وقد يكون في الأموال وهو يشمل الهبة وغيرها فهو أعم، (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً (59) الإسراء) لا يمكن أن نقول وهبنا (آتيناه الكتاب) آتينا أعم من وهبنا.
آية (60):
*ما دلالة الشجرة الملعونة في الآية (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ (60) الإسراء)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/73)
الآية (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا (60) الإسراء) وما جعلنا الرؤيا التي أريناك يعني ما أراه ربه في الإسراء والمعراج. تبقى الشجرة الملعونة في القرآن هذه شجرة الزقوم كما في الصحيح (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) الصافات) إذن ملعونة وهي أبعد شيء عن الرحمة (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات) شبّه مجهولاً بمجهول ما علمنا كيف تكون رؤوس الشياطين وغالباً التشبيه يكون معلوماً بمعلوم وقد يكون بغير معلوم، نحن نعلم أن الشياطين قبيحة ومخيفة. الشيطان ملعون يعني هي ملعونة وهو قبيح وهي قبيحة وهي تخرج في أصل الجحيم اجتمعت عليها اللعنة من كل جانب فهي شجرة ملعونة. (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ) عندما نزلت هذه الآية (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) الدخان) قال أبو جهل إن محمداً يعدكم بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا بالتمر والزبدة لنتزقمها تزقماً فقال تعالى (وَنُخَوِّفُهُمْ) ذكر شجرة الزقوم فوصفها (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) وليس كما ذكر أبو جهل. الرؤيا التي أريناك هي التي رآها في الإسراء والمعراج ورأى الشجرة أيضاً وما جعلنا الشجرة إلا فتنة (والشجرةَ) معطوفة على الرؤيا.
آية (62):
*متى تثبت الياء ومتى تحذف كما في قوله (أخّرتني، أخرتنِ)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/74)
قال تعالى:(فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) المنافقون) وإبليس قال (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً (62) الإسراء) بدون ياء. مَنْ من هذين الذين يطلبون التأخير هو في مصلحة نفسه؟ الأول لأنه قال (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) أما الثاني أي إبليس فليس في مصلحة نفسه وإنما (لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) فلما كان الأمر لنفسه أظهر نفسه (أخرتني). إضافة إلى أن (لولا) من أدوات الطلب والتحضيض، طلب صريح، (لولا وألا) من أدوات الطلب والتحضيض. (لئن) طلب ضمني، هذا شرط مسبوق بقسم، هذا طلب ضمني وليس طلباً صريحاً. أما لولا فهو طلب صريح (لولا أخرتني). فلما كان الطلب صريحاً أظهر الياء صراحة ولما كان في الثانية إشارة إلى الطلب هو أشار إلى ضمير المتكلم (أخرتنِ). إذن عند التصريح صرّح وعند الإشارة أشار. إذن إظهار الياء في المواطن الجلل.
* فعل أرى المضارع يتعدى بمفعول أو مفعولين وأرى بصيغة الماضي يتعدى بمفعولين أو ثلاث، وفي صيغة الإستفهام أأرأيت، كيف تم تركيبة الصيغة (أرأيتك) في سورة الإسراء (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ (62)) ؟(د.حسام النعيمى)(1/75)
الفعل(رأى) ممكن أن تكون للرؤية البصرية كأن تقول: أرأيت زيداً؟ أشاهدته؟ وممكن أن تكون للرؤية القلبية تكون بمعنى علِم (أرأيت زيداً نجح؟) يعني أعلمت زيداً نجح؟ فلما يدخل على (رأيت) الكاف (أرأيتَكَ) الكاف للخطاب والتاء للخطاب كأنه يقول له: أرأيت نفسك؟ لو قال أرأيتُك بمعنى أنا أراك لكن لما فتح التاء وجاءت الكاف كأنه يقول له أرأيت نفسك؟ ولكن العرب أخرجتها عن صورتها الظاهرة واستعملتها بمعنى أعلمني أو أخبرني. يقول له أرأيتك إذا جاء زيد هل ستكرمه كما أكرمت أخاه؟ أخبرني مع شيء من التأكيد، مع شيء من التعجب من إكرامه الأول وأحياناً يكون فيه نوع من التبكيت يعني (أرأيتك) ستفعل هذا مع فلان مع فعلته مع فلان؟ كأنه لم يُكرم فلاناً فهل ستتصرف بعين هذا التصرف؟. واقع الحال هو الذي يبين المعنى الدقيق لهذا هل فيه نوع من التبكيت أو هو للتعجيب أو هو لمجرد الإستخبار بمعنى أخبرني. أرأيتك وردت في القرآن الكريم لكن على ورد على غير معنى أخبرني. العرب تصرفت في الكلمة تصرفاً عجيباً والقرآن نزل بلغتهم.(1/76)
لما يأتي في سورة الإسراء على لسان إبليس قال (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً (62)) نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا من هؤلاء القليل. لما يخاطب رب العزة (أرأيتك) هو لا يريد أن يقول له أرأيت نفسك؟ ولا يريد أن يقول له أخبرني وإنما كأنما يريد أن يقول لله سبحانه وتعالى: أترى هذا الذي جعلته مكرّماً عليّ أني سأخبرك، سأقول لك كلاماً يقينياً بشأنه لأحتنكن ذريته. فإذن هو في هذه الحالة كأنما نوع من التنبيه أو التأكيد أو لفت النظر إلى هذا الإنسان وهذا نستعمله نحن في العامية أحياناً لما تقول للشخص: شايف إبنك هذا إذا بقي هكذا لن يتقدم. يعني إني سأخبرك شيئاً يقينياً بشأن ولدك هذا.إذا بقي هكذا فلن يتقدم. وهذا ليس سؤالاً.
(أرأيتك) الهمزة همزة سؤال لكنه لا يريد استفهاماً إنما يريد تقرير شيء. هذا الفعل استعمل بهذه الطريقة وقد خرج عن ظاهره يعني هو ليس بمعنى الرؤية المنسوبة لمخاطب في الحالين (أرأيتكَ وأرأيتكم) والعرب تصرفت فيه فقالت أرأيتَك وأرأيتِك وأرأيتكما وأرأيتكم وأريتكن. إعرابها: التاء يقولون فاعل والكاف للخطاب لا محل له من الإعراب ولا يكون مفعولاً به. هنا بمعنى أخبرني يذصب مفعولاً واحداً أخبرني الأمر.
(أرأيتك) هي صيغة خاصة تكوينها الأصلي: تاء المخاطب (الفاعل) وجاءت الضمائر بعد ذلك لبيان الأعداد: أرأيتكَ للمخاطب الواحد، أرأيتكِ للمخاطبة، أرأيتكما للمثنى، أرأيتكم للجمع المذكر، أرأيتكن للجمع المؤنث، وفيها كلها جاءت التاء مفتوحة. (أرأيتُكم) هذه بضم التاء صارت للمتكلم، أي هل شاهدتكم ؟ ما استعلمت بهذه الصورة وكلها جاءت مفتوحة بالتاء.
آية (69):
*لماجاءت كلمة( ريح) وليس رياح ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/77)
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر كما في قوله تعالى في سورة الإسراء (أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً {69}).
أما كلمة الرياح فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات.
آية (70):
*ما اللمسة البيانية في عدم ذكر الجو في قوله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) في سورة الإسراء؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الإسراء (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)) ونلاحظ أنه تعالى استعمل صيغة الماضي في الآية (كرّمنا، حملناهم) وفي وقتها لم يكن هناك حملٌ في الجوّ هذا أولاً ساعة النزول. والأمر الآخر أنه لمّا ذكر الآية شملت كل بني آدم من آدم إلى قيام الساعة لكن لو قال (في الجو) لشمل التكريم من حُملوا في الجو وبذلك تكون الآية أغفلت كثيراً من بني آدم ولما شمل التكريم كل بين آدم في عهد آدم إلى قيام الساعة. ثم إن السياق يتعلّق بالبر والبحر فقال تعالى في السورة نفسها (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68)).
آية (80):(1/78)
*ما الفرق بين مدخل ومدّخل (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ (80) الإسراء) و (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) التوبة)؟ (د.فاضل السامرائى)
عندنا مَدخل ومُدخل ومُدّخل. مَدخل من دخل يدخل هو دخل، إسم مكان مثل خرج يخرج مخرجاً. مُدخَل من أدخَل (الرباعي) وهو إسم مكان ومصدر ميمي وإسم زمان لكن مدخل من الفعل الثلاثي ومُدخل من الرباعي. (مُدّخل) من ادّخل أي المبالغة لا يستطيع الدخول إلا إذا اجتهد في الدخول ولذلك قال تعالى عن المنافقين (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) دخلوا فيه بقوة، هم يريدون أن يهربوا فقط. وأحياناً يقولون هو كنفق اليربوع يدخل فيه، هذا المُدّخل. الثلاثة إسم مكان ومصدر ميمي وإسم زمان لكن الفرق في الاشتقاق واحدة من الثلاثي (مَدخل) والثانية من الرباعي (مُدخل) والثالثة من الخماسي (مُدّخل). مَدخل ومُدخل ليستا دلالة واحدة. دخل الشخص هو يدخل، أدخل أي يُدخله شخص آخر (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ (80) الإسراء) هو لا يدخل من تلقاء نفسه. دخلت مدخلاً صعباً أنت دخلت أنا أُدخلت مدخلً صعباً. أدخلني وأخرجني هو يُدخلني وهو يُخرجني، لقد ركبت مركباً صعباً, أما مُدخل شيء آخرأدخله مُدّخل في قوة وشدة.
آية (83):
* ما اللمسة البيانية في استعمال(أنعمنا) بضمير المتكلم واستعمال (مسه )بضمير الغائب ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/79)
هناك خط عام في القرآن الكريم وهو أن الله تعالى لا ينسب الشرّ لنفسه مطلقاً (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) الإسراء) ولم يقل مسسناه بالشرّ وإنما ينسب الخير إلى نفسه، والخير يُقصد به الخير العام وليس شرطاً أن يكون الخير الفردي كما في قوله تعالى (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) الرعد) وأخذ الكافرين وإهلاكهم هو من الخير العام وهو نعمة على الناس أصلاً وهذا أيضاً ليعلّمنا الله تعالى أن الخير والشر مُقدّر من الله تعالى وهذا هو يقين العقيدة حتى لا يتبادر إلى ذهن الإنسان أن هناك إله للخير وإله آخر للشرّ كما كانوا يعتقدون قبل الإسلام. وفي قوله تعالى (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) طه) نسب الفتنة إليه سبحانه وتعالى وهى ليست شراً وإنما هي ابتلاء فالله تعالى خلق الموت والحياة للابتلاء (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك). وفي القرآن يذكر (زيّنا لهم أعمالهم) ولم يرد في القرآن مرة (زينا لهم سوء أعمالهم) وإنما جاءت (.زيّن لهم سوء أعمالهم).
آية (84):
*(كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) الأنبياء) لماذا لم يقل يسبح كما فى قوله(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ (84) الإسراء)؟(د.فاضل السامرائى)
((1/80)
كل) لها قواعد في التعبير. (كل) إذا أضيفت إلى نكرة هذا يراعى معناها مثل (كل رجل حضر) (كل امرأة حضرت) (كل رجلين حضرا) إذا أضيف إلى نكرة روعي المعنى وإذا أضيفت إلى معرفة يصح مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، مثال: (كل اخوتك) اخوتك جمع يجوز أن يقال كل إخوتك ذاهب ويقال كل إخوتك ذاهبون، يجوز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى. إذن إذا أضيفت إلى نكرة روعي المعنى كل رجل حضر، كل رجلين حضرا، كل امرأة حضرت. (كل) لفظها مفرد مذكر ومعناها تكتسبه بحسب المضاف إليه. إذا أضيفت لنكرة يراعى المضاف إليه وإذا أضيفت لمعرفة يجوز مراعاة اللفظ والمعنى. نوضح القاعدة: كل الرجال حضر وكلهم حضر، إذا قطعت عن الإضافة لفظاً جاز مراعاة اللفظ والمعنى (كلٌ حضر) (كلٌ حضروا) يجوز، (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ (285) البقرة) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) الأنبياء) (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) ق) مجموعة قوم نوح وعاد وفرعون قال كلٌ كذب الرسل، (كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116) البقرة). إذن من حيث القاعدة النحوية أنه إذا قطعت عن الإضافة هذا سؤال (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) لفظاً جاز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى يمكن أن يقال كلٌ في فلك يسبح وكلٌ في فلك يسبحون لكن هل هنالك اختلاف في المعنى في القرآن ليختار هذا أو ذاك؟ هذا هو السؤال. من حيث اللغة جائز. القرآن استخدم الاثنين (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) الأنبياء) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ (84) الإسراء) (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) ق). مما قيل في هذا الخلاف قال: الإخبار بالجمع يعني عندما يقول قانتوت حاضرون يسبحون يعني كلهم مجتمعون في هذا الحدث ولما يفرد يكون كل واحد على حدة ليسوا مجتمعين. لما يقال كلٌ حضروا يعني مجتمعون ولما يقال كلٌ حضر يعني كل واحد على حدة.(1/81)
قال تعالى (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) كلهم يسبحون في آن واحد، (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ) يوم القيامة كلهم مع بعضهم، (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) كلٌ على حدة، (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) كلٌ على حدة كل واحد في أزمان مختلفة.
سؤال: هل هي لغوية معروفة أو خصوصية في القرآن الكريم؟
أصل اللغة ما ذكرنا والقرآن كسى بعض الكلمات دلالات خاصة به في سياق القرآن.
آية (85):
*انظر آية(25).???
*وردت في القرآن ( يسألونك) و (ويسألونك) فما دلالة إضافة الواو وحذفها؟
د.حسام النعيمى :
الواو تكون عاطفة فلما يبدأ موضوعاً جديداً لا يبدأ بالواو وإنما يبدأ بـ (يسألونك) أما اذا أراد أن يستكمل كلاماً سابقاً يأتى بالواو.ووردت (ويسألونك) في ستة مواضع كلها فيها عطف منها (ويسألونك عن الروح (85)) .
د.فاضل السامرائى :(1/82)
يسألونك و(ويسألونك) له مواضع في القرآن. أحياناً تقع الأسئلة في وقت واحد، عدة أسئلة في موضع واحد في وقت واحد فالسؤال الأول (يسألونك) وفي الأسئلة الأخرى يقول (ويسألونك)، مثال (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ (219) البقرة) هذا ابتداء هذا أول سؤال وبعدها يأتي (ويسألونك) (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (219) البقرة) عطف على السؤال الأول (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى (220) البقرة) وبعدها (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ (222) البقرة) هذا سؤال آخر إذن السؤال الأول بدون واو (يسألونك) هذا ابتداء والآخر عطف على السؤال الأول فتأتي بالواو، هذه قد تكون من المواطن. هذا أمر أو يقع ضمن متعاطفات يعني السياق فيه متعاطفات فيقع السؤال ضمن المتعاطفات، مثلاً (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ (79) الإسراء) (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ (80) الإسراء) (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ (81) الإسراء) عطف كلها نفس السياق (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (82) الإسراء) (وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ (83) الإسراء) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ (85) الإسراء) وبعدها (وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ (86) الإسراء) وبعدها (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ (89) الإسراء) لاحظ كلها في سياق المتعاطفات ابتداء إذن (ويسألونك) عطف على المتعاطفات الكثيرة وهذا هو السياق أصلاً.(1/83)
أو واقع ضمن مشهد يحسن السؤال أو يتناسب السؤال مثل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) طه) هذه واقعة ضمن مشاهد القيامة قبلها قال (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107 طه) السياق هو هكذا (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) طه) هي وقعت في أمر يتناسب فيه السؤال. إذن إما أن تكون ضمن أسئلة متعددة فيبدأ بالأول بلا واو والأخرى عاطفة أو هو ضمن متعاطفات كما ذكرنا أو الموقف يحسُن فيه السؤال.
آية (88):
*ما الفرق بين (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (23) البقرة) و(مثله)فى كل القرآن؟ (د.حسام النعيمى)(1/84)
التحدي كان بأكثر من صورة، كان هناك تحدي في مكة وتحدي في المدينة. السور المكية جميعاً جاءت من غير (من) مثل قوله تعالى:(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) هذه السور المكية بعضها قال بحديث، آية ، سورة ،عشر سور, في المدينة (في سورة البقرة) المكان الوحيد الذي قال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة). هنا القرآن إنتشر وأسلوبه صار معروفاً، الآن يقول لهم (بسورة من مثله) لو قال : بسورة مثله كما قال سابقاً يعني سورة مثل سور القرآن الكريم. (من) هذه للتبعيض، هو هل له مثل حتى يطالَبون ببعض مماثله؟ هو لم يقل : فاتوا بمثله وإنما ببعض ما يماثله ولا يوجد ما يماثله لأنه سبق وقال تعالى (لا يأتون بمثله) فإتوا.فما معناه؟ هذا معناه زيادة التوكيد. بجزء من ذلك المثال الذي تخيلتموه فهذا أبعد في التيئيس وإمعان في التحدي من قوله (مثله) مباشرة.
*ما دلالة تقديم وتأخير الجن والإنس في آيتي الإسراء والرحمن؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى: ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) وقال عز وجل : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) الرحمن)
قدم في الأولى الإنس وقدم في الثانية الجن(1/85)
لأن مضمون الآية هو التحدي بالإتيان بمثل القرآن ، ولا شك أن مدار التحدي على لغة القرآن ونظمه وبلاغته وحسن بيانه وفصاحته.
والإنس في هذا المجال هم المقدمون ، وهم أصحاب البلاغة وأعمدة الفصاحة وأساطين البيان ، فإتيان ذلك من قبلهم أولى ، ولذلك كان تقديمهم أولى ليناسب ما يتلاءم مع طبيعتهم.
أما الآية الثانية فإن الحديث فيها عن النفاذ من أقطار السموات والأرض ، ولا شك أن هذا هو ميدان الجن لتنقلهم وسرعة حركتهم الطيفية وبلوغهم أن يتخذوا مقاعد في في السماء للاستماع ، كما قال تعالى على لسانهم : " وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع " الجن 9
فقدم الجن على الإنس لأن النفاذ مما يناسب خواصهم وماهية أجسامهم أكثر من الإنس.
آية (89):
*ما الفرق بين قوله تعالى (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) الإسراء) وقوله (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) الكهف)؟(د.فاضل السامرائى)
قدم (للناس) على (في هذا القرآن) في الإسراء وأخّرها في الكهف وذلك لأنه تقدم الكلام في الإسراء على الإنسان ونعم الله عليه ورحمته به فقال (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) ) إلى أن يقول (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) ) فناسب تقديم الناس في سورة الإسراء.(1/86)
ولم يتقدم مثل ذلك في سورة الكهف. ثم انظر في افتتاح كل من السورتين فقد بدأ سورة الكهف بقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) ) فقد بدأ السورة بالكلام على الكتاب وهو القرآن ثم ذكر بعده أصحاب الكهف وذكر موسى والرجل الصالح وذكر ذا القرنين وغيرهم من الناس، فبدأ بذكر القرآن ثم ذكر الناس فكان المناسب أن يتقدم ذكر القرآن على الناس في هذه الآية كما في البدء.
وأما في سورة الإسراء فقد بدأت بالكلام على الناس ثم القرآن فقد بدأت بقوله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ (1) )ثم تكلم على بني إسرائيل ثم قال بعد ذلك: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) ) فكان المناسب أن يتقدم ذكر الناس فيها على ذكر القرآن في هذه الآية وهذا تناسب عجيب بين الآية ومفتتح السورة في الموضعين.(1/87)
ثم انظر خاتمة الآيتين فقد ختم آية الإسراء بقوله (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) ) والكفور هو حجد النعم فناسب ذلك تقدم ذكر النعمة والرحمة والفضل ألا ترى مقابل الشكر الكفران ومقابل الشاكر الكفور قال تعالى (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) الإنسان) فكان ختام الآية مناسب لما تقدم من السياق. أما آية الكهف فقد ختمها بقوله (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) ) لما ذكر قبلها وبعدها من المحاورات والجدل والمراء من مثل قوله تعالى (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ (34) ) وقوله (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ (37) ) وبعدها (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ (56) ) وذكر محاورة موسى الرجل الصالح ومجادلته فيما كان يفعل. وقال (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا (22) ) ولم يرد لفظ الجدل ولا المحاورة في سورة الإسراء كلها. فما ألطف هذا التناسق وما أجمل هذا الكلام!.
آية (90-91):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين الفعلين تَفجُر و تُفجِّر؟ (د.فاضل السامرائى)
تفجُر على صيغة أفعل وتفجّر على صيغة فعّل وهي تفيد التكثير كقوله تعالى (تفجُر لنا من الأرض ينبوعا) وقوله (فتفجّر الأنهار) استعمل صيغة تفجر للينبوع والصيغة التي تفيد التكثير تفجّر للأنهار لأنها أكثر.
آية (93):
* د.حسام النعيمى:
نقول نحن من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فإذن دعوة الناس لطاعة الله سبحانه وتعالى واجب من واجباتنا. والرسول بشر (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً (93) تصبّره - صلى الله عليه وسلم - على قومه هو من جهده البشري.
آية (96):
*ما دلالة تقديم وتأخير كلمة (شهيداً) في آية سورة العنكبوت وآية سورة الإسراء؟ (د.فاضل السامرائى)(1/88)
قال تعالى في سورة العنكبوت (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {52} ) وقال تعالى في سورة الإسراء (قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً {96}).ختم الآية بذكر صفاته (خبيراً بصيرا) لذا اقتضى أن يُقدّم صفته (شهيداً) على (بيني وبينكم)، أما في آية سورة العنكبوت فقد ختمت الآية بصفات البشر (أولئك هم الخاسرون) لذا اقتضى تقديم ما يتعلّق بالبشر (بيني وبينكم) على (شهيدا).وتأخر الظرف لأن الكلام على الرسالة.
*جاء في القرآن كله تقديم كلمة شهيد على بيني وبينكم كما جاء في سورة الإسراء آية 96 أما في سورة العنكبوت فقد جاءت كلمة شهيد متأخرة فما سبب الإختلاف؟ (د.حسام النعيمى)
نأتي إلى الآية (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) العنكبوت) في غير القرآن يمكن القول: كفى بالله شهيداً بيني وبينكم. بل حتى في القرآن في آيات أخرى في خمس آيات وردت بهذه الصيغة (كفى بالله شهيداً بيني وبينكم) تأتي شهيداً بعد إسم الجلالة. أما في الآية موضع السؤال في سورة العنكبوت: (كفى بالله بيني وبينكم) جاءت متقدمة على (شهيداً). إذن هناك سر جعل هذه الكلمة مقدمة. والذي قدّمها في خمسة مواضع يستطيع أن يقدمها في الموضع السادس فلماذا جاءت (كفي بالله بيني وبينكم شهيداً) شهيداً متأخرة؟(1/89)
جاء في الآية (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)) الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - (أنزلنا عليك) و (عليهم) إذن (عليك، عليهم) فناسب أن يقدّم (بيني وبينكم) لأن الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - : قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً) وإلا كان يمكن أن يقول (كفى بالله بينك وبينهم شهيداً) هذا شيء.
الأهم من هذا أنه عندنا كلمة (يعلم) هذه جملة فعلية هي وصف لكلمة (شهيداً) (شهيداً يعلم) يعني شهيداً عالماً فلما كان يعلم وصفاً لشهيدا فلو قدم شهيداً وجعله (وكفى بالله شهيداً بيني وبينكم يعلم) يكون هناك فاصلاً بين الصفة والموصوف يطول الكلام ويضعف. حينما تفصل الصفة وموصوفها يضعف الكلام من حيث التركيب سيتبعد الوصف عن صفته ويكون (بيني وبينكم) فاصلاً. فتفادياً لهذا الضعف - ولغة القرآن اللغة الأعلى والأسمى والأرقى- فتفادياً لهذا الضعف وإتّكاء على ذكر المخاطب والغائبين (عليك، عليهم) نوع من التنسيق، والأصل أن يتفادى الفصل بين الصفة والموصوف بكلام (بيني وبينكم) تطيل الفاصل والأصل في اللغة العليا أن لا يُفصل بين النعت ومنعوته. وهو قد يجوز أن تفصل لكن ليس هو الأفضل في اللغة العليا. لذلك جاء (كفى بالله بيني وبينكم شهيداً يعلم) لأن (يعلم) نعت لـ(شهيداً) فلا بد أن تتصل بها.(1/90)
الآيات الأخرى جاءت على الأصل يعني أن العامل تقدم على المعمول لأن (بيني وبينكم) معمولان لـ (شهيداً) تقدم على العامل. لكن لما يتقدم (شهيد) يأتي المعمول بعدها. الطبيعي أن يأتي العامل ثم يأتي المعمول (كفى بالله شهيداً بيني وبينكم) فما جاء على الأصل لا يُسأل عنه. كما تقول: كتب زيد رسالة، لا نقول لماذا تقدم الفاعل ؟ هذه رتبته هكذا يأتي قبله. إذا جاء الشيء على الأصل لا يُسأل عنه عندما يكون العامل مقدّماً على معموله فهذا هو الأصل. بيني وبينكم معمولان متعلقان بـ (شهيداً) لما يأتي (بيني وبينكم) بعد (شهيداً) لا يُسأل عنه لأن هذا الأصل. مع ذلك لو نظرنا في الآيات التي قد تأخر فيها الظرف نجد أن هناك أسباباً دعت إلى تأخيره ولا يمكن أن يتقدم:
أما فى سورة الإسراء قال تعالى:(وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96) الكلام على الرسالة.
آية (97):
*لماذا وردت كلمة المهتد بدون ياء فى سورة الاسراء والمهتدى فى سورة الأعراف؟ (د.فاضل السامرائى)(1/91)
أولاً نقول أن خط المصحف لا يُقاس عليه لكن مع هذا فهناك أمور أُخرى هنا فلو لاحظنا لفظ الهداية في سورة الأعراف (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {178}) بالياء وقوله في سورة الإسراء (وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً {97}) وفي سورة الكهف (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً {17}) بجدون ذكر الياء ولو لاحظنا آيات السور لوجدنا أن لفظ الهداية تكرر في سورة الأعراف 17 مرة وفي سورة الإسراء 8 مرات وفي سورة الكهف 6 مرات.
*ما دلالة ذكر وعدم ذكر الياء في قوله تعالى (وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ (97) الإسراء) و(مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي (178) الأعراف)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/92)
المهتدي أطول من المهتدِ. لما يكون أطول يكون فيه هداية أكثر إضافة إلى أمر آخر. نضرب مثالاً: (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي (178) الأعراف) قبلها قال (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) الأعراف) هذا الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها هل كان مهتدياً أول مرة أم لا؟ كان مهتدياً لكن كان يحتاج إلى قدر من الهداية أكبر حتى لا ينسلخ لذلك عقّب عليها بـ (المهتدي) لأن الهداية التي كانت عنده ما عصمته من الإنسلاخ فكان يريد هداية أكثر وأطول حتى يرسخ ولا يزل ولا يضل لذلك عقب (فهو المهتدي) مثل قوله تعالى (ذلك ما كنا نبغي). أما في سورة الإسراء (فهو المهتدِ) في قوله تعالى (وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) الإسراء) هؤلاء من أصحاب النار. ما الذي ينجي من الخلود في النار؟ أن يكون عنده هداية بسيطة (شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله) وقسم من الفروض. كانت تكفيهم قدر بسيط من الهداية يخرجهم من هذا. أما ذاك فكان يحتاج إلى هداية كبيرة حتى لا ينسلخ، أما هؤلاء فتكفيهم هداية قليلة.
من الناحية النحوية الإعرابية (المهتدِ) تقدّر الحركة على الياء المحذوفة (فهو المهتد: المهتد خبر مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة).(1/93)
ثم هناك إضافة إلى ما ذكرنا ما نسميه السمة التعبيرية للسورة مثلاً سورة مريم فيها الرحمة من أولها إلى آخرها. لو أخذنا سورة الأعراف وسورة الإسراء والكهف نلاحظ لفظ الهداية تردد في الأعراف أكثر من ما تردد في الإسراء وفي الكهف. في الأعراف 17 مرة وفي الإسراء 8 مرات وفي الكهف 6 مرات أي مجموع ما تردد في السورتين الإسراء والكهف 14 مرة فلما تردد لفظ الهداية أكثر في الأعراف زاد الياء.
*مداخلة من إحدى المشاهدات حول ما ذكره الدكتور فاضل في مسألة المهتدي والمهتدِ أن المهتدي هو الذي يهتدي ويسير على هدى الله وهي تكون بمقام إسم الفاعل وفيه الاستمرارية أما في قوله (فهو المهتدِ) من تم له الاهتداء إلى الله تعالى فصار مهتدياً وهنا ينطبق عليه الحديث القدسي (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها) وذلك بدليل ما لحق بالآية (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً).
*ما دلالة حرف العطف فى الآية (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ؟ (د.حسام النعيمى)
في الآية (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا) الواو، واو العطف لما تأتي نقول تأتي على نية تكرار العامل. لو ذكرنا مثالاً يتضح الأمر: لما نقول "خرج الطلاب فاهمين فرحين شاكرين" هذه حالهم، بهذه الأحوال خرجوا. زِنها بقولك "خرج الطلاب فاهمين وشاكرين ومسرورين". لما يكون بالعطف كأنه تتكون جملاً جديدة فيها نوع من الإهتمام. نية تكرار العامل يعني نحشرهم عمياً ونحشرهم صماً ونحشرهم بكماً فيكون فيها نوع من التمييز لتنبيه أو لتركيز هذا المعنى.(1/94)
فكرة الحشر على الوجوه، الحديث رواه الترمذي والنسائي وأحمد " أن رجلاً قال: يا نبي الله كيف يُحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : أليس الذي أمشاه على رجليه قادر أن يحشره على وجهه يوم القيامة؟ قال قتادة: بلى وعزّة وربنا".
آية (98):
*انظرآية (49).???
آية (100):
*انظر آية (11).???
آية (101):
*ما الفرق بين فعل الأمر إسأل وسل؟ (د.فاضل السامرائى)
سل إذا بدأنا بالفعل فالعرب تخفف وتحذف (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ (211) البقرة) وإذا تقدمها أي شيء يؤتى بالهمزة (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ (101) الإسراء) هذه قاعدة عند أكثرية العرب.إذا سبقها شيء يبدأ بالهمزة وإذا بدأنا بها تحذف(سل).
آية (102):
*د.فاضل السامرائى :
صيغة (مفعول) تحتمل الحال والاستقبال لما تقول أراك مقتولاً هذا اليوم وبعده لم يُقتل، وكما قال تعالى (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا (102) الإسراء) لم يقع بعد هذا ولما قال عبد الله بن الزبير: إعلمي يا أماه أني مقتول من يومي هذا. صيغة مفعول تقال لما حصل أو لما لم يحصل في المستقبل عندما تقول هو مقتول قد يكون هو فعلاً مقتول وقد يكون ليس مقتولاً لكن سيقتل لكن فعيل لا يمكن إلا أن يكون قد قتل بالفعل، لا يمكن أن تقول لمن سيقتل قتيل ولا تقال إلا لمن وقع عليه الفعل حقاً. أما (مفعول) فليس بالضرورة وتقال لما وقع أو لما سيقع.
آية (104):
*هل المقصود في كلمة لفيفاً في الآية (وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) الإسراء) أن دولة إسرائيل تجمع كل اليهود؟ (د.فاضل السامرائى)(1/95)
لا يبعد أنهم يجتمعون في الأرض ثم يبطش بهم أناس أشداء ويتبروا ما علوا تتبيرا. وقد ذكر فى الأثر أنهم يؤتى بهم على ذوات أجنحة .
آية (105):
*قوله تعالى في سورة الإسراء (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (105) الإسراء) هل هذا مجرد توكيد أم فيها أكثر من توكيد؟ (د.فاضل السامرائى)
الحق الأول غير الحق الثاني وليس تكراراً لكلمة الحق. (وبالحق أنزلناه) أي أنزلناه بالحكمة الإلهية في الوقت الذي اقتضى التنزيل. ربنا سبحانه وتعالى علِم الوقت الذي اقتضى التنزيل. (بالحق نزل) أي ما فيه من الأحكام هو حق. مثل: مجتمع فيه فساد قامت فيه دعوات للإصلاح قيام هذه الدعوات هذا حق من حيث المبدأ لأن المجتمع يحتاجها لكن هل ما جاء في هذه الدعوات حق؟ هل هذا المنهج حق؟ هناك فرق بين الحق الأول والحق الثاني لكن الوقت يقتضي الإصلاح، هل ما جئت به هو الحق الذي سيصلح فعلاً؟. الحق الأول (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ) الحكمة تقتضي الإصلاح لأن المجتمعات تقتضي الإصلاح (وبالحق نزل) ما فيه من الأحكام هو حق. إذن هو الوقت والحكم حق. مثال آخر: لو اعتدى شخص على شخص وأحيل إلى المحكمة هذه الحالة حق، فحَكَمه القاضي بالاعدام هذا ليس حقاً. إذن الإحالة حق أما الحكم فليس حقاً فالحق الأول غير الحق الثاني. هنا الحق في الإنزال وما فيه من الأحكام (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) إذن الحق غير مكرر.
الفرق بين أنزلناه ونزل: أنزلناه نحن أنزلناه ونزل عندما أنزله نزل. (إنا أنزلناه في ليلة القدر) أُنزِل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا.
*(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) الفرقان) نُزّل تعني التفريق أوالتنجيم فكيف تتناسب مع (جملة واحدة)؟ (د.حسام النعيمى)(1/96)
قال تعالى (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) أنزلته فنزل، نزل هنا صار للمطاوعة كما تقول أعلمته فعلِم أخرجه فخرج أي طاوع فِعلي.. الفرق الدلالي أن أنزلته أي أنا أفعل ونزل أي هو فعل القائم بالفعل إختلف.
الفرق بين أُنزِل ونزّل أن أنزل كأنه مرة واحدة ولذلك أنزل التوراة والإنجيل ونزّل من معانيها التدرّج. قوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) أي جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم بعد ذلك نزل مفرّقاً؟ نزّل (فعّّل) تأتي للتدرج كما تقول علّمه.
آية (106):
*ما معنى كلمة قرآن؟(د.حسام النعيمى)
من حيث اللغة كلمة فُعلان تأتي مصدراً مثل كلمة غفران من غفر فالغفران مصدر فقرأ قراءة وقرأناً فهو مصدر أي حدث أو عمل القراءة. المصدر هو الحدث المجرّد من الزمن وهو مصدر من فعل قرأ. من حيث اللغة قرأ قراءة وقرأ قرأناً فهو مصدر قياسي أي فعل فعلان. قراء مكة القبائل التي استقرت في مكة كانت تقرأ هكذا القران من أين جاءتها وما كانت قريش تهمز فهم لا يقولون مؤمن بل مومن ولا يقولون بئر بل بير هكذا فهم لا يهمزون. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يُقرئهم بالهمز فهمزوا فقد قرأ قرآن وقران بالحالين أو قرئت بين يديه فأجازها بأمر من ربه سبحانه وتعالى وأنا أميل إلى أنها مخففةإذن هو اسم لكتاب الله عز وجل الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم وليس مشتقاً من القراءة فهو اسم خاص كما قال توراة، إنجيل قال قرآن أو قران بالهمز أو بغير الهمز. فبعض العرب يهمز وبعضهم لا يهمز . وعندنا كلمة للإمام علي عليه السلام يقول: "نزل جبرائيل بالهمز وما كنا أهل همز ولولا أن جبرائيل نزل بالهمز ما همزنا"، وهذا النص صحيح
.(1/97)
إذنً لدينا قولان أنه هل هو مخفف كلمة قرآن-وأنا أميل أنه مخفف- وأنه ليست الكلمة هكذا جاءت قران لأنه عندنا ستة قراء قرأوها بالهمز قرآن الا قراءة ابن كثير قارئ مكة لم يهمز كلمة قرآن معناه أهل مكة كانوا يقولون القران من غير همز. فهو يمثل أهل مكة في قراءتهم؟ . ويفترض أن الكلمة بوصفها مصدراً كانت مستعملة قديماً في لغة العرب قبل نزول القرآن. ونفهم قوله تبارك وتعالى (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَه (106) الإسراء) بأنه مرتبط بالقراءة لأن القرآن صار اسماً. أنت سمّيت بالمصدر صار اسماً لهذا الكتاب فهو في الأصل مصدر سمي به الكلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم مما هو بين الدفتين بيننا صار اسماً له، صار علماً عليه، وجعل المصدر علماً معروفاً مثل فضل يفضل فضلاً العرب سمت فضل وسمت الفضل. ويقول في المعجم والأصل في هذه اللفظة الجمع في لفظة قرأ - قرآن حتى قرأ فيها معنى الجمع لأنه عندما يقرأ يقرأ شيئاً قد جُمعت حروفه ضم حرف إلى حرف مجتمع حتى يقرأه وسمي القرآن قرآناً لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض.
آية (111):
*قال تعالى فى سورة الجن(مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) و(وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) في سورة الإسراء ،ما الفرق بينهما؟ (د.فاضل السامرائى)
((1/98)
ما) في الغالب تقال للرد على قول في الأصل يقولون في الرد على دعوى، أنت قلت كذا؟ أقول ما قلت. أما (لم أقل) قد تكون من باب الإخبار فليست بالضرورة أن تكون رداً على قائل لذلك هم قالوا لم يفعل هي نفي لـ(فعل) بينما ما فعل هي نفي لـ (لقد فعل). حضر لم يحضر، ما حضر نفي لـ قد حضر (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ (74) التوبة) (ما اتخذ) ضد قول اتخذ صاحبة ولا ولدا، لم يتخذ قد تكون من باب الإخبار والتعليم (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)) هذا من باب التعليم وليس رداً على قائل وليس في السياق أن هناك من قال وردّ عليه وإنما تعليم يخبرنا إخباراً (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) في الإسراء بينما نلاحظ لما قال في محاجته للمشركين (ما اتخذ الله من ولد) هم يقولون اتخذ الله ولد (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) المؤمنون). لما رد على المشركين وقولهم قال (ما اتخذ) و(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ (78) آل عمران) يقولون هو من عند الله فيرد عليهم (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ (78) آل عمران). (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) معناه لما قال (ما اتخذ) يعني رد على أن هناك من يقول اتخذ فهو نفى قولهم ورد عليهم أما لم يتخذ فتأتي للإخبار والتعليم.(1/99)
****تناسب فواتح الإسراء مع خواتيمها****
بعد أن ذكر الآية الأولى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) قال (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)) ثم ذكر بعدها مباشرة القرآن (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)) وفي آخرها قال (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)).(1/100)
ذكر الكتاب في أولها (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) وذكر الآيات الدالة على صدق هذا الكتاب وصدق موسى في آخرها العصى والطوفان وغيرها، فذكر الكتاب أولاً ثم ذكر في الآخر الآيات الدالة على صدق هذا الكتاب وهي تسع آيات وصدق موسى. في الأول قال (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا) وفي الآخر قال (وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)) لفيفاً أي مجتمعين جماعات جماعات. الغريب أنه كما ذكر لي أحد الأساتذة المختصين قال أن هنالك أثر قرأه "أنه يؤتى بهم على ذوات أجنحة" (طائرات) هذا أثر قديم في الكتب القديمة تنسب إلى الرسول. ثم ذكر القرآن بعد ذكر بني إسرائيل (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)) وفي الآخر بعد أن ذكر قوم موسى قال (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)) كما ذكر القرآن بعد بني إسرائيل في الأول ذكره بعد موسى في الآخر بنفس النمط وبنفس الترتيب. كأن الآية في الآخر تكملة للأية في البداية (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ). هذا أمر مقصود لذاته وقد ذكرنا سبع عشرة سورة متصلة وهذا يدل أن هذا أمر مقصود لذاته.
استطراد: إذا جاءت آية أو سورة بشيء غير هذا يقول البعض أنتم تتلمسون الأعذار وتبررون ما هو موجود ولو كانت الخاتمة غير هذه أيضاً ستقولون لنا كلاماً وتربطونها بهذه وتلك؟(1/101)
كنت في السابق أرى هذا وكتبته في مقدمة كتاب التعبير القرآني وكنت أرى أن ما يقال من تعليل في بلاغة القرآن وارتباط الآيات بعضها ببعض إنما هو لو كانت غير ذلك لقاموا بتعليلها لذا قررت أن أدرسها بنفسي فوجدت أن هذا أمر مقصود حقاً وهناك ارتباط أراده الله تعالى بهذه الطريقة لسبب.
سؤال: هل الأوائل فهموا تناسب أوائل السور بخواتيمها؟ القرآن كان ينزل منجماً وقد تنزل آيات وقد يتأخر أول السورة عن آخرها سنوات ولو قرئت هكذا متصلة لفهموها أيضاً.
سؤال: ما القيمة الإيجابية التي نفهمها نحن من تناسب أوائل السور مع خواتيمها؟ هذا السؤال أثير في الحلقة الماضية وذكرت أن القرآن عبارة عن آيات منفصلة لا ترابط بينها تؤتى من هنا وهناك، قسم في البيوع وقسم فيه قصة وقسم فيه معاملات ليس فيه ترابط فيما بينها من هنا وهناك وهذا قاله أكثر من واحد وكتبها فهي متنافرة ليست هنالك رابط ولا تجمعها وحدة موضوع وهذا يقولون أنه عيب في القرآن، السورة يجب أن يكون لها هدف معين أو وحدة موضوع وقالوا هي وحدات متناثرة ليس بينها ترابط ولذلك القدامى نظروا في هذا الأمر ونظروا في ارتباط السور بعضها ببعض وارتباط الآيات بعضها ببعض وكتب البقاعي نظم الدرر في تناسب الآيات والسور وفي البحر المحيط المناسبات وفي تفسير الرازي وتفسير الآلوسي يذكر الارتباط بين السور. ولا شك أنا الآن أشد إيماناً أكثر من أي وقت مضى أن هنالك ارتباط لأنه نلاحظ أحياناً أن الارتباط ظاهر ويكون الآخر تكملة للأول وأحياناً لو وضعت الآية التي في آخر السورة بجانب التي في أولها لكان الكلام متناسباً.
*****تناسب خواتيم الإسراء مع فواتح الكهف*****(1/102)
قال تعالى في خاتمة الإسراء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)) وقال في بداية الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)). في الإسراء قال (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) وفي الكهف قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) الخطاب موجه للرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال الحمد لله كأنه استجاب، يعني أمره بحمد الله في خواتيم الإسراء فاستجاب في أول الكهف الحمد لله. وذكر الكتاب في ختام الإسراء (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)) وفي الكهف قال (الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا) وبالحق أنزلناه وبالحق نزل لم يجعل له عوداً قيّماً، أكّد نزوله من قِبَل الله سبحانه وتعالى قيماً لم يجعل له عوجاً. في خواتيم الإسراء قال (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) وفي الكهف قال (لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ) من ينذر ومن يبشر؟ قسم قال في سورة الإسراء الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو العبد المبشِّر وقسم قال القرآن وكلاهما واحد. في ختام الإسراء قال (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) وفي الكهف قال (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)). نلمح أن بعض آيات القرآن توضح وتفسر وتضيف إلى آية أخرى وتجعلها في سياقها.(1/103)
سؤال: هل توجد دراسة تفسر القرآن بالقرآن فقط؟ ممكن أن يستعين بعض المفسرين خاصة في الأحكام بما يرد في موطن آخر أما تفسير عام فلا أعلم إن كان هناك دراسة.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الإسراء للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى فى برنامج لمسات بيانية وفى محاضرات وكتب الدكتور فاضل السامرائى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/104)
سورة الكهف
تناسب الإسراء مع فواتح الكهف ... آية (25) ... آية (57)
هدف السورة ... آية (26) ... قصة موسى و العبد الصالح (60-82)
آية (1) ... آية (28) ... قصة ذي القرنين (83-98)
آية (2) ... آية (29) ... آية (99)
آية (3) ... آية (31) ... آية (103)
آية (5) ... قصة صاحب الجنتين (32- 44) ... آية (109)
آية (7) ... آية (46) ... آية (110)
قصة أصحاب الكهف (9- 22) ... آية (47- 52) ... تناسب بداية السورة مع خاتمتها
آية (23) ... آية (54) ... تناسب خاتمة الكهف مع مريم
*تناسب فواتح الكهف مع خواتيم الإسراء*(1/1)
قال في خاتمة الإسراء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)) وقال في بداية الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)). في الإسراء قال (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) وفي الكهف قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) الخطاب موجه للرسول ? فقال الحمد لله كأنه استجاب، يعني أمره بحمد الله في خواتيم الإسراء فاستجاب في أول الكهف الحمد لله. وذكر الكتاب في ختام الإسراء (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)) وفي الكهف قال (الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا) وبالحق أنزلناه وبالحق نزل لم يجعل له عوداً قيّماً، أكّد نزوله من قِبَل الله سبحانه وتعالى قيماً لم يجعل له عوجاً. في خواتيم الإسراء قال (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) وفي الكهف قال (لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ) من ينذر ومن يبشر؟ قسم قال في سورة الإسراء الرسول ? هو العبد المبشِّر وقسم قال القرآن وكلاهما واحد. في ختام الإسراء قال (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) وفي الكهف قال (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)). نلمح أن بعض آيات القرآن توضح وتفسر وتضيف إلى آية أخرى وتجعلها في سياقها.
**هدف السورة: العصمة من الفتن**(1/2)
سورة الكهف هي من السورة المكية وهي إحدى خمس سورة بدأت بـ (الحمد لله) (الفاتحة، الأنعام، الكهف، سبأ، فاطر) وهذه السورة ذكرت أربع قصص قرآنية هي أهل الكهف، صاحب الجنتين، موسى - عليه السلام - والخضر وذو القرنين. ولهذه السورة فضل كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين قدميه وعنان السماء" وقال" من أدرك منكم الدجال فقرأ عليه فواتح سورة الكهف كانت له عصمة من الدجّال" والأحاديث في فضلها كثيرة.
وقصص سورة الكهف الأربعة يربطها محور واحد وهو أنها تجمع الفتن الأربعة في الحياة: فتنة الدين (قصة أهل الكهف)، فتنة المال (صاحب الجنتين)، فتنة العلم (موسى - عليه السلام - والخضر) وفتنة السلطة (ذو القرنين). وهذه الفتن شديدة على الناس والمحرك الرئيسي لها هو الشيطان الذي يزيّن هذه الفتن ولذا جاءت الآية (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) آية 50 وفي وسط السورة أيضاً. ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه من قرأها عصمه الله تعالى من فتنة المسيح الدجّال لأنه سيأتي بهذه الفتن الأربعة ليفتن الناس بها. وقد جاء في الحديث الشريف: "من خلق آدم حتى قيام ما فتنة أشدّ من فتنة المسيح الدجال" وكان - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ في صلاته من أربع منها فتنة المسيح الدجال. وقصص سورة الكهف كل تتحدث عن إحدى هذه الفتن ثم يأتي بعده تعقيب بالعصمة من الفتن:(1/3)
1. فتنة الدين: قصة الفتية الذين هربوا بدينهم من الملك الظالم فآووا إلى الكهف حيث حدثت لهم معجزة إبقائهم فيه ثلاثمئة سنة وازدادوا تسعا وكانت القرية قد أصبحت كلها على التوحيد. ثم تأتي آيات تشير إلى كيفية العصمة من هذه الفتنة (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) آية 28 – 29. فالعصمة من فتنة الدين تكون بالصحبة الصالحة وتذكر الآخرة.
2. فتنة المال: قصة صاحب الجنتين الذي آتاه الله كل شيء فكفر بأنعم الله وأنكر البعث فأهلك الله تعالى الجنتين. ثم تأتي العصمة من هذه الفتنة (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) آية 45 و46. والعصمة من فتنة المال تكون في فهم حقيقة الدنيا وتذكر الآخرة.(1/4)
3. فتنة العلم: قصة موسى - عليه السلام - مع الخضر وكان موسى - صلى الله عليه وسلم - ظنّ أنه أعلم أهل الأرض فأوحى له الله تعالى بأن هناك من هو أعلم منه فذهب للقائه والتعلم منه فلم يصبر على ما فعله الخضر لأنه لم يفهم الحكمة في أفعاله وإنما أخذ بظاهرها فقط. وتأتي آية العصمة من هذه الفتنة (قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) آية 69. والعصمة من فتنة العلم هي التواضع وعدم الغرور بالعلم.
4. فتنة السلطة: قصة ذو القرنين الذي كان ملكاً عادلاً يمتلك العلم وينتقل من مشرق الأرض إلى مغربها يعين الناس ويدعو إلى الله وينشر الخير حتى وصل لقوم خائفين من هجوم يأجوج ومأجوج فأعانهم على بناء سد لمنعهم عنهم وما زال السدّ قائماً إلى يومنا هذا. وتأتي آية العصمة (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) آية 103 و104. فالعصمة من فتنة السلطة هي الإخلاص لله في الإعمال وتذكر الآخرة.
5. ختام السورة: العصمة من الفتن: آخر آية من سورة الكهف تركّز على العصمة الكاملة من الفتن بتذكر اليوم الآخرة (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) آية 110 فعلينا أن نعمل عملاً صالحاً صحيحاً ومخلصاً لله حتى يَقبل، والنجاة من الفتن إنتظار لقاء الله تعالى.
ومما يلاحظ في سورة الكهف ما يلي:(1/5)
1. الحركة في السورة كثيرة (فانطلقا، فآووا، قاموا فقالوا، فابعثوا، ابنوا، بلغا، جاوزا، فوجدا، آتنا،) وكأن المعنى أن المطلوب من الناس الحركة في الأرض لأنها تعصم من الفتن ولهذا قال ذو القرنين: (فأعينوني بقوة) أي دعاهم للتحرك ومساعدته ولهذا فضل قراءتها في يوم الجمعة الذي هو يوم إجازة للمسلمين حتى تعصمنا من فتن الدنيا.
2.وهي السورة التي ابتدأت بالقرآن وختمت بالقرآن: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا) آية 1 و (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) آية 109. وكأن حكمة الله تعالى في هذا القرآن لا تنتهي وكأن العصمة من الفتن تكون بهذا القرآن والتمسك به.
3.الدعوة إلى الله موجودة بكل مستوياتها: فتية يدعون الملك وصاحب يدعو صاحبه ومعلّم يدعو تلميذه وحاكم يدعو رعيته.
4. ذكر الغيبيات كثيرة في السورة: في كل القصص: عدد الفتية غيب وكم لبثوا غيب وكيف بقوا في الكهف غيب والفجوة في الكهف غيب، وقصة الخضر مع موسى - عليه السلام - كلها غيب، وذو القرنين غيب. وفي هذا دلالة على أن في الكون أشياء لا ندركها بالعين المجردة ولا نفهمها ولكن الله تعالى يدبّر بقدرته في الكون وعلينا أن نؤمن بها حتى لو لم نراها أو نفهمها وإنما نسلّم بغيب الله تعالى.(1/6)
سميت السورة بـ(سورة الكهف): الكهف في قصة الفتية كان فيه نجاتهم مع إن ظاهره يوحي بالخوف والظلمة والرعب لكنه لم يكن كذلك إنما كان العكس (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا) آية 16 . فالكهف في السورة ما هو إلا تعبير أن العصمة من الفتن أحياناً تكون باللجوء إلى الله حتى لو أن ظاهر الأمر مخيف.وهو رمز الدعوة إلى الله فهو كهف الدعوة وكهف التسليم لله ولذا سميت السورة (الكهف) وهي العصمة من الفتن.
***من اللمسات البيانية فى سورة الكهف***
آية (1):
*د.حسام النعيمى :
الحمد لله في الفاتحة حمد مطلق حمد على كل ما يعلمه الإنسان وما لم يعلمه وعلى ما حمده الله تعالى بذاته لذاته. الحمد في قوله تعالى في سورة الكهف (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب). الحمد ليس معناه الشكر وإبن القيم قال: الحمد ينقسم إلى حمد شكر وحمد مدح. وأنا أقول أن الحمد مقام إلهي ومقام تعبدي والله تعالى ألهم كل المخلوقات (وإن من شيء إلا يسبح بحمده). فالحمد عام يخصص بحمد الكهف أو بمحامد القرآن. والحمد يراد به جنس الحمد على الإطلاق .
*(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) الكهف) لم قال يجعل له عوجاً ولم يقل فيه عوجاً؟(د.فاضل السامرائى)(1/7)
إذا قلنا لم يجعل اللهُ للفيل قرنين ولم يجعل للبقرة خرطوماً يعني هكذا هي إبتداء في أصل خلقتها (في) قد تكون بعدها، لم يجعل الله للفيل قرنين ابتداء في أصل خلقته فهذا أبعد في النفي، لم يجعل له عوجاً أصلاً ولو قال (فيه) يحتمل بعدها لأنه حتى في يوم القيامة قال (لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) طه)، قال فيها ولم يقل لها، في يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ (108) طه) في أصل خِلقته. إذن (فيه) يدل أنه جاء بعد ذلك و(له) أبعد في النفي ابتداءً.
آية (2):
*ما الفرق بين قيماً وقيّماً في الآيات (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) الأنعام) (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) الكهف) لماذا قال هنا قيماً وهنا قيّماً؟(د.فاضل السامرائى)(1/8)
الفرق بين قِيَم وقيّم، القيم مصدر مثل الصِغَر والكِبَر فعلها قام يقوم قِيَماً معناه الاستقامة (قِيَم على وزن فِعَل) مثل صِغَر وعِظَم، قِيَم معناها الاستقامة (إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا) مستقيماً وليس فقط مستقيم وإنما مبالغة في الاستقامة هو الاستقامة بعينها. القيّم المستقيم صفة مشبهة في الكهف (قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ) القيّم صفة مشبهة مثل سيد وجيد وطيب وهين وليّن. صفة مشبهة بإسم الفاعل تفيد الثبوت، المعروف في الدراسات أنها صفة مشبهة لكن القدامى يسموه الصفة المشبهة بإسم الفاعل لأنها مشبهة من حيث العمل لأنها ترفع فاعل. إذن قيّم صفة مشبهة والقِيَم مصدر، القيّم معناه المستقيم والقِيَم معناه الاستقامة. القِيَم هو المصدر معناه الاستقامة والقيّم مستقيم صفة مشبهة وقسم قال مبالغة قيّم معتدل لا إفراط ولا تفريط أو قيماً على سائر الكتب شاهداً لصحتها ناسخاً لها وتقول هذا قيم على مصالح العباد يتولاهم والقيم الكامل المكمل لغيره والقيم السيد القيّم من يسوس الأمر، كل هذا قيّم في اللغة. فلما قال أنزل الكتاب قال قيّماً يعني هو مستقيم وقيّم على الكتب وقائم على مصالح العباد، في الآية (قِيَم) وصفه بالمصدر للدلالة على استقامته يعني هو الاستقامة بعينها.(1/9)
هنالك أمر لو نظرنا في سورة الكهف قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) الكهف) هذا شأن القيّم الذي يبشر وينذر، القيّم الذي يقوم على الأمر ويسوس، القيّم على الأمر هو الذي يفعل هذا فلما ذكر هذه الأمور ناسب كلمة (قيّم) أما في الآية الأخرى ليس فيها شيء فقال (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) الأنعام) إذن ناسبت قيّما ما جاء في سورة الكهف.
آية (3):
*في سورة الكهف قال الله تعالى (ماكثين فيه أبدا) آية 3 فلماذا لم تستخدم كلمة (خالدين)؟(د.فاضل السامرائى)
المكث في اللغة هو الأناة واللبث والإنتظار وليس بمعنى الخلود . الله تعالى يقصد الجنّة (ان لهم أجراً حسنا ماكثين فيه أبدا) والأجر الذي يُدفع مقابل العمل وننظر ماذا يحصل بعد الأجر. والجنّة تكون بعد أن يوفّى الناس أجورهم. فالمقام هنا إذن مقام انتظار وليس مقام خلود بعد وعلى قدر ما تأخذ من الأجر يكون الخلود فيما بعد الأجر وهو الخلود في الجنّة. ومن حيث الدلالة اللغوية الأجر ليس هو الجنّة لذا ناسب أن يأتي بالمكث وليس الخلود للدلالة على الترقّب لما بعد الأجر.
آية (5):
* ما إعراب كلمة (كلمةَ) في آية سورة الكهف (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ)؟(د.فاضل السامرائى)(1/10)
كبرت كلمةً، كلمةً تمييز والفاعل مستتر هذا يسمونه الفاعل المفسّر بالتمييز أصلها كبرت الكلمةُ كلمةً وهي للتفخيم والتعظيم..والفاعل المفسر بالتمييز يأتي في الأمور المهمة كالتفخيم والتعظيم. (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) الكهف) كبُرت: فِعل، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي الكلمة، (كلمةً) تمييز. أصل الجملة كبرت الكلمةُ كلمةً تخرج من أفواههم، مثل قوله (ساء مثلاً القوم). والفاعل المفسّر بالتمييز له أغراضه مثلاً نقول: نِعْمَ رجلاً فلان، إذن كلاهما تمييز لكن أحدهما الفاعل مستتر يعني كبرت الكلمةُ كلمةً والآخر الفاعل مذكور وهو مصدر مؤول.
آية (7):
*هل الزينة عائدة على الأرض في الآية (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) الكهف)؟ وإذا كانت عائدة على الأرض فهل هذا يعني أنه نحن كبشر ليس لنا الحق أن نتمتع بها؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى (زينة لها) مؤنث ولذلك لاحظ لو أخذنا تمام الآية وما بعدها قال تعالى (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)) أي ما على الأرض. (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)) أي لجاعلون الزينة وما فيها للأرض. هي زينة تتنزين والناظر ينظر فيها ويبتهج بالزينة وبما فيها من زينة وزهور كما قال تعالى (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) الحجر) (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) الصافات) هي زينة للسماء والناظر يبتهج بهذه الزينة ويذكر ربّه. فالزينة هي للأرض والله تعالى قال (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ (24) يونس).
قصة أصحاب الكهف: (9-22)(1/11)
*ما الفرق بين الرُشد والرَشَد في القرآن الكريم ؟(د.فاضل السامرائى)
الرُشد معناه الصلاح والاستقامة وهم قالوا الرُشد يكون في الأمور الدينية والدنيوية، في أمور الدين وفي أمور الدنيا، في الأمور الدنيوية والأخروية والرَشد في أمور الآخرة، يعني الرُشد يكون في أمور الدنيا والآخرة والرَشَد في أمور الآخرة. في القرآن ورد الرُشد (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا (6) النساء) أمر دنيوي، (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) الكهف) أمر دنيوي موسى تتبع الرجل الصالح، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (256) البقرة) و (وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً (146) الأعراف) إذن الرُشد يستعمل في أمور الدنيا والدين. أما الرَشد فالكثير أنه يستعمل في أمور الدين أكثر ما يكون في الدين (فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) الكهف) (وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) الكهف) أغلب ما تستعمل في أمور الدين، أما الرُشد فهي عامة. هذا ما قاله قسم من اللغويين وإن كان قسم قالوا أن هاتان لغتان لكن هما في القرآن هكذا، يستعمل الرُشد في أمور الدنيا والدين والرَشَد في أمور الدين. قسم قالوا هذه لغة ولكن قسم قالوا هذا من خصوصيات الاستعمال القرآني.
*ما دلالة إستخدام الضرب على السمع للتعبير عن الموت في الآية (فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)) ولماذا لم يقل فأمتناهم ؟(د.حسام النعيمى)(1/12)
أولاً أهل الكهف لم يموتوا وإنما ناموا لأنه تعالى قال: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) الكهف) الراقد ليس ميتاً ولذلك لا يصلح أن يقول: أماتهم.ولم يحدد الله تعالى عددهم وما أسماؤهم. والأصل في تعاملنا مع القرآن أن ما سكت عنه ربنا سبحانه وتعالى نسكت عنه لأنه لا ثمرة فيه إلا إذا ورد فيه خبر صحيح من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكون موضحاً لجزئية معينة.
الضرب هو إيقاع شيء على شيء وإذا قيل فلان يضرب في الأرض يعني إذا سافر مسافات طويلة إشارة إلى ضرب قدمه على الأرض. (فضربنا على آذانهم) كأنه ضرب حاجزاً أو شيئاً على الآذان لأن الذي يوقظ النائم بشكل طبيعي هو الصوت، لأن الأذن مفتوحة أما العين فمغلقة عند النوم. (فضربنا على آذانهم) أي لم يعودوا يسمعون شيئاً وكان الضرب سنين معدودة تعدّ عداً. والضرب له إستعمالات كثيرة حسب السياق مثل قوله تعالى: (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ (13) الحديد) أي بمعنى بُنيَ سور.. (ثم بعثناهم) لأنهم صاروا حزبين والعلم هنا هو علم الله المشاهدة وليس علمه اللدني الذي عنده أي علم مشاهدة وعلم وقوع وحدوث، بعضهم قال لبثت يوماً وبعض قال الله أعلم كم لبثنا.
ألهذا السمع مقدم على البصر في القرآن؟ قد يكون هذا من الأسباب وقد يكون أن الإنسان يستقبل الآيات ويستقبل المواعظ الآيات من الرسل بالأذن أكثر من إستقبالها بالبصر، يسمع ما يلقيه عليه الرسل ثم ينظر في ملكوت الله ثم يعمل ما سمعه وما نظره في فؤاده.
*ما دلالة استخدام صيغة الجمع في القرآن مثل ضربنا، رفعنا، قلنا، أنزلنا وغيرها مما ورد في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)(1/13)
القرآن استعمل صيغة الجمع(فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً {11}) وفي صيغة الجمع يؤتى بما يسمى ضمير التعظيم ويستعمل إذا كان المقام مقام تعظيم وتكثير ويستعمل الإفراد إذا كان المقام مقام توحيد أو مقام آخر كالعقوبة المنفردة . لكن المهم أنه تعالى في كل موطن في القرآن وبلا استثناء إذا استعمل ضمير التعظيم لا بد من أن يأتي بعده بما يدل على الإفراد حتى يزيل أي شك من شائبة الشرك لأنه من نزل عليهم القرآن كانوا عريقين في الشرك (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2}) (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً {1} لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً {2} وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً {3}) لم يقل في آية سورة الفتح لنغفر لك بينما قال في النصر (فتحنا) لأن الفتح قد يأتي بأن يأخذ بالأسباب كالجيش أما مغفرة الذنوب فمن الله وحده (ومن يغفر الذنوب إلا الله) فضمير التعظيم لا يمكن أن يستمر إلى نهاية الآيات.
*ما دلالة كلمة (لنعلم) في آية سورة الكهف (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً {12}) مع أن الله تعالى يعلم كل شيئاً مسبقاً؟(د.فاضل السامرائى)
العلم نوعان:علم سابق قديم الذي سجّل فيه الله تعالى القدر وعلم لاحق يحقق هذا العلم وهو الذي يتعلق به الجزاء.
ما يفعله الإنسان هو من علم الله والله يعلم في القدر كل شيء وهو العلم الذي قضاه الله تعالى وما يفعله الإنسان وما يعلمه هو تصديق لعلم الله هذا. وقوله تعالى لنعلم أي الحزبين يعني لنعلم أي منهم يعلم الحقيقة لأن هناك ثلاثة أقوال كل قسم قال شيئاً فمن الذي يعلم الحقيقة؟ الله تعالى علِم ذلك قبل الوقوع. إذن هناك علمان(1/14)
*ما إعراب (أيّ) في الآية (لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أبدا) ؟
أي: هي مبتدأ. وهي من أسماء الإستفهام وكل الأسماء التي لها صدر الكلام لا يعمل بها ما قبلها إلا حروف الجرّ ولكن يعمل فيها ما بعدها (ولتعلمنّ أيّنا أشدّ عذاباً وأبقى).
*(ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) الكهف) ما هي صيغة أحصى هل هي إسم تفضيل أو فعل؟ (د.فاضل السامرائى)
هي تحتمل وهكذا يقول المفسرون تحتمل أن تكون فعلاً ماضياً وتحتمل أن تكون إسم تفضيل، ليست هنالك قرينة سياقية تحدد معنى معيناً، (أحصى) ممنوع من الصرف. (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ (6) المجادلة) أحصاه فعل ماضي. أحصى أمداً لما لبثوا ويكون أمداً يكون مفعول به.
إسم التفضيل ألا يجب أن يكون هناك شيء مفضل على شيء؟
أحياناً لا يذكر إسم التفضيل، نقول الله أكبر ليس بالضرورة أن يُذكر، (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (124) الأنعام) وإن كان في الأصل هو يفضل شيء على شيء لكن ليس بالضرورة أن يُذكر
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول
و(أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا) (امداً) يحتمل أن تكون تمييز (أحصى أمداً) ويحتمل أن تكون مفعول به لأحصى وهذا من باب التوسع في المعنى.
*ما دلالة الربط على القلب فى الآية(وربطنا على قلوبهم) ؟(د.حسام النعيمى)(1/15)
هؤلاء أعلنوا إيمانهم وقفوا أمام الناس وأعلنوا إيمانهم قالوا(وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)) فاشتُهِر أمرهم فالله سبحانه وتعالى صبّرهم على هذا الإيمان لأن أصل هو الربط الشدّ والتقوية عندما تشد شيئاً تقويه. بمعنى قوّينا قلوبهم بالصبر على الإيمان حين ققالوا هذا الكلام . والربط على القلب هو التقوية لأن إعلان إيمانهم هذا كان يمكن أن يودي بحياتهم ويموتوا ولذلك بعد أن أعلنوا تركوا البلد وفرّوا بدينهم وذهبوا إلى الكهف لكن العلماء يقولون المسلم إذا علِم أن في موته حياة للآخرين في ثباته وموته حياة للآخرين كما قال الإمام أحمد رحمه الله لما كان يُجلد فقيل له: قُل كما يقول المأمون فقال: إن ثباتنا ثبات المسلمين وتحمّل.
*ما دلالة استخدام كلمة (الكذب) معرّفة وقد وردت نكرة في مواضع أخرى؟ (د.فاضل السامرائى)(1/16)
التعريف في النحو هو ما دلّ على شيء معيّن (إزالة الإشتراك عن الشيء) أما التنكير فهو عام. في الآيات القرآنية التي وردت كلمة (الكذب) فيها بالتعريف هي آيات خاصة بأمر معين أما التي وردت فيها كلمة (كذب) بالتنكير فهي تتعلق بأمر عام. مثال في استخدام كلمة (الكذب) بالتعريف في القرآن قوله تعالى في سورة آل عمران (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {93} فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {94}) الكذب هنا متعلق بالمسألة في الآية أما في قوله تعالى في سورة الكهف (هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً {15}) ليس هناك أمر خاص وإنما هو أمر عام لذا جاءت كلمة (كذب) بالتنكير.
*ما دلالة استخدام صيغة الفعل المضارع في قوله تعالى (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) الكهف) مع أن الأحداث انتهت ومضت ؟(د.فاضل السامرائى)(1/17)
الفعل المضارع قد يستخدم ليعبّر به عن الماضي في ما نسميه حكاية الحال كما يُعبّر عن الماضي للمستقبل كما في قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)البقرة) تقتلون وقال معها من قبل. وحكاية الحال هو أن يُعبّرعن الحال الماضية بالفعل المضارع للشيء المهم كأن يجعله حاضراً أمام السامع.
* (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُواعَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)) ما الحكمة من تكرار (إن)؟(د.فاضل السامرائى)
هذا ليس تكراراً لأن إنّ شرطية تدخل على الأفعال وأنْ تدخل على الأسماء.
* (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ (17) الكهف) لماذا استخدم تزاور عند الشروق وتقرضهم عند الغروب؟(د.فاضل السامرائى)
لأن هذا هو الواقع، تقرضهم يعني تتركهم جانباً وتزاور بمعنى تتنحى عنهم لا تدخل إليهم حاصل الجملتين أن الشمس لا تصيبهم لا في الشروق ولا في الغروب. تزاور يعني تبتعد وتتنحى من ازورّ، الشمس لا تدخل إليهم ولا يصيبهم نور الشمس والمفهوم من الآية أن باب الكهف إلى الشمال تطلع الشمس فتبتعد وعندما تغرب تتركهم والمفهوم أن الشمس لا تأتي عليهم.
*لماذا وردت كلمة المهتد بدون ياء في سورة الكهف؟(د.فاضل السامرائى)(1/18)
قال تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً )
أولاً نقول أن خط المصحف لا يُقاس عليه لكن مع هذا فهناك أمور أُخرى هنا فلو لاحظنا لفظ الهداية في سورة الكهف تكرر 6 مرات وفى سورة الأعراف(مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {178}) تكرر 17 مرة فلما زاد ذكر كلمة الهداية زاد في مبنى الكلمة للدلالة على زيادة السمة التعبيرية والتكرار.
*ما دلالة استعمال صيغة الفعل المضارع فى قوله تعالى (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ (18) الكهف)؟ (د.فاضل السامرائى)
(وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ (18) الكهف) ما قال قلبناهم، أهل الكهف كانوا فى الماضي. هذا أشرنا إليه أكثر من مرة ما يسميه النحاة حكاية الحال بمعنى أنه يعبّر عن الحدث الماضى بفعل مضارع استحضاراً لصورة الحدث يعني يجعل الصورة كأنها أمامك، عندما يعبر عنه بالمضارع، المضارع هو حالة والحدث الماضي عندما يعبر عنه بالفعل المضارع ينقله أمامك كأنك تراه أو تشاهده أو كما يقولون ينقل المخاطب إلى الماضي فيجعله كأنه مشاهد لهذا الحدث. في كلتا الحالتين سيكون هذا الحدث كأنه معاصِر للمخاطب.المضارع قد يأتي بمعنى الماضي والماضي يأتي بمعنى المستقبل وهذا اسمه حكاية الحال.
*(لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) الكهف) ما دلالة تقديم الفرار على الرعب؟ مع أن المنطق يكون الرعب أولاً ثم الفرار؟ (د.فاضل السامرائى)(1/19)
الواو كما هو معلوم لا تفيد ترتيب ولا تعقيب وإنما الواو لمطلق الجمع فقط. عندما نقول دخل محمد وأحمد لا يعني أن محمد دخل أولاً، ليس بالضرورة. الكفار يقولون (وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) الأنعام) لو أخذت على الترتيب معناها أنهم يؤمنون بالعبث لكنهم يقولون (وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) الترتيب أنهم يحييون ويموتون. إذن الواو لا تفيد ترتيب ولا تعقيب، تحتمل هذا وذاك، أقبل محمد وخالد، محمد قبل أو خالد قبل أو الاثنين جاءا معاً تحتمل، إذن هنا ليس معنى ذلك أن الرعب جاء بعد الفرار ولم يقل (ثم) ليس هنالك ترتيب ولو قال ثم تفيد الترتيب والتراخي والفاء تفيد الترتيب والتعقيب والواو لمطلق الجمع. إذن أصل المسألة لعل السائل يظن أن المفروض الرعب أولاً ثم الفرار. الواو فقط لمطلق الجمع. يبقى لماذا جاء بهذا الترتيب؟ الواو لا تفيد الترتيب إذن ليس معنى الآية أن التولية قبل الرعب. ربنا تعالى يقدم مرة الأرض على السماء ومرة السماء على الأرض ومرة يقدم النفع على الضر ومرة الضر على النفع. التقديم يكون حسب الأهمية وهنا يدخل هذا في باب التقديم والتأخير بحسب الأهمية. هم لماذا ذهبوا إلى الكهف؟ حتى لا يطلع عليهم الناس (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ (13) الكهف) خرجوا من القوم ليسلموا من الفتن، إذن المهم أن لا يطلع عليهم أحد ولا يعرفهم أحد، خرجوا فارين بدينهم من أذى قومهم فذهبوا إلى الكهف ودخلوا فيه من باب أنه آمن لهم. إذن المهم هو أن لا يطلع عليهم أحد، حتى لا يشي بهم حتى لا يؤتى بهم فيفتنون. ماذا يعنيهم الرعب؟ المهم ألا يتفرس فيهم أحد فيعرفهم هذا المهم أن يولي منهم فراراً أراد ربنا أن يحميهم فيوقع الهيبة فيهم فيفر منهم حتى لا يتفرس بهم فلا يعرفهم حتى يحميهم.(1/20)
إذن المهم ألا يتفرس فيهم أحد ولا يتصفح وجوههم لأن هذا هو المهم فقدم المهم (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا) لا يمكث أمامهم طويلاً فلا يتفرس في وجوههم فيعرفهم. ثم الآن لو دخل واحد في غار ورأى أناساً مفتحة عيونهم وساكتين (كانوا مفتحة أعينهم طوال هذه المدة قالوا حتى لا تتلف وتبلى عيونهم لأنها لو كانت مغمضة طوال هذه المدة لكانت ذهبت عيونهم (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ (18)) مفتحة عيونهم) هذا يصيب الإنسان بالرعب، تخيل لو أن لصوصاً دخلوا ورأواهم هكذا لامتلأوا بالرعب كما لو دخلوا مغارة فوجدوا فيها وحشاً أو حية لا يتفرسون فيها وإنما يهربون حتى أنهم لو تذكروا المشهد فيمتلئون بالرعب. هكذا يحصل يهرب ثم يتملى الأمر فيراه عظيماً فيمتلئ بالرعب فيشتد في الهرب، يكون هربه من تلقاء نفسه لأول مرة يرى فيها المنظر ثم يتخيل المنظر فيمتلئ رعباً ويهرب. والرعب أحياناً يوقف الإنسان يتملكه ولا يستطيع أن يهرب يتسمر مكانه، الذئب أحياناً إذا أتى إلى الفريسة تتسمر في مكانها ولا تستطيع الهرب. وقرأنا في التاريخ عندما احتل التتار بغداد كانوا يقولون للرجل إمكث مكانك حتى آتي بالسيف فأقتلك فيبقى مسمراً في مكانه من الرعب. قسم من الرعب يثبت وقسم يهرب. في أهل الكهف هناك حكمة في الهرب ألا يتفرس بهم ولا يشي بهم أحد. الكلب مثلهم والوصيد يعني الباب. قسم قالوا لم تبلى أجسامهم ولم تطل شعورهم وإنما استيقظوا كما ناموا وبقوا على حالهم.
* ما الفرق بين الفِرار والهروب في قوله تعالى (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا (18) الكهف) و (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا (12) الجنّ)؟ (د.فاضل السامرائى)
التعبير اللغوي الهرب فيها نوع من الذعروالفِرار ليس بالضرورة فيه ذعر والفرار فيه حركة والسياق يحدد.(1/21)
*ما الفرق بين التعليل بـ ( كي) وباللام في قوله تعالى (وليعلموا)؟ (د.فاضل السامرائى)
التعليل بكي واللام
هل التعليل بهما متطابق؟ الحقيقة أنه لا يبدو هناك فرق واضح بينهما في التعليل، فهما متقاربان جدا، غير أن الذي يبدو أن الأصل في (كي) أن تستعمل لبيان الغرض الحقيقي المؤكد ، واللام تستعمل له ولغيره، فاللام أوسع استعمالا من (كي)، وهذا ما نراه في الاستعمال القرآني.
"وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها" الكهف 21، وهذا في أصحاب الكهف وهم يعلمون أن وعد الله حق ولا شك، وكيف لا وهم فارقوا قومهم لإيمانهم بالله تعالى؟ فلو قال (كي يعلموا) لكان المعنى أن هذا هو الغرض الحقيقي وقد كانوا يجهلون ذاك .
(كي) تستعمل للغرض الحقيقي، أما اللام فهي أوسع استعمالا منها، وأن الجمع بينهما يفيد التوكيد والله أعلم.
*(قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21) الكهف) على ماذا تدل جملة (غلبوا على أمرهم)؟ من هم الذين غلبوا على أمرهم؟ هل تدل على الهداية أو على الضلالة؟(د.فاضل السامرائى)
هم أصحاب الشأن الولاة أو الحكام إذا أرادوا أمراً فعلوه. الضمير في (أمرهم) للرعية. هذا قصد تعظيمهم.
*في قوله تعالى: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)) في الإسلام نهي عن بناء المساجد على القبور فهل هذا كان مباحاً في الأمم السابقة؟(د.حسام النعيمى)(1/22)
المساجد في الإسلام يقول - صلى الله عليه وسلم - : " لعن الله اليهود والنصارى إتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد ولا تتخذوا قبري مسجداً" نهى - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك والآن قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس مسجداً. العلماء المدققون يفرقون بين أمرين: أن يكون القبر موجوداً وتبني عليه مسجداً كما فعل جماعة أصحاب الكهف والصورة الأخرى أن يكون المسجد قائماً ثم تأتي وتدفن فيه إنساناً (هو الأولى أن لا تدفن) لكن الصورة مختلفة. الفرق هو التقديس أنه يكون هناك قبر وتبني عليه مسجداً تقديساً لصاحب القبر هذا يصدق فيه الحديث. لكن الصورة الثانية من حيث اللغة تختلف أن يكون هناك مسجد وتأتي بمقبور (ميت) وتدفنه فيه. هذه غير صورة وللعلماء كلام منهم من قال هذا تقصير من الفاعلين ولكن الصلاة فيه جائزة وهذه قضية تدخل في غير بابنا.
*(سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ (22) الكهف) ما دلالة الواو في وثامنهم؟(د.فاضل السامرائى)(1/23)
القدامى المفسرون ذكروها قالوا هذه الواو تدل على أن اتصافهم هذا هو الأمر الثابت لصحيح وأن هذا القول هو الحق، قولين قال رجماً بالغيب (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ) إذن هذا الغيب أسقطهم وأبطل القولين ويقول (سبعة وثامنهم كلبهم) لم يقل رجماً بالغيب، وقال (قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) إذن هناك من يعلمهم (ما يعلمهم إلا قليل) ابن عباس قال أنا من القليل. هذه الواو تدل على التأكيد والاهتمام وأن هذا الأمر هو الصح، هو اليقين لأن الواو يؤتى بها في مواطن الاهتمام والتوكيد والتحقيق. قال تعالى (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) التوبة) القدامى قالوا أدخل الواو على الناهون لأن كل ما سبق من الصفات يأتي بها الإنسان لنفسه لا يتعلق بالغير (عابد، حامد، سائح، راكع، ساجد) أما الناهون فتتعلق بالغير وهناك احتمال أن يلاقي بها من الأذى. الواو هي عاطفة ويؤتى بها للاهتمام ولذلك النحاة عندهم قاعدة "إذا تباعد معنى الصفات فالعطف أحسن" (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) الحديد) الأول نقيض الآخر والظاهر نقيض الباطن، إذن إذا تباعدت الصفات من حيث المعنى، وقال (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) القلم) لم يستعمل الواو لأن الصفات كلها في سياق واحد. وقسم من النحاة قال - وضعّفوا هذ الرأي – أن هذه الواو هي واو الثمانية وقال النحاة هذا قول ضعيف.(1/24)
هم يقولون في العدّ يعدون من واحد إلى سبعة ثم يقولون وثمانية لكن النحاة قالوا هذا قول ضعيف لا يُعبأ به. نقرأ في كتب النحو (للأخفش) ويقال هذا قول ضعيف، كل ما يقوله النحاة فيه الضعيف وفيه القوي وفيه الراجح والمرجوح. الواو هي للتأكيد على أن هذا القول الصح، والزمخشري قال "هذه الواو التي تفيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر" (هذا الكلام ورد في كتابه الكشّاف) والنحاة يعترضون على شيء واحد في هذا التعبير وهو "تأكيد لصوق الصفة بالموصوف" من حيث سبعة وثامنهم كلبهم (هذه واو الحال وليست واو الصفة) ليس عندنا واو صفة، (وثامنهم كلبهم) هذه جملة ثانية، جملة حالية، قالوا هذه الواو واو الحال وهذه الواو لا تقع في الجمل بين الصفة والموصوف تقع واو الحال والزمخشري عندما قال انطلق من أن الجمل بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال، (سبعة) نكرة فقال هذه صفة والجمهور يؤيدونه فيما ذهب إليه من حيث الدلالة.
* ما دلالة حرف العطف واو في قوله (سبعة وثامنهم كلبهم) مع أنها لم ترد فيما قبلها (ثلاثة رابعهم كلبهم وخمسة سادسهم كلبهم)؟
ما يميل اليه علماء اللغة أن الواو واو عاطفة تعطف جملة على جملة سابقة أو واو استئنافية لأن الكلام انتهى. وهي تفيد التوكيد والتحقيق و لا تؤثر في الإعراب. كما صرّح المفسرون أي كأنها تدل على أن الذين قالوا أن أصحاب الكهف كانوا سبعة وثامنهم كلبهم هم الذين قالوا القول الصحيح الصواب ومنهم الزمخشري. الواو إذن هي واو الحال ولكنها أفادت التوكيد والتحقيق بأن هذا القول صحيح لأن الواو يؤتى بها إذا تباعد معنى الصفات للدلالة على التحقيق والإهتمام (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) وإذا اقترب معنى الصفات لا يؤتى بالواو (همّاز مشّاء بنميم) .(1/25)
وفي قوله تعالى (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ {112}) نلاحظ أن الواو ذكرت مع الصفة الأخيرة وهي الأشد على النفس والآخرين لأن النهي عن المنكر يكون أشدّ على الإنسان وقد يؤدي إلى الإهانة والقتل أحياناً وباقي الصفات الأولى كلها متقاربة.
د.حسام النعيمى:
هناك رأى يقول هذه الواو قبل كلمة ثمانية هي كأنها من آثار الأعداد القديمة، الإستعمالات القديمة وكانت باقية عند قريش بمعنى أن العدد الأعلى الذي ينتهي عنده الحساب هو السبعة وبهذا فسّروا: سبع سموات، سبع أراضين، سبعين مرة، سبعمائة. والقرآن نزل بلغة قريش فبقيت هذه الواو لذلك سميت بواو الثمانية (وثامنهم) وهذا الإستعمال الذي كان خاصاً بها أحياناً.
العرب عندهم أسلوب في ذكر المعدود (ما يعدّون) تصاغ عندهم على وزن فاعل فيقولون مثلاً هو رابع أربعة. لكن لهم أسلوب آخر: يقولون: رابع ثلاثة أو خامس أربعة. في هذه الحالة يكون متمماً للعدد ولكنه ليس شرطاً أن يكون جزءاً منه. لاحظ في القرآن ( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ(7) المجادلة) نجوى الثلاثة الله رابعهم فالله سبحانه وتعالى من غيرهم لكنه صار في العدد بحضوره رابعاً لكنه ليس منهم. في قصة أصحاب الكهف (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) الكهف) ليس منهم.
آية (23):(1/26)
*ماذا عن ربط المستقبل بـ(غد) فقط في قوله تعالى (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) ) ؟ ولماذا استخدام اللام في (لشيء) ولم يقل (عن شيء)؟(د.فاضل السامرائى)
سبب نزول الآية هو الذي يحدد. سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاثة أسئلة من قبل الكفار منها عن أهل الكهف فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - سأجيبكم غدا لأنه لم يكن لديه علم ًولم يقدم المشيئة وجاء غد ولم يُجِب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم ينزل عليه الوحي مدة خمس عشرة ليلة فحصل ارجاف لأن الوحي يتنزّل بحكمة الله تعالى ثم نزلت الآية (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)) فهي مناسبة لأصل سبب النزول وهذا ينسحب لأنه أحياناً سبب النزول لا يتقيّد بشيء.
غداً في الآية موضع السؤال لا تعني بالضرورة الغد أي اليوم الذي يلي وإنما قد تفيد المستقبل وهي مناسبة لما وقم وما سيقع.
ورود اللام بعد القول (تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ) له أكثر من دلالة وهو ليس دائماً للتبليغ يقال في اللغة: قلت له كذا وكذا وإنما تأتي لبيان العِلّّة إما بمعنى عن أو بسبب أمر ما (قال له).. وقد تأتي اللام مع القول لغير التبليغ وتأتي بمعنى عن أى عن شئ . وقد تأتي اللام بعد فعل قال للتعليل بمعنى لأجل ذلك أو بسبب ذلك .
آية (25):
*ما الفرق بين العام والسنة ؟(د.حسام النعيمى)(1/27)
العام هو لما فيه خير والسنة لما فيه شر. العلماء يقولون الغالب وليست مسألة مطلقة. لكن في الإستعمال القرآني أحياناً يستعمل (تزرعون سبع سنين دأباً) (ثم يأتي عام فيه يغاث الناس) الزرع فيه جهد في هذه السنين. في قصة نوح (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً) كأن الخمسين عاماً هي الخمسين الأولى عام الأولى من حياته التي كان مرتاحاً فيها وبقية السنين الـ 950 كان في مشقة معهم حتى بلغ أن يقول (ولا يلدوا إلا فاجراً كفّارا) هذه تجربة. هذا الغالب ومن أراد أن يلتزم الإستعمال القرآني يحرص على إستعمال السنة في جدب وقحط والعام لما فيه خير لكن إذا وجد شاعر يستعمل نصاً عن السنة مختلف لا يستغرب. الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث لا ندري مداه من الصحة "اللهم إجعلها عليهم سنيناً كسنين يوسف" سنوات قحط وشر. هذا في كتب النحو والأحاديث التي في كتب النحو يستفاد منها في الشواهد النحوية واللغة وليس في تأصيل الحديث من حيث الصحة.
في سورة الكهف ذكر القرآن (ثلاثمئة سنين وإزدادوا تسعا) لم يقل وازدادوا تسعة أعوام. بعض الحاسبين يقول هذه 300 سنة في الميلادي توافق 309 في الهجري. إذا جاءت موافقة فهي موافقة لكن هي لون من ألوان التعبير أن يقول ثلاثمئة وازدادوا تسعا. لما كانوا يعانون منه وقد يقول القائل لم تكن كلها سنين قحط. الأمر ليس هذا ولكنه الغالب.
*كيف نفهم (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) الكهف)؟(د.فاضل السامرائى)(1/28)
يقولون سنين شمسية وقمرية. سنين بدل، لو أضفنا نقول مائة سنة لكن هنا ليست مضافة، ثلاث مائة لم تضفها حتى تقول ثلاث مائة سنة، هذا بدل وليس تمييز عدد. (سنين) بدل لأن تمييز العدد له أحكام بعد المائة والألف يكون مفرد مضاف إليه (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14) العنكبوت) (بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ (259) البقرة) (ثَلَاثَ مِائَةٍ) نوّن لأن هذا أمر عجيب فنوّن، هذا تنوين التمكين لكن الغرض منه، لماذا لم يضف؟ لأن الأمر يدعو إلى العجب والتعجيب (ثَلَاثَ مِائَةٍ) أبهمت ويسمى الإيضاح بعد الإبهام. إذا قلنا (ثَلَاثَ مِائَةٍ) السامع لا يتوقع أو لا ينتظر منك شيئاً آخر لأنه لو أردت أن تضيف لأضفت بعد المائة، إذن انتهى السائل فإذا جئت بالبدل تكون أتيت بشيء جديد ما كان يتوقعه قالوا الإيضاح بعد الإبهام.
*وفي الكهف (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)) فما المقصود في استخدام (أو) بدل الواو؟(د.فاضل السامرائى)
(أو) تأتي بمعنى (بل) تقول سأرحل أو أمكث، سأذهب إلى المقهى أو أقيم، تترك الأمر إذن هذا التوجيه الأول بمعنى بل يزيدون. والتوجيه الآخر أنه بحسب ما يراه الرائي يعني بالنسبة للرائي إذا نظر إليهم يقول مائة ألف أو يزيدون. فهي إما أنها بمعنى بل أو ترجيح بالنسبة للرائي وليس بالنسبة لله سبحانه وتعالى أما الواو فتعني ازدادوا قطعاً.
* لماذا جمع السنة على سنين في آية سورة الكهف (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)) ولم يقل ثلاثمائة سنة؟(د.فاضل السامرائى)(1/29)
هنا بدل (ثلاثمائة سنين) جاءت هذه بعد تمام الكلام (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنينَ) هذا تنوين قطع لأن الجملة انتهت، ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة، ثم يبين سنين هذا إيضاح بعد الكلام هذا يكون في الأشياء المراد لفت النظر إليها. إما يقال ثلاثمائةِ سنة، البدل يمكن إحلاله محل الأول المُبدل منه يمكن أن نقول ولبثوا في كهفهم سنين. سنين: هي بدل من العدد منصوب (ملحق جمع مذكر سالم).
آية (26):
*لماذا قدّم البصر على السمع في آية سورة الكهف ؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الكهف (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً {26}) والمعلوم أن الأكثر في القرآن تقديم السمع على البصر لأن السمع أهم من البصر في التكليف والتبليغ لأن فاقد البصر الذي يسمع يمكن تبليغه أما فاقد السمع فيصعب تبليغه ثم إن مدى السمع أقل من مدى البصر فمن نسمعه يكون عادة أقرب ممن نراه، بالإضافة إلى أن السمع ينشأ في الإنسان قبل البصر في التكوين. أما لماذا قدّم البصر على السمع في الآية فالسبب يعود إلى أنه في آية سورة الكهف الكلام عن أصحاب الكهف الذين فروا من قومهم ولجأوا إلى ظلمة الكهف لكيلا يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في تقلبهم في ظلمة الكهف وكذلك طلبوا من صاحبهم أن يتلطف حتى لا يراه القوم إذن مسألة البصر هنا أهم من السمع فاقتضى تقديم البصر على السمع في الآية.
آية (28):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (واصبر نفسك) سورة الكهف وقوله تعالى (وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)سورة طه؟(د.فاضل السامرائى)(1/30)
اصطبر جاءت في الصلاة لأنها مستمرة كل يوم وزيادة المبنى تفيد زيادة المعنى والصلاة كل يوم في أوقاتها وتأديتها حق أدائها وإتمامها يحتاج إلى صبر كبير لذا جاءت كلمة (اصطبر) للدلالة على الزيادة في الصبر.
آية 29:
*يستخدم تعالى في القرآن بعض الأفعال التي ربما تتشابه حرفياً ولها نفس الدلالة مثل (أعدّ وأعتد) ؟(د.حسام النعيمى)
هذا يدخل في جانب التقارب الصوتي. فالتاء إذا صحبها اهتزاز الوترين تكون دالاً. جرّب أن تلفظ تاء من غير أن تلفظها ضع لسانك بحيث أنه لا يتغير عن موضع نطقك للتاء تظهر دالاً. الفارق حدوث اهتزاز فإذن التاء مهموس والدال مجهور. وهذا أنصع وأقوى وأوضح من نظيره المهموس،
أصل الفعل (عَتَدَ) يعني العين والتاء والدال والفعل الآخر (عَدَدَ) فلما تدخل همزة التعدية يصبح أعتد ويفترض أعدد. الأصل (أفعل) أعتد وأعدد ليسا فعلاً واحداً وحدث فيه تغيير ما عندنا دليل، قد يكون كل منهما أصلاً وقد يكون الذي بالتاء هو الأصل وقد يكون الذي بالدال هو الأصل لكن وجود الادغام قد يرجّح – أقول قد- أن يكون الفعل بالتاء هو الأصل لأنه حينما يُسكّن التاء وبعده جال تُقلب التاء الى دال. التاء والدال إذا التقيا يكون ادغام، عادة يُدغم الأول في الثاني. لو قلت (هطلت ديمة) تقلب التاء دالاً (هطلديمة) فيمكن أن تكون التاء أصل وانقلبت الى دال، ويمكن أن يكونا أصلين مستقلين وبينهما تقارب وحيثما يوجد تقارب في الصورة يكون تقارب في المعنى.(1/31)
يقترب المعنى لما يأتي إلى (عتد) مع (عدد) العين والدال واحدة الفارق في الوسط هنا تاء وهنا دال. لما يستعمل عتد أو أعتد معنى ذلك أنه هناك شيء من الهمس لأن التاء مهموس ويكون هناك تنويع بين الجهر والهمس فلما يقول ربنا عز وجل (وأعتد) غير (أعد) هذا الادغام كأنه يصور لنا شيئاً مجموعاً مضموماً الى بعضه فيه قوة وشدة وجمع، أما أعتدت فيه تفريق لأولاً (التاء غير الدال) ثم فيه تنويع بين الهمس والجهر كأنه يشير الى التنويع كما فى سورة يوسف مع النسوة)(وأعتدت لهن متكئا) أنه لم يكن من فراش أوجنس واحد ، لم يكن بساطاً. حينما كان تنويع في المجلس والفراش: الوثير، الصعب، القوي، الشديد، الهيّن، الليّن بما يناسب التاء وبما يناسب الدال.
(أعتدنا): القرآن لم يستعمل أعددنا أبداً، وردت أعتدنا 13 مرة ولم يستعمل أعددنا مطلقا، أعدّ موجودة.(1/32)
في سورة الكهف (إنا أعتدنا للظالمين ناراً) هنا النار فيها تنويع. لو قال في غير القرآن أعددنا يكون تكرار للحرف (د د) لكن أعتدنا (ت د) صار تنويعاً. حيثما وردت كلمة أعتدنا هناك تنويع في ثلاث عشرة آية لما يقرأها المسلم (أعتدنا لهم عذاباً أليما) (أعتدنا لهم ناراً) كل الآيات حيثما وردت في موضع أو موضعين يذكر (أعتدنا لهم سعيرا) سعيراً فقط لا يصفها. لما ننظر في كلمة سعير أولاً هم يقولون من أسماء النار ولكن هناك حذف ولكن هي نار سعير مسعّرة أو مسعورة. السعير يعني النار التي تُسعّر هي التي تهيّج وتُلهِب. السعير هي اسم من أسماء النار لكن من يقول سعير (فعيل) بمعنى مفعول مثل أسير بمعنى مأسور وقتيل بمعنى مقتول. سعير كأنه مسعور لما نقول مسعور يعني مسعّر يعني مهيّج وملهب فيه تهييج وإلهاب فيها تنويع دائماً. لو قال في غير القرآن (أعددنا) يكون قد فك الادغام والعرب حريصة على الادغام يعنى لما يكون الحرف هو هو يكون قد فارق سنن العربية في كلامها بهذه الطريقة. لكن لو قال أعتدنا وافق سنن العرب أولاً في اختيار الفكّ وغيّر في الصوت: جعل هذا الصوت غير هذا الصوت حتى تشير الى التنويع. لا نقول كلمة أعددنا في غير القرآن خطأ هذا كلام غير صحيح لكن لا تعطي فيها معنى التنويع لما نقول أعددت له كذا أو أعدّ له ليس فيها التنويع لا تحس التنويع وإنما تحسّ بالتكتل. التنويع مطلق أحياناً في العذاب نفسه ألوان العذاب وأنواعه منوّع.
لا شك أن العرب كانت تفهم الفوارق بين الأصوات لذا كان العربي يستعمل هذه الكلمة هناوهذه الكلمةهنا ويدرك. لم يكن هذا الاستعمال السامي الرفيع الذي نجده في القرآن لكن نجده في الشعر لكن لم نجده بهذه الطريقة. هم يتحسسونها ما كانوا يقولونها بهذه الطريقة فلما يسمعها يحس بذلك.
آية (31):(1/33)
* في سورة البقرة يقول تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ (25)) وفي الكهف يقول (أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)) فما الفرق؟(د.فاضل السامرائى)(1/34)
من تحتها الكلام عن الجنة (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) البقرة) ومن تحتهم يتكلم عن ساكني الجنة المؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) الكهف)، الكلام على الساكن، على المؤمن. إذا كان الكلام على المؤمنين يقول (من تحتهم) وإذا كان الكلام على الجنة يقول (من تحتها). قد يقول بعض المستشرقين أن في القرآن تعارض مرة تجري من تحتها ومرة من تحتهم لكن نقول أن الأنهار تجري من تحت الجنة ومن تحت المؤمنين ليس فيها إشكال ولا تعارض ولكن الأمر مرتبط بالسياق عندما يتحدث عن المؤمنين يقول (من تحتهم). قبل آية الجنة تكلم عن المؤمنين (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) لما يكون الكلام على المؤمنين يقول (من تحتهم).وعندما يتكلم عن الجنة أكثر يقول (من تحتها).
*ما دلالة استعمال الوصف (متكئين) لأهل الجنة خاصة؟(د.فاضل السامرائى)
الاتّكاء غاية الراحة كأن الانسان ليس وراءه شيء لأن الانسان لو وراءه شيء لتهيّأ له ولم يتكيء. والاتّكاء في القرآن ورد مع الطعام والشراب ومع الجلسات العائلية هذا أكثر ما ورد إلا في موطن واحد.(1/35)
مثل قوله تعالى (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) يس) والاتكاء يحسُن في هذا الموضع. وقال تعالى (مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) ص) يرتبط الاتكاء مع الطعام والشراب وكذلك في سورة الرحمن (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)) دائمايأتى في السياق ذكر الطعام والشراب.
الآية الوحيدة التي لم تأت فيها كلمة متكئين مع الطعام والشراب هي الآية في سورة الكهف (أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)). ونلاحظ في هذه السورة نجد أن الآية التي ليس فيها طعام وشراب سبقها قوله تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)) فكأنما الله تعالى يخاطب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي كأنه يريد القيام فصبّره الله تعالى فجاءت متكئين في الآية بعدها فكأنها مقابلة فهؤلاء المؤمنين في راحة وأراد تعالى أن يًصبّر رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
فالاتكاء غاية الراحة ولهذا وًصِف به أهل الجنة ولم يأت وصفهم بالنوم لأنه لا نوم في الجنة أصلاً. ووصِفوا في القرآن بأوصاف السعادة فقط يتحادثون فيما بينهم ويتذاكرون ما كان في الدنيا والاتكاء غاية الراحة والسعادة.
قصة صاحب الجنتين: (32-44)(1/36)
*قال تعالى:(وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) الكهف) هل التفجير تشقق الأرض وخروج الماء أم جريان الماء من داخل الأرض؟(د.فاضل السامرائى)
التفجير هو إخراج الماء بغزارة. والانبجاس أقل من التفجير والإخراج أقل.
*ما الفرق بين (وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36) الكهف)و(وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى (50) فصلت)؟(د.أحمد الكبيسى)
الردّ أن تأتي مكرهاً وقلت واحد رُدّ فلان إلى بلده، وأُرجع فلان إلى بلده، أُرجع بشكل سهل وطبيعي وعلى رغبته بشكل طبيعي بعدما سافر رجع إلى بلاده وكان يعرف أنه سيرجع، أما رُد تعني أن هناك مشكلة إما أكرهوه على هذا أو غير مرغوب فيه أو هو لا يريد أن يأتي أو جابوه بالقوة هذا الردّ. وفى مداخلة مع أحد الأخوة لخص هذا تلخيصاً أكثر دقة منا، قال الرجوع (وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى) هذا يؤمن باليوم الآخر فهو مؤمن أنه سيموت وأنه سيرجع إلى الله فيرحمه أما الذي يقول (ولئن رددت) هذا لا يؤمن باليوم الآخر وإنما يستهزئ (وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36) الكهف) ورأيت هذا منطقي جداً وأردت أن أنبّه عليه لأنه تفوق علينا من حيث أنه قال الرجوع لمن يؤمن بالله واليوم الآخر ورُددت للذي لا يؤمن وإنما يقول لو حصل على فرض المستحيل.
*ما الفرق بين (ثُمّ) و(ثَمّ) في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
ثُمّ بضمّ الثاء هي حرف عطف تفيد الترتيب والتراخي كما في قوله تعالى في سورة الكهف (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً {37}). أما ثم بفتح الثاء تأتى بمعنى هناك(واذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا(20)) الانسان.(1/37)
*(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) الكهف) ذكر الكفر في الآية الأولى وفي الثانية ذكر الشرك فما الفرق بين الكفر والشرك؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً الكفر أعم من الشرك، كل مشرك كافر ولكن ليس كل كافر مشرك. الكافر غير مؤمن لكن ليس بالضرورة مشرك. معنى الكفر من أنكر شيئاً من الدين بالضرورة بمعنى ستر والشرك أن يجعل مع الله شريكاً هذا أكبر من الكفر وهذه أكبر الكبائر (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ (48) النساء) فإذن الكفر أعم الواحد يوحّد يقول ليس معه أحد سبحانه وتعالى لكن ينكر اليوم الآخر، الشرك هو جزء من الكفر من جعل لله نداً هو كافر ولكن ليس كل كافر مشرك لأنه لم يشرك بالله أحداً هو ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة فقط إذن الكفر أعمّ. قال (أَكَفَرْتَ) هذا عام دخل فيه الشرك. يبقى لماذا قال (وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38))؟ لأن صاحب الجنة مشرك وليس فقط كافر بدليل أنه قال (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)) إذن هو مشرك (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)) هو لم يشرك بالله فقط وإنما لم يؤدِّ حق جنتيه وكفر نعمة الله عليه إذن هو أشرك وكفر هذا الذي دخل جنته ربنا أنعم عليه فإذن هو لم يؤدي شكر النعمة والشكر يقابله الكفران (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ (40) النمل) فإذن لم يشكر النعمة وكفر بالله وأشرك فجمع المسائل كلها.(1/38)
*ما دلالة (لكنّا) في الآية (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) )؟(د.حسام النعيمى)
لكنّا فيها إدغام وهي أصلها في غير القرآن لكن أنا حذفت الهمزة فصارت لكن نا فصارت لكنا، وأنا عند الوقف أقول أنا (مفخمة) ولكن في غير الوقف أقول أنا كأن النون مفتوحة (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) الألف العرب من المتكلم تختلسها إختلاساً فتحولها إلى فتحة إلا في الوقف لا يجوز أنا في الوصل: أنا الذي فعلت هذا، (قال أنا خير منه). (لكنا هو الله ربي) عند الوقف تقول (لكنا مفخمة) إذا وقفت مثل ما تقول لكن أنا فهي مجموعة.
*قال تعالى:(فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) الكهف) ماذا تفيد عسى في الآية؟ وهل تفيد أنه دعا على صاحبه؟(د.فاضل السامرائى)
هذا رجاء.
آية (46):
*ما سر تقديم المال على البنون في قوله تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا(46))؟(د.حسام النعيمى)(1/39)
المال والأنفس والمال والبنون دائماً المال مقدم على البنين وعلى الأنفس. يتقدم ذكر المال على الأولاد وعلى الأنفس حيث وردا مجتمعين في القرآن الكريم والسبب في هذا لأن المال أظهر من الأولاد. يعني قديماً كان مال فلان يُرى: الأغنام والإبل وما أشبه ذلك والمال يمكن أن يفخر به الإنسان وقد لا يفخر بأولاده فقد يكونا سيئين بحيث لا يستحقون أن يفتخر بهم. والمال هو الزينة أكثر من الأولاد (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) زينة المال أظهر من زينة الأولاد وأوضح للناس والمجتمع: يرون المركب الفاره والقصر المنيف يرونه أكثر من رؤية الأولاد. لكن في موضع واحد وهذا يقتضي أن يُسأل عنه وفي سورة التوبة (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)) قدّم الأنفس وسببه واضح لأن التعامل هنا مع الله ومع الله عز وجل وهذا ينبغي أن يقدّم الأسمى. تقديم المال في آية الكهف ليس لأنه أسمى ولكن لأنه أظهر وأوضح أما في التعامل مع الله تعالى لا بد أن يقدم النفس. لا شك أن المناسب لما إشترته الله سبحانه وتعالى لما كان قد وهبه إبتداءً أن يقدم الأعلى (الأنفس). حيثما ورد المال والأنفس يتقدم المال لأنه أظهر.
* آية المال والبنون (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) الكهف) هل الواو حرف عطف وهل حرف العطف يهتم بأن المال أهم من البنون أو أن المال يأتي أولاً لأجل البنون؟(د.فاضل السامرائى)(1/40)
الواو هنا عاطفة وهذا يدخل في باب التقديم والتأخير قدم المال على البنين هنا لأنه قال زينة الحياة الدنيا والزينة بالمال أظهر من البنين فقدم المال لأنه لما قال زينة قدم ما هو أدل على الزينة (وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ (6) الإسراء) وتقدم الأموال على الأولاد بحسب السياق. قال تعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (14) آل عمران) هنا أخرها (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة) أخر الأموال، لما يذكر مسألة الحب الفطري يؤخر الأموال لأن الأموال تترك للأبناء يعمل ويكد ويعلم أنه ميت ويترك الأموال للأبناء. أحياناً نرى كلمة متقدمة وفي موطن آخر نراها متأخرة كما مر بنا في النفع والضر.
الواو لها أغراض أخرى في اللغة غير العطف مثل واو القسم (والليل) واو الحال (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ (8) يوسف) واو الاسئتناف، واو الثمانية قالها بعض النحاة ورفضها عموم النحاة وأنا شخصياً لا أقبلها.
آية (47-52):(1/41)
*(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) الكهف) هل هناك لمسات بيانية في الآيات من 47 إلى 52؟ وما معنى فسق عن أمر ربه (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50))؟(د.فاضل السامرائى)(1/42)
نذكر اللمسات البيانية سريعاً في الآية (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)) قال (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً) بارزة يعني ظاهرة هذا يوم القيامة. إذن لما قال (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ) قال (وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً) لأن الجبال التي كانت تحجب الرؤية زالت إذن سترى الأرض ظاهرة ليس فيها شيء خفي، هذا أمر. (وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً) الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكل رائي ثم قال (وحشرناهم، وضع الكتاب، وعرضوا على ربك) كلها ماضي بينما هي أحداث مستقبلية (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ) لكن بعد نسير (حشرناهم، عرضوا، ووضع الكتاب) كلها ماضي، هذا تنزيل المستقبل منزلة الماضي لتحقق وقوعه.(1/43)
العربي أحياناً يذكر الأحداث المستقبلة بصيغة الفعل الماضي للدلالة على أنها بمنزلة ما وقع من الأحداث تحقق الوقوع بمنزلة ما وقع هل في الماضي شك؟!. هذا سيحدث فعلاً كأن الأمر قد حصل إذن عبّر عنه بالأفعال الماضية لتحقق وقوعها وأنها بمنزلة ما مضى من الأحداث. ثم قال (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) لأن الأرض بارزة أين يختفي؟ّ قال (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)) في الأنعام قال (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)) هناك قال (صَفًّا) وهنا قال (فُرَادَى) ثم قال (وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) ولم يقل هذا في الكهف. قال فرادى في الأنعام لأن الحال في الدنيا يموت الناس فرادى وقبل هذه الآية قال في الأنعام (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)) إذن الناس يموتون فرادى فقال (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى) أما في الكهف ففي الحشر فقال (صَفًّا). وقال في الأنعام (وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) الأموال تركتموها للورثة بينما في الكهف في الآخرة الأرض تنسف والجبال تنسف ولا يبقى شيء كلها ذهبت.(1/44)
في الدنيا قال (وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) أي ترك ماله للورثة وفي الكهف لم يقل شيئاً لأنه لم يبق شيئ. وقال (يَا وَيْلَتَنَا) يا للفضيحة، الويلة هي الفضيحة (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49)) قسم يقول أن رسم المصحف مكتوبة (مَالِ) وحدها و(هَذَا الْكِتَابِ) وحدها وحاول قسم من الذين ينظرون في رسم المصحف أن يفسروا لماذا رسمت اللام هكذا وقالوا عندما يقرأ الكتاب لم يستطيعوا الإستمرار في القراءة ففصل باللام ليدل على أنه ما استطاع أن يقرأوا وإنما استوقفهم ما رأوه في الكتاب (يَا وَيْلَتَنَا) ذكره بأشياء لم ينفع الإستمرار فوقف وفصل فقالوا الفصل هنا لأنه لم يستطيعوا أن يواصلوا القراءة وقال (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)). وقال بعدها (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا (50)) في هذا السياق ذكّرهم بهذا الأمر لأن هذا هو الذي أوردهم هذا المورِد مسألة إطاعة إبليس والشياطين، هذا هو الذي أوردهم هذا هو سبب مجيئهم إلى هنا ووقوفهم هذا الموقف بسبب عدوهم الذي حذرهم الله تعالى منه (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ (50)) حذرهم لكن لم ينفعهم ما حذرهم منه ولم يحذروا فذكرهم هذا كله سببه أنكم أطعتم عدوكم وعدو الله لأنه فسق عن أمر ربه و قال (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا (52)) موبق من وبق يعني برزخ بعيد أي مهلِك.
*متى تستعمل يا ويلتنا ويا ويلنا؟ (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) و(قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) القلم)؟(د.فاضل السامرائى)(1/45)
الويل هو الهلاك عموماً والويلة هي الفضيحة والخزي. الويل هو الهلاك (ويل للمطففين)، (ويل لكل همزة)، (يا ويلنا إنا كنا ظالمين). (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) هود) فضيحة قالت يا ويلتى ولم تقل يا ويلي، المرأة تقول يا ويلي وإذا أرادت الفضيحة تقول يا ويلتي. فإذن الويلة هي الفضيحة والخزي. (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) سيفضحنا، كل الأفعال التي فعلوها ستظهر يا للفضيحةّ وهناك أعمال هم لا يحبون أن يطلع عليها أحد وستفضحهم فقال (يا ويلتنا) لأن فيها أعمال وخزي وفضيحة وهم يحبون أن يستروها فقالوا (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا). ورد على لسان ابني آدم (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) المائدة) يا للفضيحة والخزي والعار هذا الغراب فكّر أحسن مني. (يا ويلنا) هي ويل هلاك (ويل للمصلين) هذا للهلاك. إذن ويل للهلاك وويلة للفضيحة والخزي هذا في اللغة. ويلة تأتي يا ويلتى أو يا ويلتي أو يا ويلتنا للجمع. ويل تأتي ويل.
* (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (50) الكهف) هل (كان) هنا بمعنى صار؟(د.فاضل السامرائى)
((1/46)
كان) تأتي لمعاني كثيرة طويلة وليست بالبساطة التي يأخذها الطلبة. قد تأتي للإنقطاع كأن تقول (كان نائماً، كان في البيت) أمر حصل وإنقطع. وقد تأتي بمعنى الوجود على الأصل أي هو هكذا (وكان الإنسان عجولا) هذا ليس انقطاعاً، لم يكن عجولاً ثم صار عجولاً، يقولون هو بمعنى الوجود على الأصل أي هكذا وُجِد. (كان من الجن) أي هكذا خُلِق على الأصل. في النحو هناك (كان) تامة و (كان) ناقصة. (كان من الجن) ناقصة تحتاج لإسم وخبر. (كان) بحد ذاتها عند النُحاة فيها كلام طويل: "ما كان ليفعل، ما كان له أن يفعل"، فيها استعمالات خاصة بقية الأفعال لا تشابهها. أما (كان) تأتي تامة (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) ربنا يقول له صِر فيصير. (وإن كان ذو عسرة) بمعنى إن وُجِد. (كان) التامة بمعنى وُجِد لا تحتاج لإسم أوخبر (وذو تمام) وإنما تحتاج لفاعل.(إلا إبليس كان من الجن) هنا ليست بمعنى صار وإنما هو في أصل خلقته من الجنّ.
آية (54):
*ما الفرق بين قوله تعالى (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) الإسراء) وقوله (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) الكهف)؟(د.فاضل السامرائى)(1/47)
قدم (للناس) على (في هذا القرآن) في الإسراء وأخّرها في الكهف وذلك لأنه تقدم الكلام في الإسراء على الإنسان ونعم الله عليه ورحمته به فقال (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) ) إلى أن يقول (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) ) فناسب تقديم الناس في سورة الإسراء.
ولم يتقدم مثل ذلك في سورة الكهف. ثم انظر في افتتاح كل من السورتين فقد بدأ سورة الكهف بقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) ) فقد بدأ السورة بالكلام على الكتاب وهو القرآن ثم ذكر بعده أصحاب الكهف وذكر موسى والرجل الصالح وذكر ذا القرنين وغيرهم من الناس، فبدأ بذكر القرآن ثم ذكر الناس فكان المناسب أن يتقدم ذكر القرآن على الناس في هذه الآية كما في البدء.(1/48)
وأما في سورة الإسراء فقد بدأت بالكلام على الناس ثم القرآن فقد بدأت بقوله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ (1) )ثم تكلم على بني إسرائيل ثم قال بعد ذلك: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) ) فكان المناسب أن يتقدم ذكر الناس فيها على ذكر القرآن في هذه الآية وهذا تناسب عجيب بين الآية ومفتتح السورة في الموضعين.
ثم انظر خاتمة الآيتين فقد ختم آية الإسراء بقوله (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) ) والكفور هو حجد النعم فناسب ذلك تقدم ذكر النعمة والرحمة والفضل ألا ترى مقابل الشكر الكفران ومقابل الشاكر الكفور قال تعالى (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) الإنسان) فكان ختام الآية مناسب لما تقدم من السياق. أما آية الكهف فقد ختمها بقوله (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) ) لما ذكر قبلها وبعدها من المحاورات والجدل والمراء من مثل قوله تعالى (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ (34) ) وقوله (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ (37) ) وبعدها (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ (56) ) وذكر محاورة موسى الرجل الصالح ومجادلته فيما كان يفعل. وقال (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا (22) ) ولم يرد لفظ الجدل ولا المحاورة في سورة الإسراء كلها. فما ألطف هذا التناسق وما أجمل هذا الكلام!.
آية (57):(1/49)
* ما الفرق بين الآيتين (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا (22) السجدة)؟ (د.فاضل السامرائى)
نقرأ الآيتين حتى يتبين لنا سبب الاختلاف: آية الكهف (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57))، آية السجدة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22)) بعدها (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)) نحن نعرف من القواعد النحوية اللغوية أن الفاء تفيد الترتيب والتعقيب لا تراخي في الزمن و(ثم) تفيد الترتيب والتراخي (يعني مهلة من الزمن). معنى هذا أن وقوع الإعراض في آية الكهف أسرع منه في آية السجدة لأنه قال ذُكِّر فأعرض وهناك قال ذُكِّر ثم أعرض، إذن معنى ذلك أن الإعراض في آية سورة الكهف وقوعه أسرع هذا من حيث اللغة. ما الموجب لذلك؟ هو ذكر في آية الكهف أموراً تسرع في إعراضه لم يذكرها في آية السجدة، الإعراض واقع في عقب التذكير فقال: (ونسي ما قدمت يداه) (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) (وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً) هذا كله مما يسرع في إعرضاهم، لم يقل هذا في السجدة ولم يذكر دواعي تُسرع في إعراضه كما ذكر في آية الكهف إذا قلنا لأي متخصص في اللغة ضع الفاء وضع ثم سيضعها في مكانها كما هي في القرآن الكريم، قانون تعبيري.(1/50)
*(وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (17) الجن) مرة يذكر الإعراض عن ذكر الله ومرة يذكر الإعراض عن الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) فهل هنالك فرق بين الإعراضين؟ (د.فاضل السامرائى)
الذكر في الغالب (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (17) الجن) يعني عن عبادته أو عن وحيه لكن الذِكر هو عام، (عَن ذِكْرِ رَبِّهِ) عن الوحي ولاحظنا أنه يذكر أحياناً (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (124) طه) وأحياناً يذكر الآيات لكن من الملاحظ أنه لما يذكر الإعراض عن الذكر تكون العقوبة أشد، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) الذكر بمعنى الوحي، عن ذكري أي عن وحيي. الآيات ليست هي القرآن كله لو هنالك ثلاث آيات هي جمع لما يقول (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) لا يشمل كل القرآن فالذكر أعمّ من الآيات (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص) و(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ (44) الزخرف) الذكر أعم والآيات جزء من الذكر.(1/51)
الذكر له معاني لكن (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي (124) طه) يعني إما عن العبادة أو عن الوحي الذي جاء به الرسول والآيات قد تكون قسم من الذِكر والذي لاحظناه أنه لما يتكلم عن الإعراض عن الذِكر تكون العقوبة أشد يعني قال في الإعراض عن الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) الكهف) ما عقوبة هؤلاء؟ لم يذكر العقوبة، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22) السجدة) ما نوع هذا الإنتقام؟ لم يذكر. لكن قال (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) طه) هنا فصل في العذاب، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه) هذا تفصيل العذاب، (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) الجن) ولم يقل في الآيات مثل هذا التهديد. إذن لما يذكر الإعراض عن الذكر يذكر العقوبة أشد وهذا منطقي لأن الذكر أعم والآيات جزء من الذكر.(1/52)
سؤال: إذا قرن العذاب بالجزء ينطبق على الكل لكن لما يقرن العذاب بالكل فهل ينسحب على الجزء؟
هو ذكر ما يتعلق بالإشارة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) هذا جزء من الذكر، الآيات جزء من الذكر فعندما يذكر الإعراض عن الذكر هل يجعله من المناسب أن يذكره كالإعراض عن آية واحدة؟ هل الإعراض عن الشريعة كلها كالإعراض عن جزئية من الشريعة؟ لا، هل العقوبة واحدة؟ لا، هل يصح أن تذكر العقوبة واحدة مع الإعراض عن الكل والإعراض عن الجزء؟ لا. لو فعل هذا لسألنا كيف يكون الإعراض عن الجزء كالإعراض عن الكل؟
قصة موسى عليه السلام و العبد الصالح: (60-82)
*د.عمر عبد الكافى :
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم :
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)الكهف)(1/53)
وهذه هى قصة تلك الآية الكريمة و ما تلاها من آيات فى سورة الكهف كما جآت فى صحيح البخارى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ نَوْفاً الْبِكَالِىَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ . فَقَالَ : كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « قَامَ مُوسَى النَّبِىُّ خَطِيباً فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَسُئِلَ أَىُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ . فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : أَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِى بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ . قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ ؟ فَقِيلَ لَهُ : احْمِلْ حُوتاً فِى مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهْوَ ثَمَّ ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، وَحَمَلاَ حُوتاً فِى مِكْتَلٍ ، حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءوسَهُمَا وَنَامَا ، فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ الْمِكْتَلِ ( القفة الكبيرة ) ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ سَرَباً ، وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَباً ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمِهِمَا فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ : آتِنَا غَدَاءَنَا ، لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً ، وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِى أُمِرَ بِهِ .(1/54)
فَقَال لَهُ فَتَاهُ : أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ ، قَالَ مُوسَى : ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِى ، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً ، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ - أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ - فَسَلَّمَ مُوسَى . فَقَالَ الْخَضِرُ : وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا مُوسَى . فَقَالَ : مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِى مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا؟ قَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً ، يَا مُوسَى إِنِّى عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لاَ أَعْلَمُهُ . قَالَ : سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ، وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا ، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا ، فَعُرِفَ الْخَضِرُ ، فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ( أجر ) ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِى الْبَحْرِ . فَقَالَ الْخَضِرُ : يَا مُوسَى ، مَا نَقَصَ عِلْمِى وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِى الْبَحْرِ . فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ . فَقَالَ مُوسَى : قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا ؟ قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ؟ قَالَ : لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ . فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَاناً .(1/55)
فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاَهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ . فَقَالَ مُوسَى : أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ ؟ قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ؟ - قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : وَهَذَا أَوْكَدُ - فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ . قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ . فَقَالَ لَهُ مُوسَى : لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ » . قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا » .
بعد عرض هذه القصة الرائعة و التى أمدنا الله الكريم فيها بالكثير من الدروس و العبر و نلاحظ فيها عدم صبر سيدنا موسى عليه السلام بعد أن تعهد و قال سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ، وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا ،كذلك عدم صبر سيدنا الخضر علي سيدنا موسى بعد أن أخذ منه العهود و المواثيق بعدم السؤال فما لبث أن قال له بعد أن سأله سيدنا موسى عليه السلام عن تفسير أعماله ثلاثة مرات : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ والآن بعد أن أخذ عليك الله الكثير من العهود و المواثيق و تفضل عليك بالكثير الكثير من النعم و تعصاه و تعصاه بعد ذلك بعد أن قلت مراراً و تكراراً وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا ثم تتوب إليه فهل فى أى مرة من مرات عصيانك لله و عدم إلتزامك شرعه و أوامره قال الله لك : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ لم يحدث أبدا سبحانك ربنا ما أرحمك بنا و صبرك علينا مع تقصيرنا.(1/56)
هذه اللفتة الجميلة ذكرها الشيخ الجليل / عمر عبد الكافى فى برنامج هذا ديننا على قناة الشارقة.
* د.فاضل السامرائى :
هو الخَضِر (بفتح الخاء وكسر الضاد) من خَضِراً نسبة إلى اللون الأخضر. في هذه القصة التي ذكرها ربنا قصة سيدنا موسى مع الرجل الصالح فيها دروس مستفادة مهمة منها أولاً أنه لا يبعد تعلم الأفضل ممن دونه في الفضل (الأفضل سيدنا موسى ومن دونه في الفضل الخضر) وهو يتعلم منه وموسى - عليه السلام - نبي رسول من أولي العزم، إذن ممكن لأحد العباد أن يعلم أكثر من الرسول ولكن في أمور أخرى وليس في عموم الرسالة المبلّغ بها، إذن لا يبعُد تعلم الأفضل ممن دونه في الفضل. ثم الرحلة في طلب العلم وإن لقي النصب في ذلك (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) الكهف) هذه رحلة في طلب العلم والصبر على ذلك وأن لا يتعجل النتيجة (قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) الكهف) إذن العلم يحتاج إلى صبر وإلى مشقة. ثم التواضع في سؤال المعلِّم (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)) السؤال في غاية التواضع مع أن المعروف عن سيدنا موسى - عليه السلام - القوة وأنه من أولي العزم وكليم الله تعالى، تواضع أمام العلماء وهذه إشارة مهمة أن نتواضع أمام علمائنا، التواضع في سؤال العلماء. ثم قال له (مِمَّا عُلِّمْتَ) لم يقل على أن تعلمني ما عُلّمت وإنما بعضاً مما عندك (مِمَّا عُلِّمْتَ) (من) للتبعيض، ليس ما عُلّم يكتفي بأنه يعلّمه مما عنده من العلِم.(1/57)
ثم قال (هَلْ أَتَّبِعُكَ) ولم يقل أتبعك للدلالة على الحرص وشدة المتابعة (افتعل) فيها حرص وفيها جدة مثل جهد واجتهد مثل كسب واكتسب المبالغة في الاجتهاد والمبالغة في الاتّباع (هَلْ أَتَّبِعُكَ) إذن هو حريص على التعلم شدة المتابعة، الاجتهاد في المتابعة ليس كيفما كان الأمر وإنما حريص على المتابعة. ثم قال (تُعَلِّمَنِ) ولم يقل أتعلم أو أستفد يريد أن يكون هو شيخه في مقام المعلم والتلميذ لم يقل أتبعك لأستفيد فقد لا يعلم كل شيء بالإتباع فالأمر يحتاج إلى شرح وتوضيح وبيان، إذن هذا تواضع آخر أن يجعل من نفسه تلميذاً وهذا معلِّم. ثم قال (عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ) يعني ليس له غرض غير طلب العلم ليس له غرض آخر لا مال ولا جاه ولا دنيا، لهذا الغرض، (عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ) هذا شرطه. (على) هنا تفيد تحديد المطلوب بالضبط مثلاً يقال زوّجته ابنتي ليعينني هذا يعني أنه يأمل، أما لو قيل زوّجته ابنتي على أن يعينني هذا شرط. (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) الإتباع للعلم وليس لي غرض آخر وهذا الإخلاص في طلب العلم. ثم نلاحظ أنه يحسُن بالمعلِّم أن ينبه على مريد التعلم ما لا خبرة له به، أن عليه أن يصبر حتى النهاية ولا يتعجل (قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)) المعلِّم يحسن به أن ينبه المريد قد أفعل ما لا خبرة لك به فانتظر النتيجة حتى تتعلم ولا تتعجل. ثم فيه تواضع المتعلم وأدبه في الطاعة فقال (وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) هذا تواضع آخر وأدب في الطاعة. في هذه القصة فيها تعليم الله لعباده أن له أسراراً خفية في هذه الحياة وأن لا يحكم على الظاهر دوماً فإن من حكمة الله ما يخفى على مقربيه أحياناً وفي الحياة أسرار لا نستطيع أن نعلمها كلها حتى على المقربين والرسل.(1/58)
وأن الله تعالى قد يعلم بعضاً من عباده ما يخفى على الآخرين وإن كانوا أفضل منه (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) يوسف). نلاحظ أن الشيطان قد ينسي العبد ما فيه مصلحة له (وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ (63)) ليزداد نصباً وتعباً وليترك ما سعى إليه من خير، يُتعبه لعلّه ينصرف عن هذا الخير، لعلّه يتعب أو لعله يملّ أو يرجع فالشيطان قد يُنسي (وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ). ثم الطاعة في المعروف للمعلِّم (وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)) طاعة في المعروف. والنسيان يقع لعباد الله عموماً حتى الرسل فقال (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ (73)).
سؤال: لكن الله تعالى قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى (6) الأعلى)؟
هذا في القرآن لكنه - صلى الله عليه وسلم - سها في الصلاة.(1/59)
وحسن الإعتذار والأدب إذا أخلّ التلميذ بشيء فعليه أن يعتذر (وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)). ثم القصة تدل على أن الأنبياء لا يعلمون الغيب وإلا فلماذا خفيت على موسى - عليه السلام - مما كان يتعجب؟ هناك أموراً علمها الله تعالى بعض الناس. ثم لا ينبغي للمعلم أن يهجر تلميذه ويتركه لأنه عصاه مرة واحدة وإنما يضع له فرصة أخرى لتدارك الأمر والالتزام بالتوجيه. هذا الالتزام كان فيه حدة بعض الشيء وتدرّج بعدما نبهه أولاً. ثم كل أفعاله سبحانه إنما هي لحكمة وهي لصالح المؤمن على العموم. ثم فيها توجيه للأبوين أن لا يجزعا إن أصابهم أو أصاب أولادهم بالسوء حتى الموت أو نحو ذلك لعل في ذلك خيراً خفياً لهم لأنه عندما قتل الغلام كان لمصلحة الأبوين (فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)) قتل الغلام من قِبَل الرجل الصالح كان فيه رحمة للأبوين. يجب أن نفهم الأمر من وجهة نظر حكمة إلهية عامة فعليه أن يصبر ويقول لعل في ذلك حكمة أو لعل في ذلك أمر. ثم هنالك فعل الخير حتى مع من لم يحسن إليك ما استطعت (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ (77)) إذن قد يأتي الإنسان إلى مكان فلا يحصل ما كان يتوقعه ويرجوه من الإعانة (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا (77)). ثم يحسن تبين ما خفي على المتعلِّم ثم أن يتأدب في التعبير فينسب السوء إلى نفسه الفضل إلى الله (فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا، فَأَرَدْنَا، فَأَرَادَ رَبُّكَ). ثم النسيان يرفع المؤاخذة (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ (73)).(1/60)
والأحكام مبنية على الظاهر بمعنى نحن لا نعرف البواطن لكن إذا قتل أحدهم آخر نحن نحاسبه فالحكم على الظاهر بالنسبة لنا وهذا كان دور سيدنا موسى - عليه السلام - تعجب من خرق السفينة وقتل الغلام لأن الأحكام مبنية على الظواهر والبواطن لله سبحانه وتعالى.والذي استبان لي أن القرآن الكريم يستعمل المجيء لما فيه صعوبة ومشقة، أو لما هو أصعب وأشق مما تستعمل له (أتى).
* اللمسات البيانية في آيات سورة الكهف في قصة موسى مع الرجل الصالح أو الخِضر: (د.حسام النعيمى)
الخضر أو الرجل الصالح ورد في الحديث أن إسمه الخِضْر قال بكسر الخاء وسكون الضاد وهذا هو الأفصح. وقد وجدت بين أيدينا مجموعة من الأسئلة تتعلق بهذه القصة فرأيت أن أبدأ بها ونمر على هذا السؤال.
تبدأ الآيات بقوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)
*أولاً لِمَ قال (فتاه)؟ ما المقصود بالفتى؟
أصل القصة كما تذكرها الأحاديث الصحيحة أن موسى - عليه السلام - سُئل عن أعلم من في الأرض أو عن العلم فقال أنا فقيل له أنت لا تعلم كل شيء، أوحى الله سبحانه وتعالى إليه أن علمك جزء من العلم وليس كل العلم فأراد أن يربّيه التربية الإلهية بالتطبيق أن يعلم أن هناك حيّزاً من العلم لم يُمنَحه وهو علم الغيب. أنت تعلم العلم الظاهر، علم الشرع. فوعده .في مكان خذ معك سمكة أو حوتاً في مِكتل وتذهب به إلى مجمع البحرين وهناك سيذهب الحوت، في المكان الذي سيذهب فيه الحوت ستجد الرجل الذي وعدتك به. هذه هي القصة. (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) كان في هذا بيان لفتاه أنه قد يمضون زمناً طويلاً في رحلتهما. الآية لا تقول لنا إن الفتى وافق لكن المفهوم ضمناً من قوله تعالى (فلما بلغا مجمع بينهما) أنه كان معه.(1/61)
أولاً كلمة (فتاه) هذه لمسة من القرآن الكريم في الوقت الذي كان هناك عبودية وتبعية الإنسان يكون تابعاً لغيره. الرسول - صلى الله عليه وسلم - ينهى أن يقول المرء عبدي أو أمتي وإنما يقول فتاي وفتاتي الفتى كأنه إبن. فكأن هذه لمسة إنسانية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو رسول البشرية ورسول الإنسانية جميعاً. لا يقال خادمتي، عبدتي، عبدي، أمتي وإنما فتاي وفتاتي حتى هو الشخص العامل يحس بقيمته الإنسانية عند ذلك. فالقرآن يذكر هذا الكلام حتى يؤدّب قُرّاء القرآن كيف يتعامل مع الناس.
(لا أبرح حتى) هذه كلمة تقال لبيان الإصرار على الشيء: لا أبرح حتى أفعل كذا أي سأستمر على جهدي إلى أن أفعل هذا الأمر.
(مجمع البحرين) هو مكان يجتمع فيه بحران مع مراعاة أن العرب تسمي النهر الكبير بحراً: النيل في لسان العرب بحر، والفرات في لسان العرب بحر ودجلة في لسان العرب بحر. لكن لما يأتي إلى الأنهار الصغيرة يقول نهر. قد يسميه نهراً أو قد يسميه اليمّ وقد يطلق اليم على البحر أو على النهر الكبير. هناك إذن نقطة إلتقاء أو قد تكون نقطة إفتراق لأن المكان الذي يجتمع فيه فرعان. الإنسان يمكن أن يتخيل ما شاء الله مع مراعاة المكان الذي عاش فيه موسى - عليه السلام - : هو عاش في في مصر، فلسطين وسيناء. لكن ليس فيه فائدة وما عندنا دليل على وجه التحديد أنه هذا لكن هناك مؤشرات لما يقول مثلاً: السفينة وجاء عصفور فنقر نقرة في الماء معناه أن الماء حلو لأن العصفور لا ينقر من ماء مالح فهو إذن ماء حلو أو في الأقل ماء مخلوط. لا نطيل أين هذان البحران؟ لا فائدة من ذلك.
((1/62)
أو أمضي حقبا) الحقب جمع حِقبة والحقبة هي مدة من الوقت قسم يقول سنة وقسم يقول ليس لها وقت محدود كأنه يقول سأمضي إلى ما لا نهاية أى أوقاتاً أو دهوراً أو زماناً مفتوح. (لا بثين فيها أحقابا) أي أزمنة طويلة قد لا تكون محسوبة. هذا حتى يُعلِم الفتى بما ينتظره حتى لا يُغش أنه المكان قريب وتأتي معي. لا، وإنما هناك مرحلة طويلة سأسلكها، فيه نوع من التخيير إن شئت أن تمضي معي وإن شئت فلا. هذا الإصرار ينبغي أن يعلمه المصاحِب له. لا ينبغي أن يخدعه أو أن يغشّه، هو معه يخدمه، إذن ينبغي أن يعلم من معك أين تريد.
* لماذا قال بينِهما وما قال بينَهما؟
(مجمع بينِهما): كلمة بين بكسر النون تشير إلى المساحة التي إجتمع فيها البحران.لكن هذه المساحة تابعة لكلا البحرين لأن يكون هناك إختلاط بين مياه البحرين، فهو بينٌ لهذا وبينٌ لهذا فجمعه بكلمة بينِهما.. لما نرجع إلى أصل كلمة البين هي بمعنى البِعاد والمفارقة ومنه قول الشاعر في مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول). معنى الفصل أن يكون فاصلاً.هذا الفاصل جعله للبحرين لأن كل واحد منهما له جزء منه لأن هذا ماء والماء يختلط حتى إذا كان ملح وحلو يكون هناك منطقة مختلطة سماها القرآن الكريم (برزخ) هذا البرزخ منطقة الإجتماع بينهما، هناك فاصل منطقة مختلطة (بينهما برزخ لا يبغيان) لا يكون هناك خلطٌ كامل.
((1/63)
مجمع بينهما) جعل البين واحداً وفي مكان آخر جعله بينين (هذا فراق بيني وبينك) جعل لكلٍ بيناً لكن هنا جعل بيناً واحداً. ليس من السهل أن تفصل بين هذا عن بين ولذلك جاءت على هذه الصيغة. لهذا نقول كل كلمة في القرآن هي في موضعها في كتاب الله عز وجل.(نسيا) لماذا إستعمل التثنية في النسيان؟ ممكن إذا جاء إثنان تابع ومتبوع أن المتبوع يتكلم بإسم الإثنين: ذهبنا أنا وهذا، هو يتكلم بإسمه لكن يبدو هنا أن النسيان بمعنيين: موسى - عليه السلام - نسي والفتى نسي لكن نسيان موسى - عليه السلام - غير نسيان الفتى. موسى - عليه السلام - يعلم أن لُقياه لهذا الرجل يكون عن طريق ذهاب الحوت فلما أمضيا الليل في هذا المكان عند الصخرة ويُفترض أنه في الصباح قبل أن يغادر أن يسأل عن الحوت هل بقي أو ذهب لأن علامة لقياه أن يذهب الحوت في البحر مع أن الحوت كان مشوياً وأكلا منه في الطريق، هذه معجزة. فنسيان موسى - عليه السلام - نسي ليس بمعنى حدث شيء ولم يتذكره وإنما غفل عن ذكره أو أهمله، نوع من إهمال الشيء كما قيل في القرآن الكريم (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى) أي أهملتها.أما نسيان الفتى أنه وموسى - عليه السلام - نائم، هو رأى عجباً رأى هذا الحوت يقفز من المِكتل وهو مشوي ومأكول منه يقفز إلى الماء ويمضي في الماء بشكل سريع بحيث يكوّن (سربا) الرسول - صلى الله عليه وسلم - حلّق بين أصابعه ? يعني صنع نفقاً من الماء بسرعة بحيث صار الماء نتيجة سرعته كأنه نفق وهذا معنى سرب نفق الماء، وهذا لا يُنسى. فإذن هذا الحادث وقع وكان ينبغي لما يستيقظ موسى - عليه السلام - أن يحدّثه الغلام بما حدث لأنه أمر عظيم لكنه نسي وغاب عنه. فنسيان موسى - عليه السلام - غير نسيان الفتى لكن كلاهما نسي وكلٌ نسي بما يناسبه من النسيان.
((1/64)
فلما جاوزا ) مضيا ويبدو أنهم مشيا مسافة وظهر عليهما التعب في أوائل شروق الشمس لأن الغداة في اللغة هو غير ما نستعمله نحن الآن(وقت الظهيرة) ولكن ما بين الفجر وشروق الشمس.الغداء أول وجبة يتناولها العربي في وقت الغدوة بين الفجر وشروق الشمس (بالغدو والآصال). الغداء قبل أومع شروق الشمس. الإفطار يكون بعد الصيام. فقال (آتنا غداءنا) معناه هو خرج بعد الفجر أو قبيل الفجر لا ندري المهم ناما وقتاً أو بعضاً من الليل ثم سارا إلى أن أُنهِكا فقال نأكل هذا الأكل. (آتنا غداءنا) تذكر الفتى. أُنظر كيف يعلمنا القرآن الرقة مع الناس مع أنه متعب لم يفقد أسلوب الرقة والمجاملة مع فتاه: كما يقول له يا ولدي إتنا بالطعام. فالفرق بين آتنا وأعطنا: العين والألف والألف هو مجرد هواء يهتز معه الوتران فيكون ألفاً، العين حرف حلقي ومجهور يهتز معه الوتران وله مخرج معيّن فأقوى. فالعين أقوى من اللام ولذلك لما تكلم عن شيء قوي قال (إنا أعطيناك الكوثر) الكوثر شيء عظيم فاحتاج الحرف القوي لكن آتنا فيها نوع من الرقة واللين. (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) هذا مؤكد أنه ظهر عليه التعب الشديد بوجود اللام و(قد): (قد للتحقيق واللام للتأكيد) كأنه قَسَمٌ محذوف: والله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا). (نصبا) النصب هو أشد التعب. هذا كلام موسى - عليه السلام - أنه تعب.(1/65)
الآن تذكر الفتى فقال (أرأيت) كلمة أرأيت صيغتها صيغة سؤال وحقيقتها تعجيب. يعجّبه من هذا الشيء. أرأيت إلى كذا؟ بمعنى إعجب من أمري.مثل: (أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى).(أرأيت الذي يكذب بالدين). لأنه سيذكر له أمراً عجباً. لما يقول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الشريف "فاظفر بذات الدين تربت يداك" تربت يداك في المعجم تعني تعفّرت يداك بالتراب ولكنها في الحديث تعنى ربحت وفُزت. ولذلك نقول دائماً أن الذي يحكم هوالسياق. (أوينا إلى الصخرة) إحتميا بصخرة وناما. (فإني نسيت الحوت) هذا النسيان الحقيقي هو لم ينسى الحوت وإنما نسي أن يخبر موسى - صلى الله عليه وسلم - بأمر الحوت، فيها إختصار. هل كان الفتى يعلم أن العلامة ذهاب الحوت.؟ لا بد أنه أخبره بالأمر لأنه ما دام السفر طويلاً ولا يعلم مداه فلا بد أن يكون موسى قد أعلم فتاه بهذه الدلالة من دلالة قوله (أو أمضي حقبا) فأنت تستطيع أن تتخلى عني وتقول أن هذا الشرط لا أستطيعه. و نسب النسيان لنفسه نوع من الأدب لأن موسى - عليه السلام - أيضاً نسيه. لم يقل الفتى: أنت تسألني عنه لأن الموعد عند ذهاب الحوت في الماء ونحن نمنا عند الماء فكان تسألني، لكن نسبه لنفسه نوع من التأدب.
(وما أنسانيهُ):جمهور العرب قالوا أنسانيهِ (13 راوياً قرأها إنسانيهِ). المصحف الذي بين أيدينا برواية حفص وحفص قرأ أنسانيهُ.الضمة قطعاً أثقل الحركات أثقل من الكسرة فلما كان الأمر ثقيلاً : نسيان سمكة مشويةمأكول منها تدخل في البحر بهذه الصورة ويُنسى بهذا الشكل شيئاً ثقيلاً فجاءت الضمة، إستخدموا الحركة الثقيلة للإخبار عن أنسانيهُ. فناسب ثِقل الضمة ثِقل الواقعة.هذه أندر حالات النسيان فجاء بأندر حالات التعبير لأندر حالات النسيان.
هذا شيء عجيب.(أنسانيهُ) مبني على الضم وكُسِر للمجانسة وننظر في مكانه من الإعراب في محل نصب مفعول به.(واتخذ سبيله فى البحرعجبا) ذكر التعجب هنا.
((1/66)
ذلك ما كنا نبغِ): يعني هذا الذي وقع من أمرالحوت هو الذي كنا نبغيه. (نبغِ) يفترض أن يكون فيها ياء: بغى يبغي. الياء هنا في الخط حُذِفت مع أن كُتّاب المصحف أثبتوها في موضع آخر(ستجدني، ولا أعصي). كذلك (تعلّمنِ) حذف الياء. فهنا اختلس الياء أى إختصرها ، لم يشبعها وهكذا قرأها الرسول - صلى الله عليه وسلم - .وهنا هو مستعجل على الرجعة يريد أن يعود إلى هذا الرجل فإختصروأسرع في الكلام(نبغِ فارتدا) على سرعة فناسبها سرعة نطق الكلمة بعدم إشباع للياء لأن معناها واضح وهو نوع من الإختصار.
(على آثارهما قصصا) يقصّان الأثر يتتبعانه حتى لا يضيعا،هما رجعا إلى الصخرة فوجدا الرجل. لم يذكر القرآن من أين جاء الرجل؟ أهو نبي مرسل؟ ملك؟ ما ذكر لنا شيئاً.
*صفات الرسول في القرآن (رحمة للعالمين) وصفات العبد الصالح في سورة الكهف (وآتيناه من لدنا رحمة) فما الفرق ؟
الرجل الصالح (آتيناه رحمة من عندنا) أُعطي رحمة وعلماً والرسول وُصِف بأنه (بالمؤمنين رؤوف رحيم) أعطاه الله عز وجل صفتين من صفاته أكرمه بهما(رؤوف ورحيم) فهو رحمة للعالمين أى كله رحمة ورأفة بخلاف العبد الصالح أُعطي من الرحمة والعلم.أن يُعطى الإنسان شيئاً غير أن يكون إنسان آخرهوالشيء كله هناك فارق.
* (((((((((((ما الفرق بين (رحمة منا) و(رحمة من عنده)؟
في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر.(1/67)
رحمة منا: عامة مثل قوله تعالى (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) يس)و(فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (49) الزمر)عامة،(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) عامة.
(من عندنا): يستعملها خاصة قال على سيدنا نوح (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِه (28) هود)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف) (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء). حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا)، يستعمل (منا) عامة و (نعمة من عندنا) خاصة.
* النبي واحد والرب واحد وأحياناً الموقف واحد ولكن قد يتغيرالسياق فلماذا هذا التغير؟
هل حصل تناقض رحمة منا أو رحمة من عندنا؟ من أين الرحمة؟ الضمير عائد على الله سبحانه وتعالى إذن ليس هناك تناقض لكن الاختيار بحسب السياق، اختيارالمفردات بحسب السياق لاتتناقض القصتان لكن اختيارالكلمات بحسب السياق الذي ترد فيه.
*ما الفرق بين الرأفة والرحمة ؟(1/68)
الرأفة أخصّ من الرحمة والرحمة عامة. الرأفة مخصوصة بدفع المكروه وإزالة الضرر والرحمة عامة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا (65) الكهف) ليست مخصوصة بدفع مكروه. تقول أنا أرأف به عندما يكون متوقعاً أن يقع عليه شيء. الرحمة عامة (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (48) الشورى) فالرحمة أعمّ من الرأفة. عندما نقول في الدعاء يا رحمن ارحمنا هذه عامة أي ينزل علينا من الخير ما يشاء ويرفع عنا من الضر ما يشاء وييسر لنا سبل الخير عامة. ))))))))))(د.فاضل السامرائى).
* ما الفرق بين (من عندنا) و(من لدنا) في سورة الكهف ؟وما الفرق بين عباد وعبيد؟
(فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا علما): في الحديث الشريف أن اسمه الخِضْر. سنقف عند كلمة عبد، عباد، عندنا، لدنا كلها فيها لمسات:
كلمة عبد في اللغة تعني إنساناً سواء كان مملوكاً أو حُرّاً.(عبداً) ما قال بشراً أو إنساناً لأنه يريد أن يربطه بالعبودية لله تعالى وهي أسمى المراتب للبشر كما قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) في أروع المواطن سمّاه عبداً. جمع عبد: عبيد وعباد. كان يمكن أن يقول عبيدنا لكن جرى إستعمال الناس كلمة عبيد للمملوكين وعباد لعباد الله. والله سبحانه وتعالى يريد أن يُكرم هذا الإنسان فاستخدم له كلمة عباد (عبادنا). وهذا يعطينا إهتمام القرآن الكريم لإستعمال الناس. كلها في الأصل جمع لكلمة عبد الذي هو إنسان ويمكن أن يكون مملوكاً. كلمة عباد من الدرس الصوتي فيها ِعزة وشموخ والياء في عبيد فيها إنكسار وخضوع وهبوط. كان العرب يدركون هذا لأن هذه لغتهم ولذا وقفوا عاجزين أمام القرآن الكريم،.(عبداً من عبادنا) إكراماً له أنه من عبادنا.
((1/69)
آتيناه) الإيتاء غير الإعطاء لأن فيها رفق وتلطف ولين. آتي وأعطى متقاربة في المعنى لكن العين أقرب من الهمزة التي آلت إلى ألف في آتى أصلها أأتى مثل أأدم صارت آدم يقولون نقلت الحركة إلى الهمزة التي قبلها وحُذِفت أو قُلِبت ألفاً ولكنها في الحقيقة أسقطت الهمزة ومدّ الصوت بالحركة التي قبلها فصارت ألفاً.
(آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما)) كلمة عند ولدن معناهما متقارب لكن هناك فرق دقيق في اللغة: لدن أقرب من عند وفيها قرب مكاني. قد تستعمل (عند) للشيء البعيد: يقال عندي مال والمال يسرح في البرية، وتقول عندي إبل لكن لا تقول: لدني إبل.والفرق بين عند ولدن في مسافة القرب من المتكلم.عندما نتكلم عن الله سبحانه وتعالى يُنزّه في مسألة المكان لكن تكون مسألة القرب معنوية. قرب (عند) غير قرب (لدن) لذلك قال موسى (قد بلغت من لدني عذرا) أي من أعماقي. لم يقل من عندي لأن لدن أقرب. (رحمة من عندنا) الرحمة واسعة ممدودة فاستعمل لها (عند). (من لدنا علما) لأنه علم الغيب خاص بالله والغيب لدنه سبحانه وتعالى. ولا يقال عنده. في غير القرآن يمكن أن نقول (من عندنا علما) لكن كلمات القرآن الكريم غير. أما الرحمة شاملة واسعة ولو عكس لا يستقيم المعنى لأن الرحمة ليست خاصة بالخِضْر وإنما هي عامة: موسى يدخل فيها وغيره من البشر يدخل فيها. أما علم الغيب فخاصٌ بالخِضْر أوحاه الله سبحانه وتعالى إليه و علّمه اياه ولم يكن علمه.
*ما هو العلم اللدُّنّي (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف)؟(1/70)
العلم اللدني هو مصطلح للمتصوفة يستعملونه بينهم ويشيرون بذلك الى أن هذا الصوفي أو هذا المتصوف بلغ من مراتب التقرب الى الله سبحانه وتعالى والانصراف اليه أن الله تعالى أطلعه على علم لم يطلع عليه غيره. وهم يبنون هذا على ما جاء في سورة الكهف في قصة موسى - عليه السلام - مع صاحبه الرجل الصالح الذي ارسله الله تعالى الى موسى - عليه السلام - والشيطان في كثير من الأحيان يدخل الى الانسان ويوحي له بأشياء بحيث يظن أنه وصل من أجلها الى العلم اللدني أو العلم الذي لم يعطى الى الآخرين حتى الى الأنبياء وبعض الصوفية يصل بهم الحال الى هذا الحد إذا لم يكن عارفاً بالشريعة (وهناك قسم يفرقون بين الشريعة والحقيقة) وبعضهم قد يستزله الشيطان بحيث يعطّل عباداته فيتوقف عن العبادة بحجة أنه وصل الى درجة لا يحتاج للعبادة لأنه عنده علم لدني هذا بالنسبة للمصطلح. وكلمة لدني (من لدن الله تعالى) أي أن هذا العلم من عند الله تعالى وليس من الكسب الشخصي ويقال لدني أي من لدن الله كلمة لدني منسوبة الى لدن الله تعالى عز وجل (والياء ياء النسب).
*(((((((د.أحمد الكبيسى :(1/71)
عندنا الآن الفرق بين (عِنْدَهُ) و (مِنْ لَدُنْهُ) أنا أقول أعطيتك مما عندي وأعطيتك مما لدني. مما عندي أنا عندي ممتلكات في كل مكان عندي مواشي في المكان الفلاني وعندي مثلاً أراضي في المكان الفلاني ملكي واسع أنا ملك أنا أمير أنا شيخ أنا ثري أملاكي في كل مكان عندي كذا وعندي كذا الخ إذا أردت أن أعطيك مما عندي أقولك اذهب إلى بني فلان وخذ منهم مائة ناقة، اذهب إلى شركة السيارات واجعلهم يعطونك سيارة من ما عندي، أعطيك شقة من عندي خمس ست عمارات بنايات خذ لك شقة منهم، هذا كله أعطيتك مما عندي لاحظ هذا مما عندي. إذا كان الشيء بيدي عندي أنا أشياء خصوصية جداً أشياء خاصة للغاية لا أعطيها إلا لمن أحب هذا من لدني (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا {65} الكهف) وحينئذٍ أنت لاحظ الفرق (وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا {67} النساء) وانظر إلى هذه الآية (آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا {65} الكهف) الرحمة من عندنا الرحمة ثراء عطاء صحة عافية مُلك غنى من نعم الله الظاهرة والباطنة علينا جميعاً هذا من ملك الله الذي لا تحيط به العقول (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ{49} الشورى) هذا بالأسباب. إذا أعطاك الله من عنده بالأسباب عملك وزير سخّر قلب الملك لكي يجعلك وزيراً، أعطاك مالاً سخّر لك تجارة أو هدية أو عطاء من هنا وهناك وجعلك ثرياً هذا بالأسباب. إذا كان (من لدنه) بدون أسباب هو من عندي رأساً مباشرة. (أتيناه رحمة من عندنا) ورحمة الله في كل مكان المطر رحمة والمياه رحمة والأراضي رحمة كل ما في الكون هذه رحمات هي ملك الله عز وجل فإذا أعطاك ملكاً فهذا (من عنده) ليس مما هو في يده.(1/72)
الآن هذا لكي يبين لك ما الفرق بين أن يعطيك من عنده ومن لدنه معنى أنت عندما تكون من لدنه يعطيك مباشرة من دون أسباب لا بد أن تكون إما نبياً أو تكون قريباً من رب العالمين قرباً خيالياً. (آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا) والرحمة في ملك الله لا حدود لها في كل مكان. (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) لا يمكن لأحد أن يعلِّمك يعني علم الله لا يأتي بالأسباب يسمونه علم لدني بدون أسباب. أنت تتعلم بالأسباب تذهب إلى الجامعة إلى المدرسة الثانوية ابتدائية عند شيخ عند أستاذ يعلمك هذا يعلمك علماً لكن إذا كان من لدن الله من دون معلِّم (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) عن طريق شيخ عن طريق مُفَقِّه لكن قال نحن رب العالمين (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) بدون أسباب هكذا شيء (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا {5} مريم) لو قال هب لي من عندك كان تزوج واحدة تجيب أولاد وهذا من رب العالمين (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ {49} الشورى) الخ هذا من عنده، قال لك أنا كبير وزوجتي عاقر ليس من الممكن أن ننجب أولاد بدون أسباب أعطيني قال (مِنْ لَدُنْكَ) (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا). هذا الفرق بين من عندك ومن لدنك، من عندك بالأسباب سخّر لي أحد عبادك يعطيني، من لدنك مباشرة ورب العالمين قال (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ{90} الأنبياء) يا فلانة كن فيكون روحي احملي فحملت من دون أسباب. هذا الفرق بين (مِنْ لَدُنْهُ) و (عِنْدَهُ). )))))).
*هل ذهب الفتى مع موسى في الرحلة؟(1/73)
لم يذكر أن الفتى ذهب مع موسى - عليه السلام - والخِضر لأن صار الكلام بالمثنى (فانطلقا، فذهبا) ولم يقل فانطلقوا، معناه أنه إلى هذا الحد فتى موسى - عليه السلام - لم يعد معه وموسى - عليه السلام - صار كأنما هو فتى لهذا الرجل وهو التابع. لم يُذكر الفتى، من هنا تبدأ الآيات تُغفِل ذكره وصار لما يُتحدث عن هؤلاء الناس الذين ذهبوا في السفينة يتحدث بالمثنى.
*ما اللمسة البيانية في النفي القطعي (لن تستطيع) في الآية (إنك لن تستطيع معيَ صبرا) وفي (معيََ)؟
(قال له موسى هل أتبعك على أن تعلّمن مما علمت رشدا): هو يعلم أن له موعداً مع هذا الرجل وأنه سيتعلم منه لكن مع ذلك لم يقل له أنا عندي علم إني سأرافقك وهذا نوع من أدب التعلّم.(هل أتبعك) هذا السؤال المؤدب، يريد إذناً منه بالإتّباع مع أنه يعرف أنه سيتبعه ويكون معه وهذا أدب التعلم في الإسلام. وجعل من نفسه إبتداءً تابعاً بشرط أني أتّبعك وأخدمك حتى أتعلم وهذا التعلم هو الذي سار عليه سلفنا الصالح فينبغي أن يكون لدينا أدب التلمذة وأدب التعلّم.
((1/74)
على أن تعلمنِ) هذا الذي أريده لنفسي وإشترطه لنفسي، إذن موسى - عليه السلام - يعلم أن هذا الرجل معلَّم قد عُلِّم شيئاً لم يعلمه موسى - عليه السلام - فأريد أن أتعلم ما ُعِّلمت. (أن تعلمنِ مما علمت رشدا) ما يؤدي بي إلى الرشاد وقدّم الجار والمجرور للإهتمام به وللعناية بهذا الذي عُلِّمه لأنه حريص على العلم ويعلم أنه سيكون رشداً. هنا كلمة (تعلمنِ) هذه قراءة وعندنا قراءات أخرى (تعلمني) بالإشباع. نسأل أيضاً لمَ إختلس وقال: تعلمنِ؟ ليس هنا موضع سرعةولكن حتى يعطي صورة لمحاولة تضاؤل التلميذ أمام شيخه فما قال تعلمني أنا. قابل هذا الأدب أدب من المعلِّم في قوله تعالى (معيَ صبرا) ما قال معي بالمدّ لأنه وجده مهذباً مؤدباً يصغّر من نفسه فتواضع معه أيضاً. فضمير المتكلم هنا جاء مقتضباً لأن (معي) فيها مدّ، الياء مدية أما (معيَ) الياء ليست مدّية وإنما قيمتها قيمة حرف صامت ولذلك تحملت الحركة (معيَ) مثل الباء والكاف ومثل أي حرف فليس فيه ذاك المدّ. فهو إذن ناسب (تعلمنِ) (معيَ). هم يقولون الفتحة لتخفيف المدّ بدل أن يمدّ يخفف مدتها هكذا فيقول: معيَ. والقبائل تتصرف بما يناسب المعنى والصوت. والقرآن جاء بلسان القبائل تيسيراً من الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة بدعاء رحمة الأمة - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه وطلب أن يخفف عن أمته فلا يلزمهم بحرف واحد. وجاء هذا البيان من القبائل.
*من أين علِم الخِضر أن موسى لن يستطيع صبرا بحيث قال له (إنك لن تستطيع معيَ صبرا)؟(1/75)
موسى - عليه السلام - من أهل هذه الدنيا وصاحب شريعة، صاحب نظام حياة لزمانه فهو يعامل الأمور على ظاهرها وعندنا: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان. نحكم على الناس بالظاهر ولا نقول هذا دخيلته كذا. فموسى - عليه السلام - يعلم الظاهروالخِضرأُعطي في هذه الجزئيات علم الغيب. فلا يمكن أن يصبر موسى - عليه السلام - على شيء مخالف للشريعة فيما يراه لأنه في الظاهر مخالفات شرعية ولذلك كان الخضر مطمئناً أن موسى - عليه السلام - لن يصبر ولا سيما أن طبيعة موسى - عليه السلام - فيها شيء من الإنفعال. فرق عظيم بين الرسل، بين رسول ورسول: محمد - صلى الله عليه وسلم - يُضرب بالحجارة ويقول: اللهم إهد قومي"، موسى - عليه السلام - شديد عنده نوع من الشدة: رجل من شيعته (فوكزه موسى فقضى عليه) بلكمة قضى عليه، وثم مرة ثانية أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما (لن أكون ظهيراً للمجرمين). لذلك سنجد أن عجلة موسى وشدته سنجدها في قوله تعالى (إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني) سددت على نفسك المنافذ.
((1/76)
لن تستطيع معيَ صبرا): العلم الذي عند موسى - عليه السلام - هو علم ظواهر الأشياء والعلم الذي عند هذا الرجل الصالح هوعلم الغيب ولاموسى ولاغيره يملك شيئاً من علم الغيب إلاإذاعلّمه الله عزوجل ذلك.(ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) إذن ما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم الغيب إلا بمقدار ما يعلّمه الله عز وجل. فمن هنا جاءت ثقة الخِضر أن موسى لن يستطيع معه صبرا. والخضر يعلم أن هذا نبي الله موسى - عليه السلام - لأنه قيل له ذلك وعلم من سيقابل وكيف سيكون معه؟ إنسان من هذه الأرض وهو ملتزم بالشريعة لا يمكن أن يسكت على هذا الذي فعله الخضر، موسى - عليه السلام - نُبِّه ولذا نقول عنده نوع من الإستعجال في تصرفه فقال له (إنك لن تستطيع معيَ صبرا) وبيّن له (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) شيء لا تعلمه لا تعلم بواطنه لا تسكت عليه. قال: (ستجدني) ذكر الياء كاملة لأنه موطن معاهدة وينبغي أن يُظهر بشخصيته الكاملة (ستجدني إن شاء الله صابراً) علّق الأمر على المشيئة، (ولا أعصي لك أمرا) أيضاً مجال عهد أنه سأكون تابعاً لك كأي تابع. (ستجدني، أعصي) هنا موطن معاهدة هذا شخصي كاملاً أعاهدك على هذا. هذا في الدرس الصوتي كيف توظيف الأصوات من إطناب، إيجاز، إطالة، إختلاس الصوت، مدّ الصوت، لذلك هذه المدود التي يتكلم عنها علماء التجويد مدّ حركتين أو أربعة أو ست لها دخل بإيحاء المعنى. صوت المعنى يكون نوع من الظلال للمعنى والإيحاء للفظ، المعنى اللفظي معلوم لكن يكون هناك إيحاء وظلال للفظ.
(فإن إتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا): إشترط عليه شرطاً: أنت تريد أن تتبعني فلا تسألني ولم يقل فإن إتيعتنيَ فلا تسألنيَ بفتح الياء.ما إختصر لأنه في مكان معاهدة وفي المعاهدة كل شخص يكون بكيانه.
*ما الفرق بين الإمر والنُكر؟
((1/77)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)) ( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74))
الإمر الشيء العظيم الذي يأمر الناس بعضهم بعضاً بعدم فعله، بينما النُكر ما هو شيء منكر عظيم شيء تنكره الفطرة والشرائع ولهذا جاء مع القتل. ومما يأمر الناس بعضهم بعضاً أنه من أحسن إليك لا تسيء إليه ولا تعرّض الآخرين للخطر.
قد يقول قائل إغراق مَنْ في السفينة أكثر من قتل نفس لكن الإغراق غير متحقق لأنه قال (أخرقتها لتغرق أهلها) هذه اللام هنا لام العاقبة أو لام النتيجة كما قال تعالى (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزنا) هم ما التقطوه لهذه الغاية لكن نتيجة إلتقاطه سيكون كذا.والعبد الصالح لم يخرق السفينة ليغرق أهلها ولكنه تصور موسى - عليه السلام - أنه سينجم عن خرقها إغراق أهلها. إضافة إلى ذلك يبدو أن السفينة لم تكن في عرض البحر ولم تكن قد سارت بدليل: (حتى إذا ركبا في السفينة خرقها) ولم تكن في عرض البحر، هم بمجرد ركوبهم خرقها. (إمرا): أنت عرّضت أهلها للخطر. ما غرق أحد بينما هناك وقع القتل فعلاً. لذلك إيقاع القتل جريمة كبيرة بينما هنا إفساد سفينة أو تخريب سفينة تُعرّض الركاب للخطر لكن لم يصبهم شيء. فقطعاً رأى الناس يتسابقون للخروج من السفينة لما بدأ الماء يدخل وبدأ الناس يقولون بدأت السفينة تغرق.
* لماذا موسى هو الوحيد الذي يعترض؟(1/78)
هو يقيناً كان بحيث لا يراه أحد لأنه لو أراد أن يخرق السفينة لأخذوا على يديه. ربما هو نزل وحده إلى الأسفل وبدأ يخرق فلم يره إلا موسى - عليه السلام - فالسفينة ما زالت في طريقها ولذلك في الحديث أنه جاء عصفور وقف على حافتها أو حرف السفينة فنقر نقرة من الماء. معناه أنه قريب من الشاطئ، من ساحل النهر والنهر حلو لأنه لا يمكن أن ينقر العصفور من ماء البحر المالح.
*ما دلالة كلمة (لك) في قوله تعالى (ألم أقل لك انك لن تستطيع معى صبرا) في سورة الكهف؟
زيادة (لك) للأهمية كما جاء في سورة الكهف (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا) وفي الآية الأخرى (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا). ففى الآية الأولى كان المقصود بالقول أنه عام وليس موجها لموسى عليه السلام أما فى الثانية فتفيد أنه قد وجه اليه القول.وقد تفيد التلطف في التلطّف عادة لا نواجه الشخص فنقول له (قلنا لك) في المرةالأولى قال موسى - عليه السلام - (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)) هنا لا تؤاخذني بما نسيت كان فعلاً نسيان أو غفلة.الإرهاق هو أن تحمّل الإنسان فوق ما يطيق, والعسر هو ضد اليسر.
في المرة الثانية قال (ألم أقل لك) صارت أشدّ . أنا كان كلامي معك وليس مع غيرك. في المرة الثالثة قال (هذا فراق بيني وبينك) فصار الترتيب طبيعياً.
في البداية (ألم أقل) ألم يصدر مني هذا الكلام؟، في المرة الثانية الكلام صدر لك مباشرة (ألم أقل لك) وفي المرة الثالثة إنتهى الأمر.
* (((((((((((د.فاضل السامرائى:(1/79)
عندما تبِع موسى الرجل الصالح حمله في السفينة طلب منه ألا يسأله عن شيء حتى يحدث له من أمره ذكراً وسيدنا موسى لم يصبر فكان يعترض ركب السفينة الرجل الصالح وخرق السفينة فاعترض موسى (قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)) فقال (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) هذه في المرة الأولى. في المرة الثانية قتل الغلام فاعترض عليه (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)) فقال له (أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا) جاء بـ (لك) لأنه ما انتبه للتذكير الأول فأنكر عليه إنكاراً شديداً في المرة الأولى الإنكار كان خفيفاً فقال له موسى لا تؤاخذني بما نسيت فلم يلتزم فصار الإنكار أشد كما نفعل في حياتنا اليومية نقول لأحدهم في المرة الأولى: قلنا لا تفعل ثم المرة الثانية نقول قلنا لك لا تفعل. أول مرة كان الإنذار برفق وهدوء وفي المرة الثانية لمالم يرعوِ(لم يأخذ العبرة والعظة) ولم ينتبه أنكر عليه بشدة.)))))))).
(فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله) كلمة غلام يقصد بها جنس الذكر من المولودين يسمونه غلاماً منذ أن يولد إلى أن يراهق والبنت تسمى بنتاً. الغلام هو الذي يغتلم يعني يصل إلى سنٍّ يشتهي الأنثى والصبي خلال ذلك. الصبي هو أيضاً الذي يصبو إلى الجنس الآخر. تفاؤلا مثلما سمّت العرب فاطمة تفاؤلاً بأنها ستكبر وتلد وتُرضِع وتفطم، وسمّت عائشة بأنها ستعيش,والعرب تسمي الصحراء مفازا والملدوغ سليم.طبيعة الإنسان يحب الذكور أكثر فمن وُلِد له غلام فيها نوع من التفاؤل. لأن الذكر يشتغل معه ويحارب، لكن الإسلام خاطب الرجل كما خاطب المرأة ورفع من شأنها كثيراً.(1/80)
كم كان سِنُّ هذا الغلام؟ لم تحدده لنا السورة. لكن من يُرهِق أبويه طغياناً وكفراً ويُخشى أن يستمر في هذا لا شك أنه كان بالغاً أوكان قريباً من مرحلة البلوغ. هذا من خلال الجو العام (فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) يعني أن يزيد في هذا.
(حتى إذا لقيا غلاماً فقتله) السؤال: هل كان بإمكان موسى - عليه السلام - أن يسكت؟هو أُريد له أن يُعلَّم أن علمه علم شريعة ظاهر، هناك مساحة فيما إختص الله عز وجل بعلمه حتى فيما ورد في بعض الأمور في القرآن في علمه. المعنى اللغوي والمعنى المفهوم وما في القرآن آية إلا وهي مفهومة، لكن ما وراءها. وسنأتي للكلام عن التأويل لاحقاً.
(قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) شيء عظيم ومن النظر في هذه العَظَمة سنجد بعض الآراء ولعل الذي نميل إليه أن الخضر لما أراد أن يحكي هذه القضية لأنها قضية عظيمة عظّم نفسه قال: (خشينا) بالتعظيم لأنها مسألة عظيمة. هنا قال موسى - عليه السلام - (إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني) والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: رحِم الله موسى لو صبر لتعلّمنا منه الكثير من هذه الأمور. فموسى - عليه السلام - قطع على نفسه الطريق وكان في عجلة (وعجلت إليك رب لترضى). موسى - عليه السلام - هو أعطى على نفسه هذا الأمر .
(فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا) لدني: أي من أعماقي كأن هذا الذي في قلبي أنت وصلت إليه ولذا لم يقل (بلغت من عندي). وصلت إلى هذا الموضع بحيث لا مجال فيه للإجتهاد بعد ذلك.
*ما السبب في تنكير الغلام وتعريف السفينة ؟
حسب التفاسير أن الخضر وموسى - عليه السلام - لم يجدا سفينة لما جاءا إلى الساحل ثم جاءت سفينة مارّة فنادوهما فعرفا الخضر فحملوهما بدون أجر ولهذا جاءت السفينة معرّفة لأنها لم تكن أية سفينة. أما الغلام فهما لقياه في طريقهم وليس غلاماً محدداً معرّفاً.
((1/81)
فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية إستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما) أنا أستضيفك يعني أطلب منك أن تجعلني ضيفاً لأن الهمزة والسين والتاء فيها معنى الطلب وليس كما نستعملها الآن. قال:إستطعما أي طلبا الطعام وهى تحتمل أمرين: تحتمل ضيافة وتحتمل شراءً. قالت الآية (فأبوا أن يضيفوهما) إذن كان الإستطعام ضيافة، المفروض أن يضيفوهما كما كان يصنع العرب قديماً ًبل بعضهم كان يخرج من داره وأول مارّ يقول له تعال نأكل لأنه لا يُحسن أن يأكل لوحده، وبعضهم كان يوقد ناراً في الصحراء حتى يراها الأضياف. (فأبوا أن يضيفوهما) كانوا بخلاء وللتشهير بهم وإظهارهم لم يقل القرآن (هذه القرية) أو حددها؟ الأشياء التي ليس فيها نفع لا يذكرها القرآن. ليست هناك بلدة يقال عنها أن أهلها بخلاء وإنما هناك أفراد في كل بلدة بخلاء وفيها كِرام.
*((((((((((د.فاضل السامرائى):ما دلالة خلو خرقها من الفاء؟ وما دلالة الفاء مع (فقتله)؟
((1/82)
حتى إذا ركبا في السفينة) (ركب) فعل الشرط و(خرقها) جواب الشرط. (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)) (قال) هو جواب الشرط وليس (فقتله)، (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)) قال لو شئت هذا جواب الشرط والباقي معطوفة على فعل الشرط. يبقى السؤال لماذا قال (خرقها) بدون فاء؟ الخرق لم يتعقب ركوب السفينة لم يحصل مباشرة وإنما بعد أن ركبا في السفينة وذهبا إلى المكان الذي أرادوه إذن لم يعقبها والفاء للتعقيب. أما الغلام فأول ما لقاه قتله فجاء بالفاء قتله مباشرة (حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ) والخرق لم يحصل هكذا الغلام بمجرد أن لقاه قتله دون كلام ولا شيء ولهذا اعترض موسى - عليه السلام - . وكذلك (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا) قسم قال استطعما هو جواب الشرط وقسم قال هذه صفة القرية أن هذه القرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما وجواب الشرط (قال لو شئت) قسم قالوا استطعما أهلها جواب الشرط وقسم قالوا لا، حتى إذا أتوا أهل قرية ما هذه القرية؟ ما صفتها؟ ما شأنها؟ استطعما أهلها جملة صفة لقرية (المضاف إلى نكرة نكرة، قرية نكرة) (استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما) هذا كله من الاستطعام قالوا (قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) هذا جواب الشرط وأنا أميل لهذا لأن الأولى أنهم أول ما دخلوا القرية استطعموا أهلها. دخلا أهل قرية هذه صفتها قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً بعد أن حصل ما حصل.)))))))).(1/83)
*ما دلالة تكرار كلمة الأهل في الآية (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ؟
حتى يكرر ذكر الأهل تشنيعاً بهم. وينفر من ثقل توالي الضمائر في هذه الكلمة التي تطول لو قال (إستطعماهم). الكلام صار على إثنين معناه فتى موسى لم يعد معهم.
(فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه) الكلام أن الذي وجده هو الخِضر لكن يصير الكلام على الإثنين لأن المتبوع هو الأصل والتابع لاحق. (فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض) نسب الإرادة إلى الجدار معناه كأنه يوشك ويرغب، هو يريد أن يبين لنا أنه قارب الإنهيار، الإنسان إذا أراد شيئاً يحاول أن يفعله فأضفى الحياة على هذا الجدار وأعطاه إرادة حتى يصوّر لنا كيف أنه متهاوٍ، يكاد يسقط، يريد أن ينقض. (فأقامه) هذه الإقامة والتعديل هل هدّمه وأعاده. هل مسح عليه ورجع؟ هو بذل جهداً في شيء، أصلحه. أُناس لم يكرموهم ولم يطعموهم جاء إعتراض موسى خفيفاً رقيقاً .
(لو شئت لاتخذت عليه أجرا) هو إعتراض ضمني: أنت ضيّعت علينا فرصة الطعام (لو شئت لاتخذت عليه أجرا) فأنت لم تتخذ أجراً لأنك ما شئت. وكان يمكن أن تشاء وتأخذ أجراً فنأكل. (لو شئت) إعتراض.
فقال الخِضر (هذا فراق بيني وبينك) : تكلمنا على كلمة بين (مجمع بينِهما). هنا لو قال هذا فراقٌ بيننا أو فراقٌ بيني وبينك ينصب على الظرفية، ينوّن وينصب، لكن تكون البينية عندئذ للفراق غير ملازمة ويمكن أن يعودا مرة أخرى للقاء. (هذا فراقُ بيننا بيننا) كأن الفراق صار فاصلاً بيننا.
((1/84)
هذا فراقُ بيني وبينك) هو أضافها ولم أجد قراءة بالتنوين حتى في القراءات الشاذة معناه أن جمهور العرب كانوا يفهمون هذا النوع من الإضافة. لما قال (هذا فراقُ بيني وبينِك) كأنه جعل لنفسه بيناً، مساحة وله بيناُ فهما بينان وتملّك هو بيناً وملّك ذلك بيناً آخراً. فهذا البين مملوك لا ينفك عني وبينك لا ينفك عنك. فلا مجال للقاء بعدها. وصار البين مملوكاً لا أستطيع أن أتخلى عنه، أضافه والمضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة. أضاف الفراق لـ (بين) (فراقُ بيني) هذه المساحة ملك وفراق بينِك معطوفة، العطف على نية التكرار: فراق بيني وفراق بينك. والإضافة معناها المِلك أن يُنسب الشيء إليك فصار البين منسوباً لي والبين منسوباً لك فلا مجال فيه للقاء وفعلاً لم يتم لقاء ولا يمكن أن يكون لقاء بعد ذلك.
*ما دلالة استخدام فعل(سأنبئك)؟
الفعل أفعل إذا جاء لزمن أقصر من فعّل مثل علّم وأعلم ونبّا وأنبأ.
(سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)).هذا ليس إنباءً وإنما تبيين من نبّأ لأن فيها كلام كثير (أما السفينة، أما الغلام، أما الجدار) فهي ليست مختصرة. (سَأُنَبِّئُكَ) بالتشديد لأن فيه توضيح ولم يقل (أُُْنبئك) لأن الإنباء للشيء الموجز المختصر.المضعّفة يعني فعّل من النبأ جاءت في ستة وأربعين موضعاً كما في سورة يوسف (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)) لأنهم يريدون شرحاً مفصّلاً للرؤيا ولم يقل أنبئنا مختصرة. أنبأ لم ترد إلا في أربعة مواضع. نبّا وتفصيلاتها وردت في ستة وأربعين موضعاً. وحيثما وردت ما دام فيها تلبّث وزمن فلا تُقرأ بالتخفيف.
(سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) كان يستطيع أن يقول هذا فراق بيني وبينك ويذهب وتنتهي القصة. لكن أراد أن يبين لموسى - عليه السلام - هذه التصرفات التي لم يسكت عليها وهى أمور غيبية لا يعلمها.(1/85)
كلمة التأويل لها معنيان: الأول بمعنى التبيين أو البيان والتفسير كأن يفسّر قوله (سأنبئك بما لم تستطع عليه صبرا) أي هذا السؤال الذي سألته تسبب في أن يفارق بعضنا بعضاً نشرحه ونبيّنه ونفسّره، هذا التبيين والتفسير. والثاني: التأويل هو معرفة حقيقة بواطن الأمور التي هي مما إختص الله تعالى بعلمه بيان حقيقة الشيء وبيان ماهيّته. هنا المراد بالتأويل بيان الحقيقة. (وما يعلم تأويله إلا الله) أي وما يعلم حقيقة أمره إلا الله سبحانه وتعالى، والراسخون في العلم يقولون كل من عند ربنا كأوصاف الجنة على الحقيقة: ما حقيقة هذا النعيم؟
(ما لم تستطع) جاء بالفعل كاملاً لأنه مقبل على إيضاح وإعلان وشرح وعلى كمال.
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)):
(أما السفينة) بدأ من أول الأحداث. (أما) حرف تفصيل، تقول حدثت أمور أما الأمر الفلاني فكذا وأما كذا فكذا. وما بعدها مبتدأ وخبر (السفينة): مبتدأ وكانت خبر للمبتدأ. (لمساكين) كلمة مساكين دخلت عليها لام المِلك. السفينة كانت ملكهم ومن هناحاول بعض العلماء أن يفرّق بين الفقراء والمساكين. يمكن للمسكين أن يكون مالكاً لشيء لكن هذا المِلك لا يسد كل حاجته فيستحق من مال الله، من الزكاة.أما الفقير فلا يملك شيئاً، قد يكون عنده قوت يومه لكنه لا يملك مجال عمل ولا يملك شيئاً أصلاً فيقال هو فقير. الغني هو الذي لا يحس بحاجة ونحن بحمد الله أغنياء لا نحس بالحاجة لشيء والفضل لله تعالى من قبل وبعد. قد يكون لأحدهم مال كثير ولكنه يتضور إذا رأى غيره عنده شيء لا يملكه هو فيشعر بالفقر. لأن الغنى غنى النفس.
((1/86)
لمساكينََ) قد يسأل البعض أن مساكين جاءت بعد حرف الجر اللام فكان يجب أن تكون مجرورة ولكنها في الآية مفتوحة وذلك لأن مساكين ممنوع من الصرف لأنهاعلى صيغة منتهى الجموع فيُجرّ بالفتحة نيابة عن الكسرة.(يعملون في البحر) على سفينتهم.
(فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غضبا) هنا الإرادة نسبها لنفسه بصيغة الإفراد، ما قال: فأردنا أن نعيبها لأن فيها معنى العيب: إنسان يصنع شيئاً فيه عيب لا يفخّم نفسه أن يخلع لوحاً من سفينة ويحدث عيباً فلما أحدث عيباً لا يتناسب العيب مع التفخيم ولا مجال لتعظيم نفسه ولا تصح نسبة العيب لله سبحانه وتعالى يقيناً، ما فعله بوحي من ربه وهو بعد ذلك سيقول (ما فعلته عن أمري). القدر كله خيره وشره من الله تعالى. هذا الأدب الذي ينبغي أن يتعلمه الناس وحتى في اللفظ يتأدب مع الله سبحانه وتعالى. نسب لنفسه هذا الفعل على سبيل الإفراد (فأردت) لأن فيها كلمة العيب (أن أعيبها) لا يتلاءم مع التعظيم. (فأردت أن أعيبها) باستعمال المصدر المؤول ولم يقل فأردت عيبها لأنها تعني طلبت عيبها أو فتشت عن عيب فيها فلا يستوي هنا. فلا بد أن يقول أردت أن أعيبهاحتى ينسب العيب إلى نفسه مع الإرادة بهذه الصيغة صيغة المصدر المؤول.
(وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غضبا): طبيعة السياق أن يقول وكان أمامهم ملكّ. كلمة وراء في لغة العرب أحياناً تستعمل لما ينتظرك. تقول للإنسان وراءك عمل كثير. ليس بمعنى خلف ظهرك وإنما ينتظرك عمل كثير. ولذلك قال تعالى (ومن ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد) يعني تنتظره جهنم والعياذ بالله.
*((((((رأى د.فاضل السامرائى:(1/87)
أولاً الوراء من حيث اللغة يكون خلفك أو قدامك. حتى هم قالوا الوراء خلف لكن إذا كان مما تمر عليه والملاحظ أنه إذا كان الأمر يطلبك تقول وراءك وإن كان أمامك (وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) الإنسان) (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ (16) إبراهيم) وهي أمامه ترصده تطلبه. إذا كان الأمر يطلب الشخص نقول وراءه. نحن الآن نقولها في كلامنا وراءك امتحان، أو وراءك شغل كأن الشيء يطلبك. وفيها دلالة أخرى أنه لو قال أمامك نقول له إرجع وراءك لكن هذا وراءك، حالة تهديد ووعيد فيها. )))))).
(يأخذ كل سفينة غصبا): يأخذها غاصباً يأخذها عنوة من غير مقابل لأنه قيل أن الملك داخل معركة ويجهز جيشه فتأخير السفينة لغرض أن يمشي هذا الملك بمن معه من أسطول للمعركة فينجو هؤلاء المساكين بسفينتهم. ليس المعنى أنه لم يكن يأخذ السفينة المعيبة ولكن تعني أنها لا تصل إليه. أردت أن أعيبها، لماذا؟ لأن وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا فالعيب يؤخرها، كيف تُصلح السفينة؟ تُسحب إلى الشاطيء، تُفرّغ من الماء، ويعود اللوح إلى مكانه ويُطلى بالقار وترجع السفينة إلى ما كانت عليه ولا تبقى معيبة لأن هذا إضرار بالمساكين. غاية ما في الأمر تأخير هؤلاء المساكين عن وصولهم إلى الملك وفعلاً حصل تأخير، سُحِبت السفينة وفُرِّغت من الماء وأعيد اللوح إلى مكانه وطُلي كأي ضرر يصيب أي سفينة وتعود. إذن الغرض من عيب السفينة التأخير.
((1/88)
غصبا) إستعمل المصدر كان يمكن أن يقول غاصباً أهلها لكن المصدر في اللغة أقوى من المشتق لأنها كلها تؤخذ منه. المشتق هم إسم الفاعل، إسم المفعول أو غيره. قال: يأخذ كل سفينة غصباً كأنه يغصبهم غصباً على ذلك وهي فيها معنى الحال لكن فيها معنى التوكيد أيضاً. وهنا فيه معنى المصدرالمشتق وفيه معنى التوكيد (غصبا) ما قال غاصباً. المصدر أقوى بلا شك كما في قوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) لم يقل يهدي وإنما قال هدى للمتقين لأنه في كيانه هدى فالمصدر أقوى. والكلام الفعل مشتق من المصدر والدراسة الحديثة تقول الفعل هو الأصل لأنه يحدث فعل ويكون محتوياً على حدث وزمن. لكن المصريون يستدلون بإستدلالات عقلية ويبنون على بعض الجوانب اللغوية أن المصدر حتى أنهم يقولون من إسمه يصدر عنه، يقولون أنتم سميتموه مصدراً.
*ما الفرق بين (خشينا) و (أردنا) ؟
(وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)):
(فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) هناك خشية من أين علمها؟ لا شك أن بعض ما أُعلمِ به من تصرفه، لها دلائل..الإرهاق تحميل الإنسان فوق ما يطيق. طغياناً وكفراً: طغياناً حال كونه طاغياً وحال كونه كافراً فيرهقهما من طغيانه كفره فهو لا يكون كافراً إلى أن يبلغ مرحلة السؤال. معنى ذلك أنه معذِّب لأبويه بكفره وطغيانه وهما مؤمنان. فإذن كان كبيراً وليس في مرحلة الطفولة الصغيرة جداً. الأبوين عادة لما يكون ولدهما بهذه الصورة يحرصان على إيمانه، على إسلامه وهو يعذّبهما، يحملهما فوق ما يطيقان عند ذلك يتجهان إلى الله سبحانه وتعالى أن يبدلهما خيراً منه: يدعون: اللهم أبدلني خيراً من هذا.ممكن هذا المعنى هو السبب في إستعمال الجمع.
((1/89)
فخشينا أن يرهقهما) هناك قال: فأردت وهنا قال: فخشينا البعض يقول : إشتراك الخضر مع الأبوين في الخشية والإرادة أي (الخِضر) والأبوين، يحتمل هذا المعنى: كانا يخشيان ذلك ومن معهما المنفّذ الذي سينفّذ القتل (فأردنا) إرادة دعاء أنا وأبويه كأنما أطلعه الله عز وجل على ما كان يدعو به أبوا هذا الغلام، هذا وجه. والوجه الثاني يمكن أن يكون قوله (فخشينا) إدخال موسى - عليه السلام - معه بإعتباره تابعاً هنا. هذه واحدة ثم لأنه لم يأخذ على يده فيمنعه من القتل. موسى - عليه السلام - إعترض بعد القتل. جاء رجل لشخص يقتله تكفّه وموسى - عليه السلام - قوي (فوكزه موسى فقضى عليه) (فسقى لهما) وحمل الصخرة فكان يستطيع أن يمسك بالرجل لكن هو إنتظر لما ينهي الموضوع ثم قال لِمَ قتلته؟ فكأنه أشركه معه. والحالة الثالثة التي أميل إليها أن القتل أمر عظيم فيحتاج إلى معظّم لنفسه أن يفعل هذا الفعل (فأردنا). قلنا هناك صغّر نفسه لأن فيه عيب (فأردت) لكن هذا قتل نفس وإنتظارودعاء من الله سبحانه وتعالى أن يعوضهما خيراً منه فاستعمل صيغة المعظّم لنفسه (فخشينا): لم يقل أنا تجرأت على القتل ولكن قال نحن تجرأنا بتعظيم نفسه (فأردنا أن يبدلهما ربهما) عظّم نفسه لعظمة الحدث. هذا الفساد المحتمل (فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) جعله الخِضر واقعاً وهو واقع لأنه تعالى أعلمه بشأن هذا الغلام وهذا في الغيب وأطلعه على غيب هذا الغلام. هذا من الخير لأن الله سبحانه وتعالى حاشاه أن يختار لعبده المتوكل عليه ما هو غير خير.
- (((((( وهناك رأى آخر فى الفرق بين (أردت) و (أردنا)و(أراد ربك ): (د.فاضل السامرائى)(1/90)
الملاحظ في القرآن كله أن الله تعالى لا ينسب السوء إلى نفسه أما الخير والنِعم فكلها منسوبة إليه تعالى كما في قوله (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسّه الشر كان يؤوسا) ولا نجد في القرآن فهل زيّن لهم سوء أعمالهم أبدا إنما نجد (زُيّن لهم سوء أعمالهم) وكذلك في قول الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (الذي يميتني ثم يحيين) وقوله (وإذا مرضت فهو يشفين) ولم يقل يمرضني تأدباً مع الله تعالى.
ففى حادثة السفينة الله تعالى لا ينسب العيب إلى نفسه أبداً فكان الخضر هو الذي عاب السفينة فجاء الفعل مفرداً.
أما في حادثة الغلام ففيها جانب شر وهو قتل نفس زكية بغير نفس وجانب خير وهو الإبدال بخير منه فأصبح فيها مشترك فجاء لفظ (أردنا) .أما في قصة الجدار فالأمر كله خير فتحت الجدار كنز وأبو الغلامين كان صالحاً والأمر كله خير ليس فيه جانب سوء فأسند الفعل إلى الله تعالى فقال (أراد ربك).
- رأى ثالث يقول أنه قد يكون على لسان الخضر تأدبا منه.))))))).
(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82))
كلمة (يتيمين) تدل على صِغر الغلامين لأنه لا يُتم بعد بلوغ .في قوله تعالى (في المدينة) :
-يمكن أن تسمى القرية مدينة ويردون على هذا شواهد.(1/91)
- لكن يمكن أن تكون الألف واللام هنا للعهد يعني كأنما لمدينة مررنا بها. فإذن هما كأنهما تركا هذا البيت كأنما البيت مهجور فهما ليسا في القرية وإنما في المدينة، يمكن أن يكونا عند من يربّيهما ثم يعودان بعد ذلك إلى هذه الخرِبة المتروكة التي يريد أحد جدرانها أن ينقضّ فأقامه. يمكن أن يكون هذا لم تسمى القرية مدينة ولكن في مدينة مرّا بها في رحلتهما قريبة من القرية. الكلام ينصب على أهل القرية وعلى البيت لليتيمين في القرية. أما اليتيمان فلم يكونا في البيت وإنما كان في تلك المدينة عند من يرعاهما. وليس هناك من يرعى هذا الجدار فيقيمه. وقد يكون فعلاً هي هذه القرية وهما في هذا البيت الخرِب.
(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا): الجدار قطعاً هو في القرية الذي لا يُكرِم ضيفاً لا يعتني بيتيم أيضاً، هذا الذي يجعلني أميل أن اليتيمان كانا في مدينة قريبة ثم ما من أحد من هؤلاء في القرية فكّر في أن يقيم جدار هذين اليتيمين و أنه قد يسقط على اليتيمين.
*ما اللمسة البيانية في تنكير كلمة (غلامين) وتعريف (الجدار)و (المدينة)؟
(وأما الجدار) أي الجدار الذي ذكرته من قبل هذه تسمى(أل العهدية) لأن العهد إما أن يكون ذهنياً أو ذكرياً: ذكرياً أن يذكر الشيء من قبل، ذهنياً أن يكون حاضراً في الذهن كما في قوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للناس) لم يذكر الكتاب من قبل لكنه حاضر في الذهن لأن الكلام عليه.(1/92)
كلمة غلام نكرة (لغلامين) ثم ذكر من صفاتهما أنهما يتيمان. (لغلامين يتيمين) هذا المقدار يكفي. أما أنه لو قال للغلامين سيُقال له: أيُّ غلامين؟ هما موسى - عليه السلام - والخضر جاءا إلى قرية وهذا الجدار يريد أن ينقض والله سبحانه وتعالى يعلم أنه لطفلين مات أبوهما،. وهو لم يتحدث عنهما سابقاً.لو ذكرهما سابقاً يعود بعد ذلك للتعريف وتسمى أل العهدية كأن يقال لك: سأل عنك رجل فتقول لقيت الرجل (أي الذي سأل عني). بدأ نكرة ثم يعرِّف.
وكلمة المدينة *إما يراد بها القرية التي دخلاها فلما ذكرها أولاً قرية جاء بعد ذلك فعرّفها كأنما يريد أن يشير إلى أنها قرية كبيرة فقال مدينة ثم أن فيها تنويع. المدينة عادة أوسع من القرية في المصطلح اللغوي لكن عند العرب المدينة يسمونها قرية أحياناً والقرية يسمونها مدينة بحسب نظر المتكلم. مكة أم القرى وهي مدينة واسعة (حتى يبعث في أم القرى رسولاً).* والقول الآخر أن هذه الألف واللام للعهد الذهني: يعني المدينة التي مررنا بها من قبل، كأنما في ذهنها مدينة معينة مرّا بها من قبل.
* (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) ترتيب هذه الأشياء (الجدار، غلامين، كنز، أبوهما) إذا تغيّر هل سيبقى بنفس الدلالة؟
هذا كأنه نظام، كأنه بناء كأنك تبني بيتاً فالبناء هكذا. هو ذكر له جداراً قد أقامه فالآن يريد أن يفسر له ما يتعلق بهذا الجدار فالمهم أولاً الجدار فيذكر الجدار ثم يذكر لمن هذا الجدار؟ ثم يذكر بعد ذلك ما شأن هذا الجدار؟ لماذا أقمته؟ أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة، لماذا أقمته؟ وكان تحته كنز لهما، ما شغلنا بذلك؟ وكان أبوهما صالحاً. فمن أجل صلاح الأب فهو ترتيب طبيعي لا يستدعي أن يكون هناك إضطراب.(1/93)
الكنز في اللغة هو الشيء الدفين. الشيء الدفين إذا كان مالاً سمي كنزاً أي هذا المدفون إحتفظ به. والعلماء هنا يتحدثون هل يجوز كنز المال بهذا الشكل؟ (الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) المفروض أن يشغلها. قسم قالوا شرعُ من قبلنا وقسم يقولون أن الأب يمكن أن يشغّل المال ولكن لما أحسّ بالوفاة أحس وهو في قرية ظالمة، قرية بخيلة، لا تضيّف أحداً وأحس أنه سيأخذون مال أولادي فدفنه وقال يا رب أنت تتولاه .
(وكان أبوهما صالحاً) هذا درس للآباء صلاحهم خيرٌ لذريتهم أيضاً. الغلام كان أبواه مؤمنين وهو فاجر ورحمة بالأبوين قُتِل وقبِل الله تعالى دعوتهما وعوضهما خيراً منه.
(فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ): نسب الإرادة لله تعالى (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) لم يقل فأردت أو فأردنا لأن بلوغ الغلامين السن الكبير هذا لله سبحانه وتعالى لا يستطيع أن يُدخل الخضر نفسه فيه حتى لو عظّم نفسه. هنا يبلغا أشدهما هذا لا يملكه إلا الله سبحانه وتعالى ويستخرجا: وإستخراج الكنز من تحت الجدار لا يملكه إلا الله تعالى. (ويستخرجا) معطوفة على (يبلغا) أوكل الأمر كله إلى الله. ممكن يسقط الجدار وهما بالغان فإذا سقط وظهر الكنز عند ذلك واضح ويكونان شديدين (يبلغا أشدهما).
(رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) مفعول لأجله: فُعِل هذا كله من أجل الرحمة. أى رعاية اليتيمين هو من رحمة الله سبحانه وتعالى. ويمكن أن تكون عامة على المحاور الثلاث: العناية بالمساكين من رحمة الله عز وجل، العناية بالأبوين من رحمة الله عز وجل والعناية بالغلامين اليتيمين من عناية الله عز وجل. ثم وضّح (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) هذا أمرني الله تعالى به ففعلته. لأن هذا غيب لا يقول أحد هذا يبدو أنه شرّير سأقتله تأسّياً بالخِضر وأدعو الله أن يهبهما خيراً منه، لا.
((1/94)
ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا): التأويل هنا بمعنى بيان حقيقة الشيء. مما غاب عن موسى - عليه السلام - وعمن حوله. إستعمال (ذلك) تدل على أنه بدأ يبعد لأنه يريد أن يفارق فلم يقل هذا تأويل. الكلام الذي تكلمته صار (ذلك).
(مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا): قبلها قال تستطع لكن هناك فيها شرح وإيضاح فجاء بالفعل تاماً (تستطع) أما هنا لأن فيه وقت مفارقة وإختصار وإبتعاد. ذلك:الكلام صار تاريخ ويريد أن يرحل (لم تسطع) فحتى الكلمة إختصرها لأن هناك مجال إختصار فقال(تسطع) أنهينا الإيضاح وإنتهى.
*هل الغيب هو فقط في قصة القتل وليس في قصة السفينة أو الجدار؟
كل ما غاب عنك فهو غيب. الأحداث التي تكون هناك موسى لم يعلمها والمساكين لم يعلمونها والركاب جميعاً لا يعلمون. المخزون تحت الجدار غيب، الغلامان لا يعلمان وأهل القرية لا يعلمون به فهو غيب مغيّب عنهم. كل هذه الأمور كانت من علم الغيب مما غاب عن موسى - عليه السلام - ومن حوله وعلمه هذا الرجل بعلمٍ من الله سبحانه وتعالى.
*هل يجوز أن نقول سيدنا الخِضر؟
مسألة السيادة هذه حتى بعضهم قال أنها لا تصح أن تقال حتى مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن حُبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجعلنا نقولها دائماً فهو سيدنا لأنه - صلى الله عليه وسلم - إستعملها مع سعد ابن معاذ رضي الله عنه لما جُرِح في الخندق وجيء به محمولاً ليقضي في بني قريظة فقال - صلى الله عليه وسلم - : قوموا لسيّدكم أي لسعد. يقولون سيّد الأوس، سيد الخزرج، سيد الشهداء حمزة، سيّد المهاجرين والأنصار. نحن نقول دائماً إذا لم يكن هناك مانع شرعي فلا مانع من إظهار هذه المودة وهذا الحب فنحن نقول سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرة العين عليه الصلاة والسلام.
*هل خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار كان في العالم المنظور؟(1/95)
لا شك أنها في العالم المنظور ومن أجل هذا كان موسى - عليه السلام - يعترض في المرة الأولى والثانية وفي الثالثة كان نوع من الإعتراض لأنه كان نوعاً من التعليم أو الإفهام لموسى - عليه السلام - بأن علمه منحصر في التطبيقات الشرعية، في مسائل الشريعة وفي نظام حياة الناس. وأُعلِم بأن هناك أشياء غائبة عنه فهي قطعاً في حياة الناس وليس في الغيب. وبالنسبة للجدار فهم حتى إذا رأوه لن يعترض عليه أحد لأنه عمل خير أما موسى - عليه السلام - فاعترض عليه لأنه جائع.
*(((((((قرأت في التفسير عن عبد الله ابن مسعود عن قوله تعالى (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا{82} الكهف) بالنسبة للغلامين قال: كتب مخطوطة محفوظة فيها من العلم اللدني هل هذا صحيح؟(د.أحمد الكبيسى)
كلام صح يا سيدي ، رب العالمين من حكمته نحن ذهبنا الذين علمهم الموهوبون لأن هذا علم لا يكتسب هل تعرف كل هذه الاختراعات التي أمامك هذه الاختراعات عند البشرية كلها بقضها وقضيضها هذه كلها عن تعلُّم فمعظمها موهبات. هناك واحد لا هو بشاعر سمعنا كثيراً ورأيت واحداً منهم أن واحد الصبح رأى النبي فقال له أنا أريد أن أحفظ القرآن فمسح على رأسه فصبح الصبح يقرأ القرآن. إذاً الذين عندهم علمٌ من الكتاب مجموعة من الموهوبين الذين وهبهم الله هذا العلم. ))))))).
قصة ذي القرنين: ( 83-98)
*وردت في القرآن ( يسألونك) و (ويسألونك) فما دلالة إضافة الواو وحذفها؟ (د.حسام النعيمى)(1/96)
الواو تكون عاطفة لكن نجد لما يبدأ موضوعاً جديداً لا يبدأ بالواو وإنما يبدأ بـ (يسألونك) لأنه لا يريد أن يستكمل كلاماً سابقاً فقال (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) هذه الآية نفسها فيها يسألونك وويسألونك، لما بدأ بها بعد كلمة (والله غفور رحيم) بدأ بها غير معطوفة على ما قبلها بدأ (يسألونك) ثم في الآية نفسها قال (ويسألونك) معطوفة على يسألونك الأولى التي هي غير معطوفة على شيء فلا يقول (ويسألونك).
ووردت (ويسألونك) في (ويسألونك عن ذي القرنين (83) الكهف).
*فى سؤال عن معنى التوكل: (د.حسام النعيمى)
وهل من خلال الآية المتقي المتوكل مرزوق حتماً؟ فيما يتعلق بمعنى التوكل هناك أصل من أصول العقيدة الإسلامية أنه لا يتم أمر إلا برضى الله عز وجل، إلا بما يريد (وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)) هناك أصل آخر أيضاً أن الإنسان ينبغي أن يسعى لأن معنى التوكل أن تخرج من طاقة نفسك وجُهدها وحولها إلى حول الله سبحانه وتعالى. أن تقول يا رب ليس لي حول، تُلقي بأمرك على غيرك هذا معنى التوكل. لكن فيه لمسة وهي أن المتوكل في المفهوم الإسلامي ينبغي أن يقدّم جميع الأسباب ثم يتوكل لأنه عندنا حديث عن الأعرابي الذي قال له - صلى الله عليه وسلم - : أعقلها وتوكّل. أي إربط الناقة بالعقال لأن الناقة تربط من ثنيّة يدها حتى لا تستطيع أن تسير فتبقى باركة أو يمكن أن تقف لكن لا تستطيع أن تمشي. (إعقلها وتوكل): معناه إتخذ الأسباب وتوكل. الأسباب لا بد من إتخاذها لذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجد أُناساً في المسجد في غير وقت الصلاة سألهم: ما تصنعون؟ قالوا: نحن المتوكلون على الله ويأتينا رزقنا، قال: بل أنتم المتواكلون إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. وأمرهم بالسعي والعمل.(1/97)
*ما الفرق من الناحية اليانية بين قوله تعالى في سورة الكهف (فأتبع سببا) وقوله (ثم أتبع سببا)؟(د.فاضل السامرائى)
الحكم العام في النحو: الفاء تفيد الترتيب والتعقيب. وثمّ تفيد الترتيب والتراخي أي تكون المدة أطول.
وفي سورة الكهف الكلام عن ذي القرنين ففي الآية الأولي (فأتبع سببا) لم يذكر قبل هذه الآية أن ذي القرنين كان في حملة أو في مهمة معينة وإنما جاء قبلها الآية (وآتيناه من كل شيء سببا) هذا في الجملة الأولى لم يكن قبلها شيء وإنما حصل هذا الشيء بعد التمكين لذي القرنين مباشرة، أما في الجملة الثانية (ثم أتبع سببا) فهذه حصلت بعد الحالة الأولى بمدة ساق ذو القرنين حملة إلى مغرب الشمس وحملة أخرى إلى مطلع الشمس وحملة أخرى إلى بين السدين وهذه الحملات كلها تأتي الواحدة بعد الأخرى بمدة وزمن ولهذا جاء استعمال ثم التي تفيد الترتيب والتراخي في الزمن.
*في سورة الكهف قال (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ )لم لم يقل حسبها أو ظنها أ رآها ؟ وهل هناك ارتباط بين (وجدها) وقوله تعالى (كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)) ما لديه خبراً قابل أن يكون أكيداً او غير أكيد وليس علماً؟(د.حسام النعيمى)(1/98)
ما ذكره القرآن لنا أنها ملك وحاكم وقائد عسكري كان مؤمناً انطلق من جهة المشرق وانطلق من جهة المغرب وسار بينهما وعلى وجه اليقين هو ليس الاسكندر المقدوني لأن ذاك كان وثنياً. بعض المفسرين يشير إلى أنه اتجه في جهة المغرب وبقي يفتتح البلاد إلى أن وصل إلى نهاية الأرض نهاية الأرض المحيط الأطلسي لأنه ما كان معلوماً أنه في الأطلسي هناك الأميركيتين يرون أنه بحر الظلمات نهاية الأرض فيقولون لا يبعد أنه قبل أن يصل للمحيط نفسه وجدها طبعاً يقيناً بعينه. لما أنت في البحر ترى الشمس تسقط في الماء هذا ليس ظناً وإنما هذا هو يقين بالنسبة لك ولا يصلح مطلقاً أن تقول للناس أنه ظنّها تسقط هاهنا في ذلك الزمن قبل 1400 عام. هو يراها هكذا لكن هو يعلم أنها ليست ساقطة على وجه اليقين ويراها تسقط خلف ذلك الكثيب في الصحراء يقول لقومه أننا سنبيت الليلة حيث تسقط الشمس خلف ذلك الكثيب في الصخر فيسيرون إلى أن يصلوا إلى الكثيب لكنهم لا يجدون شيئاً. لكنه رآها تسقط هاهنا في الكثيب. لا نقول بالقطع أنه وصل للرباط إلى المغرب لكن قد يكون في هذه المنطقة هناك مجرى مائي هو نهر أو نهير أبو رقراق عندهذا المجرى حقيقة لون الأرض هناك فيها لون معتم فيها عتمة فكأنه عين حمئة. قد يكون هذا ولا نقطع بشيء والمفسر لم يقطع بشيء. الرجل يقول قد يكون هذا إن وصل إلى هناك، فممكن أن تكون هناك وعندما قوم كانوا عند الماء والماء عذب ومسيل العين في الماء العرب تسميه عيناً يعني يسيل والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث " خير المال عين ساهرة لعين نائمة" يعني بالعين الساهرة العين التي تجري دائماً تجري ليلاً ونهاراً والعين النائمة الرجل النائم هو ينام والعين تجري تسقي له.(1/99)
نقول رآها تنزل وهو يعلم جيداً وكلنا يعلم أننا لما نرى الشمس تنزل خلف الكثيب أو تنزل في الماء أو في عين جمئة هي لم تغُر فيها لم تغُص فيها لكنه معلوم هذا شيء عند العرب يستعملونه كما قلت لك يقولون أين مبيتنا؟ يقول خلف هذا الكثيب حيث ستسقط الشمس وهو يعلم يقيناً سيصلون إلى الكثيب ولا يجدون شيئاً وهم يعلمون أن هذا في عين الرائي. الإنسان يتذكر في مثل هذا الموقف أن العرب لم يتركوا شيئاً ما سألوا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستدعي السؤال كانوا يسألونه وثبّتها القرآن (ويسألونك).
(وقد أحطنا بما لديه خبرا): أحاط خبراً بما لديه. لاحظ الإحاطة أن تحوط الشيء يعني أن تجعل من علمك كأنه دائرة تطوّقه. الخُبر هو المعرفة البالغة يعني المعرفة بالجزئيات نقول هو بذلك خبير. خُبرا الخاء والباء والراء فيها معنى معرفة الجزئيات. لكن هنا حقيقةهي في السورة كأن هناك نوع من التناسب: في الكلام لاحظ (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)) لاحظ هذا الانكشاف الذي رآه ذو القرنين وافقه انكشاف علمه لله سبحانه وتعالى وانكشاف ما لديه في علم الله عز وجل كأن هناك مناسبة في الكشف في الانكشاف. هؤلاء منكشفون أمام الشمس وهو ذو القرنين منكشف بما حتى في داخله أمام الله سبحانه وتعالى كأنما هذه اللمسة هنا.
* (قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) الكهف) لماذا قدم ذكر عذاب ذي القرنين على عذاب الله وفي الجزاء قال العكس (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88))؟(د.فاضل السامرائى)(1/100)
الشق الأول من السؤال سليم قدم عذاب الدنيا على عذاب الآخرة لأنه في الدنيا العذاب متقدم الآن الذي يفعل شيئاً يطاله القانون الذي ظلم سيأخذ جزاءه ثم يرد إلى ربه فيعذبه هذا بحسب الزمن. أما الجزاء (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى) ما قال أنا سأجازيه وإنما قال (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا) قول جزاك الله خيراً ليس جزاء، قول بارك الله فيك ليس جزاء وإنما الحسنى هي الجنة إذن هو ذكر جزاء الآخرة ولم يذكر جزاءه بالنسبة للعمل لأن الإيمان والعمل في الجنة أما الظلم فهذا ينبغي أن يحاسب عليه في الدنيا فيعذبه ويطاله القانون كأي واحد يعتدي على الآخرين يعاقب ثم ربنا سبحانه وتعالى في الآخرة يعاقبه إذا لم يستوف العذاب في الدنيا أما في الجزاء فلم يذكر له جزاء ولم يقل سأجزيه وإنما له الحسنى والحسنى هي الجنة. قدم في الجزاء ذكر مكافأة الله تعالى له جزاؤه الجنة وقوله (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا) هذا ليس جزاء. الذي يعمل صالحاً يريد الجنة وليس الكلام الذي يعمل صالحاً يريد الجنة ولا يريد أن تقول له أحسنت بارك الله فيك جزاك الله خيراً على ما قدمته لا تكون جازيته، سنقول له من أمرنا يسرا أي يقال له جزاك الله خيراً بارك الله فيه. في العذاب هناك عذابان واحد في الدنيا كأي ظلم يحصل في الأرض يحاسبه القانون والسلطة ويحاسبه الله تعالى في الآخرة. ذي القرنين ليس مكلفاً بجزاء المؤمن ولا السلطة مكلفة بجزاء المؤمن ولكن مكلفة بعقاب الظالم.
* ما دلالة استخدام السين وسوف مع ذي القرنين؟(د.فاضل السامرائى) ...(1/101)
سوف في استعمال القرآن آكد من السين وكلاهما يدلان عل المستقبل لكن بعضهما آكد من بعض مثل إنّ واللام إنّ آكد من اللام، وإنّ واللام آكد من إن لوحدها: لمحمد مسافر وإنّ محمد مسافر آكد وإن محمد لمسافر آكد. إذن سوف آكد من السين (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) لا بد أن يعاقب. هذه لغة العرب كانوا يفهمونها.
* هل ورد التنازع في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
ورد التنازع في القرآن الكريم في أكثر من موضع ومن ذلك قوله تعالى (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) الكهف) قطراً مفعول به هل هو للفعل آتوني أو الفعل أُفرغ؟ النحاة يجيزون أي واحد منهم لكن الإختلاف فقط في الترجيح فعند الكوفيين الأول هو الأولى في الإعمال وعند البصريين البصريين الثاني هو أولى بالإعمال وعند الفرّاء كلاهما يعملان معاً. عند النحاة كلاهما جائز لكن هناك مرجحات وكل واحد يحتج فالأول يقول الأول هو أولى باعتبار سابق والبصريين يقولون الثاني لأنه أقرب ولو كان الأول لكان هناك فاصل بين العامل والمعمول ولو كان كذلك لقال ربنا آتوني أفرغه عليه قطراً لأنه إذا أعملنا الأول يجب أن نضمر في الثاني وفيها كلام طويل لكنهما متفقان على أنه يجوز. في المعنى هو يعمل للإثنين لكن في الإعراب عند الكوفيين الأول هو الأولى وعند البصريين الثاني هو الأولى وعند الفراء يقول سيان. أكثر من عامل يشترك في معمول واحد وبدل أن يكرر جملة المعمولات (تسبحون ويحمدون وتكبرون الله ثلاثاً وثلاثين بدل أن يقول تسبحون الله وتحمدون الله وتكبرون الله فيجمعها كلها ويأتي بمعمول واحد لها يصلح لها جميعاً.، (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) الجن) خارج القرآن يقال أنهم ظنوا أن لا يبعث الله أحداً كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً.
*ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل استطاعوا واسطاعوا ؟
د.فاضل السامرائى :(1/102)
قال تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً {97}). زيادة التاء في فعل استطاع تجعل الفعل مناسباً للحث وزيادة المبنى في اللغة تفيد زيادة المعنى. والصعود على السدّ أهون من إحداث نقب فيه لأن السدّ قد صنعه ذو القرنين من زبر الحديد والنحاس المذاب لذا استخدم اسطاعوا مع الصعود على السد واستطاعوا مع النقب. فحذف مع الحدث الخفيف أي الصعود على السد ولم يحذف مع الحدث الشاق الطويل بل أعطاه أطول صيغة له، وكذلك فإن الصعود على السدّ يتطلّب زمناً أقصر من إحداث النقب فيه فحذف من الفعل وقصّر منه ليجانس النطق الزمني الذي يتطلبه كل حدث.
د.حسام النعيمى :
الكلام على ما صنعه ذو القرنين من سد وكان كما هو معلوم من الحديد وأمور أخرى (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا). سدّ الحديد الضخم تسلّقه أيسر من الثقب والنقب الذي يحتاج إلى جهد فاستعمل مع السهولة الحذف (اسطاعوا) ومع الصعوبة كمّل الفعل (استطاعوا) فضلاً عن أن كلمة اسطاعوا في هذا الموضع كأنها توحي بشيء من الإنزلاق يعني لما أرادوا أن يصعدوا ينزلقون فجاءت لفظة (اسطاعوا). استعمل البنية الكاملة للفعل استطاع لما كان العمل أصعب ولما كان أيسر استعمل اسطاع.
*هل لكتابة كلمة رحمة ورحمت بهذه الطريقة دلالة معينة في المصحف؟ وهل إذا وجدت الدلالة نرد على من يحاول أن يرسم المصحف بالرسم الإملائي؟ (د.حسام النعيمى)
كل من يريد أن يرسم المصحف يرسمه نقشاً على ما رسمه الصحابة الأولون لأن هذا إجماع الأمة وليس هناك في الأمة من يفتي بكتابة المصحف بالرسم الإملائي الحالي.(1/103)
لو نظرنا إلى الآية 98 من سورة الكهف (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)) نجدها مرسومة بالتاء المربوطة ولو نظرنا بعدها بأسطر في سورة مريم (ذِكْرُ رَحْمَتِِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) نجدها مرسومة بالتاء المفتوحة. وقلنا فيها رأيان أحياناً يقول قُريء بالجمع (رحمات) لكن في بعض الأحيان ما قُريء بالجمع ومع ذلك جاءت مرة مفتوحة ومرة مربوطة فهذا خطهم في ذلك الزمان ونحن نتابعه في المصحف على وجه التحديد. من حيث الرسم المصحفي إذا أردت أن ترسم مصحفاً فهذه هنا هي الأصوب وهذه هنا هي الأصوب. بالرسم الحالي الآن إذا وقفنا عليها بالهاء نرسمها بالتاء المربوطة. في رسم المصحف قول فصل: رحمة ورحمت.
*ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل حضر وجاء في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
فعل حضر والحضور في اللغة أولاً يعني الوجود وليس معناه بالضرورة المجيء إلى الشيء (يقال كنت حاضراً إذ كلّمه فلان بمهنى شاهد وموجود وهو نقيض الغياب) ويقال كنت حاضراً مجلسهم، وكنت حاضراً في السوق أي كنت موجوداً فيها.
أما المجيء فهو الإنتقال من مكان إلى مكان، فالحضور إذن غير المجيء ولهذا نقول الله حاضر في كل مكان دليل وجوده في كل مكان. وفي القرآن يقول تعالى (فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء) سورة الكهف بمعنى لم يكن موجوداً وإنما جاء الأمر.
القرآن الكريم له خصوصيات في التعبير وفي كلمة حضر وجاء لكل منها خصوصية أيضاً. حضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في سورة آية سورة البقرة وكأن الموت هو من جملة الشهود فالقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت فالكلام هو في الأحكام والوصايا (إن ترك خيراً الوصية) (ووصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد).(1/104)
أما مجيء الموت في القرآن فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في آية سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99}) يريد هذا الذي جاءه الموت أن يرجع ليعمل صالحاً في الدنيا فالكلام إذن يتعلق بالموت نفسه وأحوال الشخص الذي يموت.. ويستعمل فعل جاء مع غير كلمة الموت أيضاً كالأجل (فإذا جاء أجلهم) وسكرة الموت (وجاءت سكرة الموت) ولا يستعمل هنا حضر الموت لأن كما أسلفنا حضر الموت تستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود أما جاء فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت وأحوال الشخص في الموت.
*(قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) الكهف) ما دلالة صيغة كلمة دكاء على هذا الشكل؟(د.فاضل السامرائى)
دكاء هي الأرض المستوية. يتكلم عن السد الذي صنعه ذو القرنين، جعله دكاء يعني جعله مستوياً بالأرض، دكه فجعله مساوياً للأرض. وتأتي دكاء بمعنى الرابية من الطين لكن هي التسوية في الأرض لأن ربنا تعالى ذكر (لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) طه) (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحاقة).
آية (99):
*انظر آية (78).???
آية (103):
* ما اللمسة البيانية في إختيار كلمة الأخسرين في قوله تعالى في سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً {103})؟ وما الفرق بين الخاسرون والأخسرون؟(د.فاضل السامرائى)
ورد في القرآن الكريم استخدام كلمتي الخاسرون كما جاء في سورة النحل والأخسرون كما جاء في سورة هود والنمل وآية سورة الكهف. وفي اللغة الأخسر هو أكثر خسراناً من الخاسر.(1/105)
فى آية سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً {104}). نلاحظ استخدام كلمة (ضلّ) مع كلمة (سعيهم) ولم يقل ضل عملهم لأن السعي هو العدو أو المشي الشديد دون العدو، وقال في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يُحسن صنعا ولم يقل يعمل صالحاً، والإحسان هو الإتقان في العمل وليس العمل العادي. في اللغة لدينا: فعل وعمل وصنع. أما الفعل فقد تقال للجماد (نقول هذا فعل الرياح) وقد يكون للعاقل وغيره والعمل ليس بالضرورة صنعاً فقد يعمل الإنسان بدون صنع وأغلب ما يكون للعاقل وقلّما يُستعمل للحيوان، أما الصنع فهو أدقّ وهو من الصَّنعة وهو دقة العمل واتقان العمل كما في قوله تعالى (صُنع الله الذي أتقن كل شيء) والصنع لا تستعمل إلا للعاقل الذي يقصد العمل باتقان وإحسان.
إذن آية سورة الكهف جاء فيها سعي وإحسان وصُنع ومُضِلّ فكيف لا يكون الأخسر؟ لذا استوجب أن يؤتى بكلمة الأخسرين أعمالاً ومن الملاحظ أنه في القرآن كله لم يُنسب جهة الخُسران للعمل إلا في هذه الآية. ففي القرآن يستعمل كلمة الأخسرين ولم ترد الأخسرين أعمالاً إلا في هذه الآية لأنها الآية الوحيدة التي وقعت في سياق الأعمال من أولها إلى آخرها (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات).
والأخسرين إسم تفضيل أي أنه هناك اشتراك في الخُسران، يوجد خاسرون كُثُر سواء الكفرة والفَسَقة والظّلَمة بعضهم خاسر وبعضهم أخسر من بعض أي التفضيل فيما بين الخاسرين أنفسهم.
*ما الفرق بين النبأ والخبر؟(د.فاضل السامرائى)(1/106)
النبأ أهم من الخبر وأعظم منه وفيه فائدة مهمة (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) النمل) وفي القرآن النبأ أهم من الخبر (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) ص). والنبأ في اللغة هو الظهور وقد استعمل القرآن الكريم كلمة خبر مفردة في موطنين في قصة موسى - عليه السلام - (قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) القصص) (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) النمل) وهناك فرق بين الخبر والنبأ العظيم. وفي أخبار الماضين والرسل استعمل القرآن نبأ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) .
الصيغة الفعلية للنبأ (أنبأ) أقوى أيضاً منها للخبر (أخبر) (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الكهف).
ونرى في سورة الزلزلة قوله تعالى (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)) استعمال أخبارها مناسب للسورة لأنه تعالى ذكر الزلزلة في السورة ويوم القيامة سيكون هناك أحداثاً أعظم من الزلزلة فالزلزلة تحدث كل يوم ونشاهدها أمامنا.
ملحوظة: في نشرات الأخبار التي تقدمها الإذاعات إن كان الخبر عظيماً يجب أن يقال نشرة الأنباء وإن كان خبراً عادياً يقال نشرة الأخبار.
*من هم الأخسرين أعمالاً في سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103))؟(د.حسام النعيمى)
الآية ينبغي أن ينظر إليها في سياقها وإلا لو اقتطعنا الآية من سياقها يبقى في الذهن معنى مختلف .(1/107)
ننظر في تمام الآيات من هم الأخسرين أعمالاً؟ الذي يظنون أنهم يحسنون صنعاً ويعتقدون أنهم على صواب. ونكمل الآيات (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)) هل المسلم كفر بآيات ربه ولقائه؟ لا يقف عندها ويقول إني أحسب أني أحسن صنعاً أخشى أن هذا القول يشملني، كلا القول لا يشمل المسلم (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ) قال أولئك أي أبعدهم (الذين كفروا بآيات ربهم) كفروا بلقاء الله (فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)) المسلم لا يهزأ بآيات الله ولا برسل الله عز وجل. فإذن يجب أن ينظر في سياق الآيات حتى يكون مطمئناً إلى مكانه فالمسلم عزيز عند الله سبحانه وتعالى، الذي يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويعمل بمقتضاهما يكون مطمئن القلب إلى رحمة الله سبحانه وتعالى.
القراءة في المغرب وهم يحسِبون (حسب يحسِب) يظن أو يعدّ كلاهما من الحساب أو الحسبان. يقال حسَب التوقيت وحسْب التوقيت كلاهما وارد والفتح أولى (حسَب التوقيت) والسكون وارد وهو لغة.
*انظر آية (78).???
*(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) لقد سمعت أن الأخسرين أعمالاً تشمل المصلين ولكن الذين لا يزكون أو المصلين والمزكين لكن الذين لا يقدمون صدقات فأرجو أن نعرف ماذا تشمل هذه الآية الكريمة؟ (د.فاضل السامرائى)(1/108)
لو استمرت الأخت السائلة بالقراءة (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)) هذه الآية تبين من هؤلاء؟ إذن هم كفار كفروا بآيات ربهم ولقائه وليسوا من المسلمين.
آية (109):
*ما الفرق بين نفد و نفذ ؟ (د.فاضل السامرائى)
المعنى مختلف، نفذ بالذال يعني خرق كما في قوله تعالى(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) الرحمن) ونفد يعني انتهى كما في قوله تعالى (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) الكهف)مع كلمات الله.
* ما الفرق بين المدّ والمدد؟ (د.فاضل السامرائى)
المدّ والمَدد (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) مريم) مصدر هذا مفعول مطلق، (وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) الكهف) هذا إسم، مدد أي جنود أو غيره، المدّ هو المصدر. الضَر هو المصدر والضرر هو العلّة.
آية (110):
*ما دلالة كلمة (ليعمل) في قوله تعالى في سورة الكهف (من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) وهل هي جواب الشرط؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الكهف (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً {110} ). كلمة (ليعمل) في آية سورة الكهف هي جواب الشرط.
*د.حسام النعيمى:(1/109)
يجب ألا يضيق صدر الداعية المسلم مما يجابهه،. والمسلم مكلف. كلنا نقول نحن من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - والرسول بشر فإذن دعوة الناس لطاعة الله سبحانه وتعالى واجب من واجباتنا. (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110).
* ما الفرق بين (عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) و (عَمِلَ صَالِحًا)؟ (د.فاضل السامرائى)
لما يكون السياق في العمل يقول عملاً صالحاً كما في آخر سورة الكهف أيضاً (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110)) لأنه تكلم عن الأشخاص الذين يعملون أعمالاً سيئة ويكون السياق في الأعمال (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)) والسورة أصلاً بدأت بالعمل (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)).في عموم القرآن إذا كان السياق في العمل يقول (عملاً صالحاً). أما فى قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) البقرة) ليست في سياق الأعمال.
*في سورة الكهف (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)) ما دلالة الباء؟ (د.فاضل السامرائى)
((1/110)
في) معناها اشتراك في أمر في مسألة من المسائل، في بيع في تجارة (وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ (111) الإسراء) يشتركون في أمر من الأمور (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ (40) فاطر) يعني يشتركون فيها. الباء يعني يجعل له شريكاً نحن نشترك في عبادة الله لكن لا نشرك بالله لا نجعل له شريكاً (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) أي أشرك به جعل له نداً أشرك معه شريكاً. لا يجوز أن نقول لا يشرك في عبادة ربه أحداً، كيف أشترك في عبادة ربنا؟ إذن نشرك على كل من يعبد الله سبحانه وتعالى أما العبادة فتحددها بأن ننزل شخصاً آخر منزلة الله نجعل له شريكاًً والعياذ بالله. رغب فيه رغب عنه، رغب فيه بمعنى أحبه ورغب عنه بمعنى كره. (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) طه) إجعله شريكاً لي في هذا الأمر. هناك فرق بين الأمرين.
****تناسب افتتاح السورة وخاتمتها ****(1/111)
أولها (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)) إذن هو ذكر أمرين الإنذار والتبشير، نلاحظ آخر السورة ذكر الأمرين الإنذار والتبشير (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)) هذا إنذار،( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)) هذا تبشير، إذن في أول السورة وآخرها إنذار وتنشير. لو وضعت هذه الآيات بعد الآيات الأولى لكان هنالك تناسب فيما بينها.(1/112)
يا أيها الناس الذي لا يؤمن جزاؤه جهنم وذكر صفات جهنم والذين يؤمنون لهم الجنة وذكر صفات أهل الجنة (لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) لأن الإنسان بطبيعته يملّ من المشهد إذا تكرر ومن المقام إذا طال يريد غيره يعني الإنسان إذا رأى مكاناً جميلاً ويروقه مدة ثم يملّ ويذهب إلى مكان آخر ليبدله وهنا قال (لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) كأن الإنذار بجنهم وما فيها والتبشير بالجنة وما فيها لا يملون منها مطلقاً ولا يريدون التحول عنها (لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) معناه إما لأن المشاهد متغيرة والأشياء تتجدد أو النفوس تتغير أو كلاهما (لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا)، لينذر بأساً شديداً بالنار ويبشر المؤمنون بالجنة التي لا يبغون عنها حولا.
*****تناسب خواتيم الكهف مع بداية مريم*****(1/113)
في خواتيم الكهف قال (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)) وما فعله مع زكريا عندما طلب زكريا من ربه أن يهب له غلاماً (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)) أليس هذا من كلمات ربي؟ الكلمات يعني القدرة. كلمات ربي يعني قدرته لا تنتهي. الكلمات يعني علمه وقدرته سبحانه. ما فعله مع مريم (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)) وهو سمى عيسى كلمة فقال (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (45) آل عمران) (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47) آل عمران) هذه من كلمات الله.(1/114)
قال في بداية مريم (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) وسورة الكهف كلها في الرحمات رحم المساكين أصحاب السفينة بأن أنجاهم ورحم الأبوين المؤمنين بإبدال خير من ابنهما ورحم الغلامين بحفظ الكنز ورحم القوم الضعفاء من يأجوج ومأجوج ورحم الفتية أصحاب الكهف عندما حفظهم، سورة الكهف كلها رحمات فهذه في رحمة عباد الله وسورة مريم بدايتها في رحمة عبد من عباد الله (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)).
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الكهف للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى والدكتور عمر عبد الكافى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/115)
سورة مريم
تناسب خواتيم الكهف مع فواتح مريم ... قصة إبراهيم عليه السلام (41-50) ... آية (64) ... آية (85-86)
هدف السورة ... آية (52) ... آية (68) ... آية (88)
آية (1) ... آية (54) ... آية (69) ... آية (93)
قصة زكريا عليه السلام (2-15) ... آية (55) ... آية (71-72) ... آية (94)
قصة السيدة مريم وعيسى عليه السلام (16-36) ... آية (58) ... آية (75) ... تناسب بداية السورة مع خاتمتها
آية (39) ... آية (61) ... آية (79) ... تناسب خاتمة مريم مع طه
*تناسب خواتيم الكهف مع فواتح مريم*(1/1)
في خواتيم الكهف قال (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)) وما فعله مع زكريا عندما طلب زكريا من ربه أن يهب له غلاماً (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8))أليس هذا من كلمات ربي؟الكلمات يعني القدرة. كلمات ربي يعني قدرته لا تنتهي.الكلمات يعني علمه وقدرته سبحانه.ما فعله مع مريم(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)) وهو سمى عيسى كلمة فقال(إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (45)آل عمران)(إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ(47)آل عمران)هذه من كلمات الله.(1/2)
قال في بداية مريم(ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا(2))وسورة الكهف كلها في الرحمات رحم المساكين أصحاب السفينة بأن أنجاهم ورحم الأبوين المؤمنين بإبدال خيرمن ابنهماورحم الغلامين بحفظ الكنزورحم القوم الضعفاء من يأجوج ومأجوج ورحم الفتية أصحاب الكهف عندماحفظهم،سورة الكهف كلهارحمات فهذه في رحمةعباد الله وسورةمريم بدايتها في رحمةعبد من عبادالله(ذِكْرُرَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا(2)).
**هدف السورة: أهمية توريث الدين للأبناء**
فطر الله تعالى الخلق على حبّ الأبناء ولكنه كما في كل الرزق الذي يرزقنا به يحب أن نستعمله في طاعة الله ومرضاته والله تعالى يريد من عباده أن يجعلوا أولادهم حفظة للدين حتى تتوارثه الأجيال كما نورث أبناءنا المال من بعدنا. فحبّ الأبناء أمر فطري ولكن للذرية هدف أسمى من المتعة الفطرية بهم ألا وهو حفظ الدين للأجيال. ولذا فإن أكثر كلمتين تكررتا في السورة هما (الولد والورائة).
وراثة الدين: تبدأ هذه السورة المكية بالحديث عن وراثة الدين التي تمثلت في دعوة سيدنا زكريا (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) آية 5 و 6 إلى (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) آية 12 نتيجة الدعاء. والسبب الذي من أجله طلب زكريا الولد هو ليرث الرسالة والكتاب، كما هي الحال في آل عمران فزوجة عمران وهبت ما في بطنها لله وزكريا يريد ابناً يرث الدين من بعده ومريم وعيسى ثم ابراهيم واسحق ويعقوب ثم اسماعيل وأولاده فكل هؤلاء آباء تورث أبناءهم هذا الدين. الأمر واضح صدق سيدنا زكريا ربه بدعائه وعلم الهدف حقاُ فاستجاب له تعالى بأن وهبه سيدنا يحيى الذي آتاه الحكم صبيا.(1/3)
عيسى - صلى الله عليه وسلم - : النموذج الثاني في السورة و سيدنا عيسى - عليه السلام - (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * ...* وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) آية 30و 32. وجاءت كلمة البر على لسان عيسى - عليه السلام - ويحيى - عليه السلام - وهذا لأن أهلهم ربّوهم ليرثوا هذا الدين فكان الأبناء بارّين بأهلهم وهذا دليل حسن الخلف لخير السلف.
ابراهيم عليه السلام: قصة ابراهيم الخليل هي نموذج عكسي لما سبق إذ أن ابراهيم هو الذي كان ينصح أباه المشرك برفق وأدب ورقة تكررت كلمة (يا أبت) اربع مرات ولمّا لم يستجب له أبوه واعتزلهم وهب الله تعالى له اسحق ويعقوب ليكونوا من ورثة دينه الحنيف (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا) آية 49 .
ثم تصل الآيات إلى سيدنا اسماعيل (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ) آية 55 وكيف كان يأمر أهله بالصلاة والزكاة.(1/4)
التعقيب: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) آية 58 وتذكر الآية الذرية الصالحة الذين يتوارثون الدين والرسالة جيلاً وراء جيل. نلاحظ تكرار كلمة (ذرية) ويأتي مقابل هذا الإرث من لم يطبق هذا الأمر (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) آية 59 كيف سيحلّ عليهم عذاب الله. ونرى بديع سياق الآيات القرآنية ووكأنها بناء متماسك يطلب توريث الأبناء الرسالة والمنهج الحق ويعرض عقوبة الذي يخالف هذا المنهج.
ومن سياق الآيات نلاحظ أن ثلاثة أرباع السورة تقريباً تحدثت عن حاجة البشر للولد ونماذج مختلفة بأسلوب رقيق فجاءت فواصل الآيات رقيقة عذبة لأن الولد نفسه يمثل الرقة والحنو والعطف وقد وردت كلمة الرحمن في السورة 16 مرة. أما الربع الأخير من السورة فجاءت الآيات تنفي حاجة الله تعالى للولد وهو خالق الخلق كلهم وجاء أسلوب الآيات قاسياً وفواصل الآيات شديدة لأن هذا الأمر تخر الجبال له وتكاد السموات يتفطرن وتنشق الأرض منه فالله تعالى واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد لا إله إلا هو لا شريك له وما اتخذ صاحبة ولا ولدا سبحانه وتعالى عما يقولون ويفترون.
سميت السورة بـ (مريم) تخليداً لمعجزة خلق إنسان بلا أب ولأن الأم التي تمثلت في مريم عليها السلام هي المؤسسة والمورثة الحقيقية للأبناء وهي تمثل نموذجاً للمصاعب والمحن التي يواجهها توريث الدين للأبناء وهي سيدة نساء العالمين الطاهرة العذراء البتول.
***من اللمسات البيانية فى سورة مريم***
آية (1):(1/5)
*السور التي فيها أحرف مقطعة ولم يرد بعدها ذكر كلمة الكتاب ولا القرآن:( د.حسام النعيمى)
هذه الظاهرة موجودة في خمس سور تبدأ بالأحرف المقطعة وليس وراءها مباشرة لا ذكر قرآن ولا ذكر كتاب. لكن لما تتلو السورة كاملة ستجد في داخلها ذكراً للكتاب والقرآن أو الكتاب وحده أو القرآن وحده أو الذكر، هذه مسألة. والمسألة الثانية هي جميعاً في نهايتها كلام على القرآن فكأنها تأخذ الأول والآخر، في البداية (ألم) وفي الآخر كلام على القرآن أو الذكر أو حديث عن هذا الذي أُنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيكون جمعاً بين الاثنتين، والنقطة الثالثة لكا يكون عندنا 29 موضعاً، 24 منها بهيئة معينة، الخمسة الباقية تكون محولة على الكثير تُفهم من خلال الكثير. لما عندي مجموعة من الطلبة يقرأون القرآن تقول للأول إبدأ فيقرأ فتلتفت إلى شخص تقول له يا زيد أكمل فيُكمِل ثم تلتفت لآخر وتقول يا عمرو أكمل فيُكمِل فلو استعملت يا فلان أكمِل 24 مرة ألا يسعك بعد ذلك أن تقول يا فلان ويفهم أنه أكمِل؟! لا تقول له يا فلان أكمِل لأنك قلتها 24 مرة فتكتفي أن تقول يا فلان فيعلم من ذلك. لما يكون 24 موضعاً فيها بعد الأحرف المقطعة القرآن أو الكتاب، هذه الخمسة تابعة لها ولا سيما إذا أضفنا إلى ذلك أن القرآن أو الكتاب ذُكِر في داخل السورة وأنه جاء في الآخر.
النماذج:
سورة مريم (كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) قد يقول قائل أن الآية ليس فيها ذكر الكتاب وإنما ذكر الرحمة لكن لما نمضي في السورة نجد (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)) ذكر الكتاب وفي نهاية السورة (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)) ما الذي يسّره بلسانه؟ واضح أنه القرآن فإذن ختمت السورة بكلام على القرآن.(1/6)
سورة العنكبوت (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) لم تذكر الكتاب والقرآن مباشرة لكن لما نمضي نجد أنه يقول (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)) وفي نهاية السورة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)) ما الحق الذي جاء به الناس؟ القرآن إذن إشارة إلى القرآن.
سورة الروم (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)) لا يوجد قرآن ولا كتاب ولما نمضي نجد فيها (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)) وفي الختام (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58)).
سورة الشورى (حم (1) عسق (2)) بعدها مباشرة (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3))) ماذا يوحي؟ يوحي القرآن. مع ذلك يقولون لم يذكر قرآن ولا كتاب وإذا جئنا إلى نهاية السورة (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)) ذكر الكتاب.(1/7)
سورة نون (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)) ذكر القلم مباشرة (وما يسطرون) وفي الداخل (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)) وفي الآخر (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)). ماذا سمعوا؟ الذكر والذكر هو القرآن.
فإذن السور الخمس جاء في داخلها القرآن وختمت بكلام على القرآن أو الكتاب إما صريح وإما بإعادة الضمير أو استعمال الذِكر فإذن ربط الأول والآخر.
القرآن مؤلف من هذه الأحرف ولا سيما في 29 موضعاً وهذا مذهبنا في ذلك إختيارنا لما قاله علماؤنا القدماء لأن القدماء عندهم أكثر من رأي وهذا رأي من آرائهم. الذي تكلمنا فيه هذا من الجهد الشخصي.
قصة زكريا عليه السلام (2-15)
آية (2):
*هل لكتابة كلمة رحمة ورحمت بهذه الطريقة دلالة معينة في المصحف؟ (د.حسام النعيمى)
لو نظرنا إلى الآية(2) في سورة مريم (ذِكْرُ رَحْمَتِِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) نجدها مرسومة بالتاء المفتوحة. فيها رأيان أحياناً يقول قُريء بالجمع (رحمات) لكن في بعض الأحيان ما قُريء بالجمع ومع ذلك جاءت مرة مفتوحة ومرة مربوطة فهذا خطهم في ذلك الزمان ونحن نتابعه في المصحف على وجه التحديد.من حيث الرسم المصحفي إذا وقفنا عليها بالهاء نرسمها بالتاء المربوطة. في رسم المصحف قول فصل: رحمة ورحمت.
آية (5):
*ما الفرق بين العقيم والعاقر؟(د.حسام النعيمى)(1/8)
كلاهما إمتناع الحمل أو الإنجاب هذا الأصل هذا كتاب الله بلغة العرب, لكن انظر إلى هذا العلوّ الذي لا تكاد تجده في لغة أخرى. لو أخذنا الكلمتين: عين وقاف وبينهما إما ميم أو راء. كيف ننطق الراء؟ الفم مفتوح والراء يتكرر، والميم: الفم مقفل مجرى النطق الطبيعي أُغلق ويخرج الصوت من الأنف غنّة من الأنف. ويقول العلماء لقحت الناقة عن عُقر، يعني يمكن الناقة أن تكون عاقراً ثم ينالها الحمل. إذن العقر قد يعقبه حمل عند العرب.(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) قال عاقراً يمكن أن تحمل فهو دعا الله عز وجل و كان يتوقع أن يستجيب الله تعالى له لكن مع ذلك لما فوجيء بلاستجابةً.
العقم هو الداء الذي لا يُبرأ منه ورحمٌ معقومة أي مسدودة في اللغة لا تنفتح ولا تلد. ويقال ريح عقيم لا تلقح سحاباً ولا شجراً.ويوم القيامة يوم عقيم لأنه لايوم بعده. فإذن كلمةالعقم تطلق على مالا نتيجة من ورائه. لكن العقر يعالج لكنهم الآن يستعملون معالجة العقم هذا إستعمال محدث، (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًاوَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) الشورى).أى ليس هناك مجال للإنجاب.
إمرأة إبراهيم كانت عاقراً أو عقيماً؟
((1/9)
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) الذاريات) ما قالت عجوز عاقر مع أنها بُشّرت بغلام. أولاً هي جاءت في صرة أي في صيحة أو ولولة وضربت وجهها كأنها تستحي على كِبر سِنّها وقالت عجوز عقيم لأنهاعند نفسها من التجربة التي مرت بها إلى أن بلغت مرحلة الشيخوخة هي عقيم لأن قولها عاقركأنها كانت تتأمل فى الإنجاب ولكنها قطعت الأمل تماماً ولو قالت عاقر لكان الكلام غير سليم .هل كانت زوجة إبراهيم تتحدث اللغة العربية؟ قلنا القرآن ليس ترجمة حرفية لكلام من يروي عنهم وإنما هو صياغة جديدة بالأسلوب العربي لِما وقع. ولذلك تأتي العبارات مختلفة بحسب السياق لواقعة واحدة بحسب سياقها وبحسب الآيات الواردة فيها.
آية (7-8):
* ما الفرق بين كلمة ولد وغلام واستخدام الفعل يفعل ويخلق في قصتي زكريا ومريم؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة مريم (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا {8} قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)) وقال في سورة آل عمران (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)) في تبشير زكريا - عليه السلام - بيحيى - عليه السلام -(1/10)
وقال تعالى في سورة مريم (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)وفي سورة آل عمران (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)) في تبشير مريم بعيسى - عليه السلام - .
وإذا سألنا أيهما أيسر أن يفعل أو أن يخلق؟ يكون الجواب أن يفعل ونسأل أحدهم لم تقعل هذا فيقول أنا أفعل ما أشاء لكن لا يقول أنا أخلق ما أشاء. فالفعل أيسر من الخلق .
ثم نسأل سؤالاً آخر أيهما أسهل الإيجاد من أبوين أو الإيجاد من أم بلا أبّ؟ يكون الجواب بالتأكيد الإيجاد من أبوين وعليه جعل تعالى الفعل الأيسر (يفعل) مع الأمر الأيسر وهو الإيجاد من أبوين، وجعل الفعل الأصعب (يخلق) مع الأمر الأصعب وهو الإيجاد من أم بلا أبّ.(1/11)
هذا بالنسبة لما يتعلق بفعل يفعل ويخلق أما ما يتعلق باستخدام كلمة ولد أو غلام: إن الله تعالى لمّا بشّر زكريا بيحيى قال تعالى (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)) فكان ردّ زكريا (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)) لأن البشارة جاءت بيحيى ويحيى غلام فكان الجواب باستخدام كلمة غلام. أما لمّا بشر مريم بعيسى قال تعالى (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)) فجاء ردّها (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)) في سورة آل عمران لأنه جاء في الآية (كلمة منه) والكلمة أعمّ من الغلام وقد جاء في الآية (ِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ولمّا كان التبشير باستخدام (كلمة منه) جاء الردّ بكلمة ولد لأن الولد يُطلق على الذكر والأنثى وعلى المفرد والجمع وقد ورد في القرآن استخدامها في موضع الجمع (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) الكهف).(1/12)
أما في سورة مريم فجاء التبشير في قوله تعالى (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)) باستخدام كلمة غلام فجاء ردّ مريم (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)) باستخدام نفس الكلمة غلام لأن المَلَك أخبرها أنه يبشرها بغلام. أما مع زكريا وتبشيره بيحيى فقد جاء أيضاً في سورة مريم بنفس الكلمة غلام فكان الرد في الآيتين باستخدام كلمة غلام.
*ما الفرق بين(وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) و(وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا)؟ (د.أحمد الكبيسى)(1/13)
سيدنا زكريا قال (لَا تَذَرْنِي فَرْدًا {89} الأنبياء) لما الله قال بشرناه بيحيى ومريم بشروها بعيسى زكريا قال (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {40} آل عمران) هذا سيدنا زكريا، في مكان آخر قال (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا {8} مريم). لماذا في الآية الأولى (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ), واو حال امرأتي مبتدأ الياء مضاف إليه عاقر خبر (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ). في الآية الثانية أدخل (كان) (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا). سيدنا زكريا ماذا قال بالضبط؟ أي واحدة منهما؟ وحدة مبتدأ وخبر والأخرى كان واسمها وخبرها ولكل واحدة معنى. (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) الآن (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) بالماضي ما الذي قاله سيدنا زكريا؟ في الحقيقة نحن كلنا نتصور أن كل هذا جرى بنفس الزمان والمكان لا طبعاً رب العالمين لما قال لسيدنا موسى (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ {88} يونس) ماذا قال له الله؟ (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا {89} يونس) أنت وهارون طبعاً الذي كان يدعو موسى هارون كان يقول آمين ولهذا المؤمِّن والداعي سواء قال (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) متى؟ يعني رأساً رب العالمين طمس على فرعون؟ لا بل بعد 40 سنة. حينئذٍ عندما تأتي آية أخرى تتحدث عن موضوع آخر نفس الآية فيها اختلاف تتكلم عن ساعة نزول العذاب بعد أربعين سنة.(1/14)
حينئذٍ نقول اختلاف العبارتين تُفهم القارئ المسلم أن سيدنا زكريا وقف مع ربه عن طريق الملائكة في حالتين: الحال عندما بشروه عندما رأى السيدة العذراء يأتيها رزقها رغداً ولا يعلم من أين (أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {37} هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ {38} آل عمران) (هُنَالِكَ) هنالك زمان ومكان (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) أعطيني ولد، بشروه قال (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى {39} آل عمران) هذه البشارة، متى صار التنفيذ؟ كما يقول الرازي وغيره بعد ستين سنة صار الحمل من أجل هذا رب العالمين سبحانه وتعالى بهذه العبارتين المختلفتين (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) يحدثك وعليك أن تبحث وأنت العربي أو أنت متعلم العربية وكل مسلم لا بد أن يتعلمها كما يقول الإمام المودودي (تعلُّم العربية فرضٌ كالصلاة والصوم). إذاً هذه في وقتين مختلفين (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) ساعة ما بشر بيحيى (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) عندما حملت قال يا ربي أنى يكون لي ولد وهذه المرأة حامل وهي عاقر!(1/15)
هنالك عقيم وعاقر العاقر فيها خلل يعني تذهب للطبيب ويعالجها كما يحصل الآن كثير من الناس مدة سنة سنتين ثلاث أربع خمس عشرة لا تنجب تسمى عاقر ثم يصف لها الطبيب دواء فتنجب هذه عاقر فيها خلل أصلحوه. أما العقيم لا لو تأتي بكل أطباء العالم لا فائدة (أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ {41} الذاريات) ما فيها أبداً خير فلما كانت عاقر قال (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ {90} الأنبياء) في خلل أصلحناه هذا فِعل. سيدنا عيسى بدون زوج خلقه كخلق آدم (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ {59} آل عمران). إذاً الفرق بين (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) وآية أخرى (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) أن الله سبحانه وتعالى لما بشره بالبداية قال له كيف وأنا امرأتي عاقر؟ (قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) سنصلح لك هذا الخلل في امرأتك الله قال (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ {90} الأنبياء) ولهذا العقر يزول بالدعاء كما هي هذه الآية. طبعاً الدعاء من الصالحين غير الدعاء من غيرهم فهو دعاء مصحوب بالعمل، هذا الفرق.
*لِمَ ذكر تعالى كلمة مذكور (لم يكن شيئاً مذكورا)فى سورة الإنسان ولم يقل ذلك في سورة مريم (ولم تك شيئا) ؟(د.فاضل السامرائى)
هناك أكثر من سبب لذكر كلمة (مذكور)فى سورة الإنسان:
أولاً هي إشارة إلى تطور على جميع مراحل الإنسان فقد خلق الإنسان من لا شيء وكان شيئاً ولم يكن مذكورا ثم نطفة أمشاج ولو لم يقل مذكورا لأفاد أنه قفز فوق المرحلة الوسطى والسورة كما أسلفنا تتحدث عن تطور مراحل الإنسان وجميع أطواره قبل وجوده ووجوده وهو غير مذكور ووجوده وهو مذكور والنطفة وغيرها.
إذن لماذا لم يستخدم كلمة مذكورا في سورة مريم؟(1/16)
عدم ذكرها في سورة مريم هو المناسب لأن الآية في السورة خطاب لزكريا - عليه السلام - عندما دعا ربه ليهب له غلاماً فقال تعالى (إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى) فيتعجب زكريا (أنّى يكون لي غلام) فقال تعالى (ولقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) بمعنى أن الله تعالى خلقه ولم يكن شيئاً أصلاً ولو قال شيئاً مذكورا لا تظهر قدرة الله تعالى لأنها ستفيد أنه كان شيئاً لكنه لم يكن مذكورا. فالخلق من أبوين أيسر عند الله من الخلق من العدم لكن الله تعالى يريد أن يُظهر أنه خلق زكريا ولم يكن شيئاً مذكوراً أي خلقه من العدم وهذا أصعب من الخلق من ابوين وكله عند الله تعالى سهل لكننا نتحدث من منطق البشر. والعموم يدلُ على القدرة الأكبر ولو قال في آية سورة مريم (شيئاً مذكورا) لم تؤدي المعنى المطلوب في الآية. وهذا أدلُ على القدرة، كذلك في قوله تعالى (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) لم يأت بكلمة مذكورا هنا أيضاً لأن الخطاب في الآية للذين أنكروا البعث فهم يستبعدون أن يعيدهم الله بعد موتهم فيخبرهم الله تعالى أن الإعادة أيسر من الإبتداء بالخلق من عدم ونفي الشيء هو أبلغ من الذكر.
آية (10):
*ما الفرق التعبيري والبياني بين قصة زكريا - عليه السلام - في سورتي مريم وآل عمران ولماذا جاء في إحداها ثلاث ليال وفي الأخرى ثلاثة أيام؟ (د.فاضل السامرائى)
إذا استعرضنا الآيات في كلتا السورتين نجد فروقات منها:(1/17)
ثلاث ليال وثلاثة أيام، وسبحوا بكرة وعشيا (نكرة) واذكر اسم ربك وسبح بالعشي والإبكار (معرّفة)، وتقديم مانع الذرية من جهة زكريا على جهة زوجته في آية وتأخيرها في الثانية، وذكر الكبر مرة أنه بلغه ومرة أن زكريا بلغه، وتقديم العشي على الإبكار مرة وتأخيرها مرة، وطلب الله تعالى من زكريا التسبيح له مرة وطلب زكريا من قومه التسبيح لله، وسياق الآيات في السورتين يدل على أمور أخرى، وهنالك أكثر من مسألة تجعل المشهدين متقابلين تقابل الليل والنهار وسنستعرض كل منها على حدة فيما سيتقدم:(1/18)
قال تعالى في سورة مريم (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا {2} إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً {3} قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً {4} وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً {5} يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً {6} يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً {7} قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً {8} قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً {9} قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً {10} فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً {11}) وقال في سورة آل عمران (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء {38} فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39} قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {40} قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ {41})(1/19)
الفرق بين ليال وأيام: اليوم هو من طلوع الشمس إلى غروبها (باختلاف المفهوم المستحدث السائد أن اليوم يشكل الليل والنهار)، أما الليل هو من غروب الشمس إلى بزوغ الفجر. وقد فرّق بينها القرآن في قوله تعالى في سورة الحاقة (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ {7}) وهذا هو التعبير الأصلي للغة. وفي آية سورة آل عمران لا يستطيع زكريا - عليه السلام - أن يكلّم الناس ثلاث أيام بلياليهن لكن جعل قسم منها في سورة آل عمران وقسم في سورة مريم.
هناك ممهدات للقصة هى سبب اختيارالليل في سورة مريم وهي:
*النداء الخفي (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً {3}) هذا النداء الخفي يذكّر بالليل لأن خفاء النداء يوحي بخفاء الليل فهناك تناسب بين الخفاء والليل.
*ذكر ضعفه وبلوغ الضعف الشديد مع الليل (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) وكلمة عتيّا تعني التعب الشديد وقد ذكر في آيات سورة مريم مظاهر الشيخوخة كلها مع الليل مالم يذكره في آل عمران لأن الشيخوخة تقابل الليل وما فيه من فضاء وسكون والتعب الشديد يظهر على الإنسان عندما يخلد للراحة في الليل، أما الشباب فيقابل النهار بما فيه من حركة.
*ويذكر في سورة مريم (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) يعني بعد الموت والموت عبارة عن ليل طويل ولم يذكر هذا الأمر في آل عمران.
هذه كلها هي المقدمات والآن نأتي إلى صلب الموضوع:(1/20)
هناك أمر أساسي لو نظرنا في ورود الآيتين في السورتين نجد أن البشارة بيحيى في سورة آل عمران (أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ) أكبر وأعظم مما جاء في سورة مريم (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً {7}) كان التفصيل بالصفات الكاملة في آل عمران ليحيى أكثر منها في سورة مريم وهذه البشارة لها أثرها بكل ما يتعلق بباقي النقاط في الآيتين.
ومما لا شك فيه أن عِظم البشارة يقتضي عظم الشكر لذا قال في آل عمران (آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً) وفي مريم (قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً) فاليوم أبين من الليل بإظهار هذه الآية والذكر في الليل أقل منه في النهار والآية أظهر وأبين في النهار من الليل. الناس ينامون وزكريا لا بد أن ينام إذن ظهور الآية في النهار أوضح لأن المخالطة أكثر والتسبيح أكثر والذكر أكثر والعبادة أكثر لأنه ينام قسماً من الليل ويقل التسبيح والذين أوحى إليهم أن يسبحوا أقل لأنهم سينامون
طلب الله تعالى من زكريا - عليه السلام - ذكر ربه والتسبيح في آل عمران (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ)، وفي مريم زكريا - عليه السلام - هو الذي طلب من قومه أن يسبحوا الله بكرة وعشيا (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) وتسبيح زكريا أدلّ على شكره لله تعالى من تسبيح قوم زكريا.(1/21)
طلب الله تعالى من زكريا - عليه السلام - أن يذكره كثيرا (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً) وهذا مناسب لعِظم البشارة وطلب منه الجمع بين الذكر الكثير والتسبيح (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَار)هذا الشكر والذكر الكثير مناسب لعظم البشارة أما في مريم فقال تعالى على لسان زكريا مخاطباً قومه (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً). إذن في آية آل عمران ذكر وتسبيح كثير ويوقم به زكريا نفسه وهو أدلّ على عِظم الشكر لله تعالى.
زكريا - عليه السلام - قدّم مانع الذرية في آل عمران من جهته على جهة زوجته (قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {40}) وهذا ناسب أمره هو بالذكر والتسبيح، أما في مريم فقدّم مانع الذرية من زوجته على الموانع فيه (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً {8}) وهذا ناسب الأمر لغيره بالتسبيح.
في آل عمران ذكر أن الكبر أدركه وبلغه فقال (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) الفاعل الكبر، وفي مريم قال (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) هو الفاعل والكِبر مفعول به.(1/22)
وفي آل عمران قال (وَامْرَأَتِي عَاقِر) أما في سورة مريم فقال (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً) ونسأل ما الداعي لتقديم المانع في كل سورة على الشكل الذي ورد في السورتين؟ نقول أن العقر إما أن يكون في حال الشباب أو أنه حدث عند الكبر أي انقطع حملها وفي آل عمران (وامرأتي عاقر) يحتمل أنه لم تكن عاقراً قبل ذلك هذا من حيث اللغة، أما في سورة مريم تفيد أنها كانت عاقراً منذ شبابها فقدّم ما هو أغرب. قال (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) قال (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) هذا أنسب بدأ بها لأنها هي العاقر بداية وأنا كِبري جاء متأخراً وأنا كنت أنجب لكن هي كانت عاقراً وهي كانت السبب (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) وفي آل عمران قال بلغني الكبر أي أنا الآن كبير وامرأتي عاقر، الآن هو كبر وهي عاقر إذن التقديم والتأخير له سبب.
البشارة جاءت في آية آل عمران لزكريا وهو قائم يصلي في المحراب (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى) ولم ترد في آيو سورة مريم فلم يذكر فيها أنه كان قائماً يصلي في المحراب وإنما وردت أنه خرج من المحراب (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ) فذكر في آل عمران الوضعية التي تناسب عِظم البشارة.(1/23)
قدّم العشي على الإبكار في آية سورة آل عمران (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَار) على خلاف آية سورة مريم (بُكْرَةً وَعَشِيّاً). لمّا ذكر الليل في سورة مريم (ثلاث ليال) قدّم بكرة على عشيا لأن البكرة وقتها من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والعشي وقتها من صلاة الظهر إلى المغرب فعندما ذكر الليل ناسب ذكر البكرة لأنها تأتي مباشرة بعد الليل ثم تأتي العشية ولو قال عشياً أولاً لكانت ذهبت فترة بكرة بدون تسبيح. أما في آل عمران (ثلاثة أيام) وجب تقديم العشي على الإبكار ولو قال بكرة وعشيا لذهبت البكرة والعشي بدون تسبيح فقدّم ما هو أدلّ على الشكر في الآيتين.
لماذا جاءت بكرة وعشيا نكرة في سورة مريم ومعرفة في آل عمران (بالعشي والإبكار)؟ ال تفيد العموم لا الخصوص والمقصود بـ (العشي والإبكار) على الدوام وهي أدلّ على الدوام عظم الشكر لذا ناسب مجيئها في آية آل عمران لتناسب عظم البشارة وما تستوجبه من عظم الشكر. ونسأل لماذا لم يقل صباحاً ومساء؟ لأن الصباح والمساء يكون في يوم بعينه.
وذكر في آل عمران أن الكِبر بلغه (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) فكأن الكبر يسير وراءه حثيثاً حتى بلغه فالكِبر هنا هو الفاعل، أما في سورة مريم (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً) فكأنه هو الذي بلغ الكِبر وهذا يدل على اختلاف التعبير بين السورتين.
آية(12):
*قال تعالى:(يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) مريم) ماذا آتاه الله؟ هل الحكم هو النبوة أو آتاه شيئاً آخر؟(د.حسام النعيمى)
الحُكم هو الحكمة ويحيى - عليه السلام - من صِغره كان حكيماً.
آية (15):
*ما الفرق بين سلام والسلام في قوله تعالى (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) مريم) و (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) مريم) ؟(د.فاضل السامرائى)(1/24)
السلام معرفة والمعرفة هو ما دلّ على أمر معين، وسلام لك والأصل في النكرة العموم إذن كلمة سلام عامة وكلمة السلام أمر معين. لما نقول رجل يعني أيّ رجل ولما نقول الرجل أقصد رجلاً معيناً أو تعريف الجنس. الأصل في النكرة العموم والشمول. إذن (سلام) أعم لأنها نكرة وربنا سبحانه وتعالى لم يحييّ إلا بالتنكير في القرآن كله مثل (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (59) النمل) (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) الصافات) حتى في الجنة (سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58) يس) حتى الملائكة (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر) ربنا تعالى لم يحييّ هو إلا بالتنكير لأنه أعم وأشمل كل السلام لا يترك منه شيئاً. (سلام عليه) هذه تحية ربنا على يحيى والآية الأخرى عيسى ? سلم على نفسه وليس من عند الله سبحانه وتعالى، سلام نكرة من قبل الله تعالى والسلام من عيسى ? وليس من الله تعالى والتعريف هنا (السلام) أفاد التخصيص. ويقولون تعريض بالذين يدعون أن مريم كذا وكذا فقال (والسلام علي) رد على متهمي مريم عليها السلام.
*ما اللمسة البيانية في استعمال كلمة (سلام) و(السلام) في سورة مريم في قصتي يحيى - عليه السلام - وعيسى - عليه السلام - ؟(د.فاضل السامرائى)(1/25)
قال تعالى في سورة مريم في قصة يحيى - عليه السلام - (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً {15})، أما في قصة عيسى - عليه السلام - فقال تعالى (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً {33}) السلام معرفة وسلام نكرة والنكرة عادة تدل على الشمول والعموم والمعرفة تدل على الإختصاص. فكلمة سلام أعمّ من السلام ولذلك تحية أهل الجنة هي (سلام) وهي كلها جاءت بالتنكير وتدل على السلام العام الشامل (سلام عليكم) (تحيتهم يوم يلقونه سلام) وتحية أهل الجنة سلام وتحية الله تعالى لعباده سلام (سلام على موسى وهارون) ولم يحيي الله تعالى عباده المرسلين بالتعريف أبداً وجاء كله بالتنكير سواء في الجنة أو لعباده وتحية سيدنا يحيى - عليه السلام - هي من الله تعالى لذا جاءت بالتنكير أما تحية عيسى - عليه السلام - فهي من نفسه فجاءت بالمعرفة. وهناك أمر آخر هو أن تحية الله تعالى أعمّ وأشمل وعيسى - عليه السلام - لم يحيي نفسه بالتنكير تأدباً أمام الله تعالى فحيّى نفسه بالسلام المعرّف.
* ما دلالة إستخدام الفعل المضارع يموت في قوله تعالى (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) مريم)؟(د.حسام النعيمى)
الكلام عن يحيى - عليه السلام - قال (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)) يموت: فعل مضارع. نحن نعلم لما قال على لسان عيسى - عليه السلام - (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)) يمكن أن يكون هو لم يمت ميتة البشر وإنما ميتة نقل إلى السماء.(1/26)
هذا يتعلق بشيء في اللغة يسمونه: "حكاية حالٍ ماضية".مثلاً لما أقول: تكلم أبي معي وقال إنه سيصنع كذا وسيقول كذا وذلك قبل وفاته، فأنت تنقل الحال الماضية في حال المضي في واقعه عندما كان يتحدث في ذلك الوقت قال: سأذهب وسوف أفعل وسيكون كذا هو يمكن أن يكون فعل. فصارت العبارة هي حكاية حال ماضية يعني في الماضي كان حاله هذا ننتقل إلى الماضي ونعيش في حالة المتكلم. يحيى في الماضي قيل عنه: (سلام عليه يوم ولد يوم يموت ويوم يبعث حيّا)(يوم وُلِد) لأنه كان مولودأً، وكان حياً وسوف يموت ومات بعدها (ويوم يموت). والكلام في الماضي عن إنسان كان حيّاً. يحكون حال الإنسان في الماضي ففيه مجال للفعل المضارع، لفعل الأمركما قلنا قال أبي إفعلوا هذا ولا تفعلوا هذا وهو يوصينا عند وفاته.
بالنسبة لعيسى أيضاً الكلام (والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًّا) وهو حيّ.هو قطعاً لم يُصلب (وما قتلوه وما صلبوه)لكن حسب الحديث الصحيح "أنه سينزل آخر الزمان يقيم الناس على دين محمد - صلى الله عليه وسلم - ".
دلالة كلمة (حيّاً) مع البعث: فيه نوع من التوكيد أن هذا الموت وراءه حياة. بعثه بمعنى أخرجه. قد يقال أخرجه ميتاً من قبره لكن بعثه حيّاً أي أعاد إليه حياته.
قصة السيدة مريم وعيسى عليه السلام (16-36)
آية (17):
*ما الفرق بين الروح والنفس؟(د.حسام النعيمى)
أن كلمة نفس أخصّ من كلمة روح لكن كلمة الروح استعملها القرآن الكريم مفردة ولم يستعملها مجموعة (أرواح) وإنما عندنا كلمة (نفس– أنفس– نفوس) لأنها خفيفة ومعاني كلمة الروح في القرآن جاءت في قضايا الغيب في المسائل الغيبية:(1/27)
أولاً جاءت في معنى الكيان المجهول في الانسان كما فى قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، والمعنى الثاني الوحي إما المََلَك أو الكلمات الموحى بها وهي تنزل غيباً الى أن تكون شهادة بعد ذلك الروح جبريل يعبّر عنها إما روح القدس أو الروح (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) مريم) ، أو كلمات الوحي(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا (52) الشورى) المقصود الكتاب. بينما النفس معانيها كثيرة جداً ومن معانيها الروح وأراد أن يخصص كلمة روح لهذا الغيب.
آية (19-21):
*انظر آية (8).???
* ما سر الاختلاف بين استخدام كلمة غلام في سورة مريم (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)) وعلى لسان زكريا في سورة آل عمران (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)) يبنما جاءت كلمة ولد في سورة آل عمران (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)) في قصة مريم عليها السلام؟(د.حسام النعيمى)(1/28)
لما تأتي الرواية وتذكر لنا كلمة غلام ترد كلمة غلام (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)) هو يقول لها سأهب لك غلاماً قطعاً هي تقول (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) ونفس الأمر بالنسبة لزكريا (أنى يكون لي غلام) لأن الكلمة كانت مكررة. أما كلمة ولد قالتها ولاحظ الصورة تختلف هنا. هناك الملك لما بلغها أنه جاء ليهب لها غلاماً تقول للملك (أنى يكون لي غلام) الصورة الأخرى الملائكة تبشرها (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)) هنا أُدخل إسم الله والصورة واضحة: هناك قال (لأهب لك) مهمتي أن أجعلك ذات غلام قالت (أنى يكون لي غلام) مباشرة لكن هنا (إن الله يبشرك) هنا في هذا الظرف الملائكة تبشرها وذكرت لها الله سبحانه وتعالى بكل صفاته هي ماذا اختارت؟ قالت (رَبِّ) من أسماء الله سبحانه وتعالى الربّ والمربي بكل ما فيه من صفات الحنو والرعاية (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ). الولد في اللغة للذكر أو الأنثى أصلاً هي مستغربة أن تكون أماً بصرف النظر عن أن يكون هذا الذي سترزق به ذكراً أو أنثى قالت (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) لأن ما وردت هنا كلمة غلام ما قيل لها غلام حتى ترد بكلمة غلام وإنما الكلام عن المولود بُشّرت بمولود وذُكِرت كلمة المهد والذي في المهد الوليد حديثاً فالمهد يناسبه الولد والله أعلم.
*ماالفرق بين (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) و (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) و ما الفرق بين (يَكُونُ لِي وَلَدٌ) و (يَكُونُ لِي غُلَامٌ) ؟ (د.أحمد الكبيسى)(1/29)
أولاً نقول عن السيدة مريم مرة قالت (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ {47} آل عمران) وفي مريم (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ {20} مريم) من دون ربِّ لماذا؟ في الأولى لما قالت ربي لما جاءها مجموعة من الملائكة وجاءها جبريل وكان جو ملائكي وبشروها قالت ربِّ (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) وأنا ما عندي زوج وما مسسني بشر، ولما قالت (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) لم يكن هنالك ملائكة فقط رأت شخصاً (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ {18} مريم) أنت من؟ (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا {17} مريم) ارتعبت خافت فهي كانت في زاوية كانت في تلة كبيرة داخل بستان تختلي بها للذكر والصلاة والدعاء وفجأة هذا الرجل أمامها فتعوذت منه (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا {18} مريم) إذا كان أنت من التقوى فأعوذ بالله منك وإذا لم تكن تقي الاستعاذة لا تفيدك لأنك أنت لا تعرف الله ولا تعرف شيئاً والخ فحينئذٍ قال لها (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ {19} مريم) ففي هذا الجو المرعوب وكذا ووحدها وهذا الرجل ممكن أن يكون لصاً أو فاتكاً أو فاجراً فقال لها (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا {19} مريم) ففي صرخة قالت (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ {20} مريم) في صرخة لم تقل يا ربي لأنه هو كان ريبة كله الموقف كان مريباً هذه أول مرة ولكن في المرة الثانية قالت (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) مرة قالت ولد وانظر إلى دقة القرآن الكريم لما قالت (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) لما كانت تخاطب الله في الجو القدسي مع الملائكة كانت تسأل ليس عن الولد الغلام بنت أو ولد هي مبدأ الحمل فالولد ينطبق على الاثنين (البنت والولد) فقالت كيف أحمل وأنا لم يمسسني(1/30)
رجل؟! أما في الثانية لما قال (إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {45} آل عمران) قالت (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ). إذاً (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) قالتها عندما كانت في جو الملائكة للبشارة التي أنتي ستلدين غلام ولما لم تقل ربي (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) كانت في عركة كانت في قضية من الريبة ومن الخوف ومن الفزع قالت (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) هذا هو الفرق بين (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) وبين (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) وفرق بين (يَكُونُ لِي وَلَدٌ) وبين (يَكُونُ لِي غُلَامٌ) هكذا.
* ما دلالة إستعمال كلمة بشر في قوله تعالى (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) مريم)؟(د.حسام النعيمى)(1/31)
المسّ في الأصل في اللغة هو اللمس باليد كأنه لمس بالأطراف، ثم توسعوا فيه فقال مسّه المطر بمعنى أصابه المطر، ومسّه طائف من الجن بمعنى أصابه. وعبّرت العرب بكلمة المسّ أيضاً عن المعاشرة الجنسية فقالوا مسّ المرأة بمعنى عاشرها لكن لفظة مأنوسة تشير إلى المسّ فبدل أن تقول والكلام على لسان مريم عليها السلام من تعبيرالقرآن (وما جامعني أحد، وما عاشرت أحداً) قالت (ولم يمسسني بشر). وبشر هنا خاصة بالإنسان. (ولم يمسسنى أحد) كلمة عامة تصلح في الحيّ وفي غير الحيّ،.الأحد أي الواحد. هذا القطيع أحد إِبِله مريض. لا تقول أحد وهي تريد المعاشرة لا يصلح لأنه لفظ عام.(ولم يمسسني إنسان) إنسان كلمة عامة أيضاً مثل بشر.لكن إختيار كلمة (بشر) فيها نوع من التناسب لأنه في بداية الآية قال تعالى (إِنَّا نُبَشِّرُكَ) كلمة نبشّرك فيها الباء والشين والراء وكلمة بشر فيها الباء والشين والراء فهذا نوع من التناسق الصوتي والله أعلم.(لم يمسسنى رجل) رجل قد تعني أنه يمكن أن يكون مسّها شاب صغير لأن الرجل مكتمل. اذن لا تصلح أحد هنا ولا رجل ولا إنسان.
*ما اللمسة البيانية في حذف نون (أكن) في قوله تعالى (ولم أك بغيّا) )؟ (د.فاضل السامرائى)
الحكم النحوي: جواز الحذف إذا كان الفعل مجزوماً بالسكون ولم يليه ساكن أو ضمير متصل. متى ما كان الفعل (كان) مجزوماً ويليه حرف متحرك ليس ساكناً على أن لا يكون ضميراً متصلاً يجوز فيه الحذف (يمكن القول لم يكن ولم يك) فتحذف النون تخفيفاً.
السبب البياني: على العموم الحذف في القرآن الكريم يوجد في مقام إيجاز وأيضا إذا كان الفعل مكتمل يأتي بالصيغة كاملة يكون الحذف أتمّ. الشيء مكتملاً لا يُقتطع منه وإذا كان غير مكتمل يُقتطع منه.
فى قوله في سورة مريم (ولم أك بغيّا) حذف النون لأنه ليس في مريم أدنى شيء من البغي وليس هناك جزء من الحدث مطلقاً أصلاً.(1/32)
*ما دلالة الحركة على الحرف الأخير فى كلمة كَذَلِكِ فى قوله تعالى(قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ (21) مريم)؟ (د.فاضل السامرائى)
هذه الكاف تسمى حرف خطاب فيه لغتان: الأولى تكون في المفرد المذكر أياً كان المخاطَب تقول تلك الشجرة (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) الأعراف) سواء كان المخاطب واحد أو اثنين أو جمع، واللغة الثانية أن تجعل حرف الخطاب بحسب المخاطَب لو كانت امرأة نقول تلكِ الشجرة مثلما قال تعالى(قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ (21) مريم) ويمكن أن نقول كذلكَ. (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ (32) القصص) برهانين اثنان (ذان) للبرهانين و(ك) للمخاطب، (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي (37) يوسف) كان يمكن أن يقول ذلك لكنه يقصد الذي قاله، (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) (ذلك) إشارة ليوسف و(كُنّ) حرف خطاب للنسوة.(تلكما) الشجرة، (تلك) للشجرة و (كما) للمخاطَب أي لآدم وحواء.
إذن هذه الكاف هو حرف خطاب يمكن أن نجعله في حالة المذكر المفرد دائماً ويمكن أن يكون في حالة المخاطَبين
أبيني في يُمنى يديك جعلتني فأفرح أم صيّرتني في شمالك
أبيت كأني بين شقين من عصى حذار الردى أو خيفة من زيالك
تعاللت كي أشجى وما بك عِلّةٌ تريدين قتلي قد ظفرت بذلكِ
آية (22):
* ماذا تفيد الفاء في آية سورة مريم من الناحية البيانية؟ (د.فاضل السامرائى)(1/33)
قال تعالى: (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً {22} فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً {23} فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً {24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً {25} فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً {26} فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً {27} يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً {28} فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً {29}) تكرر استخدام حرف الفاء وهي تفيد تعقيب كل شيء بحسبه أي تفيد تعقيب الأحداث التي وردت في السورة. إذا كان الحمل في موعده تستخدم الفاء وإذا تأخر الحمل نستخدم (ثمّ) للترتيب والتراخي في الزمن. فمريم عليها السلام حملت عندما نفخ فيها ثم لم يكن هناك أي معوقات بعدها فانتبذت مكاناً قصياً وجاء الحمل بالمدة المقررة عُرفاً. كقوله تعالى (ثم أماته فأقبره) القبر يأتي عقب الموت مباشرة فاستخدم الفاء أما قوله تعالى (ثم إذا شاء أنشره) فالنشور والقيامة يأتي بعد القبر بمد طويلة لذا استخدم ثمّ التي تفيد الترتيب والتراخي.
ونأخذ مثال: إذا قلنا تزوج فلان فولد له بمعنى أنه وُلد له بعد فترة الحمل الطبيعية تزوج فحملت فولدت ولوتأخر الحمل يقال ثم وُلد له.(1/34)
أما استخدام الواو كما في قولنا جاء محمد وخالد لا تفيد الترتيب إنما تفيد مطلق الجمع فقد يكون محمد هو الذي أتى أولاً وقد يكون خالد هو الذي أتى أولاً. أما الفاء وثمّ فتفيدان الترتيب والتعقيب أو الترتيب والتراخي.
(فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريا) أتت به من بعيد لأنها كانت في مكان قصيّ فلمّا وصلت ورأوا الصبي قالوا لقد جئت شيئاً فريا تعني لما وصلت إليهم ورأوه.
آية (23):
*ما الفرق بين (مِتم) بكسر الميم و(مُتم) بضم الميم؟(د.حسام النعيمى)
قال تعالى في سورة مريم (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وكنت نسياً منسياً (23)). لما يقول (مِتُّ) أصلها (أُمِتُّ) والتاء نائب فاعل أي أماته الله ثم بناه لصيغة المفعول. ولما يقول (مُتُّ) ينسب الموت لنفسه فتُعرب التاء في مُتُّ ضمير مبني في محل رفع فاعل، وفي (مِتُّ) التاء ضمير مبني في محل رفع نائب فاعل مثل أكرمت وأُكرمت. وفي الحالين الأمر مردّه إلى الله سبحانه وتعالى. وفي الحالين الفاعل الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى.
آية (24):
*قال تعالى (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) هناك قراءة (مِن تحتها) وقراءة (مَن تحتها) فهل يختلف المعنى؟(د.حسام النعيمى)(1/35)
هاتان قراءتان معتبرتان فإذا كانت (مِن تحتها) يكون لذكر المكان و(مَن تحتها) أي ناداها عيسى الذي تحتها. وفي الحالتين القراءات لا تغيّر المعنى فهو باق هو هو لكن كل قبيلة قرأت بقراءة فرُخّص لها بأمر الله تعالى وهذه قراءة عثمان أراد أن يجمع الناس على لفظ واحد لكن لأن المصحف لم يكن منقوطاً ولا مشكولاً تمسك كل بما سمع من الصحابي ما دام موافقاً للرسم الموجود من غير نقط ولا شكل ولذلك كل بقي على هذا اللفظ وما أراده عثمان يمكن أن يتحقق الآن لو وُجِد من يفرض على الناس حرفاً واحداً. يندر أن تغير القراءات المعنى وإن تغيّر فهو يدور في نفس الفلك الدلالي.
آية (25):
*ما دلالة كلمة تساقط في الآية (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) مريم)؟ (د.فاضل السامرائى)
تُساقط في اللغة تفيد تتابع السقوط. تسقط ليس بالضرورة فيها تتابع يستمر، ساقطه الفعل الماضي أي تابع إسقاطه على وزن فاعَلَه فيها تتابع واستمرار حتى في الماضي ساقط غير سقط، ساقط يعني تتابع السقوط في الماضي وسقط مرة واحدة، تساقط بالمضارع يعني تتابع السقوط.
*كيف يظهر معنى التوكل فى الآية الكريمة؟(د.حسام النعيمى)(1/36)
قال تعالى لمريم عليها السلام (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا) فيما يتعلق بمعنى التوكل هناك أصل من أصول العقيدة الإسلامية أنه لا يتم أمر إلا برضى الله عز وجل، إلا بما يريد (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ). هناك أصل آخر أيضاً أن الإنسان ينبغي أن يسعى لأن معنى التوكل أن تخرج من طاقة نفسك وجُهدها وحولها إلى حول الله سبحانه وتعالى. أن تقول يا رب ليس لي حول، تُلقي بأمرك على غيرك هذا معنى التوكل. لكن فيه لمسة وهي أن المتوكل في المفهوم الإسلامي ينبغي أن يقدّم جميع الأسباب ثم يتوكل: (إعقلها وتوكل): معناه إتخذ الأسباب وتوكل. لذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجد أُناساً في المسجد في غير وقت الصلاة سألهم: ما تصنعون؟ قالوا: نحن المتوكلون على الله ويأتينا رزقنا، قال: بل أنتم المتواكلون إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. وأمرهم بالسعي والعمل. وفى سورة مريم هي ولدت حديثاً تحتاج إلى الرطب الحلو وهي لا تستطيع أن تعمل ، كان الله عزوجل قادر على أن ينزل عليها الرطب كرماً لها وقد جاءها بالغذاء لما كان يسألها زكريا (أنّى لك هذا قالت هو من عند الله) الله تعالى كان يرزقها من غير سعي وهى قوية لكن (وهزي إليك بجذع النخلة ) ينبغي أن تعملي وإن كان عملك في الحقيقة لا يؤدي إلى هز جذع نخلة ورجل بكامل قوته لا يستطيع أن يهزجذع نخلة فما بالك بإمرأة ضعيفة؟وولدت حديثاً؟ لكن القرآن الكريم يريد أن يعلمنا أنه ينبغي أن نقدم الأسباب، لا بد من سبب وإن كان ضعيفاً لكن حتى لا نتعبّد بالأسباب وننظر إلى أن السبب هو الفاعل أعطانا مثالاً لمريم كأن يأتيها الرزق وهي في مكانها من غير أن تقدم سبباً يأتي حتى لا نتعبد بالأسباب. فلا نقول السبب هو الفاعل وإنما الفاعل هو الله سبحانه وتعالى.(1/37)
فإذن التوكل غير التواكل: التوكل أنك تحسب الأمور حساباً دنيوياً هذا يكون كذا وأفعل كذا نقدم كل الأسباب المؤدية إلى النُجاح ثم تعتقد يقيناً أنه لن يكون هناك نتيجة إلا بتوكلك على الله تعالى وإلقاء الأمر إليه جلّت قدرته أنه يارب هذا كل ما أستطيعه والأمر إليك من قبل ومن بعد حتى يبقى المسلم وثيق الصلة بقدر الله سبحانه وتعالى لا ينفك عنه دائماً.
آية (26):
*ما اللمسة البيانية في تقديم الأكل على الشرب في سورة مريم (فكلي واشربي وقرّي عينا)؟ (د.فاضل السامرائى)
نلاحظ الآية قبلها في سورة مريم (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً {24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً {25} فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً {26}). فقد وردت كلمة السري وهي تعني السيّد وجمعها سُراة أي السادة ، وهي بمعنى أن الله تعالى قد جعلك تحتك سيّدا. أما التقديم والتأخير في الأكل والشرب فنلاحظ أنه في القرآن كله حيثما اجتمع الأكل والشرب قدّم تعالى الأكل على الشرب حتى في الجنّة (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) و(كلوا واشربوا من رزق الله) والسبب أن الحصول على الأكل أصعب من الحصول على الشرب.
آية (27):
*ما الفرق بين أتى وجاء في سورة مريم (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27))؟ (د.فاضل السامرائى)(1/38)
القرآن الكريم يستعمل أتى لما هو أيسر من جاء، يعني المجيء فيه صعوبة بالنسبة لأتى ولذلك يكاد يكون هذا طابع عام في القرآن الكريم ولذلك لم يأت فعل جاء بالمضارع ولا فعل الأمر ولا إسم الفاعل. نأتي للسؤال (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) مريم) الحمل سهل لكن ما جاءت به أمر عظيم من الولادة وأصل المسألة امرأة ليست متزوجة تحمل هذا أمر عظيم وهي كانت خائفة من هذا وكيف تواجه قومها لما قيل لها (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) مريم) أن هذا المجيء صعب عليها هي علمت أنها ستواجه قومها وقومها سيواجهوها ولذلك قال (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ) لكن كيف واجهوها؟ كان الجواب (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا). ليس هذا فقط قال تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)) المجيء صعب.إذن هنالك فروق دلالية بين جميع كلمات العربية سوءا علمناها أو لم نعلمها. رأي الكثيرين من اللغويين قالوا ليس هناك ترادف في القرآن إلا إذا كانت أكثر من لغة (مثل مدية وسكين) ولا بد أن يكون هناك فارق.
آية (31):
* لماذا يأتي الخطاب في الحديث عن الصلاة والزكاة في القرآن للمؤمنين أما في الحج فيكون الخطاب للناس؟ (د.فاضل السامرائى)(1/39)
الصلاة والزكاة كان مأمور بهما من تقدّم من أهل الديانات كما جاء في قوله تعالى عن اسماعيل - عليه السلام - (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) مريم) وفي قوله تعالى عن عيسى - عليه السلام - (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) مريم) وفي الحديث عن بني إسرائيل (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) البقرة). أما الحج فهو عبادة خاصة للمسلمين وعندما يكون الخطاب دعوة للناس إلى الحج فكأنها هي دعوة لدخول الناس في الإسلام. أما إذا كانت دعوة الناس للصلاة والزكاة فهم أصلاً يفعلونها في عباداتهم.
* ما دلالة استعمال (أوصانى) فى الآية وما الفرق بينها وبين وَصَّى؟ (د.فاضل السامرائى)
القرآن يستعمل أوصى للأمور المادية (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) يوصي من أوصى، ووصّى للأمور المعنوية (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) الشورى) وفي المرة التي استعمل فيها أوصى للصلاة أتبعها بالزكاة في قوله تعالى (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) مريم).
آية (33):
*انظر(15).???
آية (34):(1/40)
* ما اللمسة البيانية في ذكر عيسى مرة والمسيح مرة وابن مريم مرة في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
لو عملنا مسحاً في القرآن الكريم كله عن عيسى نجد أنه يُذكر على إحدى هذه الصيغ:
? المسيح (لقبه): ويدخل فيها المسيح ، المسيح عيسى ابن مريم، المسيح ابن مريم .
? عيسى (إسمه): أي يسوع ويدخل فيها عيسى وعيسى ابن مريم .
? ابن مريم (كُنيته).
حيث ورد المسيح في كل السور سواء وحده أو المسيح عيسى ابن مريم أو المسيح ابن مريم لم يكن في سياق ذكر الرسالة وإيتاء البيّنات أبدأً ولم ترد في التكليف وإنما تأتي في مقام الثناء أو تصحيح العقيدة. واللقب في العربية يأتي للمدح أو الذم والمسيح معناها المبارك (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) آل عمران) (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) التوبة).
وكذلك ابن مريم لم تأتي مطلقاً بالتكليف (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) المؤمنون) (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) الزخرف).(1/41)
أما عيسى في كل أشكالها فهذا لفظ عام يأتي للتكليف والنداء والثناء فهو عام (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) المائدة) (ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مريم) ولا نجد في القرآن كله آتيناه البينات إلا مع لفظ (عيسى) (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) الزخرف). إذن فالتكليف جاء باسم (عيسى) وليس بلقبه ولا كُنيته.والثناء أيضاً وكلمة عيسى عامة (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) المائدة.
*ما هو إعراب كلمة قول في الآية (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مريم)؟ (د.فاضل السامرائى)
قول مفعول مطلق لفعل محذوف يعني نقول ذلك قول الحق.
آية(36):
*قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ {51} آل عمران) – (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ {36} مريم) – (إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ {64} الزخرف)ما الفرق بين هذه الآيات؟
د.أحمد الكبيسى :
هذه الآية جاءت بثلاث صيغ بثلاث سور عن سيدنا عيسى عليه السلام ثلاث مرات وكل مرة فيها زيادة الثانية فيها زيادة واو والثالثة فيها زيادة هو ما الفرق؟(1/42)
الآية الأولى فى آل عمران (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) هذا للتأكيد رجل يسأل من ربك؟ تقول له إن الله ربي حينئذٍ هذا الرجل الذي سألك قلت له إن الله ربي أكدت له أنت كان بإمكانك أن تقول له الله ربي لكن لكي تؤكد له المعنى قلت إن الله ربي، طيب هذا جواب لسائل. الثانية (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي) لو تقرأ الآيات التي قبلها تراها تماماً بالضبط هكذا مرة سيدنا عيسى يعرض نفسه لا يجادله أحد قال (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {50} إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) حينئذٍ سيدنا عيسى عليه السلام كان يعظهم جاء يعلمهم الدين إن الله ربي وربكم بالتأكيد.(1/43)
في الآية الثانية فى سورة مريم صار نقاش بينه وبينهم قالوا نحن نريد آية أخرى مش معقول أنت عبد من عباد الله أنت فلان الفلاني أنت ابن الله فقال لا (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) هذه الواو مع إن للمنكر واحد تقول له أنت ناجح لا يصدق فأقول له إنك ناجح تأكيد لاحظ إذا ما صدق تقول له وإنك ناجح هذه كأنها واو قسم فالأولى لسائل والثانية لمنكِر. إذاً قلنا بأن هذه الآيات الثلاث التي تتكلم عن حوار سيدنا عيسى عليه السلام مع قومه الأولى يؤكد لهم (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) ثم مرت سنين على الدعوة المسيحية من السماء وصار فيها خلافين كما هو معروف في القرآن الكريم وفي الإنجيل والتوراة حينئذٍ نقول قال رب العالمين (ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ {34} مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {35} وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ {36} مريم) يتكلم عن هؤلاء الذين قالوا أنت ابن الله فقال (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا {30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا {31} وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا {32} مريم) أنا عبد من عباد الله إلى أن قال (ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) يجادلون (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ) قال لهم (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) هذا جوابٌ لمنكِر قالوا لا أنت لست عبداً من عباد الله أنت ابنه أنت إله أيضاً هذا منكر.(1/44)
الحالة الثالثة فى سورة الزخرف فرقة ثانية تقول (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ (63) الزخرف) بعض وليس كله بل بعض انظر إلى دقة القرآن الكريم ما استطاع لهم أن يبين لهم كل الذي يختلفون فيه وكأن هذا من قدر هذا الكون لا يمكن لأحدٍ أن يوحد بين أتباعه بالكامل ليس في وسع بشر من الأنبياء أو الرسل أو غيرهم أن يوحد أتباع دين من الأديان على ما أنزل الله من الحق لا بد من الاختلاف (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118} هود) ولذلك خلقهم سيدنا عيسى مرسل (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {63} إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ {64} الزخرف) (إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي) هنا هذا لماذا قال ذلك؟ لأن اليهود قالوا أن المسيح هذا ابن الله فما أفردوا الربوبية. ما الذي قاله سيدنا إبراهيم؟ (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ {80} الشعراء) كلمة هو عن المرض فقط لا تظن أن الطبيب هو الذي شافاك الطبيب سبب، المشافي هو الله (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) قال يطعمني ويسقيني الخ (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) لأن الطعام والسقي تعرف هذه من الله لكن الشفاء يمكن تقول لا من الطبيب أو الدواء نعم هذه أسباب لكن المشافي الذي وضع قوة الشفاء في هذا الدواء هو الله عز وجل.
د.فاضل السامرائى :(1/45)
هو: احتمال أن يكون ضمير منفصل يفيد التوكيد والحصر. يبقى السياق، في الزخرف جاء في مقام عبادة عيسى واتخاذه إلهاً (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)) فهو أنكر هذا (إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) حصراً على لسان عيسى بينما في سورة مريم فالآية جاءت بعد الولادة وليست في مقام اتخاذ إله لا تزال المسألة طفل تحمله أمه في المهد.
آية (39):
*ما الفرق بين الحسرة (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ (39) مريم) والندامة (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ (33) سبأ)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/46)
الحسرة هي أشد الندم حتى ينقطع الإنسان من أن يفعل شيئاً. والحسير هو المنقطع في القرآن الكريم لما يقول (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك) حسير أي منقطع، إرجع البصر كرتين، ثم ارجع البصر، الحسير المنقطع. والحسرة هي أشد الندم بحيث ينقطع الإنسان عن أن يفعل شيئاً ويقولون يكون تبلغ به درجة لا ينتفع به حتى ينقطع. (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ (30) يس) هذه أكبر الحسرات على الإنسان وليس هناك أكبر منها. الندم قد يندم على أمر وإن كان فواته ليس بذلك لكن الحسرة هي أشد الندم والتلهف على ما فات وحتى قالوا ينقطع تماماً. يقولون هو كالحسير من الدواب الذي لا منفعة فيه (أدرك إعياء عن تدارك ما فرط منه). في قصة ابني آدم قال (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) المائدة) الندم له درجات أيضاً ولكن الحسرة أشد الندم، هي من الندم لكن أقوى من الندم يبلغ الندم مبلغاً. (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ (167) البقرة) منقطعة ولا فائدة من الرجوع مرة ثانية.
قصة إبراهيم عليه السلام (41-50)
آية (43):
*ما دلالة استعمال جاء في الآية(يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً {43} ؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً {43}.
من الناحية اللغوية: جاء تستعمل لما فيه مشقة أما أتى فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر.
آية (44-45):(1/47)
*(يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) مريم) في هذه الآية ورد تهديد إبراهيم لأبيه لماذا استخدم إسم الرحمن مع العذاب مع أن إسم الرحمن إسم ينفع المؤمن و مع أن الأمر متعلق بالعذاب ولم يقل مثلاً الجبّار ؟(د.فاضل السامرائى)(1/48)
أولاً الجو التعبيري لسورة مريم تفيض بالرحمة من أولها لآخرها تبدأ بالرحمة (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) وفي آخرها (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)) من أولها إلى آخرها هي في الرحمة أصلاً تكرر فيه لفظ الرحمن 16 مرة أكثر سورة في القرآن تردد فيها هذا الإسم وفي البقرة على طولهاكلها تردد مرة واحدة (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)). أولاً نعلم أن جو لسورة لا تدانيها أية سورة في إشاعة جو الرحمن إذن اختيار الرحمن مناسب لجو السورة. تقول (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)) قال (مس) والمس خفيف هذا ناسب الرحمة بينما نلاحظ في سورة الأنعام قال (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)) قال أتاكم وليس المسّ، وقال عذاب الله. أولاً أتاكم ثم عذاب الله بالإضافة بينما في سورة مريم (عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) (من هنا للإبتداء) عذاب نكرة يعني شيء من العذاب من الرحمن، أما تلك في الأنعام قال أتاكم وعذاب الله وهناك عذاب منه تنكير وبغتة أو جهرة وهلاك. إذن عذاب الله أقوى في التعبير من عذاب من الرحمن، فناسب ذاك المس عذاب من الرحمن. ثم قال (بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) كلها فيها قوة وشدة فقال (عذاب الله) أتى العذاب كاملاً بينما في مريم قال (أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) هذا إضافة أنه لم يرد لفظ الرحمن في الأنعام. ثم من ناحية الرحمة لا تنافي العقوبة إذا أساء أحدهم فعاقبته قد يكون من الرحمة.(1/49)
الرحمة لا يعني أنه لا يعاقب عندما يقول الرحمن ليس معناه أنه لا يعاقب، الرحمن إذا أساء أحد لا بد أن يعاقبه. ولم يرد في القرآن مطلقاً يمسك عذاب الله أو عذاب من الله، مع عذاب الله ليس هناك مسّ وإنما إتيان، وردت (إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ (23) يس) لكن لم ترد يمسك عذاب من الله. إذن هناك توأمة بين المسّ والرحمن هذه فيها رقة ورحمة والتنكير و(يا أبت) وجو السورة رحمة بينما في آية الأنعام (إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ) هذا تهديد وحتى عذاب الله تعالى فيه درجات (بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) هذه تتناسب مع عذاب الله.
سؤال: ألا يفيد التنكير العموم والشمول وعذاب الله عُرِّف بالإضافة فصار معرفة؟ ...
صار معرفة، عذاب منه يعني شيء من عذابه. أصلاً لم يأت في القرآن يمسككم عذاب الله أو يمسك عذاب الله لم يرد وإنما قال مس رحمة. فإذن كلمة (يمس) فيها الخفة وعذاب منه بينما أتاكم عذاب الله. عذاب منه يعني عذاب من الرحمن.
أما السؤال نفسه فنرى أن الآية التي جاءت بعد الآية في السؤال (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)) وهنا لا يصح أن يقول سأستغفر لك الجبّار لأن المغفرة تُطلب من الرحمن وليس من الجبّار. ولعله تدركه الرحمة فيؤمن لأن إبراهيم - عليه السلام - كان حريصاً على إيمان أبيه آزر.
آية (49):
*(وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) مريم) ما دلالة الرد بـ (ما يعبدون) بدل (ما يدعون) ؟(د.فاضل السامرائى)(1/50)
الآية التي تفضلت بها السائلة قول إبراهيم (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)). إذن (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) هذا كلام سيدنا إبراهيم وقوله (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) هذا قول الله في سيدنا إبراهيم. أولاً للعلم سيدنا إبراهيم عَبَد الله ودعاه، هو لم يعبد إلا الله وقال (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)) إذن أولئك كانوا يعبدون هؤلاء ويدعونهم وسيدنا إبراهيم يعبد الله ويدعوه. إذن هنالك أمران: دعاء وعبادة. فسيدنا إبراهيم عبد الله ودعاه قال (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)) ثم دعا ربه قال (وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)) ربما دعا ربه أن يهب له الذرية الطيبة، هذا أمر. والأمر الآخر أن الدعاء يأتي في اللغة بمعنى العبادة. لكن فيما يبدو هنالك إشارة إلى أن دعوة من يدعو من دون الله إنما هو عبادة له، إشارة أنك إن دعوت غير الله فأنت تعبده، إن كنت تدعو غير الله هذه إشارة أنك تعبده، فهنا ذكر أول مرة قال (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) ثم قال (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) لأن دعاء الأصنام إنما هو عبادة لهم.(1/51)
سيدنا إبراهيم قال لأبيه (وَمَا تَدْعُونَ) ما قال ما تعبدون، هم عبدوا فدعوا، من طلب من الأصنام فهو يعبدها يعني إشارة إلى أن الدعاء إنما يكون من الله وحده فقط فمن دعا غير الله إشارة أنه عبده. إذن الآية الأولى كلام سيدنا إبراهيم والثانية كلام الله سبحانه وتعالى وهو إلماح لنا أن لا ندعو غير الله لأننا إن دعونا غير الله لعلّنا ندخل في أمر محذور (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) الفاتحة) نخصُّك بالاستعانة، قدّم (إياك) لله تعالى قصراً وحصراً.
آية (52):
*ما دلالة كلمة الأيمن في قوله تعالى في سورة مريم (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً {52})؟(د.فاضل السامرائى)
الأيمن في هذه الآية هي صفة للجانب وليس للطور أي معرّفة بالإضافة ويدل على ذلك قوله تعالى (وواعدناه جانب الطور).
آية (54):
*لماذا لا يُذكر سيدنا اسماعيل مع ابراهيم واسحق ويعقوب في القرآن؟ (د.فاضل السامرائى)
أولاً توجد في القرآن مواطن ذُكر فيها ابراهيم واسماعيل ولم يُذكر اسحق وهناك 6 مواطن ذُكر فيها ابراهيم واسماعيل واسحق كما فى سورة البقرة آية(133)-(136)-(140)و آل عمران (84)و ابراهيم(39)والنساء(163)
وكل موطن ذُكر فيه اسحق ذُكر فيه اسماعيل بعده بقليل أو معه مثل قوله تعالى (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) و(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)) مريم) إلا في موطن واحد في سورة العنكبوت (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)).(1/52)
وفي قصة يوسف - عليه السلام - لا يصح أن يُذكر فيها اسماعيل لأن يوسف من ذرية اسحق وليس من ذرية اسماعيل وقد ذُكر اسماعيل مرتين في القرآن بدون أن يُذكر اسحق في قصة بناء الكعبة لأن اسحق ليس له علاقة بهذه القصة.
آية (55):
*انظر (31).???
آية (58):
*لماذا تحديد ذكر ذرية ابراهيم واسرائيل في سورة مريم مع العلم أن اسرائيل هو من ذرية ابراهيم؟(د.فاضل السامرائى)
(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً {58}) هذه الآية ذكر فيها الله تعالى ذرية ابراهيم واسرائيل وصحيح أن اسرائيل هو من ذرية ابراهيم لكن ذرية ابراهيم أعمّ وفيها اسماعيل وذريته فهي إذن أعمّ وأشمل من ذرية اسرائيل الذي هو سيدنا يعقوب عليهم جميعاً وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
* ما الفرق بين اسجدوا - قعوا له ساجدين – خرّوا سجداً ؟(د.أحمد الكبيسى)(1/53)
مداخلة من أمر راضي من الشارقة مداخلة جميلة حقيقة نادراً ما تأتي على البال. رب العالمين يقول (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا {34} البقرة) هذه آية وفي سورة ص لم يقل اسجدوا وإنما قال (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ {72}ص) يعين انتباهة هائلة من أم راضي في الشارقة. رب العالمين يقول (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {34} البقرة) في آية ص قال (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ {71} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ {72} ص) وآية أخرى (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ?{58} مريم) ما الفرق بين سجدوا وبين وقعوا له ساجدين وبين خروا سجداً؟ والله تقتضي التفريق. وفعلاً الفرق بين (سجدوا) هذا سجود اعتيادي أنك أنت قمت بعملية السجود التي نفعلها في الصلاة هذه سجود كلنا نفعل سجود كسجود الصلاة سجدنا. في يوم الجمعة من السنن أن نقرأ سورة السجدة ونحن واقفون الإمام نحن واقفون خلفه ويقرأ هو سورة السجدة ويأتي إلى قوله تعالى (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ {15}السجدة) خروا لماذا؟ ونحن واقفين ننزل رأساً إلى تحت (خروا). والخرّ هو الهبوط مع صوت من خرير الماء وهنالك فرق بين جريان الماء بلا صوت. الخرير من شلال نازل بصوت هذا خرّ (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) إما صوت البكاء مع السجود شخص قرأ آية يسجد لكن قرأ آية مؤثرة فبدأ بالبكاء وهو يبكي نزل على الأرض هبط بقوة لكي يسجد ولكن مع صوت هذا. مرة قال (خَرُّوا سُجَّدًا) ومرة قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) البكاء صوت السجود قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا) من التسبيح سبحان الله وبحمده. إذاً الفرق بين سجدوا وخروا سجداً هذا.(1/54)
الفرق بين سجدوا وخروا سجداً وفقعوا له ساجدين كنت مشغولاً. رب العالمين يحمل عرشه ثمانية الذين حول العرش يا الله لا يحصى عددهم! (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ {17} الحاقة) الذين يحملون العرش ومن حوله (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {75} الزمر) هذه من أعظم بشائر المسلمين (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ {7} رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {8} وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {9} غافر) يعني دعاء مستجاب لأن أكرم وأعظم وأقرب الملائكة إلى الله الذين يحملون العرش ومن حوله الحافّين. الحافون كما يقول إمام الرازي وغيره ونقل هذا عن عدة مفسرين منهم الكشاف والرازي أثنى عليه قال إن لم يكن لصاحب الكشاف إلا هذه اللطيفة أنه تذكرها لكفاه. الذين يحملون العرش ومن حوله كل واحد له طريقة عبادة، ناس واقفة هكذا من الملائكة طبعاً على اليمين وعلى اليسار وناس تسبح فقط وناس راكعة فقط يقول حوالي مئات الآلاف من الخطوط حول العرش تصور لو أردنا أن نضع رجال حول دولة الإمارت جميع الحدود كم نحتاج؟ ملايين.(1/55)
فكيف لما مليون صف؟! هؤلاء كلهم أقرب الملائكة إلى الله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) رب العالمين في هذه القضايا يخاطب هؤلاء أقرب وأحب الملائكة إليه، فلما خلق آدم قال لهؤلاء أو جزء منهم (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) أنت ألست تعبدني؟ وأنت تسبح؟ اتركوا عملكم وقعوا له ساجدين. إذاً رب العالمين يخاطب هؤلاء الملائكة المشغولون فالذي يقع هو الذي كان مشغولاً بشيء ثم انتبه. يعني واحد يشتغل أو يكتب سمع ابنه وقع أو طاح رأساً ركض عليه ترك الشغل الذي بيده لأهمية الحدث الآخر. فرب العالمين قال (فَقَعُوا) بالفاء (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) من روحي، لا يستحق أن تسجدوا له لأنه طين أو أني سويته ولكن لأني نفخت فيه من روحي (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) كلٌ ترك عمله قسمٌ منهم هو ما خاطب كل الملائكة ولكن مجموعة منهم أنتم عندما أنفخ فيه روحي رأساً فقعوا اتركوا الذي في أيديكم (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وهذا الفرق بين فقعوا له وبين اسجدوا وبين خروا.
آية (61):
*ما دلالة استعمال صيغة مأتيا في قوله تعالى في سورة مريم (إنه كان وعده مأتيّا)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة مريم (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً {61}). يُقصد بالوعد جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بها والجنّات تؤُتى ولا تأتي فالجنات يذهبون إليها فهي مأتية وليست آتية فالوعد هو الجنة والآية في السورة في سياق الجنة.
آية (64):
*ما اللمسة البيانية في قوله تعالى في سورة مريم(له ما بين أيدينا وما خلفناوما بين لك) ولماذا لم تأتى مثل سورة البقرة (يعلم مابين أيديهم وما خلفهم) فى آية الكرسى؟(د.فاضل السامرائى)(1/56)
في سورة مريم سياق الآيات عن المُلك (ولهم رزقهم فيها)،( تلك الجنة التي نورث من عبادنا)،( رب السموات والآرض..) الذي يرزق هو الذي يورّث فهو مالك وقوله رب السموات فهو مالكهم أما في آية الكرسي فالسياق عن العلم فبعدها يأتي قوله (ولا يحيطون من علمه إلا بما شاء).
*ما دلالة اختلاف الخطاب فى الآية؟(د.فاضل السامرائى)
الله تبارك وتعالى إذا رضي كلام عبد سواء كان نبياً أو ملكاً أدرج كلامه في ثنايا كلامه وإذا لم يرض القول نسبه إلى قائل كما في سورة مريم عندما تكلم عن وصف الجنة (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61)) جاءت الآية بعدها (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)) على لسان جبريل؟ أحياناً يُضمر القول بينما القائل مختلف وهذه نفرد لها حلقة أو أكثر. وهي ليست فقط في كلام الله وإنما في الكلام العام أيضاً يحذف القول أو يذكر أو يُدمج (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53) يوسف).
*(وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ (64) مريم) من المقصود؟ لماذا لم ترد وننزل الملائكة؟(د.فاضل السامرائى)(1/57)
المقصود الملائكة.المتكلم هو جبريل - عليه السلام - إحتبس جبريل ليس بأمره هو وإنما بأمر الله مدة طويلة فعاتبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - احتبست عنا ونحن أشوق إليك فقال بل أنا أشوق لكن أنا عبد مأمور فهذه حكاية (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) الملائكة كلهم لا يستطيعون التنزل إلا بأمر ربهم، جبريل هو وغيره من الملائكة. الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لقد أبطأت عنا فقال جبريل بل أنا أشوق إليك وإنما أنا عبد مأمور فصيغت هذه الآية (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ).
آية (68):
قال تعالى في سورة مريم (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)) وقال (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)) هل المؤمنون والمتقون يردون جهنم؟(د.حسام النعيمى)
بعض المفسرين يقول (وإن منكم إلا واردها) أنه يرد على الصراط فالكافرون يسقطون في النار والمؤمنون يتجاوزونه . وقسم يقول يدخلون فيها ثم تكون برداً وسلاماً عليهم وإن كان هناك من يقول إذن ما فائدة دخولهم؟
الربط بين الآيات يرينا رأى آخر:(1/58)
قال تعالى (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)) ننظر في الصورة فنجد أن هناك جهنم وهناك هؤلاء المنكِرون للحياة الثانية يذكّره أنه كيف تستكثر على الذي جعلك إنساناً من لا شيء أن يعيدك مرة أخرى ثم يرسم لنا صورة لهؤلاء حول جهنم فى مكان يجثون على رُكبهم ويحيط بهم الخوف والرعب والهلع. (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)) من كل مجموعة أشدهم على الله سبحانه وتعالى معاندة وكِبراً وحرباً للمؤمنين يُنزع نزعاً من بينهم. لاحظ كلمة (لننزعنّ) كأنه يريد أن يلتصق بقومه الذين جعلوه سيّداً فيهم. (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)) إذن هم الآن خارج جهنم والله تعالى يقول أنه أعلم بمن هو أولى هؤلاء أن يصلى النار. وصِليّاً من صلى يصلي يحترق لكن فيها صورة أخرى من أنه يصلى هذه النار كأنه تكون علاقة وارتباط وصلة.هي ليست مجرد احتراق عادي قد تضربه النار تحرقه لكن هو كأنه سيتصل بها. انتقل الخطاب إلى كل السامعين يعني وما منكم من أحد(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)) ورد المكان أو إلى المكان بمعنى حضر إليه فالورود قد يعني الدخول وقد يعني مجرد الوصول على حدودها ومنها قوله تعالى (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ (23) القصص) هو أشرف عليه.(1/59)
الصورة كانت الكل يجثو على ركبتيه حتى المؤمن يكون في حدود النار حول جهنم الكل يراها لكن من الذي سيصلاها؟ الله أعلم يقول تعالى (ثم لنحن أعلم) بهذه اللام المؤكدة. فالذين سيصلون النار هم المنكرون للآخرة والبعث أما المؤمنون فسوف يكونون جاثون على ركبهم لكن كم سيستغرق هذا وهم يرون النار قد يدخلون فيها؟
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71): أنت تقول عليّ كذا يعني أنا ملتزم به قضاء لازماً لا يرد الكل يرد جهنم أي يصل إليها حتى يراها فالله سبحانه وتعالى ألزم نفسه بذلك. و(كان) هنا للتقرير والإثبات والله أعلم.
آية (69):
*(ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) مريم) ما هو إعراب (أشد)؟(د.فاضل السامرائى)
الوجه المشهور عن (أيُّهم) أنها إسم موصول مبني على الضم: أيٌ كما وأعرِبَت ما لم تُضَف وصدرُ وَصلِها ضميرٌ انحَذف
على هذا تصير (أيهم) مفعول به لفعل (لننزعن) مبني على الضم وهو مضاف إليه، وأشد خبر لمبتدأ محذوف هو صدر الصلة يعني أيهم هو أشد لو ذكر صدر الصلة لأعربت ولكان لقال أيَهم أشد، لكن لما حذف صدر الصلة بُنيت فقال أيُهم. فإذن أشهر إعراب هذا (أي) مفعول به لفعل (لننزعن) مبني على الضم، (هم) مضاف إليه، (أشد) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو صدر الصلة هذا، وهنالك من يجيز أن تكون (أيّ) استفهام. هذه هنا انطبقت عليها القاعدة هنا أضيفت وحذف صدر صورتها وهو الهاء فيبنى على الضم. إذا كان إسم موصول فهي مبنية على الضم وإذا إسم استفهام فهي مرفوعة.
آية (71-72):
*انظر آية (68).???(1/60)
*(قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) النمل) وقوله (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) الأنبياء) وقوله تعالى (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) مريم) فهل هناك لمسة بيانية بين الردف والورود؟(د.فاضل السامرائى)
ردف معناه لحق ووصل يعني عسى أن يكون لحق بكم هذا الشيء، (ردِف) فعل ماضي. هناك رِدف ورديف الرديف هو خلف الراكب "كنت ردف النبي" الرديف هو الذي يكون خلف الراكب.
*(وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) مريم) هل معنى الآية أننا كلنا سنذهب إلى النار؟ وهناك آية أخرى (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) النمل) والورود على النار فزع وسنكون في حالة فزع إذا وردنا على النار والله تعالى يقول (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) مريم) فما معنى الورود؟(د.فاضل السامرائى)(1/61)
في الحديث يوضع الصراط على متن جهنم وكل المكلّفين سيمرّون عليه فمنهم من يمر عليه كالبرق الخاطف ومنهم كالريح المرسلة ومنهم من ينكفيء إذن صار الورود للجميع لأن الصراط يضرب على متن جهنم أي فوق جهنم وكل الخلق يمرون عليه فالورود عام. قوله تعالى (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) كأنما أقسم فكأنها تحلة القسم هذا بالنسبة للمسلمين والكفار يسقطون فيها. بالنسبة للكفرة هو الورود والآخرون على قدر أعمالهم منهم كالبرق الخاطف ومنهم كالريح المرسلة. في قوله تعالى (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ (23) القصص) الورود هنا هو المجيء لمكان. أما في (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) الكفرة هم الداخلون في جهنم. ورد في اللغة بمعنى محل الشرب، ورد ماء مدين أي وصل إلى محل الشرب. أقسم تعالى على الورود (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا) ولم يقسم على الخروج منها (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) مريم) ما قال إن المتقين ينجون منها لأن الله تعالى هو الذي يُنجي حتى المتقين لا ينجون بأنفسهم وإنما ربنا هو الذي يُنجيهم. إذن المرور على الصراط على متن جهنم بالنسبة للمسلمين هو حسب الأعمال والكفرة يدخلون فيها.
(وإن منكم إلا واردها) (وإن) هذا للحصر لا يتخلف أحد و(إن) هنا نافية يعني وما منكم أحد إلا واردها هذه مثل قوله تعالى (إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) الطارق) (إن) بمعنى نافية وهذه فيها قصر وحصر طالما جاءت (إلا) مع (إن).
آية (75):(1/62)
*في سورة مريم قال تعالى (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)) ما الفرق بينها وبين آية الجن(حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا)؟(د.فاضل السامرائى)
هناك فرق في ناحيتين أو أكثر في سورة الجن قال (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ) لم يفصل ما يوعدون أما في مريم جاء بأداة تفضيل (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ)، هناك أجمل (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ) وهنا فصّل (إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ). واختلف مسألة العلم ماذا سيعلمون في الجن قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) وفي مريم قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) إذن صار اختلاف في التفصيل ثم سبب الاختلاف في هذا المعلوم ماذا يعلم هؤلاء وماذا يعلم هؤلاء؟.(1/63)
حتى السؤال لماذا هذا الاختلاف؟ ذكرنا الإختلاف لكن ما ذكرنا الداعي لهذا الاختلاف بين السياقين: التفصيل في مريم والإجمال في الجن كلٌ له سببه، التفصيل في مريم هو تقدّم الآية ذكر العذاب وذكر الساعة بطلام طويل قبل هذه الآية (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)) هذه فيها عذاب والساعة وهناك ليس فيها إلا هذه الآية. بعدها قال (كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)). في سورة الجن ما قال (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)) جزء من آية بينما هناك تفصيل في ذكر العذاب والساعة فناسب التفصيل التفصيل والإجمال الإجمال.(1/64)
يبقى هنالك (إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ (75) مريم) هذا ما يوعدون به، العذاب محتمل العذاب الدنيوي بغلبة المؤمنين كما ذكرنا في آية الجن فيكون هذا مناسباً لما تقدم الآية أيضاً (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)) هذه في الدنيا ومناسب لما ختمت به السورة (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) مريم). إذن إذا كان عذاب الدنيا فله أيضاً في السياق ما يؤيده وإذا كان الساعة الستعة مذكورة فله في السياق أيضاً ما يؤيده. إذن التعبير في هذا التفصيل له ما يدعو إليه ويناسبه في السياق ولم يكن مثلما ذكر في سورة الجن الذي هو جزء من آية. هذا من حيث التفصيل يبقى من حيث الاختلاف في العلم.(1/65)
في سورة الجن قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)) وفي مريم قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)) اختلف المعلوم. لا نعلم إن كانوا هم نفس الفئة لكن يبدو أن السياق ليسوا هؤلاء لأنه اختلف ما يعلمونه. سورة الجن مناسبة واضحة (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)) لأنه كان فرداً وأنصاره قليل واجتمعوا عليه (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)) كان ضعيفاً استضعفوه فقال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)) (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ (26) الأنفال) إذن هو مستضعف فقال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) استضعف وليس له أنصار هو فرد فهددهم ربنا بهذا (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا)، هم يرون الرسول ? ليس له أنصار فاستضعفوه هم يرون الرسول أضعف ناصراً وأقل عدداً من وجهة نظرهم وهذا أسلوب سخرية فقال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) هم استضعفوه واجتمعوا عليه فيسعلمون من هو أضعف ناصراً وأقل عدداً، هذا تهديد.(1/66)
في مريم قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)) (مكاناً منصوب على التمييز) وهي مناسبة لما تقدم قال قبل هذه الآية: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)) يعتزون بمكانتهم أي الفريقين من نزل عليه الوحي وهم؟ يدلون عليهم ويتبجحون أيّ الفريقين نحن أم أنتم خير مقاماً؟ (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)) وكأنه رد من الله سبحانه وتعالى عليهم لأنهم تبجحوا وقالوا (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) ليس فقط المقام وإنما المكان والمكان أوسع من المقام، المقام مكان القيام في الأصل وهو محدود والمكان عام. جاء بصفة عكس التي قالوها ووسع المكان (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) لأنهم هم قالوا (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) الندي هو المكان الذي يجتمعون فيه وفيه الأعوان والأنصار الجنود ومن ينصرونهم، الندي من النادي المجلس الجامع لوجوه القوم قومهم وجندهم وأعوانهم وأنصارهم (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) ردّ عليهم بأسلوب يلائمهم هم لأنهم لما تبجحوا كثيراً كان الرد فيه قسوة عليهم.(1/67)
وهنالك فرق آخر: قال في سورة الجن (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) وفي مريم قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) جاء بـ (هو). يعني الآن هو سيصير أوسع. (مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا) (من) تحتمل أمرين إما أن تكون إسم استفهام أو إسم موصول بمعنى الذي وليس هنالك قرينة سياقية تحدد معنى معيناً والأمران مرادان. إذا كانت (من) إسم موصول بمعنى الذي أضعف ناصراً فستصير أضعف خبر لمبتدأ محذوف يعني من هو أضعف. (أضعف) إذا كانت (من) إسم استفهام (من) مبتدأ و(أضعف) خبر وإذا كانت (من) إسم موصول (من) مفعول به لفعل (فسيعلمون) و(أضعف) خبر لمبتدأ محذوف و(هو أضعف) جملة صلة. إذن هنالك خبر لمبتدأ محذوف وفي سورة مريم المبتدأ مذكور (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) والذكر أقوى وآكد من الحذف. فهنالك أمرين يحسن ذكر (هو) الأول تفصيل الذي في مريم من العذاب وما إلى ذلك وهنا ذكر وتفصيل وهناك إيجاز أوجب الحذف، هذا أمر. والأمر الآخر أنهم تبجحوا بمكانهم (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) لم يقولوا هذا الشيء في آية الجن، هم تبجحوا في مقامهم وفي مكانتهم فربنا أكّد ضعف هذا المجلس فجاء بـ (هو) (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) للتأكيد على ضعفه. ثم قال (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)) فإذن هم تبجحوا بمقامهم وربنا رد عليهم (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)) أحسن من هؤلاء فأكّد أن (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا) تبجحوا بالمكان فصاروا شر مكاناً فصار تأكيد من ناحيتين من ناحية التفصيل ومن ناحية أنهم شر مكاناً.
* هل البَدَل يفيد التوكيد؟(د.فاضل السامرائى)
للبدل عدة أغراض منها:(1/68)
التفصيل كما في قوله تعالى (إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75).
آية (79):
*ما الفرق بين المدّ و المدد؟(د.فاضل السامرائى)
المدّ والمَدد (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) مريم) مصدر هذا مفعول مطلق، (وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) الكهف) هذا إسم، مدد أي جنود أو غيره، المدّ هو المصدر. الضَر هو المصدر والضرر هو العلّة.
آية (85-86):
*(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) مريم) وفي سورة الزمر وردت كلمة سيق للكافرين والمؤمنين (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا (71) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (73)) فما دلالة تغير الفعل في آية مريم واستخدام نحشر ونسوق؟(د.فاضل السامرائى)(1/69)
أولاً ما الفرق بين الحشر وسيق؟ نحشر معناه نجمع، الحشر من معانيه الجمع (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) النمل) (فَحَشَرَ فَنَادَى (23) النازعات) (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111) الأعراف) الحشر له معاني. إذن معنى حشر جمع ربنا قال يوم الجمع يوم الحشر ويأتي بمعاني أخرى لكن المعنى المشهور جمع. السَوْق ليس بالضرورة جمع فقد تسوق واحد أو اثنين أو أكثر. هناك قال (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)) الوفد لا بد أن يكتمل أفراده، إذن هو بعد الاكتمال يصير الحشر، الوفد يجب أن يكتمل. أما في الزمر قال (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (73)) إذن ليسوا مجموعين، الزمر يعني جماعات جماعات، الزمرة الجماعة، زمراً يعني جماعات جماعات ليسوا وفداً مجموعين إلى أن يكتملوا فيصيروا وفداً فيحشرهم. يعني الذين اتقوا سيصبحوا زمراً لأنهم ليسوا بدرجة واحدة فيُساقون زمراً حتى إذا اكتملوا حُشِروا وفداً يصيروا وفداً الزمر ليس وفداً لا بد أن يكتمل. في مريم قال (إلى الرحمن) وليس إلى الجنة أما في الزمر فقال إلى الجنة (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (73)) الوفد للإكرام هذا بعد الحساب بعد أن يساقوا زمراً إلى الجنة يذهبون وفداً إلى الرحمن تكريماً لهم. مرحلة بعد مرحلة لا يصح أن نضع واحدة مكان أخرى، لا يجوز، الوفد لا بد أن يُجمَع فقال يحشر والسَوْق للزمر اكتمل هؤلاء المتقون يجمعهم فيحشرهم فيُذهَب بهم إلى الرحمن وفداً. هم بداية زمر جماعات سيقوا إلى الجنة اجتمعوا هناك فكوّنوا وفداً فحشروا إلى الرحمن. كل كلمة لها دلالتها.
سؤال: إذن كل كلمة فيها ملمح دلالي خاص بالمقام السياقي الذي يود الله تبارك وتعالى التعبير عنه؟.(1/70)
طبعاً. الاختيار لا يمكن أن يكون غير ذلك، من له معرفة بالبيان لا يمكن أن يختار غير ذلك. لا يجوز أن يقال وسيق الذين اتقوا إلى الرحمن وفداً
سؤال: هل العرب كانت تفهم وتميز بين كلمة وأخرى في تحديد دلالة معينة داخل السياق أم هذه خصيصة من خصائص القرآن الكريم؟
فرق بين الإدراك والفهم وبين القدرة والمُكنة على الفعل بمثله، أنت ترى صنعة تعجبك لكن ليس باستطاعتك أن تعمل مثلها.
سؤال: هم يفهمون لكن لا يستطيعون أن يقولوا مثل هذا الكلام وهم أصحاب بيان وبلاغة لكن كل واحد على قدر ما أُوتي حتى تصل إلى المنتهى.
سؤال: من خلال اطلاعكم على التراث البياني والبلاغي في اللغة العربية ألم يثبت أن أحداً من الكفار وقت الرسول - صلى الله عليه وسلم - اعترض على كلمة من القرآن الكريم؟
أبداً والذين يعترضون اليوم لأنهم بين أمرين الجهل والحرب المقصودة قصداً.
آية (88):
*في سورة مريم لماذا ذكر كلمة الرحمن 16 مرة؟ في آخر سورة مريم (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)) (أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)) ما دلالة لفظ الرحمن؟(د.فاضل السامرائى)(1/71)
ذكرنا أكثر من مرة ما يسمى بالسمة التعبيرية للسورة أو للسياق. مثلاً في سورة طه قال (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11)) وفي النمل قال (فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ (8)) طبعاً هنالك سبب في إختيار أتاها وجاءها لكن مما ذكر أن لفظ الإتيان في طه أكثر من لفظ المجيء ولفظ المجيء في النمل أكثر من لفظ الإتيان. يقولون ورد لفظ الإتيان في طه 15 مرة وفي النمل 13 مرة، ولفظ المجيء في النمل 8 مرات وفي طه 4 مرات إذن هذا إضافة إلى الأمور التي ذكرت بالنسبة للمجيء والإتيان أن جاءها في الأمور الشاقة وأتاها في الأمور السهلة هنالك سبب آخر مع كل ذلك أن السمة التعبيرية للسورة أيضاً حسّنت هذا الأمر. في البقرة (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173)) وفي الأنعام (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (145)) في الأنعام كلمة الرب أكثر من لفظ الله وفي البقرة لفظ الله أكثر من الرب. ورد لفظ الله في البقرة 282 مرة وفي الأنعام 87 مرة وكلمة الرب في البقرة 47 مرة وفي الأنعام 53 مرة، إضافة إلى أنه في كل مسألة هنالك سبب خاص بالسياق لكن عندنا السمة التعبيرية للسورة أيضاً حسّنت أنه في البقرة (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وفي الأنعام (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). (إنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (17) الحج) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (25) السجدة) لفظ الرب ورد في السجدة أكثر مما وردت في الحج ولفظ الله في الحج ورد أكثر مما ورد في السجدة، لفظ الله في الحج مرد 75 مرة وفي السجدة مرة واحدة، لفظ الرب في السجدة 10 مرات وفي الحج 8 مرات، هناك فرق كبير بين آيات الحج والسجدة.(1/72)
الآن نأتي إلى الرحمة نجد أن الرحمة شاعت في سورة مريم سياق السورة والسمة التعبيرية الرحمة شائعة من أول السورة إلى آخرها (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)) لا تدانيها سورة في ذكر الرحمن (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18)) وفي البقرة (قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)) حتى لو أخذنا اللفظة الرحمن في مريم وردت في 16 مرة ووردت في البقرة مرة واحدة فقط (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)) فإذا أخذناها من السمة التعبيرية فالرحمن أكثر. هناك أمر آخر إضافة إلى السمة التعبيرية بين الآيتين (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) (قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) أصلاً السياق في البقرة سياق عقوبة ومسخ وتنكيل (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (66)) لفظ الرحمن لا يناسب المسخ والتنكيل فقال (أعوذ بالله) بينما في مريم (أعوذ بالرحمن) هي تستجير وتطلب من الرحمن أن يرحمها لأن لفظ الرحمن مناسب للحالة التي هي فيها تريد أن يرحمها ربها ويخلّصها مما هي فيه فإذن كل لفظة هي مناسبة في سياقها. سياق المسخ والعقوبة لا يتناسب مع الرحمة والرحمن فكيف مسخهم وهو الرحمن وكيف جعلهم قردة وخاسئين وهو الرحمن لا يستوي. مع أن الآيتين فيهما أعوذ وأعوذ ولكن ننظر السياق التي وردت فيه اللفظة. أنت لما تطلب الرزق تقول يا رزاق ارزقني ولا تقل يا قابض فكل كلمة لها مغزى ودلالة.
آية (93):(1/73)
*في سورة مريم (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)) ما دلالة كلمة الرحمن؟ (د.فاضل السامرائى)
هذه مضاف إليه مجرور، آتي إسم فاعل مثل قادم وليس فعلاً.
آية (94):
*ما الفرق بين الإحصاء والعدّ وما هي اللمسة البيانية في قوله تعالى (لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) مريم)؟(د.فاضل السامرائى)
العدُّ هو ضمُّ الأعداد بعضها إلى بعض واحد اثنان ثلاثة أربعة، أما الاحصاء فيكون مع العدّ الحفظ والإحاطة. العد ليس بالضرورة حفظها في مكان واحد أما الاحصاء فلا بد أن يكون فيه حفظ لما تعدّه فهو عدّ مع حفظ أما العدّ فهو مجرد ضم الأعداد دون حفظ. (لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) عرف عددهم وحفظهم. لا يوجد ترادف في القرآن الكريم.
****تناسب فاتحة مريم مع خاتمتها****
ذكر في أولها رحمته بعبد من عباده وهو زكريا (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) وفي الآخر ذكر رحمته بعباده المؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)) فذكر رحمته بعبد من عباده في الأول وذكر رحمته بعباده المؤمنين على الإطلاق وبشر في أولها عبداً من عباده وهو زكريا (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)) وبشر في الآخر عباده المتقين (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97))، رحم عبداً في الأول وبشره ورحم عباده المتقين في الآخر وبشرهم، بدأ بالفرد وانتهى بالجماعة. رحمة وتبشير في الأول ورحمة وتبشير في الآخر ورحمته ليست خاصة بعبد من عباده والتبشير ليس خاصاً. سورة مريم فيها رحمة وتبشير تبدأ بعبدٍ من عباده وتنتهي بالناس بعموم المتقين.
*****تناسب خواتيم مريم مع فواتح طه*****(1/74)
قال في خواتيم سورة مريم (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)) هذا القرآن وقال في بداية طه (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)) أنزلناه لتبشر به المتقين لا لتشقى. الكلام في القرآن وكأن الرسول ? كان يحمِّل نفسه الكثير. قال في خواتيم سورة مريم (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)) وفي طه قال (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)) فما فيهما ومن فيهما له سبحانه، ما في السموات ومما في الأرض له ومن فيهما عباده ولهذا قال (إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) الكل سوف يأتي الله سبحانه وتعالى له ما في السموات والأرض يعني ملكية ومن في السموات عباده. في ختام مريم قال (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)) وفي بداية طه ذكر قصة فرعون إلى أن قال (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)) كم أهلكنا، خذوا مثلاً فرعون. السورة وحدة واحدة كل سورة تسلم لما بعدها.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله(1/75)
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة مريم للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى من برنامج لمسات بيانية ومن محاضرات وكتب الدكتور فاضل السامرائى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/76)
سورة البقرة
تناسب الفاتحة مع البقرة ... 57-"وظللنا عليكم.." ... 115-"ولله المشرق والمغرب.." ... -"إنما حرم عليكم .." ... 231-"وإذا طلقتم النساء .."
هدف السورة ... 58-"وإذقلناادخلوا.." ... 116-"وقالوا اتخذ الله ولداً.." ... -"إن الذين يكتمون.." ... 232-"وإذا طلقتم النساء .."
1-"ألم" ... 59-"فبدل الذين ظلموا.." ... 117-"بديع السماوات .." ... -"أولئك الذين اشتروا.." ... 233-"والوالدات يرضعن .."
2-"ذلك الكتاب.." ... 60-"وإذ استسقى .." ... 118-"وقال الذين لايعلمون.." ... -"ذلك بأن الله نزّل .." ... 234-"والذين يتوفون منكم .."
3-"الذين يؤمنون بالغيب.." ... 61-"وإذقلتم ياموسى.." ... 119-"إناأرسلناك بالحق.." ... -"ليس البرَّ أن تولوا.." ... 235-"ولاجناح عليكم فيما .."
4-"والذين يؤمنون.." ... 62-"إن الذين آمنوا.." ... 120-"ولن ترضى عنك اليهود.. ... -"..كتب عليكم القصاص.." ... 236-"لاجناح عليكم إن .."
5-"أولئك على هدى.." ... 63-"وإذأخذناميثاقكم.." ... 121-"الذين ءاتيناهم الكتاب.." ... -"ولكم فى القصاص .." ... 237-"وإن طلقتموهن.."
6-"إن الذين كفروا.." ... 64-"ثم توليتم من بعد.." ... 122-"يابنى إسرائيل اذكروا.." ... -"..إذاحضرأحدكم الموت.." ... 238-"حافظواعلى الصلوات.."
7-"ختم الله على قلوبهم.." ... 65-"ولقدعلمتم.." ... 123-"واتقوا يوماً لاتجزى.." ... -"فمن بدله بعد ماسمعه .." ... 239-"فإن خفتم فرجالاً.."
8-"ومن الناس من يقول.." ... -"فجعلناها نكالاً.." ... 124-"وإذ ابتلى إبراهيمَ ربه.." ... -"فمن خاف من موصٍ .." ... 240-"والذين يتوفون منكم.."
9-"يخادعون الله .." ... - "..أن تذبحوابقرة.." ... 125-"وإذ جعلنا البيت مثابةً.." ... -"..كتب عليكم الصيام.." ... 241-"وللمطلقات متاعٌ .."
10-"فى قلوبهم مرض.." ... -"قالواادع لناربك.." ... 126-"..رب اجعل هذا بلداًآمناً.." ... -"أياما معدودات.." ... 242-"كذلك يبين الله لكم.."
11-"وإذا قيل لهم لاتفسدوا.." ... -"قالواادع لناربك.." ... 127-"وإذيرفع إبراهيم القواعد.. ... -"شهر رمضان .." ... 243-" ألم ترإلى الذين خرجوا..(1/1)
12-"ألا إنهم هم المفسدون.." ... -"قالواادع لناربك.." ... 128-"ربنا واجعلنا مسلمَين .." ... -"وإذا سألك عبادى عنى.." ... 244-"وقاتلوافى سبيل الله .."
13-"وإذا قيل لهم أمنوا.." ... -"قال إنه يقول إنها." ... 129-"ربناوابعث فيهم رسولاً.." ... -"أحل لكم ليلة الصيام.." ... 245-"من ذاالذى يقرض الله.."
14-"وإذالقواالذين أمنوا.." ... -"وإذقتلتم نفساً.." ... 130-"ومن يرغب عن ملة .." ... -"ولا تأكلوا أموالكم .." ... 246-"ألم ترإلى الملأ .."
15-"الله يستهزئ بهم.." ... -"فقلنا اضربوه ببعضها .." ... 131-"إذقال له ربه أسلم.." ... -"يسألونك عن الأهلة.." ... 247-"وقال لهم نبيهم .."
16-"اولئك الذين اشتروا.." ... -"ثم قست قلوبكم.." ... 132-"ووصى بها إبراهيم .." ... -"وقاتلوا فى سبيل الله .." ... 248-"وقال لهم نبيهم .."
17-"مثلهم كمثل الذى.." ... -"أفتطمعون أن يؤمنوا.." ... 133-"أم كنتم شهداء.." ... -"واقتلوهم حيث ثقفتموهم.. ... 249-"فلمافصل طالوت.."
18-"صمٌ بكمٌ عمىٌ.." ... -"وإذا لقواالذين آمنوا.." ... 134-"تلك أمةٌ قد خلت.." ... -"فإن انتهوا .." ... 250-"ولما برزوا لجالوت.."
19-"أو كصيبٍ من السماء.." ... -"أولايعلمون أن الله.." ... 135-"وقالوا كونوا هوداً.." ... -"وقاتلوهم حتى .." ... 251-"فهزموهم بإذن الله .."
20-"يكاد البرق.." ... -"ومنهم أميون.." ... 136-"قولوا ءامنا بالله .." ... -"الشهر الحرام .." ... 252-"تلك ءايات الله .."
21-"ياأيهاالناس اعبدوا.." ... -"فويلً للذين يكتبون.." ... 137-"فإن ءامنوا بمثل.." ... 195-" وأنفقوا فى سبيل الله .." ... 253-"تلك الرسل .."
22-"الذىجعل لكم الأرض.." ... -"وقالوا لن تمسناالنار.." ... 138-" صبغة الله .." ... 196-"وأتموا الحج والعمرة .." ... 254-"..أنفقواممارزقناكم.."
23-"وإن كنتم فى ريب.." ... -"بلى من كسب سيئة.." ... 139-"قل أتحاجوننا.." ... 197-"الحج أشهر معلومات .." ... 255-"الله لاإله إلاهوالحى."
24-"فإن لم تفعلوا.." ... -"والذين آمنوا وعملوا.." ... 140-"أم تقولون إن إبراهيم.." ... 198-"ليس عليكم جناح .." ... 256-"لاإكراه فى الدين.."(1/2)
25-"وبشر الذين أمنوا.." ... 83-"وإذأخذناميثاق بنى.." ... -" تلك أمةٌ قد خلت.." ... 199-"ثم أفيضوا .." ... 257-"الله ولى الذين ءامنوا.."
26-"إن الله .." ... 84-"وإذ أخذنا ميثاقكم.." ... -"سيقول السفهاء.." ... 200-"فإذا قضيتم مناسككم .." ... 258-"ألم ترإلى الذى حاج .."
27-"الذين ينقضون.." ... 85-"ثم أنتم هؤلاء تقتلون .." ... -"..جعلناكم أمةً وسطاً.." ... 201-"..آتنا فى الدنيا حسنة .." ... 259-"أوكالذى مرعلى قرية.."
28-"كيف تكفرون.." ... 86-"أولئك الذين اشتروا.." ... -"قد نرى تقلب وجهك.." ... 202-"أولئك لهم نصيب .." ... 260-"وإذقال إبراهيم رب .."
29-"هو الذىخلق لكم.." ... 87-"ولقدآتينا موسى .." ... -"ولئن أتيت الذين أوتوا.." ... 203-"واذكروا الله فى أيامٍ .." ... 261-"مثل الذين ينفقون .."
30-"وإذ قال ربك للملائكة.." ... 88-"وقالوا قلوبنا غلف.." ... -"الذين ءاتيناهم الكتاب.." ... 204-"ومن الناس من يعجبك.." ... 262-"الذين ينفقون أموالهم.."
31-"وعلّم آدم الأسماء.." ... 89-"ولمّا جاءهم كتابٌ.." ... -"الحق من ربك.." ... 205-"وإذا تولى سعى .." ... 263-" قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ.."
32-"قالوا سبحانك.." ... 90-"بئسما اشتروا به .." ... -"ولكلٍّ وجهةٌ.." ... 206-"وإذاقيل له اتق الله .." ... 264-"..لا تبطلوا صدقاتكم.."
33-"قال ياآدم أنبئهم.." ... 91-"وإذاقيل لهم آمنوا.." ... -"ومن حيث خرجت.." ... 207-"ومن الناس من يشرى.." ... 265-"ومثل الذين ينفقون.."
34-"وإذ قلنا للملائكة.." ... 92-"ولقد جاءكم موسى .." ... -"ومن حيث خرجت.." ... 208-"..ادخلوا فى السلم كافة.." ... 266-"أيود أحدكم أن تكون .."
35-"وقلنا ياآدم اسكن.." ... 93-"وإذ أخذنا ميثاقكم .." ... -"كما أرسلنا فيكم رسولاً.." ... 209-"فإن زللتم من بعد .." ... 267-"..أنفقوا من طيبات .."
36-"فأزلهما الشيطان.." ... 94-"قل إن كانت لكم الدار.." ... -"فاذكرونى أذكركم.." ... 210-"هل ينظرون إلا .." ... 268-"الشيطان يعدكم الفقر.."(1/3)
37-"فتلقى آدم من ربه.." ... 95-"ولن يتمنّوه أبداً .." ... "..استعينوابالصبروالصلاة.. ... 211-"سل بنى إسرائيل .." ... 269-"يؤتى الحكمة من يشاء..
38-"قلنا اهبطوا منها .." ... 96-"ولتجدنّهم أحرص الناس.." ... -"ولا تقولوا لمن يقتل.." ... 212-"زين للذين كفروا .." ... 270-"وماأنفقتم من نفقة .."
39-"والذين كفرواوكذبوا.." ... 97-"قل من كان عدوّاً.." ... -"ولنبلونّكم بشىءٍ .." ... 213-"كان الناس أمة واحدة .." ... 271-"إن تبدوا الصدقات.."
40-"يابنى إسرائيل.." ... 98-"من كان عدوّاً لله .." ... "..إنالله وإناإليه راجعون.." ... 214-"أم حسبتم أن تدخلوا .." ... 272-"ليس عليك هداهم .."
41-"وآمنوابماأنزلت.." ... 99-"ولقدأنزلناإليك آيات.." ... -"أولئك عليهم صلواتٌ.." ... 215-"يسألونك ماذا ينفقون .." ... 273-"للفقراءالذين أحصروا.."
42-" ولا تلبسوا الحق .." ... 100-"أو كلما عاهدوا.." ... -"إن الصفا والمروة.." ... 216-"كتب عليكم القتال .." ... 274-"الذين ينفقون أموالهم.."
43-"وأقيموا الصلاة.." ... 101-" ولماجاءهم رسول.." ... -"إن الذين يكتمون.." ... 217-"يسألونك عن الشهر .." ... 275-"الذين يأكلون الربا.."
44-"أتأمرون الناس بالبر.." ... 102-"واتبعوا ما تتلوا .." ... -"إلا الذين تابوا.." ... 218-"إن الذين ءامنوا والذين.. ... 276-"يمحق الله الربا.."
45-"واستعينوا بالصبر .." ... 103-"ولوأنهم آمنواواتقوا.." ... -"إن الذين كفروا وماتوا.." ... 219-"يسألونك عن الخمر.." ... 277-"إن الذين ءامنوا .."
46-"الذين يظنون.." ... 104-"..لاتقولوا راعنا.." ... -"خالدين فيها.." ... 220-"فى الدنيا والآخرة .." ... 278-"ياأيهاالذين ءامنوا .."
47-"يابنى أسرائيل.." ... 105-"مايودالذين كفروا .." ... -"وإلهكم إلهٌ واحد .." ... 221-"ولاتنكحوا المشركات.." ... 279-"فإن لم تفعلوافأذنوا .."
48-"واتقوا يوماً لاتجزى.." ... 106-"ما ننسخ من آية .." ... -"إن فى خلق السماوات.." ... 222-"ويسألونك عن المحيض.. ... 280-"وإن كان ذوعسرة.."(1/4)
49-"وإذ نجيناكم.." ... 107-"ألم تعلم أن الله .." ... -"ومن الناس من يتخذ.." ... 223-"نساؤكم حرثٌ لكم .." ... 281-"واتقوا يوماً ترجعون.."
50-"وإذ فرقنا بكم البحر.." ... 108-"أم تريدون أن تسألوا.." ... -"إذ تبرأ الذين اتبعوا .." ... 224-"..عرضةً لأيمانكم.." ... 282-"..إذا تداينتم بدين .."
51-"وإذ واعدنا موسى.." ... 109-"ودكثيرمن أهل الكتاب.." ... -"وقال الذين اتبعوا .." ... 225-"لايؤاخذكم الله باللغو .." ... 283-"وإن كنتم على سفر.."
-"ثم عفونا عنكم.." ... 110-"وأقيموا الصلاة.." ... -"ياأيها الناس كلوا.." ... 226-"للذين يؤلون من نسائهم.. ... 284-"لله مافى السماوات .."
53-"وإذ آتينا موسى.." ... 111-"وقالوالن يدخل الجنة.." ... -"إنما يأمركم بالسوء .." ... 227-"وإن عزموا الطلاق .." ... 285-"ءامن الرسول .."
54-"وإذ قال موسى لقومه.." ... 112-"بلى من أسلم.." ... -"وإذا قيل لهم اتبعوا.." ... 228-" والمطلقات يتربصن .." ... 286-"لايكلف الله نفساً .."
55-"وإذ قلتم ياموسى.." ... 113-"وقالت اليهود .." ... -"ومثل الذين كفروا .." ... 229-"الطلاق مرتان.." ... ترابط السورة
56-"ثم بعثناكم.." ... 114-"ومن أظلم ممن منع .." ... -"ياأيهاالذين ءامنوا كلوا.." ... 230-"فإن طلقها فلا تحل له.." ... تناسب البقرة مع آل عمران
*تناسب خاتمة الفاتحة مع فاتحة البقرة*(1/5)
تنتهي سورة الفاتحة بذكر المنعَم عليهم والمغضوب عليهم والضالين (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)) والبقرة تبدأ بذكر هؤلاء أجمعين، تبدأ بذكر المتقين (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)) وهؤلاء منعَم عليهم ثم تقول (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6)) تجمع الكافرين من المغضوب عليهم والضالين وتذكر المنافقين (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)) إذن اتفقت خاتمة سورة الفاتحة مع افتتاح سورة البقرة. ذكر في خواتيم الفاتحة أصناف الخلق المكلفين (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)) وذكرهم في بداية البقرة.
المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه والضالون لم يعلموا الحق وإنما ضلوا الطريق ويضربون مثلاً اليهود والنصارى، المغضوب عليهم منهم اليهود والنصارى. وفواتح البقرة تحدثت عن هذه الأصناف المتقين والكفار والمنافقين جمعت المغضوب عليهم والضالين يجمعهم الكفار.
*سؤال: هل هذا الأمر مقصود في حد ذاته من قِبل الله سبحانه وتعالى يعني هذه التوأمة بين خواتيم السور وبداية السور التي تليها؟(1/6)
قسم من الباحثين في عموم المناسبات قالوا القرآن كتاب حياة، الآن خذ أي يوم من أيام الحياة هل هي مترابطة في مسألة واحدة؟ أو أن فيها أمور مختلفة متعددة كلها تجمعها الحياة والقرآن كتاب حياة فيه ما فيه تقع أمور كثيرة متعددة مترابطة ولكن لا يبدو هذا الترابط ظاهراً مثل الكتاب تقرأه من مقدمته إلى خاتمته فصل أول وفصل ثاني ليست رسالة في موضوع معين. الآن نلاحظ في هذا الوضع التوقيفي نلاحظ إرتباط واضح في هذه المسألة ولذلك الرازي قال أن آيات القرآن كلها كأنها كلمة واحدة من حيث الترابط آيات القرآن كأنها آية في ترابطها من حيث الترابط وهذه كأنها كلمة واحدة من حيث الترابط. نحن لا نقول غير مقصود ولكننا الآن ننظر في شيء موجود أمامنا ونبحث فيه هل هنالك تناسب أو لا؟ في هذا الوضع الحالي نحن الآن نرى ترابطاً واضحاً، نحن نصف في تقديرنا فيما يظهر لنا هذا الأمر والله أعلم، هذا ما يبدو لنا كعلماء.
**هدف السورة: الاستخلاف في الأرض ومنهجه**
سورة البقرة وآياتها (286 آية) هي أول سورة نزلت في المدينة بعد هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومع بداية تأسيس الامة الاسلامية (السور المدنية تعنى بجانب التشريع) وأطول سور القرآن وأول سورة في الترتيب بعد الفاتحة. وفضل سورة البقرة وثواب قراءتها ورد في عدد من الأحاديث الصحيحة منها: (يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما) وفي رواية (كأنهما غمامتان او ظلتان) وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة" أخرجه مسلم والترمذي. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة" أي السحرة، رواه مسلم في صحيحه.(1/7)
هدف السورة: الإستخلاف في الأرض (البشر هم المسؤولون عن الأرض) ولذا جاء ترتيبها الاول في المصحف. فالأرض ملك لله عز وجل وهو خلقها وهو يريد ان تسير وفق إرادته فلا بد أن يكون في الأرض من هو مسؤول عنها وقد استخلف الله تعالى قبل آدم الكثير من الأمم وبعد آدم أيضاً فمنهم من فشل في مهمة الاستخلاف ومنهم من نجح. لذا عندما نقرأ السورة يجب علينا أن نستشعر مسؤولية في خلافة الارض.
كما أسلفنا فإن هدف السورة هو الاستخلاف في الأرض، وسورة البقرة هي أول سور المصحف ترتيباً وهي أول ما نزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة مع بداية تأسيس وتكوين دولة الإسلام الجديدة فكان يجب أن يعرف المسلمون ماذا يفعلون ومما يحذرون. والمسؤولية معناها أن نعبد الله كما شاء وأن نتبع أوامره وندع نواهيه.
والسورة مقسمة إلى أربعة أقسام: مقدمة – القسم الأول – القسم الثاني – خاتمة. وسنشرح هدف كل قسم على حدة.
? المقدمة: وفيها وصف أصناف الناس وهي تقع في الربع الأول من السورة من الآية (1 – 29)
? الربع الأول: أصناف الناس:
1. المتقين (آية 1 – 5)
2. الكافرين (آية 6 – 7)
3. المنافقين (آية 8 – 20) والاطناب في ذكر صفات المنافقين للتنبيه الى عظيم خطرهم وكبير ضررهم لأنهم يظهرون الايمان ويبطنون الكفر وهم أشد من الكافرين.
? ثم ننتقل الى القسم الأول للسورة وهو باقي الجزء الأول وفيه هذه المحاور:
? الربع الثاني:استخلاف آدم في الأرض (تجربة تمهيدية ) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) (الآية 30) واللطيف أنه سبحانه أتبع هذه الآية بـ (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (آية 31)(1/8)
وهذه الآية محورية تعني أنه إذا أردت أن تكون مسؤولا عن الأرض يجب أن يكون عندك علم لذا علّم الله تعالى الاسماء كلها وعلّمه الحياة وكيف تسير وعلّمه تكنولوجيا الحياة وعلّمه أدوات الاستخلاف في الأرض (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)(آية 22). وهذا إرشاد لأمة الاسلام إن أرادوا ان يكونوا مسؤولين عن الأرض فلا بد لهم من العلم مع العبادة فكأن تجربة سيدنا آدم - عليه السلام - هي تجربة تعليمية للبشرية بمعنى كيفية المسؤولية عن الأرض. ثم جاءت الآية (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ( آية 36 ترشدنا أن النعمة تزول بمعصية الله تعالى. وتختم قصة آدم بآية مهمة جداً (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) آية 38 وهي تؤكد ما ورد في أول سورة البقرة (هدى للمتقين) ومرتبطة بسورة الفاتحة (إهدنا الصراط المستقيم).
? الربع الثالث الى الربع السابع: نموذج فاشل من الاستخلاف في الأرض: قصة بني اسرائيل الذين استخلفوا في الأرض فأفسدوا (لآية 40) (يا بني اسرائيل اذكروا تعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين).(1/9)
وأول كلمة في قصة بني اسرائيل (أني فضلتكم على العالمين) اي أنهم مسؤولون عن الأرض، وأول كلمة في قصة آدم - عليه السلام - (إني جاعل في الأرض خليفة) أي مسؤول عن الارض، وأول كلمة في قصة بني اسرائيل (واذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) وأول كلمة في الفاتحة (الحمد لله رب العالمين) والحمد يكون على النعم. فذكر نعم الله تعالى واستشعارها هي التي افتتح بها القرآن الكريم والتي افتتحت بها قصة بني اسرائيل.
? تعداد نعم الله تعالى على بني اسرائيل: الآيات 49 – 50 – 51 - 52
"وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ" (49)"وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ "(50)"وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ" (51)"ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "(52)
? عرض أخطاء بني اسرائيل (بهدف اصلاح الامة الاسلامية) الآيات 55 – 61
وفي عرض أخطاء بني اسرائيل التي وقعوا فيها توجيه لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - واصلاحها ومن هذه الأخطاء: أن بني اسرائيل لم يرضوا تنفيذ شرع الله تعالى – المادية – الجدل الشديد – عدم طاعة رسل الله – التحايل على شرع الله – عدم الإيمان بالغيب.(1/10)
وقصة البقرة باختصار أن رجلا من بني اسرائيل قتل ولم يعرف قاتله فسألوا سيدنا موسى فأوحى الله تعالى اليه أن يأمرهم بذبح بقرة لها صفات معينة ويضربوا الميت بجزء من البقرة المذبوحة فيحيا باذن الله تعالى ويدل على قاتله (الآيات 69 – 71) وهذا برهان مادي لبني اسرائيل وغيرهم على قدرة الله جلّ وعلا في احياء الخلق بعد الموت. وذلك أن بنو اسرائيل كانوا ماديين جداً ويحتاجون الى دليل مادي ليصدقوا ويؤمنوا. وهذه السورة تقول لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أنهم مسؤولون عن الأرض وهذه أخطاء الامم السابقة قلا يقعوا فيها حتى لا ينزل عليهم غضب الله تعالى ويستبدلهم بأمم أخرى. وتسمية السورة بهذا الاسم (البقرة) إحياء لهذه المعجزة الباهرة وحتى تبقى قصة بني اسرائيل ومخالفتهم لأمر الله وجدالهم لرسولهم وعدم إيمانهم بالغيب وماديتهم وما أصابهم جرّاء ذلك تبقى حاضرة في أذهاننا فلا نقع فيما وقعوا فيه من أخطاء أدت الى غضب الله تعالى عليهم. وهذه القصة تأكيد على عدم ايمان بني اسرائيل بالغيب وهو مناسب ومرتبط بأول السورة (الذين يؤمنون بالغيب) وهي من صفات المتقين. وفي قصة البقرة أخطاء كثيرة لأنها نموذج من الذين أخطأوا وهي امتحان من الله تعالى لمدى ايماننا بالغيب.
وتتابع أخطاء بني اسرائيل الى الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(104) وكان العرب يفهمون هذه الكلمة (راعنا) على أنها عادية ولكنها تعني السباب عند بني اسرائيل فأراد الله تعالى ان يتميز المسلمون عن اليهود حتى بالمصطلحات اللفظية وأمرهم أن يقولوا (انظرنا).(1/11)
? الربع الثامن: نموذج ناجح للإستخلاف في الأرض (قصة سيدنا ابراهيم - عليه السلام - ) وهي آخر تجربة ورد ذكرها في السورة. اولا ابتلى سبحانه آدم في أول الخلق (تجربة تمهيدية) ثم بني اسرائيل فكانت تجربة فاشلة ثم ابتلى ابراهيم - عليه السلام - فنجح (وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) وفي هذه الآية اثبات أن الاستخلاف في الارض ليس فيه محاباة فالذي يسير على منهج الله وطاعته يبقى مسؤولا عن الأرض والذي يتخلى عن هذا المنهج لا ينال عهد الله (لا ينال عهدي الظالمين). امتحن الله تعالى سيدنا ابراهيم - عليه السلام - بكلمات فلما أتمهن قال تعالى (اني جاعلك للناس اماما) ثم دعا ابراهيم ربه أن يبعث في هذه الأمة رسولا منهم (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) آية 136. وفي نهاية قصة سيدنا ابراهيم الآية (قولوا آمنا بما أنزل الينا وما أنزل الى ابراهيم ) جاء ذكر الانبياء كلهم وهذا مرتبط بآية سورة الفاتحة (صراط الذين أنعمت عليهم) فكأنما كل هؤلاء المذكورين في آية سورة البقرة هم من الذين أنعم الله تعالى عليهم والذين يجب أن نتبع هداهم والصراط الذي اتبعوه.(1/12)
وملخص القول في القسم الاول من السورة أن القصص الثلاث : قصة آدم (إني جاعل في الارض خليفة) وقصة بني اسرائيل (واني فضلتكم على العالمين) وقصة سيدنا ابراهيم - عليه السلام - (إني جاعلك للناس اماما) هذه القصص الثلاث بدايتها واحدة وهي الاستخلاف في الارض وعلينا نحن امة المسلمين أن نتعلم من تجارب الذين سبقونا وأن نستشعر الأخطاء التي وقعت فيها الامم السابقة ونعرضها على انفسنا دائما لنرى ان كنا نرتكب مثل هذه الاخطاء فتوقف عن ذلك ونحذو حذو الامم السابقة الذين نجحوا في مهمة الاستخلاف في الارض كسيدنا ابراهيم - عليه السلام - . وفي القصص الثلاث ايضاً اختبار نماذج مختلفة من الناس في طاعة الله تعالى فاختبار سيدنا آدم - عليه السلام - كان في طاعة الله (أكل من الشجرة ام لا) واختبار بني اسرائيل في طاعتهم لأوامر الله من خلال رسوله واختبار سيدنا ابراهيم - عليه السلام - بذبح ابنه اسماعيل ايضا اختبار طاعة لله تعالى (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات). وخلاصة أخرى أن الآمة مسؤولة عن الارض والفرد أيضا مسؤول وللقيام بهذه المسؤولية فهو محتاج للعبادة وللأخذ بالعلم والتكنولوجيا.
? القسم الثاني من السورة (الجزء الثاني): أوامر ونواهي للأمة المسؤولة عن الأرض
وفي هذا القسم توجيه للناس الذين رأوا المناهج السابقة وتجارب الامم الغابرة يجب أن يتعلموا من الأخطاء وسنعطيكم أوامر ونواهي كي تكونوا مسؤولين عن الارض بحق وتكونوا نموذجا ناجحا في الاستخلاف في الارض. وينقسم هذا القسم الى:(1/13)
? الربع الأول: تغيير القبلة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) آية (144-143) لماذا جاءت الآية في تغيير القبلة من بيت المقدس الى بيت الله الحرام؟ المسلمون أمة أرادها الله تعالى ان تكون متميزة وقوله تعالى (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) فبما انكم ستكونون شهداء على الناس لا بد من ان تكونوا متميزين فلا استخلاف بدون تميز لذا كان لا بد من أن تتميزالأمة المسلمة:
? بقبلتها (بدون تقليد أعمى لغيرها من الامم السابقة) آية 144
? بمصطلحاتها (انظرنا بدل راعنا) آية 104
? بالمنهج (اهدنا الصراط المستقيم) سورة الفاتحة
? الربع الثاني: التوازن في التميز
((1/14)
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) آية 158. وسبب هذه الآية أن الصحابة لما نزلت آيات تغيير القبلة ليتميزوا عن الكفار اعتبروا ان الصفا والمروة من شعائر الكفار وعليهم ان يدعوه ايضا حتى يكونوا متميزين لكن جاءت الآية من الله تعالى أن ليس على المسلمين أن يتميزوا عن كل ما كان يفعله الكفار فلا جناح عليهم أن يطوفوا بالصفا والمروة لأنها من شعائر الله وليس فيه تقليد للأمم السابقة. إذن علينا أن نبتعد عن التقليد الأعمى لمن سبقنا لكن مع الإبقاء على التوازن أي أننا أمة متميزة لكن متوازنة.
o الربع الثالث:عملية اصلاح شامل
الآية (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) فيها اشياء كثيرة. فبعد أن اطاعوا وتميزوا مع الحفاظ على التوازن كان لا بد لهم من منهج اصلاحي شامل (الايمان بالله، بالغيب، ايتاء المال، اقامة الصدقة، ايتاء الزكاة، الوفاء بالعهود، الصابرين ، الصادقين، المتقين) وكأنما الربعين الاول والثاني كانوا بمثابة تمهيد للأمة طاعة وتميز بتوازن واصلاح شامل وتبدأ من هنا الآيات بالاوامر والنواهي المطلوبة.
o أوامر ونواهي شاملة لنواحي الاصلاح:(1/15)
o التشريع الجنائي: آية 179(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
o التركات والوصيات آية 180(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)
o التشريع التعبدي آية 183 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) التعبد واحكام الصيام
o الجهاد والانفاق فيها دفاع عن المنهج ولا دفاع بدون مال وانفاق.( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آية 195
آية 177 (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) مفصلة في هذه الاحكام وكلما تأتي الآيات في تشريع تنتهي بذكر التقوى لأنه لا يمكن تنفيذ قوانين الا بالتقوى وهي مناسبة ومرتبطة بهدى للمتقين في اول السورة ونلاحظ كلمة التقوى والمتقين في الآيات السابقة.إذن فالاطار العام لتنفيذ المنهج هو : طاعة – تميز – تقوى ونستعرض هذا التدرج الرائع:(1/16)
? (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) آية183
? (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) آية َ179
? (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ )آية 144– (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)آية 158
وكل من هذه الآيات هي اول آية في الربع التي ذكرت فيه.
? الربع الرابع: باقي أجزاء منهج الاستخلاف
? الجهاد والانفاق(وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ(190)وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ(191)
? الحج وأحكامه (196 - 200)(1/17)
لماذا جاء آيات أحكام الحج بعد الجهاد؟ لأن الحج هو أعلى تدريب على القتال واعلى مجاهدة النفس. وأيات الحج بالتفصيل وردت في سورة البقرة استجابة لدعوة سيدنا ابراهيم في الربع الثامن من القسم الاول (وأرنا مناسكنا) آية 128 ونلاحظ أن سورة البقرة اشتملت على أركان الاسلام الخمسة : الشهادة والصلاة والزكاة والصوم والحج ولم تفصّل هذه الاركان في القرآن كما فصّلت في سورة البقرة.
الاسلام منهج متكامل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) آية 208 والسلم هو الإسلام وهو توجيه للمسلمين أن لا يكونوا كبني إسرائيل الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) آية 85 وأن يأخذوا الدين كاملا غير مجتزأ فكأنما يوجهنا الله تعالى في سياق السورة الى الطاعة والتميز ثم يعطينا بعض عناصر المنهج ثم يأمرنا أن نأخذ الاسلام كافة و لا نفعل كما فعل بنو اسرائيل ثم يكمل لنا باقي المنهج. وهذ الآية (ادخلوا في السلم كافة) كان لا بد من وجودها في مكانها بعد الطاعة والتميز واتباع الاوامر والنواهي والجهاد والانفاق للحفاظ على المنهج ثم الاخذ بالدين كافة ثم التقوى التي تجعل المسلمين ينفذون.
? الربع : اكتمال المنهج (الآيات 219 – 242)
وفيه اكمال المنهج من أحكام الاسرة من زواج وطلاق ورضاعة وخطبة وخلع وعدة وغيرها وسياق كل ذلك التقوى ونلاحظ نهاية الآيات بكلمة تقوى او مشتقاتها. وقد تأخرت آيات احكام الاسرة عن احكام الصيام لأن الله تعالى بعدما أعد المسلمين بالتقوى وبطاعته جاءت أحكام الاسرة التي لا ينفذها إلا من اتقى وأطاع ربه فالمنهج الاخلاقي والعملي متداخلين في الاسلام. لا ينفع أن يبدأ باحكام الاسرة ما لم يكن هنالك تقوى في النفوس البشرية.
? الربع : قصة طالوت وجالوت (آية 246 – 251)(1/18)
وهي قصة أناس تخاذلوا عن نصرة الدين وجاء ذكرها في موضعها لأن المنهج يجب أن يحافظ عليه ولا يتم ذلك إلا بوجود أناس يحافظون عليه.
? آية الكرسي (اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (آية 255) موضعها في السورة مهم جدا وتدلنا الى أنه اذا اردنا تطبيق المنهج يجب ان نستشعر قدرة الله وعظمته وجلاله (الله لا إله الا هو الحي القيوم) فالمنهج ثقيل ويتطلب الكثير من الجهد لكنه يستحق التطبيق لأنه منهج الله تعالى (الله لا اله إلا هو)
ثم تأتي بعدها آية غاية في كرم الله وعدله (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أمر من الله بان لا نكره أحدا على الدين لماذا؟ لأن الدين واضح معناه بعد قوله (الله لا اله الا هو) فالذي لا يعرف معنى (الله لا اله إلا هو) ولا يستشعر عظمة هذا المعنى لا مجال لإكراهه على الدين. فالرشد بيٌن والغي بيٌن.
? قدرة الله تعالى في الكون (دلائل احياء الموتى):من الآية (258 – 261) جاءت في ثلاث قصص:(1/19)
? قصة ابراهيم مع النمرود آية 258 (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
? قصة عزير والقرية الخاوية آية 259 (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
? قصة ابراهيم والطير آية 261 (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
وفي القصص الثلاث تأكيد على قدرة الله تعالى وأنه (لا إله إلا هو) فكيف لا نقبل بتنفيذ المنهج أو نكون مسؤولين عن الأرض بعدما أرانا الله تعالى قدرته في الكون؟
? الربع الأخير: الإنفاق (الآيات 261 – 283)
((1/20)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ )آية 278
وهو آخر جزء من المنهج وفيه حملة شديدة على جريمة الربا التي تهدد كيان المحتمع وتقوض بنيانه وحملت على المرابين بإعلان الحرب من الله تعالى ورسوله على كل من يتعامل بالربا أو يقدم عليه. وعرض للمنهج البديل فالإسلام لا ينهى عن أمر بدون أن يقدم البديل الحلال. وقد جاءت آيات الربا بين آيات الإنفاق لتؤكد معنى وجود المنهج البديل للمال والرزق الحلال.
o الخاتمة: وهذه أروع آيات السورة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) آية 285 فالتكاليف كثيرة والتعاليم والمنهج شاق وثقيل فكان لا بد من ان تأتي آية الدعاء لله تعالى حتى يعيننا على أداء وتنفيذ هذا المنهج (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) آية 286(1/21)
اي أعنا يا ربنا على تنفيذ المنهج لأنه سيوجد أعداء يمنعوننا من ذلك ولن نقدر على تطبيق المنهج بغير معونة الله. واشتملت الخاتمة بتوجيه المؤمنين الى التوبة والإنابة والتضرع إلى الله عزّ وجلّ برفع الأغلال والآصار وطلب النصرة على الكفار والدعاء لما فيه سعادة الدارين (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) وقد ختمت السورة بدعاء المؤمنين كما بدأت بأوصاف المؤمنين وبهذا يلتئم شمل السورة أفضل التئام فسبحان الله العلي العظيم.
خلاصة: نحن مسؤولون عن الارض والمنهج كامل وعلينا ان ندخل في السلم كافة والمنهج له إطار: طاعة الله وتميز وتقوى. اما عناصر المنهج فهي: تشريع جنائي، مواريث، إنفاق، جهاد، حج، أحكام صيام، تكاليف وتعاليم كثيرة فلا بد أن نستعين بالله تعالى على أدائها لنكون أهلا للاستخلاف في الارض ولا نقع في أخطاء الامم السابقة.
***من اللمسات البيانية فى سورة البقرة***
*لماذا بعض أسماء السور وردت مرفوعة مثل الكافرون والمؤمنون وبعضها بالجرّ بالاضافة مثل سورة الحجِ و البقرةِ؟ (د.حسام النعيمى)(1/22)
الناظر في فهرس السور وينظر فيها في مواطنها. هو لما يقول البقرة لا يقول البقرة وإنما يقول هذه سورة البقرةِ هكذا الإعراب: سورة البقرة تٌعرب خبر لمبتدأ محذوف وتقديره هذه سورة البقرة وهذه سورة آل عمران وهكذا. فالأسماء المفردة جاءت بالجر مجرورة. الأسماء التي جاءت بصيغة جمع المذكر السالم يبدو أن تسميتها جاءت مما ورد في السورة فلما كانت (قل يا أيها الكافرون) بالرفع سميت سورة الكافرون على الحكاية. يعني لما نقول أحياناً في الحكاية تقول قرأت الفاتحةُ أي السورة التي إسمها الفاتحة هكذا. في جمع المذكر السالم السور التي إسمها فيها جمع مذكر سالم أربع سور: المؤمنون (قد أفلح المؤمنون)، المنافقون (إذا جاءك المنافقون)، الكافرون (قل يا أيها الكافرون)، المطففين (ويل للمطففين) جاءت مجرورة باللام فسميت المطففين. فإذا الذي جمع مذكر سالم حُكي في السورة والباقي عموماً أُخضع للقاعدة فإذا كان منصرفاً جُرّ بالكسرة وإذا كان ممنوعاً من الصرف مثل سورة يونسَ مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة وكذلك سورة يوسفَ.
آية (1)-(2):
*ما دلالة الحروف المقطعة في أوائل بعض السور في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)(1/23)
القدماء انتبهوا أن السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة بُنيت على ذلك الحرف فمثلاً سورة ق تتكرر فيها الكلمات التي فيها حرف القاف مثل (قول، رقيب، القرآن، تنقص، ألقينا، باسقات، الخلق) وكذلك سورة ص تكثر فيها الكلمات التي فيها حرف الصاد مثل (مناص، اصبروا، أصحاب، صيحة، فصل، الخصم) حتى أنهم جعلوا إحصائية في (ألر) وقالوا أنها تكررت فيها الكلمات التي فيها (ألر) 220 كلمة هذا قول القدامى. العلماء جمعوا الأحرف المقطعة وقالوا عندما نجمعها نجد أنها (14) حرفاً تمثّل نصف حروف المعجم وجاءت في 29 سورة وهي عدد حروف المعجم نصف الأحرف المجهورة ونصف الأحرف الشديدة ونصف المطبقة ونصف المنقوطة ونصف الخالية من النقط ونصف المستقرة ونصف المنفتحة ونصف المهموسة ونصف المستعلية و نصف المقلقلة و نصف الرخوة وهكذا لكن هم خاضوا في هذا للنظر فيه. هذه الأحرف المفرّغة من المعنى رُكبت تركيباً خاصاً فصارت آيات مبينة موضحة وهي موضع الإعجاز وموضع التحدي للعرب الفصحاء. هم يقيناً أدركوا هذا المعنى وإلا لكانوا سألوا عنه.
وقسم قال أنه تشتمل على أنصاف الأحرف مثلاً كل سورة بدأت بـ (ألم) تذكر بدء الخلق (حرف الألف) ووسط الخلق (حرف اللام) ونهاية الخلق (حرف الميم). وقسم قالوا أن كل السور التي تبدأ بحرف (ط) تبدأ بقصة موسى أولاً. وهناك من جعل منها معادلة رياضية فقال أن كل سورة فيها (ألم) نسبة الحروف ألف إلى لام تساوي نسبة الحروف لام إلى ميم.
وقسم يجمع الحروف في جمل وقسم أجروها على الطوائف فجعلوا من الأحرف الأربعة عشر جملاً متعددة وقسم جعلها رموزاً لأمور ستقع مثلما قالوا في (حم عسق) في تفسير ابن كثير اشارة الى امور في احد من آل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقسم كانوا يجمعون على حساب الجمل فيجعلون الألف واحد.(1/24)
ألم هي حروف متقطعة وليست كلمات وإن كان قسم من القدامى حاولوا أن يجمعوا هذه الأحرف ويستخرجوا منها جملاً ولاحظت أن كل طائفة تضع جملة تنصر بها طائفتها وقسم يقول لو جمعت الأحرف تحصل على جملة "نص حكيم قاطع له سر". سألتمونيها، اليوم تنساه، وقسم يقول يا أوس هل نمت؟ الوسمي هتّان (أي المطر ينزل)، هويت السُمان، تُجمع منها عبارات، يجمعون من الأحرف بصور مختلفة كل واحدة لها معنى.
سؤال: هل كانت العرب تتكلم في لغتها العربية بالأحرف المقطعة؟ كلا ويقولون هذا لشد انتباههم لأنه غير مألوف في كلامهم، هم يسمون الأحرف.
القول الفصل فيها أنها حروف لها سر من قبل الله تعالى لا نعلمه وقسم قالوا هي من المتشابه الذي لا نعلمه. قد يكون هذا الرأي ولكن هذه الملاحظات جديرة بالانتباه أيضاً.(1/25)
أيضاً انتبه القدامى أن هذه التي تبدأ بهذه الأحرف يكون التعبير فيها طابع هذه الأحرف يعني التي تبدأ بالصاد تكثر فيها الكلمات الصادية يعني هي تعطيك بداية فنية لما يكثر من الأحرف في هذه السورة. مثل سورة ق تردد فيها الكلمات التي فيها قاف (ق والقرآن المجيد، إذ يتلقى المتلقيان، قعيد، سائق، تشقق)، في ص ذكر الخصومات، الخصم، يختصمون، مناص، صيحة، اصبروا، صيحة، إصبر، الكلمات فيها صاد. ثم استدلوا إلى الإحصاء قالوا ضربوا مثالاً في سورة يونس تبدأ بـ ألر وفي هذه السورة تكررت الكلمات التي فيها راء كثيراً وأقرب السور إليها سورة النمل والنحل وهي أطول منها لكنها لم تتردد الراء فيها كما في يونس ففيها (فيها 220 راء) هكذا أحصوا. ثم الملاحظة أن كل السور التي تبدأ بالطاء (طه، طس، طسم) كلها تبدأ بقصة موسى أولاً، كلها بلا استثناء. يبدو كما يقولون أن اللمسة البيانية إذا كان أنه هذه تشير إلى أن الحروف المذكورة أولاً تطبع طابع السورة فيكون من باب السمة التعبيرية. قد تكون سمة تعبيرية. ليس هذا فقط ولكن قبل سنوات أخرج دكتور مهندس أخرج كتاباً عن المناهج الرياضية في التعبير القرآني عملها على الكمبيوتر وهو يقول أنه لاحظ أن الأحرف المذكورة في بداية السور تتناسب في السور تناسباً طبيعياً فالتي تبدأ بـ (ألم) يكون الألف أكثر تكراراً في السورة ثم اللام ثم الميم وليس هذا فقط وإنما نسبة الألف إلى اللام مثل نسبة اللام إلى الميم، هذه معادلة رياضية حتى أنني ناقشته وسألته هل راجعت الصحف وتكبقها عليه فقال نعم طبقتها على الصحف لكنه وجد القرآن متفرداً بها.
والذي عليه الكثيرين أن هذه من دلائل الإعجاز بمعنى أن هذا القرآن المبين الواضح مكوّن من هذه الأصوات غير المبينة في ذاتها. وأن القرآن جاء بكلام معجز من جنس كلامهم فاتوا بمثله إن استطعتم. والسلف كانوا يوكلون معاني هذه الأحرف لله تعالى(1/26)
*لماذا لم يلتزم نفس الأحرف المقطعة في كل السور؟وهل هناك مناسبة بين تلك الأحرف والآية التي تليها؟(د.حسام النعيمى)
إلى الآن بقدر بحثنا لا توجد مناسبة ظاهرة لكن هناك مناسبة اختيار ما بعدها بالنظر إليها سأذكرها: هذه المناسبة وجدت أنها من الجانب الصوتي تنطبق على جميع ما ورد ذكره من كلمة كتاب وكلمة قرآن. أنه حيثما اختار كلمة الكتاب تكون الأحرف المقطعة كذا بمقاطعها الصوتية
الأحرف المقطعة جاءت في 29 موضعاً في القرآن الكريم والذي توصلنا إليه ما يأتي:
القاعدة: أنه إذا كانت الحروف المقطعة أكثر من مقطعين فعند ذلك يأتي معها الكتاب لأن الكتابة ثقيلة. وإذا كانت الحروف المقطعة من مقطعين يأتي معها القرآن بإستثناء إذا كان المقطع الثاني مقطعاً ثقيلاً. مثلاً (حم) الحاء مقطع والميم مقطع ثقيل لأنه مديد (ميم، حركة طويلة، ميم: قاعدتان وقمة طويلة) وهو من مقاطع الوقف. فالميم ثقيل لأنه يبدأ بصوت وينتهي بالصوت نفسه وبينهما هذه الحركة الطويلة والعرب تستثقل ذلك ولذلك جعلوه في الوقف.
(الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) أكثر من مقطعين، جاء بعدها كلمة الكتاب.
أما في سورة (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) طه)، (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1))، (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)) ما قال الكتاب
رسم هذه الحروف رسم توقيفي أي على ما رسمه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه لم يكن يعرف الرسم.(1/27)
هذه الأحرف جميعاً حيثما وردت تشير إلى أصوات متناسقة ليس بينها تنافر، غير متنافرة يعني كأن القرآن يقول لهم هذه الأصوات هكذا ينبغي أن لا يكون فيها نوع من التنافر. (ألم) الألف من أقصى الحلق من الوترين، اللام مخرجها الذي هو فويق مفارز الثنايا والرباعية والناب والضاحك اللام مخرجه منتشر ويميل، والميم بانضمام الضفتين. (كهيعص) في لفظ واحد ولذلك لما جاء عندنا في موضع حرفان من مخرج واحد مع ما فيهما من اختلاف جعل كل واحد في آية فقال (حم) آية،و (عسق) آية. لأن الحاء والعين من مخرج واحد لا يكونان في لفظ واحد مع أن بين الحاء والعين فروقاً. من الصفات في مسألة الشدة والرخاوة: الحاء رخوة معناه يجري به الصوت والعين متوسط. نحن عندنا الصفات من حيث الشدة والرخاوة: أصوات شديدة وأصوات رخوة وأصوات متوسطة كأنها تبدأ شديدة وتنتهي رخوة أو ظاهرها الشدة لكن يجري بها الصوت من غير مخرجها مثل الميم أوالنون. وشيء آخر الحاء مهموس والعين مجهور يعني مع وجود هذا الإختلاف جُعِل كل واحد في آية لا يكونا في بناء واحد. فإذن نوعية الصوت أيضاً منتقاة.
بعض الحروف المقطعة عُدّت آيات وبعضها ما عُدّ آية. (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) ألم آية،. أرقام الآيات توقيفي على ما فعله الصحابة. هم ما وضعوا أرقاماً وإنما وضعوا فجوات ثم بعد ذلك وضعت الأرقام.
*ما الفرق بين دلالة كلمة الكتاب والقرآن؟ وما دلالة إستخدام ذلك الكتاب في الآية (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) ولم تأت هذا الكتاب أو هذا القرآن أو ذلك القرآن؟
د.فاضل السامرائى :
كلمة قرآن هي في الأصل في اللغة مصدر الفعل قرأ مثل غفران وعدوان. (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ {18} القيامة) ثم استعملت علماً للكتاب الذي أُنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - (القرآن).(1/28)
أما الكتاب فهي من الكتابة وأحياناً يسمى كتاباً لأن الكتاب متعلق بالخط، وأحياناً يطلق عليه الكتاب وإن لم يُخطّ (أنزل الكتاب) لم يُنزّل مكتوباً وإنما أُنزل مقروءاً ولكنه كان مكتوباً في اللوح المحفوظ قبل أن ينزّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
هذا من ناحية اللغة أما من ناحية الإستعمال فيلاحظ أنه يستعمل عندما يبدأ بالكتاب يكون يتردد في السورة ذكر الكتاب أكثر بكثير مما يتردد ذكر القرآن أو قد لا تذكر كلمة القرآن مطلقاً في السورة. أما عندما يبدأ بالقرآن يتردد في السورة ذكر كلمة القرآن أكثر الكتاب أو قد لا يرد ذكر الكتاب مطلقاً في السورة وإذا اجتمع القرآن والكتاب فيكونان يترددان في السورة بشكل متساو تقريباً ونأخذ بعض الأمثلة:
في سورة البقرة بدأ بالكتاب (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2}) وذكر الكتاب في السورة 47 مرة والقرآن مرة واحدة في آية الصيام (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).
في سورة آل عمران بدأ السورة بالكتاب (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {3}) وورد الكتاب 33 مرة في السورة ولم ترد كلمة القرآن ولا مرة في السورة كلها.
في سورة طه: بدأ السورة بالقرآن (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى {2}) وورد القرآن فيها 3 مرات والكتاب مرة واحدة.
في سورة ق بدأ بالقرآن (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ {1}) وورد 3 مرات في السورة بينما ورد الكتاب مرة واحدة.
في سورة ص تساوى ذكر القرآن والكتاب.
في سورة الحجر بدأ (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ {1}) ورد ذكر القرآن 3 مرات والكتاب مرتين.(1/29)
في سورة النمل بدأ (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ {1}) ورد ذكر القرآن 3 مرات والكتاب أربع مرات.
د.حسام النعيمى:
الذي أنزله الله عز وجل على رسوله - صلى الله عليه وسلم - يمكن أن يقال هو الكتاب ويمكن أن يقال هو القرآن ويمكن أن يقال هو الفرقان ويمكن لأن يقال هو الذِكر
لكن أسماء الإشارة عندما تُستعمل تستعمل لغايتها فإسم الإشارة في الأصل هو (ذا) لوحدها لكن يدخله الهاء للتنبيه كأنما يقدم عليه شيئاً ينبّه فقال (هذا). وأحياناً تدخل عليه الكاف الذي يشير إلى البُعد فيقول (ذاك) وقد تدخل عليه اللام التي تشير إلى البُعد المُفرِط (ذلك) للبعيد جداً
علماؤنا يقولون هذا نوع من تشريف للكتاب بأنه لم يُشر إليه بإشارة القريب وإنما أراد أن يعظّمه. وقسم قال إذا أشار إلى الكتاب الذي في اللوح المحفوظ قال (ذلك) معناه الكتاب الذي في اللوح المحفوظ والذي لا يمسه إلا المطهّرون من الملائكة. فقد أشار إليه بهذا لأنه لما أراد ما بين أيدي الناس فيشير إليه إشارة القريب كقوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) هو بين أيديهم. القرآن والكتاب واحد وهو الآيات التي أنزلها الله عز وجل على محمد - صلى الله عليه وسلم - لكن لما يقول الكتاب كأنه إشارة إلى هذا المدوّن وهو نفسه المقروء. هو كان مسطّراً في اللوح المحفوظ ثم نزل مقروءاً ثم قرأه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم سُطِّر.(1/30)
هذه في مسألة (ذلك الكتاب) لأن الإشارة إلى الكتاب الذي في اللوح المحفوظ ويراد إدراك الرسم، الكتابة فجاءت كلمة (الكتاب) وكان يمكن في غير القرآن أن يقال (ذلك القرآن) لكن لأن الكلام جاء على أنه في تكوينه ليس فيه شك، في ماهيّته هو خالٍ من الشك الذاتي يعني هو غير قابل لأن يُشكّ فيه بذاته قال (لا ريب فيه) انصرف الذهن إلى الكتاب الذي في اللوح المحفوظ (ذلك الكتاب لا ريب فيه). والريب أدنى درجات الشك والشك أقوى من الريب والريب كأنه أول درجات الشك. هذا الكتاب بذاته يخلو من أي ذرة من ذرات الشك فإذن هو يخلو من الريب.
* ما دلالة استخدام إسم الإشارة (ذلك) في الآية (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) بدل إسم الإشارة هذا؟(د.فاضل السامرائى)(1/31)
إسم الإشارة نفس الإسم أحياناً يستعمل في التعظيم وأحياناً يستعمل في الذم والذي يبين الفرق بينهما هو السياق. كلمة (هذا) تستعمل في المدح والثناء "هذا الذي للمتقين إمام" ويستعمل في الذم (أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) الفرقان) (كذلك) تستعمل في المدح "أولئك آبائي فجئني بمثلهم" أولئك جمع ذلك وهؤلاء جمع هذا، والذم. (ذلك) و(تلك) من أسماء الإشارة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) تعظيم، وأحياناً يكون في الذم تقول هذا البعيد لا تريد أن تذكره فهنا الذي يميز بين ذلك الاستعمال والسياق. (ذلك الكتاب لا ريب فيه) هنا إشارة إلى علوه وبعد رتبته وبعده عن الريب وأنه بعيد المنال لا يستطيع أن يؤتى بمثله (ذلك) دلالة على البعيد والله تعالى قال في نفس السورة (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ (24)) هذا الأمر بعيد عن المنال أن يؤتى بمثله. إذن ذلك الكتاب إشارة إلى بعده وعلو مرتبته. والقرآن يستعمل (هذا) لكن في مواطن (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) الإسراء) عندما قال يهدي للتي هي أقوم يجب أن يكون قريباً حتى نهتدي به لكن لما قال ذلك الكتاب هو عالي بعيد لا يستطاع أن يؤتى بمثله. ثم إنه لم يذكر القرآن إلا بـ (هذا) ولم يقل (ذلك) كلما يشير إلى القرآن يشير بـ (هذا) لأن القرآن من القراءة وهو مصدر فعل قرأ وكلمة قرآن أصلاً مصدر، قرأ له مصدرين قراءة وقرآناً. لما تقرأ تقرأ القريب إذن هذا هو القرآن. الكتاب بعيد ليس قراءة وإنما قد يكون في مكان آخر وهو في اللوح المحفوظ يسمى كتاباً. هناك فرق بين الكتاب والقرآن فالكتاب فيه بعد متصور أما القرآن فيكون قريباً حتى يُقرأ.(1/32)
حتى في كلمة الكتاب لما يقول أنزلنا يقول كتاباً (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (92) الأنعام). لو قال هنا في آية البقرة هذا الكتاب لا ريب فيه لكن كونه بعيد أن يؤتى بمثله لأنه في السورة نفسه قال (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) يعني بعيد عليكم فإسم الإشارة (ذلك) دل على علوِّهِ منزلة.
*مقارنة بين بداية سورة لقمان وبداية سورة البقرة ؟(د.فاضل السامرائى)
? أشار إلى الآيات (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) لم يشر إلى الكتاب كما في البقرة (ذلك الكتاب) لو لاحظنا في سورة لقمان تردد كثير من الآيات السمعية والكونية، مثلاً قال (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا (7)) الآيات الكونية (خلق السموات بغير عمد، إلقاء الرواسي وإخراج النبات) وسمّاها آيات (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)).
? ثم هنالك أمر وهو أن كلمة الكتاب ومشتقات الكتابة في البقرة أكثر من الآيات وفي لقمان كلمة الآيات أكثر من الكتابة. في البقرة مشتقات الكتاب والكتابة 47 مرة والآيات 21 مرة وفي لقمان ذكر الكتاب مرتين والآيات خمس مرات، هذه سمة تعبيرية أن التي بدأت بالكتاب ذكر فيها الكتاب أكثر والتي بدأ فيها بالآيات ذكر فيها الآيات أكثر.(1/33)
? نلاحظ أيضاً أن هنالك أمر: قال في لقمان (الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) في البقرة لم يصف الكتاب. ما معنى الحكيم؟ الحكيم قد يكون من الحكمة أو من الحكم أو استواؤها وعدم وجود الخلل فيها وهذا من باب التوسع في المعنى. لو أراد تعالى معنى محدداً لخصّص. في سورة البقرة ما وصف الكتاب لأن السورة فيها اتجاه آخر. قال الحكيم ثم قال هدى ورحمة، وهنا قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة). وصفه بالحكيم هو مناسب لما ورد في لقمان من الحكمة (آتينا لقمان الحكمة) وذكر الحِكَم، (لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) متناسب مع (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (23) البقرة) في سورة البقرة وربنا وصف أن الله تعالى عزيز حكيم في سورة لقمان أكثر من مرة فكلمة حكيم مناسبة لجو السورة تبدأ (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ (12)) وذكر الحكمة.(1/34)
? في البقرة قال (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) ثم قال (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ (24)) اتقوا النار مقابل المتقين فإذن هناك مناسبة بين هدى للمتقين وكلمة التقوى ترددت كثيراً في البقرة. فإذن (لاَ رَيْبَ فِيهِ) متناسب مع قوله (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ) والمتقين واتقوا الله. في لقمان قال (هدى ورحمة للمحسنين) وفي البقرة قال فقط (هدى للمتقين). أولاً ما الفرق بين المتقي والمحسن؟ المتقي هو الذي يحفظ نفسه يتقي الأشياء، المُحسِن يحسن إلى نفسه وإلى غيره (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83) البقرة) الإحسان يتعداه إلى نفسه وإلى غيره. إذن الإحسان لا يقتصر على النفس أما التقوى فتقتصر على النفس، الإحسان إلى الآخرين من الرحمة فلما رحموا الآخرين وتعدى إحسانهم إلى غيرهم فرحموا الآخرين ربنا يزيد الرحمة، أما التقوى للنفس وهؤلاء إحسان للنفس وإلى الآخرين والإحسان إلى الآخرين هي الرحمة فلما زادوا هم زادهم والجزاء من جنس العمل، حتى في الآخرة زاد لهم الجزاء قال تعالى في الآخرة (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (26) يونس) وهذه رحمة، فكما زاد الجزاء لهم في الآخرة زاد لهم في الدنيا، (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) و(هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ).(1/35)
ولو لاحظنا أن هذه الأوصاف هدى ورحمة للمحسنين هي مناسبة لما ورد في عموم السورة وما شاع في جو السورة، قال هدى ورحمةوإحسان، لو لاحظنا مظاهر الهدى المذكورة في سورة لقمان قال(وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ (15)) الذي يسلك السبيل يبتغي الهداية، هذا هدى،جوالهداية في سورة لقمان شائع. والرحمة لما ذكر قوله تعالى (أن تميد بكم) هذا من الرحمة، ولما ذكر تسخير ما في السموات والأرض وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20)) هل هناك أعظم من هذه الرحمة؟ من مظاهر الإحسان إيتاء الزكاة وفي الوصية بالوالدين والإحسان إليهما، إذن جو السورة كلها شائع فيه الهدى والرحمة والإحسان وهذه ليست في البقرة وإنما سورة البقرة ذكرت أموراً أخرى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)) (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) وصف كثير ثم انتهى (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)) أما في لقمان فاختصر (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ). في لقمان كرر كلمة (هم) في البقرة لم يكررها (وبالآخرة هم يوقنون).
الإيمان أعمّ من الإحسان ولا يمكن للإنسان أن يكون متقياً حتى يكون مؤمناً وورود كلمة المتقين، المؤمنين، المحسنين والمسلمين يعود إلى سياق الآيات في كل سورة.(1/36)
? في البقرة قال (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ما قالها في لقمان وقال في البقرة (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ) ولم يقلها في لقمان، وقال في لقمان (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة) وفي البقرة قال (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) وهذه أعم من الزكاة والزكاة من الإنفاق فإذن مما ينفقون تحت طياتها الزكاة. (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وهذا متعلق بالسورة نفسها كما ذكرنا أن في لقمان شاع فيها تردد اذكر لآخرة وهنا جو السورة ومفتتح السورة غالباً ما يكون له علاقة بطابع السورة من أولها إلى نهايتها. في سورة البقرة، قال (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وبعدها قال (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)) هذا من الغيب لم يؤمنوا لا بالله ولا باليوم الآخر. وقال على لسان بني إسرائيل (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً (55)) إذن هم لا يؤمنون بالغيب وطلبهم عكس الغيب لذلك هو قال (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وليس مثل هؤلاء الذين يقولون آمنا وما هم بمؤمنين ولا مثل هؤلاء الذين طلبوا أن يروا الله جهرة بينما في لقمان قال (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25)) إذن هم مؤمنون بالغيب وقال (وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ (32) لقمان) إذن هم دعوا الله، يختلف الطابع.(1/37)
الطابع العام في سورة البقرة الإيمان بالغيب وطلب الإيمان أو الإنكار على عدم الإيمان بالغيب بينما في لقمان الإيمان بالغيب حتى الذين كفروا قال (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) إذن يؤمنون بجزء من الغيب بينما أولئك في سورة البقرة ينكرون (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) هذه ليست إيماناً بالغيب وربنا يريد الإيمان بالغيب. ونلاحظ قال (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) وفي البقرة قال (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) لأن تكرر في البقرة وذكر عدا الزكاة الإنفاق 17 مرة في البقرة وذكر الزكاة في عدة مواطن وذكر الإنفاق (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ (261)) (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى (262)) (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً (274)) 17 مرة تكرر الإنفاق عدا الأمر بالزكاة في البقرة فإذن هذا أعم. في لقمان ما ذكر الإنفاق فطابع السورة يختلف.(1/38)
حتى (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ) لم يقل هذا في لقمان لأنه في البقرة جرى هذا وطلب من أهل الكتاب أن يؤمنوا بما أُنزل إليه وما أنزل من قبلك في آيات كثيرة جداً (وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ (41) البقرة) إذن يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وهؤلاء لم يؤمنوا (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ (75)) (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا (76)) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ (91)) هم لا يؤمنون بما أُنزل إليه بينما هو طلب يؤمنون بما أنزل إليك وحتى في آخر البقرة قال (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (285)) طابع السورة هكذا وفي لقمان لم يجد مثل هذا أصلاً ولذلك مفتتح سورة البقرة فيها طابع السورة.(1/39)
? قال تعالى فى سورة لقمان(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) وفي آية البقرة قال(وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) أي كرر هم قبل (بالآخرة) ذلك أنه لو لاحظنا في سورة لقمان تردد في السورة ذكر الآخرة وأحوالها والتوعد بها في زهاء نصف عدد آيات السورة وأولها وآخرها (لهم عذاب مهين، فبشره بعذاب أليم، لهم جنات النعيم، عذاب غليظ، إليه المصير، مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِه) ثم هي بدأت بالآخرة (يوقنون) وانتهت بالآخرة بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (34)) فناسب زيادة (هم) توكيداً على طابع السورة وما جاء في السورة. إضافة إلى أن هؤلاء ذكر أنهم محسنون والمحسنون كما علمنا أنهم يحسنون إلى أنفسهم وإلى غيرهم وزاد فيهم هدى ورحمة وليس كما في البقرة المتقين الذي يحفظ نفسه. فزاد في وصف هؤلاء الذين يعبدون الله كأنهم يرونه وهذا من الإحسان "أن تعبد الله كأنك تراه" زاد في ذكر إيقانهم ويقينهم لما كانوا أعلى مرتبة وزاد لهم في الرحمة وزاد لهم في الآخرة (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (26) يونس) زاد في ذكر إيمانهم فقال (وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) هم أعلى في اليقين لأن اليقين درجات والإيمان درجات فالإيمان يزيد والاطمئنان درجات واليقين درجات والمحسنين يبعدون الله كأنهم يرونه إذن درجة يقينهم عالية فأكد هذا الأمر فقال (وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) فأكدها على ما ذكر في سورة البقرة (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) .السورة والآية كلها يختلف ويستدعي ذكر الزيادة.(1/40)
? لكن الملاحظ أنه في البقرة وفي لقمان قدم الجار والمجرور على الفعل (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) لم يقل وهم يوقنون بالآخرة. الأصل في اللغة العربية أن يتقدم الفعل ثم تأتي المعمولات الفاعل والمفعول به والمتعلق من جار ومجرور والتقديم لا بد أن يكون لسبب وهنا قدم (وبالآخرة) وكذلك في البقرة (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) لأن الإيقان بالآخرة صعب ومقتضاه شاق أما الإيمان بالله كثير من الناس يؤمنون بالله لكن قسم منهم مع إيمانه بالله لا يؤمن بالآخرة مثل كفار قريش (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ (32) الجاثية) وهم مؤمنون بالله (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25) لقمان) إذن هم مؤمنون بالله لكن غير مؤمنين بالآخرة ولذلك هنا قدم الآخرة لأهميتها فقال (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) الإيمان بالله كأنه متسع لكن اليقين بالآخرة ليست متسعة والتقديم هنا للإهتمام والقصر.(1/41)
? النهاية واحدة (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). هؤلاء المذكورون بهذه الصفات (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ) واقتران لفظ الرب مع الهداية اقتران في غاية اللطف والدقة لأن الرب هو المربي والموجه والمرشد والمعلم، هذا الرب في اللغة. لم يقل على هدى من الله وإنما قال على هدى من ربهم وفيها أمران: يمكن أن يقال هدى من الله لأن الله لفظ الجلالة إسم العلم كل الأمور تنسب إليه يصح أن تُنسب إليه بإسمه العلم وأحياناً تنسب إلى صفاته بما يناسب المقام، ينسب لله ما يشاء وكلها تنسب لإسمه العلم ولكن هناك أشياء من الجميل أن تنسب إلى صفاته سبحانه وتعالى مثل أرحم الراحمين، الرحمن الرحيم فهنا قال على هدى من ربهم والرب في اللغة هو أصلاً المربي والموجه والمرشد فيناسب اللفظ مع الهداية واختيار لفظ الرب مع الهداية كثير في القرآن وهو مناسب من حيث الترتيب اللغوي (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) طه) (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) الشعراء) (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (161) الأنعام) كثيراً ما تقترن الهداية بالرب وهو اقتران مناسب لوظيفة المربي. إضافة إلى أن ربهم أمحض لهم بالنصح والتوجيه والإرشاد وإفادته هو. (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ) لا شك أن ربهم يهدهم فيه إخلاص الهداية وإخلاص التوجيه ورب الإنسان يعني مربيه أخلص له من غيره، هناك دلالة لطيفة بين الرب والهدى وبين بالإضافة ربهم هم، لو استعمل إسم العلم ليس فيه علاقة بهم وإنما عامة لكن على هدى من ربهم لا شك أن ربهم هو أرحم بهم وأرأف بهم لذا فاختيار كلمة رب مناسبة مع الهداية. ثم إضافته إليهم أمر آخر أنه أرأف بهم وأرحم بهم "على هدى من ربهم هم" لأن ربه هو أرأف به وأرحم به وأطلب للخير له.(1/42)
الهدى مقترن بالرب وفيه من الحنو والإرشاد والخوف على العباد ثم إضافة الضمير (ربهم) هذا فيه أن الله يحبهم ويقربهم إليه وفيه من الحنو والنصح والإرشاد والتوجيه ولا شك أن رب الإنسان أحنى عليه. وناك أكر إلتفت إليه الأقدمون: قال تعالى (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ) يستعمل مع الهداية لفظ (على) بعكس الضلال يستعمل لها لفظ (في ) (لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (8) يوسف) هذا ملاحظ في القرآن الكريم (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4) يس) (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) النمل) ويستعمل في للضلال (إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (47) يس) وليس فقط في الضلال وإنما ما يؤدي إلى الضلال (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) التوبة) (فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) يونس) كأن المهتدي هو مستعلي يبصر ما حوله ومتمكن مما هو فيه مستعلي على الشيء ثابت يعلم ما حوله ويعلم ما أمامه أما الساقط في اللجة أو في الغمرة أو في الضلال لا يتبين ما حوله بصورة صحيحة سليمة لذا يقولون يستعمل ربنا تعالى مع الهداية (على ) ومع الضلال (في).(1/43)
? ثم ختم الآية بقوله (وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أولاً جاء بضمير الفصل (هم) وجاء بالتعريف (المفلحون) لم يقل أولئك مفلحون ولم يقل هم مفلحون وإنما حصراً إن هؤلاء هم المفلحون حصراً ليس هنالك مفلح آخر. أولئك الأصل إسم الإشارة من الناحية الحسة المحسوسة إذا لم نرد المجاز أن أولئك للبعيد وهؤلاء للقريب هذا الأصل مثل هذا وذلك. ثم تأتي أمور أخرى مجازية كأن هؤلاء أصحاب مرتبة عليا فيشار إليهم لعلو مرتبتهم بفلاحهم وعلة مرتبتهم بأولئك إشارة إلى علو منزلتهم وعلو ما هم فيه فالذي على هدى هو مستعلي فيما يسير هو مستعلي أصلاً فيشار إليهم بما هو بعيد وبما هو مرتفع وبما هو عالٍ ثم حصر الفلاح فيهم قال (وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) حصراً فمن أراد الفلاح ولا شك أن كل إنسان يريد الفلاح. والذي يؤمن بالآخرة يؤمن بكل شيء وبكل ما يتعلق بذلك وهي ليست كلمة تقال. وذكر ركنين أساسيين واحدة في إصلاح النفس وواحدة في الإحسان إلى الآخرين: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فإقامة الصلاة هي أول ما يسأل عنه المرء ولذلك هو قال (وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) حصراً لا فلاح في غير هؤلاء ومن أراد الفلاح فليسلك هذا السبيل أن يكون على هدى من ربه إذا أراد الفلاح عليه أن يكون على هدى من ربه وليس وراء ذلك فلاح.
*ما الفرق بين (هُدًى لِلنَّاسِ {185} البقرة) – (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ {2} البقرة) - وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {203} الأعراف) - (وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {89} النحل) - (وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {102} النحل) - (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {2} النمل) - (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ {3} لقمان)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/44)
قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ{185} البقرة) هدىً للناس وعندنا هدىً للمتقين (الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ {2} البقرة) وعندنا أيضاً في سورة الأعراف (وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {203} الأعراف) بالنحل أيضاً (وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {89} النحل) وبالنحل أيضاً (وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {102} النحل) وفي سورة النمل (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {2} النمل) وفي سورة لقمان (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ {3} لقمان) مرة هدى للناس مرة للمؤمنين مرة للمتقين مرة لقومٍ يؤمنون ومرة لقوم يتقون ومرة للمسلمين ومرة للمحسنين هو هدىً لمن؟ هدىً لهؤلاء جميعاً. طبيعة هذا القرآن أنه للناس كافة كلٌ يأخذ منه على قدر حاجته الأميّ يأخذ على قدر حاجته، الفيلسوف يأخذ على قدر حاجته، الحاكم على قدر حاجته، صاحب العقل البسيط يأخذ، العبقري العالم المفكر المتدبر يأخذ، كل واحد يجد في هذا القرآن هدايته من أجل ذلك نقول لماذا رب العالمين قال هذا وهذا وهذا وهذا؟ وما الفرق؟ ما الفرق بين المحسنين والمسلمين والمؤمنين والمتقين؟ لا بد أن يكون هناك فرق. (هُدًى لِلنَّاسِ) كلمة الناس لا تعني جميع المخلوقات البشرية الناس المصطلح القرآني ومصطلح اللغة العربية الناس هم أصحاب التأثير في المجتمع يعني الطبقات المتنفذة الفعالة البناءة المهمة، هذا الناس.(1/45)
السفهاء ليسوا من الناس المخربون ليسوا من الناس، الناس هم الصفوة الفعالة كما قال لما النبي صلى الله عليه وسلم انتصروا في بدر أحد الصحابة كان يمزح وقال ما كأنها حرب وجدنا خرافاً فنحرناها فقال له (لا يا بني إنهم الناس) هؤلاء وجهاء قريش الذين قتلناهم ليسوا أيّ كلام (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ {173} آل عمران) (النَّاسُ) الناس أي علية القوم (إِنَّ النَّاسَ) أي الوجهاء والقادة. فرب العالمين يقول هذا القرآن (هدىً للناس) أصحاب النفوذ الفكر المؤثرين الذين لديهم أراء في المجتمع فعالين بُناة المجتمع هؤلاء الناس هذا القرآن (هدىً للناس) الذي نزل في رمضان واقتران رمضان بالقرآن اقتران غريب عجيب ولهذا المسلمون جميعاً عندما يأتي رمضان يتركون أعمالهم وأشغالهم وكل شيء وينشغلون بالقرآن الكريم لأن شهر رمضان اسمه شهر القرآن، هذا للناس. (لِلْمُسْلِمِينَ) المسلم نوعان المسلم من قال لا إله إلا الله خلاص انتهى صار مسلماً هذا مسلم عام المسلم الخاص هو الذي أسلم كل أعماله وأفكاره وحركاته لله تسليماً كاملاً هذا شأن الأنبياء (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ {12} الزمر) (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {161} قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {163} الأنعام) يعني جميع الأنبياء والصالحون أمروا أن يكونوا من المسلمين فهذا الإسلام النهائي الذي قال عنه (وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) هذا واحد.(1/46)
المؤمنون نوعان أيضاً مؤمن عام يؤمن بالله ويصلي ويصوم والخ أيّ كلام لكن صحيحة وليست باطلة المؤمن الخاص (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا {4} الأنفال) هذا مؤمن حق الذي يؤدي الفرائض والطاعات أداء ممتاز (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} المؤمنون) إلى آخر الآيات تتكلم عن كيف أن هذا المؤمن دقيق في أداء ما أوجب الله عليه سبحانه وتعالى. أيضاً قال (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ {6} يونس) المتقي هو المسلم زائد المؤمن يساوي المتقي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ {278} البقرة) المؤمن الحق هو الذي يؤدي الطاعات بشكل رائع المُتقي هو الذي يجتنب النواهي بشكل رائع مُطلق قلبه محفوظ ولسانه محفوظ وعينه محفوظة هذا المتقي (الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {63} يونس) إذاً التقوى بعد ذلك. يأتي بعد ذلك قال (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) وليس للمتقين لقومٍ يتقون وليس للمؤمنين قال (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) المتقي خلاص صار بطلاً في التقوى مثل شخص رياضي لعب بالأولمبياد بالصين أخذ ميدالية هذا رياضي لكن نحن كل صبح نمشي شوي ونلعب حركات بسيطة نحن نلعب رياضة لكن نحن لسنا أبطال رياضة فلقومٍ يتقون يتقي يوم ويخربط يوم ويتقي يوم ويخربط يوم يعني لم يصبح بطلاً لكن يحاول قدر الإمكان هذا (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)، هناك للمتقين (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ {9} العنكبوت) سنجعله بطلاً في الصلاح.(1/47)
حينئذٍ هؤلاء جميعاً هذا القرآن الكريم بشرى وهداية لهم كل واحد يستطيع أن يأخذ له منهجاً مفصلاً عليه (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {48} المائدة) ولذلك إياك أن تغتر وتشوف نفسك متقي أو من المؤمنين الكبار أو من العلماء الكبار وتزدري شخصاً لسه يؤدي الصلوات ثق هذا إذا كان يعترف أنه لسه في البداية وأنت ترى نفسك أحسن منه فهو أحسن منك بألف مرة فإياك هذا مستواه عيب على واحد طالب في الجامعة يحتقر طالباً في الصف الأول الابتدائي يا أخي هذا هو مستواه ما ينفع إلا يمر بهذه المرحلة لكن أن تحتقره لأنه في الابتدائي أنت أيضاً كنت في الابتدائي حينئذٍ هذا (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ). رمضان إذاً (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {48} المائدة) في منهاج ابتدائي وثانوي وكلية ودكتوراه وماجستير الخ كل هؤلاء كل واحد له منهجه. من أجل هذا عليك أن يكون القاسم المشترك بينكما القرآن من أجل هذا إذا احتقرت أحداً فقد هلكت. الله يقول لك (وعزتي وجلالي لأدخلنه الجنة وأدخلنك النار مكانه) هذا هو السر في أن الله قال (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ). باختصار شديد بقيت دقائق أقول لكم شيء كلنا خطاءون نعم (ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم) وأخطاؤنا بقدر السموات الفرصة الأخيرة والأكيدة والتي لا نقاش فيها رمضان إن لم يغفر لك في رمضان فمتى؟ والله إن لم يغفر لنا في هذا الشهر فلا أمل.(1/48)
من أجل هذا الكيّس منا عليه أن يعتبر ويفترض أن هذا الرمضان آخر رمضان في حياته وراها سأموت وكل الذين يسمعونني الآن عدد كبير سيموتون قبل رمضان القادم، بعد رمضان إلى رمضان القادم مليون واحد نص مليون ربع مليون سيموتون إذاً افترض أنت واحد منهم وهذا محتمل "إذا أصبحت لا تنتظر المساء وعُدّ نفسك من الموتى" طيب أنت هذا الشهر الذي هو آخر رمضان في حياتك ما أتقنته بحيث تؤدي به ثلاث شروط أساسية الأول أن يكون أبواك راضيين عنك لا أمل في مغفرة ولا قبول للصيام ولا قيمة لرمضان إذا لم يكن أبوك وأمك يحبوك أو تحبهم يعني راضين عنك لا يوجد رحمة واحد فإذا أبوك زعلان أو أمك زعلانة روح الآن وقبل أحذيتهم قل يا أبي جاء رمضان وذنوبي بقد السموات أعفو عني يعفون عنك قطعاً، ثانياً ألا تقطع الرحم لا يوجد بينك وبين رحمك قاطعهم يعني مرحباً سلام عليكم خالتي عمتي ابن عمي خالي ما عندك قطيعة رحم واحد جوعان تعطيه واحد محتاج تساعده، ثالثاً ليس بينك وبين مسلم قطيعة (أخوان متصارمان) هذا الاثنين المتخاصمين لا يتحدثان لا يُغفَر لهم في رمضان ولا ليلة القدر ولا على عرفة الله يقول (دعوهما حتى يصطلحان) فإذا بينك وبين واحد خصومة ارفع التلفون مرحباً يا أخي سلام عليكم غداً رمضان ورمضان ما يقبل إذا نحن متخاصمان يا أخي مرحباً يا أخي إذا قال لك أهلين فلان قسمت بينكم سبعون رحمة إذا قفل التلفون كل السبعين رحمة لك وأنت حينئذٍ تفوز فوزاً عظيماً يوم القيامة. فإكسر نفسك لله واخزي الشيطان وإذا قبلت شخص أنت متعدي عليه أو هو متعدي عليك لا يهم لكن لا تتخاطبون وعندما تلتقون لا أحد يسلِّم على الثاني قل له يا أخي نحن بكرة رمضان الله يخليك سامحني حتى يقبل صيامنا فإذا وافق فبها وإذا لم يوافق أنت الذي فزت بها.(1/49)
والشيء المهم هذا اللسان من أول رمضان إلى آخره لا تغتاب فيه أحد ترى هذه ليست سهلة فمن الآن جرِّبها جرب غداً وبعد غد انتبه إذا اغتبت أحد أو ذكرته بالسوء أو حتى بأيّ كلام ستكتشف أنك كم تغتاب ولا تدري! تعودنا على الغيبة بحيث لا تلفت النظر! اضبط لسانك إذا جاءوا بذكر فلان ذكرهم بأن هذه غيبة وفلان غير موجود إذا اغتبت في رمضان فلا رمضان لك (رمضان جنة ما لم يخترق قالوا: بمَ يخترق يا رسول الله؟ قال: بالغيبة) إذاً بر الوالدين رضا الوالدين رضا الرحم صلح بين اثنين متخاصمين وأن لا تغتاب والذي بعث محمد بالحق كما قال صلى الله عليه وسلم ينتهي رمضان وليس عليك ذنب واحد. هذا واحد المكسب الثاني رب العالمين يضيف إلى رصيدك رصيد 83 سنة قيام ليلها كامل وصيام نهارها كامل وكأنك تصلي خمس أوقات في الجامع وما أذنبت ذنباً 83 سنة يضاف إلى رصيد حسناتك التي هي ليلة القدر (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ {3} القدر) كل هذه المغانم العظيمة تضيعها على والله فلان لا أتكلم معه، تغتاب فلان وهو غير موجود، أمك وأبوك غير راضين عنك أو واحد منهم لماذا؟ يا مسكين وراءك قبر، وراءك حساب وكتاب ولهذا يا أولاد الحلال هذا الرمضان افترضوا أنه آخر رمضان فاتقوا الله في أنفسكم يكون ما يأتي أخر يوم من رمضان إلا وأنت مغفور لك والنبي يقول (رغم أنف عبدٍ أدرك رمضان ولم يغفر له) إن لم يغفر له في رمضان فمتى؟ والسلام عليكم.
آية (3):
*لم قال(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) ولم يقل آمنوا بالغيب مع أن إيمان المتقين بالغيب مؤكد في الآية ؟(من برنامج ورتل القرآن ترتيلاً)
قال تعالى يؤمنون بصيغة المضارع ولم يقل آمنوا بصيغة الماضي لأن الإيمان منا مستمر متجدد لا يطرأ عليه شك ولا ريبة.
آية (5):
*ما الغرض البلاغي من مضير الفصل هو ؟(د.فاضل السامرائى)(1/50)
التوكيد والقصر في الغالب (وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) البقرة) حصراً ليس هناك مفلح غيرهم حصر ومؤكد، (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) البقرة) هذا ضمير الفصل يفيد في الغالب التوكيد والقصر. حتى تسمية ضمير الفصل قالوا يفصل الخبر عن الصفة وهذا أصل التسمية، أصل التسمية حتى يعلم أن الذي بعده خبر وليس صفة لأنه أحياناً يأتي السائل أن هذا صفة وبعده خبر.
آية (7):
* لماذا ترد السمع مفرد والأبصار ثم القلوب بالجمع (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) البقرة) ؟(د.حسام النعيمى)
هذه هي الآية الثانية في الكلام على الكفار في أول سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)).
هؤلاء كانوا من عتاة الكفرة من الذين علم الله سبحانه وتعالى أنهم قد أقفلوا قلوبهم لذا لا يقال لهم (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) هذه التصريحات في القرآن تجاه أناس من دلائل النبوة، هذا لا يكون من كلام بشر لأنه ما يكون موقفك لو أن هؤلاء تظاهروا بالإسلام وقالوا نحن أسلمنا؟ يكون الكلام غير وارد، لكن هذا علم الله سبحانه وتعالى. هؤلاء عتاة الكفر أغلقوا قلوبهم.(1/51)
الختم هو الطابَع من الطين،الأصل أن العربي كان يغلق فوهة شيء من الأشياء إذا أراد أن يحفظها ويأتي بشيء من الطين يضعه على مكان عقدة الخيط ويختم بخاتِمه (خاتَم وخاتِم) والآن مستعمل هذا الختم بالشمع الأحمر. متى يختم بالشمع الأحمر؟ على الغلق، يعني يقفل المكان ثم يختم عليهم بالشمع الأحمر وليس وهو مفتوح، إذن هم أغلقوا قلوبهم أولاً فختم الله سبحلنه وتعالى عليها. لا يحتج أن الله سبحانه وتعالى هو الذي ختم فهم مسيّرون لأنهم هم أغلقوا قلوبهم أولاً لأن الختم لا يكون إلا على شيء مغلق. فهم أغلقوا قلوبهم وما عادوا مستعدين للإستماع ولا للتقبّل لذا قيل للرسول - صلى الله عليه وسلم - (سواء عليهم أأنذرتهم أو تنذرهم) هؤلاء لا يؤمنون هؤلاءإنتهى حالهم، وهذا الأمر لا يكون لعموم المسلمين لا يقول الإنسان هذا مقفل قلبه لأنك أنت لا تعلم ذلك. إذن الختم لا يكون إلا بعد الإغلاق هم أغلقوا قلوبهم فختم الله عليها.
القلب عند العرب هو موطن العقل والتفكير هم هكذا يستعملونه، والدماغ عندهم حشو الجمجمة. في لغة العرب أن الإنسان يعقل ويفكر والعاطفة وكلها في القلب. فالقرآن كلّم الناس أن موطن العقل وموطن التفكير عندهم القلوب،(1/52)
بماذا يتدبر الإنسان؟ بما يسمعه لأن الأصل أن الآيات تلقى إلقاء على الناس.الدعوة شفاهاً، كلام شفاهاً، الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يكلمهم فهم إذا أغلقوا قلوبهم ما فائدة أن يأتي كأنهم لا يحتاجون إلى آذانهم. فإذا سمعوا شيئاً هذا الشيء يدعوهم إلى التفكر، إلى النظر (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) السمع هو الوسيلة الأولى الذي يدعوك إلى أن تنظر، تسمع، يقال لك انظر فتنظر. أولاً أغلقوا قلوبهم فختم عليها. الطريق إلى القلوب هو السمع ما عاد ينفع فختم عليها أيضاً والسمع وسيلة التذكير بالإبصار فغشّيت الأبصار(غشاوة) لذلك جاء هذا الترتيب الطبيعي ولا يمكن أن يتغير إلا في ظرف معين سنتطرأ إليه في سورة الاسراء(وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)
ومن جانب آخر :(1/53)
القلوب ما يحوك فيها التفكير هذا شيء واسع مطلق والإنسان وهو ساكت وفي فكره وفي قلبه و في تفكيره ليس له حدود. النظر أيضاً واسع لكنه لا شك أقل من القلب، أنت تنظر إلى مكان محدود النظر يأتي في الدرجة الثانية في السعة، متنوع، يعني ترى أشياء كثيرة.أما السمع فيستقبل الصوت فقط لا يستقبل شيئاً آخر فالسمع يتعامل مع شيء واحد وهو الصوت اللغوي. البصر يتعامل مع أشياء كثيرة والقلب يتعامل مع أشياء كثيرة أكثر فالذي يتعامل مع الكثير إستعمل له الجمع والذي يتعامل مع الواحد إستعمل له المفرد (السمع). لأنه لو مجموعة من الناس وألقي عليهم آية من الآيات، هم كلهم ستدخل في آذانهم صورة واحدة ستدخل هذه الذبذبات وتترجم في رؤوسهم - إذا كانوا يعرفون العربية - بصورة واحدة لا تختلف (ختم الله على قلوبهم) كلمة كلمة كلمة، عدة كلمات متصلة هذا الذي يستقبلونه فإذن المستقبل في السمع واحد لكن لما استقبلوه كلٌ سيفكر فيه بطريقة خاصة وليس بصورة واحدة، فهذا يقتضي توحيد السمع وجمع القلوب. لما ينظر فيما حوله كلٌ ينظر من زاويته فكلٌ يرى حسب وجهة نظره.(1/54)
القلوب جمع قلب والأبصار جمع بصر ليس عندنا جمع آخر ، قلوب جمع كثرة وأبصار جمع قِلّة وطبعاً كلاهما يستعمل للكثرة والقلة. مما قلناه أن القلوب مشاربها وتهيؤاتها وتصورها شيء واسع فهذا كلام العرب. العرب جاءوا على لغة القرآن. العرب جمعوا القلب على قلوب إحساسهم هذا وجمعوا البصر على أبصار، هذه ميزة للعربية ومن خلال النظر في كتاب الله سبحانه وتعالى. بعض علمائنا يقولون وحّد كلمة السمع لأن صورتها صورة المصدر والمصدر عادة لا يُجمع لأنه يدل على الحدث المطلق. لأن مدركات السمع واحد وهو الصوت بينما مدركات القلوب ومدركات الأبصار متعددة. ما يدركه السمع واحد وهو الصوت اللغوي والترجمة تكون في الذهن أي في القلب والنظر مدركاته كثيرة والقلب مدركاته كثيرة ومدركات السمع هو الصوت اللغوي وهو هذه الموجة. -(لكن العرب جمعت السمع على أسماع )-
هنا القرآن استخدم ختم على القلب وعلى السمع والعطف لأنه أراد أن يجمع بختم واحد القلوب والسمع لارتباط الموضوع، لأن موضوع التفكر يكون عن طريق السماع فلما أغلقوا قلوبهم لم يعد هناك فائدة للسمع فختم على الإثنين: ختم على قلوبهم وعلى سمعهم بختمين وليس بختم واحد لأن القلب شيء والسمع شيء آخر. (وعلى أبصارهم غشاوة) هذه جملة جديدة وليست معطوفة ولو أردنا أن نقف نقف على سمعهم ثم نقول وعلى أبصارهم غشاوة. البصر يحتاج لتغطية أما السمع فيحتاج إلى ختم لأنه ليس هناك شيء يغطيه.
*(خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ) جعل الله تعالى القلوب والأبصار جمعاً بينما أفرد السمع والإنسان يملك قلباً واحداً بينما يملك عينين وأذنين فكان الأوْلى من حيث الظاهر أن يُفرِد القلب فيقول ختم على قلبهم، فلِمَ أفرد السمع دون القلوب والأبصار؟(من برنامج ورتل القرآن ترتيلاً)(1/55)
إن السمع يتعلق بما تسمع وما يُلقى إليك فكل الناس يسمعون الخبر متساوياً لا تفاوت فيه ولا تفاضل وإنما نختلف أنا وأنت والناس جميعاً بتحليل المسموع وتدبره وهذا يتم عبر القلوب.
آية (8):
*(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) هم جمع ومن يقول مفرد فما دلالة الجمع بين الصيغتين؟(د.فاضل السامرائى)
(من) للمفرد والمثنى والجمع والأصل في (من) إذا ذكرت أن يُبدأ بدلالة لفظها ثم ينصرف إلى المعنى، دلالة اللفظ مفرد مذكر ثم يصرف إلى المعنى الذي يحدده السياق (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) هم جمع ومن يقول مفرد، يبدأ بالمفرد. (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ (49) التوبة) من يقول مفرد، سقطوا جمع، يبدأ بالمفرد. (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ (30) الأحزاب) من يأت مفرد، (من وما) يبدأ بلفظها تكونان للمفرد والمثنى والجمع مذكر أو مؤنث. أكثر الكلام عند العرب إذا بدأوا بـ (من) حتى لو كان جمعاً (من) لها لفظ ولها معنى، لفظها المفرد المذكر ومعناها يختلف، يبدأ بالمفرد المذكر ثم يوضح المعنى فيما بعد (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) مفرد مذكر، وما هم بؤمنين جمع، (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا (31) الأحزاب)، وعليها يؤمنون به ويؤمن به.
آية (9)-(12)-(13):(1/56)
* ما الفرق بين (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)) و (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) البقرة)؟(د.حسام النعيمى)
هذه الآيات في الكلام على المنافقين وفي قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) لما يعلنون أنهم هم آمنوا كأنما يعتقدون أنهم يخادعون الله سبحانه وتعالى
(وما يشعرون) الفعل المضارع يدل على الحال أو الاستقبال أو أحياناً الدوام والثبات يعني على الوصف، لما تقول: زيد ينظم الشعر إما أن تعني ينظم الشعر الآن أو هو من الشعراء هذه حاله فاستعملوا (ما) لنفي الحاضر يقولون: زيد ما ينظم الشعر أي الآن . وإذا أرادوا المستقبل استعملوا (لا) قالوا: لا ينظم الشعر أي ليس شاعرا.
في مسألة يشعرون فى القرآن استعمل مرة (وما يشعرون) ومرة (لا يشعرون) معنى ذلك أنه يريد أن ينفي عنهم الإحساس والشعور الآن وفي المستقبل
*ما الفرق بين (لا يشعرون) و(لا يعلمون)؟(د.حسام النعيمى)(1/57)
هنا استعمل الشعور في الكلام على القضايا الظاهرة وعلى الأحاسيس الواضحة، هنا المخادعة عمل ظاهر، يخادعون، يقولون، يتصرفون، فالشيء الذي يكون بالأحاسيس، يتلمسه بحواسه ، بالكلام،بالحركة يناسبه الشعور الذي فيه معنى الإحساس (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) استعمل (لا يشعرون) الشعور لأن الإفساد ظاهر. لكن لما تكلم على القضايا القلبية المعنوية (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13) استعمل (لا يعلمون) لأن العلم داخلي. لكن لما استعمل دعاهم إلى الإيمان والإيمان شيء قلبي لا تعلمه استعمل (لا يعلمون) ما قال لا يشعرون لأن الإيمان ليس شعوراً ظاهراً وإنما هو علم باطن.
آية (10):
*(فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ (10) البقرة) المرض هو الضعف والفتور فهل كل كافر مصاب بمرض في قلبه؟ تخيل شخصاً مريضاً ما الذي يبدو عليه؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
وماذا يفعل المرض بجسده؟ إن مظهره يبدو شاحباً والمرض يقتل جسده وروحه رويداً رويداً وكذلكم الأمر بالنسبة إلى النفاق فالجهل وسوء العقيدة مرض إيماني وأخلاقي يميت نور الإيمان في قلب صاحبه.
آية (14):
* (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) البقرة) ضبط واو الجماعة في لقوا وخلوا؟ ومتى تُفتح الواو وتُضَم؟(د.فاضل السامرائى)(1/58)
الواو ليست مفتوحة ولا مضمومة وإنما هي ساكنة في الحالتين وإنما هذا يتعلق بما قبلها. واو الجماعة إذا كان الفعل منتهياً بياء أو واو تُحذف ويضم ما قبل واو الجماعة (لقي لقوا، نسي، نسوا، خشي، خشوا) الأمر متعلق بطبيعة الفعل وماذا قبل الواو واو أو ياء أو ألف إذا كان قبلها ياء يضم (يدعو يدعُون، خفي، خفُوا، خشي خشوا، رمى رموا، دعا دعوا، مشى، مشوا، قضى قضوا، رضي، رضُوا، يرضى، يرضَون، يمشي، يمشون، يسعى يسعَون) إذا سبقت واو الجماعة بواو أو ياء يضم ما قبلها وإذا سبقت بألف يفتح ما قبلها وإنما هي ساكنة (لقي، لقُوا، خلا، خلَوا).
*ما الفرق بين (خلا بعضهم إلى بعض(76) و (خلوا إلى شياطينهم(14)فى سورة البقرة؟(د.أحمد الكبيسى)
في قوله تعالى (وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ {76} البقرة) أي شياطين مع بعض أو الكفار مع بعض أما قوله (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ {14} البقرة) أي خلوا إلى رؤسائهم وإلى قادتهم والخ.
آية (15):
*(وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) البقرة) لِمَ قال يعمهون ولم يقل يعمون؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
العمى فقد البصر وذهاب نور العين أما العَمَه فهو الخطأ في الرأي والمنافقون لم يفقدوا بصرهم وإنما فقدوا المنطق السليم فهم في طغيانهم يعمهون.
آية (16):
* ما دلالة قوله تعالى في الآية (اشتروا الضلالة بالهدى)في سورة البقرة؟(د.فاضل السامرائى)
لماذا جاءت الَضلالة بالهدى ولم تأتى الهدى بالضلالة ؟ فنقول أن هناك قاعدة تقول أن الباء تكون مع المتروك كما في قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) البقرة).
*ما الفرق بين الفسق والضلالة؟ (د.فاضل السامرائى)(1/59)
الضلال هو نقيض الهداية (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى (16) البقرة) لكن الفرق بين الفسق والضلال أن الضلال قد يكون عن غير قصد وعن غير علم. الضلال هو عدم تبيّن الأمر تقول ضلّ الطريق قال تعالى (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) هذا من دون معرفة ضلّ ولا يعلم، ضل عن غير قصد. وقد يُضلّ بغير علم (وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ (119) الأنعام) أما الفسق فهو بعد العلم تحديداً وحتى يكون فاسقاً ينبغي أن يكون مبلَّغاً حتى يكون فسق عن أمر ربه. إذن هنا زيادة أنهم مبلّغون ثم خرجوا فإذن هم فاسقون لو قال ضالون قد يعطيهم بعض العذر أنهم عن غير قصد لكنهم فاسقون بعد المعرفة وبعد التبليغ فسقوا. في قوله (ولا الضالين) ولا الضالين عامة لأن الضلال عام واليهود والنصارى منهم وليس حصراً عليهم. (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) النجم) نفى عنه الضلال بعلم أو بغير علم أما الفسق فلا يكون إلا بعد علم، ينبغي أن يعلم أولاً حتى يقال عنه فاسق (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) هذا بعد التبليغ (فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) تنكّبوا الصراط بعد المعرفة. أصل الفسق هو الخروج عن الطريق يقال فسقت الرطبة أي خرجت من قشرتها.
آية (17):
*ما دلالة المثل في قوله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) البقرة) لماذا ذهب بنورهم وليس بنارهم؟ وما الفرق بين ذهب به وأذهب؟(د.حسام النعيمى)(1/60)
هذه الآية الكريمة من مجموعة آيات تكلمت عن المنافقين ومعلوم أن المنافقين إنما سُمّوا بهذه التسمية لأن ظاهرهم مع اللمسلمين وباطنهم في حقيقة الأمر أنهم مع الكفار حتى قيل أن الكفار خير منهم لأن الكافر صريح يقول هو كافر لكن المنافق يقول لك هؤمؤمن مسلم ولكنه يهدم ويخرّب من داخل المجتمع المسلم. فضرب الله عز وجل لهم هذا المثل فوجود النار في الصحراء عند العرب مثال معروف على الظهور والإنكشاف وهداية الضالّ:
الآية تتحدث عن شخص أوقد هذه النار ولما أوقدها وتعالى لهيبها أضاءت ما حوله، هذه الإضاءة تمتد إلى مسافات بعيدة معناه أن هؤلاء عاشوا في هذا الضوء واستضاءوا واستناروا به - ونحن نقول أن هذا المثل يمكن أن يحمل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو مثل الموقِد لهذه النار الهادية - فلما جاءوا من حولها ورأوا هذا النور وتذوقوا حلاوة ايمان طمسوا هم على قلوبهم ولم يستفيدوا منه و نلاحظ (كمثل الذي استوقد ناراً ) هنا فرد، (فلما أضاءت ما حوله) هو حوله أناس، فالعربي لا يعيش وحده، فلما يوقد النار قبيلته حوله فهم أيضاً يستضيؤون بهذه النار وكذلك الأغراب البعداء يهتدون لهذه النار. (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) هم عاشوا في ضوء ولو لحقبة يسيرة، إطلعوا على الإسلام بخلاف الكافر الذي كان يضع إصبعيه في أذنيه ويقول لا أسمع. (فلما أضاءت) بسبب أن هؤلاء لم يستفيدوا من هذا النور قال ذهب الله بنورهم.(1/61)
والفرق بين النور والضوء أن النور لا يكون فيه حرارة أما الضوء ففيه حرارة ومرتبط بالنار والإنسان يمكن أن تأتيه حرارة الضوء فالنار المضيئة إذا خفتت وخمدت يبقى الجمر مخلفات النار وهو بصيص يُرى من مسافات بعيدة. فلما يقول تعالى (ذهب الله بنورهم) يعني أصغر الأمور التي فيها هداية زالت عنهم. لو قال في غير القرآن ذهب الله بضوئهم تعني يمكن أنه ذهب الضوء لكن بقيت الجمرات لكن يريد القرآن أن يبين أن هؤلاء بعد أن أغلقوا قلوبهم (ذهب الله بنورهم فهم لا يبصرون) لا يبصرون شيئاً حتى الجمر الصغير ما بقي عندهم.
*ما الفارق بين أذهب نورهم وذهب بنورهم؟(د.حسام النعيمى )
أذهبت هذا الشيء أي جعلته يذهب أذهبته فذهب، أنت فعلت وهو أيضاً إستجاب للفعل. فلو قال أذهب الله نورهم كأنها تعني أمر النور أن يذهب فاستجاب وذهب،لكن هذا الذي ذهب قد يعود. أما صورة (ذهب الله بنورهم) كأن الله تعالى اصطحب نورهم بعيداً عنهم وما اصطحبه الله عز وجل لا أحد يملك أن يعيده. هذا نوع من تيئيس الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المنافقين لأن الجهد معهم ضائع وهذه خصوصية للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا يقول الإنسان أن هذا الشخص لا نفع من ورائه فلا داعي لوعظه وتذكيره. لكن خص الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأمر أن هؤلاء المنافقون انتهى أمرهم.
*ما سبب استخدام المفرد والجمع في قوله تعالى في سورة البقرة (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ {17})؟(د.فاضل السامرائى)
1. من الممكن ضرب المثل للجماعة بالمفرد كما في قوله تعالى (لا تكونوا كالتي نقضت غزلها...تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم)
2. (الذي) تستعمل للفريق وليس للواحد فالمقصود بالذي في الآية ليس الشخص إنما هي تدل على الفريق ويقال عادة الفريق الذي فعل كذا ولا يقال (الفريق الذين).(1/62)
3. يمكن الإخبار عن الفريق بالمفرد والجمع (فريقان يختصمون)
4. الذي نفسها يمكن أن تستعمل للمفرد والجمع. كما جاء في الشعر العربي:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
*يقول تعالى (ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ) لِمَ قال تعالى ذهب الله بنورهم؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إنه يعني مضى به واستصحبه وهذا يدلك أنه لم يبقى لهم مطمع في عودة النور الذي افتقدوه كما تقول عن خبر لا يعرفه إلا شخص واحد وقد مات فتقول ذهب فلان بالخبر إذا لم يعد لك أمل في معرفته.
*سورة البقرة ورد فيها مثالين المنافقين فهل يمكن توضيحهما؟(د.فاضل السامرائى)(1/63)
المثال الأول (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (18)). أولاً نلاحظ شبّه حال الجمع بالمفرد (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً) وهذا جائز أن تشبه حالة جمع بالمفرد (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا (92) النحل) لا تكونوا جمع والتي مفرد، (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا (5) الجمعة) هذا يجوز تشبيه هؤلاء بحالة، أنتم مثلكم كمثل كذا. استوقد معناها أوقد أو طلبوا الإيقاد طلبوا النار فأوقدوها والنار للإضاءة والانتفاع، الإضاءة فرط الإنارة، مضيء أكثر من منير، الإضاءة أشد الضياء من النور لكن هو فرط الإنارة والنور أعم يبدأ من صغير وينتهي إلى حالات لا نعلمها، الضياء حالة من حالات النور، فرط الإنارة، حالة من حالاته. النور يصير ضياءاً ثم هنالك أموراً أخرى لا نعلمها، النور مبدأه قليل بعد الفجر نور ثم يكون أعلى فأعلى هذا كل نور وضوء الشمس هو من النور فرط الإنارة، يبدأ في الفجر نور ويعلو حتى الظهيرة كله نور لكن فرط الإنارة هو الضياء حالة من حالات النور وهناك حالات أخرى لا نعلمها من النور عندما قال تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (35) النور) ربما يقصد البدايات وهنالك أشياء لا نعلمها. في وصف أهل الجنة قال (بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ (54) الرحمن) قالوا هذه البطائن والظهائر قالوا هو من النور الجامد. هذه حالات نحن لا نعلمها، نحن نعلم مبدأ النور ونعلم فرط النور بالإضاءة ثم هنالك أموراً لا نعلمها ولهذا وضحها ربنا بمثل (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) قرّبها إلى الأذهان حتى نستوعبها أما بالعقل لا نتصور.(1/64)
نحن نعرف حالات من حالاتها أما النور مطلق ولذلك ربنا قال (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أولاً النور عام والضياء حالة من حالاته، هناك أمور نعلمها وأمور لا نعلمها، هنالك نور البصر ونور البصيرة. فإذن النور هو مبدأ والإضاءة فرط الإنارة. عندما قال تعالى (فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ) لم يقل ذهب الله بضوئهم، ربنا شبه المنافقين كالذي استوقد ناراً ورجع تعالى للمنافقين ذهب الله بنورهم ولم يقل بضوئهم لأنه لو قال ذهب الله بضوئهم لاحتمل أن يبقى نور لأن الضياء فرط الإنارة كان يبقى نور فأراد أن يجتثّ المعنى كله فلما قال (ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ) إذن لا يبقى نور ولا ضياء وإنما ظلمة. ثم قال (فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ) ما قال ما حولها، (مَا حَوْلَهُ) يعني حول المستوقد. ثم قال (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ) جمع الظلمة لتعدد أسبابها وهي في القرآن حيث وردت مجموعة. ثم قال (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) والأبكم الذي يولد أخرس. ولم يقل صم وبكم وعمي لأن صم وبكم وعمي محتمل أن يكون هناك جماعة بكم وهنالك جماعة صم وهنالك جماعة عمي لو قلت هؤلاء فقهاء وكُتّاب يعني محتمل أن يكون فيهم فقهاء ويحتمل أن يكون فيهم كُتّاب لكن لو قلت هؤلاء فقهاء كُتّاب شعراء يعني هم جمعوا الصفات كلها، هذا فقيه كاتب شاعر يجمع الصفات، لكن لو قلت هؤلاء فقهاء وكتاب وشعراء فيها احتمالين إحتمال أن يكونوا جمعوا واحتمال أن يكون قسم فقهاء وقسم كتاب وقسم شعراء. صم بكم عمي هذا تعبير قطعي جمعوا كل هذه الأوصاف يعني كل واحد فيهم أبكم وأصم وأعمى. (فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) تركهم متحيرين لا يرجعون إلى المكان الذي بدأوا منه والأعمى لا يبصر والأبكم لا يسأل والأصم لا يسمع كيف يرجع؟ فقدوا أشكال التواصل.(1/65)
الأعمى لا يبصر والأصم لا يسمع والأبكم لا يسأل ولا ينطق كيف يرجعون؟ يقولون لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه لأنه قال (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى (16) البقرة)، لا يرجعون عن الضلالة بعد أن اشتروها.
والمثال الآخر قوله تعالى (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) البقرة) هذا هو المثال الآخر. الصيّب هو المطر، المطر الشديد الإنصباب (من صاب يصوب) مطر شديد الإنصباب وليس مجرد مطر. إذن هذا هو الصيّب. هو ذكر قال (فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) الظاهر أنها ظلمات كثيرة لأنه جمع ظلمات جمع ظلمة السُحمة (سُحمة يقال في ظلام أسحم شديد الظلمة) وتطبيقه للسماء وظلمة الليل. هو نفسه مظلم كونه طبّق السماء فليس فيها مكان للضياء ظلمة الثانية والظلمة الثالثة ظلمة الليل، ظلمة الليل لأنه قال (كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ) لو كان نهاراً لكانوا مشوا. وفيه رعد وبرق إذن هذه هي الظلمات وفي القرآن لم ترد كلمة الظلمات مفردة أبداً بخلاف النور ورد مفرداً. إذن الصيّب مطر شديد الإنصباب ينحدر، فيه هذه الظلمات فقال (فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) ليس فقط ظلمات.
سؤال: هل هذا الترتيب (فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) مقصود في حد ذاته؟(1/66)
هذا الترتيب مقصود بذاته ولذلك نلاحظ حتى في آخرها قال (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) فالسمع مقابل الرعد والأبصار مقابل البرق نفس الترتيب وذلك لأن الخوف من الرعد أشد من البرق لأن أقواماً أهلكوا بالصيحة (الصيحة الصوت الشديد) (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ (73) الحجر).
سؤال: هل يمكن أن يكون تقديم السمع لأن سرعة الصوت أكبر من سرعة الضوء؟(1/67)
لا، الضوء أسبق من الصوت، هناك مقام عقوبة ومقام خوف، في مقام الخوف الرعد أشد. القرآن يراعي دلالة الكلمات في السياق ولا يرص الكلمات بعضها بجانب بعض. إذن هو ظلمات ورعد وبرق. إذن مطر شديد الإنصباب وظلمات وليس ظلمة ورعد وبرق. قال (يجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) الأصابع والمقصود هو الأنامل لأن الإصبع لا يمكن أن يدخل في الأذن وهذا مجاز مرسل حيث أطلق الكُلّ وأراد الجزء وهذا لشدة الخوف، كأنما يجعلون أصابعهم لو استطاعوا أن يُدخلوها كلها في آذانهم لفعلوا من شدة الخوف وما هم فيه. الصواعق هي رعد شديد مع نار محرقة وقد يصحبها جرم حديد ليس مجرد رعد وليست صاعقة وإنما صواعق (يجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ). إذن هو رعد شديد مع نار محرقة قد يكون معها حجر أو جرم. ولاحظ من فرط الدهشة أنهم يسدون الآذان من الصواعق وسد الآذان ينفع من الصواعق ينفع من الرعد لكن لا ينفع مع الصاعقة لكن لفرط دهشتهم لا يعلمون ماذا يفعلون إذن هم يتخبطون، وصواعق جمع صاعقة لاحظ المبالغات الموجودة في الآية صواعق وظلمات وصيّب وليس مجرد مطر. (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ) (كلما) تفيد التكرار إذن لم تكن مرة واحدة. (كلما) في اللغة عموماً تفيد التكرار وجيء بها لأنهم حريصون على المشي لكي يصلون (كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ) كلما أضاء لهم البرق مشوا فيه وإذا أظلم ولم يقل إن أظلم للتحقق ولو قال إن أظلم يكون أقل، (إذا) للمتحقق الوقوع وللكثير الوقوع أما (إن) فهي قد تكون للافتراضات وقد لا يقع أصلاً. ثم قال (مَّشَوْاْ) ولم يقل سعوا لأن السعي هو المشي السريع أما المشي ففيه بطء إشارة إلى ضعف قواهم لا يستطيعون مع الخوف والدهشة لا يعلمون كيف يفعلون. ((1/68)
وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) لذهب بسمعهم مع قصف الرعد يعني جعلهم صماً، وأبصارهم مع البرق، لماذا لم يفعل إذن؟ كان يمكن أن يذهب بسمعهم مع قصف الرعد وأن يذهب بأبصارهم مع ومض البرق، لا، هو أراد أن يستمر الخوف لأنه لو ذهب السمع لم يسمعوا ولو ذهب البصر لم يبصروا فأصبحوا بمعزل، هو أراد أن يبقوا هكذا حتى يستمر الخوف. وقدم السمع لأن الخوف معه أشد. هذا عذاب مضاعف وفيه مبالغات (الصيب مبالغة لأنه مطر شديد وظلمات وليس ظلمة ورعد وبرق وأصابعهم وليس أناملهم وصواعق وليست صاعقة ثم ذكر يخطف أبصارهم ثم قال (كلما) الدالة على التكرار وقال مشوا ولم يقل سعوا وقال إذا أظلم ولم يقل إن أظلم وقال لو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم لم يرد أن يذهب بها حتى يبقى الخوف وهذه كلها مبالغات.
سؤال: ألا يمكن أن يقال (ولو أظلم عليهم قاموا)؟ وما الفرق بين لو وإذا؟
لا، أصلاً (لو) قد تكون حرف امتناع لامتناع لو زارني لأكرمته، لو أظلم عليهم قاموا.
استطراد من المقدم: إذن لا نقف عند الأدوات هكذا يقول إذا، يقول لو، إذا فيها تحقق الوقوع و (لو) قد يكون امتناع لامتناع وقد لا يحدث الفعل أصلاً.
(وإذا أظلم عليهم قاموا) يعني وقفوا لم يتحركوا وهذا عذاب أيضاً.
آية (18):
*ما دلالة تكرار صفة (صم بكم عمي) بنفس الترتيب في القرآن؟ ولماذا إختلاف الخاتمة (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) و( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171)فى سورة البقرة ؟(د.حسام النعيمى)(1/69)
في سورة البقرة قال تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)) نجد أن الآيات نزلت في المنافقين. المنافقون الذين رأوا الإيمان وسمعوا كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كلام الله عز وجل وكأنه يُفترض أنهم تذوقوا شيئاً من الإيمان، عُرِض عليهم الإيمان ثم إنتكسوا بعد ذلك، يعني تحولوا من الإيمان إلى الضلال، فإذن مَثَلهم كمثل الذي استوقد ناراً، كأنه أُضيء أمامهم هذا الدين لكنهم لم ينتفعوا بذلك. شرع الله كيف يُقدّم؟ يُقدَّم منطوقاً. هؤلاء كأنهم لم يستفيدوا مما سمعوه وكأنهم لم يشهدوه. (فهم لا يرجعون) لا مجال لهم للرجوع إلى الدين، إبتعدوا لذلك إستعمل كلمة (لا يرجعون) وسنجد في موضع آخر في سورة البقرة استعمل (لا يعقلون) وسنتحدث عنها لاحقاً.الآية الأولى في الظلمة (في ظلمات لا يبصرون) هذا الهائم على وجهه لا يعرف طريقه فالتائه أول ما يفقد يفقد بصره، لا يرى ولو كان يرى لعرف طريقه. حينما يفقد البصر يريد أن يتسمع كأنه فقط لا يسمع فيحاول أن يصرخ لعل أحداً يسمعه وإذا لم يسمعه أحد يحاول أن يبصر لعل نوراً ينبثق في داخل هذه الظلمة لكن قال لا يبصرون فالصورة مختلفة.فهذا الترتيب(صم بكم عمي).لا يوجد حرف عطف في آيتى سورة البقرة (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) يعني هذه حالهم.أما فى سورة الاسراء(عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا) نية تكرار العامل يعني نحشرهم عمياً ونحشرهم صماً ونحشرهم بكماً فيكون فيها نوع من التمييز لتنبيه أو لتركيز هذا المعنى.
*ماالفرق بين( لا يرجعون )و( لا يعقلون )؟(د.حسام النعيمى)(1/70)
تبقى مسألة في الآية التي سأل عنها السائل: في الآيةالأولى قال تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) بيّنا أنهم لا يرجعون إلى النور الذي فقدوه لأنهم نافقوا وطُبِع على قلوبهم والعياذ بالله فلا مجال للرجوع فيناسبه (لا يرجعون). وفي الآية الثانية (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171)). هنا أولاً في الآية السابقة لما تكلم على آبائهم قال (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً) على أبائهم أنهم لا يعقلون فالمناسب أن تختم الآية الثانية (لا يعقلون) فكما أن آباءهم لا يعقلون هم لا يعقلون.(1/71)
والمسألة الثانية أن المثال الذي ضُرِب (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171)) صورتهم، صورة هؤلاء وهم يُلقى عليهم كلام الله سبحانه وتعالى كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء، مثل مجموعة أغنام الراعي ينعق فيها، يصيح فيها وهذه الأغنام تسمع أصواتاً لكنها لا تستطيع أن تعقلها، لا تفهم. فكأن هؤلاء وهم يستمعون إلى كلام الله سبحانه وتعالى كالأغنام وعندنا آية آخرى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف) مثّلهم لأنهم لا يعقلون كلام الله سبحانه وتعالى ولا يستعملون عقولهم في إدراكه جعلهم مثل الأغنام والبهائم. ولذلك هذه الصورة التي يناسبها كلمة (لا يعقلون). وتلك الصورة تناسبها كلمة (لا يرجعون) لا يعودون إلى الإيمان
* ما دلالة الواو في الآية (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ (39) الأنعام، وفي البقرة لم يستخدم الواو (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (18))؟(د.فاضل السامرائى)(1/72)
ما الفرق بين الصم والبكم وبين صم بكم؟. الصم الذي لا يسمع والأبكم الذي لا يتكلم. في البقرة لما قال (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) وفي الأنعام قال (صُمٌّ وَبُكْمٌ). (صم بكم عمي) هم في جماعة واحدة، (صم وبكم) فيها احتمالان أن يكون جماعة أو أكثر من جماعة قسم صم وقسم بكم. هؤلاء شعراء فقهاء وكتاب، الصفات الثلاث في فئة واحدو هؤلاء شعراء وفقهاء وكتاب أي يحتمل أن المجموعة فيها ثلاث فئات. عندما قال صم بكم عمي الكلام في فئة واحدة وعندما قال صم وبكم احتمالين احتمال أن تكون جماعة واحدة واحتمال أن يكون جماعات متعددة قسم صم وقسم بكم وذكر في القرآن من يتكلم ولا يبصر (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) طه) أعمى وليس أبكماً. إذن هذا المعنى اختلف كل واحدة لها دلالة قطعية. إحتمال أن تكون الصفة واحدة والعطف لا يقتضي المغايرة دائماً نقول هذا رجل كاتب وفقيه، تعدد الأوصاف بحسب الغرض منها. يبقى السؤال لماذا اختار في آية البقرة أن لا يذكر الواو وذكرها في آية الأنعام؟ لماذا هذه المغايرة؟ آية البقرة أشدّ لأنها في جماعة واحدة ذكر العمى والصمم والبكم (صم بكم عمي) وقال أيضاً في الظلمات (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) البقرة، آية الأنعام أقلّ لم يذكر العمى قال (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ) إذن أهل البقرة أشد الموصوفين هؤلاء ذكر في المنافقين تسع آيات من الآية (8) إلى الآية (20) ووصفهم بصفات متعددة فذكر الإفساد ومخادعة الله والذين آمنوا والاستهزاء وشراء الضلالة بالهدى إضافة إلى صفة التكذيب أما في الأنعام آية واحدة فقط وذكر صفة التكذيب بالآيات، صفة واحدة (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (39)) آية واحدة.(1/73)
فأيها الأولى بالذمّ وكثرة الصفات السيئة؟ الذين في سورة البقرة، إذن هم ليسوا جماعتين وإنما جماعة واحدة هؤلاء صم بكم عمي وهم في الظلمات فلا يمكن من الناحية البيانية وضع إحداهما مكان الأخرى ولا يصح فهذا قانون بياني بلاغي.
*ما الفرق بين(صم بكم عمي) كما جاءت في سورة البقرة و(صم وبكم) في سورة الأنعام؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة البقرة (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ {18}) وفي سورة الأنعام (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {39}) فما الفرق بين (صم بكم) و(صم وبكم)؟ صم بكم يحتمل أن يكون بعضهم صم وبعضهم بكم ويحتمل أن يكونوا في مجموعهم صم بكم، أما (صم وبكم) فلا تحتمل إلا معنى واحداً وهو أنهم جميعاً صم بكم. ولو لاحظنا سياق اللآيات في السورتين نجد أن في سورة الأنعام لم يقل عمي وإنما قال صم وبكم فقط أما في البقرة فالكلام على المنافقين طويل وذكر فيه أشياء كثيرة كالإستهزاء وغيره. الأعمى أشد من الذي في الظلام لأن الأعمى سواء كان في الظلمات أو في النور فهو لا يري. والمعروف أن الأصم هو أبكم لكن ليس كل أصم لا يتكلم فهناك أنواع من الصمم قسم من الصم يتكلم وقد قال بعضهم أن آية سورة الأنعام هي في الآخرة (رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) فهو أعمى ويتكلم ويسمع.
*(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) البقرة) – (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171) البقرة) ما الفرق بين المثالين؟(د.أحمد الكبيسى)(1/74)
قال تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا (18) البقرة) وفي آية أخرى (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171) البقرة) الأول مثل المنافقين (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)) هذا عن الذي أمام ومعك ينافقك يجاملك ويفعل هذا الأمر مع كل الناس لا تعرف له حقيقة له وجهان، تعِب قلق يحاول إرضاء الجميع هذا الإنسان هو الذي يفسد الحياة ورب العالمين ضرب له مثل في غاية الدقة، قال مثل الذي استوقد ناراً هو ليس عنده هو في ظلام وإنما طلب من الآخرين أن يضيؤا له نوراً ففعلوا أعطوه ضوءاً أعطوه نوراً صار عنده شيء من الرؤية الواضحة (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)) في قمة الإضاءة وهو في غاية السعادة وفي غاية النور ويظن أنه فعل الصواب وأنه هو الأفضل والأحسن على حين غرة ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون. برغم كل هذا الذي جرى له لا يعود إلى الحق أو النور الذي كان عليه.(1/75)
مثل المنافقين ابو الوجهين أمامك بلسان وخلفك بلسان يضمر الكفر ويظهر الإيمان، يضمر العداوة ويظهر لك المحبة وهذا أو هذه شريحة عريضة في الدنيا من ساسة وتجار وجيران وأقارب، هذه قضية من قوانين هذه الدنيا ليس كل من يبتسم بوجهك حبيباً قد يبتسم بوجهك وقلبه يتقطع عليك غيظاً وفي الظاهر هو ناصح ويبطن لك الشر ويحقد عليك هذا موجود وهناك الصادقون. رب العالمين شبه هذا المنافق كالذي كان في ظلمة ثم طلب شيء من النور استوقد ناراً فجاءته النار وأبصر وعرف أين الحق وأين الباطل وأين موقعه فكان المفروض أن يرجع عن هذا الغي الذي هو فيه لكن رب العالمين لا أدري لماذا لم ييسر له هذه الرجعة قال (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) ما قال أذهب الله نورهم لأن معناها أن الله بقي معهم، لا لرداءتهم ولسوئهم أخذ الله النور وذهب عنهم وتركهم في هذه الظلمات يتخبطون ليس لهم من معين لا من خالق ولا من مخلوق. (صم بكم عمي فهم لا يرجعون) لا يسمع ولا يرى ولا ينطق لأنه في ظلمة تائهة. التاريخ مليء بهذه الأمثال عاد وثمود وإلخ. والأمثال في القرآن نوعين (ضرب الله مثلاً) و (كذلك نصرف الآيات) ضرب المثل عام كوني ينطبق على كل الأمم، تصريف الأمثال موضعي المسلمين مثل الإنجليز مثل الأميركان مثل يعني قواعد كونية ثابتة لكن مفصلة على بيئات محلية مثل ضرب العملة وتصريف العملة، ضرب العملة العملة الرئيسية كالدولار واليورو هذه عملة تتعامل بهذا العالم هذا يسمى ضرب العملة جزئياتها تصريف العملة يعني أنت تتعامل بها داخلياً.(1/76)
رب العالمين سبحانه وتعالى يضرب لنا مثلاً في كل الحالات نضرب مثلاً الإتحاد السوفياتي الذي كان شيوعياً يقولون ما في الله ما في خالق والإنسان يموت وتنتهي حياته كلام معروف وساد ما يقارب القرن والإتحاد السوفياني ليقيم علاقات مع العالم كان يتعامل مع المسلمين بوجه ومع اليهود بوجه ومع النصارى بوجه كل من يتعتمل معه يحاول أن يتقولب معه حتى يرضيه ولذلك عاش في قلق مستمر دائم لا تعرف ما هو لونه إلى أن الله رب العالمين ذهب بنورهم. ما معنى ذهب بنورهم؟ أي فعلوا شيئاً مثلهم كمثل استوقد ناراً فعلاً جاءتهم أفكار يعملون دولة قوية كبيرة عندها من القوة والمنعة سببت التوازن في العالم بين الشرق والغرب لم تعد تستطيع أن تظلم العالم ظلماً هائلاً كما هو الآن هناك قوة كبيرة استفردت بالعالم ومزقت دولاً ودماعات وأصابت الناس بكارثة مالية، لما كان الإتحاد السوفياتي لم يكن هذا موجوداً كان هناك توازت قوى إذن هم حققوا شيئاً (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)) لما أضاءت ما حوله استعمل القتل قتل جمهوريات وناس واستعملوا الإبادة فذهب الله بنورهم أخذه الله وذهب عنهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون عن غيهم ولهذا برغم ما أصاب الإتحاد السوفياتي من إنهيار بقي الناس شيوعيين في كوبا وفي بعض الدول مثل الصين صم بكم عمي مع أن هذه النظرية أصبحت ساقطة بكل المقاييس ومع هذا فإن بعض الدول والرجال والساسة والقادة ما زالت تتبنى هذا الفكر وهذه من معجزات القرآن الكريم أن صور هذه الحالة تصويراً هائلاً، هذا المنافق الذي يأتيك بوجه وخلفك بوجه ثاني.(1/77)
الوثني اذي يكرهك ظاهراً وباطناً قال (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) البقرة) واحد يعبد الصنم والآخر يعبد شخصاً والآخر يعبد شيخاً والآخر يعبد قبراً هذا عطّل عقله بالكامل لا يفكر في كل قضايا الكون إلا عن طريق هذا الذي يعبده هذا الكاهن أو هذا الشيخ أو هذا المرجع هو الذي يفكر نيابة عنه هذا أسلم عقله له من أجل هذا كان بلا عقل هذا لا يرجع.(1/78)
إذن هكذا هو الأمر إن هذا الصنف من البشر الذي ينافق في كلامه ويخفي غير ما يبطن وينقض العهد (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (100) البقرة) لا يلتزم بشيء هذا هو الذي يفسد الحياة (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (41) الروم) (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (120) آل عمران) ولو شيء قليل و(وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا (120) آل عمران) وهذه لما يسود العالم السياسية بالغرائز والأهواء والرغبات وليس بالقوانين، العالم الآن قوانين والأمم المتحدة موجودة ولكنها معطلة وكانت في يوم من الأيام الناس يحتكمون إليها والآن يحتكمون إلى الغرائز والرغبات كل واحد عنده قوة يفعل ما يشاء يكذب على شعبه وعلى الدول والأمم ويدمر ويكسر ويدعي دعوات ويفسد الحياة ويفشل كل شيء ويقف العالم على حافة الهاوية ولا يستطيع أحد أن يقول لا وهذا هو الفرق بين الحالتين ضرب الله مثلاً لكل حالة بمثل دقيق لو تأملنا فيه شارحين لاستغرق ذلك ساعات تتأمل في الايتين (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا) هؤلاء لا يرجعون يبقى منافقاً مع فشله الذريع والثاني (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً) تأمل في الآيتين ترى هذا الفرق بين من استوقد ناراً وبين الذي ينعق فرق هائل من حيث طبيعة هذا الإنسان عن هذا الإنسان ونسبة ضرره على العالم.
ما المقصود بـ(ينعق)؟(1/79)
الحيوان يتبع بالغريزة عندما ينعق له الراعي يمشي خلف الراعي لا يملك أي خيار الذي يقوله الراعي هو وراءه. هناك ناس ممن يعبدون أشخاصاً وأحجاراً أو إماماً أسقط عقله بالكامل وكل شيء يقوله له هذا المرجع يقول نعم وحينئذ هذا أصبح حيواناً ليس له تفكير وإنما ألغى عقله ويفكر بعقل هذا الذي يعبده وإلا واحد عبقري شخصية مهمة يعبد صنماً؟! يعبد حجراً؟! أين عقله؟! طبعاً هو تنازل عن عقله قال له هذا إلهك.
آية (23):
*ما الفرق بين (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة) و (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس) و(قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)هود )؟(د.حسام النعيمى)(1/80)
التحدي كان بأكثر من صورة، كان هناك تحدي في مكة وتحدي في المدينة. السور المكية جميعاً جاءت من غير (من) ( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) الطور)، الحديث يمكن أن يكون آية أو عشر آيات أو سورة كاملة، بحديث مثله: الحديث مطلق. (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس) بسورة مثله، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) هود) بعشر سور، (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) حكاية حالهم بأسلوب القرآن الكريم. فكان أحياناً يطالبهم بحديث، أحياناً يقول لهم: فإتوا بقرآن مثله، أحياناً عشر سور، أحياناً سورة مثل الكوثر أو الإخلاص، هذا كان في مكة. سورة واحدة فكان يقول (مثله)(1/81)
في المدينة (في سورة البقرة) المكان الوحيد الذي قال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة). هنا القرآن إنتشر وأسلوبه صار معروفاً، الآن يقول لهم (بسورة من مثله) لو قال : بسورة مثله كما قال سابقاً يعني سورة مثل سور القرآن الكريم. (من) هذه للتبعيض، هو هل له مثل حتى يطالَبون ببعض مماثله؟ هو لم يقل : فاتوا بمثله وإنما ببعض ما يماثلهأو بعض ما تتخيلونه مماثلاً ولا يوجد ما يماثله فما معناه؟ هذا معناه زيادة التوكيد. لما تأتي (مثل) ويأتي عليها حرف في شيء ليس له مثل معنى ذلك توكيد كما قال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) الشورى) الكاف للتشبيه، ومثل للتشبيه معناه أنه لو تخيلتم لو أن تصوّركم أنجدكم بأن تتخيلوا مثالاً لهذا القرآن فحاولوا أن تأتوا بمثل ذلك المثال ، بجزء من ذلك المثال الذي تخيلتموه فهذا أبعد في التيئيس من قوله (مثله) مباشرة.
هذا إمعان في التحدي وأبعد لأنه صار القرآن منتشراً. وهذا غير ممكن لأنه سبق وقال تعالى (لا يأتون بمثله) فإتوا ليس بمثله وإنما بجزء من مما تتخيلونه مماثلاً له.
*ما الفرق البياني بين قوله تعالى (من مثله) و(مثله)؟
*د.فاضل السامرائى :(1/82)
تحدّى الله تعالى الكفار والمشركين بالقرآن في أكثر من موضع فقال تعالى في سورة البقرة (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)) وقال في سورة يونس (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)) وفي سورة هود (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)).
*أولاً ينبغي أن نلحظ الفرق في المعنى بين (من مثله) و(مثله) ثم كل آية تنطبع بطابع الفرق هذا. فإذا قلنا مثلاً : إن لهذا الشيء أمثالاً فيقول: ائتني بشيء من مثله فهذا يعني أننا نفترض وجود أمثال لهذا الشيء أما عندما نقول : ائتني بشيء مثله فهذا لا يفترض وجود أمثال لكنه محتمل أن يكون لهذا الشيء مثيل وقد لا يكون فإن كان موجوداً ائتني به وإن لم يكن موجوداً فافعل مثله. هذا هو الفرق الرئيس بينهما.
هذا الأمر طبع الآيات كلها . أولاً قال تعالى في سورة البقرة (وإن كنتم في ريب) وفي آيتي سورة يونس وهود قال تعالى (افتراه) وبلا شك (إن كنتم في ريب) هي أعمّ من (افتراه) أن مظنة الإفتراء أحد أمور الريب (يقولون ساحر يقولون يعلمه بشر يقولون افتراه) أمور الريب أعم وأهم من الإفتراء والإفتراء واحد من أمور الريب.(1/83)
**والأمر الآخر أننا نلاحظ أن الهيكلية قبل الدخول في التفصيل (وإن كنتم في ريب) أعمّ من قوله (افتراه) و(من مثله) أعمّ من (مثله) لماذا؟ لو لاحظنا المفسرين نجد أنهم وضعوا احتمالين لقوله تعالى (من مثله) فمنهم من قال من مثله أي من مثل القرآن وآخرون قالوا أن من مثله أي من مثل هذا الرسول الأمي الذي ينطق بالحكمة أي فاتوا بسورة من القرآن من مثل رجل أمي كالرسول - صلى الله عليه وسلم - . وعليه فإن (من مثله) أعمّ لأنه تحتمل المعنيين أم (مثله) فهي لا تحتمل إلا معنى واحداً وهو مثل القرآن ولا تحتمل المعنى الثاني. الإحتمال الأول أظهر في القرآن ولكن اللغة تحتمل المعنيين. وعليه فإن (إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله) أعم من (أم يقولون افتراه فاتوا بسورة مثله) لأن إن كنتم في ريب أعمّ من الإفتراء و(من مثله) أعمّ من (مثله).
***ثم هناك أمر آخر وهو أنه حذف مفعولين الفعلين المتعديين (تفعلوا) في قوله تعالى (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) والحذف قد يكون للإطلاق في اللغة كأن نقول: "(قد كان منك ما يؤذيني" هذا خاص و" قد كان منك ما يُؤذي" وهذا عام. وإن كان المعنى في الآية هنا محدد واضح لكن الحذف قد يعني الإطلاق عموماً (سياق التحديد ظاهر جداً والحذف قد يأتي في مواطن الإطلاق فحذف هنا).
*د.أحمد الكبيسى :(1/84)
المسألة الثالثة رب العالمين تكلم عن الذين ينكرون نبوة محمد وينكرون أن هذا قرآن، مرة قال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {23} البقرة) وفي مكان آخر (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ {38} يونس) بدون (من) طبعاً من أجل هذا في سورة يونس يقول (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ (38) يونس) على القرآن (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ {38} يونس) في الأولى قال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) والثانية (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) في الأولى شك في نبوة محمد أنه ليس نبي فالخلاف أنه ليس نبي قال إذا كان ليس نبياً هاتوا برجل من عندكم من رجالكم اقترحوا أي واحد يأتي ويقول كلام مثل ما يقوله محمد وهاتوا شهداء على أننا نعرف فلان الفلاني الشاعر الأديب الخ هذا قال كلام مثل كلام محمد بالضبط، مستحيل تجدوا هذا الشيء فليس هناك رجل يشبه محمد لا في أخلاقه ولا في خلقه ولا في صفاته ولا في تاريخه ولا في نصاعة نسبه الخ مستحيل هناك رجل يشبه محمد صلى الله عليه وسلم من كل قومكم وعشائركم وقبائلكم إذاً أين الإشكال؟ (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ) من رجل مثل محمد يقول نفس السورة أو قريب منها فالشك هنا والريب كان في شخص النبي صلى الله عليه وسلم. أما في قوله (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) الشك في القرآن هم يقولون أن محمد نبي لكن هذا القرآن ممكن أنه هو قاله من عنده كان هو أديب والخ قال إذن أتوا بسورة مثل ما قال وهناك من مثل محمد وهنا مثل القرآن، هذا الفرق بين (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) و (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ).(1/85)
لهذا قال في البقرة لما قال هاتوا بشخص مثل محمد قال (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ) هاتوا شهود يشهدون بأننا رأينا واحداً مثل محمد ويقول كلاماً مثل محمد وفي سورة يونس قال (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ). لما تحداهم أن يقولوا كلاماً كالقرآن هناك تحداهم أن يأتوا بشخصٍ كمحمد وهنا تحداهم أن يأتوا بكلامٍ كالقرآن قال (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) روحوا استعينوا بكل من تستطيعون بكل الشعراء والأدباء والحكماء إذا استطعتم أن تقولوا سورة ولو (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1}الإخلاص) نحن نقبل التحدي.
*هل يمكن أن نضيف كلمة مفتراة في آية سورة البقرة؟(د.حسام النعيمى)
فيقول مثلاً فاتوا بسورة من مثله مفتراة؟ كما قال في (مفتريات)في سورة يونس؟
هذا التعبير لا يصح من جهتين: أولاً هم لم يقولوا افتراه كما قالوا في سورة يونس وهود. والأمر الآخر وهو المهم أنه لا يُحسن أن يأتي بعد "من مثله" بكلمة مفتراة لأنه عندما قال من مثله افترض وجود مثيل له فإذن هو ليس مفترى ولا يكون مفترى إذا كان له مثيل إذن تنتفي صفة الافتراء مع افتراض وجود مثل له. والأمر الآخر لا يصح كذلك أن يقول في سورتي يونس وهود مع الآية (أم يقولون افتراه) أن يأتي بـ "فاتوا بسورة من مثله" بإضافة (من) وإنما الأصح كما جاء في الآية أن تأتي كما هي باستخدام "مثله" بدون "من" (فاتوا بسورة مثله) لأن استخدام "من مثله" تفترض أن له مثل إذن هو ليس بمفترى ولا يصح بعد قوله تعالى (أم يقولون افتراه) أن يقلو (فاتوا بسورة من مثله) لنفس السبب الذي ذكرناه سابقاً. إذن لا يمكن استبدال أحاهما بالأخرى أي لا يمكن قول (مثله) في البقرة كما لا يمكن قول (من مثله) في سورتي يونس وهود.
*ما دلالة قوله تعالى (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ولم يقل ادعوا من استطعتم كما في سورة يونس وهود ؟(د.حسام النعيمى)(1/86)
في آية سورة البقرة عندما قال (من مثله) افترض أن له مثل إذن هناك من استطاع أن يأتي بهذا المثل وليس المهم أن تأتي بمستطيع لكن المهم أن تأتي بما جاء به فلماذا تدعو المستطيع إلا ليأتي بالنصّ؟ لماذا تدعو المستطيع في سورة البقرة طالما أنه افترض أن له مثل وإنما صحّ أن يأتي بقوله (وادعوا شهداءكم) ليشهدوا إن كان هذا القول مثل هذا القول فالموقف إذن يحتاج إلى شاهد محكّم ليشهد بما جاءوا به وليحكم بين القولين. أما في آية سورة يونس وهود فالآية تقتضي أن يقول (وادعوا من استطعتم) ليفتري مثله. إذن فقوله تعالى (وادعوا شهداءكم) أعمّ وأوسع لأنه تعالى طلب أمرين: دعوة الشهداء ودعوة المستطيع ضمناً أما في آية سورة يونس وهود فالدعوة للمستطيع فقط.
ومما سبق نلاحظ أن آية البقرة بُنيت على العموم أصلاً (لا ريب، من مثله، الحذف قد يكون للعموم، ادعوا شهداءكم). ثم إنه بعد هذه الآية في سورة البقرة هدّد تعالى بقوله (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)) والذي لا يؤمن قامت عليه الحجة ولم يستعمل عقله فيكون بمنزلة الحجارة.
*مادلالة قوله تعالى (ولن تفعلوا)؟(د.حسام النعيمى )
قوله تعالى (فإن لم تفعلوا) هي الشرط وقوله تعالى (ولن تفعلوا)هي جملة اعتراضية بغرض القطع بعدم الفعل وهذا يناسب قوله تعالى (لا ريب فيه) .
*ما دلالة استخدام إسم الإشارة للبعيد (ذلك) في مطلع سورة البقرة ؟(د.حسام النعيمى)
((1/87)
ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) بينما في آيات أخرى جاء إسم الإشارة القريب "هذا" كما في قوله تعالى في سورة الإسراء (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9))؟ ونقول أنه تعالى عندما قال (ذلك الكتاب لا ريب فيه) ثم دعا من يستطيع أن يأتي بمثله وهذا أمر بعيد الحصول وفيه إشارة إلى أنهم لن يستطيعوا أن يصلوا إليه أصلاً. أما استخدام إسم الاشارة "هذا" فجاء مع الهدى لأن الهداية ينبغي أن تكون قريبة من أفهام الناس حتى يفهموا ويعملوا. أما في التحدي قيستعمل "ذلك" لأنه صعب الوصول إليه. ونلاحظ أيضاً أن الآية (23))) جاءت مناسبة لما جاءفي أول السورة (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) ومرتبطة بها حيث نفى الريب عن الكتاب في بداية السورة ثم جاءت هذه الآية (وإن كنتم في ريب) فكأنما هذه الآية جاءت مباشرة بعد الآية في بداية السورة هذا الكتاب لاريب فيه، وإن كنتم في ريب.
آية (25):
* في سورة البقرة يقول تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ (25)) وفي الكهف يقول (تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ (31)) فما الفرق؟(د.فاضل السامرائى)(1/88)
فى سورة البقرة (من تحتها) الكلام عن الجنة (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) وفى سورة الكهف(من تحتهم) يتكلم عن ساكني الجنة المؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31). إذا كان الكلام على المؤمنين يقول (من تحتهم) وإذا كان الكلام على الجنة يقول (من تحتها). قد يقول بعض المستشرقين أن في القرآن تعارض مرة تجري من تحتها ومرة من تحتهم لكن نقول أن الأنهار تجري من تحت الجنة ومن تحت المؤمنين ليس فيها إشكال ولا تعارض ولكن الأمر مرتبط بالسياق.
*ما الفرق بين (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ {25}البقرة) – (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ{100} التوبة) ؟(د.أحمد الكبيسى)(1/89)
خمس وثلاثون آية في القرآن تقول من تحتها الأنهار الجنات في الدنيا والآخرة يتكلم رب العالمين عن جنات في الدنيا فرعون وغيره (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي{51} الزخرف) كثير في الدنيا والآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار لكن مرة واحدة في سورة التوبة جاءت (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ{100} التوبة) تحتها الأنهار من غير (من)، ما الفرق؟ تجري من تحتها الأنهار يعني على الكورنيش يعني أنت بيتك على الكورنيش على النهر على فرات على دجلة وهي في الحقيقة من أعذب السكن أن يكون بيتك على شاطئ نهرٍ عذب، الفرات والنيل ودجلة وكثير هذه تجري من تحتها كما قال فرعون (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) يعني أنا أطلع من بيتي على النهر على طول على النيل هذا من تحتك فأنت بيتك منذ أن تخرج من باب البيت على النهر على طول هذا من تحتك لو فرضنا أن لك قصر داخل الماء تصور ماذا يعني أن يكون لك قصر في الماء؟! هذا قصر مشيد فقط لهذه الزمرة الأنصار والمهاجرون والذين اتبعهم بإحسان هؤلاء يوم القيامة الذين قال عنهم الله (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ثمن هذا الرضى ونتائجه أن الله يجعل بيوتهم وجناتهم داخل الماء وطبعاً الملوك أحياناً يعمل القصر داخل الماء هذا بحاجة إلى تكاليف هائلة لكي ترسي قواعده وهذا في العالم كله موجود. فالذي بيته داخل الماء يقال تجري تحته الأنهار، إذا كان على الكورنيش يعني هو على اليابسة لكن مباشر على الماء يقال تجري من تحته الأنهار.(1/90)
إذاً هذا الفرق بين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) وبين (تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ) فهذه الزمرة العظيمة الأنصار والمهاجرون والذين اتبعوهم الذين هم الرضوانيين أصحاب بيعة الرضوان ثلاث أصناف هم قمة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المقدسون الذي حبهم فرضٌ وكرهم نفاق كما قال تعالى في القرآن كرههم نفاق قال هؤلاء تجري تحتهم الأنهار من حيث أن بيوتهم داخل الماء.
*قال تعالى في سورة النساء (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)) وفي سورة البقرة (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25))ذكر الباء في الآية الأولى (بأن) وحذفها في الثانية (أن) مع أن التقدير هو (بأن) لماذا؟(د.فاضل السامرائى)
لأن تبشير المنافقين آكد من تبشير المؤمنين. ففي السورة الأولى أكّد وفصّل في عذاب المنافقين في عشرة آيات من قوله (ومن يكفر بالله وملائكته). أما في الآية الثانية فهي الآية الوحيدة التي ذكر فيها كلاماً عن الجزاء وصفات المؤمنين في كل سورة البقرة. إذن (بأن) أكثر من (أن) فالباء الزائدة تناسب الزيادة في ذكر المنافقين وجزاؤهم.
وقال تعالى في سورة الأحزاب (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)) لأنه تعالى فصّل في السورة جزاء المؤمنين وصفاتهم.
* ما دلالة المطهّرون و المتطهرين ؟(د.فاضل السامرائى)(1/91)
الذي يبدو والله أعلم أن المطهّرون هم الملائكة لأنه لم ترد في القرآن كلمة المطهرين لغير الملائكة، والمُطهّر اسم مفعول وهي تعني مُطهّر من قِبَل الله تعالى. بالنسبة للمسلمين يقال لهم متطهرين أو مطّهّرين كما في قوله تعالى (اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) البقرة) و(وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)) ومتطهرين أو مطّهّرين هي بفعل أنفسهم أي هم يطهرون أنفسهم.
لمّا وصف الله تعالى نساء الجنة وصفهم بقوله تعالى (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) البقرة) فلم ترد إذن مطهّرون إلا للملائكة ولذلك هذا المعنى يقوّي القول أن المقصود في الآية الكتاب المكنون الذي هوفي اللوح المحفوظ وليس القرآن الذي بين أيدينالأكثر من سبب والله أعلم.
*ما دلالة البناء للمجهول فى قوله تعالى(رُزِقوا)؟(د.فاضل السامرائى)
الله تعالى ينسب النعمة والخير إلى نفسه ولا ينسب الشر لنفسه (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً {83} الإسراء). أما في الجنة حيث لا حساب ولا عقاب يقول تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {25} البقرة).
آية (26):(1/92)
*(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (26) ما المقصود بـ (فما فوقها)؟ القدامى يفسرون هذه الآية أنها دلالة على قدرة الله تعالى وفي دراسة علمية حديثة تبين أن فوق البعوضة جرثومة صغيرة لا ترى بالعين المجردة فهل هذا ما كان يُقصد بالآية أن ما فوقها هو هذا الكائن الحيّ؟(د.فاضل السامرائى)
هنالك أشياء تعيش على البعوضة وقد ثبت علمياً هذا. على أي حال من أبرز التفاسير قالوا فما دونها وقالوا فما فوقها في الدلالة يعني يذكر البعوضة وغيرها فلا يستحي أن يضرب بعوضة فما فوقها في الإستدلال على الأشياء التي يريدها وليس بالضرورة أن تكون (فما فوقها) يعني ما أكبر منها وإنما ما فوقها في الاستدلال فهذا يشمل ما هو أصغر من البعوضة وما هو أعلى من البعوضة كالذباب.إذن (فما فوقها) يقولون في الاستدلال على قوة الله وقدرته والحكمة في مظاهر القوة والاستدلال فتكون عامة لما ذكر ولما لم يذكر، لما ذكر وأشار إليه الأخ السائل ولغيره.
*(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (26) البقرة) ما معنى فما فوقها؟ هل هو بمعنى دونها؟(د.فاضل السامرائى)(1/93)
كلمة فوق قد تستعمل للزيادة في الحجم أكبر منها أو الزيادة في الوصف لما تقول هو حقير وفوق الحقير يعني هذا دون هذا، فوق الحقير هو دون الحقير. إذن (فوق) فيها أمرين في الوصف إذا قلنا فوق سيصبح ترقي إلى أسفل وإذا في المدح سيكون أعلى هو كريم فوق الكريم والخسيس فوق الخسيس. إذن فوقها جمعت أمرين متناقضين تماماً لما قال (فما فوقها) سواء كان في حجمها أو في صفاتها، الآن جمع أمرين سواء في الحجم ضرب مثلاً في العنكبوت (كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ (41) العنكبوت) والذباب (وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا (73) الحج) لا يستحي، وما فوقها بمعنى ما دونها في الصفات. إذن فما فوقها جمعت أمرين لو قال فما دونها لا تجمع الأمرين. نقول هو لئيم وفوق اللئيم أي أسوأ منه.إذن فما فوقها في الصفات وفي الكبر والحجم.
استطراد من المقدم: كيف نفهم فما؟ (فما) بمعنى الذي فوقها ولا يفهم منها أن ما دونها غير مخصوص بالكلام. فما فوقها تجمع أمرين وأصلاً فوق في اللغة تأتي بهذين المعنيين وهي ظرف.
* ما تفسير قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (26) البقرة)؟(د.حسام النعيمى)
قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26)) يقول علماؤنا أن هذه الآية نزلت بعد أن تكلم بعض يهود وبعض المشركين على الأمثال التي يضربها القرآن الكريم وعلى ذِكر بعض مخلوقات الله سبحانه وتعالى: ذكر الذباب فى سورة الحج، بعض يهود قالوا هذا كلام لا يقوله الله سبحانه وتعالى وما هذه الأمثلة؟ وهو نوع من المعاندة(1/94)
هذا المثل لما يضربه القرآن نوع من التوضيح. هذه الآيات جاءت بعد ضرب مثلين في القرآن الكريم للمنافقين (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) البقرة)، (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) البقرة) ضرب مثلين. نحن لو نظرنا في المثل: أولاً المثل مستعمل عند العرب وفيه حكمة بالغة أي يؤدي رسالة وكثير من أبيات المتنبي صارت أمثالاً "مصائب قوم عند قوم فوائد" عبارة هي صغيرة لكن تعطي صورة فالقرآن الكريم يستعمل هذه الأمثال. أما كون أن الله سبحانه وتعالى ذكر الذبابة وذكر العنكبوت والبعوضة، لو فكّر الإنسان وتمعّن هل البعوضة شيء سهل؟ أولاً المراد بالبعوضة هي صِغار البقّ لأنها بعض البقّ وسميت بعوضة من البعضية التي هي الجزئية. القرآن كأنه يريد أن يقول: الله سبحانه وتعالى لا يُحجم عن ذكر هذه الأشياء، لأن كل واحدة من هذه الأشياء لو تفكرت فيه لسجدت لله سبحانه وتعالى لعظيم صنعه. البعوضة هي أصغر ما يعرفه العربي حتى عندنا الآن ما معروف أصغر من البعوضة. الذبابة كبيرة، البقة كبيرة، هذا صغار البقّ صغير جداً أصغر منه لا يعرفه العربي من الأحياء، فلما يقول الباري (إن الله لا يستحي) أي لا يتحرج ولله المثل الأعلى أن يضرب مثلاً ما، أيّ مثل، مطلق بعوضة فما فوقها. هي بالنسبة للعربي ولنظرنا اليوم لا نعرف في حياتنا الاجتماعية خلقاً لله سبحانه وتعالى أدق من التي تسمى البعوضة (البقّة هي كبيرة يمكن أن ترى وتنقل الملاريا) البعوضة أصغر أصغر من البقّة حتى أحياناً تكون بقدر خرطومها لصغرها.(1/95)
لكن بعض العلماء (فما فوقها) يقولون المقصود ما هو دونها ونحن لا نميل إلى هذا وإن كانت اللغة تحتمل ذلك، تقول "فلان جاهل" فيقول آخر: "وفوق ذلك" يقصد دون ذلك، فما فوقها أي مما فوقها من البعوضة إلى البقة إلى الذبابة إلى العنكبوت إلى الطير ، كل واحد من هذه المخلوقات لو تفكر فيها الإنسان يسجد لله سبحانه وتعالى لعجيب صنعه تبارك وتعالى فغير مستغرب أن يضرب الله هذه الأمثال.هذا معنى ضرب المثل (بعوضة فما فوقها) لا نُغلِّط الذي يقول فما تحتها لكن نرجح نختار فما فوقها أي فما فوقها لأن العربي لا يعرف شيئاً دون البعوضة ونحن الآن هذه حالنا.
الحياء – ولله المثل الأعلى – هذا كلام الله عز وجل، الحياء في اللغة حالة في نفس الإنسان تجعله يُحجِم عن شيء، يحجم عن كلام إستحياء لا يتكلم أحياناً، عن فعل ينوي أن يفعله أو فعل شيئاً إذا وُجه فيه يصيبه الحياء. هي حالة نفسية لكنها لا تنطبق على الباري سبحانه وتعالى وإنما لأنه يستعمل الطريقة التي يتكلم بها العرب فيُفهم من ذلك أن كتاب الله تعالى يرد فيه من غير إحجام ومن غير تردد ذكرٌ لهذه الأمثال. إذا ضرب هذا المثل المؤمن الواعي المدرك يعلم أنه حق لأنه سيتفكر.أما الذين كفروا (فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا) فيرد عليهم القرآن (يضل به كثيراً) هذا المثال يكون سبباً للإضلال وسبباً للهداية. المؤمن لما يتفكر يهتدي وغير المؤمن أو الفاسق كما عبّرت الآية (وما يضل به إلا الفاسقين) الفاسق الخارج من طبعه أو الخارج من فطرته - لأن المخلوق يولد على الفطرة.
آية (27):
*(الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ (27) البقرة) تأمل قوله تعالى (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ) انظر كيف جعل الله تعالى التخلي عن الميثاق والوعد نقضاً. فما سبب اختيار لفظ النقض في هذه الآية؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/96)
إن النقض يدل على فسخ ما وصله المرء وركّبه فنقض الحبل يعني حلّ ما كنت قد أبرمته وقطعك الحبل يعني جعله أجزاءً ونقض الإنسان لعهد ربّه يدلك على عظمة ما أتى به الإنسان من أخذ العهد وتوثيقه ثم حلّ هذا العهد والتخلي عنه فهو أبلغ من القطع لأن فيه إفساداً لما عمله الإنسان بنفسه من ذي قبل.
*ما وجه الاختلاف بين قوله تعالى(وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ {26} الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {27} البقرة) - (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {25} الرعد)(د.أحمد الكبيسى)(1/97)
في قوله تعالى (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ {26} الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {27} البقرة) تنتهي بقوله (أولئك هم الخاسرون)، نفس الآية في سورة الرعد (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {25} الرعد) هنا تنتهي (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) فلماذا في النقض الأول في البقرة قال أولئك هم الخاسرون والنقض الثاني في الرعد قال أولئك عليهم اللعنة ولهم سوء الدار؟ الخطاب في البقرة لبني إسرائيل وبنو إسرائيل من حقهم بل من واجبهم أن يتّبعوا سيدنا موسى وهم اتبعوا سيدنا موسى إلا أنهم حرّفوا في هذا الدين، المهم أنهم على شريعتهم وعلى ما أوجب الله عليهم من إتباع التوراة وما جاء به سيدنا موسى عليه السلام وعندما حرّفوا حرّفوا ضمن المشروع، ضمن هذا الدين فرب العالمين قال هؤلاء الذين نقضوا الميثاق. والميثاق هو الذي أخذ الله به على البشرية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} الأعراف) الميثاق الذي أخذه الله على كل بني آدم أنني أنا الله لا إله إلا أنا وقالوا بلى، فمن كفر بعد ذلك فقد نقض الميثاق.(1/98)
الميثاق الثاني للأنبياء جميعاً وأممهم أن يؤمنوا بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ {81} آل عمران) هذان هما الميثاق، جميع البشرية أخذ الله عليها هذا الميثاق، بعض البشرية حرّفوا ونقضوا هذا الميثاق إما كُلاً أو جزءاً، جزءاً هم بنو إسرائيل ولهذا الله قال أولئك هم الخاسرون نقضوا بعض ما جاء به سيدنا موسى ولم يتبعوه وحرفوه وإلى هذا اليوم هم يتّبعون هذا التحريف والله قال هم خاسرون لأنهم لا يزالوا أتباع سيدنا موسى، هذا في سورة البقرة. في سورة الرعد خطاب للمسلمين المسلمون إذا نقضوا العهد وتركوا الإسلام وحرفوه واتبعوا ما جاء به بنو إسرائيل (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) فانحراف بني إسرائيل جزئي، انحراف المسلم الذي يترك دينه ويتبع ما جاءت به التوراة في تعليماته في أوامرها في ولائه لهم في خدمته لهم (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) فاليهود الذين حرّفوا (أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) لأنهم ضمن دينهم. المسلمون الذين حرّفوا تبعاً لإرادات اليهود ومشيئتهم وهذا في التاريخ كثير (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ). هؤلاء اليهود صنعوا من المسلمين فرقاً فرقاً أعدى ما تكون للإسلام نفسه (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).
*ما دلالة كلمة (خلفك) وما الفرق بينها وبين (بعدك) ؟(د.فاضل السامرائى)(1/99)
بعد نقيضة قبل وأظهر استعمال لها في الزمان. أما خلف فهي نقيضة قُدّام (وهي في الغالب للمكان) هذا من حيث اللغة. والخلف في اللغة هوالظهر أيضاً.
أحياناً لا يصح وضع إحداهما مكان الأخرى فلا يمكننا أن نضع خلف مكان بعد ففي هذه الآيات لا يمكن أن تحلّ خلف محل بعد (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) البقرة) (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) البقرة) (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) البقرة) (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) البقرة) (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) البقرة) (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ (230) البقرة) (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) آل عمران) لأن كلها متعلقة بالزمان.(1/100)
أما خلف فهي في الأصل للمكان، (ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) الأعراف) (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) يس) (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) البقرة) (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) النساء) أي يلونهم مباشرة كأنهم واقفين خلفهم.
آية (28):
*(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ (28) البقرة) بدأت الآية بأسلوب استفهام فاستعملت إسم الاستفهام (كيف) الذي يدل على الحال إلا أن الاستفهام قد يخرج عن معناه إلى معان أخرى يدلك عليها الكلام فما غرض الإستفهام في الآية؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن الاستفهام الحقيقي يحتاج إلى جواب فإذا سألك أحد كيف حالك؟ قلت الحمد لله وهذا جواب لسؤاله أما إذا قلت لولدك وهو يضيع وقته أيام الامتحانات كيف تضيع وقتك على التلفاز هل تنتظر منه جواباً؟ وكذلك قوله تعالى(كيف تكفرون)هواستفهام ولكنه خرج إلى غرض آخر وهو التعجب والإنكار.
*ما الفرق بين (ثُمّ) و(ثَمّ) في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)(1/101)
ثُمّ بضمّ الثاء هي حرف عطف تفيد الترتيب والتراخي كما في قوله تعالى في سورة البقرة (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {28}) وسورة الكهف (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً {37}).أما (ثَمّ) بفتح الثاء فهي إسم ظرف بمعنى هناك كما في قوله تعالى في سورة الشعراء (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ {64}).
*(وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) البقرة) - (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) البقرة) - (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ (55) آل عمران) - (وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ (43) غافر)ما وجه الاختلاف بين دلالات هذه الخواتيم؟(د.أحمد الكبيسى)(1/102)
ما الفرق بين ردّ ورجع وكلاهما في نفس السياق؟ ما الفرق بين (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) وبين (مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ)؟ الرجوع عندما كنت تعرفه مقدماً أنت مسافر من هنا من دبي إلى الشام وأنت ناوي ترجع هذا رجوع يعني أنت أصلاً مقرر من ساعة ما إنطلقت من النقطة التي انطلقت منها أنت ناوي إلى الرجوع هذا رجع، وحينئذٍ كل مؤمن يؤمن بأننا سوف نرجع إلى الله عز وجل بعد أن نموت هذا رجوع. لكن واحد انطلق من دبي إلى الشام ومش ناوي يرجع كان مهاجراً ليس في خطته ولا في خريطته أن يعود انتهينا عوده يعني نهائي مهاجر كما يهاجر الكثيرون ولأمر ما أجبره على العودة هذا يسمى ردّ ولهذا فرق بين (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ) وبين (رددناك إلى أمك)، رددناك هذه أم موسى وضعت الطفل في صندوق والصندوق في نايلون وترميه في البحر ولا تعرف أين ذهب؟ قطعاً ولا في بالها أن هذا سيعود انتهى فلما الله قال (إِنَّا رَادُّوهُ) على خلاف ما ظننتي. (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) و (مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ) كل مؤمن بالله يقول لك أنا سأموت وأبعث مرة ثانية فهذا مرجعه إلى الله وهناك من الناس من لا يعرف قال لك لا خلاص انتهت الدنيا ما في رجعة ما في عود هذا ردّ. فالرد إذاً إجبار الآخر على العودة والعودة أنواع. هناك العودة رجوع هناك العودة رد هناك العودة أوبة (إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) ص) آب إلى آخره.(1/103)
حينئذٍ الفرق بين الرد والرجعة أن الردّ لم يكن محسوباً ولا في الخطة وإنما أكرهت عليه لأمر ما ولم يكن في الحسبان بخلاف الرجوع من ساعة ما انطلقت أنت في خطتك أن تلجأ إلى النقطة التي، اثنين الرجوع لا يشترط أن يكون بنفس الطريقة الذي ذهبت منه أنت ذهبت بالطائرة من دبي إلى القاهرة لكن رديت بالسيارة عن طريق الأردن وكذا إلى آخره إلى أن وصلت إلى دبي فيقال رجع فالرجوع لا يشترط أن تعود من نفس الطريق، الردّ لا (فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64) الكهف) (آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) الكهف) قال نحن أضعنا الطريق (فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا) على نفس الطريق فالرد على نفس المكان الذي جئت منه.
سؤال: ولذلك قال تعالى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ (228) البقرة)؟
بنفس الطريقة وإلى نفس المكان وإلى نفس الغرفة وإلى نفس الحضن هذا الردّ. دقة القرآن الكريم معجزة وخاصة المتشابه هذا.
استطراد: شيخ تذكرت الآية الكريمة (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ(281) البقرة) هذا أواخر ما نزل والغريب أن أول ما نزل أيضاً (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) العلق) .(1/104)
أكيد طبعاً هذا من آمن بذلك ولهذا من البدايات كان هناك من يعتقد بالرجعى ومن لا يعتقد بالرجعى وإلى هذا اليوم ولهذا كلمة الرد رد فلان إذا كان الرد رد كما أخبرنا أستاذ فؤاد أن هناك رد جميل وهناك رد غير جميل كريه أو لئيم إذا رديت رد كريم يقال (ردّ إلى) فرددناه إلى أمه رد جميل جداً ورد كريم ورد مسعد ومفرح إذا رد محزن فبـ(على) (يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) آل عمران) ولهذا كلمة الرِّد بكسر الراء الرِّد هو المعقل أو المعين أو الحصن أو المرجع الذي يدافع عنك (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي (34) القصص) يعني قوياً أو من يدفع عني ويدافع عني حينئذٍ كلمة ردّ بعلى رداً حزيناً أو كريهاً وردّ إلى رداً جميلاً، هذا عن الموضوع الثالث.
آية (29):
*ما تفسير قوله تعالى في سورة البقرة (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29))؟(د.حسام النعيمى)
لعله أشكل على السائل فكرة (سواهن). اولاً (خلق لكم) هذه اللام كأنها للمِلك فالله سبحانه وتعالى يخاطب هذا الإنسان حتى يرى كيف أكرمه الله عز وجل أنه خلق من أجله كل ما في الكون لأجله. علماؤنا يقولون أن هناك شيئان في الكون هو لأجلك بعضه لتنتفع به مباشرة كالماء والنبات والحيوان وبعضه للإعتبار (أولم يتفكروا في خلق السموات والأرض) هذا أيضاً لك حتى يحوزك إلى الإيمان فإذن (خلق لكم) أي لأجلكم للإنتفاع أو للإعتبار.
((1/105)
ثم إستوى إلى السماء) المفسرون يقولون إستوى أي عمد إلى خلقها. ثم عمد إلى خلق السماء بإرادته سبحانه وتعالى (الإستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب).ثم عمد إلى خلقها وهذا نوع من التأويل المقبول الآن نحن بحاجة إليه لأننا نترجم التفسير القرآني إلى الآخرين.يقول السماء لفظها لفظ الواحد وكل ما علاك فهو سماء. لكن معناها معنى الجمع ولذلك قال (فسواهن سبع سموات) إشارة إلى تفصيلاتها.
*لِمَ قال تعالى (فسواهنّ) ولم يقل خلقهنّ ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لأن التسوية خلقٌ وبناءٌ وتزيين أما كلمة خلق فهي تدل على الإيجاد والبناء ولو تأملت السموات لرأيت بدعة الخلق ودقّته ونظاماً لا يختلُّ ولا يغيب.
آية (30):
*ما دلالة الصيغة الإسمية فى الآية(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30) البقرة)؟(د.فاضل السامرائى)
معلوم كما هو مقرر في البلاغة وفي اللغة أن الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد والإسم أقوى من الفعل، هناك فرق بين أن تقول هو متعلم أو هو يتعلم وهو يتثقف وهو مثقف، هو يتفقه وهو فقيه، هو حافظ أو هو يحفظ من الثوابت في اللغة أن الإسم يدل على الثبوت في اللغة حتى لو لم يقع. في البلاغة عموماً يذكر أن هذا أمر ثابت تذكره بالصيغة الإسمية قبل أن يقع، تسأل مثلاً هل سينجح فلان؟ فتقول: هو ناجح قبل أن يمتحن لأنك واثق أنه ناجح كما قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30) البقرة) (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37) هود) لم يقل سأغرقهم. هذا في التعبير أقوى دلالة من الفعل. الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد. فإذن في سورة الحديد قال (فالذين آمنوا) صيغة فعل وفي الإسراء (ويبشر المؤمنين) فالصيغة الإسمية أقوى.(1/106)
*(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) البقرة): هل من فارق بين نقدس لك ونقدسك؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الفعل يقدس فعل متعدي يأخذ مفعولاً به دون حرف الجر اللام فنقول نقدس الله لكن الآية أدخلت اللام على الكاف فما فائدة هذه اللام؟ فائدتها للتخصيص أي التقديس لك لا لغيرك. فالملائكة لا تعصي الله ما أمرها فهي لا تقدس إلا لله بخلاف البشر الذين قد يقدسون الله ومع تقديسهم لله قد يقدسون غيره.
*من أين علمت الملائكة أنه سيكون هناك إفساد في الأرض (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ)؟(د.حسام النعيمى)
أولاً كلمة خليفة فيها كلام من علماؤنا :
القول الأول وعليه أغلب المفسرون أنه خليفة الله عز وجل في الأرض أي أن الله سبحانه وتعالى أوكل إليه أن يعمر الأرض، هو يتولى إعمارها أن يبني هذه البيوت وهذه العمارات أن يشق الأنهار هذه أفعال لا يفعلها من مخلوقات الله شيء لا الجن يفعلها ولا الطيور ولا الدواب ولا الملائكة إلا إذا كلفهم الله عز وجل أن يفعلوا شيء فيفعلونه فهذا المخلوق، هذا الإنسان زود بوسائل بحيث يستطيع أن يقوم بالأعمال التي هيأه الله عز وجل لها فيكون خليفة الله عز وجل في أرضه فيعمر الأرض وليس هناك من مخلوقات الله سبحانه وتعالى من يصنع والتصنيع في اللغة هو الخلق. فهذه الأرض موجود فيها الأشياء وليس هناك في خلق الله سبحانه وتعالى من يجمع هذه الأشياء ويجعل منها حاسوب إلا هذا الإنسان فهو مُصنِّع في الأرض وهذه لا تكون بكلمة كُن فيكون الإلهية.وهو ما يميل إليه الدكتور فاضل السامرائى أيضاً.(1/107)
القول الثاني يقول ممكن أن يكون هناك خلق قبلنا فهذا المخلوق الجديد آدم هو خلفٌ لذلك الخلق الذي قبلنا.
القول الثالث أنه خليفة أي يخلف بعضهم بعضاً فيتوالد ويتكاثر. هذه الآراء جميعاً هي لكبار علمائنا لا نجادل فيها لأنه أمر غيبي انتهى خلق الإنسان. والإنسان الآن يعمل والجدل فيه لا يثمر.
قول آخر قسم من العلماء يقولون المراد الأنبياء وبقية البشر تبعٌ لهم لأن الأنبياء يبلّغون شرع الله ويبلّغون رسالاته فهم بهذا المعنى خلفاء، أنهم ينقلون شرع الله عز وجل، هذا المعنى وهذا المعنى تحتمله اللغة ولا مساس فيه بالإعتقاد خليفة يخلف بعضهم بعضاً هذا الكلام وارد في الغة لكن سياق الآية لا يُسعف في هذا لأن سياق الآية الكلام عن آدم قال إني جاعل في الأرض خليفة فتساءل الملائكة ما هذا الخليفة ولم يعترضوا على الله سبحانه وتعالى؟ ما شأنه؟ للإستفسار فقط والكشف يريدون كشفاً.
من أين علمت الملائكة أن هذا المخلوق الجديد سوف يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟(1/108)
لعلمائنا أكثر من قول في علم الملائكة لطبيعة هذا المخلوق وكلها محترمة. وأولها: وهو الذي يميل إليه عدد من العلماء وأكاد أجد اطمئناناً إليه ولا أنفي الباقي وهو أن الحوار في القرآن مختصر كأن الله عز وجل حين قال (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) كأن الملائكة سألت ما شأن هذا الخليفة؟ ما الخليفة هذا؟ لأن كيف يقولون (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) وهم خالي الذهن؟ فكأنما سألوا ما هذا الخليفة؟ ما شأنه؟ فقال الله عز وجل أن هذا مخلوق له ذرية، من هذه الذرية من سيسبحني ويعبدني ويقدسني ومنهم من سوف يفسد، يسفك الدماء، ومن هنا نفهم لماذا ذكروا تسبيحهم (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فإذا كان هناك من سيسبح ويقدس من هذه الذرية نحن نسبح ونقدس، والقسم الآخر مفسد يسفك الدماء فما الداعي لإيجاده؟ إذا كان هم صنفان: من يفسد فيها ويسفك الدماء، ومن يقدس لك ويسبح، نحن - أي الملائكة - نقدس ونسبح فألغي هذا الثاني. مجرد سؤال أو مقترح فنلاحظ سؤال المؤدب سؤال الملك (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) فهذا الصنف سيفسدون والصنف الآخر المسبحين نحن نعوض (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) هذا الرأي الأول وقد مال إليه عدد من كبار علمائنا من المفسرين.(1/109)
الرأي الثاني يقول لعله لديهم تجربة سابقة من خلق إنسان سابق أو مخلوق سابق أفسد وسفك دماءً فقالوا هذا سيفعل كما فعل الذي قبله، وخلق إنسان سابق فيه نظر وليس لدينا دليل وقد يكون، لكن الذي حقيقة يطمئن إليه القلب هو أنه هذا الحوار الذي حدث حتى بعض العلماء يسأل ويقول ما الداعي إلى أن الله سبحانه وتعالى يحاورهم؟ ويجيب أن الله سبحانه وتعالى يذكر لنا ذلك في القرآن حتى يعلمنا المشورة والمشاورة فلا ينفرد الحاكم برأيه. فرب العزة يشاور الملائكة ويحدثهم ويذكر لنا هذا الأمر أنه عرض على الملائكة وقال لهم سيكون كذا فقالوا له: يا رب ما شأنه؟ قال: هذا شأنه منه من يسفك الدماء ويفسد ومنه من سيسبحني ويقدسني. وهذا واقع الحال فالبشر الآن منهم من يفسد فيها ويسفك الدماء ومنهم من يسبح الله عز وجل ويعبده.
لما الباري عز وجل عرض على الملائكة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) لأنهم مشتغلون في الأرض، مهمتهم في الأرض فعرض عليهم، لا يعقل أنه عرض على كل ملائكة السماء والكون وإنما على فئة لها شغل بهذا المخلوق الجديد وبمكانه فإبليس كان من ضمن هؤلاء ليس ملكاً لكن من ضمن الذين لهم شغل لذلك كُلّف مباشرة (ما منعك أن تسجد إذ أمرتك) أُمِر مباشرة بالسجود.
*(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) البقرة) كيف عرفت الملائكة أن هذا المخلوق سيفسد في الأرض؟(د.فاضل السامرائى )(1/110)
مما ذكر أنهم احتمال أنهم اطلعوا على اللوح المحفوط واللوح المحفوظ كتب فيه كل شيء وما يفعله البشر فرأوا ما يفعله هؤلاء فقالوا (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) هم اطلعوا إما بإخبار الله لهم أو بما اطلعوا عليه في اللوح المحفوظ.
* ما وجه الإختلاف في قصة آدم بين سورتي البقرة والأعراف؟(د.فاضل السامرائى)
قصة آدم - عليه السلام - في سورة البقرة تبدأ من أقدم نقطة في القصة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {30}) لم تُذكر هذه النقطة في أي مكان آخر في القرآن وهي أول نقطة نبدأ فيها القصص القرآني:
القصة في سورة البقرة واردة في تكريم آدم - عليه السلام - وما يحمله من العلم والقصة كلها في عباراتها ونسجها تدور حول هذه المسألة فهل كان التكريم لآدم أو لما يحمله من العلم؟
وقوله تعالى (علّم آدم) ينسحب على ذريته في الخلافة في الأرض. والخلافة تقتضي أمرين: الأول حق التصرف (خلق لكم ما في الأرض جميعا)، والثاني القدرة على التصرف وهل هو قادر على القيام بالمهمة أو لا (أثبت القدرة بالعلم). وهل الإنسان أكرم من الملائكة؟ الإنسان الصالح التقي المؤمن أكرم عند الله تعالى من الملائكة (ولقد كرّمنا بني آدم) فالله تعالى كرّم الإنسان بالعلم والعقل.
أما في سورة الأعراف فورود قصة آدم ليست من باب التكريم (قليلاً ما تشكرون) عتاب من الله تعالى على قلة شكرهم.
إفتتاح كل قصة:
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ {10}) سورة الأعراف ثم قوله تعالى (قليلاً ما تشكرون) فيها عتاب وهذا لم يرد في البقرة.(1/111)
التكريم في البقرة أكبر وأكثر مما هو عليه في الأعراف (قليلاً ما تذكرون) في الأعراف.
سياق القصة في سورة الأعراف ورد في العقوبات وإهلاك الأمم الظالمة من بني آدم وفي سياق غضب الله تعالى على الذين ظلموا (فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ {5}) القائلون في الآية بمعنى القيلولة، وفي سياق العتب عليهم (قليلاً ما تذكرون، قليلاً ما تشكرون).
في سورة البقرة جمع تعالى لإبليس ثلاث صفات (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {34}) (أبى، استكبر، وكان من الكافرين) وهذه الصفات لم تأت مجتمعة إلا في سورة البقرة لبيان شناعة معصية إبليس، أما في الأعراف فقال (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ {11}) فذكر صفة لم يكن من الساجدين فقط.
في سورة البقرة جاء الخطاب بإسناد القول إلى الله تعالى (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ {35}) والملاحظ في القرآن أنه لما ينسب الله تعالى القول إلى ذاته يكون في مقام التكريم، أما في الأعراف عندما طرد إبليس جمعهما في الكلام (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ {18} وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ {19}).(1/112)
ذكر في سورة البقرة (رغداً) (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ {35}) المناسب للتكريم في السورة بينما لم ترد في سورة الأعراف (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ {19}). كما أن الواو في (وكُلا منها رغداً) في سورة البقرة تدل على مطلق الجمع وتفيد أن لآدم - عليه السلام - حق الإختيار في كل الأزمنة بمعنى اسكن وكُل غير محددة بزمان. أما في سورة الأعراف فاستخدام الفاء في قوله (فكُلا من حيث شئتما) تدل على التعقيب والترتيب، بمعنى اسكن فكُل أي أن الأكل يأتي مباشرة بعد السكن مباشرة. فالفاء إذن هي جزء من زمن الواو أما الواو فتشمل زمن الفاء وغيرها والجمع وغير الجمع فهي إذن أعمّ وأشمل ومجئيها في سورة البقرة في مجال التكريم أيضاً فلم يقيّد الله تعالى آدم بزمن للأكل. ونسأل هل الواو تفيد الترتيب؟ الواو لا تفيد الترتيب بدليل قوله تعالى (وما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) فلو كانت الواو تفيد الترتيب لكان الكافرون أقروا بالحياة بعد الموت، وكذلك في قوله تعالى (كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك) لا تفيد الترتيب. والعلماء الذين يستندون إلى أن الواو تفيد الترتيب يعتمدون على آية الوضوء ونقول لا مانع أن تأتي الواو للترتيب لكن لا تُحصر للترتيب.
((1/113)
حيث شئتما) في سورة البقرة تحتمل أن تكون للسكن والأكل بمعنى اسكنا حيث شئتما وكُلا حيث شئتما وفي هذا تكريم أوسع لأن الله تعالى جعل لهم مجال اختيار السكن والأكل والتناسب مع الواو التي دلّت هي مطلقة فأوجبت السعة في الإختيار، أما في الآعراف (من حيث شئتما) بمعنى من حيث شئتما للأكل فقط وليس للسكن، وبما أن الفاء استخدمت في السورة (فكُلا) والفاء مقتصرة اقتضى الحصر للأكل فقط.
(فأزلهما الشيطان) في سورة البقرة ليس بالضرورة الزلة إلى محل أدنى بل يمكن أن يكون في نفس المكان وقد سُميت زلة تخفيفاً في مقام التكريم الغالب على السورة، أما في سورة الأعراف (فدلاهما بغرور) والتدلية لا تكون إلا من أعلى لأسفل إذن في مقام التكليف سماها (زلة) وفي مقام العقوبة سماها (فدلاّهما) فخفف المعصية في البقرة ولم يفعل ذلك في الأعراف.(1/114)
في البقرة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {37}) لم يذكر معاتبة الله تعالى لآدم وتوبيخه له وهذا يتناسب مع مقام التكريم في السورة حتى أنه لم يذكر في السورة إعتراف آدم ولم يقل أنهما تابا أو ظلما أنفسهما فطوى تعالى تصريح آدم بالمعصية وهذا أيضاً مناسب لجو التكريم في السورة. أما في سورة الأعراف قال تعالى (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ {22} ) في مجال التوبيخ والحساب ثم جاء اعتراف آدم (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {23}). وفي الأعراف تناسب بين البداية والإختيار (عتاب على قلة الشكر وعتاب على عدم السجود) الندم الذي ذكره آدم مناسب لندم ذريته عن معاصيهم وهذا ناسب لسياق الآيات في سورة الأعراف.
اتفق ندم الأبوين والذرية على الظلم (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {23}). ذرية (إنا كنا ظالمين) بالصيغة الإسمية الدالة على الثبوت والإصرار وجاءت (ظلمنا) بالصيغة الفعلية أي أن التوبة فعلية وصادقة وليس فيها إصرار لذا جاءت العقوبة مختلفة فتاب سبحانه على الأولين وأهلك الآخرين.(1/115)
ذكر في البقرة أن الله تعالى تاب على آدم ولم يذكر أن آدم طلب المغفرة لكن وردت التوبة والمغفرة عليه وهذا مناسب لجو التكريم في السورة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {37})، ولم تذكر في الأعراف بل ذكر أن آدم طلب المغفرة لكن لم يذكر أن الله تعالى تاب عليه (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {23}).
في سورة الأعراف (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ {11} ) وفي الآية الأخيرة من السورة (إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ {206}) نفى تعالى عن الملائكة التكبر وأكدّ سجودهم ولكن بالنسبة لإبليس في السورة نفسها نفى عنه السجود (إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) وأكدّ له التكبر (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ {13}).
في سورة الأعراف (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {17}) وفي مقدمة القصة قال تعالى (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ {10}) فصدّق عليهم إبليس ظنّه.(1/116)
في سورة الأعراف (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ {20}) اختار تعالى للتقوى كلمة اللباس الذي يواري السوءات الباطنة (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ {26}) واختيار الريش مناسب للباس الذي يواري السؤات الخارجية. وفي هذه الآيات تحذير من الله تعالى لذرية آدم ((يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ {26}).(1/117)
والإلتهاء بالمال هو الإنشغال بالوقت والقلب لذا جاءت فيما بعد (وأنفقوا مما رزقناكم) مما تفيد البعض وليس الكل فالإنفاق يكون بشيء مما رزقنا الله تعالى حتى تستسهل النفوس الإنفاق لأن الرزق لو كان من عند الناس لبخلوا به (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً {100} الإسراء) . وكلمة (رزقناكم) بعني أن الله تعالى هو الرزاق. فأنفقوا مما رزقكم الله وليس الرزق من أنفسكم أيها الناس فالله تعالى ينسب النعمة والخير إلى نفسه ولا ينسب الشر لنفسه (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً {83} الإسراء). أما في الجنة حيث لا حساب ولا عقاب يقول تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {25} البقرة).
آية (31):
* ما دلالة استعمال إسم الإشارة هؤلاء في قوله تعالى (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)) واستعماله للعاقل أو لغير العاقل؟ ولماذا جاءت عرضهم للأسماء بدل عرضها في قوله تعالى في سورة البقرة؟(د.حسام النعيمى)
هؤلاء أصلها أولاء ثم تدخل الهاء للتنبيه أو أحياناً تدخل الكاف فتصبح أولئك. الإشارة أولاء في الأصل للعقلاء لكن إذا اجتمع العقلاء وغيرهم يغلّب العقلاء فيُشار إلى المجموع بكلمة هؤلاء أو أولئك بحسب القرب والبعد هؤلاء للقريب وأولئك للبعيد.(1/118)
الأسماء التي عرضت على الملائكة لما يقول (ثم عرضهم) هو عرض هذه المخلوقات لأن الله تعالى أودع في هذا المخلوق الذي هو الإنسان (في آدم) ما يمكن أن يشغّّله ويرمز به إلى الأشياء بالأصوات، فلما عرض هذه الأشياء من العقلاء وغيرهم على آدم (حيوانات، مخلوقات، بشر من أبنائه) كان آدم وحده لكن الله تعالى كشف عنه ما سيكون له في الدنيا هذا الذي سيكون لك في الدنيا (الأسماء كلها) لأنه علّم هنا بعض علمائنا وهذا الذي نميل إليه يقول: التعليم هنا ليس بمعنى التلقين وإنما بمعنى الإقدار أي أقدره على أن سمّاها أي جعل فيه القدرة على أن يرمز لهذه الأشياء. وهذا كلام قديم وليس جديداً. عندما يتحدث البعض عن اللغة هل هي إلهام أو إصطلاح من الناس، يقول الآية لا تتناول موضع الخلاف (وعلّم آدم الأسماء كلها) يمكن أن يكون معناها أقدر آدم على وضع هذه الأسماء، جعل لديه القدرة على أن يكتشف ويخترع ويضع هذه الأصوات لهذه المسميات من العقلاء وغير العقلاء ولذلك قال عرضهم بالجمع لأن فيهم عقلاء وغير عقلاء. كيف عرضهم؟ هذا شيء في الغيب ونحن نؤمن بالغيب.. هؤلاء تشمل العقلاء وغير العقلاء وبأسمائهم عرضهم فلما أنبأهم بأسمائهم ما قال بأسمائها لأن فيها خليط من العقلاء وغير العقلاء.
*ما دلالة استخدام (أنبئونى) فى الآية و ليس (نبئونى) ؟(د.حسام النعيمى)(1/119)
هذه الظاهرة إستعمال نبّأ وأنبأ مضطردة في القرآن الكريم بحيث أننا لما نأتي إلى أفعل كما في قوله (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)) أنبأ وردت في أريعة مواضع في القرآن كله وسنجد أنها جميعاً فيها إختصار زمن، فيها وقت قصير وليس فيها وقت طويل. أما نبّأ فحيث وردت، وردت في ستة وأربعين موضعاً. لاحظ (وعلّم آدم الأسماء كلها) بمفهوم البشر التعليم يحتاج إلى وقت ولذا قال علّم ولم يقل أعلم. الأسماء كلها أي هذا الشيء إسمه كذا عذا المخلوق إسمه كذا ورب العالمين يمكن أن يقول كن فيكون. لكن أرادت الآية أن تبيّن أنه لقّنه هذه الأشياء بوقت كما أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان بإستطاعته أن يقول كن فيكون. (وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة) وذكرنا في مرة سابقة استعمال عرضهم لأن فيها العاقل وغير العاقل. (فَقَالَ أَنْبِئُونِي) لأنه هذا ما إسمه؟ فلان أو كذا وهذا لا يحتاج إلى شرح وتطويل ما قال (نبّؤني) قال(أنبؤني) لكن في مكان آخر قال (نبؤني بعلم إن كنتم صادقين) . قالوا (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)) أيضاً ما تعلّموه على وقت. (قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ) آدم هذا كذا إسمه وانتهى، وهذا؟ كذا وهذا؟ كذا. الإنباء بكل إسم على حدة لا يأخذ وقتاً ولهذا قال (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِم) (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ) واحداً واحداً لا يحتاج إلى وقت.
آية (32):
* أحياناً تختم الآيات ب(عليمٌ حكيمٌ) وفى آيات أخرى (حكيمٌ عليمٌ) فما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)(1/120)
إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدم العلم وإلا يقدم الحكمة، إذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدم الحكمة وإذا كان في العلم يقدم العلم. حتى تتوضح المسألة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) البقرة) السياق في العلم فقدّم العلم، (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) النساء) هذا تبيين معناه هذا علم، (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) يوسف) فيها علم فقدم عليم. قال في المنافقين (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) الأنفال) هذه أمور قلبية، (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) التوبة) من الذي يطلع على القلوب؟ الله، فقدم العليم. نأتي للجزاء، الجزاء حكمة وحكم يعني من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم، تقدير الجزاء حكمة (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128) الأنعام) هذا جزاء، هذا حاكم يحكم تقدير الجزاء والحكم قدم الحكمة، وليس بالضرورة أن يكون العالم حاكماً ليس كل عالم حاكم. ((1/121)
وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ (139) الأنعام) هذا تشريع والتشريه حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) الزخرف) لما يكون السياق في العلم يقدّم العلم ولما لا يكون السياق في العلم يقدّم الحكمة.
آية (33):
* ما دلالة كنتم في الآية (وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) البقرة)؟(د.حسام النعيمى)
الآية موضع السؤال (قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)) جاءت بعد الآية (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30)) ولم لم يقل في غير القرآن: يعلم ما تبدون وما تكتمون؟(1/122)
هذا الذي جرى في الملأ الأعلى يليق بذلك الموضع لا ندري على وجه التحديد ما المراد بتلك العبارات التي قيلت وما المراد بهذه الأسماء التي سُئل عنها لأن الإشارة كانت بصيغة العقلاء فما الذي عُرِض أمام اللملائكة؟ ما الذي سئل عنه الملائكة؟ ما عندنا خبر صحيح عنه، هو وقع، هناك إختبار كان للملائكة وفي الوقت نفسه كان إختباراً لآدم. لما طلب من الملائكة (فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31)) أعلنوا عجزهم وقالوا (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)) ما عندنا علم إلا الذي علمتنا إياه، عند ذلك قال تعالى (قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ) هذا الإنباء الذي بُنيَ على التعليم (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) التعليم هنا قد يراد به التلقين أن آدم - عليه السلام - لُقِّن، حُفِّظ وهو لديه في دماغه خلايا متخصصة للغة فاستقبلت هذا الذي حٌفِّظ إياه وإستطاع أن يسترجعها عندما احتاج إليها،. فبدأ آدم يتكلم ويخبر بهذه بالأسماء، إذن آدم نجح في الإختبار الذي لم ينجح فيه الملائكة لأن الملائكة غير مهيئين للخلافة في الأرض، وأهم ركيزة من ركائز الخلافة في الأرض اللغة. الملائكة عندما قالوا (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) هذا القول كان فيه شيء من الإحساس أنهم هم أفضل من هذا المخلوق، هذا في داخلهم لم يصرحوا به(1/123)
في داخلهم كأنما أحسوا أنهم أميز من هذا المخلوق ولما أُمروا بالسجود سجدوا طاعة لله. لكن لما يكون هو غير مفسد مسبح لله عز وجل وهذا المخلوق سيكون من ذريته من يفسد قد يكون داخل في نفس بعضهم أنه نحن أميز منه وأفضل منه وهذا الذي أشير إليه في (وما كنتم تكتمون) في نفوسكم شيء مكتوم في صدوركم لم تصرحوا به وما كانوا يعتقدون أنهم كتموه عن رب العزة. لما ننظر في الآية نجد حذفاً.
لما قال الله عز وجل (ألم أقل لكم إني أعلم) لأن الكلام على شمول علم الله سبحانه وتعالى العلم الشامل لكل الجزئيات ولكل دقائق الأمور، ألا نقول الله سبحانه وتعالى (يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كان كيف كان يكون) هذه كلمة قديمة لعلمائنا لبيان عظيم علم الله سبحانه وتعالى وشموله وسعته، علم الله سبحانه وتعالى شامل. هنا الكلام على شمول العلم لذا قال علماؤنا فيه حذف. لما يقول (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) الذي يعلم الغيب يعلم الشهادة من باب أولى إذن هناك حذف (أعلم غيب السموات والأرض وأعلم شهادتهما)، وأعلم ما تبدون الآن وفي المستقبل ويقابل ما تبدون وما تكتمون الآن وفي المستقبل. هي ثلاث صور: أعلم غيب السموات والأرض والحذف (وأعلم شهادتهما)، والثانية أعلم ما تبدون الآن وفي المستقبل وما تكتمون الآن وما تكتمون في المستقبل، والثالثة وما كنتم تكتمون وما كنتم تبدون في الماضي.(1/124)
ما تبدون الآن وفي المستقبل وما تكتمون الآن وفي المستقبل أعلمه وما كنتم تكتمون في الماضي وما كنتم تبدون أعلمه، غيب السموات والأرض وشهادتهما أعلمه، فإذن هو علم محيط لكن حذف من كل جملة فِعلاً: أعلم غيب السموات والأرض وأعلم شهادتهما هذه مفهومة من السياق، وأعلم ما تبدون وأعلم ما تخفون أو تكتمون الآن وفي المستقبل، وأعلم ما كنتم تكتمون وما كنتم تبدون كله في علم الله سبحانه وتعالى. إذن (كنتم تكتمون) حتى تأخذ الحيز الثالث من الكتمان وما يبدو ولذلك جاءت (كنتم) لأن تبدون في الحاضر وما كنتم تكتمون في الماضي، فالحاضر يكون للآن وللمستقبل في صيغة الإبداء ومعه الكتمان المحذوف يعني (ما تبدون وما تكتمون)، والكتمان جعله للماضي (وما كنتم تكتمون) ومعه (وما كنتم تبدون) فإجتمع ما تبدون الآن وفي المستقبل وما تكتمون الآن وفي المستقبل وما كنتم تكتمون في الماضي وما كنتم تبدون في الماضي وقبل ذلك غيب السموات والأرض وشهادة السموات والأرض.(1/125)
فإذن مجيء (كنتم) أشارت وأشعرت بهذا الحذف الموجود في المكانين حتى تستكمل صورة معرفة علم الله سبحانه وتعالى. نعلم كيف هو علم الله سبحانه وتعالى: يعلم غيب السموات والأرض ويعلم شهادتهما، ويعلم ما تبدي الملائكة الآن وفي المستقبل وما تكتم الآن وفي المستقبل، من أين علمنا تكتم؟ من ما كنتم تكتمون، وما كنتم تكتمون في الماضي وما كنتم تبدون، من أين علمنا ما كنتم تبدون؟ من وما تبدون الآن، كل واحدة صار فيها هذا الحذف. فإذن مجيء (كنتم) هو الذي أرشد إلى هذا الفهم العام الشامل الذي فهمه علماؤنا وهم يعتقدون أن العربي فهمه أيضاً. هذا التفصيل مراد لأنهم أبدوا شيئاً وكتموا شيئاً. الكلام على غيب السموات والأرض كلام عام لكن الملائكة بخصوصيتهم أبدوا شيئاً (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) هذا أبدوه وبعضهم – كما قال علماؤنا - كتم شيئاً في نفسه ما صرّح به أن هذا المخلوق الذي سيفسد نحن أكرم منه، نحن لا نفسد الآيات لم تفصح لكن ما معنى (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) في مقابل (أتجعل فيها من يفسد فيها)؟ الملائكة لا ينكرون ولا يعترضون لأنه معلوم من صفتهم عدم الإعتراض فهو شيء حاك في نفوسهم وأظهره بعضهم في العبارة فلا بد من الجمع بين الآيات والفهم في ضوء نسق الآيات ونحن لا نتألّى على الله وعلى العبارة القرآنية لكن هذا الذي يُفهم، الملائكة قالوا كلاماً، هذا الكلام لا يمكن أن يدخل في إطار الإعتراض على موقف أو حكم الله سبحانه وتعالى لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ليست لديهم القدرة على المحاجة والمناقشة هذه قدرة الإنسان خلقه الله تعالى على هذا أما هم لا يناقشون ولا يحاجون فلما ننظر في العبارة نفهم ما ذكره علماؤنا.
آية (34):
*هل كان إبليس مأموراً بالسجود لآدم؟(د.فاضل السامرائى)(1/126)
نعم أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم أمراً عامّاً (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {34} البقرة) وأمر إبليس بالسجود أمراً خاصاً (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ {12} الأعراف).
* لماذا جاء ذكر ابليس مع الملائكة عندما امرهم الله تعالى بالسجود لآدم مع العلم أن ابليس ليس من جنس الملائكة؟(د.فاضل السامرائى)
الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم في آية سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {34}) وأمر ابليس على وجه الخصوص في آية سورة الأعراف (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ {12}) فليس بالضرورة أن الله تعالى أمر ابليس بالسجود مع الملائكة لكنه تعالى أمر الملائكة بالسجود كما في آية سورة البقرة وأمر ابليس وحده بالسجود لآدم امراًخاصاً به في آية أخرى (آية سورة الأعراف).
*لماذا استخدمت كلمة ابليس مع آدم ولم تستخدم كلمة الشيطان؟(د.فاضل السامرائى)(1/127)
قال تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {34}) وفي سورة الأعراف (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ {11}) ابليس هو أبو الشياطين كما إن آدم أبو البشر وبداية الصراع كان بين أبو البشر وأبو الشياطين. والشيطان يُطلق على كل من كان كافراً من الجن أي على الفرد الكافر من الجنّ.
*ما الفرق بين اسجدوا - قعوا له ساجدين – خرّوا سجداً؟(د.أحمد الكبيسى)(1/128)
رب العالمين يقول (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا {34} البقرة) هذه آية وفي سورة ص لم يقل اسجدوا وإنما قال (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ {72}ص) يعين انتباهة هائلة من أم راضي في الشارقة. رب العالمين يقول (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {34} البقرة) في آية ص قال (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ {71} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ {72} ص) وآية أخرى (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ?{58} مريم) ما الفرق بين سجدوا وبين وقعوا له ساجدين وبين خروا سجداً؟ والله تقتضي التفريق. وفعلاً الفرق بين (سجدوا) هذا سجود اعتيادي أنك أنت قمت بعملية السجود التي نفعلها في الصلاة هذه سجود كلنا نفعل سجود كسجود الصلاة سجدنا. في يوم الجمعة من السنن أن نقرأ سورة السجدة ونحن واقفون الإمام نحن واقفون خلفه ويقرأ هو سورة السجدة ويأتي إلى قوله تعالى (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ {15}السجدة) خروا لماذا؟ ونحن واقفين ننزل رأساً إلى تحت (خروا). والخرّ هو الهبوط مع صوت من خرير الماء وهنالك فرق بين جريان الماء بلا صوت. الخرير من شلال نازل بصوت هذا خرّ (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) إما صوت البكاء مع السجود شخص قرأ آية يسجد لكن قرأ آية مؤثرة فبدأ بالبكاء وهو يبكي نزل على الأرض هبط بقوة لكي يسجد ولكن مع صوت هذا. مرة قال (خَرُّوا سُجَّدًا) ومرة قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) البكاء صوت السجود قال (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا) من التسبيح سبحان الله وبحمده. إذاً الفرق بين سجدوا وخروا سجداً هذا. الفرق بين سجدوا وخروا سجداً وفقعوا له ساجدين كنت مشغولاً.(1/129)
رب العالمين يحمل عرشه ثمانية الذين حول العرش يا الله لا يحصى عددهم! (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ {17} الحاقة) الذين يحملون العرش ومن حوله (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {75} الزمر) هذه من أعظم بشائر المسلمين (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ {7} رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {8} وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {9} غافر) يعني دعاء مستجاب لأن أكرم وأعظم وأقرب الملائكة إلى الله الذين يحملون العرش ومن حوله الحافّين. الحافون كما يقول إمام الرازي وغيره ونقل هذا عن عدة مفسرين منهم الكشاف والرازي أثنى عليه قال إن لم يكن لصاحب الكشاف إلا هذه اللطيفة أنه تذكرها لكفاه. الذين يحملون العرش ومن حوله كل واحد له طريقة عبادة، ناس واقفة هكذا من الملائكة طبعاً على اليمين وعلى اليسار وناس تسبح فقط وناس راكعة فقط يقول حوالي مئات الآلاف من الخطوط حول العرش تصور لو أردنا أن نضع رجال حول دولة الإمارت جميع الحدود كم نحتاج؟ ملايين.(1/130)
فكيف لما مليون صف؟! هؤلاء كلهم أقرب الملائكة إلى الله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) رب العالمين في هذه القضايا يخاطب هؤلاء أقرب وأحب الملائكة إليه، فلما خلق آدم قال لهؤلاء أو جزء منهم (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) أنت ألست تعبدني؟ وأنت تسبح؟ اتركوا عملكم وقعوا له ساجدين. إذاً رب العالمين يخاطب هؤلاء الملائكة المشغولون فالذي يقع هو الذي كان مشغولاً بشيء ثم انتبه. يعني واحد يشتغل أو يكتب سمع ابنه وقع أو طاح رأساً ركض عليه ترك الشغل الذي بيده لأهمية الحدث الآخر. فرب العالمين قال (فَقَعُوا) بالفاء (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) من روحي، لا يستحق أن تسجدوا له لأنه طين أو أني سويته ولكن لأني نفخت فيه من روحي (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) كلٌ ترك عمله قسمٌ منهم هو ما خاطب كل الملائكة ولكن مجموعة منهم أنتم عندما أنفخ فيه روحي رأساً فقعوا اتركوا الذي في أيديكم (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وهذا الفرق بين فقعوا له وبين اسجدوا وبين خروا.
آية (35):
*د.أحمد الكبيسى:
رب العالمين تعالى سبحانه وتعالى بعد أن تكلم مع آدم قال (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ{35} البقرة) علّمنا أن الاقتراب من الشهوة لا بد أن تدخلها هذا لما خلا بالجنة - الجنة جنة أرضية هي ليست بالسموات جنة بستان بين نينوى وبين الموصل - وحينئذٍ إياك أن تقترب من أي شهوة لأنك إذا اقتربت منها فلا بد أن تقع فيها فالعبرة الأساسية من هذه الشجرة إياك أن تقترب من الشهوة إياك (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيها) حتى لو كنت من الصالحين هكذا.(1/131)
*(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35) البقرة): نهي آدم وزوجه عن الاقتراب من الشجرة فأكلا منها ووقعا في النهي. فلِمَ قال تعالى (ولا تقربا) ولم يقل ولا تأكلا؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
نهى الله تعالى آدم عن القرب من الشجرة حتى لا تضعف نفسه عند مشاهدة ثمارها فتتوق نفسه للأكل من ثمرها ولو نهي عن الأكل لاقترب منها وعندها سيقاوم نفسه التي تريد تناول ثمارها وإما يأكل منها وإما لا يأكل أما إذا ابتعد عنها فلن تتوق نفسه إلى ثمار لم يرها.
*خاطب تعالى آدم لوحده ومرة خاطب آدم وحواء فهل كان الخطاب مرة واحدة بصيغ متعددة ؟وكيف نفهم الصيغ المتعددة في الخطاب؟(د.فاضل السامرائى)
من الذي قال أن الخطاب مرة واحدة؟. ربنا قال في القرآن (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) طه) هذا الخطاب غير ذاك الخطاب. (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا (123) طه) (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً (38) البقرة) من أدراه أن الخطاب كان واحداً؟ لما قال (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا (19) الأعراف) غير (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ (22) الأعراف) هذا وقت متغير.
*ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة (زوجك) بدل زوجتك في قوله تعالى (اسكن أنت وزوجك الجنة)؟(د.فاضل السامرائى)
لغوياً الأصل هو كلمة زوج وفي اللغة الضعيفة تستعمل زوجة. ففي اللغة يقال المرأة زوج الرجل والرجل زوج المرأة. أما استخدام كلمة زوجة فهي لغة ضعيفة رديئة فالأولى والأصح أن تستخدم كلمة زوج ولذا استخدمها القرآن الكريم في الآية.(1/132)
*ما الفرق بين الزوج والبعل ؟(د.فاضل السامرائى)
البعل هو الذكر من الزوجين ويقال زوج للأنثى والذكر. في الأصل في اللغة البعل من الإستعلاء في اللغة يعني السيد القائم المالك الرئيس هو البعل وهي عامة. بعلُ المرأة سيّدها وسُميّ كل مستعل على غيره بعلاً (أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) الصافات) لأنهم يعتبرونه سيدهم المستعلي عليهم. الأرض المستعلية التي هي أعلى من غيرها تسمى بعلاً والبعولة هو العلو والاستعلاء ومنها أُخِذ البعل زوج المرأة لأنه سيدها ويصرف عليها والقائم عليها.الزوج هو للمواكبة ولذلك تطلق على الرجل والمرأة هي زوجه وهو زوجها (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) الزوج يأتي من المماثلة سواء كانت النساء وغير النساء (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) الصافات) أي أمثالهم نظراءهم، (وآخر من شكله أزواج) أي ما يماثله. البعل لا يقال للمرأة وإنما يقال لها زوج. (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ (31) النور) يُنظر به الشخص ولا ينظر به المماثلة ولذلك هم يقولون أنه لا يقال في القرآن زوجه إلا إذا كانت مماثلة له قال (اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ (11) التحريم) لم يقل زوج فرعون لأنها ليست مماثلة له، امرأة لوط وامرأة نوح لأنها مخالفة له، هو مسلم وهي كافرة. لم يقل زوج وإنما ذكر الجنس (امرأة). لو قال زوج يكون فيها مماثلة حتى في سيدنا إبراهيم - عليه السلام - لما المسألة تتعلق بالإنجاب قال (وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ (71) هود) هذا يراد به الجنس وليس المماثلة، الزوج للماثلة والمرأة للجنس الرجل كرجل والمرأة كامرأة.((1/133)
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (6) الأحزاب) فيهن مماثلة لأنهن على طريقه وهنّ جميعاً مؤمنات وأزواجه في الدنيا أزواجه في الآخرة.
* أشار القرآن إلى الشجرة التي أكل منها آدم: هذه الشجرة وتلكما الشجرة فأين كانت الشجرة التي أشار إليها الخالق؟(د.حسام النعيمى)
كلمة الشجرة وردت في القرآن في ثلاث آيات. شجرة الجنة التي أكل منها آدم. وردت الشجرة في تحذيرهما (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) البقرة) هي قريبة منهما حتى يتعرفاها حتى لا يقول آدم وحواء أنه اختلطت عليهما بغيرها.
لما جاء إبليس لغوايتهما قرّبهما منها جلبهما إلى أن أوصلهما إليها (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) الأعراف) فإذن هما قريبان.
لكن لماذا ذاقا الشجرة وبدت لهم سوءاتهما وأحسّا بما ارتكباه، الإنسان لما يرتكب جرماً يهرب منه فابتعدا عنها فقال تعالى (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ (الأعراف)) لبعدهما أولاً ثم للتهويل من شأنها: هي شجرة كانت لمجرد التعليم أو الإختبار لا تستحق أن يقال هذه. أبعدها من حيث اللفظ ومن حيث الواقع هما ابتعدا عنها.
* ما سبب تقديم وتأخير كلمة رغدا في آيتى سورة البقرة (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)) (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58))؟(د.حسام النعيمى)(1/134)
العيش الرغد أو الأكل الرغد هو الهنيء الذي لا جهد معه. الآية الأولى الكلام مع آدم - عليه السلام - الترخيص بسكن الجنة أولاً (اسكن أنت وزوجك الجنة) ثم بالأكل من الجنة (وكلا منها رغداً) ثم بمطلق المكان (حيث شئتما) المكان مطلق غير مقيّد ثم قيّده بشجرة (ولا تقربا هذه الشجرة) هذا التقييد بعد الإطلاق هو نوع من الإستثناء كأنه قال: كلوا من كل هذه الأماكن إلا من هذا المكان. لما كان الكلام إستثناء من مكان ربط بين المستثنى والمستثنى منه، المستثنى منه (حيث شئتما) والمستثنى (قربان الشجرة) فلا بد من إتصالهما. ولو قيل في غير القرآن: كلا منها حيث شئتما رغداً ولا تقربا ستكون كلمة (رغداً) فاصلة بين المستثنى منه والمستثنى وهذا خلل في اللغة لا يجوز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه أو على الأقل فيه ضعف إن لم نقل خطأ لأن المستثنى والمستثنى منه بينهما علاقة ولا يكون هناك شيء يفصل بينهما. كأنه قيل في غير القرآن: كلا منها حيث شئتما إلا من هذا المكان. حيث شئتما إلا من هذا المكان لا يستوي أن يكون بينهما كلام لذلك قدّم رغداً مع نوع من الإهتمام بالعيش الهنيء لهما. كلا منها رغداً حيث شئتما إلا من هذا الموضع فجمع بين المكان المستثنى منه وبين المكان المستثنى الذي ينبغي أن لا يقرباه وهذا السر في تقدّم رغداً.
و قال تعالى لآدم - عليه السلام - (حيث شئتما) أثبت لهما المشيئة من أول خلقتهما.(1/135)
أما الآية الأخرى (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) أيضاً مكان (فكلوا منها حيث شئتم) المكان ثم قال (رغداً) بعد أن جمع المكانين والمعنى هنا ليس فيه إستثناء وإلا كان يقدّم، وإنما قال (وادخلوا الباب سجداً) إنتقل لموضوع آخر. هذه القرية مفتوح أمامكم جميع نواحيها للأكل الرغد، للأكل الهنيء، (ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً) جمع المكانين القرية وحيث شئتم ثم جاء بـ (رغداً) بعد ذلك. ولو قال رغداً حيث شئتم كأنه سيكون فاصل بين المكانين: القرية وحيث شئتم من دون داعي،
التوجيه الإعرابي لكلمة (رغداً): عندنا توجيهان من حيث الإعراب: بعض النحويين ابتكر مصطلح نائب المفعول المطلق لأن أصل العبارة: وكلا منها أكلاً رغداً، أكلاً مفعول مطلق ورغداً صفة للمفعول المطلق فلما حُذِف المفعول المطلق وبقيت صفته قال هذه نائب عن المفعول المطلق. ومنهم من قال لا، هي صفة لموصوف محذوف والموصوف مفعول مطلق. تستطيع أن تقول هي صفة لمفعول مطلق محذوف كأنك تبين غايتها وهدفها أنها تصف شيئاً أو تقول إنها نائب لمفعول مطلق.(1/136)
*ما اللمسة البيانية التي تضفيها كلمة رغداً خاصة أنها جاءت بعد (حيث شئتم)؟ بيان أنه من غير جهد، من غير أن تبذلوا أي جهد. هذه القرية كانت مليئة بالثمار والأشجار ترتاحون فيها إكراماً لهؤلاء من الله سبحانه وتعالى لكن مع ذلك هم قابلوه بقولهم حنطة وبدلوا (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ). لله سبحانه وتعالى حكمة في التعامل مع بني إسرائيل، لا هم سجدوا ولا قالوا حطة وإنما دخلوا القرية يزحفون على أعقابهم. مع كل هذا الإكرام (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) الإغراء في الكلام وبالتكريم ومع ذلك بدّلوا.
آية (36)-(37):
* (قال تعالى (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ (36)فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ (37)) ذكر فأزلهما، فأخرجهما بالمثنى ثم ذكر آدم عند التلقّي بالمفرد دون حواء؟ فما دلالة هذا الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى)(1/137)
هو نبي والنبي هو الذي أُنزل عليه وليس زوجه. هو النبي الذي يتلقى وليس زوجه والتبليغ أصلاً كان لآدم (يا آدم اسكن أنت وزجك، وعلم آدم الأسماء، اسجدوا لآدم، الكلام كان مع آدم والسياق هكذا قال (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) وهو نبي وهو الذي يتلقى الكلمات هذا السياق وهذا ليس تحقيراً لحواء. لو ذكرنا في طه (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)) لم يذكر حواء، (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)) لم يذكر حواء، (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (122)) لم يذكر حواء، السياق هكذا. فتلقى آدم لأن آدم هو المنوط به التواصل مع الله سبحانه وتعالى بالوحي.
* (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) قرأها إبن عباس (فتلقى أدمَ) فما وجه الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى)
هذه القراءة بالنصب (فتلقى آدمَ من ربه كلماتٌ) الكلمات فاعل. هذه القراءة بالنصب فيها تكريم لآدم تلقته الكلمات كما يُتلقى الساقط إلى الأرض لئا يهلك، تلقته الكلمات ليتوب. لم يقل فتلقت آدم من ربه كلمات لأنه أولاً (كلمات) مؤنث مجازي والمؤنث المجازي يجوز فيه التذكير والتأنيث، ثم الأمر الآخر هناك فاصل بين الفعل والفاعل لأن وجود الفاصل يحسّن التذكير وحتى لو لم يكن مؤنثاً مجازياً لو كان مؤنثاً حقيقياً جمع مؤنث سالم أيضاً بالفصل يُذكّر كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ (12) الممتحنة) ما قال إذا جاءتك، فكيف إذا كان المؤنث مجازياً؟ (فتلقى آدمَ من ربه كلماتٌ) تلقته الكلمات لأن آدم سقط ولأن المعصية سقوط فتلقته الكلمات لئلا يهلِك. مسألة تقديم وتأخير المفعول به على الفاعل جائز في القرآن.(1/138)
* ما الفرق بين استخدام الجمع والمثنى في الآيات (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (36)البقرة و(قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (123) طه؟(د.فاضل السامرائى)
الذي يوضح قراءة الآيات. في البقرة كان الخطاب لآدم وزوجه (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) في طه الخطاب لآدم(لا تظمأ، فوسوس إليه، فتشقى، فعصى آدم ربه،) فكان الكلام في طه (اهبطا) لآدم وإبليس وحواء تابعة ،إذن اهبطوا في البقرة أي آدم وحواء وإبليس.
*(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا (38) البقرة) (وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (36) البقرة)ما الفرق بين الآيتين؟(د.أحمد الكبيسى)
((1/139)
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)) (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة) لماذا في المرة الأولى (وقلنا) وفي الثانية (قلنا)؟ ولم أجد في كتب المفسرين بل حتى في إعراب القرآن تجاوزوها ولم يعربوها. بالتأمل البسيط عندما تجد واحد عصى معصية عظيمة استحق عليها العقوبة مباشرة تقول فلان فعل كذا وحكمنا عليه بكذا مباشرة يعني جاءت العقوبة على الخطيئة مباشرة. عندما تأتي العقوبة تالية للجريمة أو الخطيئة مباشرة تأتي بالواو وهذه واو التهديد والوعيد أنت عصيت وأنا أعاقبك (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) طه) جاءت العقوبة بعد المعصية مباشرة إذن (وقلنا) متعلقة بالتهديد والعقوبة، (قلنا) الثانية متعلقة بالمغفرة والتوبة والرضى إذن (قلنا) فيها غضب أنت عصيت يا آدم ونحن قلنا لك خذ (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)) فيها واو.(1/140)
الثانية (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)) استغفر آدم وكان الاستغفار كما تعرفون أن بعض العبادات تطفئ غصب الرب (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ (135) آل عمران) هذا الاستغفار يطفئ غضب الرب فلما تلقى آدم من ربه كلمات وتاب عليه قال له بسكون وتبشير (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا). إذن (وقلنا) جاءت متعلقة بغضب الله عز وجل بعد المعصية مباشرة، أما (قلنا) فجاءت بعد التوبة ورضى الله عز وجل مباشرة.(1/141)
لو انتبهنا إلى هذا لعلمنا أن أول خطيئة على وجه الأرض كانت الأكل الحرام ولهذا يقول - صلى الله عليه وسلم - : "كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به" سيدنا آدم وحواء أكلوا أكلاً منهياً عنه فأول معصية لله تعالى على هذه الأرض من بني آدم أثارت غضبه عز وجل هو الأكل الحرام وأول طاعة أثارت رحمته وشفقته ومغفرته هي التوبة والاستغفار (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) قال له قل أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه وتعرفون قدر هذه الكلمة، يقول - صلى الله عليه وسلم - : من قال قبل أن ينام ثلاث مرات أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وتكلمنا عن هذا في برنامجنا خير الغافرين في رمضان على قناة سما دبي (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ (135) آل عمران) (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) الفرقان) شرك وقتل وزنا (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان) ليس فقط مغفرة وإنما يبدل الله سيئاتهم حسنات.(1/142)
هذه الكلمة الأعجوبة (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه) بعد الكفر بعد الشرك بعد قتل النفس بعد الزنا بعد أكل الحرام ومع هذا يبدل الله سيئاتهم حسنات ولهذا رب العالمين يبتلي العبد لكي يرى تضرعه استغفار مع البكاء (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) الأنعام). حينئذ أنين المتضرعين أحب إلى الله من زجل المسبحين. إذن أول جريمة على هذه الكرة الأرضية أكل مال الحرام وأول عبادة أطفأت غضب الله تماماً هي الاستغفار والتوبة. من أجل هذا بعد معصية آدم وثار غضب الله عليه (وقلنا اهبطوا) أنت عصيتنا وقلنا اهبطوا وفعلاً هبطوا من مكان لمكان والمفسرون لهم في هذا أحكام، قطعاً الجنة جنة أرضية فيها من الخير ما يكفي الإنسان بكل حاجاته وقد يكون هبط من مكان إلى مكان من قمتها إلى ساهلها إلى أبوابها الخارجية هذا الهبوط الأول (وقلنا اهبطوا)، ثم بعد هذا بعد أن استغفر وتاب بعد يومين أو ثلاثة أو أربعة تضرع آدم وحواء واستغفروا (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا) أنت وعيالك وذريتك (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) كان يمكن أن يجعل الله تعالى لكم كلها كهذه الجنة فيها ما تشتيهه الأنفس وتلذ الأعين لكنكم أنتم عصيتم ولهذا الطرد الأول كان عنيفاً والثاني كان هداية (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)).(1/143)
هذا هو الفرق بين (وقلنا) و(قلنا) وهذه الواو تنبهنا إلى عبادة عظيمة وهي أول عبادة على وجه الأرض من بني آدم وبعد التوحيد وهي الاستغفار "ومن لزم الاستغفار جعل الله له من كل همّ فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب" مثل حبة الأسبرو ينفع في كل مرض للحمى والصداع والمغص وتخثر الدم، وهكذا هو الاستغفار أسبرو هذه الأعمال للمعصية، للرزق، يزيل الهم، يزيل الوجع (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) نوح) كل هذا بالاستغفار ولهذا يقول إبليس أهلكنا الناس بكثرة الاستغفار يتعب ويوسوس فيتوب العبد إلى الله ويستغفر ويحثو التراب على رأسه ابليس وجنوده. (اهبطا) آدم وحواء، (اهبطوا) آدم وذريته وإبليس وذريته وقبيلته (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ (27) الأعراف) كل هذه الحشرة بالواو ليس في كتاب الله العزيز حرف زائد ولا حركة زائدة الحركة آية والواو آية يعطي الله عليها عشر حسنات فإن الله يأجركم بتلاوته عشر حسنات لا أقول ألم حرف وإنما ألف حرف ولام حرف وميم حرف وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1/144)
هذه الواو موضوع كامل بين من يعصي الله ويمشي وهو غافل نعوذ بالله وبين من إذا عصى ذكر الله (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) بالاستغفار على أن تكون توبة نصوحة وأن لا تعود.
سؤال: أليس من هذا القبيل لم يقل تعالى لإبليس قلنا اخرج منها وإنما قال (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا (18) الأعراف)؟
نعم رتبه على وسوسته فقال (فقلنا).
آية (38):
* أين جواب الشرط في الآية (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {38} سورة البقرة)؟(د.فاضل السامرائى)
فإما يأتينكم : هي (إنّ وما جمعتا معاً) إنّ شرطية وما الزائدة بين أداة الشرط وفعل الشرط وجملة فمن تبع هداي هي جواب إنّ والفاء رابطة لجواب إنّ وجملة فلا خوف عليهم فهي جواب لـ(من تبع هداي).
*ما الفرق بين قوله تعالى (فمن تبع هداي)و(فمن اتبع هداي)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/145)
الفرق بين تبع وأتّبع، رب العالمين يقول (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {38} البقرة) تاء باء عين، هذا في البقرة، مثلها جاءت في طه (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى {123} طه) لماذا هنا في البقرة (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ) وهناك (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ)؟ رب العالمين يقول عن سيدنا إبراهيم (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي {36} إبراهيم) وفي مكان آخر (مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ (50) القصص) حينئذٍ دائماً إما تبعني وإما اتّبعني ناهيك عن اشتقاقاتها تَبِع زيدٌ عمراً مر به فمضى معه، يعني أنت ماشي في شارع فرأيت شخصاً واقفاً أنت مررت به ما أن حاذيته حتى صار خلفك تماماً انقياد كامل، التُبُع باللغة العربية الظل التُبع أو التُبّع الظل أنت حيث ما تسير صار ظلك معك (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا (45) الفرقان) وحينئذٍ هذا الظل يتبعك-بتسكين التاء- تماماً ولا يتّبعك- بتشديد التاء- يتبعك ما الفرق؟ يتبعك تلقائياً محاذاة كظلِّك بشكل مباشر أما يتّبعك-بتشديد التاء- فيها جهود وفيها مراحل وفيها تلكؤ وفيها مشقات وفيها أشياء كثيرة نقول أنا أتتبع المسألة حتى حللتها أو تتبعت المسألة حتى وقفت على سرها، تتبعت مرة مرتين ثلاث أربع ليل نهار هذا اتّبَع، معنى ذلك أن كلمة تَبِع إما الكفر وإما الإيمان، إما التوحيد وإما الشرك . وحينئذٍ رب العالمين حين يقول (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى) يعني التوحيد أرسلت لكم نبياً يقول اتركوا الأصنام لا إله إلا الله (أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ {6} فصلت) هذا تَبِع على طول لا يتردد مثله بالضبط.(1/146)
فلما قال (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ) هذه الشريعة أرسلت لكم شريعة حاولوا كل واحد يطبق منها ما يستطيع (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ{16} التغابن) وكل واحد على جهده وعلى قدره وعلى علمه وعلى نشاطه وعلى همته هذا إتّباع. حينئذٍ من أجل هذا نقول الفرق بين تبِع واتّبع في القرآن الكريم تبِع أنت كظل الشيء وأنت لا تكون ظل النبي إلا في التوحيد لا إله إلا الله لابد أن تكون مثل ظله، لكن إتّباع لا أين أنت وأين هو؟! كل ابن آدم خطاء وهذا معصوم وطبعاً النبي صلى الله عليه وسلم تعرفونه لا داعي أن نشرح من أجل ذلك عليك أن تفهم لما رب العالمين مرة قال تبع ومرة اتبع هذا ليس عبثاً ولهذا المفسرون لا يقولون هذا يقولون اتّبع وتبِع وأتبع (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ {78} طه) أتبعهم كان متخلفاً فلحق بهم سبقوه ( أتبع السيئة الحسنة تمحها) يعني السيئة سبقت أسبوع أسبوعين شهر شهرين فأنت أتبعها بحسنة لو كن معها بالضبط أنت ما أن أذنبت حتى تبت وأنت على الذنب يقال تبِع لكن أنت الآن لا أتبعتها هذه من زمان سبقتك وحينئذٍ (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ) وحينئذٍ نقول بأن كلمة تبِع واتّبع وأتبع في القرآن الكريم كل واحدة تعطي معنىً دقيقاً وترسم جزءاً من الصورة لا ترسمه الكلمة الأخرى فعليك أن تعلم أن هذا المتشابه من أول ما ينبغي الانتباه إليه من قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ {82} النساء). وحينئذٍ هذا الذي نتدبره تتبين أن هذا القرآن لا يمكن أن يفعله مخلوق (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا {82} النساء) كيف يمكن بهذه الدقة في كل كلمة في كل تصريف في كل فعل في كل حركة في كل صيغة ترسم صورة ثانية هذا لا يقوله إلا رب العالمين على لسان نبي. ((1/147)
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {108} يوسف) يتكلم هذا يتكلم عن الأمة نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لكن أين أعمالنا وأين النبي؟ نحن نتّبع. إذا تبِع تأتي في العقائد إما الكفر وإما الإيمان يعني أن كفر تبعت الشيطان وأن تؤمن تبعت نبيك أو من دعاك هذا الفرق بين تبِع واتّبع، اتبع أنت بمحاولات طويلة وهي قضية مخالفات الشريعة أو تطبيق الشريعة. أخطر استعمال لكلمة اتّبع هي ما جاءت في التحذير من إبليس (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ 168البقرة) ما قال تتبعوا –بتسكين التاء- هنا ما قال تكفروا إذا قالها تكون مع تتبع-بتسكين التاء- وليس تتبع –بتشديد التاء- فحينئذٍ رب العالمين يحذرنا من أن نتّبع الشيطان لا أن نتبعه، أن نتبعه إن شاء الله هذه بعيدة نتبعه نقلده في بعض الذنوب الخطيرة.(1/148)
فرب العالمين يقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) البقرة) هذا في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (208) البقرة) وفي الأنعام (وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (142) الأنعام) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) النور). (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) ما هي خطوات الشيطان؟ رب العالمين بهذا التحذير الشديد وهذا النهي القوي يعني أقوى أنواع الردع (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) ما هذه خطوات الشيطان؟؟ مجمل الآية لو تتبعنا ما يجري في هذه الأمة وقد جرى في هذه الأمة شيء تشيب لهوله الولدان من كثرة الفرق الضالة.(1/149)
هذه الفرق الضالة ما جاءت من فراغ فهي دخلت في الإسلام وآمنت بالله ورسوله واليوم الآخر على حين غرة صارت عندنا فرق كثيرة خوارج وأشكال وألوان إلى هذا اليوم ما الذي حصل؟ قال كل واحد منهم اتّبع خطوة من خطوات الشيطان، ما هي خطوات الشيطان إذاً؟ يقول إن معصية إبليس وإبليس عصى لما الله قال اسجد ما سجد قال (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) الإسراء) قال (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا (18) الإسراء) فرب العالمين لعنه وأخرجه من الجنة لأنه عصى الأمر قال أنا ما أسجد لأدم أنا فقط أسجد لله - في ظاهر الأمر أنه هذا والله زين أن هذا موحد جداً جداً جداً ولهذا لا يسجد إلا لله - لكن هذا الغبي أو المتغابي ما فرّق بين أن غير الله يأمره وأن الله يأمره. رب العالمين هو الذي أمرك قال لك اسجد لهذا الرجل فعليك أن تطيع الأمر، لو شخص آخر ملك نبي حاشاهم طبعاً قال لك تعال اسجد تقول له لا أنا لا أسجد إلا لله، الذي أمرك بالسجود رب العالمين نفسه، الذي قبِلك من عباده وكنت من عباده جعلك أنت طاووس الملائكة كيف لم تفهم كيف غاب عن فهمك أن الذي أمرك بهذا هو الله نفسه؟ وعليك أن لا تناقش ولا تجادل لو أن الذي أمرك غيره حينئذٍ لك الحق أن تقول. من أجل هذا دعواك بأنك توحد الله ولا تسجد لغيره هذه دعوة كذابة وغبية ومقصودة، فيها حسد لأنك أنت تعلم جيداً هناك فرقٌ بين الأمر من الآمِر وبين الأمر من غيره. الآمر الذي أمرك بأن تسجد لله نفسه أمرك بأن تسجد لآدم فعملت أنت عملة أني أنا والله موحد وأنا لا أحب الشرك أنت لخبطت الدنيا بهذا المكان دليل على أنك متعمد هذه الإساءة.(1/150)
صار نقاش بينه وبين الملائكة، كيف كان يحاججهم؟ يقول لهم أولاً لما خلقني وهو يعلم قبل خلقي ما سيصدر مني من ضلال والله يعلم قبل ما خلقني أني سأكون شيطاناً ومريداً وأضل الناس وأوعد وقال لأضلنهم أجمعين (وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) الحجر) فلماذا خلقني إذاً؟ هذا السؤال الأول، الثاني فلما خلقني لما كلفني بمعرفته وطاعته وهو لا ينتفع بطاعة ولا يتضرر بمعصية؟ لماذا رب العالمين قال لازم نطيعه ولا نعصيه ورب العالمين غنيٌ عن كل هذا فما فائدة أني أطيعه أو أعصيه؟ لماذا أطيعه فيكرمني وأعصيه يعذبني؟؟ ما هي فائدته هو لا ينتفع بشيء، ولما كلفني بمعرفته لما كلفني بالسجود لآدم؟ وذلك لا يزيد في معرفتي ولا عصياني، يعني أنا رجل أعطاني معرفة وأعطاني علم كوني أسجد أو ما أسجد هذا ما يزيد من معرفتي شيء ولا يقلل منها شيء، ثم عملنا كل هذا خلقني وكلفني الخ ولما ما طعت لعنني وطردني، فلماذا طرقني طريق آدم وجعلني أمشي ورائه حتى أوسوس له وأخرجه من الجنة؟ هو الذي بعثني هو قدر علي هذا، فلماذا يسر لي أن أتبع آدم وأتسلل إلى الجنة وأوسوس لآدم؟ (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى (120) طه) إلى أن قال (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ (36) البقرة) لماذا سمح لي بهذا؟ لماذا طرّقني هذا الطريق؟ ثم عملنا في آدم ما عملناه لماذا سلطني على أولاده حتى أني أنا وجنودي نراهم من حيث لا يروننا؟ لماذا سلطني هذا التسليط؟ كان ممكن يقتلني حتى بني آدم يخلصون ثم أيضاً كونه أمهلني إلى يوم يبعثون لماذا فعل هذا؟؟ يعني كل هذه أسئلة في الحقيقة يعني تجعل كأنه في الظاهر تجعل إبليس يقول والله هذا محق، رب العالمين لماذا سلطه؟؟ الخ.(1/151)
طبعاً قالت الملائكة كلمة واحدة قالت له أنت مصيبتك في كلمة لِمَ ليس لعبدٍ أن يقول لربه الله عز وجل لِمَ، إياك أن تقول لِمَ؟ الجندي الصالح لا يقول لقائده لِمَ؟ والمواطن الصالح لا يقول لرئيسه لِمَ؟ وخاصة أنهم يعرفون أن رئيسهم أو ملكهم أو قائدهم في غاية الإخلاص في غاية الوطنية في غاية القدرة في غاية حب الشعب في غاية الإنعام فلا بد أن يكون له سر وأنت في كل حركة ستسأل لم؟ أين أنت؟ مفروض أنت تنفذ ثم تسأل عن الحكمة هذا من حقك أما تقول لا أنا ما أفعل أنت رددت الأمر على الآمر.(1/152)
هناك فرق بين من يناقش وبين من يتمرد، في كل جيوش العالم المتمرد يقتل يعدم لأنه سيدمر المعركة سيدمر الخطة إذاً نقاش إبليس على هذا الشكل هذا كله نعتبره خطوة لو تأملتم كل الفرق الضالة لرأيتم أن كل فرقة تتبع خطوة من هذه الخطوات يعني هناك ناس يعتبرون كل المسلمين مشركين هو فقط الموحد وبالتالي هو يقول أنا فقط موحد أنا لا أعبد غيرك وما هي حكاية الخوارج؟ قالوا لسيدنا علي أنت كيف تحكم غير الله؟ الحكم فقط لله كما قال إبليس (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا) بالضبط نفس الخطوة، الخوارج اتبعوا خطوة من خطوات إبليس عندما ادعوا في الخارج أنهم لا يحتكمون إلا إلى الله بينما الله عز وجل قال بين الزوجين (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا (35) النساء) وقال بين المسلمين (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (9) الحجرات) ثم هذا الآمر الذي هو سيدنا علي هذا الذي أجمعت الأمة على صلاحه قال لك يا أخي تعال نعمل كذا حينئذٍ أنت اتّبعت خطوة من خطوات الشيطان كان عليك أن تسأل أن تستفسر أما أن تتمرد وتقتل عمر وتقتل عثمان وتقتل علي وآلاف الصحابة كلهم مشركون تبقى تعيث في الأمة فساداً في كل الأجيال تقتل العلماء والصالحين والأولياء وأصحاب الرأي وأصحاب العلم والله هؤلاء كلهم مشركون وأنت فقط الصواب لماذا؟؟ أنا لا أحتكم إلا لله كلكم مشركون.(1/153)
هذه خطوة من خطوات الشيطان وحينئذٍ كل فرقة ضالة تجدها في النهاية قد ارتكبت خطوة من خطوات الشيطان التي كل وحدة فيها لما فعل؟ لما فعل؟ وأنتم كلكم تعرفون هذا النقاش الفلسفي بين مرتكب الكبيرة وبين خلق الأفعال التي سالت دماء المسلمين وبين الذات وبين الصفات كلام سخيف وتافه وغبي لكن هناك من تبناه وكل جماعة اتخذت لها شعاراً وفلان وهؤلاء جماعة الفلانيين بدون ذكر أسماء كلكم تعرفونها وكل واحد في النهاية قد اتخذ خطوة من خطوات الشيطان اتخذها مرجعية يسير فيها بين الناس وهذا الذي حصل في الأمة من إفساد وقتل ودماء وهذا الذي نحن فيه الآن هذه الأمة هذا التمزق الرهيب الذي لم يحدث في التاريخ مثله أساسه من يعتقد بأنه من علماء المسلمين وكل واحد له مذهبه وطريقته ومرجعيته وكل واحد يكفر الآخر ويزندقه وكلٌ وضع سيفه في رقاب الآخر وهذه بالضبط هي خطوات الشيطان. كما أن الشيطان بث أعوانه لكي يقتل الناس بالذنوب والخطايا (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ {27} الأعراف) هناك في كل مكان في التاريخ الإسلامي واحد شيخ لابس عمامة قذرة أقذر من قلبه مختبئ في مكان لا يعرفه أحد وينفث في سمومه منها خلْق القرآن، قتلوا العلماء والقضاء الخ ومرتكب الكبيرة والأفعال هل الفعل مخلوق العبد أو لله وكلام سقط تافه ولكن هذا الكلام التافه يقوله واحد منزوٍ في مكان في جامع في قوم الخ وينفث في هذه السموم من غبائه أو متعمداً في بعض الأحيان حتى وصلت الأمة إلى ما هي عليه الآن. الصف في الصلاة بعضهم يكفر البعض وبعضهم يتمنى أن يقتل البعض وتعرفون ما جرى في العراق. الذي جرى في العراق كله حرب طائفية دينية وكلها جميعاً بلا استثناء من خطوات الشيطان.(1/154)
إذا خطر بقلبك أن هذا الذي يقول لا إله إلا الله أن قتله هذا هو الجهاد فأنت واحدٌ من أتباع هذا الشيطان وقد اتبعت خطواته كما قال تعالى (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) وهو قال (وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) وهذه هي الأمة اليوم في غواية ما بعدها غواية رب العالمين قال الناجون الوحيدون قال (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ {78} الحج) إذا وضعت لنفسك عنواناً آخر فئوياً أو حزبياً أو طائفياً فأنت واحدٌ من الذين ينفذون خطوات الشيطان في هذه الأمة وما أكثرهم اليوم. فمن عوفي من ذلك فليحمد الله من عوفي وقال كل من يقول لا إله إلا الله هو أخي وكلنا خطاءون (ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم جاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم) ورحمة الله تسع كل شيء ما دمت توحد الله وتتبع الرسول ماذا يعني كل هذا؟ إياك أن تفلسف النص على حساب هواك (اتَّبَعَ هَوَاه) إياك أن تتّبع هواك لأن النصوص حمّالة أوجه ورب العالمين جعل هذه النصوص بهذا الثراء تحتمل الوجوب لكي يميز الخبيث من الطيب (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ {3} العنكبوت). وحينئذٍ ما من فتنة أعظم من الفتنة التي تأخذ طابع الدين كما هو الآن في العراق وباكستان وأفغانستان وفي لبنان وفي كل العالم الإسلامي الآن الفتنة دينية إما طائفية أو فئوية أو حزبية وأقولها بصراحة كلهم بلا استثناء الذين نسمعهم في الإعلام كل واحد منهم على خطوة من خطوات الشيطان والله قال (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).(1/155)
إذاً هذا الفرق بين تبِع وبين اتّبع ومن رحمة الله عز وجل ما قال لا تتْبعوا-بتسكين التاء- خطوات الشيطان هذه ليست لنا لو قال لا تتبعوا معناها أشركنا أقول أنا تركت الإسلام وأنا وثني هذا تبِع خطوات الشيطان من حسن الحظ قال لا تتبعوا-بتشديد التاء- كأن الله عز وجل يقول لا أخاف على هذه الأمة أن تشرك ولكني أخاف عليها أن تتّبع الشيطان لا أن تتبعه-بتسكين التاء- لن تترك دينها لدين آخر وإنما سوف تترك أحكام دينها. هذا الفرق بين تبِع واتّبع وعلينا أن نفهم جدياً حيثما وجدت تبِع يعني إما تبعت إبليس في الكفر أو تبعت محمداً أو أي الأنبياء الآخرين في التوحيد فيما عدا هذا فأنت هالك فإياك أن تهلك ولا تفرق بين تبِع وبين أتّبع وكل أفعالنا اليومية ممكن أن تقول الشر طبعاً فينا ربما نقول نكون من جماعة تَبِع أو من جماعة اتّبع فإن كنت من جماعة تبِع فأنت هالك وخالد في النار إذا كنت من جماعة اتّبع لا فأنت مذنب وعليك أن تتوب.
*ما هي الآية التي أشكلت على الدكتور فاضل فترة طويلة حتى اكتشف لمساتها البيانية؟(د.فاضل السامرائى)(1/156)
هنالك أكثر من تعبير أشكل عليّ وكنت أحلّه، لكن الذي أشكل عليّ مدة طويلة أكثر من سنة ونصف وربما سنتين هو قوله تعالى (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) من حيث التأليف والتركيبة البيانية. عدة أسئلة دارت في الذهن في حينها هو قال (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) لماذا لم لا يخافون كما قال لا هم يحزنون؟ (لا خوف عليهم) بالإسم و (ولا هم يحزنون) بالفعل؟ لماذا هذه المخالفة؟ ولم يقل مثلاً لا خوف عليهم ولا حزن؟ ثم لماذا خصص الحزن بتقديم (هم) (ولا هم يحزنون)؟ لماذا لم يخصص الخوف قال ولا عليهم خوف مثلاً؟ قدّم (هم) في (ولا هم يحزنون) لماذا لم يقل لا عليهم خوف ولا هم يحزنون؟ ثم (لا خوف عليهم) الإسم مرفوع وهنالك قراءة لا خوفَ بالفتح فلماذا فيها قراءتين؟ إذا كان مقصود نفي الجنس فلماذا فيها قراءتين؟ هذه كانت أسئلة شغلت ذهني كثيراً.(1/157)
قال (لا خوف عليهم) ما قال لا يخافون كما قال ولا هم يحزنون وذلك لأنهم فعلاً يخافون ذلك اليوم (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) النور) (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) الإنسان) (وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) الإنسان) هؤلاء مؤمنون يخافون، الخوف مدح هنا. فلما كان الخوف حقيقة عبّر عنه بالإسم وما قال لا يخافون لأنه يخافون ذلك اليوم. هو قال لا خوف عليهم، هذا أمر آخر. إذن هم يخافون في الواقع وخوفهم يوم الآخرة مدح لهم، كل المكّلفين يخافون حتى يؤمّن الله من يؤمّن. يبقى ما معنى (لا خوف عليهم)؟ لا خوف عليهم يعني لا يُخشى عليهم خطر، ليس عليهم خطر، لا خوف عليه يعني ليس عليه خطر أما (هم) فقد يكونوا خائفين أو غير خائفين، قد يكون هناك إنسان غير خائف وهنالك خوف عليه ولا يقدّره، غير خائف لأنه لا يقدر الخطر لكن هنالك خطر عليه، الطفل مثلاً لا يخاف الحية ولا العقرب ولا النار لكننا نحن نخاف عليه منها هو لا يعلم العواقب ولا يقدرها ونحن نخاف عليه أو هو يخاف من شيء غير مخوف فالطفل أحياناً يرى اللعبة مخيفة يخاف منها وليس عليه خوف منها. إذن قد يكون الشخص يخاف من شيء غير مخيف ولا خطر المهم أن لا يكون عليه خوف، هذا المهم أما إن كان خائفاً أو غير خائف ما دام ليس عليه خوف هذا موضوع آخر. إذن لم يقل لا يخافون لأن واقع الأمر أنهم يخافون فأمّنهم الله بقوله (لا خوف عليهم) وهذا هو المهم لأن قد يكون أحدهم لا يخاف الآخرة لأنه لا يعلمه.(1/158)
هو قال (ولا هم يحزنون) جعل الحزن بالفعل وأسند إليه (ولا هم يحزنون). لو قال لا خوف عليهم ولا حزن لا يصح المعنى. لا خوف عليهم ولا حزن عليهم يعني ولا حزن عليهم يعني لا يحزن عليهم أحد يعني نفى الحزن عن غيرهم ولم ينفه عنهم يعني هم قد يحزنون لكن لا يحزن عليهم أحد. والمطلوب أن تنفي عنهم الحزن لا أن تنفيه عن غيرهم. فقد يكونوا حزينين ولا يحزن عليهم أحد فما الفائدة؟ المهم همولا يحزنون لكن أن لا يحزن عليهم أحد ما الفائدة؟ ثم قد يكون هذا ذم أن لا يحزن عليهم أحد كما قال ربنا (وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل) يعني لا يستحقون أن تحزن عليهم. إذن لو قال لا خوف عليهم ولا حزن لا يستقيم المعنى قد يكون ذم وليس فيه فائدة ولا ينفعهم.
ثم قال (ولا هم يحزنون) بتقديم (هم) يعني أنهم لا يحزنون ولكن الذي يحزن هو غيرهم، ليس هم الذين يحزنون لكن الذي يحزن غيرهم من الكفرة هؤلاء أصحاب الحزن. لو قال لا خوف عليهم ولا يحزنون يعني هم لا يحزنون لكن لم يثبت الحزن لغيرهم من الكفرة لكن هنا هو أثبت الحزن لهم ونفاه عن غيرهم التقديم أفاد الحصر، ما أنا فعلت هذا يعني فعله غيري أثبته لغيري، ما أنا قلته. فأراد ربنا تبارك وتعالى أن ينفي عنهم الحزن ويثبته لغيرهم (ولا هم يحزنون).(1/159)
ما قال لا عليهم خوف بتقديم الجار والمجرور كما قال ولا هم يحزنون وهذا أيضاً لا يصح. عندما يقول لا عليهم خوف يعني ليس عليهم الخوف ولكن الخوف على غيرهم وهذا أيضاً لا يصح. أنت لا تخاف على الكفار، أنت نفيت الخوف عنه وأثبته على غيرهم يعني أنت تخاف على غيرهم وغيرهم أي الكفار، من يخاف على الكفار؟ دعهم يذهبوا إلى الجحيم، إذن لماذا نخاف عليهم؟ هذا المعنى يفهم إذا قدّم لو قال لا عليهم خوف كان نفاه عنهم وأثبته على غيرهم ونحن لا نخاف على الكفار من الذي يخاف على الكفار وهم مغضوب عليهم؟. إذن لا يصح أن يقال لا عليهم خوف كما قال ولا هم يحزنون.(1/160)
يبقى السؤال لماذا قال لا خوف عليهم برفع الخوف؟ لا خوفَ عليهم نص في نفي الجنس ولا النافية للجنس تعمل عمل (إنّ). لماذا رفع (خوفٌ)؟ ما الفرق في المعنى من حيث الرفع والبناء في النصب؟ لما تقول لا رجلَ أو لا رجلُ، لما تقول لا رجلَ بالبناء على الفتح هذا نفي نص الجنس يعني لا يوجد أيّ رجل مطلقاً، ولا رجلٌ يفيد نفي الجنس على الراجح لأنه يحتمل نفي الواحد، عندما نقول لا رجلٌ إحتمال وجود رجلين أو ثلاثة أو أربعة هذا احتمال واحتمال نفي الجنس على الأرجح. لا خوفٌ عليهم يعني في غير القرآن يمكن أن تجعله لا خوفٌ عليهم بل أكثر من خوف بينما لا خوفَ عليهم نص في نفي الجنس. لا شك السياق نفي الجنس تخصيصاً من أكثر من ناحية: من ناحية مقام مدح، من ناحية قال (ولا هم يحزنون) فإذا كانوا لا يحزنون فإنه لا خوف عليهم لأن الحزن إذا كان هنالك شيء مخوف فتحزن لذلك. إذن دلت القرائن على نفي الخوف تنصيصاً وجاء بـ (لا) النافية للجنس أيضاً في قراءة أخرى. فإذن القراءتان دلت على نفي الخوف تنصيصاً وبالقرينة. لكن هنالك مسألة إذا كان هو أفاد نفي الجنس تنصيصاً أو بالقرينة إذن لماذا يأت بنفي الجنس ولم يقل لا خوفَ عليهم؟ هو عندما يقول (لا خوفٌ عليهم) بالرفع هذا يفيد معنيين: الأول كون حرف الجر (عليهم) متعلق بالخوف مثلاً (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) متعلق بـ(خاف)، إني أخاف عليك الذئاب (متعلق بخاف). لو كان الجار والمجرور (عليهم) متعلقاً بالخوف يكون الخبر محذوفاً لأن لا خوفٌ عليهم الخبر يكون محذوفاً. يحتمل أن يكون الجار والمجرور (عليهم) ليس متعلقاً بالخوف وإنما متعلق بكان واستقر يعني لا خوف كائن عليك.(1/161)
مثل الجلوس في الصف أو الوقوف في الساحة، الجلوس في الصف يعني عليكم أن تجلسوا في الصف، الوقوف في الساحة (مبتدأ وخبر) يعني عليكم أن تقفوا في الساحة، الجلوس في الصف لا يوجد خبر إذا تعلق الصف بالجلوس لا يكون هنالك خبر، الجلوس في الصف مطلوب نافع مفيد، الوقوف في الساحة مطلوب مأمور بها، الوقوف في الساحة عليكم أن تقفوا في الساحة. لا خوفٌ عليك موجود، لا خوف عليك إذن فيها معنيين واحتمالين وليست هنالك قرينة سياقية تحدد معنى معيناً، إذن هذا توسع في المعنى جمع معنيين. إذا أخذناها على أن (عليهم) متعلقة بالخوف يكون الخبر محذوف يعني لا خوف عليهم من أي مكروه أو لا خوف واقع عليهم إذن الرفع فيها احتمالين أن يكون (عليهم) متعلق بخوف فيكون الخبر محذوف تقديره كائن أو موجود أو (عليهم) هو الخبر، الخوفُ عليهم. أما لا خوفَ عليهم ليس فيها احتمال، (عليهم) هو الخبر نصّاً لا يجوز أن يتعلق بالخوف نحوياً. (لا خوفٌ عليهم) فيها احتمالان (عليهم) متعلقة بالخوف والخبر محذوف مقدر والآخر أن (عليهم) هو الخبر وكل واحدة لها دلالة. لو قال لا خوفَ عليهم قطعاً (عليهم) هو الخبر لأنه لو كان تعلق به سيكون شبيهاً بالمضاف فنقول لا خوفاً عليهم بالنصب ولا يصح البناء مطلقاً لأنه شبيه بالمضاف ولا يمكن أن نبني. مثال: لا بائعَ في الدار يعني ليس هنالك أي بائع في الدار مطلقاً سواء كان هذا البائع يبيع في الدار أو في السوق أما لا بائعاً في الدار يعني الذي يبيع في الدار غير موجود ربما يوجد واحد في الدار يبيع في السوق (يفتح في بيته ما يبيعه) وكأن الدار كان فيها متجر أو هو يبيع في بيته، لا بائعاً يعني الذي يبيع في الدار غير موجود.فإذن لا خوفَ ليس له إلا دلالة واحدة (أن (عليهم) خبر لا) أما لا خوفٌ عليهم فيها دلالتان. لو اكتفى لا خوفَ عليهم سنفقد معنى. ((1/162)
لا خوفَ) خوفَ نعربها إسم لا النافية للجنس، أما (لا خوفٌ) (لا) نعربها إما عاملة عمل ليس وقسم يجعلها مهملة فيكون خوف مبتدأ وعليهم خبر.
هو نفى الخوف والحزن الثابت والمتجدد، نفي الخوف الثابت والمتجدد ونفى الحزن الثابت والمتجدد. قال (لا خوف عليهم) هذا ينفي الخوف الثابت لأنه استعمل الحزن و (ولا هم يحزنون) نفي الحزن المتجدد. نفي الحزن لمتجدد ينفي الخوف المتجدد لأنك تخاف فتحزن، نفي الحوف الثابت ينفي الحزن الثابت فلما جاء أحدهما بالفعل والآخر بالإسم وأحدهما مرتبط بالآخر، نفى (لا خوف) نفى الخوف الثابت (ولا هم يحزنون) نفى الحزن المتجدد، لما نفى الحزن المتجدد يقتضي نفي الخوف المتجدد لأن الأمر قبل أن يقع مخوف منه فإذا وقع حزنت عليه. الخوف أولاً ثم الحزن يعدما يقع إذا وقع ما يخاف منه. فهمنا الحزن المتجدد من الفعل المضارع (لا هم يحزنون) الذي فيه تجدد واستمرار وهذا يقتضي (لا خوف عليهم) لأن الحزن مرحلة تالية للخوف فإذا نفى ما يستجد من الحزن ينفي ما يستجد من الخوف. ونفى الخوف الثابت والحزن الثابت فإذن عندما جمع الأمرين نفى الخوف عليهم الثابت والمتجدد والحزن الثابت والمتجدد.(1/163)
لماذا لم يقل لا خوفٌ عليهم ولا حزن لهم؟ جملتان إسميتان تدلان على الثبوت؟ لو قال لا حزن لهم هو ينفي الحزن عنهم ولا يثبته لغيرهم، هو قال (ولا هم يحزنون) أثبت الحزن لغيرهم لو قال لا حزن لهم لم يثبته لغيرهم. لو قال ولا لهم حزن هذا تنصيص على الجنس بمعنى ليس هنالك نص في نفي الجنس يعني لا لهم حزن لأن لا النافية للجنس لا يتقدم خبرها على إسمها فإذا تقدّم لا تعود نصاً في نفي الجنس ثم يجب رفع الحزن لا يجوز نصبه ولا بناءه (ولا لهم حزنٌ) ما دام تقدم الخبر تصير (لا) مهملة. ثم سنخسر الثابت والمتجدد لأنها تصبح كلها إسماً إذن تنفي الثابت فقط ولا تنفي الثابت والمتجدد. ولذلك هذا التعبير أجمع تعبير للدلالة على المعنى بحيث كل تغيير لا يمكن أن يكون فيه، هذا كله في (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
سؤال: إلى أي كتب رجعت؟
هذه لم أجدها في الكتب، رجعت إلى كتب التفسير وقد يكون هناك كتباً أخرى لم أطلع عليها، راجعت كل الكتب التي بين يدي من كتب اللغة فلم أجدها بهذا التفصيل.
سؤال: إذن المدخل إلى فهم آي القرآن هو النحو والتركيب فما بال الدعاة لا يقيمون أود جملة صحيحة فصيحة؟ وكيف يفهمون القرآن وهم لم يفهموا اللغة العربية الفصحى ويخطئون فيها؟
هذا نقص عجيب. ولا بد أن نفهم جيداً قواعد اللغة حتى نعمل على سبر أغوار القرآن الكريم وهذا أول شرط وضعه أهل علوم القرآن لتفسير القرآن وهو التبحر في علوم اللغة "ولا تغني المعرفة اليسيرة" هذا أول شرطا، ليس المعرفة فقط وإنما التبحر في علوم اللغة نحوها وصرفها ولغتها وبلاغتها هكذا نصاً "ولا تغني المعرفة اليسيرة". إذن لا نأخذ التفسير من أي أحد ولا بد أن يكون مشهوداً له بالتحصيل في علوم اللغة العربية هذا أولاً وهنالك أمور أخرى.
آية (39):(1/164)
*ما دلالة الآيات فى قوله تعالى(وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) البقرة)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الآيات جمع آية وهي الشيء الذي يدل على أمر من شأنه أن يخفى. ولذلك قيل لأعلام الطريق آيات لأنها وضعت لإرشاد الناس إلى الطرق الخفية في الرمال. وسميت جُمَل القرآن آيات لأنها ترشد الضالّ في متاهة الحياة إلى طريق الخير والفلاح.
آية (40):
* أغلب السور يضرب المثل بقصة موسى فما دلالة هذا؟ وما اللمسة البيانية في تكرار قصة موسى؟(د.فاضل السامرائى)
ليست القصة الوحيدة التي تتكرر في القرآن، لكن قصة موسى فيها تفاصيل كثيرة وأطيل فيها وذُكرت أكثر من القصص الأخرى أولاً لأن تلك الأقوام بادت وهلكت ولم يبق منها أحداً أما بنو إسرائيل فباقون في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومستمرون إلى الآن وكان لهم مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - حوادث ومواقف وعداء وإلى الآن ومستمرون إلى ما قبل يوم القيامة. فإذن التكرار له دلالته لأنهم سيبقون معكم إلى ما شاء الله وهم يحاربونكم ويفعلون كذا ويمكرون، فذكر أفعالهم مع موسى كيف فعلوا مع موسى؟ لقد أوذي أكثر من هذا فصبر وفي الحديث "رحم الله أخي موسى لقد أوذي أكثر من هذا فصبر" فآذوا موسى وذكر كثير من أحوالهم فلا نعجب أن يفعلوا مثل هذه الأشياء أو أكثر معنا حتى نتعظ ونعرف كيف كانوا يفعلون وهم نفسهم فإذن تكرارها أنهم كتابهم لا يزال موجوداً مع أنه محرَّف والقوم لا يزالون وليس كبقية الأقوام الذين انقرضوا مثل قوم عاد وصالح ولوط أما اليهود فبقوا وبقي كتابهم وبقي لهم مواقف وسيبقى لهم مواقف إلى الوقت الذي (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) الإسراء) ولذلك كان ذكرهم واستمرارهم باستمرار بقائهم ووجودهم.(1/165)
*(وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) البقرة) إختار تعالى لفظ العهد لليهود ولم يقل أوفوا وعدكم فهل لهذا من بُعدٍ آخر؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هذا من لطائف القرآن خاطبهم الله تعالى بإسم التوراة المعروف عندهم. أليست التوراة تسمى عندهم العهد؟ لذلك الكلمة مزدوجة الدلالة لأمرين: لأنها تأمرهم بإلتزام أوامر الله وتأمرهم بالتزام وصايا الله تعالى المبثوثة في طيّات العهد القديم والتي فيها الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .
آية (41):
*(وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) البقرة)ما دلالة الباء؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
عندما تشتري أمراً ما من السوق تقول اشتريت هذا بمائة درهم فانظر إلى الباء في (بمائة) دخلت على ثمن السعر وفي الآية (تشتروا بآياتي) دخلت الباء على آياتي لتعلمنا أن اليهود جعلوا آيات الله تعالى كدراهم واشتروا به عرضاً من أعراض الدنيا لا قيمة له لذلك جاء وصفه بـ (قليلاً) لأنهم بذلوا أنفس شيء واشتروا به حظاً قليلاً.
* لماذا جاءت ثمناً قليلاً مع أنها وردت في القرآن ثمناً وحدها ؟(د.حسام النعيمى)
الثمن كما قلنا هو العوض. والبخس دون قدر الشيء أي لا يناسب قدره.(1/166)
الثمن القليل جاء حيثما ورد في الكلام عن حق الله سبحانه وتعالى ومعنى ذلك أن العدوان على حق الله سبحانه وتعالى مهما بلغ فهو ثمن قليل. لما يكون الكلام عن الآيات (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) البقرة) أي ثمن يناسب آيات الله عز وجل؟ لا شيء. فكل ثمن هو يقل في شأن آيات الله سبحانه وتعالى. أياً كان الثمن فهو قليل. فحيثما ورد الكلام عن آيات الله وعن عهد الله سبحانه وتعالى كله ثمن قليل لا يقابل. وليس معنى ذلك ثمن قليل أنه يمكن أن يشتروا به ثمناً كثيراً.كلا، وإنما بيان إلى أن هذا الثمن الذي أخذتموه لا يقابل آيات الله فهو قليل في حق الله سبحانه وتعالى وكل ثمن يؤخذ مقابل ذلك فهو قليل مهما عظُم لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) البقرة) هذا الذي اشتريتموه هو قليل وإن كان في نظركم كبيراً. لما يبيع الإنسان دينه بدنياه، بدنيا عظيمة يريد أن يبيعه، فيقول القرآن له: هذا الذي بعت به هو قليل. (أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) لأنهم أكلوا ثمن شرائهم مقابل آيات الله سبحانه وتعالى فسماه قليلاً مهما كان نوعه.(1/167)
في تسع آيات وصف الثمن بأنه قليل تحقيراً لشأنه وتهويناً من قدره، تسع آيات تتحدث عن الشراء بثمن قليل: إما أن ينهاهم عن ذلك أو يثبته لهم بأنهم فعلوا ذلك وما قبضوه قليل. أما في قضية الوصية والشهادة فى سورة المائدة فتركه مجملاً (ثمناً) ليشمل كل الأشياء المادية والمعنوية وحتى لا يكون هناك نوع من التحايل.
ألا يمكن أن يتعاور الوصف بالبخس والقليل مع بعضهم البعض؟ يمكن إذا أُريد بالبخس ما هو ليس من قدر الشيء الذي بيع ولا يستقيم مع آيات الله. ليس هناك شيء بقدر الآيات لذلك لا يستقيم إلا القلّة.
آية (45):
*ما الفرق بين الفاصلة فى الآيتين (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) البقرة) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة)؟
*د.فاضل السامرائى :
في الأولى تقدم ذكر الصلاة والمطالبة بها قال (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)إذن (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) البقرة. في الآية الثانية ختمها بالصبر لأن السياق في الصبر ، بعد أن قال (إن الله مع الصابرين) قال (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) البقرة) السياق مع الصبر إذن ختمها (إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أما في الآية الأولى السياق في الصلاة فقال (إلا على الخاشعين).
*د.أحمد الكبيسى:(1/168)
قال تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ {45} البقرة) ومرة قال (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {153} البقرة) في الأولى كان يخاطب بني إسرائيل ويقول الصلاة عندكم كبيرة وشاقة عليكم وتتهاونون فيها وما تصلون وقلنا لكم قولوا حطة قلت زمحيقة يعني شغلتكم شغلة فعندما خاطب بني إسرائيل قال (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) الخاشعون من بني إسرائيل الرهبان أصحاب العلم الصالحون منهم يصلّون ولكن الأكثرية الغالبة من اليهود لا يصلّون وإذا صلّوا صلاة كلها غير صحيحة وفيها بدع كثيرة وأبعد ما تكون عن عبادة الله وهم يتثاقلون منها كما قال تعالى (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ {142} النساء) بينما لما خاطب المسلمين قال لا إن الله يحب الصابرين (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وفعلاً هل هناك أمة في العالم تصلي في المساجد خمس مرات من الفجر إلى العشاء إلا هذه الأمة والجوامع مليئة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء وبالبيوت الضحى والأوابين والتهجد الصلاة عند هذه الأمة عماد الدين وهم يتلذذون بها والله قال (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) يا أيها المسلمون بينما اليهود غير ذلك.
آية (47):
*ما دلالة تفضيل بني إسرائيل (وإني فضلتكم على العالمين)؟(د.حسام النعيمى)
(وأني فضلتكم على العالمين) هؤلاء أتباع موسى - عليه السلام - في زمانه قبل مجيء عيسى - عليه السلام - وأتباع كل نبي مفضّلون على العالمين في زمانهم قبل أن يأتي النبي الآخر وليس العالمين إلى قيام الساعة .
آية (48):(1/169)
*ما دلالة الإختلاف في الشفاعة والعدل بين آيتي سورة البقرة (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)) و (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123))؟
*د.حسام النعيمى :
العدل معناه ما يعادل الجُرم الذي هو الفدية. إيصال هذا المال أو المبلغ لمستحقه في حال قيام الإنسان بجريمة أو ما شابه لأهل المرتكب عليه الجريمة أو الشخص نفسه الإيصال له أسلوبان: الأول أن يرسل وفد صلح وشفاعة حتى يقبلوا ما يقدمه لهم فيبدأوا أولاً بإرسال الوفد ثم يذهب بالفدية أو المقابل. والصورة الأخرى أن يذهب إبتداء فيقدم ما عنده فإذا رفض يذهب ويأتي بوسطاء يسفعون له. الآيتان كل واحدة منهما نظرت إلى صورة. فنُفي الصورتان عن القبول فيما يتعلق بالأمم التي آمنت قبل اليهود بشكل خاص حتى يؤمنوا بالله تعالى ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وبكتابه. الآية الأولى (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)) هذه الصورة الأولى تقدمون الشفاعة غير مقبولة. الشفاعة ى تقبل والفدية لا تؤخذ. الآية (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)) هذه الصورة الثانية. نجمع بين الآيتين على بعد ما بينهما هذه نظرت في صورة وهذه نظرت في صورة فانتفت كلتا الصورتين يعني لا يمكن أن يقبل منكم إلا أن تتبعوا هذا النبي لا تقدموا ابتداء ولا تأتون بالشفاعة هذا كله لا يُقبل والذي يقبل منكم هو الإيمان بما أنزلت مصدقاً لما معك.
((1/170)
لا يقبل منها) استعمل المذكر (يقبل) مع الشفاعة. الشفاعة مؤنثة حتى تكون الشفاعة مطلقة إذا فصلت بين المؤنث والمجازي.التأنيث. مع المؤنث الحقيقي يجوز التذكير والتأنيث يقول ذهب إلى الجامعة فاطوة وذهبت إلى الجامعة فاطمة هكذا إذا كان هناك فصل. لكن ذهبت فاطمة لا يجوز غير هذا، إلا ذهبت فاطمة. أما المؤنث المجازي تقول: طلعت الشمس وطلع الشمس ابتداء فهنا مؤنث مجازي ومع ذلك فصل فذككّر حتى يكون الكلام عاماً عن الشفاعة أياً كانت ليس لتأنيثها وإنما جعلها عامة يعني لا يقبل منها أي شيء من أشياء الشفاعة.
كأنه نوع من التيئيس لأن الإنسان إذا إرتكب جرماً إما أن يذهب بالعدل أي المال المقابل للجرم إلى القبيلة فإذا رُفِض يذهب ويأتي بالشفعاء أو العكس يأتي بالشفعاء أولاً حتى يقبلوا العدل منه. فالقرآن الكريم يأّس بني إسرائيل من الحالتين لا يقبل منكم عدل إبتداء وبعده شفاعة ولا شفاعة ابتداء ثم يأتي العدل بعد ذلك لا ينفعكم إلا أن تتبعوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - .
*د.أحمد الكبيسى:(1/171)
الآية الأولى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ {47} وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ {48} البقرة) الشفاعة أولاً العدل الفداء يعني الفدية شخص يفتدي نفسه بمال الشفاعة لا بدون مال مجاناً لكنه بوجاهة أحد الناس يشفع لك . إذاًَ أول مرة قال (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) شفاعة أولاً وعدلٌ ثانياً في آية123 غيّر الترتيب قال (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ {123} البقرة) يقبل منها عدل أي فدية ولا تنفعها شفاعة. لماذا في الأولى قدم الشفاعة وأخّر الفدية وفي الثانية أخر الشفاعة وقدم الفدية؟ باختصار شديد الحديث لبني إسرائيل ورب العالمين يخاطبهم في هاتين الآيتين يحذرهم من أن هذه النعم التي أنعم الله بها عليهم أنهم لم يؤدوا شكرها فيحذرهم يقول اتقوا ذلك اليوم القادم وهو يوم القيامة في ذلك اليوم مرة قال (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) الثانية بالعكس.(1/172)
الفرق أن بني إسرائيل ككل الأمم نوعان نوعٌ حريصٌ جداً على المال أكثر من حرصه على حياته هذا موجود في كل الأمم لكن في اليهود أكثر. المعروف أن اليهود يحبون المال حباً أكثر من أنفسهم ألف مرة بحيث أن الإنسان يقدم نفسه فداء لحفظ ماله ولا يقدم ماله فداء لحفظ نفسه وهذا موجود في كل الدنيا لكن في بني إسرائيل ظاهرة. إذاً خاطبهم وقال (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ) قدّم العدل وهو الفداء في الآية التي قدم فيها الفداء يخاطب أولئك اليهود الذين يفدون مالهم بأنفسهم، هذا واحد. في الآية الثانية أيضاً هناك فريق ثاني ولا ينكر كما في كل الأمم هناك من تكون نفسه عزيزة عليه ولهذا يفديها بماله يعطي المال ولا يعرّض نفسه للموت. من أجل هذا رب العالمين في الآيتين خاطب الفريقين والفريقان في بني إسرائيل ظاهران معروفان متميزان قومٌ بلغ بهم البخل إلى حد أنه يفدي ماله بنفسه وقسم بلغ بهم حب الحياة كما رب العالمين سبحانه وتعالى وصفهم في آية أخرى أنهم يحبون الحياة هؤلاء يفدي نفسه بالمال وبالتالي في كل ترتيبٍ من هاتين الآيتين رب العالمين يخاطب شريحة من شرائح بني إسرائيل وهاتان الشريحتان ليستا في عصرٍ واحد يعني جاء عهد شاع في بني إسرائيل حب المال حباً عظيماً وفي عهد شاع فيه حب الحياة وبالتالي هاتان الآيتان تخاطب جميع اليهود على اختلاف أدوارهم في التاريخ عموماً.(1/173)
نلاحظ أيضاً أن كلمة شفاعة جاءت منكّرة الشفاعة في القرآن تأتي عادة معرّفة (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا {109} طه) حينئذٍ الشغاعة هناك معروفة شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، لما نكرها قال (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) الشفاعة المنكّرة يعني أن هناك شفاعات متعددة وأنواع متعددة من الشفاعات وهذه معروفة الشفاعات في الإسلام كثيرة أهمها وأعظمها وأكرمها وأوفاها الشفاعة الكبرى شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم (شفاعتي حق لأهل الكبائر من أمتي) (قم يا محمد فاشفع تشفع) هذه الشفاعة الكبرى ولكن هناك شفاعات إلى جانب هذه الشفاعة. النبي صلى الله عليه وسلم يقول للشهيد شفاعة إذا مات شخص وهو شهيد يشفع لسبعين من أهل بيته، هناك المُسِنّ المؤمن إذا بلغ المؤمن تسعين عاماً يعني مات بعد التسعين شفعه الله في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار، العالم العامل يشفع في عشرة من أهل بيته، الزهراوان البقرة وآل عمران يشفعان، رمضان يشفع، قيام الليل القرآن الكريم يشفع وهكذا شفاعات كثيرة فرب العالمين لما قال نكرة قال (وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) أيّ شفاعة كانت من الشفاعات لا تنفع من لا يتقي ذلك اليوم ولا يحسب له حساباً ولا يعمل له وإنما يكون كل همه في الدنيا كما هم بنو إسرائيل عموماً. الخطاب لبني إسرائيل بنو إسرائيل أبصر الناس بالحياة ما من أحد بصير بالحياة كبني إسرائيل وهذا شيء معروف والتطبيق العملي أمام أعيننا جميعاً كما هم الآن في العالم يحكمون العالم كله ما من بقعة ولا دولة في العالم إلا ولليهود عليها دالة.(1/174)
حينئذٍ هؤلاء الله قال (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا {24} يونس) وأهل الدنيا هم اليهود من حيث أن الله أخبرنا بأنهم سوف يعلون علواً كبيراً بحيث يكون سلطانهم على جميع سكان الأرض كما هو الحال اليوم وهذا من علامات القيامة كما هو في الآية.
*قال تعالى فى سورة لقمان (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) وفي البقرة قال (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (48) البقرة) فما الفرق بين الوالد والولد والنفس؟(د.فاضل السامرائى)(1/175)
لا ننسى أنه في سورة لقمان ذكر الوالدين والوصية بهما (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) والسورة تحمل إسم لقمان (والد) وهي مأخوذة من موقف وموعظة لقمان لابنه وكيف أوصاه ووصية ربنا بالوالدين وهي داخل وصية لقمان لابنه، إذن هذه أنسب أولاً مع إسم السورة ومع ما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر بهما ومصاحبتهما في الدنيا معروفاً، في البقرة لم يذكر هذا. فإذن ذكر الوالد والولد في آية لقمان مناسب لما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر ومع أنه قال (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) ذكّر أن هذا خاص بالدنيا. في هذه الآية (لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) هذا في الآخرة إذن المصاحبة بالمعروف والإحسان إليهما وما وصى به في السورة لا يمتد إلى الآخرة (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) إذن الإحسان مرتبط بالدنيا فقط، إذن لا يتوقع الأب أن ولده سيجزي عنه في الآخرة، عليه أن لا يتوقع ذلك وأن هذه المصاحبة ستنقطع في الدنيا وهي ليست في أمور الآخرة فإذن هذه مناسبة لقطع أطماع الوالدين المشركين أنه إذا كان ولدهما مؤمناً فلا ينفع عنهما ولا يدفع ولا يجزي عنهما شيئاً في الآخرة فإذن هي مناسبة لما ورد في السورة من ذكر الوالدين والأمر بالمصاحبة لهما ونحوه.
*في قوله تعالى فى سورة لقمان(وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) هذه جملة صفة والقياس كما نعلم أنه في جملة الصفة لا يجزي فيه والد عن ولده كما قال (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (281) البقرة) (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) النور) فما الفرق؟(د.فاضل السامرائى)(1/176)
جملة الصفة يكون فيها عائد يعود على الموصوف ضمير قد يكون مذكوراً وقد يكون مقدّراً وهنا مقدر يعني النحاة يقدرون لا يجزي فيه هذا من حيث التقدير، هو جائز الذكر وجائز التقدير لأنه ذكرها في مواطن أخرى (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ) يبقى لماذا اختار عدم الذكر؟ الأمران جائزان وقد ذكرا في مواطن. عادة الحذف يفيد الإطلاق عموماً يعني فلان يسمعك أو فلان يسمع، يسمع أعم، يقول الحق أو يقول، يقول أعم، عدم ذكر المتعلقات يفيد الإطلاق، يعطي المال أو يعطي، يعطي أعمّ. إذن هو الآن أظهر التعبير بمظهر الإطلاق لم يذكر (فيه) معناه أظهره بمظهر الإطلاق. حق السؤال لماذا لم يذكر هنا وفي مواطن ذكر؟ لو جزى والد عن ولده لو دفع في يوم القيامة هل هذا الجزاء يختص بهذا اليوم أو بما بعده؟ بذلك اليوم، لو جزى والد عن ولده (بدون فيه) لو جزى عنه يعني لو قضى عنه ما عليه، هذا الجزاء سيكون الجنة، لو جزى لى يكون في ذلك اليوم انتهى وإنما الخلود وسيدخل الجنة، إذن الجزاء ليس في ذلك الوقت وإنما أثر الجزاء سيمتد، الجزاء سيكون في هذا اليوم ولكن الأثر هو باق ولذلك حيث قال لا يجزي لم يقل (فيه) في كل القرآن مثال: (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (48) البقرة) ما قال (فيه)، (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (123) البقرة) بخلاف الآيات التي فيها (فيه) (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (281) البقرة) توفى في ذلك اليوم وإما يذهب للجنة وإما إلى النار. ((1/177)
يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) في ذلك اليوم وبعدها ليس فيه تقلب لأنه يذهب للجنة، ذِكر (فيه) خصصها باليوم فقط لما قال (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) هذا في يوم القيامة وليس مستمراً يومياً، الذي في الجنة توفي والذي في النار توفي عمله، التوفي في يوم القيامة توفية الحساب في يوم هو يوم القيامة وأثر التوفية إما يذهب إلى الجنة وإما إلى النار، تقلّب القلوب والأبصار في يوم القيامة ثم يذهب الناس إلى الجنة ولا يعود هناك تقلب قلوب ولا أبصار، وأصحاب النار في النار. لو جزى والدٌ عن ولده لكان أثر الجزاء ليس خاصاً في ذلك اليوم وإنما تمتد إلى الخلود إلى الأبد ولذلك لم يذكر (فيه) وأخرجه مخرج الإطلاق. لذلك حيث قال لا تجزي لم يقل (فيه) لنفي المتعلق وما يترتب عليها فيما بعد.
*ما اللمسة البيانية في تذكير كلمة شفاعة مرة وتأنيثها مرة أخرى في سورة البقرة؟(د.فاضل السامرائى)(1/178)
قال تعالى في سورة البقرة (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {48} ) وقال في نفس السورة (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {123}).جاءت الآية الأولى بتذكير فعل (يقبل) مع الشفاعة بينما جاء الفعل (تنفعها) مؤنثاً مع كلمة الشفاعة نفسها. الحقيقة أن الفعل (يقبل) لم يُذكّر مع الشفاعة إلا في الآية 123 من سورة البقرة وهنا المقصود أنها جاءت لمن سيشفع بمعنى أنه لن يُقبل ممن سيشفع أو من ذي الشفاعة. أما في الآية الثانية فالمقصود الشفاعة نفسها لن تنفع وليس الكلام عن الشفيع. وقد وردت كلمة الشفاعة مع الفعل المؤنث في القرآن الكريم في آيات أخرى منها في سورة يس (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ {23}) وسورة النجم (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى {26}).(1/179)
وفي لغة العرب يجوز تذكير وتأنيث الفعل فإذا كان المعنى مؤنّث يستعمل الفعل مؤنثاً وإذا كان المعنى مذكّراً يُستعمل الفعل مذكّراً، والأمثلة في القرآن كثيرة منها قوله تعالى في سورة الأنعام (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ {11}) وسورة يونس (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ {73}) المقصود بالعاقبة هنا محل العذاب فجاء الفعل مذكراً، أما في قوله تعالى في سورة الأنعام (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {135}) سوة القصص (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {37}) فجاء الفعل مؤنثاً لأن المقصود هو الجنّة نفسها.
آية (49):
*(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ (49) البقرة)ما دلالة كلمة آل وليس أهل؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الآل هم الأهل والأقراب والعشيرة. وكلمة آل لا تضاف إلا لشيء له شأن وشرف دنيوي ممن يعقل فلا تستطيع أن مثلاً أن تقول آل الجاني بل تقول أهل الجاني.
* ما الفرق بين ( يذبّحون)فى الآية (49)من سورة البقرة و(ويذبّحون) فى الآية (6)من سورة إبراهيم ؟(د.فاضل السامرائى)(1/180)
في سورة البقرة قال تعالى (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)) وفي سورة إبراهيم قال تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)). في البقرة جعل سوء العذاب هو تذبيح الأبناء (بَدَل)، (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب)، ما هو سوء العذاب؟ (يذبحون أبناءكم)، هذه بدل من يسومونكم، هذه الجملة بدل لما قبلها فسّرتها ووضحتها، البدل يكون في الأسماء والأفعال وفي الجُمَل، إذن (يذبّحون أبناءكم) تبيين لسوء العذاب فنسميها جملة بَدَل. في سورة إبراهيم قال (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ) إذن هنا ذكر أمران سوء العذاب بالتذبيح وبغير التذبيح، سيدنا موسى - عليه السلام - يقول لبني إسرائيل أن الله سبحانه تعالى أنجاهم من آل فرعون من أمرين: يسومونهم سوء العذاب هذا أمر والتذبيح هذا أمر آخر. كان التعذيب لهم بالتذبيح وغير التذبيح باتخاذهم عبيداً وعمالاً وخدماً فيعذبونهم بأمرين وليس فقط بالتذبيح وإنما بالإهانات الأخرى فذكر لهم أمرين. إذن يسومونكم سوء العذاب هذا أمر، ويذبحونكم أبناءكم هذا أمر آخر، إذن بالتذبيح وفي غير التذبيح، سوء العذاب هذا أمر ويعذبونهم عذاباً آخر غير التذبيح. موسى - عليه السلام - يذكِّرهم بنعم الله عليهم ( اذكروا نعمة الله عليكم) فيذكر لهم أموراً.(1/181)
ربنا تعالى قال في سورة البقرة (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ) وفي إبراهيم قال على لسان سيدنا موسى (إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أنجاكم ولم يقل هنا نجّاكم. هناك فرق بين فعّل وأفعل، نجّى يفيد التمهل والتلبّث والبقاء مثل علّم وأعلم، علّم تحتاج إلى وقت أما أعلم فهو إخبار، فعّل فيها تمهل وتلبّث. موسى - عليه السلام - يعدد النعم عليهم فقال (أنجاكم) فأنهى الموضوع بسرعة.كما قال (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (50) البقرة)لأنهم لم يمكثوافي البحر طويلاً فقال أنجيناكم.حتى في إبراهيم قال (فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ (24) العنكبوت)لم يقل نجّاه لأنه لم يلبث كثيراً في النار.
سؤال:عندما عدّد الله تعالى النعم على بني إسرائيل (إذ نجيناكم) معنى هذا أنه أمهلهم في العذاب فترة؟ هم بقوا فترة وهذا واقع الأمر أما سيدنا موسى - عليه السلام - حينما كان يعدد قال (أنجاكم) يعني خلّصكم منها.
سؤال : ربما يقول قائل حينما تأتي الآية (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)) تقولون إنها بَدَل وعندما تأتي الآية (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)) تقولون إن هذه غير تلك؟(1/182)
الواو عاطفة، وأظن أن الذي في الدراسة الابتدائية يعلم أن الواو عاطفة. ربما يقول أن السياق واحد وإنما التعبير مختلف وهذا لا يوحي بملاحظة أو علامة استفهام أمام هذا التغير. حتى في واقع الحياة أنت تذكر لشخص أموراً ولا تذكر أموراً أخرى، يعني تذكر أموراً لا تحب أن تشرحها كثيراً وفي موقف آخر تقولها. الآيات تتكامل مع بعضها وتضيف إطاراً آخر حتى تكتمل ملامح الصورة ولا تتعارض ولو تعارضت لقال لايذبحون أبناءكم.
*ما الفرق بين قوله تعالى (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ {49} البقرة) - (وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ {141} الأعراف)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/183)
نتكلم عن قوله تعالى في بني إسرائيل (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ {49} البقرة) وفي (وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ {141} الأعراف) عندنا (نجيناكم) وفي (أنجيناكم) وفي مرة يقول (يذبحون أبناءكم) ومرة يقول (يقتلون أبناءكم) وهي نفس الموضوع وليس هذا عبثاً. أنجيناكم تعني من الهلاك يعني كان فرعون يهلككم فأنجيناكم بالهمزة كان فيكم قتل وتذبيح أنجيناكم من هذا فأنجيناكم يعني أنجيناكم من ما كان يفعله بكم فرعون من قتلٍ وتذبيح هذه أنجيناكم. (نجيناكم) تعني شيء ثاني بعد أن أنجاهم الله من الذبح أين ذهبوا؟ قال (نَجَّيْنَاكُمْ) نجيناكم أي أخذنا بكم إلى مكانٍ ذي نجوى أي مرتفع و آمن وفعلاً أخذهم رب العالمين بأمرٍ منه إلى موسى أخذهم (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ {23} الدخان) وراحوا إلى سيناء ثم جاءهم المن والسلوى وفجر لهم الماء يعني دخلوا في مكانٍ آمن. فالتنجية هي المكان المرتفع الآمن في الأرض كما يقول القاموس. إذاً بعد ما أنجيناكم من القتل أوصلناكم أي نجيناكم إلى مكان آمن، وكل خائف بعد أن تنجيه من الهلاك تنجيه إلى مكان آمن وهذه قاعدة كما في القاموس. إذن أنجى من الهلاك نجا أوصله إلى نجوة من الأرض لكي يعيش فيها آمناً. كما قال على سيدنا لوط (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ {33} العنكبوت) يعني أخذه إلى مكان آمن لم يصبهم الهلاك فنجى أخذهم سرى بهم إلى قرية أخرى إلى قرى بعيدة هكذا، هذا الفرق بين أنجيناكم ونجيناكم.(1/184)
وكلكم تعرفون أن التنجية أول مرة لبني إسرائيل كانت تنجية معجزة بدون أسباب اضرب بعصاك البحر فانفلق هذه (نجيناكم) لأنها تُبهر جعلت دولة فرعون تغرق وكأنها قشّة وأي تنجية! تلك التنجية مبالغ فيها قال (نجيناكم) ثم هناك تنجيات أخرى على مدى أربعين خمسين مائة سنة كم تنجية أنجاهم؟ التنجية الأولى غير معقولة إسقاط دولة بشبر ماء.
مرة قال (يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ) ومرة قال (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ) لا يوجد تناقض، القتل قتل والقتل أنواع هناك إعدام، هناك شنق، هناك رصاص، هناك تحريق، هناك تغريق، هذا مشاهد في العالم هكذا كان يفعل فرعون ببني إسرائيل كان يقتلهم عن طريق الذبح ولهذا سيدنا موسى لما وُلد جاء الذباحون أوحى تعالى إلى أم موسى (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) القصص) فنجى من الذبح، آية تتكلم عن مبدأ القتل (يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ) وفي البقرة قال (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ) فالقتل عن طريق الذبح. هكذا الفرق بين الآيتين.
* ما الفرق بين الأبناء والأولاد؟(د.فاضل السامرائى)
الأبناء أي الذكور جمع إبن بالتذكير مثل قوله تعالى (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ (49) البقرة) أما الأولاد فعامة للذكور والإناث. أبناء جمع إبن وهي للذكور أما أولاد فهي جمع ولد وهي للذكر والأنثى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11) النساء) الذكر والأنثى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ (233) البقرة) الإرضاع للذكور والإناث.
آية (50):
*ما اللمسة البيانية في ورود لفظة اليم 8 مرات في قصة موسى ووردت لفظة البحر 8 مرات في القصة نفسها ووردت لفظة البحرين مرة واحدة؟(د.فاضل السامرائى)(1/185)
القرآن الكريم يستعمل اليم والبحر في موقفين متشابهين كما في قصة موسى - عليه السلام - مرة يستعمل اليم ومرة يستعمل البحر في القصة نفسها اليمّ كما يقول أهل اللغة المحدثون أنها عبرانية وسريانية وأكادية وهي في العبرانية (يمّا) وفي الأكادية (يمو) اليمّ وردت كلها في قصة موسى ولم ترد في موطن آخر ومن التناسب اللطيف أن ترد في قصة العبرانيين وهي كلمة عبرانية. لكن من الملاحظ أن القرآن لم يستعمل اليم إلا في مقام الخوف والعقوبة أما البحر فعامة ولم يستعمل اليم في مقام النجاة، البحر قد يستعمله في مقام النجاة أو العقوبة. قال تعالى (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) هذا خوف، (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (136) الأعراف) ، (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) طه) هذه عقوبة، أما البحر فعامة استعملها في النِعم لبني إسرائيل وغيرهم ،في نجاة بني إسرائيل استعمل البحر ولم يستعمل اليم. واستعمل البحر في النجاة والإغراق (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (50) البقرة) استعملها في الإغراق والإنجاء (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) أي أنجيناهم. اليم يستعمل للماء الكثير وإن كان نهراً كبيراً واسعاً يستعمل اليم ويستعمل للبحر أيضاً.
اللغة تفرق بين البحر والنهر واليم: النهر أصغر من البحر والقرآن أطلق اليم على الماء الكثير ويشتق من اليم ما لم يشتقه من البحر (ميموم) أي غريق لذلك تناسب الغرق. العرب لا تجمع كلمة يم فهي مفردة وقالوا لم يسمع لها جمع ولا يقاس لها جمع وإنما جمعت كلمة بحر (أبحر وبحار) وهذا من خصوصية القرآن في الاستعمال. كونها خاصة بالخوف والعقوبة هذا من خصوصية الاستعمال في القرآن.
آية (51):(1/186)
* ما الفرق بين قوله تعالى (وواعدنا موسى أربعين ليلة) وقوله (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر)؟
د.فاضل السامرائى:
قال تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ {51}) وقال في سورة الأعراف (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ {142}) آية فيها إجمال وآية فيها تفصيل لكن لماذا الإجمال في موضع والتفصيل في موضع آخر؟ لو عدنا إلى سياق سورة البقرة نجد أنه ورد فيها هذه الآية فقط في هذا المجال بينما في المشهد نفسه في سورة الأعراف فيه تفصيل كبير من قوله تعالى (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ {142}) إلى قوله (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ {145}) الكلام طويل والقصة والأحداث في المواعدة مفصلة أكثر في الأعراف ولم تذكر في البقرة لأن المسألة في البقرة فيها إيجاز فناسب التفصيل في سورة الأعراف والإيجاز في سورة البقرة لذا جاء في الأعراف أن موسى - عليه السلام - صام ثلاثين يوماً ثم أفطر فقال تعالى صم فصام عشرة أيام أخرى أما في سورة البقرة فجاءت على سبيل الإجمال (أربعين يوماً).
د.أحمد الكبيسى:(1/187)
الآن نفس الشيء الله قال (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ {142} الأعراف) وفي آية أخرى قال (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً {51} البقرة) لماذا مرة أربعين ومرة ثلاثين زائد عشرة؟ نفس الشيء لكن ما الحكمة؟ فعلاً بحثنا عنها في كل مكان ما وجدناها. الذي حصل ما يلي: رب العالمين لماذا يقول له أربعين سنة روح ؟ كلهم قالوا أنه في الحقيقة قال له صم لا ينبغي ولا يليق بالله عز وجل أن تقابله وأن تكلمه وأنت مليء بالطعام والغازات وطبعاً رب العالمين سيدنا موسى فرّ يعني انهزم هرب وهو موسى لاحظ قال ما يليق أنت بطنك مليئة أشياء قد يخرج منك- بول - فهناك من عندما يخاف يبول على نفسه فرب العالمين سبحانه وتعالى أراد أن يهيأ سيدنا موسى تهيئة كاملة بحيث يستطيع أن يصمد أمام تلك الحالة الوحيدة الفريدة له في التاريخ وهو أن الله كلّمه. فرب العالمين قال له أربعين يوم تصوم صوماً كامل وتأتي ناشف ما فيك أي احتمال لأي خلل يسيء الأدب أو يفسد وجودك معي، مقابلتك لي، أربعين يوم لكن أربعين يوم الله لم يأمره بها. ففي الآية التي تسبقها الآية الأساسية الأولى (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً) الله قال يا موسى صم ثلاثين ليلة وفعلاً شهر الصوم في كل الأديان شهر وراح موسى شهر ولما صام ونشف تماماً بعقله البشري طبعاً ثلاثين يوم لم يكن في ذلك الوقت هنالك مطهر لم يكن هنالك شيء فجلس حوالي يوم كامل يفرك بأسنانه وينظفها وينظف رائحة فمه رب العالمين سيكلمه وجهاً لوجه فهذا اختراع سيدنا موسى يعني هداه عقله والتفكير البشري منطقي.(1/188)
كلنا لما تقابل أنت وجيه تقابل أمير تقابل شيخ تضع عطراً وتتعطر وتنظف ملابسك تكون تليق بمقابلة الملوك فما بالك بملك الملوك؟! سيدنا موسى فعلاً تعطر وتزين وغير من شكله مقابلة ملكية يا الله مقابلة تاريخية لم يحظَ بها إلا موسى من جميع بني آدم إلى يوم القيامة ونظف أسنانه بالتراب حاول بأي شيء عنده فجاء سيدنا موسى إلى رب العالمين كأنه عريس. الله قال له ما الذي فعلته؟ - بما معناه طبعاً هذا كلامنا نحن نشرح- قال له ما هذا الذي فعلته؟ قال أنا أتيت لأكلمك فقال له أنا أمرتك بالصيام لكي أشم رائحة فمك (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك) كل عطور الدنيا لا تساوي عندي وأنا رب العالمين، نفحة من نفحات فمك التي ترونها غير لائقة أنا أراها مسك، أطيب عندي من رائحة المسك لأنه ما من عبادة أحب إلي من عبادة الصيام (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي) ومن ضمن ذلك فإنه لي أنا أحب أن أشم رائحته – بما يليق به سبحانه وتعالى- رائحة فم الصائم التي تضايقنا نحن هي عند الله خيرٌ من كل عطور الدنيا قال له إذهب عشرة أيام أخرى صم ولا تنظف فمك وتعال. واضح إذاً الفرق (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ) ثم قال الله (فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً {142} الأعراف).
آية (52) :
*انظر آية (27).?? ?
آية (53):
*(وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) البقرة) ما الفرق بين الكتاب والفرقان؟ في سورة القصص (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)) لم يذكر الفرقان وذكره في آية البقرة فلماذا؟(د.فاضل السامرائى)(1/189)
الكتاب هو التوراة والفرقان هي المعجزات التي أوتيها موسى كالعصى والمعجزات الأخرى وهي تسع آيات والفرقان بين الحق والباطل الذي يفرق بين الحق والباطل.
لكن السؤال لماذا قال في الأولى الكتاب والفرقان وفي الثانية قال الكتاب فقط؟ قلنا السياق هو الذي يحدد. الأولى جاءت في سياق الكلام عن بني إسرائيل (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ (40) البقرة) أما الثانية فقال (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ) من الذي شاهد الفرقان؟ شاهده بنو إسرائيل وفرعون الذين كانوا حاضرين لكن الناس الآخرين لم يشاهدوا هذا الشيء فلما قال بصائر للناس لم يقول الفرقان لأنهم لم يشاهدوا هذا الشيئ لكن لما خاطبهم قال (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) كان الخطاب لهم هم الذين شاهدوا فلما تكلم مع بني إسرائيل خصوصاً قال الكتاب والفرقان، لما قال بصائر للناس قال الكتاب، الفرقان ذهب وبقي الكتاب والكتاب بصائر للناس وكثير من الناس لم يشاهدوا هذه المعجزات الذين شاهدها هم الحاضرون والباقون لم يشاهدوها. هو يريد أن يركز لذلك يختار الكلمات بحيث المراد منها.
آية (57):
*(وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) البقرة) تقدّم المفعول به وهو (أنفسهم) على الفعل وهو (يظلمون) أفكان التقديم لتناسب الفاصلة القرآنية وحسب أم كان لنكتة بلاغية ولغوية؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
إن في تقديم المفعول به على فعله تأكيداً وتنويهاً: فيه تأكيد على أن حالهم كحال الجاهل بنفسه فالجاهل يفعل بنفسه ما يفعله العدو بعدوّه، وفيه تنويه لك أيها المسلم أن الخروج من طاعة الله سبحانه وتعالى أولاً وآخراً فيه ظلم ولكنه ظلمٌ لنفسك قبل ظلمك لغيرك.(1/190)
* ما الفرق بين قوله تعالى فى سورة البقرة(وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)وفي آل عمران (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) آل عمران) بدون (كانوا) ؟(د.فاضل السامرائى)
في عموم القرآن لما يتكلم عن الحال أي الوقت الحالي وليس الزمن الماضي وإنما مطلق يقول (أنفسهم يظلمون) ، ولما يتكلم عن الأقوام البائدة القديمة الماضية يقول (كانوا أنفسهم يظلمون).
آية (58):
*انظر آية (35)???.
*(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً (58) البقرة) وفي آية أخرى (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ (161) الأعراف) فما الفرق بينهما؟
*د.فاضل السامرائى:-
هنالك أكثر من مسألة في اختلاف التعبير بين هاتين الآيتين . إحدى الآيتين في البقرة والثانية في الأعراف.
آية البقرة (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)) وفي الأعراف (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)) لو أردنا أن نُجمِل الاختلاف بين الآيتين:
سورة البقرة ... سورة الأعراف
(وإذ قلنا) ... (وإذ قيل لهم) بالبناء للمجهول
(ادخلوا هذه القرية) ... (اسكنوا هذه القرية)
(فكلوا) ... (وكلوا)
(رغداً) ... لم يذكر رغداً لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم.
(وادخلوا الباب سجّداً وقولوا حطة) ... (وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً) قدم القول على الدخول
(نغفر لكم خطاياكم) ... (نغفر لكم خطيئاتكم)
(وسنزيد المحسنين) ... (سنزيد المحسنين)(1/191)
قلنا في أكثر من مناسبة أن الآية يجب أن توضع في سياقها لتتضح الأمور والمعنى والمقصود: آية البقرة في مقام التكريم تكريم بني إسرائيل، بدأ الكلام معهم بقوله سبحانه (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) البقرة) العالمين هنا أي قومهم في زمانهم وليس على كل العالمين الآن واستعمل القرآن العالمين عدة استعمالات (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) الحجر) يعني فضلناكم على العالمين في وقتهم وليس كل العالمين. إذن السياق في البقرة في مقام التكريم يذكرهم بالنعم وفي الأعراف في مقام التقريع والتأنيب. هم خرجوا من البحر ورأوا أصناماً فقالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة وعبدوا العجل وهذا لم يذكره في البقرة وانتهكوا حرمة السبت ورد في سياق آخر غير سياق التكريم وإنما في سياق التقريع والتأنيب وذكر جملة من معاصيهم فالسياق اختلف. قال في البقرة (وإذ قلنا) بإسناد القول إلى نفسه سبحانه وتعالى وهذا يكون في مقام التكريم وبناه للمجهول في الأعراف للتقريع (وإذ قيل لهم) مثل أوتوا الكتاب وآتيناهم الكتاب، أوتوا الكتاب في مقام الذم. قال (ادخلوا القرية فكلوا) في البقرة فكلوا الفاء تفيد الترتيب والتعقيب يعني الأكل مهيأ بمجرد الدخول الأكل موجود ادخلوا فكلوا أما في الأعراف (اسكنوا وكلوا) الدخول ليس سكناً فقد تكون ماراً إذن الأكل ليس بعد الدخول وإنما بعد السكن، ولم يأت بالفاء بعد السكن أما في البقرة فالفاء للتعقيب الأكل بعد الدخول وأتى بالفاء. (وكلوا) الواو تفيد مطلق الجمع تكون متقدم متأخر، ففي البقرة الأكل مهيأ بعد الدخول أما في الأعراف فالأكل بعد السكن ولا يدرى متى يكون؟ الأكرم أن يقول ادخلوا فكلوا.(1/192)
وقال (رغداً) في البقرة ولم يقلها في الأعراف لأنها في مقام تقريع، رغداً تستعمل للعيش يعني لين العيش ورخاؤه، رغداً تتناسب مع التكريم. (وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ) يعني حُطّ عنا ذنوبنا من حطّ يحط حطة أي إرفع عنا، قدّم السجود على القول أما في الأعراف (وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا)، أولاً السجود أفضل الحالات، أقرب ما يكون العبد لربه فالسجود أفضل من القول لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فقدّم ما هو أفضل (وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ) وفي الأعراف جاء بالسجود بعد القول. إضافة إلى أن السياق في البقرة في الصلاة والسجود قبلها قال (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) البقرة) والسجود من أركان الصلاة وقال بعدها أيضاً (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) البقرة) السياق في الصلاة فتقديم السجود هو المناسب للسياق من نلحية أخرى في المقام. في البقرة قال نغفر لكم خطاياكم وهو جمع كثرة وفي الأعراف خطيئاتكم جمع قلة، خطايا جمع كثرة وخطيئات جمع قلة، جمع المذكر السالم يفيد القلة إذا كان معه جمع كثرة وإذا لم يكن معه جمع كثرة فإنه يستعمل للكثرة والقلة مثل سنبلات وسنابل، إذا كان معه في لغة العرب وليس في الآية، خطايا جمع كثرة وخطيئات جمع قلة، كافرات وكوافر كافرات جمع قلة وكوافر جمع كثرة. طالما هناك جمع كثرة الأصل في جمع السالم مذكر أو مؤنث يكون للقلة هذا الأصل فيه. فإذن خطايا جمع كثرة وخطيئات جمع قلة، نغفر لكم خطاياكم وإن كثرت، خطيئاتكم قليلة، أيها الأكرم؟ خطاياكم أكرم. إذن آية الأعراف لم تحدد أن خطاياهم قليلة لكن ما غُفر منها قليل إذا ما قورن بآية البقرة. في آية البقرة يغفر كل الخطايا أما في الأعراف فيغفر قسماً منها.(1/193)
وقال في البقرة (وسنزيد المحسنين) جاء بالواو الدالة على الاهتمام والتنويه وقال في الأعراف (سنزيد المحسنين) بدون الواو. وهنالك أمور أخرى في السياق لكن نجيب على قدر السؤال. الخطاب في الآيتين من الله تعالى إلى بني إسرائيل والأمر بالدخول للقرية والأكل واحد لكن التكريم والتقريع مختلف والسياق مختلف. حتى نفهم آية واحدة في القرآن يجب أن نضعها في سياقها لا ينبغي أن نفصلها. إذا أردنا أن نفسرها تفسيراً بيانياً نضعها في سياقها وقال القدامى السياق من أهم القرائن. لا يكفي أن نقول مرة قال وكلوا ومرة فكلوا لأنه يبقى السؤال لماذا قال؟ هي في الحالين حرف عطف لكن حرف العطف يختلف، أقبل محمد لا خالد، وأقبل محمد وخالد، ما أقبل محمد بل خالد كلها عاطفة لكن كل واحدة لها معنى.
*د.أحمد الكبيسى:-
سورة البقرة ... سورة الأعراف
آيتان من آيات بني إسرائيل يقول تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ {58} البقرة) ... نفس الآية بالضبط جاءت في سورة الأعراف (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ {161} الأعراف)
(وإذ قلنا) ... (وإذ قيل لهم)
(ادخلوا هذه القرية) ... (اسكنوا هذه القرية)
(فكلوا)بالفاء ... (وكلوا) بالواو
(نغفر لكم خطاياكم) ... (نغفر لكم خطيئاتكم)
(وسنزيد المحسنين) فيها واو ... (سنزيد المحسنين)
(ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة) ... (قولوا حطة وادخلوا الباب سجداً)(1/194)
هذه مجمل الاختلافات بين الآيتين وكلها تدور في حدثٍ واحد في مقطعٍ واحد في أرضٍ واحدة ولكن تركيب الآية أو الصياغة اللفظية تختلف اختلافاً شديداً بين الآيتين هذا ليس عبثاً.وكما نعلم أن هذا هو المتشابه وكل اختلافٍ من هذه الاختلافات يعطيك جانباً من الصورة إذا ألممت بها كثيراً فإنك حينئذٍ تكون قد عرفت تفاصيل القصة.(1/195)
o لنبدأ هنا في آية البقرة الله تعالى يقول لبني إسرائيل (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا) وإذ قلنا، في الأعراف (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ) نفس القضية؟ لا، في البداية رب العالمين لما تاهوا وقالوا يا موسى نحن جُعنا (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا {61} البقرة) وشكوا له الخ.. رب العالمين أمرهم قال (وَإِذْ قُلْنَا) لهم نحن الله عز وجل قلنا لهم (ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ) وهي بيت المقدس كما تقول أصح الروايات لأن في آية أخرى تقول (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ {21} المائدة) فهي إذاً بيت المقدس. إذاً رب العالمين في البداية أمرهم أن يدخلوا هذه القرية (وَإِذْ قُلْنَا) رب العالمين قالها مرة واحدة ولكن تعرفون بني إسرائيل ليسوا طيّعين ولا طائعين أهل نقاش فانظر فى قصة البقرة قالوا ما لونها وما هي الخ أهل لجاجة وكما هم اليوم فاليوم كل العالم يعلم أن أي مفاوضات مع اليهود لا تخرج منها بنتيجة لشدة ولعهم بالدوران والفر والكر والألفاظ المموهة والألفاظ التي تحتمل معنيين ليسوا صريحين.(1/196)
فحينئذٍ أنبيائهم واحد تلو الآخر بدأوا يحثونهم (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ) عن طرق أنبيائهم رب العالمين عندما قال (قُلْنَا) لما كان سيدنا موسى موجوداً، على لسان سيدنا موسى ثم على لسان الأنبياء يا جماعة ألم يقل رب العالمين ادخلوا؟ ادخلوا وكما تعرفون القصة (إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا {22} المائدة) يعني القرآن وضّح هذا من كثرة تكرار الأنبياء لهم بعد سيدنا موسى قال (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ) إذاً في زمن سيدنا موسى رب العالمين هو الذي قال، بعد سيدنا موسى محاولات أخرى جادة من أنبيائهم ضد لجاجات بني إسرائيل ادخلوا ادخلوا ادخلوا إذاً هذا الفرق بين (وَإِذْ قُلْنَا) نحن الله و (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ) قال لهم أنبيائهم مثل يوشع وذا النون الخ من بقية الأنبياء. هذا الفرق بين الآيتين لما رب العالمين قال (وَإِذْ قُلْنَا) أنت ستفهم أن هذا في زمن سيدنا موسى عندما قال الله ذلك، بعد سيدنا موسى جاء أنبياء آخرون يقولون يا جماعة ألم يقل لكم رب العالمين ادخلوا؟ ادخلوا (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ) عن طريق أنبيائهم. إذاً هي هذه الفعل من الماضي قال قلنا وقيل معلوم مجهول رسم لقطة لا يمكن فهمها إلا بهذه الطريقة هذه (وَإِذْ قُلْنَا) و (وَإِذْ قِيلَ).(1/197)
o اللقطة الثانية: في البقرة (ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ) وفي الأعراف (اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ) واضح الفرق ادخلوا في البداية، رب العالمين أمركم أن تدخلوا هذه القرية. يا ترى الدخول مؤقت؟ يوم يومين؟ قال لا تستقرون بها نهائياً اسكنوا فيها فحينئذٍ رب العالمين ماذا قال لسيدنا آدم (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ {35} البقرة) هذه القرية إذاً فيها سكنكم وطمأنينتكم ومستقبلكم فهذا هو وطنكم الخ في البداية أمر بالدخول ماذا بعد الدخول؟ نخرج؟ أحياناً كما تعلمون رب العالمين يأمر الأنبياء بالهجرة ،هنا قال لا إذا دخلتم هذه القرية فإنها آخر قرية - نحن قلنا القرية في القرآن يعني المجتمع كل مدينة كل قطر كل كتلة بشرية تسمى قرية - حينئذٍ رب العالمين لما قال (ادخلوا) في البداية لما قال (اسْكُنُوا) يعني بعد أن تدخلوا لا تفكروا بالخروج منها وإنما اسكنوا بها بشكل نهائي هذا الفرق بين (ادْخُلُوا) وبين (اسْكُنُوا).(1/198)
o مرة قال (فَكُلُوا مِنْهَا) ومرة قال (وَكُلُوا مِنْهَا) بالواو انظر إلى دقة القرآن الكريم لما شكوا له من الجوع وقالوا ابعث لنا شيئاً نأكله (مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا) قال (ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا) لأنهم جائعون وحينئذٍ ادخلوا هذه القرية بسبب هذا الدخول سوف تأكلون (ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا) هذا بعد أن دخلوا لأول مرة. لما سكنوا كلما جاعوا يأكلون قال (وَكُلُوا) إذاً مستمرة ولاحظ أيضاً في البقرة قال (فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا) إن كان ذلك الدخول في موسم في غاية الثراء من حيث الموسم الزراعي لكن في الأعراف لم يقل رغداً لأنك طبعاً أنت ساكن في المدينة مرة رغداً مرة ليس رغداً، مرة في مطر مرة ما في مطر، مرة في نبات مرة مافي نبات بس قال (وَكُلُوا مِنْهَا) لم يقل رغداً لأن فرق بعد الدخول أمروا بوقت محدد أن يدخلوا ذلك الوقت كان يهيئ لهم الأكل رغداً لما سكنوا بها مرة رغداً ومرة ما في رغداً فرب العالمين لم يستخدم كلمة رغداً في قصة الأعراف.(1/199)
o ثم قال رب العالمين (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ) في الأعراف (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) الباب باب المسجد فلما قال (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ) يعني ادخلوا الباب وقولوا حطة اللهم حُطَّ عنا خطايانا لأن خطايا بني إسرائيل كثيرة جداً من زمن سيدنا موسى إلى اليوم ما من أهل دين عصوا أنبياءهم وقتلوهم وشردوهم واتهموهم باللواطة وبالزنا كما فعل اليهود بأنبيائهم. الله قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى {69} الأحزاب) اتهموه ولوط قالوا هذا زنا ببناته الخ فلم يتركوا نبي ولهذا الله يقول (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) للخضوع والخشوع والتذلل حتى نغفر لكم (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) هكذا كأنكم راكعون أو ساجدون زحفاً وقولوا يا رب حط عنا يا رب حط عنا الخطايا حديث أن التوبة تقتضي تذللاً فما من تائب يقول يا رب اغفر لي بل بتذلل يقول اللهم أنت ربي أنت رب العالمين خلقتني وأنا عبدك بالتذلل والتضرع، التذلل باللسان (وَقُولُوا حِطَّةٌ) ربي حط عنا خطايانا وقال ( سُجَّدًا) يعني خاشعين خشعاً وهذه هي عناصر التوبة إذا أردت أن تتوب فإن عليك أن تتذلل وتتضرع إلى الله بلسانك ربي اغفر لي يا أرحم الراحمين إنك الغفور الرحيم وقلبك في غاية الخشوع مع الله سبحانه وتعالى وهذه من علامات قبول التوبة. إذاً الآية تقول (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ) أنت ادخل وقل يا ربي اغفر لي .(1/200)
لكن في الأعراف (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) معنى ذلك أنت عليك أن تستغفر الله عز وجل قبل الدخول وأثناءه وبعده وهذه حتى عند المسلمين من لزم الاستغفار (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجاً ومن كل ضيقٍ مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب) كل حاجاتك إذا أردتها أن يوفقك الله إليها من أقصر الطرق إليها كثرة الاستغفار (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا {10} يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا {11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {12} نوح) معنى هذا أن الاستغفار يأتي بالرزق ويزيل الهم ويفرج الكروب ويأتي بالخصب ويأتي بالبهجة والرغد. حينئذٍ لما رب العالمين أراد أن يتوب عليهم وقد ساءت أعمالهم فرب العالمين قال (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) يعني أنتم عندما تدخلون المسجد ائتوه وأنتم تزحفون ساجدين وقولوا ربي اغفر ربي اغفر حطة حطة حط عنا حط عنا حط عنا يا رب العالمين فإذا دخلتم المسجد استمروا بهذا. إذاً (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ) (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) اختلاف التقديم والتأخير يقوم برسم مقطعين مختلفين في هذه القصة.(1/201)
o في سورة البقرة (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) في الأعراف (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ) ما الفرق؟ كل واحد منا ذنوبه لا تحصى من ساعة ما بلغ في الخامسة العشرة إلى أن بلغ حتى المائة لا يمر يوم إلا وعنده خطيئة ما يمكن يمر يوم إلا وعندك خطيئة حتى لو أنك اغتبت أحداً بمزحة ما معقول ليس هناك واحداً عنده جار جائع وما أنصفه ما معقول لم تتكلم مع أبويك بغلظة بسيطة ما معقول ما أسأت إلى زوجتك أو أهلك لا بد أن يكون عندك ذنب فذنوبنا كالرمل لكن كل واحد منا في حياته ذنوب يئن منها ليل نهار وعندما يموت يتذكر قتل فلان ويوم من الأيام كفر ويوم من الأيام أكل مال فلان ويوم من الأيام لم يصلي ويوم عق والديه هذه الكبائر التي هي مفاصل ومعالم على طريق العمر. كل واحد منا نحن عندما نقرأ عن الخلفاء مثلاً والملوك العرب وكل الملوك خاصة إذا كان هو يخاف الله ويؤمن باليوم الآخر عند الفراش يئن من ذنب فعله .هكذا كل من له ذنوب كبيرة حينئذٍ يذكرها ساعة الاحتضار إذا ما تاب عنها.(1/202)
في الآية الأولى قال (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) كلها بدون تعداد كل الخطايا ربما يكون واحد منهم شك قال لكن هذا خطاياكم شيء وأنا كوني قتلت فلان شيء آخر لأن بني إسرائيل عندهم جرائم رهيبة ورب العالمين أحياناً سلط بعضهم على بعض (ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {54} البقرة) يعني عاقبهم عقاباً أرسل عليهم زوبعة هائلة بحيث لا يرى الواحد الآخر وبالسيوف قتل بعضهم بعضاً قتل حوالي سبعين ألف حينئذٍ هذه ذنوب خطيرة ذنوب تتعلق يعني مثلاً سدينا موسى ذهب لكي يقابل رب العالمين فعبدوا العجل! من ينسى هذه الجريمة؟ اتخذوا العجل (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ {138} الأعراف) جرائم خطيرة عندهم حوالي سبع أو ثماني جرائم عددها القرآن الكريم من الموبقات. هذه خطايا المعدودة خطيئات وجملة الذنوب سماها خطايا. كلمة خطيئات وخطايا الخطايا كل ذنوبنا هي خطايا التي هي معالم خطيرة في حياتك تئن منها عند الموت هذه خطيئات فهنا لما رب العالمين مرة قال (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) كلها ثم قال حتى تلك الرهيبة وهي الخطيئات لأنها معدودة محددة معروفة لا ينساها العبد ويتذكرها جيداً وهو على فراش الموت وهي التي تهلكه وتوبقه يوم القيامة.(1/203)
النبي صلى الله عليه وسلم قال (إياكم والسبع الموبقات) الموبقات لم يقل الموبقة وفعلاً الموبقات حوالي خمسين ستين وحدها الكبائر حوالي سبعين ثمانين لكن هذه الموبقات المهلكات قال سبعة وهي قتل النفس وعقوق الوالدين أكل الربا أكل مال اليتيم أما عندك الغيبة والحقد والكراهية والسباب كثير جداً لكن هذه لا تقال عنها موبقات تقال موبقة هذه الموبقات لأنها معروفة محددة لا تتغير ولا تتبدل هذا الفرق بين (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ) و (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ).
o أخيراً قال في سورة البقرة (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) بينما في الأعراف قال (سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) أنت لاحظ أن آية البقرة فيها يعني قوة لماذا؟ رب العالمين يقول (وَإِذْ قُلْنَا) أنا رب العالمين الذي قلت أنا قلت لكم، لما كان المخاطِب رب العالمين يكون عطاؤه أكثر يعني فرق بين الملك يخاطب زيد من الناس وبين الملك يبعث واحد قل لفلان وفلان شيء يعني عندما يخاطبك الملك مباشرة يكون عطاؤه أعظم بينما عندما يرسلك شخص يبلغك يكون العطاء أقل والله قال (وَإِذْ قُلْنَا) قال (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) واو للتأكيد تدل على كمية العطاء الهائلة بينما في سورة الأعراف أنبياء كانوا يتكلمون معهم وليس رب العالمين بشكل مباشر قال (سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) يعني لو أنك ذهبت إلى الملك قلت له يا صاحب الجلالة في واحد فلان الفلاني محتاج قال له سنكرمه فلما تقابله أنت وجهاً لوجه لا سنكرمك بقوة لأنه أنت عطاؤه مباشر. هذا الفرق بين (سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) و (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) .(1/204)
إذاً رب العالمين سبحانه وتعالى لما قال (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) وهذا حكمٌ عام جاء في الكتب الثلاثة ونحن نعرف أن هناك أحكام مشتركة بين التوراة والإنجيل والقرآن شرعُ من قبلنا شرعٌ لنا وأحكام محددة وآيات محددة حينئذٍ المسجد الذي هو مكان الصلاة سواء كان كنيسة أو بيعة أو جامع مسجداً في العبادة الصحيحة في زمن سيدنا موسى وزمن سيدنا عيسى وزمن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أجرها واحد وكلنا نعرف ما هو أجر المساجد، مجرد حبها (رجلٌ معلقٌ قلبه بالمساجد) (من دخل المسجد فهو ضامنٌ على الله) (ثلاث مجالس العبد فيها على الله ضامن ما كان في مسجد جماعة وما كان في مجلس مريض وما كان في مجلس إمام تعزّره وتوقره) هذه المجالس العبد فيها على الله ضامن. فرب العالمين لما يقول لبني إسرائيل (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) قبل الدخول وبعد الدخول وأثناء الدخول كما يدخل المسلم المسجد كما قال صلى الله عليه وسلم (أحب البقاع إلى الله المساجد) وقال (المساجد بيوتي وعُمّارها زوّاري وحقٌ للمزور أن يُكرِم زائره) والحديث في هذا الباب تعرفونه جيداً ما هو فضل الصلاة في المسجد على الصلاة في البيت؟ ثم ما هو حكم من يعتاد المسجد عند الله؟ قال نشهد له بالإيمان. وحينئذٍ فهذا الموضوع كله كان قد حُكي لبني إسرائيل عندما قال لهم سبحانه وتعالى (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ).(1/205)
إذاً رب العالمين كما تعلمون لما قال (ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ) كما الله قال بالضبط نفس المعنى مع اختلاف كبير في الحيثيات (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ {4} قريش) (اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ) يعني الشكر على تلك النعمة وقبلها قال (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} الفيل) شكراً لهذه النعمة الذي آمنكم من خوف وهنا أطعمكم من جوع.
آية (59):
*قال تعالى (فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) البقرة) – (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) الأعراف)ما الفرق بين الآيتين؟(د.أحمد الكبيسى)
((1/206)
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) البقرة) وفي الأعراف (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)). في البقرة (فأنزلنا) وفي الأعراف (فأرسلنا). أنزلنا أول مرة لما عصى بنو إسرائيل لما قيل لهم ادخلوا القرية وقولوا حطة قالوا كلاماً آخر فأنزل عليهم رب العالمين رجزاً من السماء وهذا الرجز أنواع منهم من قال هو غبار ومنهم من قال قتل بعضهم بعضاً، كلام كثير، المهم أول مرة أنزل الله عليهم الرجز هذا لما كانوا في التيه، ثم غيروا في كل مرة يحرفون الكلم عن مواضعه ومن بعد مواضعه قال (فأرسلنا) أصبح الرجز يأتيهم من غير أن يأمره الله بالخصوص، رب العالمين أمر هذا الرجز أن يأتي على بني إسرائيل كلما عصوا وكلما بدلوا وحرفوا ما أمرهم بهم أنبياؤهم إلى يوم القيامة، هذا الرجز مستمر إلى يوم القيامة (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ (167) الأعراف) وهذا واقع في كل جيل ما من جيل إلا ويقع عليهم الرجز لشدة ظلمهم قال (بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ) الأولى (بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) الظلم باق إلى يوم القيامة وكل دول العالم بطشت بهم ويقول الكاتب الأميركي صاحب كتاب "من يستطيع الكلام في أميركا" يقول إنه لشيء فظيع ومخيف أن تكون يهودياً في أميركا، يتكلم عن كيف أن اليهود يعبثون بمصالح الأميركيين قال له كيسنجر لماذا؟ قال كأني أراهم وقد عمدوا إلى السلاح عندما يكتشفون كيف نعبث بمصالحهم.(1/207)
إذن هذا الرجز إلى يوم القيامة إسبانيا قتلوهم وألمانيا قتلوهم وروسيا قتلوهم والوحيدون الذين آووهم وأحسنوا معاملتهم هم العرب والمسلمون لهذا ما من مكان آمن لهذه الديانة اليهودية والنصرانية إلا دول الإسلام التي تؤمن بكتابهم وبنبيهم لا نفرق بين أحد من رسله، قدسية سيدنا موسى وسيدنا عيسى كقدسية سيدنا محمد وقدسية الشريعة اليهودية والشريعة النصرانية والشريعة الإسلامية واحد المسلمون فقط هم الأمناء على هاتين الملتين ومع ذلك يفعلون بهم ما يفعلون. إذن أرسلنا، والغريب أن اليهود يحبون ذلك ويسمونها لعنة بني إسرائيل ويستقبلونها ببالغ البطولة والشجاعة لأنها عندهم شهادة كما نحن نحب الشهادة هم يحبونها عندما يقع عليهم الظلم والإبادة في كل مكان. ولذلك أتذكر كان ريغن يقول أتمنى أن لا أموت إلا أن أكون في هرم جدون وهي عند التوراتيين والإنجيليين معركة تقع بين المسلمين وبين اليهود فيتغلب المسلمون على اليهود فيذبحونهم بالكامل هكذا هم يقولون، ريغن يتمنى أن يعيش حتى يموت شهيداً في هرم جدون في القدس. إذن هذا الذي قال تعالى (فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) البقرة) مرة واحدة ثم قال (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) الأعراف) وما من أحد يظلم أحداً كما يفعل اليهود عند من يساكنوهم تأويهم الدولة وتعطيهم ويتمكنوا منها حتى ينقلبوا عليهم وهم سعداء بأنهم يموتون شهداء. وهذا الفرق بين قوله تعالى (فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ) و(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ) أصبح مرسلاً ياتيهم بشكل متوالي بشكل تلقائي كلما ظلموا شعباً يأتيهم العقاب.(1/208)
الإرسال مستمر إلى يوم القيامة (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ (167) الأعراف) وهذا يعترفون هم به أنفسهم.
آية (60):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين (انفجرت) في سورة البقرة و(انبجست) في سورة الأعراف في قصة موسى؟(د.فاضل السامرائى)
جاء في سورة البقرة (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ {60}) وجاء في سورة الأعراف ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {160}).
والسؤال ماذا حدث فعلاً هل انفجرت أو انبجست؟ والجواب كلاهما وحسب ما يقوله المفسرون أن الماء انفجرت أولاً بالماء الكثير ثم قلّ الماء بمعاصيهم وفي سياق الآيات في سورة البقرة الذي يذكر الثناء والمدح والتفضّل على بني إسرائيل جاء بالكلمة التي تدل على الكثير فجاءت كلمة (انفجرت) أما في سورة الأعراف فالسياق في ذمّ بني إسرائيل فذكر معها الإنبجاس وهو أقلّ من الإنفجار وهذا أمرٌ مشاهد فالعيون والآبار لا تبقى على حالة واحدة فقد تجفّ العيون والآبار فذكر الإنفجار في موطن والإنبجاس في موطن آخر وكلا المشهدين حصل بالفعل.(1/209)
إذا لاحظنا سياق الآيات في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ {58} فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ {59} وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ {60})
أما سياق الآيات في سورة الأعراف (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ {161}) يمكن ملاحظة اختلافات كثيرة في اختيار ألفاظ معينة في كل من السورتين ونلخّص هذا فيما يأتي:
سورة البقرة ... سورة الأعراف(1/210)
سياق الآيات والكلام هو في التكريم لبني إسرائيل فذكر أموراً كثيرة في مقام التفضيل والتكرّم والتفضّل (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ {49} وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ {50}) و (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ {47}) ... السياق في ذكر ذنوبهم ومعاصيهم والمقام مقام تقريع وتأنيب لبني إسرائيل (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ {138}) والفاء هنا تفيد المباشرة أي بمجرد أن أنجاهم الله تعالى من الغرق أتوا على قوم يعبدون الأصنام فسألوا موسى أن يجعل لهم إلهاً مثل هؤلاء القوم.
قوم موسى استسقوه فأوحى إليه ربه بضرب الحجر (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ) وفيها تكريم لنبيّ الله موسى - عليه السلام - واستجابة الله لدعائه. والإيحاء أن الضرب المباشر كان من الله تعالى. ... فموسى هو الذي استسقى لقومه (إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ)
(كلوا واشربوا) والشرب يحتاج إلى ماء أكثر لذا انفجرت الماء من الحجر في السياق الذي يتطلب الماء الكثير ... (كلوا من طيبات ما رزقناكم) لم يذكر الشرب فجاء باللفظ الذي يدل على الماء الأقلّ (انبجست)(1/211)
جعل الأكل عقب الدخول وهذا من مقام النعمة والتكريم (ادخلوا هذه القرية فكلوا) الفاء تفيد الترتيب والتعقيب. ... لم يرد ذكر الأكل بعد دخول القرية مباشرة وإنما أمرهم بالسكن أولاً ثم الأكل (اسكنوا هذه القرية وكلوا)
(رغداً) تذكير بالنعم وهم يستحقون رغد العيش كما يدلّ سياق الآيات. ... لم يذكر رغداً لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم.
(وادخلوا الباب سجّداً وقولوا حطة) بُديء به في مقام التكريم وتقديم السجود أمر مناسب للأمر بالصلاة الذي جاء في سياق السورة (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ {43}) والسجود هو من أشرف العبادات. ... (وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً) لم يبدأ بالسجود هنا لأن السجود من أقرب ما يكون العبد لربه وهم في السياق هنا مبعدين عن ربهم لمعاصيهم.
(نغفر لكم خطاياكم) الخطايا هم جمع كثرة وإذا غفر الخطايا فقد غفر الخطيئات قطعاً وهذا يتناسب مع مقام التكريم الذي جاء في السورة. ... (نغفر لكم خطيئاتكم) وخطيئات جمع قلّة وجاء هنا في مقام التأنيب وهو يتناسب مع مقام التأنيب والذّم في السورة.
(وسنزيد المحسنين) إضافة الواو هنا تدل على الإهتمام والتنويع ولذلك تأتي الواو في موطن التفضّل وذكر النعم. ... (سنزيد المحسنين) لم ترد الواو هنا لأن المقام ليس فيه تكريم ونعم وتفضّل.
(فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم) ... (الذين ظلموا منهم) هم بعض ممن جاء ذكرهم في أول الآيات
(فأنزلنا على الذين ظلموا) ... (فأرسلنا ) أرسلنا في العقوبة أشدّ من أنزلنا، وقد تردد الإرسال في السورة 30 مرة أما في البقرة فتكرر 17 مرة
(بما كانوا يفسقون) ... (بما كانوا يظلمون) والظلم أشدّ لأنه يتعلّق بالضير
((1/212)
فانفجرت) جاءت هنا في مقام التكريم والتفضّل وهي دلالة على أن الماء بدأ بالإنفجار بالماء الشديد فجاء بحالة الكثرة مع التنعيم. ... (فانبجست) في مقام التقريع قلّ الماء بمعاصيهم فناسب ذكر حالة قلّة الماء مع تقريعهم.
*هل خروج الماء كان كثيراً أو قليلاً؟(د.فاضل السامرائى)
خروج الماء كان كثيراً في البداية لكنه قلّ بسبب معاصيهم. ليس هذا تعارض كما يظن البعض لكن ذكر الحالة بحسب الموقف الذي هم فيه لما كان فيهم صلاح قال انفجرت ولما كثرت معاصيهم قال انبجست. حتى نلاحظ مرة قال (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ (60) البقرة) موسى هو الذي استسقى ومرة قال (إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ (160) الأعراف) طلبوا منه السقيا، أيها الإجابة أكثر أن يستقي النبي أو القوم يستسقون؟ لما يستسقي النبي إذن لما قال استسقى موسى قال انفجرت ولما قال استسقاه قومه قال انبجست. هي كلها صحيحة وهي خروج اثنتا عشرة عيناً. قال (كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ (60) البقرة) لم يقلها لما قال انبجست وإنما قال فقط كلوا (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (160) الأعراف). اشربوا يحتاج إلى ماء إذن الماء الكثير يأتي مع الأكل والشرب فمع الأكل والشرب قال انفجرت لأنه يحتاج إلى ماء ولما لم يذكر الشرب قال انبجست.
*هذه قضية يستعصي على الكثير فهمها فما الموقف الذي حصل بالضبط؟(د.فاضل السامرائى)(1/213)
انفجر بالماء الكثير. من ناحية اللغة (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً) موسى ضرب الحجر لكنه لم يقل فضرب إذن الكلام محذوف وهو مفهوم ولكن لم يذكره. كذلك (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا) لم يقل معها ضرب إذن معناه هنالك تُختزل جُمَل بحسب الحالة مثل (فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) الفرقان) وكذلك في النمل (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)) إذن هناك اختزال، هناك قال انفجرت ثم عصوا ربهم فانبجست وهذا الأمر في القرآن كثير.
*(وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ (60) البقرة) لِمَ قال تعالى (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ) ولم يقل وإذ استسقى موسى ربّه؟ أليس موسى ? أحد أفراد القوم؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
في هذا السؤال دلالة على عناية الله تعالى بعباده الصالحين فهذا الدعاء والاستسقاء يدلك على أن موسى - عليه السلام - لم يصبه العطش لأن الله تعالى وقاه الجوع والظمأ كما قال - صلى الله عليه وسلم - "إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني". وانظر كيف كان الاستسقاء لموسى - عليه السلام - وحده دون قومه فلم يقل ربنا سبحانه وتعالى : وإذا استسقى موسى وقومه ربهم وذلك ليظهر لنا ربنا كرامة موسىِ - عليه السلام - وحده ولئلا يظن القوم أن الله تعالى أجاب دعاءهم.(1/214)
*قال تعالى:( فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً (60) البقرة) وقال (فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا (160) الأعراف) ما الفرق بين انفجرت و انبجست؟(د.أحمد الكبيسى)
هذا في غاية الدقة، الإنفجار ليس كالإنبجاس كما كان يقول الكثير قبل أن نعرض برنامجنا الكلمة وأخواتها، إنفجر غير إنبجس، إنفجر ساعة خروج الماء من الأرض الصلبة أو الحجر الصلبة عندما إنفجر الحجر أين ذهب الماء؟ سال الماء هذا السيل يسمى إنبجاساً فالانبجاس كانبجاس الجرح، إذا انبجس جرحك هو ينفجر أولاً ثم ينبجس بحيث يسيل الدم إلى مكان بعيد، رب العالمين يذكر لنا الحالتين حالة بني إسرائيل مع موسى ساعة الانفجار عندما انفجر هذا الحجر وخرج منه ماء زلال عذب وانفجر بقوة انفجاره بقوة أدى إلى أنه ينبجس أي سال في الأرض التي هي بعد الحجر لكي يشرب منه 12 لواء من ألوية بني إسرائيل، كيف يشرب 12 فرقة من حجر؟ فسال هذا الماء فانبجست. إذن هاتان الآيتان تتحدثان عن تسلسل الواقعة وكل كلمة ترسم جزءاً من صورة وهكذا هو كل القصص القرآني. الإنبجاس لا يكون إلا بعد الإنفجار.إذن هكذا هو الفرق بين انفجرت وانبجست.
آية (61):
*ما المقصود بمصر في الآية (اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ (61) البقرة) ؟(د.فاضل السامرائى)
مصراً منونة يعني أي مدينة من المدن وليست مصر المعروفة لأن هذه الثانية تكون ممنوعة من الصرف (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ (21) يوسف)، إذا صرفت تكون أي مدينة، هذه مصر البلد. أما (مصراً) اي أي بلدة لأن ما طلبوه ليس هنا في الصحراء وإنما في أي مدينة.(1/215)
د.حسام النعيمى: لما قال (اهبطوا مصراً) هنا نوّنها فإذن أيّ بلد. المِصر هو الممصّر أي الذي فيه أيّ بناء، أي ادخلوا أي قرية تجدون فيها عدس وبصل وثوم – ومن الملاحظ أن كل الأشياء التي طلبوها مما ينفخ المعدة – البقل من البقوليات، القثاء هو الخيار الذي يسمونه الآن خيار جثّة وفومها قسم قال الحنطة وقسم قال الثوم لأن العرب تبدل الثاء والفاء بالنسبة للثوم وهي لهجة من لهجات العرب.
*كلمة ضرب تكررت في القرآن كثيراً بمعاني مختلفة فكم معنى لها في اللغة؟( د.فاضل السامرائى)
الضرب كثير في اللغة وهو في اللغة إيقاع شيء على شيء الضرب باليد والعصى. عندنا ضرب الدراهم أي صكّها، الضرب في الأرض أي سار أو تاجر (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ (101) النساء) تجارة أو ابتغاء الرزق، (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ (61) البقرة) مثل الخيمة، ضرب على يد فلان إذا حجر عليه، وضرب على يده إذا تبايعا وتعاقدا على البيع، (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) الكهف) منعناهم من السمع، ضرب المثل يعني بيّنه (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ (78) يس)، (أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ (5) الزخرف) يعني نهملكم. الضرب مختلف في اللغة وهذا يسمى مشترِك لفظي كلمة تتعدد معانيها بتعدد سياقها، ضرب الوتد يعني دقّه، وضرب ابنه يعني ربّاه.
*(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ (61) البقرة) لِمَ لم يقل ربنا سبحانه وتعالى أصابتهم الذلة والمسكنة؟ أليس هذه الصيغة تؤدي معنى ضربت عليهم الذلة والمسكنة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/216)
تخيل قوماً أقاموا في مكان ما فضربت عليهم قُبّة كيف تشاهد هذه الصورة؟ إنك تتخيل أفراداً ماكثين تحت قُبّة بحيث تحوطهم من كل جانب وتظلّهم وكذلك هذه الآية فقد شبّه الله تعالى الذلة والمسكنة بالقبة التي أحاطت أهلها فلازموها ولم يغادروها فكانت الذلة والمسكنة بيتهم الذي لايغادرونه ولا يحولون عنه. والمسكنة هي الفقر وأُخِذ هذا المعنى من السكون لأن الفقر يقلل حركة صاحبه ويجعله يؤثِر السكون.
*(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ (61) البقرة) – (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ (112) آل عمران) ما الفرق بين الآيتين؟(د.أحمد الكبيسى)(1/217)
يتكلم رب العالمين عن بني إسرائيل مرة قال (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ (61) البقرة) مرة واحدة ضربت الذلة أولاً ثم بعد فترة طويلة ضربت المسكنة، إحداهما في البقرة والأخرى في آل عمران، في البقرة يقول تعالى (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا (61) البقرة) أعطاكم رب العالمين هذه الحلوى الهائلة المنّ وهذه الطيور السلوى تأتيكم مشوية جاهزة هذا الطعام الراقي الذي لا نظير له في الكون. هذا المنّ حلوى تنزل من السماء ولم تعد موجودة في العالم كله إلا عندما أنزلها الله على بني إسرائيل في تيههم يتيهون في سيناء أربعين عاماً، بقيت بقايا هذا المن تنزل فقط في شمال العراق في هذه الجبال الشاهقة في فصل من فصول السنة تنزل على هذه الأشجار في قارس البرد ثم تجمّع وتصنع يسمونها الآن في العراق منّ السما أي المنّ النازل من السماء وهو حلوى لا تجدها إلا في العراق وفي العراق لا تجدها إلا في شماله وتصنّع في العاصمة. هذه النعمة الإلهية أعطاها الله لبني إسرائيل في تيههم ومع هذا قالوا يا موسى لن نصبر على طعام واحد فقط منّ وسلوى (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا) أعطاكم هاتان النعمتان العظيمتان وأنتم تريدون حشائش الأرض؟! (قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) في آن واحد، هذا في البقرة.(1/218)
في آل عمران يتكلم عنهم قال (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا (112)) الذلة وحدها (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) إذن هناك تفريق بين الزمن الذي ضربت عليهم الذلة والزمن الذي ضربت عليهم المسكنة بعد سنوات. فلماذا أول مرة ضربت الذلة والمسكنة في آن واحد ثم ضربت الذلة أولاً ثم ضربت المسكنة ثانياً؟ لعل واحداً يقول ما الفرق؟ عندما نتأمل في تاريخ بني إسرائيل في زمن سيدنا موسى، كل الأنبياء بلا استثناء عُذبوا من شعوبهم وكأن هذا من أقدار الله عز وجل وقوانين هذا الكون، التبي - صلى الله عليه وسلم - عُذّب لكن ما إن جاءت معركة بدر حتى انتهى الأمر ثم ساد التوحيد العالم كله بهذا النبي الجديد. سيدنا موسى - عليه السلام - أوذي أذى عظيماً والله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) الأحزاب) سيدنا المسيح أوذي لكن أذاه كان أخف بكثير من أذى سيدنا موسى وحكاية الصلب والإعدام غير صحيحة والحقيقة أن سيدنا عيسى حيّ إلى هذه الساعة (بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ (158) النساء) وسينزل في آخر الزمان ومن علامات القيامة الكبرى أن ينزل السيد المسيح عليه السلام والغريب أن الذين يقولون أنه صُلب وقُتل يؤمنون أنه سيعود لكن كيف يعود بعد أن صُلب؟! هذا ليس موضوعنا.(1/219)
موضوعنا أنه ما من قوم آذوا نبيهم كما آذى بنو إسرائيل أنبياءهم فمنهم من جعلوه لوطياً ومنهم من جعلوه زانياً أطلقوا على عيسى أنه ابن حرام وآذوهم أذى شديداً فسيدنا موسى أتعبوه جداً ومن ضمنها لما أنزل الله ععليهم المن والسلوى شهر شهرين ثم ألحوا إلحاحاً شديداً فقال لهم موسى ماذا ؟ قالوا نريد حشائش الأرض قال (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) أراد رب العالمين أن يؤدبهم. وأنتم تعرفون من القرآن الكريم ومن واقع الحال بنو إسرائيل كان الله تعالى يعذبهم كلما أساءوا لأن إساءتهم في غاية القسوة تصور لما قالوا (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً (55) البقرة) بعد أن ذهب موسى ليكلمه الله اتخذوا العجل إلهاً فقال لهم الله تعالى اقتلوا أنفسكم (فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ (54) البقرة) جاءهم الله تعالى بزوبعة كل واحد يقتل الثاني حتى قتلوا بالآلآف عقوباتهم كانت صارمة ومع هذا لا يتوبون لشدة شوكتهم ولشدة عنادهم ولشدة اختلافهم على غيرهم لا يمكن أن يستسلموا ولا أن ينقادوا ولا أن يطيعوا.(1/220)
آذوا موسى عليه السلام كثيراً حينئذ انتقم الله منهم لما فعلوه بموسى فقال (ضربت عليهم الذلة والمسكنة) في آن واحد الذلة الهزائم في الحرب وفعلاً ما دخلوا حرباً مع العماليق إلا هزموا لماذا؟ رب العالمين سلط عليهم العماليق فسرقوا منهم التابوت الذي فيه سكينة من ربكم هذه معجزة طالوت (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ (248) البقرة) ظلوا يصابون بالذلة من الحروب والمسكنة بين الناس اليهودي دائماً يبدي نفسه أمام الآخرين أنه مسكين وأنه متواضع وأنه مظلوم إلى يوم القيامة وهم اليوم يحكمون العالم من مشرقه إلى مغربه ومع هذا يقولون نحن مساكين نحن مظلومين ونحن نرى ماذا يفعلون بالفلسطينيين. إذن هكذا هم ولذلك قال تعالى (ضربت عليهم الذلة والمسكنة). في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ضربت الذلة أولاً فقط انهزموا في الحرب وكل المعارك التي خاضها اليهود مع المسلمين خسروا خسارة عظيمة الذلة فقط وبقوا أعزاء والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاهم في خيبر وغير ذلك ولكن وعدهم في المستقبل سوف يصابون بالمسكنة وفعلاً ما إن انتهى العهد الراشدي إلى يومنا هذا وهم في العالم كله يشعرون بالمسكنة إضافة إلى الذلة.(1/221)
نعود إلى الآيتين في البقرة وآل عمران (ضربت عليهم الذلة والمسكنة) جمع الذلة والمسكنة مع بعض هذا في عصر موسى وما بعده. وفي آل عمران قال (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) الذلة أولاً أي أنهم انهزموا في الحروب خيبر وبني قريظة وبني المصطلق وبني قينقاع هذه المعارك التي دارت بينهم وبين المسلمين خسروها فأذلهم الله عز وجل لشدة مكرهم وتآمرهم كل هذه الحروب قامت لأنهم يتآمرون على النبي مع أنهم اتفقوا معه ثم يغدرون به في النقطة المهمة ولهذا قال (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ (112) آل عمران) إما أن ينصر الله بني إسرائيل عندما يكونوا على حق كما نصرهم على فرعون (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (50) البقرة) ثم بعد ذلك إذا رب العالمين تخلى عنهم ينتصرون بأقوام آخرين مثل الأمريكان والروس وغيرهم فيما عدا هذا وهذا لن يُنصروا هذا عندما جاء الإسلام.
* ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله (يقتلون النبيين بغير الحق) سورة البقرة وقوله (ويقتلون الأنبياء بغير حق) سورة آل عمران؟ الإختلاف بين النبيين والأنبياء وبغير حق وبغير الحق؟
* د.فاضل السامرائى :(1/222)
قال تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {61}) وقال في سورة آل عمران (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {21}) و(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {112}). جمع المذكر السالم إذا كان معه جمع كثرة فإنه يفيد القَلّة ولإذا لم يكن معه جمع تكسير يستعمل للقلة والكثرة. فعندما يكون معه جمع تكسير يفيد القلة (النبيين) أما (الأنبياء) فتفيد جمع الكثرة.
وهناك أمر آخر هو عندما يذكر معاصي بني إسرائيل يذكر الأنبياء.(1/223)
ثم أن الإختلاف بين ذكر كلمة (بغير حق) و(بغير الحق) تدل على أن استعمال كلمة (الحق) معرّفة تعني الحق الذي يدعو للقتل فهناك أمور يستحق بها القتل. أما استعمال (بغير حق) نكرة فهي تعني لا حق يدعو إلى القتل ولا إلى غيره. فإذا أراد تعالى أن يبيّن لنا العدوان يذكر (بغير حق).
من حيث اللغة الأنبياء أكثر من النبيين من حيث العدد الأنبياء جمع تكسير من جموع الكثرة والنبيين جمع مذكر سالم وهو من جموع القلة، هذا أمر. بغير حق وبغير الحق، الحق معرفة وحق نكرة، بغير الحق أي بغير الحق الذي يدعو إلى القتل وهو معلوم (النفس بالنفس) بغير حق يعني أصلاً بغير حق لا يدعو إلى قتل ولا غير قتل، فعندما يقول يقتلون الأنبياء بغير حق هذا أعظم وأكبر جرماً من يقتلون النبيين بغير حق لأن الأنبياء أعم وأشمل وحق من دون أي داعي هذا أكبر جرماً وأعظم من يقتلون النبيين بغير الحق والنبيين أقل والحق الحق الذي يدعو إلى القتل فذاك أعظم، هذا من حيث اللغة وإن شاء الله ثم ننظر في السياق لاحقاً لما نلاحظ مقام الذم والكلام على بني إسرائيل في قوله يقتلون الأنبياء بغير حق أكثر وأعظم من يقتلون النبيين بغير الحق.(1/224)
نقرأ سياق الآيتين (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (61) البقرة) هذه آية البقرة.في آل عمران (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (112)) هذه عامة، كرر (ضربت). في البقرة قال (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) جمعهما في كلام واحد بينما في آل عمران أكّد وكرر وعمم قال (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) ما قال المسكنة، ثم قال (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) ضربت مرة أخرى، كرر أعاد فصار تكرار وتعميم وتأكيد لأنهم فعلوا أسوأ فإذن استحقوا هذا الكلام التأكيد في ضرب الذلة والمسكنة. هل يجوز في البيان أن نضع واحدة مكان أخرى؟ لا يمكن.(1/225)
في آل عمران قال (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ) هذه عامة هذه ليست في بني إسرائيل أما (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (112)) هذه في بني إسرائيل تحديداً في بينما الآية الأخرى هذا حكم عام (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)) هذا حكم آخر ثم يتكلم عن الآخرة (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (22)) أولئك كانت عقوبة الدنيا بينما هنا الحكم عام في الدنيا والآخرة، هذا فيمن قتل النبيين فما بالك بمن قتل الأنبياء؟! لو قال الأنبياء يعني لم يشمل النبيين فلما قال النبيين شمل الأنبياء فالذي قتل القلة هذا أمره فما بالك بمن قتل أكثر، هو قتل قلة بدون داعي فما بالك بمن قتل أكثر؟! كل واحدة مناسبة في مكانها. الألف واللام في اللغة ربما تحول الدلالة بغير حق وبغير الحق وجمع الكثرة وجمع القلة، جمع المذكر السالم وجمع التكسير. جمع التكسير فيه جمع قلة وجمع كثرة، جمع التكسير أفعُل أفعال أفعِلة فُعلة جموع قلة وما عداها جمع كثرة 23 وزن جموع كثرة.
*د.أحمد الكبيسى :(1/226)
قال تعالى(اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ {61} البقرة) النبيين جمع مذكر سالم، نبي نبيّون (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) فعل مضارع مرفوع بالواو والنبيين مفعول به منصوب بالياء، هذا في البقرة, في آل عمران يقول (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ {112} آل عمران) (الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) هناك (النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) الألف واللام، النبيين منصوب وجمع مذكر سالم ومع (بغير الحق) ألف لام حاء قاف هنا (الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) الأنبياء جمع تكسير وبغير حق نكرة، ما الفرق؟ انظر الفرق بين كل جمع تكسير وجمع مذكر سالم أن جمع المذكر السالم أشرف وأكرم وأعلى من جمع التكسير.(1/227)
يعني فرق بين طلاب وطالبون طلاب كلهم خلط زين على شين مثل خضرة آخر الليل لكن الطالبون النبهاء والله قال (وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ {51} الأنبياء) (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ {43} العنكبوت) جمع مذكر سالم (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ {28} فاطر) (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ {197} الشعراء) عندنا علماء وعالمون، العلماء صغارهم وكبارهم وطلاب العلم كل من يشتغل بالعلم - كما تعرفون الآن في واقعنا الحالي - ليس العلماء على نسقٍ واحد هناك الصغير والمبتدئ والجديد هناك عاقل هناك حفاظ هناك دراخ هناك من لا يفكر وهناك من يفكر خليط فلما تقول عالمون لا، هؤلاء قمم مجتهدون أصحاب نظريات (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) وحينئذٍ كل ما جئت به في لغتنا وفي القرآن الكريم جمع التكسير شامل يشمل الزين والشين وبعضه يفضل بعضه، لكن لما جمع مذكر سالم لا، القمم يعني عندما تجمع أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وجعفر الصادق والباقر وابن حزم الخ وتسميهم علماء! لا، هؤلاء عالمون، هناك عموم الشيء وهناك خصوصهم إذاً ناس من اليهود يقتلون الأنبياء الصغار حزقيل وغيره من مجموعة أنبياء موجودين ذكرت قسماً من الذين ذبحوهم لكنهم ليسوا من كبار الأنبياء والله قال (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ {55} الإسراء) يعني الله تعالى قال (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ {35} الأحقاف) لكن أولي العزم خمسة فقط من مجموع حوالي خمس وعشرين وكذلك (فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) حينئذٍ لما الله قال (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ) عامي شامي - كما يقول المثل الدارج - قتلوا صغار الأنبياء قتلوا يحيى وزكريا وشعيا وحزقيل وفلان وفلان الخ بتفاهات وبغير حق وهناك لأ(1/228)
يعني ادعوا أنهم قتلوا عيسى وقال على سيدنا عيسى (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ {157} النساء) (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ (157) النساء) لكنه محسوب عليهم. هذا الخطاب لليهود الذين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هم ما قتلوه لكنهم يؤمنون بصواب وصحة ما فعله أجدادهم عندما قتلوا الأنبياء والنبيين. هذا هو الفرق بين الأنبياء والنبيين فهم قتلوا الصنفين ادعوا أنهم قتلوا سيدنا عيسى بينما قتلوا أيضاً أنبياء صغار يعني أقل من هذا. ثانياً يقول (بِغَيْرِ الْحَقِّ) و (بِغَيْرِ حَقٍّ) بغير الحق أي بغير الحكم الثابت الحق المطلق، والفرق بين الحق وحق، الحق هو الثابت الحكم الشرعي الثابت وهذا واحدٌ من أسماء الحق. ما من كلمة واسعة وغامضة ومتشابكةٍ ككلمة الحق في القرآن و كلمة الحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ {27} إبراهيم) يعني القول الحق فكل حقٌ هو ثابت الموت حق والجنة حق والنار حق والإسلام حق الخ هذا تفسير. إذاً كلمة الحق هنا بالحكم الشرعي الثابت الذي لا تأويل له إلا كما (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ {43} البقرة) ما فيها مشكلة ما فيها تأويل. بغير حق أي بغير حقٍ شرعي من حقوق الناس - والله أعلم - لكن المهم أننا فرقنا بين الأنبياء والنبيين أن النبيين الخاصة والأنبياء العامة ولهذا رب العالمين سبحانه وتعالى يفرق بين هذا وذاك كما قال تعالى (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) أن يصل إلى فلسفة المثل القرآني عندك علم أن تكون من أئمة العلماء (وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ {51} الأنبياء) هكذا.
آية (62):(1/229)
*(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) البقرة): لِمَ عبّر تعالى هنا بالذين هادوا ولم يقل اليهود؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
في هذا التعبير إشارة إلى أنهم ليسوا اليهود وإنما هم الذين انتسبوا إلى اليهود ولم يكونوا من سبط يهوذا. والنصارى إسم جمع نصرى نسبة إلى الناصرة وهي قرية نشأت فيها مريم عليها السلام أم المسيح وقد خرجت مريم من الناصرة قاصدة البيت المقدس فولدت المسيح ? في بيت لحم ولذا سمي عيسى يسوع الناصري ومن ثَم أُطلق على أتباعه إسم النصارى.
*ما وجه الإختلاف من الناحية البيانية بين آية 62 في سورة البقرة وآية 69 في سورة المائدة؟
د.فاضل السامرائى :(1/230)
في المائدة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (69)) وفي البقرة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62)). النصب ليس فيه إشكال وإنما الرفع هو الذي كثيراً ما يُسأل عنه. النصب معطوف على منصوب. الرفع في آية سورة المائدة من حيث الناحية الإعرابية ليس فيه إشكال عند النحاة لأنهم يقولون على غير إرادة (إنّ)، على محل إسم إنّ. في الأصل إسم إنّ قبل أن تدخل عليه مرفوع فهذا مرفوع على المحل أو يجعلوه جملة: والصابئون كذلك. لكن لماذا فعل ذلك حتى لو خرّجناها نحوياً؟ هي ليست مسألة إعراب فالاعراب يخرّج لأنه يمكن أن نجعلها جملة معترضة وينتهي الإشكال. لكن لماذا رفع؟ (إنّ) تفيد التوكيد معناه أنه قسم مؤكّد وقسم غير مؤكد. (الصابئون) غير مؤكد والباقي مؤكد لماذا؟ لأنهم دونهم في المنزلة، أبعد المذكورين ضلالاً، يقول المفسرون أن هؤلاء يعبدون النجوم. صبأ في اللغة أي خرج عن المِلّة، عن الدين. فالصابئون خرجوا عن الديانات المشهورة. وهم قسمان وقسم قالوا إنهم يعبدون النجوم وقسم متبعون ليحيى - عليه السلام - فهما قسمان. هؤلاء أبعد المذكورين والباقون أصحاب كتاب، الذين هادوا أصحاب كتاب عندهم التوراة والنصارى عندهم كتاب الإنجيل والذين آمنوا عندهم القرآن الصابئون ما عنجهم كتاب ولكن قسم من الصابئين يقولون عندهم كتاب لكن بالنسبة لنا هم أبعد المذكورين ضلالاً ولذلك هم دونهم في الديانة والاعتقاد ولذلك لم يجعلهم بمنزلة واحدة فرفع فكانوا أقل توكيداً. (إنّ) للتوكيد.(1/231)
نقول محمد قائم ونقول إن محمد قائم هذه أقوى. هي من دون توكيد ليست مؤكدة لأنهم دون هؤلاء.
*لماذا لم يأت بها مرفوعة ووضعها في نهاية الترتيب؟ هنا ندخل في مسألة التقديم والتأخير وليست في مسألة المعنى. وهي ليست الآية الوحيدة التي فيها تغيّر إعرابي. في آية التوبة (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (3) التوبة) ما قال ورسولَه مع أنه يمكن العطف على لفظ الجلالة الله، لم يعطف على إسم الجلالة وإنما عطف على المحل أي (ورسوله بريء) لأن براءة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليست ندّاً براءة الله تعالى ولكنها تبع لها وليست مثلها، براءة الله تعالى هي الأولى ولو قال ورسولَه تكون مؤكدة كالأولى فإشارة إلى أن براءته ليست بمنزلة براءة الله سبحانه وتعالى وإنما هي دونها فرفع على غير إرادة (إنّ). حتى في الشعر العربي:
إن النبوةَ والخلافةَ فيهم والمكرماتُ وسادةٌ أطهارُ
قال المكرماتُ ولم يقل المكرماتِ لأن هؤلاء السادة لا يرتقون لا إلى النبوة ولا إلى الخليفة. هذه الدلالة موجودة في الشعر ففهمها العرب.(1/232)
يبقى السؤال حول التقديم والتأخير في الترتيب: آية المائدة قال (والصابئون والنصارى) وآية البقرة (والنصارى والصابئين). في المائدة قدّم ورفع الصابئين أنه ذمّ النصارى في المائدة ذماً فظيعاً على معتقداتهم، تكلم على عقيدة التثليث جعلهم كأنهم لم يؤمنوا بالله وكأنهم صنف من المشركين (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ (72)) (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (74)) لما كان الكلام على ذم العقائد عقيدة النصارى أخّر النصارى حتى تكون منزلتهم أقل وقدّم الصابئين مع أنهم لا يستحقون وأخّر النصارى لأنه ذمّ عقيدتهم.
*ما اللمسة البيانية في الترتيب؟
التقديم والتأخير بين الصابئين والنصارى إذا كان كما يقولون الصابئون هم التابعون للنبي يحيى - عليه السلام - فهو معاصر للمسيح والمسيح ليس بينه وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - نبي، هم زمنياً بعد الذين هادوا وقبل المسيح مع أنهم في عصر واحد لأن يحيى أسبق من المسيح. النصارى معطوفة على المنصوب لأنه هو الأصل (لا تظهر عليها علامة الإعراب لأنه إسم مقصور) وهذا الأرجح وليس فيه إشكال أن تكون الصابئون مرفوعة وليس بالضرورة أن يكون العطف على الأقرب. أخّر النصارى في المائدة لأنه ذمّ عقيدتهم وفي البقرة لم يذم العقيدة ووضع الصابئين في آخر المِلل.(1/233)
قال تعالى في سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {62}) وقال في سورة المائدة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {69}) الآيتان فيهما تشابه واختلاف وزيادة في إحداها عن الأخرى.(1/234)
أولاً: في سورة البقرة قدّم النصارى على الصابئين (النصب جاء مع العطف لتوكيد العطف)، وفي آية سورة المائدة قدّم الصابئون على النصارى ورفعها بدل النصب. فمن حيث التقديم والتأخير ننظر في سياق السورتين الذي يعين على فهم التشابه والإختلاف، ففي آية سوة المائدة جاءت الآيات بعدها تتناول عقيدة النصارى والتثليث وعقيدتهم بالمسيح وكأن النصارى لم يؤمنوا بالتوحيد فيما تذكر الآيات في السورة (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ {72} لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {73}) ثم جاء التهديد (وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {73}) (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {75}) هذا السياق لم يذكر هذا الأمر في سورة البقرة وهكذا اقتضى تقديم الصابئين على النصارى في آية سورة المائدة. فلما كان الكلام في ذم معتقدات النصارى اقتضى تأخيرهم عن الصابئين.(1/235)
أما من حيث رفع الصابئون في آية سورة المائدة ونصبها في آية سورة البقرة فالنحاة يحددون أنه من حيث الإعراب العطف على محل إسم إن (محل إسم إن في الأصل رفع) أو يجعل منه جملة مبتدأ أو جملة إعتراضية ولا يهم الوجه الإعرابي. ونسأل لماذا رفع الصابئون؟ بغض النظر عن الناحية الإعرابية (إنّ) تفيد التوكيد فإذا عطفنا عليها بالرفع يعني أننا عطفنا على غير إرادة إنّ فالرفع إذن جاء في آية سورة المائدة على غير إرادة إنّ يعني لأن المعطوف غير مؤكد (الصابئون جاءت مبتدأ وليس عطف على ما سبق وهي على غير إرادة إنّ) لكن لماذا؟ معنى ذلك أن الصابئون أقل توكيداً لأن الصابئين أبعد المذكورين عن الحق فهم ليسوا من أهل الكتاب ولذلك لم يلحقوا بهم في العطف. مثال: عندما نقول إن محمد حضر تكون أوكد من حضر محمد. ففي سورة المائدة جعل تعالى موازنة فقد قدّم الصابئين ولم يؤكدهم ولم يعطهم الأولوية ليكون مقامهم كما جاء في آية سورة البقرة مؤخرين على من ذُكر معهم في الآية وأخّرالنصارى مأكدهم، أما في سورة البقرة فقد قدّم النصارى وأكدهم وأخّر الصابئين لكن جعلهم ملحوقين بالنصارى.(1/236)
ثانياً: هناك فرق بين الآيتين (فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) في آية سورة البقرة أما في سورة المائدة (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) المذكورين في الآيتين هم نفسهم (الذين آمنوا، الذين هادوا، النصارى، الصابئين) فلماذا جاء في سورة البقرة (فلهم أجرهم عند ربهم ولم تأتي في سورة المائدة؟ في سورة المائدة السايق كما قلنا في ذمّ عقائد اليهود والنصارى ذمّاً كثيراً مسهب. أما في البقرة فالكلام عن اليهود فقط وليس النصارى ونستعرض آيات السورتين وننظر كيف تكلم عن اليهود في الآيتين: في سورة المائدة الكلام على اليهود أشدّ مما جاء في البقرة حتى لما يذكر العقوبات يذكرها في المائدة(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ {60}) أكثر من البقرة (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ {65}) وسياق الغضب في المائدة على معتقدات النصارى واليهود أشدّ وما ذكرهم في المائدة إلا بمعاصيهم فاقتضى السياق أن يكون زيادة الخير والرحمة في المكان الذي يكون الغضب فيه أقل (في سورة البقرة) وجو الرحمة ومفردات الرحمة وتوزيعها في سورة البقرة :ثر مما جاء في سورة المائدة ولم تُجمع القردة والخنازير إلا في سورة المائدة.(1/237)
مبدئياً بما أن سورة البقرة جاءت أقل غضباً وذكراً لمعاصي اليهود لذا جاءت الرحمة فقد وردت الرحمة ومشتقاتها في سورة البقرة 19 مرة بينما وردت في المائدة 5 مرات لذا اقتضى التفضيل بزيادة الرحمة في البقرةوالأجر يكون على قدر العمل فالنسبة للذين آمنوا من أهل الكتاب قبل تحريفه وهم مؤمنون بالله تعالى عليهم أن يؤمنوا إيماناً آخر باليوم الآخر المقصود الذين آمنوا إيماناً حقيقياً.
أنواع العمل الصالح في السورتين: في سورة المائدة ورد ذكر 10 أنواع من العمل الصالح (الوفاء بالعقود، الوضوء، الزكاة، الأمر بإطاعة الله ورسوله، والإحسان، التعاون على البر والتقوى، إقام الصلاة، الجهاد في سبيل الله والأمر باستباق الخيرات) وفي سورة البقرة ورد ذكر 30 أو 33 نوع من أعمال الخير وتشمل كل ما جاء في سورة المائدة ما عدا الوضوء وفيها بالإضافة إلى ذلك الحج والعمرة والصيام والإنفاق والعكوف في المساجد وبر الوالدين والهجرة في سبيل الله ولإيفاء الدين والقتال في سبيل الله والإصلاح بين الناس وغيرها كثير، لذا اقتضى كل هذا العمل الصالح في البقرة أن يكون الأجر أكبر (فلهم أجرهم عند ربهم).
من ناحية أخرى (فلهم أجرهم عند ربهم) تتردد مفرداتها في كل سورة كما يلي:
1. الفاء وردت في البقرة 260 مرة ووردت في المائدة 180 مرة
2. لهم وردت في البقرة 29 مرة وفي المائدة 15 مرة
3. أجرهم وردت في البقرة 5 مرات وفي المائدة مرة واحدة فقط
4. عند وردت في البقرة 19 مرة وفي المائدة مرة واحدة
5. ربهم وردت في البقرة 10 مرات ومرتين في المائدة.
وهذه العبارة (فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) لم ترد إلا في سورة البقرة بهذا الشكل وقد وردت في البقرة 5 مرات.
وتردد الكلمت في القرآن تأتي حسب سياق الآيات وفي الآيات المتشابهة يجب أن نرى الكلمات المختلفة فيها وعلى سبيل المثال:
((1/238)
فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (الأنعام) الإيمان ومشتقاته ورد 24 مرة والتقوى وردت 7 مرات. بينما في سورة الأعراف (فمن اتقى أصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ورد الإيمان ومشتقاته21 مرة والتقوى 11 مرة.
(فأصابهم سيئات ما عملوا) في سورة النحل تكرر العمل 10 مرات والكسب لم يرد أبداً. أما في سورة الزمر (فأصابهم سيئات ما كسبوا) تكرر الكسب 5 مرات والعمل 6 مرات.
(فلما أتاها نودي يا موسى) (طه) تكرر لفظ الإتيان أكثر من 15 مرة والمجيء 4 مرات بينما في سورة النمل (فلما جاءها نودي يا موسى) تكررت ألفاظ المجيء 8 مرات وألفاظ الإتيان 13 مرة.
(إن الله غفور رحيم) (البقرة) تكرر لفظ الجلالة الله 282 مرة والرب 47 مرة ولم ترد إن الله غفور رحيم أبداً في سورة الأنعم، بينما في سورة الأنعام (إن ربك غفور رحيم) تكررت كلمة الرب 53 مرة ولفظ الجلالة الله 87 مرة ولم تردفي سورة البقرة أبداً إن ربك غفور رحيم
(فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) الفاء في موضعها وهي ليست حرف عطف ولكنها جواب للذين (هي جواب شرط) ولا يُجاب عليه بغير الفاء أن جواب الشرط أو جواب اسم الشرط الذين يؤتى بالفاء ولا حرف غيرها ينوب مكانها.
(لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) تعبير في غاية العجب والدقة من الناحية التعبيرية والدقة ولا تعبير آخر يؤدي مؤدّاه. نفى الخوف بالصورة الإسمية ونفى الحزن بالصورة الفعلية كما خصص الحزن (ولا هم) ولم يقل لا عليهم خوف:
1. لا خوف عليهم ولم يقل لا يخافون كما قال لا يحزنون لأنهم يخافون ولا يصح أن يقال لا يخافون لأنهم يخافون قبل ذلك اليوم (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار) (إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا) وهذا مدح لهم قبل يوم القيامة أما يوم القيامة يخافون إلا مَن أمّنه الله تعالى. كل الخلق خائفون (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت) لذا لا يصح أن يقال لا يخافون فالخوف شيء طبيعي موجود في الإنسان.(1/239)
2. لا خوف عليهم معناها لا يُخشى عليهم خطر. ليس عليهم خطر فقد يكونوا خائفين أو غير خائفين كما يخاف الأهل على الطفل مع أنه هو لا يشعر بالخوف ولا يُقدّر الخوف فالطفل لا يخاف من الحيّة ولكنا نخاف عليه منها لأنه لا يُقدّر الخوف. الخوف موجود ولكن الأمان من الله تعالى أمّنهم بأنه لا خوف عليهم ليس المهم أن يكون الإنسان خائفاً أو غير خائف المهم هل يكون عليه خطر أم لا (لا خوف عليهم) وقد يخاف الإنسان من شيء ولكن ليس خوف كالطفل يخاف من لعبة لا تشكل عليه خطراً.
3. ولا هم يحزنون: جعل الحزن بالفعل فأسنده إليهم لماذا لم يقل (ولا حزن)؟ لأنه لا يصح المعنى لأنه لو قالها تعني ولا حزن عليهم أي لا يحزن عليهم أحد المهم أن لا يكون الإنسان حزيناً لكن لا أن يُحزن عليه أحد (إما لأنه لا يستحق الحزن عليه أو لا يشعر).
4. ولا هم يحزنون: بتقديم (هم) الذين يحزن غيرهم وليس هم. نفي الفعل عن النفس ولكنه إثبات الفعل لشخص آخر كأن نقول (ما أنا ضربته) نفيته عن نفسي وأثبتّ وجود شخص آخر ضربه (يُسمّى التقديم للقصر) أما عندما نقول (ما ضربته) يعني لا أنا ولا غيري. نفى الحزن عنهم وأثبت أن غيهم يحزن (أهل الضلال في حزن دائم). ولم يقل لا خوف عليهم ولاحزن لهم لأنها لا تفيد التخصيص (نفى عنهم الحزن ولم يثبته لغيرهم) ولو قال ولا لهم حزن لانتفى التخصيص على الجنس أصلاً ولا ينفي التجدد وقوله تعالى (لا خوف ٌ عليهم ولا هم يحزنون) لا يمكن أن يؤدي إلى حزن فنفى الخوف المتجدد والثابت ونفى الحزن المتجدد (لا هم يحزنون بمعنى لا يخافون) والثابت (لا خوف) ولا يمكن لعبارة أخرى أن تؤدي هذا المعنى المطلوب.(1/240)
5. لماذا إذن لم يقل (لا عليهم خوف) ولماذا لم يقدم هنا؟ لأنه لا يصح المعنى ولو قالها لكان معناها أنه نفى الخوف عنهم وأثبت أن الخوف على غيرهم يعني يخاف على الكفار لكن من الذي يخاف على الكفار. لذا لا يصح أن يقال لا عليهم خوف كما قال ولا هم يحزنون.
6. لماذا قال لا خوفٌ ولم يقل لا خوفَ عليهم (مبنية على الفتح)؟ لا خوفَ: لا النافية للجنس تفيد التنصيص في نفي الجنس (لا رجلَ هنا معناها نفينا الجنس كله) أما (لا خوفٌ) عندما تأتي بالرفع يحتمل نفي الجنس ونفي الواحد. والسياق عيّن أنه لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون من باب المدح على سبيل الإستغراق وفي مقام المدح. وفي قراءة أخرى خوفَ (قراءة يعقوب). الرفع أفاد معنيين لا يمكن أن يفيدها البناء على الفتح، لا خوفٌ عليهم يفيد دلالتين أولاً إما أن يكون حرف الجر متعلق بالخوف خوفٌ عليهم والخبر محذوف بمعنى لا خوف عليهم من أي خطر (لا خوف) من باب الحذف الشائع ويحتمل أن يكون الجار والمجرور هو الخبر (عليهم) قد يكون هو الخبر. مثال قولنا: الجلوس في الصف: قد تحتاج إلى خبر فنقول الجلوس في الصف نافع وجيّد، وقد تحتمل معنى أن الجلوس (مبتدأ) في (الصف) خبر بمعنى الجلوس كائن في الصفّ. في الرفع (لا خوفٌ عليهم) تدل على معنيين لا خوف عليهم من أي شيء وتحتمل لا خوف عليهم وهذا متعلق بالخوف ومتعلق بالخبر المحذوف (من أي خطر). أما في النصب (لا خوفَ عليهم) لا يمكن أن يكون هذا الأمر ولا بد أن يكون الجار والمجرور هو الخبر (لا خوف عليهم) عليهم لا يحتمل أن يكون متعلقاً وهذا يؤدي إلى معنى واحد وليس معنيين أي يأخذ شق من المعنيين ويكون متعلقاً بالخبر المحذوف وليس بالخبر. فلماذا لا يصح؟ لأنه إذا تعلق بالمضاف يجب القول لا خوفاً عليهم (لآنه يصبح شبيه بالمضاف) ولا يعد مبنياً على الفتح إنما منصوباً.
د.حسام النعيمى :(1/241)
الآية الكريمة في سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)) ذكر الذين هادوا ثم قال النصارى ثم قال الصابئين. في الحج (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)) وفي المائدة (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)). في آية البقرة سنجد أن الكلام هنا على مصائب بني إسرائيل والجرائم التي ارتكبوها: فعلتم كذا تقتلون النبيين بغير الحق بحيث أن القارئ أو الذي يسمع القرآن يدخل في روعه أن هؤلاء لا يمكن أن يرحمهم الله تعالى فدخلت هذه الآية في خلال الكلام على مصائبهم ومشاكلهم لتبين أن باب التوبة وباب اللجوء إلى الإسلام مفتوح أمامهم ولذلك قال (فلهم أجرهم) ها ذكر الأجر ولم يكن قد ذكر النصارى ولا الصابئين. فلما كان الكلام على أجر الأمم ذكر المؤمنين أولاً وذكر الذين هادوا ثم ذكر النصارى الذين يلونهم ثم الصابئون الذين يلونهم. لأن الصابئون قولان: فمنهم من يقول هم فريق من النصارى صأوا ومنهم من يقول هو قوم جاءوا بعد المسيح. فالمهم درّجها تدريجاً تاريخياً. أما في سورة الحج فكان المقصود إظهار التأكيد على أن الذين هادوا والنصارى والصابئين والمجوس والذين أشركوا يفصل بينهم يوم القيامة.(1/242)
كلمة الذين هادوا لا يظهر إعرابها لأن (الذين) مبنية والنصارى لا يظهر عليها الإعراب والآية تريد أن نبين التوكيد فجعلت الصابئين بين الذين هادوا والنصارى لأن الإعراب ظاهر فيها حتى يٌعلم أن التوكيد هنا مراد. وظاهر التوكيد استعمال (إنّ) في ثلاثة مواضع (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)) من أين عرفناها؟ عرفناها من قوله (الصابئين) لأنها جاءت منصوبة. والنصارى أيضاً ((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) حتى نفهم أن هذا الموضع موضع توكيد إنّ. وضع الصابئين بين إسمين لا يظهر الإعراب فيهما والعمل نفسه كُرّر مع حالة الرفع (والصابئون) من يعلم أن الذين هادوا في موضع رفع والنصارى وسبق أن تكلمنا عنها (الصابئون والصابئين): تقسم الناس إلى قسمين (الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) و (الذين هادوا والنصارى والصابئين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) بشرط الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح. الإيمان بالله واليوم الآخر وفق دين الإسلام بعد أن نزل الإسلام.
في سورة البقرة: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)) هنا (والصابئون).
الاسم ورد في ثلاث مواضع: الصابئون والصابئين: في موضعين جاء منصوباً وفي موضع جاء مرفوعاً.(1/243)
إعراب (إن الذين آمنوا): إن: حرف مشبه بالفعل، الذي اسمها في موضع نصب، آمنوا: صلة الموصول. الواو هنا استئنافية أو عاطفة لجملة يعني وخبر إن محذوف سيدل عليه ما سيأتي تقديره الكلام: إن الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ابتدأ كلاماً آخر معطوف على الكلام السابق (والذين هادوا والصابئون والنصارى) الذين: مبتدأ في محل رفع خبره (من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) جملتا الشرط والجواب يعني الذين هادوا هذا حكمهم (من آمن بالله واليوم الآخر) هذه جملة خبر المبتدأ (الجملة خبرية جملة خبر) فماذا عندي؟ عندي مبتدأ حُذِف خبره لدلالة ما بعده عليه (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) جاءت الواو لتعطف الجملة الجديدة المكونة من مبتدأ ومعطوفات على المبتدأ وجملة خبرية. الذين وحدها مبتدأ وهذه (هادوا) في موضع رفه وهذه معطوفة على المرفوعات وهذا شبيه تماماً قول بِشر (إننا وأنتم بغاة) أخبر عن أنتم بقوله بغاة ولو كانت الواو عاطفة على مفرد كان لا يستطيع أن يقول أنتم. عطف الجملة واستأنفت وعطفت الجملة.(1/244)
الآية في سورة المائدة:الكلام على اليهود والنصارى، مرة يذكر اليهود ومرة يذكر النصارى ثم يتكلم عن دعوتهم (67) الأمر أمر دعوة لهؤلاء أن يدخلوا في الاسلام، ثم يقول (إن الذين آمنوا والذين هادوا). نأتي الى التطبيق: (إن الذين آمنوا) الذي: اسم موصول مبني في محل نصب ولم تظهر علامة النصب على كلميتن، آمنوا: صلة الموصول لا محل لها من الإعلااب، الواو في كلمة(والذين هادوا) الواو عاطفة لجملة على جملة. أوضح الأمر أكثر: الذين آمنوا لا يحتاجون إلى أن يقال لهم (مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا) هذا القيد ليس لمن آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لأن الأمر أمر دعوة. لما يقول (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)) تبليغ ثم يقول (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)) المفسرون يقولون: ما أنزل إليكم الاسلام الذي أنزل إليكم ينبغي أن تتبعوه. الذين آمنوا يعني المسلمين والمسلمون لا يحتاج إلى أن يقيدهم ويقول (مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا).(1/245)
تقدير الكلام في غير القرآن: إن الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون هذا فريق، والذين هادوا والصابئون والنصارى بقيد لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ما هو القيد؟ أن يكونوا مؤمنين (مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا). أن يكونوا مؤمنين حتى يكونوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لذا نقول: ينبغي أن يرتبط الكلام بكلام العربي. إن هناك حذف يدل عليه المذكور. الذين آمنوا شيء وهؤلاء شيء آخر. الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون إذا التزموا بهذا القيد الذي هو (مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا).
(والذين هادوا): الواو عاطفة للجملة. الذين: مبتدأ، هادوا: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب، الصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر لا خوف عليهم ولا هم يحزنون: جملتا الشرط والجواب خبر للذين هادوا والجملة كلها معطوفة على الجملة الأولى. فإذن نحن عندنا جملتان تماماً كقول الشاعر (إنا وأنتم بغاة) والتقدير: إنا بغاة وأنتم بغاة لكن حذف من الأول للدلالة في الثانية كقول : خليلي هل طبٌ فإني (تقديره: إني دنف) وأنتما دنفان. وبهذا (الذين هادوا): الذين صارت في محل رفع ودليل كونها مرفوعة أن الصابئون جاءت مرفوعة وهنا عطف مفردات (الذين هادوا والصابئون والنصارى) صار عندنا أن الذين هادوا مبتدأ بدليل رفع الصابئون.
حتى هذا الذي يتحدث ويقول القرآن فيه غلط في الإعراب هو يجهل العربية أو يتجاهلها والله تعالى يقول (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) لو لم يكن قلب مقفلاً لتفهمها.(1/246)
في العصر العباسي لما بدأت الدراسة والفلاسفة، اعترض أحدهم في جزئية فقال له أحد العلماء: يا هذا هب أن محمداً ليس نبياً أفتنكر أنه كان عربياً؟ يعنب افرض أنه لم يكن نبياً معناه هو الّفه إذن هوعربي فتعترض على لغة العربي؟ الآن أحدث النظريات اللسانية (النظرية التوليدية التوحيدية) تقول أن ابن اللغة لديه الكفاية اللغوية في أن يدرك ما يوافق لغته وما لا يوافقها، يستطيع أن يقول هذه جملة لاحنة وهذه جملة صواب ومن غير دراسة وإنما أعني بابن الغة التي لم يدرسه. أنت الآن إذا قلن لبائع مصري أعطني كيلوين خيار يوزن لك كيلو واحد أنه تعود أن يقول في لغته 2 كيلو. لم يؤثر مع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل الآسئلة التي سُئلها وكل الحركات التي تحركها وكل الأقوال التي قالها في فراش نومه ألى ساحة المعركة وما بينهما سُجّلت وما سُجّل أن أحداً اعترض لم رُفِعت هنا ولم نصبت هنا لأنهم كانوا يدركون ذلك.
في سورة الحج: المجال في سورة المائدة مجال دعوة. في مجال الدعوة: الذين آمنوا صنف وهؤلاء المدعوون صنف آخر. في الحج الكلام على الفصل يوم القيامة فإذا كان عندك مجموعات تريد أن تفصل بينهم ولله المثل الأعلى ستجعلهم كتلةواحدة وتجمعهم جمعاً واحداً ثم تفصل بينهم أما ابتداء تفصل؟ إذن أنت فصلت من الأول. لاحظ الآيات في سورة الحج: لم يتكلم عن اليهود والنصارى وبالمناسبة الحقيقة الصابئون فيها كلام هل هم نوع من الموحدين خلطوا من اليهود والنصارى والعرب؟ هذا قول، وقول يقول هم من أتباع يحيى ابن زكريا ولذلك سننظر في التقديم والتأخير لأنهم متأخرين في اليهود والنصارى .(1/247)
في سورة الحج تحدث عن مطلق الايمان والكفر والحساب يوم القيامة لذلك لما ذكر ذكرهم أولاً بالتأكيد ثم جمعهم جميعاً حتى يأتي معنى كلمة يفصل بينهم. لاحظ الآية: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)) إذن هنا لا مجال ولا معنى لفصل المؤمنين لأن الفصل سيكون يوم القيامة ما ذكر لهم شيئاً أن هؤلاء سيفصل الله بينهم، كيف يفصلهم؟ أنت كيف تفصل بين المتلازمات؟ لا بد أن تكون متلازمة تجمعها ثم تفصل هذا يكون هكذا وهذا يكون هكذا. فلما جاء الى ذكر الفصل جمعهم وجعل العطف عطفاً طبيعياً (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) حتى يظهر أن الكلام في محل نصب. هنا صار جمع بينهما وهناك
في المائدة: إن الذين آمنوا لهم حكم وهؤلاء لهم حكم مقيّد إذا فعلوا هذا معناه أنه سينحازون الى الايمان والاسلام. لكن هنا ليس هناك كلام على الايمان أو غيره وإنما كلام على الفصل، كيف يفصل؟ لا بد أن يجمعهم أولاً ثم يفصل.(1/248)
آية البقرة: ممكن أن تُحمل على الوجهين. أولاً: آية المائدة تكلمت عن اليهود والنصارى، وفي الحج لم يذكر يهود ولا نصارى أو أي شيء، أما هنا في البقرة فذكر اليهود فقط وتكلم فيهم كلاماً يوحي لمن يقرأه أن هؤلاء ليس لهم شفاعة ولا يمكن أن يكونوا على خير مطلقاً. لما نأتي الى الآيات نجد في هذه المواطن تجميع لمصائبهم وما صنعوا (وإذ فرقنا بكم البحر، وإذ واعدنا موسى، ثم اتخذتم العجل، لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، لن نصبر على طعام واحد، فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) تكاد تقول هل لهؤلاء من منجاة؟ هل لهؤلاء من مخلص؟ لما كان هذا ما لهم جاءت الآية في وسط الكلام عليهم كأنها يريد أن تبين أن هناك باب مفتوح لهم ولغيرهمللولوج فيه وهو الدخول في هذا الدين.(1/249)
خلال الكلام في الآيات التي قبلها (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)) ثم يعود إليهم مباشرة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)) الكلام هل هؤلاء لهم مخرج؟ عند ذلك ذكر (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) هناك ما ذكر الأجر وهنا تحدث عن الأجر لأن الكلام على اليهود لوحدهم حتى يعلم الانسان أن هؤلاء وغيرهم لهم منجاة وله منفذ والمنفذ هو الايمان بالله واليوم الآخر عند ذلك يكون له أجره ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الفارق (إن الذين آمنوا) يحسن فيها أن نحملها على وجهين: إما أن تقول كما قلنا في المرة الأولى (إن الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ثم جاء المعطوف منصوباً لأن المعطوف على اسم إنّ يمكن أن يأتي مرفوعاً ويمكن أن يأتي منصوباً. المرفوع تكون جملة ابتدائية عند ذلك مثل (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (التوبة)) أي ورسوله كذلك بريء تمّ الكلام هنا.(1/250)
لكن الحديث هنا قبل تمام الخبر كأن تقول: إن زيداً وخالداً في المكتبة ولك أن تقول: إن زيداً وخالدٌ في المكتبة وهذا رأي جمهور الكوفيين في الحقيقة. أنت تستطيع أن تقول هناك جملة اعتراضية : إن زيداً في المكتبة وخالد في المكتبة. صار العطف قبلهم لكن أنا أميل الى قراءة (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) قُريء والقراءة منسوبة الى ابن عباس وألى ابي عمر (وملائكتُه) معناه أن الله يصلي على النبي وملائكته يصلون وعند ذلك نكون فصلنا صلاة الله تعالى عن صلاة عباده من الملائكة وغيرهم. هذا المعنى ممكن أن نفهمه حتى مع النصب وهو الذي نميل إليه حقيقة (إن الله وملائكتَه) إن الله يصلي وإن ملائكته يصلون هنا التأكيد مراد. الواو عاطفة وملائكته معطوفة على اسم إنّ وتكون منصوبة مباشرة والخبر يكون الخبر للثاني.
هذا ليس تشتتاً هذا كلام العرب هذا المعنى كيف تتحصل على هذا المعنى لو كان المضوع كله منصوباً لو الكلام في غير القرآن لو قال الصابئين بالنصب سيختلط الذين آمنوا بالذين هادوا والصابئين بينما نحن نريد لهم أن يكونوا كياناً مستقلاً له صفته. تغيّر الوجه الإعرابي دلالة على تغيّر المعنى. تقول إن الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون بشرط كذا وكذا هذا الشرك لم تذكره مع الذين آمنوا لأنهم آمنوا فهي ليست مسألة تشتت.
حكمة التقديم والتأخير:(1/251)
الصابئون وردت في ثلاثة أمكنة: في المائدة والحج الصابئين مقدمة لغرضين: الأول لبيان الإعراب حمل الكلمة التي قبلها في موضع نصب أو موضع رفع لو وضعها بين النصارى والذين هادوا لأن كلاهما لا يظهر عليه علامة الإعراب فوضعها بالنصف فتبيّن الأول. والشيء الثاني يرتبط بالمعنى حتى لا يُفهم أن اليهود والنصارى واحد. أما في البقرة فحشرهم على الجانب التاريخي لأنه لم يذكر النصارى إنما ذكر اليهود لوحدهم فذكر اليهود ومن ورائهم بالترتيب التاريخي لأن النصارى لم يرد لهم ذكر هنا. الذين آمنوا (المؤمنون) مقدّمون على الجميع .
*د.أحمد الكبيسى :(1/252)
الفرق بين قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {62} البقرة) في آية أخرى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ {69} المائدة) كلكم تعرفون أن (إن) تنصب الأول وترفع الثاني (إِنَّ الَّذِينَ) الذين منصوبة (وَالصَّابِئِينَ) الواو حرف عطف، الصابئين منصوبة بالياء لأنه جمع مذكر سالم معطوف على إسم إنّ، هذا على النحو. ((1/253)
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) كيف؟ كأن أقول إن الطلاب والمعلمون! لا يصح! إن الطلاب والمعلمين كيف يأتي القرآن الكريم مرتين إن الطلاب والمعلمين وهذا صح على القاعدة وإن الطلاب والمعلمون قد حضروا كيف يعني؟ هكذا هي في القرآن الكريم، هي ثلاث آيات آية في الحج تلك آية البقرة (وَالصَّابِئِينَ) وفي آية المائدة (وَالصَّابِئُونَ) وفي آية الحج (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا {17} الحج) أضاف المجوس ومعها والذين أشركوا ، طيب فهمنا اليهود والنصارى والمسلمين الذين آمنوا أصحاب كتاب لا ينكر أنهم أصحاب كتب سماوية ولم ينحرفوا إلى الوثنية بينما هناك فِرَق انحرفت في هذه الآيات لماذا قال الصابئين والمجوس ومرة قال صابئون ومرة قال مجوس؟ هذه الآيات الثلاث تتكلم عن حسن الخاتمة وحسن الخاتمة نظام رباني (ومنكم من يعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) ولو قبل الموت بساعة بدقائق قبل أن يغرغر يقول لا إله إلا الله محمداً رسول الله انتهى نجا (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) هذه قاعدة ربانية لا تختلف، كل مسيء إذا أحسن قبل الموت فقد نجا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الأعمال بخواتيمها) وكما قال (إنما يبعث المرء على ما ختم عليه) هذه قضية ثانية.(1/254)
إذاً رب العالمين في هذه الثلاث آيات يعطينا عدة أنظمة. هناك مسميات كالذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ثلاثة هؤلاء من صنف هؤلاء يتبعون أنبياء معروفين مشهورين وهؤلاء كلٌ آمن بنبيه على اختلافٍ بينهم في بعض القضايا ولكنهم يبعثون على أنهم من أتباع رسولٍ محددٍ معين ولا يبعثون مع الذين هم تركوا نبيهم إلى تحريفٍ أو تخريفٍ آخر كاملاً، هذا واحد إذاً هناك ناس من أمم الرسل، هذا واحد. هناك ناس كانوا من أمم الرسل ولكنهم تركوا جزءاً أو كلاً حتى انزلقوا إلى الوثنية لكنهم في البداية كانوا يتبعون رسولاً صحيحاً نبياً صحيحاً حقيقياً كالصابئة وسنتكلم عنهم بعد قليل. هؤلاء ناس من أتباع الأنبياء ولكن في الأخير صار عندهم شيء من الخلل وأصبحوا بين اليهود والنصارى لا هم يهود ولا هم نصارى يعني صار تحريفهم كبيراً هؤلاء صنف لكنه محسوب مع الذين يؤمنون بأنبياء حقيقيين ولو أنهم ابتعدوا عنهم. وهناك ناس لا، مشركون لا يؤمنون بنبيٍ، لا قبل هذا في ناس يؤمنون بنبي ولكن ليس نبياً حقيقياً هو نبيٌ متنبئ يدعي النبوة وهو ليس نبياً وهم المجوس هذا صنف ثالث الصنف الرابع المشركون والوثنيون. رب العالمين عز وجل من رحمته شمل هؤلاء جميعاً بأن كل واحد منهم يتوب قبل الموت فإنه ناجٍ (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) إذا آمن وعمل صالحاً انتهى.(1/255)
طبعاً هو جمع الذين آمنوا يعني المسلمون واليهود والنصارى والصابئين والصابئون هؤلاء من أتباع الأنبياء ولو أن الصابئين تغيروا قليلاً إلى حدٍ ما أكثر من الجميع لماذا رب العالمين رفعها؟ رفعها كما يقول أحد المفسرين طاهر بن عاشور رضي الله تعالى عنه وهو مفسر عظيم يقول عن صابئون لأنهم فعلاً ربما لما نزل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ) ناس قالوا صابئين؟ كيف تجعلون الصابئين مع الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى هؤلاء ثلاثة من الأديان الرئيسية وهؤلاء رسل حقيقيون والخ؟ هؤلاء الصابئة تغيروا راحوا اندثروا، الله قال والصابئون كذلك فالصابئون مبتدأ وخبرها محذوف تقديره كذلك. إذاً معنى الصابئون لكي يلفت النظر إلى أن من أنكر على أن يكون الصابئون مع الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى رب العالمين قال لك لأ هو معهم كذلك فلا ينبغي أن تعجب (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِونَ) كذلك هذا جوابٌ لمن عنده اعتراض على الصابئين قال لك هؤلاء في يوم من الأيام كانوا أبتاع نبي وهم موحدون وعندهم خرافات ووثنيات طبعاً الصابئون ليسوا نوعاً واحداً حقيقة هم عدة أنواع وأفضلهم الصابئة المندائيون هؤلاء يصلون ويصومون وعندهم نبي ولكن عندهم بعض الأشياء انحرفوا إليها كالتعميد في الماء وما شابه يعني ابتعدوا عن سمت الديانات السماوية.(1/256)
أما الحرانيون اللي هم وثنيون تماماً انقرضوا المندائيون صاروا في العراق مكانهم في الفرات ولا يزالون حوالي مائة ألف واحد - كما يقول بعض المحققين - توسعوا بعد هذه الأحداث الأخيرة في العراق والحروب وهذا الاحتلال الخ منهم من ذهب إلى الكويت ومنهم من ذهب إلى سوريا وقسم منهم إلى استراليا وفتحوا لهم مراكز وهم غامضون يوحدون الله سبحانه وتعالى يغتسلون من الجنابة يتوضأون يصومون يصلون على طريقتهم الخاصة عندهم الصلوات سبع مرات يعني لكنهم محسوبون على نبيٍ حقيقي هؤلاء جانب واحد، أصحاب الأديان ثم الله قال (وَالْمَجُوسَ) أيضاً ولو أن نبيهم غير صحيح فهو متنبئ كذاب لكنهم يؤمنون بأن هناك أنبياء. كونه يؤمن بأن هذا نبي إذاً معناه أنه هو عنده فكرة عن الأنبياء وعنده فكرة أن الله يرسل الأنبياء فهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى يرسل أنبياء. فواحد ادّعى النبوة كما ادّعى مسيلمة ولو شاء الله سبحانه وتعالى أن ينجح مسيلمة لكان عندنا الآن فرقة كبيرة اسمهم المسيلميون يدّعون أن مسيلمة هو النبي إذاً هم يؤمنون بأن هناك نبوة ورب العالمين يقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة (أخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان) واحد يعلم أن الله موجود، إله كما هم الصابئة موحدون يعلمون بأن الله واحدٌ لا إله إلا هو ولكن ناس قالوا هذا عنه وناس قالوا كذا فهؤلاء المندائيون يعني أقرب الناس إلى أصحاب الأديان فهم لا يهود ولا نصارى ولكنهم يصلون ويؤدون الزكاة يتصدقون يؤمنون بالطهر لازم تكون دائماً طاهر بيتك طاهر ولهذا يستحمون في الماء إلى حد أن بعضهم عبد الماء. كلمة صابئة مأخوذ من لغتهم المندائية تعني الانغماس بالماء أو التعميد أو الاغتسال أو التطهير وكلها ممكن استعمالها ولهذا هم كما أن النصارى يعمدون فهم يعمدون أيضاً، لهذا قال سيدنا علي كرم الله وجه عن المجوس (سنوا بهم سنة أهل الكتاب).(1/257)
الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه عنده التفاتة حلوة قال (العرب أصحاب أذن حساسة في اللغة) يعني كثيراً ما يقرأ من الصحابة واحد موجود من البدو من الأعراب يقول لك الله ما يقول هذا الكلام؟ فالإذن حساسة في اللغة كالشعراء يعرف الزحاف متى يكون؟ إذا واحد قرأ بيت أي زحاف يقول له هذا غير موزون. ولهذا رب العالمين سبحانه وتعالى كما يقول لك واحد كان جالساً عند المنصور لما ولي الحكم واحد إعرابي جالس والمنصور يخطب وهو أمير المؤمنين وحكم العالم فأخطأ قال له أنت أخطأت رجع وعاد الكلام بعد ساعة أخطأ قال له ما هذا؟ أخطأ باللغة وبعد قليل أخطأ قام هذا الإعرابي وقال (والله أعلم أنك وليت الأمة بالقضاء والقدر) يعني أنت لا تستحق الحكم لكن قضاء وقدر أتى بك ولا واحد أمير عربي يغلط ثلاث مرات هكذا فرب العالمين نزل القرآن العرب وهو معجزتهم فرب العالمين لما قال (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ) ساكتين ولكن لما قال (وَالصَّابِئُونَ) كلهم انتبهوا. إذاً الصابئون أداؤه سبب من أسباب شدة انتباه المسلمين أيها العرب المسلمون انتبهوا إلى هذه الكلمة الصابئون مقصودة لنفسها ولذاتها عليكم أن تدرسوها دراسة مستقلة فالصابئون إذاً مرفوعة على أساس لفت الانتظار كما واحد يدق جرس أو يدق طاولة حتى الناس ينتبهون فالقرآن دق الحروف فلما قال (وَالصَّابِئُونَ) كلٌ فز شو الصابئون؟ يعني انتبهوا وأعربوها كما تشاءون ولكن انتبهوا إلى أن الصابئين لهم وضعٌ خاص.
سؤال: لكن سيدي الفاضل إذا كانت القضية قضية حسٌ لغوي وهذا الحس اللغوي منذ القرون العباسية بدأ يخفت فلم ننتبه إلى سر هذا العلو سور هذا الرفع في هذه الكلمة في قرونٍ متأخرة ولم نعاملهم معاملة أهل الكتاب في بعض الأحيان؟
نحن الآن في عصر العجمة اللغة العربية لغة الآن لا يعرفها إلا القلة من الناس البارعون فيها.(1/258)
سؤال: لذلك كثيراً مما ورد في هذه الآية والتي تشير إلى أن يعاملوا معاملة أهل الكتاب فيخيرون بين الإسلام والجزية وفي حالة مقاتلتهم إيانا القتال فقط؟
كما قال عن المجوس في الأثر (سنوا بسنة أهل الكتاب) الإسلام يريد أن يدفع القتل وسواء كان حدود أو قطع يد أو رجم أو جلد أو قصاص بكل الوسائل فمن ضمنها كما تفضلت "سنوا بهؤلاء المجوس سنة أهل الكتاب" لماذا؟ هم يقولون عندنا نبي يعني معناه أنه يعرف أن هناك رب وأنبياء ورسل لأدنى شيء في الأثر قال سواء كان حديثاً أو قول سيدنا علي حينئذٍ نقول الفكرة العامة حسن الخاتمة حتى في الدنيا هذا مبدأ في تطور فما الفرق بين أمة متخلفة وأمة متقدمة؟ الشيخ محمد بن راشد له كلمة جميلة في كتابه القيم "رؤيتي" أعتقد في الفصل الثالث في الجزء الثاني يقول (ليس المطلوب أن نتمرد على الماضي يعني فقط ليس المفروض أن نخرج من الماضي إلى المستقبل إنما المطلوب أن لا نبقى نعيش في الماضي) يعني أنت قد تعيش في عقلية الماضي في عقلية التفكير الماضي بأساليبه بحكمه بعمرانه صحيح أنك في القرن الواحد والعشرين لكن أنت تعيش القرن الأول أنت تحررت من الماضي لكن ما زلت أنت ساكن فيه وعايش فيه. هذا معناه أنت لما تكون مسلم كهذه الآية (مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا) أنت سواء كنت يهودياً مجوسياً صابئياً كل شيء حتى مشرك وثني تركت هذا وآمنت هذا صحيح أنت تركت الماضي وصرت في المستقبل، إياك أن تبقى عايش في الماضي وأنت في المستقبل.(1/259)
يعني على واقعنا الحالي هناك إنسان ترك الخمر ولكن كل ما يشوف الخمر يتذكر ويتمنى وبشكل رومانسي وهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء وحرم الإسلام الخمر منع أحد أن يستعمل أواني الخمر لأنه يحن لها كما قال الشيخ محمد هو لسه عايش في الماضي ولو أنه تركه، لماذا الإسلام حرّم التماثيل لأن الناس لسه يعرفون الأصنام كان يعبدونها لا يكون يحن حينئذٍ هذه قاعدة عامة في الحياة في القيادة في الشغل في العمل في التطور في البناء في الاختراع في الأفكار إياك أن تترك الماضي للمستقبل ولكنك لسه أنت عايش فيه، حرِّر نفسك من البقاء في الماضي وليس من الماضي وحده كل الناس تتحرر من الماضي وكل الناس تدعي التقدم تحررنا من الماضي ولكننا لسه عايشين فيه حرر قلبك من أن تعيش في الماضي وليس التحرر من الماضي وحده.
على كل حال هذا موجز الفرق بين الصابئين والصابئون فالصابئون معنى ذلك لأمرٍ مقصود متعمد لفت أنظار الناس ولقطع اليأس لا تيأس والصابئون كذلك كلهم يغفر لهم إذا تابوا التوبة هذه باب الله الواسعة، هذه الحالة الأولى.
* ما الفرق بين(عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) و (وَعَمِلَ صَالِحًا)؟( د.فاضل السامرائى)
في عموم القرآن إذا كان السياق في العمل يقول (عملاً صالحاً). كما في آخر سورة الكهف (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110)) لأنه تكلم عن الأشخاص الذين يعملون أعمالاً سيئة ويكون السياق في الأعمال (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)) والسورة أصلاً بدأت بالعمل (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)).(1/260)
مع العمل يقول عملاً. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) البقرة) ليست في سياق الأعمال فقال (عمل صالحاً).
آية (63):
*ما اللمسة البيانية في تقديم كلمة( الجبل) فى سورة الأعراف وتأخير (الطور) فى سورة البقرة؟( د.فاضل السامرائى)
قاعدة نحوية: يقول سيبويه في التقديم والتأخير: يقدمون الذي هو أهمّ لهم وهم أعنى به.
والتقديم والتأخير في القرآن الكريم يقرره سياق الآيات فقد يتقدم المفضول وقد يتقدم الفاضل. والكلام في سورة الأعراف عن بني إسرائيل والطور (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {171}) قدّم الجبل على بني إسرائيل . أما في آية أخرى في سورة البقرة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {63}) أخّر الطور لأن سياق الآيات في السورة هو في الكلام عن بني إسرائيل وليس في الطور نفسه.(1/261)
والجبل هو إسم لما طال وعظُم من أوتاد الأرض والجبل أكبر وأهم من الطور من حيث التكوين. أما النتق فهو أشد وأقوى من الرفع الذي هو ضد الوضع. ومن الرفع أيضاً الجذب والإقتلاع وحمل الشيء والتهديد للرمي به وفيه إخافة وتهديد كبيرين ولذلك ذكر الجبل في آية سورة الأعراف لأن الجبل أعظم ويحتاج للزعزعة والإقتلاع وعادة ما تُذكر الجبال في القرآن في موتقع التهويل والتعظيم ولذا جاء في قوله تعالى (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ {143}) ولم يقل الطور. إذن النتق والجبل أشد تهديداً وتهويلاً.
*ما الفرق بين(فوقهم)فى قوله تعالى(وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّور (63) البقرة) و(من فوقهم)فى قوله(لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ (16) الزمر) ؟ (د.فاضل السامرائى)
((1/262)
من) يسموها إبتداء الغاية. لو حذف (من) يقول يسلك بين يديه. ما الفرق بينهما؟ بين يديه يعني أمامه قد يكون الرصد قريباً أو بعيداً والخلف قد يكون بعيداً أو قريباً، خلفك يمتد إلى ما لا نهاية. بينما (من) إبتداء الغاية ملاصق لا يسمح لأحد بأن يدخل مثلاً (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا (10) فصلت) من فوقها الرواسي ملاصقة للأرض لو قال فوقها تحتمل (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ (6) ق) (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّور (63) البقرة) ليس ملاصقاً لهم وإنما فوق رؤسهم، (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ (19) الملك)، (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ (75) الزمر) ليس هنالك فراغ بين العرش والملائكة. (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ (16) الزمر) مباشرة عليهم لو قال فوقهم تحتمل بُعد المسافة. (يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) الحج) مباشرة على رؤوسهم.
سؤال: هل هنالك معاني للحروف في اللغة العربية؟
هناك كتب كثيرة مؤلفة في معاني الحروف مثل المغني اللبيب وغيره.
*ما الفرق بين قوله تعالى:(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا) - (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ )؟(د.أحمد الكبيسى)(1/263)
قال تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا {93} البقرة) في نفس البقرة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ {63} البقرة) في الأولى ساعة ما نتق الله الجبل - وهذه قضية معروفة شرحناها في قصص الأنبياء رفع الله الجبل جبل الطور على رؤوس بني إسرائيل لكي يأخذوا ما جاء به موسى بعد أن اشتطوا مع موسى اشتطاطاً كبيراً كما هو واقع الحال - فرب العالمين في البداية قال اسمعوا ما سوف أقول، واسمعوا هذا في الأول ثم لما سمعوا ما قال الله عز وجل ولم يأخذوا بذلك أمرهم بأن يأخذوه قال (خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ) في الكتاب في التوراة وإياكم أن تنسوه.
فى إجابة أخرى للدكتور الكبيسى :(1/264)
في سورة البقرة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)) وفي البقرة أيضاً (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ (93) البقرة) هذه الأولى في زمن موسى خذوا ما آتيناكم من التوراة بقوة وطبقوا ما فيه. أما في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود حاربوا النبي أن لا يسمحوا لأحد بأن يسمع القرآن (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ (26) فصلت) إذا سمعتم القرآن ضعوا أصابعكم في آذانكم وإذا مر مسلم لا تضعوا أعينكم في أعينهم احتقاراً عملوا خطة عجيبة كما يفعلوا الآن لا يسمعوك في جعوة ولا في حقيقة إذا قلت شيئاً طيباً لا ينقلوه وإنما ينقلون الشيء الرديء، سدوا آذانهم عن كل حسناتك فقال تعالى لهم (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ) اسمعوا الآخر أنت كيف تعيش مع الآخر إن لم تسمعه؟ اسمع ما يقول ولهذا رب العالمين يمتدح السماعين البارعين في السماع والسماع فنّ (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (18) الزمر) والسماع فنّ
من لي بإنسان إذا حدثته وجهلت كاد الحلم رد جوابه
وتراه ينصت للحديث بقلبه وبسمعه ولعله أدرى به
ما هذا الذوق الرفيع؟ أنا أعرف الذي تتكلم عنه لكن أنا منتبه عليك وأثني عليك هذا إنسان صاحب خلق وذوق راقي أما الساقط الفوضوي أصحاب اللغة هؤلاء لا يسمعون وإنما يهرّج (وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً (35) الأنفال) هذا كان ديدنهم والله تعالى قال لهم (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ).
آية (64):
*انظر آية (27) ???.
آية (66):(1/265)
*(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (66) البقرة) على من يعود الضمير في (جعلناها)؟(د.فاضل السامرائى)
يعود على الحادثة.
آية (67):
* ما الفرق في إستعمالات الفعل كاد في (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) البقرة) و (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا (40) النور) و (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ (51) القلم)؟(د.حسام النعيمى)
(كاد) في دراسات النحو يقولون هي من أفعال المقاربة. لما تقول: "كاد زيد يفعل كذا" يعني قارب الفعل، نقول "كاد المتسابق يفوز" يعني هو لم يفز لكن قارب الفوز. واستعمال (كاد) يأتي بعدها الفعل المضارع الغالب من غير (أن) إلا النادر (ما كدت أن أصلي العصر) الأصل أن تأتي من غير (أن) كاد يفوز، كاد يعني قارب الفعل ولم يفعله.
(ما كاد) أو (لم يكد) معناه أصلاً لم يقارب، يعني لا قاربه ولا فعل من باب أولى. "كاد يفوز" يعني قارب الفوز لكن "ما كاد يفوز" أو "لم يكد يفوز" هذا الأصل. نفي المقاربة. لكن قلنا أكثر من مرة أن العربي يتصرف في الألفاظ و صار يستعملها بمعنى فعلت بعد جهدٍ وإبطاء. في العامية نحن نستعملها أحياناً فنقول: بالكاد فعلت هذا الأمر، يعني ما كدت أفعله، هو فعله معناه فعله بعد إبطاء. فإذن لما يقول أحياناً في بعض النصوص: "وصلتُ إليك وما كدت أصِل"، قال ابتداء وصلت إليك، ما كدت أصل يعني وصلت إليك ولكن بعد جهد وبعد تعب.(1/266)
نرجع الى السياق فلما نأتي إلى النص (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ (71) البقرة) هذا بعد قصة البقرة في البداية قال (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) البقرة) وجاء (بقرة) بالتنكير المطلوب أن يمسكوا أي بقرة فيذبحوها فشددوا فشدد الله سبحانه وتعالى عليهم لما انسد كل المنافذ قالوا الآن جئت بالحق، فذبحوها إذن هي ذُبِحت. لما قال (وما كادوا يفعلون) نفهم منها أنهم فعلوا بعد إبطاء وجهد من خلال النص. ويقوّيها لفظة (فذبحوها) كما تقول وصلت إليك وما كدت أصل، لا يعني بقوله وما كدي أصل ما قاربت الوصول أصلاً لكن لما يأتي سياق آخر يقول (ما كاد فلان يفوز) يسأله أفاز فلان في السباق؟ فيقول له: ما كاد يفوز أي أصلاً ما قارب الفوز من خلال السياق.
خلاصة الأمر السياق هو الذي يعين المعنى الطبيعي الذي عليه أو المعنى الذي تحول إليه العربي بتحول الدلالة يعني صار يعطيه دلالة جديدة لكن وفق السياق هو الذي يبين مراده منها.
آية (69):
*(قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) البقرة)ما دلالة (فاقع لونها)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
لو قال تعالى بقرة صفراء لعلِم بنو إسرائيل أنه لون الصُفرة سيما أن هذا اللون نادر في البقر فلم قيّد الصفرة بصفة فاقع؟في هذا التعبير مزيد من التعجيز والتقييد وتحديد لبقرة بعينها دون سواها وهنا تضييق على بني إسرائيل فعندما شدّدوا شدّد الله تعالى عليهم.
آية (70):(1/267)
*(إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا (70) البقرة) لم قالوا هذه الجملة في هذه الآية مع أنهم لم يقولوها في المرات السابقة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
طلب بنو إسرائيل صفات البقرة على ثلاث مراحل طلبوا تحديد ماهيتها (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ (68) البقرة) ومرة طلبوا تحديد لونها (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا (69) البقرة) ولم يعللوا سبب طلبهم فلما لجأوا للتعليل في المرة الثالثة قالوا (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) البقرة) لأن فعل الشيء ثلاث مرات يكون له وقع في النفس من الضجر فلا بد من إضافة تعليل في المرة الثالثة. ولهذا إنتشر في حياتنا التوكيد في الرقم 3.
آية (71):
*انظر آية (67)???.
*ما الفرق بين يعملون ويفعلون وبين الفعل والعمل؟(د.حسام النعيمى)(1/268)
يقولون العمل ما كان فيه إمتداد زمن، العمل أخصّ من الفعل فكل عمل فعل ولا ينعكس. والعمل فيه إمتداد زمن (يعملون له ما يشاء من محاريب) هذا للجانّ وهذا العمل يقتضي منهم وقتاً لكن لما نحدث تعالى عن الملائكة قال (ويفعلون ما يؤمرون) لأن فعل الملائكة برمش العين. عندنا آيات وكلام علماؤنا دقيق في هذا الباب. (مما عملت أيدينا) ما قال فعلت (وما عملته أيديهم) لأن خلق الأنعام والثمار يحتاج لوقت، الله تعالى لما يخلق التفاحة لا تخلق فجأة فقال عملت أيدينا يعني هذا النظام معمول بهذا الشكل لأن فيه إمتداد زمن. لكنه تعالى قال (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) باللحظة أرسل عليهم حجارة، (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) خسف بهم وقال تعالى (وتبين لكم كيف فعلنا بهم) العقوبات، غضب الله سبحانه وتعالى لما ينزل على الضالين والظالمين أنفسهم ينزل فوراً ولا يحتاج لإمتداد زمن. خواتيم الآيات في سورة البقرة (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)) كادوا لا يفعلون والذبح سريع فهو فعل لكنه قال (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)) أيّ حياة، لأن مدة العمل فيه فيه مدة. في ضوء هذا نستطيع أن ننظر معاني الآيات التي فيها زمن يقول يعلمون وما ليس فيه إمتداد زمن وهو مفاجئ يقول يفعلون والله أعلم.
آية (76):
*ما الفرق بين فتح الله لك وفتح الله عليك؟( د.فاضل السامرائى)(1/269)
يقال فتح لك وفتح عليك لكن فتح عليك يكون من فوق قد يكون في الخير والشر (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) الحجر) (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) المؤمنون) (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ (96) الأعراف) (قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (76) البقرة) إذن فتح الله عليك تأتي في الخير والشر لكن تأتي من فوق.
آية (77):
*(أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) البقرة): هل هذا الاستفهام في الآية حقيقي؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هل ينتظر المتسفهِم جواباً لسؤاله؟ إنك قد تقول لولدك أو عاملك ألم تعلم أني أكره هذا الأمر؟ فسؤالك لا تنتظر له جواباً وإنما غايتك لوم الفاعل. هذا لا ينتظر منه جواباً وإنما الغاية لوم الفاعل وفي قوله تعالى (أولا يعلمون) استفهام غايته التوبيخ ولوم القوم.
آية (78):
*(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) البقرة): الأمي هو من لا يعرف القراءة ولا الكتابة لكن من أين أتى هذا اللفظ؟ ومن أين اكتسب معناه؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن كلمة أميّ إسم منسوب والنسبة هي كل اسم انتهى بياء مشددة فإذا أردنا أن ننسب رجلاً إلى اليمن نقول هو يمنيّ فما الكلمة التي نُسِب إليها الأميّ؟ إن هذا الإسم منسوب إلى الأم أي الوالدة لأنه بقي على الحال التي بقي عليها مدة حضانة أمه له فلم يكتسب علماً جديداً لذلك قيل عنه أميّ.
آية (79):(1/270)
*(فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة) لو قال تعالى فويل لهم مما كتبوا لعُرِف بداهة أنهم كتبوا بأيديهم فلِمَ ذكر كلمة (أيديهم) إذن؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
ذكر كلمة (أيديهم) مع أن الكتابة تتم باليدّ لتأكيد وقوع الكتابة من قِبَلهم وتبيان أنهم عامدون في ذلك كما تقول نظر بعينه مع أن النظر لا يكون ولا يتم إلا بالعين وتقول تكلّم بفمك فالغاية من هذا كله تأكيد العمل.
آية (80):
*ما الفرق بين دلالة الجمع في معدودة ومعدودات؟( د.فاضل السامرائى)
القاعدة: جمع غير العاقل إن كان بالإفراد يكون أكثر من حيث العدد من الجمع السالم كأنهار جارية وأنهار جاريات، فالجارية أكثر من حيث العدد من الجاريات، وأشجار مثمرة أكثر من مثمرات وجبال شاهقة أكثر من حيث العدد من شاهقات فالعدد في الأولى أكثر، وجمع السالم قلة. فهذه من المواضع التي يكون فيها المفرد أكثر من الجمع.
معدودات جمع قلّة وهي تفيد القلّة (وهي أقل من 11) أما معدودة فهي تدل على أكثر من 11، وقد قال تعالى في سورة يوسف عليه السلام (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)) أي أكثر من 11 درهما، ولو قال معدودات لكانت أقل.(1/271)
مثال: قال تعالى في سورة آل عمران (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {24}) اختيار كلمة (معدودات) في هذه الآية لأن الذنوب التي ذُكرت في هذه الآية أقلّ. وقال تعالى في سورة البقرة (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {80}) اختيار كلمة (معدودة)في هذه الآية لأن الذنوب التي ذُكرت في هذه الآية أكثر.
* اليهود قالوا (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً (80) البقرة) وآية أخرى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ (24) آل عمران) ما الفرق؟(من برنامج أخر متشابهات للدكتور أحمد الكبيسى)
للأسف المفسرون قالوا أنهما نفس المعنى وهذا غير صحيح. المعدودات يعني أنا عندي أيام محددة تتكرر كل سنة ما تختلف مثل أيام العيد، مثل رمضان وفي الحج (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ (203) البقرة) في كل سنة ما تتغير، هذه المعدودات. حينئذ هذه لها معنى. في أيام معدودة عندنا 360 يوم أنا أربع خمس أيام لا على التعيين سنسافر أيام معدودة لأمر ما، هذه معدودة لأنها ليست محددة .(1/272)
إذن هما مذهبان كما قلنا اليهود والنصارى وغيرهم كما أن المسلمين مذاهب وآراء وأفكار ونحن في كل جزئية هناك أفكار للعلماء تختلف وهذا في غاية الصحة العلمية أن العلماء يختلفون وهذا العقل البشري الذي لا يختلف هو الحيوان (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء (171) البقرة) مليون نعجة تقودها بصوت واحد. قسم من بني إسرائيل الله سيعذبنا خمسة أيام من أيام شهر ما وآخرون قالوا خمسة أيام ليست معلومة والله تعالى لما نقل آراءهم وأفكارهم بهاتين الكلمتين لخص لنا أن بني إسرائيل منقسمون في هذه الأيام.
آية (81):
*(بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) البقرة) كيف تحيط الخطايا والإثم بالإنسان؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الخطيئة إسم لما يقترفه الإنسان من آثام جرائم، تأمل السِوار الذي يحيط بالمعصم لا يبقي منفذاً من اليد خالياً دون إحاطة وهذه صورة الخطايا والآثام عندما تكثر فهي تلتف حول الجسم والروح ولا تدع للإنسان مجالاً لحرية من الهروب من الخطأ كذلك الفاسق لو أبصر أيمن منه وأيسر منه ولو أبصر فوقه أو أسفل منه لما رأى إلا المنكر الذي ألِفَه واعتاده.
* (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ (81) البقرة) ما إعراب أحاطت به وما شرحها؟( د.فاضل السامرائى)
أحاط فعل ماضي مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة.
آية (83):
*ما الفرق بين (ذي القربى(83)البقرة) و(بذي القربى(36)النساء؟(د.أحمد الكبيسى)(1/273)
يقول تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى {83} البقرة) (وذي) واو ذاء ياء لا يوجد باء، الآية الأخرى للمسلمين (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى{36}النساء) عندنا آيتين آية اليهود (وَذِي الْقُرْبَى) آية المسلمين (وَبِذِي الْقُرْبَى) هل هذه الباء زائدة يعني ليس لها معنى؟في الحقيقة لا، فرب العالمين بهذه الباء يرسم ما هومستقبل القربى عند اليهود وما هو مستقبل القربى عند المسلمين أي الترابط الأسري، التناسب الخَلقي مدى مسؤولية كل واحد في الأسرة فعندنا نحن ناس فروع ابنك وبنتك وأبناؤهم وعندنا أصول أبوك جدك وآباؤهم وعندنا أطراف اللي هم الجناحين أخوة وأخوات وأولادهم وأعمام وعمات وهكذا هذا التناسق أين سيكون كاملاً بالمائة مائة؟ أين ستكون العناية به كاملة كما أمر الله؟ فرب العالمين يعلم مقدماً أنه ما من أمة على وجه الأرض سوف تصل إلى ما وصل إليه المسلمون من هذا الرحم وهؤلاء القربى والكل يشهد بذلك. نحن لا يوجد لدينا من يترك أمه وأبوه في الملجأ ولا يوجد من لا يعرف عمه أو خاله أو من لا يعرف أبوه أو جده هذا مستحيل. في حين الأمم كلها لا تُعنى بهذا اليوم فرب العالمين عز وجل عندما ترك الباء بهذه الآية الموجهة للمسلمين إشارة إلى أن هذه الأمة وحدها هي التي سوف تُعنى بالأرحام والأقارب والوالدين والتماسك الأسري أعمام وأخوال وأجداد وجدات كما لا يمكن أن تفعل أمة أخرى هذا هو أثر الباء، وجودها في آية المسلمين وحذفها من آية أخرى لغير المسلمين.
فى إجابة أخرى للدكتور الكبيسى:(1/274)
العرب يقولون القربى نوعين القربى قرابة الأب يعني آباءك وأجدادك وأعمامك يعني أبوك وجدك وأمك وجدتك وأعمامك الذين هم قرابة الأب وأخوالك قرابة الأم، هذا نوع هذا قسم. الأقوى منه - طبعاً هذا القسم الماضي بالنسبة لك أنت يعني أنا أبي وجدي وأبو جدي وأمي وجدتي وأم جدتي هؤلاء يعني راحوا وخالي وابن خالي يعني قطعاً هؤلاء ماضي هؤلاء مغربون أنا مشرِّق أنا آتي - من قرابتي الحقيقيون الأقوى هم أبنائي أبناء أبنائي بنات أبنائي بناتي أولاد بناتي أخواني أولاد أخواني هذا النصف الآخر فالقربى الأصلية القوية الذين هم جايين معك النبي صلى الله عليه وسلم لما قال تعالى (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى {23} الشورى) من القربى؟ أبوه وأمه؟ لا القربى علي وفاطمة ونسلهم. إذاً صار هذه القربى العظيمة الأساسية فلما الله تعالى قال (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى) يعني بها أنت تهتم على قرابة أبوك وتراعيهم فإياك أن تنسى جدك وجدتك وخالك وخالتك وعمك وعمتك وأولادهم هؤلاء أرحام يقفون معك هذا (وَذِي الْقُرْبَى) لا تتصور أن كلهم سواء لا ليس كلهم سواء الجاي أولاد بناتك أقوى (وَبِذِي الْقُرْبَى) فاطمة عند النبي صلى الله عليه وسلم وأولادها يساوون الدنيا كلها هؤلاء ملوك الجنة (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا {33} الأحزاب) وهم فاطمة وأولادها.(1/275)
حينئذٍ الفرق بين (وَذِي الْقُرْبَى) (وَبِذِي الْقُرْبَى) هذه الباء قال لك هناك أرحام أقوى من أرحام وهذه في سورة النساء وهي بدأت بقوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {1} النساء) والأرحام ليسوا شكلاً واحداً بل شكلين فالأرحام مجموعة القربى ولكن القربى شكلين. الرحم واحد تطلق على نوعي القرابة فالقرابة المحترمة المقدسة قال (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى) ثم قال (وَذِي الْقُرْبَى) إذاً هؤلاء قربة الأب بر الوالدين هو بر أهله وقرابته (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى) الوالدين والقربى قرابته شيء واحد. هناك لا ليس شيء واحد وبالوالدين شيء وبالآخرين هذه قرابة الولادة هذه قرابة الأبوة فانظر إلى الدقة العجيبة فأنت الآن لست بحاجة إلى أن تقول من هم الأرحام؟ هو يقول لك بالباء هذه الباء شملت لك الموضوع كاملاً هناك قرابة الأب واضحة ومباشرة (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى) هؤلاء مجموعة واحدة مع الوالدين، الثانية لا (وَبِذِي) هؤلاء نوع ثاني فالباء هذه أهميتها ومهمتها وكلنا نعرف ماذا يعني الرحم؟ الرحم جنتك ونارك وخاصة الكاشح منهم فإذا أردت أن تنجو وأن ينسئ الله في عمرك وفي رزقك صِل رحمك هذا هو الموضوع والفرق بين (وَذِي الْقُرْبَى) (وَبِذِي الْقُرْبَى).
*ما دلالة الوالدين وليس الأبوين؟(د.فاضل السامرائى)(1/276)
في القرآن عادة خط لا يتخلّف إذا ذكر الوصية بهما أو البر بهما أو الدعاء لهما يقول الوالدين ولا يقول الأبوين هذا خط لم يتخلف في القرآن (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83) البقرة) (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح) لم يتخلف في القرآن ولا مرة واحدة. أما الأبوين فقد تأتي في الميراث (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (11) النساء). لا شك أن الأبوين هو تغليب هو الأب والأم (مثنى الأب والأم) لكن تغليب الأب والوالدين هو الوالد والوالدة وأيضاً تغليب لفظ الوالد مع أنه لم يلد والولادة للأم، الولادة للأم بالفعل وللأب للنسب. إذن لما يقول الوالدين تذكير بالولادة (يعني الأم) يعني فيها إلماح إلى إحسان الصحبة إلى الأم أكثر وهذا يتطابق مع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الولادة منها. إذن كل القرآن فيه إلماح إلى أن الأم أولى بحسن الصحبة والإحسان إليها أكثر من الأب الإهتمام بالأم أكثر.
آية (84):
*(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (84) البقرة) هذه الآية تخاطب بني إسرائيل الذين مضوا ومع ذلك جاءت بصيغة المخاطب ، فما السبب في مخاطبة من مضى؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن المخاطبة جاءت للخَلَف من بني إسرائيل لتبين للمؤمنين أن الخلف من بني إسرائيل هم بمنزلة أسلافهم فأفعالهم واحدة وتصرفاتهم موروثة.
آية (86):
*ما الفرق بين استخدام كلمة (يُنصرون) في سورة البقرة وكلمة (يُنظرون) في سورة البقرة وآل عمران؟(د.فاضل السامرائى)(1/277)
قال تعالى في سورة البقرة (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {86}) وقال في سورة البقرة أيضاً (خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ {162}) وفي سورة آل عمران (خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ {88})
لو نظرنا في سياق الآيات في سورة البقرة التي سبقت آية 86 لوجدنا الآية (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ {84} ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {85}) فالآيات تتكلم عن القتال والحرب والمحارب يريد النصر لذا ناسب أن تختم الآية 86 بكلمة (ينصرون) أما في الآية الثانية في سورة البقرة وآية سورة آل عمران ففي الآيتين وردت نفس اللعنة واللعنة معناها الطرد من رحمة الله والإبعاد والمطرود كيف تنظر إليه؟ كلمة يُنظرون تحتمل معنيين لا يُمهلون في الوقت ولا يُنظر إليهم نظر رحمة فإذا أُبعد الإنسان عن ربه وطُرد من رحمة الله فكيف يُنظر إليه فهو خارج النظر فلما ذكر الأيتين في سورة البقرة وسورة آل عمران استوجب ذكر (يُنظرون).
آية (87):(1/278)
*(وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (87) البقرة)هل لمعنى أيدناه علاقة باليد؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
معنى أيّدناه أي قوّيناه وشددنا أزره وعضده والعفل أيدناه مأخوذ من اليد فما صلة اليد بقويّناه؟ اليد تطلق عادة على القدرة والمنعة لأنها آلة القوة والدفاع عن النفس ومنع الآخرين من الاعتداء.
*لماذا اختلاف صيغة الفعل في قوله تعالى (ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون) البقرة آية 87؟( د.فاضل السامرائى)
كذبتم فعل ماضي وتقتلون فعل مضارع. زمن الأفعال تعبّر أحياناً عن الأحداث المستقبلية بأفعال ماضية (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ {73} الزمر) والأحداث الماضية بأفعال مضارعة حكاية الحال تُعبّر عن حدث ماضي بفعل مضارع كأنما نريد أن نستحضر الحدث أمامنا مثل قوله تعالى في سورة الأعراف (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {57}).
آية (89):
*(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ (89) البقرة) (وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ (91) البقرة) (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ (101) البقرة) متى يرفع كلمة مصدق ولماذا ومتى ينصب ولماذا؟(د.حسام النعيمى)(1/279)
الجُمل -بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال. لما نقول رأيت رجلاً يركض، جملة يركض صفة لرجل لأن رجل نكرة لكن لو قال رأيت الرجل يركض أو ستكون لبيان حاله، فالنكرة تحتاج إلى وصف حتى تتبين أما المعرفة يبيّن حالها. هكذا لما قال الله عز وجل (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ (89) (كتاب) نكرة قال بعدها (مصدقٌ لما معهم) فجاء به وصفاً لكتاب وكتاب مرفوع فتكون الصفة (مصدقٌ) مرفوعة،
الآية الأخرى في السورة نفسها (وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ (91) البقرة)، (وهو الحق) معرفة فقال: مصدقاً، لو قيل في غير القرآن: وهو حقٌ مصدقٌ لأنه كما قلنا نكرة تحتاج إلى وصف لكن لما عرّفه (وهو الحق) يعني هو الحق ولا شك في ذلك والكلام على القرآن، يعني هو الحق لا ريب فيه كأن الحق مجسماً بهذا القرآن الكريم فجاء بالحال يعني في حال تصديقٍ لما معكم أن هذا القرآن يصدق لما معكم، الذي معهم هم كأنهم متلبسون به، الذي معهم هو التوراة وما حولها التوراة فيها أوصاف للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمكان الذي سيظهر فيه، ببعض صفاته، إذن هذا القرآن يصدق الأوصاف لهذا الرسول أو مصدق لما معكم من التشريعات التي لم تُنسخ أو التي لم تُحرّف فهو في بيان حال.
والآية الأخرى في البقرة (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ (101) البقرة) كأنما هم لم يعلموا أن هذا هو تصديقٌ لما عندهم، كأنهم لا يعلمون، تكلفوا أن يظهروا بهذا المظهر فإذن (رسول) نكرة فقال (مصدق).
آية (91):
*انظر آية (89).???(1/280)
* ما المقصود ب(بما وراءه) في قوله تعالى(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) البقرة) ؟(د.حسام النعيمى)
الدين الذي كان سائداً قبل الإسلام في جزيرة العرب هو اليهودية وليس النصرانية. اليهود كانوا قبائل في جزيرة العرب. اليهودية الآن أي يهودي لو سألته ما قولك بعيسى - عليه السلام - ؟ لا يقول هو نبي وأُنزل عليه كتاب، هو لا يؤمن بعيسى - عليه السلام - ولا بكتابه كما أنه لا يؤمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولا بكتابه. اليهودي هذه عقيدته ولذلك بقي يهودياً وإلا كان يصبح نصرانياً أو مسلماً. والذي يعرف دين موسى فقط إذا كان يهودياً لا يعترف بعيسى لأنهم حاولوا قتله. لو إعترفوا به نبيّاً ما صلبوا هذا المشبّه وقتلوه على أنه عيسى - عليه السلام - وقتلوا من وراءه (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) البقرة) حتى يكتمل إيمان المسلم ينبغي أن يؤمن بما ورد في كتاب الله عز وجل وفي كتاب الله إثبات نبوة عيسى - عليه السلام - .
* ما دلالة صيغة الفعل المضارع فى (تقتلون) ؟( د.فاضل السامرائى)(1/281)
هذا يُسمّى حكاية الحال بمعنى إذا كان الحدث ماضياً وكان مهماً فإن العرب تأتي بصيغة المضارع حتى تجعل الحدث وكأنه شاخص ومُشاهد أمامك. والمضارع يدل على الحال والاستقبال والإنسان يتفاعل عادة مع الحدث الذي يشاهده أكثر من الحدث الذي لم يره أو الذي وقع منذ زمن بعيد فالعرب تحول صيغة الأحداث إلى صيغة مضارع وإن كانت ماضية، وهذا الأمر ورد في القرآن كثيراً كما في قوله تعالى في سورة البقرة (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)) قتل الأنبياء هي حالة مستغربة وفي القرآن يأتي بصيغة المضارع مع الأشياء التي تدل على الحركة والحيوية والمهمة. وقد جاء في قوله تعالى في سورة فاطر (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)) جاء فعل أرسل بصيغة الماضي ثم فعل (فتثير) بصيغة المضارع ثم فعل (فسقناه) بصيغة الماضي مع أن السّوق يأتي بعد الإثارة والأحداث كلها ماضية لكن الإثارة مشهد حركة فجعلها بصيغة المضارع ليدل على الحضور. وهذا الأمر نجده أيضاً في السيرة ففي ما روي عن الصحابي الذي قتل أبا رافع اليهودي الذي آذى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال يصف ما حصل شعراً:
فناديت أبا رافع فقال نعم فأهويت عليه بالسيف فأضربه وأنا دهش
فجعل صيغة المضارع للمشهد الأبرز وهو الضرب فكأن السامع يرى الحادثة أمامه ويرى الصحابي وهو يضربه.
*من برنامج ورتل القرآن ترتيلاً:
جاء الفعل (تقتلون) بصيغة المضارع مع أن هذا الأمر قد مضى في عهود سابقة ولكن الله تعالى عبّر عنه بالمضارع لتبقى مستحضراً لهذا الفعل الشنيع الذي قد ارتكبه اليهود من قتلهم لأنبياء الله.
آية (93):
*انظر آية (63).???(1/282)
*قال تعالى:(وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ (93) البقرة)ما معنى الآية؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الإشراب هو أن تسقي غيرك وتجعله يشرب، فكيف أُشربوا العجل؟. إن الشرب هو جريان الماء في عروق الإنسان وقد عبّر الله تعالى عن شدة شغف اليهود بالعجل بشرب الماء لأن الماء أسرى الأجسام في غيره ولذلك يقال الماء مطية الأدوية ومركبها التي تسافر به في أقطار البدن فجعل شدة حبهم للعجل وعدم قدرتهم على إخراج هذا الحب الذي خالطهم أشبه ما يكون بالماء الذي لا غنى لأحد عنه وهو يسري في عروق الإنسان فيصبح جزءاً من جسم الإنسان وكذلك حُب بني إسرائيل للعجل خالط لحومهم ودماءهم حتى غدا جزءاً منهم.
آية (95):
*(وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ (95) البقرة)لم خص الله اليد؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر كيف عبّر الله تعالى عن الذنوب والمعاصي التي ارتكبها بنو إسرائيل بقوله (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) فلِمَ خصّ اليد بالذنب دون غيرها مع أنهم أساءوا لعيسى - عليه السلام - بلسانهم وكذبهم عليه؟ إذا رجعت إلى فظائعهم وجدت أفظعها باليد فأكثر ما صنعوه هو تحريف التوراة ووسيلته اليد وأفظع ما اقترفوه قتل الأنبياء وآلته اليد. تُعدّ هذه الآية بما فيها من تحدٍّ سافر لليهود إحدى معجزات القرآن وإحدى دلائل النبوة، ألا ترى أنها نفت صدور تمني الموت مع حرصهم على أن يظهروا تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان تمني الموت فيه تكذيب لهذه الآية ومن ثم تكذيب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك لم يُنقل عن أحد منهم أنه تمنى الموت.
آية (96):
*انظر آية (71).???
*ما دلالة استخدام كلمة (حياة) نكرة في قوله تعالى (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة)؟( د.فاضل السامرائى)(1/283)
قال تعالى في سورة البقرة (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ {96}) وجاءت كلمة حياة نكرة وهي تعني أي حياة سواء كانت حياة حيوانات أو حشرات وهذه إشارة إلى أنهم يريدون أي كانت وإن كانت ذليلة أو مُهينة أو تافهة ودنيا وليست الحياة الكريمة وإنما أي حياة مهما كانت دنيئة، لذا هم حرصوا على حياة تافهة ولا يتمنون الموت كما تحدّاهم به القرآن.وهى فى سياق الحديث عن اليهود.
آية (97) - (99):
* ما الفرق بين (نزله على) فى قوله تعالى: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ )97)) وأنزلنا اليك في سورة البقرة (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99))؟(د.حسام النعيمى)
الآيات لو تأمل فيها الإنسان تتضح له الإجابة. آية البقرة (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) اليهود كأنهم صاروا يشتمون جبريل وأعلنوا عداءهم له فكأن الآن يقول لهم: جبريل لم يصنع شيئاً من عند نفسه وإنما نزّل هذا القرآن على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - بإذن من الله سبحانه وتعالى أو أمر من الله تعالى (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ) وتكلمنا في المرة الماضية على فكرة على وإلى (على فيها معنى الإستعلاء وإلى فيها معنى الإيصال).
نزّله هنا على وزن فعّل تأتي للتكثير والتدريج. عندما تقول علّمه معناه درّجه في العلم فتعلّم فيه نوع من التدريج. فنزّله على قلبك هو هذا التدرج الذي نزل به.(1/284)
في الآية الأخرى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)) ذكر جبريل نعم لكن في حال نزول القرآن لم تشر إلى جبريل وإنما أشارت إلى المصدر الأول وهو الله سبحانه وتعالى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ) لما ذكر السياق الله سبحانه وتعالى (فإن الله عدو للكافرين) قال (ولقد أنزلنا إليك) الباري عز وجل يتحدث عن نفسه (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) فهذا الإنزال بمعنى الإيصال أنه أوصلنا إليك هذه الآيات لتبلّغها للناس.
* ما دلالة ذكر الملائكة ثم ذكر جبريل وميكال في الآية (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ (98) البقرة)؟( د.فاضل السامرائى)(1/285)
هذا يسمى من باب عطف الخاص على العام لأهمية المذكور.الآية (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ (98) جبريل وميكال من الملائكة وهما من رؤوساء الملائكة فذكرهم لأهميتهم وهذا كثير في القرآن (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى (238) والصلاة الوسطى من الصلوات فهذا من باب عطف الخاص على العام. في الجنة (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) الرحمن) هذا لأهمية وخصوص هذا الأمر. فجبريل وميكال ليسا كعموم الملائكة لكنهم منهم فيسمونه عطف الخاص على العام كما عندنا عطف العام على الخاص (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة) وابراهيم واسماعيل من النبيين.هناك عطف الشيء على مرادفه، عطف الخاص على العام وعطف العام على الخاص وهذا له قيمة بلاغية دلالية ليُظهر أهميته فلما يذكر الصلاة الوسطى والمحافظة عليها معناله لأهميتها الخاصة ولما يذكر جبريل وميكال فهما ليسا كعموم الملائكة فجبريل مختص بالوحي وذكر هؤلاء دلالة على أن للمذكور مزية خاصة ليست كالعموم.
*ما معنى اسم جبريل؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
(جبريل) إسم عبراني للملك المرسَل من الله تعالى بالوحي لرسله وهو مركّب من كلمتين: كلمة (جِبر) وكلمة (إيل) فأما كلمة جِبر فمعناها عبد أو القوة وكلمة إيل تعني إسماً من أسماء الله في العبرانية. وقد ورد إسم جبريل في القرآن في عدة صور منها: جِبريل وبها قرأ الجمهور ومنها جَبريل وبها قرأ ابن كثير ومنها جبرائيل وبها قرأ حمزة والكسائي وجَبرائيل وبها قرأ أبو بكر عن عاصم.(1/286)
*ما دلالة ختام الآية في قوله تعالى (مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ {98})؟( د.فاضل السامرائى)
قال تعالى(مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ {98}) هي إجابة عامة وليست للشرط فقط والمقصود بها إرادة العموم لا يكون الجواب منحصراً بالشخص المذكور ولكن تأتي للعموم لم يقل عدو لهم فأفاد أن هؤلاء كافرون والآية تشمل كل الكافرين، هؤلاء دخلوا في زمرة الكافرين ولا تختص عداوة الله تعالى لهؤلاء وإنما لعموم الكافرين فأفاد أمرين أن هؤلاء كافرين وأن عداوة الله لا تنحصر بهم ولكن بكل كافر. وهي أشمل كما جاء في قوله تعالى في سورة الأعراف (وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ {170}) جاءت للعموم ولم يقل تعالى (لا نضيع أجرهم) للأفراد وكلمة أجرهم تفيد أن المذكورين دخلوا في المصلحين..
آية (100):
*قال تعالى(أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم) لِمَ عبّر الله تعالى عن نقض اليهود للعهد والميثاق بالنبذ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
أنت تعلم أن النبذ هو الطرح والإلقاء فما علاقة الطرح بنقض الميثاق؟ لقد جعل الله تعالى العهد والميثاق الذي أقرّ به اليهود بكتاب أحكموا قبضته بيدهم حتى لا يقع ولكنهم سرعان ما تخلوا عن عهدهم وألقوا هذا الكتاب وطرحوه أرضاً إشارة إلى نقضهم للميثاق.
آية (101):
*انظر آية (89).???
*ما الفرق بين (أوتوا الكتاب) و(آتيناهم الكتاب)؟( د.فاضل السامرائى)(1/287)
القرآن الكريم يستعمل أوتوا الكتاب في مقام الذم ويستعمل آتيناهم الكتاب في مقام المدح. قال تعالى (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) البقرة) هذا ذم، (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) البينة) هذا ذم، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44) النساء) ذم. بينما آتيناهم الكتاب تأتي مع المدح (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ (121) البقرة) مدح، (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ (36) الرعد) مدح. هذا خط عام في القرآن على كثرة ما ورد من أوتوا الكتاب وآتيناهم الكتاب حيث قال أوتوا الكتاب فهي في مقام ذم وحيث قال آتيناهم الكتاب في مقام ثناء ومدح. القرآن الكريم له خصوصية خاصة في استخدام المفردات وإن لم تجري في سنن العربية. أوتوا في العربية لا تأتي في مقام الذم وإنما هذا خاص بالقرآن الكريم. عموماً رب العالمين يسند التفضل والخير لنفسه (آتيناهم الكتاب) لما كان فيه ثناء وخير نسب الإيتاء إلى نفسه، أوتوا فيها ذم فنسبه للمجهول (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا (5) الجمعة) (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) الشورى)، أما قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا (32) فاطر) هذا مدح.
آية (102):
*(يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ (102) البقرة)لم نسب الله تعالى تعليم السحر لليهود؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/288)
نسب الله تعالى تعليم السحر لليهود لأنهم اشتُهروا في هذا المجال وعُرِفوا به وعُرف بهم حتى غدا سمة من سماتهم وقد اعتقد المسلمون في المدينة أن اليهود سحروا المسلمين فلا يولد لهم فلذلك استبشروا لما وُلِد عبد الله بن الزبير وهو أول ولد للمهاجرين في المدينة.
* ما دلالة استخدام صيغة الفعل المضارع في قوله تعالى (وما يعلمان من أحد)؟( د.فاضل السامرائى)(1/289)
قال تعالى (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) البقرة) وهما علّما الناس وانتهى الأمر. الفعل المضارع قد يستخدم ليعبّر به عن الماضي في ما نسميه حكاية الحال كما يُعبّر عن الماضي للمستقبل كما في قوله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) البقرة) وقوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)) تقتلون وقال معها من قبل. وحكاية الحال هو أن يُعبّر عن الحال الماضية بالفعل المضارع للشيء المهم كأن يجعله حاضراً أمام السامع واستحضار الصورة في القرآن كثير وفي غير القرآن(1/290)
* (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (102) البقرة) ما هو إعراب ما؟( د.فاضل السامرائى)
(واتبعوا ما تتلوا الشياطين) هذه مفعول به (إسم موصول). (وما كفر سليمان) هذه نافية، (يعلمون الناس السحر وما أنزل) معطوفة على السحر، (وما يعلمان من أحد حتى يقولا) هذه نافية، (فيتعلمون منهما ما يفرقون به) هذه مفعول به بمعنى الذي، (وما هم بضارين به من أحد) هذه نافية، (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) هذه نافية بمعنى ليس، ما دام تقدم الجار والمجرور فلا تعمل قد تكون حجازية لكن لا نعرفها لوجود (من) الزائدة، المفروض أنها تكون حجازية ولكن لا يمكن أن نعرفها لأن الخبر جار ومجرور، (لبئس ما شروا به أنفسهم) يمكن أن تكون فاعلاً أو تمييز (ما بعد بئس وبعد نعم) كلاهما يجوز إما نعم شيئاً أو نعم الشيء، يحث لنا أن نعرب (ما) تمييز أو فاعل.
آية (104):
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا)ما مناسبة نزول هذه الآية عقب آيات السحر؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)(1/291)
نُهيَ المؤمنون عن التلفظ بكلمة راعنا وهذه كلمة تشبه كلمة في العبرانية تعني المسبّة فقال المنافقون واليهود كنا نسبّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - سرّاً فأعلنوا بها الآن فأنزل الله تعالى النهي عن هذه الكلمة وكشف عمل اليهود والمنافقين لكن ما مناسبة نزول هذه الآية عقب آيات السحر؟ لو رجعنا إلى أصل السحر لرأيناه يرجع إلى التمويه وأن من ضروب السحر ما هو تمويه الألفاظ فأذى الشخص بقول أو فعل لا يُعلم مغزاهما كخطابه بلفظ يفيد معنى ومقصود المتكلم به أذى كما فعل المنافقون بقولهم (راعنا) فهم يظهرون معنى ويبطنون غيره.
آية (105):
*ما دلالة وصف الفضل بالعظيم؟(د.حسام النعيمى)
وُصِف الفوز في القرآن الكريم وكذلك الفضل بأنه عظيم وكبير ومبين.
الفضل وُصِف بالعظيم في ثماني آيات في القرآن كله ووصف بالكبير في ثلاث آيات ووصف بالمبين في آية واحدة والخلاصة التي نقدمها في هذا الموضوع ابتداء قبل استعراض الآيات هي أن الوصف إذا كان بلفظ العظيم فيكون متصل الاسناد مباشرة باسم الجلالة (الله) ويكون الوصف متعدداً وعندما تكون الاشارة الى فضل من الله تعالى بغير اسناد مباشر للفظ الجلالة (الله) يوصف الفضل بالكبير وعندما يكون الأمر دنيوياً ويكون شيئاً مباشراً ظاهراً ملموساً يستعمل كلمة مبين في وصف الفضل. وسنقف عند التعريف والتنكير لكلمة الفضل قد جاءت كلمة الفضل في القرآن معرّفة وجاءت نكرة ايضاً فإذا كان ما قبلها معرّفاً جاءت معرّفة وإذا كان ما قبلها نكرة جاءت نكرة. ونستعرض الآيات التي جاء فيها لفظ (الفضل العظيم):
((1/292)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) البقرة (74) آل عمران (29) الانفال (21) الحديد (29) الحديد (4) الجمعة (174) آل عمران (113) النساء
في آية سورة البقرة اسم الجلالة (الله) مبتدأ و(ذو الفضل) انتسب الفضل الى الله تعالى فالله هو صاحب الفضل (ذو هو خبر (الله) أضيف الى الفضل وبما ان ذو الفضل مضاف ومضاف اليه وهما كالكلمة الواحدة قكأن الفضل أُخبِر به عن الله تعالى، ذو الفضل خبر للمبتدأ الذي هو اسم الجلالة (الله) وجاءت كلمة العظيم وصفاً للفضل لأنها مسندة بشكل مباشر لله تعالى فلما كان الفضل متصلاً بخبر اسم الجلالة كان استعمال كلمة العظيم للفضل. هذا من حيث الاسناد أن الفضل اسند لله تعالى (ذو الفضل) خبر للفظ الجلالة والعظيم صفة للفضل حصراً وهي تُقرأ الفضلِ العظيمِ في القراءات العشر المتواترة هذا من حيث التركيب أما من حيث المعنى فلو نظرنا الى الآيات في قوله تعالى (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) ذكر اختصاص الرحمة التي هي شيء واسع (ورحمتي وسعت كل شيء) فلما يكون الشيء واسعاً تستعمل كلمة العظيم وعندما يكون الشيء منحصراً تستعمل كلمة الكبير.
*قال تعالى (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ) لِمَ عطف الله تعالى قوله (ولا المشركين) على (الذين كفروا من أهل الكتاب) مع أن المشركين كافرون؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/293)
لقد عطف الله تعالى قوله (ولا المشركين) على (الذين كفروا من أهل الكتاب) لئلا يقع في الظن أن الحسد يقع من أهل الكتاب وحدهم دون غيرهم فالكفر سبب البُغض والحسد لأينما كان وفي أي زمن كان.
آية (106):
*(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا (106) البقرة) هناك قراءتان لكلمة (ننسها) ما الفرق بينهما؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وأبو جعفر وخَلَف (نُنسها) وقرأه ابن كثير وأبو عمرو (ننسأها) فأما قراءة نُنسها فهي من النسيان أي نُنسي الناس إياها وذلك بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بترك قراءتها حتى ينساها المسلمون، وقراءة (ننسأها) بمعنى نؤخرها أي نؤخر تلاوتها أو نؤخر العمل بها مما يؤدي إلى إبطال العمل بقراءتها أو بحكمها.
*ولكن لِمَ قال تعالى (نأت بخير منها) ولم يبين بأي شيء هي أفضل وخير من الآية المنسوخة؟؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
(نأتي بخير منها) أُجمِلت جهة الخيرية ولم يُذكر وجه الخير لتذهب نفسك كل مذهب ممكن فقد ترى أن الخيرية في الاشتمال على ما يناسب مصلحة الناس ويرى غيرك ما فيه رفق بالمكلفين ورحمة بهم في مواضع الشدة وهكذا.
آية (107):
* ما الفرق بين الملك والملكوت؟(د.حسام النعيمى)(1/294)
كلمة الملك والملكوت كلمتان من اشتقاق من ملك وزيادة المبنى تؤدي إلى زيادة المعنى. فبصورة أولية كلمة الملكوت هي أوسع من كلمة الملك وبهذا المعنى استعملت في القرآن الكريم فعندما نأتي إلى قوله تعالى (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ 185 الأعراف) عطف الخلق العام (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) كله داخل في ملكوته فالعطف هنا هو من عطف الخاص على العام فكل ما خلق هو داخل ضمن عموم كلمة الملكوت. والملك والملكوت كله لله سبحانه وتعالى ولذلك في الآية الكريمة (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ {107} البقرة) وقدم له للحصر ملك السموات والأرض لله سبحانه وتعالى. الفارق أنه يمكن أن يعطي من ملكه جلت قدرته لعبيده يتصرفون فيه من سلطان أو مال فكل ما في الكون هو ملك لله سبحانه وتعالى فيعطي لهؤلاء العبيد وهو لا يخرج من ملكية الله سبحانه وتعالى بل هو باقٍ ويستعمله عبيده على سبيل العارية المردودة والمسترجعة فله ملك السموات والأرض. وعندما ننظر لاستعمال الملك والملكوت في القرآن الكريم نجد أن الملك يمكن أن يوجه إلى عبيد الله سبحانه وتعالى أي إلى البشر لكن الملكوت لم يرد في القرآن الكريم أنه أعطي من الملكوت للبشر (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ ){26} آل عمران) فالملك ملك الله سبحانه وتعالى ممكن أن بعضه يُعار، يملك على سبيل كما قلنا الإعارة (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُم ْ(33) النور) هو مال الله.(1/295)
أما الملكوت العز والسلطان، وملكوت الله سلطانه، والملكوت ملك الله خاصة" أي لا يعطي منه لأحد. والملك داخل في الملكوت والملكوت عام. فالله عز وجل لم يقل يؤتي الملكوت من يشاء بل يؤتي الملك، وملك الله عز وجل ما في السموات وما في الأرض. فملكوت الله عز وجل واسع، والملكوت هو هذا الملك الواسع بكل ما يمكن أن يتخيله الإنسان. وفي قوله (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (75) الأنعام) أي هذا الشيء الخاص بالله سبحانه وتعالى ليس كل الملكوت ولكن بعضه فقد أراه ما في السموات الدنيا ولكن لأن الموطن موطن تعجب وموطن عظمة فقال نريه ملكوت السماوات والأرض وموضعين آخرين في المؤمنون ويس فبذلك تكون وردت كلمة ملكوت أربع مرات وليس فيها إشارة إلى إعطائها لأحد. وملكوت كلمة عربية وهذه الزيادة فعلوت مثل رهبوت الرهبة عندنا والرهبوت وتعني الرهبة العظيمة
آية (109):
* انظرآية (27).???
*(وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم (109) البقرة) لم قال تعالى (من عند أنفسهم) ولم يقل منهم؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
في قوله تعالى:(من عند أنفسهم) تأكيد على تأصيل هذا الحسد فيهم وصدوره من أنفسهم أكثر من قوله منهم.
(فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ) العفو ترك عقوبة المذنب والصفح هو الجانب لصفحة الوجه والصفح هو ترك اللوم والتثريب وهو أبلغ من العفو لأنك قد تعفو عن ذنب امرئ لكنك تبقى له لائماً وأما الصفح فهو ترك اللوم ولذلك هو أبلغ من العفو لذا قال تعالى (فاعفوا واصفحوا).
*ما سبب الاختلاف بين قوله تعالى (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ {109} البقرة) و(وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ {217} البقرة)؟(د.أحمد الكبيسى)
((1/296)
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ {109} البقرة) يردونكم فعل مضارع مرفوع بثبوت النون هذه قضية نحوية، في آية أخرى في البقرة (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ {217} البقرة) لماذا هناك يردونكم بالنون وهنا يردوكم؟ وهذه (حتى) تنصب بأن مضمرة بعدها (حتى يرجع إلينا موسى). إذاً حتى يردوكم هي حتى أن يردوكم فيردوكم فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد حتى وعلامة نصبه حرف النون فهذه ما فيها تشابه وإنما قضية نحوية لا أكثر ولا أقل.
آية (110):
*يقول تعالى (بما تعملون بصير) وفي آية أخرى يقول (بصير بما تعملون) فهل للتقديم والتأخير لمسة بيانية؟( د.فاضل السامرائى)(1/297)
التقديم والتأخير يأتي لسبب والسياق قد يكون الحاكم والموضح للأمور. إذا كان سياق الكلام أو الآية في العمل يقدّم العمل وإذا لم يكن السياق في العمل أو إذا كان الكلام على الله سبحانه وتعالى وصفاته يقدّم صفته. من باب تقديم العمل على البصر: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) البقرة) بهذا العمل بصير، إذا كان السياق عن العمل يقدم العمل على البصر وإذا كان الكلام ليس في السياق عن العمل أو الكلام على الله تعالى وصفاته يقدم صفته. ((1/298)
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) البقرة) هذا إنفاق، (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) البقرة) (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) البقرة) (وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) هود) (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) هود) الكلام على العمل فقدم العمل (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) سبأ) قدم العمل، (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ(1/299)
بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت) هذا في القرآن كله إذا كان الكلام ليس على العمل أو على الله تعالى (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) البقرة) ليس فيها عمل، (وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) المائدة) لا يوجد عمل، (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) الحجرات) يتكلم عن الله تعالى فيقدم صفة من صفات الله تعالى.
آية (112):
*في سورة البقرة قال تعالى (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) ورد الفعل أسلم بالماضي وفي لقمان بالمضارع فما الفرق بينهما؟
د.فاضل السامرائى :(1/300)
في لقمان (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) وآية البقرة (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112)) هناك أكثر من اختلاف بين الآيتين: الماضي والمضارع، واللام وإلى، ثم تأتي أمور أخرى (فقد استمسك بالعروة الوثقى) في لقمان ولم يقلها في البقرة واختلف الجواب (فله أجره عند ربه) في البقرة ولم يقلها في لقمان. المضارع والماضي سياق الآيتين يوضح الاستعمال. أسلم إلى قلنا بمعنى الإتباع وتفويض الأمر إذا كان بمعنى الإتباع فأمور الاتباع كثيرة وإذا كان بمعنى التفويض وما يقع للإنسان من حوادث ونوازل كثيرة وهذا يقتضي إذن التعدد وقلنا سابقاً أنه إذا وقع فعل الشرط مضارعاً بعد أداة الشرط فهذا يفيد التكرار غالباً وإذا وقع بالماضي يفيد وقوع الحدث مرة في الغالب. آية لقمان يتعلق بالإتباع (قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا) وأمور الاتباع كثيرة في الحياة ما يتعلق بالحلال والحرام وإذا كان بمعنى التفويض إلى الله في حال النوازل والشدائد هذه كثيرة إذن يقتضي تكرر المسألة.(1/301)
في آية البقرة جاءت في الرد على اليهود والنصارى (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى (111)) قال ربنا تعالى (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112)) يدخلها المسلم في مقابل اليهود والنصارى الذين قالوا (لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى) القرآن رد عليهم (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112)) يعني بلى يدخلها كل مسلم والإسلام كم مرة يدخل الإنسان به؟ مرة واحدة من قال أشهد أن لا إله الله مرة واحدة فهو مسلم أما تفويض الأمر والاتباع كثير فلما يتعلق الأمر بالتفويض والاتباع يقول (يسلم) بالمضارع لأنها تتكرر ولما يذكر الدخول في الإسلام فهو مرة واحدة فيستعمل الماضي (أسلم). الحاكم في السياق هو المسرح الذي تتم فيه الأحداث.(1/302)
في آية البقرة لم يقل (فقد استمسك بالعروة الوثقى) كما ذكر في آية لقمان وإنما ذكر الأجر لأنه ليس في الآية تفويض أمر، ذكر الأجر. قال (من يسلم وجهه لله فقد استمسك بالعروة الوثقى) وقال (ومن أسلم وجهه لله فله أجره عند ربه) أيها أعلى العاقبتين؟ العاقبة في البقرة أعلى، جعل الأجر مع الإسلام لله والإخلاص لله أن يكون سالماً خالصاً لله جعل عاقبته الأجر (فله أجره عند ربه) ناسب بين علو الأجر وبين معنى دلالة الإسلام لما جعل نفسه خالصاً له لأننا قلنا أسلم لله أي جعل نفسه خالصاً لله ليس لأحد آخر فيه نصيب هذا عاقبته (فله أجره عند ربه) ذاك بمعنى التفويض قال (فقد استمسك بالعروة الوثقى)، لما جعل نفسه خالصاً لله قال (فله أجره عند ربه) جعل هذه عاقبته. بالمناسبة أذكر مسألة عرضاً في السابق أذكر حادثة كثيراً ما كنت أدعو الله إني أسألك الفردوس الأعلى فجاءني زمن كنت دائماً أقول هذا الدعاء رأيت في المنام كأني في يدي كتاب من كتاب الله ليس هو القرآن ولا التوراة ولا الإنجيل (وقد قرأتها جميعاً عندما ألّفت كتاب نبوءة محمد من الشك إلى اليقين) كأني أقرأ كتاب من كتاب الله مكتوب فيها " إن الذي يسأل الفردوس الأعلى عليه أن لا يدع حظاً لنفسه" بمعنى أن تجعل كل شيء لله خالصاً أن يجعل نفسه خالصة لله وأن لا يدع حظاً لنفسه، هذا ما قرأت.
في كلا الآيتين من أسلم لله وأسلم إلى الله كلاهما محسن لذلك قال القدامى أسلم لله أعلى من أسلمت إلى الله كما قال الرازي واختلف الأجر وكل أجر مناسب لكل واحد ذاك فوض أمره إلى الله فقد استمسك بالعروة الوثقى وذاك جعل نفسه خالصاً لله فله أجره عند ربه وكونه مسلم دخل في الإسلام.
د.أحمد الكبيسى :(1/303)
قال تعالى (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ {112} البقرة) لله لام حرف جر لله، أخرى (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {22} لقمان) مرة لام ومرة إلى، هناك واحد أسلم وجهه إلى الله والآخر أسلم وجهه لله طبعاً ربما لم تخطر على بال أحد لماذا؟ مرة واحد أسلم وجهه إلى الله وواحد أسلم وجهه لله. مثلاً أنا أقول أعطيت ألف درهمٍ إلى فلان أو أقول أعطيت ألف درهمٍ لفلان ما الفرق؟ حروف الجر هذه معجزة اللغة العربية هذه هي العكوس للحنفيّات يعني هذا البوري الذي تشرب أنت منه الماء هذا يخرج يمين ويسار ويصعد هذا يربط بعكس هذا العِكس هو الذي يوجه الماء بدونه الماء لا يصل ينفرط الماء في كل مكان الذي يمسك الماء ويوجهه توجيهاً صحيحاً هذه العكوس التي تربط المواسير ببعضها هذا العكس الصغير كحرف الجر هو الذي يوجه معنى اللغة العربية وخاصة لغة الكتاب العزيز. فرق كبير بين كما علمتم (أُنزِل علينا) على حرف جر و(أُنزِل إلينا) إلى حرف جر هنا أيضاً فرق كبير بين أسلمت وجهي لله للذي فطرني وبين أسلمت وجهي إلى الله. كما قلنا أعطيت إلى فلان ألف درهم أنت لم تعطيه بيدك ولكن بعثته مع شخص يا فلان خذ هذا المال وأعطه إلى فلان فالعطاء تم لكن طريقته أني أرسلته إليه من بعدي بواسطة من بعيد وقد يكون لم يصل بعد. لكن لما أقول أعطيته لفلان وصل ووضعه في جيبه.(1/304)
هذا الفرق بين كما يقول الدكتور نجيب الفرق بين أسلمت وجهي إلى الله واحد أسلم حديثاً هو مسلم لكن إلى الآن لم يصل فلا يزال في بداياته تعلم كيف يصلي وتعلم كيف يتوضأ وكيف يتقرب من رب العالمين وكيف يتقدم درجات درجات ويتدرج من مسلم عام إلى مسلم كذا إلى مؤمن عام إلى مؤمن خاص إلى تقي إلى أن ينتقل من البعد إلى العند إلى أن يصير (الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ (206) الأعراف) وصلوا من هذا الطريق إلى أن صار عند ربك. هذا طبعاً من البداية اسلم وجهه إلى الله ولكن بعد ما وصل ولكن عندما يقول (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) هذا وصل. حينئذٍ هذا وصل للقمة بدليل الإحسان حينئذٍ عندما تقرأ (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ). الأخرى (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) ما زال متمسكاً وانظر القرآن هذا نهايات الآيات أعجوبة (إِلَى اللَّهِ) يعني هو ما زال بادئاً يقول (اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) ما زال هو بتسلق يعني أنت ما زلت تصعد لكن هذا بأسلوب عروة وثقى وأنت ماسك ويسحبونك أو أنت تندفع بمصعد كهربائي إلى الجبال كما رأينا هذا في بعض دول العالم تطلع هكذا بشكل عامودي حينئذٍ هذا إلى الله متجه إلى الله متوجه حينئذٍ كما قلنا عن إلينا وعلينا. فحينئذٍ إذا قرأت في القرآن الكريم (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) سيدنا إبراهيم بعد ما عرف قال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {79} الأنعام) للذي وليس إلى الذي هذا في البداية عندما كان يبحث عن ربه كان إلى الله إلى ربه الآن وصل.(1/305)
لاحظ هذا الفرق بين (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ) وبين (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) كما قال سيدنا إبراهيم (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ {99} الصافات) إلى لسه في الطريق في الأخير وصل (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي) مش إلى الذي هكذا وعلى هذا النسق نفس الآيتين واحدة تقول (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) الحج) وتقول الأخرى (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الذي قال (لله) وصل أمري الآن بيد الله وأنا معه أنا مع عبدي (الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) وصل هذا (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) الحج). الآخر (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) لسه عاد لما نوصل الأمور تعود إلى الله في النهاية. هذا الفرق بين التعبير القرآني المعجز.
آية (113):
* كلمة يختلفون وتختلفون وردت في القرآن في مواضع كثيرة منها(فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) ما كُنه الاختلاف؟( د.فاضل السامرائى)
لما يقول (كانوا)أو(كنتم) الكلام عن يوم القيامة والاختلاف كان في الدنيا (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) الاختلاف في الدنيا. (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) هذه الآن وليس في يوم القيامة (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) لأنها تقصد الدنيا.
هل (كان) هنا فعل ناقص؟ نعم فعل ناقص وأحياناً يأتي تام وله استخدامات كثيرة.(1/306)
كنه الاختلاف هنا هو الاختلاف في أمر العقيدة بين الملل المختلفة أو بين أهل الملّة الواحدة.(وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) المسألة هنا فى العقيدة والاختلاف في العقيدة بين ملل مختلفة.
سؤال: الاختلاف بمعنى التضاد في الآراء والمخالفة فهل يمكن أن نفهم معنى الاختلاف بمعنى التعقل بأن تأتي إلي وآتي إليك؟ يمكن وهذا مردود للسياق.
آية (114):
*(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا (114) البقرة)ما دلالة الاستفهام فى الآية؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هاهنا في هذه الآية استفهام بـ (من) وليس الغرض منه الاستفهام وإنتظار جواب وإنما هو استفهام إنكاري خرج إلى النفي أي لا أحد أظلمُ ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه.
*ما هي المساجد المقصودة بقوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) حتى جُمِعت؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
نزلت الآية في أهل مكة لأنهم منعوا المسلمين دخول المسجد الحرام ومع ذلك نرى أن الآية قد جُمِع فيها المسجد (مساجد) للتعظيم من شأن المسجد وهذا واضح كما يقول الفرد في معرض الفخر والتعظيم لنفسه (نحن نقول) وكذلك كلمة المساجد أتت جمعاً ليكون الوعيد شاملاً لكل مخرِّب لمسجد أو مانع العبادة فيه.
* ما الفرق بين استعمال كلمتي عقاب وعذاب كما وردتا في القرآن الكريم؟(د.حسام النعيمى)(1/307)
هذه الكلمات هي من لهجات مختلفة فليس بينها فروق ويستدلون بكلمة السكين والمُدية. نجمع كل الآيات التي فيها كلمة عقب ومشتقاتها عقاب وعاقبة وعوقب ومعاقبة بكل إشتقاقاتها وكذلك كلمة عذّب عذاب يعذب معذب تعذيباً يعذبون. الذي وجدناه في هذا أن العقاب وما إشتق منه ورد في 64 موضعاً في القرآن الكريم والعذاب وما إشتق منه ورد في 370 موضعاً. فلما نظرنا في الآيات وجدنا أن هناك تناسباً بين الصوت والمعنى: هو العذاب عقاب والعقاب عذاب أنت عندما تعاقب إنساناً تعذّبه بمعاقبته والعذاب نوع من العقوبة أنك تعذّب إنساناً كأنك تعاقبه. لكن لاحظ لما نأخذ الفعل عقب كيف ننطق القاف؟ القاف يسمونه شديداً يعني يُولد بإنطباق يعقبه إنفصال مفاجيء مثل الباء، بينما الذال المشددة فيها رخاوة وفيها طول. من هنا وجدنا أن كلمة العقاب تكون للشيء السريع والسريع يكون في الدنيا لأن القاف أسرع. والذال فيها إمتداد، هذا الإمتداد يكون في الدنيا والآخرة، العذاب يأتي في الدنيا ويأتي في الآخرة. عندما نأتي إلى الآيات نجدها تتحدث عن عقوبة للمشركين في الدنيا يسميه عذاباً وفي الآخرة يسميه عذاباً ولا يسميه عقاباً في الآخرة لا يسميه عقاباً (فعذبهم بدخول النار). أما العقاب ففي الدنيا. هذا من خلال النظر في جميع الآيات لكن هناك نظرية تحتاج لتنبيه أنه لما يأتي الوصف لله عز وجل لا يكون مؤقتاً لا بدنيا ولا بآخرة فلما يقول: (والله شديد العقاب) هذه صفة ثابتة عامة يعني هذه صفته سبحانه لكن لما يستعمل كلمة العقاب مع البشر يستعملها في الدنيا لم تستعمل في الآخرة. كذلك العذاب إستعملها للعذاب في الدنيا وفي الآخرة وإستعملها (وأن الله شديد العذاب) لأن العقاب فيه سرعة وردت في القرآن (إن ربك سريع العقاب) وليس في القرآن سريع العذاب. لذلك بعض الآيات التي تؤكد هذا الذي بيّناه:(1/308)
العقاب: (إن ربك سريع العقاب وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) الأنعام) وصف لله سبحانه وتعالى لكن لم يصف نفسه جلّت قدرته بأنه سريع العذاب.
العذاب: الفعل عذّب والعذاب في الدنيا (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ)، وفي الآخرة (ولهم في الآخرة عذاب عظيم (114) البقرة)، وجاء بها بمعنى العقاب (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)هذه عقوبة سمّاه عذاباً ما يدل على أن العذاب أوسع من العقاب لأنه يستعمل دنيا وآخرة ويستعمل بمكان العقاب.
آية (115):
*(وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ (115) البقرة) لِمَ خصّ الله تعالى ملكه بالمشرق والمغرب؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لم تذكر الآية جهة الشمال والجنوب وإنما ذكرت فقط المشرق والمغرب لأن الأرض تنقسم بالنسبة لمسير الشمس إلى قسمين قسم يبتدئ من حيث تطلع الشمس وقسم ينتهي من حيث تغرب الشمس.
آية (116):
*ما دلالة ختام الآية بالوصف بالقنوت فى قوله تعالى (بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116))؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
القنوت هو الخضوع والانقياد مع الخوف وهذا الأمر لا يقوم به إلا كل عاقل مبصر فلذلك جمع الله تعالى في هذه الآية كلمة قانت جمع مذكر سالم (قانتون) وهو مختص بجمع الذكور العقلاء ليبيّن لنا سمة أهل الخشوع والقنوت إنهم أصحاب العقول الراجحة التي تخشى الله عن إرادة وبصيرة.
*(كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116) البقرة) لماذا لم يقل قانت؟(د.فاضل السامرائى)
((1/309)
كل) لها قواعد في التعبير. (كل) إذا أضيفت إلى نكرة هذا يراعى معناها مثل (كل رجل حضر) (كل امرأة حضرت) (كل رجلين حضرا) إذا أضيف إلى نكرة روعي المعنى وإذا أضيفت إلى معرفة يصح مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، مثال: (كل اخوتك) اخوتك جمع يجوز أن يقال كل إخوتك ذاهب ويقال كل إخوتك ذاهبون، يجوز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى. إذن إذا أضيفت إلى نكرة روعي المعنى كل رجل حضر، كل رجلين حضرا، كل امرأة حضرت. (كل) لفظها مفرد مذكر ومعناها تكتسبه بحسب المضاف إليه. إذا أضيفت لنكرة يراعى المضاف إليه وإذا أضيفت لمعرفة يجوز مراعاة اللفظ والمعنى. نوضح القاعدة: كل الرجال حضر وكلهم حضر، إذا قطعت عن الإضافة لفظاً جاز مراعاة اللفظ والمعنى (كلٌ حضر) (كلٌ حضروا) يجوز، (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ (285) البقرة) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) الأنبياء) (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) ق) مجموعة قوم نوح وعاد وفرعون قال كلٌ كذب الرسل، (كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116) البقرة). إذن من حيث القاعدة النحوية أنه إذا قطعت عن الإضافة هذا سؤال (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) لفظاً جاز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى يمكن أن يقال كلٌ في فلك يسبح وكلٌ في فلك يسبحون لكن هل هنالك اختلاف في المعنى في القرآن ليختار هذا أو ذاك؟ هذا هو السؤال. من حيث اللغة جائز. القرآن استخدم الاثنين (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) الأنبياء) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ (84) الإسراء) (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) ق). مما قيل في هذا الخلاف قال: الإخبار بالجمع يعني عندما يقول قانتوت حاضرون يسبحون يعني كلهم مجتمعون في هذا الحدث ولما يفرد يكون كل واحد على حدة ليسوا مجتمعين. لما يقال كلٌ حضروا يعني مجتمعون ولما يقال كلٌ حضر يعني كل واحد على حدة.(1/310)
قال تعالى (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) كلهم يسبحون في آن واحد، (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ) يوم القيامة كلهم مع بعضهم، (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) كلٌ على حدة، (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) كلٌ على حدة كل واحد في أزمان مختلفة.
آية (120):
*انظر آية 27. ???
*ما دلالة كلمة (ملتهم) في آية سورة البقرة (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) ولماذا لم ترد كلمة ملتيهما؟( د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة البقرة (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ {120}) ولو قال تعالى ملتيهم لكان المعنى لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتيهما ولن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتيهما وهذا لا يصح لأن اليهود يريدون أن يتّبع ملتهم فقط وليس ملتيهما وكذلك النصارى.
وهناك سؤال آخر أنه لماذا جاء بـ (لا) في قوله (اليهود ولا النصارى)؟ لأنه لو لم يأت بها لدلّ المعنى على أنه لن يرضى عنك الجميع حتى تتّبع ملّتيهما وهذا لا يصح.
*ما الفرق بين قوله تعالى فى سورة البقرة(إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) وفى سورة آل عمران (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/311)
في البقرة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى {120} البقرة) في آل عمران (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ {73} آل عمران) ما الفرق بينهما؟ طبعاً الأولى (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) اليهود ماذا قالوا؟ رب العالمين يقول (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) عندهم يقين أنك أنت لست نبياً والقرآن ليس كتاب الله عز وجل وإنما عليك أن تكون إما يهودياً أو نصرانياً حتى يرضون عنك ولن يرضى عنك اليهود ولا النصارى إلى يوم القيامة وهذا قدر أثبته التاريخ إلى هذا اليوم أنك مهما فعلت من خير أو أمن أو سلام أنت متهم عندهم بكل شرّ. قضية ليس لها علاج حتى يرث الله الأرض ومن عليها فرب العالمين يقول قل لهم يا محمد (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) وهو القرآن هو الهدى، نهاية الوحي في هذا الكون الذي لا يحوَّر ولا يزيّف ولا يبدّل ولا يزوّر ولا يختلف وليس فيه عوج لا يتناقض ويقبل القسمة على جميع البشر وعلى جميع الأديان هو هذا القرآن (قل إِنَّ هُدَى اللَّهِ) القرآن (هُوَ الْهُدَى) وليس ما أنتم عليه من توراة وإنجيل توراتكم وإنجيلكم حرفتموها ولم تعد ولن يعد منها شيء مما جاء به سيدنا موسى وسيدنا عيسى كما قال تعالى (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ {46} النساء) ساعة وحيه ما أن يخبرهم سيدنا عيسى وسيدنا موسى بالوحي حتى يغيروه وآية أخرى تقول (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ {41} المائدة) بعد ما مات سيدنا موسى ورفع سيدنا عيسى بعد قرون بعد مئات السنين غيروا فعلاً كثير من الأناجيل وكثير من صيغ التوراة وُضِعت وضعها الرهبان والقساوسة بعد هذا بمئات السنين.(1/312)
إذاً الآية تقول إن هدى الله وهو القرآن هو الهدى ولا شيء غيره ليس هناك هدى غيره ثابت أناجيلكم كثيرة وتوراتكم مزورة وأنتم قلتم إن عيسى ابن الله وعزير ابن الله وزوّرتم واختلفتم ولم يعد الهدى الذي أنزله الله عليكم وهو هدى التوراة الله قال (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ (44) المائدة) (وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ{46} المائدة) لكن هذا الهدى زُوّر وهذا ثابت بالدليل الواقعي حينئذٍ الهدى الوحيد الباقي على حاله غير قابل للتزوير مهما حاولت البشرية من غير المسلمين وقد حاولوا مراراً وتكراراً ولا يمكن تزويره فالهدى الباقي على وجه الأرض بكماله وتمامه بالشكل الذي أنزله الله وأوحى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن وحده قل إن هدى الله وحده هو الهدى هذه (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) هذا واحد.(1/313)
في حالة ثانية اليهود تآمروا كالعادة اليهود تآمروا على المسلمين وعلى النصارى اليهود تآمروا بالإجماع على سيدنا عيسى أولاً حتى قالوا صلبناه وقتلناه وتآمروا على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {72} آل عمران) يعني أنتم قولوا أنك أسلمتم بالليل قولوا كلام كفار وقولوا ما هذا؟ هذا ليس بقرآن والخ لعلكم تعملون فيهم فتنة وعدم ثقة بأنفسهم لعلهم يرجعون عن هذا الدين ويؤمنون بالتوراة فقط فرب العالمين قال لهم التوراة والإنجيل والقرآن كلها من الله (قُلْ إِنَّ الْهُدَى) الهدى كله سواء كان جاء الهدى من التوراة أو من الإنجيل أو من القرآن من أين أتى كله؟ من الله عز وجل إذاً لماذا هذا الحرب على بعضكم بعض وكله من الله نازل فحينئذٍ لماذا هذا التحاسد؟ لماذا هذا (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى{111} البقرة) لماذا؟ قارنوا بينكم وبين ما جاء في القرآن (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) وهو القرآن، لماذا؟ قالوا (آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {136} البقرة) عندكم نصٌ في هذا؟ عندكم كلام رباني إلهي يقول إله الناس ورب الناس جميعاً لا فرق بينهم؟ القرآن يقول هذا فالقرآن إذاً لكل الناس لا يفرق بينهم (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا(1/314)
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {62} البقرة) جمعكم كلكم بدين واحد (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ {6} الصف) إذاً دين واحد جاء على فترات هل عندكم الآن في هذه التوراة التي بين أيديكم وهي ليست توراة منزلة وهذا الإنجيل الذي بين أيديكم وهو ليس منزل المنزل انتهى هل عندكم هذه النصوص أم عندكم تفرقة وعنصرية واستعلاء وطرد للآخر ورفض للآخر؟ هذا الفرق بين (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) وهو القرآن وبين (إِنَّ الْهُدَى) الذي أُنزل على موسى وعيسى ومحمد هذا من الله عز وجل فلما كان المصدر واحداً لماذا هذا التنافس إذاً؟ فكلا الحالين هي إقامة الحجة بينهم وعليهم من أجل هذا هذا الفرق الواضح بين (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) وبين (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ).
* متى تستعمل (مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120) البقرة) ومتى (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) الشورى)؟( د.فاضل السامرائى)
من دون الله يعني من غير الله، أما من الله أي ليس لكم ولي من الله ينصركم، لم يهيء أحداً ينصركم ليس هنالك نصير من الله ينصركم، نصير من الله لم يهيء لكم نصيراً أولياً ينصركم من الملائكة أو من غير الملائكة لكن يهيئه الله تعالى من جهته. أما من دون الله فتعني من غير الله، إذن المعنى مختلف تماماً. ليس لكم من الله وليّ يعني ليس لكم من جهته وليّ، لم يهيء لكم وليّ.(1/315)
*ما الفرق بين من بعد ما جاءك ومن بعد ما جاءك في الآيتين (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145) البقرة) وفي الآية (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120))؟
د.فاضل السامرائى :(1/316)
هنالك أمران: أولاً مجيء من في إحداهما وعدم مجيء (من) في الأخرى. إحداهما فيها (من) قبل (بعد) والأخرى (بعد الذي جاءك) والآخر اختيار الذي وما. سبق أن ذكرنا أكثر من مرة (الذي) إسم موصول مختص و(ما) مشترك. المختص أعرف من المشترك هذا عموماً. فمعناها أن (الذي) أعرف من (ما) لأن (ما) تكون للمفرد والمذكر والمؤنث والمثنى والجمع أما الذي فهي خاصة بالمفرد المذكر. إذن (الذي) أعرف باعتباره مختص و (ما) عام. هذا حكم نحوي لكن كيف استعمل بعد الذي وكيف استعمل ما في الآيتين؟ نقرأ الآيتين (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يتلون الكتاب إذن صار محدداً، يتلونه أي العلم الذي جاء به إذن تحدد الذي بالسياق في القرآن. في الآية الأخرى (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145)هذا مطلق لم يحدد بشيء إذن الذي أخص لأن الكلام كان على القرآن، مطلق فاستعمل (ما) في المطلق واستعمل (الذي) في المقيَّد.
((1/317)
من بعد) (من) هي لابتداء الغاية، ابتداء المكان، بداية الشيء من كذا إلى كذا، وهي حرف جر ولذلك هناك فرق بين فوقهم ومن فوقهم، (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا (10) فصلت) مباشرة ليس هنالك فاصل، (فوقها) تحتمل القريب والبعيد (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ (6) ق) (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ (154) النساء)، حرف الجر في اللغة يؤدي إلى تغيير الدلالة.
* هل هذه الدلالة لـ (مِنْ) ينطبق على الأمور الحسية الملموسة أو الأمور المعنوية أيضاً؟
(من) ليس لها دلالة واحدة وإنما فيها معاني كثيرة فهي تأتي لمعاني ولكن أبرزها ابتداء الغاية.
(من بعد ما جاءك) السياق في الكلام في تحويل القبلة، تحويل القبلة متى يؤمر به المسلم؟ عندما تنزل الآية مباشرة ينبغي أن يتحول إلى القبلة، من سمع بها نفّذها، الذي كان في الصلاة وسمع هذه الآية إتجه مباشرة والذي سمع فينا بعد لا ينتظر وإنما ينفّذ الآية مباشرة إذن هذه ابتداء الغاية لا تحتمل أي تغيير، تحويل القبلة متى سمعتها نفّذتها. الآية الأولى ليس فيها هذا الشيء. إذن (من) إبتداء الغاية.
د.أحمد الكبيسى :(1/318)
في سورة البقرة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ {120} البقرة) وفي البقرة في موضع آخر (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ {145} البقرة) مرة (بعد الذي جاءك من العلم) ومرة (بعد ما جاءك من العلم). باختصار شديد (الذي) أقوى أدوات الوصل لأن الذي تختلف عن (ما) أن (الذي) تستعمل للقضية المهمة أولاً لأن فيها ألف ولام الذي وهذه الألف واللام تعطي معنى قوياً بخلاف ما فلا تدخل الألف واللام على ما. الذي تثنى وتجمع اللذان والذين وما لا تجمع وهكذا عدة ميزات لهذا الاسم الموصول من حيث أنه يستعمل للقوة للشيء المهم. أقول أنا صدّقتك بعد الذي قلته لي أو صدّقتك بعد ما قلته لي أو صدّقتك من بعد ما قلته لي، كل واحدة لها معنى هذه الثلاث صيغ جاءت في الكتاب العزيز (بَعْدَ الَّذِي) (بَعْدِ مَا) (مِنْ بَعْدِ مَا). ((1/319)
بعد الذي) قضية مهمة جداً (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) هذا العلم الذي جاءك لأننا قلنا (الذي) فهو علمٌ لا يمكن أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يتغير وهو التوحيد لا إله إلا الله الذي جاء به الكتاب العزيز، هذه الرسالة التوحيدية العظيمة هذا التوحيد هو فصل الخطاب لا يتغير ولا يتبدل ولا فيه تساهل، والآية تقول (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) من أن الله ثلاثة أو أن العُزير ابن الله أو أن المسيح ابن الله هذه الإشراكات إياك أن تتبعهم (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) من أن الله واحد لا شريك له وأن الشرك لا يُغفَر وأنه لا يضر مع التوحيد ذنب هذه القضية الرئيسية المركزية في هذا الدين (بَعْدَ الَّذِي) (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ {120} البقرة) هذا الذي فبالتالي الإتباع مطلق والرضى عنك إن لم تتّبعهم مطلق والعذاب إن اتبعتهم مطلق أو إن اتبعت أهوائهم (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) أصبحت مشركاً مثلهم. هكذا يعبَّر عن الأشياء المهمة بـ (الذي) فحيثما وجدت (الذي) في جملة اعلم أن الأمر خطير.(1/320)
إذا جاءت ما قضية محدودة جداً، رب العالمين حول القبلة وتكلم رب العالمين سبحانه وتعالى عن تحويل القبلة وقال (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ {145} البقرة) اليهود لهم قِبلة والنصارى لهم قِبلة وأنت لك قِبلة وكل واحد مستقل بقِبلتهم فإياك أن تتبع قِبلتهم كما أنهم لا يتبعون قِبلتك ولئن اتبعت قبلتهم يعني أهواءهم (مِنْ بَعْدِ) يعني أنت قبل أن جاءتك آية القبلة أنت ممكن توافقهم تحكي معهم ما في مشكلة بينك وبينهم في هذه الجزئية أنت كنت تصلي إلى بيت المقدس فكانت قِبلتك هي قِبلتهم فليس لديك مشكلة ولن نحاسبك على ما مضى، لو قلنا (الذي) كنا حاسبناك حتى على ما مضى لكن هنا أنت من هذه (من) ابتدائية من يوم ما جاءتك العلم الجديد بأن القبلة إلى الكعبة وليس إلى بيت المقدس عليك أن تتبع هذا وإياك أن تتبع قبلتهم (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) (ما) وليس (الذي)، قضية نسبية وصغيرة وليست مشكلة من بعد من ساعة ما جاءك هذا العلم بتغيير هذه المسألة النسبية الجزئية فالقضية ليست خطيرة. هناك قضية توحيد لا إله إلا الله أو أنك تعبد أصنام أو مشرك أو أن الله ثالث ثلاثة وعنده ابن وعنده أب وعنده أم قضية أخطر ما في هذا الكون.(1/321)
كل الأديان تدور حول أنه لا إله إلا الله لا أصنام ولا أبناء ولا مخلوقات ولا بشر مع الله، الله وحد هذه القضية الرئيسية من رب العالمين (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ {25} الأنبياء) هذه القضية المشتركة بين كل الأنبياء (بَعْدَ الَّذِي) هنا (بَعْدِ مَا) و (مِنْ بَعْدِ مَا) بعد ما لأن هذه قضية نسبية فقط تحويل قبلة كانت إلى بيت المقدس صارت إلى بيت الكعبة وبقي المسيحيون واليهود إلى بيت المقدس كل واحد عنده قبلته فقضية جزئية. لاحظ إذن هذا الفرق بين بعد الذي وبعد ما فإذا دخلت (من) معناها الحساب من ساعة نزول العلم هكذا بهذه البساطة.
إذن هذا الفرق في كل القرآن الكريم بين ما والذي. يعني هما آيتان تقريباً الواحدة وراء الأخرى بينهم آية واحدة فرق لماذا (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) يعني جئت لك بجزئية عن القبلة (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) هذا (ما جاءك من العلم) بالقبلة، الثانية (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) بكل الإسلام بكل ما يريدون بكل التشريعات (بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) هذا القرآن كله، كله جاءك ولهذا هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن لأمته أيضاً وما أكثر الذين في تاريخنا القديم والمعاصر من ترك كل هذا وذهب يقلِّد ما عند اليهود والنصارى وهذا موجود إلى اليوم وإلى يوم القيامة. فالخطاب لهؤلاء الذين تركوا كل دينهم واتّبعوا ما يأمر به اليهود والنصارى حينئذٍ هذا (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ).
آية (121):
*انظر آية (101).???(1/322)
*ما الفرق بين(الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ (121) البقرة) – (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ (146) البقرة)؟(د.أحمد الكبيسى)
سورة البقرة هذه السورة العظيمة التي فيها من العمق ما تعجز عن الإحاطة به كل عقول البشر ولن يصل الناس إلى معناها الحقيقي من مراد الله عز وجل إلا يوم القيامة وذاك الفهم لسنا مطالبين به في هذه الدنيا وإنما نحن مطالبون بالفهم على قدر عقولنا مهما تفاوتنا في الفهم. في البقرة . (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) البقرة).يتلونه حق تلاوته، في البقرة آية 146 (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) البقرة) (يتلونه) (يعرفونه)، الضمير في الآية الأولى (يتلونه) منهم من المفسرين من قال يتلون التوراة والمخاطب هنا أو المقصود هم اليهود الذين أنزل الله عليهم الكتاب أي التوراة. من هؤلاء من يتلو التوراة تلاوة صحيحة والتلاوة غير القراءة التلاوة قراءة مع تدبر وتنسيق واستنتاج وإخلاص حتى تصل إلى نهايات محمودة يريدها الله عز وجل من رسالاته، هذه التلاوة (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ (45) العنكبوت) فالتلاوة للعلماء القراءة لكل الناس (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ (20) المزمل) فرب العالمين عز وجل يتحدث عن أن بعض أهل الكتاب أي بعض اليهود أجاد إجادة عظيمة في فهم كتاب الله عز وجل وهو التوراة في حين أن بعضهم حرّفوا وزيفوا .(1/323)
وهذه الطوائف الضالة كل طائفة انقسمت إلى فرقٍ ضالة وكل فرقة ضالة انقسمت إلى جماعات ضالة والكل يقتل الكل الكل يقتل عند المسلمين وعند اليهود وعند النصارى والتاريخ مليء بهذه الدماء التي تعرفون أنتم أسبابها ومذاهبها وطوائفها ورب العالمين قال منهم صادقون يتلونه حق تلاوته (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) البقرة) ثم رب العالمين عز وجل يقول (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ (119) هود) إذاً هذه من قوانين هذه الأرض. إختلاف الأديان إلى طوائف وفرق هذا من باب الامتحان (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) من أجل هذا رب العالمين سبحانه وتعالى أمرنا أن نسأل أهل الذكر وينبغي في كل دين أن تكون هناك مرجعية إسلامية عالمة لا تخشى إلا الله .(1/324)
هذه الآية إذاً (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) وقلنا التلاوة هي القراءة المنظمة التي تعتمد على البحث والتذوق (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ (24) محمد) هذه التلاوة مستمرة شيء وراء شيء هذا (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ). الثانية (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ (146) البقرة) بعض هؤلاء الناس الذين أسلموا من علماء اليهود والنصارى في التاريخ الإسلامي كله والآية نزلت في أربعين يهودي جاؤوا من سيناء مع جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وقد أسلموا وكان معظمهم من العلماء. علماء بني إسرائيل الذين دخلوا في الإسلام للإنصاف والواقع فهموا من هذا الكتاب العزيز من القرآن فهماً أوسع من فهم العرب الجاهليين الذين دخلوا في الإسلام. العرب أمة أميّة اليهود أصحاب علم وحضارة تاريخية (يا أهل الكتاب) وحينئذٍ هؤلاء الناس تمرسوا في التوراة والإنجيل وأنتم تعرفون لماذا رب العالمين قال (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ (136) البقرة) لأن عيسى وموسى ومحمد متميزون برسالات ثلاثة لكل رسالة كتاب والباقيين ليس لديهم كتب اللي صحيفة واللي وحي مجرد واللي يأتيه ملك على شكل رجل الخ حينئذٍ هؤلاء علماء اليهود الذين الله سبحانه وتعالى هداهم للإسلام نفعوا المسلمين من حيثوا أنهم فهموا من القرآن من هذا القرآن الخالد الذي يعطيك عطاء متجدداً على قدر علمك وسعة فهمك وشدة تدبرك ما لا يعطيه لغيرك حتى إلى اليوم وإلى يوم القيامة مثل موريس.بوكاي وجارودي وغيرهم ناس حقيقة أثروا الإسلام ثراءاً يعني أنا عندما أقرأ كتب هؤلاء الناس أقول والله هذا علم لم يخطر على بال أبو حنيفة ولا غيره.(1/325)
فهؤلاء (حَقَّ تِلَاوَتِه) الآخرون الذين ما يؤمنوا قال (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) فالذين آمنوا قالوا والله نعرفه أكثر مما نعرف أبناءنا قالوا لماذا؟ قال لأن ابني احتمال ولو واحد بالمليون أنه لا يكون ابني ربما زوجتي خانتني لكني لا أختلف في وصف محمد أبداً فالضمير في (يَتْلُونَهُ) على التوراة هذا رأي. الرأي الثاني الذين أسلموا وبدأوا يقرأون القرآن تلاوة حق تلاوته بفهم وتدبر ويعرفونه يعرفون بعثة محمد عليه الصلاة والسلام كما قال سيدنا عيسى (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) الصف) وكما قال سيدنا إبراهيم (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ (129) البقرة) ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال (أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى) فليس هناك إشكال بين الأنبياء كما قلنا قبل قليل حوار الأديان ليس مع الأديان فالأديان متفقة بالكامل ولكن المختلف المتدينون أصحاب الأديان! من أجل هذا هذه الحركات السياسية أنت تقف عند حد معين وهو أن الناس أمزجة وتعصبات وسياسات وعلى الجميع يسيطر النفس اليهودي الذي لا يترك اثنين متفقين أبداً. فالمقاومة الفلسطينية شقّوها شقين تعالوا نعملكم دولة صار لهم سنين وهم يضحكون عليهم إلى أن شقوهم إلى شقين متحاربين يا الله يا للقدرةّ ولهذا الله قال لا أحد يقدر عليهم بس أنا رب العالمين (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ).(1/326)
إذاً (يَتْلُونَهُ) يتلون التوراة حق التلاوة بدون تزوير بدون تحريف لا يرحفون الكلم لا عن مواضعه ولا من بعد مواضعه وإذا قرأت التوراة بحقيقتها التي نزلت لا تجد مشكلة لا مع النصارى ولا مع المسلمين في التوراة ذكر سدينا عيسى بالكامل وأوصافه وذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالكامل وأوصافه والتوراة والإنجيل والقرآن متفقة اتفاقاً كاملاً ورب العالمين نقل أحكاماً من التوراة صحيحة التي لم تعد موجودة الآن جعلها في القرآن قال (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) المائدة) والذي لا يحكم بالإنجيل (أولئك هم الظالمون) والذي لا يحكم بالقرآن (أولئك هم الفاسقون) كتاب واحد.(1/327)
الله قال (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (48) المائدة) بالله عليك هل هناك أوضح من هذا؟ّ و قلنا من أسماء القرآن الفرقان لأنه يعطيك القضية واضحة وضوحاً لا يحتمل اللبس فإذا التبس عليك ونتج عن ذلك فرقة وطائفة وتؤوّل بكيفك ونتج جماعات تكفر ناس فأنت المسؤول يوم القيامة. هذا الفرق بين (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) و (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ).
آية (122 – 123):
* انظر آية (48).???
آية (123):
*ما خصوصية استعمال القرآن لكلمتي العدل والقسط؟( د.فاضل السامرائى)(1/328)
أصل القسط الحظ والنصيب، القسط نصيب ولذلك في القرآن الكريم لم يستعمل مع الوزن إلا القسط (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ (9) الرحمن). العدل معناه المساواة في الأحكام. (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (35) الإسراء) القسطاس هو ميزان العدل أصل كلمة قسطاس عدل فسموا الميزان قسطاس لأنه عدل. عندنا عَدل وعِدل العِدل فيما يُبصر من الأشياء هذا عِدل هذا مثل حملين متساويين يقال هذا عِدل هذا أما العَدل فهو أحكام ومساواة في الحكم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ (95) المائدة) ذوا قسط (أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا (95) المائدة) الصيام لا يُبصر (وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا (70) الأنعام) لم يقل كل قسط، (وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ (123) البقرة). إذن القسط هو الحظ والنصيب والقرآن لم يستعمله إلا مع الموازين وهذا من خصوصية الاستعمال القرآني والقسط يستعمل مع غير الميزان لكن القرآن يستعمله مع الميزان ولا يستعمل العدل مع الميزان. القسط قد يكون في القسمة وفيه ارتباط بالآلة (قسطاس).
*ما دلالة اختلاف ترتيب العدل والشفاعة بين آية (123)و(48)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)؟
((1/329)
وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ (123) البقرة) إذا استحضرنا الآية المماثلة لهذه الآية وجدنا اختلافاً في العدل والشفاعة فهناك قدّم (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ (48)) واخّر (وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) وهنا قدّم (وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ) لنُكتة أدبية وبلاغية وذاك أن أحوال الأقوام في طلب الفِكاك عن الجُناة تختلف فمرة تراهم يٌقدّمون الفِداء فإذا لم يُقبل منهم يُقدِّمون الشفعاء وتارة يُقدِّمون أولاً الشفعاء فإذا لم تقبل شفاعتهم عرضوا الفداء فعرضت الآيتان أحوال نفوس الناس في فِكاك الجُناة.
آية (124):
*ما دلالة تأخير لفظ الجلالة فى قوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ (124) البقرة)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الابتلاء هو الاختبار فإن كلّفت شخصاً بشيء ما يكون تكليفك له متضمناً إنتظار فعله أو تركه وابتلاء الله لإبراهيم تكليف له لأن الله كلفه بأوامر ونواهٍ. وفي هذه الآية تقديم ما حقه التأخير فـ (إبراهيم) مفعول به وقد تقدّم على الفاعل (ربه) فما الهدف من هذا التقديم؟ المقصود من هذا تشريف سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بإضافة إسم ربه إلى اسمه وهو الهاء في قوله (ربه) أي رب إبراهيم.
*لم سمى الله عز وجل إبراهيم إماماً فى الآية؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
سمّى الله تعالى إبراهيم في هذه الآية إماماً وقصد بإمامته أنه رسول فلِمَ عدل عن تسميته رسولاً إلى تسميته إماماً؟ ليكون ذلك دالاً على أن رسالته تنفع الأمة المرسَل إليها بالتبليغ وتنفع غيرهم من الأمم بطريق الامتداد سيما وأن إبراهيم - عليه السلام - قد طوّف بالآفاق.
*(قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي (124) البقرة) لِمَ خصّ إبراهيم ? بالدعاء بعض ذريته ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/330)
قال (ومن ذريتي)ولم يقل ذريتي لأنه يعلم أن حكمة الله تعالى تقتضي ألا يكون جميع أبناء الرجل ممن يصلحون لأن يُقتدى بهم ولذلك لم يسأل الله تعالى ما هو مستحيل عادة لأن ذلك ليس من آداب الدعاء ولم يجعل الدعاء عاماً شاملاً لكل الذرية بحيث يقول وذريتي.
*لماذا نصبت كلمة الظالمين في الآية (قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) البقرة)؟( د.فاضل السامرائى)
الظالمين مفعول به والعهد الفاعل،الظالمين مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم.
*وردت كلمة (ابراهيم) في القرآن كله بالياء إلا في سورة البقرة جاءت بدون الياء (ابراهم) فما دلالة ذلك؟( د.فاضل السامرائى)
ابراهيم في القرآن الكريم وردت منقوطة بالياء في كل القرآن إلا في سورة البقرة
قاعدة: خط المصحف لا يقاس عليه. وعلينا أن نعلم أنه حصل تطور في تاريخ الكتابة منذ زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فبدأت الكتابة العربية تستقر وتأخذ أشكالاً أخرى ولذلك نرى أكثر من رسم للكلمة مثال كلمة لكيلا -لكي لا، كذلك كلمة إذن - (إذاً) وكلمة مئة ومائة وغيرها وكلا الكتابات جائز عند العرب. والمصحف كتبه عدد كبير من الكتبة والرسم الذي كتبوا به هو كتابتهم في أزمانهم فمرّة يرسم حرف العلة ومرة لا يرسم وأحياناً يكون الرسم لاختلاف القراءات فيوضع الرسم الذي يجمع القرآءات المتواترة وشروط القرآءة الصحيحة أن تكون موافقة لرسم المصحف.
وكلمة ابراهم في سورة البقرة ورد فيها قراءتين متواترين أحداهما ابراهم بدون ياء والثانية ابراهيم بالياء فكتبت بالشكل الذي يحتمل القرآءتين.
د.حسام النعيمى: كلمة إبراهيم كلمة أعجمية وليست عربية وكل كلمة غير عربية في لسان العربي يتصرف بها يعني يلفظونها بطرائق مختلفة. إبراهيم يُنطَق إبراهام، إبراهيم بعض العرب كان ينطقها إبراهيم وبعضهم ينطقها إبراهام و كلمة إبراهيم وردت في 69 موضعاً في القرآن الكريم.
آية (125):(1/331)
* لماذا لا يُذكر سيدنا اسماعيل مع ابراهيم واسحق ويعقوب في القرآن؟( د.فاضل السامرائى)
أولاً هذا السؤال ليس دقيقاً لأنه توجد في القرآن مواطن ذُكر فيها ابراهيم واسماعيل ولم يُذكر اسحق وهناك 6 مواطن ذُكر فيها ابراهيم واسماعيل واسحق وهي:
? أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) البقرة
? قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة
? أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) البقرة.
? قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) آل عمران
? الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) ابراهيم(1/332)
? إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) النساء
وكل موطن ذُكر فيه اسحق ذُكر فيه اسماعيل بعده بقليل أو معه مثل قوله تعالى (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) و(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)) مريم) إلا في موطن واحد في سورة العنكبوت (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)).
وفي قصة يوسف - عليه السلام - لا يصح أن يُذكر فيها اسماعيل لأن يوسف من ذرية اسحق وليس من ذرية اسماعيل
وقد ذُكر اسماعيل مرتين في القرآن بدون أن يُذكر اسحق في سورة البقرة (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127))) لأن اسحق ليس له علاقة بهذه القصة وهي رفع القواعد من البيت أصلاً.
*بعض العلماء يقول أن إسماعيل هو الذبيح والبعض يعترض ويقول (إسحق) فما المختار بين الرأيين؟(د.حسام النعيمى)(1/333)
ليس هناك أثر صريح صحيح. لما ننظر في الآيات: الآية في سورة هود (وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71) هود) هذه المرأة التي كانت عاقراً وكانت كبيرة في السن، هي امرأته الأولى بُشِّرت بإسحق. المرأة الثانية زوجة إبراهيم هي التي ولدت له هذا الذي أخذها وإياه وأسكنهما بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم. لما ننظر في الوقائع في الآيات نجد نوعاً من الترجيح أنه إسماعيل الذي ذهب إلى ديار العرب وتزوج منهم وعاش هناك. لأن الكلام الأول كان عن إسحق. لما نأتي إلى الآيات في سورة الصافات ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)) لما يمضي في القصة بعد أن ينتهي من قصة الذبيح يقول تعالى (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112)) إذن جاءت البشارة بإسحق بعد البشارة بالذبيح وإسحق ذكر إسمه في القرآن وإسماعيل ذكر إسمه في القرآن فالمرجح أن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحق. ولكن نقول الذبيح من الصابرين ولما ننقل إلى الآيات ( وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) الأنبياء) (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) من الذي وُصِف بوصف الصبر؟ إسماعيل. إسحق ما وصف بهذا وإنما قال (فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب) لكن نقول: والمسألة لا يترتب عليها أمر من أمور الدين فالخوض فيها غير مثمر.(1/334)
العبرة أنه أحد إبني إبراهيم، عندنا قوله تعالى (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة) إبراهيم كان موجوداً هنا وأقام هنا واتخذنا من مقامه مصلى وغبنه الذي كان معه ملحق وإسماعيل نبي.إبراهيم عنده ولدان إسماعيل وإسحق،من ذريةاسحق أنبياء ورسل إسرائيل كثيرون ومن إسماعيل نبيٌ واحد هوخاتم الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم - . إسماعيل ومن أولاد إسماعيل محمد - صلى الله عليه وسلم - وهؤلاء أبناء عمومتهم" سأبعث من أبناء عمومتهم في فاران" (فاران هو المكان الذي ترك فيه إبراهيم ولده إسماعيل وهم يزعمون أن فاران في مكان آخرفي فلسطين).لوصح الحديث "أنا ابن الذبيحين" لانتهى الحوارلكنه لم يصح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
آية (126):
*ما الفرق بين قوله تعالى (رب اجعل هذا بلداً آمناً) سورة البقرة وقوله تعالى (رب اجعل هذا البلد آمناً) ؟
د.فاضل السامرائى:
الآية الأولى هي دعاء سيدنا ابراهيم قبل أن تكون مكة بلداً فجاء بصيغة التنكير (بلداً) أما الآية الثانية فهي دعاء سيدنا ابراهيم بعد أن أصبحت مكة بلداً معروفاً فجاء بصيغة التعريف في قوله (البلد).
د.حسام النعيمى:(1/335)
في الآية الأولى )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا) لو نظرنا في الإعراب: الإشارة (هذا) هو يشير إلى شيء. كلمة (هذا) صارت المفعول الأول لفعل (إجعل) و(بلداً) المفعول الثاني و (آمنا) صفته، أي صيّره بلداً إذن لم يكن بلداً إذن هو أشار إلى موضع المكان أو الوادي الذي وصفه في آية أخرى (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) فاجعل هذا بلداً، ثم وصف البلد بأنه آمن فكلمة (آمنا) ستكون صفة للبلد. هذا كان في أول السُكنى في بداياته: إسماعيل - عليه السلام - كان قد شبّ حديثاً عن الطوق وبدأ الناس يجتمعون حوله وأمه والماء الذي ظهر فما كان بلداً فكأنه قال: إجعل هذا الموضع بلداً.(1/336)
في الآية الثانية المكان صار بلداً وصار فيه ناس بل أكثر من ذلك جاء إليه من يعبد الأصنام وسكن مع هاجر ولذلك انظر إلى الآية الثانية (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا) صار بلداً. البلد صارت بدلاً من (هذا) المفعول الأول و(آمناً) صارت المفعول الثاني يعني جعلتُ البلد آمناً صار المفعول الثاني بعد أن كان صفة في الآية الأولى. (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) معناه أن هناك في البلد من القبائل أو من الأعراب الذين سكنوا مع هاجر كانوا يعبدون الأصنام فلا يريد أن ذريته يتأثرون بهؤلاء فإنصب الطلب على الأمن ودفع عبادة الأصنام. ليس هذا فقط ولكن انظر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى أنه رب العالمين مؤمنهم وكافرهم يرُبّهم ويرعاهم لكن يُثيب المحسن يوم القيامة ويعاقب المسيء. إبراهيم - عليه السلام - أراد الرزق للمؤمنين (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) فبِمَ أُجيب؟ (قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير) حتى الكافر.
د.أحمد الكبيسى:(1/337)
هو ماذا قال؟ هو قال جملة ما هي؟ هو قال هذا بلداً مرة وقال هذا البلد مرة، قال (رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا) قبل أن يُبنى لما قال له تعالى إبن هذا البيت (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ (127) البقرة) لم يبنوه بعد هنا قال (رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا) أي هذا الذي سوف نبنيه اجعله بلداً آمناً فلما بُني البلد واكتمل وطافا به وأصبح بلداً قال (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا) أي الذي بنيناه اجعله آمناً. إذن معنى هذا أن سيدنا إبراهيم - عليه السلام - دعا لهذا البلد مرتين مرة قبل بنائه عندما كان مجرد بلد نكرة لا نعرف كيف سيكون وعندما انتهى منه أيضاً دعا له وقال (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا).
*في البقرة قال (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)) بضمير المفرد وفي لقمان بالجمع (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ) فما الفرق بينهما؟( د.فاضل السامرائى)(1/338)
حتى نفهم المسألة نقرأ سياق آية البقرة لأن السياق هو الذي يوضح (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)) إذن آية البقرة في مكة (رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا) وقبل أن توجد مكة، ولما قال (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا (35) إبراهيم) هذا بعد البناء بعد أن صارت بلداً. فإذن آية البقرة في مكة وآية لقمان عامة (نمتعهم قليلاً) كلاماً عاماً وليس في بلد معين ولا أناس معينين. أيها الأكثر؟ الآية في لقمان، فجاء بضمير الكثرة وتسمى الكثرة النسبية (نمتعهم قليلاً) يعني يُعبَّر عن الأكثر بالضمير الذي يدل على الكثرة والجمع ويعبر عن الأقل بالمفرد. و (من) تحتمل ذلك إذن فمن كفر فأمتعه قليلاً وهؤلاء أقل من الذين قال فيهم أمتعه قليلاً هذا أقل من الذين نمتعهم فجاء بضمير الجمع. في القرآن يراعي هذا الشيء (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (42) وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ (43) يونس) الذين يستمعون أكثر من الذين ينظرون فقال يستمعون هذه تسمى مناسبة وهذا ما جعل المفعول في لقمان بالجمع وفي البقرة بالمفرد.
*لم قال (وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) في آية البقرة ونمتعهم بالجمع في آية لقمان؟( د.فاضل السامرائى)(1/339)
هذا يدخل فيه أكثر من مسألة. مسألة التعظيم في البقرة ذكر الإفراد أولاً ثم الجمع. هذه فيها أكثر من مناسبة (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة) هذه جمع سيأتي بعدها مفرد، بعد الجمع يأتي المفرد، ضمير التعظيم (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ). والأمر الآخر قال (أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ) البيت نسبه تعالى إلى نفسه وصاحب البيت يتولى الأمر وربنا صاحب البيت يتولى هذا فقال (وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) وهو قال طهرا بيتي للطائفين هو صاحب البيت ويتولى من يسيء فهي أنسب من كل ناحية وقال بيتي فمناسبة أكثر للإفراد.
* في لقمان قال (إلينا مرجعهم) (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا) ولم يقلها في البقرة (وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)) ما الفرق؟( د.فاضل السامرائى)(1/340)
إبراهيم سأل ربه (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) إذن لما قال فأمتعه قليلاً كان من دعاء إبراهيم لما قال (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) والرزق فيه تمتيع إذن هذه المسألة ليست متعلقة بالتبليغ وإنما هو طلب الرزق (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) الجواب (فأمتعه قليلاً) لأنه طلب الرزق فالجواب يكون فأمتعه قليلاً وهذه ليست في التبليغ أما آية لقمان ففي التبليغ (ومن كفر) والسياق مختلف تماماً. فإذن لما كانت آية لقمان في التبليغ قال (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا) أما في آية البقرة ليست في التبليغ فقال (فأمتعه قليلاً). في لقمان قال (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ولم يقلها في البقرة أيضاً، هؤلاء في آية لقمان الكفار موجودين أما هؤلاء الذين قال فيهم الآية في سورة البقرة لم يخلقوا بعد هذا باعتبار ما سيكون هم ليسوا مخلوقين أصلاً قال (اجعل هذا بلداً آمناً) فكيف يقول فلا يحزنك كفره هم غير موجودين ويأتون بعده بقرون، أما في آية لقمان فهو معاصر لهم يبلغهم.
*ما الفرق بين العاقبة في لقمان قال تعالى (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24)) وفي البقرة قال (فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126))؟( د.فاضل السامرائى)(1/341)
أيها الأشد أن تقول إلى عذاب غليظ أو إلى عذاب النار وبئس المصير؟ عذاب النار. عندما يقول عذاب غليظ هل معناه أنك ستحرقه؟ كلا لأنك لم تصرح أنه بالنار، عندما تقول سأعذبه عذاباً غليظاً هل معناه أنك ستحرقه؟ لم تصرح أنه بالنار، أما عذاب النار فيها حرق فأيها الأشد؟ عذاب النار. لم يذكر نار في لقمان وفي البقرة ذكر ناراً وبئس المصير إذن هذا العذاب أشد، ذكر النار وقال أنه بئس المصير. عذاب غليظ لا يشترط أن يكون بالنار قد يكون بعضا غليظة. قال (عذاب النار) في أهل مكة وإبراهيم يطلب البلد الآمن والرزق، السيئة في مكة تتضاعف أكثر بكثير من مكان آخر وكذلك الحسنة تتضاعف في مكة والسيئة في مكة تتضاعف فمن أساء في مكة في بلد الله الحرام ليس كمن أساء في غيرها، نفس السيئة إذا فعلها شخص في مكة ليست عقوبتها كمن أساء في غير مكة السيئة فيها تتضاعف والحسنة فيها تتضاعف فإذن عندما تكون السيئة تتضاعف فالعذاب يتضاعف ويشتد لذا قال عذاب النار وبئس المصير لأن ذكر السيئة والكفر في مكة ليس كالكفر في غير مكة والمعصية في مكة ليست كالمعصية في غير مكة الحسنة أكثر والسيئة أكثر ولذلك شدّد العذاب فقال (عذاب النار وبئس المصير).
آية (127):
*ما فائدة الضمير فى قوله تعالى(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) البقرة)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
جاء الخبر (السميع العليم) معرفة ووقع بين (إن) والخبر (السميع) ضمير الفصل (أنت) بقصد المبالغة في كمال الوصفين السميع والعليم له سبحانه وتعالى ولينزَل سمع وعلم غيره منزلة العدم. ألا ترى أنك لو قلت لرجل أنت سامع إذا أردت أنه أحد السامعين أما إذا عرّفت فقلت أنت السامع فهذا يعني أنه السامع لا غيره.
*هل يُضمر القول في القرآن الكريم؟( د.فاضل السامرائى)(1/342)
أحوال القول والمقول يمكن أن نجمل أهم أحكامها في عبارات صغيرة.
الكثير أن يذكرالقول والمقول هوالأصل (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاغُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة) القول هو الفعل و(سمعنا وأطعنا) هو المقول.
يمكن أن يحذف فعل القول ويذكر المقول لا يقول قال أو يقول لكنه مفهوم وهذا كثير أيضاً مثال:(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) البقرة) هذا مقول القول ما قال يقولون ، حذف الفعل وأبقى المقول.
أحياناً يذكر فعل القول لكن يحذف المقول ولكنه ظاهر في السياق عكس الحالة السابقة مثل (قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) يونس) ما هو القول؟ هم لم يقولوا أسحر هذا ولا يفلح الساحرون وإنما هم قالوا هذا سحر، قول (أسحر هذا) هذا قول موسى وأضمر مقولهم هم وهو مفهوم من السياق.
وهنالك حالة أخرى أن يذكر مقولان لقائلين مختلفين ويحذف فعل القول منهما الإثنين ويتصلان كأنهما مقولان لقول واحد لكن المعنى واضح يجري عليه السياق مثل (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) النحل) هم قالوا (ما كنا نعمل من سوء) والرد (بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون) هذا ليس قائلاً واحداً وإنما هذا قائل آخر وحذف فعل القول لم يقل قالوا ما كنا نعمل من سوء ولم يقل قال بلى مفهوم من السياق فحذف فعل القول من الاثنين وأدمج المقولين لكنه مفهوم من السياق.(1/343)
وهنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول ومقوله ويدرج معه قول لقائل آخر فيبدو كأنهما مقولان لشخص واحد لكن في الحقيقة لا، مثل (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) يوسف)، ويوسف قال (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)) هذا كلام يوسف، هي رمته بالخيانة (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25))، (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)) سيدنا يوسف يتحدث عن العزيز أنه لم يخن العزيز بالغيب، (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53)) هذا كلام يوسف أيضاً (ذلك) أي الكلام الذي قالته امرأة العزيز، كلامها هي (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) يوسف) وانتهى كلامها، ويوسف قال (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)). في قوله تعالى (يوسف أعرض عن هذا ()) يكلم شخصين لكن القائل واحد.(1/344)
هنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول لكن لا يذكر المقول وإنما يذكر فحواه (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ (31) إبراهيم) قل هذا فعل القول والمقول لم يذكره وإنما ذكر الفحوى يقيموا الصلاة هذا فحوى قوله تعالى وليس هو القول لم يقل أقيموا الصلاة، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء) هذا ليس هو نص القول وإنما فحواه. فهذه أبرز أحوال القول في القرآن الكريم. ولكل حالة من هذه الحالات دلالتها وسياقها الذي تروى فيه.
آية (129):
*ما دلالة الفرق في الترتيب بين آية سورة البقرة (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)) وآية سورة الجمعة (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2))؟(د. عمر عبد الكافى من برنامج هذا ديننا)
وردت في القرآن الكريم مثل هذه الآيات أربع مرات ثلاث منها عن الله تعالى ومرة على لسان ابراهيم - عليه السلام - وهي الآيات التالية:
1. سورة البقرة (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151))
2. آل عمران (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164))(1/345)
3. سورة الجمعة ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)))
وعلى لسان ابراهيم - عليه السلام - :
1. سورة البقرة ((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)))
وهذا يعود إلى ترتيب الأولويات والأهمية في الخطابين، فعندما دعا ابراهيم - عليه السلام - ربه أن يرسل رسولاً أخّر جانب تزكية الأخلاق إلى آخر مرحلة بعد تلاوة الآيات وتعليمهم الكتاب والحكمة.
أما في آية سورة الجمعة وسورة البقرة (151) وسورة آل عمران فالخطاب من الله تعالى بأنه بعث في الأميين رسولاً يتلو عليهم آياته ويزكيهم قبل مرحلة يعلمهم الكتاب والحكمة لأن الجانب الخُلُقي يأتي قبل الجانب التعليمي ولأن الإنسان إذا كان غير مزكّى في خلقه لن يتلقى الكتاب والحكمة على مُراد الله تعالى والرسول - صلى الله عليه وسلم - من أهم صفاته أنه على خلق عظيم كما شهد له رب العزة بذلك في قوله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) القلم).
والتزكية هي ربع المهمّة المحمدية (تلاوة الآيات، تعليم الكتاب، تعليم الحكمة، التزكية).
(من برنامج هذا ديننا للدكتور عمر عبد الكافي على قناة الشارقة).
*من برنامج ورتل القرآن ترتيلاً:
هذا الترتيب في الآية لأن آيات القرآن تعلمنا التفكير والمنطق ودقة اللفظ وترتيب الأفكار والله سبحانه وتعالى رتب هذه الصفات على حسب ترتيب وجودها لأن أول تبليغ الرسالة القرآن ثم يكون تعليم معانيه كما في قوله في موضع آخر (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه) فإذا ما حصلت على علم القرآن انتقلت إلى المرحلة الأخيرة وهي التزكية.(1/346)
*ما الفرق بين قوله تعالى (ربَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ (129) البقرة) - (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (164) آل عمران) ؟(د.أحمد الكبيسى)(1/347)
في سورة البقرة عن قوله تعالى سيدنا إبراهيم (ربَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ (129) البقرة) ، مرة قال (من أنفسهم) ما الفرق بين (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (164) آل عمران) هذا في سورة آل عمران وفي الجمعة (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) الجمعة) لماذا؟ العرب ليش في العرب منهم وبالمؤمنين وهم قريش الذين هم أوائل المسلمين قال من أنفسهم؟ لازم في فرق وفعلاً هناك فرق عدنا إلى كتب التفاسير وأهل الفضل وأهل التذوق لهذه اللغة وجدنا ما يلي: تقول فلان من بني فلان هذا فقط كونك منهم بغض النظر عن ميزة أو غير ميزة كقوله (وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ (20) القصص) كافر مؤمن شيخ سكرتير فرّاش خادم ملك لا يهم هذا منهم ورب العالمين لما خاطب العرب والأميين وليش قال العرب أميين؟ العرب الأمة الوحيدة التي ليس لديها حساسية من أي أمة وما ثبت في التاريخ لا قبل الإسلام ولا بعد الإسلام أنهم ميزوا أنفسهم عن أمة أخرى وهم أمة أمية أي أنها تنتمي إلى جميع الأمم وأخلاقها أخلاق أممية فجاء هذا الدين بناء على هذا الله قال (أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا (37) الرعد) قال (لِّسَانًا عَرَبِيًّا (12) الأحقاف) وقال (حُكْمًا عَرَبِيًّا) فرب العالمين قدم هذا الإسلام على طبق من أخلاق العرب ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) من ضمنها حب الجار(1/348)
وليس حب فقط بل فداء يعني يفدي جاره بنفسه وأهله وذويه كما فعل كثير من العرب السموأل وغيره وإلى يومنا هذا الجار يفدي جاره. ثم أهل أسرة زوج وزوجة وأولاد وعائلة وعائلتين تصبح أسرة وأسرتين تصبح فصيل وفصيل يصبح عشيرة وعشيرة يصبح قبيلة والقرية يصبح شعب يعني هذه الأمة متداخلة النسيج في النسب (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً (92) الأنبياء) هذه من خصوصياتها هي أمة أمية (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) فقط كونه منهم بغض النظر عن أن هذه منهم لا تعطي إيحاء بميزة أو عدم ميزة. حينئذٍ هذا قال (بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ).(1/349)
لكن هذه الآية التي تخاطب المسلمين الأوائل وهم أهل النبي وخاصته وعشيرته وقبيلته قال (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ) من أنفسهم يعني من خيارهم من أفضلهم معروف لديهم حسباً ونسباً وأخلاقاً واحتراماً وهذه من ميزات المصطفى صلى الله عليه وسلم كثيرٌ من الرسل كانوا مجهولين لشعوبهم يعني كما قال تعالى عن سيدنا موسى عليه السلام وهو من هو كما تعرفون فضلاً من أولي العزم يعني ما بعد النبي إلا موسى وحينئذٍ قال (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا (18) الشعراء) كيف تكون أنت نبي؟ أنت يتيم لقيط نحن وجدناك وربيناك والآخر يقول لشعيب (وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ (91) هود) النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هنالك أحد يستطيع أن يقول له هذا الكلام وإنما يقول له أنت فلان بن فلان بن فلان محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب إلى نهاية (ولم أزل خياراً من خيار) هذا النسب الرصين والمقام الرفيع إلى حد أنهم احتكموا إليه في أقدس عباداتهم في وضع الحجر الأسود في مكانه لم يجدوا طريقة يفعلون بها بحيث تسوي بين القبائل إلا أن هذه القبائل جميعاً وهذه البيوتات جميعاً الشرسة فيما بينها اتفقوا على الأمين على محمد الأمين لكي يرفع الحجر وتعرفون هذا ونحن لا نشرح السيرة فهي معروفة فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام وبعد الإسلام هو وأسرته ونسبه وقبيلته وأخلاقه وسمعته معروفة لهذا قال (مِّنْ أَنفُسِهِمْ).(1/350)
كلمة (من أنفسهم) على خلاف (بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) العرب كلهم لهم شأن آخر، الكلام في البيئة والمجتمع والمدينة والقبيلة التي نزل فيها هذا الدين هو من أنفَسهم-بفتح الفاء- ومن أنفُسهم-بضم الفاء- وكونه من أنفسهم-بضم الفاء- فإنه أيضاً من أنفسهم-بفتح الفاء- هذا الفرق بين (بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) لأن هناك أنت لا تفرض نفسك على بقية الناس العرب لهم شأنهم قبائل وناس والخ هذه الأميين. لكن في المؤمنين الأوائل وهم محيط مكة والمدينة لا يناقش ولا يجادل أحد في هذا (مِّنْ أَنفُسِهِمْ) من هنا جاء النص على كلمة من أنفسهم للمسلمين الأوائل الذين هم يعرفون من هو محمد صلى الله عليه وسلم .والمنّة ولهذا قال (لَقَدْ مَنَّ) المنة الهدية التي لا يستطيع أحد أن يقدمها لك إلا هذا المُهدي بالذات يعني شخص عينوه رئيس وزراء هذا ما يفعله إلا رئيس الدولة يعني هذه منّة رئيس الدولة على شخص يختاره من شعبه. وحينئذٍ كل رؤوساء الوزراء في العالم الذين أتى بهم الملك أو رئيس الجمهورية ولا يستطيع أحد أن يعينه إلا هذا فهذه منة. فرب العالمين يقول (قُل لّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ (17) الحجرات) من الذي يمكن أن يفعل هذا إلا الله؟! لا يوجد فقط رب العالمين ولهذا سماها منة. هنا أيضاً من الذي يمن عليك حتى يبعث لك رسولاً من أنفس وأنفس قومك بحيث لا يناقش أحد لا في أخلاقه والله لو وجدوا في أخلاقه ذرة شعرة حتى شيء لفضحوا النبي صلى الله عليه وسلم وما آمنوا به لكن من أين يؤتى؟ فكله مكارم وكله أصلٌ وكله أخلاق.(1/351)
من أجل هذا لم يجد كفار المشركين ثلمة يأتوا منها النبي صلى الله عليه وسلم قال (بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) ولكن من المؤمنين من (مِّنْ أَنفُسِهِمْ) وهم القاعدة الأولى الرصينة التي بُني عليها هذا الدين بعد ذلك وقاموا به إلى العالم أجمع. هذا الفرق بين (بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) وبين (بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ) .
آية (131):
*ما الفرق بين أسلم إلى وأسلم لـ؟ (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) النمل) (قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) البقرة) (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) غافر) ما الفرق بينهما في الدلالة؟ (د.فاضل السامرائى)(1/352)
أسلم إليه معناه دفعه إليه، تسليم دفعه إليه أو فوّض أمره إليه هذ المشهور، من التوكل. أسلم بمعنى انقاد وخضع ومنها الإسلام الإنقياد. أسلم الشيء إليه أي دفعه إليه، أعطاه إليه بانقياد هذه أسلمه إليه أو فوض أمره إليه وهذا أشهر معنى لأسلم إليه. أسلم لله معناه انقاد له وجعل نفسه سالماً له أي خالصاً له، جعل نفسه لله خالصاً أخلص إليه. لما قالت ملكة سبأ (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) النمل) انقدت له وخضعت وجعلت نفسي سالمة له خالصة ليس لأحد فيه شيء. وإبراهيم - عليه السلام - قال (قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) أسلم له أي انقاد له وجعل نفسه خالصة له أما أسلم إليه معناها دفعه إليه لذا يقولون أسلم لله أعلى من أسلم إليه لأنه لم يجعل معه لأحد شيء، ومن يسلم وجهه إلى الله اختلفت الدلالة أسلم إليه أي فوّض أمره إليه يعني في الشدائد (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ (44) غافر) أو في الانقياد أما أسلم لله فجعل نفسه خالصاً ليس لأحد شيء. لذلك قال القدامى أسلم له أعلى من أسلم إليه لأنه إذا دفعه إليه قد يكون لم يصل لكن سلّم له اختصاص واللام للملك (أسلم لله) ملّك نفسه لله ولذلك قالوا هي أعلى. الدلالة فيها انقياد .
آية (132):
*ما الفرق بين وصى وأوصى؟( د.فاضل السامرائى)(1/353)
الله تعالى يقول (وصّى) بالتشديد إذا كان أمر الوصية شديدا ومهماً، لذلك يستعمل وصى في أمور الدين، وفي الأمور المعنوية: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 132" البقرة) (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ(131) النساء)أما (أوصى) فيستعملها الله تعالى في الأمور المادية :(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء.
لم ترد في القرآن أوصى في أمور الدين إلا في مكان واحد اقترنت بالأمور المادية وهو قول السيد المسيح : "وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً 31" مريم.في غير هذه الآية لم ترد أوصى في أمور الدين، أما في هذا الموضع الوحيد فقد اقترنت الصلاة بالأمور المادية وقد قالها السيد المسيح في المهد وهو غير مكلف أصلا.وجاء بعدها ذكر الزكاة.
آية (133):
*انظر آية (125).???
*ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل حضر وجاء في القرآن الكريم؟( د.فاضل السامرائى)
فعل حضر والحضور في اللغة أولاً يعني الوجود وليس معناه بالضرورة المجيء إلى الشيء (يقال كنت حاضراً إذ كلّمه فلان بمهنى شاهد وموجود وهو نقيض الغياب) ويقال كنت حاضراً مجلسهم، وكنت حاضراً في السوق أي كنت موجوداً فيها.
أما المجيء فهو الإنتقال من مكان إلى مكان، فالحضور إذن غير المجيء ولهذا نقول الله حاضر في كل مكان دليل وجوده في كل مكان. وفي القرآن يقول تعالى (فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء) سورة الكهف بمعنى لم يكن موجوداً وإنما جاء الأمر. وكذلك قوله تعالى (فإذا جاء أمرنا وفار التنور) سورة هود. إذن الحضورة معناه الشهود والحضور والمجيء معناه الإنتقال من مكان إلى مكان.(1/354)
أما من الناحية البيانية فى قوله تعالى في سورة البقرة (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاًوَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {133}) وفي المؤمنون(حَتَّى إِذَاجَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99})
القرآن الكريم له خصوصيات في التعبير وفي كلمة حضر وجاء لكل منها خصوصية أيضاً. حضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في سورة آية سورة البقرة وكأن الموت هو من جملة الشهود فالقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت فالكلام هو في الأحكام والوصايا (إن ترك خيراً الوصية) (ووصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد).
أما مجيء الموت في القرآن فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في آية سورة المؤمنون يريد هذا الذي جاءه الموت أن يرجع ليعمل صالحاً في الدنيا فالكلام إذن يتعلق بالموت نفسه وأحوال الشخص الذي يموت.. ويستعمل فعل جاء مع غير كلمة الموت أيضاً كالأجل (فإذا جاء أجلهم) وسكرة الموت (وجاءت سكرة الموت) ولا يستعمل هنا حضر الموت لأن كما أسلفنا حضر الموت تستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود أما جاء فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت وأحوال الشخص في الموت.
*ما دلالة تقديم المفعول به مع ذكر الموت (حَتَّى إِذَا حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ)؟ وما الفرق بين حضر وجاء وأدرك وأصاب؟(د.حسام النعيمى)
جاء لفظ الموت فاعلاً في أحد عشر موضعاً في القرآن كله، جاء المفعول به يكون متقدماً دائماً ً كأنه إبعاد للفظ الموت وتقديم للمفعول به وذلك التقديم للعناية والإهتمام والتلهف لمعرفة الفاعل.(1/355)
هذه الأفعال التي هي: جاء وحضر وأتى ويدرك ويتوفى كلها تجتمع في معنى واحد وهو الإقتراب، القرب يعني هناك إشارة إلى القرب لكن ألفاظها إختلفت ولما اختلفت ألفاظها إذن لا بد من إختلاف في الصورة. عندما تقول "حضر فلان" تقول حضر فلان وهو معك، الصورة في حضوره، لما تقول جاء فلان كأنما تتصور فكرة المجيء تصير مرسومة صورة المجيء، أتى مثل جاء لكن تكون أقل لأن الصوت يختلف (جاء وأتى) كأنه بشكل أهون ليس بشدة المجيء، الإتيان أخف من المجيء. أدرك كأنه كان يلاحق شيئاً وأدركه لما يقول (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ) كأنه يركض وراءهم، (حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) كأنه أخذهم وافيات غير منقوصات وكان سبباً لأن الموت لا يتوفى لكن الملائكة وبأمر الله سبحانه وتعالى
لما ننظر في الآية (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي (133) البقرة) كأن الموت حاضر مع من هو جالس بجوار يعقوب - عليه السلام - لكن هذا الحضور ليس فيه موت كامل، حضر الموت لكن لم تُقبض روحه، يعني إقترب منه الموت. ما الدليل أنه كان في الحضرة ولم تقبض الروح؟ أن يعقوب - عليه السلام - كان يوصي أبناءه (إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي) إذن هو لم يكن قد مات لكن الموت جالس عنده وشاهد على الوصية فكأنه إقترب منه الموت لكن لم ينفذ.
*في سورة البقرة (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)) إسحق هو عمهم فكيف يكون من الآباء؟( د.فاضل السامرائى)
يمكن لأن ربنا سمى آدم (كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ (27) الأعراف) الأجداد من الآباء لكن ليس من الوالدين.(1/356)
آية (134):
يقول تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ (134) البقرة) جعلها كالأموال وككسب الإنسان.
آية (135):
*(قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا (135) البقرة)ما معنى حنيفاً وما دلالتها؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الحنف هو الميل عن الضلال إلى الإستقامة. والحنف الميل في المشي عن الطريق المعتاد. وسمي دين إبراهيم حنيفاً على سبيل المدح للمِلّة لأن الناس يوم ظهور ملّة إبراهيم كانوا في ضلالة عمياء فجاء دين إبراهيم مائلاً عنهم فلُقّب بالحنيف لقب مدح.
آية (136):
*انظر آية (125). ???
*ما الفرق بين أنزلنا إليك (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة) وأنزلنا عليك (قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )84) آل عمران)؟
د.حسام النعيمى :
أحياناً حروف الجرّ يستعمل بعضها مكان بعض لكن يلفت النظر لِمَ استعملت هذا هنا وهذا هنا؟
لما تأتي (إلى) معناها الغاية، الوصول. ولما تأتي (على) فيها معنى نوع من الإستعلاء. لاحظ عندما تقول: دخل زيد إلى القوم. يعني مشى ودخل إليهم كأنه في مستوى واحد. لكن لما تقول دخل عليهم كأنه مرتفع عنهم فيه نوع من التعالي. كذلك (خرج على قومه في زينته) فيها نوع من العلو. هو نفس الفعل خرج ودخل.(1/357)
لما تأتي: أُرسل إليه أو أُرسل إلينا كأنه قريب منا وباشرنا نحن، مسّنا. وعلينا: فيه نوع من التلقّي من علوّ. لكن لِمَ استعمل هذا هنا واستعمل هذا هنا؟ لمَ قال مرة إلينا ومرة علينا؟
ننظر في آية البقرة (وما أنزل إلينا) وفي آل عمران (وما أنزل علينا) نلاحظ آية البقرة كان في بدايتها نوع من الدعوة أو مباشرة الدعوة لغير المسلمين من المسلمين أن يكونوا معهم يأتوا إلى دينهم فهو حديث بشري بين البشر عندئذ قالوا نحن وصل إلينا أو ورد إلينا ما هو خير مما عنكم. فيها معنى الوصول لاحظ الآيات (آمنا بما أنزل إلينا) هذا شيء وصل إلينا يعني تسلّمناه لا نحتاج إلى ما عندكم. فلما قال (أنزل إلينا) العطف عادة يكون مثل المعطوف عليه (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136))
بينما في آية آل عمران الكلام عن ميثاق أُخِذ على الأنبياء أن يوصوا أتباعهم باتّباع النبي الجديد الذي سيأتي. ميثاق من الله عز وجل ففيه علو وفيه ذكر للسماء أو للسموات ففيها علو فناسب أن يقول (أُنزل علينا).
هناك شيء آخر يلفت النظر في الآيات: أنه في آية البقرة قال (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) أعاد كلمة (أُوتي) . وفي آل عمران قال (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) حذف أوتي. لماذا؟ لأن إيتاء النبيين ورد في آل عمران قبل قليل (لَمَا آَتَيْتُكُمْ) فلم يكررها بينما هناك لم يذكرها فكررها.
د.أحمد الكبيسى :
· أولاً فى آل عمران (قُل) وفى البقرة (قولوا) يا مسلمون قولوا .(1/358)
· في آل عمران (وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) هنا (وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ) إذاً عندنا قُل وقولوا، علينا وإلينا،
· وفي البقرة (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) ما أوتي مكررة إذاً موسى وعيسى أوتوا شيئاً والنبيون أوتوا شيئاً آخر . في آل عمران لم يذكر (وما أوتي) مكررة وإنما وردت فقط مرة واحدة (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ). فروق دقيقة جداً ما من شيء في هذا الكتاب اختلاف ولو حركة إلا وهو رسمٌ جديد.
أولاً لماذا قال في البقرة قال قولوا وفي آل عمران قال قل؟ في البقرة وجدت هذه الآية بعد قولٍ لأهل الكتاب (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {135} البقرة) مِلَة إبراهيم حنيفاً تجمعنا جميعاً (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا {67} آل عمران) كان أبو الأنبياء جميعاً فنحن جميعاً على ملته، هذا المفروض نحن موحَّدون (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا).(1/359)
ثانياً هناك (وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) إذاً الفرق بين قولوا يا مسلمون قُل يا محمد هذا واحد. (وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) (وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) الوحي لما يأتي من أين يأتي؟ من الله عز وجل الذي هو أعلى فلما يأتي من الله نقول أُنزِل علينا من الله لما يصل إلى محمد صلى الله عليه وسلم نقول نزل إلى محمد معنى هذا ماذا؟ آمنا بالله وما أُنزِل علينا من الله فإيمان بالله بتصديق الربوبية أن هذا الكلام كلام الله لما نقول أُنزِل علينا نحن سنؤمن بأن هذا الكلام أنزل علينا من الله فنحن إذاً تصديق الربوبية. أُنزِل إلينا هذا الذي نزل نزل لمن؟ نزل لمحمد إذاً صار هناك تصديق النبوة والرسالة فالآيتان إحداهما تتحدث عن تصديق الربوبية والثانية تتحدث عن تصديق الرسالة والرسول والنبوة. إذاً كلمة علينا وإلينا ليست هي من باب الصدفة ما أُنزِل علينا من الله عز وجل هذا كتاب كلام الله التوراة والإنجيل والزبور وما أوتي موسى وعيسى كل هذا نؤمن بأنه قادم من الله هذا أُنزِل علينا وهذا الذي نزل نزل على إبراهيم وموسى وعيسى وإسحاق ويعقوب والأسباط إلى أخرهم محمد أنزل إليهم وأنزل إليهم أي يعني نحن نصدق بأن هؤلاء مرسلون من رب العالمين وهم صادقون في الرسالة. فكلمة إلينا بحرف الجر هذا بشبه الجملة (علينا وإلينا) رب العالمين أوجز تصديق الربوبية وتصديق النبوة والرسالة هذا واحد.(1/360)
أخيراً قال (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) هذا في البقرة وما أوتي موسى وعيسى في جانب وما أوتي النبيون من ربهم في جانب آخر، في آل عمران قال (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) كله شيء واحد لماذا حدث (وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ)؟ أقول لك يا أخي جداً واضح نحن نتكلم الآن عن موجز الرسالات وعلاقتها بالله عز وجل تصديق الربوبية وتصديق النبوة والرسالة، حينئذٍ هذا الذي نزل من السماء عليهم وإليهم منه ما هو خاص بهم أبداً (إن للرسول سراً لو اطّلع عليه المسلمون لفسد أمرهم) كل الرسل من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم كل واحد إن بينه وبين الله سرّاً لا يعلمه غيره إلا ماذا قال (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا {26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ {27} الجن) حينئذٍ رب العالمين يُعلِّم رسله علماً لا ينبغي لهم أن يعلِّموه لأتباعهم (لو علمتم ما أعلم لبكيتم كثيراً) إذاً معنى ذلك علينا إلينا هناك ربوبية ورسالة ونبوة وهناك (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) سيدنا موسى وعيسى لهم قطعاً خصوصية لماذا؟ أولاً أول مرة يبدأ الوحي المجرّد بموسى - عليه السلام - حيث أن الوحي كان يأتي كهيئة رجل (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ {69} هود) (قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ {62} قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ {63} الحجر) يأتي رجل ويقول لك أنا ملك وكلام مباشر وبسيط، الوحي المجرّد لكي ينزل كتاب من الله عز وجل كما قال الكتاب التوراة والإنجيل والزبور والفرقان هذا أول بدايته كان بموسى - عليه السلام - .(1/361)
إذاً ما أوتي النبيون كلهم شيء وما أوتي موسى وعيسى ومحمد شيء ثاني قطعاً. ثالثاً هؤلاء من أولي العزم ليس كل الأنبياء من أولي العزم، رابعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وموسى وعيسى التقوا قبل أن يخلق النبي بشراً في عالم الخلق (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ {23} السجدة) هذا الذي التقيت به إنما هو موسى فعلاً وهكذا إذاً قطعاً بكل مقاييس الديانات الثلاثة أن لسيدنا موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام جميعاً خصوصية لا يملكها بقية الأنبياء والرسل فعندما أفردهم بالإيتاء بإيتاء معين الرسل كلهم أوتوا شيئاً وموسى وعيسى ومحمد أوتوا كتباً منزّلة إلى يوم القيامة هذا واحد. ثانياً هناك قاسم مشترك بين كل الأنبياء (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ {25} الأنبياء) التوحيد والفقه المطلوب وما هو مطلوب للبشرية هذا مشترك بين جميع الرسل فإذا قال (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى) يشير إلى خصوصية هؤلاء الأنبياء الثلاثة إذا جمعهم طبعاً جمعهم مع قواسم مشتركة كثيرة بين كل الأنبياء والرسل هناك شروط وهناك أسباب وهناك علم وهناك فقه رب العالمين أوحى به لكل الأنبياء. وهناك خصوصيات لم يوحي بها إلا إلى موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام جميعاً.(1/362)
الآية التي بعدها (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا {137} البقرة) إذا آمن أهل الكتاب بما آمنتم به من أن جميع الأديان الثلاثة كما هو هنا كلها أديان من الله عز وجل أنزلت علينا أو إلينا تصديق الربوبية أو تصديق الرسالة والنبوة أو ما هو خاصٌ بالأنبياء فقط لا ينبغي أن يطّلع عليه الناس وما هو عام في كلا الحالات إذا آمن أهل الكتاب (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) البقرة) سيبقون معكم إلى يوم القيامة في عداء وفي حرب وفي منازلات وفي مساجلات ينغّصون عليكم كل شيء ولكن الله (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) من حيث لن يفلح كل من يشاد هذا الدين بأن يلغيه كما يمكن أن يدور في خلد بعض الناس. والتاريخ الإسلامي طموحات وآمال كثيرة في أن كثيراً من الناس يلغون هذا الدين، الشيوعية حاولت وقبلها الدهرية حاولت وقبلها كثير من الأمم حاولوا إلغاء هذا الدين والآن كما تعرفون الحرب على الإسلام في كل مكان ولكن الله تعالى قال (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) ولهذا سقطت الشيوعية وبقي الإسلام زاهراً. على كثرة ما حاولوا وبذلوا في أفريقيا جمهوريات سبع ثمان جمهوريات إسلامية سبعين عاماً بقيت تحت الحكم الشيوعي ذبح وإبادة وقتل وتعذيب وما أن زال الإتحاد السوفييتي حتى عادوا أقوى مما كانوا سابقاً (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). إذاً هذا الفرق بين قولوا وقُل وبين وما أُنزِل علينا أو أُنزِل إلينا وبين تكرار وما أوتي عيسى وموسى والنبيون هذه الأولى هكذا هو الفرق بين الآيتين في آل عمران 84 والبقرة 136.(1/363)
لماذا في سورة قال (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) وفي الأخرى (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) في الآية الأولى الكلام هناك عن الأديان التي جاءت من حيث أن القواسم المشتركة بين جميع الأنبياء أن الله يرسل إليهم وحياً وأنزل إليهم رسالات فهم مشتركون بأن الله بعثهم لخلقه مرسَلين وأنبياء وأعطاهم شرعاً. جميع الأنبياء مشتركون في هذا، هذا واحد. في الآية الثانية رب العالمين يفصّل بين ما أنزل على موسى وعيسى ومحمد وبين ما أنزل على غيرهم قال (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى) هذا واحد ثم (وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) ما من أحد من الأنبياء قبل سيدنا موسى وما أكثرهم أعطاه الله ما أعطاه لموسى وعيسى، الوحي الحقيقي المجرد الكامل الذي يأتي على قمة نضج البشرية بدأ بسيدنا موسى بالتوراة سابقاً كان يأتي الوحي الأنبياء على هيئة رجل كان يأتي السلام عليكم عليكم السلام حاه حال االناس وهو ملك (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) هود) كان يريد أن يذبح لهم ذبيحة فقالوا له نحن ملائكة الخ. إذاً يتكلم رب العالمين عن القاسم المشترك بين الأنبياء أن الله أنزل إليهم شرعاً الذي أنزل عليه صحفاً والذي أنزل عليه كلمتين والذي أنزل عليه أربع خمس أمثال واللي كتاب لكن عندما أراد رب العالمين أن يفرق بين أسلوب الوحي وقيمة الرسالة قطعاً قيمة الرسالة اليهودية والمسيحية والإسلامية تختلف عن ما كان قبلها من رسل وهذا هو الفرق بين الآية بـ(ما أوتي) وبدون(ما أوتي).(1/364)
* ما الفرق بين أنزل وأوتي في الآية (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة)؟( د.فاضل السامرائى)(1/365)
هذه الآية فيها إنزال وإيتاء.الإنزال يأتي من السماء ويستعمل للكتب. أما الإيتاء فهو يستعمل للكتب وغير الكتب مثل المعجزات نسأل سؤالاً: مَنْ من الأنبياء المذكورين ذُكرت له معجزة تحدّى بها المدعوين؟ موسى وعيسى عليهما السلام ولم يذكرمعجزات للمذكورين الباقين. هل هذه المعجزة العصى وغيرها إنزال أو إيتاء؟ هي إيتاء وليست إنزالاً ولذلك فرّق بين من أوتي المعجزة التي كان بها البرهان على إقامة نبوّته بالإيتاء وبين الإنزال، هذا أمر. كلمة (أوتي) عامة تشمل الإنزال والإيتاء. الكُتب إيتاء. أنزل يعني أنزل من السماء وآتى أعطاه قد يكون الإعطاء من فوق أو من أمامه بيده. لما يُنزل ربنا تبارك وتعالى الكتب من السماء هي إيتاء فالإيتاء أعمّ من الإنزال لأن الإنزال كما قلنا يشمل الكتب فقط. لذلك لما ذكر عيسى وموسى عليهما السلام ذكر الإيتاء لم يذكر الإنزال ثم قال (وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ) دخل فيها كل النبييبن لأنه ما أوتوا من وحي هو إيتاء. (وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ) قد يكون إنزالاً ويكون إيتاء لكن ما أوتي موسى وعيسى عليهما السلام في هذه الآية هذا إيتاء وليس إنزالاً لأنه يتحدث عن معجزة ولأنهما الوحيدان بين المذكورين اللذين أوتيا معجزة ونجد أن حجج موسى - عليه السلام - لم تكن في الكتاب وإنما جاءه الكتاب بعدما أوتي المعجزات. الآخرون إنزال وعندما يتعلق الأمر بالمعجزة قال إيتاء. وللعلم فإنه لم يرد في القرآن كلمة (أنزل) مطلقاً لموسى في القرآن كله وإنما استعملت كلمة (أوتي) لموسى. أما بالنسبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد جاء في القرآن (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) وجاء أيضاً (وما أُنزل إليك).
آية (137):
*(فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ (137) البقرة)لم اختص تعالى أداة الشرط إن وليس إذا؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
((1/366)
إن) حرف شرط جازم ولكنه يفيد الشك خلافاً لـ (إذا) وقد جاء الشرط هنا في الآية بـ (إن) إيذاناً بأن إيمانهم غير مرجو وميؤوس منه.
*ما هو إعراب الضمائر في (فسيكفيكهم الله)؟( د.فاضل السامرائى)
فسيكفيكهم الله: الكاف مفعول أول لأن كفى تأخذ مفعولين، (هم) مفعول ثاني، (الله) لفظ الجلالة فاعل. فسيكفيك الله إياهم،. (سلنيه) وصِلأ أو افصِل هاء سلنيه، سلنيه: إسأل فعل أمر، الياء مفعول أول والهاء مفعول ثاني والنون للوقاية إن شئت قلت سلنيه وإن شئت قلت سلني إياه.
آية (139):
*(قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ (139) البقرة)ما دلالة الإستفهام؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
في قوله تعالى (أتحاجوننا) إستفهام ولكنه خرج عن دلالة الأصلية وهو الإستفهام عن شيء مجهول إلى التعجب والتوبيخ.
*(وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ (139) البقرة): لِمَ قال تعالى لنا أعمالنا ولم يقل أعمالنا لنا لا سيما أن (لنا) متعلق بخبر محذوف للمبتدأ (أعمالنا)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
قدّم تعالى الجار والمجرور (لنا) على قوله (أعمالنا) للإختصاص أي لنا أعمالنا الخاصة بنا ولا قِبَل للآخرين بها فلا تحاجونا في أنكم أفضل منا.
آية (140):
*انظر آية (125). ???
آية (142):
*(سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا (142) البقرة) ما فائدة وصفهم بأنهم من الناس طالما أن ذلك معلوم؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/367)
السفهاء جمع سفيه وهو صفة مشبّهة تدل على أن السفه غدا سجيّة من سجايا الموصوف وهذه الصفة لا تُطلق إلا على الإنسان فلِمَ قال تعالى (سيقول السفهاء من الناس) ولم يكتف بـ سيقول السفهاء؟ وما فائدة وصفهم بأنهم من الناس طالما أن ذلك معلوم؟ إن فائدة وصفهم بالسفهاء أنهم من الناس مع كون ذلك معلوماً هو التنبيه على بلوغهم الحد الأقصى من السفاهة بحيث لا يوجد في الناس سفهاء غير هؤلاء وإذا قُُسِّم الناس أقساماً يكون هؤلاء قسم السفهاء وفي هذا إيماء إلى أنه لا سفيه غيرهم للمبالغة في وسمهم بهذه السمة.
آية (143):
*لم جاء اسم الإشارة فى صدر الآية فى قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لو قال ربنا "وجعلناكم أمة وسطاً لتكونوا" لما حدث خلل في سياق الآية ظاهراً فلِمَ صدّر الآية إذن بإسم الإشارة (وكذلك)؟ صُدِّرت الآية بإسم الإشارة كذلك الذي يدل على البُعد للتنويه إلى تعظيم المقصودين وهم المسلمون ومن هذا الباب قول إبي تمام:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر.
* (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا (143) ما المقصود بالأمة الوسط؟( د.فاضل السامرائى)
وسطاً معناها خياراً أو عدولاً، الوسط بين الإفراط والتفريط يكون خيار وعدول. لما تقول هو من أوسطهم أي من خيارهم، هذا ما ذكره أبو سفيان عندما سُئل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال هو من أوسطنا أي من خيارنا وأحسننا. (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) أي خياراً وعدولاً وبين الإفراط والتفريط، هذا المقصود من معنى الوسطية.
*ما طبيعة كلمة وسطاً في (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا (143) البقرة) من حيث أنها صفة ولم تتبع الموصوف من حيث التذكير والتأنيث؟(د.فاضل السامرائى)(1/368)
كلمة وسط في الأصل هي إسم جامد وصِف بها (الأسماء إما جامدة أو مشتقة، جامد يعني ليس مشتقاً) فهنا وصف بإسم جامد فهذا لا يطابق إنما الوصف هو الذي يطابق التأنيث والتذكير، كلمة (وسط) بحد ذاتها هي إسم جامد وليست وصفاً فإذن هو وصِف بإسم جامد ولا يطابق كما لو وصفنا بالمصدر نقول رجل صوم وامرأة صوم
ووصفوا بمصدرٍ كثيرا فالتزموا الإفراد والتذكيرا
إذا وصف بالمصدر يلزم الإفراد والتذكير حتى لو كان جمعاً. لا يقال أمة وسطة، وسط إسم جامد وليس في الأصل وصف مشتق حتى يُذَكّر مثل طويل وطويلة، هو في الأصل إسم جامد وصِف به فيبقى على حاله.
استطراد من المقدم: نقول رجل صوم وامرأة صوم ورجال صوم؟
مذكر مؤنث مفرد جمع، التزموا الإفراد والتذكير هذه قاعدة.
*ما المقصود بالإيمان فى الآية (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) البقرة)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
عن ابن عباس رضي الله قال: لما وُجّه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة قالوا يا رسول الله كيف لإخواننا الذين ماتوا وهم يصلّون لبيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ). فالإيمان في الآية أُريد به الصلاة فلم عدل ربنا عن ذكر الصلاة ولم يقل الصلاة وآثر أن يطلق الإيمان على الصلاة للتنويه بعظم الصلاة وعظم قيمتها فهي من أعظم أركان الإيمان.
*ما دلالة التوكيد بـ (إنّ) واللام في هذه الآية (وَإِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) فى سورة البقرة وعدم التوكيد فى سورة النور(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (20) ؟( د.فاضل السامرائى)(1/369)
التوكيد بحسب ما يحتاجه المقام، إذا احتاج إلى توكيدين مثلاً لما يذكر الله تعالى النعم التي أنزلها علينا يؤكد وإذا لم يحتج إلى توكيد لا يؤكد ولو احتاج لتوكيد واحد يؤكد بواحد. (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) البقرة) أكّد. (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (20) النور) ما أكّد. في الآية الأولى كانوا في طاعة (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) ويقولون هذه الآية نزلت لما تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة تساءل الصحابة عن الذين ماتوا هل ضاعت صلاتهم؟ وهل ضاعت صلاتنا السابقة؟ سألوا عن طاعة كانوا يعملون بها فأكدّ الله تعالى (إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) أما في الآية الثانية فهم في معصية (يحبون أن تشيع الفاحشة) فلا يحتاج إلى توكيد. في تعداد النعم ( ألم تر أن الله سخر إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) لما هم في طاعة يؤكد ولما يكون في معصية لا يؤكد. ولم يقل في القرآن (والله رؤوف رحيم) أبداً إما مؤكدة باللام و(إنّ) أو (رؤوف بالعباد).
آية ( 144):
* ما دلالة إستخدام (قد) في قوله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا (144) البقرة) علماً أنها تفيد التقليل؟( د.فاضل السامرائى)
((1/370)
قد) إذا دخلت على الماضي تفيد التحقيق وإذا دخلت على المضارع لها أكثر من معنى، منها التقليل (قد يصدق الكذوب) تقليل، لكن قد تأتي للتكثير والتحقيق مع دخولها على المضارع. لكن المشهور عند الطلبة أنها إذا دخلت على المضارع تكون للتقليل وهذا جانب من جوانب معانيها. (قد) تكون للتقليل وقد تكون للتحقيق (قد يعلم ما أنتم عليه) تحقيقاً أو للتكثير ويضربون مثلاً قوله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء) أي كثيراً ما تنظر إلى السماء. (قد) إذا دخلت على المضارع ليست مقتصرة على التقليل لكن التقليل من معانيها. إذن (قد) إذا دخلت على الماضي تفيد التحقيق وإذا دخلت على المضارع يكون من معانيها التقليل.
*(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا (144)) عبّر تعالى عن رغبة النبي ومحبته للكعبة بكلمة (ترضاها) دون كلمة تحبها أو تهواها لماذا؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
للدلالة على أن ميله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة ميل لقصد الخير بناء على أن الكعبة أجدر بيوت الله بأن يدل على التوحيد ولما كان الرضا مشعراً بالمحبة الناتجة عن التعقل اختار كلمة (ترضاها) دون تهواها أو تحبها فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يربو أن يتعلق ميله بما ليس فيه مصلحة راجحة للدين والأمة.
آية (145):
*انظر آية (120).???
آية (146):
*انظر آية (121).???
*(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ (146) البقرة) عبر الله تعالى بلفظ المعرفة وقال (يعرفونه) ولم يقل يعلمونه لماذا؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
ذلك أن المعرفة غالباً ما تتعلق بالذوات والأمور المحسوسة فأنت تقول عن شيء ما أنك تعرفه حينما يكون علمك به أصبح كالمشاهد له وكذلك كانت معرفة أهل الكتاب بصفات النبي - صلى الله عليه وسلم - فهي لم تكن مجرد علم مستند إلى غيب بل إنهم يعرفونه ويعرفون صفاته كأنهم يشاهدونه أمامهم قبل بعثته لذلك عبّر بالمعرفة ولم يعبّر بالعلم.(1/371)
آية (147):
*ما الفرق بين (فلا تكونن من الممترين)و(فلا تكن من الممترين)؟(د.أحمد الكبيسى)
فى قوله تعالى (وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {146} الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {147} البقرة) تكونن بنون التوكيد المشددة، في آل عمران (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {59} الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {60} آل عمران) لماذا هناك (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) وهنا (فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)؟ يعني هي نفس القضية لماذا أكد هناك بالنون وما أكدها هنا؟ الأولى عقيدة إما مسلم وإما كافر فإياك أن تكون كما قال تعالى (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {94} يونس) لماذا؟ هذه قضية قرآن هو صح أو لا، (فَلَا تَكُونَنَّ) لكن خلق عادي كيف خلق آدم ما عليك كيف خلق آدم؟ يمكن عقلك ما يدرك الله خلقه من دين وقال نفخت فيه ما يفهمها إلا أولي العلم خلق سيدنا عيسى كما خلق آدم يعني أنت ثق 99% من المسلمين الآن لا يعرفون كيف خلق آدم بالتفصيلة الدقيقة يعرفونها إجمالاً ولا يعفون كيف خلق سيدنا عيسى عليه السلام نفس الشيء لكن هناك من يتوصل إلى هذا بعلمه فإذا امتريت فأقل خوفاً أو ضرراً مما لو امتريت في العقيدة لأن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب. إذاً الفرق بين (لا تكونن) إذا كان الأمر في العقيدة والله هذا القرآن هذا كلام الله (فَلَا تَكُونَنَّ) إياك أن يكون في قلبك شك ولا واحد بالمليار إياك هذا الشك ينهي كل شيء.(1/372)
محمد رسول الله عيسى رسول الله يقيناً موسى رسول الله، إياك أن تشك بلحظة بشعرة (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) لكن كيف أحيا سيدنا إبراهيم الطيور وكيف عزير أحيا ذلك الحمار وكيف رب العالمين خلق عيسى؟ هذه أمور إن عرفتها فبها ونعمت، ما عرفتها ما عليك شيء لكن لا ترتاب ما دام جاء بها نص صحيح أنت كن على يقين هكذا هو الفرق.
آية (149):
* ما دلالة تكرار لفظة في سورة البقرة (فولّ وجهك) في الآيات- 149-150144 ؟(د.حسام النعيمى)
إبتداء كان توجّه المسلمين إلى غير الكعبة إمتحاناً لإيمانهم إبتداءً لأنهم كانوا قد ألِفوا التوجه إلى الكعبة قبل الإسلام وألِفوا إحترامها وإجلالها وأنها هي متوجههم وإذا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول لهم توجهوا نحو بيت المقدس هذا لم يكن سهلاً عليهم فتوجهوا حتى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن الأمر سهلاً عليه أيضاً فكان هذا إمتحاناً للمسلمين فنجحوا في الإختبار لكن بقيت نفوسهم حائرة.(1/373)
وردت في ثلاث آيات: الأولى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)) والثانية (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149)) والثالثة (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)). هذا التكرار هي في كل مرة جاءت لغاية: في المرة الأولى جاءت إستجابة لتقليب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجهه في السماء كأنه يدعو الله تعالى بلسان الحال لا بلسان المقال كأنه يدعو ربه عز وجل (قد نرى) قد قلنا أنها للتحقيق وإن دخلت على الفعل المضارع والفاعل قادر على إنجاز الفعل. هذا كان في بيان الإستجابة لدعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بلسان الحال لا بلسان المقال.
الآية الثانية بيّنت أن تولي الوجه هذا هو الحق من الله تعالى. هو حقٌ فلبيان كونه حقاً حتى لا يبقى شك في نفوس المسلمين من هذا التولي قال (وإنه للحق من ربك) ولاحظ التأكيدات (إن واللام) حتى يطمئن المسلمون إلى هذا الحقّ.(1/374)
في الآية الثالثة جاءت للتهوين من شأن ثرثرة الآخرين من غير المسلمين أنه سيثرثر الآخرون ويقولون (ما ولاهم عن قبلتهم) (لئلا يكون للناس عليكم حجة) الذين سيثرثرون في الإحتجاج عليكم هؤلاء ظالمون فلا تلقوا لهم بالاً ومن هنا تأكيد التوجه إلى البيت الحرام بهذه الآيات الثلاث وكل واحدة لها معنى
*(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (149) البقرة) عطف هذه الآية حكماً على حكم قبله حيث بدأت الآيتان بقوله تعالى (ومن حيث خرجت فول وجهك) أوليست الآية الثانية تغني عن الآية الأولى؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
في هذا تنبيه إلى كل مؤمن أن استقبال الكعبة في الصلاة لا تهاون فيه ولو في حالة العذر كالسفر لأن السفر مظنّة المشقة للإهتداء لجهة الطعبة فربما توهّم شخص ما أن الاستقبال يسقط عنه.
آية (150):
*(وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ (150) البقرة) لِمَ قال (لئلا يكون للناس) ولم يقل لئلا يكون للمشركين؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
ذكر تعالى الناس معرّفة بـ (أل) وذلك حتى تستغرق هذه الكلمة الناس جميعاً مهما اختلفت مللهم ولم يقتصر على ذكر المشركين الذين اعترضوا في ذلك الوقت على تحوّل القِبلة وشككوا في النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب ذلك وكأن هذه الكلمة (للناس) قد دلّت على أن استقبال القبلة سيدحضها أي دعوة يزعمها إنسان في عصر من العصور أن هذا الدين مقتبس من اي دين قد سبقه فالتوجه إلى الكعبة المشرفة مبطلٌ لمزاعم الناس المشككين كلهم في كل زمان وكل مكان.
* متى تثبت الياء ومتى تحذف كما في قوله (واخشوني، واخشون)؟( د.فاضل السامرائى)(1/375)
هذا التعبير له نظائر في القرآن (اتّبعني، إتبعنِ، كيدوني، كيدونِ، أخّرتني، أخرتنِ). أما إخشوني واخشونِ فوردت الأولى في سورة البقرة والثانية وردت في المائدة. عندما تحذّر أحدهم التحذير يكون بحسب الفِعلة قد تكون فِعلة شديدة. مثلاً لو أحدهم اغتاب آخر تقول له إتقِ ربك وقد يريد أن يقتل شخصاً فتقول له إتقي الله، فالتحذير يختلف بحسب الفعل إذا كان الفعل كبيراً يكون التحذير أشد. فعندما يُطهِر الياء يكون التحذير أشد في جميع القرآن عندما يُظهِر الياء يكون الأمر أكبر.
عندنا (إخشوني) إذن التحذير أكبر. ننظر السياق في الآية التي فيها الياء (واخشوني) (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) البقرة) هذه في تبديل القِبلة فجاءت إخشوني بالياء لأنه صار كلام كثير ولغط وإرجاف بين اليهود والمنافقين حتى ارتد بعض المسلمين، هذا تبديل للقِبلة (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) البقرة) هي أمر كبير لذا قال (واخشوني).(1/376)
الآية الأخرى في سورة المائدة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ.(3)) هذا يأس وذاك إرجاف. هذا الموقف ليس مثل ذاك، هؤلاء يائسين فصار التحذير أقل. وفي الآية الثانية (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)) ليس فيها محاربة ولا مقابلة فقال (واخشونِ) بدون ياء. إذن المواطن التي فيها شدة وتحذير شديد أظهر الياء. والحذف في قواعد النحو يجوز والعرب تتخفف من الياء لكن الله سبحانه وتعالى قرنها بأشياء فنية.
آية (151):
*(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {129} البقرة) - (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ {151} البقرة) لماذا مرة رأساً بعد الكتاب تزكية وثانياً بعد الكتاب والتعليم والعلم تأتي التزكية وهذه في غاية الوجاهة ما الفرق؟(د.أحمد الكبيسى)(1/377)
جميع الأمم يأتيها النبي هذا جاء بالكتاب وهو العقيدة ثم علمهم من هذا الكتاب الصلاة والصوم والحج يحجون إلى بيت المقدس الخ يعني علمهم أمور دينهم وطبقوها وتعلموا عليها وبعد ذلك تزكو نفوسهم وتزكو أعمالهم وحركاتهم في المجتمع. إذاً أنت بعد أن تكون لك عقيدة سليمة توحيديه وعمل صالح إيماني تصل إلى التزكية هذا في كل الأمم التي أرسل الله لهم نبياًً (بعثنا فيكم رسولاً يتلوا عليكم آياتنا ويعلمكم الكتاب) أول آياتنا يعلمكم الكتاب والحكمة ثم تتزكون وفعلاً الصالحون من اليهود والنصارى وغيرهم من أصحاب الديانات جاءت عقيدة التوحيد وحدوا الله، جاءهم العمل عملوا ثم مع مرور الأيام صاروا زاكين. التزكية غير، فالتزكية من الوساخة والطهارة من النجاسة أقول أنا طهرت ثوبي من النجاسة وزكيت ثوبي من الوساخة يعني وضعت فيه رائحة وعطرته جميل الخ. فرب العالمين يقول كل الأمم لا تزكو إلا بعد مرحلتين العقيدة التوحيدية والعمل الإيماني إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم بمجرد أن يقول العبد من عباد الله لا إله إلا الله محمد رسول الله فقط بهذه العبارة إذا كان مصدقاً بها قلبه يزكو، تخيل الآن واحد أو واحدة من الغرب ليس مسلماً وهو يعيش حياة الغرب اليوم كما تعرفون ، ما أن يقول لا إله إلا الله محمداً رسول الله بهذه الشهادة انقلب بالمائة مائة صار زاكياً، التي لم تكن محجبة تحجبت والذي كان يعيش مع واحدة من دون عقد راح وتزوج والذي تزوج صار عنده أولاد وصار عنده أعمام وأخوال وعم وعمة وجد وجدة وانتسب إلى هذه الأمة أصبحت النجاسة في ثوبه خمر ما خمر مستحيل لا يصلي إلا على طاهر ولا يصوم إلا على طاهر إذا كان له علاقة محرمة انتهت إذا كان يأكل الربا انتهت وعدد من هذه الفضائل التي في هذه الأمة كل فضائلها وهي التزكية أن الأمة زاكية عن الخمر عن الغيبة عن النميمة تحب الجار تحب الضيف تصل الرحم كل هذا عبارة عن تزكية بمجرد لا إله إلا الله هكذا.(1/378)
آية (153):
* انظر آية (45).???
*لماذا يأتي الخطاب في الحديث عن الصلاة والزكاة في القرآن للمؤمنين أما في الحج فيكون الخطاب للناس؟ (د.فاضل السامرائى)
الصلاة والزكاة كان مأمور بهما من تقدّم من أهل الديانات كما جاء في قوله تعالى عن اسماعيل - عليه السلام - (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) مريم) وفي قوله تعالى عن عيسى - عليه السلام - (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) مريم) وفي الحديث عن بني إسرائيل (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) البقرة). أما الحج فهو عبادة خاصة للمسلمين وعندما يكون الخطاب دعوة للناس إلى الحج فكأنها هي دعوة لدخول الناس في الإسلام. أما إذا كانت دعوة الناس للصلاة والزكاة فهم أصلاً يفعلونها في عباداتهم.
آية (155):
* قال تعالى في سورة البقرة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)) هل لهذا الترتيب وجه بلاغي؟(د.حسام النعيمى)
في سورة البقرة قدّم (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)) السبب في هذا أن الآية تتكلم عن قتل وقتال فالخوف وقدم على الجوع، هناك معركة وكلما كان الكلام على قتال وقتل لا يفكر الإنسان بالجوع وإنما يفكر في ذهاب النفس فقدّم الخوف.(1/379)
لما تكلم عن القتال قدّم الخوف ولما تكلم عن الرزق وعلى التجارة والتجارة رزق أيضاً قدّم الجوع. والباقي مناسب (ونقص من الأموال والثمرات) أيضاً قدّم الأموال.قال: (نقص من الأموال) بمعنى قلّصها ولو يقل( نقص في الأموال)لأن نقص فيها تعني في داخلها أصابها شيء أما نقص من الأموال يعني ذهب منها شيء. ولاحظ أيضاً تقديم الأموال في الآية لأنه دائماً تتقدم الأموال إلا عندما تتعامل مع الله تعالى فقدّم الأسمى (الأنفس).
*(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ (155) البقرة)ما دلالة كلمة شىء؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لاحظ كيف جاء الله تعالى بكلمة (بشيء) فقال (بشيء من الخوف والجوع) ولم يقل لنبلونكم بالخوف والجوع وفي ذلك لفتتان جميلتان: الأولى أنه ذكر كلمة شيء قبل الخوف فيه تخفيف من وقع هذا الخبر المؤلم للنفس فلا أحد يرغب أن يكون خائفاً أو جائعاً فخفف الله تبارك وتعالى عنا هذا الخبر أن الابتلاء يكون بشيء من الخوف والجوع وليس بالخوف كله أو بالجوع كله. والثانية إشارة إلى الفرق بين الابتلاء الواقع على هذه الأمة المرحومة وبين ما وقع من ابتلاء على الأمم السابقة فقد سلّط الله تعالى الخوف والجوع على أمم قبلنا كما أخبرنا في قوله تعالى (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) النحل) ولذا جاء هنا بكلمة (بشيء) وجاء هنالك بما يدل على الملابسة والتمكن وهو أنه استعار لها اللباس اللازم مما يدل على تمكن هذا الابتلاء فيها وعِظَم وقعه عليها وقد خُفِّف عنا والحمد لله.
((1/380)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) البقرة) انظر في لطائف القرآن كيف أسند البلوى لله سبحانه وتعالى دون واسطة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) وأسند البشارة بالخير الآتي من قِبَل الله تعالى إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) تكريماً لشأنه وزيادة في تعلّق المؤمنين به - صلى الله عليه وسلم - بحيث تحصل خيراتهم بواسطته دون أن يصيبهم أي مكروه بسببه - صلى الله عليه وسلم - .
آية (156):
* ما أصل كلمة مصيبة؟وكيف تكون المصيبة خيراً (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ (79) النساء)؟(د.حسام النعيمى)(1/381)
قال تعالى(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) البقرة المصيبة مشتقة من جذر (ص و ب) ومنه صارت أصاب (أفعل) يصيب وهذه النازلة مصيبة. و لها معاني متعددة كلها تدور حول معنى الإنزال ومنه الصيّب الذي هو المطر وفيه معنى النزول. الشيء الذي ينزل على الإنسان قد يكون خيراً أو شراً، مثل المطر قد يكون نافعاً أوضاراً. لكن كلمة مصيبة صار لها خصوصية والعربي صار لا يستعملها إلا في السوء. مصيبة (مُفعِلة) من أصاب مثل كلمة نازلة يعني القضية التي نزلت عليها. والمصيبة صارت مخصصة لما يسيء الإنسان. ما يصيبه من مصيبة في ظاهر الأمر يراه سوءاً له وفي الحديث " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير" وفي حديث البخاري "من يُرد الله به خيراً يُصِب منه" أي يمتحنه فيصبّره فيصبر فترتفع درجته. ففي كل الأحوال له خيراً فإذا أصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. نحن لله سبحانه وتعالى. المصيبة هنا بمعنى ما تراه ضرراً. القرآن الكريم جاء على أساليب العرب أو إذا عكسنا الأمر إن أساليب العرب إرتقت شيئاً فشيئاً إلى أن جاءت إلى لغة القرآن الكريم.
*هل هناك لمسة بيانية في طريقة إستعمال القرآن نفس الفعل مع الحسنة والسيئة (تصبك) لكن في كلمة مصيبة حدد الدلالة الخاصة بها مع الشيء السيء ؟(د.حسام النعيمى)
القرآن على لغة العرب والعرب كانوا يستعملون المصيبة وأصل الإستعمال في المصيبة هي الرمية الصائبة للسهم، الرجل إذا إجتهد فأصاب فهو مصيب والمرأة يقال أصابت حتى نتجنب القول أنها مصيبة ولو كان هذا يجوز من حيث اللغة،إذن الإصابة يمكن أن تستعمل للحسنة ما أصابك أي ما نالك ونزل بك، هذا في لغة العرب والمصيبة مخصصة.
*كيف نسب الحسنة إلى الله والمصيبة إلى نفسك؟(د.حسام النعيمى)(1/382)
مردّ الأمور جميعاً هي إلى الله سبحانه وتعالى. وأنت تقدم أسباب الوصول إلى الحسنة ويقدم الإنسان أسباب الوصول إلى السيئة ولا يكون وصوله إلى الحسنةأو السيئة إلا بأمر الله سبحانه وتعالى. قال تعالى (وهديناه النجدين) الله لا يُسأل عما يفعل في ملكه، والكون كله ملك الله سبحانه وتعالى ولذلك (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون) فهو قادر على أن يهدي الجميع وقادر على أن يضل الجميع. حينما يجعلك تختار طريقك هو شاء لك أن تختار أو أنت صارت لك مشيئة من ذاتك؟ الله يشاء (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) لا تكون لك مشيئة وإلا يكون كالملائكة أو الشياطين، الشياطين لا مجال للهداية فيهم والملائكة لا مجال للضلالة لهم وشاء الله عز وجل لهذا الإنسان أن ينظر في الطريقين وفق ما يبيّنه الله سبحانه وتعالى من لطفه وكرمه وإلا المفروض أن العقل يوصله، مع ذلك أرسل الرسل ومعهم الكتب وبيّن طريق الهداية وطريق الضلال. فإذن الإنسان فيما يسلك طريقاً هو في الأصل في خانة مشيئة الله سبحانه وتعالى التي جعلت لك المشيئة أن تختار.
((1/383)
ما أصابك من حسنة فمن الله) لأنك أنت سعيت وقدّمت لكن أنت ما كنت تستطيع أن تصل للحسنة حتى يرضاها الله تعالى فذكر تعالى الأصل لأنه مرتبط بالحسنة. أنت سعيت نحو الحسنة وشاء الله سبحانه وتعالى أن تفعلها قدّمت وشاء لك ففعلت، الحسنة تُنسب إلى الله تعالى. والسيئة أيضاً سعيت وشاء الله تعالى لك أن تصل ولو أراد الله ما وصلت لكن يبقى منحصراً بك لأنك سعيت وكما قال الجن (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) الخير معقود لله تعالى دائماً على أننا نؤمن بالقدر خيره وشره من الله سبحانه وتعالى فنسبت الحسنة إلى الله تعالى وحصرت السيئة بنفسك مع أن نفسك سعت في الحسنة وسعت في السيئة وفي الحالين كانت بالمشيئة وهو تعليم للمسلم كيف يتأدب مع الله سبحانه وتعالى وأن ينسب الخير لله وأن ينسب السوء لنفسه ولذلك نجد علماءنا يقولون عندما يكتبون: هذا ما وصل إليه إجتهادي فإن كان خيراً فمن الله تعالى وإن كان شراً فمن نفسي ومن الشيطان وهذا من الأدب مع الله سبحانه وتعالى.
*ما الفرق بين النفى ب(لا) و(ما)ولمَ جاء النفى ب(لا)فى قوله تعالى(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) ؟(د.فاضل السامرائى)
((1/384)
لا) النافية للجنس إجابة على سؤال وما من رجل رد على قول إن في الدار رجلاً. لا رجلَ إعلام لسائل وإخبار عن شيء لا يعلمه أو جواب عن سؤال، أما ما من رجل فهو رد على قول. مثال (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ (73) المائدة) (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ (13) الأحزاب) هذه رد، (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ (78) آل عمران) (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ (56) التوبة) هذا رد. بينما (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) هذا تعليم وليس رداً على قول، (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) هذا أمر، فى قوله تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) محمد) هذا إخبار. الفرق الثاني أنه بـ (ما) هذه و(من) نستطيع نفي الجنس بـ(ما متصلة ومنفصلة)، بمعنى أني لا أستطيع أن أنفي بـ (لا النافية) إذا كان منفصلاً، لا أستطيع أن أقول لا في الدار رجل، يمكن أن أقول لا في الدار رجلٌ لا يمكن أن ننفي الجنس هنا وتكون (لا) هنا مهملة (لَا فِيهَا غَوْلٌ (47) الصافات). أما (ما) فيمكن أن تكون متصلة أو منفصلة (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ (100) الشعراء) (مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (59) الأعراف) لا يمكن أن نقول لا لكم من إله غيره. فإذن (ما) تكون أوسع في نفي الجنس. إذن هنالك أمران أن (لا) جواب عن سؤال وإخبار وإعلام و(ما) رد على قول و (ما) هي أوسع استعمالاً لنفي الجنس من (لا).(1/385)
إذن هنالك لا النافية للجنس و (ما من) ما تُعرب نافية لأن الجنس يأتي من (من) ولا يأتي من (ما) والتركيب (ما من) نافية للجنس، (من) تسمى من الاستغراقية ونعربها زائدة لكن معناها استغراق نفي الجنس.
آية (158):
* ما هو تفسير قوله تعالى في سورة البقرة (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)) ؟(د.حسام النعيمى)
هنا ننظر في قوله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) البقرة) الصفا والمروة من شعائر الله فهل معنى الآية أنه يمكن أن يفعلوها ويمكن أن لا يفعلوها؟ كلا، بل كانوا يريدون أن يتركوها لأنهم كانوا يحسون أنها من أعمال الجاهلية.
*ما الفرق بين لا جناح عليكم وليس علكم جناح؟(د.فاضل السامرائى)
(لا جناح عليكم) جملة إسمية، (لا) النافية للجنس وجناح إسمها، وإسمها وخبرها جار ومجرور (عليكم). ليس عليكم جناح جملة فعلية (ليس فعل ماضي ناقص من أخوات كان) وقاعدة عامة الجملة الإسمية أقوى من الفعلية لأنها دالة على الثبوت الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد والوصف بالإسم أقوى وأدوم من الوصف بالفعل. إذن لا جناح عليك أقوى بالإضافة إلى أن لا جناح عليكم مؤكدة. (لا رجل) فيها توكيد وجملة إسمية فستكون أقوى. (لا) أقوى في النفي من (ليس) والنفي درجات. اللغة العربية سهلة ولكنها واسعة تعبر عن أمور كثيرة لا يمكن للغات أخرى أن تعبر عنها (كيف تعبر بالانجليزية بين لن يذهب ولم يذهب ولما يذهب وليس يذهب، لا رجل حاضراً، ليس رجل حاضراً، ما رجل حاضراً) أدوات النفي لها دلالاتها.(1/386)
لا جناح عليه:
تستعمل فيما يتعلق بالعبادات وتنظيم الأسرة وشؤونها والحقوق والواجبات الزوجية والأمور المهمة:
(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا (158) هذه عبادة، ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ (229)، (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ (230)، (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ (233) ، (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (234) ، (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ (235) ، (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً (236) (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ (240)) هذه الآيات كلها في الحقوق وفي شؤون الأسرة.
ليس عليكم جناح:(1/387)
تستعمل فيما دون ذلك من أمور المعيشة اليومية كالبيع والشراء والتجارة وغيرها مما هو دون العبادات في الأهمية. بينما (لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِن رَبِّكُمْ ) هذه في التجارة ليست فى العبادة. حتى لو الدلالة واحدة وهي النفي لا بد أن يغاير بين الأدوات الموجودة العربي كان يفهم هذا الكلام وأكثر من هذا وكانوا يتكلمون بها لكنهم لا يضعوها في مكانها في كلامهم يأتوا بجمل لكن لا يمكن أن يرتبوا كلاماً بمستوى القرآن لذلك هم قالوا أي كلام بمقدار أقصر سورة في القرآن (الكوثر) هو مُعجِز لأنه كيف يجمع كل هذه الأمور وهذا الحشد البياني الهائل في هذا؟! ذكرنا سابقاً أنني أذكر أستاذاً في الأدب العربي في جامعة بغداد سأل لماذا القرآن كلام معجز مع أن العرب فهموه وهو كلامهم؟ أستاذ آخر يُدرِّس اللغة قال ألا يفهم أستاذ الأدب كلام المتنبي ويشرح مفرداته للطلاب؟ فلماذا لم يفعل مثله؟
* لم عبّر السياق بكلمة (يطوّف) بالتشديد ولم يقل يطوف؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
في ذلك دليل على مزيد اعتناء بهذه الشعيرة من شعائر الحج وحثٌ على الازدياد من السعي بين الصفا والمروة والازدياد من هذا الخير كلٌ بقدر طاقته واستطاعته.
* ما الفرق بين الفاء والواو في بعض آيات القرآن العاطفة (البقرة: 262، 274، 152،184)؟( د.فاضل السامرائى)
الفاء كما هو معلوم للتعقيب مع السبب، التعقيب أي يأتي بعدها مباشرة، في عقب الشيء. أما الواو فهي لمطلق الجمع ولا يدل على ترتيب أو تعقيب . الفاء تفيد التعقيب وتأتي للسبب، سببية درس فنجح، الواو ليس فيها سبب. هذه أحد الأسباب درس فنجح.(1/388)
قال تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) البقرة) (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) البقرة) لماذا قال في الأولى ومن تطوع خيراً وفي الثانية فمن تطوع؟. الأولى في الحج والعمرة ومن تطوع خيراً أي من جاء بعبادة أخرى بطواف، بحج ، بعمرة، بعبادة أخرى وليس نفس العبادة. في الآية الثانية في الصيام قال (فمن تطوع) كيف يتطوع؟ يزيد في الفدية في نفس المسألة وفي نفس الطاعة ليست طاعة مستحدثة لأن هذه فدية. كيف يتطوع أكثر؟ مكان مسكين مسكينان. تلك عبادة أخرى مستحدثة أما هذه فنفس العبادة لذا جاءت واحدة بالواو والثانية بالفاء.(1/389)
الآية الأخرى (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (262) البقرة) (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (274) البقرة) لماذا جاء بالفاء في الثانية دون الأولى؟ الفاء واقعة في جواب إسم الموصول وهنا الإسم الموصول مشبّه بالشرط وإسم الموصول أحياناً يشبّه بالشرط بضوابط فتقترن الفاء في جوابه كما تقترن بجواب الشرط وكل واحدة لها معنى. مثال: الذي يدخل الدار له مكافأة والذي يدخل الدار فله مكافأة. الأولى فيها احتمالان إما أنه له مكافأة بسبب دخوله الدار كأن الدار مقفلة وهو يفتحها أي أن المكافأة مترتبة على دخول الدار وإما أن يكون للشخص الذي يدخل الدار له مكافأة بسبب آخر. إذن فيها احتمالان عندما لا تذكر الفاء. إذا ذكرت الفاء فلا بد أن المكافأة مترتبة على الدخول قطعاً وليس لأي سبب آخر وهذا تشبيه بالشرط أي أن المكافأة شرط الدخول في الدار.(1/390)
أيضاً هناك ملاحظة أنه في تشبيه الموصول بالشرط أحياناً يكون الغرض من ذكر الفاء هو التوكيد أي أن ما يُذكر فيه الفاء آكد مما لم يذكر كقوله تعالى (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) بدون فاء والثانية (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) زاد بالليل والنهار وسراً وعلانية أيها آكد؟ التي فيها الفاء، الآية الأولى قال فقط (ينفقون أموالهم في سبيل الله) أما الثانية فقال (بالليل والنهار سراً وعلانية) حدد أكثر. في جواب اسم الموصول احتمالين تشبيه جواب الموصول بالشرط إما أن يكون السبب بمعنى أداة الشرط وإما لزيادة التوكيد.
آية (159):
*ما الفرق بين قوله تعالى في سورة البقرة (أولئك يلعنهم الله) و (أولئك عليهم لعنة الله)؟( د.فاضل السامرائى)(1/391)
يلعن فعل والفعل يدل على الحدوث والتجدد أما اللعنة فهي إسم والإسم يدل على الثبوت. في الآية الأولى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159}) اللعنة تستمر ما داموا يكتمون ما أنزل الله وهو ما زالوا أحياء، وهؤلاء المذكورين في الآية تكونوا ملعونين ما داموا لم يتوبوا وكتموا ما أنزل الله أما إذا تابوا عما فعلوا يغفر الله لهم ولهذا جاء بالصيغة الفعلية (يلعنهم الله). أما الآية الثانية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {161}) فالمذكورين في الآية هم الذين كفروا وماتوا أي هم أموات واقد حلّت عليهم اللعنة فعلاً وانتهى الأمر ولا مجال لأن يتوبوا بعدما ماتوا ولهذا جاء بالصيغة الإسمية في (عليهم اللعنة) لأنها ثابتة ولن تتغير لأنهم ماتوا على الكفر.
*(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) البقرة) - (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) البقرة) لماذا هناك توبة؟هذا كتم وهذا كتم فما الفرق بينهما؟(د.أحمد الكبيسى)(1/392)
الفرق ما يلي: هناك من كتب ثم تاب كتب لأمر ما إما خوفاً أو ضلالاً أو عبثاً فتاب عليه فقال (ما أنزلنا) للتحبب هذا الهدى بعثناه لكم وأنت عبد من عبادنا كيف تفعل هذا؟ فيه تحبيب للتوبة الله تعالى يسرها له بهذا الأسلوب الرقيق (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى) إلا الذين تابوا، يقال أن الإمام أحمد بن حنبل وكان في مجلسه في بغداد وقف عليه رجل على فرس فسأله سؤالاً فأجابه وفي الليل راجع الإمام أحمد نفسه فوجد أنه أخطأ في الفتوى فسأل عن الرجل قالوا هذا من أهل البصرة فركب الإمام أحمد على جواده فذهب للبصرة ووجد الرجل فأخبره بالجواب وما نزل عن حصانه وعاد ولهذا الصحابة الكرام كانوا يتدافعون ثلاثاً الفُتيا والوديعة والإمامة لا أحد يفتي لأن الإثم على من أفتاه المفتي هو الذي يأخذ على عاتقه الفتيا وكذلك الوديعة والإمامة. حينئذ الذي يتوب يتوب وكلنا أخطأنا في يوم من الأيام وتسرعنا في فتوى فنعترف بالخطأ وآخر يستحي فلا يعترف لكن يستغفر رب العالمين. الثانية (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ) هنا قال الله وهناك أنزلنا فيها رقة وأمان والله يعلم أن هؤلاء قاموا بهذا عن حمق لكن الآخر لا، يكتمون عن استراتيجية وفلسفة في الإضلال والتكفير وكما قلنا في الحلقة الماضية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ (90) آل عمران) هؤلاء ليس لهم توبة لكن إن الذين كفروا ثم تابوا هؤلاء لهم توبة. واحد مثل لينين وستالين جعل نصف الكون ملحدين هؤلاء ضلوا وأضلوا غيرهم والتلريخ مليء.(1/393)
جميع الفرق الملحدة الآن جاء واحد وضحك عليهم وجعلها تلحد أخرجها من دينها وجعلها طائفة ملحدة مشركة ما لها علاقة بالإسلام وليس بينها وبين الإسلام إلا كالذي بين إبليس والملائكة، يقولون عن كل ما في الإسلام خطأ القرآن ليس صحيحاً والنبي كذاب هؤلاء ليسوا مسلمين واحد أضلهم هؤلاء لن تقبل توبتهم لأنه كفر وازداد كفراً أي كفّر غيره. هنا نفس الشيء رب العالمين واحد أفتى بين جماعة ثم استحى أن يتراجع لكنه استغفر وتاب وندم إلى حد ما يغفر الله له لكن الرجل الجاهل تعلم آيتين فصار شيخاً يفتي ويكفّر الناس والبعض يتصل بي بالهاتف يقولون فلان وفلان يقولون المسلمون مغيّبون عن التوحيد يتهم المسلمين جميعاً بالكفر وهو وحده الموحد! الله تعالى يقول (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم (17) الحجرات). رب العالمين يقول (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى) أتوب عليهم لكن هذا مصرّ وجعل فرقة وحزب وما أكثرها في كل الأديان يخرج الناس ويدعي أنه هو الصواب وكلهم على خطأ. هذا الفرق بين الآيتين.
استطراد: في التاريخ الإسلامي وغير الإسلامي وجدنا أن هذه الفرق التي انفصلت من الأمة الإسلامية إنما كانت من هذا الباب.
بالتأكيد وإلا لوفقها الله للعودة (قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم) المنّة هي النعمة التي لا يهبها إلا الله عز وجل من أجل هذا إذا تعلقت بالله وأنت على خطأ سيوصلك إلى الهداية قطعاً.
*ما الفرق بين (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} البقرة) – (لَعَنَهُمُ اللَّهُ (52) النساء) - (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ {87} آل عمران) - (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {25} الرعد) -(وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {78} ص) ؟(د.أحمد الكبيسى)(1/394)
في الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159}البقرة) اللعنة هذه كما تعرفون اللعنة هي الطرد فلان ملعون لعناه الخ كل كلمة لعن ويلعن يعني طردته من حضرتك أنت ملك فصلت وزيراً يقال لعنه طردته من رحمتك من عطفك من ثقتك طرد، هكذا معنى اللعن.(1/395)
في القرآن مرة قال (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) فعل مضارع ومرة قال (لَعَنَهُمُ اللَّهُ (52) النساء) فعل ماضي ومرة قال (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ {87}آل عمران) تعبير آخر ومرة قال (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {25} الرعد) تعبير رابع ومرة قال (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {78} ص) مرة واحدة مرة واحدة قالها لإبليس لما رفض أن يسجد طرده ولعنه (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) هكذا، من أجل هذا عليك أن تعرف أن كل تعبير من هذه التعابير تعني أسلوباً في اللعن واللعن هذا أخطر ما يمكن أن يصادفه المخلوق سواء كان إنساً أو جناً أو ملكاً أو بشراً حتى الحيوان إذا لعنت نعجة لا تؤكل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا لعنت بعيراً لا يُركب إذا لعنت سيارة لا تُركب وإذا لعنت إنساناً فإذا كان يستحق اللعن لأنه ارتكب شيئاً يستحق عليه اللعن مما جاء في الكتاب والسنة خلاص هو ملعون وإذا كان لم يكن يستحق اللعنة تدور اللعنة في السموات والأرض فلا تجد أحد تصيبه فتعود إلى من لعن ولهذا (ليس المؤمن لعّاناً) المؤمن لا يلعن لأنها مصيبة إذا لعنت أحداً أو شيئاً أي شيء وكان لا يستحق اللعن عادت اللعنة إليك إذا لعنت حيواناً لم يؤذيك وسيارة ماشية لماذا لعنتها؟ ترجع عليك اللعنة وعندما تقع عليك اللعنة لا بركة ولا توفيق ونحن نقول هذه أرض ملعونة سيدنا علي وصل إلى بابل وكان وقت العصر سأل نحن أين الآن قالوا في بابل قال أعوذ بالله إنها أرضٌ ملعونة فانطلقوا ولم يصلوا العصر حتى يهربوا من هذا المكان الملعون ونفس الشيء أيضاً في ديار قوم لوط أرض ملعونة إذا مر بها شخص بسرعة يهرب لأنها أرض ملعونة إذا مر بها واحد بسرعة يهرب لأنها أرض ملعونة وطبعاً الذي يدخل عليها يكون مطأطأ ومغطي رأسه لكي لا تصيبه اللعنة.(1/396)
فاللعن هذا قضية من اللامعقول ترى الشيء بيت ملعون ما فيه توفيق وغير مريح، سيارة كل يوم متعطلة رغم أنها جديدة، زوجة نعوذ بالله مشاكسة أي شيء إذا أصابته اللعنة أي طرد من رحمة الله لأمر ما رب العالمين يعلمه ولهذا إياك أن تتدخل في شغل الله عز وجل فقط رب العالمين يلعن. قد يأمرك أنت أن تلعن أما أنت أن تلعن متبرعاً لا، تعود اللعنة إليك وهذه اللعنة هي سر ما قد نعانيه جميعاً من بعض المظاهر والظواهر مما يضايقنا دون معرفة السبب أنا أصلي سنة ورزقي واقف لا يوجد رزق صار لي سنة سيارتي خربانة لا تعمر صار لي سنة عندي ابن مريض لا يشفى الحق لا أدري ما مشكلته بالوظيفة أنا غير موفق الخ عدم التوفيق والشعور بالنكد شعور بالحزن شعور بالهمّ شعور بعدم البهجة هذا نوع من اللعنة فيك شيء فإياك أن تلعن أحداً لا يستحق اللعن. لا ينبغي أن تلعن إلا من لعنه الله ورسوله فإذا اجتهدت في لعن أحد لا يستحق اللعن تلف هذه اللعنة كل السموات والأرض فلا تجد أحداً تصيبه فتعود إليك وإذا عادت اللعنة إليك ابتليت بعدم التوفيق في كل شيء.(1/397)
نعود إلى هذه الصيغ عندما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قال يلعنهم فالقضية مستمرة إذاً، لماذا؟ في كل عصر هناك من يكتم الآيات البينات ويكتم الحق (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) في كل أدوار التاريخ ما من نبي جاء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام جميعاً إلا وابتلي ذلك الدين بواحد مفتي كاهن أو قس أو شيخ أو عالم أو مُلا أو مطوّع يعرف الحق تماماً هذه الآية واضحة وهذا الحديث واضح يلويه يغطيه لكي يصل إلى نتيجة دنيوية سيئة فينحرف بمجموعة. هذه المجموعة تبقى طيلة حياتها وطيلة عمر الدنيا تكيد لذلك الدين ولأهله تمزقه تنخر فيه وهذا في كل الأديان. وما عانت الأديان أكثر مما عانت من هؤلاء الذين ينحرفون عن الرسالة السماوية وما انحرفوا من اختيارهم هناك من أفتاهم، هؤلاء الذين يسمون رجال الدين العلماء الأحبار (إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ{34} التوبة) وهكذا علماء المسلمين وهكذا كل رجال الدين حتى رجال الدين الوثنيين هناك تحريفيون ولو أن ذاك التحريف فاضل. إذاً هذا الكتمان وهذا الانحراف موجود في التاريخ قال يلعنهم فعل مضارع والمضارع في الحال والمستقبل (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) حينئذٍ هذا الفعل المضارع كلما وجدته على ملعونين إعلم أن هذه القضية مستمرة ما انقطعت.(1/398)
إذا قال (لَعَنَهُمُ) شيء راح وانتهى ناس ارتدوا كفروا (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) حينئذٍ شيء يتكرر هكذا لعنهم. وحينئذٍ كلمة يلعنهم مضارع مستمرة كل من وما يستحق اللعن إذا هو مستمر يقول (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) إذا كان شيء انتهى أو كان في الماضي يقول (لَعَنَهُمُ) إذا كان قضية خطيرة واحد عمل مبدأ انحراف ونشأت عليه جماعة أو طائفة وكل الأديان الموجودة نحن عندنا ناس انسلخوا من الإسلام يعبدون الشيطان وناس تعبد قبراً وناس تعبد نعل النبي وأشكال اقرأ التاريخ سبعين فرقة عند المسيحيين سبعين فرقة وعند اليهود سبعين فرقة وعند المسلمين سبعين فرقة واحد أضلهم واحد! وهذا الواحد يقتل كل من انحرف بفتوى، هو سيدنا عمر سيدنا عثمان سيدنا علي سيدنا الحسين قُتِلوا بفتوى واحد قال هؤلاء مشركين اقتلوهم، تصور! وهؤلاء أنشأوا طائفة وإلى اليوم القتل مستحر في أيامنا نحن في هذا الزمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل) نشأنا أمة واحدة فعلاً عرب مسلمون طيبون توجد مذاهب إسلامية متعايشة عيشاً سلمياً رائعة وهذا من عظمة الإسلام المسألة الواحدة في الإسلام لها أربع خمس حلول حدّان حد أعلى وحد أدنى وأنت حرٌ بينهما (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا{187} البقرة) هذه خمسين في المائة (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا{229} البقرة) هذه بالمائة مائة وأنت حرٌ فيما بينها تأخذ ستين سبعين مقبول جيد جيد جداً أنت حر. إلى أن جاء واحد باعتقاده أن الذي لا يصل إلى المائة مائة فهو كافر واقتلوا اقتلوا وهكذا في زماننا كانت الأمة متجانسة يعني في الأربعينات الثلاثينات التي نحن وعيناها أمة واحدة حيثما ذهبت في العالم مهما كان مذهبك أو اختلافك اختلافات فقهية صحيحة كلها واردة عن رسول الله.(1/399)
النبي صلى الله عليه وسلم طبّق تطبيقات عديدة وكل واحد أخذ له رأي وهذا شيء جميل واتفق عليه المسلمون بأن هذا يجوز وهذا يجوز وهذا يجوز. وعينا على ناس قالوا نحن فقط صح وكلكم أنتم رجعيين يعني يُطلِق على من عداه رجعيون ويقتلهم وقد قتلوا وسحلوا وعلقوا ثلاثين عاماً. نعود إذاً إلى ما كنا نقول إن التعبير بـ (يلعنون) بالفعل المضارع لأمر أو جريمة أو دمٍ سيستمر مدى الدهر كما قلنا (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) طيلة التاريخ كان هناك من يكتم الحق مع وضوحه هنا النقطة (مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ) بيان ظاهر قضية لا تقبل الخطأ. وحينئذٍ هذا الذي يخالف هذا ثم يُضل الناس ويكتم الحق عليهم هذا سوف يستمر وجوده إلى يوم القيامة (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) كما قلنا في زماننا كثير عناوين سياسية تقتل الآخر بحجة أنك رجعي جاءت ثلاثين عاماً بعدهم ثلاثين عاماً جاء من يقتل الآخر بحجة أنك أنت خائن وعميل إلى سنة الألفين ألفين وثلاثة أربعة من الآن فصاعداً هناك من يقتل الآخر لأن الآخر مشرك وكافر وهذا مستمرٍ إلى يوم القيامة.(1/400)
ما أن مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءت هذه الفرقة الخوارج كفّروا كل من عداهم واستحلوا دمائهم بأبشع صورة يعني لا يقتلون قتلاً عادياً لا، قتل مع التمثيل هذا مستمر ولم ينقطع من زمن موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وإلى يوم القيامة (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل حتى يقتل الرجل أخاه وجاره وابن عمه حتى لا يدري القاتل لما قتل ولا المقتول فيما قتل) نسمع الآن أن فلان قتل أخوه فلان قتل أبوه باعتباره مشرك هذا (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) لماذا؟ لأن هذا خالف قضية واضحة (أمرت أن أمر الناس حتى يقول لا إله إلا الله فإذا قالوه عصموا مني دماءهم) وهذا الذي يقتل الآن يصلي خمس أوقات وفي المسجد ويصوم رمضان وهو مسلم ابن مسلم يُذبَح لأنه مشرك حينئذٍ هذا مستمر الله قال (يَلْعَنُهُمُ) فعل مضارع. الشيء الآخر (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {86} أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {87} آل عمران) هذا قضية أصبحت يعني حُكم بها هؤلاء الذين ارتدوا بعد الإسلام بعد أن آمنوا بالله وقالوا محمد رسول الله ثم ارتد وهكذا فعلوا مع سيدنا موسى وهكذا فعلوا مع سيدنا عيسى على هؤلاء جميعاً (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وهذه من باب التهديد يعني هذا التعبير بالإسمين (إن واسمها وخبرها) فيه رائحة تهديد وفعلاً كيف يمكن أن تتعامل مع مرتد والارتداد مستمر منذ أن جاءت الرسل وإلى يوم القيامة.(1/401)
عندنا تعبير آخر (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) هذا أيضاً تعبير جديد يقول (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {25} الرعد) مجموعة ذنوب كبيرة بعضها أكبر من بعض فاجتمعت فقال (لهم) هذه اللام للاختصاص وكأنه لا يلعن أحدٌ كما يلعن هؤلاء فرق بين أن أقول هذه لك وهذه عليك. هذه لك اختصاص (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) كأن اللعن ما خُلِق إلا لهؤلاء ينقضون عهد الله بالتوحيد ويقطعون ما أمر الله به طبعاً بعد ميثاقه فرب العالمين قال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى{172} الأعراف) أخذ علينا العهد (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} الأعراف) هذا نقض عهد الله هذا واحد، (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) يقطع الرحم وقد أمره بها أن توصل ويقطع النعمة ويقطع الخ يعني ما ترك شيئاً رب العالمين يريد أن يصله إلا قطعه (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) قتل وإبادة وتكفير وما إلى ذلك هؤلاء (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ). فرق بين (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ) وبين (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ) وبين (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ (25) الرعد) يعني كأنها ما من أحد يُلعَن كما يلعن هؤلاء.(1/402)
أقوى هذه التعبيرات الرهيبة جاءت مرة واحدة في القرآن كل هذا جاء مرات مرة واحدة في القرآن الكريم رب العالمين لعن بها إبليس لما قال له (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ {77} وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {78} ص) أنا رب العالمين وتعرف رب العالمين إذا اختص وحده باللعنة هناك لعنة الله والملائكة والناس يعني لكن أنت إبليس عليك لعنتي وأنت تعرف وقد لا تعرف ماذا يعني أن أختص أنا وحدي بلعنك (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) هذا الفرق بين عدة التعبيرات لكلمة اللعن.
آية (160):
*ما دلالة استخدام الفعل الماضي والمضارع في الآية ؟( د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة البقرة(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {160} والفعل المضارع يدل على الحال والتجدد والإستقبال والماضي مضى هذا هو الأصل وقد يحتمل معنى المضي والإستقبال فى الأفعال الماضية في الآية (تابوا وأصلحوا وبيّنوا)و تدل على احتمال الإستقبال لأنها جاءت بعد الكتمان (إن الذين يكتمون). أصلاً زمن الفعل الماضي بعد الإسم الموصول يحتمل المضي ويحتمل الإستقبال. وهنالك أمور قطعية وهنالك أمور تبقى مشتركة. أما (كان) فلها أزمنة خاصة بها فهي تفيد الإستمرارية (كان ولا يزال) وتأتي أصلاً للإستقبال كما في وصف الآيات للآخرة (وفتحت السماء فكانت أبوابا) وفي الحديث عن الله تعالى (وكان الله غفوراً رحيما) فهي تدل على كونه غفور رحيم وهذا كونه سبحانه.(1/403)
*(إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) البقرة) قال تعالى (وأنا التواب الرحيم) ولم يقل والله تواب رحيم فما الدلالة التي تضفيها لفظة (وأنا)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
(أنا) من معطيات الأمل والرجاء لمن يلفتهم الله تبارك وتعالى إليه ويتجلى عليهم بذاته ففي هذه الكلمة ما لا نجده في تعبير آخر في هذا المقام. وكم نجد في الواو العاطفة في قوله (وأنا) من قوى الجذب لهؤلاء الضالين الظالمين وكذلك وصف الله سبحانه وتعالى نفسه التواب ولم يقل الغفور في هذه الآية لما في كلمة التواب من المبالغة في الرحمة والتوبة مما يُرغِم الناس بالمبادرة والعودة إلى الله سبحانه وتعالى مهما عظمت ذنوبهم وكثرت خطاياهم وفي هذه الكلمة ما يجذب الناس جذباً إلى التوبة والإنابة طمعاً في توبة الله تبارك وتعالى عليهم ورحمته بضعفهم وزللهم.
آية (161):
*انظر آية (159).???
آية (162):
*انظر آية (86).???
* خالدين فيها وخالدين فيها أبداً، هل (خالدين فيها) فيها أمل الغفران أو الانتقال من مرحلة إلى أخرى؟( د.فاضل السامرائى)(1/404)
هناك قاعدة في القرآن الكريم سواء في أهل الجنة أو في أهل النار، إذا كان المقام مقام تفصيل الجزاء أو في مقام الإحسان في الثواب أو الشدة في العقاب يذكر (أبدا) وإذا كان في مقام الإيجاز لا يذكرها. آيات كثيرة فيها خالدين وحدها وليس في العقيدة أنهم يغفر لهم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ (162) البقرة) مسألة وجود وعدم وجود (أبداً) ليس لها علاقة بالخلود الدائم. (أبداً) ظرف زمان خاص بالمستقبل فقط وليس له دلالة زمنية معينة. نستعمل (قطّ) للماضي و(أبداً) للمستقبل وخطأ أن نقول ما رأيته أبداً وهذا خطأ لغوي شائع. نقول لا أكلمه أبداً وما رأيته قطّ. (أبداً) للمستقبل الذي ليس له نهاية.
يذكر (أبداً) إذا كان هناك تفصيل. هناك أمران: إذا كان هناك تفصيل في الجزاء يقول (أبداً) تكون مناسبة، تفصيل الجزاء سواء في العقاب أو الثواب. (خالدين فيها أبداً) أطول من (خالدين فيها) فيذكرها مع التفصيل. أو كون العمل المذكور يستوجب الشدة فيستخدم (أبداً). (أبداً) لا تحمل معنى التأبيد الدائم أو عدم الخروج لأن الخلود وحده يحمل هذا المعنى. القرآن يستعمل خالدين لأهل الجنة وأهل النار. والخلود لغوياً يعني البقاء وهم يقولون الزمن الطويل أحياناً. وقد وردت خالدين فيها أبداً في أهل الجنة 8 مرات في القرآن الكريم ووردت في أهل النار 3 مرات وهذا من رحمته سبحانه وتعالى لأن رحمته سبقت غضبه. والخلود عند العرب تعني المكث الطويل وليس بالضرورة المكث الأبدي.
آية (164):(1/405)
*قال تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)ما دلالة (تصريف الرياح)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
تأمل كيف قال ربنا سبحانه وتعالى (وتصريف الرياح) فاستخدم كلمة تصريف للدلالة على أحوال الرياح ولم يستخدم كلمة أخرى كالهبوب مثلاً. ذلك لأن هذه الكلمة لا يمكن أن يؤدي معناها أي كلمة أخرى فقد جمعت أحوال الرياح التي يحتاج إليها الإنسان وفي كل حالة من أحوالها آية من آيات وجود الخالق وعظيم قدرته سبحانه. فهبوب الريح مثلاً يحتاج إليه أهل موضع لتخفيف الحرّ عنهم وقد يحتاج أهل موضع آخر إلى إختلاف هبوبها لتجيء رياح رطبة بعد رياح يابسة أو تهب من جهة الساحل مسيّرةً السفن إلى البحر أو تهب إلى جهة الساحل ليرجع أهل السفن من أسفارهم أو صيدهم. فكل تلك الأحوال التي أنعم الله تعالى بها على الناس وغيرها كثير اجتمعت في قوله تعالى (وتصريف الرياح).
* ما الفرق بين كلمة ريح ورياح في القرآن الكريم؟( د.فاضل السامرائى)
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر كما في قوله تعالى في سورة فصّلت (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ {16}) وفي سورة القمر (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ {19(1/406)
أما كلمة الرياح فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات كما في قوله تعالى في سورة البقرة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {164}) وفي سورة الأعراف (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ... ( وسورة الحجر (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ {22})
وفي سورة سبأ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ {12}) استعملت كلمة ريح مع سليمان لكنها لم تُخصص لشيء فجاءت عامة قد تكون للخير أو للشر لأن الله سخّرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء.
*ماتفسير الآية الكريمة وما دلالة وصف السحاب في الآية ؟(د.حسام النعيمى)(1/407)
في سورة البقرة في سياق تعداد نِعم الله سبحانه وتعالى، مجرد تعداد وذكر لهذه النعم وهناك نوع من التناسق في هذه الآيات (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)) آية تذكر جملة أمور مؤكدة بـ (إنّ) ثم بعد ذلك تذكر الخبر (لآيات).عندنا إيمان أن الله تعالى خلق السموات والأرض لأجل الإنسان. (إختلاف الليل والنهار) ليل ونهار يختلف ليس نهاراً سرمداً ولا ليلاً سرمداً، تعاقب الليل والنهار وتنويع لأن الماء إذا سكن في مكانه يفسد. والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعل الإنسان يجعل أجساماً يسكن فيها وتطفو على الماء ليس أمراً سهلاً لكن ألِفناه والوصول إليه هداية من الله تعالى فهي إذن من نعم الله تعالى على الإنسان. وما أنزل الله من السماء من ماء: كل ما يتناوله الإنسان والنبات والحيوان مما مصدره السحاب فهذا الماء في الأرض ماء ملح يرتفع إلى السماء فيطهر فينزل طاهراً. حتى الجبال التي فيها ثلج هي في أصلها من هذا السحاب المرتفع ليس ثلجاً إبتداءً لكنه من هذا الذي يتبخر. وقلنا أن السماء هو العلوّ وكل ما علاك فهو سماء. فأحيا به الأرض بعد موتها: الأرض من غير ماء ميتة. وبث فيها من كل دابة: هذه الدواب التي على الأرض بسبب الماء أيضاً. وتصريف الرياح: السفن تتحرك بالرياح. والسحاب يتحرك بالرياح ولذلك أكّده (والسحاب المسخر) يعني هو مهيأ ومُعدّ لكم. السحاب مجرد مسخّر في وصفه بأنه متراكم ثقيل وإنما الله تعالى سخّره بين السماء والأرض.(1/408)
كل هذا (لآيات لقوم يعقلون) .
كلمة سحاب هي إسم جنس جمعي. لفظ مفرد ولكن معناه معنى جمع وليس له واحد من لفظه. يمكن واحدها قطرة. لكن موجود سحابة. والسحابة هي القطعة من السحاب لكن ليست واحدة من السحاب هي قطعة والقطعة مجزّأة تماماً مثل كلمة ماء. الماء إسم جنس جمعي ليس له واحد من لفظه لكن له قطعة من الماء. إسم جنس يعني لحالة معينة خاصة به السحاب للسحاب والماء للماء لهذا الجنس مثل كلمة رجل جنس لهذا المخلوق. كلمة ماء في العربية هناك ماءة يفرّق بينها وبين واحدة بالتاء، مثل شجر واحده شجرة تزيد على هذا اللفظ تاء يصبح مفرداً، هذا إسم جنس إفرادي يعني له مفردات. الشجر مفرده الشجرة الواحدة فيختلف. كلمة ماءة يعني الواحد من الماء عادة يطلقونها على الماء المتبقي مثل الغدران ولا سيما إذا خصت إحدى القبائل نفسها بها أن هذه لنا أو البئر الركيّة مثلاً فيقولون هذه ماءة لبني فلان.
هذه مناسبة للكلام على أن كلمة ماءة تكتب منفردة الهمزة وتاء مربوطة وليس في الأعداد لفظ مئة وإنما مائة لأن ماءة تعني ماء لبني فلان. أما كتبت الألف من غير أن تُقرأ مثل واو عمرو. مائة وتكسر الميم، ضع في ذهنك دائماً أن ميم هذا الرقم 100 ميمه مكسورة فانظر كيف تقرأه؟ لا يستطيع أن يقرأها ماءة الميم مكسورة فإذن الماءة واحدة الماء الذي هو غدير أو ركيّة أو عين ماء أو بئر أو ما أشبه ذلك. فالسحابة واحد السحاب والسحاب لفظه لفظ مفرد وهذا سنستفيد منه لاحقاً في الكلام على ورود كلمة السحاب.
السحاب يُذكّر ويؤنّث فالعرب تقول هذا السحاب وتقول هذه السحاب، ظهر السحاب وظهرت السحاب. لكن الإحالة عليه بالضمير بالمفرد المذكّر يعني تقول السحاب رأيته ولا تقول السحاب رأيتها. فإذا جمعته على سُحُب تؤنّث تقول السحب رأيتها ولا تقول رأيته للجمع كما تقول الشجر سقيته هذا أيضاً إسم جمع إفرادي، الأشجار سقيتها.(1/409)
*ما الفرق بين (من بعدها( و(بعدها)؟( د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة العنكبوت (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ {63}) وفي القرآن كله وردت (بعدها) بدون (من) كما في سورة البقرة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {164 })، واستعمال (بعدها) فقط يحتمل البعدية القريبة والبعيدة، وآية سورة العنكبوت هي الموطن الوحيد الذي وردت فيه (من بعدها) فهي تدلّ على أنها بعد الموت مباشرة أي تحتمل البعدية القريبة فقط دون البعيدة. وإذا استعرضنا الآيات في سورة العنكبوت قبل الآية نجد أن الإحياء كلن مباشرة بعد موتها وبدون مهلة ومجرّد العقل كان سيهديهم إلى أن الله تعالى هو القادر على إحياء الأرض من بعد موتها.
*ما دلالة الاختلاف بين(فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا{63} العنكبوت) - (أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا (164) البقرة)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/410)
يقول تعالى (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا{63} العنكبوت) ومرة يقول (أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا (164) البقرة) ما الفرق بين (مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) وبين (بَعْدَ مَوْتِهَا)؟ من بعد موتها هذا الموت السنوي صيف شتاء ربيع خريف، ثلثي الكرة الأرضية في الصيف والشتاء تموت ثم يأتي الربيع فتُحيا هذا (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) ابتداءاً من بعد موتها السنوي. (فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) هذا من البداية أول ما خلق الله الأرض خلقها ميتة ثم أحياها قطعة قطعة وهذا الإحياء يعني يدور في الفلك العالمي مرة شرق ومرة آسيا الإمارات والخليج عموماً والمملكة السعودية لأول مرة في التاريخ تصبح خصبة جداً جداً وهذا من علامات الساعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من علاماتها الإيجابية أن الجزيرة تعود خضراء هذه (بَعْدَ مَوْتِهَا). فحينئذٍ كل ما رأيت (فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) هذا الموت السنوي ورب العالمين سبحانه وتعالى يحييه على ما في تلك الأرض من طيب (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ {58} الأعراف) البلد الطيب الذي فيه ماء وفيه عدل (وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا) كل بلد حتى لو كان فيه خمسين نهر وكله أمطار لا ينبت إذا كان فيه ظلم والعكس صحيح إذا كان فيه عدل ينمو في الزرع الإمارات كانت تربة رملية أصبحت بالكامل تربة زراعية تصدر إلى جميع أنحاء العالم وادي الرافدين أخصب وادي في العالم أصبح قاحلاً لما فيه من ظلم.(1/411)
هكذا هو الفرق بين (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا) هذا الفرق بين (فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) و (مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا).
آية (165):
(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً (165) البقرة)أين جواب الشرط فى الآية؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
تأمل في قوله تعالى (ولو يرى) فإنك لا تجد جواب (لو) فالأصل في هذه الأداة (لو) أن تأخذ فعل شرط وجوابه فتقول مثلاً: لو رزقني الله مالاً لتصدقت بنصفه. فلِمَ حذف جواب (لو) في الآية؟ حذف جواب (لو) في الآية لأن حذفه يوقع أثراً في نفس من وُجِّه إليهم الكلام أكثر مما لو ذكر جواب (لو) كأنه يقال "لرأوا أمراً عظيماً" أو غيره، فقد ترك القرآن الكريم للخيال أن يذهب كل مذهب في تصور شدة الموقف وفظاعته وأنت عندما تهدد إنساناً بقولك: "لئن لم تفعل" ثم تسكت فكلامك يُحدِث أثراً في نفس السامع أكثر مما يُحدِث قولك: "لئن لم تفعل لأضربنّك".
آية (167):
* ما الفرق بين الحسرة والندامة ؟( د.فاضل السامرائى)
الحسرة هي أشد الندم حتى ينقطع الإنسان من أن يفعل شيئاً. والحسير هو المنقطع في القرآن الكريم. ويقولون يكون تبلغ به درجة لا ينتفع به حتى ينقطع. الندم قد يندم على أمر وإن كان فواته ليس بذلك لكن الحسرة هي أشد الندم والتلهف على ما فات وحتى قالوا ينقطع تماماً. يقولون هو كالحسير من الدواب الذي لا منفعة فيه (أدرك إعياء عن تدارك ما فرط منه). الندم له درجات أيضاً ولكن الحسرة أشد الندم، هي من الندم لكن أقوى من الندم يبلغ الندم مبلغاً. (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ (167) البقرة) منقطعة ولا فائدة من الرجوع مرة ثانية.(1/412)
*ليتنا نأتي على كل الآيات نقوم بعمل دراسة في القرآن الكريم على من يذهب والعياذ بالله أعاذنا منها إلى النار ونبحث مدة البقاء فيها، هنالك من يجلس في النار وهنالك من (خالدين فيها أبداً) (خالداً فيها) (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) البقرة) وهناك البعض يقول يقضي ما عليه من السيئات ثم يخرج منها.
د.فاضل السامرائى: إذا كان مسلماً يقضي من السيئات ما يقضي ثم يخرج بعدها (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران) (وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ (40) الأعراف) معاصي مختلفة، هذا الباب الدخول فيه والكلام فيه يحتاج لحذر شديد وربنا تعالى ذكر أن من يقتل نفساً بغير نفس خالداً فيها لكن كثير من الناس قال هذه تغليظ عقوبة القتل.
سؤال: هل هناك دليل في القرآن على هذا؟
هم يقولون بالنسبة للمسلم يستندون للأحاديث " من قال لا إله إلا".
آية (168):
*ما دلالة الاختلاف بين هذه التعبيرات (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) البقرة) - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) البقرة) - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) المائدة)؟(د.أحمد الكبيسى)
((1/413)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) البقرة) الخطاب يا آيها الناس وفي البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) البقرة) وفي المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) المائدة) أولاً لماذا يا أيها الناس ومرة يا أيها الذين آمنوا؟ (يا أيها الناس) يتكلم عن الذين أرادوا من سيدنا موسى عليه السلام كما قلنا في حلقة سابقة أن يطلب لهم طعاماً غير المنّ والسلوى هذا فهمناه (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ (61) البقرة).(1/414)
غير المسلمين من الجاهلية حرموا على أنفسهم بعض المباحات، الله تعالى قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) البقرة) رب العالمين قال لهم (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) المائدة) وبالتالي لماذا تحرم على نفسك؟ أنت لماذا تحرم على نفسك أشياء الله حللها؟ من أجل هذا الخطاب للناس جميعاً (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا) وأنتم تعرفون الآن كل الأديان ماعدا المسلمين بل إن بعض طوائف المسلمين كغيرهم يحرمون الحلال يعني مثلاً ناس حرموا البقر وناس حرموا الجمال البحيرة والسائبة والوصيلة والحام هذه إذا جابت بنت وبنت وبنت حرموها الخ الإسلام أبطل هذا كله. المسيحيين عندهم بعض المحرمات اليهود بعض فرق المسلمين يحرمون أيضاً هناك ناس لا يأكلون أرنب وناس لا يأكلون سمك الجري بسبب خزعبلات يعتقدونها وهذا كله لا يجوز لأن رب العالمين أباحها وقال (لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُم) فرب العالمين يخاطب الأمم غير المسلمة التي حرّمت على نفسها حلالاً لماذا تحرم ما أحل الله لك؟ وما أكثر المحرمات في الأديان السابقة وغير المتدينين من الوثنيين التي حرمت على أصحابها.(1/415)
الله قال هذا كله خطأ قال يا أيها الناس وليس يا أيها الذين آمنوا بل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا) والشيطان عدو مبين هو قال أعلن أعلن هذا علناً يعني أعلن هذا عداء (ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) الأعراف) إياك أن تستمع إليه وتتبع ما أباح الله لكم فقط ما حرم عليكم والذي حرّمه عليكم محدود (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ (3) المائدة) حينئذٍ ما عدا هذا كله مباح (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) وبعدين رب العالمين سبحانه وتعالى قال (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ) كل كلمة طيّب في القرآن الكريم معناها شيء فيه ثلاث عناصر إيجابية مثلاً مساكن طيبة قال (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً (72) التوبة) المسكن الطيب هو المسكن الواسع والآمن وجيرانه محبين وغير مبغضين هذه من السعادة أربع من السعادة الجار المحِب والبيت الواسع والمركب الهانيء عندك حصان أصيل ليس كل لحظة وهو في شأن أو سيارة جديدة لا تخرب وليس من النوع التي كل يوم في التصليح وهكذا البلد الطيب (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ (58) الأعراف) أولاً رزقه فيه ثانياً فيه عدل فلا يوجد الظلم ثلاثة فيه ماء فأحياناً أنت تكون في صحراء ما فيها ماء نهائياً هذا ثلاثة أيضاً عندنا (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ (3) النساء) من هي المرأة الطيبة؟ المرأة الطيبة(1/416)
أولاً عفيفة ثانياً نسيبة يعني فلانة بنت فلان بنت فلان فهي ذات أصل معروف والتي مجهولة الأصل فليست طيبة ولهذا الطيبة الكُلّ يتمناها فهي عفيفة نسيبة ومطيعة لزوجها هذه الثلاث عناصر هذه المرأة من الطيبات (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ (26) النور). والطيب أيضاً العفيف النسيب الذي يحب زوجته ويكرمها ويعطيها ويتجاوز عن هفواتها والله تعالى قال (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (228) البقرة) يعني الدرجة هذه التي يفضل الرجل فيها المرأة عندما يعفو عن هفواتها إذا كانت كل ما غلطت يزعل ويصيح عليها ويضربها أو يطلقها فهو ليس بطيب ولا أحسن منها بل هي أحسن منه. ولهذا المرأة الطيبة للرجل الطيب وحينئذٍ الكلمة الطيبة لا إله إلا الله يا اللهّ هذه لها مائة ألف جانب حسن (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) إبراهيم) انظر كم طيبة هي الشجرة أولاً أصلها ثابت يعني مش أي هواء يطيحها لا فهي عميقة كالنخلة وفرعها في السماء ماهي ميتة تكبر وتؤتي أكلها كل حين دائماً فيها ثمر فهذه شجرة طيبة هكذا لا إله إلا الله (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ (24) الحج) وهو لا إله إلا الله. (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا (43) النساء) وهو ليس كما يقول بعض الفقهاء المساكين يصير أنت تتيمم بالحائط الخ لا فلا يصح أن تتيمم إلا بهذا الصعيد التراب الحر الزراعي الطيب الذي فيه غبرة هذا الذي ينبت الأشجار لماذا؟ ثبت أن هذا الغبار ينقي أكثر من ألف صابون في العالم يعني هذا التراب الصعيد الطيب الذي هو تراب أصلي ليس فيه رمل ولا فيه حصو ولا هو أخضر وإنما يابس وفيه غبار.
آية (170):(1/417)
*ما الفرق بين وجدنا وألفينا (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) لقمان) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) البقرة)؟(د.فاضل السامرائى)(1/418)
نقرأ الآية التي فيها ألفينا والتي فيها وجدنا (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) البقرة) وفي الأخرى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) لقمان) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ (104) المائدة). آية ألفينا وآيتين وجدنا. في القرآن الكريم لم يرد الفعل ألفى إلا فيما هو مشاهد محسوس ولذلك قال بعض النحاة أنه ليس من أفعال القلوب، قسم يدخلوه في أفعال القلوب وقسم يقولون لا ليس من أفعال القلوب وإنما في الأفعال المحسوسة المشاهدة. أفعال القلوب قلبية يستشعر بها. وهي فعلاً في القرآن لم ترد إلا مشاهدة. في هذه الآيات في القرآن (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ (69) الصافات) (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ (25) يوسف) (بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا (170) البقرة). ((1/419)
وجدنا) في القرآن وفي غير القرآن وردت قلبية وغير قلبية ومشاهدة وغير مشاهدة مثلاً (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً (37) آل عمران) (وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا (86) الكهف) (وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ (39) النور) (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ (102) الأعراف) يعني وجدهم يخلفون الميعاد، (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) الأحزاب) (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110) النساء) وجد هي أشمل وتستعمل للأمور القلبية وألفينا للأمور المحسوسة هذا في القرآن أما في غير القرآن ففيها كلام. من حيث اللغة قسم من النحاة يقول هي ليست من أفعال القلوب أصلاً، هذا حكم عند قسم من النحاة. والنحاة في (وجد) هذه لا يختلفون فيها ويقولون هي من أفعال القلوب الأفعال المحسوسة أما (ألفى) فهم مختلفون فيها قسم يقول هي قد تأتي من أفعال القلوب وقسم يقول هي ليست من أفعال القلوب. في القرآن لم ترد في أفعال القلوب وإنما هي محسوسة. ماذا ينبني على هذا؟ التعبير كيف اختلف بالنسبة لهذا الأمر؟ الذي لا يؤمن إلا بما هو مشاهد وحسوس معناه هو أقل علماً ومعرفة وإطلاعاً بمن هو أوسع إدراكاً، أقل، ولذلك عندما يستعمل (ما ألفينا عليها آباءنا) يستعملها في الذم أكثر من (وجدنا)، يعني يستعمل (ألفى) إذا أراد أن يذم آباءهم أشد من الحالة، الذم مختلف وقد تكون حالة أشد من حالة في الحالة الشديدة يستعمل ألفينا، يستعملها أشد في الذم. ((1/420)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) البقرة) نفى عنهم العقل، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ (104) المائدة) نفى عنهم العلم. أيّ الأشد تنفي العقل أو تنفي العلم؟ نفي العقل أشد. فاستعمل ألفى في نفي العقل ونفي العقل يعني نفي العلم. نفى العقل وفي الثانية نفى العلم، العاقل يمكن أن يعلم لكن غير العاقل لا يعلم. وحتى في الآية الأخرى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) لقمان) الشيطان يدعو العاقل أو غير العاقل" يدعو العاقل لأن غير العاقل غير مكلف، يدعوهم معناه هم أصحاب عقل إذن هو يستعمل ألفى إذا أراد أن يذم أشد بنفي العقل ويستعمل وجد لما هو أقل.
سؤال: الجاهليون كانوا يعلمون هذا الكلام ألفى ووجد والفروق الدلالية؟
هم قطعاً يستعملون ألفى في الأمور المادية المحسوسة أكثر ولذلك قال قسم من النحاة أنه ليس من أفعال القلوب.
سؤال: إذن كل كلمة في القرآن تحتاج إلى دراسة وإلى علم غزير وليس إلى وجهة نظر أو انطباع القارئ أو الباحث في القرآن الكريم وهناك علاقات ترابطية ودلالية لا بد أن تحتاج إلى علم وأي علم.
الإجتهاد مبني على علم وأصحاب علوم القرآن يذكرون شروط للذي يتصدى لهذا العلم، لا يأتي أحد ويقول أنا أفسر القرآن الكريم.
آية (171):
*انظر آية (18).???
*(ورتل القرآن ترتيلاً):(1/421)
قال تعالى:(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171) البقرة) انظر في بديع التطبيق القرآني وعظيم بلاغة القرآن وكيف أن آياته تصلح ألفاظها لمعانٍ كثيرة فهذه الآية تحمل صورتين في وصف حال المشركين: صورة المشركين والنبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم للإيمان بالله تعالى فحالتهم كحالة الأغنام التي لا تفقه دليلاً من صوت من يناديها ولا تدرك من كلامه معنى إلا أنها تسمع أصواتاً لا مدلول لها عندها، فالكلام عندها أصوات مجرّدة عن المعاني. والصورة الثانية صورة المشركين وهم يعدون آلهتهم كمن يدعو أغناماً لا تفقه شيئاً ولا تُجيب داعياً.
آية (172):
*انظر آية (168).???
*قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)لِمَ قال ربنا سبحانه وتعالى (واشكروا لله) ولم يقل واشكروني أو واشكروا لي باستخدام الضمير؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
ذكر إسم الله تعالى ظاهراً ذلك أن في الإسم الظاهر إشعار بالألوهية التي قد لا يؤديها الضمير فكأنما يوميء أن الإله الحق هو المستحق للعبادة دون غيره من أوثان ومعبودات باطلة لأنه هو الذي يخلق ويُنعِم فهو وحده سبحانه الذي يستحق الشكر على نعمائه.
*ما دلالة تقديم المفعول به على فعله فى قوله تعالى (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) البقرة) ؟(فاضل السامرائى)(1/422)
هناك تقديم المفعول به على فعله وتقديم الحال على فعله وتقديم الظرف والجار والمجرور على فعلهما وتقديم الخبر على المبتدأ ونحو ذلك. وهذا التقديم في الغالب يفيد الإختصاص فقولك (أنجدت خالداً) يفيد أنك أنجدت خالداً ولا يفيد أنك خصصت خالداً بالنجاة بل يجوز أنك أنجدت غيره أو لم تنجد أحداً معه. فإذا قلت: خالداً أنجدت أفاد ذلك أنك خصصت خالداً بالنجدة وأنك لم تنجد أحداً آخر.
ومثل هذا التقديم في القرآن كثير: فمن ذلك قوله تعالى (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) البقرة) فقدم المفعول به على فعل العبادة في الموضعين وذلك لأن العبادة مختصة بالله تعالى.
آية (173):
*(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ (3) المائدة) وفي آية أخرى (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ (173) البقرة) ما دلالة التقديم والتأخير لـ (به)؟(د.فاضل السامرائى)(1/423)
في البقرة (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ (173) البقرة) وفي المائدة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ (3) المائدة). لو لاحظنا السياق في المائدة الكلام على التحليل والتحريم ومن بيده ذلك، رفض أي جهة تحلل وتحرم غير الله قال تعالى (أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) المائدة) ليس لكم أن تُحِلّوا والذي يُحِلّ هو الله تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ (2) المائدة) الذي يُحِلّ هو ربنا سبحانه وتعالى، (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ (4) المائدة) إذن هو سبحانه يجعل التحليل والتحريم بيده حصراً السياق ليس هنالك أي جهة تقوم بذلك ولذلك قدم (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ (3) المائدة) أُهِلّ يعني رُفِع الصوت بذبحه، أُهِلّ يعني هذا باسم الله والله أكبر، هذا لفلان، هذا لفلان. إذن هنا قدم (لغير الله) لأن ربنا هو الجهة الأولى والأخيرة التي بيدها التحليل والتحريم.(1/424)
أما في البقرة المقام هو فيما رزق الله تعالى عباده من الطيبات وليس فيها تحليل وتحريم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً (168)) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173)) (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) هذا طعام، (كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً) هذا طعام، (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ) هذه الذبيحة، (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ) يعني ما رُفِع الصوت بذبحه فقدم (به) لأن هذا طعام متناسب مع الطعام ومتناسب مع طيبات ما رزقهم. إذن في التحريم قال (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ) قدّم (لغير الله) ولما كان السياق في الأطعمة قدّم الطعام ما أُهل به (ما أهل به) يعني الذبيحة، التقديم (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ) في سورة المائدة الجهة هي التي تُحلل وتُحرم، وفي المائدة قال (وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ (4)) قدّم (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ) لأنه لا يسمح أن يكون غير الله هو الذي يحلل ويحرم، هذا في آية المائدة لأن الكلام في التحليل والتحريم، هو سبحانه هو الذي يحلل ويحرم. هذا الكلام في البقرة في الطعام فقال (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ) (به) يعني البهيمة، بذبحه. لكن مسألة الذبح هنا أو هنا متعلقة بالله تعالى أو بغير الله سبحانه وتعالى لكن التقديم والتأخير هل هي في سياق التحليل والتحريم أو في سياق الطعام.
*ما الفرق بين (أُهِلّ لغير الله به)سورة المائدة و(أهل به لغير الله)سورة البقرة ؟(د.أحمد الكبيسى)(1/425)
عندنا آيات شيء أعجوبة فما من آيتين إلا وفيها سر انظر (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ{173} البقرة) (به) مقدمة، الآية الأخرى (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ {3} المائدة) ولا في واحد يسأل عن الفرق، هناك حيوانات، ذبائح سواء كانت إبل أو غنم أو ما شاكل ذلك وهناك قسم أهل بها لغير الله ومنها أهل لغير الله بها، ليس هذا عبثاً. فرق بين أني أنا رجل مسلم ولكن أنا ذبحت ذبائح وما أحسنت الذبح يعني ما سميت باسم الله ولا ذبحت على القبلة ولا أهديتها لمن ينبغي أن تُهدى لها بالطريقة الشرعية ولا قلت هذا لوجه الله والثواب لفلان أخطأت، هذا (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ). وهناك من هو أصلاً لا يؤمن هو أصلاً هو ذبحها على قبر، ذبحها على إمام، هذا لوجه الإمام لوجه القبر الفلاني، لوجه الحسين، لوجه الكاظم، لوجه عبد القادر الجيلاني، لوجه السيد البدوي هذا كل هذا غير مأكول ولكن الفرق أن الذبيحة كلها من أساسها دخلت في الشرك أو لا هي صحيحة لكن أنت عندما أردت أن تذبح لم تحسن وأخطأت خطأً، إذاً فهما قضيتان وليست قضية واحدة ولهذا الله قال (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ {103} المائدة) هذه أهل بها لغير الله، هي أصلاً لغير الله يعني شرك.
*ورد في القرآن الكريم سبعين مرة غفور رحيم مثل قوله تعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173) البقرة) وورد مرة واحدة في سورة سبأ الآية 2 الرحيم الغفور فما دلالة التقديم والتأخير؟(د.فاضل السامرائى)(1/426)
تكرارها سبعين مرة أو غيرها لا تعنينا وإنما هي في آية واحدة وردت تقديم الرحيم على الغفور وفي بقية الآيات تقديم الغفور على الرحيم. لو لاحظنا آية سبأ التي تقدم فيها الرحيم على الغفور. أولاً المغفرة تكون للمكلّفين والرحمة عامة حتى الحيوانات تشملها الرحمة لكن المغفرة للمكلفين. سورة سبأ لم يتقدم الآية ما يتعلق بالمكلَّفين وإنما تقدّمها أمر عام قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)) ليس فيها ذكر للمكلفين. ذِكر المكلفين جاء بعدها (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3)) إذن تأخر ذكر المكلفين فتأخر ما يتعلق بهم (الغفور). الأولى عامة (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا) تقدمت العامة ولهذا قدّم الرحمة لما كان ما تقدم أمراً عاماً ليس خاصاً بالمكلفين قدم الرحمة ولما ذكر المكلفين فيما بعد قدم الغفور فيما بعد.(1/427)
ولذلك في جميع المواطن في القرآن بلا استثناء إذا قال غفور رحيم يتقدم ذكر المكلفين (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173) البقرة) (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199) البقرة) هؤلاء مكلّفون، (أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (74) المائدة) (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر).
آية (174):
*انظر آية (41).???
*انظر آية (159).???
* ما وجه الاختلاف بين(وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {174} البقرة) – (وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {77}آل عمران)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/428)
في البقرة تقول الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {174} البقرة) لا يكلمهم ولا يزكيهم هذه عقوبتان أساسيتان لمن يكتم ما أنزل الله من الأديان كل الأديان فيها أناس متخصصون بالتوجيه الديني تفسير التوراة تفسير الإنجيل تفسير القرآن الفقه المذاهب الأفكار هناك ناس لاهوتيون ودينيون وعلماء مسلمون هؤلاء من يكتم منهم شيئاً مما أنزل الله فعقوبته يوم القيامة أولاً طبعاً هؤلاء لا يفعلون السوء إلا بالمال. القرآن يقول أن كل من يحرّف أو يكتب أو يزور لا بد وأن يكون أسيراً لمطمعٍ ماليٍ من أتباعه لكي يحصل على هذا المطمع المالي فإنه يفعل ذلك، هؤلاء ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم. عندنا شريحة ثانية أيضاً يوم القيامة موقفها صعب (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا) هؤلاء عقوبتهم قريبة من عقوبة هؤلاء الناس الأولين ( أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {77} آل عمران) في هذه الآية زيادة ولا ينظر إليهم لماذا؟ عقوبة الذين يكتمون ما أنزل الله أولاً لا يكلمهم الله ثم لا يزكيهم، الذين يشترون بعهد الله ثمناً قليلاً لا يكلمهم الله ولا يزكيهم أيضاً لكن هناك عقوبة ثالثة في الوسط وهي أنه لا ينظر إليهم .(1/429)
عندنا فئتين فئة كلاهما هالكتان يوم القيامة الفئة الأولى لا يكلمهم الله ولا يزكيهم الفئة الثانية نفس الشيء لا يكلمهم الله ولا يزكيهم إضافة إلى هذا ولا ينظر إليهم، ما الفرق بين الحالتين؟ كلنا نعرف أن يوم القيام هذا يسمى يوم الفزع الأكبر ذلك اليوم الذي يجثو الأنبياء أنفسهم الأنبياء يجثون على الركب من الفزع لماذا؟ موقف هائل ، إذا نظر الله إلى عبدٍ فقد أحبه إذا أحب الله عبداً نظر إليه وإذا نظر إليه فلا يعذبه أبداً. نظر إليه ونظر له ونظر فيه هكذا ما هو الإشكال؟ لماذا الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً الله سبحانه وتعالى ذكر أنه لا ينظر إليهم لا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ما معنى يزكيهم؟ يزكيهم أي يثني عليهم.(1/430)
أنا أرى كل شيء لكن لا أنظر، أنا رأيت كل هذا لكن لا يعنيني الذي يعنيني أنظر إليه بعين غير عين الرؤية هذا معنى رب العالمين فالله يراهم كلهم لكن الملك عندما يكون خمسين ستين واحد في مجلسه هو لا ينظر إليهم يراهم جميعاً ولكن ينظر إلى واحد يتكلم معه هذا نظر فرب العالمين يرى الجميع ولكن بعض العباد المتهمين وكلنا متهم يوم القيامة الأنبياء أنفسهم يشعرون بالخوف حينئذٍ لماذا الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً الله لا ينظر لهم ولا يكلمهم ولا يزكيهم؟ لكن ما قال ولا ينظر إليهم لماذا علماء السوء علماء الأديان جميعاً علماء السوء الذين حرفوا وأضلوا جمهورهم جعلوا من اليهود مشركين العزير ابن الله وجعل قسم من النصارى مشركين قالوا المسيح ابن الله وجعل من المسلمين مشركين وطائفيين وحزبيين وناس تقتل ناس لماذا؟ لأنهم كتموا ما أنزل الله ناس بسطاء أميين بسطاء جداً يثقون بهذا العالِم بهذا المجتهد وإذا هذا الرجل لقاء المال القاسم المشترك بين كل الذين يحرفون وينحرفون بالأديان بالمال الطمع بالمال (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ) ولا ينظر إليهم لماذا؟ الذين يكتمون ما أنزل الله ما فيها هذه العقوبة بينما (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ) يعني يكذب إذا اتفق معك يخونك ما له كلمة مسموعة يحلف بالله وبالأيمان ثم ينقض هذا كذباً وزوراً وطمعاً وكم نقض أيمان وكم نقض مواثيق! إلى أن تقوم الساعة هناك واحد يشتري بعهد الله ويمينه ثمناً قليلاً (أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) لهوانهم تافه لا يساوى شيء .(1/431)
السؤال الآن فريقان في غاية السوء الذين يكتمون ما أنزل الله والذين يشترون بعهد الله ثمناً قليلاً وأيمانهم ثمناً قليلاً فئتين مجرمتين توعدها الله توعداً عظيماً وحده في سورة البقرة والأخرى في آل عمران الفرق بين الفئتين إحداهما قال لا ينظر إليها وهم هؤلاء أهل الأيمان لتفاهتهم وهوانهم على الله العلماء لا العلماء هؤلاء أخطر جرماً من هؤلاء لا بد من أن ينظر الله فيهم حتى يرعبهم حتى يشعرهم بأنهم هالكون ولا أمل لهم في النجاة ربما ذلك الأول الله لم ينظر إليه نظرة عقاب وقسوة فلعل له أمل لكن هذا الذي حرف الدين وأضل الناس وجعلهم طوائف وشيع وكفرهم بحيث كتم ما أنزل الله آية واضحة فسرها لهم تفسيراً خسيساً ناس بسطاء فاقتنعوا به هذا الذي أضل هذا الله قال لا يكلمه ولا يزكيه لا يوجه له كلاماً ولا يثني عليه لكن ما قال لا ينظر إليه لأن نظر الله عز وجل على العبد يوم القيامة مختلف.
حينئذٍ نقول أن الله سبحانه وتعالى عندما حلف ولا ينظر إليهم لكي يفرق بين جريمتين عظيمتين ولكن أحداهما أعظم جرماً من الأخرى رب العالمين جعل هذا الذي يشتري بعهد الله ويمينه ثمناً قليلاً أفضل من هذا الغبي الذي أضل الناس. هذا هو الفرق بين آيتين إحداهما جاءت عقوبة ثالثة والآخر ما جاءت وهي (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) هذا هو الأمر.
آية (176):
*ما دلالة الوصف بالبعيد فى قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) البقرة)؟ ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/432)
تأمل كيف وصف الله تعالى الشقاق بأنه بعيد ولم يصفه بكبير أو عظيم أو ما شابه ذلك من أوصاف وفي ذلك مجاز عقلي يعطينا عمقاً آخر وتصوراً لبُعد صاخبه عن الوفاق وبياناً للهوّة الواسعة التي يسقط فيها أولئك المختلفون في الكتاب. فالشقاق في القيم المنهجية السماوية هو هوّة كبيرة وإذا ما وقع فيه البشر فلن يستطيعوا أن يُصلحوا فيما بينهم ومن هنا كانت شقة الخلاف واسعة لا يقدر على حلها إلا الله سبحانه وتعالى وهذا ما عبّرت عنه الآية بوصف الشقاق بأنه بعيد.
آية (177):
*(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (177) البقرة) هل هناك قراءة لكلمة البرّ بالرفع؟ وما دلالة الرفع ودلالة النصب؟ وآية أخرى (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى (189) البقرة) فما الفرق؟
د.فاضل السامرائى :
التعبير أصلاً مختلف (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (177):البر خبر ليس مقدّم لأن خبر ليس يجوز تقديمه (وخبر كان كلها أيضاً يجوز تقديمه)وأن تولوا وجوهكم مصدر مؤول خبر ليس، خارج القرآن معناها ليس أن تولوا وجوهكم البر.(1/433)
الثانية (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى (189) لا يصح في الآية الثانية أن يقول ليس البرَ لا يصح لغة.هذه الباء تدخل على الخبر ولا تدخل على الإسم مثل: (وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (182) آل عمران) (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8) التين) لا تدخل الباء على الإسم أصلاً. الآية الأولى يمكن أن يقال فيها ليس البرُ أو ليس البرَ لأنه يمكن أن يكون هناك تقديم وتأخير لكن الآية الثانية لا يمكن لأنه ما دام عندا (الباء) الباء تدخل على الخبر حتماً مزيدة على الخبر ولا تزاد في الإسم هذا قياس يعني متى ما شئت إفعل في خبر (ليس)، فإذن لا يمكن أن ننصب البرّ لأنه دخلت الباء فاقتضى أن تكون الباء داخلة على خبر (ليس) ولا يمكن غير ذلك.
د.أحمد الكبيسى :
الفرق بين آيتين في سورة البقرة (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (177)) و (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا (189)) ليس فعل ماضي ناقص من أخوات كان والمفروض أن يقال ليس البرُّ إسم ليس مرفوع وإنما قال (ليس البرَّ) فلماذا قال مرة (ليس البرَّ) ومرة قال (ليس البرُّ)؟ ونحن نعلم أن ليس ترفع الأول وتنصب الثاني هذه قاعدة نحوية معروفة فلماذا رفع إسم ليس وقدّمه في آية وفي آية أخرى أخّر الإسم وقدم الخبر المنصوب وقال (ليس البرَّ بأن تولوا)؟ ما هو السر في هذا التعبير البلاغي الذي اختلف من آية إلى آية وكان يمكن أن تأتي الآيتان (ليس البرَّ) أو (ليس البرُّ) فلماذا جاءت مرة على طبيعتها (ليس البرُّ) قدّم إسم ليس وهو مرفوع ومرة أخّر إسم ليس وقدّم خبرها وهو منصوب (وليس البرَّ) فلا بد أن يكون لهذا حكمة. عندما يقدم المولى سبحانه وتعالى فلا بد أن يكون لهذا حكمة.
((1/434)
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة) باختصار شديد كان همّ اليهود والنصارى وفرحهم الشديد واغتباطهم العظيم وقضيتهم الكبرى أن يتوجهوا بالصلاة إلأى بيت المقدس وكأن هذا هو كل دينهم وما هو إلا شعيرة من الشعائر (الدين المعاملة) والمسلمون كان كل همّهم أن يغيّر الله تعالى القِبلة إلى المسجد الحرام (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا (144) البقرة) فلما رب العالمين قال (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ) فرح المسلمون واغتبطوا وكأن هذه هي قضية الإسلام والدين، رب العالمين يخاطب الجميع المسلمين واليهود والنصارى أن ليس هذا هو البر. البر طبعاً يطلق على كل عمل فيه أجر وكل الأعمال التي تؤجر عليها تسمى بِرّاً وهناك أبرار وهناك مجرمون (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) الإنفطار) مقابل الأبرار الفجار الذين كل عملهم سيء.(1/435)
البر هو العمل الصالح، أما أن توجه نفسك أين تصلي فرب العالمين في كل مكان (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (115) البقرة)، هذه شعيرة أنت تصلي لبيت المقدس وأنت تصلي للكعبة، أنتم فرحون جداً كأن هذه هي قضية البر من توجه إلى بيت المقدس فكأن الله سيغفر له كل زلل لأنها هذه العبادة العظمى، أبداً وإنما هي شعيرة من الشعائر وأي عبادة من العبادات الأخرى من أنواع البر الأخرى أكثر أجراً وأنتم يا مسلمين تتوجهون إلى الكعبة ليس هذا هو البر وإنما البر (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) هذه عقيدة ثم (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ) على حبّه مثل قوله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) الإنسان) على حبه لا يعني أنك تعطي ما بقي من طعامك للفقراء أو المحتاجين فمن يطعم الناس بعد أن يشبع كمن يطعم الناس قبل الموت بدقائق وهو يحتضر قال أنفقوا أموالي، لا قال (على حبه) أنت تعطي من المال لا تعطي الناس بعد أن تشبع أنت. (وَأَقَامَ الصَّلاةَ) أقام الصلاة ليس صلّى يعني من أتم ركوعها وسجودها وخشوعها (وَآتَى الزَّكَاةَ) تلك أتى المال ليس زكاة ولك أتى المال في المناسبات تبرعات وإنفاق وذكر الأصناف التي لا ينبغي أن تغفل عنهم لأن كل إنسان في ظل صدقته يوم القيامة فالصدقة تطفئ غضب الرب وتشفي المريض وتأتي بالرزق والصدقات لها نتائج كبيرة يوم القيامة، (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ) الوفاء بالعهد، (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ) في الفقر في الجوع في الحرب فيك صبر لأنك متوكل على الله، البر التعامل والدين المعاملة.(1/436)
أنتم فرحون أنكم تصلون إلى بيت المقدس وغيركم يصلون إلى البيت الحرام ليس هنالك ضرورة لأن تصلي لبيت المقدس ولكن لا بد لك من جهة ولو شاء رب العالمين أن يغيّر لكنه لا يغيّر ويقول الزنا حلال أو البخل جيد. البر هو العبادات التي يكون لها القدح المعلّا يوم القيامة ولذلك يتكلم الله تعالى عن الأبرار الذين كان عملهم كله من البر، أعمالهه أخلاقهه صفاتهه كظم غيظ هذا الذي هو البر لا يتعلق بأن تولي وجهك نحو المشرق والمغرب (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) إعرابها: البرَّ إسم ليس مقدّم، (أن) ناصبة مصدرية وتولوا فعل مضارع منصوب بأن والمصدر (أن تولوا) إسم ليس. في اللغة العربية المصدر المؤول أقوى معرفة من المعرّف باللام إذن كلمة البرّ معرفة لكن تعريفها أقل من تعريف المصدر (التولية) ليس البرّ توليتُكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب، فجعل التولية هي الأساس المشكلة في هذه الآية العقدة المطروحة توليتكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب فرحين بها كأنها هي الدين كله، ليس هذا البر، تولية وجوهكم إلى الكعبة أو بيت المقدس ما هي إلا شعيرة من الشعائر وأنت تتساوى عندك إذا قلنا لك صلِّ يميناً أو شمالاً أو إلى الأمام أو إلى الخلف يتساوى عندك هذا لكن الذي لا يتساوى بين الناس هو الإيمان بالله واليوم الآخر وملائكته ورسله وكتبه هذه عقيدة، تلفّت حولك الآن في هذا اليوم بعد 15 قرناً من الإسلام وبعد سبعين قرناً من المسيحية واليهودية كم واحد يؤمن بالله واحداً وباليوم الآخر يقيناً والكتاب والنبيين؟ قلة من امسلمين هم الوحيدون على وجه الأرض الذين يؤمنون (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (285) البقرة) وليس هناك أحد غير هذه الأمة يؤمنون بالنبيين كل واحد يؤمن بنبيّه وهذا مقتل من مقاتل العقيدة في كل دين.(1/437)
التولية جعلها إسم ليس لأنها أهم من الخبر (ليس البر أن تولوا وجوهكم) رب العالمين يعالج في هذه الآية مسألة توليكم إلى المشرق والمغرب الذي اعتبرتوه كل شيء فإذن صار (أن تولوا) المصدر المؤول هو إسم ليس والبرَّ هو الخبر. إذن البرَّ خبر ليس منصوب و(أن تولوا) في محل رفع إسم ليس وصار إسم ليس لأهميته يعني ليست التوليةُ البرَّ، ليست توليتُكم وجوهكم قِبل المشرق والمغرب البرَّ إنما البر أن تؤمن بالله واليوم الآخر وملائكته والكتاب والنبيين.
الآية الثانية (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) البقرة) كان من عادة العرب أنه إذا سافر يخرج من خلف البيت عندهم تقاليد بعض الخرافات فقال رب العالمين (ليس البرُّ) هنا البرّ وليست التولية قبل المشرق والمغرب أنت مشكلتكم أن البر ما عندكم أصلاً لا هذا ولا هذا، أنتم هنا ليس عندكم بر نهائياً، هناك البر موجود ولكنهم كانوا يظنون أن هذا كون هذا، في الآية الأولى هناك نوعان من البر بر عظيم وبر أقل، البر العظيم هو التعامل مع الآخر والبر الأقل هو التوجه نحو الكعبة أو بيت المقدس أما في الآية الثانية فليس عندهم بر أصلاً، ما معنى أن تدخل من خلف الكعبة أو تطوف عرياناً أو غيره من الخرافات والتطير أفكار كانوا يتصوروها من الدين. إذن (ليس البرُّ) المشكلة في البر وليس في تولية الوجوه، البر نفسه فيه مشكلة وأدخل الباء على الخبر (بأن تأتوا) لما دخلت الباء على الجواب تعين أن يكون هذا خبر ليس هذه قضية نحوية معروفة.
*لم قال سبحانه (على حبه) ولم يقل وهو يحبه فى قوله تعالى (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/438)
تأمل كيف قال سبحانه (على حبه) ولم يقل وهو يحبه لأن (على) أفادت التمكن من حب المال وشدة التعلق به فنبّه بها على أبعد أحوال التعلق بالمال. فإذا كنت في حالة شدة حبك للمال تنفقه في سبيل الله وأنت مرتاح النفس فكيف بك في أحوالك الأخرى؟
*ما دلالة نصب (الصابرين) في قوله تعالى (والصابرين فى البأساء و الضراء و حين البأس ) ؟( د.فاضل السامرائى)
هذا يُسمّى القطع والقطع يكون في الصفات أو العطف إذا كان من باب الصفات. القطع يكون للأمر المهم. فالقطع موجود في اللغة، في الصفات يكون القطع مع المرفوع للمنصوب ومع المنصوب للمرفوع ومع المجرور للمرفوع. والآية موضع السؤال هي من القطع يقطع من الصفات لأهمية المقطوع والمقطوع يكون مفعولاً به بمعنى أخُصُّ أو أمدح ويسمى مقطوع على المدح أو الذم. وفي الآية (الصابرين) مقطوعة وهي تعني أخص أو أمدح الصابرين. وكأننا نسلّط الضوء على المقطوع فالكلمة التي نريد أن نركّز عليها أو نسلّط عليها الضوء نقطعها.
من باب الصفات ما دلّ على المدح أو الذم أو الترحّم ويكون الاضمار وجوباً.(1/439)
قال تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة) الصابرين منصوبة ركّز عليها وقطع ولم يقل الصابرون معطوفة على الموفون عطف على خبر لكنّ لأن الصابرين يكونون في الحرب والسلم وفي البأساء وهي عموم الشدة والاصابة في الأموال والضرّاء في البدن والدين كله صبر فقطع الصابرين لأهميتها.
* ما الفرق بين البأساء والضراء في الآية (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة) ؟السامرائى
البأساء معناها البؤس والشدة والحرب والمشقة. البؤس وما فيه من الفقر المشقة والشدة والبأساء بمعنى الحرب أيضاً. الضراء المرض والأوجاع في الأبدان وما يصيب الأموال أيضاً، الإصابة في الأبدان من مض وأوجاع والإصابة في الأموال. البأساء في الشدة والمشقة عموماً في الحرب وغيرها والضراء إما إصابة في البدن من مرض وغير ذلك وإما إصابة في الأموال.
*ما تفسير قوله تعالى (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ) و لمَ لم يقل: لكن البر أن تؤمنوا باعتبار أن البر هو الإيمان لا المؤمن وليناسب الجزء الأول من الآية الذي أتى بالخبر مصدرا؟(د.حسام النعيمى)(1/440)
قال تعالى: "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة:177)
"يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (البقرة:189)
جاء في الآية بالمصدر المؤول (أن تولوا = التولية )، فافترض بعضهم أن يستعمل المصدر في الجزء الثاني من الآية أيضا ليتناسب مع المصدر في بدايتها فيقول: ولكن البر أن تؤمنوا، وكذلك في الآية الثانية
الجواب: في لغة العرب يمكن أن يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه كما في قوله تعالى: "واسأل القرية"، ففيها مضاف محذوف (واسأل أهل القرية) فحذف كلمة (أهل) وجعل كلمة (قرية) مكانها، وأخذت موقعها الإعرابي.
فعندما يقول: "ولكنّ البِرّ مَن اتّقى" كأن هذا المتقي صار هو البر بعينه. فالبِر الحقيقي هو هذا الذي وصفناه بهذه الكلمة، البر هو هذا الذي اتقى أو هذا الذي توفرت فيه هذه الصفات.
ولو عدنا إلى الآية لتوقفنا فيها أكثر من وقفة
ـ هدف الآية
ـ الإفراد في الصفات ثم الجمع
ـ نصب الصابرين
ـ الرق والإسلام
ـ توجيه رباني من الآية الثانية(1/441)
أصل الكلام في الآيتين هو قضية أي قبلة أولى بالاتجاه نحوها؟ في أي اتجاه يكون البر ؟
والقرآن يريد أن يبين لمن يسمعه سواء أكان من المسلمين أو من غيرهم ما البر الحقيقي؟ فقال: "لَيسَ البرّ أنْ تولوا وُجوهَكم"
نلحظ أنه استعمل الفعل المضارع بمعنى التحول والتحرك أي تولية الوجه، ووصف البر بأنه من تتمثل فيه هذه الصفات، وهي من الآيات الجامعة تبين لنا أن البر يكون ممثلا كاملا في هذا الإنسان المتصف بهذه الصفات.
وتمضي الآية تعدد صفاته:
ـ الإيمان بالله بكل ما يقتضيه من تطبيق ومن اعتقاد
ـ ثم انتقل إلى الغيبيات من الإيمان باليوم الآخر والملائكة
ـ والكتاب: ونلحظ استعمال الجنس (الكتاب) أي جنس الكتاب.
ـ والنبيين: استعمل النبيين دون المرسلين لأن النبوة أوسع من الرسالة، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا،
ـ ثم انتقل إلى المعاملات : "وآتى المال على حبه"
ـ ثم بين نوع الإيتاء، فهو ليس من الفرض.(1/442)
ـ وبين الفئات التي يصلها العطاء وتستحقه، فبدأ بذوي القربى من باب حرصه على الأرحام، وثنى باليتامى ثم بالمساكين الذ ين يحتاج المرء إلى البحث عنهم ليعرفهم، وهذا من التوجيهات الاجتماعية القرآنية في الرعاية المالية، ثم ذكر ابن السبيل ليطمئن المسلم على نفسه أنى كان فإذا انقطع به المال فى سفر فإن له حقا في هذا المال، وذكر السائلين (من سأل بالله فأعطوه) فلا يبحث المرء أمحتاج هذا السائل أم لا؟ما دام يسأل فعلي أن أعطي إن كنت قادرا، والسائلون ليسوا هم المساكين. ثم ختم بالرقاب، وهذه الكلمة يثيرها بعض من لم يطلعوا على حقيقة الإسلام شبهةً ضده فيقولون: إن الإسلام يقر الرق ويدعو إلى العبودية. والحقيقة هي أن الاسلاموأبقى منفذا واحدا للرق وهو (رقيق الحرب) ثم فتح أبوابا لإخراج العبد من حالة عبوديته بالصدقات والكفارات والترغيب في العتق، وبابا آخر وهو(المكاتبة) فيحق لكل فرد من الرقيق أن يذهب إلى القاضي ويطلب مكاتبة سيده، فيرغمه القاضي على المكاتبة إلى أن يتخلص العبد من الرق.وهو من مصارف الإنفاق الطوعي (وفي الرقاب).
ـ "وأقام الصلاة" فانقل بعد ذلك إلى تهذيب النفس وصلتها بالله
ـ "وآتى الزكاة" وهذا تأكيد على أن الإنفاق المالي المتقدم ليس من الفرض والزكاة، فالزكاة مال تجمعه الدولة وتتولى إنفاقه في مصارفه، أما المذكور سابقا فإنفاق شخصي يختلف عن هذا. وفي أيامنا تركت دول كثيرة جمع الزكاة إلى الناس أنفسهم وهذا امتحان لهم.
ثم نلحظ انتقال الحديث إلى الجمع، فالكلام المتقدم إلى الآن فردي، وقد تقدمت (مَن) وهي تحتمل الجمع والإفراد، فبدأ بالإفراد (الإيمان ـ الإنفاق الفردي من رعاية ذوي القربى واليتامى والإنفاق على المساكين، والصلاة والزكاة )
ثم انتقل إلى العمل الجماعي لأن (من) تجمع الاثنين الإفراد والجمع(1/443)
ففي العمل الجماعي ذكر الوفاء بالعهد، ويجوز أن نقول (نحترم من يفي بعهده ـ ومن يفون بعهدهم) لأنها تصدق على الواحد والكثرة.
وقد جعل الوفاء بالعهد عاما ليشمل وفاء المجتمع بالعهد، والفرد جزء من المجتمع ، فأي فرد من المسلمين يكن أن يعاهد عن بقية المسلمين، وهم جميعا ملزمون بالوفاء بعهده (يسعى بذمتهم أدناهم).
والوفاء بالعهد ليس سهلا على المرء في مواطن كثيرة، إذ يصعب على النفس، وقد تشعر أن فيه هضما لحقها، ونتذكر جميعا كيف كان المسلمون يأتون من مكة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فيردهم وفاء لعهده مع المشركين في صلح الحديبية.
ـ والصابرين: وهنا قد يقال إن العطف يقتضي الرفع، وهذا قد يجوز في غير القرآن، ولكن الصبر هنا له منزلة عالية في البأساء والضراء، فنصبها إشارة إلى تخصص الصابرين وتمييزهم بين المذكورين، وتقديرا لفعل محذوف (أخص الصابرين).
(أولئك الذين صدقوا) جاء باسم الإشارة (أولئك)للبعيد ليقول إن على المسلم أن يسعى ليكون مثلهم ويصل إليهم وإلى هذه الصفات.
(وأولئك هم المتقون)والسؤال هنا لم جاء بالضمير (هم)؟
(هم) ضمير فصل يؤتى به ليميز بين الخبر والصفة، وفيه أيضا معنى التوكيد، ونفي الوصفية التي قد تفهم إن حذف الضمير، فأثبت لهم الخبرية توكيدا وتخصيصا.
جاء بعد كل الصفات المتقدمة بوصف المتقين، وهذه الصفة هي نفسها في الآية الثانية "يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ" فبدأ بكلمة التقوى للإيجاز.
والقرآن الكريم قد يجاري السائل أحيانا على طريقته في السؤال، فهؤلاء قد سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام عن الأهلة، : ما هي؟ ما فوائدها؟ فجاء الجواب مختصرا "هيَ مَواقيتُ للنّاسِ وَالحَج"(1/444)
وقد كان بعض الأنصار إذا رجع من الحج فلا يدخل من باب الدار، وإنما يأتي من ظهرها ويدخل. فتقول له الآية إن البر ليس بهذا العمل، وقد يكون الأمر من باب توجيه المجتمع المسلم بألا يعكس الأمور بأن يسأل عن المسائل الصغيرة ويترك القضايا الجوهرية، فبدل السؤال عن الأهلة فليتبصروا في خلق الله عز وجل في هذا الهلال كيف يكون وكيف يصير؟
آية (178):
* ما هو تفسير الآية 178 في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ )؟ وما الوجه البلاغي في هذا التقسيم؟(د.حسام النعيمى)
هل إذا قتل حرٌ عبداً لا يؤخذ به؟ وإنما يقول أعطونا ثمنه؟ هنا نقول في كثير من الآيات ينبغي الرجوع إلى سبب النزول. نحن عندنا قاعدة عامة (ولكم في القصاص حياة) هذه القاعدة العامة. كان هناك ثأر بين حييّن من أحياء العرب أسلموا قبل أن تُفضّ المشكلة وأحدهما كان قوياً متجبراً فقبل أن يدخلوا في الإسلام كانوا يقولون العبد منّا بالحرّ منهم والمرأة منّا بالرجل منهم حتى نصطلح وإلا الحرب مستمرة هكذا من التجبر والحرب مستمرة فلما دخلوا في الإسلام بقوا على حالهم وعلى قولهم فنزلت الآية: نعم في القصاص حياة لكن الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى. انظروا كم من أحراركم قُتِل وأحرارهم قُتِل؟ هذه بهذا والفارق تدفع عنهم الديّة وكذلك للعبيد وللنساء حتى تحل المشكل وهو مشكل مؤقت لكن تبقى القاعدة عامة (ولكم في القصاص حياة) القصاص عامة .(1/445)
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى (178) البقرة) ما الحكمةمن بناء الفعل (كُتِبَ) هنا للمجهول؟( د.فاضل السامرائى)
الأمور المستكرهة يبنيها ربنا للمجهول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ (183) البقرة) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى (178) البقرة) (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ (216) البقرة) في الأشياء الصعبة المستكرهة والمشقة يبني الفعل للمجهول مع أنه كله بقدر الله عز وجل لكن لا ينسبه لنفسه وهذا خط عام في القرآن.
آية (179):
* ما القيمة الفنية لقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة)؟(د.حسام النعيمى)
هذه فيها مقالات طويلة حتى كتب مصطفى صادق الرافعي "كلمة مؤمنة في الرد على كلمة كافرة" بعضهم قال العرب تقول: القتل أفنى للقتل، فكتب في الفرق العظيم بين قولهم القتل أفنى من القتل التي فيها دماء وبين قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة) التي فيها حياة وتلك فيها دماء. والسيوطي ذكر عشرين فرقاً في كتابه المزهر في اللغة والرافعي زاد عليه.
الآية بتمامها (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) البقرة). كلمة القِصاص مأخوذة من فعل قصّ يقصّ. في الأصل القص هو القطع، أوالقص تتبّع الأثر تحديداً، الأثر الذي قد يكون خطاً ومنه قصّ الثوب لأن الثياب لم تكن تُقصّ إلا بعد أن يوضع عليها خط أين يقص.الذي يقص بالمقص هو يتتبع أثراً. القِصاص من قصّ يقص قِصاصاً ومقاصّة.(1/446)
القِصاص لكم فيه حياة. أي حياة للمجتمع. وكلمة (حياة) جاءت نكِرة فأخّرها على سُنّة العرب في كلامها. (لكم في القصاص حياة) الإسلام يريد مجتمعاً هانئاً، آمناً فذكر القِصاص. أما مقولة (القتل أنفى للقتل) هذه كلمة، مقولة عربية يوازنوها أحياناً بـ (ولكم في القصاص حياة) ويبينون معايب هذه الكلمة التي تبدو لأول وهلة جميلة (القتل أنفى للقتل) ولكن عندما ندقق في الآية نجد سمو التعبير (ولكم في القصاص حياة). أما (القتل أنفى للقتل) يقول بعضهم أنها كلمة جاهلية وحتى لو كانت جاهلية تحمل رائحة الدم وليس فيها رائحة بناء المجتمع. أما كلمة (القصاص حياة) كلمة موجزة. القصاص فيه حياة للمجتمع. القصاص لم يحدد القتل وإنما هو عدالة. لما تقول قصاص أي أنت تتتبّع الذي فعله المخالِف تقصّ فعله حتى تعاقبه بمثل فعله، اختصرت بكلمة قصاص مهما كان الشخص الذي قتل حاكماً أو سيداً في قومه فيقتل وحده . بعد ذلك رُخِّص للمسلمين بقبول المقابل أو العدل. أما الدية فهي مقابل القتل. بينما القتل أنفى للقتل هذه مقولة تتكلم فقط عن القتل وما ذكرت بقية الأحوال التي يصار بها في المجتمع بينما القصاص شامل ذكر كل هذه الأشياء، فضلاً عن أن كلمة القتل أنفى للقتل كما يقول علماؤنا خطأ لأنه ليس دائماً القتل ينفي القتل ففي بعض الأحيان القتل يجلب قتلاً (قتل الظلم، قتل التعدّي) كما يقولون (ومن يظلم الناس يُظلَم) وليس هكذا مفهوم الإسلام.
ثم كلمة (حياة) نكرة والنكرة لها في كل موضع معنى. في هذه الآية (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) حياة نبيلة، عظيمة، قيمة لما نسمع السياق تعطي معنى الحياة السعيدة الهانئة، حياة صِفوها بما شئتم من أوصاف الخير.
*لم جاءت كلمة (حياة) نكرة ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/447)
لاحظ كيف بيّنت هذه الآية على وجازتها حكمة القصاص بأسلوب لا يُمارى وعبارة لا تُحاكى. ألا ترى كيف جعل الله تعالى القصاص وهو القتل حياة (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ)؟ ولذلك نُكِّرت كلمة (حياة) قلم يقل الحياة إشعاراً أن في هذا القصاص نوع من الحياة عظيماً لا يبلغه وصف. ولكن كيف يكون القصاص حياة وهو قتلٌ للقاتل؟ الجواب أنه إذا علِم القاتل أنه سيُقتل فلا شك أنه سيمتنع عن القتل وهذا يصون النفس من القتل ويحمي القاتل فكان القصاص حياة للنفسين وهذا يؤدي إلى إحياء البشرية بأسرها.
آية (180):
*انظر آية (133).???
*ما دلالة حضر فى قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) وتقديم (أحدكم)؟(د.حسام النعيمى)
حضر يمكن أن تلمس فيها ما هو شديد القرب وشدة القرب ظاهرة في قوله تعالى:(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة) إهتمام بالمتقدم وإبعاد شبح الموت الحقيقي. الآية في الوصية والموصي يكون في وعيه ويتكلم لكن ليس أن الموت اقترب منه.
* ما دلالة استعمال (إذا) فى الآية؟( د.فاضل السامرائى)
قال تعالى:(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) . نعرف الفرق بين (إذا) و(إن). إذا تستعمل فيما هو كثير وفيما هو واجب و(إن) لما هو أقلّ عموم الشرط وقد يكون آكد وقد يكون مستحيل وقد يكون قليل.
*ما إعراب كلمة (الوصية) في قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ {180}) سورة البقرة؟(د.فاضل السامرائى)
الوصيةُ نائب فاعل(1/448)
*اللمسات البيانية في آيات الصيام:
قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185).
*موقع آيات الصيام كما جاءت في سياقها في القرآن الكريم *( د.فاضل السامرائى )(1/449)
آيات الصوم وقعت بين آيات الشدة وذكر الصبر وما يقتضي الصبر.قبلها قال (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)) والصوم نصف الصبر كما في الحديث والصبر نصف الإيمان وتقدّمها أيضاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى (178)) هذه شدة وتحتاج إلى صبر وقبلها (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)) هذه شدة وتحتاج إلى الصبر. وبعدها آيات القتال (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ (190)) (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (191)) (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ (193)) الصوم من المشاق والقتال من المشاق والقتال يقتضي الصبر والصوم نصف الصبر. بعدها ذكر آيات الحج لأن الحج يقع بعد الصيام بعد شهر رمضان تبدأ أشهر الحج فذكر (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197)) ثم ذكر المريض في الحج كما ذكر المريض في الصوم وذكر الفدية في الحج ومن الفدية الصيام (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ (196)) إذن موقع آيات الصيام تقع بين آيات الصبر وما يقتضي الصبر وعموم المشقة.
آية (183):(1/450)
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)) الفعل كُتب مبني للمجهول وجاء مع (عليكم) تحديداً مع أنه ورد في القرآن (إلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ (120) التوبة)؟( د.فاضل السامرائى)
نلاحظ ربنا تعالى قال يا ايها الذين آمنوا ناداهم بنفسه ولم يقل (قل يا أيها الذين آمنوا) لم يخاطب الرسول وإنما ناداهم مباشرة لأهمية ما ناداهم إليه لأن الصيام عبادة عظيمة قديمة كتبها تعالى على من سبقنا فنادانا مباشرة ولم ينادينا بالواسطة. استعمال كتب فيه شدة ومشقة وما يستكره من الأمور عموماً لما يقول كُتب عليكم يكون أمر فيه شدة وشقة وإلزام، في أمور مستثقلة ومن معاني كتب ألزم ووجب وفرض مثلاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى (178))، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ (216))، فيه شدة أما (كُتب له) فهو في الخير(وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ (187)). إذن كُتِب عليكم فيه شدة ومشقة وإلزام والصوم مشقة يترك الطعام والشراب والمفطرات من الفجر إلى الليل فيه مشقة لذا لم يقل لكم.(1/451)
بناء الفعل للمجهول (كُتِب) لأن فيها مشقة وشدة لأن الله تعالى يظهر نفسه في الأمور التي فيها خير أما في الأمور المستكرهة وفي مقام الذم أحياناً يبني للمجهول مثل (حبب إليكم الإيمان وزينه في لقوبكم) و(زّين للناس حب الشهوات) مبني للمجهول التي فيها شر لا ينسبها لنفسه ومثلها آتيناهم الكتاب وأوتوا الكتاب: في مقام الذم يقول أوتوا الكتاب مطلقاً وفي مقام الخير يقول آتيناهم الكتاب. لما كان هناك مشقة على عباده قال كُتب ولم يقل كتبنا. في الأمور التي فيها خير ظاهر يظهر نفسه (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (12) الأنعام) (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الأعراف) هذا خير. قوله تعالى (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ (45) المائدة) هذه فيها إلزام لهم، كتب على بني إسرائيل الأمور التي شددها عليهم شدد عليهم لأنهم شددوا على أنفسهم. حرف الجر يغير الدلالة وأحياناً يصير نقيضها مثل رغب فيه يعني أحبّه ورغب عنه يعني كرهه، وضعه عليه يعني حمّله ووضعه عنه أي أنزله.
*ما دلالة استخدام الصيام لا الصوم؟( د.فاضل السامرائى)(1/452)
هذا من خصائص التعبير القرآني لم يستعمل الصوم في العبادة وإنما استعملها في الصمت فقط (إني نذرت للرحمن صوماً). الصوم هو الإمساك والفعل صام يصوم صوماً وصياماً كلاهما مصدر وربنا استعمل الصوم للصمت وهما متقاربان في اللفظ والوزن (الصوم والصمت) واستعمل الصيام للعبادة أولاً المدة أطول (صيام) والمتعلقات أكثر من طعام وشراب ومفطرات فهو أطول فقال صيام. (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) لم يستعمل الصوم في العبادة وهذا من خواص الاستعمال القرآني يفرد بعض الكلمات أحياناً بدلالة معينة كما ذكرنا في الرياح والريح في الغيث والمطر في وصى وأوصى ومن جملتها الصوم والصيام. في الحديث الشريف يستعمل الصوم والصيام للعبادة "الصوم لي وأنا أجزي به"، " الصوم نصف الصبر" لكن من خواص الاستعمال القرآني أنه يستعمل الصيام للعبادة.
*ختمت الآية (لعلكم تتقون) فما اللمسة البيانية فيها؟( د.فاضل السامرائى)(1/453)
قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) هذا يدل على علو هذه العبادة وعظمتها وربنا سبحانه وتعالى كتب هذه العبادة على الأمم التي سبقتنا معناها هذه العبادة عظيمة ولا نعلم كيفيتها لكن كان الصيام موجوداً. ثم يدل على الترغيب في هذه العبادة لأهميتها بدأ بها تعالى في الأمم السابقة ثم أن الأمور إذا عمّت هانت والصيام ليس بِدعاً لكم وإنما هي موجودة في السابق فإذن هذا الأمر يدل على أهميتها ويدل على تهوينها أنها ليس لكم وحدكم وإنما هي مسألة قديمة كما كتبت عليكم كتبت على الذين من قبلكم. كلمة (تتقون) أطلقها ولم يقل تتقون كذا كما جاء اتقوا النار أو اتقوا ربكم يحتمل أشياء مرادة تحتمل تتقون المحرمات وتحذرون من المعاصي لأن الصوم يكسر الشهوة ويهذبها ويحُدّها (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يتسطع فعليه بالصوم فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج). تتقون المفطرات والاخلال بأدائها أي تحفظون الصيام وتتقون المفطرات الإخلال بأشياء تؤدي إلى ذهاب الصوم، لعلكم تتقون تحتمل تصلون إلى منزلة التقوى وتكونوا من المتقين فإذن فيها احتمالات عديدة وهي كلها مُرادة. إذا كان تتقون المعاصي فهي تحتمل لأن الصوم يكسر الشهوة وإذا كان تتقون المفطرات تحتمل وإذا كانت تصل إلى منزلة التقوى أيضاً تحتمل.(1/454)
في هذا السياق تكرر ذكر التقوى والمتقين قال (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)) (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)) (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)) (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)) (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)) تكررت التقوى في السياق وهي مناسبة لأنه في أول السورة قال تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)). في عموم السورة إطلاق التقوى. وسورة البقرة تردد فيها التقوى ومشتقاتها 36 مرة.(1/455)
التقوى فِعلها وقى وقى نفسه أي حفظ نفسه وحذر، المتقون أي حفظوا نفسهم من الأشياء التي ينبغي أن يبتعدوا عنها. قسم يقول أن التقوى هي أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفتقدك حيث أمرك يعني الابتعاد عن المحرمات والانهماك في الطاعات هذه هي التقوى. جاءت التقوى في سورة البقرة على الإطلاق ومنها قوله (لعلكم تتقون) يعني تتقون أي شيء عموماً.
آية (184):
*(أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) لماذا معدودات وليس معدودة؟( د.فاضل السامرائى)
فيها أمران من حيث اللغة قد يكون معدودات تقليلاً لها لأن معدودة أكثر، معدودات قليلة. الجمع في غير العاقل معدودات تدل على القلة ومعدودة تدل على الكثرة هذا قياس في اللغة. في غير العاقل المفرد يدل على الكثرة والجمع يدل على القلة حتى يذكرون بقولهم: الجذوع انكسرت (الجذوع كثرة فاستعمل انكسرت بالمفرد) والأجذاع إنكسرن (الأجذاع قِلّة فاستعمل انكسرن بالجمع) وفي الآية (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (36) التوبة). جمع القلة يكون من واحد إلى عشرة، قالوا (أياماً معدودات) تقليلاً لهن تهويناً للصائم. وقسم يقول أنها في أول فرض العبادة كانت ثلاثة أيام في كل شهر ولم يبدأ بالشهر كاملاً ثم نُسِخ وجاء شهر رمضان فصارت معدودات، ثم قال شهر رمضان بعد هذه الأيام. المعدودات تدل على القلة (حتى العشرة) ومعدودة أكثر من عشرة وإذا رجعنا إلى طتب التاريخ العرب تؤرخ بالليالي (لثلاث خلون، لأربع خلون يأتي بها بالجمع) (لإحدى عشرة ليلة خلت يأتي بها بالمفرد تدل على الكثرة) حتى نلاحظ في العدد نقول ثلاثة رجال، عشرة رجال، إحد عشر رجلاً، مائة رجل، مليون رجل.
*أياماً ما هو اليوم؟ المشهور الأيام بمقابل الليالي (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا (7) الحاقة).(1/456)
*قال تعالى:(فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) لماذا على سفر؟( د.فاضل السامرائى)
يقال لأنه أباح للمتهيء للسفر أن يفطر إذا اشتغل بالسفر قبل الفجر،على سفر أي لم يسافر وإنما هو متهيئ للسفر مثل (وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ (283)) أي تتهيأون. (على سفر) لا تعني أنه سافر بالفعل وكثير من الفقهاء قالوا على سفر أي أباح للمتهيء للسفر وإن لم يكن مسافراً وقالوا لو كان يعني للمسافر فالمهتيئ للسفر لا يحق له الإفطار. لذا قال أو على سفر معناه أباح للمتهيء للسفر أن يفطر.
((1/457)
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) كلمة يطيقونه فيها كلام قسم قال المقصود في بدء فرض الإسلام عند بداية الفريضة أنهم لم يكونوا متعودين على الصوم فمن شاء يصوم ومن شاء يفدي في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية كأنهم فهموا أنهم مخيّرون بين الصوم والافطار. ما المقصود بـ (يطيق)؟ قسم قالوا هذه الآية نسخت لأنه فعلاً في أول الاسلام كانوا مخيرين من شاء يفطر ويفدي ومن شاء يصوم. وقسم قال أطاق أي تكلفه بمشقة وصعوبة وتكون الهمزة للسلب يعني سلبت طاقته وجهده. الفعل الثلاثي طاق أي تحمل وأطاق فيها خلاف ما هذه الهمزة؟ هل أطاقه بمعنى قدر عليه؟ أو همزة السلب أي سلب طاقته؟ يعني الذي لا يستطيع الصوم يسلب طاقته بحيث لا يتمكن أن يصوم فيفدي (طعام مسكين) وإذا كانت بمعنى التحمّل يصوم (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ) الصيام أفضل. الفدية مرهونة بعدم الصيام وعدم الصيام هو أحد أمرين إذا كان كما يقولون أنه في أول الاسلام كان المسلمون مخيرين في الافطار ودفع الفدية أو الصوم والصوم خير وإن كان غير ذلك أن الهمزة للسلب تبقى على دلالتها وليست منسوخة فالذي لا يستطيع أن يصوم والصوم يسلب طاقته بحيث لا يتمكن من الصوم فرب العالمين رخص الله تعالى بالفدية كالشيخ الكبير الهِرم والمريض الذي لا يرجى شفاؤه. تبقى على دلالتها مستمرة ليس فيها نسخ إذا جعلت للسلب والحكم عام ساري إلى يوم القيامة.
* (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ) ما اللمسات البيانية في هذه الآية؟( د.فاضل السامرائى)(1/458)
ذكرنا ما المقصود بـ(على سفر) و(الذين يطيقونه) و(فمن تطوع خيراً فهو خير له) بأن زاد على القدر المذكور أو فعل أكثر من المطلوب يُطعم مسكينين أو أكثر أو جمع بين الصيام والفدية وبين الإطعام والصيام وقال (وأن تصوموا خير لكم) يعني أيها الأصحاء أن تصوموا خير لكم ملتفتاً من ضمير الغائب (على الذين يطيقونه) إلى المخاطب (وأن تصوموا). كان يمكن أن يقال في غير القرآن وأن يصوموا لكنه تحوّل من الغيبة إلى الخطاب لئلا يخص المرضى والمسافرين لأنه لو قال لو يصوموا خير لهم هذا يخص المرضى والمسافرين وتتداخل مع قوله (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ) لكن هذه أعم كل من هو مرخص له بالإفطار من صام خير له وليس فقط هؤلاء وخاصة وإذا صح الكلام أنه في أول الصيام كان مخيراً بين الفدية والإطعام قبل أن يفرض شهر رمضان، كان مخيراً إما يصوم أو يخرج فدية لما قال أن تصوموا خير لكم دخل الجميع فيه لكن لو قال وأن يصوموا لكان يخص المرضى والمسافرين فقط بينما لما قال وأن تصوموا شمل الجميع المرخّص لهم وغيرهم وليس خاصاً بالمرضى والمسافرين فهذا الالتفات كان للجمع وهذا اسمه إلتفات في الخطاب.
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185))(1/459)
فكرة عامة عن الآية: الملاحظ أنه ذكر الفريضة أولاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لم يحدد وقتاً ولا مدة ولا شيء وإنما ذكر الفريضة ثم بعدها ذكر الأيام مبهمة قال (أياماً معدودات) لم يُحّددها، ثم بيّن بقوله (شهر رمضان) فيما بعد، الآن تعيّن الوقت للصيام وحدّد إذن أصبح الفريضة هي صيام شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن أي الذي ابتدأ فيه نزول القرآن من اللوح المحفوظ جملة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل منجماً فيما بعد على مدى ثلاث وعشرون سنة. (أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) فيها دلالتان إما ما ذكرناه الآن أي ابتداء إنزال القرآن فيه أو أنزل في شأنه القرآن أي في تعظيمه. إذن فيها دلالتان أنه نزل فيه وأنه أُنزل في شأنه القرآن وهو من باب تعظيم هذا الشهر كما نقول قال فيه كلاماً طيباً والاحتمالان مرادان لما قال (إنا أنزلناه في ليلة القدر) أي أنزلناه في ليلة القدر وأنزل في تعظيمها قرآن. (الذي أنزل فيه) يعود الضمير على الشهر كله. فقال (أُنزل فيه القرآن) ولم يقل أنزلنا فيه القرآن لأنه يتكلم على شهر رمضان وليس على مُنزِل القرآن لو قال أنزلنا يكون الكلام عن الله سبحانه وتعالى وليس على الشهر لو قال أنزلنا يعود إلى ضمير المتكلم لكنه يريد الكلام على الشهر تعظيماً لهذا الشهر. بينما قال أنزلنا الحديد تعظيماً لله تعالى وعظمته والنعمة التي أنعمها على خلقه. (تنزيل من حكيم حميد) أنزل إليك ثم قال من لدن حكيم حميد لأن الكلام عن الكتاب وتعظيم الكتاب وليس عن الله سبحانه وتعالى. الفعل مبني للمجهول والفاعل مُضمر محذوف ليس له ذكر لأن سياق الكلام على شهر رمضان.
*ما دلالة إستخدام أداة الشرط (إن) هنا (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) البقرة)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(1/460)
تأمل كيف جاء أسلوب الشرط مستخدماً (إن) التي تفيد التشكيك والتقليل ولم يستخدم (إذا) التي تفيد الجزم والتحقيق وفي ذلك إشارة إلى أن علمك أيها المؤمن بفوائد الصيام في الدنيا والآخرة عِلمٌ غير محقق لأن فوائده خفية وأسراره قد لا تتوصل إلى معرفتها ولذلك يرغّبك في هذه العبادة حتى لو لم تدرك فوائدها إدراكاً كاملاً.
* في الآية قبلها قال (أياماً معدودات) جمع قلة والشهر ثلاثون يوماً وجمع القلة حتى العشرة فكيف نفهمها؟( د.فاضل السامرائى)
يجوز من باب البلاغة للتكثير يجوز وضع أحدهما مكان الآخر كما يستعمل القريب للبعيد والبعيد للقريب لكن قلنا هنالك أمران الأمر الأول أنه تهوين الأمر على الصائمين أنه شهر، أياماً معدودة وهو لا يقاس بالنسبة للأجر أنت تدفع هذه الأيام بالنسبة لما في الأجر فهي قليلة جداً، لا يقاس بأجره العظيم لما فيه من عظمة الأجر جزاء هذا الذي تعمله شيء قليل وليس كثيراً هذا ثمن قليل لما سيعطيك ربك هذا ثمن قليلة فهي معدودات. ومن ناحية قالوا أن الصيام كان فعلاً ثلاثة أيام في الشهر (أياماً معدودات) وكان مخيراً بين الفدية والصيام، فإذن كان فعلاً اياماً معدودات (ثلاثة أيام). إذن تؤخذ من باب التهوين وأنها هي قليلة بالنسبة لما سيعطيك الله تعالى فهي قليلة وتهوينها على الصائم .
* (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) ما إعراب كلمة هدى؟( د.فاضل السامرائى)(1/461)
فيها احتمالان أن تكون حال أي (هادياً للناس) أُنزل القرآن هادياً للناس أو مفعول لأجله أي لأجل هداية الناس. المفعول لأجله لا يشترط أن يسبق بلام وإنما هذا معنى المفعول لأجله وليس لازماً (فعل ذلك ابتغاء مرضاة الله) لم يقل لابتغاء مرضاة الله، معنى اللام أو معنى من ولكن هي في المعنى هكذا (يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ (19) البقرة) من الحذر، (حذر) مفعول لأجله. المفعول لأجله بيان عِلّة الفعل وسبب حدوث الفعل أي السبب الذي من أجله حدث الفعل سواء كان علّة مبتغاة كما تقول أدرس طلباً للنجاح هذه علة مبتغاة غير موجودة أو هي الدافع للنجاح. تقول قعد جبناً ليس لابتغاء الجبن لكن الجبن سبب قعوده، الجبن هو علة القعود. إذن المفعول لأجله نوعين إما أن يبتغي شيئاً غير موجود وإما يكون السبب الدافع لطلب الفعل علّة موجودة في نفسه دفعته إلى القيام بهذا الفعل وليست لابتغاء الفعل. (هدى للناس) في الآية هداية للناس الهداية غير موجودة لولا القرآن، لولا القرآن لم تكن هنالك هداية فإذن هي ابتغاء علة لم تكن حاصلة لكن بالقرآن يحصل هذا الأمر. فإذن فيها أمرين: إما حال وإما مفعول لأجله، بهذه الطريقة يجمع معنيين معنى الحالية ومعنى المفعول لأجله ولو أراد الحالية لقال هادياً للناس وهناك فرق بين الحال والمفعول لأجله الحال يبين هيئة صاحبه. *ما الفرق بين هادياً وهدى؟( د.فاضل السامرائى)(1/462)
هادياً إسم فاعل وهدى مصدر وهناك فرق كبير بينهما حتى لو كان التنصيص على الحاليّة في غير هذا فهناك فرق كبير المصدر وإسم الفاع، فرق كبير بين أقبل راكضاً وأقبل ركضاً وكلتاهما حال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً (15) الأنفال) ما قال زاحفين هذه حال، (يأتينك سعياً) لم يقل ساعيات مع أنها حال لكن لماذا اختار؟ إسم الفاعل يدل على الحدث وذات الفاعل ،لما تقول قائم يدل على القيام مع الشخص الذي اتصف به، إذن قائم فيها شيئين الحدث وهو القيام وذات الفاعل لكن القيام هوالمصدرالمجرد ليس فيه نفس الارتباط الذي مع اسم الفاعل. لما تقول أقبل راكضاً، راكضاً يدل على الحدث وصاحب الحدث، أقبل ركضاً تحوّل الشخص إلى مصدر، هو صار ركضاً. ولذلك هذا ليس قياساً عند الجمهور مع أنه يقع كثيراً وربنا تعالى لما ذكر إبراهيم (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا (260) البقرة) ما قال ساعيات اي ليس فيهن شيء يُثقلهن من المادة يتحولن من أقصى الهمود إلى حركة أي هنّ أصبحن سعياً ولو قال ساعيات يعني فيها صفة من الصفات فيها الحدث وصاحب الحدث، هناك فرق أقبل ماشياً أقبل مشياً ليس فقط ماشياً وإنما تحوّل إلى مشي.
(الذي أُنزل فيه القرآن هدىً) يذكرون في الإخبار المصدرعن الذات أوالعكس أوالوصف: محمد ساعٍ هذا عادي ، لكن محمد سَعْيٌ هذا لا يجوز إلاعلى ضرب من التجوز أي محمد تحوّل إلى سعي لذلك لما قال تعالى لنوح عليه السلام(إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ (46) هود) لم يقل عامل أي إبنك تحول إلى كتلة عمل غير صالحة لم يبق فيه شيء من البشرية والإنسانية ولذلك هذا لا يجوز إلا على ضرب من التجوّز والمبالغة.(1/463)
إذن هدىً لها إعرابان إما حال وإما مفعول لأجله والاثنان مطلوبان لأنه لو أراد الحالية لقال هادياً.
المعنى الدلالي للمفعول لأجله هو بيان العلة. (بيّناتٍ) أي وأُنزِل آيات بينات واضحات الدلالة، (وبينات) الواو حرف عطف، بينات معطوفة على هدى، العطف يصح من دون تقدير، مثل أقبل محمد وخالد أي أقبل محمد وأقبل خالد، لا يحتاج إلى تقدير فعل مغاير هنا افعل واحد إذن أُنزِل آيات بينات واضحات الدلالة أُنزل هدى للناس وأُنزل آيات بينات واضحات الدلالة من الهدى والفرقان (بينات صفة منصوبة)، الصفة لا نقصد إعرابها نعتاً ولكن هي صفة يعني إما إسم فاعل أو إسم مفعول أو صفة مشبهة أو صيغ مبالغة أو إسم تفضيل هذه تسمى صفات وهذه صفة مشبهة (فيعل) مثل ميّت، جيّد، طيّب، ليّن، هيّن، بيّن، هذه صفات مشبهة. هنا أُنزل آيات بينات واضحات الدلالة فتكون بيّنات حال لأنها مصدر والمفعول لأجله لا بد أن يكون مصدراً هذا ليس مصدراً وإنما صفة مشبهة والحال إسم فضلة منصوب أما المفعول لأجله فلا بد أن يكون مصدراً مصدر فضلة مفيد عِلأّة (فضلة يعني لا مسند إليه ولا مُسند، والركن هو المسند والمسند إليه)، (بينات) حال. (الفرقان) أي الفارق بين الحق والباطل أي أُنزل بينات من الهدى، هو هدى للناس هذا للعموم وفيه آيات بينات تبين الحجج الدامغة على أنه من عند الله هذه هدى وفيها أحطام عظيمة جداً تهدي الناس. هدى للناس هذه عامة، وبينات من الهدى والفرقان خاصة.(1/464)
في أول سورة البقرة قال (هدى للمتقين) هنا قال (هدى للناس) والآيتين في البقرة فإذن القرآن فيه هداية عامة وفيه هداية خاصة (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى)، هداية عامة (هدى للناس) (وبينات من الهدى) فيه آيات بينات تستدل منها على أن هذا القرآن قطعاً من فوق سبع سموات، فيه دلائل آيات واضحة تحتج بها على أن هذا القرآن هومن عند الله وهناك آيات أحكام هادية للناس في معاملاتهم تفرق بين الحق والباطل إذن هناك هداية عامة وهداية خاصة واستخدم الكلمتين بالمعنيين هنا، (هدى للناس) هدى عام (وبينات من الهدى) هدى خاص،والفرقان تأتي ليس خاصة فقط بالقرآن،(قرآناً فرقناه)نزل مفرّقاً بين الحق والباطل.الفاروق صفة مبالغة(فاعول)والفرقان مصدروهي أقوى.
*(فمن شهد منكم الشهر) كيف يشهد الشهر؟ هل يراه مثلاً؟( د.فاضل السامرائى)
(فمن شهد) أي من كان حاضراً غير مسافر، من كان مقيماً وليس مسافراً شهد الشهر ليس شاهد الهلال أو رأى الهلال. تقول أشهِدت معنا؟ أي كنت حاضراً معنا؟. (وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود) وشرط الشهادة أن تكون حاضراً وليس مسافراً لأنه ذكر المسافر فيما بعد. ثم قال (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) لم يقل من كان منكم مريضاً كما قال ومن شهد منكم الشهر.
*قال في الأولى كُتب عليكم الصيام باستخدام عليكم فلماذا قال منكم؟ (د.فاضل السامرائى )(1/465)
قال كُتب عليكم، الفرق في الاية الأولى تقدمها قوله (كما كتب على الذين من قبلكم) لو قال فمن كان مريضاً ما قال منكم كات يُظن أن هذا حكم الأولين وليس لنا هذا الحكم (أي منكم وليس من الذين من قبلكم). هنا قيّد فلا بد أن يذكر (منكم) لئلا ينصرف المعنى للذين من قبلكم، إنما ليس لها نفس المكان في الثانية (ومن كان مريضاً) وليس في القرآن ولا حرف زائد مطلقاً. لم يقل تعالى (وأن تصوموا خير لكم) كما قال في سابقتها لأنه إذا قرأنا الآية نفسها (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) قال يريد بكم اليسر فكيف يقول أن تصوموا خير لكم؟ وهذا من تمام رأفته ورحمته بنا سبحانه وتعالى.
((1/466)
وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)هذه اللام فيها احتمالان: احتمال أن تكون اللام زائدة في مفعول فعل الإرادة يعني يريد لتكملوا العدة والقصد منها التوكيد لأن فعل الإرادة يتعدى بنفسه (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وهنا جاء باللام وهو يقع كثيراً في مفعول فعل الإرادة للتوكيد فاحتمال أن تكون هذه اللام مزيدة في مفعول فعل الإرادة بقصد التوكيد.(1/467)
والآخر يحتمل أن يكون للتعليل والعطف على علّة مقدرة وذكرنا أمثلة وهناك أمور يريدها لكن الآن هو ذكر مناط الأمر وذكرنا جملة أمثلة مثل قوله تعالى(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) البقرة) الآن المقصود العلة ولكن هناك علل بدلالة الواو أن هنالك علل أخرى محذوفة لا يتعلق الآن غرض بذكرها لأنها ليست فقط لهذه العلة لأن أصل السؤال أنى يحيي الله هذه بعد موتها، فأماته الله، ما ذكرها بينما هو صاحب الشأن فذكر ما هو أهم وهنالك أمور أخرى وعِلل لكن ما ذكرها وإنما ذكر ما يتعلق بإرادة المتكلم وهو أن يجعله آية للناس وذكرنا كيف يكون العطف على مقدّر (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (36) النساء) في غير العلّة، قلنا وبالوالدين على أي شيء معطوف؟ ليس هناك شيء والمعنى أحسنوا بالوالدين إحساناً، وهذا كثير في القرآن الكريم وفي لغة العرب.
((1/468)
وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) (ما) تحتمل معنيين بمعنى التي والمصدرية بمعنى الهداية ونرجح المعنيين فهما مرادان، أي على الذي هداكم وعلى هدايته لكم. السياق أحياناً يعين على فهم دلالة واحدة. (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (23) الأحزاب) بمجرد أن قال (عليه) تحدد معنى (الذي) ولو لم يقل عليه لاحتملت ما الموصولة أو المصدرية فطالما لم يحدد يُطلق.
*هل البَدَل يفيد التوكيد؟( د.فاضل السامرائى)
للبدل عدة أغراض منها:
أن يكون للإيضاح والتبيين كما في قوله تعالى (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) البقرة) طعام مسكين إيضاح للفدية.
*ما دلالة ذكر (منكم) وحذفها في آيتي سورة البقرة 184-185 (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)؟(د.حسام النعيمى)(1/469)
في الآية الأولى قال (منكم) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). هنا ذكر قوماً آخرين (كما كتب على الذين من قبلكم) لما ذكر الآخرين قال (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الخطاب عن المسلمين. الآية الأخرى بدأها بقوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الكلام معهم وذكر (منكم) (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ) واضح (منكم) لأنهم مخاطبون. فلو قال في غير القرآن : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان منكم مريضاً يكون تكراراً لا معنى أن يقال ومن كان منكم لأنها مذكورة فلا تحتاج الإعادة بينما في المرة لم تذكر (منكم) وإنما ذكرت (من قبلكم) فقال (منكم) والخطاب والكلام مع المسلمين.
*(يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) البقرة) لماذا كرر الشكر بعد ذكر أحكام الصيام (ولعلكم تشكرون) ولم يقل تفلحون؟)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
ذلك أن الصيام قد يُظن لأول وهلة أن هذه العبادة شاقة عليه فإذا ما انتهى منها أدرك لطف الله سبحانه وتعالى به وهذا ما نجده بعد الإنتهاء من صيام يوم أو صيام شهر فنشعر بفضل الله تعالى علينا وكيف أعاننا على القيام بهذه الفريضة فندرك عظمتها ونستشعر آثارها في أرواحنا فنتوجه إلى الله تعالى بالشكر على هذه العبادة العظيمة وعلى عونه لنا على أدائها.
آية (185):
*انظر آية (2).???(1/470)
آية (186):
* (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)) هذه الآية جاءت بين آيات الصيام فلماذا؟ (د.فاضل السامرائى)
هذه الآية وردت بين آيات الصوم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) البقرة) وما يتعلق بالصوم (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ (187) البقرة). ورود هذه الآية في هذا الموضع يدل على أن الصوم من دواعي الإجابة. إذن يحسن أو ينبغي أن يُدعى الله سبحانه وتعالى في هذا الوقت. وفي الحديث" للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة" وحديث "ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل والصائم حتى يُفطر" إذن وقوعها بين آيات الصوم ما يوضّح أن الصائم مستجاب الدعوة وإهابة بالصائم بأن يدعو. أيضاً الملاحظ أن هنالك أمر وهو أن الله سبحانه وتعالى هو الذي تكفل بالإجابة عن السؤال ولم يقل (فقل لهم إني قريب) كما ورد في مواطن كثيرة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى (122) البقرة) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِير (217) البقرة) (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (219) البقرة) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (15) طه). ربنا من دون تبيلغ تكفل بالإجابة مباشرة أما قوله (فقل إني قريب) هذا أمر بالتبليغ أما قوله (فَإِنِّي قَرِيبٌ) ربنا هو الذي أجاب وليس بالواسطة ليس بالنقل، هو الذي أجاب حتى عباده يجأرون إليه بالدعاء، هذا أمر.(1/471)
ثم ربنا سبحانه وتعالى تكفل بالإجابة إذا دعا الداعي ولم يعلق ذلك بالمشيئة فيقل إن شئت (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) لم يقل إن شئت أو شاء ربك كما في موطن آخر قال (قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) الأنعام). وجود المشيئة يعني ربما يفعل سبحانه وتعالى وربما لا يفعل وعدم وجود المشيئة يعني قطعاً تجاب دعوته، قطعاً الصائم تجاب دعوته إن لم تكن في الدنيا تُدّخر له في الآخرة أو يُدفع عنه سوء.
سؤال: هل نفهم من هذا بأن النسق العام في سورة البقرة صيام وأن هذه الآية خاصة بالصائم فقط؟
دعاء في طاعة ليس في قطيعة رحم بينما الآية الأخرى جاءت عندما وقعوا في الحرج (قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) الأنعام) أما هؤلاء طائعين في وقت طاعة وهم صيام.
ونلاحظ أمراً آخراً هو أنه قدم الإجابة الدالة على جواب الشرط فقال (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) لقل إذا دعاني أجيبه، الأصل أن يأتي بأداة الشرط ثم جواب الشرط، الآن قدم الجواب للتأكيد على قوة الوعد فقدم الإجابة على الشرط تنبيهاً على قوة الوعد وأن هذا حاصل.(1/472)
ثم نلاحظ أنه قال (إِذَا دَعَانِ) ولم يقل إن دعان مع أن الاثنين أدوات شرط وفي هذا إشارة أن العبد مطلوب منه أن يكثر الدعاء. (إذا) آكد من إن (إن) تأتي في الأمور المحتملة الوقوع والمشكوك فيها والموهومة والنادرة والمستحيلة وسائر الافتراضات حتى إذا كانت مستحيلة (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) الزخرف)، (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (9) الحجرات) هذه قليلة لأن (إن) للمحتمل الوقوع القليل والوقوع المشكوك في حصوله والموهوم والنادر (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي (143) الأعراف) ولو قال (إذا) يعني يستقر في الغالب. (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) القصص) هذا افتراض وليس حاصلاً.(1/473)
بينما (إذا) للمقطوع بحصوله أو الكثير الوقوع مثل (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة) الموت سيأتي، (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ (5) التوبة) لا بد أن تنسلخ (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ (10) الجمعة) لا بد أن تقضى، ولذلك في يوم القيامة الآيات تأتي بـ (إذا) ولا يمكن أن يؤتى بـ (إن) (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ (1) الإنشقاق) (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) الزلزلة) لأنها واقعة لا محالة، أو كثير الوقوع (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (86) النساء) حتى لو اجتمعت إذا وإن في موطنين يأتي مع كثير الوقوع بـ (إذا) ومع قليل الوقوع يأتي بـ (إن) مثال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ (6) المائدة) جنباً قليلة، (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ (25) النساء) قليلة، (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ (282) البقرة) (فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ((1/474)
282)) قليل، إذن هذا الخط العام في اللغة فلما يقول (إذا دعان) إذن المفروض أن يدعو وليس هكذا يدعو لما يقع في مصيبة ويدعو على حرف. قوله (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (280) البقرة) هذا أقل ممن يستحق الزكاة. هذا نسق اللغة قال (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) إذن الدعاء شرط الإجابة وهو مطلوب والدعاء مخ العبادة وربنا يغضب إذا لم يُدعى ربنا غضب على أقوام أخذهم بالباساء والضراء فلم يتضرعوا (وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (43) الأنعام) (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) المؤمنون) إذن الدعاء مطلوب لا تقول ربنا يعلم الحال وتسكت، الدعاء مخ العبادة. ربنا يغضب إذا لم يُدعى والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في بدر حتى ظهر بياض إبطيه وسقطت عباءته فالدعاء مطلوب وهو مخ العبادة.
استطراد من المقدم: البعض يقولون أن سيدنا إبراهيم لم يدع وإنما قال أن الله تعالى أعلم بحاله لكن هناك من محققي التاريخ من كذب هذه الرواية وقال أنها مغلوطة وأن سيدنا إبراهيم - عليه السلام - دعا بالفعل.
قال (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) غافر)، (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) يعني يهتدون إلى مصالح دينهم ودنياهم. قال أجيب دعوة الداعي ولم يقل أجيب الداعي الدعوة ما يريده الداعي لم يقل أجيب الداعي لكن بماذا يجيبه؟ بدعوته، يجيب الداعي بما يبتغيه.(1/475)
قال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي) مرسومة بالياء ولم يقل "عبادِ" في القرآن الكلمتان موجودتان عبادي مرسومة بالياء وعبادِ بالكسرة وكلتاهما مضافة إلى ياء المتكلم. في القرآن عندما يقول (عبادي) بالياء مجموعة العباد أكثر فكأنه يحذف معناه أن العباد أقل. عبادي أحرفها أكثر من عباد فهم أكثر هذا في القرآن كله إذا قال عبادي بالياء فالمجموعة أكثر مثال (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا (53) الزمر) هؤلاء كثرة لأنه (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف)، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ (186) البقرة) كلهم بدون استثناء لم يستثني فجاء عبادي بالياء، يجبهم كلهم .(فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (18) الزمر) قلة، (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر)، (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) العنكبوت) هناك قال اتقوا ربكم صارت التقوى إضافة إلى الإيمان وهنا لم يقل اتقوا ربكم، ثم هو قال (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر) هؤلاء قلة، (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) العنكبوت) كثرة فجاء بـ(عبادي) مع الكثرة و(عبادِ) مع القلة.(1/476)
من حيث الإعراب (عبادي وعبادِ) واحد، (عبادي) عباد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه وفي (عبادِ) هذه تقديراً، مضاف ومضاف إليه مركب. هذه من خصوصيات الإستعمال القرآني فعندما قال تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان) يعني هو يجيبهم كلهم.
قال (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) لم يقل أجيب دعوتهم، ما قال إذا سألك عبادي عني أجيب دعوتهم لأنه يقصد لعموم والشمول ليس فقط السائلين لا يجيب فقط من سأل عنه وإنما يجيب كل داعي. عندما قال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) ليس كل العباد يسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الله وإنما هو في زمن معين في وقت معين في جماعة معينة، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) هذه ليست خاصة بالسائلين وإنما بكل داعي فقال (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) لأنه لو قال أجيبهم سيكون الكلام على من سأله فإني أجيبهم يعني الكلام عمن سأل وهو لم يخصص وإنما وسّع (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) يعني وسّع الدائرة مرتين عندما جاي بياء المتكلم في عبادي وعندما أطلق (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).(1/477)
نلاحظ هناك أمر أن الآية سُبقت بقوله تعالى (وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) البقرة) هذا يدل على أن الدعاء يكون بعد الثناء على الله تُكبر وتثني على الله بما هو أهله ثم تدعو ولذلك قالوا هي جاءت بعد قوله تعالى (وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) وما يوضح هذا قوله (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) الفاتحة) جاءت بعد الثناء على الله (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)) لا تدعوا هكذا، يجب أن نثني عليه أولاً بأية صيغة مثل يا رب لك الحمد، سبحانك يا من تجيب دعوة المضطرين، يا رحمن يا رحيم.
ثم قال (فَإِنِّي قَرِيبٌ) ولم يقل "فأنا قريب" أكّد قربه بـ (إنّ) المشددة لم يقل (فأنا) لأنها غير مؤكدة. إنّ تفيد التوكيد فأكّد قربه سبحانه وتعالى من عباده وهي آكد من (أنا).
*مداخلة في الآية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) دعوة الداعي التركيز على الدعوة ولو كان التركيز على الداعي والداعي إسم فاعل فكان يجب أن يحسن الدعاء ولكن ماذا عن الأصم الذي يدعو بقلبه فلذلك يدخل في الدعوة.
*ما دلالة استخدام (وإذا) بدل (وإن)؟( د.فاضل السامرائى)(1/478)
قبل هذه لم يقل فقل لهم إني قريب وإنما تكفل تعالى بالإجابة مباشرة كما خاطبهم مباشرة (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) ما قال قل لهم كتب عليهم الصيام كذلك في الدعاء لم يقل قل لهم وإنما قال (فإني قريب) مع أنه في آيات أخرى عندما يكون هناك سؤال يقول قل، مثلاً (يسألونك عن المحيض قل هو أذى) أما في هذه الآية تكفل الله تعالى بالإجابة مباشرة. هو يُدعى سبحانه وتعالى بلا واسطة وهو يجيب مباشرة حتى نلاحظ معظم سألك في القرآن يأتي بعدها (قل). ثم إنه قال (أجيب دعوة الداع) لم يقل إن شئت أو إن شاء ربك كأنه أجاب بينما نلاحظ في آية أخرى ( بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) الأنعام) لم يقطع بينما في آية الصيام فالإجابة لا بد أن تكون إما يعجل له أو يُدّخر له أو يرد عنه بمقدارها من الأذى كما في الحديث، أجيب دعوة الداع لم يعلقها بشيء.(1/479)
أما استخدام (إذا) لأنه أراد سبحانه وتعالى أن يكثر الناس من الدعاء لأن (إذا) تفيد الكثير والمقطوع ولم يقل (إن)،فالمطلوب أن يكثروا من الدعاء ويلحوا في الدعاء، (إن) وتستعمل للشك لمحتمل الوقوع والنادر والمستحيل الوقوع أما (إذا ) فهي لمقطوع الوقوع أو كثير الوقوع. (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ (180)هذا مقطوع الوقوع ، وقال (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) هذه قليلة. قال (إذا سألك) وقال (إذا دعان) هذه إشارة أن المطلوب من العبد الإكثار من الدعاء وعليه أن يكثر من الدعاء وفيها الدعاء شرط الإجابة (أجيب دعوة الداع إذا دعان) جعل الله تعالى الدعاء شرط الإجابة ومن باب التوكيد قدّم الإجابة على الدعاء. مثلاً إذا جئت إليّ أُكرمك، أنت بنيت كلامك على الإجابة حتى النحاة يقولون لما تقول أكرمك إن جئتني، هو قال له أُكرمك. بنى على الإخبار بالإكرام وهنا ربنا بنى على الإجابة، الإجابة بفضل الله متحققة والله تعالى يريد من العباد أن يدعوا والدعاء شرط الإجابة. وقال تعالى (أجيب دعوة الداع) وليس أجيب الداعي لأن الدعوة هي المطلوبة بالذات. يجيب ما تريد أنت أي يجيب الدعوة. وربنا يغضب إذا لم يدعوه العبد ويحب الملحاح في الدعاء وغضب ربنا على أقوام لأنهم لم يدعوه (وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ (43) الأنعام) (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) المؤمنون) (قل أعوذ برب الفلق) أي ادعُ وقلها لا في نفسك فقط، عندما يقول أعوذ يعني أنه يحتاج لمن يعينه فينبغي أن يقولها.(1/480)
*(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة) لِمَ عبّر بقوله (إذا) في أول الآية ولم يقل (إن سألك)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لأن (إن) تفيد التشكيك والتقليل بخلاف (إذا) التي تفيد الجزم لأنه عندما تذوق حلاوة ما أعطاك الله تعالى من إشراقات في الصيام فإنك تتجه إلى شكره وسؤاله أن يزيدك من فضله العظيم. وانظر كيف جاء جواب السؤال في قوله (فإني قريب) ولم يقل (قل) لأن (قل) هنا يحتاج إلى مدة وإن كانت قصيرة فهي لا تتناسب مع القرب في الإجابة فأراد ربنا سبحانه وتعالى لأن يجعل القرب في الإجابة عن السؤال دون وساطة فجعل الجواب منه لعباده مباشرة وجاءت الفاء في الجواب (فإني) لتفيد السرعة والمباشرة الفورية التي تتناسب مع هذا العطاء الرباني العظيم فقال تعالى (فإني قريب).
*ما اللمسة البيانية في قوله تعالى في سورة البقرة (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)؟( د.فاضل السامرائى)
في هذه الآية تقدّم جواب الشرط على فعل الشرط ومعناه أن الله تعالى يجيب دعاء العبد حتى قبل أن يبدأ بالدعاء. وفي الآية لفتة أخرى أنه في سياق القرآن كله عندما تأتي الآية فيها وإذا سألك أو يسألونك يأتي الردّ من الله تعالى لرسوله (قل) إلا في هذه الآية فقد جاء الردّ مباشرة من الله تعالى لعباده في خطاب مباشر ليس بين الله تعالى وعباده أي وسيط حتى لو كان الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - . فما على العبد إلا الدعاء والله تعالى يجيب دعاء عباده فسبحانه وتعالى.
* ما الفرق بين ذكر الياء وعدم ذكرها في (عِبَادِي) (عِبَادِ)؟( د.فاضل السامرائى)(1/481)
هذه ظاهرة في القرآن. عبادي وعبادِ أيها الأكثر حروفاً؟ عبادي. كلما يقول عبادي يكون أكثر من عبادِ مناسبة لسعة الكلمة وطولها وسعة المجموعة. (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ (186) البقرة) كل العباد تسأل، هذا لا يخص عبداً دون عبد إذن هي كثيرة. (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء) كل العباد مكلفين أن يقولوا التي هي أحسن.
(فبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) ما قال يستمعون الحسن وإنما أحسنه وهؤلاء قليل.
آية (187):
*ما دلالة كلمة اللباس فى الآية (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ (187) البقرة)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
تأمل هذا التشبيه القرآني وقد جاءت هذه الآية لتعبر عما تحمله نلك العلاقة المقدسة بين الرجل والمرأة وما يمثله كل واحد منهما لصاحبه وذلك بتشبيه كل واحد منهما باللباس للآخر. اللباس الذي يستر العورات ويدفيء صاحبه ويمنع عنه الأذى والضرر إلى غير ذلك من المنافع الكثيرة. فلو أردت أخي المؤمن وضع كلمة مكان (لباس) لما أدّت إلى المعنى المراد ولما وسعت ذلك الشمول الذي احتوى عليه التشبيه الرائع.
*ما الفرق بين (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا)و( فلا تعتدوها)؟
*د.أحمد الكبيسى :(1/482)
رب العالمين يقول (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا (187) البقرة) ومرة قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (229) البقرة) في قضايا معينة، الأولى قال (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا (187) البقرة) وآية أخرى يتكلم عن الخلع إذا كرهت المرأة زوجها من غير سببٍ منه عليها أن تفتدي (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) البقرة) ما الفرق بين (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) وبين (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا)؟ الحدّ نوعان حدٌ بين الحلال والحرام، هذا حلال وهذا حرام. يعني حدّ صلاة الظهر الساعة 12 وثلث مثلاً إلى الساعة ثلاثة ونصف ليس لك الحق قبل هذا أن تفعل وليس لك بعد هذا أن تفعل فهذا حدٌ بين الحلال والحرام، الصلاة بعد الرابعة والنصف مثلاً حرام والصلاة قبل الثانية عشر والربع حرام، إذاً هذا حدٌ بين الحلال والحرام فهذا إذاٍ يقول لا تعتدوها لا تعتدي هذا الحد لا تتعدى هذا الحد الذي حدّه الله لك في مسألة أوقات الصلاة. مثلاً إذا كان هناك ذنب خطير قال لا تقربوها (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) إذاً إذا سمعت الله سبحانه وتعالى يقول فلا تقربوها فاعلم أنك أمام جريمة خطيرة لاحظ (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى (43) النساء) (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (152) الأنعام) (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ (151) الأنعام) وهكذا كلها جرائم خطيرة.(1/483)
كذلك (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) أنت زوجتك معتكفة في رمضان أو في غير رمضان، في المسجد يعني كيف تواقعها في هذه الحالة؟ كيف استطعت أن تفعل هذا وهي في المسجد معتكفة؟ والمعتكف في المسجد يعني لا يخرج منه. إذاً رب العالمين قال (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فهناك كانوا أيام المسلمين الأوائل وحتى الآن في رمضان هناك أماكن لاعتكاف النساء وهناك أماكن لاعتكاف الرجال، فربما تتاح خلوة لزوجين إياك أن تفعل شيئاً لأنك في بيت الله عز وجل ولأنكما معتكفان. فحينئذٍ خطير أنت تفعل هذا قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا). وحينئذٍ عليك أن تتأمل كلما جاءك في الكتاب العزيز (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) أن تتوقف تماماً بقوة وخشوع. هكذا الفرق بين (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) وبين (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) هذا حدٌ بين الحلال والحرام وهذا حدٌ دون جريمة عظيمة يعاقب الله عليها عقاباً عظيماً.
* ورتل القرآن ترتيلاً :(1/484)
قال تعالى:(وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا (187) البقرة) الحدّ هو الحاجز ونهاية الشيء الذي إن تجاوزه المرء دخل في شيء آخر وشُبِّهت الأحكام بالحد لأن تجاوزها يُخرج من حِلٍ إلى منع. فلِمَ نهى الله تعالى المؤمن عن قربان الحد مع أنه في غير آية نهى عن تجاوزه كما في قوله تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (229) البقرة)؟ نهى الله تعالى عن المقاربة لأن بين الصيام والإفطار قيد خيط أو شعرة وإن استمر المرء على الأكل أفطر وإن أكل قبل هذا الخيط أفطر أيضاً ولذلك نهى عن قربان هذا الحد لأنه دقيق سرعان ما يخرج المرء منه وهو غير شاعر بما فعل. روى البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم قال: عندما نزلت (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا أستبين الأبيض من الأسود فغدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك فقال - صلى الله عليه وسلم - : إنك لعريض القفا (كناية عن ضعف إدراكه لهذه المسألة) إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار.(1/485)
* ما الفرق بين (يبين الله لكم آياته) و(يبين الله لكم الآيات)؟ (كذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) البقرة) (كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)) (وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221))؟( د.فاضل السامرائى)(1/486)
آياته مضافة إلى لفظ الجلالة لتشريفها وتعظيمها. كلمة الآيات عامة من حيث اللغة أما (آياته) فخاصة إذن الإضافة إلى ضمير الله سبحانه وتعالى فيها تشريف وتعظيم. الآيات عامة من هذا يبدو لنا أنه في المواطن التي تضاف فيها إلى ضميره معناها أنها أهمّ وآكد، يعني المواطن التي يقول فيها (آياته) بالاضافة إلى ضميره سبحانه معناها أهم وآكد مما لم يضاف. إذن الآيات أعم أولاً والأمر الآخر أن آياته تكون في محل أهمّ وآكد لتشريفها. الأحكام المختصة بالحلال والحرام يقول آياته والتي الأقل منها يقول الآيات. (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) هذه أحكام، حلال وحرام قال آياته. (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) البقرة) قال الآيات لأن هذه ليس فيها حلال وحرام (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) هذه في المندوبات وليست في الفروض، وحتى في (يسألونك عن الخمر والميسر) لم يكن فيها تحريم بعد. ((1/487)
وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) هذه أحكام ومحرمات فقال (آياته)، مع الأحكام والحدود يقول آياته بإضافتها للفظ الجلالة وحسب الأهمية.
* ما الفرق بين يتقون (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187))، تتفكرون (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266))، يتذكرون (وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221))، تعقلون (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)) في خواتيم الآيات في سورة البقرة؟ وكيف نميز بينهم في الحفظ؟(د.حسام النعيمى)
حفظ كلام الله تعالى إنما يتأتّى بالتكرار لأن الآيات كما وُصفت كأنها الإبل الشوارد إذا لم تقيّدها بالمراجعة تشرد منك. فالآيات تحتاج إلى مراجعة ولذلك كانوا يقومون الليل بآيات طويلة ويراجعون وهم في الطريق والمراجعة هي الأصل. لكن الإنسان يحاول أن يجد رابطة ما بين خاتمة الآية وبين الآية حتى لا تلتبس عليه. وهذه الآيات لا نقول متشابهة وإنما هي متقاربة متماثلة وذكرنا سابقاً أن المتشابه هو الذي معناه مفهوم ولكن فيه مساحة للغيب.(1/488)
لو نظرنا في سورة البقرة وردت: لعلكم تتقون، لعلكم تعقلون، لعلكم تهتدون، لعلكم تفلحون، لعلكم تتفكرون. لما ننظر إلى الآيات نجد فيها إرتباطاً وثيقاً. عندما يقول (لعلكم تتقون) في أربع آيات في سورة البقرة. طبعاً لعلّ بمعنى (كي) يكون هذا لعلّكم كذا لأن لعل في القرآن من الله إذا كانت في وعد من الله سبحانه وتعالى فمعناها واقعة.ولما ننظر إلى الآيات نجد أنها تأتي بعد فرض طلب يعني فعل أمر(إفعلوا) أو فعل مضارع بـ لا الناهية(لا تفعلوا) أو بـ (كتب) بمعنى فرض. هذه في سورة البقرة ويمكن أن ننظر في القرآن بجملته حتى نجد قاعدة عامة .(1/489)
الذي وجدناه في سورة البقرة أن كلمة (تتقون) وردت أربع مرات في السورة كلها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)) (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)) (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)) (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)). لما ننظر إلى هذه الآيات: التقوى هي تجنّب الوقوع فيما لا يرضي الله سبحانه وتعالى حتى لما أحد الصحابة سُئل: ما التقوى؟ قال: أمررت بأرض مشوكة (فيها شوك)؟ قال: نعم، قال: ماذا تصنع؟ قال: أشمّر يعني أرفع ثيابي حتى لا تتمزق بالشوك، قال: هذه التقوى،(1/490)
الآيات الكريمة تتحدث في هذا المثال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا) هناك موضوع معيّن يتكلم فيه وهو الصيام ثم تأتى الآية ويقول تعالى (فَلَا تَقْرَبُوهَا) هنا نهي (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) هذا الكلام عام ، هذه حدود شرع الله سبحانه وتعالى فلا تقربوها، يبيّن آياته حتى تتقوا مخالفتها. هناك مناسبة بين صدر الآية وخاتمتها.
والذي يتبيّن لنا طبعاً الآيات تكون أحياناً للخطاب (لعلكم تتقون) وأحياناً للغيبة (لعلهم يتقون) و أحياناً القرآن يخاطب وفجأة ينتقل للغيبة ذلك عندما يكون الكلام عاماً عندما يريد الحكم أن يكون عامّاً مطلقاً يتحول من المخاطب إلى الغائب ليكون لجميع الغائبين وليس لهؤلاء الذين خوطبوا لجزئية معينة.(1/491)
لما نأتي إلى (لعلكم تتفكرون) نجد أنها وردت مرتين في سورة البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)) (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)) الكلام على قضية تستدعي التفكيرو طلبٌ للتفكر إما بضرب مَثَل حتى يتأمل الإنسان هذا المثل وإما يكون جواباً عن سؤال حتى يتفكر في الإجابة عن السؤال. والآيتان فيما يتعلق بالمال. فى الآية الثانية:الآيات السابقة والآيات اللاحقة كلها على الإنفاق فلما كان الكلام على الإنفاق، على المال والعطاء ضرب الله عز وجل للمخاطبين هذا المثل . أُنظر الصورة من يودّ هذا؟ شيخ كبير عنده ذرية ضعفاء تزوّج على كِبَر أو تزوج فتاة صغيرة وهو كبير وصار عنده ذرية ضعفاء يفكر فيهم وفيها ثمر تأتي نار تحرقه لا أحد يودّ ذلك. (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) تفكّر، شغّل عقلك، هذا المال الذي عندك قد يحرقه الله تعالى في أية لحظة فأنفق منه.
(لعلهم يتذكرون): التذكّر للإتّعاظ أنه تكون له عظة بذلك. فوجدنا أنه في سياق بيان مخالف لعُرفِهِم. يعني الأعراف عندهم بشيء معيّن ثم يأتي الحكم مخالفاً للعُرف الإجتماعي فعند ذلك يُطلب إليهم أن يكون لهم بهذا الكلام عظة وعبرة يتّعظون به فلا يخالفوه.(1/492)
في سورة البقرة (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)) .
الآية تريد أن تعالج عُرفاً إجتماعياً أن الإيمان هو المقدّم وليس النسب وليس أي شيء آخر العُرف الإجتماعي عند العرب أنه إذا أراد أن يتزوج لا يختار أَمَة ولكن يختار حُرّة ولا يزوّج إبنته لعبد وإنما يزوجها لحُرّ وإن كان أياً كان. (أولئك أي المشركين)، لعلهم يتذكرون أي لعلهم يتعظون، تكون لهم بعذا الكلام عظة وعبرة: خُذ العبد لإبنتك وخُذ الأمَة لإبنك إذا كانا مؤمنين أفضل فهذه موعظة لأنها مخالفة لعُرفٍ إجتماعي. والرجوع إلى سائر الآيات يُظهر هذا.
آية (189):
* انظر آية (177) .???
* وردت في القرآن ( يسألونك) و (ويسألونك) فما دلالة إضافة الواو وحذفها؟
*د.حسام النعيمى :(1/493)
الواو تكون عاطفة لكن نجد الآيات (يسألونك) في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)) هنا الكلام إنتهى عند (غفور رحيم) فلما يبدأ موضوعاً جديداً لا يبدأ بالواو وإنما يبدأ بـ (يسألونك) لأنه لا يريد أن يستكمل كلاماً سابقاً فقال (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) هذه الآية نفسها فيها يسألونك وويسألونك، لما بدأ بها بعد كلمة (والله غفور رحيم) بدأ بها غير معطوفة على ما قبلها بدأ (يسألونك) ثم في الآية نفسها قال (ويسألونك) معطوفة على يسألونك الأولى التي هي غير معطوفة على شيء فلا يقول (ويسألونك).
أحصيت المرات التي وردت فيها (يسألونك) من غير واو في تسعة مواضع هي في جميعها تكون في بداية كلام جديد: (يسألونك عن الخمر والميسر (219) البقرة)، (يسألونك عن الأهِلّة (189) البقرة)، (يسألونك ماذا ينفقون (215) البقرة)، (يسألونك عن الشهر الحرام (217) البقرة)، (يسألونك ماذا أُحل لهم (4) المائدة)، (يسألونك عن الساعة (187) الأعراف) (يسألونك كأنك حفي عنها (187) الأعراف)، (يسألونك عن الأنفال (1) الأنفال)، (يسألونك عن الساعة (42) النازعات)
ووردت (ويسألونك) في ستة مواضع كلها فيها عطف منها (ويسألونك ماذا ينفقون (219) البقرة)، (ويسألونك عن اليتامى (220) البقرة)، (ويسألونك عن المحيض (222) البقرة)، (ويسألونك عن الروح (85) الإسراء)، (ويسألونك عن ذي القرنين (83) الكهف)، و(ويسألونك عن الجبال (105) طه).
*د.فاضل السامرائى :(1/494)
يسألونك و(ويسألونك) له مواضع في القرآن. أحياناً تقع الأسئلة في وقت واحد، عدة أسئلة في موضع واحد في وقت واحد فالسؤال الأول (يسألونك) وفي الأسئلة الأخرى يقول (ويسألونك)، مثال (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ (219) البقرة) هذا ابتداء هذا أول سؤال وبعدها يأتي (ويسألونك) (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (219) البقرة) عطف على السؤال الأول (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى (220) البقرة) وبعدها (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ (222) البقرة) هذا سؤال آخر إذن السؤال الأول بدون واو (يسألونك) هذا ابتداء والآخر عطف على السؤال الأول فتأتي بالواو، هذه قد تكون من المواطن. هذا أمر أو يقع ضمن متعاطفات يعني السياق فيه متعاطفات فيقع السؤال ضمن المتعاطفات، مثلاً (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ (79) الإسراء) (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ (80) الإسراء) (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ (81) الإسراء) عطف كلها نفس السياق (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (82) الإسراء) (وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ (83) الإسراء) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ (85) الإسراء) وبعدها (وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ (86) الإسراء) وبعدها (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ (89) الإسراء) لاحظ كلها في سياق المتعاطفات ابتداء إذن (ويسألونك) عطف على المتعاطفات الكثيرة وهذا هو السياق أصلاً.(1/495)
أو واقع ضمن مشهد يحسن السؤال أو يتناسب السؤال مثل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) طه) هذه واقعة ضمن مشاهد القيامة قبلها قال (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107 طه) السياق هو هكذا (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) طه) هي وقعت في أمر يتناسب فيه السؤال. إذن إما أن تكون ضمن أسئلة متعددة فيبدأ بالأول بلا واو والأخرى عاطفة أو هو ضمن متعاطفات كما ذكرنا أو الموقف يحسُن فيه السؤال.
*قال تعالى (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى (189) البقرة) البِر مصدر ومن اتقى شخص، كيف البر هو الذي اتقى؟( د.فاضل السامرائى)
البارّ هو الذي يتقي وليس البِرّ، البارّ من اتقى وليس البر، البِرّ عمل وهو فعل الخير، لو تحول البر إلى شخص لكان شخصاً متقياً. فهم القرآن وأسراره هذا اختصاص والآخرين غير مكلفين بهذا وبوابة الدخول لفهم القرآن معرفة اللغة العربية والقدامى اشترطوا فيمن من ينظر في القرآن يريد أن يفسِّره قالوا التبحر في علم اللغة والبلاغة والتصريف والاشتقاق ولم يقولوا معرفة اللغة.
آية (191):
*ما الفرق بين كلمة ثقفتموهم وكلمة وجدتموهم في القرآن؟( د.فاضل السامرائى)(1/496)
قال تعالى في سورة البقرة (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ {191})
ثقف: ظفر به وأخذه . ولا تستعمل ثقفتموهم إلا في القتال والخصومة ومعناها أشمل من الإيجاد. وعنما لا يمون السياق في مقام الحرب يستعمل (وجدتموهم).
*ما الفرق بين(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ {191} البقرة)و(وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ{217} البقرة)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/497)
قال تعالى:(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ {191} البقرة) وفي آية أخرى (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ{217} البقرة). كلنا نعرف أن القتل من الجرائم العظيمة والأحاديث في ذلك مخيفة جداً (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء). إذاً هذا القتل تصور لو أن رجلاً كما وقع في التاريخ المعاصر لو أن رجلاً قتل مدينة كاملة فيها ملايين كما هو في هيروشيما وناكازاكي والخ والبقية تأتي. كيف يمكن أن تتخيل عقابه يوم القيامة؟ لا بد أن يكون عقابه كبيراً من حيث الكمّ وشديداً من حيث الكيف. هذا الفرق بين (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ{217} البقرة) هذا حجماً (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ {191} البقرة) يعني كيفاً أنت قد تعذب واحد بالضرب مليون سنة هذا كبير ولكنه ليس شديداً وقد تعذبه مليون سنة بالخوازيق والنار والأفاعي والعقارب وأنواع الحريق الخ هذا شدة. إذاً بقدر ما أن القتل سواء كان لفردٍ واحد (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) بحيث لو اجتمعت مدينة كاملة على قتل رجلٌ واحد لكان ينبغي أن يقتل رجال هذه المدينة بالكامل من كل من اشترك في قتله. تأمل هذا، تأمل هذه الأحاديث الواردة في هذا الباب أنه لو اجتمع عليه أهل السموات والأرض لو اجتمع على قتل رجل بغير حق قتل إنسان اجتمعت السموات والأرض كلهم ومن فيهن لأكبهم الله في النار من أجل قتل واحد هذا القتل يهون إلى جانب الفتنة. والفتنة لكي نكون واضحين في المعنى عندنا بلاء وعندنا فتنة هذان الأسلوبان من أساليب تمحيص الإيمان (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ {31} محمد) (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ {2} العنكبوت) إذاً امتحان الإيمان إما ببلاء تكرهه نفسك وإما بفتنة تحبها نفسك.(1/498)
قد يمحص إيمانك بما تكرهه مرض، سرطان، ظلم، عمى، يعني أنواع الأشياء المكروهة فقر شديد كل هذا ابتلاء لكي الله رب العالمين يعلمك تشكر وتصبر أو تكفر. وهذا دأبنا جميعاً كلنا نصاب ببلاء تكرهه أنفسنا من فقر أو مرضٍ أو سجنٍ أو ما شاكل ذلك منا من يصبر صبراً مطلقاً ومنا نسبياً ومنا من لا يصبر يجزع. هذا عن البلاء فيما تكرهه نفسك أما الفتنة فيما تحبه نفسك في النِعم كنت فقيراً فصرت غنياً جداً هل ستستعمل هذه النعمة في شكر الله في الصالحات تعين الناس؟ أم سوف يدعوك هذا إلى التكبر والطغيان والجبروت؟ الحُكم صرت ملكاً أو أميراً أو شيخاً أو رئيس جمهورية أو ما شاكل ذلك بعد أن كنت مغموراً هل هذه النعمة التي أنعم الله بها عليك ستستعملها في طاعته بالعدل والرحمة والشفقة وإحقاق الحق أو لا بالقتل والظلم والتعذيب في السجون وما إلى ذلك؟ العلم، الأولاد (أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ {14} إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ {15} القلم) إذاً هكذا الفرق بين الفتنة والبلاء أن البلاء فيما تكرهه نفسك والفتنة فيما تحبه نفسك وفي كلا الحالتين أنت ممتحن. بل أن النعم أحياناً أقسى من النقمة أحياناً تصبر على البلاء سجنت وعذبت وضربت وافتقرت صبرت ولكن عندما أصابتك النعمة لم تصبر طغيت صار عندك مال ونفوذ وحكم وهذا العصر هكذا نشهد كل هؤلاء الناس هناك طبقات من الناس تكافح حاكماً ظالماً، أحزاب وجماعات يسجنون تقطع أوصالهم بالتعذيب الذي فاحت روائحه يصبرون يخرجون من السجن أبطالاً وقد صبروا على أنواع التعذيب اللامحدود ثم قفزوا إلى الحكم وإذا بهم أسوأ من ذلك الظالم ألف مليون مرة. يعني لما أصابهم البلاء صبروا ولما أصابتهم النعمة لم يصبروا أشبعوا الناس ظلماً وقهراً وسرقات وفساد كما يحث في بعض دول العالم الآن. هذا الفرق إذاً بين الفتنة وبين البلاء.(1/499)
كيف الفتنة أكبر من القتل؟الفتنة أكبر من من القتل بكثير لأنها تمتد قروناً من العداوة والبغضاء مثل الأوس والخزرج دامت الحرب بينهما 120 عاماً فلما جاء الإسلام وحّد بينهم (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {63} الأنفال) إذاً قد يصطلحان بعد حرب دامت قرناً. حينئذٍ الفتنة أكثر من هذا تدوم قروناً طويلة لأنك أنت عملت فتنة لم تعمل قتلاً فالقتل يزول والفتنة لا تزول.
آية (192):
*(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الأنفال) ما دلالة خاتمة الآية؟ وفي البقرة (فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192))؟(د.فاضل السامرائى)(1/500)
السياقان مختلفان، نقرأ الآيتين حتى تتضح: في البقرة قال تعالى (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)) في الأنفال قال (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)). الأولى في قريش واضحة لأنه قال (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، الأخرى عامة ليست خاصة بقريش الكلام عموم ولذلك قال (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) بينما في قريش قال (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) لم يقل (كله)، (كله) للتوكيد يفيد العموم والشمول إذن فيها آكد وإلا ما كان يأتي بالتوكيد، إذن جاء بما يدل على الشمول لما كان الكلام على الشمول والعموم عموم الكافرين، إذن هذه مسألة السياق.(2/1)
وقال في البقرة (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)) بالماضي وفي الأنفال قال (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) هذه أقرب وقتالهم كان أسبق، ما قال في البقرة (وَإِنْ تَوَلَّوْا) لم يضع احتمال التولي لأنهم سيصبحوا مسلمين، لم يضع احتمال (وَإِنْ تَوَلَّوْا) في البقرة وإنما وضعها في الاحتمال الثاني (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) الأنفال)، لم يقل (وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) في البقرة، هذا أوضحه في الإحتمال الآخر، إذن سياق البقرة في قريش لم يضع احتمال إن يتولوا أو إن يعودوا، هذا الاحتمال وضعه في الأماكن الأخرى، ولذلك قال في البقرة (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)) لأنهم سيدخلون في الإسلام، لكن في الآخرين قال (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)) هو تحسُّب لما سيفعلون في المستقبل لم يضع التحسب في قريش، فكل واحدة في سياقها، التحسب له احتمالات في هؤلاء غير الاحتمالات في غيرهم كل واحدة لها احتمالاتها فخالف الاحتمالات وزاد كل واحدة بحسب احتمالاتها كل واحدة في مكانها.
آية (193):
*(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (193) البقرة) - (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ (39) الأنفال)ما دلالة الاختلاف بين الآيتين؟(د.أحمد الكبيسى)(2/2)
في سورة البقرة (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (193) البقرة) في الأنفال نفس الآية (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ (39) الأنفال) إضافة كله، ما الفرق بين الحالتين؟ الحالة الأولى تتكلم عن المشركين عن ناس وثنيين في قريش يعبدون الأصنام وأتوا لقتال المسلمين وشنوا الغارة عليهم كما تعرفون وهذه سنة الله في خلقه ضعيف وقوي حق وباطل والحرب بينهما سجال فبدأت هجمات المشركين حينئذٍ هؤلاء رب العالمين يقول (وَقَاتِلُوهُمْ) وما قال اقتلوهم أنت لاحظ الدقة رب العالمين هنا يأمر بالدفاع عن النفس ناس في مكة أنتم في المدينة جاءت جيوش الشرك كلها الذي يحمل صنم من تمر والذي من حجر والذي سكران والذي يغني أغاني الأصنام القديمة ناس مشركين يعبدون الأصنام وجاؤا لكي يقتلون الناس يقتلون المسلمين الله قال قاتلوهم يعني بس دافعوا عن أنفسكم حتى إذا انهزموا خلاص خليهم يذهبون (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (61) الأنفال) قال (وَقَاتِلُوهُمْ) ما قال واقتلوهم حينئذٍ لماذا نقاتلهم؟ حتى لا تكون فتنة هذا واحد، اثنين يكون الدين لله لم يقل كله فهناك لا يوجد دين ثاني ذاك ليس ديناً فالدين الوحيد بين الاثنين هو دين الله عز وجل (حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) معروف أن كل جيش يغزو دولة صغيرة ويحتلها تصبح فتنة واضح بكل التاريخ منذ أن خلق الله الأرض لما جيش النمرود على إبراهيم جيش فرعون على موسى وجيش الرومان واليونان وكل الجيوش الغازية التي تحتل أرضاً أخرى تُحدِث فيها فتناً.(2/3)
الفتن ما يلي: أولاً تخلق طبقة للجواسيس والعملاء يعني هذا السامري واحد من عملاء فرعون وقارون وهو ابن عم موسى لكنه انضم إلى فرعون المحتل وهكذا كل المحتلين في العالم منذ فجر الخليقة إلى الآن يحدثون فساداً وأنتم تسمعون الآن في كل الدول تشكو من الفساد خاصة الدول التي تُحتلّ كأفغانستان والعراق والشيشان وغيرها دائماً شكوى المحتلين الجيش الغازي من الفساد الذي يجدونه عند ذلك الشعب الذي احتلوه يعني هذا طبيعي وتلقائي وقانون من قوانين الاحتلال عندما تحتل بلد تطلع جماعة فيها أنواع الفتن يسمونهم أهل الفساد هناك فتنة مال يسرقون وينهبون وهؤلاء يسمون أهل الفساد هناك جاسوسية يصبحون عملاء هذا المحتل دائماً يخلق الطائفية ويخلق التوتر العرقي يخلق التوتر الفئوي يشجع الأديان المنافية المعاكسة لدين ذلك البلد كما يحدث في كل الدول التي احتلها الغرب في هذا القرن في كل الدول من سنة 1917 إلى الآن جميع البلدان الإسلامية احتُلّت من قبل الغربيين حينئذٍ خلقوا طوائف وخلقوا أحزاب مرتدة وخلقوا ناس لصوص وخلقوا عملاء الخ هذا على الرأي أن الناس على دين ملوكهم أو محتليهم. حينئذٍ أنت تفجر في هذه النفس وكلنا معرّضون لفتنة فتنة مال فتنة جنس فتنة حكم فتنة سرقة فتنة باطل فتنة خيانة، الخير والشر في الإنسان موجود فأنت إما أن تعين أخاك على الخير وإما أن تعين الشيطان على أخيك ولذلك لكي لا تكون فتنة هذا واحد، عليك أن تدفع هذا الغازي وأن تدفعه عن أرضك فتقاتله ولا تقتله إلا إذا ما من بُدٍ إذا أراد أن يقتلك اقتله لكن قاتله لكي يخرج من بلادك لكي لا يُحدِث فتنة في بلادك بحيث يمزق شعبك وأمتك وبلادك مزقاً لا يبقي شيئاً على شيء وهذا شأن كل احتلال في الأرض بدون استثناء، هذا واحد. ((2/4)
وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) الآية تدل على ناس قادمين ليغزوا ديار المسلمين وهم وثنيون لكي يقضوا على دين الله عز وجل فرب العالمين قال (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) وليس للصنم هذا عندما يهاجمك المحتلون الوثنيون. الآية الثانية في الأنفال (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ (39)) عندما يهاجمك ناس يدّعون بأنهم مسلمون أو يدّعون بأنهم موحدون أو يدّعون بأنهم يعرفون الله ولكن على ضلالات وعلى بِدَع وعلى غموض هذا ليس ديناً من أديان الله وإنما أديان تسمى بهذه العناوين وهي بعيدة فلا بد من توحيدها على كلمة التوحيد وأنتم تعرفون جميع الأديان السماوية انفلقت منها طوائف غير متدينة وإن ادّعت بأنها متدينة وإنما ما من طائفة انشقّت عن دين سماوي اليهودية أو المسيحية او الإسلام إلا وهي مشركة بنوع من أنواع الشرك، أو مفرِّقة أو مبتدعة أو طائفية ولهذا رب العالمين قال هؤلاء لكي (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) وهذا هو الفرق بين ويكون الدين لله وبين ويكون الدين كله لله هذا واحد.(2/5)
اثنين رب العالمين عز وجل يختم الآية الأولى بقوله (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة) وفي الثانية يقول (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الأنفال) من حيث أن الثاني ربما يتوسل إليكم بأساليبه مدّعياً أنه منكم أنه مسلم أنه يوحِّد الله وهذا خطير أخطر من الأول فالأول معروف أن هذا وثني لا يؤمن بالله إطلاقاً ولذلك جرت سنة الله في خلقه بناءً على هاتين النهايتين في الآيتين (فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) وكل احتلالٍ ظالم، خُذ التاريخ كله ما من دولة محتلة دولة قوية تحتل بلداً ضعيفاً إلا انتهت تلك الدولة القوية إلى لا شيء وبزمنٍ قصير غير متوقع حتى تصبح عبرة يعني جيش النمرود جيش جيش دولة فرعون (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف) تغرق الدولة كلها في ساعة جيوشها وضباطها ووزراؤها وكنوزها دولة صار لها آلاف السنين دولة فرعون آلاف السنين عمرها وهكذا خذ الإتحاد السوفييتي هذه الدولة الجبارة احتلت أرض بسيطة دمرتها تدميراً واختفت هذه القوة الجبارة هي وحلف وارسو الخ اختفت من الوجود وهكذا كل محتل وفي زمنٍ قصير هذا المحتل القوي الجبار المتمكن الذي لا يُقهر عندما يحتل دولة ضعيفة ينتهي باللامنظور لا تعرف كيف، كالتسونامي تسونامي إما من مرض كما فعل في النمرود جراد وقمل وبعوض يدخل في الآذان أو موجة مياه كما فعل في فرعون أو أزمة مالية كما يحدث الآن أو أمراض قاتلة كالإيدز والسرطان.(2/6)
رب العالمين له قوانين إذا قوتان متعادلتان أو متكافئتان يتركهما لحالهما على قواعد النصر والهزيمة ولكن إذا كانت قوة جبارة هائلة مع قوة يسيرة سواء كان شخصاً أو ملكاً أو شيخاً أو رب عائلة أو جاراً أو موظفاً أو مديراً عاماً أو ضابطاً مع جندي يستضعفه فيظلمه ظلماً شديداً لابد رب العالمين يتدخل تدخلاً مباشراً لكف هذه القوة الطاغية على القوة الضعيفة بحيث تذهب بأمرٍ لا تدري كيف ويبقى الناس محتارين ما الذي أذهب هذه القوة؟! يعني إلى اليوم نحن صار لنا كم سنة لماذا سقط الاتحاد السوفييتي؟ لا تعرف، لماذا سقطت غواصاته الجبارة التي تدمر الأرض خمسين مرة وعليها خيرة العلماء والضباط العظام في الذرة والحرب الذرية سقطوا في البحر ولا يعرف أحدٌ لماذا؟ غواصاتهم تعطلت وانتهى الأمر. هذا تكرر في كل التاريخ ولهذا (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) حربنا اليوم كله لله الكل يدعي أن الله يحدثه كل من يقول لك والله أنا الله يتكلم معي ويقول لي كذا وهذا يقول أنا الله وياي ويقول كذا الخ لكن هذا غير صحيح لا بد أن يكون الدين هذا المتنوع المدّعَى المتطرف الخ لا بد أن يكون كله لله على وفق ما جاء في كتاب الله الذي ليس فيه لبس لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (285) البقرة) المساواة في الخلقة ،كل الناس سواسية العدل أولاً (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ (90) النحل) هذه هي القواعد العامة التي هي الدين كله لله.
استطراد: وهذا هو موقف الصديق سيدي الفاضل عندما سلّ سيفه لمواجهة أولئك الذين امتنعوا عن دفع الزكاة مع دعواهم بأنهم مسلمون ومؤمنون.(2/7)
الخوارج الذين ادعوا أنهم مسلمون وقتلوا مسلمين ثم أذهبهم بحيث لا تعرف يعني انتهوا بشكل لا تدري كيف اختفت فيهم الأرض؟!
استطراد: اسمح لي سيدي الفاضل هذا التصنيف الذي تفضلت به من التفريق بين آيات القتال بحسب الزمان والمكان والفئة من الضرورة بمكانٍ عظيمٍ اليوم خاصة أن كثيراً من الشباب الذين يأخذهم الحماس فهموا أن الآيات اللاحقة قد نسخت الآيات السابقة فلم يأخذوا من القتال إلا (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (191) البقرة) كأن هذه الآية هي النازلة وكأنما الآيات الأخرى كلها منسوخة وغاب عن بالهم المرحلية والتدرج.
هذه النهاية يا سيدي هذا الدين يجعل القتل آخر الكيّ ولهذا (وَقَاتِلُوهُمْ) وقال (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) الأنفال) يعني خليك قوي بحيث لا يحصل قتال. إذاً إعداد القوة في الإسلام تكون قوياً حتى عدوك لا يقاتلك وفعلاً لو أن العرب أو المسلمين أو أي دولة في العالم قيوة جداً لماذا روسيا وأمريكا لم يتقاتلوا؟ لأن كل واحدة ترى الثانية قوية فإعداد القوة يمنع القتال فإن هاجموك لضعفك فقاتلهم يعني أن تنهض لقتال الذي يحتل بلادك فرضٌ كالصوم والصلاة وهذه قضية كونية لا يختلف فيها اثنان القوانين الدولية والأمم المتحدة والأخلاق والعرف والشرف كل هذا يقول إذا دخل عليك واحد إلى بيتك لا بد أن تطرده.
آية (194):
* ما المقصود ببقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (194) البقرة)؟(د.حسام النعيمى)(2/8)
لا يجهلن أحد علينا فنعاقبه بمثل ما فعله أو بما يزيد، وسمى العقاب جهلاً على طريقة المشاكلة هذا يسمونه العرب وأهل البلاغة المشاكلة أن يستعمل اللفظة نفسها وإن كان المفهوم غير. المفهوم عقاب لكن يأخذ اللفظة نفسها فيستعملها على سبيل المشاكلة وليس على سبيل المفهوم الثابت نفسه، نفس الدلالة التي دل عليها . من ذلك قوله عز وجل هو ليس عدواناً وإنما عقاب على عدوانهم لأن ردّ العدوان ليس عدواناً. كما في قوله (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) صحيح أن اللفظة في دلالتها الأساسية عدوان لكنها في الحقيقة ردٌ لعدوان وإنما استعملت للمشاكلة. وكذلك هنا أيضاً (ويمكرون ويمكر الله) هم يمكرون ويمكر الله، هم يدبرون السوء، المشاكلة المكر هو نوع من عقاب الله تعالى يعاقبهم على مكرهم فعقوبة الله تعالى لهم سميت مكراً من قبيل المشاكلة. (ويمكر الله) هذا المكر من الله ليس تدبيراً سيئاً في ذاته وإنما هو سوء لهم أوسوء عليهم والأصل في غير القرآن : ويدبر الله لهم العقاب.
*لم سُميّ جزاء العدوان عدواناً ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هذا من قبيل المشاكلة اللفظية وهي الإتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى ومثله قوله تعالى (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا (40) الشورى) وكأن في ذلك إشارة لك أخي المؤمن إلى أنه الأَولى لك هو الصفح والعفو لا الانتقام ومجازاة المعتدي إذا كان المعتدي عليك مسلماً مثلك فسمى حقك في الرد على عدوان غيرك لك عدواناً ترغيباً لك في العفو والصفح.
آية (196):
*(وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) البقرة) لِمَ أظهر هنا لفظ الجلالة ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)(2/9)
في قوله (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) أظهر لفظ الجلالة لتربية الهيبة في النفوس من عظمة الله تبارك وتعالى حتى تكون أكثر خشية وهذا ما يفعله التعبير بالإسم الظاهر أكثر مما يفعله الضمير في هذا الموضع.
آية (197):
* ما الفرق بين الفسق والكفر والظلم؟( د.فاضل السامرائى)
سئل هذا السؤال أكثر من مرة. الفسق الخروج عن الطاعة من فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها ويمتد من أيسر الخروج إلأى الكفر كله يسمى فاسقاً. فالذي يخرج عن الطاعة وإن كان قليلاً يسمى فاسق والكافر يسمى فاسقاً أيضاً وقال ربنا عن إبليس (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (50) الكهف) (وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) النور) الكفر سماه فسوق والنفاق سماه فسوق (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ (18) السجدة) فإذن الفسق ممتد وهو الخروج عن الطاعة. في غير هذا قال (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (197) البقرة) ليس كفراً هنا كيف يكون كفراً في الحج؟ الفاسق ليس بالضرورة كافر فقد يصل إلى الكفر وقد لا يصل (وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ (282) البقرة) هذا ليس كفراً، الفسوق يمتد. فسق التمرة أي خرجت من قشرها أي خرج عن أمر ربه وهذا يمتد من أيسر الخروج إلى الكفر ولهذا وصف إبليس بالفسق (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)، وليس كل فاسق كافراً لكن كل كافر فاسق قطعاً (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) التوبة). كذلك الظلم، الظلم هو مجاوزة الحد عموماً وقد يصل إلى الكفر (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) البقرة) وقد لا يصل. أما الكفر فهو الخروج عن المِلّة. الكفر أصله اللغوي الستر وتستعار الدلالة اللغوية للدلالة الشرعية.(2/10)
*لم عبّر ربنا سبحانه وتعالى بالنفي في قوله (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ) ولم يعبّر بالنهي فلم يقل : ولا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
ذلك لأن النفي أبلغ من النهي الصريح فالنهي قد يعني أنه يمكن أن يحصل هذا الفعل لكنكم منهيوّن عنه. أما النفي فيعني أن هذا الفعل ينبغي أن لا يقع أصلاً وأن لا يكون له وجود أبداً فضلاً عن أن يفعله أحدٌ منكم أيها المسلمون ومن ثمّ أدخل النفي على الإسم لينفي جنس الفعل وأصله.
(وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) البقرة) تأمل أخي المؤمن كيف ذكر الأمر بالتقوى عاماً للناس كلهم ثم أمر أولي الألباب خاصة بالتقوى، هذا يسمى الإطناب وفائدة الإطناب هنا أن الأمر بالتقوى ليس خاصاً بأولي الألباب وحدهم ولا يتوجه الكلام إليهم دون غيرهم لأن كل إنسان مأمور بالتقوى لكن ذكر هنا الخاص بعد العام للتنبيه على فضل الخاص وهم أولوا الألباب وأرجحيته على العام وهم عوام الناس لأن الناس يتفاضلون بالألباب وبها يتمايزون.
آية (199):
*انظر آية (173).???
*ما الفرق بين (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ (199) البقرة) – (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ (135) آل عمران)؟(د.أحمد الكبيسى)(2/11)
الموضوع الثاني في البقرة أيضاً استدراك على بعض الأخوان قال نحن لم نفهم عن الحج في البقرة يقول (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ (197) البقرة) وقال (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ (199) البقرة) هل قمنا بشي؟ نحن كنا نعبد الله على ماذا نستغفر؟ وهناك في آل عمران (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ (135) آل عمران) هذه فهمناها فعل فاحشة يستغفر معقول أما أن أحج وأستغفر؟! كيف الربط؟ والله كلام منطقي نصلي نستغفر نزني نستغفر فهمونا ما الأمر؟ قال لك لا أنت واهم أنت تظن أنك صليت خلاص لا؟ لا فأنت مصيبتك في الصلاة والحج أكثر من مصيبتك في الزنا. فالزنا ذنب تذنب تستغفر الله وخلاص تبت توبة حقيقية تماماً وندمت وحزنت وأقلعت والله ما بقي عليك ولا شعرة. لكن أنت ذنوبك في العبادات تحبط الأعمال الزنا لا يحبط الأعمال، ذنوبك في العبادات يحبطها الرياء يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من حسنت صلاته في المسجد لِما يرى من نظر الناس إليه فقد حبط عمله) أنت تصلي مثلي أنا ونجيب نصلي بسرعة مستعجلين لكن لما كنت أنت في المسجد والملك جالس والأمراء والمشايخ والمطاوعة وفلان وفلان فأنت تقوم بالخشوع في صلاتك أنت هنا هلكت (من حسنت صلاته في المسجد لِما يرى من نظر الناس إليه) أنت مشهور أنت شيخ أمير ملك عالم داعية شاعر أديب فتسمع جاء فلان وفلان فلان حتى لو ممثل وممثلة الخ المهم أنت مشهور فلما أتيت أشاروا عليك بالبنان هذا هذا فلما نظر الناس إليك أنت صليت صلاة في غاية الاحترام هلكت، يعني يا ريتك ما صليت هذه الصلاة لو تركتها لكان خيراً لك تقضيها، لكن هنا هلكت .(2/12)
من أجل هذا كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء الصلاة مرة يقول الله أكبر ومرة يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام أغلب الحالات يقول استغفر الله. استغفِر الله يا رجل (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ(7) الشرح) انصب بالدعاء والاستغفار. أقول لك شيئاً لنكن واقعيين كل واحد منكم زار رئيس دولة أمير ملك مسؤول كبير جداً واحد شخصية عظيمة وأنت لك حاجة عنده قابلته وخرجت كلنا جميعاً عندما يخرج يا ترى كان كلامي معقول؟ كان فيه غلط؟ يا فلان كيف كان موقفي؟ هذه الكلمة لم تكن حلوة؟ ومرة فعلاً يقال عن الملك الحسين ملك الأردن عمل غداء للناس فواحد أكل بشراهة شوية فغضب وقال أنا معدتي للشبع؟ أنا معدتي للشرف تأكل لقمة وتسكت.(2/13)
ولهذا في الأردن في تقليد جميل جداً عندما تدعى لوليمة تأكل في بيتك نصف أكلة يسموها لقمة الكرامة وهذه سمعتها منهم الأردنيين يعني في غاية الذوق والأدب أنت عندما تكون مدعو على الغداء والغداء الساعة 2 بعد الظهر قطعاً أنت جائع وبالتالي ستأكل بشراهة وبعض الناس صغير فأنت عندما تكون مع الملوك تأكل لقمة ونصف فقط للشرف أنك أنت حاضر المائدة وأجبت الدعوة وتشرفت بمقابلة هذا الوجيه أما أن تأكل والملك جالس! فإذا كان هذا مع ملك بشري فكيف مع الله يا ترى أنت كان وضوءك كاملاً؟ لما قرأت كنت خاشعاً؟ (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) المؤمنون) رب مصلي ليس له من صلاته إلا القيام والقعود، رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، رب قاريء للقرآن والقرآن يلعنه، يقول لك (وما حجّ ولكن حجت العير) أنت عندما حجيت لم تحج ولكن البعير التي حجت فما حجك أنت؟ لا رفث ولا فسوق ولا جدال ونحن نرى كلنا نتجادل ونتخاصم في الحج فوق الطاقة هذه يدفعك وتتعارك مع هذا وهذا أما أصحاب الحملات يتخاصمون لماذا لم تحضر البيض؟ ولماذا الشاي غير جيد؟ ولماذا لم تحضر كذا؟ يعني حج أيش هذا؟ وترى الحج الحقيقي أناس أفارقة وآسيوين حاملون أشياءهم وحاجياتهم كلها على أكتافهم يمشي من مكة إلى عرفة ومن عرفة إلى العزيزية ومنها إلى الطواف مشي! ويمسي يكبر لبيك اللهم لبيك ويقف على الرصيف يأكل خبزه هذا الحج ولهذا الله قال (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ) والله العظيم لولا أن الله واسع ولولا أن الله حليم للفّ هذه الحجة وقذفها في صدرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم على بعض المصلين وصلاتنا للعلم بلا مبالغة حتى لا أتجنى على أنفسنا أنا لا أحب جلد النفس دائماً نحن نجلد النفس لكن هذه حقيقة أنا واثق أن خمسين بالمائة من المصلين وأنا واحد منهم بعد الصلاة الملائكة تلفّ(2/14)
صلاتنا بخرقة بالية وتقذفها في صدورنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ماذا؟ بسرعة وأنت طاير وخمسين شغلة ببالك والجماعة ينتظرونك والسيارة واقفة بالغلط لا تأخذ عليها غرامة الخ صلاة ايش؟ أين هذا الذي صلى وسقط المسجد وما درى؟! وهذا الذي صلى وقطعت يده ولم يشعر بها كانت يده بها سرطان وقالوا له لازم نقطعها ولا يوجد مخدر فقال عندما أدخل في الصلاة وأنا في الركعة الثانية اقطعوها وفعلاً قطعوها وما شعر! هذا طبعاً حالات نادرة لكن شوية خشوع. معنى هذا أن عباداتنا تحتاج الاستغفار أكثر من ذنوبنا لأن ذنوبنا أنا واثق سيأتي بعد قليل موضوع آخر (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ (284) البقرة) يعني أنت رب العالمين يبتليك بشيء في صدرك وشيء في نفسك.
آية (201):
* قال تعالى (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً) ما هي حسنة الدنيا وحسنة الآخرة؟لم كانت هذه الآية من أحب الدعاء لقلب النبي ؟(د.حسام النعيمى)(2/15)